إكمال المعلم بفوائد مسلم

القاضي عياض

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم لِلإِمَام الحَافظ أبى الفضل عيَاض بن مُوسَى بن عيَاض اليَحْصَبِى ت 544 هـ تحْقِيق الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل الجزءُ الأوّلُ

حقوق الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - ج. م. ع - المنصورة الإدارة: ش الإمام محمد عبده المواجه لكلية الآداب ص. ب 230 ت: 342721/ 356220/ 356230 فاكس 359778 المكتبة: أمام كلية الطب ت 347423

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِم لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكْمَال المُعلِم بِفَوَائِدِ مُسْلِم

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الإهداء

الإهداء * إلى "جبهة علماء الأزهر" فى عهدها الجديد .. * جدّد الله له بها العافية .. * وحقق له وللأمة بها الرجاء .. * وردّ بها عن الجميع كل عادية .. آمين آمين والأقطار أجمعها ... مرددات معى آمين آمين

كلهم حاولوا الدواء ولكن ... ما أتى بالشفا إلا عياض

مقدمة الطبعة الأولى

مقدمة الطبعة الأولى كتاب (إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم) واحدٌ من كتب الدراية الفريدة التى سارت بها الرُّكبان -كما شهد بذلك أهل هذا الشأن وأئمته (¬1) ثم هو واحدٌ من مصنفات القاضى عياض الكثيرة المفيدة- على وفق قول الإمام ابن كثير (¬2). وصاحب الكتاب أرفع من أن يُجهَل، وأجَلّ من أن يصاب ذِكْره بخمول، فهو - كما ذكر ابن خلِّكان: " إمام الحديث فى وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو، واللغة، وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم" (¬3). لا يُدرَك -كما قال الحافظ القضاعى (¬4) - شأوه، ولا يبلغ مداه فى العناية بالحديث، والآثار، وخدمة العلم، فكان جمال العصر، ومفخرة الأفق، وينبوع المعرفة، ومعدن الإفادة، وإذا عدت رجالات المغرب - فضلاً عن الأندلس - حسب فيهم صدرا (¬5). ومع هذا لم يَحْظَ كتابٌ بحظ وافر من الغمط مثلما حظى هذا الكتاب مع أخيه المعلم!!، إنك لا تكاد تطالع كتاباً من كتب أئمة الرواية والدراية لكل من أتى بعده، إلا وتجد لعياض بكتابه الإكمال فيه ذكراً منشوراً، وراية خفاقة، يأرزون إليها فيما أُشْكِل، ويعتمدون على ضبطه فيما أُبْهِم، بل كان أحياناً أصلاً من أصول كتب ذاعت بسببه واشتهرت - كالمنهاج للنووى، وإكمال الإكمال وتكملته للأبى والسنوسى (¬6). كل واحد منهم لزم ظله، ووضع يده حيث كان يرفع قدمه. ثم هذا ابن حجر فى " الفتح "، والعينى فى " العمدة "، يلزم كل منهما ضبطه، وينسج فى الكثير من مباحثه على نوله (¬7). ¬

_ (¬1) سير 20/ 212، 215، طبقات الحفاظ 46. (¬2) البداية والنهاية 12/ 241. (¬3) وفيات الأعيان 3/ 483. (¬4) هو الحافظ محمد بن عبد الله بن أبى بكر، القضاعى، المعروف بابن الأبار، توفى سنة 658، ومن مؤلفاته التى نقل عنها ما قيدناه " معجم أصحاب الصدفى ". (¬5) فهرس الفهارس 2/ 184. (¬6) راجع فى ذلك على سبيل المثال موقف النووى من شرحه لحديث: " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " فى كتاب الإيمان حيث يقول: وأما معنى الحديث وما أشبهه فقد جمع فيه القاضى عياض- رحمه الله- كلاماً حسناً، جمع فيه نفائس، فأنا أنقل كلامه مختصراً ثم أضم بعده إليه ما حضرنى من زيادة. نووى 1/ 184. والأبى هو محمد بن خلف، لزم ابن عرفة زماناً، وتولى قضاء الجزيرة، توفى سنة 828. أعلام المحدثين، وكتابه إكمال الإكمال وبهامشه مكمل الإكمال، طبع بدار السعادة بالقاهرة. (¬7) لمجرد التمثيل فقط انظر: الفتح 9/ 119، 164 وعمدة القارى 2/ 169، 9/ 189.

الدراسة

الدراسة وتشمل: 1 - ترجمة للقاضى عياض وللإمام المازرى صاحب المعلم 2 - الحديث عن نسخ الكتابين وبيان قيمتهما العلمية 3 - أسانيد القاضى عياض إلى صحيح مسلم

عصر القاضى عياض ونسبه

عصر القاضى عياض ونسبه يُعدُّ القاضى عياض أحد أئمة الرواية والدراية الذين نبتوا بأرض المغرب، وذاع صيتهم بالحق فى أرجاء المعمورة، وثبَّت الله بعلمهم وعملهم أمر الإسلام فى أوطانهم. لقد شهد عصره مولد أشر فتنةٍ حلت بأرض الإسلام بالمغرب، على يد قرينه ابن تومرت (¬1)، كلاهما ولد فى عصر واحد، وفى وطن واحد، ونشأ نشأة واحدة، هى نشأة الطلب، لكن الثانى كان له غاية غير غاية صاحبه، هى نوال الرياسة (¬2)، فدخل فى الدماء وشغف بالمؤامرات، حتى سهل لأعداء الأمة اصطياده، وتسخير مواهبه لتحقيق مأربه ومأرب عدو دينه وأمته، فتجهز لذلك بالحيل، حتى إنه طلب من أحد الفقهاء الذين خدعوا به - وهو عبد الله الونشريسى - أن يخفى علمه وفصاحته، ويتظاهر بالجهل واللكن مُدَّة، ليجعل من إظهار نفسه أمام الأغرار معجزة. قال الذهبى: " فلما كان عام تسعة وخمسمائة خرج يوماً فقال: تعلمون أن البشير - يريد الوَنشريسى - رجُلٌ أمى، ولا يثبت على دابة، فقد جعله الله مُبشِّراً لكم، مطلعاً على أسراركم، وهو آية لكم، فقد حفظ القرآن، وتعلم الركوب، وقال: اقرأ، فقرأ الختمة فى أربعة أيَّام، وركب حصاناً وساقه، فبُهتوا، وعدوها آية لغباوتهم، فقام خطيباً وتلا: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (¬3) وتلا: {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬4) - فهذا البشير مطلع على الأنفس، مُلهم، ونبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن فى هذه الأمة محدَّثين، وإن عمر منهم " (¬5)، وقد صحبنا أقوامٌ أطلعه الله على سِرِّهم، ولابد من النظر فى أمرهم، وتيمُّم العدل فيهم، ثم نودى فى جبال المُصامدَة: من كان مطيعاً للإمام فليأت، فأقبلوا يُهرَعون، فكانوا يُعرضون على البشير، فيُخرجُ قوماً على يمينه، ويَعُدُّهم من أهل الجنة، وقوماً على يساره فيقول: هؤلاء شاكُّون فى الأمر، وكان يُؤتى بالرجُل منهم فيقولُ: هذا تائبٌ رُدوهُ على ¬

_ (¬1) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربرى المصمودى الهرغى، نسبة إلى قبيلة كبيرة من المصامدة فى جبل السوس فى أقصى المغرب، الخارج بالمغرب، المدَّعى أنه علوى حسنى، وأنه الإمام المعصوم المهدى، وقد لقبته أمه تومرت، وسبب ذلك- فيما ذكر صاحب المقتبس من الأنساب- أن أمه فرحت به وسرت، فقالت باللسان الغربى: " آتومرت اينويسك أبيوى "، ومعناه: يا فرحتى بك يا بنى، فكانت تكثر من ذلك، وكانت أيضاً إذا سئلت عن ابنها وهو صغير تقول باللسان الغربى: " بك تومرت " معناه: صار فرحاً مسروراً، فغلب عليه لذلك اسم تومرت. المقتبس من الأنساب: 31. (¬2) سير 19/ 541. (¬3) الأنفال: 37. (¬4) آل عمران: 110. (¬5) البخارى فى الصحيح، كتاب فضائل أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، باب مناقب عمر 7/ 42.

اليمين، تاب البارحة، فيعترف بما قال. واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يُطلق أهل اليسار وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يَفرُّ منهم أحد، وإذا تجمَّع منهم عدة قتلهم قراباتهم حتى يقتل الأخ أخاه (¬1). قال فيما نقله عن اليسع من تاريخه: " وكل ما أذكره من حال المصامدة فقد شاهدته، أو أخذته متواتراً، وكان فى وصيته إلى قومه إذا ظفروا بمُرابطٍ أو تلمسانى أن يحرقوه " (¬2). قال: " فالذى صحَّ عندى أنهم قُتِل منهم سبعون ألفاً على هذه الصفة، ويُسمُّونه التمييز " (¬3). وقال ابن خلكان: " وقد بلغنى أن ابن تومرت أخفى رجالاً فى قبورٍ دَوارِس، وجاء فى جماعةٍ ليريهم آيةً، فصاح: أيُها الموتى، أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدى المعصُوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف من انتشار الحيلة فخسَف فوقهم القبور فماتوا " (¬4). وبهذه الحيل جمع حوله الكثير من أغرار قومه لينقضَّ بهم على إمام المسلمين بالمغرب وحامل راية الجهاد فيها ضد الصليبية المتربصة، يوسف بن تاشفين (¬5)، وغرَّه به حبُّه للعفو وميله إلى العلماء، فكان أن عمد إلى حيلة أخرى معه، بأن ذهب قبل الفجر وجلس حيث يجلس يوسف بن تاشفين للصلاة، فلما حضر الأمير، تمسك بحقه المزعوم بالمكان لأنه السابق إليه، ثم بدأ يوجه له اللوم فى تقصيره تجاه حق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كل ذلك ليلفت الأنظار إليه، ويكسب ما يمكن كسبه من أنصارٍ منه. حتى إذا غادر يوسف مراكش إلى إسبانيا ليصد عادية الفونس الأرجونى على ¬

_ (¬1) سير 19/ 545. (¬2) نفسه. (¬3) السابق 19/ 546. (¬4) وفيات الأعيان 5/ 54، سير 19/ 551. (¬5) أمير المسلمين، صاحب المغرب، يوسف بن تاشفين اللمتونى البربرى، ويعرف أيضاً بأمير المرابطين، وهو الذى بنى مراكش وصيرها دار ملكه، وكان ذلك سنة (465)، ثم عبر إلى الأندلس لينجد الإسلام، فطحن العدو فى معركة الزلاقة، كان حليماً ديناً خيراً، يحب أهل العلم والدين. قال ابن خلكان: بلغنى أن الإمام أبا حامد الغزالى لما سمع ما هو عليه من الأوصاف الحميدة عزم على التوجه إليه، فوصل الإسكندرية فوصله خبر وفاته بها، فرجع عن ذلك. مات فى أول سنة خمسمائة، وله بضع وثمانون سنة. الكامل 10/ 417، وفيات الأعيان 7/ 112، سير 19/ 252.

غرناطة (¬1) هَبَّ ابن تومرت بمراكش يدعو إلى دولة الموحدين، تعريضاً بالمرابطين الذين وصفهم بالمجسمين - ويعنى بالموحدين أصحابه، ثم أصحاب عبد المؤمن بعده (¬2). وقامت دعوته على أساس أن الإمامة ركنٌ من أركان الدين، وعمدةٌ من عمد الشريعة (¬3)، وأن الإمام لا يكون إلا معصوماً من الباطل، ومعصوماً من الضلال، ومعصوماً من الفتن، ومعصوماً من العمل بالجهل (¬4). وعرَّف الإمامة بأنها الاتباع والاقتداء، والسمع والطاعة والتسليم، وامتثال الأمر، واجتناب النهى، والأخذ بسنة الإمام فى القليل والكثير (¬5). فهى دعوة واضحة الملامح فى أصولها وأسلوبها، دعوة شيعية لا خفاء فى هذا، الغرض منها ضرب الجهاد الإسلامى فى الغرب العربى حين عزَّ عليها الإجهاز عليه فى دار الخلافة بالمشرق ببزوغ دولة صلاح الدين الفتية فيه، وتحطيمه لآمالها به. فكان أن تعاون الخبث الشيعى مع الكيد الكنسى ضد دولةٍ أذاق الله بجهادها الصليبيين فى الغرب والأندلس عذاب الهوان والخوف، وكان إمامها على ما يحرزه من نصر وتمكين لا يزداد على هذا إلا طاعة للخليفة فى دار الإسلام ببغداد. يقول ابن الأثير - وهو من أقدم مصادرنا فى ذلك -: " إن يوسف بعد أن تم له افتتاح ممالك الطوائف والاستيلاء على الأندلس وعاد إلى حضرة ملكه مراكش، جمع الفقهاء، وأحسن إليهم، فذكروا له أنه ينبغى أن تكون ولايته صادرة من الخليفة لتجب طاعته على الكافة، وأنه يجب أن يأتيه منه تقليد بحكمه للبلاد، فأرسل يوسف على أثر ذلك إلى الخليفة المقتدى بأمر الله، فوافقته الخلع والأعلام، والتقليد، ولقب بأمير المسلمين وناصر الدين (¬6). وذلك على رغم وفرة قوته وامتداد دولته، فقد امتدت مساحتها حتى شملت من تونس شرقاً إلى المحيط الأطلنطى غرباً، ومن ضفاف نهرى الأميزو والتاجة فى شبه الجزيرة الإسبانية شمالاً إلى قلب الصحراء الإفريقية الكبرى ونهر النيجر جنوباً (¬7). وفى قوته يقول الذهبى: " تملك مدائن كباراً (¬8) بالأندلس، وبالغدوة، ولو سار ¬

_ (¬1) يسميها الإسبان: كرانادا، وتعنى: الرمان، سميت بذلك لكثرة أشجار الرمان المنتشرة فى ضواحيها وبساتينها ووصفها لسان الدين بن الخطيب بقوله: بلد تحف به الرياض كأنه ... وجه جميل والرياض عذاره وكأنما واديه معصم غادةٍ ... ومن الجسور المحكمات سواره رحلة إلى الأندلس: 56. (¬2) العبر: 6/ 299، الكامل 10/ 576، تاريخ الأندلس فى عهد المرابطين والموحدين: 194. (¬3): (¬5) المهدى بن تومرت: 234 - 249، عن كتاب الإمامة، له: 245 - 255. (¬6) الكامل 10/ 417، وفيات الأعيان 7/ 112، سير 19/ 252. (¬7) عصر المرابطين والموحدين: 49. (¬8) سير 19/ 254.

لتملك مصر والشام. وقد تم له ذلك بعد واقعة الزلاقة عام (479 هـ/ 1086 م)، تلك الواقعة التى أدال الله فيها للمسلمين بالأندلس، وصارت بها الأندلس ولاية غربية تخضع لحكومة مراكش بعد أن كانت دويلات متخاذلة متنابذة يسودها الانحلال، ويقضم أسسها الترف والخور " (¬1). ويقول محمد عنان: " كان المرابطون يضطرمون بروح جهاد قوية خالصة، وقد استطاعوا فى ظل هذا الروح الدافع أن يصدوا عن الأندلس عدوان إسبانيا النصرانية، وأن يحرزوا بعد الزلاقة النصر فى عدة مواقع مماثلة حاسمة فى صدع قوى إسبانيا النصرانية (¬2)، وقد أحرز المرابطون خلاله ضد النصارى عدة من الانتصارات الباهرة، ولا سيما فى إقليس سنة (501 هـ/ 1108 م) وفى إفراغة (528 - 1134)، وقد استطاع المرابطون على وجه العموم -حتى أواخر عهدهم- أن يحافظوا على رقعة الوطن الأندلسى، ولم يصدع من كفاحهم ضد النصارى سوى قيام الثورة عليهم فى مختلف القواعد عند ظهور الموحدين وعبورهم إلى الأندلس (¬3). بدأت ثورات الموحدين حين جاز على بن يوسف بن تاشفين الجواز الثانى والثالث بنفسه إلى إسبانيا سنة (515 هـ/ 1121 م)، وغزا أرض طليطلة والبرتغال، وأثخن فيها، واستولى على قلعة قلمرية الهامة، وأتى على جميع سكانها النصارى قتلاً وأسراً، ثم عاد إلى قرطبة، ومنها إلى إفريقية بعد أن عهد إلى أخيه تميم بالنظر فى شؤون الأندلس، ثم ثارت فى قرطبة ثورة شديدة، اضطرته أن يعبر من إفريقية بجيش ضخم، فاضطرمت ثورة الموحدين بعبوره هذا اضطراماً استغرق كل اهتمامه وقواه، ولم تتح له أن يولى شؤون الأندلس كثيراً من عنايته (¬4). وكان هذا شأن المرابطين وسنتهم فى أراضى النصارى كل عام تقريباً، ويعودون بكثير من الأسرى والغنائم العظيمة، ففى رجب سنة (503 هـ) سار على بن يوسف فى نخبة جنده المرابطين إلى ولاية طليطلة، واستولى على عدد كبير من القلاع والحصون الصغيرة، وانتسف الحقول، واسترق السكان، وبث الروع والذعر حتى أبواب عاصمة إسبانيا النصرانية، ثم عاد إلى قرطبة مكللاً بغار الفخر، ثم عهد إلى ¬

_ (¬1) عصر المرابطين والموحدين: 25، وقد كانت المغرب قبل ذلك بنحو قرن فقط ولاية أندلسية، تخضع لخلافة قرطة الأموية. (¬2) استولت جيوش المرابطين بعد الزلاقة فى فترة لا تتجاوز عشرين عاماً فيما بين سنتى (483 - 502 هـ) تباعاً على دول الطوائف. عصر المرابطين والموحدين: 25. (¬3) عصر المرابطين: 27. (¬4) الأندلس فى عهد المرابطين والموحدين: 146.

قائده مزدلى بتكرار هذه الغزوات لسفره إلى مراكش، وفى نفس الوقت الذى كان على يهدد فيه طليطلة سار جيش آخر من المرابطين بقيادة الأمير سيرين أبى بكر إلى البرتغال لمقاتلة أميرها الكونت هنرى، وافتتح شنترة وبطليموس وبايرة، وشنترين، وأشبونة، وهدد قلمرية عاصمة الولاية، وسار جيش ثالث بقيادة والى مرسية، فاخترق سرقسطة وحاصر برشلونة مدى عشرين يوماً، ثم غادرها سنة (504 هـ/ 1111 م) وفى سنة (506/ 1113 م) سار مزدلى إلى طليطلة وحاصرها ثمانية أيام، واستولى على قورية (1). وفى عام (509 هـ/ 1114 م) غزا مزدلى قشتالة مرة أخرى، واستشهد فيها، وخلفه فى الولاية والقيادة ولده محمد، وفى هذا الوقت - أوائل سنة (1115 م) - فقد المرابطون الجزائر الشرقية (البليار) ثم استردوها، وكان القطلونيون قد استولوا على جزيرة ميورقة، وقتلوا أهلها المسلمين، فسير المرابطون أسطولاً إلى ميورقة، واستردوها وانتقموا للمسلمين، ثم سيروا بعض سفنهم إلى شواطئ اشتوريش وجليفية بشمالى غربى أسبانيا (2). وكان من أثر انتساف الحقول على إسبانيا الوسطى ونقص المحصول المرتب على سوء الأحوال الجوية، أن عصف بشبه الجزيرة الإسبانية سنة (511 هـ/ 1117 م) قحط شديد، ذهب فى سبيله من الأرواح ما لم يذهب من قبل بالحرب والسيف (3). فى أثناء ذلك سار على بن يوسف فى المحرم سنة (511 هـ) فغزا قَلمريَّة بالبرتغال، وأثخن فى تلك الأنحاء تخريباً وقتلاً وسبياً، ولم تستطع قوات الملكة بيتريسا ملكة البرتغال أن تقوم بأية أعمال دفاعية ذات شأن، وفرَّ أمامه النصارى فى كل مكان، واعتصموا بالمعاقل المنيعة، وإنه على العموم -كما يقول يوسف أشياخ- دوَّخ بلاد الشرك بجيوش لا تحصى (¬4). بيد أنه فى رمضان سنة (512 هـ/ ديسمبر 1118 م) سقطت سرقسطة - ثانى معقل للمسلمين فى إسبانيا، بعد أن لبثت فى قبضتهم أربعمائة عام، واتخذ ملك أراجون منها عاصمة لملكه، وحول مسجدها الجامع إلى كنيسة، وجعل منها مركز الأسقفيَّة، وكافأ الفرسان الفرنسيين الذين عاونوه بإقطاعهم أحياء منها، لا سيما الكونت جاستون (¬5). ¬

_ (1 - 3) تاريخ الأندلس فى عهد المرابطين والموحدين: 141، 142. (¬4) عصر المرابطين: 81، الحلل الموشية: 63. (¬5) الأندلس فى عهد المرابطين والموحدين: 115.

وبسقوط سرقسطة بدأت مرحلة جديدة من المؤامرة الخبيثة، مرحلة تعاون أبناء هود - ملوك سرقسطة - مع الموحدين من جهة، ومع النصارى من جهة أخرى. فقد عوض الفونسو ريموندس سيف الدولة أحمد بن عبد الملك بن هود أميرها عن أملاكه بها بأراض فى ولاية طليطلة، ثم سيره إلى قرطبة على رأس قوة من جند النصارى الذين أمدهم بها ملك قشتالة، ونودى به ملكاً على قرطبة، ولم يلبث حكمه بها أكثر من ثمانية أيام، فقد قام عليه أهل قرطبة لما انكشف لهم أثر عمالته، واضطروه إلى حصن بعض أوليائه فرنجو لسن (¬1). وظل هذا حال أبناء هود حتى عاون ابن حمدين الموحدين فى الاستيلاء على إشبيلية سنة (541 هـ/ أوائل سنة 1147 م) إذ كان حزبه هو الغالب فيها. فى هذه الأثناء سقطت مراكش، وانتهت دولة المرابطين فى إفريقية، استولى عليها عبد المؤمن، بعد حصار طويل أكلت فيها الأطعمة الفاسدة والرديئة، والجثث البشرية، وأكل السجناء فى السجن بعضهم بعضاً، وانتشرت الأمراض حتى فنى من أبنائها فى وقت قصير زهاء مائتى ألف نفس، وكان أزهق مثلها من سكان تلمسان (¬2). وكان ابن تومرت قد لقى عبد المؤمن حين نزل ملالة بعد أن طرد من مراكش عام (514 هـ) فاستبشر به لما رأى فيه من نجابة ناسبته، وصحبه على هذه الغواية، وجعله صاحب الأمر من بعده، وإليه يرجع وزر التمكين لدولة الموحدين. وما كان لمراكش أن تنالها أيدى الموحدين ويدخلوها قاهرين، لولا خيانة فرسان النصارى الأندلسيين، الذين كانوا فى جيش إبراهيم بن تاشفين، حيث كانوا من خاصته، فهم الذين عمدوا إلى جنود الموحدين ففتحوا لهم أبواب مراكش. وبسقوط مراكش تعطل الجهاد وبدأ المد الإسلامى فى الغرب فى الانحسار. على ضوء هذه الوقائع ينبغى أن ننظر إلى ما صدر عن ابن تومرت من فعال، وما تمتع به من خلال، فبغير هذا يضطرب الباحث، وقد يخرج بنتائج غير مستقيمة مع الوقائع (¬3). ¬

_ (¬1) تاريخ الأندلس فى عهد المرابطين والموحدين: 211 - 222. (¬2) السابق: 203، وفيه: أن القتل استمر فى مراكش ثلاثة أيام، بعدها هلك فيها من سكانها ستون ألفاً. (¬3) وذلك كقول ابن خلدون: ولم تحفظ عنه فلتة فى البدعة إلا ما كان وفاقه الإمامية من الشيعة فى القول بالإمام المعصوم. العبر 6/ 229. وأى داء أدوى فى العقيدة من هذا الداء، وما كان مؤخراً من إجازة رسالة علمية فى المهدى بن تومرت من جامعة الأزهر، تلمس فيها الطالب عبد المجيد النجار كل سبل لتبرئة هذا العميل ورفعه لمقام الأئمة المصلحين. رسالة دكتوراه من كلية أصول الدين برقم (1426).

لقد كان لابن تومرت بعض الجهود وبعض الخلال التى تبدو حميدة بغير ربطها بالوقائع السابقة. لقد كان فى ابن تومرت طرف من الزهد والعبادة، وكان يلبس العباءة المرقعة (¬1)، وأخذ من العلم بحظ، بل إنه تجشم الرحلة له إلى بغداد ومصر وتونس وبجاية، حتى إنه كان ممن أخذ عن الإمام أبى حامد الغزالى (¬2)، ووضع كتاباً فى الحديث اختصر فيه موطأ مالك أسماه " محاذى الموطأ " (¬3)، كذلك أملى كتاب الصحيح لمسلم على أصحابه وأسماه أتباعه: " الإعلام بفوائد مسلم للمهدى الإمام " (¬4). كل هذا لا تفسير له يناسب الوقائع السابقة غير أنه كان السبيل الذى لا سبيل غيره آنئذ لبلوغ غايته، التى للأسف بلغها وأقر بها أعين النصارى وكل عدو للمسلمين. يقول ابن القطان: " ثم أمروا - يعنى الموحدين - الصبيان الذين يربون تربية موحدية فى عهد عبد المؤمن بن على بكتب التوحيد وحفظه، وكتب موطأ الإمام وحفظه، ومسلم وحفظه " (¬5). فى هذه الظروف كان القاضى عياض أحد أعمدة المواجهة، التى اعتمد عليها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ودولة المرابطين فى منازلة الصليبيين، ومدافعة أذنابهم من أتباع وجنود دولة الموحدين المزعومة، فقربه يوسف إليه، وكان لا يحظى لديه إلا من برع فى علم الفروع (¬6). ولم يكن جو الجهاد هذا بالغريب على القاضى، فإن أجداده الأعلين قد أسرهم الصليبيون وحملوهم إلى قرطبة - كما سيأتى قريباً - مما حمل جده عمرون للرحيل إلى سبتة ليكون قريباً من أخويه الأسيرين هناك. وكان إلى القاضى عياض فضل الدفاع عن سبتة - بعد الله تعالى - حيث كان رئيسها بسبب دينه، وأبوته ومنصبه (¬7). ¬

_ (¬1) و (¬2) الفتاوى لابن تيمية 11/ 477، شجرة النور الزكية: 140 ترجمة 410. (¬3) توجد له أربع نسخ هى. أ- نسخة قديمة بالجزائر، وقع نشرها من قبل المستشرق جولد زيهر بالجزائر سنة (1905)، وتحمل عنوان. " موطأ الإمام المهدى ". ب- نسخة بخزانة القرويين رقم 40/ 181 تحمل عنوان: " محاذى الموطأ ". جـ- نسخة الخزانة العامة بالرباط برقم (1222)، تحمل عنوان: " موطأ الإمام المهدى ". د- نسخة أخرى تحت رقم (840) تحمل عنوان: " موطأ المهدى بن تومرت ". (¬4) المعروف منه نسخة فريدة بمكتبة ابن يوسف بمراكش برقم (403)، وتشمل على 405 صحيفة، وتاريخ نسخها (569 هـ). (¬5) التكملة لكتاب الصلة 1/ 95. (¬6) المعجم المراكشى: 95، عن عصر المرابطين: 78. (¬7) العبر 6/ 230.

عراقة نسبه

عراقة نسبه: القاضى عياض يضرب بنسبه إلى جذور فى أصالة النسب والعلم عريقة. فهو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض [بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض] (¬1) اليحصبى، بفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وسكون الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة، وقيل: بضمها وكسر الباء المنقوطة بواحدة. نسبة إلى يحصب. مولده سنة ست وسبعين وأربعمائة. ويحصب قبيلة من حمير، أكثرهم نزلوا بالشام، ثم تفرقوا ما بين حمص (¬2) ومصر وفاس أولاً، ثم إلى الأندلس بعد فتحها. ومن الأندلس تحول عمرون جد القاضى إلى سبتة (¬3)، بعد أن أسر العبيديون أخويه القاسم بن موسى بن عياض وعيسى، وحملوهما رهينة إلى قرطبة، فخرج عمرون إلى سبتة ليكون قريباً من قرطبة حيث أخويه. وكان عمرون رجلاً فاضلاً صالحاً، من أهل القرآن، وقد حج إحدى عشرة حجة على تنائى داره. وقد أعجب عمرون بمدينة سبتة، فاشترى بها داراً وسكنها، ثم بنى بها مسجداً، وأوقف عليه أوقافاً بها، وكذلك بنى بها مدافن للمسلمين. وظل عمرون منقطعاً فى المسجد الذى بناه إلى أن قضى به نحبه سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. وكان قد أنجب قبل وفاته بيسير ابنه عياض، الجد الأول للقاضى الذى أنجب موسى والد القاضى (¬4). وخال القاضى هو أبو بكر محمد بن على المعافرى، ويعرف بابن الجوزى، رحل لإفريقية - تونس - وأخذ عن عبد العزيز الديباجى وروى عنه، وهو ممن ألف فى التفسير والتوحيد (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من السير 20/ 213، والمثبت من التعريف بالقاضى عياض: 4، 5. (¬2) الأنساب 3/ 483. (¬3) تدخل قليلاً فى البحر، وتشرف على جبل طارق، ومنها عبر طارق بن زياد ثم يوسف بن تاشفين إلى الأندلس، ضبطها الحازمى بكسر أولها، مرساها أجود مرسى على البحر، وهى مدية حصينة؛ لأنها ضاربة فى البحر كدخول كف على زند، وهى الآن تحت الاستعمار الإسبانى. راجع: معجم ما استعجم: 182. (¬4) وقد تحولت كل هذه الآثار إلى كنائس، فحسبنا الله ونعم الوكيل. (¬5) مولده سنة 428، وتوفى سنة 483 هـ شجرة النور الزكية 121.

علمه وعمله

وفى سبتة هيأ الله للقاضى أسباب التحصيل، إذ كانت سبتة آنذاك مرفأ القاصدين إلى المشرق من المغرب، والقاصدين إلى المغرب من المشرق. وأول من أخذ عنه فيها الحافظ أبو على الغسَّانى، وأبو إسحاق اللواتى (¬1). علمه وعمله: من يطالع مؤلفات القاضى يدرك بيسر أنه كان إليه المنتهى فى ضبط الكتاب، والغيرة على العلم، سهل الانتصاف له ولو من نفسه، تستطيع أن ترى هذا فى مثل قوله فى كتاب: " الإكمال " حين يعرض للحديث " من رواية القاسم بن زكريا، حدثنا حسين، ثنا زائدة " فيقول: " كذا هو فى أكثر النسخ والأصول، ووقع فى بعضها حصين، وكذا وجدته مصلحاً فى كتابى بخطى حصين - بالصاد المهملة - ولست أدرى من أين كتبته، وهو خطأ، والصواب حسين بالسين " (¬2) أهـ. لقد كان بوسعه أن يكتفى بالتنبيه على وقوع الخطأ فى بعض النسخ، وبخاصة أنه ضبط الاسم بعد ذلك بما يدفع الخلل بعد ذلك عنه، فقال: وهو حسين بن على مولى الجعفيين (¬3)، لكن عظمة نفسه فى الحق أبت عليه أن يحجبها عن اللوم، لتحمل نصيبها من المؤاخذة فى تطرق الخلل غير المغتفر عنده لأصول كتابه، وبهذا الخلق يسَّر الله له أمر قياده لنفسه، فلم يكن ير بأساً من المجاهرة بأنه رَاجَع فى بعض المسائل من هو أعلم منه - على علو كعبه وعظمة شأنه فيه وارتفاع ذكره به، وبخاصة كتاب الإكمال هذا، الذى يغلب على الظن عندى أنه آخر ما ألف (¬4)، ومع ذلك نراه يراجع فى بعض ألفاظ الكتاب السابقين عليه من الأئمة والشيوخ، ويعلن هذا للطلبة، وهو يعلم أنه مما يسجل فى القراطيس. وذلك أنه وهو يعرض لحديث شق صدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: فى هذا الحديث من رواية عبد الله بن هاشم المختصرة عن ثابت عن أنس قال: قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انطلقوا بى إلى زمزم، فشرح عن صدرى، ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت " قال: " كذا رويناه عن جميعهم بضم الهمزة وكسر الزاى، وضم التاء، وحكى لنا بعض شيوخنا عن القاضى أبى الوليد الوقشى - وكان أكثر اعتنائه بأمثال هذه الألفاظ المشكلة والجسارة على تقويمها بزعمه وإصلاحها - أن اللفظة وهمٌ من الرواة وتصحيف وصوابها " ثم تركت "، فعرضت هذا على شيخنا أبى الحسين بن سراج الحافظ اللغوى فقال لى: هذا تكلفٌ، وأنزلت بمعنى تركت فى كلام العرب معروف، فاتفقا فى المعنى واختلفا فى صحة اللفظ ¬

_ (¬1) سيرد فى أخبار شيوخه التعريف المناسب لهما. سير 20/ 213. (¬2) و (¬3) إكمال 1/ 19 أ. (¬4) وذلك أن ممن ترجم له من لم يذكر له هذا الكتاب، كالفقيه محمد بن حمَّاده السبتى. راجع: السير 20/ 114.

" قال ": ثم ظهر لى أنا بعدُ أن أنزلت على بابها المستعمل، الذى هو ضد رفعت ... إلخ (¬1). وهذا النص يكشف لنا عن تواضع قد جبل عليه الشيخ، تواضعٍ غير متكلف له بشىء، إذ لو كان تكلفاً لما كان هناك حاجة لذكر مراجعته للقاضى الوقشى، ثم معارضة ما سمع منه بعد عرضه على أبى الحسين بن سراج، وقد استقام له الدرب بما وفق له بعد، وظهر له من دلالة العبارة وألفاظها. وتتبدى كذلك شدة ضبطه للكتاب فى قوله آخر كتاب الإلماع: " وكتبه لنفسه بخط يده موسى بن عمران بن موسى بن عياض اليحصبى عنا ". وبذلك حدَّد صورة الإجازة مع تحديد كيفيتها (¬2). وقد ألان الله له قياد اللغة، وأمكنه من نواصيها مكنة أذنت له أن ينتقد - بغير تثريب - على كثير من أئمتها، ومن يرد على ذلك دليلاً فعليه بكتابه " مشارق الأنوار على صحاح الآثار " (¬3). وإن كُلفنا مزيد التحديد فإليك ما جاء فى الجزء الثانى منه، عند تناوله مادة " العين مع النون " " عن " حين يقول: " اعلم أن حرف " عن " حرف جر مثل " من "، قالوا: وهى بمعنى " من " إلا فى خصائص تخصها؛ إذ فيها من البيان والتبعيض نحو ما فى " من "، قالوا: إلا أن " من " تقتضى الانفصال فى التبعيض أما " عن " لا تقتضيه، تقول: أخذت من زيد مالاً، فتقتضى انفصاله، وأخذت عنه علماً فلا تقتضى انفصالاً، ولهذا اختصت الأسانيد بالعنعنة ". قال: " وهذا غير سديد، وإن قاله مقتدى به لأنه يصح أن يقال: أخذ من علم زيد، وأخذت منه علماً، فلا تقتضى انفصالاً، وأخذت عن زيد ثوباً، فتقتضى انفصالاً، وقد حكى أهل اللسان: " حدثنى فلان من فلان، بمعنى عنه، وإنما الفرق بين الانفصال والاتصال فيهما فيما يصح منه ذلك أو لا يصح، لا من مقتضى اللفظتين " (¬4). ¬

_ (¬1) إكمال 1/ 42 ب. وأبو الوليد الوقشى قاضٍ، وابنه هشام بن أحمد الكنانى الشنتجالى قاضٍ. وابنه قال فيه الضبى: فقيه إمام فى اللغة والأدب، متقدم، توفى سنة تسع وثمانين وأربعمائة. بغية الملتمس: 485، وفيات الأعيان 1/ 246. (¬2) الإلماع: 250. (¬3) طبع، وهو من منشورات المكتبة العتيقة بتونس، ودار التراث بالقاهرة، ط 1977. (¬4) مشارق الأنوار 2/ 89.

أما عن فقهه فهو فيه علم فذٌّ، استبحر -كما قال الذهبى- من العلوم، وجمع وألف وسارت بتصانيفه الركبان (¬1)، وكانت تواليفه نفيسة. وحينما تطالع كتابه " الإكمال " ستجد أنه كمن جمع له فقه الأئمة السابقين على طرف لسان وأطراف بنان. ومع ذلك، فإنه رزق عفة الأسلوب مع وفرة الحجج عند وقوع الاختلاف فى المسائل، ويظهر هذا فى مثل قوله السابق: " وإن كان قاله مقتدى به " (¬2). وكان وافر التواضع لشيوخه، فلا يفُتْه أن يسبق نقله عنهم أن يقول: " طالعت بهذا الرأى أهل التحقيق " (¬3). فكانت أخلاقه شاهد صدق لانتفاعه بعلمه، وأخذ نفسه به وتقويمها عليه. ولقد كان - رحمه الله - إليه مؤونة الدفاع عن سبتة (¬4)، حيث كان -كما يقول ابن خلدون- يومئذ رئيسها بدينه وأبوته ومنصبه (¬5). دافع عنها كيد الدولة الدخيلة البغيضة - دولة الموحدين - ومع كونه كان فى ميدان المدافعة فرداً لا نظير له، إلا أنه ثبت لها بيقينه وعلمه وثاقب نظره، حتى نفذ بها حكم القدر الكونى، وغلبت دولة الموحدين، ونزل به ما ينزل بأمثاله فى تلك المحن الشديدة، فنفى عن بلده ثم عذب على صلاحه، وظل هذا حاله حتى لقى عليه ربه. يقول الإمام الذهبى: " بلغنى أنه قتل بالرماح، لكونه أنكر عصمة ابن تومرت " (¬6). وقال ابن بشكوال: " توفى القاضى مُغَرّباً عن وطنه فى وسط سنة أربع - أى وأربعين وخمسمائة " (¬7). ¬

_ (¬1) سير 20/ 214 - 216. (¬2) مشارق 1/ 89. (¬3) إكمال، لوحة 78. (¬4) ثغر بالمغرب، يقع شمال شرق عند مضيق جبل طارق. (¬5) العبر 6/ 230. (¬6) سير 20/ 217. (¬7) الصلة 2/ 454.

كتاب الإكمال وقيمته العلمية

كتاب الإكمال وقيمته العلمية أهمية كتاب " الإكمال ": إن أهمية هذا الكتاب - كما قصد صاحبه له - ترجع أولاً إلى كونه استكمالاً لما بدأه الإمام المازرى فى كتابه " المعلم "؛ حيث إن كتاب المعلم على نفاسته، وجودة موضوعه، لم يكن تأليفاً استجمع له مؤلفه؛ وإنما هو تعليق ما تضبطته الطلبة من مجالسه (¬1). وأنه أول كتاب يتناول شرح الصحيح لمسلم بالتحرير والتقييم، والشرح والتهذيب (¬2). وقد أوفى القاضى- رحمه الله- على هذه الغاية، وأربى بكثير كثير، مما يجعل من الكتاب مرجعاً فى خدمة صحيح مسلم، لم ينافس من المتقدمين، ولن يستطيع أحد بلوغ شأوه أو الاقتراب منها فى المتأخرين؛ وذلك لما تضمنه من الفوائد البالغة بعد هذه الفائدة، التى لو لم يأت بغيرها لكفته فى تقدمة أمره على كثير من المراجع الحديثية التى اشتهر ذكرها وذاع صيتها. وتتمثل تلك الفوائد التى وقفنا عليها فيما يلى: أولاً: أمور كشف عنها وأزال الإبهام فيها: أ- أن " الإكمال " كشف عما جاء فى بعض النسخ لصحيح مسلم من تبويب وتراجم، غابت عن كثير من الشراح الذين تناولوا النسخ غير المبوبة، حتى ذاع - خطأ - بين طلبة العلم بعامة، والمتخصصين فى الحديث وعلومه بخاصة، أن مسلماً لم يبوب كتابه، وأن البخارى فضل عليه فى ذلك (¬3). وذلك فى مثل ما جاء فى كتاب الطهارة، باب التطييب بعد الغسل من الجنابة. قال عقبه القاضى: " وبذلك بطل من ادعى أن مسلماً لم يبوب كتابه " (¬4). ب- أنه جاء فى المقدمة بمسائل لعلوم الحديث تعتبر إضافة وتكميلاً لكتابه " الإلماع "، إلى ذلك أشار بقوله فيها: " والكلام فى هذا الباب - يعنى صيغ التحمل - كثير، يحتاج إلى بسط، وقد ذكرنا منه ما يحتاج إليه من له تهمم بهذا الباب وعلمه، وبسطنا فى هذه الفصول فى كتاب " الإلماع لمعرفة أصول الرواية والسماع "، وأشرنا منه إلى نكت غريبة، لعلك لا تجدها مجموعة فى غير هذين الكتابين " (¬5). جـ- أنه نقل عن مصادر هامة لم يبق الزمان لنا منها غير ما احتفظ لنا به القاضى فى كتابه مثل: " الموعب فى شرح الموطأ " ليونس به مغيث، ومالك فى غير ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 1/ 5. (¬2) إكمال، لوحة 3/ أ. (¬3) راجع: تدريب الراوى 1/ 95. (¬4) إكمال، لوحة 71/ أ. (¬5) إكمال، لوحة 11/ أ.

ثانيا: ضبطه للنصوص وتصحيحه للتصحيف الواقع فى فنون بعض كتب الحديث

" الموطأ " (¬1). د- زيادة الصحيح، فإن النسخة التى اعتمد عليها لمسلم غير النسخة التى اعتمد عليها النووى (¬2) مثلاً. ثانيا: ضبطه للنصوص وتصحيحه للتصحيف الواقع فى فنون بعض كتب الحديث: أ- إحاطة صاحب الإكمال بجميع روايات " الموطأ " لمالك أعانته على تصحيح ما وقع فى الصحيح من أوهام. ويظهر ذلك فى مثل ما جاء فى كتاب الطهارة: " أَنَّ ابنة جحش كانت تستحاض "، فقد فسره الإمام المازرى أن فى بعض نسخ مسلم عن أبى العباس الرازى: " أن زينب بنت جحش "، ثم قال: قال بعضهم: هو وهم، وليس زينب، إنما هى أم حبيبة بنت جحش، قال الدارقطنى عن أبى إسحاق الحربى: الصحيح قول من قال: أم حبيب - بلا هاء - واسمها حبيبة، قال الدارقطنى: قول أبى إسحاق صحيح، وكان أعلم الناس بهذا الشأن، قال غيره: وقد روى عمرة عن عائشة: أن أم حبيب ... الحديث. بعد هذا قال القاضى: " اختلف أصحاب " الموطأ " فيه عن مالك، فأكثرهم يقولون: زينب، وكثير من الرواة يقول: عن ابنة جحش ". ثم قال: " ويبين الوهم فيه رواية مالك، وبعضهم ": " وكانت تحت عبد الرحمن ابن عوف "، وزينب هى أم المؤمنين، لم يتزوجها قط عبد الرحمن، إنما تزوجها أولاً زيد بن حارثة، ثم تزوجها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتى كانت تحت عبد الرحمن هى أم حبيبة ... " (¬3). ب- اجتهاده فى تصحيح ما وقع فى " الموطأ " من أوهام الرواة والناقلين، حيث يقول مثلاً: " وسألت شيخنا أبا الحسن يونس بن مغيث عما ذكر عن كتاب جده فصححه لى عنه، وإذا كان هذا برأ الله مالكاً ممن نسب الوهم إليه فى تسمية أم حبيبة زينب " (¬4). جـ- دفع الخطأ المنسوب إلى مسلم بما جاء فى بعض النسخ عنه، والتى اقتصر عليها الإمام بما جاء على الصواب فى النسخ التى اعتمد عليها القاضى، حيث وافقت رواية البخارى، مما يجعل التصويب فيها تصويب نسخ لا تصويب رواية. ¬

_ (¬1) لم يذكر الكحالة ليونس غير هذا الكتاب، ولم يزد الذهبى فى ترجمته له على أن قال: " له مصنفات فى الزهد وغيره " معجم المؤلفين 13/ 348، العبر 2/ 261. وراجع: الإكمال، لوحة 73/ أ، لوحة 75/ أ. (¬2) وقد وقع ذلك فى كثير من الأحاديث، يتبيّنه القارئ إذا ما قابل نسخة القاضى التى اعتمد عليها مع متن مسلم أعلا الصفحة، وقد أشرنا إلى شىء من ذلك فى مواضعه. (¬3) و (¬4) إكمال، لوحة 73/ أ.

وبذلك يندفع عن الإمام مسلم دعوى التوهيم له فيها، والخطأ فى أمثالها. فقد اعتمد الإمام المازرى على نسخ ابن ماهان والجلودى والكسائى فقط، وقد وقع فيها الخطأ فى مثل تسمية ابن يسار بأنه عبد الرحمن، وصوبها الإمام المازرى بأنه عبد الله - على وفق رواية البخارى - ونسخة القاضى الزائدة على تلك النسخ - وهى نسخة السمرقندى - جاءت فيها الرواية على الصواب: عبد الله بن يسار (¬1). د- يضبط المصطلحات التى ترد ضبطاً يزيل الشك عنها، وذلك بذكر إسناده فيها، ففى قول مسلم فى شهر: إن شهراً نزكوه، يقول القاضى: " هذه الرواية الصحيحة بالنون والزاى، وهكذا سماعنا فيه من الأسدى عن السمرقندى عن الفارسى، وكذا أقرأناها على بن أبى جعفر عن الطبرى عن الفارسى عن الجلودى، وسمعناها من القاضى الصدفى وغيره عن العذرى ". ثم قال: " وسائر الرواة: تركوه - بالتاء والراء - وبالنون والزاى ذكر هذا الحرف الهروى، وفَسَّره، وهو الأشبه بمساق الكلام، ومعناه: طعنوا فيه، وهو مأخوذ من النيزك، وهو الرمح القصير " (¬2). هـ- التنبيه على ما جاء من اختلاف فى بعض الروايات، وقد تركها غيره اختصاراً أو اكتفاءً ممن نقل عنه، كالنووى، حيث اكتفى برواية أبى كُرَيْبٍ فى حديث المغيرة؛ أن موسى سأل الله تعالى عن أخس أهل الجنة حظاً ". فقد قال القاضى عقبها: " كذا للرواة، ولأبى العباس الدلائى: أحس. وهو تصحيف، والصواب الأول " (¬3). وبدون هذا التنبيه يقع للمتأخرين الجزم بغير ورودها على وجه الصواب، فيكون من القائلين بغير علم. و- بظهور الإكمال أمكننا تصويب الكثير من عبارات الأئمة الذين أخذوا عنه ونقلوا منه، ووقع فيما كتبوا أوهام وتصحيفات، لم يكن من الممكن تصويبها قبل ظهور الأصل وهو الإكمال. فقد جاء فى نسخة النووى فى رواية مسلم لحديث الشعب: " الإيمان بضع وستون شعبة ". وقد قال القاضى: " ووقع فى " الأم " فى حديث زهير الشك فى سبعين أو ستين، ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 77/ أ. (¬2) إكمال، لوحة 76/ أ. (¬3) إكمال، لوحة 50/ أ.

ثالثا: تقويمه للمصادر مع تصويبه للآراء الواردة فى الكتب السابقة عليه والمشتملة على شرح مسلم وغيره

وكذلك وقع فى البخارى من رواية أبى زيد المروزى أول الكتاب: ستون، والصواب ما وقع فى سائر الأحاديث ولسائر الرواة: سبعون " (¬1). أقول: جاءت العبارة فيما نقله النووى بالمطبوعة: " وستون " (¬2). كذلك جاء فى النووى " فى الصبرى " وهو الطبرى بن القاسم، والذى فى " الإكمال ": أبو القاسم، وفى حديث أبى هريرة: " شهدنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة حنين " لم يزد النووى على أن قال فيها: قال عياض: والصواب خيبر، وجاء فى " الإكمال " أنها من رواية الذهلى (¬3). ز- دقة النسخ التى اعتمد عليها القاضى لصحيح مسلم، فحديث: " اللهم إنى أعوذ بك من زوال نعمتك، وتَحوّلِ عافِيَتِكَ، وفجاءة نقمتك، وجميع سَخَطك " ورد فى النسخ المتداولة ضمن كتاب الرقاق مع متعلقاته، لكنه فى " الإكمال " و " إكمال الإكمال " جاء فى آخر كتاب الدعاء، وهو الأليق بالسياق. ح- ضبطه لكثير من العبارات الواردة بصحيح مسلم بالتصويب والترجيح بما صح له من غيره، مثال ذلك: ما جاء فى شرحه لحديث: " فما منكم من أحد بأشد مُناشدَة لله فى استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين فى النار ". فقد قال فيها: كذا هى الرواية، وكذا فى جميع النسخ، وفيه تغييرٌ ووهم، وصوابه ما وقع فى كتاب البخارى عن ابن بُكَيْر: " بأشد مناشدة لى فى استقصاء الحق " يعنى " فى الدنيا من المؤمنين " (¬4). ط- أحياناً ينبه على أصل الخطأ إذا كان فى الحديث خطأ من - سند أو متن - ومصدره. ففى حديث: " أصبح من الناس شاكر وكافر " جاء بإسناده: ثنا عباس بن عبد العظيم العنبرى. قال القاضى فيه: " كذا الرواية، وعند العذرى: " الغُبرى " وهو تصحيف " (¬5). ثالثاً: تقويمه للمصادر مع تصويبه للآراء الواردة فى الكتب السابقة عليه والمشتملة على شرح مسلم وغيره: أ- تعزيز تصويب الإمام المازرى لبعض روايات مسلم وتصحيح ما نقله من الحديث فى الاستعانة به فى شرحه، وذلك مثل الذى جاء فى حديث: جاءت فاطمة ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 20/ أ. (¬2) نووى على مسلم 1/ 208. (¬3) إكمال، لوحة 31/ أ. (¬4) إكمال، لوحة 49/ أ. (¬5) إكمال، لوحة 26/ أ.

بنت أبى حبيش بن عبد المطلب ... حيث نقل قول الإمام المازرى: " هكذا فى أكثر النسخ، قال بعضهم: عبد المطلب هاهنا وهم، وصوابه: ابن المطلب بن أسد بن عبد العزى ". قال القاضى بعدها: " هذا هو الصواب كما قال، واسم جدها المطلب مشهور، ولم يختلف فيه أهل الخبر ". ومثل ما جاء فى قوله (¬1) عقب قول الإمام: " انقطع عقدها ". قال: " وليس ذلك فى الحديث ". ب- أعانه تمكنه من ناصية اللغة من تصويب ما ذهب إليه بعض أئمة اللغة فى بيان عبارة، أو تفسير لفظٍ لرواية، وذلك فى مثل ما جاء من استدراكه على كلام الهروى فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تربت يداك ": إن هذا ليس بدعاء عليه، وأنَّ هذا ترغيب فى استعمال الوصاة به، مستدلاً على ذلك بأن العرب تقول: لا أم لك ولا أب لك، يريدون: لله درُّك، وبقول الشاعر: هوت أُمّهُ ما يتعث الصبح غادياً ... وماذا يؤدى الصبح حين يؤوب فظاهر ذلك: أهلكه الله، وباطنه لله دره (¬2). قال القاضى بعد أن عرض لقول أئمة أهل اللغة والصنعة فى العبارة: " وليس المراد فى شىء منها أصل استعمالها، وأما البيت الذى استشهد به الهروى فهو من هذا الباب، لكن قوله: ظاهره: أهلكه الله، وباطنه: لله دره، ففيه تساهلٌ، والصواب: ظاهره هلكت أمه، وإنما أهلكه الله، تفسير: ثكلته أمه " (¬3). جـ- كذلك تهذيب الكثير من النقول، ومثال ذلك: فيما نقله من قول الأئمة فى لفظة " جنابذ ": إنها القباب، وعقب عليه بأنها شبه القباب (¬4). د- ردّ الروايات المخالفة إلى أصولها، وبيان أسانيدها، ففى حديث: " وينبتون نبات الشىء " التى قال فيها النووى: إنها وردت فى عبد الحق " نبات الدمن " يقول عياض: " وعند ابن سعيد السجزى - وهو أحد رواة الصحيح لمسلم -: نبات الدمن " (¬5). وبهذا نقطع بأن هذه النسخة لم تصل للنووى؛ إذ لو وصلته لاستغنى بها عن غير الصحيح. هـ- التدقيق فى المراجع وسعة استيعابه لها، مما ساعده على تصويب نقل الإمام صاحب المعلم عنها، ففى تفسير قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جلس بين شعبها الأربع " قال الإمام: قال الهروى: قيل: هى اليدان والرجلان، وقيل: بين رجليها وفخذيها. ثم ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 73/ أ. (¬2): (¬4) إكمال، لوحة 69/ ب. (¬5) إكمال، لوحة 50/ ب.

عقب القاضى على ذلك بقوله: " الذى عندنا فى أصل الهروى الذى سمعناه: " بين رجليها وشفريها ". قال: وهذا كما قال الخطابى: " بين فخذيها وأسكتيها ". ثم قال القاضى: " الأولى فى هذا والأحرى على معنى الحكم أن الشعب نواحى الفرج الأربع ... " (¬1) إلخ. و- تصحيح أخطاء بعض العلماء فى تصويباتهم لبعض ألفاظ الحديث، كتصويبه للخطابى فى توهيمه أصحاب الحديث فى تسكينهم باء " الخبث والخبائث "، حيث قال: " رويناه عن شيوخنا بالوجهين، سكون الباء وضمها، وأكثر روايات الشيوخ فيه بالإسكان، وكذا ذكره أبو عبيد، وفَسَّره بالشر، وبالضم سمعناه من القاضى الشهيد، وكذا صوَّبه الخطابى، ووهم أصحاب الحديث فى روايتهم السكون " (¬2). ز- تقييم كلام الأئمة فى بعض القضايا الحديثية، فهو ينقل كلامهم لا للاستشهاد فقط، بل لتصويبه أحياناً، كما فعل فى تعقيبه على كلام الهروى والخطابى السابقين، وكقوله: " ذهب معظم الفقهاء والأصوليين والمحدثين ... وذهب بعض أصحاب " الحديث " ... وهو مذهب أبى حنيفة " (¬3). ح- التنبيه على قيمة ما يسوقه المازرى من رواية فى شرحه لبعض قضايا الحديث، ففى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شأن عمه أبى طالب: " وجدته فى غبرات من النار " قال المازرى: الغبرات: البقايا، وفى رواية أخرى: " غمرات منها " أى شىء كثير. قال القاضى عقبه: " لم نروه إلا " غمرات " وهو الذى يصح به المعنى، ولا وجه هنا للبقايا " (¬4). وقول المازرى فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الكبر بطر الحق وغمط الناس "، وفى رواية أخرى: " وغمص الناس " قال القاضى: " لم نرو هذا الحديث عن جميع شيوخنا وفى البخارى إلا بالطاء، وبالطاء ذكره أبو داود فى مصنفه أيضاً، وذكره أبو عيسى وغيره بالصاد " (¬5)، وهذا مما يعد تهذيباً للمازرى. ط- أنه يبين قيمة ما جاء زائداً على الصحيح عند المازرى، ففى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث الرؤية: " نور أنَّى أراهُ "، قال المازرى: " وفى نسخة: نُورانىُّ " قال القاضى عقبها: " هذه الرواية لم تقع إلينا، ولا رأيتها فى شىء من الأصول، إلا ما حكاه الإمام أبو عبد الله " (¬6). ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 74/ ب، والأسكتان: الشفران. (¬2) إكمال، لوحة 77/ ب. (¬3) إكمال، لوحة 4/ أ. (¬4) إكمال، لوحة 53/ أ. (¬5) إكمال، لوحة 28/ ب. (¬6) إكمال، لوحة 45/ ب.

رابعا: عنايته بالجوانب الفقهية فى الحديث

ى- اعتماد صاحبه فى البيان كثيراً على أصول النسخ من مراجع اختلف النقل عنها، مما أعاننى على تصويب ما جاء فى تلك المراجع المتداولة. وذلك مثل ما جاء فى تعليقه على قول المازرى فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جلس بين شعبها الأربع "، حيث قال: " قال الإمام: قال الهروى: قيل: هى اليدان والرجلان. وقيل: بين رجليها وفخذيها ". ثم عقب على ذلك فقال: " الذى عندنا فى أصل الهروى الذى سمعناه: بين رجليها وشفريها " (¬1). ك- تنوع مصادره فى شرحه للحديث، فقد راجع كثيراً من الأدباء واللغويين، وكثيراً من أئمة الرواية والفقه، فوق استعانته بغيرهم من المؤلفات. رابعاً: عنايته بالجوانب الفقهية فى الحديث: أ- بيان قيمة ما ذهب إليه أصحاب الحديث فى المسائل الفقهية، ففى حديث ابن عمر: " وإذا قام من الركعتين رفع يديه " قال: " وذكره أبو داود فى حديث أبى حميد الساعدى فى عشرة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن بعض أهل الحديث الرفع عند السجود والرفع منه، وقد جاءت بذلك آثار لا تثبت، وليس هذا الرفع بواجب ولا شىء منه عند العلماء، إلا داود فأوجبه عند تكبيرة الإحرام، وخالفه بعض أصحابه فلم يوجبوه، وقال بعضهم: هو واجب كله، قال بعض المتكلمين: كان شرع الرفع فى أركان الصلاة أولاً علامة للاستسلام، لقرب عهدهم بالجاهلية، والإبانة عن الإسلام، فلما أنسُوا بذلك، واطمأنت قلوبهم، خفف عنهم، وأبقى فى أول الصلاة علامة على الدخول فيها لمن لا يسمع التكبير " (¬2) خير مثال لذلك. ب- توثيق بعض الفتاوى الفقهية (¬3)، وذلك كقوله فى التيمم: " وكلام عبد الله وأبى موسى فى تيمم الجنب يدل على أن مذهب ابن مسعود كان لا يتيمم ولا يصلى حتى يجد الماء، ثم روى أنه رجع بعد إلى التيمم، هذان القولان معروفان، وقد حكى عنه أن من قوله: لا يغتسل إذا تيمم، ولكنه إذا أحدث توضأ للصلاة، وهذا لا يصح عنه ولا عن أحد من العلماء، إلا أبا سلمة بن عبد الرحمن وحده ". جـ- التنبيه على أصول الفقه والفتوى لأهل الحديث، مما جعل هذا الكتاب مرجعاً هاماً لذلك الموضوع، ففى مسألة الترجيع فى الأذان ردَّ اختيار أهل الحديث فيها إلى أصلهم فى تلك المسألة بأنه إذا صحت الأحاديث واختلفت ولم يعرف المتأخر من المتقدم، أنها للتوسعة والتخيير (¬4)، ثم إنه أحياناً يوجه الأحكام الفقهية بعد أن يجمع ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 74/ ب. (¬2) إكمال، لوحة 81/ ب. (¬3) إكمال، لوحة 43/ أ. (¬4) راجع فى ذلك: حديث الأذان وتعليم النبى لأبى محذورة فيه التكبير أولاً مرتين. وما جاء فى بعض طرق الفارسى: الأذان أربع مرات. إكمال، لوحة 70/ ب.

شواردها ويتتبع لواحقها (¬1). د- يعمد أحياناً إلى تقويم الروايات عن مالك فى بعض المسائل الفقهية، والتنبيه على شواذ المسائل فى مذهبه، مع بيان موردها. ففى حديث: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذى منكبيه وقبل أن يركع ... " يقول: " والمعروف من عمل الصحابة ومذهب جماعة العلماء بأسرهم - إلا الكوفيين - الرفع فى الصلاة عند الافتتاح وعند الركوع والرفع منه، وهى إحدى الروايات المشهورات عن مالك، وعمل بها كثير من أصحابه ورووها عنه، وأنه آخر أقواله ... ". وروى عنه: لا رفع فى أول الصلاة ولا فى شىء منها، وهى أضعف الروايات عنه (¬2). وغير هذا كثير. ومثل هذا لا يتيسر الوقوف عليه - على أهميته - عند غيره، انظر مثلاً إلى قوله فى قراءة المأموم خلف الإمام: " وقد اختلف العلماء فى القراءة فى الصلاة، فذهب جمهورهم إلى وجوب أم القرآن للإمام والفذ فى كل ركعة - وهو مشهور قول مالك - وعنه أيضاً أنها واجبة فى جُلّ الصلاة، وهو قول إسحاق، وعنه أيضاً: إنما يجب فى ركعة، وقال المغيرة والحسن وعنه: إنها لا تجب فى شىء من الصلاة، وهو أشد رواياته، وهو مذهب أبى حنيفة، إلا أن أبا حنيفة يشترط أن يقرأ غيرها من القرآن فى جُلّ الصلاة ... إلخ " (¬3). وإلى قوله فى تشقيقاته لبنية المذهب المالكى فى بعض المسائل الفقهية، حيث يقول فى المسائل الفقهية بصورها المختلفة الثلاث مقالات فى مذهبنا تقف على يقين من هذا الأمر. هـ- استكماله لبعض المباحث الفقهية فى بعض روايات مسلم، وذلك بسوق أدلتها من غيره، حتى تكتمل لذلك المسألة الفقهية، ففى حديث الأذان لأبى محذورة قال القاضى: " ولم يذكر مسلم فى روايته رفع الصوت ولا خفضه، وقد اختلفت ¬

_ (¬1) وذلك كما جاء فى الأذان، حيث نقل مذاهب العلماء فيه بين الوجوب والفرض الكفائى والسنة ثم قال: " فإذا قام به على هذا -إظهار الشعار- واحد فى المصر وظهر الشعار سقط الوجوب " إكمال، لوحة 79/ أ. (¬2) إكمال، لوحة 81/ ب. (¬3) إكمال، لوحة 82/ ب.

الرواية فيه عن أبى محذورة فى غير كتاب مسلم فى مصنف أبى داود وغيره من رواية ابنه عبد الملك ... ولم يذكر مسلم: " الصلاة خير من النوم "، وذكره أبو داود وغيره ... إلخ " (¬1). و- حرصه على بيان معانى بعض الأحكام الفقهية، مما لا يتيسر الوقوف عليه مجتمعاً فى غير هذا الكتاب، وذلك كما فى تفسيره لرفع الأيدى فى التكبير حيث يقول: " ثم اختلف فى معنى الرفع، فقيل: استكانةٌ واستسلام، وإنها صورة المستكين المستسلم، وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة لاستسلامه، وقيل: استهوال لما دخل فيه، وقيل: لتمام القيام، وقيل: إشارة لطرح أمور الدنيا وراء ظهره، وإقباله بكليته على صلاته ومناجاة ربه، كما تضمن ذلك قوله: " الله أكبر "، فيطابق فعله قوله، وإعلانه بدخوله فى الصلاة عملاً، كما أظهرها بالتكبير قولاً، وليراه من يسمعه ممن يأتم به. قال: وهذه المعانى كلها مشاكلة لمن رأى رفعها منتصبة وإلى أذنيه، وقيل: خضوعاً ورهبة، وهذه مطابقة لصورة من نصبهما أو حنا أطرافهما " (¬2). ز- يعرض كثيراً لغرائب فى مسائل فقهية اندثرت، مما يساعد فى بيان تاريخ التشريع، يساعد الفقيه على الفتوى بالرخصة - وإن كانت شاذة - عند الحاجة. اسمع إليه وهو يقول فى حديث: " أقيمت الصلاة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يناجى ربه فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه ثم صلى بهم "، وفى حديث: " كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينامون، ثم يصلون ولا يتوضؤون ": " فيه دليل على أن النوم ليس بحدث " فى نفسه، وأن موجب الوضوء منه المستثقل الذاهب بحس المرء حتى لا يعلم بالحدث إذا خرج منه ثم قال: " وقد كان بعض السلف لا يرى النوم حدثاً على أى وجه كان حتى يحقق خروج الحدث فيه " تقف على جلية هذا الأمر. ح- إحاطته بالمذاهب الفقهية، واستجماعه لعلم أصول الفقه، ساعداه على رد الخلافات الفقهية الواردة فى الكتاب إلى أسبابها العلمية ودواعيها (¬3). ط- الكشف عن أصول بعض الاستخراجات الفقهية وإظهار مذاهب لبعض أتباع الأئمة انفردوا بها، كقوله فى الحائضة إذا زاد أيام حيضتها على خمسة عشر يوماً: " ... قيل: تترك الصلاة قدر أيام لداتها، وهل تستظهر على ذلك أم لا؟ فيه قولان وما ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 79/ ب. (¬2) إكمال، لوحة 81/ ب. (¬3) راجع فى ذلك: مسألة جلد الميتة الوارد فى هذا الكتاب.

خامسا: فوائد أخرى فى الأصول والرجال واللغة

ألزمنا المخالف هو حقيقةُ مذهب ابن القاسم على ما ذهب إليه بعض حذاق شيوخنا " (¬1). خامساً: فوائد أخرى فى الأصول والرجال واللغة: أ- تحديده لمصادر بعض المراجع الأصلية فى علوم الرجال، كقوله فى عبد الغنى: " إنه إنما رأى من مسلم نسخة ابن ماهان، ولم يكن بعد دخلت نسخة الليودى " (¬2). ب- قطع النزاع فى الاحتمالات والتفسير، بما يسوق للعبارة من نص يسنده، فهو كثيراً ما يفعل ذلك فى أثناء تناوله لقضايا الكتاب، ويقول مثلاً: " قد روينا هذا الحرف " قالت " صحيحاً من طريق العذرى، والشنتجالى " (¬3)، وكما قالوا فى الحديث: " ونُبلغُه مَنْ وراءنا ": كذا روايتنا فيه بنصب مَنْ ونصب وراءنا على الظرف " (¬4). جـ- تحديد ميلاد بعض المصطلحات الحديثية والقضايا العلمية والفقهية، ففى التفريق بين " حدثنا " و " أخبرنا " فى التحمل يقول: " إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب بمصر، وقالوا: لا يكون حدثنا إلا فى المشافهة من المخبر " (¬5)، وفى التدليس يقول: " إن أول ظهور له كان فى عصر التابعين "، وفى مسألة تعليق الإيمان على المشيئة يقول: " وهى مسألة اختلف فيها من زمان الصحابة " (¬6). د- بيان السبب الحامل على التلقيب لبعض الأئمة الوارد ذكرهم فى الكتاب، كقوله فى أحمد بن صالح المصرى: المعروف بابن الطبرى لغلبة الحديث عليه " (¬7). هـ- جمع فى كثير من مسائله بين نظره وإجازة أهل التحقيق له (¬8). و- تحديد جهة وأسلوب الاستفادة التى أفادها من شيوخه واكتفى مَنْ بعده بالعزو إليه وحده، فحيث يقول النووى: قال عياض، تجد عياضاً يحدد هذا بقوله: " وممن باحثناه من شيوخنا وكاشفناه ... " (¬9). ز- أن هذا الكتاب كان الأصل الذى أخذ منه ابن الصلاح ثم النووى بعده، ومن بعدهما ترادف أئمة الشروح على النقل منه والأخذ عنه، كالعراقى، وابن حجر والعينى (¬10). ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 67/ أ. وسيأتى مزيد بيان لها فى الطهارة. (¬2) إكمال، لوحة 6/ ب. (¬3) إكمال، لوحة 70/ أ. (¬4) إكمال، لوحة 15/ أ. (¬5) إكمال، لوحة 1/ 140، لوحة 9/ ب. (¬6) إكمال، لوحة 37/ ب. (¬7) إكمال، لوحة 77/ أ. (¬8) راجع فى ذلك مثلاً: لوحة 78/ ب. (¬9) نووى على مسلم 1/ 354، وإكمال، لوحة 36/ ب. (¬10) راجع: نووى على مسلم 1/ 233، 354.

ح- بيان مصدر غيره ممن أتى بعده ونقل عنه ولم يشر إليه (¬1). ط- تصحيح الإسناد فى بعض النقول عنه، فقد ينقل القاضى عنه ثم يتبين أن التصويب له عن غيره (¬2). ¬

_ (¬1) راجع في ذلك: نووى على مسلم 1/ 383، وإكمال، لوحة 28/ ب. (¬2) راجع: إكمال، لوحة 30/ أ.

منهج القاضى عياض فى كتابه " الإكمال "

منهج القاضى عياض فى كتابه " الإكمال " لما كان موضوع " الإكمال " هو إكمال عمل الإمام المازرى فى شرحه لصحيح مسلم وتهذيب ما تم منه، فقد وجدت بتتبعى له فى عمله أنه لزم لذلك منهجاً تمثل فيما يلى: 1 - يفصل كثيرًا مما أجمله الإمام من مذاهب العلماء فى النص (¬1). 2 - الأصل فى عمله أن يأتى كلامه بعد كلام الإمام المازرى فى الحديث، إلا أنه كان أحياناً يفسر ما جاء فى الحديث أولاً، ثم ينقل كلام الإمام، وهذا إذا كان التفسير قليلاً (¬2). 3 - ما تركه الإمام من أجزاء فى الحديث بغير تعليق أو شرح فإن القاضى يبدأ به، وذلك كما فى حديث: " أيما عبد أبق من مواليه "، فالإمام لم يتحدث فيه إلا عن جزء قبول الصلاة (¬3)، ومن هنا فإن القاضى بدأ كلامه ببيان معنى الإباق. 4 - يترك الكلام على الحديث إذا لم يكن عنده ما يضيفه إلى كلام الإمام، وذلك ما وقع منه فى حديث: " لا تقنطوا من رحمة الله ". 5 - حيث يسوق شاهداً لمعنى فإنه يتولى غالباً بيان المراد من بقيته. 6 - يرجح بين الروايتين الصحيحتين بمقتضى السياق اللغوى. ففى حديث: " تعين صانعاً أو تصنع لأخرق " قال القاضى: " روايتنا فى هذا الحديث: (ضايعاً) من طريق هشام أولاً بالضاد المعجمة وبالياء بعد الألف، وكذلك فى الحديث الآخر من جميع طرقنا عن مسلم من حديث هشام والزهرى، إلا من رواية أبى الفتح الشاشى عن عبد الغافر الفارسى، فإن شيخنا أبا بحر حدثنا عنه فيهما بالصاد المهملة، وهو صواب الكلام لمقابلته بأخرق، وإن كان المعنى من جهة معونة الصانع أيضاً صحيحاً " (¬4). وهذا منهجه فى عمله فى هذا الكتاب وفى غيره، ففى كتاب " مشارق الأنوار " يقول فى رواية: " حتى سمعت غطيطه أو خطيطه ": " الغطيط صوت نَفَس النائم عند استثقاله من منخره، ولا معنى للخطيط وهو وهم ". 7 - يستفيد من النسخ المغايرة لنسخة مسلم المعتمدة لديه؛ لبيان سبب الحديث وكشف عباراته. ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 30/ ب. (¬2) راجع: لوحة 24/ ب. (¬3) راجع نووى على مسلم 1/ 326. (¬4) إكمال، لوحة 27/ ب، وانظر: مشارق الأنوار 1/ 235، 242.

8 - فى تحقيقه لدقائق المسائل، فإنه لا يكتفى فيها ببيان نظره فيها، بل يعرضها على أهل التحقيق من شيوخه، ولهذا كثيراً ما نراه يردد أن هذا مستفاد من متقنى شيوخنا (¬1). 9 - إذا كثر الاختلاف فى أصل الاشتقاق للمصطلح الشرعى استعان على تصويب ما يختار بسير القدامى، ومطالعة الآثار القريبة المعنى بها، مع استقراء كلام العرب وأشعارها فيه، وذلك مثل ما جاء فى كلمة الصلاة، حيث يقول: " كلام العرب وأشعارها أن الصلاة كانت عندهم معلومة على هيئتها عندنا، من أفعال وأقوال، ودعاء، وخضوع وسجود، وركوع. وقد تنصَّر كثير منهم وتهوَّد وتمجَّس، وتقربوا بالصلوات والعبادات، وجاوروا أهل الديانات، وداخلوا أهل الملل، ووفد أشرافهم على ملوكهم، وألفت قريش رحلة الشتاء والصيف إلى بلادهم، وثابر كثير منهم على بقايا عندهم من دين إبراهيم، وعرفوا السجود والركوع والصوم والحج والعمرة والاعتكاف، وحجوا كل عام واعتمروا، وحضوا على الصدقة، وصاموا عاشوراء، ومن طالع أخبارهم ودرس أشعارهم علم ذلك منهم ضرورة، فجاء الشرع بهذه العبادات وهى عندهم معلومة مفهوم المراد منها ... " (¬2). وذلك ليصل إلى أنه متى أعطيت هذه الألفاظ من البحث حقها، وجدت عند المخاطبين بها لأول ورودها من أهل الشريعة معروفة المعنى على ما جاءت به من أفعال مخصوصة وعبارات مقررة، إلا ما غير الشرع فيها من بدع الجاهلية، أو نسخ من شرائع من تقدم من الكتابية " (¬3). 10 - يميل كثيراً إلى الاختصار فى عرض المسائل الفقهية المتصلة بالحديث. 11 - مراعاة الدقة فى وصف حالة التحمل، وذلك مثل قوله: " كذا وجدته بخط شيخنا الشهيد متقناً فى تاريخ البخارى " (¬4). 12 - إذا نقل عن أحد من الأئمة قولاً فى مسألة - المعنى فيه محتمل لغيره - أورد المعانى المحتملة بصيغة غير ملزمة، كقوله فى قول مالك: لا يؤخذ الحديث عن صاحب هوى يدعو إلى هواه. قال: " فانظر اشتراطه الدعاء، هل هو ترخيص فى الأخذ عنه إذا لم يدع؟ أو أن البدعة سبب لتهمته أن يدعو الناس إلى هواه؟، أى لا تأخذوا عن ذى بدعة، فإنه ممن يدعو إلى هواه، أو أن هواه يحمله أن يدعو إلى هواه ¬

_ (¬1) وقد طالعت بهذا أهل التحقيق من شيوخى فما رأيت منهم منصفاً ردَّه. (¬2) إكمال، لوحة 5/ أ، لوحة 78/ ب. (¬3) إكمال، لوحة 78 ب. (¬4) إكمال، لوحة 5/ أ.

فتهمته لذلك؟ وهذا المعروف من مذهبه " (¬1). 13 - أنه شديد العناية ببنية الكلمة وسلامة معناها " لذلك نراه: أ- يرجع إلى أهل اللغة أولاً فى بيان معانى الألفاظ، كقوله فى تفسير " السبحات ": " هى تلك الحجب التى ذكر من النور والنار وجلال الملكوت وعظيم القدرة، لو كشفها لأحرقت كل من رآها ... "، ويتأول فى ذلك ما يتأول فى قوله: {نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}: " وفى تسميته (نوراً) يستقيم المعنى الحقيقى، وينطبق على اللفظ العربى، وعلى تفسير أهل اللغة التى لا بد لنا من الرجوع إليهم فى معانى هذه الألفاظ " (¬2). ب- فى شرحه لمفردات الحديث يسترسل له بإيراد الشواهد لها من كتاب الله تعالى وأمثالها من الحديث النبوى. جـ- يعرض ما للفظة من روايات لغوية متعددة، ثم يقيم تلك الروايات بردها أولاً إلى الاصول اللغوية والقواعد النحوية، ومثال ذلك فيما جاء فى عرضه للفظة " مربيد " الذى قال فيه بعض العلماء أنه شدة البياض فى السواد، علق على هذا بقوله: " إن هذا يقال له: أبلق، والرّبْدة: هى شىء فى بياض يسير يخالط السواد كلون النعام "، ثم ساق ما عنده من روايات تؤكد هذا (¬3). 14 - يعزو القول إلى قائله، سواء فى السند أو المتن. 15 - شديد العناية بضبط المختلف فيه من رجال السند. 16 - يلزم دائماً الاعتدال عند تناول القضايا العلمية إذا كانت بعيدة عن المباحث المذهبية، وما عدا ذلك فهو شديد الميل للانتصاف لمذهب مالك، وإن انتقد عليه أحياناً وانتصر لغيره (¬4)، حيث يقول: " واضطرب مذهبنا على هذه الأقوال " (¬5). 17 - إذا عرض له ما يستوجب التصحيح فى السند، عجَّل بالتنبيه عليه قبل الفراغ من الحديث فى المتن (¬6). 18 - لا يمنعه إجلاله للإمام من أن يعقب ويستدرك عليه ويصحح له ما وقع فى كلامه من أوهام وأخطاء، فحين قال الإمام - مثلاً - فى قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا ¬

_ (¬1) إكمال، لوحة 5/ ب. (¬2) إكمال، لوحة 46/ أ. (¬3) إكمال، لوحة 37/ أ. (¬4) راجع فى ذلك: إكمال، لوحة 82/ ب. (¬5) إكمال، لوحة 6/ أ. (¬6) راجع فى ذلك: إكمال، لوحة 5/ أ.

مزايا كتاب " المعلم "

وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْم} (¬1): وقول الصحابة فيها لما أنزلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وأينا لم يظلم نفسه" يدل بظاهره عند بعض أهل الأصول على أنهم كانوا يقولون بالعموم، لأن الظلم عندهم يعم الكفر وغيره، فلهذا أشفقوا، قال القاضى: " الظلم فى كلام العرب وضع شىء فى غير موضعه، وقد يقع الظلم بمعنى النقص، وقد قيل ذلك فى قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا} (¬2) " ثم قال: " وليس يظهر لى فى هذا الحديث حجة للعموم " (¬3) إلخ. ولما مال إلى تفسير مسلم لبعض ألفاظ حديث الفتن " كالكوز مجخياً " وقال: وقع تفسير ذلك فى كتاب مسلم، فال القاضى: " ما وقع من التفسير فى (الأم) مما ذكره مسلم، فى بعضه تلفيق، وفى بعضه تصحيف " (¬4). 19 - حيث يقدم المعلم الحديث عن السند فى الشرح والبيان، فإن " الإكمال " يؤخره. 20 - حرصَ على ترتيب مسائل " المعلم " وفق ترتيب الصحيح لمسلم، فتراه يقول حين يجد الإمام قدّم حديثاً فى التعرض له عن غيره: " وليس هذا بموضعه " (¬5). 21 - يعمد إلى إسناد المعانى المستنبطة إلى أول قائل لها، مثل قوله: " وحكى لنا بعض شيوخنا عن القاضى أبى الوليد الوقشى، وكان أكثر اعتناءً بأمثال هذه الألفاظ المشكلة ... إلخ " (¬6). مزايا كتاب " المعلم ": 1 - توارد المعلم والإكمال على تصحيح ما وقع فى بعض النسخ وروايات مسلم فى الصحيح، فالنسخة التى اعتمد عليها الإمام غير النسخة التى اعتمد عليها القاضى. ففى الحديث الذى أخرجه مسلم فى تفسير صفة المسح حيث جاء إسناده: روى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن ابن هرمز عن عمير مولى ابن عباس، أنه سمعه يقول: " أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبى الجهم ... ". قال الإمام المازرى: كذا وقع عند الجلودى والكسائى وابن ماهان، وهو خطأ والمحفوظ: " أقبلتُ أنا وعبد الله بن يسار "، وهكذا رواه البخارى عن ابن بكير عن الليث، وذكره مسلم هنا مقطوعاً. ¬

_ (¬1) الأنعام: 82. (¬2) البقرة: 57. (¬3) إكمال، لوحة 33/ أ. (¬4) إكمال، لوحة 36/ ب. (¬5) إكمال، لوحة 14/ أ. (¬6) إكمال، لوحة 42/ ب.

ثم انفرد " المعلم " بما يلى

قال القاضى: " راويتنا من طريق السمرقندى عن الفارسى عن الجلودى فيما حدثنا به أبو بحر عن عبد الله بن يسار، على ما ذكر، وكذلك قاله النسائى وأبو داود وغيرهما من الحفاظ " (¬1). وبهذا التعدد فى نسخ الصحيح يبرأ صاحبه مما وقع فى الصحيح من أخطاء وأوهام (¬2). 2 - أنه و " الإكمال " كشفا عن الزيادات التى ثبتت فى بعض النسخ لمسلم، كقول المازرى: " بوب على هذا الحديث فى بعض نسخ مسلم. ووافقه القاضى على ذلك، مما يعد إضافة للصحيح " (¬3). ثم انفرد " المعلم " بما يلى: 1 - النقل عن مصادر غيرِ ميسور الرجوع إليها الآن، وذلك غير المصادر التى انفرد بها صاحب " الإكمال " وذلك مثل كتاب " المطرز فى اليواقيت " (¬4). 2 - يتتبع ميلاد كثير من أقوال مالك فى الحديث والمسألة من قبل أن تكون مذهباً، ويشير إلى وقت ميلادها، مما يمثل ثروة فى تقييم المذهب. وذلك كقوله فى مسألة المسح على الخفين: " اختلف قول مالك فى المسح على الخفين، فروى عنه فيه قولة شاذة أنه لا يمسح فى سفر ولا حضر، وروى عنه أنه يمسح فيهما، وروى عنه المسح فى السفر خاصة، فأما القول بأنه لا يمسح جملة فإن المالكية لا يعرّجون عليه، ولا يكاد كثير منهم يعرفه، وأظن أن صفة ما روى فيه عن مالك أنه قال: لا أمسح، فإن كانت الرواية هكذا فقد يتأول على أنه إنما اختار ذلك فى خاصة نفسه، لا أنه ينكر جواز ذلك، وإن كان لفظ الرواية تقتضى إنكار جواز المسح فإنه يكون وجهه التمسك بالآية، وتقديمها على أحاديث المسح، وقد أشار مالك فيما روى عنه إلى ذلك فقال: " إنما هى أحاديث وكتاب الله أحق أن يتبع " (¬5). 3 - يبين أحياناً أسباب الخلاف بين المذاهب فى بعض المسائل الفقهية المستندة على الحديث، كقوله فى هذه المسألة: " وأما وجه القول بالتفرقة بين الحضر والسفر فى المسح فلأن أكثر الأحاديث إنما وردت فى السفر؛ لأن السفر محل الرخص، وقد خص بالقصر والفطر والتنفل على الدابة وشبه ذلك ". أسانيد القاضى عياض إلى صحيح مسلم وقيمتها العلمية: لقد حصَّل القاضى صحيح مسلم المسمى عنده " المسند الصحيح المختصر من السنن " من نسختين: ¬

_ (¬1) شجرة النور الزكية: 127 ترجمة 371. (¬2) المعلم وإكمال، لوحة 77/ أ. (¬3) راجع: لوحة 33/ ب، لوحة 27/ أ. (¬4) إكمال، لوحة 80/ أ. (¬5) المعلم وإكمال، لوحة 61/ أ

سند عياض للنسخة الأولى له إلى صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (نسخة الجلودى) (1) أبو على الحسين بن محمد الصدفى (2) أبو بحر سفيان بن العاصى الأسدي (3) الفقيه أبو محمد عبد الله بن أبى جعفر الخشنى (4) أبو محمد عبد الرحمن بن عتاب (5) الفقيه القاضى أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمى (6) الحافظ أبو على الحسين بن محمد الجيانى الغسانى أبو العباس أحمد بن عمر العذرى أبو الليث السمرقندى نصر بن الحسن الشاشى أبو عبد الله الحسين بن على الطبرى أبو العباس أحمد بن الحسن الرازى أبو الحسين عبد الغافر ابن محمد الفارسى أبو حفص الهوزنى أبو محمد الشنتجالى أبو سعيد عمر بن محمد السجزى أبو القاسم الطرابلسى حاتم الصقلى أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودى الكسائى إبراهيم بن سفيان المروزى الإمام مسلم

أولاهما: نسخة الجلودى

أولاهما: نسخة الجلودى: وهى رواية عن إبراهيم بن سفيان المروزى عن الإمام مسلم، وهى النسخة المعتمدة المشهورة - كما ذكر ابن الصلاح (¬1) - ووصله من أكثر من طريق. الثانية: نسخة القلانسى: وهى النسخة التى انفرد بها أهل المغرب (¬2). يقول الإمام ابن الصلاح: " لم أجد للقلانسى ذكراً عند غيرهم " (¬3). أما رجال إسناد النسخة الأولى التى تلقاها عنهم بالسماع أو الإجازة فهم: 1 - الحافظ أبو على الحسين بن محمد الجيانى الغسانى، شيخ الأندلس فى وقته، وصاحب رحلتهم، وأضبط الناس لكتاب، وأتقنهم لرواية، مع الحظ الوافر من الأدب والنسب والمعرفة بأسماء الرجال، وسعة السماع. انتقل أبوه من جيان إلى قرطبة فاستوطنها ولم يرحل الحافظ من الأندلس. سمع أبا عمر بن عبد البر، وأبا عمر بن الحذاء، وأبا العباس الدلائى، وأبا القاسم الطرابلسى، والفقيه أبا عبد الله بن عتَّاب، والقاضى أبا الوليد الباجى، والقاضى سراج بن عبد الله، وابن سعدون وابن حيان، وصحب أبا مروان بن سراج، وأتقن كتب اللغة والغريب، والشروح عليه، وكان من جهابذة الحفاظ وكتابه " تقييد المهمل وتمييز المشكل " من الكتب التى سارت بذكرها الركبان، قيد فيه المهمل، وميَّزَ المشكل بين الأسماء والكنى والأنساب لمن ذكر اسمهم فى صحيحى البخارى ومسلم وهو كبير الفائدة (¬4). مولده سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وتوفى فى شعبان سنة ثمان وتسعين وأربعمائة (¬5). وقد أخذه عنه بالإجازة التامة منه له، حيث كتب إليه به، وذكر له سنده فيه إلى مسلم فقال: حدثنى به الدلائى (¬6) وحدثنى به أيضاً أبو القاسم حاتم بن ¬

_ (¬1) المعلم وإكمال، لوحة 61/ أ. (¬2) سيرد قريباً إن شاء الله تفصيل ذلك. (¬3) صيانة صحيح مسلم: 109. (¬4) والكتاب مخطوط بمكتبة جامعة الدول العربية، وقد يسر الله لنا تحصيل صورة منه. (¬5) الصلة 1/ 142، وفيات الأعيان 2/ 180، الغنية: 138. (¬6) هو أبو العباس العذرى. قال صاحب الوافى: " وبوفاته ختم سماع مسلم، فإن كل من حدث بعده عن إبراهيم بن سفيان فإنه غير ثقة " 4/ 297. وهو أحمد بن عمر بن أنس بن ولهاث الدلائى، ويكنى أبا العباس من أهل المريَّة، ولد بها فى ذى القعدة سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ورحل إلى المشرق مع أبويه سنة سبع وأربعمائة، وجاور بيت الله الحرام أعواماً وسمع بالحجاز من أبى العباس الرازى، وصحب الحافظ أبا ذر الهروى، وسمع منه صحيح البخارى مرات -حدث عنه من الأعيان أبو عمر بن عبد البر وأبو على الغسانى وكان- رحمه الله- معتنياً بالحديث ونقله وروايته وضبطه، مع ثقته وعلو إسناده. وتوفى رحمه الله بالمرية فى آخر شعبان سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. الصلة 1/ 66، معجم البلدان 2/ 460.

محمد الطرابلسى (¬1) عن أبى سعيد السجزى (¬2)، قال: هو والرازى والفارسى ثنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودى ثنا إبراهيم بن سفيان المروزى ثنا مسلم بن الحجاج. 2 - القاضى الشهيد الحافظ أبو على الحسن بن محمد الصدفى بن سُكَّرة الأندلسى، السرقسطى. وهو ممن أكثر عنه القاضى فإن أصله من سرقسطة، ومولده بحاضرتها، فى نحو أربع وخمسين وأربعمائة. أخذ عن شيوخها وقرأ على مقرئيها وسمع بها، وروى عن أبى الوليد الباجى ومحمد بن سعدون القروى، وسمع بالمريَّة وبلنسية من العذرى وابن سعدون، وحج سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، ورحل إلى المشرق، فلقى بقايا شيوخ إفريقية - تونس - بالمهدية - وبمصر الحبَّال والخلعى، وبمكة الطبرى وأبا بكر الطرطوشى، وأبا عبد الله الحافظ وغيرهم، وبالبصرة ابن شعبة، وأبا يعلى، وأبا العباس الجرجانى، وجماعة، وسمع بواسط من شيوخها، وأقام ببغداد خمس سنين، وأخذ فيها عن بقية محدثيها ومسنديها أبى الحسن الطيورى، وابن خيرون، وابن البطر، والبانياسى، وأبى محمد التميمى، والإمام أبى بكر الشاشى، وابن فهد العلاف، ودرس الفقه والأصول على الشاشى، ولقى جماعة من الخراسانيين الحجاج؛ كالإمام أبى القاسم عبد الله بن طاهر التميمى المعروف بابن شافور البلخى، والقاضى أبى محمد الناصحى. قال عياض: " بلغ شيوخه نحو مائتى شيخ، ولما وصل الأندلس رحل الناس إليه، وكثر الآخذون عنه، واستوطن مرسية، وسمع منه الناس كثيراً، وسمع منه من هو فى عداد شيوخه. وكان عارفاً بالحديث، قائماً به، حافظاً لأسماء الرجال، عارفاً ¬

_ (¬1) هو حاتم بن محمد بن عبد الرحمن بن حاتم، المحدث المتقن الإمام الفقيه، أصله من طرابلس الشام. مولده فى نصف شعبان، سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. قال الذهبى: ارتحل فى سنة اثنتين وأربعمائة، فلقى الإمام أبا الحسن القابسى ولازمه، وأكثر عنه، ثم حج فى سنة ثلاث، وسمع صحيح مسلم من أبى سعيد السجّزى، ثم رجع بعلم جمّ، وأخذ بطليطلة عن الخطيب أبى محمد بن عباس، وخلف بن أحمد. سير 18/ 337. وقال أبو على الغسانى: كان شيخنا حاتم ممن عنى بتقييد العلم وضبطه ثقة، كتب الكثير بخطه المليح. الصلة 1/ 158. مات فى ذى القعدة سنة تسع وستين وأربعمائة. سير 18/ 337. (¬2) هو أبو سعيد عمر بن محمد بن محمد بن داود، نزيل نيسابور، قال الخطيب: قدم بغداد وحدّث بها عن محمد بن يعقوب الأصم، ومحمد بن جيكان التاجر ومحمد بن عمر الجعابى. وقال: حدثنا عنه البرقانى والأزجى، والخلال، وقال: قدم علينا أبو سعيد حاجًا ومات بمكة. وذكره القاضى فى الغنية وقال: منسوب إلى سجستان. ولم يذكرا تاريخاً لوفاته. تاريخ بغداد 11/ 270، الغنية 36.

بقويهم من ضعيفهم، ذا دين متين، وخلق حسن، وصيانة، من أجل من لقيناه " (¬1). وقد أخذه عنه بقراءته عليه فى مدينة مرسية (¬2)، حدثهم به عن أبى العباس أحمد ابن عمر العذرى الدلائى. استشهد - رضى الله عنه - فى ملحمة قتندة بثغر الأندلس فى ربيع الأول سنة أربع عشرة وخمسمائة (¬3). 3 - أبو بحر سفيان بن العاصى الأسدى، الفقيه النحوى، الراوية. قال فيه القاضى: " أحد المتفننين المتقنين للكتب، المتسعى الرواية " (¬4). أصله من حصن مربيطر (¬5)، نشأ ببلنسية، وسمع أبا العباس الدلائى، وأبا عمر ابن عبد البر، والقاضى أبا الوليد الباجى، وأجازه أبو مكتوم عيسى بن أبى ذر الهروى. روى عنه ابن بشكوال، وأبو الوليد الدباغ فيمن رووا عنه وهم كثير. توفى فى جمادى الآخرة سنة عشرين وخمسمائة. وقد أخذ عنه القاضى صحيح مسلم سماعاً بقرطبة (¬6). حدثه به - هو والصدفى - عن أبى العباس العذرى عن أبى العباس أحمد بن الحسن الرازى، عن أبى أحمد محمد ابن عيسى الجلودى، عن إبراهيم بن سفيان المروزى عن مسلم. وحدثه به - أبو بحر - من روايته عن الشيخ أبى الليث نصر بن الحسن الشاشى السمرقندى، عن أبى الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسى عن الجلودى. قال فيه القاضى: كان شيخ فقهاء وقته بشرق الأندلس، وأحفظهم للمذهب - مذهب مالك - مع المعرفة لكتاب الله، والتفنن فى المعارف، والمشاركة فى علومه. سمع أباه، وأبا القاسم الطرابلسى، وأبا الوليد الباجى وابن سعدون القروى، ولقى فقهاء طليطلة، وقرطبة، وحج فسمع بمكة من أبى عبد الله الطبرى كتاب مسلم. توفى - رحمه الله - بمرسية سنة ست وعشرين وخمسمائة، ومولده سنة سبع ¬

_ (¬1) الغنية: 129، وانظر: سير 19/ 376. (¬2) ومما أخذه عن غيره البخارى، ومند الشهاب، والجامع للترمذى، والشمائل، والإلزامات والتتبع، والجرح والتعديل للباجى، والعلل، والمؤتلف والمختلف للدارقطنى والسنن له، وغير ذلك. (¬3) سير 19/ 378. (¬4) الغنية: 205. (¬5) قال ياقوت: مدينة بالأندلس، بينها وبين بلنسية أربعة فراسخ. معجم البلدان 5/ 99. (¬6) ومما أخذه عنه بها كتاب " المشاهد وسيرة رسول الله " لابن هشام، وشيوخ البخارى للجرجانى، جميعاً عن أبى العباسى الدلائى عن أبى العباس الرازى، و " الموطأ " لمالك بأكثر من إسناد و " بهجة المجالس " لابن عبد البر. الغنية: 207.

وأربعين وأربعمائة (¬1). 4 - أبو محمد عبد الرحمن بن عتاب بن محسن الجذامى، الفقيه وهو - كما قال فيه خلف بن بشكوال -: آخر الشيوخ الجلة الأكابر بالأندلس فى علو الإسناد، وسعة الرواية، وكان عارفاً بالطرق، واقفاً على كثير من التفسير والغريب والمعانى، مع حظٍّ وافر من اللغة والعربية، وكان من أهل الفضل والحلم، والوقار والتواضع، وكانت الرحلة إليه فى وقته (¬2)، لعلو سنده وانقراض طبقته، وصبره على الجلوس والإسماع آناء ليله وأطراف نهاره (¬3). توفى رحمه الله فى جمادى الأولى سنة عشرين وخمسمائة. وقد حدثه به عن أبى محمد الشنتجالى إجازة. 5 - الفقيه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الخشنى - المعروف بابن أبى جعفر - لقيه القاضى بسبتة عند صدوره من الحج، وسمع منه شيئاً، ثم رحل إليه ببلده مرسيَّة، فقرأ عليه صحيح مسلم بسماعه بمكة عن الإمام أبى عبد الله الحسين بن على الطبرى عن أبى الحسين الفارسى، عن الجلودى، عن إبراهيم بن سفيان المروزى، عن مسلم. وبسماعه عن أبى حفص الهوزنى (¬4) - عمر بن حسين - عن أبى محمد عبد الله بن سعيد الشنتجالى (¬5)، عن أبى سعيد عمر بن محمد السجزى عن الجلودى (¬6). ¬

_ (¬1) الغنية: 154. (¬2) الصلة 2/ 349، الديباج المذهب 1/ 476. (¬3) الغنية: 163. (¬4) هو أبو حفص عمر بن الحسن بن عبد الرحمن بن عمر الهوزنى، من أهل إشبيلية. ولد فى رجب سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وروى ببلده عن أبى بكر محمد بن عبد الرحمن العواد، وأبى إسحاق بن أبى قابوس، وأبى القاسم بن عصفور، وأبى عبد الله الباجى، وغيرهم، ورحل إلى المشرق سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وحج وأخذ عن أبى محمد بن الوليد وغيره. كان متقناً فى العلوم، أخذ من كل فن منها بحظ وافر، مع ثقوب فهمه، وصحة ضبطه، قتله المعتضد بالله عياد بن محمد ظلماً بقصره ليلة السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر من سنة ستين وأربعمائة، وتناول قتله بيده، ودفنه بثيابه وقلنسوته داخل قصره من غير غسل ولا صلاة، قال ابن بشكوال: والله المطالب بدمه. الصلة 2/ 402. (¬5) هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن أبى رباح الشنتجالى الأموى. طلب بالأندلس، ورحل إلى المشرق، فجاور بمكة بضعاً وثلاثين سنة، يثابر على الحج وكتابة الحديث، والقيام بالعلم، وأكثر من ذلك. قال الباجى: كان شيخاً صالحاً، يكنى بالضابط، سمع من أبى سعيد السجزى، وأبى سعيد الواعظ، والقاضى أبى سعيد الكرخى وغيرهم، وانصرف إلى الأندلس سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، راغباً فى الجهاد، فلم يزل مثابراً عليه بالثغور والناس يأخذون عنه خلال ذلك، حدث عنه خلق كثير، منهم أبو عبد الله بن عتاب والطربلسى وأبو حفص الهروى ودخل قرطبة فسمع منه بها مسلم، وأجازه لكل من دخل قرطبة من طالبى العلم. توفى سنة ست وثلاثين وأربعمائة ترتيب المدارك. (¬6) انظر: المقدمة.

6 - القاضى أبى عبد الله محمد بن عيسى التميمى، مفتى سبتة، وصفه القاضى بأنه أجل شيوخه بها ومقدم فقهائها (¬1). سمع بقرطبة الجيانى، وابن الطلاع (¬2)، والعبسى (¬3)، وأبى القاسم بن الباجى، وكان كثير الكتب، حافظاً عارفاً بالفقه، من أعقل أهل زمانه وأفضلهم وأسمتهم، تام الفضل، كامل المروءة، بعيد الصيت عند الخاصة والعامة. توفى فى جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة. حدثه به بقراءته عليه وسماعه منه بفوات لبعضه عن أبى العباس أحمد بن عمر العذرى إجازة منه له، وعن الحافظ أبى على الجيانى سماعاً عن أبى العباس العذرى عن أبى العباس الرازى بسماعه من الجلودى بسماع الجلودى من إبراهيم بن سفيان بسماعه من مسلم بن الحجاج (¬4). وبسماع الجيانى من أبى القاسم حاتم بن محمد الطرابلسى، بسماعه من أبى سعيد السجزى بسماع السجزى من الجلودى (¬5). وقد كتب إليه أبو على الجيانى بالإجازة أيضاً بهذا السند، وبإسناد آخر قال له فيه: " وحدثنى به أيضاً حاتم بن محمد عن عبد الملك بن الحسن الصقلى، عن أبى بكر محمد بن إبراهيم الكسائى عن ابن سفيان " (¬6). تلك هى أسانيده لرواية إبراهيم بن سفيان المروزى، وهى نسخة الجلودى. وهذه النسخة هى أوثق النسخ لصحيح مسلم لكون الجلودى رواه عن مسلم موصولاً عن أبى إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، فروايته هى المعتمدة المشهورة (¬7). يقول الإمام أبى عمرو بن الصلاح: " هذا الكتاب - يعنى الصحيح لمسلم - مع شهرته التامة صارت روايته بإسناد متصل بمسلمٍ مقصورة على أبى إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان " (¬8). والجلودى هو محمد بن عيسى بن عمرويه، أبو أحمد النيسابورى الجلودى الزاهد (¬9). قال الحاكم فى تاريخه: " كان يورّقُ بالأجرة، ويأكل من كسب يده، وكان ¬

_ (¬1) الغنية: 28. (¬2) قيد فى السير: ومحمد بن فرج الطلاعى 19/ 266. (¬3) أبو الحسن على بن خلف، سمع من القضاعى كتاب الشهاب. وعليه عوَّل الناس. مات سنة (498). الصلة 2/ 423. (¬4) و (¬5) السابق: 35. (¬6) المقدمة وسترد إن شاء الله قريباً. (¬7) صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط: 81. (¬8) السابق: 103. (¬9) عن سير أعلام النبلاء 16/ 302، تاريخ الإسلام 3/ 404.

أما الفارسى فهو

ينتحل مذهب سفيان الثورى، ويعرفه. كان من أعيان الفقراء والزهاد، ومن أصحاب المعاملات فى التصوف. ختم بوفاته سماع كتاب مسلم، فإن كل مَنْ حدث به بعده عن إبراهيم بن سفيان، فإنه غير ثقة " (¬1). سمع عبد الله بن شيرويه، وإبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، وأحمد بن إبراهيم بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبا بكر بن زنجويه القشيرى، ومحمد بن المسيب الأرغيانى، وغيرهم بنيسابور، ولم يرحل منها. روى عنه الحاكم أبو عبد الله، وأحمد بن الحسن بن بندار الرازى، وأبو سعيد عمر بن محمد السجزى، وأبو سعيد محمد بن على النقاس، وأبو محمد بن يوسف، وعبد الغافر بن محمد الفارسى - وهو آخر من روى عنه (¬2). قال الحاكم: " مات الجلودى فى الرابع والعشرين من ذى الحجة سنة ثمان وستين وثلاثمائة وهو ابن ثمانين " (¬3). أما ابن سفيان فهو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابورى، الإمام، القدوة، الفقيه، كان من أئمة الحديث، قال فيه الحاكم: " كان من العُبَّاد المجتهدين، الملازمين لمسلم " (¬4). سمع بنيسابور محمد بن رافع القشيرى، وكان من أصحاب أيوب بن الحسن الزاهد الفقيه الحنفى، ورحل إلى الرى، والعراق، والحجاز. روى عنه الصحيح أبو عبد الله محمد بن يزيد العدل، والجلودى، وغيرهما. قال إبراهيم: " فرغ لنا مسلم من قراءة الكتاب فى شهر رمضان سنة سبع وخمسين ومائتين " (¬5). توفى - رحمه الله - فى رجب سنة ثمان وثلاثمائة (¬6). أما الفارسى فهو: عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد بن محمد بن سعيد الفارسى، الفسوى، ثم النيسابورى، أبو الحسين، التاجر. سمع الكتاب من الجلودى قراءة عليه فى شهورٍ سنة خمس وستين وثلاثمائة. ذكره حفيده عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر فى " سياق تاريخ نيسابور. توفى سنة ثمان ¬

_ (¬1) السابق، وقال: " ضاعت سماعاته من أبى سفيان فنسخ البعض من نسخة لم يكن له فيها سماع ". (¬2) تاريخ الإسلام 3/ 404. (¬3) سير 16/ 302. قال ابن دحية: اختلف فى الجلودى، فقيل: بفتح الجيم، وليس بشىء. قال السمعانى فى الأنساب: إنه منسوب إلى الجلود جمع جلد 3/ 307. وتعقب بأن الصواب عند النحويين أن يقال: الجلدى، لأنك إذا أنسبت إلى الجمع رددت إلى الواحد. وقال ابن الصلاح: وعندى أنه منسوب إلى سكة الجلوديين بنيسابور الدراسة. صيانة صحيح مسلم: 105. (¬4) صيانة صحيح مسلم: 104، سير 14/ 311. (¬5) صيانة صحيح مسلم: 104. (¬6) شذرات الذهب 2/ 252.

أما السمرقندى فهو

وأربعين وأربعمائة، وقد استكمل خمسًا وتسعين سنة (¬1). أما السمرقندى فهو: الحافظ الإمام الرحال أبو محمد الحسن بن أحمد الحسن بن أحمد بن محمد بن قاسم بن جعفر، السمرقندى، ولد سنة تسع وأربعمائة. كان إماماً حافظاً، سمع، وجمع، وصنف، قال إسماعيل الحافظ عنه: " له كتاب (بحر الأسانيد فى صحيح المسانيد)، جمع فيه مائة ألف حديث، لو رتب وهذب لم يقع فى الإسلام مثله، وهو ثمانمائة جزء " (¬2). قال فيه عبد الغافر: " هو عديم النظير فى حفظه، وهو مكثر عن المستغفرى" (¬3). قرأ الصحيح على الفارسى نيفاً وثلاثين مرة، وقرأه عليه أبو سعيد السجزى نيفاً وعشرين مرة (¬4). مات فى ذى القعدة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وله ثنتان وثمانون سنة (¬5). أما الرواية الثانية له فهى لنسخة القلانسى أبى محمد أحمد بن على عن مسلم. وقد حدثه بها قراءة وسماعاً وإجازة القاضى أبو عبد الله التميمى، عن أبى على الجيانى، عن القاضى أبى عمر أحمد بن محمد بن الحذاء عن أبيه عن أبى العلاء بن ماهان عن أبى بكر محمد بن يحيى بن الأشقر عن القلانسى عن مسلم وحصلها بالإجازة من الجيانى وابن عتَّاب عن ابن الحذاء عن أبيه بالإسناد المتقدم. والقلانسى هو: أبو محمد أحمد بن على بن الحسن بن المغيرة بن عبد الرحمن القلانسى، قال ابن الصلاح: " لم أجد لروايته ذكر عند غير المغاربة، دخلت روايته إليهم من مصر على يدى من رحل منهم إلى جهة المشرق، كأبى عبد الله محمد بن يحيى الحذاء التميمى القرطبى " (¬6). وحدثه بها أيضاً قراءة منه عليه الفقيه أبو محمد بن أبى جعفر عن أبيه عن أبى حفص ¬

_ (¬1) صيانة صحيح مسلم: 106. (¬2) تذكرة الحفاظ 4/ 123. (¬3) السابق. (¬4) صيانة صحيح مسلم: 106، وقد جاء فيه بأنه أبو سعيد البحيرى، وجاء فى ترتيب المدارك المطبوع بلبنان: السنجرى، وهو وَهْم أو تصحيف سها عنه محقق الكتاب. (¬5) التذكرة 4/ 1230، شذرات الذهب 3/ 394، الرسالة المستطرفة: 125. (¬6) صيانة صحيح مسلم: 109. بتصرف. ومحمد بن الحذاء التميمى إمام فقيه محدّث حافظ، لقى جماعة من الشيوخ وأخذ عنهم، منهم ابن بطال، وابن عون الله الأنطاكى وأبو محمد الباجى والأصيلى- وانتفع به- وغيرهم، ورحل فلقى بمصر الجوهرى وابن شعبان، وعبد الغنى الحافظ، وغيرهم، ثم رجع إلى الأندلس وارتفعت درجته، روى عنه جماعة، منهم ابن عبد البر، ألف كتاب " الاستنباط لمعانى السنن والأحكام من أحاديث الموطأ "، وكتاب " التعريف برجال الموطأ " مولده سنة 347، وتوفى سنة 416. شجرة النور الزكية: 112.

أما أبو عبد الله المازرى " صاحب المعلم " فهو

عمر بن الحسن الهوزنى عن القاضى أبى عبد الله محمد بن أحمد الباجى عن ابن ماهان (¬1). أما أبو عبد الله المازرى " صاحب المُعْلِم " فهو: الشيخ الإمام العلامة البحر المتقن، محمد بن على بن عمر بن محمد التميمى، المازرى، أول من أبرز علم أصول الفقه بتونس، مصنف كتاب المُعْلِم، وكتاب " إيضاح المحصول فى الأصول "، وله تواليف فى الأدب، وكان أحد الأذكياء الموصوفين، والأئمة المتبحرين (¬2). أصله من مايزر - بالفتح والكسر - بجزيرة صقِليَّة على ساحل البحر، وقد وُلِد بالمهديَّةِ بتونس، وسكن بها، وبها مات فى ربيع الأول سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وله ثلاثة وثمانون سنة (¬3). لم يكن للمالكية فى عصره أفقه منه، ولا أقوم بمذهبهم، سمع الحديث وطالع معانيه، اطلع على علوم كثيرة من الطب، والحساب، والآداب، فكان - كما وصف الذهبى - أحد رجال الكمال، وإليه كان يفزع فى الفتيا فى الفقه، وكان حسن الخلق، مليح المجالسة، كثير الحكاية والإنشاد، وكان قلمه أبلغ من لسانه (¬4). كتب إليه القاضى عياض يستجيزه فأجازه كتابه " المُعْلِم " وغيره من تواليفه (¬5). وأبو طاهر السلفى هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلف، شيخ الإسلام، الحافظ المفتى، الأصبهانى حدث بدمشق، ثم خرج إلى مصر وسمع بها، واستوطن الإسكندرية، وصارت له بها وجاهة، وكان مغرى بجمع الكتب والاستكثار منها. قال الذهبى: " روى عنه بالإجازة خلق ماتوا قبله منهم القاضى عياض " (¬6)، توفى سنة ست وسبعين وخمسمائة (¬7). أما عن قيمة تلك الأسانيد العلمية فالكلام فيها يتطلب قبلها بيان مسألتين: الأولى: فى كيفية تحمل الجلودى لنسخته عن إبراهيم، واختلاف الناقلين عنه فيها. الثانية: فى تحمل إبراهيم المروزى لها عن مسلم. ففى الأولى يقول الإمام ابن الصلاح: " اختلفت النسخ فى رواية الجلودى عن ¬

_ (¬1) هو أبو العلاء عبد الوهاب بن عيسى بن ماهان البغدادى، ثم المصرى، روى صحيح مسلم عن أبى بكر ابن الأشقر سوى ثلاثة أجزاء يرويها عن الجلودى. توفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. العبر 2/ 174، حسن المحاضرة 1/ 371. (¬2): (¬4) سير 19/ 105. (¬5) الديباج المذهب: 28. (¬6) سير 21/ 17. (¬7) السابق 21/ 39.

مواطن الفوات

إبراهيم، هل هى بحدثنا إبراهيم، أو أخبرنا؟ " " والتردد واقع فى أنه سمع من لفظ إبراهيم، أو قرأه عليه. فالأحوط إذن أن يقال: أخبرنا إبراهيم، حدثنا إبراهيم. فيلفظ القارئ بهما على البدل. قال: وجائز لنا الاقتصار على أخبرنا؛ لأن كل تحديث من حيث الحقيقة إخبار، وليس كل إخبار تحديثاً. والله أعلم " (¬1). وعن الثانية فإنه قد وقع لإبراهيم بن سفيان فى الكتاب فائتاً لم يسمعه من مسلم. فيما ذكره ابن الصلاح أيضاً، يقال فيه: أخبرنا إبراهيم عن مسلم، ولا يقال فيه: قال أخبرنا أو حدثنا مسلم. قال: وروايته لذلك عن مسلم إما بطريق الإجازة، وإما بطريق الوجادة، وقد غفل أكثر الرواة عن تبيين ذلك، وتحقيقه فى فهارستهم وبرناماجاتهم. وفى تسميعاتهم، وإجازاتهم، بل يقولون فى جميع الكتاب: أخبرنا إبراهيم قال: أخبرنا مسلم (¬2). مواطن الفوات: قال ابن الصلاح: وهذا الفوت فى ثلاثة مواضع مختلفة فى أصول معتمدة: فأولها: فى كتاب الحج فى " باب الحلق والتقصير " حديث ابن عمر - رضى الله عنهما - أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " رحِمَ الله المحلقين " برواية ابن نمير، فشاهدت عنده فى أصل الحافظ أبى القاسم الدمشقى بخطه ما صورته: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم قال: حدثنا ابن نمير، حدثنا أبى، حدثنا عبيد الله بن عمر ... الحديث (¬3)، وكذلك فى أصل بخط الحافظ أبى عامر العبدرى، إلا أنه قال: حدثنا أبو إسحاق. وشاهدت عنده فى أصل قديم مأخوذ عن أبى أحمد الجلودى ما صورته: من ها هنا قرأت على أبى أحمد حدثكم إبراهيم عن مسلم، وكذا كان فى كتابه إلى العلامة. قال ابن الصلاح: وهذه العلامة هى بعد ثمانية أوراق أو نحوها عند أول حديث ابن عمر: " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبَّر ثلاثاً " (¬4). وعندهم فى الأصل المأخوذ عن الجلودى ما صورته: إلى ها هنا قرأت عليه - يعنى على الجلودى - عن مسلم، ومن هاهنا قال: حدثنا مسلم وفى أصل الحافظ أبى القاسم عندها بخطه، من هنا يقول: حدثنا مسلم وإلى هنا شك (¬5). ¬

_ (¬1) و (¬2) صيانة صحيح مسلم: 111 والإجازة هى إذن الشيخ للطالب أن يروى عنه كتابه أو مروياته بغير سماع من الطالب أو إسماع انظر: إرشاد طلاب الحقائق 1/ 372، المقدمة لابن الصلاح 136، تدريب الراوى 2/ 29. (¬3) عنوان الباب فى نسخة النووى: تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير 3/ 436. (¬4) الكتاب السابق، باستحباب إذا ركب دابته 3/ 488، وهذا القدر بلغ مائة حديث وواحداً. (¬5) وبلغ هذا القدر مائة وتسعة وثلاثين حديثاً، شمل كتاب الوصايا، وكتاب النذر، وكتاب الإيمان، وصحبة الماليك وسبعة أحاديث من كتاب القسامة نووى على مسلم 4/ 157: 230.

الفائت الثانى لإبراهيم: أوله أول الوصايا قول مسلم حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، ومحمد بن المثنى - واللفظ لمحمد بن المثنى - فى حديث ابن عمر: " ما حق امرئ مسلم له شىء يريد أن يوصى فيه .... إلى قوله فى آخر حديث: رواه فى قصة حويصة ومحيصة فى القسامة: حدثنى إسحاق بن منصور، أخبرنا بشر بن عمر، قال: سمعت مالك بن أنس ... " الحديث، وهو مقدار عشرة أوراق (¬1)، ففى الأصل المأخوذ عن الجلودى، والأصل الذى بخط الحافظ أبى عامر العبدرى ذكر انتهاء هذا الفوات عند أول هذا الحديث، وعود إبراهيم: حدثنا مسلم. الفائت الثالث: أوله قول مسلم فى أحاديث " الإمارة والخلافة ": حدثنى زهير بن حرب، حدثنا شبابة .... حديث أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الإمام جنة .... " ويمتد إلى قوله فى كتاب الصيد والذبائح: حدثنا محمد بن مهران الرازى حدثنا أبو عبد الله حماد بن خالد الخياط ... حديث أبى ثعلبة الخشنى: " إذا رميت بسهمك " (¬2). فمن أول هذا الحديث عاد قول إبراهيم: حدثنا مسلم. وهذا الفوت أكبرهما، وهو نحو ثمانى عشرة ورقة، وفى أوله بخط الحافظ الكبير أبى حازم العبدوى النيسابورى - وكان يروى عن محمد بن يزيد العدل عن إبراهيم ما صورته من هنا يقول إبراهيم قال مسلم. وهو فى الأصل المأخوذ عن الجلودى. وأصل أبى عامر العبدوى وأصل أبى القاسم الدمشقى بكلمة عن (¬3). وعلى ذلك فإنه يصير من البين هنا أن نسخة الصحيح لمسلم قد اتصل إسناد القاضى لها اتصالاً قوياً لمعظمها، والقليل منها - وإن لم يكن فى اتصاله فى قوة اتصال الأغلب منها - فإنه ليس بمقطوع، وبخاصة وأن الطريق الثانى له إليها لا ينزل عن المستوى المقبول للاعتماد فضلاً عن التقوية. يقول الشيخ أبو عمر بن الصلاح أحد أئمة القرن السابع الهجرى (¬4): " ثم إن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود بها فى عصرنا وكثير من الأعصار قبله إثبات ما يروى بها، إذ لا يخلو إسناد منها عن شيخ لا يدرى ما يرويه، ولا يضبط ما فى كتابه ضبطاً يصلح لأن يعتمد عليه فى ثبوته، وإنما المقصود منها إبقاء سلسلة الإسناد، ¬

_ (¬1) وبلغ هذا القدر مائة وتسعة وثلاثين حديثاً، شمل كتاب الوصايا، وكاب النذر، وكتاب الإيمان، وصحبة المماليك وسبعة أحاديث. كتاب القسامة نووى على مسلم 4/ 157: 230. (¬2) وبلغ هذا القدر مائتى حديثاً واستغرق بقية كتاب الإمارة، نووى على مسلم 4/ 508: 596. (¬3) صيانة صحيح مسلم: 113. والعبدوى هو: الحافظ الإمام، محدث نيسابور، عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدون. حدث عنه الخطيب وقال: كان ثقة حافظاً عارفاً، مات سنة سبع عشرة وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1073، طبقات الشافعية الكبرى 5/ 300، تاريخ بغداد 11/ 272. (¬4) المتوفى سنة 643 هـ.

نسخ الكتاب

والتى خصت بها هذه الأمة - زادها الله كرامة - وإذ كان ذلك كذلك، فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من صحيح مسلم وأشباهه أن يتلقاه من أصل به مقابلٍ على يدى مقابِلين ثقتَين بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة، ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبُعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول. ثم لما كان الضبط بالكتب معتمداً فى باب الرواية، فقد تكثر الأصول المقابل بها كثرةً تتنزل منزلة التواتر أو منزلة الاستفاضة " (¬1). ولقد كان اتصال كتاب الصحيح لمسلم بالقاضى عياض أقوى بكثير من ذلك، ثم إن نسخ الصحيح التى اعتمد عليها القاضى قد أضيف إليها بنظره فيها ومقابلته لها ومضاهاته بغيره، ما ينزلها المنزلة التى لا تسامت، ويحلها بالمستوى الذى لا ينافس. فلا غرو أن يصفها القاضى " بالأم ". نسخ الكتاب: يسَّر اللهُ لى تحَصُّل هذا الكتاب النفيس من خمس نسخ له، أُضيف إليها خمس أخرى لنسخ " المُعْلِم " الذى كان أصلاً للإكمال، والذى يعبر القاضى عن صاحبه فى كتابه موضوع تحقيقنا بالإمام. وهذه أوصاف تلك النسخ، نُذَيِّلها إن شاء الله بصورٍ شمسية لها. أولاً: نسخ الإكمال: 1 - النسخة الأولى: وهى صورة عن مكتبة أحمد الثالث بتركيا - رد الله غربتها - تحت رقم 413/ حديث، وهى فى مجلدة واحدة، تحوى ثلاثة أجزاء، مجموع لوحاتها 261 (مائتان وإحدى وستون) لكل لوحة وجهان، ومساحة كل وجه 28 × 15 سم، وعدد مسطرته 39، وعدد كلمات السطر 17 كلمة. يوجد على صدر هذه النسخة تملكات، الظاهر منها للقراءة تملك باسم أحمد النجار العسلى. ولوضوح هذه النسخة ولكونها أوسع النسخ التى وقعت لى جعلتها الأصل، إذ أنها استوعبت أحد عشر كتاباً من كتب الصحيح خلا المقدمة. وتلك الكتب هى: الإيمان، والطهارة، والصلاة، والجنائز، والزكاة، والصيام، والاعتكاف، والحج، وفضل المدينة، والنكاح، والطلاق، واللعان. ¬

_ (¬1) صيانة صحيح مسلم 115.

2 - النسخة الثانية

كما هو مثبت فى طرة هذه النسخة. ولهذه النسخة صورة بمكتبة مركز البحث العلمى بجامعة أم القرى بمكة المكرمة تحت رقم 85/ حديث. 2 - النسخة الثانية: وهى نسخة مصورة منقولة عن نسخة أصلية، كما جاء فى هامش السطر الثالث من اللوحة الأولى لها بالوجه الأول فيها. ومحل هذه النسخة الآن تشستر بيتى بدبلن، ولها صورة بمكتبة مركز البحث العلمى بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وتحمل رقم 137/ حمدى الثالث. ومجموع لوحاتها 257 (مائتان وسبع وخمسون)، ولكل لوحة وجهان، ومساحة كل وجه 30 × 21 سم، وعدد مسطرته 25، وعدد كلمات السطر 11 كلمة، ورمزنا لها بالحرف (ت). وهذه النسخة شملت ثلاثة كتب فقط من كتب الصحيح هى: الإيمان، والطهارة، والصلاة. 3 - النسخة الثالثة: وهى نسخة المسجد الحرام بمكة المكرمة، وقيد عليها: مكتبة الحفظى. وتبدأ هذه النسخة من حديث جيش أبى عبيدة: بعثنا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتلقى عير قريش، وتنتهى بالحديث عن أطفال المسلمين فى الجنة. ومجموع لوحاتها 385 (ثلاثمائة وخمس وثمانون) ولكل لوحة وجهان، ومساحة كل وجه 30 × 21 سم، وعدد مسطرته 25، وعدد كلمات السطر الواحد 15 كلمة، ورمزنا لها بالحرف (ك). 4 - النسخة الرابعة: وهى نسخة المكتبة الأزهرية، وقد عنون لها بأنها الجزء الخامس والسادس من الإكمال، وأنه ينتهى بها الكتاب. وقد كتب أعلى هذا كلام، ثم ضرب عليه، وهو ما يلى: " الخامس والسادس من فتح البارى فى شرح البخارى ". ثم كتب بعدها بعد الضرب عليها ما يلى: بمراجعة هذا الجزء والذى يليه على فتح البارى لم ينطبق عليه، وقد تبين لنا بعد أن هذين الجزئين من كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم تأليف الإمام القاضى عياض بن موسى بن عياض اليحصبى السبتى، المولود بسبتة فى منتصف شعبان 476، والمتوفى بمراكش سنة 544 كمَّل به المُعْلِم فى شرح مسلم للمازرى.

5 - النسخة الخامسة

وتقع تحت رقم 1841/ حديث، وتاريخ نسخها - كما جاء على طرتها - حوالى القرن العاشر، وتبدأ بكتاب الفرائض. ومجموع لوحاتها 373 (ثلاثمائة وثلاث وسبعون)، وهى نسخة مصورة بالتصوير الشمسى. ومساحة كل لوحة 32 × 21 سم، وعدد مسطرتها 35، وعدد كلمات السطر 15 كلمة. ويوجد على صدر هذه النسخة تملكات يظهر منها تملك باسم كامل على الرفاعى، ثم تملك آخر باسم إبراهيم طموسة، ورمزنا لها بالحرف (ز). غير أن هذه النسخة قد ذيلت بعبارة: " تم الجزء الخامس بحمد الله وعونه، يتلوه الجزء السادس قوله: ونفخ فى الصور، بما يفيد أن هذه النسخة هى الجزء الخامس من الكتاب فقط، حسب تجزئته هو ". وقد شملت ثمانية عشر كتاباً هى: الأيمان والنذور، والوصايا، والجهاد والإمارة، والطب، والطاعون، والكهانة، واللباس والزينة، والأطعمة والأشربة، والصيد والذبائح، والضحايا، والسحر، والحيات، والرؤيا، والفضائل. 5 - النسخة الخامسة: وهى نسخة مركز الملك فيصل بالرياض، عن النسخة المرادية التى آل أمرها إلى مكتبة ما سمى بالأسد الوطنية بدمشق. وهذه النسخة تحتوى على أربعة كتب من كتب الصحيح هى: الحج، والعتق، والبيوع، والفرائض، ورمزنا لها بالحرف (ف). وكانت تلك النسخة أحد الدوافع التى حفزتنى للدخول فى هذا العمل الشاق، إذ جاءتنى وأنا مشغول بالوقوف على أمر هذا الكتاب، بغير معرفة منى بها، ولا بمكانها، ولا بمن أرسلها، وكان ذلك إبَّانَ مقامى بمكة المكرمة، فقدرت ذلك من عاجل البشرى لى، وأرجو من الله تعالى أن تكون كذلك. 6 - النسخة السادسة: وهى نسخة مصورة بجامعة أم القرى عن نسخة بمكتبة مخطوطات الخزانة العامة بالرباط، وتلك النسخة نسخة ملفقة غير مرقمة، وإن كان خطها من الخطوط المغربية الواضحة، ورمزنا لها بالحرف (ر). ولكثرة النسخ التى يسرها الله لنا للإكمال، فإنه وقع وهم يسير فى رموزها - نستميح القارئ فيه - فحيث رمزنا للنسخة السورية بحرف (ف) فأحياناً تأتى بالرمز (س)، وحيث جعلنا لنسخة الحرم المكى حرف (ك) رمزاً لها، فأحياناً كان يأتى الرمز

ثانيا: نسخ المعلم

لها بالحرف (ح). ثانياً: نسخ المُعْلِم: وقد تحصل لى بحمد الله تعالى منه خمس نسخ: الأولى: نسخة مصورة عن مكتبة كلية القرويين بفاس، وكتب عليها أنها كتبت فى زمن المؤلف وقد أتت الأرضة على أطرافها. وتقع فى 156 (مائة وست وخمسين لوحة)، ومساحة كل لوحة 31 × 23 سم وعدد مسطرتها 24، وعدد كلمات السطر 12 كلمة، وعليها سماعات غير واضحة، ورمزنا لها بالحرف (ع). الثانية: نسخة مصورة عن مكتبة أحمد الثالث، تحت رقم 414/ حديث، عليها تملكان: الأول باسم محمد بن محمد الدارى، والثانى لم يتيسر لى استيضاح اسمه. وتقع هذه النسخة فى 194 (مائة وأربع وتسعين لوحة)، ومساحة كل لوحة 23 × 30 سم، وعدد مسطرتها 19، وعدد كلمات السطر 13 كلمة، وهى بخط جيد قريب العهد بنا، ورمزنا لها بالمعلم. الثالثة: نسخة مصورة عن الخزانة العامة بالرباط. وتقع فى 383 (ثلاثمائة وثلاث وثمانين لوحة)، ومساحة كل لوحة 35 × 24 سم، وعدد مسطرتها 29، وعدد كلمات السطر 16 كلمة، وكتبت بخط مغربى واضح. الرابعة: نسخة مصورة عن المكتبة الأزهرية، وهى برقم 990/ حديث. وبها آثار رطوبة وأرضة. وتقع فى 172 (مائة واثنتين وسبعين لوحة)، ومساحة كل لوحة 38 × 27 سم، وعدد مسطرتها 28، وعدد كلمات السطر 15 كلمة. الخامسة: نسخة مصورة عن الحرم المدنى. وتقع فى جزءين: الأول تحت رقم 108/ 213 حديث، والثانى 123/ 109/ حديث، والرقم العام لهما 232/ 108، وكتبت بخط مغربى واضح، ومجموع لوحاتها 197 (مائة وسبع وتسعون لوحة)، ومساحة اللوحة فيها 39 × 29 سم، وعدد مسطرتها 27 سطراً، وعدد كلمات السطر 14 كلمة.

عملى فى الكتاب

عملى فى الكتاب: مع مراعاة متطلبات التحقيق العلمية من مقابلة النسخ، وضبط النصوص، وترقيم الآيات، وتخريج الأحاديث، وتوجيه العبارة، فإنى قمت بما يلى: 1 - إلحاق كتاب الصحيح وتوزيعه على مواطنه بالكتاب؛ إذ كان القاضى والإمام قد اكتفيا بتوفر النسخ له بيد الطلبة الذين طلبوا منهما ضبط النصوص وشرحها، فلم يتوفر الإمام للكتاب - كما سبق وأن ذكرنا - ولما توفر له القاضى لم يلحق النصوص به، وحرصاً منا على إبراز الكتاب على صورة تقرب للأذهان صورته التى كان عليها، فإنا قمنا بفصل ما أضفناها إليه بالطريقة التى تميز كل مضاف بما يدل عليه. 2 - أضفت إلى الكتاب نص مقدمة الصحيح لمسلم وقمت بتوزيعها على مظانها من كلام القاضى المعلق بها، واجتهدنا فى إبراز قضاياها التى تناولها القاضى والإمام، تناولاً إشارياً، وحاولنا جاهدين إبراز غرض الإمام صاحب الصحيح، مع العبارات التى تجاوزها القاضى والإمام لوضوحها فى إبان تعليقهما وتناولهما للكتاب. 3 - قمنا بتوثيق الأدلة والأحكام التى ساقها القاضى عياض توثيقاً منهجياً اقتضانا مراجعة الكثير من كتب الفروع وكتب الأصول. 4 - وقد راعينا مع ذلك المحافظة على عبارة المؤلف حتى ولو جاءت على غير المألوف ما دام لها وجه فى العربية صحيح ولو محتمل، ولم نتدخل فيها بالتصويب إلا عند تعذر الاحتمال لها، وبخاصة إذا وقع الخطأ فى سوق الأدلة الثابتة والحجج الواضحة، فعند ذلك نقوم بما يفرضه علينا حق العلم والعمل نحوه مع الإشارة إليه. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. القاهرة فى 26 المحرم 1418 هـ 16 يوليو 1997 م كتبه أ. د. يحيى إسماعيل

طرة المعلم لنسخة مكتبة كلية القرويين

طرة مخطوطة المعلم للنسخة الموجودة بالرباط

صورة اللوحة الأولى من المعلم للنسخة الموجودة بالرباط

أول مخطوطة حفظت بالحرم المكى لإكمال المعلم

طرة إكمال المعلم لنسخة تشستر بيتى بدبلن

اللوحة الأولى من إكمال المعلم لنسخة تشستر بيتى بدبلن

آخر مخطوطة حفظت بالحرم المكى لإكمال المعلم

الصفحة الأولى لإكمال المعلم لنسخة مكتبة القرويين

اللوحة الأخيرة للجزء الأول من إكمال المعلم لنسخة تشستر بيتى بدبلن

صورة الصفحة الأخيرة للمعلم من نسخة الرباط

صورة طرة إكمال المعلم للنسخة الموجودة بمكتبة كلية القرويين

صورة اللوحة الأولى من إكمال المعلم أ، ب للنسخة الملفقة

وجه الجزء الثانى لنسخة أحمد الثالث من المعلم

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين قال الشيخ الفقيه الإمام العالم الحافظ المتقن أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى - رحمة الله عليه ورضوانه -: الحمد لله المستفتح بحمده كل أمر ذى بال، والصلاة على محمد المصطفى نبيه وعلى آله خير آلٍ بالضراعة (¬1) إليه جل اسمه فى توفيقى وتسديدى، لما أدبِّره [وأحبره] (¬2) من مقالٍ، وأن يخلصه عن التصنُّع لغير وجهه ذى الجلال. وبعد: فإنى عند اجتماع طلبة العلم لدىّ فى [التفقه فى صحيح الإمام أبى الحسين مسلم ابن الحجاج - رحمه الله -] (¬3) والوقوف على معانى أخباره، والبحث عن أغواره، والكشف عن أسراره، وإثارة الفقه ودقائق العلم من آثاره، والاقتباس للهُدى وحقائق الدين من جذاه (¬4) وأنواره، وتقصى (¬5) ألفاظه عن حِكَمِه واعتباره، وبيان غامضه ومشكله، وتقييد مبهمه ومهمله (¬6)، والتَّنْبيه على ما وقع من اختلال لبعض رواته، فى أسانيده ومتونه، والبسط لما أشار إليه- رحمه الله - فى مقدمته من أصول علم الأثر وفنونه، ولم يكن فى ذلك كتاب مختص بهذه الأمور (¬7)، ولا تأليف اعتنى به كالاعتناء بغيره ممن تقَدَّم (¬8) إلا كتاب شيخنا الحافظ أبى على الحسين بن محمد الغسَّانى الجيَّانى، فى الكلام على مشكل أسانيده فى كتابه الذى ألفَه على هذا الكتاب، وكتاب الصحيح للإمام أبى عبد الله البخارى، المسمَّى بـ " تقييد المهمل "، وكتاب الإمام ¬

_ (¬1) فى ت: والضراعة. (¬2) استدركت بهامش ت بسهم، وهى فى الأصل بغير الضمير. (¬3) استدركت بهامش ت بسهم، وكتب بعدها: أصل. (¬4) فى ت: حُلاه. (¬5) فى ت بغير الياء. (¬6) المبهم: هو ما لم يسم صاحبه فى المتن أو الإسناد فى طرق من طرق الحديث أو رواية من الروايات، ويفارق المجهول فى كونه مسمى غير معلوم. أما المهمل: فهو الذى أغفل نقطه وشكله وضبطه. راجع: كتاب إرشاد طلاب الحقائق 2/ 76. (¬7) فى ت: الأمر. (¬8) فى الأصل: عن يقدم، والصواب ما أثبتناه، وهو من ق، وفى ت: من تقدَّم. وكتابه " تقييد المهمل " من الكتب التى سارت بذكرها الركبان، قيَّد فيه المهمل، وميز المشكل بين الأسماء والكنى والأنساب لمن ذكر اسمه فى صحيحى البخارى ومسلم، والكتاب مخطوط بمكتبة جامعة الدول العربية، وقد يسَّر الله لنا تحصيل صورة منه.

أبى عبد الله محمد بن على بن إبراهيم المازرى التميمى فى شرح معانيه المسمى بـ " المُعْلِم "، وإن كان [قد] (¬1) أودعه جملة صالحة مما فى كتاب الحافظ أبى على من الكلام على إسناده، وكلا الكتابين نهايةٌ فى فنّه، بالغٌ فى بابه، مودَعُ من فنون المعارف وفوائدها وغرائب علوم الأثر وشواردها، ما تُلقى كُل واحدٍ منها بالقبول، وبلغ الطالب بها من رغبته المأمول. وكل واحد من الكتابين أجازه لنا مؤلفُه، أعظم الله بذلك أجورهما، وأشرق بما سعيا فيه بين أيديهما وبأيمانهما نورُهما. لكن الإحاطة على البشر ممتنعةٌ، ومطارح (¬2) الألباب والأذهان (¬3) للبحث مُتَّسِعَة، وكثيراً ما وقفنا فى الكتاب المذكور على أحاديث مشكلة لم يقع لها هناك تفسير، وفصول محتملة تحتاج معانيها إلى تحقيق وتقرير، ونُكت مجملة لا بد لها من تفصيل وتحرير، [و] (¬4) ألفاظ مهملة تضطرُ إلى الإتقان والتقييد (¬5)، وكلمات غيَّرها النقلة من حقّها أن نُخرجَ صوابَها إلى الوجود. وعند الوقوف على ما أودعناه هذا التعليق وضَمَّنَّاه الكتابَ الآخر الذى بين أيدينا المُسمَّى بـ " مشارق الأنوار على صحايح الآثار " (¬6) المشتمل عليها الأمهات الثلاث، موطأ الإمام أبى عبد الله مالك بن أنس المدنى، وصحيح الإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، وصحيح [الإمام] (¬7) أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى - رضى الله عنهم أجمعين ووفَّاهم جزاء صنيعهم - تقفُ على مقدار ما أشرنا إليه، وكثرة ما أغفِلَ فى الكتابين من الفنَّين عليه (¬8). والعذر بَيِّن، فإنَّ كتابَ " المعلم " لم يكن تأليفاً استجمع له مؤلفه، وإنما هو تعليق ما تضبطه الطلبةُ من مجالسه، وتتلقفه وكدات (¬9) [الألباء] (¬10)، [وكذلك] (¬11) " تقييد المهمل "، حال بين الشيخ [فيه] (¬12) وبين استيفاء غرضه ما دهمه من مُزْمِن مرضه، فكثرت الرغبات فى تعليق لما يرتضى (¬13) من تلك الزيادات والتنبيهات، يضم ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬2) فى الأصل: مطاريح، والمثبت من ت. (¬3) فى الأصل: الأذان، والمثبت من ت. (¬4) من ت. (¬5) فى ق: التفسير. (¬6) كتاب " مشارق الأنوار " طبع، وهو من منشورات المكتبة العتيقة بتونس، ودار التراث بالقاهرة. (¬7) من ت. (¬8) يعنى -رحمه الله- فنَّ المصطلح (الرواية) وفن الفقه (الدراية). (¬9) الوكدات: جمع وكْدٍ، أو جمع وُكد، وعلى الأول يكون بمعنى الممارسة والهم والقصد، يقال. وَكد فُلانٌ أمراً يكدُه وَكْداً، إذا مارسه وقصده، وعلى الثانى يكون بمعنى الفعل والدأبُ، يقال: ما زال ذلك وُكدى، أى فعلى، فكأن الوُكد اسم، والوَكْدُ المصدر. (¬10) ساقطة من الأصل، والمثبت من ق. وجاء بعدها فى الأصل: كتاب. وهو سبق قلم من الناسخ، تضطرب به العبارة. (¬11) و (¬12) سقطتا من الأصل، والمثبت من ت. (¬13) فى ت: يمضى.

نثرها ويجمع، والقواطع عن الإجابة تقطع، وشغل المحبة التى طوَّقت عُنُق الإنسان تمنع (¬1)، والرجاء لوقت فراغ ذلك يُشوّفُ ويُطمِع، إلى أن منَّ الله بإحسانه بحل تلك القلادة وزوالها، وفرَّغ البال من عهودها الفادحة وإشغالها، فتوَّجَه الأمر وانقطع العذر، وانبعثت هِمَّةُ العبدِ الفقير بمعونة مولاه وتوفيقه إلى الإجابة، راغبةً لمولاها جل اسمه فى المعونة وتوخى الإصابة، ثم تردَّدْتُ فى عمله، ورأيت أن إفراد كتابٍ لذلك يقطع عن الكتاب " المُعْلِم " وما ضمَّنه غير موف بالغرض، وإن تأليف كتاب جامع لشرحه لا معنَى له، مع ما قد تقرَّر فى " المُعلم " من فوائد جمَّة لا تُضاهى، ونكت مُتْقَنَةٍ، وقف عندها حسن التأليف وتناهى، فيأتى الكلامُ فى ذلك ثانيةً غير [مُفاد] (¬2) وكالحديث المعاد، فاستتبَّ الرأىُ بعد استخارة الله تعالى وسلوك سبيل العدل والإنصاف، أن يكون ما يذكر من ذلك كالتذييل لتمامه والصلة لإكمال كلامه، فنبدأ بما قاله (¬3) - رضى الله عنه - ونضيفُ إليه ما استتبَّ وتوالى، فإذا جاءت الزيادة فصَّلناها بالإضافة إلينا إلى أن [ننتهى منها] (¬4)، ثم عطفنا على سوق ما يليه من قوله، ويتطاردُ الكلام الكلام (¬5) بيننا [نُوباً] (¬6) بقوة الله وحوله. وكان فى " المُعْلِم " تقديم وتأخير عن ترتيب كتاب مسلم، فسقناه مساق الأصل، ونظمنا فصوله على الولاء فصلاً بعد فصل، وأنا أتبرأ [لقارئه] (¬7) من التعاطى لما لم أحط به علماً، والإغفال عما لا ينفك عنه البشر سهواً ووهماً، وأرغب لمن حقق فيه خللاً أن يصلحه، أو وجد فيه مُغْفلاً أن يبينه ويُفْصِحَه، أو رأى فيه متأولاً (¬8) [أن يُحسن] (¬9) تأويله، أو ألفى فيه محتملاً أن يُوضح دليله. وقد أخذت [الكتاب] (¬10) ضِممه، على وفقة تشهد بالإنصاف والاعتراف لذى السبق بسبقه. ووسمته بكتاب " إكمال المعلم بفوائد مسلم "، وتحريت فيه بجهدى (¬11) الصوابَ بفضل الله المنعم، وأودعته من الغرائب والعجائب ما يعرفُ قدره كل معتنٍ بها مُتهمّم، ومن الحقائق والدقائق ما ينير كُل مبهم، وتسير مع كل مُنْجِدِ ومُتْهِم (¬12). وإلى الله ¬

_ (¬1) فى الأصل: مهتع، والمثبت من ت. ويعنى بذلك -رحمه الله- أن مكانة الإمام فى نفسه تمنع من أن يتجرأ على مساماته فى إتمام عمله. (¬2) ساقطة من أصل ت. (¬3) فى الأصل: قال. (¬4) فى ت: منتهاها. (¬5) فى ت: بغير تكرار، وعلق عليها بسهم بقوله: هكذا. (¬6) و (¬7) من ت. (¬8) فى ت: تأويلاً، وكررت أسفلها بآخر الصحيفة: متأولاً. (¬9) فى الأصل: أحسن، والمثبت من ت. (¬10) مطموسة فى الأصل. (¬11) فى ت: جهدى. (¬12) النجدُ من الأرض: قِفَافُها وصلابتُها، وما غَلُظَ منها وأشرف وارتفع واستوى. والتهمة: الأرض المتصوبةُ إلى البحر، والغور تهامة، وتهامة اسمُ مكةَ، والنازل فيها متهم.

أرغب أن يجعلنا ممن انتفع بما عُلّم، وهُدى إلى الصراط المستقيم وألهم. وقد تركنا كثيراً مما تعلق بعلم الإسناد مما لم يذكره الشيخ الحافظ أبو على، أو ذكره ولم يذكره الإمام أبو عبد الله، إذ غالب ما ذكره [فى هذا الباب] (¬1) مما فى كتاب الحافظ أبى على، ولم نتتبعه لاستقصائه فى الكتاب الآخر، لكنا ذكرنا من العلل طرفاً مما لم يقع فى كتاب الحافظ أبى على، ما هو من شرطه، أو تركه عن [غير] (¬2) قصد مما ذكره الإمام أبو [على] (¬3) الحسن (¬4) الدارقطنى فى كتابه المسمى بـ " التتبع والاستدراكات على (¬5) البخارى ومسلم " الذى حدَّثنا به قراءةً منى عليه القاضى أبو [على] (¬6) الحسين بن محمد الصَّدفى عن أبى بكر (¬7) محمد بن عبد الباقى عن القاضى أبى الغنايم بن الدجاجى (¬8) عن الدارقطنى. وحدثنى به أيضاً هو وغير واحد من شيوخنا [عن] (¬9) القاضى أبى (¬10) الوليد الباجى (¬11) ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فى ت: الحسين. (¬5) كتاب " الإلزامات والتتبع " للإمام الحافظ المجود شيخ الإسلام أبى الحسن على بن عمر بن عمر الدارقطنى، انتقد فيه على الشيخين الكلام على أحاديث يسيرة من حيث الصناعة الحديثيَّة، ووقعت له فى انتقاده بعض أوهام. (¬6) ساقطة من المخطوطات التى تيسرت لى، وأثبتناها من السير. (¬7) هو الشيخ الإمام العالم المتفنن محمد بن عبد الباقى بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث بن عبد الله ابن شاعر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحد الثلاثة الذين خُلفوا، كعب بن مالك الخزرجى السَّلمى، الأنصارى البغدادى، مولده فى عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة. بكّر به أبوه وسمعه من الحافظ أبى بكر الخطيب، وأبى الغنائم محمد بن الدّجاجى وأبى إسحاق البرمكى، حفظ القرآن وهو ابن سبع، قال فيه السمعانى: ما رأيت أجمع للفنون منه. قال ابن نقطة: حدث بصحيح البخارى عن أبى الحسين بن المهتدى بالله. من كلامه: من خدم المحابر خدمته المنابر، يجب على المعلم ألا يُعنّفَ، وعلى المتعلم ألا يأنف. توفى ثانى رجب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. سير 20/ 23. (¬8) هو الشيخ الأمين المُعمّر أبو الغنائم محمد بن على بن على بن حسن بن الدجَّاجى البغدادى، محتسب بغداد، كان ذا وجاهة وحال واسعة. قال الخطيب: " كان سماعه صحيحاً ". مات فى سلخ شعبان سنة ثلاث وستين وأربعمائة. سير 18/ 262. (¬9) من ت. (¬10) فى الأصل: أبو. (¬11) هو الإمام العلامة الحافظ القاضى سليمان بن خلف بن سعدون الأندلسى القرطبى، الباجى، الذهبى، صاحب التصانيف. أصله من مدينة بطليوس- إحدى مدن الأندلس الكبيرة، من أعمال ماردة، على نهر آنة غربى قرطبة، ثم تحوَّل جدُه إلى باجة، وهى من أقدم مدن الأندلس، وتقع على بعد 140 كم إلى الجنوب الشرقى من لشبونة. ولد سنة ثلاث وأربعمائة، وارتحل سنة ست وعشرين فحجَّ، ثم ارتحل إلى دمشق وبغداد والموصل، ورجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلم غزير، حصله مع الفقر والتقنّع باليسير. حدَّث عنه أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وأبو بكر الخطيب، وأبو عبد الله الحميدى والصَّدفى، وخلق سواهم، وتفقه به أئمة، وصنف التصانيف النفيسة، منها " المنتقى " وشرح فيه موطأ مالك، وكذلك " المعانى فى شرح الموطأ " وكتاب فى الجرح والتعديل قال فيه أبو على =

ذكر أسانيدنا فى كتاب صحيح مسلم رحمه الله

عن أبى عبد الله الصورى (¬1) عن أبى بكر البرقانى (¬2) عن الدارقطنى، إذ لم يكن غرض الحافظ أبى على فى الغالب إلا ذكر ما لم يذكُره، ولولا ذكر الإمام أبى عبد الله لأطراف مما ذكره الحافظ أبو على من ذلك لتركنا الكلام على هذا الفن فى هذا التعليق جملةً، إذ هو باب واسع والتصانيف منه كثيرة موجودة، ولاقتصرنا على الشرح (¬3) والمعانى دون العلل والأسامى. وأنا أقدم بين يدى الكلام أسانيدى فى هذا الكتاب، ليُعرف أثناءه عند اختلاف الألفاظ من نُضيفُ إليه روايةً أجدُها، والطريق إليه إن شاء الله، وهو المستعان، لا إله غيره، [ولا خير إلا خيرُه] (¬4). ذكر أسانيدنا فى كتاب صحيح مسلم رحمه الله سمعت جميع الصحيح [لمسلم] (¬5) [بقراءتى فى مدينة مُرسية] (¬6) - حماها الله تعالى - على قاضى القضاة [الحافظ] (¬7) أبى على الحسين (¬8) بن محمد الصَّدَفى، ثنا به عن أبى العباس أحمد بن عمر العذرى المعروف بالدلائى (¬9)، وسمعت جميعه ¬

_ = الصدفى. " ما رأيت مثل أبى الوليد الباجى"، مات بالمريَّة سنة سبع وسبعين وأربعمائة. سير 18/ 535. (¬1) هو الإمام الحافظ البارع، الأوحد، الحجة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن على بن محمد بن رُحيم، الشامى، الساحلى، الصورى، أحد الأعلام، سمع عبد الغنى بن سعيد المصرى، وصحبه وتخرج به. حدث عنه شيخه عبد الغنى، وأبو بكر الخطيب. قال فيه الخطيب: كان الصورى من أحرص الناس على الحديث، وأكثرهم كَتْباً له، وأحسنهم معرفةً به، لم يقدم علينا أحد أفهم منه لعلم الحديث، وكان مع كثرة طلبه صعب المذهب فى الأخذ، ربما كرر الحديث الواحد على شيخه مرات. كان صدوقاً كتب عنى وكتبت عنه. وقال الباجى: الصورى أحفظ من رأيناه. قال أبو طاهر السَّلفى: " كتب الصورىُّ " صحيح البخارى " فى سبعة أطباق من الورق البغدادى، ولم يكن له سوى عين واحدة "، مات فى جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة. تاريخ بغداد 3/ 103، سير 17/ 627. (¬2) هو الإمام العلامة الفقيه الحافظ الثبت، شيح الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمى، الشافعى، صاحب التصانيف. سمع من الإسماعيلى وأبى بكر القطيعى، وأبى أحمد الحاكم، والحافظ عبد الغنى. حدث عنه الصورى، وأبو بكر البيهقى، والخطيب، وعدد كثير. قال الخطيب. كان البرقانى ثقةً، ورعاً، ثبتاً، فهماً، لم نر فى شيوخنا أثبت منه، صنَّفَ " مسنداً " ضمَّنه ما اشتمل عليه صحيح البخارى ومسلم، وجمع حديث سفيان الثورى، وأيوب، وشعبة، وعبيد الله بن عمر، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق، وغيرهم، ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته، ومات وهو يجمع حديث مسعر، وكان حريصاً على العلم. ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وسكن بغداد، وبها مات فى أول رجب سنة خمس وعشرين وأربعمائة. تاريخ بغداد 4/ 373، طبقات الشافعية للسبكى 4/ 47، طبقات الإسنوى 1/ 231، سير 17/ 464. (¬3) فى الأصل: الشروح. (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬5) من ت. (¬6) فى ت: يقرأ بجامع مُرسية. (¬7) من ت. (¬8) فى ت: حسن، والصواب ما أثبتناه. (¬9) فى الأصل: الولابى، والمثبت من ت، وهو الموافق لما فى الغنية. =

أيضاً بقرطبة [حرسها الله] (¬1) على الشيخ المحدث أبى بحر سفيان بن العاصى الأسدى (¬2). حدثنى به أيضاً عن أبى العباس العذرى عن أبى العباس أحمد بن الحسن الرازى، قال أبو بحر: وحدثنى (¬3) به أيضاً الشيخ أبو الليث نصر بن الحسن (¬4) الشاشى السمرقندى (¬5) عن أبى الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسى (¬6). وقرأتُ جميعه على الفقيه أبى محمد عبد الله بن أبى جعفر الخُشنى (¬7)، حدَّثنى به سَماعه بمكة عن الإمام أبى [عبد الله] (¬8) الحسين بن على الطبرى، عن أبى الحُسين الفارسى، قال ابن أبى جعفر: وحدَّثنى به أيضاً - رحمه الله - عن أبى حفص الهوزنى (¬9) عن أبى محمد عبد الله بن سعيد الشنتجالى عن أبى سعيد عمر بن محمد السجزى. و [قد] (¬10) حدثنى به أيضاً الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن عتاب (¬11) عن أبى محمد الشَنْتجالى إجازةً. ¬

_ = وأبو العباس العذرى توفى سنة 368، قال صاحب الوافى: وبوفاته ختم سماع كتاب مسلم، فإن كل من حدَّث بعده عن إبراهيم بن سفيان فإنه غير ثقة. الوافى 4/ 297، وهو من أقران الشنتجالى. ترتيب المدارك 2/ 695 أخذ عن أبى الحسن على بن القاسم بن محمد بن إسحاق الطاقى، وسمع من أبى الحسن ابن على بن محمد بن الحسن بن محمد بن العباس الفهرى. (¬1) سقط من الأصل. (¬2) هو سفيان بن العاصى بن أحمد بن العاصى بن سفيان الأسدى الفقيه الراوية أبو بحر. قال فيه القاضى: " أحد المتفننين المتقنين للكتب، المتسعى الرواية. نشأ ببلنسية، وأصله من عملها من حصن مُرْ بيطر. سمع أبا العباس الدلائى، وأبا عمر بن عبد البر، والقاضى أبا الوليد الباجى، وأبا الوليد الكنانى، وبه كان اختصاصه وعليه تقييده، ومنه استفادته، وكان يُعظمه جداً، وأجازه أبو مكتوم عيسى بن أبى ذر الهروى، سمع منه الناس كثيراً بالأندلس والعدوة، توفى- رحمه الله- بقرطبة سنة عشرين وخمسمائة، ومولده سنة تسع وثلاثين وأربعمائة. الصلة 1/ 230، البغية: 782. (¬3) فى ت: وحدثنا. (¬4) فى ت: الحسين. (¬5) هو نصر بن الحسن بن القاسم بن الفضل، من أهل تنكت -وهى من مدن الشاش- رحل إلى بلاد المغرب، وأقام ببلاد الأندلس مدة يَسمع ويُسمع توفى سنة 486. الأنساب 3/ 88. (¬6) كان عدلاً جليل القدر، توفى سنة 448. له ترجمة فى العبر 3/ 216، والشذرات 3/ 278. (¬7) هو شيخ فقهاء وقته بشرق الأندلس، وأحفظهم لمذهب مالك بها، مع معرفته بالتفسير والتفنن فى المعارف، والمشاركة فى علوم. لقيه القاضى بسبتة عند صدوره من الحج، وسمع منه شيئاً، ثم لقيه فى رحلته إلى مُرسيَّة فقرأ عليه جميع كتاب مسلم، توفى بمرسية سنة ست وعشرين وخمسمائة، ومولده سنة سبع وأربعين وأربعمائة. الصلة 1/ 494، البغية: 153، شذرات الذهب 4/ 78. (¬8) فى جميع النسخ التى تيسرت لى: على، والتصويب من البغية 57، 153. (¬9) تقدمت ترجمته فى المقدمة. (¬10) ساقطة من ت. (¬11) فى الأصل: غياث، والتصويب من البغية وت.

وحدثنى به أيضاً قراءة لبعضه وسماعاً وإجازةً لما فاتنى منه الفقه القاضى أبو عبد الله [محمد] (¬1) بن عيسى التميمى، عن أبى العباس الدلائى [إجازة له وعن الشيخ الحافظ أبى على الحسين أبى محمد الجيانى سماعاً عن الدلائى، (¬2). وقال الجيانى: وحدَّثنى به أيضاً أبو القاسم حاتم به محمد الطرابلسى، عن أبى سعيد السجزى، قال هو والرازى والفارسى: ثنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودى ثنا إبراهيم بن سفيان المروزى ثنا مسلم بن الحجاج. وكتب إلى [الشيخ] (¬3) الحافظ أبو على الحسين بن محمد الجيانى: حدثنى بهذا الكتاب بسنده المتقدم، قال: وحدثنى به أيضاً حاتم بن محمد عن عبد الملك بن الحسن الصقلى عن أبى بكر محمد بن إبراهيم الكسائى عن ابن سفيان. وأمَّا رواية القلانسى فيه فحدَّثنى بها قراءةً وسماعاً وإجازةً القاضى أبو (¬4) عبد الله التميمى عن أبى على الجيانى عن القاضى أبى عمر أحمد بن محمد بن الحذاء معاً (¬5). وهو لى من الجيَّانى وابن عتَّاب (¬6) وغيرهما إجازةً عن ابن الحذاء عن أبيه عن أبى العلاء بن ماهان عن أبى بكر محمد بن يحيى بن الأشقر عن أبى محمد أحمد بن محمد على القلانسى (¬7) عن مسلم. وحدثنى به [أيضاً] (¬8) قراءةً عليه الفقيه أبو محمد (¬9) بن أبى جعفر عن أبيه عن أبى حفص عمر بن الحسن (¬10) الهوزلى (¬11) عن القاضى أبى (¬12) عبد الله محمد بن أحمد الباجى عن ابن ماهان. وبهذين الطريقين وصل إلينا كتاب مسلم - رحمه الله. وها أنذا أبتدئ بنقل ما تقدم فى المعلم ثم أتبعه بما تضمَّنتُ إن شاء الله. قال الإمام أبو عبد الله محمد بن على بن إبراهيم المازرى - رحمه الله (¬13): ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) من هامش الأصل. (¬3) من ت. (¬4) فى الأصل: أبى، وهو خطأ. (¬5) عليها فى الأصل ما يشبه الضرب. (¬6) فى الأصل: غياب. (¬7) كتب قبلها وضرب عليها بالأصل. " ابن ماهان عن أبى بكر محمد بن يحيى ". (¬8) من ت. (¬9) فى ت: عمر. (¬10) فى ت: الحسين. (¬11) فى ت: الهوزنى. (¬12) فى الأصل: أبو. (¬13) قيد أمامها بهامش الأصل: توفى أبو عبد الله المازرى التميمى بالمهديَّة فى الثالث عشر من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وخمسمائة -رحمه الله. وجاءت فى ت: وفقه الله.

كتاب مسلم من (¬1) أصح كتب الحديث، قال مؤلفه: انتقيتُه من نحو ثلاثمائة ألف حديث، وقال بعض الناس: ما تحت أديم السماء أصح منه - يريدُ فى كتب الحديث - وكان مسلم من جملة أصحاب البخارى لما ورد البخارى نيسابور، ولما امتحِنَ فيها البخارى بالمسألة المشهورة [عنه] (¬2) نفر عنه أصحابه إلا مسلماً فإنه لزمه (¬3). وتوفى الإمام مسلم - رحمه الله - فى العشر الأخير من رجب سنة مائتين وإحدى وستين (¬4). قال الفقيه القاضى [عياض بن موسى بن عياض] (¬5) - رحمه الله -: وإذ قد ذكر الإمام أبو عبد الله - رضى الله عنه - من أخبار مسلم - رضى الله عنه - طرفاً فسنذكُرُ من ذلك ما حضر، ونُضيف إلى ذلك مقصد مسلم - رحمه الله - فى تأليف هذا الكتاب، [ونَضْطَّر] (¬6) إلى تفسير الصحيح والسقيم، وفصول من علوم (¬7) الحديث نبسُطُ من الكلام فيها طَرفاً ونتكلم على كل فصل من ذلك، حيث يأتى من [إشارة] (¬8) مسلم، ونعرّف بمذهبه فى ذلك، ونُبينُ غرضه فيما (¬9) يهدى الله إليه، ويعين عليه، إن شاء الله تعالى، فأقول: ¬

_ (¬1) فى نسخة الرباط " المُعْلِم ": هذا من، وفى نسخة المدينة المنورة: هو. (¬2) من ت. (¬3) قائل ذلك هو الحافظ أبو على النيسابورى، أحدُ شيوخ الحاكم. راجع: تدريب الراوى 1/ 93، سير أعلام النبلاء 16/ 51. وقوله: " المسألة المشهورة ": يشير إلى ما وقع للإمام البخارى من أذى، بسبب موقفه من فتنة القول بخَلْقِ القرآن، والتى ذَكَّى أوارها ضيق أفق خليفة، وفسادُ قلب صاحبٍ وقرين، مع عسر شرط من الأصحاب والموافقين. وفحوى تلك المسألة -مسألة القول بخلق القرآن- هى: أن الثابت عن أهل السنة والجماعة والأشاعرة أنهم أثبتوا لله تعالى صفات نفسية قديمة، قائمة بذاته سبحانه وتعالى، منها صفة الكلام، وذهبوا إلى أن معنى القرآن الكريم ومدلوله قديم، ونوع من أنواع هذه الصفة، خلافاً للمعتزلة الذين أنكروا الصفات عامة، فراراً- بحسب زعمهم- من تعدد القدماء المستحيل بالضرورة، وقالوا بحدوث معنى القرآن، غير متنبهين إلى أن المستحيل إنما هو تعدد الذوات فى القدم، لا أن تكون ذات واحدة هى القديمة قام بها منذ القدم صفات متنوعة. وذهب أهل السنة إلى أن لفظ القرآن -أى حروفه الذى تنطقه ألسنتنا وتتلفظ به، وتكتبه أيدينا فى الصحف المختلفة- حادث غير قديم. راجع فى ذلك: الطبقات الكبرى 2/ 12، تاريخ بغداد 2/ 31، البداية 11/ 27، وانظر البحث القيم فى ذلك للدكتور الشيخ عبد الغنى عبد الخالق فى كتابه: الإمام البخارى وصحيحه: 161 - 174. (¬4) جاء فى النسخة المصورة لدى عن نسخة الحرم المدنى " للمُعلم ": هذا كتاب قصد فيه إلى تعليق ما جرى فى مجالس الفقيه الإمام الجليل أبى عبد الله محمد بن على المازرى -رضى الله عنه- حين القراءة عليه لكتاب مسلم بن الحجاج- رحمه الله- فى شهر رمضان من سنة تسع وتسعين وأربعمائة، منقولاً ذلك بعضه بحكاية لفظ الفقيه الإمام، أيده الله وبعضه بمعناه. (¬5) فى ت: أبو الفضل عياض. (¬6) غير مفهومة فى الأصل، والمثبت من ت. (¬7) فى ت: علم. (¬8) مطموسة فى الأصل، والمثبت من ت. (¬9) فى ب: بما.

هو مسلم بن الحجاج بن مسلم (¬1) القشيرى النسب النيسابورى الدار، يُكنَّى بأبى الحُسين، أحد أئمة السلمين، وحفاظ المحدثين، ومتقن المصنفين، أثنى عليه غير واحد من الأئمة المتقدمين، وأجمعوا على إمامته، وتقديمه وصحة حديثه، [وميزه ومعرفته] (¬2) وثقته، وقبول كتابه. قال أبو بكر أحمد بن ثابت [الخطيب البغدادى الحافظ] (¬3): كان أبو زرعة وأبو حاتم (¬4) يُقدّمانه فى معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما. أهـ. وقال أبو عبد الله الحاكم (¬5): إِنَّ إسحاق بن إبراهيم بن راهويه (¬6) نظر إلى مسلم ¬

_ (¬1) زاد الذهبى بعده: وقيل: القشيرى بن ورد بن كوشاذ. سير 12/ 558، وقشير كما جاء فى تهذيب الأسماء واللغات (2/ 89) قبيلة من قبائل العرب. قال الذهبى: فلعله من موالى قَشير. (¬2) فى الأصل: ومُهرة معرفته. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ت. وهو الإمام الأوحد -كما وصفه الذهبى- العلامةُ المفتى، صاحب التصانيف، وخاتمة الحفاظ. ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وكان بدء سماعه وهو ابن إحدى عشرة سنة، كتب الكثير، وتقدم فى هذا الشأن، وبذَّ الأقران، وجمع، وصنَّف وصَحَّحَ وعَلَّل، وجرَّح، وعدَّل وأرَّخَ وأوضَح، وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق، وكان من كبار الشافعية. قال المؤتمن الساجى: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطنى أحفظ من أبى بكر الخطيب، وكان يقول: " من صنَّف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس "، توفى يوم الاثنين سابع ذى الحجة من سنة ثلاث وستين وأربعمائة. وفيات الأعيان 1/ 92، طبقات السبكى 4/ 29 - 39، سير 18/ 270. (¬4) أبو زرعة هو: الإمام، سيد الحفاظ، عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فَرُّوخ، مُحدّث الرى. سمع من قرّة بن حبيب، والقعنبى، وأحمد بن حنبل. حدث عنه ابن وارة، وأبو حاتم، ومسلم بن الحجاج، وأبو عوانة الأسفرايينى، توفى فى آخر يوم من سنة أربع وستين ومائتين، ومولده كان فى سنة مائتين. وأبو حاتم الرازى هو محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران، الإمام الحافظ، الناقدُ، شيخ المحدثين، كان من بحور العلم، وهو من نظراء البخارى ومن طبقته، طَوَّف البلادَ، وبرع فى المتن والإسناد، وجمع وصنَّف، وجَرّحَ وعدّل، وصحَّحَ وعلَّلَ. بلغ جملة من روى عنهم ثلاثة آلاف، منهم أبو نعيم، والأصمعى، وسعيد بن أبي مريم، وعبد الله بن صالح العجلى، وابن وارة. وحدث عنه ولده الحافظ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم، ويونس بن عبد الأعلى، وأبو زرعة الرازى، وأبو زرعة الدمشقى. قال فيه الخليلى: كان عالماً باختلاف الصحابة، وفقه التابعين، ومن بعدهم، وقال يونس بن عبد الأعلى: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان. مات فى شعبان سنه سبع وسبعين ومائتين. سير 12/ 65 - 262. (¬5) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعَيم بن الحكم، الإمامُ الحافظ، الناقدُ العلامة، شيخُ المحدثين. حدّث عن أبيه، وكان أبوه قد رأى مسلماً، وعن محمد بن على المذَكّر، ومحمد بن يعقوب الأصم- فى خلائق يزيدون عن الألفى شيخ -وحدث عنه الدارقطنى- وهو من شيوخه- وأبو ذر الهروى، وأبو يعلى الخليلى، وأبو بكر الهروى، وأبو القاسم القُشيرى، وخلق سواهم. وصنَّفَ، وخَرَّج، وجَرَّح وعدَّل، وصحَّحَ وعلَّلَ، وكان من بحور العلم. توفى سنة خمس وأربعمائة. سير 17/ 162 - 167. (¬6) هو: الإمام الكبير شيخ المشرق، سيِّد الحفاظ، لقى الكبار، وكتب عن خلق من أتباع =

يعنى فى شيبته -فقال بالفارسية كلاماً ترجمتهُ: أىُّ رجُلٍ يكون هذا (¬1). قال الحاكم: رحم الله إسحاق، لقد صدقت فراسته الذهنية (¬2). وبعض الناس - الذى كنَّى عنه الإمام أبو عبد الله - هو أبو على الحسين بن على النيسابورى، ولفظه: ما تحت أديم السماء أصَح من كتاب مسلمٍ فى الحديث. كذا ذكره عنه أبو بكر بن ثابت الخطيب (¬3). وقال الشيخ المحدّث أبو مروان الطبنى (¬4): كان من شيوخى من يفضل كتاب مسلم على كتاب البخارى. وقال مسلمة بن قاسم (¬5) فى تاريخه: مسلمُ جليلُ القدر، ثقة من أئمة المحدثين. وذكر كتابه فى الصحيح فقال: لم يَضعْ أحدٌ مثله. وقال أبو عبد الله بن البيَّع: أهل الحجاز والعراق والشام يشهدون لأهل خراسان (¬6) بالتقدُّم فى معرفة الحديث، لسبق الإمامين البخارى ومسلم إليه، وتفرُّدِهِما بهذا النوع. وقال أبو حامد الشرقى (¬7): سمعتُ مسلماً يقول: ما وضعتُ شيئاً فى هذا المسند ¬

_ = التابعين، وسمع الفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُليَّة، ووكيع بن الجراح، والنضر ابن شميل، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، وعبد الرزاق، وأمماً سواهم بخراسان، والعراق والحجاز، واليمن، والشام. حدث عنه بقية بن الوليد، وأحمد بن حنبل، وابن معين، والشيخان فى صحيحيهما، وأبو داود والنسائى فى سننهما، وداود بن على الظاهرى، وخلقٌ سواهم. ولد سنة ثلاث وستين ومائة، وتوفى ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين. سير 11/ 358. (¬1) الذى نطق به كما جاء فى تاريخ بغداد: مردا كان بود. والتفسير المذكور هنا للمنكدرى. (¬2) فى ت: الذكية. (¬3) تاريخ بغداد 13/ 101. (¬4) فى الأصل: الطيبى، والمثبت من ت، وهو الصواب، نسبة إلى طُبْنة، بالضم وسكون الموحدة، مدينة بالمغرب، وأبو مروان هو عبد الملك بن زيادة الطُبنى. تبصير المنتبه بتحرير المشتبه 3/ 878. (¬5) هكذا فى جميع الأصول التى تيسرت لنا، والذى أراه صواباً: مسلمة بن القاسم، فهو صاحب التاريخ الكبير، روى عن أبى جعفر الطحاوى، توفى سنة 353. لسان 6/ 35، هدية العارفين 2/ 432. (¬6) بلاد واسعة، أول حدودها مما يلى العراق، وآخر حدودها مما يلى الهند، وقد توزعتها الآن إيران وأفغانستان، والصين. من أمهات بلادها نيسابور، وهراة، ومرو. راجع فى ذلك مراصد الإطلاع 1/ 455. (¬7) الضبط من ت. وهو أحمد بن محمد بن الحسن أبو حامد النيسابورى. قال فيه الخطيب: كان ثقةً ثبتاً متقناً حافظاً. وأخرج بسنده إلى محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه نظر إلى أبى حامد الشَّرقى فقال: حياة أبى حامد تحجز بين الناس والكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تاريخ بغداد 4/ 426. وقال فيه الخليلى الحافظ: إمام فى وقته بلا مُدافعة، ذو تصانيف. قلت: الشَّرْقى نسبة إلى الجانب الشرقى فى مدينة نيسابور. مات إما فى سنة 318 كما حكاه الخليلى، أو سنة 325 كما نقله الذهبى. راجع: الإرشاد 3/ 837، تاريخ بغداد 4/ 426، تذكرة الحفاظ 3/ 821، سير أعلام النبلاء 15/ 37، العبر 2/ 204، ميزان الاعتدال 1/ 156، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 41، مرآة الجنان 2/ 289، النجوم الزاهرة 3/ 261، لسان الميزان 1/ 306، طبقات الحفاظ: 342.

إلا بحجة وما أسقطتُ منه شيئاً إلا بحُجَّة. وقال ابن سفيان (¬1): قلت لمسلم: حديث ابن عجلان (¬2) عن زيد بن أسلم: " إذا قرأ الإمامُ فأنصتوا "؟ قال: صحيح. قُلْتُ: لِمَ لم تضعْهُ فى كتابك؟ قال: ليس كلُّ صحيح وضعت هاهنا، إنما وضعتُ ما أجمعوا عليه. قال الفقيه القاضى أبو الفضل بن عياض - رحمه الله -: وقد وقع هذا الكلامُ فى الأم فى بعض الروايات عن ابن سفيان. وقال محمد بن الحُسين (¬3) أراد شيخ من مشايخ نيسابور - يعنى محمد بن إسحاق [بن خزيمة] (¬4) - أن يُخَرّج على كتاب مسلم، فقال له عبد الملك بن الرازى (¬5): لا تفضح ¬

_ (¬1) سفيان الإمام القدوة سبق قريباً. (¬2) وحديث ابن عجلان أخرجه البيهقى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " المؤمن فى سعة من الاستماع إليه إلا فى صلاة مفروضة، أو مكتوبة أو يوم جمعة أو يوم فطر أو يوم أضحى " يعنى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف/ 204]. السنن 2/ 155. وقد ذكر ابن سفيان هذا الخبر عن مسلم فى صحيحه غير مسند بغير هذا السياق، مما أغرى الألبانى به وجعله يزعم فى إروائه أنه صحيح، وجعل يحيل له على أحاديث أخرى لم تكن من بابه. انظر لذلك: 2/ 267 وما أحال عليه فيه. والذى جاء فى الصحيح لمسلم: قال أبو إسحاق - ابن سفيان - قال أبو بكر ابن أخت أبى النضر فى هذا الحديث. " وإذا قرأ فأنصتوا " - يعنى طعن فيه وقدح فى صحته - فقال مسلمُ: تُريد أحفظ من سليمان؟ فقال له أبو بكر: فحديث أبى هريرة، فقال: هو صحيح ... إلخ. قال النووى: واعلم أن هذه الزيادة مما اختلف الحفاظ فى صحته، اجتماع يحيى بن معين وأبى حاتم الرازى والدارقطنى والنيسابورى على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم، لا سيما ولم يروها مسندة فى صحيحه. نووى 2/ 46. (¬3) يغلب على الظن أنه القطان، الشيخ العالم مسند خراسان، توفى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. سير 15/ 318، الوافى 2/ 372. (¬4) سقط من ت. وابن خزيمة: هو شيخ الإسلام، إمام الأئمة، الحافظ الحجة، أبو بكر السُّلمى، صاحب التصانيف، سمع من إسحاق بن راهويه، ومحمد بن حميد، ولم يحدث عنهما، لكونه كتب عنهما فى صغره وقبل فهمه وتبصره، حدث عنه الشيخان فى غير الصحيحين. توفى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. سير 14/ 365. (¬5) عبد الله بن الرازى لعله ابن أبى زرعة الإمام المحدث الثقة أبو القاسم، المتوفى بأصبهان سنة عشرين وثلاثمائة. سير 15/ 233. وأبو زرعة الرازى ثلاثة: الأول: الكبير، وهو المراد هنا وقد سبقت ترجمته. أما الأوسط فهو: أحمد بن الحسين بن على بن إبراهيم بن الحكم، الرازى الصغير، مات بطريق مكة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. سير 17/ 46. وأما الأصغر فهو: العلامة قاضى أصبهان أبو زرعة روح بن محمد، سبط الحافظ أبى بكر بن السنى. مات سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. السابق 17/ 51.

نفسك. وقال مسلم: لو أَنَّ أهل - الحديث يكتبون الحديث مائتى سنة فمدارهُم على هذا المسند، ولقد عرضت كتابى على أبى زُرْعَةَ الرازى، فكل ما أشار أَنَّ له عِلَّةً تركتهُ وما قال: هو صحيح ليس له علَّةٌ، أخرجتْهُ. ولمسلم - رحمه الله - تواليفُ أخَر رويناها عن شيوخنا، منها: كتاب " تمييز الكنى والأسماء (¬1)، وكتاب " الطبقات " (¬2)، وكتاب " الوُحْدَان " (¬3)، وكتاب " العلل " (¬4)، وكتاب " شيوخ مالك وسفيان وشعبة "، وكتاب " رجال عروة بن الزبير ". قال ابن سفيان: كان مسلم أخرج ثلاثة كُتب من المسندات واحدها (¬5) هذا الذى ¬

_ (¬1) توجد له نسخ بكل من الظاهرية بدمشق تحت رقم (مجموع)، ومكتبة شهيد على بالأستانة برقم (1932)، ذكر أنها نسخة الدارقطنى، ومكتبة أحمد الثالث فى الأستانة برقم (2969/ 3). ودار الكتب المصرية برقم (127) مصطلح، راجع: تاريخ التراث العربى 1/ 222. (¬2) توجد له نسخة فى مكتبة سراى أحمد الثالث باستنبول برقم (624/ 26) وصفها السخاوى بقوله: " واقتصر فيها على الصحابة والتابعين، وبدأ كل قسم منها بالمدنيين، ثم بالمكيين، ثم بالكوفيين، ثم بالبصريين، ثم بالشاميين والمصريين، ولم يترجمهم بل اقتصر على تجريدهم ". الإعلان 684. (¬3) توجد له نسخة فى بانكيبور بالهند برقم (691) فى ست وعشرين ورقة، ونسخة بالسعيدية بحيدر آباد بالهند برقم (352)، وذكره فؤاد سزكين بأنه المنفردات والوحدان. 1/ 222. (¬4) ذكره الإمام النووى فى تهذيب الأسماء واللغات 2/ 91، والحافظ الذهبى فى التذكرة 2/ 590 وقال: " قلما يوجد له غلط فى العلل "، والسير 8/ 280. راجع: كشف الظنون 1160، وهدية العارفين 2/ 431. كذلك كتاب شيوخ مالك وسفيان وشعبة ذكره الذهبى فى التذكرة 2/ 590، والسير 8/ 280، وذكره ابن خير بعنوان: " تسمية شيوخ مالك وسفيان وشعبة ". أما كتاب " رجال عروة بن الزبير " فهو من مخطوطات دار الكتب الظاهرية بدمشق تحت رقم (مجموع 55/ 139)، وهو بخط الخطيب البغدادى. وقد نشره المجمع العلمى بدمشق بمجلته بالمجلد 54 جزء 1/ 107 وله رضى الله عنه من غير ما ذكر: " كتاب التمييز " وقد طبع بجامعة الرياض، و " الأفراد " ذكره ابن خير فى فهرسته فقال: " كتاب الأفراد فى ذكر جماعة من الصحابة والتابعين- رضى الله عنهم- ليس لهم إلا راوٍ واحد من الثقات "، لم نقف عليه، و " أوهام المحدّثين " ذكره النووى له فى تهذيب الأسماء واللغات 2/ 91، ولم نقف عليه كذلك، و " الجامع على الأبواب " ذكره الحاكم وقال: " رأيت بعضه بخطه "، وورد ذكره كذلك فى الأسماء واللغات، ويرد أحياناً باسم: " الجامع الكبير على الأبواب " ولم نقف عليه، و " المسند الكبير على الرجال " ذكره ابن حجر فى التهذيب 10/ 127 فقال: " وقيل: إنه صنف مسنداً كبيراً على الصحابة لم يتم " كذلك " سؤالات أحمد بن حنبل " ذكره الذهبى فى التذكرة 2/ 590، والسير 8/ 280، وغير ذلك مما يسره الله له ورفع ذكره به فى الحديث وغيره. (¬5) فى الأصل: واحداً، والمثبت من ت.

ذكر مقصده فيما جمع فى هذا الكتاب من الصحيح

قرأ على الناس، والثانى يدخُل فيه عكرمة وابن إسحاق صاحب المغازى وأمثالهما، والثالث يدخل فيه من يدخل فيه من الضعفاء. وتُوفى مسلم فى التاريخ الذى تقدَّم، وذلك عشية الأحد لست بقين من رجب المذكور ودفن يوم الإثنين بعده. قال أبو عبد الله الحاكم: وهو بَعْدُ فى حدّ الكهولة [رحمه الله ورضى عنه بمنه وكرمه] (¬1): ذكر مقصده فيما جمع فى هذا الكتاب من الصحيح قال أبو عبد الله محمد بن عُبيد الله بن البيّع: إِنَّ مسلماً - رحمه الله- أراد أن يُخرّج الصحيح على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الرواة، وقد ذكر مسلمٌ هذا فى صدر خُطبته - حيث (¬2) ننبه عليه بعد هذا إن شاء الله -[قال ابن البيّع] (¬3): فلم يُقدَّر له - رحمه الله - إلا الفراغ من طبقته الأولى، واخترمته المنيّةُ قبل أن يُتمَّ غَرَضه إلا من القسم الأول المتفق عليه من الصحيح - وهو شرط محمد بن إسماعيل البخارى أيضاً (¬4) وهو ألا يذكر من الحديث إلا ما رواه (¬5) صحابى مشهور عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، له راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه تابعىٌّ مشهور بالرواية عن الصحابة، له هو أيضاً راويان [ثقتان] (¬6) فأكثر، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور على ذلك الشرط ثم كذلك من بعدهم. وقال أبو على الجيانى: وليس مراده أن يكون كلُّ خبَرٍ روياه يجتمع فيه راويان عن صحابيه وتابعيه (¬7) ومن بعده، فإن ذلك يعزُّ وجودُه، وإنما المراد أَنَّ هذا الصحابى وهذا التابعى قد روى عنه رجلان خرَج بهما عن حدّ الجهالة برواية الواحد. قال القاضى أبو الفضل بن عياض - رحمه الله -: وقد شنَّ على البخارى ومسلم الشىء اليسير من هذا النوع الذى شرطاه، وألزمهما أهل الصنعة ذكر ذلك على ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى الأصل: بحيث، والمثبت من ت. (¬3) سقط من ت. (¬4) لم ينقل عن واحد من الأئمة أصحاب الكتب الستة أنه صرح بشىء منها، وإنما عرفت تلك الشروط لأصحابها بسبر كتبهم، وتتبع أسانيدهم وعلم أحوال رجائهم. راجع فى ذلك الإمام البخارى وصحيحه: 193، شروط الأئمة الستة: 10. وفى هذا التقسيم يراجع كتاب: المدخل للحاكم: ص 7. (¬5) فى الأصل: إلا ممن واه، والمثبت من ت. (¬6) ساقطة من ت. (¬7) فى ت: صحابى وتابعه.

شرطهما، وألف عليهما فى ذلك أبو الحسن (¬1) الدارقطنى (¬2) وأبو ذر الهروى (¬3) وألزماهما (¬4) ذكر ذلك، وكذلك ألَّف فى الصحيح بعدهما غير واحد من الأئمة [و] (¬5) الحفَّاظ كأبى بكر الإسماعيلى (¬6) الجرجانى (¬7) وأبى شيخ بن حيَّانٍ الأصبهانى (¬8) وأبى بكر البرقانى الخوارزمى وأبى عبد الله بن البيَّع النيسابورى وإبراهيم بن حمزة الحافظ (¬9) ¬

_ (¬1) فى ت: الحسين. (¬2) هو أبو الحسن على بن عمر بن أحمد بن مهدى الدارقطنى، شيخ الإسلام، حدث عنه الحاكم، وأبو ذر الهروى، وأبو نعيم الأصبهانى، وأبو الطيب الطبرى، وغيرهم كثير، قال فيه الخطيب: كان فريد عصره وإمام وقته. تاريخ بغداد 12/ 37. كان له -رضى الله عنه- مذهب خفى فى التدليس، يقول فيما لم يسمعه من البغوى: " قرئ على بن القاسم البغوى حدثكم فلان ". توفى- رحمه الله- سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. تاريخ بغداد 12/ 40. والكتاب المشار إليه هنا هو الإلزامات والتتبع، نال به أحد طلبة العلم درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام (1398 هـ/ 1978 م) وطبع الكتاب وهو من منشورات المكتبة السلفية بها. (¬3) وأبو ذر الهروى هو: الحافظ الإمام المجَوّد العلامة عبد ربه أحمد بن محمد بن عبد الله بن غُفير، يعرف بابن السَّماك، راوى الصحيح -صحيح البخارى عن الثلاثة: المستملى، والحموى، والكُشميهنى- حدث عنه فيمن حدثوا القاضى أبو الوليد الباجى، وعبد الله بن سعيد الشنْتجّالى، وروى عنه بالإجازة أبو عمر بن عبد البر، وأبو بكر الخطيب. قال فيه الشنتجالى: من رأى أبا ذر، رآه على هدْى السلف الصالح من الصحابة والتابعين. توفى- رحمه الله- سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. ترتيب المدارك 7/ 229. ولعله يقصد بكتابه المذكور " المسند الصحيح المخرج على البخارى ومسلم "، وفيه وفى غيره يقول الذهبى: وهذه التواليف لم أرها، بل سماها القاضى عياض. سير 17/ 560. (¬4) فى الأصل: والزموهوهما، والمثبت من ت، وهو الصحيح. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) فى الأصل: إسماعيل، والمثبت من ت. (¬7) هو أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، كبير الشافعية بناحيته. سمع من جعفر الفريابى، وابن أبى شيبة، وأبى يعلى، وابن خزيمة. ممن حدث عنه الحاكم البرقانى وحمزة السهمى. قال فيه الذهبى: " ابتهرت بحفظ هذا الإمام وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين فى الحفظ والمعرفة ". وكتابه " الصحيح " هذا هو كتابٌ مخرج على صحيح الإمام البخارى، وفيه يقول الحسن بن على الحافظ: " كان الواجب للشيخ أبى بكر أن يُصنّف لنفسه سُنناً، ويختار، ويجتهد، فإنه كان يقدر عليه لكثرة ما كان كتب، ولغزارة علمه وفهمه وجلالته، وما كان له أن يتقيد بكتاب محمد بن إسماعيل، فإنه كان أجلَّ من أن يتبع غيره " مات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 948 - 950. (¬8) هو الإمام الحافظ محدث أصبهان عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيَّان، سمع البزَّار- صاحب المسند- ومحمد بن أسد المدينى صاحب أبى داود الطيالسى، وإبراهيم بن رستة، وعه ابن مردويه، وأبو سعد المالينى، وأبو نعيم الحافظ، توفى سنة تسع وستين وثلاثمائة. له كتاب " السنن " فى عدة مجلدات، ولعله المراد. سير 16/ 276. (¬9) هو الحافظ الثبت الكبير إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصبهانى، أبو إسحاق بن حمزة، حدث عنه أبو عبد الله بن مندة، وأبو نعيم الحافظ، وقال فيه: " إنه أوحد زمانه فى الحفظ " وأبو عبد الله بن مندة قال فيه: " لم أر أحفظ من أبى إسحاق بن حمزة "، وقال الحاكم فى وصفه لكتابه المسند: " كان فى عصرنا جماعة بلغ المسند المصنَّف على التراجم لكل واحد منهم ألف جزء، منهم إبراهيم بن حمزة " قال أبو نعيم: مات سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. تذكرة 3/ 910.

وأبى نعيم الأصبهانى (¬1) و [أبى] (¬2) الحسن العتيقى (¬3) وأبى بكر بن خزيمة وأبى عُمران الجونى (¬4) وأبى ذر الهروى وخلف الواسطى (¬5) وغيرهم. ¬

_ (¬1) هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهرانى الأصبهانى. قال فيه الذهبى: كان حافظاً مبرزاً عالى الإسناد، تفرد فى الدنيا بشىء كثير من العوالى، وهاجر إلى لقية الحفاظ. وقال أبو محمد السمرقندى: سمعت أبا بكر الخطيب يقول: لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غَير رجلين أبو نعيم الأصبهانى وأبو حازم العبدوى. كانت ولادته فى رجب سنة (336) بأصبهان، ووفاته فى العشرين من المحرم (430)، والمشار إليه من كتابه فى الصحيح كتابان: الأول: " المستخرج على البخارى "، ذكره الذهبى فى التذكرة والسبكى فى طبقات الشافعية والسيوطى فى طبقات الحفاظ. والثانى: " المستخرج على مسلم " ذكره الذهبى والسبكى، ونقل الكتانى فى الرسالة المستطرفة عنوان بأنه " المسند الصحيح المستخرج على صحيح مسلم ". توجد من هذا الأخير نسخة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن نسخة الظاهرية تحت رقم (467، 468) ولا يعدو أن الجزئين الثانى والرابع من الكتاب، الأول يقع فى 160 ورقة، والثانى 474 ورقة. وقد انفرد الكحالة بأنه كتاب واحد اسمه: " المستدرك على الصحيحين ". لمزيد من أخبار الشيخ راجع: سير أعلام النبلاء 17/ 453، طبقات الشافعية الكبرى 4/ 18، البداية والنهاية 12/ 48، العبر للذهبى 3/ 170، تذكرة الحفاظ 3/ 1092، ميزان الاعتدال 1/ 111، لسان الميزان 1/ 201، المنتظم لابن الجوزى، شذرات الذهب 3/ 245، معجم المؤلفين 1/ 282. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) هو الإمام المحدث الثقة أحمد بن محمد بن أحمد بن منصور البغدادى العتيقى سمع القاضى أبا بكر الأبهرى ومحمد بن المظفر، وإسحاق بن سعد النسوى، وحدث عنه المبارك الطيورى، وأبو عبد الله بن أبى الحديد، قال عنه ابن ماكولا: " خرَّج على الصحيحين، وكان ثقة متقناً "، مات سنة إحدى وأربعين وأربعمائة. تاريخ بغداد 4/ 379. (¬4) هو موسى بن سهل بن عبد الحميد الجونى البصرى، الإمام المحدّث لم أقف له على تصنيف أكثر من قول الذهبى فيه إنه كان من ثقات المحدثين ومسنديهم. تذكرة الحفاظ 2/ 763، مات سنة سبع وثلاثمائة. تاريخ بغداد 13/ 56، سير 14/ 261. قلت: ولهذا الاسم نظير فى التابعين، وليس بمراد، إذ لم يكن التصنيف على الصحيح قد بدأ بعد، وهو أبو عمران الجونى عبد الملك بن حبيب البصرى المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائة. رأى عمران بن حصين، وروى عن جُندب البجلى، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الصامت. سير 5/ 255. (¬5) هو الإمام الحافظ الناقد، سمع أبا بكر القطيعى وطبقته ببغداد، وأبا بكر الإسماعيلى بجرجان. والذى اشتهر به من الكتب كتاب " أطراف الصحيحين "، وموضوع كتب الأطراف جمع أحاديث كل صحابى على حدة مع الاقتصار على ذكر طرف منه، بخلاف أصحاب المسانيد فإنهم يذكرون الحديث بتمامه، ثم تذكر كتب الأطراف جميع طرق الحديث فى تلك الكتب التى وضعت الأطراف لها، وما اختص به كل واحد منهم من طرق ذلك الحديث. وإذا أشترك أصحاب تلك الكتب فى رواية حديث أو انفرد به بعضهم ذكر أصحاب الأطراف ذلك الحديث بتعريف موضعه لتقريب البحث عنه، وإذا كان الحديث ذكر متفرقاً فى موضعين أو أكثر ذكروا تلك المواضع، فيمهل بذلك صرفة طرق الحديث والبحث عن أسانيده. ويعد كتاب خلف مع كتاب أبى مسعود الدمشقى - سنة إحدى وأربعمائة - أسبق كتابين فى هذا الشأن، وقد اعتمد عليهما المزى مع كتاب أبى القاسم بن عساكر، فى كتابه تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ". بقى خلف إلى ما بعد الأربعمائة بيسير. راجع: سير أعلام النبلاء 17/ 227، 260، مقدمة تحفة الأشراف. ولم أظفر لأبى مسعود الدمشقى من تواليف فى الصحيح فى غير ما ذكر سوى قول الذهبى فيه: " وكان له عناية بالصحيحين ".

كما أن البخارى ومسلماً قد أخلا أيضاً بشرطهما فى أشياء نزلت عن درجة ما التزماه إلى ما دونها استُدركت عليهما، وفيها ألف أبو الحُسين الدارقطنى كتابه المُسمّى بـ " الاستدراكات والتتبُّع " وذلك فى مائتى حديث، مما فى كتابيهما. ولأبى مسعود الدمشقى عليهما أيضاً استدراك فى ذلك، ولأبى على الجيانى بأخَرةٍ فى كتابه المسمى بـ " تقييد المهمل " فى جزء العلل منه استدراك أكثره على الرواة عنهما وفيه ما يلزمهما، فهذا هو النوع الأول من الصحيح الذى اقتصر عليه كتاب هذين الإمامين، وهو أرفع أنواع [الحديث] (¬1) الصحيح وأوَّل أقسامه المتفق عليه، وليس هو جملة الصحيح وكُله، وسنذكر أنواع الصحيح ونُنبّه على رتبته عند أئمة هذا الشأن فى موضعه من تنبيه مسلم عليه بعد هذا، إن شاء الله تعالى. قال عياض - رحمه الله -: هذا الذى تأوَّله أبو عبد الله الحاكم على مسلم من اخترام المنيَّة له قبل استيفاء غرضه مما قبله الشيوخ وتابعه عليه الناس، فى أنَّه لم يُكمّل غَرَضَه إلا من الطبقة الأولى، ولا أدخل فى تأليفه سواها. وأنا أقولُ: إن هذا غير مُسلَّم لمن حقق نظرَه، ولم يتقيَّد بتقليد ما سمعه، فإنَّك إذا نظرت تقسيم مسلم فى كتابه الحديث - كما قال - على ثلاث طبقات من الناس، فذكر أن القسم الأوّل حديثُ الحفاظ، ثم قال بأنَّه (¬2) إذا تقصَّى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان، مع كونهم من أهل الستر (¬3) والصدق وتعاطى العلم، وذكر أنهم لا يلحقون بالطبقة الأولى، وسمَّى أسماء من كل طبقة من الطبقتين المذكورتين، ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع أو اتفق الأكثَرُ على تهمته، وبقى من اتهمه بعضهُم وصحَّحهُ بعضُهم فلم يذكره هنا، ووجدتُه - رحمَهُ الله - قد ذكر فى أبواب كتابه وتصنيف أحاديثه حديث الطبقتين الأوليين التى ذكر فى أبوابه، وجاء بأسانيد الطبقة الثانية التى سمَّاها، وحديثها، كما جاء بالأولى على طريق الاتباع لحديث الأولى والاستشهاد بها، أو حيث لم يجد فى الكتاب للأولى شيئاً، وذكر أقواماً تكلَّم قوم فيهم وزكاهم آخرون، وخرج حديثهم بمن ضُعّف أو اتُّهِم ببدعة، وكذلك فعل البخارى - رحمه الله - فعندى أنَّه - رحمه الله - قد أتى بطبقاته الثلاث فى كتابه على ما ذكر، ورأيت فى كتابه وتبينت فى تقسيمه، وطَرَح الرابعةَ كما نصَّ عليه، فتأوَّل الحاكمُ أنه إنما أراد أن يُفرد (¬4) لكُل طبقة كتاباً ويأتى بأحاديثها خاصَّة ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى ت: فأنه. (¬3) فى الأصل: السنن. (¬4) فى الأصل: يُعدد.

مفردَة، وليس ذلك مراده، بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه وبان من عرضه أن يجمع ذلك فى الأبواب، ويأتى بأحاديث الطبقتين [من غير تكرار كما ذكر فى كلامه] (¬1)، فيبدأ بالأولى ثم يأتى بالثانية، على طريق الاستشهاد والاتباع، حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث من الناس الحفاظ، ثم الذين يلونهم، والثالثة الذى طرَح، والله أعلم بمراده. وكذلك أيضاً [علل] (¬2) الحديث التى ذكر ووَعَد أنه يأتى بها، قد جاء بها فى مواضعها من الأبواب من اختلافهم فى الأسانيد والإرسال والإسناد والزيادة والنقص، وذكر تصاحيف المصحفين، وهذا يدل على استيفاء غرضه فى تأليفه وإدخاله (¬3) فى كتابه كلما وعد به، وقد فاوضْتُ فى تأويلى هذا ورأيى فيه من يفهمُ هذا الكتاب، فما وجَدْتُ منصفاً إلا صوَّبه وبان له ما ذكرتُ، وهو ظاهر لمن تأمَّل الكتابَ وطالع مجموع الأبواب، والله الموفق للصواب. ولا يُعتَرض على هذا بما تقدَّم عن ابن سفيان من أَنَّ مسلماً خرَّج ثلاثةَ كتب، فإنَّك إذا تأمَّلتَ ما ذكر ابن سفيان لم يطابق الغرَض الذى أشار إليه الحاكم مما ذكره (¬4) مسلم فى صدر كتابه (¬5)، فتأمّلهُ تجده كذلك إن شاء الله. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) مطموسة فى الأصل. (¬3) رسمت فى الأصل هكذا: وادكان، والمثبت من ت. (¬4) فى الأصل بغير الضمير، والمثبت من ت. (¬5) فى الأصل: صدر له، والمثبت من ت.

مقدمة الإمام مسلم

مقدمة الإمام مسلم بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلَى جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ. أَمَّا بَعدُ: فَإِنَّكَ - يَرْحَمُكَ اللهُ بِتَوْفيِقِ خَالِقكَ - ذَكَرْتَ أَنَّكَ هَمَمْتَ بِالْفَحْصِ عَنْ تعَرُّفِ جُمْلَةِ الأَخْبَارِ الْمَأثُورَةِ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سُنَنِ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا فِى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِنْ صُنُوفِ الأشْيَاءِ، بِالأَسَانِيدِ الَّتِى بِهَا نُقِلَتْ، وَتَدَاوَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا بَيْنهُمْ، فَأَرَدْتَ - أَرْشَدَكَ اللهُ - أَنْ تُوَقَّفَ عَلَى جُمْلَتِهَا مُؤَلَّفَةً مُحْصَاةً، وَسَأَلْتَنِى أَنْ ألَخِّصَها لَكَ فِى التَّألِيفِ بِلا تَكْرَارٍ، فَإِنَّ ذلِكَ - زَعَمْتَ - مِمَّا يَشْغَلُكَ عَمَّا لَهُ قَصَدْتَ مِنَ التَّفَهُّمِ فِيهَا، وَالاِسْتِنْبَاطِ مِنْهَا، وَلِلَّذِى سَأَلْتَ - أَكْرَمَكَ اللهُ - حِينَ رَجَعْتُ إِلَى تَدَبُّرِهِ، وَمَا تَؤولُ بِهِ الْحَالُ إِنْ شَاءَ اللهُ، عَاقِبةٌ مَحْمُودَةٌ، وَمَنْفَعةٌ مَحْمُودَةٌ. وَظَننْتُ، حِينَ سَأَلْتَنِى تَجَشُّمَ ذلِكَ أَنْ لَوْ عُزِم لِى عَلَيْهِ، وَقُضِىَ لِى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مسلم -رحمه الله- فى افتتاح كتابه: " أما بعد فإنَّك- يرحمك الله- بتوفيق خالقك ذكَرْتَ أنَّك هممتَ بالفحص عن تعرُّف جملة الأخبار ": قال القاضى: يحتمل أن يكون دعا له بأن يرحمه الله بتوفيقه وهدايته، فإنها من جملة رحمة الله وفضله، ويحتمل أن يُعلقَ قوله: " بتوفيق خالقك " إمَّا إلى ما ذَكره، أو هم به من الفحص، والله أعلم. وقد سقط هذا الدعاء (¬1) عندنا فى رواية [شيخنا] (¬2) الخشنى. قال مسلم: " لو عُزِم لى عليه "، قال الإمام: لا يُظَنَّ بمُسلِمٍ أنَّه أراد: لو عَزَم اللهُ لى عليه؛ لأن إرادة الله لا تُسَمَّى عَزْماً، ولعلَّه أراد [لو] (¬3) سُهَّل لى سَبيلُ العَزْم أو خُلق فىَّ قدرةٌ عليه (¬4). ¬

_ (¬1) فى ت: الكلام. (¬2) من ت. (¬3) ليست فيما عندنا من نسخ المعلم. (¬4) المعلم. مخطوطات الأوقاف، الخزانة العامة بالرباط لوحة 2/ أ.

تَمَامُهُ، كَانَ أَوَّلُ مَنْ يُصِيبُهُ نَفْعُ ذَلِكَ إِيَّاىَ خَاصَّةً، قَبْلَ غَيْرِى مِنَ النَّاسِ، لأسْبَابٍ كَثِيرَةٍ، يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْوصْفُ، إلا أَنَّ جُمْلَةَ ذلِكَ أَنَّ ضَبْطَ الْقَلِيلِ مِنْ هَذَا الشَّأنِ وَإِتْقَانَهُ، أَيْسَرُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ مُعَالَجَةِ الْكَثِيرِ مِنْهُ، وَلا سِيَّمَا عند مَنْ لا تمييز عِنْدَهُ مِنَ الْعَوَامِّ، إِلا بِأَنْ يُوَقِّفَهُ عَلَىَ التَّمْيِيزِ غَيْرُهُ، فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ فِى هَذَا كَمَا وَصَفْنَا، فَالْقَصْدُ مِنْهُ إِلَى الصَّحِيحِ الْقَلِيلِ، أَوْلَى بِهِمْ مِنَ ازْدِيَادِ السَّقيِم. وَإِنَّمَا يُرْجَى بَعْضُ الْمنْفَعةِ فِى الاسْتِكْثَارِ مِنْ هذَا الشَّأنِ وَجَمْعِ الْمُكَرَّرَاتِ مِنْهُ لِخَاصَّةٍ مِنَ النَّاسِ، مِمَّنْ رُزِقَ فِيهِ بَعْضَ التَّيَقُّظِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِأَسْبَابِهِ وَعِلَلِهِ، فَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللهُ، يَهجُمُ بِمَا أُوتِىَ مِنْ ذلِكَ عَلَى الْفَائِدَةِ فِى الاسْتِكْثَارِ منْ جَمْعِهِ، فَأَمَّا عَوَامُّ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ بِخِلافِ مَعَانِى الْخَاصِّ، مِنْ أَهْلِ التَّيَقُّظِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَلا مَعْنَى لَهُمْ فِى طَلَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قد جاء هذا اللفظ فى الكتاب من كلام أمّ سلمة فى كتاب الجنائز قالت: " ثُمَّ عَزَم الله لى فقلتُها " (¬1). أصل العزم: القُوَّة، ويكون بمعنى [الصبر] (¬2)، وتوطين النفس وحملها على الشىء، والمعنى متقارب، ومنه قوله [عز وجل] (¬3): {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (¬4) وقوله قبل: " سألتنى تَجشُّمَ ذلك " أى: تكَلَّفَه والتزم مشقته. وقوله: " وذلك إن شاء الله ينهجمُ بما أوتى من ذلك على الفائدة " ويروى تَهجُمُ (¬5) ومعناها: يقع عليها ويبلُغُ إليها، [وينال بغيته منها] (¬6)، يقال: هجمت على القوم: إذا دخلت عليهم. قال ابن دريد (¬7): [يقال] (¬8): انهجم الخباء إذا وقع [عليهم] (¬9) وهجمت ما فى خِلفِ الناقة: إذا استقصيت حلبه. ¬

_ (¬1) باب ما يقال عند المصيبة حديث رقم (5). قال النووى: " وتأولوا قولها على معنى خلق لى أو فىَّ عزماً، من حيث إن حقيقة العزم حدوث رأى لم يكن، والله منزه عن هذا " 2/ 852. (¬2) و (¬3) من ت. (¬4) الأحقاف: 35. وجاء فى اللسان: العزمُ الجِدّ، عزم على الأمر يعزمُ عزماً ومعَزماً واعتزم عليه: أراد فعله، وأولو العزم من الرسل: الذين عزموا على أمر الله فيما عَهِدَ إليهم، ومن معنى الصبر فى العزم جاء قوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]. (¬5) فى ت: يهجمُ. (¬6) فى الأصل: ويُقال بَغتَه منها، والمثبت من ت. (¬7) هو العلامة شيخ الأدب أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية البصرى الأزدى البصرى، تنقل فى فارس وجزائر البحر يطلب الآداب ولسان العرب، ففاق أهل زمانه، ثم سكن بغداد. حدث عن أبى حاتم السجستانى وابن أخى الأصمعى. قال فيه الذهبى: كان آية من الآيات فى قوة الحفظ. توفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. سير 15/ 96. (¬8) ساقطة من ت، وانظر: لسان العرب ومجمل اللغة. (¬9) من ت.

الْكَثِيرِ، وَقَدْ عَجَزُوا عَنْ مَعْرِفَةِ الْقَلِيلِ. ثُمَّ إِنَّا - إِنْ شَاءَ اللهُ - مُبْتَدِئُونَ فِى تَخْرِيجِ مَا سَأَلْتَ وَتَألِيفِهِ، عَلَى شَرِيطَةٍ سَوْفَ أَذْكُرُهَا لَكَ وَهُوَ: إِنِّا نَعْمِدُ إِلَى جُمْلَةِ مَا أُسْنِدَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقْسِمُهَا عَلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ، وَثَلاثِ طَبَقَاتٍ مِنَ النَّاسِ، عَلَى غَيْرِ تَكْرَارٍ، إِلا أَنْ يَأتِىَ مَوْضِعٌ لا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ تَرْدَادِ حَدِيثٍ فِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى، أَوْ إِسْنَادٌ يَقَعُ إِلَى جَنْبِ إِسْنَادٍ، لِعِلَّةٍ تَكُونُ هُنَاكَ، لأَنَّ الْمَعْنَى الزَّائِدَ فِى الْحَدِيثِ، الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ، يَقُومُ مَقَامَ حَدِيثٍ تَامٍ. فَلا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْحَدِيثِ الَّذِى فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مسلم- رحمه الله-: إنه يُقسّمُ الأحاديثَ على " ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس " إلى آخر كلامه. قد قدمنا قول من قال: إنَّه لم يتسع عُمْرُه إلا لذكر الطبقة الأولى كما ذكرنا، وذكرنا رأيه فى خلافه مما ألهَمَ الله إليه له الحمدُ، ونحن نذكُرُ الآن أقسام الصحيح على ما رتَّبَه أئمةُ أهل الصنعة. [فذكر] (¬1) أبو عبد الله محمد بن عُبَيْد الله الحاكم النيسابورى فى " المدخل إلى كتاب الإكليل " أَنَّ الصحيحَ من الحديث على عشرة أقسام، خمسةٌ متفق عليها، وخمسةٌ مختلفٌ فيها. فالقسم الأوَّل من المتفق عليه اختيار البخارى ومسلم، قال: وهو الدرجةُ الأولى من الصحيح، وفسَّره بما قدمناه قبل، قالَ: والأحاديث المروية بهذه [الشريطة] (¬2) لا يبلُغُ عَددُها عشرة آلاف حديث. القسم الثانى: مثل الأول، لكن ليس لراويه من الصحابة إلا راوٍ واحد. القسم الثالث: مثل الأول، إلا أن راويه من التابعين ليس له إلا راوٍ واحد. [القسم] (¬3) الرابع: الأحاديث الأفراد الغرائب التى رواها الثقات العدول. [القسم] (¬4) الخامس: أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم، ولم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم [بها] (¬5) إلا (¬6) عنهم كصحيفة عمرو بن ¬

_ (¬1) فى الأصل: وذكر، والمثبت من ت. (¬2) فى ت: الشروط. (¬3) و (¬4) من ت. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش، والمثبت من ت. (¬6) فى ت: لا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شعيب (¬1) عن أبيه عن جدّه، وبهز بن حكيم (¬2) عن أبيه عن جدّه، وإياس (¬3) بن معاوية ابن قُرَّة عن أبيه عن جدّه، وأجدادُهم صحابيون وأحفادهم ثقات (¬4). قال الحاكم: فهذه الخمسةُ الأقسام مخرجة فى كتب الأئمة محتجٌّ بها، وإن لم يُخَرَّج منها فى الصحيحين حديث. قال القاضى: يريد غير القسم الأول الذى [ذكر] (¬5) أنهما شرطاه، وقد وقع لهما أشياء من هذه الأقسام يوقف عليهما فى كتابيهما. قال الحاكم: [و] (¬6) الخمسة المختلف فيها المراسيل، وأحاديث المدلسين إذا لم ¬

_ (¬1) هو الإمام المحدث عمرو بن شعيب بن محمد ابن صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن عمرو بن العاص بن وائل، القرشى السهمى الحجازى، فقيه أهل الطائف، ومحدثهم، وكان يتردد كثيراً إلى مكة، وينشر العلم. حدث عن أبيه فأكثر، وعن سعيد بن المسيّب، وطاووس، وعروة بن الزبير، ومجاهد، وعطاء، والزهرى، وقد حدَّث عن الرُّبَيع بنت معوّذ، وزينب بنت أبى سلمة، ولهما صحبة. حدَّث عنه الزهرى وقتادة، وعطاءُ بن أبى رباح- وهو شيخه- وغيرهم. وروى علىُّ عن ابن عُيينة قال: كان إنما يُحدّثُ عن أبيه عن جده، وكان حديثه عند الناس فيه شىء. وسبب هذا فيما قاله أبو زرعة عنه: إنما أنكروا عليه لكثرة روايته عن أبيه عن جده، وقالوا: إنما سمِعَ أحاديثَ يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها، وما أقلَّ ما تصيبُ عنه مما روى عن غير أبيه من المنكر، وعامةُ هذه المناكير التى تروى عنه إنما هى عن المثنى بن الصبَّاح وابن لهيعة، والضعفاء، وهو ثقة فى نفسه. وقال يحيى: وهو ثقة، بل بكتاب أبيه عن جده، وقال ابن أبى حاتم: سئل أبى أيَّما أحبُّ إليك هو أو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؟ فقال: " عمرو أحبُّ إلىَّ ". وروى أبو داود عن أحمد قال: أصحابُ الحديث إذا شاؤوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وإذا شاؤوا تركوه. قال الذهبى فى تفسير هذا القول: " هذا محمول على أنهم يترددون فى الاحتجاج به، لا أنهم يفعلون ذلك على سبيل التشهى ". احتج به أرباب السنن الأربعة، وابن خزيمة، وابن حبان فى بعض الصور، والحاكم وأكثر من الحجج فى كتابه فى تصحيح رواياته. مات سنة ثمانى عشرة ومائة. راجع: المستدرك 2/ 65، طبقات خليفة 286، الجرح والتعديل 6/ 238، سير 5/ 165. (¬2) هو الإمام المحدث ابن معاوية بن حيْدَة، البصرى. قال الذهبى: له عدة أحاديث عن أبيه عن جده، وعن زرارة بن أوفى، وعنه الحمادان ويحيى القطان، وعدة. وثقه ابن معين، وعلى، وأبو داود والنسائى، وقال أبو داود: هو عندى حجة، قال البخارى. يختلفون فى بهز، وقال ابن حبان: يخطئ كثيراً، وهو ممن استخير الله فيه. توفى قبل الخمسين ومائة. الجرح والتعديل 2/ 340، ميزان الاعتدال 1/ 353، سير 6/ 253. (¬3) هو قاضى البصرة أبو وائلة، يروى عن أبيه وأنس وابن المسيب وسعيد بن جبير، وعنه شعبة وحماد بن سلمة وخالد الحذاء وغيرهم. كان يضرب به المثل فى الذكاء والدهاء والسؤدد والعقل، قلَّما روى عنه، وقد وثقه ابن معين. توفى سنة إحدى وعشرين ومائة كهلاً. الطبقات الكبرى 7/ 453، الجرح والتعديل 8/ 407، سير 155. (¬4) انظر: المدخل فى أصول الحديث 11، 12. (¬5) و (¬6) من ت.

. . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكروا إسماعهم، وما أسنده ثقةٌ وأرسله جماعة من الثقات غيرهُ، وروايات الثقات غير الحفاظ العارفين، وروايات المبتدعة إذا كانوا صادقين. قال القاضى: [فهذه] (¬1) الأقسام الخمسة كما قال مما اختُلِفَ فى قبولها، والحجة بها الفقهاء والمحدثون (¬2)، ووقع فى الصحيحين منها [شىء] (¬3) هو مما استُدرك مما ذكرنا وقد ترك الحاكم [منها] (¬4)، مما اختلف فيه رواية المجهولين. وقال أبو سليمان الخطابى (¬5): الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: صحيحٌ، وحسنٌ، وسقيمٌ، فالصحيح: ما اتصل سنده وعُدّلت نقلتهُ، والحسن: ما عُرِف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذى يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء، والسقيم على طبقات، شرُّها الموضوع، ثم المقلوب، ثم المجهول. وقال أبو عيسى الترمذى: الحسن من الحديث ما ليس فى إسناده من يتَّهم، وليس بشاذٍ، ورُوى من غير وجه (¬6). وقال أبو على الغسانى: الناقلون سبع طبقات: ثلاث مقبولة، وثلاث متروكة، والسابعة مختلف فيها، فالأولى: أئمة الحديث وحفاظه، وهم الحجة على من خالفهم، ويقبلُ انفرادُهم. الثانية: دونهم فى الحفظ والضبط، لَحِقَهمْ فى بعض روايتهم وهمٌ وغلطٌ، والغالبُ على حديثهم الصحَّةُ، ويُصَحَّحُ ما وَهموا فيه من رواية الطبقة الأولى وهم لاحقون بهم. الثالثة: جنحت إلى مذاهب من الأهواء غيرُ غاليةٍ ولا داعية، وصحَّ حديثها، وثبَتَ صدقُها، وقلَّ وهْمُها، فهذه الطبقة احتمل أهلُ الحديث الرواية عنهم، وعلى هذه الطبقات الثلاث يدور نقل الحديث، وإليها أشار مسلم، فى صدر كتابه إلى قسمة الحديث ¬

_ (¬1) فى الأصل غير واضحة، وفى ت: فهناك، والمثبت من ق. (¬2) المراد بالفقهاء هنا: الأئمة المجتهدون منهم، على ما يفهم من كلام أئمة الشأن فى هذه المسألة، وبالمحدّثين: الحفظة الثقات الأثبات. (¬3) مطموسة فى الأصل، والمثبت من ت. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت بهامش ت بسهم. (¬5) هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البُستى الخطابى، صاحب التصانيف، حدَّث عنه أبو عبد الله الحاكم، وهو من أقرانه فى السن والسند، وأبو عبيد الهروى، والكرابيسى من مصنفاته كتاب " العزلة " و " إصلاح غلط المحدثين " و " بيان إعجاز القرآن " توفى ببُست سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. سير 17/ 23. (¬6) راجع: سنن الترمذى 5/ 51، شرح علل الترمذى 1/ 340. وقد اعترض عليها ابن جماعة (ت: 733) بأن تعريف الخطابى يرد عليه الفرد من الحسن، فإنه لم يرو من وجه آخر، وإن تعريف الترمذى يرد عليه ضعيف عرف مخرجه واشتهر رجاله بالضعف، وإن تعريف الإمامين يدخل فيهما الصحيح لأن حاله كذلك. المنهل الروى 1/ 134. وقد أجيب عن ذلك فِيما يخص الترمذى بِأن الترمذى ميز بين الحسن والصحيح، حيث شرط فى رجال الحسن أن يكونوا غير متهمين بالكذب، وهو دليل على كونهم نازلين عن رجال الصحيح؛ لأن الثقة الحافظ لا يوصف عادة فى عرف المحدثين بأنه غير متهم بالكذب فقط، بل يوصف بالعدالة والضبط، =

. . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات، فلم يُقدَّر له [إلا] (¬1) الفراغ من الطبقة الأولى واخترمته المنيَّةُ. وثلاث طبقات أسقَطَهُم أهلُ المعرفة: الأولى: من وُسِم (¬2) بالكذب، [ووضع الحديث] (¬3). الثانية: من غلب عليه الوهمُ والغلط حتى استغرق روايته. الثالثة: من غلت (¬4) فى البدعة، ودعَتْ إليها، وحَرَّفتِ الروايات، وزادت فيها ليحتجُّوا بها. والسابعة: قوم ¬

_ = وقول الترمذى: ويروى من غير وجه قرينة على مراده فى صفات رجال الحسن، وإلا لو حملنا صفة رجاله على صفة رجال الصحيح للزم زيادة هذا القيد أن يكون الحسن أقوى من الصحيح، والمعلوم خلافه؛ لأنه لم يشترط فى الصحيح مجيئه من غير وجه. ثم إن الترمذى لم يعرف الحسن مطلقاً، وإنما عرَّف بنوع خاصٍ منه، وقع فى كتابه. وهو ما يقول فيه " حسن " من غير صفة أخرى، وعبارته ترشد إلى ذلك، حيث قال فى آخر كتابه: " وما قلنا فى كتابنا: حديثٌ حسنٌ، فإنما أردنا به حُسْن إسناده عندنا، إذ كل حديث يروى لا يكون راويه متهماً بكذب، ويروى من غير وجه نحو ذلك، ولا يكون شاذاً، فهو عندنا حديث حسن ". وقال محمد بن الوزير: " وغرض الترمذى إفهام مراده لا التحديد المنطقى، فلا اعتراض عليه بمناقشات أهل الحدود ". نزهة النظر 33، توضيح الأفكار 1/ 160، شرح الترمذى لابن سيد الناس 5/ أ، النكت 1/ 182. ثم قال الشيخ ابن الصلاح، بعد أن أضاف إلى تعاريف الشيخين للحسن تعريفَ ابن الجوزى له بأنه الحديث الذى فيه ضعفٌ قريب محتملٌ ويصلح للعمل به، قال. كل ذلك مستبهمٌ لا يشفى الغليل، وليس فيما ذكره الترمذى والخطابى ما يفصل الحسن من الصحيح، وقد أمعنت النظر فى ذلك والبحث جامعاً بين أطراف كلامهم، ملاحظاً مواقع استعمالهم، فتنقح واتضح أن الحديث الحسن قسمان: أحدهما: الحديث الذى لا يخلو رجالُ إسناده من مستورٍ لم تحقق أهليته، غير أنه ليس مُغَفَّلاً كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب فى الحديث، أى لم يظهر منه تعمّدُ الكذب فى الحديث، ولا سبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عُرف بأن رُوى مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر، حتى اعتضد بمتابعة من تابعَ راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورودُ حديثٍ آخر بنحوه، فخرج بذلك عن أن يكون شاذاً ومنكراً. قال: وكلام الترمذى على هذا القسم يتنزَّل. القسم الثانى: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصرُ عنهم فى الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يُعَد ما ينفرد به من حديثه منكراً. ويُعتبر فى كل هذا، مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً ومنكراً، سلامتُه من أن يكون معلَّلاً. قال: وعلى القسم الثانى يتنزل كلامُ الخطابى. وكأن الترمذى ذكر أحد نوعى الحسن، وذكر الخطابى النوع الآخر، مقتصراً كل واحدٍ منهما على ما رأى أنه يُشكل، مُعرِضاً عما رأى أنه لا يُشكل، أو أنه غفل عن البعض وذهل. المقدمة: 105. قال بدر الدين بن جماعة: ولو قيل: الحسن كل حديث خال من العلل، فى سنده المتصل مستور له به شاهد، أو مشهورٌ قاصر عن درجة الإتقان، لكان أجمع لما فى حدوده وقريباً مما حاولوه وأخصر منه. المنهل 1/ 136. وقد أورد الطيبى على هذا التعريف فى الخلاصة، إيرادات، خلص منها إلى تعريف له آخر فقال: فلو قيل: هو مسندُ مَنْ قَرُب من درجة الثقة أو مرسل ثقة، وروى كلاهما من غير وجه، وسلم عن شذوذ وعلة، لكان أجمع وأبعد من التعقيد. أهـ. الخلاصة: 42. (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) فى الأصل: رسم، والمثبت من ت. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬4) فى الأصل: ضلت.

أَوْ أَنْ يُفَصَّل ذلِكَ المَعْنَى مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَارِهِ إِذَا أَمْكَنَ، وَلكِنْ تَفْصِيلُهُ رُبَّمَا عَسُرَ مِنْ جُمْلَتِهِ، فَإِعَادَتُهُ بِهَيْئَتِهِ، إِذَا ضَاقَ ذلِكَ، أَسْلَمُ. فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًّا مِن إِعَادَتِهِ بِجُمْلَتِهِ، مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَيْهِ، فَلا نَتَولَّى فِعْلَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. فَأَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ، فَإِنَّا نتَوَخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الأَخْبَارَ الَّتِى هِىَ أَسْلَمُ مِنَ العُيُوبِ مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْقَى، مِنْ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فِى الحَدِيثِ، وَإِتْقَانٍ لِمَا نَقَلُوا، لَمْ يُوجَدْ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ مجهولون انفردوا بروايات لم يُتابعَوا عليها، فقبلهم قوم وأوقفهم (¬1) آخرون. قال القاضى: وتفسير شيخنا أبى على، لغرض مسلم وتقسيمه أسْعَدُ لكلام (¬2) مسلم من شرح الحاكم، وإن كُنَّا خالفناهما فى التأويل على مسلم كما قدمناه. وأمَّا قولُ الحافظ أبى على: إِنَّ حديث أهل البدع الأثبات الذين لا يَدعْون إلى بدعتهم متفقٌ عليه، فلا يُسَلَّمُ له، بل قد اختلف فى ذلك المحدثون والفقهاء والأصوليون، وسنبين ذلك عند تنبيه مسلم عليه. قال مسلم: " [أو أَنْ] (¬3) يُفصَّل [ذلك] (¬4) المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن ". وهذا الفصل الذى ذكره- أيضاً- اختلف [فيه] (¬5) المحدثون والفقهاء والأصوليون فى اختصار الحديث والتحديث به على المعنى، وفى الحديث بفصل منه دون كماله، فأجاز هذا كُلَّه على الجملة قوم- وهو مذهب مسلم- ومنعه على الجملة آخرون- وهو تَحرى البخارى- ورخص قوم فيما يقع من الكلمات موقع أمثالها كالجلوس عوض القعود والقيام عوض الوقوف (¬6) وشبهه، دون ما يمكن أن يختلف اختلافاً ما، وخفَّفَ آخرون الحديث على المعنى فى غير لفظ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنعه فى لَفْظِه- عليه السلام- وذُكِرَ هذا عن مالك. وذهب المحققون إلى أن الراوى إذا كان ممن يَسْتَقلُّ بِفَهم الكلام ومعانيه، ويعرف مقاصده، ويُفرق بين الظاهر والأظهر والمحتمل والنَّصّ، فجائز لهذا الحديث على المعنى، إذا لم يحتمل عندَه سواه، وانفهم له فهماً جلياً معناه. وحكى غيرُ واحد معنى هذا عن مالك وأبى حنيفةَ والشافعى، وكذلك جوزوا الحديث ببعض الحديث إذا لم يكن مُرتبطاً بشىء قبله ولا بعده ارتباطاً يخلُّ بمعناه، وكذلك إن جمع الحديث حكمين أو أمرينِ كلَّ واحد مستقلٍ بنفسه غير مرتبط بصاحبه فله الحديث بأحدِهما، وعلى هذا كافَّةُ الناس ومذاهب الأئِمة، وعليه صنَّفَ المصنفون كُتُبَهمْ فى الحَدِيث على [الأبواب] (¬7)، وفصلوا الحديث الواحد أجزاءً بحكمها، واستخرجوا النكت والسنن من الأحاديث الطوال، وهو معنى قول مسلم فى هذا الفصل إلى آخر كلامه، [وعمله البخارى كثيراً فى صحيحه] (¬8)؛ ¬

_ (¬1) فى الأصل: ووقفهم. (¬2) فى ت. بكتاب. والسعد: اليمن، اللسان. (¬3) فى ت: وأن. (¬4) و (¬5) سقطتا من ت. (¬6) فى ت: الموقوف، وهو خطأ. (¬7) مطموسة فى الأصل، والمثبت من ت. (¬8) سقط من الأصل، واستدرك بسهم بهامش ت.

رِوَايَتِهِم اخْتِلافٌ شَدِيدٌ، وَلا تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ. كَمَا قَدْ عُثِرَ فِيهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ المُحَدِّثِينَ، وَبَانَ ذَلِكَ فِى حَدِيثِهِمْ. فَإِذَا نَحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ، أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولهذا رُوى الحديثُ الواحدُ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بألفاظٍ مختلفة فى القصة الواحدة، والمقالة الفَذَّةِ، والقضيَّةِ المشهورة من عهد الصحابة فمن بعدهم، لكن لحماية الباب من تَسَلُّطِ من لا يُحْسِنُ، وغَلطِ الجهلة فى نفوسهم، وظنّهم المعرفة مع القصور (¬1)، يجبُّ سَدُّ هذا الباب؛ إذ فِعْلُ هذا على من لم يبلُغُ درجة الكمال فى معرفة المعانى حرامٌ، باتفاق (¬2). وقوله: " [فإنَّا] (¬3) نتوخى الأخبار ": أى نتحرَّى ونقصد، قال الهروى: فلان يتوخَّى الحق ويتأخاه، أى يقصده ويتحراه، وتقول العربُ: خُذْ على هذا الوخى، أى: [على] (¬4) هذا القصدُ والصَّواب. وقوله: " كما قد عُثِرَ فيه " كذا فى الأصل وهو الصحيح ومسَاقُ الكلام، ووقع فى المُعْلِم: " فإن عُثِرَ ". ¬

_ (¬1) فى ت: قصورهم. (¬2) يقول الإمام الشافعى: ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أموراً: منها: أن يكون من حَدَّث به ثقة فى دينه، معروفاً بالصدق فى حديثه، عاقلاً لما يُحدِّثُ به، عالماً بما يُحيلُ معانى الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدى الحديث بحروفه كما سمع، لا يُحدِّثُ به على المعنى، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غيرُ عالم بما يحيل معناه ولم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالة الحديث. الرسالة: 37. ويقول الإمام ابن عبد البر المالكى: الذى اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه فى حال المحدث الذى يقبل نقله ويحتج بحديثه، ويجعل سنة وحكماً فى دين الله: هو أن يكون حافظاً إن حدث من حفظه، عالماً بما يحيل المعانى، ضابطاً لكتابه إن حدَّث من كتاب، يؤدى الشىء على وجهه، متيقظاً غير مغفل، وكلهم يستحب أن يؤدى الحديث بحروفه؛ لأنه أسلم له، فإن كان من أهل الفهم والمعرفة جاز له أن يحدّث بالمعنى، وإن لم يكن كذلك لم يجز له ذلك؛ لأنه لا يدرى لعله يحيل الحلال إلى الحرام. التمهيد 1/ 28. وقد عرض ابن الصلاح لتلك المسألة بقوله: هل يجوز اختصارُ الحديث الواحد ورواية بعضه دون بعض؟. ثم أجاب قائلاً: اختلف أهلُ العلم فيه، فمنهم من منع ذلك مطلقاً بناءً على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقاً، ومنهم من منع ذلك مع تجويزه النقل بالمعنى، إذا لم يكن قد رواه على التمام مرةً أخرى، ولم يعلم أن غيره قد رواه على التمام. ومنهم من جوَّز ذلك وأطلق ولم يُفصل. وقد رويناه عن مجاهد أنه قال: انقُص من الحديث ما شئت ولا تزدْ فيه. قال: والصحيح التفصيلُ، وأنه يجوز ذلك من العالم العارف، إذا كان ما تركه متميزاً عما نقله، غير متعلق به، بحيث لا يختلُ البيان، ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه، فهذا ينبغى أن يجوز وإن لم يجز النقلُ بالمعنى؛ لأن الذى تركه- والحالة هذه- بمنزلة خبرين منفصلين فى أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر. ثم هذا إذا كان رفيع المنزلة بحيث لا يتطرقُ إليه فى ذلك تهمةُ نقله أولاً تاماً، ثم نقله ناقصاً، أو نقله أولاً ناقصاً ثم نقله تاماً، فأما إذا لم يكن كذلك فقد ذكر الخطيبُ الحافظ أن من روى حديثاً على التمام وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان، أن يتهم بأنه زاد فى أول مرة ما لم يكن سمعه، أو أنه نسى فى الثانى باقى الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه، فواجب عليه أن ينفى هذه الظنَّة من نفسه. المقدمة: 335. (¬3) فى ت: إنا. (¬4) ساقطة من الأصل.

يَقَعُ فِى أَسَانِيدِهَا بَعْضُ مَنْ لَيْسَ بِالمَوْصُوفِ بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، كَالصِّنْفِ المُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ، عَلَى أَنَّهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِيمَا وَصَفْنَا دُونَهُمْ، فَإِنَّ اسْمَ السَّتْرِ وَالصِّدِقِ وَتَعَاطِى العِلْمِ يَشْمَلُهُمْ، كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ، وَلَيْثُ بْنِ أَبِى سُلَيْمٍ، وَأَضْرَابِهِمْ، مِنْ حُمَّالِ الآثَارِ وَنُقَّالِ الأَخْبَارِ. فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِمَا وَصَفْنَا مِنَ العِلْمِ وَالسَّتْرِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مَعْرُوفِينَ، فَغَيْرُهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ مِمَّنْ عِنْدَهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الإِتْقَانِ وَالاسْتِقَامَةِ فِى الرِّوَايَةِ يَفْضُلُونَهُمْ فِى الحَالِ، وَالمَرْتَبَةِ، لأَنَّ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَخَصْلَةٌ سَنِيَّةٌ. أَلا تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَازَنْتَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَة الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ، عَطَاءً وَيَزِيدَ وَليْثًا، بِمَنْصُورٍ ابْنِ المُعْتَمِرِ وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، فِى إِتْقَانِ الحَدِيثِ وَالاِسْتِقَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام أبو عبد الله: معناه: اطَّلَع، من قول الله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} (¬1)، يقال: عَثُرْتُ منه على خيانة، أى اطلعتُ، وأعْثَرتُ غَيْرِى، أى: أطلعته، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِم} (¬2)، أى أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمن. قال: وذكر مسلم قوماً مشهورين بالعدل والضبط كمالك وابن عيينة وذكر [أن] (¬3) قوماً لا يبلغون إلى رتبتهم فى ذلك [وإن] (¬4) لم يخرجوا عن كونهم عدولاً مثل عطاء بن السائب ويزيد بن أبى زياد وليث بن أبى سليم (¬5). قال القاضى: رأيت بعض المعقبين قد تتبَّع عليه ما حكاه عن مسلم [هذا] (¬6) مما ليس قول مسلم، فإن مسلماً لم يذكر فى هذا الفصل مالكاً ولا ابن عُيينة، وإنما ذكر فى القسم الأول أهل الإتقان والاستقامة، وذكر بعدهم صنفاً آخر ذكر أنهم ليسوا موصوفين بالحفظ والإتقان كالصنف الأول، قال: وإن [كانت ذواتُهم] (¬7) فيما وصفنا، فاسم الستر [والصدق] (¬8) وتعاطى العلم يشملهم (¬9) كعطاء بن السائب (¬10) ويزيد بن أبى ¬

_ (¬1) المائدة: 107. (¬2) الكهف: 21. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) من ت، واستدركت فى الأصل بالهامش. (¬5) المعلم 2/ أ. (¬6) ساقطة من ت. (¬7) فى الأصل: كاينا ذوقهم، وفى ت: وإن كانوا فوَئُهمْ، وما أثبتنا هو مما نرى أنه المقصود والأليق بالعبارة. (¬8) ساقطة من الأصل. (¬9) فى ت: شملهم. (¬10) هو الإمام الحافظ، محدث الكوفة، كان من كبار العلماء، لكنه ساء حفظه قليلاً فى أواخر عمره. روى عن أنس بن مالك- ولم يثبت أنه سمع منه- وعبد الله بن أبى أوفى وخلق كثير. حدث عنه إسماعيل بن أبى خالد- وهو من طبقته- والثورى، وابن جريج، قال على بن المدينى عن يحيى بن سعيد قال: ما سمعت أحداً يقولُ فى عطاء بن السائب شيئاً قط فى حديثه القديم، وما حدث سفيان وشعبةُ عنه صحيح، إلا حديثين، كان شعبة يقول: سمعتهما بآخرة عن زاذان. وقال أحمد بن حنبل: عطاء ثقة ثقة، رجل صالح، من سمع منه قديماً كان صحيحاً، ومن سمع منه حديثاً لم يكن بشىء، مات رحمه الله سنة ست وثلاثين ومائة. الطبقات الكبرى 6/ 338، التاريخ الكبير =

فِيهِ، وَجَدْتَهُمْ مُبَايِنِينَ لَهُمْ، لا يُدَانُونَهُمْ لا شَكَ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ بِالحَدِيثِ فِى ذَلِكَ، الَّذِى اسْتَفَاضَ عِنْدَهُمْ مِنْ صِحَةِ حِفْظِ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ، وَإِتْقَانِهِمْ لِحَدِيثِهِمْ. وَأَنَّهُمْ لمْ يَعْرِفُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ عَطَاءٍ وَيَزِيدَ وَليْثٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ زياد (¬1)، وليث (¬2) بن أبى سليم (¬3) وأضرابهم من حمَّال الآثار. هذا لفظه (¬4). ثم قال آخرَ الفصل: ألا ترى أنَّكَ إذا وازنت هؤلاء الثلاثة (¬5) بمنصور بن المعتمر (¬6) وسليمان ¬

_ = 6/ 465، والصغير 2/ 39 للبخارى، الجرح والتعديل 6/ 332، الثقات 3/ 190، تهذيب 7/ 203، سير 6/ 110. (¬1) هو أبو عبد الله الهاشمي الكوفى، الإمام المحدث معدود فى صغار التابعين رأى أنساً، وروى عن مولاه عبد الله، وأبى جحيفة السُّوائى، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وغيرهم. وإبراهيم النخعى حدَّث عنه شعبة -مع براعته فى نقد الرجال-والثورى، وأبو حمزة السَّكرى، وهثيم، وابن عيينة، وغيرهم قال عبد الله ابن أحمد بن حنبل ليحيى بن معين: ابن يزيد بن أبى زياد دون عطاء بن السائب؟ قال: نعم، ومن سمع من عطاء بن السائب وهو مختلط فيزيد فوق عطاء. الجرح والتعديل 9/ 265. وقال فيه الذهبى: كان من أوعية العلم، وليس هو بالمتقن؛ فلذا لم يحتج به الشيخان سير 6/ 129. قلت: أخرج له مسلم فى الأطعمة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى فى جماعة، روى عنه سفيان بن عيينة. رجال صحيح مسلم 2/ 359. خرج له الترمذى وحسن له ما رواه من طريق هشيم، قال ابن حجر: كبر فتغير، تهذيب 11/ 329، التقريب 2/ 365، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة سير 6/ 129. (¬2) هو محدث الكوفة، وأحد علمائها الأعيان، على لين فى حديثه لنقص حفظه، مولى آل أبى سفيان بن حرب الأموى. ولد بعد الستين. حدث عن الشعبىّ، ومجاهد، وطاووس، وغيرهم، معدود فى صغار التابعين. حدث عنه الثورى، وزائدة، وشعبة، وخلق كثير. فيه يقول أحمد بن حنبل: ليث بن أبى سُليم مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس. وقال عبد الله بن أحمد: سألت عثمان بن أبى شيبة فقال: سألت جريراً عن ليث وعطاء بن السائب ويزيد بن أبى زياد، فقال: كان ليث أكثر تخليطاً، ويزيد أحسنهم استقامة. قال عبد الله: فسألت أبى عن هذا، فقال: أقول كما قال جرير. وقال عبد الله: قال لى يحيى بن معين: ليث أضعف من يزيد بن أبى زياد ". مات ليث سنة ثمان وثلاثين ومائة. قال الذهبى: بعض الأئمة يُحسّن لليث، ولا يبلغ حديثُه مرتبة الحسن، بل عدادُه فى مرتبة الضعيف المقارب، فيُروى فى الشواهد والاعتبار، وفى الرغائب والفضائل، أما فى الواجبات فلا. سير 6/ 184، وانظر: التاريخ الكبير 7/ 246، التاريخ الصغير 2/ 57، الجرح والتعديل 7/ 177. (¬3) فى الأصل: أسلم. (¬4) وهو ما نقلناه فى الصفحة السابقة. (¬5) فى النسخ التى بأيدينا زيادة: الذين سميناهم عطاء ويزيد وليثاً. (¬6) هو الحافظُ الثبتُ القدوة، أبو عتاب السُّلمىُ الكوفى، أحدُ الأعلام من الطبقة الرابعة من التابعين. يروى عن ربعى بن حِراش، وإبراهيم النخعى، وسعيد بن جبير، وغيرهم من هذه الطبقة. قال فيه الذهبى: ما علمتُ له رحلةٌ ولا رواية عن أحد من الصحابة، وبلا شك كان عنده بالكوفة بقايا الصحابة وهو رجلٌ شابٌ مثل عبد الله بن أبى أوفى، وعمرو بن حريث، إلا أنه كان من أوعية العلم، صاحِبَ إتقان وتأله وخير. سير 5/ 402. حَدَّثَ عنه خلق كثير منهم أيوب السختيانى، وسليمان الأعمش، وشعبة، وسفيان الثورى، ومعمر بن راشد، وإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة قال ابن المدينى: إذا حدثك عن منصور ثقة فقد ملأت يديك لا تريد غيره. مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة. التاريخ الكبير 7/ 346، الجرح والتعديل 8/ 177، سير 5/ 402.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمش (¬1) وإسماعيل بن أبى خالد (¬2) فى إتقان الحديث والاستقامة فيه، وجدتهُم متباينين، ثم ذكر أسماءً أخَر من الطبقتين، ولم يجر لمالك ولا ابن عيينة هنا ذكر، وإنما ذكرهما بعد هذا مع أقرانهم فى فصل آخر فى ذمّهم. الرواية عن الضعفاء. والعذر عن هذا للإمام (¬3) رحمه الله أحدُ وجهين: إما أن يقال: إن المُعَلق عنه اقتصر على المعنى والمطلوب، ومن الكلام على النكتة، إذ كان المطلوب منهما (¬4) سؤال الشيخ بعد كيف يُستجاز هذا التفصيلُ والتمييز ولا يُعدُّ غيبة، والجوابُ عنه على مَا سنَذْكُرهُ من قوله بَعْدُ ونزيدُه وضوحاً إن شاء الله تعالى، أو يكون هو نفسه- رحمه الله- قصد ذلك تمثيلاً لا حكايةَ للفظ مسلم، إذ لا فرق بين الكلام على الوضع إذا لم يقصد حكاية اللفظ مع اتفاق المعنى، إذ مالك وابن عُيينة من تلك الطبقة الرفيعة المتقنةِ الحافظةِ بغير خلاف، ومثل هذا مما يتَّضِحُ العذرُ فيه، إذ هو كتاب شرح لا كتاب رواية لفظ. قال الإمام- رحمه الله (¬5) -: إن قيل: كيف استجاز هنا: أن يُقالَ: فلانٌ أَعْدلُ من فلان مع أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ فى الطبيبين: " لولا غيبَتُهُما لأعلمتُكم أيُهما أطبُّ " (¬6) قيل: دعت الضرورة [ها هنا] (¬7) لذكر [هذا] (¬8) لأنه موضع تعليم، والحاجةُ ماسَّةٌ إليه، لأن العلماء إذا تعارضت الأخبار (¬9) قدَّموا خبَرَ من كان أعدل وعوَّلوا عليه، وأفتوا [الناس] (¬10) به ¬

_ (¬1) هو عندهم ابن مهران، شيخ الإسلام والمقرئين والمحدثين. أصله من نواحى الرى، رأى أنس بن مالك وحكى عنه، وروى عنه، وعن عبد الله بن أبى أوفى- على معنى التدليس- وإبراهيم النخعى، وخلق كثير من كبار التابعين وغيرهم. روى عنه أيوب السختيانى، وأبو حنيفة، والأوزاعى، وخلق كثير. قال فيه على بن المدينى: له نحو من ألف وثلاثمائة حديث. مات سنة سبع وأربعين ومائة. الجرح والتعديل 4/ 146، سير 6/ 226. (¬2) هو أبو عبد الله البجلى، كان محدث الكوفة فى زمانه مع الأعمش، قال الذهبى: بل هو أسند من الأعمش. سير 6/ 176. حدث عن عبد الله بن أبى أوفى، وأبى جحيفة السُّوائى، وعمرو بن حُريثٍ المخزومى، وأبى كاهل قيس بن عائذ- ولهم صحبة- وعداده فى صغار التابعين. كذلك روى عن الشعبى، ومحمد بن سعد بن أبى وقاص، وكان من أوعية العلم. روى عنه شعبة، وسفيان، وشريك، وجرير، ووكيع، ويحى القطان. قال فيه على بن المدينى: إنه أعلم الناس بالشعبى وأثبتهم فيه. قال فيه الذهبى: أجمعوا على إتقانه، والاحتجاج به، وحديثه من أعلى ما يكون فى صحيح البخارى. سير 6/ 177. مات سنة ست وأربعين ومائة. تاريخ خليفة 232، التاريخ الكبير 1/ 351، سير 6/ 178. (¬3) فى الأصل: الإمام. (¬4) فى الأصل: منها. (¬5) سقط عن القاضى قول الإمام: ذكر مسلم قوماً مشهورين بالعدل والضبط كمالك وابن عيينة، وذكر قوماً لا يبلغون إلى مرتبتهم فى ذلك، ولم يخرجوا عن كونهم عدولاً مثل عطاء بن السائب ويزيد بن زياد وثابت بن أبى مسلم. ولعله رأى فيما فصَّل أنه عوض عما أجمله الإمام. (¬6) لم أهتد له، والعجب إهمال القاضى له. (¬7) و (¬8) فى الأصل: هنا، والمثبت من المعلم وت. (¬9) فى ت: للأخبار. (¬10) من المعلم. وساقطة من الأصل وت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم تدعْ ضرورةٌ إلى ذكر الأطبّ من [هذين] (¬1) الطبيبين كما دعت مسلماً ها هنا (¬2)، وقد يجوز استرشاد الطبيب الموثوق (¬3) بعلمه، المرجوَّ النفع بمداواته، وإن كان هناك أوسَعُ منه علماً بالطب، ولا يجوز الأخذ برواية الناقص فى العدالة وأن يُقَدَّمَ على رواية الأعدَلِ منه، وقد أجيز التجريحُ للشهود (¬4) للضرورة إليه ولم يمنع لكونه غيبةٌ وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فيمن استُشير فى نكاحه: " إنَّه صُعلوك "، وقال فى الآخر: " [إنه] (¬5) لا يضع عصاه عن عاتقه " (¬6). ولم ير ذلك غيبة لمَّا كان مستشاراً [فى] (¬7) النكاح، ودعَتِ الضرورةُ إليه، وقد اعتذر صاحب الكتاب عن نفسه فى ذلك أَنَّ القصدَ بيانُ منازلهم اتباعاً لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنزلوا الناس منازِلهم " والذى قلناه أبْسَط. قال القاضى- رحمه الله-: حديث: " أنزلوا الناس منازلهم " الذى ذكره مسلم عن عائشة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسنده، أسنده أبو بكر البزَّار فى مسنده، عن ميمون بن أبى شبيب عن عائشة، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكره أبو داود فى مصنَّفه عن ميمون بن أبى شبيب أيضاً: أن عائشة مَرَّ بها سائلٌ فأعطته كسرةٌ ومر بها رجل [آخر] (¬8) عليه ثيابٌ فأقعدته فأكل، فقيل لها فى ذلك، فقالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنْزِلوا الناسَ منازِلهم ". قال البزَّار: وهذا الحديثُ لا يُعْلمُ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه، وقد رُوى عن عائشةَ من غير هذا الوجه موقوفاً (¬9). ومعنى الحديث بيّنٌ فى إيتاء كل ذى حقٍّ حقَّه، وتبليغه منزلته فى كل باب، كما احتجَّ به مسلم فى تطبيق الرواة وتعريف مراتبهم، ومزية بعضهم على بعض إلا ما ساوى الله بينهم فيه من الحدود والحقوق. ¬

_ (¬1) فى المعلم: ذينك. ولا وجه لها هنا. (¬2) زيدت بعدها فى ت لفظة: " ولا سيما ". (¬3) فى ت: الموثق. (¬4) فى المعلم: للمتهم. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) الحديث جزء أخرجه مسلم فى ك الطلاق عن فاطمة بنت قيس، لما ذكرت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن معاوية ابن أبى سفيان وأبا جهم خطباها، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحى أسامة بن زيد " 3/ 692، وسيرد إن شاء الله فى حينه. (¬7) ساقطة من ت. (¬8) ساقطة من الأصل. (¬9) أبو داود فى سننه، ك الأدب، ب فى تنزيل الناس منازلهم 4/ 261، وقال أبو داود: " ميمون لم يدرك عائشة "، وذكره السخاوى فى المقاصد وقال: " ورواه ابن خزيمة فى صحيحه، والبزار وأبو يعلى فى مسنديهما، والبيهقى فى الأدب، والعسكرى فى الأمثال، قال: " مداره عندهم على ميمون، فالحديث منقطع " ثم قال: " وبالجملة فحديث عائشة حسن " 93. وفى الكشف للعجلونى قال: " ورواه الخرائطى فى مكارم الأخلاق عن معاذ بلفظ: " أنزلوا الناس منازلهم من الخير والشر " 1/ 241. وفى اللآلئ: " وأعله أبو داود بأن ميمون لم يدرك عائشة، ورُدَّ عليه بأن ميموناً هذا كوفى قديم، أدرك المغيرة، والمغيرة مات قبل عائشة، ومجرد المعاصرة كاف عند مسلم ".

وَفِى مثْلِ مَجْرَى هَؤُلاءِ إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ الأَقْرَانِ، كَابْنِ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، مَعَ عَوْفِ بْنِ أَبِى جَمِيلَةَ وَأَشْعَثَ الحُمْرَانِىِّ وَهُمَا صَاحِبَا الحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ. كَمَا أَنَّ ابْنَ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ صَاحِبَاهُمَا، إِلا أَنَّ البَوْنَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذَيْنِ بَعِيدٌ فِى كَمَالِ الفَضْلِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ، وَإِنْ كَانَ عَوْفٌ وَأَشْعَثُ غَيْرَ مَدْفُوعَيْنِ عَنْ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَلكِنَّ الحَالَ مَا وَصَفْنَا مِنَ المَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ. وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا هَؤُلاءِ فِى التَّسْمِيَةِ، لِيَكُونَ تَمْثِيلُهُمْ سِمَةً يَصْدُرُ عَنْ فَهْمِهَا مَنْ غَبِىَ عَلَيْه طَرِيقُ أَهْلِ العِلْمِ فِى تَرْتِيبِ أَهْلِهِ فِيهِ، فَلا يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ العَالِى القَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ، وَلا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ القَدْرِ فِى العِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ. وَيُعْطَى كُلُّ ذِى حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ. وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول مسلم فى هذا الفصل: " إلا أن البَوْنَ بينهما وبين هذين (¬1) بعيد ": أى الفرق، وأنهما لا يُقَارَنان بهما فى علمهما وفضلهما. قال صاحب العيْن: البَون مسافة ما بين الشيئين، وهذا مثل قول مسلم فى الفصل نفسه: " وجدتَهم متباينين لا يُدانوهم ". وفى هذا الفصل من قول مسلم " وأضرابهم من (¬2) حُمَّال الآثار ". وجه العربِيَّةِ فيه وضربائهم، إذ لم يأت جمع فعيل على أفعال فى الصحيح إلا [فى] (¬3) كلمات قليلة. وقوله: " وازيتَ هؤلاء " ويروى: " وازنتَ " بالنون ومعناهما قارنتَ ومَثَّلتَ. وقوله: " غبى عليه طريق العلم " أى خفى، قال ابن القوطية (¬4): غبى خفى، وأيضاً قلت فطنته. قال ابن دريد: [فى] (¬5) فلان غبوة وغباوة، أى غفلة وحماقة، وقال الخليل (¬6): غبى فهو غبٌّ إذا لم يفطن. ¬

_ (¬1) فى ت: هذا. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬3) ساقطة من الأصل: واستدركت من الهامش بسهم. (¬4) هو علامة الأدب، أبو بكر، محمدُ بن عمرَ بن عبد العزيز الأندلس، القرطبى النحوى، والقوطية هى سارة بنتُ المنذر بن جَسْطية، من بنات ملوك القوط بالأندلس، وقد كانت سارت إلى الشام متظلمةً من عمّها أرطياس، فتزوجها بالشام عيسى بن مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز، ثم سافر معها إلى الأندلس، توفى سنة سبع وستين وثلاثمائة. تاريخ علماء الأندلس 2/ 76، جذوة المقتبس 76، نفح الطيب 3/ 73. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت من الهامش بسهم. (¬6) هو الإمام أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدى، صاحب العربية، ومنشئ علم العروض، أحد الأعلام. حدَّث عن أيوب السختيانى، وعاصم الأحول، والعوام بن حوشب، أخذ عنه سيبويه النحو والنضرُ بن شميل، والأصمعى، وآخرون، كان -رحمه الله- مفرط الذكاء، مات سنة بضع وستين ومائة. التاريخ الكبير 3/ 199، الجرح والتعديل 3/ 380، تهذيب التهذيب 3/ 163، بغية الوعاة 1/ 557، سير 7/ 429.

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُم، مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ القُرآنُ مِنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (¬1). فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الوُجُوهِ، نُؤَلفُ مَا سَأَلتَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ قَوْمٍ هُمْ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ مُتَّهَمُونَ، أَوْ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْهُمْ، فَلَسْنَا نَتَشَاغَلُ بِتَخْرِيجِ حَدِيثِهِمْ، كَعَبْدِ اللهِ بْنِ مِسْوَرٍ أَبِى جَعْفَرِ المَدَائِنِىِّ، وَعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ القُدُّوسِ الشَّامِىِّ، وَمُحَمَّدٍ بْنِ سَعِيدٍ المَصْلوبِ، وَغَياثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَسُليْمَانَ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِى دَاوُدَ النَّخَعِىِّ، وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنِ اتُّهِمَ بِوَضْعِ الأَحَادِيثِ وَتَوْلِيدَ الأَخْبَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى أسماء المتَّهمين عبد القدوس الشامى (¬2) رواه العُذْرى بالسين المهملة، وهو خطأ وصوابُه بالمعجمة، وهى رواية الجماعة، وذكر فيهم عبد الله بن مُحْرِزٍ، كذا سمعناه من جماعة شيوخنا عن شيوخهم الرواة للكتاب بحاء ساكنة مهملة وكسر الراء وآخِره زاى، وهو غلط، وصوابهُ مُحَرَّر (¬3) بفتح الحاء المهملة ورائين مهملتين أولاهما مفتوحةٌ مشدَّدة، وكذا البخارى فى " تاريخه "، وقَيَّده الأمير أبو نصر بن ماكولا والحافظ الجيانى فى كتابيهما، وكذا وقع فى روايتنا على الصواب هنا عن الفارسى، وجَده فيما سَمِعْتهُ على ¬

_ (¬1) يوسف: 76. (¬2) هو عبد القدوس بن حبيب الوُحاظى الشامى، المحدث. روى عن مجاهد، وعكرمة وأبى الأشعث الصنَعانى والشعبى، والحسن وعطاء، ومكحول، وابن شهاب. وعنه الثورى وعبد الرزاق، وعلى بن الجعد، وحيوة بن شريح. قال الإمام البخارى. يروى عن نافع عن مجاهد، والشعبى ومكحول وعطاء أحاديث مقلوبة التاريخ الكبير 6/ 120. وقال فيه الذهبى: اتفقوا على ضعفه، كذبه ابن المبارك، وقال ابن معين: مطروح الحديث. سير 8/ 136. ونقل فى الميزان عن عبد الرزاق قوله: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس. وعن الفلاس: أجمعوا على ترك حديثه، وقال النسائى: ليس بثقة، وعن ابن عدى: أحاديثه منكرة الإسناد والمتن. ميزان 2/ 642، بقى إلى ما بعد السبعين ومائة .. (¬3) هكذا ذكره ابن أبى حاتم 5/ 176، والبخارى فى الضعفاء الصغير (70)، أما الذهبى فإنه ذكره فى الميزان بابن المحرر 2/ 500. قال البخارى: منكر الحديث، روى عن قتادة. وقال ابن أبى حاتم فيه: روى عن قتادة، ويزيد بن الأصم. روى عنه أبو نعيم. ثم قال: نا عبد الرحمن قال: قرئ على العباس بن محمد الدورى قال: سمعتُ يحيى بن معين يقول: ابن محرر ليس بشىء ثم نقل عن أبيه بسنده إلى عمرو بن على الصيرفى قال: عبد الله بن محرر متروك الحديث، وقال: نا عبد الرحمن قال: سألت أبى عن عبد الله بن محرر فقال: متروك الحديث، منكر الحديث، ضعيف الحديث، ترك حديثه عبد الله ابن المبارك، سألت أبا زرعة فقال ضعيف الحديث، وامتنع من قراءة حديثه، وضربنا عليه. الجرح والتعديل 5/ 176. وقال فيه الذهبى: قال أحمد: ترك الناس حديثه، وقال الجوزجانى: هالك. وقال الدارقطنى وجماعة: متروك. وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله، إلا أنه كان يكذب، ولا يعلم، ويقلب الأخبار ولا يفهم. ميزان 2/ 500، المغنى فى الضعفاء 1/ 356. والذى قيده ابن ماكولا إنما هو محرر بن هارون. الإكمال 7/ 217.

وَكَذَلِكَ، مَنِ الغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ المُنْكَرُ أَوِ الغَلطُ، أَمْسَكْنَا أَيْضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ. وَعَلامَةُ المُنْكَرِ فِى حَدِيثِ المُحَدِّثِ، إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ للحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الحِفْظِ وَالرِّضَا، خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ أَوْ لَمْ تَكَدْ تُوَافِقُهَا. فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ كَذَلِكَ، كَانَ مَهْجُورَ الحَدِيثِ، غَيْرَ مَقْبُولِهِ وَلا مُسْتَعْمَلِهِ. فَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ المُحَدِّثِينَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَرَّرٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِى أُنَيْسَةَ، وَالجَرَّاحُ ابْنُ المِنْهَالِ أَبُو العَطُوفِ، وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدُ اللهِ بْن ضُمَيْرَةَ، وَعُمَرُ بْنِ صُهْبَانَ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ فِى رِوَايَةِ المُنْكَرِ مِنَ الحَدِيثِ، فَلسْنَا نُعَرِّجُ عَلَى حَدِيثِهِمْ. وَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان بن العاصى عن الشاشى (¬1) عنه، وكذا سمعناه من جماعة شيوخنا فى كتاب مسلم بعد هذا بيسير فى حديث [عبد الله بن المبارك] (¬2) وذكره له فى " الضعفاء " إلا فيما حدثنا به القاضى الشهيد أبو على [عن العبدى] (¬3) فإنه قال فيه: محرّز كما رووه هنا. وذكر [مسلم] (¬4) رواية المنكر من الحديث ومن تقبل روايته (¬5) ومن يطرح. اختلف الناس فى الراوى الثقة إذا انفرد بزيادة فى الحديث عن سائر رواة شيخه، فذهب مُعظم الفقهاء [والأصوليين] (¬6) والمحدثين إلى قبول زيادته (¬7) وذهب بعض أصحاب الحديث إلى ردّها، وهو مذهب معظم أصحاب أبى حنيفة (¬8)، وكذلك (¬9) جاء اختلافُهم متى أسنَدَ الحديث واحد وأرسله الباقون، وأكثر المحدثين على ردّ هذا الوجه، والصواب فى ذلك كله ما ذهب ¬

_ (¬1) فى الأصل بالمهملتين. (¬2) و (¬3) سقطتا من ت. (¬4) مطموسة فى الأصل. (¬5) فى ت: قلادته، وهو خطأ. (¬6) مطموسة فى الأصل. (¬7) وهو مذهب ابن حبان والحاكم. الإحسان 1/ 86، صرفة علوم الحديث 130. وقد نقل ابن الصلاح عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لى الشافعى- رضى الله عنه-: ليس الشاذ من الحديث أن يروى الثقة ما لا يروى غيرُه، إنما الشاذ أن يروى الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس. قال: وحكى الحافظ أبو يعلى الخليلى القزوينى نحو هذا عن الشافعى وجماعة من أهل الحجاز ثم قال- يعنى الحافظ أبو يعلى-: الذى عليه حفاظ الحديث أن الشاذ: ما ليس له إلا إسنَادٌ واحد، يشذُّ بذلك شيخٌ ثقةً كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقةٍ فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقةٍ يتوقف فيه ولا يحتج به. المقدمة 173. (¬8) أما الإمام فإنه يقبلها كالشافعى بشرط سكوت الباقين البرهان 1/ 187. يطلق كثير من المتقدمين كأحمد وأبى داود والنسائى النكارة على مجرد التفرد، يقول ابن الصلاح: " وإطلاق الحكم- المنكر- على التفرد بالرد، أو النكارة، أو الشذوذ، موجود فى كلام كثير من أهل الحديث " المقدمة: 180. وقال السيوطى فى " بلوغ المأمول فى خدمة الرسول " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وصفَ الذهبىُّ فى الميزان عدَّةَ أحاديث فى مسند الإمام أحمد، وسنن أبى داود، وغيرهما من الكتب المعتمدة، بأنها منكرة، بل وفى " الصحيحين " أيضاً، وما ذاك إلا لمعنى يعرفه الحفَّاظ، وهو أن النكارة ترجع إلى الفردية، ولا يلزم من الفردية ضعفُ متن الحديث، فضلاً عن بطلانه، الحاوى 2/ 210. وعلى ذلك فقول المتقدمين فى الحديث: " هذا حديث منكر " يغاير اصطلاح المتأخرين فى المنكر أنه الحديث الذى رواه ضعيف مخالفاً الثقة، وأن الأول لا يطرح حديثه حتى تكثر المناكيرُ فى روايته. انظر: فتح المغيث 162. (¬9) فى ت: وكذا.

نَتَشَاغَلُ بِه. لأنَّ حُكْمَ أَهْلِ العِلْمِ، وَالذِى نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِى قَبُولِ مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ المُحَدِّثُ مِنَ الحَدِيثِ، أَنْ يَكُونَ قَدْ شَارَكَ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالحِفْظِ فِى بَعْضِ مَا رَوَوْا، وَأَمْعَنَ فِى ذَلِكَ عَلَى المُوَافَقَةِ لهُمْ، فَإِذَا وُجِدَ كَذَلِكَ، ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا ليْسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، قُبِلتْ زِيَادَتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه أهل التحقيق من الفريقين، وأشار إليه مسلم فى هذا الفصل من جواز قبوله إذا كان الراوى شارك الثقات فى الحفظ والرواية، بخلاف إذا لم يُشاركهم ولا وافقهم فيما رووه، ثم انفرد هو برواية الكثير مما لم يرووه عن أشياخهم ولا عرفه أولئك المشاهير من حديثهم فهذا ينكر ولا يقبل (¬1)، وتُسْترابُ جملة حديثه ويترك، لتهمتنا [له، إ] (¬2) ما لسوء (¬3) الحفظ والوهم، أو التساهل، بخلاف الزيادة فى الحديث نفسه أو رواية الحديث الواحد من هذا الفن، فإن مثل هذا يُقبَل منه، لثقته، فإن ظهر فيها وهم (¬4) لم يقدح فى عدالته (¬5) واحتمل لصحة حديثه واستقامة روايته لغيره، وقد بين مسلم الغرض فيه وأجاد (¬6)، وحملنا زيادته هذه التى لم نر ما (¬7) يُبطلها ويُعارضُها على أنه حفظ ما لم يحفظ غيرُه وضبط ما لم يضبط أصحابُه (¬8)، وعلى هذا ثبت زيادةُ الشاهد على غيره من ¬

_ (¬1) ذكره ابن حبان فى كتابه " المجروحين " فى النوع الثالث عشر من أنواع جرح الضعفاء فقال: " هو من كثر خطؤه وفحش، وكاد أن يغلب صوابه، فاستحق الترك من أجله وإن كان ثقة فى نفسه، صدوقاً فى روايته، لأن العدل إذا ظهر عليه أكثر أمارات الجرح استحق الترك، كما أن من ظهر عليه أكثر علامات التعديل استحق العدالة. ثم نقل بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدى قوله: " قلت لشعبة: من الذى يُترك الرواية عنه؟ قال: إذا أكثر عن المعروفين من الرواية ما لا يُعرف، أو أكثر الغلط ". ومثل لذلك بسؤال مُضر بن محمد الأسوى ليحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش فقال له: " إذا حدَّث عن الشاميين فحديثه صحيح، وإذا حدَّث عن العراقيين أو المدنيين خلط ما شئت " المجروحين 1/ 76، 77. (¬2) مطموس فى الأصل. (¬3) فى ت: بسوء. (¬4) فى الأصل: وهمه، وما أثبتناه من ت، وهو الأليق بالسياق. المغيث. (¬5) العدالة- كما يقول صاحب توجيه النظر- كالضبط، تقبل الزيادة والنقصان والقوة والضعف. والعدالة والضبط إما أن ينتفيا عن الراوى، أو توجد فيه العدالة وحدها، أو الضبط وحده، فإن انتفيا من الراوى لم يقبل حديثه مطلقاً، وإن اجتمعا فيه قبل حديثه وكان صحيحاً، وإن وجدت فيه العدالة دون الضبط توقف فيه على شاهد منفصل يجبر ما فات من ضبطه، وإن وجد فيه الضبط دون العدالة لم يقبل حديثه، لأن العدالة هى الركن الأكبر فى الرواية. توجيه النظر: 30 - 35. قال الحافظ السخاوى: " مجرد الوصف بحافظ أو ضابط غير كاف فى التوثيق، فالوصف المعتبر بهما لا يكون إلا فى عَدْل. ص 157 بتصرف يسير. ثم إن وقوع الوهم أو الأوهام اليسيرة لا يخرج الثقة عن كونه كذلك جاء فى لسان الميزان عن يحيى بن معين: " من لا يخطئ فى الحديث- أى من زعم لنفسه ذلك- فهو كذاب " 1/ 17. (¬6) قيد بعدها فى ت: لصحة حديثه، ولا نرى لها هنا موضعاً. (¬7) فى ت: من. (¬8) قال الذهبى فيما نقله اللكنوى عنه: الثقةُ الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع وأكمل رتبةً، وأدلَّ على =

فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهُرِىِّ فِى جَلالتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الحُفَّاظِ المُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الإِتَّفَاقِ مِنْهُمْ فِى أَكْثَرِهِ، فيَرْوِى عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا العَدَدَ مِنَ الحَدِيثِ، مِمَّا لا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابهِمَا، وَليْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِى الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ. وَاللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشهداء معه ما لم تكن الشهادتان فى صورة المعارضة. وعلى هذا ما ألفَ أئمة الحديث الغرائبَ والأفراد من الحديث وعدُّوه فى الصحيح. فأما متى جاء ما يعارضه وروت الجماعةُ خلافَه فالرجوع إلى قول الجماعة والحفَّاظ أولى من باب الترجيح، وهذا أيضاً أصل فى الشهادة المتعارضةِ فى مُراعاة الأعدل على المشهور. واختلف المذهب (¬1) [فى الترجيح] (¬2) فيها بالكثرة. ¬

_ = اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، إلا أن يتبين غلطُهُ ووهمه فى الشىء فيعرف بذلك، وإنَّ تَفَرُّدَ الثقةِ المتقن يُعَدُّ صحيحاً غريباً. الرفع والتكميل: 160، 161. ثم إن الفرق بين تفرد الراوى بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة- فيما ذكره الحافظ ابن حجر فى نكته- أن تفرده بالحديث لا يلزم منه تطرق السهو والغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة فى روايته لهم، بخلاف تفرده بالزيادة، إذا لم يروها من أتقن منه حفظاً، وأكثر عدداً، فالظن غالب بترجيح روايتهم على روايته، ومبنى هذا الأمر على غلبة الظن. النكت 2/ 691. وها هنا بحث نفيس لابن الصلاح وابن حجر فى هذه المسألة، يحسن بنا إيراده وذكره، قال- رحمه الله-: ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب أبو بكر أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها، سواء كان ذلك من شخص واحد- بأن رواه ناقصاً مرةً ورواه مرةً أخرى وفيه تلك الزيادة- أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصاً، خلافاً لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقاً، وخلافاً لمن ردَّ الزيادة منه وقبلها من غيره. قال: وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات، فهذا حكمه الرد، لأنه يصير شاذاً. الثانى: ألا يكون فيه منافةً ومخالفةً أصلاً، لما رواه غيره، كالحديث الذى تفرد بروايته جملة ثقة، ولا تعرض فيه .. لما رواه الغيرُ بمخالفة أصلاً فهذا مقبول، لأنه جازم بما رواه، وهو ثقة، ولا معارض لروايته، لأن الساكت عنها لم ينفها لفظاً ولا معنى، لأن مجرد سكوته عنها لا يدل على أن راويها وهم فيها- على أن يكون راويه عدلاً، حافظاً، موثوقاً بإتقانه وضبطه. الثالث: ما يقع بين هاتين المرتَبتين، مثل زيادة لفظة فى حديث لم يذكرها سائرُ من روى ذلك الحديث. يعنى وتلك اللفظة توجب قيداً فى إطلاق، أو تخصيصاً لعموم ففيه مغايرة فى الصفة، ونوع مخالفة يختلف الحكم بها. فهو يشبه القسم الأول من هذه الحيثية، ويشبه القسم الثانى من حيث إنه لا منافاة فى الصورة. النكت 2/ 687. (¬1) يعنى به المذهب المالكى. راجع: المدونة الكبرى 12/ 160 فى شهادة الشاهد على الشاهد. (¬2) فى ت: بالترجيح.

قَدْ شَرَحْنَا مِنْ مَذْهَبِ الحَدِيثِ وَأَهْلِهِ بَعْضَ مَا يَتَوَجَّهُ بِه مَنْ أَرَادَ سَبِيلَ القَوْمِ، وَوًفِّقَ لهَا. وَسَنَزِيدُ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، شَرْحاً وَإِيضَاحاً فِى مَوَاضِعَ مِنَ الكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الأَخْبَارِ المُعَلَّلةِ، إِذَا أَتَيْنَا عَليْهَا فِى الأَمَاكِنِ التِى يَلِيقُ بِهَا الشَّرْحُ وَالإِيضَاحُ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. وَبَعْدُ - يَرْحَمُكَ اللهُ - فَلوْلا الذِى رَأَيْنَا منْ سُوءِ صَنِيعِ كَثِيرٍ مِمَّنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ مُحَدِّثاً، فِيمَا يَلزَمُهُمْ مِنْ طَرْحِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَالرِّوَايَاتِ المُنْكَرَةِ، وَتَرْكِهِمْ الاِقْتِصَارَ عَلَى الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ المَشهُوَرَةِ، مِمَّا نَقَلهُ الثِّقَاتُ المَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، بَعْدَ مَعْرِفَتِهِم وَإِقْرَارِهِمْ بِأَلَسِنَتِهِمْ، أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَقْذِفُونَ بِهِ إِلى الأَغْبِيَاءِ مِنَ النَّاسِ هُوَ مُسْتَنْكَرٌ، وَمَنْقُولٌ عَنْ قَوْمٍ غَيْرِ مَرْضِيِّينَ، مِمَّنْ ذَمَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ أَئِمَّةُ أَهْلِ الحَدِيثِ، مِثْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَشُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِىٍّ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الأَئِمَّةِ - لِمَا سَهُلَ عَليْنَا الاِنْتِصَابُ لِمَا سَأَلتَ مِنَ التَمْيِيزِ وَالتَحْصِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بما يتوجه به من أراد سبيل القوم ": أى يقصد طريقهم ويسلك مذهبَهم قال الله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} (¬1). وقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} (¬2): أى قصدك. وقوله: " وسنزيد- إن شاء الله- شرحاً وإيضاحاً عند الأخبار المعللة ": قيل: هذا الكلام الذى وعد به ليس منه شىء فى الكتاب، وأنَّه مما أخترمَته المنيَّةُ قبل جمعه، إذ ما أدخله فى كتابه من الصحيح المتفق عليه ليس يحتاج إلى شىء من الكلام [عليه] (¬3) لعلو رتبته، وقلة غلط رواته، وحفظهم وإتقانهم، وقد قدمنا الكلام عليه، وأنه قد ذكره فى أبوابه. وقوله: " يقذفون به إلى الأغبياء ": أى يلقون ذلك إليهم، قال الله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ} (¬4)، وقد يكون " يقذفون " بمعنى: يقولون ما لا يعلمون، كما ¬

_ (¬1) الأنعام: 79. (¬2) الروم: 30. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) الأنبياء: 18.

وَلكِنْ مِنْ أَجْلِ مَا أَعْلَمْنَاكَ مِنْ نَشْرِ القَوْمِ الأَخْبَارَ المُنْكَرَةَ، بِالأَسَانِيدِ الضِّعَافِ المَجْهُولةِ، وَقَذْفِهِمْ بِهَا إِلى العَوَامِّ الَّذِينَ لا يَعْرِفُونَ عُيُوبَهَا، خَفَّ عَلَى قُلوبِنَا إِجَابَتُكَ إِلَى مَا سَأَلتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} (¬1). واختلفت روايات شيوخنا فى هذا الحرف الآخر، وصوابه: الأغبياء بالغين المعجَمة والباء بواحدة تحتها، وهى روايتنا من طريق السمرقندى، ومعناه: الجهلة الأغفال، ويدل عليه قوله آخر الفصل: " وقذفهم بها إلى العوام ". ¬

_ (¬1) سبأ: 53.

(1) باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين، والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين، والتحذير من الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْلَم - وَفَقَكَ اللهُ تَعَالى - أَنَّ الوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وسَقِيمِهَا، وَثِقَات النَّاقِلينَ لهَا مِنَ المُتَّهَمِينَ، ألا يَرْوِىَ مِنْهَا إِلا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ، وَالسَّتَارَةَ فِى نَاقِلِيَهِ، وَأَنْ يَتَقِىَ مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلَ التُّهَمِ وَالمُعَانِدِينَ، مِنْ أَهْلِ البِدَع. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الذِى قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللازِمُ دُونَ مَا خَالَفَهُ قَوْلُ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (¬1)، وَقَالَ جَل ثَنَاؤُهُ: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬2)، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} (¬3). فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآى أَنَّ خَبَرَ الفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ العَدْلِ مَرْدُودَةٌ. وَالخَبَرُ، وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَهَادَةِ فِى بَعْضِ الوُجُوهِ، فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِى أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا، إِذْ كَانَ خَبَرُ الفَاسِقِ غَيْرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول مسلم- رحمه الله-: " والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة فى بعض الوجوه، فقد يجتمعان فى أكثر معانيها ": ما أحسن قول مسلم هذا وأبينه فى الدلالة على كثرة علمه وقوة فقهه (¬4)، فاعلم أَنَّ الشهادة والخَبَر يجتمعان عندنا فى خمسة أحوال ويفترقان فى خمسة أحوال. فالخمسة الجامعة لها: العقل، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، وضبط الخبر أو الشهادة حين السماع، والأداء، فمتى اختل وصف من [هذه] (¬5) الأوصاف فى أحد لم يقبل خبره ولا شهادته. وأما الخمسة التى يفترقان فيها: فالحريَّة، والذكورية، والعدد، ومراعاة الأهلية، والعداوة. فخبر العبد مقبول [وإن لم تقبل] (¬6) شهادته عندنا، وكذلك خبر الواحد والمرأة مقبول، ولا تقبل شهادتُهما مجردةٌ إلا فى مواضع مستثناة وشرائط معلومة. وخبَرُ الرجل وروايته فيما ينتفعُ به خاصُ أهله أو يضر به عدوهُ مقبول (¬7)؛ ولهذا لا يُعذَّر فى مكشفى ¬

_ (¬1) الحجرات: 6. (¬2) البقرة: 282. (¬3) الطلاق: 2. (¬4) فى ت: فهمه. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) فى ت: ولن تقبل. (¬7) قالوا: لأن الشهادة مبنية على التغليظ والتشديد، والخبر مبنى على حسن الظاهر والمسامحة. الإلماع: 139.

جَمِيعِهِمْ. وَدَلتِ السُّنَةُ عَلَى نَفْىِ رِوَايَةِ المُنْكَرِ مِنَ الأَخْبَارِ، كَنَحْوِ دَلالةِ القُرْآنِ عَلَى نَفْىِ خَبَرِ الفَاسِقِ، وَهُوَ الأَثَرُ المَشْهُورُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَدَّثَ عِنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ ". حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَن شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى ليْلى، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ أَيْضًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ القضاة ومجرحى (¬1) السّر (¬2) وكذلك تجوز (¬3) رواية الابن عن أبيه وأمّه وروايتهما عنه وإن لم يُجِزهُ بعض العلماء فى نقل الشهادة، وفى مذهبنا فيها وجهان، ولأن الرواية والخبر يعم ولا يخص شخصًا دون شخص والشهادة خاصة، ولهذا نُعْمِلُ الشهادة العامة كيف كانت ولا نردها (¬4) بظنة منفعة ولا عداوةٍ كالشهادة على العدوّ من أهل الكفر وعلى الأمور العامة للمسلمين فى سككهم ومرافقهم وإن كان الشاهدُ واحداً منهم. وشرط الشافعىُّ البصَرَ فى الشهادة دون الخبَرَ، ولا حُجَّة له فى ذلك قائمة (¬5)، وشرط بعض الأصوليين البلوغَ حين السماع (¬6) والإجماع بخلافه، وشرط الجُبَّائى وبعض القدرية العدد فلا بد عنده (¬7) ¬

_ (¬1) فى ت: ومخرجى. (¬2) هم المزكون الشهود للقاضى وللحاكم وعيونه فى الأمة عند المالكية، يطلعونه على مكانه فى الناس، إن كان خيراً حمد الله وإن كان غير ذلك تعهد نفسه بالتزكية والتقويم، ثم إن لهم عملاً فوق ذلك هو أن يوقفوا القاضى على أسرار المزكين. الشرح الكبير للدرديرى، كتاب القضاء. (¬3) أخرت فى ت إلى ما بعد أمّه. (¬4) فى الأصل بالياء. (¬5) عبارة الإمام الشافعى محتملة قابلة للتأويل على معنى شدة الاحتياط فى الشهادة كما أسلفنا، فكان الأليق بالقاضى حمل كلام الإمام على ما يناسب قدره فى دين الله ليبرأ عرض القاضى من الآفة الذميمة. (¬6) لم أقف على المراد بهذا البعض. ومحل شرط البلوغ عند الجمهور قبول الرواية والعمل بها. جاء فى المستصفى: لا تقبل رواية الصبى؛ لأنه لا يخاف الله تعالى، فلا وازع له من الكذب، فلا تحصل الثقة بقوله، أما إذا كان طفلاً مميزاً عند التحمل بالغاً عد الرواية فإنه يقبل، لأنه لا خلل فى تحمله ولا فى أدائه ويدل على قبول سماعه إجماع الصحابة على قبول خبر ابن عباس، وابن الزبير، والنعمان بن بشير، وغيرهم من أحداث الصحابة من غير فرق بين ما تحملوه بعد البلوغ أو قبله، وعلى ذلك درج السلف والخلف من إحضار الصبيان مجالس الرواية، ومن قبول شهادتهم فيما تحملوه فى الصغر. المستصفى 1/ 156. وفى المختصر لابن الحاجب: والرواية بعده- البلوغ- والسماع قبله مقبولة كالشهادة. 1/ 686. وفى الأحكام للآمدى فى شرائط وجوب العمل بخبر الواحد: " الأول: أن يكون الراوى مكلفاً ". الأحكام 2/ 101. وفى التمهيد للكلوذانى الحنبلى: فأما اعتبار بلوغه، فلأن غير البالغ لا رغبة له فى الصدق، فأما تحمله إذا كان صبياً مميزاً وروايتهُ بعد البلوغ فجائز 3/ 106. (¬7) فى الأصل: عند. والجُبَّائى هو: أبو على محمد بن عبد الوهَّاب البصرى، شيخ المعتزلة. مات بالبصرة سنة ثلاث وثلاثمائة. قال فيه الذهبى: كان على بدعة متوسعاً فى العلم، سيَّال الذهن، وهو الذى ذلَّل الكلام وسهَّله، ويَسَّرَ ما صَعُبَ منه. سير 14/ 183.

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِى شَبِيبٍ، عَنِ المُغِيرة بْنِ شُعْبَةَ، قَالا. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من اثنين عن اثنين فى الخبر كالشهادة، وعند الآخرين أربع عن أربع فى كل خبرٍ، وهذا مما يتعذَّر ولا يفيد معنى فى باب النقل (¬1)، وأسقط أبو حنيفة شرط العدالة ورأى أن مجرد الإسلام عدالة فى الشهادة، والخبر لمن لم يُعلم فسقهُ وجهلُ أمره (¬2) ورأى بعض أهل الحديث أن رواية رجُلين عمن رُوى عنه يُخرجُه عن حدّ الجهالة وإن لم تُعْرَف حالهُ، والصوابُ أن الجهالةَ لا ترتفع عنه بروايتهما حتى يعرف حاله وتتحقق عدالتهُ وإن جهُل نسبهُ (¬3). ¬

_ (¬1) فى الأصل: الفعل، والمثبت من ت، وهو الصواب. راجع: المعتمد فى أصول الفقه لأبى الحسين محمد بن على الطيب المعتزلى (2/ 138)، فقد نقل عن أبى على الجبائى أنه إذا روى العدلان خبراً وجب العمل به، وإن رواه واحد فقط لم يجز العمل به إلا بأحد شروط، منها: أن يعضده ظاهر، انضاف خبر آخر إلى خبره أو عمل بعض الصحابة، أو انتشاره بينهم، أو موافقة ما رواه الراوى لظاهر آية، وحكى عنه أنه لم يقبل فى الزنا إلا خبر أربعة، كالشهادة عليه، وأجيب عن ذلك كله بالتمسك بكتب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسله، فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يتكلف جمع رسولين إلى كل صوب، بل كان يبعثهم ويُحَمّلهم نقل الشريعة على ما تقتضيه الأحوال، مفردين ومقترنين. ذكره إمام الحرمين فى البرهان 1/ 608. قال: ومن ادعى أن جملة الأخبار التى استدل بها أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أحكام الوقائع رواها أعداد فقد باهت وعاند، وخالف ما المعلوم الضرورى بخلافه. 1/ 609. وقد علل- رحمه الله- رد الجمهور اشتراط العدد أن هذا يؤدى إلى رد معظم الأحاديث إذا تطاولت العصور، وتناسخت الأزمان والدهور. (¬2) وما ذكره القاضى هنا عن أبى حنيفة ليس مذهباً ولم يصرح به أبو حنيفة، وانما هو مفهوم عنه له من مسألة أخرى، هى أن الراوى إذا كان معلوماً إسلامه مجهولاً حاله من العدالة والفسق فإنه تقبل روايته؛ لأن الفسق سبب التثبت، فإذا انتفى السبب انتفى المسبب أخذاً بالظاهر. وهذا القول- كما ترى- ليس إسقاطاً لشرط العدالة عند أبى حنيفة، وغاية ما فيه عدم رد رواية مجهولها إذا تحقق له إسلامه، وله على ذلك أدلة: منها: أن مجهول الحال مع الإسلام ظاهر الصدق فى إخباره بكون اللحم مذكى، وطهارة الماء ونجاسته، ورق جاريته، وبأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لنا الظاهر " حيث دل على الحكم بكل ظاهر، لأن اللام تفيد العموم، فيندرج مجهول الحال تحته؛ لأن الظاهر من حال السلم العدالة. وقد عورضت تلك الأدلة بأن ما جاء فى قول الإمام بالتسوية بين الأخبار والرواية منتف، إذ الأول يقبل مع الفسق، فكذلك يقبل مع مجهول الحال، بخلاف الرواية فإنها لا تقبل مع الفسق، فكذلك لا تقبل مع الجهالة لحالته، ثم إن الرواية أعلى رتبة من الإخبار فيما ذكر من الصور، ولا يلزم من قبول إخبار مجهول الحال فيما هو أدنى رتبة قبوله فيما هو أعلى رتبة. وعما استدل به من الحديث أجيب بأنا لا نسلم أن الظاهر من حال المسلم العدالة، كيف وكونه مجهول الحال، يستوى العدالة والفسق فى الظهور وعدمه. بيان المختصر 1/ 700. فغاية الأمر هنا أن ما ذكره القاضى ونسبه إلى الإمام أبى حنيفة لا يعدو أن يكون لازم مذهب، ولازم المذهب عند الأصوليين ليس بمذهب. (¬3) الجهالة عد المحدثين نوعان: جهالة عين، وجهالة حال، ومدار جهالة العين ومعرفتها عند المحدثين على الرواة عن الراوى، فمن روى عنه واحدٌ فقط فهو مجهول العين، ومن روى عنه عدلان صار معروفاً وارتفعت جهالة عينه. تدريب الراوى 1/ 316. هذا هو تعريف جهالة العين عند جمهور المحدثين. وذهب الأحناف إلى أنه من لم يُعرف إلا بحديث أو حديثين، وجهلت عدالته سواء انفرد بالرواية عنه واحد، أم روى عنه اثنان فصاعداً قواعد فى عُلوم الحديث: 207. =

(2) باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم

(2) باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم 1 - (1) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعىِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رَضِىَ اللهُ عَنْهُ يَخْطُبُ. قَال: قَال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَكْذِبُوا عَلَىَّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَىَّ يَلج النَّارَ ". 2 - (2) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِى ابْنِ عُليَّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالكٍ، أَنَّهُ قَال: إِنَّهُ ليَمْنَعَنِى أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " مَنْ تَعَمَّدَ عَلَىَّ كَذِبًا فَليَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". 3 - (3) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله- عليه السلام-: " من كذب على مُتَعمِّدًا [فليتبوأ مقعده من النار] (¬1)، قال الإمام: الكذبُ عند الأشعرية الإخبار عن الأمر على ما ليس هو به. هذا حد الكذب عندهم، لا يشترطون فى كونه كذباً العمدَ والقصد [إليه] (¬2)، خلافاً للمعتزلة فى اشتراطهم ذلك، ودليل هذا الخطاب يردُّ عليهم، لأنه يدلُّ على أنَّ ما لم يُتَعمَّد يقع عليه اسم الكذب (¬3). وأما قوله: " فليتبوَّأ مقعده من النار ": فإن الهروى قال فى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار} (¬4) [أى] (¬5) اتخذوها منازل، وقوله: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء} (¬6) أى: نتخذ (¬7) ¬

_ = وبرواية العدلين ترتفع الجهالة عند الجمهور، لكن لا تثبت بذلك العدالة، وذهب الدارقطنى إلى ثبوت العدالة بذلك. إعلاء السنن 1/ 130. (¬1) ساقطة من ت. الحديث أخرجه البخارى فى الصحيح، ك العلم، ب إثم من كذب على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1/ 38، والترمذى، ك الفتن، ب 270، ك العلم، ب تعظيم الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 5/ 35، والدارمى فى المقدمة، ب اتقاء الحديث عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتثبت فيه 1/ 67، عن عبد الله بن مسعود، والترمذى من حديثه ومن حديث أنس- رضى الله عنهما-، وأحمد فى المسند 5/ 292 عن خالد بن عرفطة. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) فى الإكمال: كذب، والمثبت من المعلم، ت. وانظر: مقالات الإسلاميين: 445. (¬4) الحشر: 9. (¬5) من المعلم. (¬6) الزمر: 74. (¬7) فى الإكمال، ت: نتخذها، والمثبت من المعلم.

4 - (4) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْد، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ؛ قَالَ: أَتَيْتُ المَسْجِدَ، وَالمُغِيرَةُ أَمِيرُ الكُوفَةِ. قَالَ: فَقَالَ المُغيِرَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ كَذِبًا عَلَىَّ ليْسَ كَكَذِبٍ عَلى أَحَدٍ، فَمَنْ كَذِبَ عَلىَّ مُتَعمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". وَحَدَّثَنِى عَلىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَلىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسَدِىُّ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِىّ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ وَلمْ يَذْكُرْ " إِنَّ كَذِبًا عَلىَّ ليْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ منها منازل، ومنه الحديث: " فيتبوأ مقعده من النار " أى: لينزل منزله (¬1) منها. قال القاضى: اختُلف فى المراد بهذا القول. فقيل: ورد مورد الدعاء منه- عليه السلام-، أى فبوأه الله ذلك، وأخرج الدعاء عليه مخرج الأمر، وعلى هذا يُحمل معنى الحديث الآخر من رواية البخارى عن علىّ: " من كذَب على فليَلج النار " (¬2). قيل: هو على الخبر، أى: فقد استوجَب ذلك واستحقَّه، فليوُطِّن نفسه عليه، ويَدل عليه رواية مسلم فى الحديث الآخر: " يلج (¬3) النار "، وفى رواية غيره: " بنى له بيتٌ فى النار ". وقد اختلف فى معنى هذا الحديث السلفُ والخلف، فذهب بعضُهم إلى أنَّه عام فى كل شىء، كان من (¬4) الدين أو غيره، وذهب آخرون إلى أن ذلك خاص فى الكذب عليه فى الدين وتعمُّده الخبر عنه بتحليل حرامٍ أو تحريم حلالٍ، أو إثبات شريعةٍ أو نفيها (¬5)، ¬

_ (¬1) فى المعلم: منزلته. (¬2) البخارى فى صحيحه، ك العلم، ب إثم من كذب على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ربعى بن حراش 1/ 38، وكذلك أخرجه الترمذى، ك العلم، ب تعظيم الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 5/ 35. والحديث بلفظه: " بنى له بيتاً فى النار "، هو بنحو ما أخرجه ابن عبد البر فى التمهيد عن أنس، ولفظه هناك: " من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ بيته فى النار " 1/ 44، وإسناده هناك جيد، رجاله ثقات، وكذلك ذكره القاضى فى الإلماع: 12، وأخرجه أحمد فى المسند 1/ 165، 293، 323، 389، 402، 405، والطبرانى 6/ 321، وأخرجه أحمد بلفظ: " من كذب علىَّ متعمداً فإن له بيتاً فى النار " 3/ 39. أما زيادة: " ليُضِل الناس " فقد ذكرها ابن الجوزى فى الموضوعات 1/ 96. قال الطحاوى فى المشكل فى تلك الزيادة المخرجة عنده من حديث يونس بن بكير عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود: قال: وهذا حديث منكر، وليس أحدٌ يرفعه بهذا اللفظ غير يونس بن بكير، وطلحة بن مصرف ليس فى سنه ما يدرك عمرو بن شرحبيل لقدم وفاته 1/ 174. (¬3) فى ت: فليلج. وقد أخرجها الحاكم فى المستدرك 4/ 298 عن على، بلفظ: " يلج النار " وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه "، وتعقبه الذهبى بأن مسلماً أخرجه. قلت: فى المقدمة. (¬4) فى ت: فى. (¬5) هذه العبارة جزء حديث، أخرجه ابن عدى فى الكامل عن جابر، ولفظه هناك: " من كذب على متعمداً ليحل حراماً أو يحرم حلالاً، أو يضل الناس بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار " 1/ 21.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روى فى هذا الحديث زيادة: " ليُضِلَّ الناسَ "، ولكنها منكرة غير صحيحة. قال الطحاوى: ولو صحَّت لكان معناها التأكيد كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ليضِلَّ النَّاسَ} (¬1) قال ابن البيّع: وهذا حديثُ واهٍ. وقد روى قوم أيضاً تفسير الكذب عليه فى حديث [آخر] (¬2) أنَّه إنما هو فيمن كذب عليه فى غيبه (¬3) وشين (¬4) الإسلام، قال: وهو حديث باطل أيضاً فى [رواية] (¬5) جماعة لا يُحْتَج [بحديثهم] (¬6). وذهب آخرون إلى أَنَّ الحديث ورد فى رجُلٍ بعينه كذب عليه (¬7) فى حياته، وادَّعى لقوم أنَّه رسولُه- إليهم يحكم فى أموالهم ودمائهم، فأمر عليه السلام بقتله إن وُجِد حياً وإحراقه إن وُجِد ميّتاً (¬8). وحُجَّةُ أصحاب القول الأول تَهيُّبُ عُمَرَ والزبير وغيرهما الحديث عنه عليه السلام [واحتجاجهم بهذا الحديث، ولو كان الوعيد فى رجُلٍ] (¬9) بعينه أو مقصوراً على سبَبٍ أو فى فن مفردٍ لما حذروا ذلك، والصوابُ عُمومه فى كل خبَر تُعُمد به الكذب عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا قال فى الحديث الآخَر: " إِنَّ كذباً علىَّ ليس كَكذِبٍ (¬10) على أحدٍ " (¬11) وقوله: ¬

_ (¬1) الكامل 1/ 175، والآية 144 الأنعام. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) فى الأصل: عيبه- بالعين المهملة- وفى ت: غب. (¬4) فى ت: وشن. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬6) فى ت: بهم. (¬7) فى ت: كذب على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬8) أخرجه الطحاوى فى المشكل بإسناده عن ابن بريدة، ولفظه: كان حى من بنى ليث من المدينة على ميلين، وكان رجل قد خطب امرأةً منهم فى الجاهلية، فأبوا أن يزوجوه، فجاءهم وعليه حُلَّةٌ فقال: إِنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كسانى هذه الحُلَّةَ، وأمرنى أن أحكم فى دمائكم وأموالكم بما أرى، وانطلق، فنزل على المرأة، فارسلوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، فقال: " كذب عدوُّ الله " ثم أرسل رسولاً وقال: " إن وجدتَه حياً فاضرب عنقه، ولا أراك تجده حياً، وإن وجدتَه ميتاً فأحرقه بالنار " فجاء، فوجده قد لدغَته أفعى، فمات، فحرقه، فذلك قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذبَ علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " مشكل 1/ 164. قلت: وهو حديث ضعيف، آفته من صالح بن حيان القرشى، قال فيه ابن معين وأبو داود: صالح بن حيان ضعيف، وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالقوى، وقال النسائى والدولابى: ليس بثقة. تهذيب التهذيب 4/ 386. وليس هو بصالح بن حيان الذى أخرج له البخارى، فى الصحيح فى كتاب العلم، فقد وهم الدارقطنى فى ذلك وعاب على البخارى- هو وغيره- هذا، قال الحافظ: فما أصابوا، وإنما الذى أخرج له البخارى صالح بن صالح بن حيان المذكور، فإنه صالح بن صالح بن مسلم بن حيان، وهو معروف بالرواية عن الشعبى السابق. (¬9) فى الأصل كتبت: واحتجاجهم بهذا الوعد ولو كان فى رجل. (¬10) فى الأصل: لكذب. (¬11) مسلم فى ك الزهد، ب التثبت فى الحديث وحكم كتابة العلم 5/ 847، والبخارى فى صحيحه، ك الجنائز، ب ما يكره من النياحة 2/ 103 عن المغيرة، وأخرجه أحمد فى المسند 2/ 410، 413، 469، 511، 3/ 13 عن أبى هريرة بزيادة: " تحدثوا عنى ولا حرج "، كذلك أخرجه ابن ماجه فى المقدمة، ب تغليظ فى الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1/ 14، وأحمد فى المسند 3/ 39، 44، 46، 56، بزيادة: " حدثوا عنى ولا حرج " عن أبى سعيد، كما أخرجه عن خالد بن عرفطة 5/ 412، 4/ 47، 203، 209، 223، 278، 280 عن سلمة بن الأكوع، 4/ 100 عن معاوية بن أبى سفيان، 4/ 156 عن سلمة بن مخلد، 4/ 201 عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ " لا تكذبوا علىَّ "، وقوله: " من قال علىَّ ما لم أقُل " (¬1)، وهذه الألفاظ كلها فى الصحيحين، وإذا كان الكذبُ ممنوعاً- فى الشرع جملةً فهو على النبى- عليه السلام- أشد؛ لأن حقَّه أعظم، وحق الشريعةِ آكد، وإباحةُ الكذب عليه ذريعةٌ إلى إبطال شرعه، وتحريف دينه، ومن أجل حديث علىّ والزبير هاب من سمع الحديث أن يُحدّثَ بكل (¬2) ما سمع، وقد اعتذر الزبير لأنهما لم يذكرا فى حديثهما " متعمداً " ونحوه فى حديث سلمة بن الأكوع، وترخَّص (¬3) من ترخَّص فى الرواية بذكره العمد فى حديث أبى هريرة وأنس والمغيرة بن شعبة، وكرهوا الإكثار توقياً وحذراً من الوقوع فى ذلك بغير قصد، وإن كان الخطأ والنسيان مما لا تُؤاخذ به هذه الأمة، لكن لشدة الأمر، وأنه ليس كغيره من الكذب كما قال- عليه السلام، وتحرّزاً أن يكون فى الإكثار ضرْبٌ من التفريط، والتكلف، وقلة التوقى، فيشبه العمد والقصد، ويقع فى حمى النهى فلا (¬4) يُعذَر بالوهم، ولهذا ذمَّ الأئمةُ الإكثار ونَهوا عنه (¬5)، وقل ما سلم مكثر من الطعن عليه مع ما فيه من التغرير بمن لا يميز الصحيح من السقيم، كما أشار إليه مسلم- رحمه الله- قبل هذا، مما يبين ما قلناه. قال الطحاوى: واختلاف هذه الأحاديث بزيادة لفظة الكذب أو نقصها لا يوجب اختلافاً (¬6) فى معناها، وإنما هو على التأكيد كما يقال: رأيتُ ذلك بعينى وسمعتهُ بأذنى (¬7). ¬

_ = عقبة بن عامر 4/ 367 عن زيد بن أرقم، 3/ 98، 113، 116، 166، 176، عن أنس رضى الله عنهم أجمعين. والحديث من الأحاديث المتواترة. (¬1) أحمد فى المسند 1/ 65، 2/ 158، 171، 365، 4/ 159، 297، 301، 334، والحاكم فى المستدرك 1/ 103، 3/ 362، والطبرانى فى الكبير 1/ 135، 7/ 32، والإحسان 1/ 28، 15/ 6982، ومشكل 1/ 168، 171، 172. عن أبى هريرة والزبير، وأخرجه البخارى فى صحيحه بلفظ: " من يقل " كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن سلمة، وابن ماجة فى المقدمة 1/ 13 بلفظ: " من تقوَّل على ". (¬2) فى الأصل: بما. (¬3) فى الأصل: وترخيص. (¬4) فى ت: ولا. (¬5) من ذلك قول السيدة عائشة لأبى هريرة- رضى الله عنهما-: " أكثرت يا أبا هريرة " الإصابة. ونسبه لابن سعد وجوَّد إسناده، الحاكم فى المستدرك 3/ 509، وقول ابن عمر لسائله: " هل تنكر مما يحدث أبو هريرة شيئاً " فقال: " لا، ولكنه اجترأ وجبنا " الحاكم فى المستدرك 3/ 510. وقول رُفيع أبى العالية فيما ذكره الرامهرمزى فى المحدث الفاصل: " إذا حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فازدهر " أى احتفظ به واجعله من بالك، وحافظ على لفظه، ولا تتشاغل عنه 585. وأخرج الحاكم من طريق مالك عن سعد ابن إبراهيم عن أبيه أنَّ عمر بن الخطاب حبس جماعةً مِنْهم أبو هريرة وقال: " أقِلوا الروايةَ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وكانوا فى حبسه إلى أن مات. المستدرك، ك العلم 1/ 110، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى، كما أخرجه الخطيب فى شرف أهل الحديث 87، والخليلى فى الإرشاد 1/ 214، والقاضى فى الإلماع 217 بلفظ: أن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولأبى الدرداء ولأبى ذر: " ما هذا الحديثُ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وأحسبُه حبَسَهُم حتى أصيب. قال القاضى: " يعنى حبَسهم منعهم الحديث، ولم يكن لعمر حبس ". (¬6) فى ت: خلافاً. (¬7) مشكل الآثار 1/ 173.

(3) باب النهى عن الحديث بكل ما سمع

(3) باب النهى عن الحديث بكل ما سمع 5 - (5) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ". وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سُليْمانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ؛ قَال: قَال عُمَرُ بْنُ الخَطَابِ - رَضِىَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ -: بِحَسْبِ المَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله عليه السلام: " كفى بالمرء إثماً (¬1) أن يُحدّث بكل ما سمع " (¬2)، قال الإمام: رواه شُعبة، عن خُبيب (¬3) بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فأتى به مرْسلاً لم يذكر فيه أبا هريرة. هكذا روى من حديث معاذ [بن معاذ] (¬4). وغندر وعبد الرحمن بن مهدى عن شعبة، وفى نسخة أبى العباس الرازى وحده فى هذا الإسناد عن شُعبة، عن خبيب، عن حفصٍ، عن أبى هريرة مسنداً ولا يثبت هذا، وقد أسنده مسلم بعد هذا من طريق على بن [حفص] (¬5) المدائنى عن شعبة. قال على بن عمر الدارقطنى: والصواب مرسل عن شعبة، كما رواه معاذ وغندر وابن مهدى. قال القاضى: معناه: أن من حدَّث بكل ما سمع وفيه الحقُّ والباطل والصدق والكذب، نُقل عنه هو أيضاً ما حدَّث به من ذلك، فكان من جملة من يروى الكذب، وصار كاذباً ¬

_ (¬1) فى الأصل: كذباً. (¬2) الذى تواترت عليه نُسخ الصحيح التى تيسرت لنا لمسلم: " كفى بالمرء كذباً "، واللفظ المذكور هنا هو لفظ أبى داود والحاكم، فقد أخرجه أبو داود، والحاكم فى المستدرك 1/ 112 من طريق مسلم وأشار إليه، بيد أنى عثرت على هذا اللفظ معزواً لمسلم فى كتاب تحذير الخواص من أحاديث القصاص 139، وهذا ما يحمل على الظن عندنا أن النسخة التى كانت بيد القاضى وقتها نسخة زائدة عما بأيدينا، لكنه ورد فى المعلم على وفق لفظ مسلم هنا: " كفى بالمرء كذباً " مما يقوى احتمال وقوع التصحيف فى نسخة القاضى، إن لم يكن الوهم عنده. (¬3) فى ت: حبيب. (¬4) من المعلم. (¬5) ساقطة من ت.

وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ سَرْحٍ قَال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ؛ قَال: قَال لِى مَالِكٌ: اعْلمْ أَنَّهُ ليْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلا يَكُون إِمَامًا أَبَدًا، وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: بِحَسْبِ المَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِىٍّ يَقُولُ: لا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لروايته إيَّاه، وإن لم يتعمَّدُه، ولا عرف أنه كذب. وهو أقوى فى الحجة للأشعرية فى أنه لا يشترط فى الكذب العمدُ، من دليل خطاب الحديث المتقدَّم. وأما حديثه الآخر الذى ذكر مسلم أوَّل الفصل من حديث سمرة والمغيرة: " من حَدَّث عنى حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " فَبيّنُ المعنى، لأنه مُحدّثٌ عنه- عليه السلام- بما يقطع أو يغلبُ على ظنه باطله، والمحدّثُ بمثل هذا عنه مُفْتَرٍ عليه، وكمتعمد الكذب عليه، مرتكب لما نهى عنه فهو أحدُ الكاذبين. قال أبو جعفر الطحاوى: هو داخل فى وعيد الحديث فيمن كذب على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1). قال أبو عبد الله الحاكم: هذا وعيد للمحدّث إذا حدّثَ بما يعلم أنه كذبٌ وإن لم يكن هو الكاذب. قال القاضى: وكيف لا يكون كاذباً وهو داخل تحت حدّ الكاذب. وكلامه داخل تحت حدّ الكَذِب، والرواية فيه عندنا: " الكاذِبين " على الجمع. ¬

_ (¬1) قال: لأنا وجدنا الله تعالى قد قال فى كتابه: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف: 169]. فوجدناه تعالى قد أخبر أن ذوى الكتاب مأخوذٌ عليهم ألَّا يقولوا على الله إلا الحق، وكان ما يأخذونه عن الله تعالى هو ما يأخذونه عن رسله- صلوات الله عليهم أجمعين- إليهم، فكان فيما أخذه الله تعالى عليهم ألا يقولوا على الله إلا الحق، كان الحق ها هنا كهو فى قوله تعالى: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وكل من شهد بظن فقد شهد بغير الحق، إذ كان الظن كما قد وصفه الله تعالى فى قوله: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36]. وفى ذلك إعلامه إيانا أن الظن غير الحق، وإذا كان من شهد بالظن شاهداً بغير الحق كان مثله من حدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالظن يحدث عنه بغير الحق، والمحدث عنه بغير الحق يحدث عنه بالباطل، والمحدث عنه بالباطل كاذب عليه، كأحد الكاذبين الداخلين فى قوله- عليه الصلاة والسلام-: " من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " مشكل 1/ 176.

وحدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ مُقَدَّمٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ؛ قَال: سَأَلنِى إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: إِنِّى أَرَاكَ قَدْ كَلِفْتَ بِعِلْمِ القُرْآنِ، فَاقْرَأْ عَلىَّ سُورَةً، وَفَسِّرْ حَتَّى انْظُرَ فِيمَا عَلِمْتَ. قَال فَفَعَلتُ. فَقَالَ لِىَ: احْفَظْ عَلىَّ مَا أَقُول لَكَ، إِيَّاكَ وَالشَّنَاعَةَ فِى الحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَلمَا حَمَلهَا أَحَدٌ إِلا ذَلَّ فِى نَفْسِهِ، وَكُذِّبَ فِى حَدِيثِهِ. وَحَدّثَنِى أَبُو الطِّاهِرِ وَحَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِى يُونسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عبد الله بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ عَبدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَال: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلغُهُ عُقُولهُمْ، إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر قول إياس بن معاوية: " إنى أراكَ كلفْتَ (¬1) بهدا العلم "، ورويناه من طريق الطبرى: " عَلِقْتَ " لكن وقع عند الخشنى عنه بضم اللام، وهو وهم، وصوابه كسر اللام فى الحرفين، ومعنى " كَلِفْتَ " أى: ولِعت به (¬2). حكاه صاحب العين. قال ابن دريد: كلِفَ بالشىء أحبَّه، وهو معنى علقْتَ أيضاً، والعلاقة الحبُّ، قال صاحب الأفعال: علق الشىء بالشىء والحبّ بالقلب، وعلقت أفعل كذا، أى: أدمته، كله بكسر اللام. وقوله: " إياك والشناعةَ فى الحديث " معناه: أن يأتى منه بما يُنكَرُ ويقبح (¬3) الحديث عنه، يقال: شنَعتُ بالشىء، أى أنكرتُه- بكسر النون- وشَنُع الشىء- بضمها- قبُحَ وشَنَّعْتُ على الرجُلِ إذا ذكرت عنه قبيحاً (¬4). حذَّره بهذا أن يُحدث بالأحاديث. المنكرة التى يشنع بها الحديث [وينكر ويقبح] (¬5) على صاحبه فيُكذَّبُ ويُسْترابُ (¬6) فتسقط منزلتُه، ويذل فى نفسه، كما قال فى آخر الخبر. ¬

_ (¬1) فى نسخ الصحيح: قد كلفت. (¬2) فى اللسان: ويقال: كلِفْتُ بهذا الأمر، أى: أولِعتُ به، وفى الحديث: " اكلفوا من العمل ما تُطيقون "، قال: هو من كلِفْتُ بالأمرِ إذا أولِعْتُ به وأحببته. (¬3) فى الأصل: ويصح، وهو سبق قلم من الناسخ. (¬4) والشَّناعة الفظاعة- قاله فى اللسان، وقال: شَنُع الأمرُ أو الشىء شناعَة وشنَعْاً، وشُنْعًا، وشُنوعاً قَبُح، فهو شنيع، والاسم الشُّنْعَةُ، وأمر أشنع وشنيع: قبيح، وشَنَّعَ عليه تشنيعاً قبَّحه، وشَنع بالأمر شُنْعًا واستشنعه رآه شنيعاً، وتشنَّع القومُ قبح أمرُهم باختلافهم واضطراب رأيهم. قال: وقد استشنعَ بفلان جهله خفَّ. انتهى. قلتُ: فلا مانع من أن يكون المراد التحذير من الاستخفاف به أيضاً والفظاعة فى نقله وروايته. (¬5) فى الأصل رسمت هكذا: مما ولينكر ولقبحُ. (¬6) فى الأصل: ويستهزأ به، وما أثبتناه من ت، وهو الأليق بالسياق.

(4) باب النهى عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فى تحملها

(4) باب النهى عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فى تحملها 6 - (6) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدٍ، قَال: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ، قَال: حَدَّثَنِى أَبُو هَانِئ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: " سَيَكُونُ فِى آخِرِ أُمَّتِى أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لم تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ". 7 - (7) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِىُّ، قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: حَدَّثَنِى أَبُو شُرَيْحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ شَرَاحِيلَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ فِى آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لا يُضِلونَكُمْ وَلا يَفْتِنُونَكُمْ ". وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المُسَّيْب بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبَدَةَ، قَال: قَال عَبْدُ اللهِ: إِنَّ الشَّيْطَانَ ليَتَمَثَّلُ فِى صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأتِى القَوْمَ فَيُحَدِّثَهُمْ بِالحَدِيثِ مِنَ الكَذِبِ. فَيَتَفَرَّقُونَ. فَيَقُول الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلاً أَعْرِفُ وَجْهَهُ، ولَا أَدْرِى مَا اسْمُهُ، يُحَدِّثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " دجالون كذابون ": قال ثعلب: كل كذّاب دجال، وبه سُمى الدَجَّال لتمويهه على الناس وتلبيسه، يقال: دجَل، إذا موه ولبَّس، ودجَل فلانُ الحقَّ بباطِلِه، أى غطّاه. وقال أيضاً: سُمى بذلك لضربه فى الأرض وقطعه نواحيها، يقال: دجَل الرجُل- بالفتح والضم- إذا فعل [لمثل] (¬1) ذلك. وقال مسلم: " حدثنى (¬2) أبو سعيد الأشج [قال] (¬3): حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن عامر بن عَبَدة ". أكثر رواة مسلم يقولونه: عبد، بغير هاء (¬4)، والصواب إثباتها، وكذا نبَّهنا عليها الحافظ أبو على وغيره من متقنى شيوخنا، وكذا قرأته فى الأم على ابن أبى جعفر، وكذا ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى النسخ المطبوعة: وحدثنى. (¬3) ساقطة من ت، وعدم ذكرها لا يلغى وجودها. (¬4) لم نصل إلى شىء من تلك النسخ.

وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ؛ قال: إِنَّ فِى البَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً أَوْثَقَهَا سُليْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلى النَّاسِ قُرآناً. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَال سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَن طَاوسٍ؛ قَالَ: جَاءَ هَذَا إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره الجيانى، وهو قول الحفاظ: أحمد بن حنبل، وابن المدينى وابن معين، والدارقطنى، وعبد الغنى بن سعيد (¬1) وغيرهم، ثم اختلفوا فى فتح الباء وإسكانها. فروينا عن على بن المدينى (¬2) ويحيى بن معين، وأبى مسلم المستملى، الفتح، وهو الذى حكاه عبد الغنى فى كتابه (¬3)، وكذا وجدته بخط شيخنا [القاضى] (¬4) الشهيد مُتْقَناً فى تاريخ البخارى (¬5)، روينا الإسكان عن أحمد بن حنبل وغيره، وبالوجهين ذكره الدارقطنى فى مؤتلفه، وقيَّده ابن ماكولا فى إكماله والفتح أشهر، وكذا رويناه عن أبى على الطبرى. وذكر مسلم قول عبد الله بن عمرو بن العاص فى خبر الشياطين وأنه " يوشِك أن ¬

_ (¬1) سبق الحديث عنهم خلا عبد الغنى بن سعيد، وهو عبد الغنى بن سعيد بن على بن سعيد بن بشر بن مروان، الإمام الحافظ، الحجة النسابة، محدث الديار المصرية، كان من كبار الحفاظ. قال البرقانى: " سالتُ الدارقُطنىَّ لما قَدمَ من مصر. هل رأيتَ فى طريقكَ من يفهمُ شيئاً من العلم؟ قال: ما رأيتُ فى طول طريقى إلا شاباً بمصر يقال له: عبد الغنى، كأنه شُعلة نارٍ، وجعل يفخمَ أمره، ويرفعَ ذِكْرَه ". وفيات الأعيان 3/ 224، المنتظم 7/ 291، سير 17/ 269. قلت: رحمهم الله كانوا مشغولين بصلاح الأوطان، وكان صلاحها عندهم بظهور الرواية فيها وضمان بقائها عند أهلها. قال الذهبى: " لعبد الغنى جزءٌ فيه أوهام كتاب " المدخل إلى الصحيح " للحاكم، يدل على إمامته وسعة حفظه ". سير 17/ 270. ترك أبو ذر الهّرَوى الرواية عنه لاتصاله ببنى عُبيد- الفاطميين- توفى سنة تسع وأربعمائة. (¬2) زيد بعدها فى ت لفظة: " وغيره "، ولا وجه لها هنا. (¬3) يعنى به أحد كتابين هامين له، إما " المؤتلف والمختلف " وإما " مشتبه النسبة " وكلاهما مخطوط. راجع مواطنها فى تاريخ التراث العربى 1/ 1/ 460. (¬4) من ت. (¬5) التاريخ الكبير 6/ 452، قال: عامر بن عبدَةَ أبو إياس البجلى " يعدُ فى الكوفيين. كذا ذكره ابن حبان فى " الثقات " 5/ 189، والحافظ فى التهذيب 5/ 78، قال: ابن عبَدَةَ، بفتح الباء وقيل بسكونها، البجلى أبو إياس الكوفى، روى عن ابن مسعود، وعنه المسيب بن رافع، قال النسائى فى الكنى: أبو إياس عامر بن عبد الله ويقال ابن عبدة. قلت: ذكر ابن ماكولا أنه روى عنه أيضاً أبو إسحاق السبيعى، وحكى ابن أبى حاتم عن ابن معين توثيقه. قال أبو بشر الدولابى: " سمعت العباس بن محمد قال: قال ابن معين- عامر بن عَبدَة- يعنى التحريك. وقال ابن عبد البر فى كتاب الاستغناء فى الكنى: أبو إياس عامر بن عَبدَة، تابعى ثقة، ثم غفل فذكره فى الصحابة. وانظر الإكمال 6/ 30. =

- يَعْنِى بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ - فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، فَقَالَ لهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا. فَعَادَ لهُ. ثُمَّ حَدَّثَهُ. فَقَالَ لهُ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذا. فَعَادَ لهُ. فَقَالَ لهُ: مَا أَدْرِى، أَعَرَفْتَ حَدِيثِى كُلَّهُ وَأَنْكَرْتَ هَذَا؟ أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِى كُلهُ وَعَرَفْتَ هَذَا. فَقَالَ لهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يخرج فيقرأ للناس قرآناً ". قد حفظ الله كتابه، وضمن ذلك فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬1). وقد ثبت القرآن ووقع عليه الإجماع، فلا يزاد فيه حرف ولا ينقُص حرف وقد رام (¬2) الروافض والملحدة ذلك فما يمكن لهم، ولا يَصحُّ أن يقبل مسلم من أحدٍ قرآناً يدعيه مما ليس بين الدفتين، فإن كان لهذا الخبر أصل صحيح (¬3) فلعله يأتى بقرآن فلا يقبل منه كما لم يقبل ما جاءت به القرامطة (¬4) ومسيلمة وسجاح وطليحةُ وشبههم، أو يكون أراد بالقرآن ما يأتى به ويجمعه من أشياء يذكرها، إذ أصل القرآن الجمعُ، سمى بذلك لما يجمعه من القصص ¬

_ = قلت: ما ذكره الدولابى عن ابن معين غير ذلك، قال: قال يحيى بن معين: أبو إياس البجلى عامر ابن عبدة يروى الأعمش عن رجل عنه، وكذا نقل عن أحمد. (¬1) الحجر: 9. (¬2) فى الأصل: زام. (¬3) قلت: الخبر رجاله ثقات. (¬4) حركة باطنية هدامة، بدأت بعبد الله بن ميمون القداح الذى نشر المبادئ الإسماعيلية فى جنوب فارس سنة (260 هـ)، اعتمدت التنظيم السرى العسكرى، ظاهرها التشيع لآل البيت، والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بنى جعفر الصادق، وحقيقتها الإلحاد، والشيوعية والإباحية، وهدم الأخلاق، والقضاء على الدولة الإسلامية. سميت بهذا الاسم نسبة إلى حمدان قرمط بن الأشعث الذى نشرها فى سواد الكوفة سنة (278 هـ). التف القرامطة بالبحرين حول الحسن بن بهرام- ويعرف بأبى سعيد الجنابى- الذى سار إلى البصرة سنة (283 هـ) فهزم بها. وقام بالأمر بعده ابنه سليمان، ويعرف بأبى طاهر، وقد استولى على كثير من بلاد الجزيرة العربية، ودام ملكه فيها 30 سنة، ويعتبر مؤسس دولة القرامطة الحقيقى، بلغ من سطوته أن دفعت له حكومة بغداد الإتاوة. ومن أعماله الرهيبة أنه: فتك بالحُجّاج حين رجوعهم من مكة، ونهبوهم، وتركوهم ضاحين إلى أن هلكوا فى القفر. ملك الكوفة ستة أيام، استحلها أيام المقتدر (259: 320 هـ). هاجم مكة عام (319 هـ) وفتك بالحجاج، وهدم زمزم، وملأ المسجد بالقتلى، ونزع الكسوة، وقلع باب البيت العتيق، واقتلع الحجر الأسود وسرقه إلى الأحساء، وبقى الحجر هناك عشرين سنة إلى عام (339 هـ). ومن عقائدهم: - إبطال القول بالمعاد والعقاب، وأن الجنة هى النعيم فى الدنيا، والعذاب هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد. - يقول بالعصمة، وأنه لا بد فى كل زمان من إمام معصوم يُؤَوّل الظاهر، ويساوى النبى فى العصمة. - وأن الصيام هو الإمساك عن كشف السر. - وأن النبى عبارة عن شخص فاضت عليه من الإله الأول بقوة التالى قوة قدسية صافية. - وأن القرآن هو تعبير محمد عن المعارف التى فاضت عليه، ومركب من جهته، وسمى كلام الله مجازاً. الموسوعة الميسرة 395 - 379.

ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذ لمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَليْهِ، فَلمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلول، تَرَكْنَا الحَدِيثَ عَنْهُ. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظُ الحَدِيثَ، وَالحَدِيثُ يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَّا إِذْ رَكِبْتُمْ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلولٍ، فَهَيْهَاتَ. وَحَدَّثَنِى أَبُو أَيُّوبَ سُليْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الغَيْلانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - يَعْنِى العَقَدِىَّ - حَدَّثَنَا رَبَاحٌ عَنْ قَيْسِ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَال: جَاء بُشَيْرٌ العَدَوِىُّ إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ. فَجَعَل يُحَدِّثُ وَيَقُول: قَال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَعَل ابْنُ عَبَّاسٍ لا يَأذَنُ لِحَدِيثِهِ وَلا يَنْظُرُ إِليْهِ. فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَالى لا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِى؟ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلا تَسْمَعُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُول: قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِليْهِ بِآذَانِنَا، فَلمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلول، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلا مَا نَعْرِفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والأمر والنهى والوعد والوعيد، وكل شىء جمعته فقد قرأتَه (¬1). وقوله: " يوشك ": أى (¬2) يقرُب ويسرع، والوَشك السرعةُ بالفتح، وحكى بعضُهم الكسر، وأنكره الأصمعى. وذكر قول ابن عباس: " فلما رَكب الناس الصعبَ والذلول " وقوله [أيضاً] (¬3): " ركبتم كل صعب وذلول فهيهات .. " هذا مثل، وأصله فى الإبل، أى: سلكوا كل مسلك من الحديث مما تُحمَدُ وترضى سلوكه. كالذلول من الإبل المستحسن الركوب، ومما ينكر ويشق سلوكه كالصعب منها. ومعنى " هيهات ": أى ما أبعد استقامة أمركم، أو فما أبعد أن نثق بحديثكم (¬4) ونسمع منكم ونُعول على روايتكم، يقال (¬5): هيهاه، بالهاء أيضاً، وهذه الكلمةُ موضوعة للإبعاد للطلب واليأس منه، ومن الناس من يكسر تاءها فى الوصل ويقف عليها بالتاء، ومن فتحها وقف عليها [ها] (¬6)، قال الله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا ¬

_ (¬1) ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أى: جمعه وقراءته، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه} [القيامة: 17، 18] أى: قراءته. قال ابن عباس- رضى الله عنهما-: " فإذا بيناه لك بالقراءة فاعمل بما بيناه لك ". تفسير القرآن العظيم 8/ 303. (¬2) فى المخطوطة: أن، والصواب ما أثبتناه. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) فى الأصل: حديثكم. (¬5) فى الأصل: ويقال. (¬6) من ت.

حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُليْكَةَ؛ قَال: كَتَبْتُ إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلهُ أَنْ يَكْتُبَ لِى كِتَابًا وَيُخْفِى عِنِّى. فَقَالَ: وَلدٌ نَاصِحٌ، أَنَا أَخْتَارُ لهُ الأُمُورَ اخْتِيَارًا وَأُخْفِى عَنْهُ. قَال: فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلىٍّ. فَجَعَل يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ، وَيَمُرُ بِهِ الشَىْءُ فَيَقُول: وَاللهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلىٌّ إِلا أَنْ يكُونَ ضَلَّ. حَدَّثَنَا عَمْرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ؛ قَال: أتَي ابْنُ عَبَّاسٍ بِكِتَابٍ فِيهِ قَضَاءُ عَلِىٍّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - فَمَحَاهُ، إِلا قَدْرَ، وَأَشارَ سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِذِرَاعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تُوعَدُونَ} (¬1)، ويقال: أهيهات، بالهمز [أيضاً] (¬2) بفتح الهمزة وكسرها [معاً] (¬3)، وقد جاء فى الكتاب بعد هذا فى حديث المرأة والمزَادتين: " أيأت أيأت " بهمزة مكان الهاء الثانية (¬4). وقوله: " فجعل لا يأذن لحديثه " أى: لا يستمع، ومنه {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (¬5) أى: سمعت، ومنه سُمَيت الأذن. وذكر مسلم عن ابن أبى مليكة: " كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب إلىَّ كتاباً ويُخْفِى عنى "، ثم قال ابن عباس فى الخبر: " أختارُ له الأمور اختياراً وأخفى عنه " هكذا روينا الحرفين عن جميع شيوخنا بالحاء المهملة (¬6)، إلا عن أبى محمد الخشنى (¬7)، فإنى قرأتُها عليه بالخاء المعجمة، وكان أبو بحر (¬8) يحكى لنا عن شيخه القاضى أبى الوليد الكنَّانى أن صوابه بالخاء المعجمة، ومعناه عندى (¬9) أى: لا تحدثنى بكل ما رويته، ولكن أخف بعضه عنى مما لا أحتمله ولا تراه صواباً، ويدل عليه قوله: " أختار له "، ويظهر لى أن رواية الجماعة هى الصواب، وأن معنى أحفى أى انقص، من إحفاء الشوارب وهو جَزُّها، ومنه قولهم فى قوله [أحفا أى] (¬10): نقص (¬11)، أى أمسك عنى من حديثك ¬

_ (¬1) المؤمنون: 36. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) من ت. (¬4) هى مكان الهمزة الأولى فى جميع النسخ التى تيسرت لنا " قالت أيهاه أيهاه " ك المساجد ومواضع الصلاة، ب 155/ 475 ولفظه: " فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين، فقلنا لها: أين الماء؟ قالت: أيهاه أيْهَاهُ، لا ماء لكم. قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة ". ولعل ما ذكره القاضى مع هذا التحديد منه له يكون رواية صحيحة لهذه اللفظة فى هذا الحديث. وقول القاضى لا مستند له غير الرواية التى لم تصلنا من غير نسخته للصحيح، وما ذكره أهل اللغة كابن الأنبارى وابن جنى فى هيهات لا يصبح سنداً لرأى القاضى. (¬5) الانشقاق: 2. (¬6) أى: " ويحفى عنى .. وأحفى عنه ". (¬7) هو الفقيه أبو محمد عبد الله بن أبى جعفر الخشنى، سبق. (¬8) هو سفيان بن العاصى الأسدى، سبق. أما شيخه فلم أهتد له. (¬9) فى ت: عنده. (¬10) سقط من ت. (¬11) فى ت: تَنقَص.

حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِىِّ الحُلوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ؛ قَال: لمَّا أَحْدَثُوا تِلْكَ الأَشْيَاءَ بَعْدَ عَلىٍّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَال رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ علىٍّ: قَاتَلهُمُ اللهُ، أَىَّ عِلمٍ أَفْسَدُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تكثر على، ويكون الإحفاء الإلحاح والاستقصاء، ويكون عنى بمعنى علىَّ، أى استقص ما تحدثنى به وتجلد علىَّ ومن أجلى (¬1)، وحكى المفجّعُ (¬2) اللغوى فى " المنقذ ": [أحفى] (¬3) فلان على فلان فى الكلام إذا أربى عليه وزاده. وفى [هذا] (¬4) الحديث: " ولد ناصح " ووقع عند العذرى: " ولك ناصح "، وهو تصحيف. وذكر مسلم عن بعض أصحاب على قاتلهم الله: " أىَّ علمٍ أفسدوا ". أشار إلى ما أدخلته الروافض [والشيَعُ] (¬5) فى علم علىّ- رضى الله عنه- وحديثه، وتقولوه من الأباطيل، وإضافته (¬6) إليه من الروايات المفتعلة [عليه] (¬7) حتى خلطت الحق بالباطل والخطأ بالصواب ولم يتميَّز. وقوله: " ما قضى بهذا علىُّ إلا يكون ضلَّ ": المعنى: أنه لا يقضى به إلا ضال وعلىٌّ غير ضال فلا تصَحَّ (¬8) أن يكون قضى به، لا أنه حكم بضلاله [إن صَحَّ أنه قضى به] (¬9) أو يكون الضلال هنا بمعنى الخطأ كما قال: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} (¬10) ¬

_ (¬1) قال صاحب مطالع الأنوار، بعد أن ساق كلام القاضى: " وفى هذا نظر، وعندى أنه بمعنى المبالغة فى البر بِه، والنصيحة له من قوله تعالى. {كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47] أى: أبالغ له وأستقصى فى النصيحة له والاختيار فيما ألقى إليه من صحيح الآثار ". وذهب ابن الصلاح إلى أن ما قال به القاضى هنا تكلف ليست فيه رواية متصلة الإسناد تضطر إلى قبوله. قال: " هما بالخاء المعجمة، أى: يكتُمُ عنى أشياءً ولا يكتبها إذا كان عليه فيه مقال من الشيع المُختلفة وأهل الفتن، فإنَّه إذا كتبها ظهرت، وإذا ظهرت خولف فيها وحصَل فيها قال وقيل، مع أنها ليست مما يلزم بيانُها لابن أبى مُليْكَةَ، وإن لزم فيمكن ذلك بالمشافهة دون المكاتبة ". قال. " وقوله: " ولدُ ناصح " مُشْعِرُ بما ذكرتُه. وقوله. " أنا أختار له وأخفى عنه " إخبار منه بإجابته إلى ذلك، وليس استنكاراً له فى ضمن استفهام محذوف حرفُه ". صيانة صحيح مسلم: 120. (¬2) هو محمد بن أحمد بن عبد- أو عبيد- الله البصرى الأديب الشاعر، النحوى أبو عبد الله الشيعى صحب ثعلباً، وكتابه " المنقذ " المشار إليه هنا هو " المنقذ فى الإيمان " كما ضبطه البغدادى فى هدية العارفين 2/ 31، وذكره الكحالة بلفظ: " المنقذ من الإيمان ". معجم المؤلفين 8/ 279. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بسهم على الهامش. (¬4) من ت. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) فى ت بغير الواو. (¬7) ساقطة من ت. (¬8) فى الأصل: يصلح. (¬9) سقط من ت. (¬10) الشعراء: 20.

حَدَّثَنَا عَلىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ - يَعْنِى ابْنَ عَيَّاشٍ - قَال: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ يَقُول: لَمْ يَكُنْ يَصْدُقُ عَلى عَلىٍّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - فِى الحَدِيثِ عَنْهُ، إِلا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أى: المخطئين، وقيل: [من] (¬1) الناسِ. ¬

_ (¬1) من ت.

(5) باب بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب، وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذب عن الشريعة المكرمة.

(5) باب بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب، وأنه ليس من الغيبة المحرّمة، بل من الذبّ عن الشريعة المكرّمة. حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَحَدَّثَنَا فُضَيْلٌ عَنْ هِشَامٍ، قَال: وَحَدَّثَنَا مَخْلدُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ؛ قَال: إِنَّ هذَا العِلمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُونَ دِينَكُمْ. حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِم الأَحْوَلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مسلم: " حدثنا حسن (¬1) بن الربيع، ثنا حماد بن زيد عن أيوبَ وهشامٍ، عن محمد. وحدثنا فضيل عن هشام، وحدثنا (¬2) مخلد بن حسين عن هشام ". هشام أولاً مخفوض معطوف على أيوب، والقائل ثنا فضيل وثنا مخلد هو حسن (¬3) ابن الربيع، وفضيل هذا هو (¬4) ابن عياض الزاهد (¬5)، وهشام هو الدستوائى (¬6)، ومحمد ¬

_ (¬1) فى ت: حسين، وهو وَهْم أو تصحيف. (¬2) قيد قبلها بالنسخ المطبوعة: قال. (¬3) فى ت: حسين. (¬4) تكررت فى الأصل خطأ. (¬5) هو الإمامُ القدوةُ، الثَّبْتُ، شيخُ الإسلام، أبو على، التميمى، اليربوعى، الخراسانى. ولد بسمرقند، وارتحل فى طلب العلم، فكتب بالكوفة عن الأعمش، وليث، وهشام بن حسان، ويحيى بن سعيد الأنصارى، وجعفر الصادق، وحميد الطويل، وخلق سواهم من الكوفيين، والحجازين. حدث عنه ابن المبارك، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، وابن عيينة، والأصمعى، وعبد الرزاق، والشافعى، ومسدد، وبشر الحافى، وخلق كثير. قال فيه العجلى: كوفى ثقة، متعبد. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال الدارقطنى: ثقة. مات بمكة المكرمة أول سنة سبع وثمانين ومائة. التاريخ الكبير 7/ 123، التاريخ الصغير 2/ 241، الجرح والتعديل 7/ 73، سير 8/ 422. (¬6) هو الحافظ الحجة الإمام، الصادق، أبو بكرُ هشام بن أبى عبد الله البصرى، نسب إلى الثياب الدَّستوائية، كان يتجر فيها، ودُسْتو بُليدَة من أعمال الأهواز. حدث عن يحيى بن أبى كثير، وقتادة، وحماد الفقيه، ومطر الوراق، ومعمر بن راشد، وحدث عنه شعبة، وابن المبارك، ويحيى القطَّان ووكيع، وعبد الرحمن بن مهدى. قال فيه شعبة: كان هشام الدَّستوائى أحفظ منى عن قتادة. وقال ابن معين: كان يحيى القطان إذا سمع الحديث من هشام الدستوائى لا يبالى بسمعه من غيره. وفيه يقول أبو داود الطيالسى: كان هشام الدستوائى أمير المؤمنين فى الحديث. مات سنة اثنتين وخمسين ومائة. الطبقات الكبرى 7/ 279، طبقات خليفة 221، التاريخ الكبير 8/ 198، سير 7/ 149.

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ؛ قَال: لمْ يَكُونُوا يَسْألونَ عَنِ الإِسْنَادِ. فَلمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ، قَالوا: سَمُّوا لنَا رِجَالكُمْ. فَيُنْظَرُ إِلى أَهْلِ السُّنَةِ فَيُؤُخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلى أَهْلِ البِدَعِ فَلا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الذى حدث عنه أولاً هو ابن سيرين (¬1) وهو المفسَّرُ فى حديث فضيل ومخلد (¬2). وقوله: " وينظر إلى أهل البدع (¬3) فلا يؤخذ حديثهم " مع ما ذكره عن السلف والأئمة من مثل هذا، يؤيد ما قلناه فى ترك حديثهم، خلاف ما حكاه الغسَّانى من الاتفاق على قبوله إذا لم يكونوا دُعاةً ولا غلاة، وظهر صدقهم، وقد ذكرنا أن أبا عبد الله بن البيع ذكرهم فى القسم الخامس. قال القاضى: وإلى قبول روايتهم وشهادتهم مال الشافعى، وقال مالك: لا يؤخذ الحديث عن صاحب هوى يدعو إلى هواه، فانظر اشتراطه الدعاء، هل هو ترخيص فى الأخذ عنه إذا لم يدْع، أو أن البدعة سبب لتُهمته أن يدعو الناس إلى هواه، أى لا تأخذوا عن ذى بدعة فإنه ممن يدعو إلى هواه؟ أو أن هواه يحمله أن يدعو إلى هواه فاتهمه (¬4) لذلك، وهذا المعروف من مذهبه، وقد تأول الباجى أن معنى يدعو يظهرها ويحقق (¬5) عليه، فأما من دعا فلم يُخْتَلف فى ترك حديثه، وقد ذمَّ مسلم بعد هذا الرواية عنهم. وأما القاضى أبو بكر الباقلانى (¬6) فى طائفة من المحققين من الأصوليين والفقهاء ¬

_ (¬1) هو الإمامُ شيخ الإسلام، مولى أنس بن مالك، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. سمع أبا هريرة، وعمران بن حُصين، وابن عباس، وابن عمر، وخلقاً سواهم. روى عنه قتادة، وأيوب، وسعيد بن أبى عروبة، وخالد الحذَّاء، وجرير بن حازم. قال النضرُ بن شُمَيْل عن ابن عون: ثلاثة لم تر عيناى مثلهم، ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام، كأنَّهم التقوا فتواصوا. مات سنة عثسر ومائة. سير 4/ 606. والخبر أخرجه ابن سعد فى الطبقات 7/ 194، وأبو نعيم فى الحلية 2/ 278. (¬2) ومِخْلد بن الحسين هو الإمام الكبير أبو محمد الأزدى، المهلبى، البصرى. حدَّث عن موسى بن عقبة، وهشام بن حسان، ويونس بن يزيد، والأوزاعى وعدَّة. حدَّث عنه الحسن بن الربيع، وحجاج بن محمد، وموسى بن أيوب، وآخرون. قال فيه العجلى: هو ثقة، رجل صالح عاقل. وقال أبو داود: كان أعقل أهل زمانه توفى سنة إحدى وتسعين ومائة وقيل: سنة ست وتسعين. الطبقات الكبرى 7/ 489، الجرح والتعديل 8/ 347، تهذيب التهذيب 10/ 72. (¬3) البدعة: هى الطريقة المخترعة التى ليس لها سند من كتاب أو سنة، أو ما استنبط منهما. الميزان بين السنة والبدعة: 5، راجع. رسالة البدعة لشيخنا الدكتور عزت على، والبدعة والمصالح المرسلة لشيخنا الدكتور توفيق الواعى. (¬4) فى ت: ونتهمه. (¬5) فى ت: بحقق. (¬6) هو محمد بن الطيب المعروف بالباقلانى، البصرى، المتكلم، المشهور، كان على مذهب أبى الحسن الأشعرى، ومؤيداً اعتقاده، وناصراً طريقته انتهت إليه الرياسة فى مذهبه توفى سنة ثلاث وأربعمائة. وفيات الأعيان 4/ 269.

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عِيسى، وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ مُوسَى، قَال: لقِيتُ طَاوُسًا فَقُلْتُ: حَدَّثَنِى فُلانٌ كَيْتَ وَكَيْتَ. قَال: إِنْ كَانَ صَاحِبُكَ مَلياً فَخُذْ عَنْهُ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّد الدَّمَشْقِىَّ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ مُوسَى؛ قَال: قُلْتُ لطَاوُسٍ: إِنَّ فُلاناً حَدَّثَنِى بِكَذَا وَكَذَا: قَال: إِنْ كَانَ صَاحِبُكَ مَلياً فَخُذْ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمحدثين من السلف والخلف فأبوا قبول خبر المبتدعَة والفساق المتأولين، ولم يعذروهم بالتأويل، وقالوا: هو فاسق بقوله، فاسق بجهله، [فاسق] (¬1) ببدعته، فتضاعف فِسْقُه، وعلى هذا وقع خلاف الفقهاء فى شهادتهم. فقبلها الشافعى وابن أبى ليلى وردَّها مالك وغيره (¬2). وكذلك لا يشترط فيمن دعا إلى بدعته ما ذكره الغسانى من افتعاله الحديث وتحريفه الرواية لنصرة مذهبه، فإن هذا يثبت (¬3) كذبه وطرح قوله ولو لم يكن ذا بدعة، ومن شُهِرَ بالبدعة اتهمناه أن يفعل هذا وإن لم يفعله لثبوت فِسقه ببدعته. [و] (¬4) قال مالك: لا يؤخذ الحديث عن أربعة، ويؤخذ عمن (¬5) سواهم: رجل مُعلن بفسقِه- وإن كان أروى الناس- ورجل يكذبُ فى أحاديث الناس- وإن كنت لا تتهمه على حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحب بدعة يدعو إلى بدعته، ورجل له فضل لا يعلم ما يحدث به. ذكر مسلم عن طاوس: " إن كان صاحبك مليئاً فخذ عنه ": يريدُ: ثقة يعتمد على ما عنده، فهو كالملىء الذى يُعتمد مُعَامِلهُ ومودِعُهُ على ما فى أمانته وذمته؛ لأن هذا بِمَلأته (¬6) فى ثقته ودينه مثله فى ماله (¬7). ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) من ردها شريك، وإسحاقُ، وأبو عُبيد، وأبو ثور. قال شريك: أربعة لا تجوز شهادتُهم، رافضىّ يَزْعُمُ أنّ له إماماً مفتَرضَةً طاعَته، وخارجىٌّ يزعُم أن الدنيا دارُ حرب، وقدرىٌّ يزعُمُ أن المشيئَةَ إليه، ومرجئ. ووجه قول من أجازَ شهادَتهم أنه اختلاف لم يخرجهم عن الإسلام، أشبه الاختلاف فى الفروع؛ ولأن فسقهم- ببدعتهم- لا يدل على كذبهم لكونهم ذهبوا إلى ذلك تديناً واعتقاداً أنه الحقُّ، ولم يرتكبوه عالمين بتحريمه، بخلاف فسق الأفعال، إذ الفسوق نوعان: أحدهما: من حيث الأفعال، وهذا لا خلاف فى رد شهادته، والثانى: من جهة الاعتقاد وهو اعتقاد البدعة. راجع: المغنى 14/ 148. (¬3) فى ت: ثبت. (¬4) من ت. (¬5) فى ت: عن. (¬6) فى ت: ملائة. (¬7) أولُ ظهور لهذا المصطلح كان فى عصر التابعين، وذلك فى رواية هشام عن أبى أيوب عن أبى بن كعب حين قال: حدثنى الملىء عن الملىء، يريد بهما: الثقة الذى تعتمد عليه كما تعتمد على الملىء بالمال فى مداينته ومعاملته ويوثق به. إكمال المعلم.

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلىٍّ الجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِىُّ، عَنِ ابْنِ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: أَدْرَكْتُ بِالمَدِينَةِ مِائةً كُلهُمْ مَأمُونٌ، مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الحَدِيثُ. يُقَال: ليْسَ مِنْ أَهلِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ المَكِّىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ البَاهِلىُّ - وَاللفْظُ لهُ - قَال: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُييْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَال: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُول: لا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا الثِّقَاتُ. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ - مِنْ أَهْلِ مَرْو - قَال: سَمِعْتُ عَبْدَانَ بْنَ عُثْمَانَ يَقُول: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ يَقُول: الإِسْنَادُ مِنَ الدِينِ، وَلوْلا الإِسْنَادُ لقَال مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم " عن أبى الزناد (¬1) [قال] (¬2): أدركت بالمدينة مائةً كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله ". ليس يشترط فى رواية الثقة عندنا وعند المحققين من الفقهاء والأصوليين والمحدثين كون المحَدث من أهل العلم والفقه والحفظ وكثرة الرواية، ومجالسة العلماء، بل يشترط ضبطه لما رواه، إما من حفظه أو كتابه، وإن كان قليلاً [علمه] (¬3) إذ عُلِمَ من إجماع الصدر الأول قبول خبر العدل وإن كان أُميًّا (¬4)، وممن جاء بعدُ قبول الرواية من صاحب الكتاب ¬

_ (¬1) أبو الزناد هو: عبد الله بن ذكوان القرشى، روى عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز، والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير والشعبى، وعنه مالك وابن عيينة وموسى بن عقبة والثورى والليث. مات سنة ثلاثين ومائة. قال فيه ابن معين: ثقة، وقال العجلى: مدنى تابعى ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة فقيه، صالح الحديث، صاحب سنة، وهو ممن تقوم به الحجة. إذا روى عن الثقات. تهذيب التهذيب 5/ 203، رجال مسلم 1/ 361. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فمعتمد الرواية الورع والضبطُ والتقوى. الموقظة: 87. قال ابن دقيق العيد: ولمعرفة كون الراوى ثقةً طرقٌ منها: - إيراد أصحاب التواريخ ألفاظ المزكّين فى الكتب التى صُنّفت على أسماء الرجال، ككتاب تاريخ البخارى وابن أبى حاتم وغيرهما. - تخريج الشيخين أو أحدهما فى الصحيح؛ إذ به تنزاح عنه الريبة ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته، وذلك إذا خرجا له فى الأصول. - تخريج من خرَّج الصحيح بعد الشيخين، ومن خرَّج على كتابيهما، إذا كان المُخرّج قد سمى كتابه بالصحيح، أو ذكر لفظاً يدل على اشتراطه لذلك. - أن يتتبع رواية من روى عن شخص فزكاه فى روايته، بأن يقول: حدَّثنا فلان وكان ثقة مأموناً. قال ابن دقيق العيد. وهذا يوجد منه ملتقطات، يستفادُ بها ما لا يُستفادُ من الطرق السابقة، ويحتاج إلى عناية وتتبع. الاقتراح 327، مقدمة الفتح: 1/ 381.

وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنِى العَبَّاسُ بْنُ أَبِى رِزْمَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُول: بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ القَوَائِمُ - يَعْنِى الإِسْنَادَ. وَقَال مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالقَانِىُّ؛ قَال: قُلْتُ لعَبْدِ اللهِ ابْنَ المُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الحَدِيثُ الذِى جَاءَ: " إِنَّ مِنَ البِرِّ بَعْدَ البِرِّ، أَنْ تُصَلىَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاتِكَ، وَتَصُومَ لهُمَا مَعَ صَوْمِكَ ". قَال: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، عَمَّنْ هَذَا؟ قَال: قُلْتُ لهُ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاش. فَقَالَ: ثِقَةٌ. عَمَّنْ؟ قَال: قُلْتُ: عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ. قَال: ثِقَةٌ. عَمَّنْ؟ قَال: قُلْتُ: قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يحفظه والرواية عن الثقات، وإن [لم] (¬1) يكونوا أهل علم. وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم فى أقسام [الحديث] (¬2) الصحيح المختلف فيه رواية الثقات المعروفين بالسماع وصحة الكتاب غير الحفاظ ولا العارفين، قال: كأكثر محدثى زماننا قال. فهذا محْتَجٌّ (¬3) به عند أكثر أهل الحديث، قال: وإن لم يرَ ذلك مالك ولا أبو حنيفة. قال القاضى: والذى أقول: إن معنى قول ابن أبى الزناد هذا- وقد روى نحوه عن مالك وغيره-: إن هؤلاء لم يكونوا أهل ضبط لما رووه لا من حفظهم ولا من كُتُبِهم، أو قصدوا إيثار أهل العلم وترجيح الرواية عن أهل الإتقان والحفظ لكثرتهم حينئذ والاستغناء بهم عن سواهم، فأما [أن] (¬4) لا يقبل حديثهم فلا، وقد وجدنا هؤلاء رووا عن جماعة ممن لم يشتهر بعلم ولا إتقان (¬5). وذكر مسلم حديث: " إنّ من البر بعدَ البر أن تُصَلِى لأبويك مع صلاتِك وتصوم لهما مع صومك (¬6) " وكلام ابن المبارك فيه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) من ت. (¬3) فى ت: يحتج. (¬4) ساقطة من ت. (¬5) هذا القول لا يقبله أتباع مالك وأبى حنيفة. قال الذهبى فى الميزان فى ترجمة مالك بن الخير: قال ابن القطان: هو ممن لم تثبت عدالته، يريدُ أنه ما نصَّ أحدٌ على أنه ثقة، قال: وفى رواة " الصحيحين " عددٌ كثير ما علمنا أن أحداً نصَّ على توثيقهم. والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة، ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح. ميزان 3/ 426. وفيما نسبه الحاكم إلى مالك وأبى حنيفة فإنه قول غير مسلم، وسبق للقاضى أن ردَّ عليه فيما يخص المالكية فى ترتيب المدارك وجاوزه هنا، قال: وحكى بعضهم عنا أنا لا نقبل من الأخبار إلا ما صحبه عملُ أهل المدينة، قال: وهذا جهل أو كذب، لم يفرقوا بين قولنا بردّ الخبر الذى فى مُقابلته عملهم، وبين ما لا نقبل منه إلا ما وافقه عملهم. ترتيب المدارك 1/ 54. (¬6) فى ت: صيامك.

يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ بَيْنَ الحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاوِزَ، تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ المَطِىِّ، وَلكِنْ ليْسَ فِى الصَّدَقَةِ اِخْتِلافٌ. وَقَال مَحَمَّدٌ: سَمِعْتُ عَلىَّ بْنَ شَقِيقٍ يَقُول: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ يَقُول عَلى رُؤُوسِ النَّاسِ: دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلفَ. وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِى النَّضْرِ. قَال: حَدَّثَنِى أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ صَاحِبُ بُهَيَّةَ، قَال: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ القَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَ يَحْيَى للقَاسِمِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ قَبِيحٌ عَلَى مِثْلِكَ، عَظِيمٌ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ شَىءٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ، فَلا يُوجَدَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلمٌ، وَلا فَرَجٌ، أَوْ عِلمٌ وَلا مَخْرَجٌ. فَقَالَ لهُ القَاسِمُ: وَعَمَّ ذَاكَ؟ قَال: لأَنَّكَ ابْنُ إِمَامَىْ هُدًى، ابْنُ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَال: يَقُول له القَاسِمُ: أَقْبَحُ مِنْ ذَاكَ عِنْدَ مَنْ عَقَل عَنِ اللهِ، أَنْ أَقُول بِغَيْرِ عِلمٍ، أَوْ آخُذَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ. قَال: فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلف العلماء فيما يجوز أن يفعله [المرء] (¬1) عن غيره من أعمال البر البدنية، واتفقوا فى الأفعال الماليَّة من الصدقات، والعتق وشبهه أنها جائزة ماضيةٌ، وأجرى بعضهم الحجَّ هذا المجرى لعلةِ النفقة فيه، وكرِهه مالك ابتداء وأجازه فى الوصايا به، وأجمعوا على أنه لا يُصلى أحد عن أحد إلا شيئاً روى عن ابن عباس فى امرأة نذرت صلاة فقال لابنها: " صل عنها "، وكذلك اتفقوا فى الصيام ابتداءً، واختلفوا إذا كان نذراً أو واجباً على الميت، فالجمهور أنه لا يُصام عنه، واحتجوا بما ورد من ذلك فِى الحديث، وحجة الأول أن الأحاديث الواردة فى ذلك مضطربة الألفاظ ولم يجتمع فيها على ذكر الصوم، وسنزيدُ ذلك بياناً عند الكلام على الحديث فى كتاب الصوم، إن شاء الله تعالى. وذكر أبا عقيل صاحب بُهية، وأبو عَقيل هذا بفتح العين، واسمه يحيى بن المتوكل الضرير (¬2)، يُعرَف بِصاحب بُهيَّة، امرأةٍ روى عنها كانت تروى عن عائشة، وقد خرَّج عنها أبو داود وروى أَنَّ عائشة سمَّتْها بذلك، وضبط [اسمها بباء واحدة] (¬3) [مضمومة] (¬4) وهاءٍ مفتوحةٍ بعدها ياء التصغير. وذكر فى هذا الحديث قول يحيى للقاسم بن عبيد [الله] (¬5): لأنك ابن إمَامَى هُدًى، أبى بكر وعمر، وقال بعد هذا فى الحديث الآخر: يعنى عمر ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) المدنى، ويقال: الكوفى، روى عن أبيه وأمه أم يحيى، وبُهية، ويحيى بن سعيد الأنصارى، والقاسم ابن عبيد الله بن عبد الله بن عمر. عند الجميع ضعيف، وقال أحمد بن أبى يحيى: أحاديثهُ عن بُهيةَ منكرة، مات سنة سبع وستين ومائة. تهذيب 11/ 271. وبهيّة كذلك ليست بحجة. السابق 12/ 40. (¬3) فى الأصل: اسمها بواحدة. (¬4) ساقطة من ت. (¬5) من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن عمر. والقاسم هذا هو [ابن عُبيد الله بن عبد الله] (¬1) عمر بن الخطاب فهو ابنهما، وأما على قوله أبى بكر وعمر، فأم القاسم هذا هى أم عبيد (¬2) الله بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق، وباسم جده هذا لأمّه سُمى (¬3)، فأبو بكر جدُّه الأعلى لأمّه وعمر جَدُّه الأعلى لأبيه. وذكر مسلم عن جماعة من الأئمة التصريح بتجريح جماعة من الناس وبيان جرحهم، فأما وجه جواز هذا (¬4) فقد مرَّ، بل هو واجب كما ذكروه، وليس من باب الغيبة والأذى، إذ دعت إلى هذا الضرورة لحياطة الشريعة، وحماية الملة، ونصيحة الدين، كما نجيز تجريح الشهود [لمراعاة] (¬5). إقامة الحقوق ودفع الشبهات (¬6). ¬

_ (¬1) فى ت: أَبو عبيد الله بن، ولعله الصواب. (¬2) فى الأصل: عبد. (¬3) فى ت: يُسمى. (¬4) فى ت: الجرح. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) واشترطوا لتسويغ ذلك أن يقتصر الناصح فى ذكر العيوب على ما يُخلُّ بالأمر المسؤول عنه. جاء فى كتاب الفروق للقرافى: ويشترط فى هذا القسم- الغيبة التى لا تحرم أن تكون الحاجة ماسة لذلك، وأن يقتصر الناصح فى ذكر العيوب على ما يُخل بتلك المصلحة خاصَّةً، التى حصلت المشاورة فيها أو التى يعتقد الناصح أن المنصوح شرع فيها، أو هو على عزم ذلك، فينصحه وإن لم يستشره، فإنَّ حفظ مال الإنسان وعرضه ودمه عليك واجب، وإن لم يعرض لك بذلك. الفروق 4/ 205 وقد ذكر الغزالى فى الإحياء والنووى فى الرياض أن غيبة الرجل حياً وميتاً تباح لغرضٍ شرعىٍ لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهى ستة: الأول: التظلم. الثانى: الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصى إلى الصواب، فيقول لمن يرجو منه إزالة المنكر: فلان يفعل كذا فازجره. الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتى: ظلمنى أبى بكذا، فما سبيل الخلاص منه؟ الرابع: تحذير المؤمنين من الشر ونصيحتهم، ومن هذا الباب المشاورة فى مصاهرة إنسان أو مشاركة، أو إيداعه أو معاملته، أو غير ذلك. ومنه جرح الشهود عند القاضى، وجرح رواة الحديث، وهو جائز بالإجماع، بل واجبٌ للحاجة. قال: ومنه ما إذا رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقهُ بذلك، فنصحه ببيان حاله بشرط أن يقصد النصح، ولا يحمِله على ذلك الحسدُ والاحتقار. الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، فيجوز ذكره بما يجاهر به دون غيره من العيوب. السادس: التعريف، كأن يكون الرجُل معروفاً بوصف يدل على عيب، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعور، والأحول، وغيرها. راجع الإحياء، ك آفات اللسان 9/ 65. وفى ضابط التعديل والتجريح للشهود يقول القرافى: " التجريح والتعديلُ فى الشهود عند الحاكم إنما يجوز عند توقع الحكم بقول المُجرّح، ولو فى مستقبل الزمان، أما عند غير الحاكم فيحرم، لعدم الحاجة لذلكَ. والتفكه بأعراض المسلمين حرام، والأصل فيها العصمة ". قال: ويشترط فى هذين القسمين، أن تكون النِّيةُ فيه خالصة لله تعالى فى نصيحة المسلمين عند حكامهم، وفى ضبط شرائعهم، أمَّا متى كان لأجل عداوةٍ، أو تفكه بالأعراض، أو جريان مع الهوى، فذلك حرام، وإن حصلت به المصالح عند الحكام والرواة، فإن المعصية قد تجرُّ للمصلحة، كمن قتل كافراً يظنه مسلماً، فإنه عاص بظنه، وإن حصلت المصلحة بقتل الكافر، وكذلك من يريق خمراً ويظنه خلاً، اندفعت المفسدةُ بفعله، وهو عاص بظنه، واشترط أيضاً فى هذا القسم الاقتصارُ على القوادح المخلة بالشهادة، أو الرواية، فلا يقول: هو ابن زنا، ولا أبوه لاعَنَ أمَّه، إلى غير ذلك من المؤلمات التى لا تعلق لها بالشهادة والرواية. الفروق 4/ 206.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما تعيين سبب الجرح فى الخبر والشهادة، فقد اختلف فيه العلماء من الفقهاء والأصوليين، فأوجبه بعضهم مطلقاً، وهو اختيار الشافعى وبعض أئمتنا، ولم يوجبه آخرون (¬1) وهو ¬

_ (¬1) وهو ما يطلق عليه الجرح المفسر، وشرطه مع الشافعى أئمة الحنفيةُ وأبو الطيب الطبرى والخطيب وابن الصلاح. قال ابن الصلاح: وهذا ظاهر مقرر فى الفقه وأصوله. وذكر الخطيب أنه الصواب، وإليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل محمد بن إسماعيل البخارى، ومسلم بن الحجاج النيسابورى وغيرهم. وقال التهانوى: وهو مذهب أئمتنا السادة الحنفية. راجع: شرح أصول البزدوى 3/ 168. قال: أما الطعن فى أئمة الحديث فلا يقبل مجملاً، أى مبهماً، وهو مذهب عامة الفقهاء والمحدثين: راجع: التوضيح 2/ 14، نزهة النظر: 137. وسبب اشتراطهم ذلك راجع لأمرين: الأول: أن الجرح والتعديل مبناهما على الظن، فربما يجرح الجارح خطأ ووهماً، ومثلوا له بقول النسائى فى أحمد بن صالح المصرى الطبرى- وهو أحد أئمة الحديث، الحفاظ المتقنين-: ليس بثقة، وكان سبب ذلك الحكم سماعه معاوية بن صالح وهو يقول: سألت يحيى بن معين عن أحمد بن صالح فقال: كذاب يتفلسف، رأيتُه يتبختر فى الجامع بمصر. قال الحافظ فى الفتح بعد أن نقل توثيق أهل الشأن من غير النسائى له: أكثر عنه البخارى وأبو داود واعتمده الذهلى فى كثير من أحاديث أهل الحجاز، ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فيما نقله عنه البخارى، وعلى ابن المدينى وابن نمير، والعجلى، وأبو حاتم الرازى، وأما النسائى فكان سىء الرأى فيه، استند فى تضعيفه له إلى ما حكاه عن يحيى بن معين، وهو وهم منه، حمله على اعتقاد سوء رأيه فى أحمد بن صالح، ثم ذكر السبب الحامل له على سوء رأيه فيه فقال: قال أبو جعفر العقيلى: كان أحمد ابن صالح لا يحدث أحداً حتى يسأل عنه، فلما أن قدم النسائى مصر جاء إليه، وقد صحب قوماً من أهل الحديث لا يرضاهم أحمد، فأبى أن يحدثه، فذهب النسائى، فجمع الأحاديث التى وهم فيها أحمد، وشرع يشنع عليه. أما وجه الوهم هنا فهو فيما ذكره ابن حبان من أن أحمد بن صالح الذى تكلم فيه ابن معين هو رجل آخر غير ابن الطبرى، وكان يقال له: الأشمومى أو الأشمونى، وكان مشهوراً بوضع الحديث، وأما ابن الطبرى فكان يقارب ابن معين فى الضبط والإتقان. قال الحافظ: وهو فى غاية التحرير. مقدمة: 405. وكذا ما جاء فى أحمد بن بشير الكوفى، فقد قال فيه عثمان الدارمى: متروك، وقواه ابن معين وأبو زرعة، وأخرج له البخارى فى ك الطب. قال الحافظ: وأما كلام عثمان الدارمى فقد رده الخطيب بأنه اشتبه عليه براوٍ آخر، اتفق اسمه واسم أبيه- قال الحافظ: وهو كما قال الخطيب. المقدمة 405. الثانى: تفاوت الناس فى أسباب الجرح، فيطلق البعض الجرح بحسب ظنه وقد يكون جرحاً غير مسلم عند غيره من أئمة الشأن، مثال ذلك فى سؤال الإمام الشافعى عن سبب الجرح فى رجل جرحوه فقال الجارح: رأيتُه يبول قائماً، فلما قال له: وما فى ذلك يوجب الجرح؟ فقال: لأنه يقع عليه الرشيش وعلى ثوبه ثم يصلى، فلما سئل: هل رأيته يصلى؟ قال: لا. طبقات الشافعية الكبرى 2/ 19. ومثله لما أتى شعبة المنهال بن عمرو ليأخذ عنه سمع صوتاً -أى صوت طنبور فى بيته- فرجع، فقال له تلميذه وهب بن جرير: فهلا سألت؟ عسى ألا يعلم هو؟ الكفاية: 112. قال التاج السبكى: وحكى أن رجلاً جرح رجلاً وقال. إنه طيَّن سطحه بطينٍ استخرج من حوض السبيل. الطبقات 2/ 19. وكذلك لما سئل الحكم بن عتيبة عن سبب تركه الرواية عن زاذان؟ قال: كان كثير الكلام، وقد ترك شعبة الرواية عن رجل، ولما سئل عن السبب قال: رأيته يركض على برذون. تهذيب 3/ 303. قال المطرزى فى " المغرب " 1/ 36: البرذون التركى من الخيل، والجمع البراذين، وخلافها العِراب. قلت. ومن ذلك ترك الرواية عن أئمة الفقه من أئمة الرواية بزعم أنهم من أصحاب الرأى، قال العلامة القاسمى فى كتابه الجرح والتعديل: " وقد تجافى أربابُ الصحاح الروايةَ عن أهل الرأى، فلا تكاد =

وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ الحَكَمِ العَبْدِىُّ، قَال: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُول: أَخْبَرُونِى عَنْ أَبِى عَقِيلٍ صَاحِبَ بُهَيَّةَ أَنَّ أَبْنَاءً لِعَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ سَأَلوهُ عَنْ شَىْءٍ لمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ عِلمٌ. فَقَالَ لهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَاللهِ إِنِّى لأُعْظِمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ، وَأَنْتَ ابْنُ إِمَامَىِ الهُدَى - يَعْنِى عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ - تُسْأَل عَنْ أَمْرٍ ليْسَ عِنْدَكَ فِيهِ عِلمٌ. فَقَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَاللهِ، عِنْدَ اللهِ، وَعِنْدَ مَنْ عَقَل عَنِ اللهِ، أَنْ أَقُول بِغَيْرِ عَلمٍ. أَوْ أُخْبِرَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ. قَالَ: وَشَهِدَهُمَا أَبُو عَقِيل يَحْيَى بْنُ المُتَوكَّلِ حِينَ قَالا ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ اختيار القاضى أبى (¬1) بكر وجماعة غيره من أئمتنا، ورأوا قبول الجرح مطلقاً دون ذكر السبب (¬2)، وذهب بعضُهم إلى أن المُجَرحَ إذا كان عالماً بصيراً بوجوه التجريح لم نستفسره ¬

_ = تجد اسماً لهم فى سند من كتب الصحاح أو المسانيد، أو السنن، كالإمام أبى يوسف، والإمام محمد بن الحسن، فقد لينهما أهل الحديث كما ترى فى ميزان الاعتدال، قال: ولعمرى لم ينصفوهما، وهما البحران الزاخران، وآثارهما تشهدُ بسعة علمهما، وتبحرهما، بل بتقدمهما على كثيرٍ من الحفَّاظ، وناهيك كتاب الخراج لأبى يوسف، وموطأ الإمام محمد. الجرح والتعديل: 24. (¬1) فى الأصل: أبو. (¬2) وذلك إذا انتفت الظنون عن الجارح واندفعت التهم وكان الجارح حبراً من أحبار الأمة، أو كان المجروح مشهوراً بالضعف، متروكاً بين النقاد. قال التاج السبكى: " إن قولهم لا يقبل الجرحُ إلا مفسّراً، إنما هو فى جرح من ثبتت عدالتُه واستقرت، فإذا أراد رافعٌ رفعَها بالجرح قيل له: ائت ببرهان على هذا أو فيمن لم يُعرف حاله، ولكن ابتدره جارحان ومُزكيَّان، فيقال إذ ذاك للجارحين: فسّرا ما رميتماه به ". قال: أما من ثبت أنه مجروح فيقبل قول من أطلق جرحه، لجريانه على الأصل المقرر عندنا، ولا نطالبه بالتفسير، إذ لا حاجة إلى طلبه. ثم قال: إنا لا نطلب التفسير من كل أحد، بل إنما نطلبه حيث يحتمل الحال شكاً، إما لاختلاف فى الاجتهاد، أو لتهمة يسيرة فى الجارح، أو نحو ذلك مما لا يوجب سقوط قول الجارح، ولا ينتهى إلى الاعتبار به على الإطلاق، بل يكون بين بيْن، أما إذا انتفت الظنون واندفعت التهم، وكان الجارح حبراً من أحبار الأمة، مُبَرأ عن مظانّ التهمة، أو كان المجروح مشهوراً بالضعف، متروكاً بين النقاد، فلا نتلعثم عند جرحه، ولا نحوج الجارح إلى تفسير، بل طلب التفسير منه والحالة هذه طلبٌ لغيبة لا حاجة إليها. قال: فنحن نقبل قول ابن معين فى إبراهيم بن شعيب المدنى، شيخ روى عنه ابن وهب- إنه ليس بشىء- وفى إبراهيم بن يزيد المدنى: أنه ضعيف، وفى الحسين بن الفرج الخياط: إنه كذاب يسرق الحديث. وعلى هذا، وإن لم يبن الجرح، لأنه إمام مقدَّم فى هذه الصناعة، جرح طائفةٌ غير ثابتى العدالة والثبت. ولا نقبل قوله فى الشافعى ولو فسّر وأتى بألف إيضاح، لقيام القاطع على أنه غير محق بالنسبة إليه. طبقات الشافعية 2/ 22. يعنى له التعصب المذهبى. فقد قال قبل: " الجارح لا يقبل منه الجرحُ وإن فسَّره فى حق من غلبت طاعاته على معاصيه، ومادحوه على ذامّيه، ومزكوه على جارحيه، إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة فى الذى جرحه من تعصب مذهبى، أو منافسة دنيويةٌ كما يكون من النظراء، أو غير ذلك، فنقول مثلاً: لا يُلتفتُ إلى كلام ابن أبى ذئب فى مالك، وابن معين فى الشافعى، والنسائى فى أحمد بن صالح، لأن هؤلاء أئمةٌ مشهورون، صار الجارح لهم كالآتى بخبر غريب، لو صح لتوفّرت الدواعى على نقله، وكان القاطع قائماً على كذبه. طبقات الشافعية 2/ 21.

وَحَدَّثَنَا عَمْرو بْنُ عَلىٍّ، أَبُو حَفْصٍ، قَال سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. قَال: سَأَلتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىَّ وَشُعْبَةَ وَمَالِكًا وَابْنَ عُيَيْنَةَ، عَنِ الرَّجُلِ لا يَكُونُ ثَبْتًا فِى الحَدِيثِ، فَيَأتِينى الرَّجُل فَيَسْأَلَنِى عَنْهُ. قَالوا: أَخْبِرْ عَنْهُ أَنَّهُ ليْسَ بِثَبْتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلا استفسرناه، وهو فى الشهادة أضيق، والميل فيها إلى الاستفسار أصوب، إذ قد يُجَرَّحُ الشاهدُ- وإن كان مجرحه بصيراً بوجوه التجريح [بما يعتقد جرحةً] (¬1) - ولعل الحاكم لا يراه لاختلاف الاجتهاد (¬2)، أما الخبر إذا أطلق عارفٌ بصير فيه بالجرح فقد عدمت به الثقةَ. ¬

_ (¬1) فى ت: بما يعتقده جرحة وهو متجه. (¬2) قلت: وكذلك الحال فى الرواية فينبغى الوقوف فى الجرح فيها على اختلاف المذاهب والعقائد والمشارب عند أئمة التحقيق من المتأخرين. قال ابن دقيق العيد: يجب أن نتفقد مذاهب الجارحين والمزكين مع مذاهب من تكلموا فيه، فإن رأيتها مختلفة فتوقف عن قبول الجرح غاية التوقف، حتى يتبين وجههُ بياناً لا شبهةَ فيه، وما كان مُطلقاً أو غير مفسَّر، فلا يُجْرَحُ به، فإن كان المجروحُ موثقاً من جهة أخرى فلا تحفِلنَّ بالجرح المُبهمِ ممن خالفَه. وإن كان غير موثّقٍ فَلا تَحْكُمنَّ بجرحه ولا بتعديله. كذلك الاختلاف الواقعُ بين المتصوفة وأصحاب العلوم الظاهرة قال: فقد وقع بينهم تنافُر أوجب كلام بعضهم فى بعض. وهذه غمرة، لا يخلص منها إلا العالمُ الوافى بشواهد الشريعة. ثم قال: ولا بُدَّ مع ذلك من معرفة القواعد الأصولية، والتمييز بين الواجب والجائز والمستحيل العقلى والمستحيل العادى، فقد يكون المتميّزُ فى الفقه جاهلاً بذلك حتى يَعُدَّ المستحيل عادةً مستحيلاً عقلاً. ولصعوبة اجتماع هذه الشرائط عظُمَ الخطرُ فى الكلام فى الرجال، لقلة اجتماع هذه الأمور فى المزكين، ولذلك قلت: أعراض المسلمين حفرَة من حُفَرِ النار، وقَفَ على شفيرها طائفتان من الناس المحدّثون والحكام. الاقتراح فى بيان الاصطلاح: 337. وقال التاج السبكى: من شَهد على آخر، وهو مخالف له فى العقيدة أوجبت مخالفتُه له فى العقيدة ريبةً عند الحاكم المتبصّر، لا يجدها إذا كانت الشهادة صادرة من غير مخالف فى العقيدة. ثم المشهود به يختلف باختلاف الأحوال والأعراض، فربما وضح غرض الشاهد على المشهود عليه إيضاحاً لا يخفى على أحد، وذلك لقربه من نصر معتقَده، أو ما أشبه ذلك، وربما دقَّ وغمض، بحيث لا يدركه إلا الفَطِن من الحكام، ورُبَّ شاهد من أهل السنة ساذج، قد مقت المبتدع مقتاً زائداً على ما يطلبه الله منه، وأساء الظَنَّ به إساءةً أوجبت له تصديق ما يبلغه عنه، فبلغه عنه شىء، فغلب على ظنه صدقُه، فشهد به، فسبيل الحاكم التوقف فى مثل هذا إلى أن يتبين له الحال فيه، وليعلم من هذه سبيله أنه أتى من جهل وقلة دين، قال: وهذا قولنا فى سُنِّى يجرّح مبتدعاً، فما الظنَّ بمبتدع يجرّح سُنيًّا. طبقات الشافعية الكبرى 2/ 16. وعلى ذلك فإن الجارح الذى يقبل جرحه لا بد أن يجمع شروطاً أربعة: 1 - أن يكون عالماً بأسباب الجرح، ذى ورع وتقوى وصدق وتنزه عن التعصب إذ قد يكون الجارحُ معروفاً بالعلم ويكون قليل التقوى، فإن علمه- كما قال ابن دقيق العيد- يقتضى أن يجعل أهلاً لسمع قوله وجرحه، فيقع الخلل بسبب قلة ورَعه وأخذه بالوهم. الاقتراح: 342. 2 - أن يكون خبيراً بمدلولات الألفاظ لا سيَّما الألفاظ العرفيَّة التى تختلف باختلاف عرف الناس، وتكون فى بعض الأزمنة مدحاً وفى بعضها ذماً، قال التاج: وهذا أمرٌ شديد لا يدركه إلا قعيد بالعلم. 3 - عليماً بالأحكام الشرعية، حتى لا يظنَّ الحلال حراماً فيجرّح به. 4 - عالماً باختلاف المذاهب. الاقتراح: 342، طبقات الشافعية 2/ 12، الرفع والتكميل فى الجرح والتعديل: 79، المنهج الإسلامى فى الجرح والتعديل: 260.

وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَال: سَمِعْتُ النَّضْرَ يَقُولُ: سُئِلَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ حَدِيثٍ لِشَهْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ عَلى أَسْكُفَّةِ البَابِ. فَقَالَ: إِنّ شَهْرًا نَزَكُوهُ، إن شهرًا نَزَكُوهُ. قَال مُسْلمٌ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَقُولُ: أَخَذَتْهُ أَلسِنَةُ النَّاسِ، تَكلمُوا فِيهِ. وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَال: قَال شُعْبَةُ: وَقَدْ لقِيتُ شَهْرًا فَلمْ أَعْتَدَّ بِهِ. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذُ، مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، قَال أَخْبَرَنِى عَلىٌّ بْنُ حُسَيْنِ ابْنُ وَاقِدٍ، قَال: قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ: إِنَّ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ مَنْ تَعْرِفُ حَالهُ، وَإِذَا حَدَّثَ جَاءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، فَتَرَى أَنْ أَقُول لِلنَّاسِ: لا تَأخُذُوا عَنْهُ؟ قَال سُفْيَانُ: بَلى. قَال عَبْدُ اللهِ: فَكُنْتُ، إِذَا كُنْتُ فِى مَجْلِسٍ ذُكِرَ فِيهِ عَبَّادٌ، أَثْنَيْتُ عَليْهِ فِى دِينِهِ، وَأَقُول: لا تَأخُذُوا عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم عن ابن عون قوله: إن شهراً نزكوه، هذه الرواية الصحيحة بالنون والزاى، وهكذا سماعنا فيه من الأسدى عن السمرقندى عن الفارسى، وكذا [أقرأناها على] (¬1) ابن أبى جعفر عن الطبرى عن الفارسى عن الجلودى، وسمعناها من القاضى الصدفى وغيره عن العذرى، وسائر الرواة تركوه، بالخاء والراء. وبالنون والزاى ذكر هذا الحرف الهروى وفَسَّره، وهو الأشبه بمساق الكلام، ومعناه: طعنوا فيه، [وهو] (¬2) مأخوذ من النيزك وهو الرمح القصير، ومنه الحديث: " يقتل عيسى الدجال بالنزك " وقد وقع مفسَّراً فى الحديث نفسه من رواية العقيلى فقال: أى نحوه (¬3)، وذكره الترمذى أيضاً ¬

_ (¬1) فى ت: قرأناها عن. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) وفى النهاية: " النزَّاك الذى يعيب الناس "، والحديث بهذا اللفظ لم أجده إلا فى النهاية. وشهر بن حوشب مولى الصحابية أسماء، كان من كبار علماء التابعين، حدث عنها وعن أبى هريرة، وعائشة وابن عباس، وابن عمرو، وأم سلمة، وأبى سعيد الخدرى، وعدة، مختلف فيه على الجملة عند عامة المحدثين. ويرجع سبب طعن من طعن فيما إلى ما رواه عن أم سلمة أن النبىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ: " إن الله لا يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالى ". أحمد فى المسند 6/ 454، والترمذى وحسنه. وأم سلمة هى أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية. قال الذهبى فيه: فهذا ما استنكر من حديث شهر فى سعة روايته، وما ذاك بالمنكر جداً. سير 4/ 378. وعدم نكارتها يرجع إلى كونها قراءة تفسيرية- كما ذكر النحاس. راجع: دراسات فى أعلام الإسلام للمحقق: 117. وعمله الذى تولاه ورُدَّت به روايته هو أنه كان على بيت المال. ورد الرواية كان على هذا القول بسبب أخذه مالاً من عمله بغير إذن، قال الذهبى فيها: وإسنادها منقطع، ولعلها وقعت، وتاب منها، أو أخذها متأولاً أن له فى بيت مال المسلمين حقاً. سير 4/ 375.

وَقَال مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: قَال أَبِى، قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ: انْتَهَيْتُ إِلى شُعْبَةَ فَقَالَ: هَذَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ فَاحْذَرُوهُ. وَحَدَّثَنِى الفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَال: سَأَلتُ مُعَلى الرَّازِىَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، الذِى رَوَى عَنْهُ عَبَّادٌ فَأَخْبَرَنِى عَنْ عِيسى بْنِ يُونُسَ؛ قَال: كُنْتُ عَلى بَابِهِ وَسُفْيَانُ عِنْدَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلتُهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَنِى أَنَّهُ كَذَّابٌ. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَتَّابٍ، قَال: حَدَّثَنِى عَفَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعيدٍ القَطَّانِ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: لمْ تَرَ الصَّالِحِينَ فِى شىءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِى الحَدِيثِ. قَال ابْنُ أَبِى عَتَّاب: فَلقِيتُ أَنَا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ القَطَّانِ، فَسَأَلتُهُ عَنْهُ. فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ: لمْ نَرَ أَهل الخَيْرِ فِى شَىءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِى الحَدِيثِ. قَال مُسْلمٌ يَقُولُ: يَجْرِى الكَذِبُ عَلى لِسَانِهِمْ وَلا يَتَعَمَّدُونَ الكَذِبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هكذا من قول النضر، وكان شهر تولى بعض عمل السلطان فتُكلم فيه، لكن البخارى قال فيه: حسن الحديث، وصحح حديثه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد (¬1). وقوله فى هذا الحديث: " على أسكفة الباب " يريد: عتبته السفلى التى توطأ. ذكر مسلم قول يحيى بن سعيد: " لم نر أهل الخير فى شىء أكذب منهم فى الحديث " (¬2) يقول: " يجرى الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون [الكذب] (¬3) يعنى: أنهم يحدثون بما لم يصح، لقلة معرفتهم بالصحيح، والعلم بالحديث، وقلة حفظهم، وضبطهم لما سمعوه، وشغلهم بعبادتهم، وإضرابهم عن طريق العلم، فكذبوا من حيث لم يعلموا (¬4) وإن لم يتعمدوا، وعلى هذا يأتى قولهم: " كذب " فى صالح المُرّى وشبهه فيما ذكر فى " الأم "، أى أخطأ، وقال: ما ليس هو، وإن [لم] (¬5) يتعمد، وقد يقعُ فى الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم (¬6) من غلبت (¬7) عليه العبادة، ولم يكن معه علم (¬8) فيضع الحديث فى فضائل الأعمال ووجوه البر، ويتساهلون فى رواية ضعيفها ومنكرها، وموضوعها، كما قد حكى عن كثير منهم، واعترف به بعضهم وهم يحسبون لقلة علمهم ¬

_ (¬1) فى الأصل: معين، والمثبت من ت، وهو الصواب. (¬2) وأخرج الخطيب بلفظ: ما رأيت الصالحين فى شىء أشد فتنةٌ، منهم فى الحديث. الكفاية: 247. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) فى ت: لا يعلمون. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) تكررت فى الأصل خطأ. (¬7) فى الأصل: غلبته. (¬8) قال ابن الجوزى: معظم البلاء فى وضع الحديث إنما يجرى من القصاص، لأنهم يزيدون أحاديث ترقق تثقف، والصحاح يقل فيها هذا. الموضوعات 1/ 44.

حَدَّثَنِى الفَضْل بْنُ سَهْلٍ، قَال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَال: أَخْبَرَنِى خَلِيفَةُ بْنُ مُوسَى، قَال: دَخَلْتُ عَلى غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، فَجَعَلَ يُمْلِى عَلىَّ: حَدَّثَنِى مَكْحُولٌ، حَدَّثَنِى مَكْحُولٌ. فَأَخَذَهُ البَوْلُ فَقَامَ. فَنَظَرْتُ فِى الكُرَّاسَةِ فَإِذَا فِيهَا حَدَّثَنِى أَبَانٌ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَبَانٌ عَنْ فُلانٍ، فَتَرَكْتُهُ وَقُمْتُ. قَال: وَسَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ الحُلوَانِىَّ يَقُولُ: رَأَيْتُ فُى كِتَابِ عَفَّانَ حَدِيثَ هِشَامٍ أَبِى المِقْدَامِ، حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ. قَال هِشَامٌ: حَدَّثَنِى رَجُلٌ يُقَال لهُ يَحْيَى بْنُ فُلانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَفَّانَ: إِنَّهُمْ يَقُولونَ: هِشَامٌ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ ابْنِ كَعْبٍ. فَقَالَ: إِنَّمَا ابْتُلِى مِنْ قِبَلِ هَذَا الحَدِيثِ، كَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ادَّعَى - بَعْدُ - أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنَ جَبَلةَ يَقُول: قُلْتُ لعَبْدِ اللهِ بْنَ المُبَارَكَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الذِى رَوَيْتَ عَنْهُ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرِو: " يَوْمُ الفِطْرَ يَوْمُ الجَوَائِزِ "؟ قَال: سُليْمَانُ بْنُ الحَجَّاج. انْظُرْ مَا وَضَعْتَ فِى يَدِكَ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنهم يُحسنون صنعاً، وربما احتجوا فى ذلك بالحديث المأثور عن أبى هريرة يرفعه إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا حدّثتم عنى حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به، قلته أو لم أقله، فإنى أقولُ ما يُعرَفُ ولا يُنكَرُ " (¬1) وهو حديث ضعفه الأصيلى وغيره من الأئمة، وتأوله الطحاوى وغيره، ومعناه: لو صحَّ ظاهره وهو أنه ما جاء عنه موافقاً لكتاب الله وما عُرِف من سنته غير مخالف لشريعته ولا يحقق أنه قاله بلفظه فيُصدَّق به- أى بمعناه- لا بلفظه، إذ قد صحَّ من أصول الشريعة أنه قاله بغير هذا اللفظ ولا يُكذَّبُ به إذ قد يحتمل أنه قاله وذكر حديث عبد الله بن عمرو: " يوم الفطر يوم الجوائز " يريد الحديث الذى يرويه (¬2) [أنه] (¬3) " إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أفواه الطرق (¬4) ونادت: يا معشر المسلمين، أغدوا إلى ربٍ رحيمٍ، يأمر بالخير ويثيب عليه الجزيل، أمركم بالصيام فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبلوا جوائزكم، فإذا صلوا العيد نادى منادٍ من السماء: ارجعوا إلى منازِلكُم راشدين قد (¬5) غفرت ذنوبكم كلها، ويسمى ذلك اليوم يوم الجائزة " (¬6). ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الخطيب فى تاريخ بغداد 11/ 391، وابن عدى فى الكامل 1/ 26. (¬2) فى ت: يروى. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فى ت: الطريق. (¬5) فى ت: فقد. (¬6) الحديث أخرجه الطبرانى فى الكبير 1/ 196، وقال الهيثمى: رواه الطبرانى فى الكبير، وفيه جابر الجعفى، وثقه الثورى وروى عنه هو وشعبة، وضعفه الناس، وهو متروك. مجمع 2/ 201.

قَال: ابْنُ قهزَاذَ. وَسَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَال: قَال عَبْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ المُبَارَكِ - رَأَيْتُ رَوْحَ بْنَ غُطَيْفٍ، صَاحِبَ الدَّمِ قَدْرِ الدَّرْهَمِ، وَجَلسْتُ إِليْهِ مَجْلِسًا، فَجَعَلتُ أَسْتَحِيى مِنْ أَصْحَابِى أَنْ يَرَوْنِى جَالِسًا مَعَهُ. كُرْهَ حَدِيثِهِ. حَدَّثَنِى ابْنُ قُهْزَاذَ. قَال: سَمِعْتُ وَهْبًا يَقُول عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ؛ قَال: بَقِيَّةُ صَدُوقُ اللسَانِ، وَلكِنَّهُ يَأخُذُ عَمَّنْ أَقْبَل وَأَدْبَرَ. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ؛ قَال: حَدَّثَنِى الحَارِثُ الأَعْوَرُ الهَمْدَانِىُّ، وَكَانَ كَذَّابًا. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ - حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ يَقُول: حَدَّثَنِى الحَارِثُ الأَعْوَرُ، وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الكَاذِبِينَ. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ قَال: قَال عَلقَمَةُ: قَرَأتُ القُرْآنَ فِى سَنَتَيْنِ. فَقَالَ الحَارِثُ: القُرآنُ هَيِّنٌ، الوَحْىُ أَشَدُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم عن ابن المبارك: " رأيتُ روح بن غُطَيفٍ " كذا صوابهُ بالغين المعجمة المضمومة والطاء المهملة المفتوحة، ورواية كافة شيوخنا فيه عن العذرى والطبرى والسمرقندى بضاد معجمة، [وهو خطأ] (¬1)، وثبتنا متقنوهم على الصواب المتقدَّم فيه، وقد ذكره البخارى فى تاريخه الكبير وقال (¬2): هو منكر الحديث (¬3). وقوله فيه: " صاحب الدم قدر الدرهم "، يريد الحديث الذى رواه روح هذا عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة يرفعه: " تعاد الصلاة من قدر الدرهم "، وهو حديث باطل لا أصل له عند أهل الحديث. وقد اختلف العلماء فى إزالة النجاسة هل هى واجبة أو لا؟ (¬4)، وهل هى شرط فى صحة الصلاة أم لا؟ وعلى هذا اختلفوا فيمن صلى بها، فأوجب بعضهم الإعادة بكل حال وبعضهم راعى الوقت فى الإعادة، وفرَّق بعضهم بين الساهى والعامد، فيعيدُ عنده الساهى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬2) فى ت: فقال. (¬3) قال: روح بن غطيف الثقفى، عن عمر بن مصعب، روى عنه محمد بن ربيعة، منكر الحديث، وروى القاسم بن مالك سمع روح بن غطيف بن أبى سفيان الثقفى عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة رفعه: " تعاد الصلاة من قدر الدرهم ". التاريخ الكبير 2/ 1/ 308. (¬4) ذهب أحمد إلى أن فرض الطهارة إزالة الحدث، فلو توضأ قبل الاستنجاء لم يصح على أحد قولين فيه. المغنى 1/ 155.

وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّ الحَارِثَ قَال: تَعَلمْتُ القُرْآنَ فِى ثَلاثِ سِنِينَ، وَالوَحْىَ فِى سَنَتَيْنِ. أَوْ قَال: الوَحْىَ فِى ثَلاثِ سِنِينَ، وَالقُرْآنَ فِى سَنَتَيْنِ. وَحَدَّثَنِى حَجَّاجٌ، قَال: حَدَّثَنِى أَحْمَدُ، وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّ الحَارِثَ اتُّهِمَ. وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، قَال: سَمِعَ مُرَّةُ الهَمْدَانِىُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الوقت والعامد أبداً، واضطرب مذهبنا على هذه الأقوال إلا الإعادة جملة، وكذلك اختلفوا فى العفو عن يسيرها، فذهب أهل العراق إلى أن قدر الدرهم من جميع النجاسات معفوٌ عنه، قياساً على موضع الاستجمار، وذهب الشافعى إلى أنه لا يُعفى عن شىء منها دمٍ ولا غيره ويغسل قليلها وكثيرها، وذهب مالك إلى ذلك إلا فى الدم، فرأى العفو عن يسيره للضرورة اللازمة منه [من البراغيث] (¬1) وحك البُثْر (¬2) وشبهه، واختلف عنه فى العفو عن يسير دم الحيض. [و] (¬3) فى المذهب عن (¬4) يسير دم غير الإنسان ويسير القيح والصديد قولان (¬5). واختلف قول من رخَّص فى يسيره، هل الدرهم قليل أو كثير، واختلف قول مالك فى ذلك فمرَّة قَلله ومرَّة كثّره ومرّة وقف فيه، وقال: لا أجيبكم إلى هذا الضلال، وحدَّد أحمد الكثير بشبر فى شبر، ونقل المخالف عن مذهبنا فى ذلك قولاً منكراً عندنا (¬6). وذكر مسلم قول الحارث الأعور: " تعلمتُ الوحى فى سنتين "، وقوله: " القرآن هَيّن والوحى أشد "، وأورده فى جملة ما أنكر من قوله وشفاعات مذهبه، وأخذ ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) فى ت: البثرَةِ. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) فى ت: فى. (¬5) للوقوف على التفصيل فى هذا راجع: المغنى 1/ 46، التمهيد 1/ 106، بدائع الصنائع 1/ 227، المنتقى 1/ 40. وقول أحمد المنقول عنه هنا هو فى القدر الذى ينقُض الوضوء. جاء فى المغنى. وظاهر مذهب أحمد أنَّ الكثير الذى يَنْقُضُ الوضوء لا حدَّ له أكثر من أن يكون فاحشاً، وقيل: يا أبا عبد الله، ما قدر الفاحش؟ قال: ما فَحُشَ فى قلبك. وقد نقل عنه أنه سُئل: كم الكثير؟ فقال: شبر فى شبر، وفى موضع قال: قدرُ الكف الفاحش. المغنى 1/ 249. (¬6) أشار بالقول المنكر إلى ما ذكره الباجى من وجهى حكم إزالة النجاسة للصلاة بعد القول بعموم وجوبها، هل هى شرط فى صحة الصلاة أم لا؟ والوجهان ثابتان عندهما على تفاوت فى اعتبارهما. قال بعد أن ساق القول الأول ورجحه: إذا ثبت ذلك فوجه قولنا: إنها ليست بشرط فى صحة الصلاة، وهو الذى يناظر عليه أصحابنا، أن كل ما صحت الصلاة مع يسيره فإنها تصح مع كثيره كدم الاستحاضة. المنتقى 1/ 41.

مِنَ الحَارِثِ شَيْئًا، فَقَالَ لهُ: اقْعُدْ بِالبَابِ. قَال: فَدَخَل مُرَّةُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ. قَال: وَأَحَسَّ الحَارِثُ بِالشَّرِّ، فَذَهَبَ. وَحَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ؛ قَال: قَال لنَا إِبْرَاهِيمُ: إِيَّاكُمْ وَالمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ، فَإِنَّهُمَا كَذَّابَان. حَدَّثَنَا أَبُو كَامِل الجَحْدرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - قَال: حَدَّثَنَا عَاصِمٍ، قَال: كُنَّا نَأْتِى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلمِىَّ وَنَحْنُ غِلمَةٌ أَيْفَاعٌ، فَكَانَ يَقُول لنَا: لا تُجَالِسُوا القُصَّاصَ غَيْرَ أَبِى الأَحْوَصِ، وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا. قَال: وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأىَ الخَوَارِجِ، وَليْسَ بِأَبِى وَائِلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه فيه من الغلو والتشيع والكذبَ ومذاهب الروافض (¬1) وأرجو أن [يكون] (¬2) هذا من أخفّ أقواله لاحتماله الصواب، فقد فسَّره بعضهم أن المراد بالوحى هنا الكتاب والخط، وعن الخطابى مثله، قال ابن دُريد: وحَى يحى وحيًا إذا كتب، [و] (¬3) قال الهروى: قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا} (¬4) أى: كتب لهم فى الأرض، إذ كان لا يتكلم، وقيل: أوحى: رمز، وقال بعض اللغويين: وحِىْ وأوْحى واحدُ، وقاله صاحب الأفعال، وعلى هذا فليس على الحارث دَرَكُ، وعليه الدَرَكُ فى غير ذلك، لكنَّه لما عَرِفَ من تَشَنُّع (¬5) مذهبه فى غلوّ التشيع (¬6)، ودعواهم من الوصية إلى على وسرّ النبى- عليه السلام- من الوحى وعلم الغيب ما لم يَطلع عليه غيره- بزعمهم- ودعوى بعضهم من غُلاتِهم الوحىَ إلى علىٍّ سيّئ الظن بالحارث فى كلامه هذا، وذهب به ذلك المذهب، وقد أنكرَ على ما ادعتهُ شيعتهُ من ذلك، وقال ابن عباس: لا وحى إلا القرآنَ، ولعله فَهمَ من الحارث معنىً منكراً فيما أراده، والله أعلم. وقوله: " غِلمةٌ أَيفاعٌ " أَى شبَبَةٌ بالغون (¬7)، يقال: غلام يافعٌ ويَفعٌ ويفَعَةٌ إذا شبَّ وبلغ، أو كاد يبلغ، واسم الغلام ينطلق على الصبى من حين يولد على اختلاف حالاته إلى بلوغه قال (¬8) الثعالبى: فإذا قارَبَ البلوغ أو بلغه يقال (¬9) له حينئذٍ: يافعٌ وقد أيفع، ¬

_ (¬1) القاضى حمل على الحارث بإفراط وغلو، وإلا فالرجل غير مدفوع عن أهل الحق والاعتدال، وغاية ما فيه أنَّ فى حديثه لينا، ودعوى غُلوّه فى التشيع لم أجد غير ابن حبان رماه بها فيما نقله الذهبى عنه فى الميزان وهو قولٌ غير ثابت لا يصلح لاعتماده دليلاً فى رد الرجل وتوهينه وإطراح روايته. (¬2) و (¬3) سقطتا من ت. (¬4) مريم: 11. (¬5) فى ت: تشنيع. (¬6) فى الأصل: الشيع. (¬7) فى ت: بالغين، والأول أصح. (¬8) فى ت: وقال. (¬9) فى ت: فيُقال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو نادر، وقال أبو عبيدٍ: أيفع الغلامُ إذا شارفَ الاحتلام ولم يحتلم، وقد جاء فى الحديث: " وابنى قد أيفع أو كَرِبَ " (¬1) وهذا يدُل على ما قاله الثعالبى ويصححه، وأن أيفع بمعنى بَلغَ، وإلا فلا معنى لقوله: كَرِبَ، إذاً. ذكر مسلم قول الشعبى: " حدثنى الحارث الأعور، وهو يشهد أنه من الكاذبين " إنما حدَّثَ هؤلاء الأئمة عن مثل هؤلاء (¬2)، مع اعترافهم بكذبهم وسمعوا منهم مع علمهم بجرحتهم لوجوه: منها: أن يعلموا صُورَ حديثهم وضروبَ روايتهم، لئلا يأتى مجهولٌ أو مُدَلسٌ فيُبَدل اسم الضعيف ويجعل (¬3) مكانه قوياً فيُدْخِل بروايته اللبسَ، فيعلم المحققُ لها العارفُ بها أن مخرجها من ذلك الطريق، فلا ينخدع بتلبيس ملبس بها، وبهذا احتجَّ ابن معين فى روايته صحيفة معمر (¬4) عن أبان (¬5). ¬

_ (¬1) قلت: صواب العبارة: " وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كَرَب " وهو جزء من حديث أخرجه الزمخشرى فى الفائق 4/ 159، وابن حجر فى الإصابة 7/ 646 عن رقيقة بنت أبى صَيْفىّ - وكانت لدَةَ عبد المطلب ابن هاشم. وفيه: فقام عبد المطلب، فاعتضد ابن ابنه محمداً فرفعه على عاتقه ومو يومئذ غلامٌ قد أيفع أو كَرَبَ، ثم قال: " اللهم سادّ الخُلة، وكاشِفَ الكُربَة، أنت عالمٌ غيرُ مُعَلم، مسؤول غيرُ مُبَخَّلٍ، وهذه عَبيداؤك وإماؤك بعذَرات حَرَمك، يشكون إليك سنتهم، فاسمَعنَّ اللهم، وأمطرنّ علينا غيثاً مريعاً مغدقاً، فما راموا البيت حتى انفجرت السماءُ بمائها، ونَطَّ الوادى بثجيجه " قال الحافظ- بعد إيراده شيئاً منه-: قال أبو موسى بعد إيراده: هذا حديث حسن. وقال فى المشارق: الواحد يفعه، ويافع على غير قياس، فمن قال: يافع، ثنى وجمع، ومن قال: يفعه كالاثنين والواحد والجماعات سواء. واليفاع أيضاً المشرف من الأرض، ويكون غلام يفع كذلك إذا أشرف على الاحتلام. أهـ. 2/ 305. (¬2) فى الأصل. هذا، والمثبت من ت. (¬3) فى ت: فيجعل. (¬4) هو معمر بن راشد، شيخ الإسلام، الإمام الحافظ، كان من أوعية العلم، وهو أول من رحل إلى اليمن. قال فيه ابن جريج: إن معمراً شرب من العلم بأنقع. وقال أحمد: لست تضُمّ معمراً إلى أحد وعن عثمان بن أبى شيبة: سألت يحيى القطان من أثبتُ شى الزهرى؟ قال مالك ثم ابن عيينة، ثم معمّر. وقال عبد الرزاق: لليث عن معمر عشرة ألاف حديث. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. الطبقات الكبرى 5/ 546، التاريخ الكبير 7/ 378، الجرح والتعديل 8/ 255، تهذيب التهذيب 10/ 243، سير 7/ 5. (¬5) ذكرنا ما فى هذا القول من احتمال يرد الاستدلال به على اطراح الحارث. وما استدل به القاضى: هنا من رواية ابن معين صحيفة معمر فغير مسلم، فإن أبان وهو ابن أبى عياش وإن ضعف فلم يرم بتهمة الكذب. قال ابن أبى حاتم: سئل أبو زرعة عن أبان بن أبى عياش؟ فقال: بصرى، ترك حديثه، ولم يقرأ علينا حديثه، فقيل له: هل كان يتعمد الكذب؟ قال: لا، كان يمع الحديث من أنس وشهر بن حوشب ومن الحسن فلا يميز بينهم. الجرح والتعديل 2/ 266. وقال بن أبى حاتم: سمعت أبى يقول: أبان بن أبى عياش متروك الحديث، وكان رجلاً صالحاً، لكن بلى بسوء الحفظ. السابق. وقال البخارى: أبان بن أبى عيَّاش، وهو أبان بن فيروز، أبو إسماعيل البرى، عن أنس، كان شعبة سيئ الرأى فيه. الضعفاء الصغير: 24. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانى: أن يكون الرجلُ إنما تُرِك لأجل (¬1) غلطه وسوء حفظه، أو يكون ممن أكثر فأصاب وأخطأ فتروى أحاديثه، والحفاظ يعرفون وهمه وغلطه وما وافق فيه الأثبات وما خالفهم فيه، فيدعون تخليطه (¬2)، ويستظهرون بصحيح حديثه لموافقته غيره، وبهذا احتجَّ الثورى حين نهى عن الكلبى (¬3) فقيل له: أنت تروى عنه؟! قال: أنا أعلم صدقه من كذبه، وهم لا يروون شيئاً منها للحُجَّة بها والعمل بمقتضاها. ¬

_ = وقال النسائى: متروك الحديث. كتاب الضعفاء والمتروكين: 148، وبمثله قال الدارقطنى فى الضعفاء والمتروكين: 148. وإليك ما به ذهب من ذهب إلى تركه: قال أحمد: قال عفان: أول من أهلك أبان بن أبى عياش أبو عوانة، جمع حديث الحسن عامته من البصرة، فجاء به إلى أبان، فقرأه عليه. العلل 2/ 62. وحدثنى عمرو الناقد قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، قال: رأيت شعبة فى النوم قبل أن ألقاه، وكان يعجبنى لقاؤه، فلقيته، فسألته فقلت: يا أبا بسطام، مالك ولأبان بن أبى عياش فإن مهدى بن ميمون أخبرنى عن مسلم العلوى أنه رأى أبان بن أبى عياش يكتب عند أنس. قال: سليم ذاك الذى كان يرى الهلال قبل أن يراه الناس بيومين. السابق 2/ 25. ولم يزد أحمد عند قراءة ابنه للحديث عليه أن طلب إليه أن يضرب على حديث أبان. السابق 2/ 208. أقول: وعلى ذلك فترك من ترك رواية عياش ليست لكذبه. ولهذا لم يزد الذهبى فى الميزان فيه عن أنه قال: " قال النسائى فى " الكنى ": ليس بثقة. 1/ 15. وقال ابن عدى: له روايات، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. وهو بين الأمر فى الضعف، وقد حدَّث عنه الثورى ومعمر وابن جريج، وإسرائيل، وحماد بن سلمة، وغيرهم ممن لم نذكرهم، وأرجو أنه ممن لا يتعَمّد الكذب إلا أن يُشبه عليه ويغلط، وعامة ما أتى أبان من جهة الرواة لا من جهته، لأن أبان روى عنه قوم مجهولون لما أنه فيه ضعف، وهو إلى الضعف أقرب مه إلى الصدق كما قال شعبة. الكامل 1/ 387. وقال الحافظ: قال مالك بن دينار: أبان بن أبى عياش طاوس القراء، وقال أيوب: مازلنا نعرفه بالخير منذ دهر، وقال: روى له أبو داود حديثاً واحداً مقروناً بقتادة فى الصلاة: " خمس من جاء بهن "، وقال ابن المدينى: كان ضعيفاً. تهذيب 1/ 101. وما نقله القاضى عن احتجاج يحيى بن معين أخرجه الخليلى فى الإرشاد عن أحمد بن حنبل، بإسناد صحيح بلفظ: قال أحمد بن حنبل ليحيى بن معين- وهما بصنعاء- ويحيى يكتب عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان بن أبى عياش. تكتب نسخة أبان بن أبى عياش وتعلم أنه كذابٌ يضع الحديث؟ فقال: يرحمُك الله يا أبا عبد الله، أكتبه حتى لو جاء كذابٌ يرويه عن معمر عن ثابت عن أنس، أقول له: كذبت، ليس هذا من حديث ثابت، إنما هو من حديث أبان. الإرشاد 1/ 179. وانظر: الضعفاء والمجروحين 1/ 31، والحاكم فى المدخل 86، والخطيب فى الجامع 2/ 192. وبهذا يظهر أن السائل ليحيى هو أحمد بن حنبل، وقد سبق استقصاء أقواله قبل فيه. (¬1) فى ت: من أجل. (¬2) فى ت: تخبيطه. (¬3) العلامة الإخبارى محمد بن السائب بن بشر الكلبى، كان رأساً فى الأنساب، إلا أنه تروك الحديث. أخرج ابن أبى حاتم عن زيد بن حباب يقول: سمعت سفيان الثورى يقول: عجباً لمن يروى عن الكلبى قال ابن أبى حاتم: فذكرته لأبى وقلت له: إن الثورى يروى عن الكلبى، قال: كان لا يقصد الرواية عنه، ويحكى حكايةً تعجباً فيعلقه من حضره ويجعلونه رواية عنه. الجرح 7/ 270.

حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِىُّ، قَال: سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: لَقِيتُ جَابِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم نهى أبى عبد الرحمن السُّلمى عن مجالسة شقيق، قال: وليس بأبى وائل، وشقيق هذا الذى نهى عن مجالسته لتهمته برأى الخوارج هو شقيق الضبى (¬1) القاص، كوفى (¬2)، ضعَّفَه النسائى، ويكنى بأبى عبد الرحيم، قال بعضهم: وهو أبو عبد الرحيم الذى حذَّر منه إبراهيم فى الكتاب قبل هذا [بشىء] (¬3) وقيل: إن أبا عبد الرحيم الذى حذَّر منه إبراهيم قبل هذا هو سلمة بن عبد الرحمن النخعى، وذكر ذلك ابن أبى حاتم الرازى فى كتابه عن ابن (¬4) المدينى (¬5). وقول مسلم: " وليس بأبى وائل "، يعنى ليس شقيق (¬6) هذا الذى نهى عن مجالسته بشقيق (¬7) بن سلمة أبى وائل الأسدى المشهور، معدود (¬8) فى كبار التابعين، وقد أدرك (¬9) النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمع منه، قاله البخارى وغيره. قال أبو وائل: بعث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن عشر سنين (¬10). وذكر مسلم جابراً الجُعفى (¬11) وأنه أظهر الإيمان بالرجعة- هذه الكلمةُ بفتح الراء وقد ¬

_ (¬1) فى الأصل: بالمهملة. (¬2) التاريخ الكبير 4/ 247، ميزان الاعتدال 2/ 279، وقال فيه: " من قدماء الخوارج، صدوق فى نفسه، وكان يقصّ بالكوفة- وكان أبو عبد الرحمن السُّلمى يذُمُّه ". (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فى ت: إبراهيم. (¬5) لم أعثر عليه به. (¬6) فى الأصل: شفيق. (¬7) بالأصل بالفاء أيضاً. (¬8) فى ت: المعدود. (¬9) فى ت: لقى. (¬10) فهو إذن من المخضرمين. حدث عن عمر، وعثمان، وعلى، وعمار، ومعاذ، وابن مسعود، وأبى الدرداء، وأبى موسى، وحذيفة، وعائشة، وخبَّاب، وأسامة بن زيد، والأشعث بن قيس، وأبى هريرة، وخلق سواهم. وقيل: إنه روى عن أبى بكر الصديق: وحدث عنه الأعمش، وعطاء بن السائب، وحماد الفقيه، وخلقٌ كثير، قال ابن سعد: كان ثقةً كثير الحديث. وقال الذهبى: كان رأساً فى العلم والعمل. مات سنة اثنين وثمانين. طبقات ابن سعد 6/ 96: 180، تاريخ البخارى 4/ 245، تاريخ بغداد 9/ 268، تهذيب التهذيب 4/ 361، سير 4/ 161. (¬11) هو جابر بن يزيد بن الحارث الجُعفى، الكوفى، أحدُ علماء الشيعة. روى عن أبى الطفيل والشعبى وخلق وعنه شعبة، وأبو عوانة، وعدة. قال ابن مهدى عن سفيان: كان جابر الجعفى ورعاً فى الحديث، ما رأيت أورع منه فى الحديث، وقال شعبة: صدوق، كان إذا قال: أخبرنا وحدثنا وسمعتُ فهو من أوثق الناس، وقال وكيع: ما شككتم فى شىء فلا تشكوا أن جابراً الجعفى ثقة قال سفيان: كان يؤمن بالرجعة، وقال النسائى وغيره: متروك، وقال يحيى: لا يكتبُ حديثه ولا كرامة. قال الذهبى بعد أن ساق حديث عائشة أنها وهبت الحسن والحسين ديناراً: رواته الثلاثة رافضة، ولكن لا يتهمون فى نقل فضل عائشة. ميزان 1/ 328. وقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر، ما أتيته بشىء من رأى إلا أتانى فيه بأثر، وزعم أن عنده ثلاثين ألف حديث قال الصدفى: عامَّةُ ما قذفوه به أنه آمن برجعة على بن أبى طالب- رضى الله عنه- إلى الدنيا. توفى سنة ثمان وعشرين ومائة، الطبقات الكبرى 6/ 345، طبقات خليفة 1/ 378، تاريخ خليفة 2/ 572، الجرح والتعديل 2/ 497، تاريخ جرجان: 507، ميزان الاعتدال 1/ 379، تهذيب التهذيب 2/ 46، الوافى بالوفيات 11/ 32.

ابْنَ يَزِيدَ الجُعْفِىَّ، فَلمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ الحُلوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَال: حَدَّثَنَا جَابِر بْنُ يَزِيدَ، قَبْل أَنْ يُحَدِثَ مَا أَحْدَثَ. وَحَدَّثَنِى سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَال: كَانَ النَّاسُ يَحْمِلونَ عَنْ جَابِرٍ قَبَل أَنْ يُظِهِرَ مَا أَظهَرَ. فَلمَّا أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ اتَّهَمَهُ النَّاسُ فِى حَدِيثِهِ، وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ. فَقِيل لهُ: وَمَا أَظهَرَ؟ قَال: الإِيمَانَ بِالرَّجْعَةِ. وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الحُلوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِىُّ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ وَأَخُوهُ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا الجَرَّاحَ بْنَ مَلِيحٍ يَقُول: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُول: عِنْدِى سَبْعُونَ أَلفَ حَدِيثٍ عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلهَا. وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَال: سَمِعْتُ زهُيْرًا يَقُول: قَال جَابِرٌ: أَوْ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُول: إِنَ عِنْدِى لخَمْسِينَ أَلفَ حَدِيثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِشَىْءٍ قَال: ثُمَّ حَدَّثَ يَوْمًا بِحَدِيثٍ فَقَالَ: هَذَا مِنَ الخَمْسِينَ أَلفًا. وَحَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ اليَشْكُرِىُّ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيدِ يَقُول: سَمِعْتُ سَلَّامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حكى فيها الكسر كرجعة المطلقة، تلك بالكسر، [و] (¬1) معنى ذلك نحو ما فَسَّره عنه بعد هذا سفيان من قول الرافضة: إن (¬2) علياً فى السحاب، فلا تخرُج مع من خرَج من ولده حتى ينادى من السماء أن اخرجوا معه، ويتأولون فيه أنه أخوة يوسف: {فَلَن أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} (¬3)، وأما الطائفة المعروفة بالسبَّائية والأخرى المعروفة [بالناروسية] (¬4) فيدَّعون أن علياً لم يمت، وأنه سيخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وقال ابن سَبَاء ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى الأصل بفتح الهمزة، وهو خطأ، والتصويب من ت. (¬3) يوسف: 80. (¬4) ساقطة من ت، وهى بغير راء، وهم أتباع رجل يقال له عجلان من ناوس، من أهل البصرة وقيل: نسبوا إلى قرية ناوسا، قالت: إن الصادق حىٌّ بعد، ولن يموت حتى يظهر، فيظهر أمره وهو القائم المهدى. قال الشهرستانى: وحكى أبو حامد الزوزنى أن الناوسية زعمت أن علياً مات وستنشق الأرض عنه يوم القيامة، فيملأ العالم عدلاً. الملل والنحل بهامش الفصل 2/ 6، مقالات الإسلاميين: 26. والسبائية هم أصحاب عبد الله بن سبأ. وهم أصحاب المقالة المذكورة، وذكروا عن ابن سبأ أنه قال لعلى- رضى الله عنه-: " أنت أنت "، والسبائية يقولون بالرجعة، وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا. مقالات الإسلاميين: 15.

ابْنَ أَبِى مُطِيعٍ يَقُول: سَمِعْتُ جَابِرًا الجُعْفِىَّ يَقُول: عِنْدِى خَمْسُونَ أَلفَ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنِى سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَال: سَمِعْتُ رَجُلاً سَأَل جَابِرًا عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَل {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين} (¬1). فَقَالَ جَابِرٌ: لمْ يَجِئ تَأوِيل هَذِهِ. قَال سُفْيَانُ: وَكَذَبَ. فَقُلْنَا لِسُفْيَانَ: وَمَا أَرَادَ بِهَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّافِضَةَ تَقُول: إِنَّ عَلَيًّا فِى السَّحَابِ، فَلا نَخْرُجُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ وَلدِهِ، حَتَّى يُنَادِىَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ. يُرِيدُ عَليًّا أَنَّهُ يُنَادِى: اخْرُجُوا مَعَ فُلان. يَقُول جَابِرٌ: فَذَا تَأوِيل هَذِهِ الآيَةِ. وَكَذَب. كَانَتْ فِى إِخْوَةِ يُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنِى سَلمَةُ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَال: سَمِعْتُ جَابِرًا يُحَدِّثُ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلاثِينَ أَلفَ حَدِيثٍ: مَا أَستَحِلَّ أنْ أَذْكُرَ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَنَّ لِى كَذَا وَكَذَا. قَال مُسْلِمٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ، مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الرَّازِىَّ. قَال: سَأَلتُ جَرِيرَ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ للذى جاءه بنعى على: لو جئتنا بدماغه فى تسعين صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، فذكر ذلك لابن عباس فقال: لو علمنا ذلك ما زوَّجنا نساءه ولا قسَّمنا ماله. قال الإمام أبو عبد الله: [قال مسلم] (¬2): " ثنا سلمةُ بن شبيب ثنا الحميدى ثنا سفيان قال: سمعت جابراً يُحدّثُ بنحو [من] (¬3) ثلاثين حديثاً ما أستحل أن أذكر منها شيئاً ". قال الإمام أبو عبد الله: قال بعضهم: سقط ذكر سلمة بن شُبيب بين مسلم والحميدى [عند ابن ماهان] (¬4)، والصواب [رواية أبى أحمد الجلودى] (¬5) بإثباته، فإن مسلماً لم يلق الحميدى (¬6) [ولا حدَّث عنه] (¬7). قال القاضى: الذى رواه شيوخنا فى هذا ¬

_ (¬1) يوسف: 80. (¬2) لفظ المعلم: وخرج مسلم بعد. (¬3) من المعلم. (¬4) لفظ المعلم: فى نسخة أبى العلاء بن ماهان. (¬5) ما رواه أبو أحمد وغيره، وفى ت: أبى يحيى. (¬6) هو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله، صاحب المسند، حدث عن الفضيل بن عياض، وسفيان ابن عيينة، فأكثر عنه وجود، ووكيع، والشافعى، وليس هو- كما قال الذهبى- بالمكثر ولكن له جلالةً فى الإسلام. حدّث عنه البخارى، والذهلى، ويعقوب الفسوى، وأبو زرعة الرازى، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة، وخلقٌ سواهم. قال فيه أحمد بن حنبل: الحُميدى عندنا إمام. وقال أبو حاتم: أثبت الناس فى ابن عيينة الحميدى، وهو رئيس أصحاب ابن عيينة، وهو ثقة إمام. قال الحميدى: جالست سفيان بن عيينة تسع عشرة سنة أو نحوها. وفيه يقول البخارى: الحميدى إمامٌ فى الحديث. وقال الفسوى: حدثنا الحميدى، وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه. مات سنة 219 هـ. الطبقات 5/ 502، التاريخ الكبير 5/ 96، الجرح 5/ 56، تهذيب التهذيب 5/ 214، سير 10/ 616. وقد طبع مسنده بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمى. (¬7) سقط من الأصل.

عَبْد الحَمِيد. فَقُلْتُ: الحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ لقِيتَهُ؟ قَال. نَعَمْ. شَيْخٌ طَوِيلُ السُّكُوتِ، يُصِرُّ عَلىَ أَمْرٍ عَظِيمٍ. حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىّ، قَال: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَال: ذَكَرَ أَيُّوبُ رَجُلاً يَوْمًا. فَقَالَ: لمْ يَكُنْ بِمُسْتَقِيمِ اللسَانِ، وَذَكَرَ آخَرَ فَقَالَ: هُوَ يَزِيدُ فِى الرَّقْمِ. حَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَال: قَال أَيُّوبُ: إِنَّ لى جَاراً - ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ فَضْلهِ - وَلوْ شَهِدَ عِنْدِى عَلى تَمْرَتَيْنِ مَا رَأَيْتُ شَهَادَتَهُ جَائِزَةً. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَال: قَال مَعْمَرٌ: مَا رَأَيْتُ أَيُّوبَ اغْتَابَ أَحَدًا قَطُّ إِلا عَبْدَ الكَرِيمِ - يَعْنِى أَبَا أُمَيَّةَ - فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فَقَالَ: رَحِمَه اللهُ، كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لقَدْ سَأَلنِى عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ. ثُمَّ قَال: سَمِعْتُ عَكْرِمَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبر عن سفيان (¬1) ثلاثين ألف حديث، وبعضهم الذى حكى عنه هذا الكلام، ويحكى عنه ما تعلق (¬2) هو الجبائى أبو على شيخنا، وقد جاء عن جابر فى " الأم " قبل هذا عندى سبعون ألف حديث عن أبى جعفر. قال القاضى: وقال أبو عبد الله بن الحذاء- وهو أحد رواة كتاب مسلم-: سألت عبد الغنى بن سعيد: هل روى مسلم عن الحميدى؟ فقال: لم أره إلا فى هذا الموضوع وما أبعد ذلك، أو يكون سقط قبل الحميدى رجلٌ، وعبد الغنى إنما رأى من مسلم نسخة ابن ماهان فلذلك قال ما قال، ولم يكن بعد (¬3) دخلت نسخة الجلودى، وقد ذكر مسلم قبل هذا: ثنا سلمة ثنا الحميدى- فى حديث آخر- كذا هو عند جميعهم- وهو الصوابُ هنا أيضاً إن شاء الله تعالى. وذكر مسلم عن أيوب أنه قال فى رجل: لم يكن مستقيم اللسان، وعن آخر: [إنه] (¬4) يزيد فى الرقم، هذا كله تعريض بالكذب فى نفى استقامة اللسان وفى استعارة الزيادة فى الرقم كالتاجر الذى يزيد فى رقم السِّلعَة ويكذب فيها ليربح على الناس ويغرهم بذلك الرقم ليشتروا عليه. ¬

_ (¬1) فى ت: سليمان. (¬2) فى الأصل: يعلق. (¬3) زيد بعدها فى الأصل لفظة: " ذلك " (¬4) ساقطة من ت.

حَدَّثَنِى الفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ. قَال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَال: قَدِمَ عَليْنَا أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى، فَجَعَل يَقُول: حَدَّثَنَا البَرَاءُ. قَال: وَحَدَّثَنَا زَيْد بْنُ أَرْقَمَ. فَذَكَرنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ. فَقَالَ: كَذَبَ. مَا سَمِعَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلاً، يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الجَارِفِ. وَحَدَّثَنِى حَسَنُ بْنُ عَلىٍّ الحُلوَانِىُّ، قَال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَاروُنَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، قَال: دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى عَلى قَتَادَةَ. فَلمَّا قَامَ قَالوا: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لقِىَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا. فَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا كَانَ سَائِلاً قَبْلَ الجَارِفِ، لا يَعْرِضُ فِى شَىْءٍ مِنْ هَذَا، وَلا يَتَكَلمُ فِيهِ، فَوَاللهِ مَا حَدَّثَنَا الحَسَنُ عَنْ بَدْرِىٍّ مُشَافَهَةً، وَلا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ عَنْ بَدْرِىٍّ مُشَافَهَةً، إِلا عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ رَقَبَةَ؛ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الهَاشِمِىَّ المَدَنِىَّ كَانَ يَضَعُ أَحَادِيثَ، كَلامَ حَقّ. وَليْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَرْوِيهَا عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم قول قتادة زمانَ طاعون الجارف. قال القاضى- رحمه الله-: كان طاعون الجارف سنة تسعة عشرة ومائة بالبصرة، وسُمى بذلك لكثرة من مات فيه من الناس، وسُمى الموتُ جارفاً لإجرافه الناس، والسيل جارفاً لإجرافه ما على وجه الأرض، والجرف: الغرف من فوق (¬1) الأرض واكتساح (¬2) ما عليها. وذكر مسلم إنكار عوف على عمرو بن عُبيد روايته عن الحسين: " من حمل علينا السلاح فليس منا " وقوله: " كذب والله، و [لكنه] (¬3) أراد أن يحوذها لقوله الخبيث " يعنى لمذهبه فى الاعتزال، بإخراج أهل المعاصى من اسم الإيمان. قال بعض شيوخنا: العجب من مسلم كيف أدخل هذا فيما أنكر على عمرو، والحديث صحيح قد خرَّجه هو [بعد هذا] (¬4) فى كتاب الإيمان. قال القاضى: لا عيب على مسلم ولا عجب مما أتاه، فإنه لم يُدخله لوهن الحديث وضعفه، وإنما أورده لقول عوف فى عمرو وتجريحه، ولو كان التعجب من عوف كان أولى، ولعل عوفاً إنما كذَّبه فى روايته هذا الحديث عن الحسين (¬5) وأنه ليس من حديثه، وكان عوف من كبار أصحاب الحسن والحافظين لحديثه، أو لم يكن عند عوف من الحديث علم، ولا بلغه، وقد خرَّجه مسلم من طرق كثيرة ليس منها عن الحسن (¬6) شىء، وقد ¬

_ (¬1) فى ت: وجه. (¬2) فى ت: وإكشاح. (¬3) من المطبوعة. (¬4) سقط من الأصل. (¬5) فى ت: الحسن. (¬6) فى ت: الحسين.

حَدَّثَنَا الحَسَنُ الحُلوَانِىُّ، قَال: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَال أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ سُفْيَانَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَال: حَدَّثَنَا نعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسَىُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ؛ قَال: كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَكْذِبُ فِى الحَدِيثِ. حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىّ، أَبُو حَفْصٍ، قَال: سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنِ مُعَاذٍ يَقُول: قُلْتُ لعَوْفِ ابْنِ أَبِى جَمِيلةَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَنِ الحَسَنِ؛ أَنَّ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال. " مَنْ حَمَلَ عَليْنَا السِّلاحَ فَليْسَ مِنَّا ". قَالَ: كَذَبَ، وَاللهِ، عَمْرٌو. وَلكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلى قَوْلِهِ الخَبِيثِ. وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَال: كَانَ رَجُلٌ قَدْ لزِمَ أَيُّوبَ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَفَقَدَهُ أَيُّوبُ. فَقَالوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّهُ قَدْ لزِمَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ. قَال حَمَّادٌ: فَبَيْنَا أَنَا يَوْمًا مَعَ أَيُّوبَ وَقَدْ بَكَّرْنَا إِلى السُّوقِ، فَاسْتَقْبَلهُ الرَّجُل. فَسَلمَ عَليْهِ أَيُّوبُ وَسَأَلهُ. ثُمَّ قَال لهُ أَيُّوبُ: بَلغَنِى أَنَّكَ لزِمْتَ ذَاكَ الرجُل. قَال حَمَّادُ: سَمَّاهُ، يَعْنِى عَمْرًا. قَال: نَعَمْ، يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّهُ يَجِيئُنَا بِأَشْيَاءَ غرَائِبَ. قَال: يَقُول لهُ أَيُّوبُ: إِنَّمَا نَفِر أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الغَرَائِبِ. وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِر، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ، يَعْنِى حَمَّادًا. قَال: قِيل لأَيُّوبَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ رَوَى عَنِ الحَسَنِ قَال: لا يُجْلدُ السَّكْرَانُ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون إنما كذَّبه فى تأويله لمعناه على مذهبه، ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم وأشباهه من الأحاديث الواردة على مثل هذا: أنه ليس ممن اهتدى بهدينا، واقتدوا (¬1) بعلمنا. وقال الطحاوى: وكأن الله اختار لنبيه الأمور المحمودة ونفى عنه المذمومة، فمن عمل المحمودة فهو منه، ومن عمل المذمومة فليس منه كما قال تعالى عن إبراهيم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} الآية (¬2)، وهذا راجع إلى المعنى الأول، وكما يقول (¬3) الرجل لولده إذا لم يرض حاله: لست منى. وذكر مسلم قول أيوب: " إنما نَفِرُّ أو نفرَقُ من تلك الغرائب ": أى نفزع ونتحاشى من روايتها لئلا نكون أحد الكاذبين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن كانت الغرائب من الأحاديث، وإن كانت من الآراء والمذاهب والفتوى فحذراً من البدع، ومخالفة الجمهور، باتباعه الغريب الذى لا يعرف. وذكر مسلم الاختلاف عن الحسن فى جَلدِ السكران من النبيذ، لم يختلف العلماء أنه ¬

_ (¬1) فى ت: واقتدى. (¬2) إبراهيم: 36. (¬3) كتب قبلها بالأصل: " قال " وهو خطأ.

النَّبِيذ. فَقَالَ: كَذَبَ. أَنَا سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُول: يُجْلدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذ. وَحَدَّثَنِى حَجَّاج، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَال سَمِعْتُ سَلامَ بْنَ أَبِى مُطِيعٍ يَقُول: بَلغَ أَيُّوبَ أَنِّى آتِى عَمْرًا، فَأَقْبَل عَلىَّ يَوْمًا فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً لا تَأمَنُهُ عَلى دِينِهِ، كَيْفَ تَأمَنُهُ عَلى الحَدِيثِ؟ وَحَدَّثَنِى سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ قَبْل أَنْ يُحْدِثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا سكر حُدَّ، وأن كل مسكر لشدته المطربة حرام، كان خمراً أو غيره، وأما إن شرب من الشراب المختلف فيه ولم يُسكر فمن يبيح شربَه لا يُحِدُّه (¬1) ومن يمنعه يُحِدُّه، وهو مالك والشافعى، وتأول بعضهم قول مالك أنه فى غير المجتهد، وأما المجتهد الذى يرى إباحته فلا يُحدُّه، لأنه قد ناظر فى المسألة جماعة من الأئمة الذين كانوا يشربونه ولم يأمر بحدّهم، وقد كانت الأمور تجري بأمره وعلى رأيه، ونص الشافعى على حدّ المجتهد وقال: أحُدُّه ولا أردُّ شهادتَه (¬2). ¬

_ (¬1) القائلون بهذا هم الأحناف، وهذه مسألة تفتقر إلى بسط، حتى لا يفهم عنهم ما لم يقصدوه. جاء فى بدائع الصنائع عند بيان أسماء الأشربة المعروفة المسكرة وبيان معانيها وأحكامها وحدّ الإسكار: " أما السكر والفضيخ ونقيع الزبيب فيحرم شرب قليلها وكثيرها، لما روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخمر من هاتين الشجرتين " وأشار- عليه الصلاة والسلام- إلى النخلة والكرمة. قال: وأما حكم المطبوخ منها، أما عصير العنب إذا طبخ أدنى طبخة- وهو الباذق- أو ذهب نصفه - وهو المنصف- فيحرم شرب قليله وكثيره، عند عامة العلماء- رضى الله عنهم-، والدليل على أن الزائد على الثلث حرام ما روى عن سيدنا عمر أنه كتب إلى عمار بن ياسر: إنى أتيت بشراب من الشام طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه يبقى حلاله ويذهب حرامه وريح جنونه، فمر من قبلك فليتوسعوا من أشربتهم، قال. نص على أن الزائد على الثلث حرام، وأشار إلى أنه ما لم يذهب ثلثاه فالقوة المسكرة فيه قائمة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينقل عنهم خلافه فكان إجماعاً منهم، ولا يحد شاربه ما لم يسكر، وإذا سكر حد، ولا يكفر مستحله. فأما إذا طبخ العنب كما هو فقد حكى أبو يوسف عن أبى حنيفة أن حكمه حكم العصير لا يحل حتى يذهب ثلثاه، وروى الحسن عن أبى حنيفة أن حكمه حكم الزبيب حتى لو طبخ أدنى طبخة يحل بمنزلة الزبيب وأما المطبوخ من نبيذ التمر ونقيع الزبيب أدنى طبخة، والمنصف منهما فيحل شربه، ولا يحرم إلا السكر منه، وهو طاهر، يجوز بيعه، ويضمن متلفه، قال: وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف. وعن محمد روايتان: فى رواية لا يحل شربه، لكن لا يجب الحد إلا بالسكر، وفى رواية قال: لا أحرمه ولكن لا أشرب منه. بدائع الصنائع 6/ 2934 - 2947. (¬2) لم أجدها فى كتب الشافعى بهذه السياقةَ، وغاية ما وقفت عليه فى الأم: قال الشافعى: أخبرنا إبراهيم ابن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن على بن أبى طالب قال: لا أوتى بأحد شرب خمراً أو نبيذاً مسكرًا إلا حددته. الأم 6/ 130. قال: قال بعض الناس: الخمر حرام، والسكر من كل الشراب، ولا يحرم المسكر حتى يسكر منه، ولا يحد من شرب نبيذاً مسكراً حتى يسكره. السابق 6/ 131.

حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَال: كَتَبْتُ إِلى شُعْبَةَ أَسْأَلهُ عَنْ أَبِى شَيْبَةَ قَاضِى وَاسِطٍ، فَكَتَبَ إِلىَّ: لا تَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئًا، وَمَزِّقْ كَتَابِى. وَحَدَّثَنَا الحُلوَانِىُّ، قَال: سَمِعْتُ عَفَّانَ قَال: حَدَّثْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلمَةَ [عَنْ] (¬1) صَالِحٍ المُرِّىِّ بِحَدِيثٍ عَنْ ثَابِتٍ. فَقَالَ: كَذَبَ. وَحَدَّثتُ هَمَّامًا عَنْ صَالِحٍ المُرِّىِّ بِحَدِيثٍ فَقَالَ: كَذَبَ. وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالْ قَال لى شُعْبَةُ: أيْتِ جَرِيرَ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم كتاب شعبة لمعاذ العنبرى: " لا تكتب عن أبى شيبة ". قال القاضى- رحمه الله-: وقوله: " ومزّق كتابى ": لعله أمره بتمزيقه حذراً أن يعتقد عليه ذلك أبو شيبة أو من له أمر الطعن على من قدموا. وذكر مسلم هنا فى صدر كتابه حديث الصلاة على قتلى أحد وعلى أولاد الزنا. جاءت الآثار الصحاح عن جابر؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم يُصل على قتلى أحُدٍ صلاته على الميت " (¬2)، وعن ابن عباس وابن الزبير أنه صلى يوم [أحد] (¬3) [على] (¬4) قتلى أحُدٍ [ولم يغسَّلوا] (¬5) ومثله عن أنس، وروى عقبة بن عامر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً فصلى ¬

_ (¬1) ساقطة من نسخة الشعب. (¬2) حديث جابر أخرجه البخارى، ك الجنائز، ب دفن الرجلين والثلاثة فى قبر واحد 2/ 115، وأبو داود، ك الجنائز، ب الشهيد يغسل 2/ 174، وكذا الترمذى والنسائى، ك الجنائز، ب 61 وابن عبد البر فى التمهيد 24/ 241. ولفظ حديث جابر عند البخارى: " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد فى ثوب واحد ثم يقول: " أيهم أكثرُ أخذاً للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه فى اللحد، وقال: " أنا شهيد على هؤلاء "، وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يُصل عليهم ولم يغسّلهم " 2/ 115. زاد أبو داود والترمذى والنسائى: " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة "، ولفظ أنس عند أبى داود: أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم ولم يُصل عليهم. ثم ساق عن أنس بمثل معنى حديث جابر. وأخرجه الترمذى وقال. " غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه ". معالم السنن 4/ 297. ولفظ ابن عباس قال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم. كما أخرجه ابن ماجه أيضاً. قال الخطابى: فى إسناده على بن عاصم الواسطى وقد تكلم فيه جماعة، وعطاء بن السائب، وفيه مقال. معالم السنن 4/ 294. وللطبرانى عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على قتلى أحد فكبر تسعاً وتسعاً، ثم سبعاً وسبعاً، ثم أربعاً وأربعاً، حتى لحق بالله. قال الهيثمى: رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط وإسناده حسن. مجمع 3/ 35 وحديث عقبة أخرجه البخارى فى الصحيح الكتاب والباب السابقين، وهو جزء حديث له. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) زيادة يقتضيها السياق. (¬5) سقط من ت.

حَازِمٍ فَقُل لهُ: لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَرْوِىَ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، فَإِنَّهُ يَكْذِبُ. قَال: أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لشُعْبَةَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَنِ الحَكَمِ بِأَشْيَاءٍ لمْ أَجِدْ لهَا أَصْلاً. قَال: قُلْتُ له: بِأَىِّ شَىْءٍ؟ قَال: قُلْتُ للحَكَمِ أَصَلى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلىَ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: لمْ يُصَل عَليْهِمْ. فَقَالَ الحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على أهل أحد [صلاته على الميت] (¬1) وعن ابن عباس وابن الزبير أنه صلى يوم أحد على قتلى أحد. فاختلف العلماء فى غسلهم والصلاة عليهم باختلاف هذه الأحاديث، فذهب مالك والشافعى وأحمد والليث فى جماعة أنهم لا يُغَسَّلون ولا يُصلى عليهم، وذهب أبو حنيفة والأوزاعى والثورى إلى إنهم لا يغسلون ويُصلى عليهم (¬2)، وذهب ابن المسيب والحسن إلى غُسْلهم والصلاة عليهم (¬3)، وحجة مالك ومن وافقه الأحاديث المتقدمة وأن حديث عقبة (¬4) كان بعد دفنهم بسنين، ويعنى (¬5) الدعاء والترحم عليهم، ولأن الصلاة على ¬

_ (¬1) سقط من ت، وقيد بعدها فى ت: ولم يغسلوا. (¬2) قال ابن عبد البر: وبذا قال أحمد بن حنبل، والأوزاعى وإسحاق وداود وجماعة فقهاء الأمصار، وأهل الحديث وابن علية. التمهيد 24/ 242. (¬3) وحجتهم فى ذلك أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يغسل شهداء أحد لكثرتهم، وللشغل عن ذلك، واحتج بعض المتأخرين ممن ذهب مذحب الحسن وسعيد بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شهداء أحد: " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " وقال: هذا يدُل على خصوصهم، وأنهم لا يشركهم فى ذلك غيرهم. قال ابن عبد البر. ولم يقل بقول سعيد والحسن هذا أحدٌ من فقهاء الأمصار إلا عبيد الله بن الحسن العنبرى البصرى. وليس ما ذكروا من الشغل عن غسل شهداء أحد علة؛ لأن كل واحد منهم كان له ولى يشتغل به. ويقوم بأمره، والعلة- والله أعلم- فى ترك غسلهم ما جاء فى الحديث المرفوع فى دمائهم أنها تأتى يوم القيامة كريح المسك. قال: رواه الزهرى عن عبد الله بن ثعلبة. تمهيد 24/ 224. قلت: وأخرجه النسائى فيما سبق وأن ذكرت، قال- مشيراً إلى قول سعيد والحسن والمتأخرين ممن ذهب مذهبهما-: القول بهذا خلاف على الجمهور، وهو يشبه الشذوذ، والقول بترك غسلهم أولى لثبوت ذلك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قتلى أحد وغيرهم. واحتج لذلك بما أخرجه أبو داود عن أبى الزبير عن جابر قال: ورمى رجل بمهم فى صدره أو فى حلقه فمات، فأدرج فى ثيابه كما هو، قال. ونحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو عمر: وأما الصلاة عليهم، فإن العلماء اختلفوا فى ذلك، واختلفت فيه الآثار: فذهب مالك والليث والشافعى، وأحمد وداود، إلى ألا يصلى عليهم، لحديث الليث عن الزهرى عن ابن كعب بن مالك عن جابر. وقال فقهاء الكوفة والبصرة، والشام: يصلى عليهم، قال: ورووا آثاراً كثيرة أكثرها مراسيل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على حمزة، وعلى سائر شهداء أحد. تمهيد 24/ 244. قلت: حديث عقبة بن عامر يدفع هذا القول، فهو متصل فى الصحيح. قال الحافظ فى الفتح: قال الزين بن المنير فى حديث عقبة: " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت " تحت باب الصلاة على الشهيد قال: أراد باب حكم الصلاة على الشهيد، ولذلك أورد فيه حديث جابر الدال على نفيها وحديث عقبة الدال على إثباتها، قال: ويحتمل أن يكون المراد باب مشروعية الصلاة على الشهيد فى قبره لا قبل دفنه، عملاً بظاهر الحديثين. فتح 3/ 249. (¬4) فى ت: عتبة، وهو خطأ. (¬5) فى ت: وبمعنى.

صَلى عَليْهِمْ وَدَفَنَهُمْ. قُلْتُ لِلحَكَمِ: مَا تَقُول فِى أَوْلادِ الزِّنَا؟ قَال: يُصَلى عَليْهِمْ. قُلْتُ: مِنْ حَدِيثِ مَنْ يُرْوَى؟ قَال. يُرْوَى عَنِ الحَسَنِ البَصْرِىِّ. فَقَالَ الحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ عَن يَحْيَى بْنِ الجَزَّارِ عَنْ عَلِىٍّ. وَحَدَّثَنَا الحَسَنُ الحُلوَانِى. قَال: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، وَذَكَرَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ، فَقَالَ: حَلفْتُ أَلا أَرْوِىَ عَنْهُ شَيْئًا، وَلا عَنْ خَالدِ بْنِ مَحْدُوجٍ. وَقَال: لقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ. فَسَأَلتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَنِى بِهِ عَنْ بَكْرِ المُزَنِىِّ. ثُمَّ عُدْتُ إِليْهِ فَحَدَّثَنِى بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ. ثُمَّ عُدْتُ إِليْهِ فَحَدَّثَنِى بِهِ عَنْ الحَسَنِ. وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلى الكَذِبِ. قَال الحُلوَانِىُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ، وَذَكَرْتُ عِنْدَهُ زِيادَ بْنَ مَيْمُونٍ، فَنَسَبَهُ إِلى الكَذِبِ. وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، قَال: قُلْتُ لأَبِى دَاوُدَ الطَّيَالِسِىِّ: قَدْ أَكْثَرتَ عَنْ عَبَّادِ بنِ مَنْصُورٍ، فَمَا لكَ لمْ تَسْمَعْ مِنْهُ حَدِيثَ العَطَّارَةِ الذِى رَوَى لنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ؟ قَال لِى: ـــــــــــــــــــــــــــــ الموتى، وقد أخبر الله تعالى أن الشهداء أحياء، ولأنهم يبعثون فى دمائهم وريحها ريح مسك والغسل (¬1) يذهبها، فوجب ألا تغير أحوالهم، ولم تصح عندهم الأحاديث الأخر حتى تُعارَض بها تلك الأحاديث الصحيحة، وأما ولد الزنا فليس فيه أثر يعول عليه، وعامة العلماء على الصلاة عليه كغيره من أولاد المسلمين، إلا قتادة فقال: لا يصلى عليه، وسيأتى هذا البابُ كله فى [الصلاة على الأطفال] (¬2) فى كتاب الجنائز، إن شاء الله تعالى. وذكر مسلم حديث العطارة ولم يفسّره. هو حديث رواه زياد بن ميمون أبو عمار عن أنس، أن امرأة يقال لها: الحولاء عطَّارة، كانت بالمدينة فدخلت على عائشة وذكرت خبرها مع زوجها، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر [لها] (¬3) فى فضل الزوج، وهو حديث طويل غير صحيح، ذكره ابن وضاح (¬4) بكماله فى كتاب " القطعان " له، ويقال: إن هذه العطَّارة [الحولاء هى] (¬5) بنت تويْتِ المذكورة فى غير هذا الحديث. ¬

_ (¬1) فى الأصل: والغسيل، والمثبت- وهو الأصوب- من ت. (¬2) فى ت: والصلاة على أطفال المسلمين. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) هو كمال الدين أبو الحسن على بن محمد بن محمد بن وضاح بن أبى سعيد، محمد بن وضاح نزيل بغداد، فقيه، حنبلى، نحوى، زاهد، كاتب، محدث، سمع صحيح مسلم من المروزى، وببغداد من ابن القطيعى، وابن روزية، صحيح البخارى عن أبى الوقت، ومن عمر بن كرم جامع الترمذى، ومن عبد اللطيف أبن القطيعى سنن الدارقطنى، كان صديقاً للشيخ محيى الدين الصرصرى. قال ابن رجب: كان سمح النفس، له إجازات من جماعات كثيرة منهم من دمشق الشيخ موفق الدين بن قدامة. توفى رحمه الله سنة اثنتين وسبعين وستمائة، ودفن بحضرة قبر الإمام أحمد بن حنبل عند رجليه. شذرات 5/ 336، ذيل طبقات الحنابلة: 315، هدية العارفين 1/ 712، معجم المؤلفين 7/ 231. (¬5) فى ت: هى الحولاء.

اسْكُتْ. فَأَنَا لقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِىٍّ. فَسَأَلنَاهُ فَقُلْنَا لهُ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ التِى تَرْوِيهَا عَنْ أَنَسٍ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمَا رَجُلاً يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَليْسَ يَتُوبُ اللَّهُ عَليْهِ؟ قَال: قُلْنَا نَعَمْ. قَال: مَا سَمِعْتُ مِنْ أَنَسٍ، مِنْ ذَا قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا، إِنْ كَانَ لا يَعْلمُ النَّاسُ فَأَنْتُمَا لا تَعْلمَانِ أَنِّى لمْ أَلقَ أَنَسًا. قَال أَبُو دَاوُدَ: فَبَلغَنَا، بَعْدُ أَنَّهُ يَرْوِى. فَأَتَيْنَاهُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: أَتُوبُ. ثُمَّ كَانَ، بَعْدُ، يُحَدِّثُ. فَتَرَكْنَاهُ. حَدَّثَنَا حَسَنٌ الحُلوَانِىُّ قَال: سَمِعْتُ شَبَابَة. قَال: كَانَ عَبْدُ القُدُّوسِ يُحَدِّثنَا فَيَقُول: سُوَيْدُ بْنُ عَقَلةَ. قَال شَبَابَةٌ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ القُدُّوسِ يَقُول: نَهَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَخَذَ الرَّوْحُ عَرْضًا. قَال فَقِيل له: أَىُّ شَىْءٍ هَذَا؟ قَال: يَعْنِى تُتَّخَذُ كُوَّةٌ فِى حَائِطٍ لِيَدْخُل عَليْهِ الرَّوْحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم عن عبد القدوس أنه كان يقول: " سُويد بن عقَلةَ "، بالعين المهملة والقاف. و " أن تتخذَ الرَّوح عرْضًا " بفتح الراء فى الأولى والعين المهملة وسكون الراء فى الثانية، وتفسيره لذلك بما ذكره، وإنما أراد مسلم أنه صحف فى ذلك، وأخطأ فى الرواية والتفسير، وإنما صوابه سُويد بن غفَلةَ- بالغين المعجمة والفاء، والروح بضم الراء وغَرَضًا بالغين المعجمة وفتح الراء، أى يتخذ ما فيه روح غَرَضًا للرمى وشبهه (¬1)، وقد ذكره فى كتاب الصيد (¬2) على الصواب، وهذا مثل نهيه- عليه السلام- عن قتل المصبورة والمجثَّمة، وهى ذات الروح من الطير وغيره، تُصْبَر، أى تحَبسُ ليُرمى عليها، وسيأتى هذا فى كتاب الصيد، ولم يختلف العلماء فى منع أكلها وأنها غير ذكيَّة. وفائدة الحديث: النهى عن قتل الحيوان لغير منفعة والعبث بقتله. وقال الطبرى: فيه دليل على منع قتل ما أُحِل أكله من الحيوان ما وُجد إلى تزكيته سبيل، ثمَّ فيه فسادُ المال. وذكر أبا سعيد الوُحاظىَّ (¬3)، هو بضم الواو، وحاظة بطن من بطون حمير (¬4)، كذا قيدناه عن شيوخنا، وحُكى عن أبى الوليد الباجى فيه فتح الواو. ¬

_ (¬1) قيدت فى الأصل بالإهمال. (¬2) فى الأصل: التقييد. (¬3) هو عبد القدوس بن حبيب الكلاعى الوحاظى الشامى. يروى عن عطاء، ونافع، والشعبى. قال ابن المبارك: لأن أقطع الطريق أحبُّ إلى من أن أروى عنه، وقال يحيى: ضعيف، وقال مرة: متروك الحديث، وقال إسماعيل بن عياش: أشهد عليه بالكذب، وقال البخارى: أحاديثه مقلوبة، وقال الفلاس: أجمع أهل العلم على ترك حديثه، وقال مسلم: ذاهب الحديث، وقال أبو داود: ليس بشىء، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتب حديثه، وقال النسائى: متروك الحديث، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. الجرح 6/ 55، الضعفاء والمتروكين 2/ 113، الضعفاء الصغير 208. (¬4) مراد مسلم هنا بيان نوع من أنواع التدليس.

قَال مُسْلمٌ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ القَوَارِيرِىَّ يَقُول: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ يَقُول لِرَجُلٍ، بَعْدَ مَا جَلسَ مَهْدِىُّ بْنُ هِلالٍ بِأَيام: مَا هَذِهِ العَيْنُ المَالِحَةُ التِى نَبَعَتْ قِبَلكُمْ؟ قَال: نَعَمْ. يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ. وَحَدَّثَنَا الحَسَنُ الحُلوَانِىُّ، قَال: سَمِعْتُ عَفَّانَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَوَانَةَ قَال: مَا بَلغَنِى عَنْ الحَسَنِ حَدِيثٌ، إلا أَتَيْتُ بِهِ أَبَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ، فَقَرَأَهُ عَلَىَّ. وَحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَال: سَمِعْتُ أَنَا، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ مِنْ أَبَانَ بْنِ أَبِى عَيَّاشٍ نَحْوًا مِنْ أَلفِ حَدِيثٍ. قَال عَلىٌّ: فَلقِيتُ حَمْزَةَ فَأَخْبَرَنِى أَنَّهُ رَأَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى المَنَامِ، فَعَرَضَ عَليْهِ مَا سَمِعَ مِنْ أَبَانَ، فَمَا عَرِفَ مِنْهَا إِلا شَيْئًا يَسِيرًا، خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىَّ، قَال لِى أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِىُّ: اكْتُبْ عَنْ بَقِيَّةَ مَا رَوَى عَنِ المَعْرُوفِينَ، وَلا تَكْتُبْ عَنْهُ ما روىَ عَنْ غَيْرِ المَعْرُوفِينَ، وَلا تَكْتُبْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ مَا رَوَى عَنِ المَعْرُوفِينَ، وَلا عَنْ غَيْرِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم عن حمزة الزيات، أنه رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المنام فعَرَض عليه ما سَمِع من أبان فما عرف منها (¬1) إلا شيئاً يسيراً. هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام، ولا أن تبطل بمثله سُنَّة ثبتت، ولا يُثبت به سُنَّة لم تثبت بإجماع [من] (¬2) العلماء. وقوله- عليه السلام-: " من رآنى [فى المنام] (¬3) فقد رآنى [أو قد] (¬4) رأى الحق- فإن الشيطان لا يتمثل بى " أى إن رؤياه- عليه السلام- حق ليس فيها للشيطان عمل ولا تلبيس، وأن الشيطان غير متسلط على التصور فى المنام على صورته، أو يكون ما رؤى فيه مات الرؤيا الصحيحة لا من أضغاث الأحلام، وقيل: فقد رآنى حقاً، ورأى شخصه المكرَّم حقيقةً، وسيأتى كلام الإمام أبى عبد الله على هذا الحديث وما ذيلناه به فى كتاب العبارة إن شاء الله تعالى. وذكر مسلم عن جماعة من الأئمة رَموا جماعة بالكذب: اعلم أن الكاذبين على ضربين: ضرب عرِف (¬5) بذلك فى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم على أنواع: منهم من يضع عليه ما لم يقله أصلاً إما تراقعًا (¬6) واستخفافاً، كالزنادقة وأشباههم ¬

_ (¬1) فى ت: منه. (¬2) من ت. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) فى الأصل: وفاقد. (¬5) فى الأصل: عرفوا، والمثبت من ت. (¬6) فى ت جاءت بالفاء.

وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، قَال: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ الله قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ممن لم يرج للدين وقاراً (¬1)، أو حِسْبَة بزعمهم (¬2)، أو تديُّنًا كجهلة المتعبِّدة الذين وضعوا الأحاديث فى الفضائل والرغائب (¬3)، أو إغراباً وسُمْعَةً كفسقة المحدثين، أو تعصباً واحتجاجاً كدُعاة المبتدعة ومتعصبى المذاهب (¬4)، أو اتباعاً لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه وطلب العذر لهم فيما أتوه (¬5)، وقد تعيَّن جماعةٌ من كل طبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلم الرجال. ومنهم من لا يضع من الحديث، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسنادًا صحيحاً مشهورًا. ومنهم من يقلب الأسانيد (¬6)، أو يزيد فيها ويتعمَّدُ ذلك إما للإغراب على غيره أو لرفع الجهالة عن نفسه. ¬

_ (¬1) مثال ذلك فيما أخرجه البخارى فى الأوسط والخزرجى فى الخلاصة عن عمر بن صحيح بن عمران التميمى أنه قال: " أنا وضعت خطبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". تهذيب 7/ 463، كتاب الضعفاء والمتروكين 2/ 221. قال ابن عدى: " منكر الحديث "، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على وجه التعجب. وقال الدارقطنى: متروك. وقال الأزدى: كذاب. (¬2) مثاله فيما ذكره الذهبى وغيره عن محمد بن عيسى الطباع، قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا كان له كذا؟ قال: وضعته أرغب الناس. ميزان 4/ 230، لسان 6/ 138. (¬3) ومثاله فيما ذكره الحاكم فى شأن أبى عصمة نوح بن أبى مريم، قال: " إنه وضع حديث فضائل القرآن الطويل ". المغنى 2/ 703، ميزان 4/ 279، الباعث الحثيث: 81. (¬4) يدل عليه ما ذكره الرامهرمزى فى كتابه المحدث الفاصل من طريق عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم قال: " قال له رجل من الخوارج: إن هذا الحديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً " 415، 416، وما رواه ابن حبان فى المجروحين قال: " سمعت عبد الله بن على الجبلى يقول: سمعت محمد بن أحمد بن الجنيد الدقاق يقول: سمعت عبد الله بن يزيد المقرى يقول: عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته، جعل يقول: انظروا هذا الحديث ممن تأخذون، فإنا كنا إذا رأينا رأيًا جعلنا له حديثاً " 1/ 69. وللوقوف على مزيد الأمثلة له يراجع: الموضوعات لابن الجوزى. (¬5) من ذلك ما أخرجه الخطيب بسنده إلى أبى سعيد العقيلى قال: " لما قدم الرشيد المدينة أعظم أن يرقى منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قباءَ أسود ومنطقة، فقال أبو النجدى: حدثنى جعفر بن محمد عن أبيه قال: نزل جبريل على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه قباء ومنطقةُ مخنجراً فيها بخنجر. تاريخ بغداد 13/ 452. وله بسنده إلى أبى عبيد الله قال: " قال لى أمير المؤمنين المهدى: لما أتانا نعى مقاتل، أشتد ذلك على، فذكرته لأمير المؤمنين أبى جعفر فقال: لا يكبر عليك، فإنه كان يقول: انظر ما تحب أن أحدثه فيك حتى أحدثه ". تاريخ بغداد 13/ 167 وهذا النوع بالنسبة إلى سوابقه قليل. راجع: الوضع فى الحديث للدكتور عمر بن حسن فلاتة. (¬6) قلب الإسناد يكون بتقديم أو تأخير فى اسم الراوى، ويكون بتغيير الإسناد وتبديله كله أو بعضه.

قَال ابْنُ المُبَارَكِ: نِعْمَ الرَّجُل بَقِيَّةُ، لوْلا أَنَّهُ كَان يَكْنِى الأَسَامِىَ وَيُسَمِّى الكُنَى. كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثَنَا عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الوُحَاظِىِّ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ عَبْدُ القُدُّوسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من يكذب فيدَّعى سماع ما لم يسمع أو لقاء من لم يلق ويُحدّثُ بأحاديثهم الصحيحة عنهم. ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة أو غيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1). فهؤلاء [كلهم] (¬2) كذابون متروكو الحديث، وكذلك من تجاسر بالحديث بما لم يحققه ولم يضبطه أو هو شاك فيه، فلا تحدّث عن هؤلاء ولا يُقبل ما حدثوا به، ولو لم يكن منهم مما جاؤوا به من هذه الأمور إلا المرة الواحدة، كشاهد الزور إذا تعمد ذلك [مرة واحدة] (¬3) سقطت شهادتُه، واختُلف هل تُقبل فى المستقبل إذا ظهرت توبته أو زادت فى الخير حالته؟ والصنف الآخر من لا يستجيز شيئاً من هذا كله فى الحديث، ولكنه يكذب فى حديث الناس، [قد] (¬4) عُرِف بذلك، فهذا أيضاً لا يُقبل حديثه ولا شهادتُه، قاله مالك وغيره، وتنفعه التوبة ويرجع إلى القبول. فأما من يندُر منه القليل من الكذب ولم يُعرف به فلا يقطع بتجريحه مثلهم (¬5) إذ (¬6) يتأول عليه الغلط أو الوهم، وإن اعترف متعمدُ ذلك المرة الواحدة ما لم يضر بها مسلماً فلا يلحق بمثله الجرحة، وإن كانت معصيةٌ لندورها، ولأنها لا تلحق بالكبائر الموبقات، ولأن أكثر [الناس] (¬7) قل ما يسلمون من مواقعات (¬8) بعض [هذه] (¬9) الهنات، وبهذا قال مالك- رحمه الله- فيمن تُردّ شهادتُه: أن يكون كاذباً فى غير شىء (¬10). وقال سحنون فى الذى يقارف بعض الذنب كالزلة: تجوز شهادته، لأنَّ ¬

_ (¬1) من ذلك ما كان من قول على بن أبى طالب- رضى الله عنه-: " الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ". قال ملا على القارى: " إنه من كلام عمر- رضى الله عنه- وقيل. إنه من قول على وهو الأشهر الأظهر ". الأسرار المرفوعة: 367. ومن أمثلة كلام الحكماء الذى ينسجونه كذباً إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قول الحارث بن كلدة طبيب العرب: " المعدة بيت الداء، والحميةُ رأس كل دواء ". قال القارى: " هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، ولا يصح رفعه إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". الأسرار المرفوعة: 320، المقاصد الحسنة: 389، راجع أيضاً: رسالة الدكتور عمر بن حسن فلاتة فى الوضع فى الحديث 2/ 62. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) ساقطة من ت. (¬5) فى الأصل: مثله. (¬6) فى الأصل: إذا. (¬7) ساقطة من الأصل. (¬8) فى ت: مواقعة. (¬9) ساقطة من الأصل. (¬10) راجع: الجرح والتعديل 1/ 32، والكفاية: 116.

وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِىُّ، قَال سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُول: مَا رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُفْصِحُ بِقَوْلِهِ: كَذَّابٌ إِلا لِعَبْدِ القُدُّوسِ، فَإِنِّى سَمِعْتُهُ يَقُول لهُ كَذَّابٌ. وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، وَذَكَرَ المُعَلى بْنَ عُرْفَان. فَقَالَ: قَال: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ قَال: خَرَجَ عَليْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ المَوْتِ؟. حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلىٍّ وَحَسَنٌ الحُلوَانِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلمٍ، قَال: كُنَّا عِنْدَ إِسْمَاعِيل بْنِ عُليَّةَ، فَحَدَّثَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ. فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا ليْسَ بِثَبْتٍ. قَال: فَقَالَ الرَّجُل: اغْتَبْتَهُ. قَال إِسْمَاعِيل: مَا اغْتَابَهُ. وَلكِنَّهُ حَكَمَ: أَنَّهُ ليْسَ بِثَبْتٍ. وَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِى يَرْوِى عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ؟ فَقَالَ: ليْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحداً لا يسلم من مثل هذا، فإذا تكرَّر هذا منه سقطت به شهادته، وكذلك لا يسقطها كذبُه فيما هو من باب التعريض أو الغلو فى القول، إذ ليس بكذب على الحقيقة وإن كان فى صورة الكذب، لأنه لا يدخل تحت حدّ الكذب ولا يُريد المتكلم به الإخبارَ عن ظاهر لفظه، وقد قال عليه السلام: " أما أبو جهم فلا يضَعُ عصَاه عن عاتقه " (¬1). وقال إبراهيم عليه السلام: " هذه أختى " (¬2) وقد أشار مالك- رحمه الله- لنحو هذا. وذكر مسلم عن بقية بن الوليد أنه يكنى الأسامى (¬3)، ويسمى الكنى. هذا نوع من التدليس، فإذا فعله صاحبه فى الضعفاء ليوهم أمرهم على الناس فهو قبيح، لأنه يُلبَّس بذلك ويخيَّل أن ذلك الراوى ليس هو ذاك الضعيف لتركه اسمه أو كنيته التى عُرِف بها واشتهر بها، ويُسميه أو يكنيه بما لا يُعرف به، فيخرجه إلى حد الجهالة من حَدّ المَعرفة بالجرحة والترك، فيرفع (¬4) رتبته عن الاتفاق (¬5) إلى الخلاف أو عن القطع على طرح حديثه المتروك إلى المسامحة فى رواية حديث المجهول، وأشد منه أن يكنى الضعيف أو يسميه بكنية الثقة أو اسمه لاشتراكهما فى ذلك، وشهرة الثقة بذلك الاسم أو الكنية، فهذا الباب مما يقدح فى فاعله، وسنزيد الكلام فيه بسطاً (¬6) فى فصل التدليس. ولهذا كان ¬

_ (¬1) سبق قريباً. (¬2) يشير إلى ما سيأتى إن شاء الله فى كتاب الفضائل من قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم يكذب إبراهيم النبى عليه السلام قط إلا ثلاث كذبَات، ثنتين فى ذات الله ... وواحدة فى شأن سارة ". (¬3) فى ت: الأسماء. (¬4) فى ت: يرفع. (¬5) فى الأصل: الإيقاف. (¬6) فى ت: بيانا.

عَنْ صَالِحٍ مَوْلى التَوْأَمَة؟ فَقَالَ: ليْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلتُهُ عَنْ أَبِى الحُوَيْرِثِ؟ فَقَالَ: ليْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلتُهُ عَنْ شُعْبَةَ الذِى رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ؟ فَقَالَ: ليْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلتُهُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: ليْسَ بِثِقَةٍ. وَسَألتُ مَالِكًا عَنْ هَؤُلاءِ الخَمْسَةِ؟ فَقَالَ: ليْسُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو مسهر (¬1) يقول: احذروا أحاديث بقيَّة (¬2) فإنها غير نقية، [وكونوا من بقيتها على حذر] (¬3). ذكر مسلم صالحاً مولى التَّوْأمة (¬4)، كذا صوابُه بفتح التاء المشَدَّدة وإسكان الواو بعدها همزة مفتوحة، وقد تُسَهَّل فَتُفْتح الواو وتُنْقل عليها حركة الهمزة فيقال: التَّوَمة، ومن ضم التاء وهمز الواو أخطأ، وهى رواية أكثر المشايخ والرواة، وكما قُلناه قَيَّده أصحابُ ¬

_ (¬1) عبد الأعلى بن مُسْهِر بن عبد الأعلى بن مسهر، الإمامُ، شيخ الشام، الغسَّانى الدمشقى، الفقيه، كان من أوعية العلم. سمع مالك بن أنس، وإسماعيل بن عيَّاش، ومحمد بن مهاجر، وأخذ بمكة عن ابن عيينة وأخذ حرف نافع بن أبى نعيم عنه. روى عنه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو عبد الله البخارى، وأبو حاتم الرازى، وخلق سواهم، وقال فيه ابن معين: ما رأيتُ منذ خرجت من بلادى أحداً أشبَه بالمشيخة الذين أدركتُهم من أبى مُسْهر. وقال: كل من ثَبَّتَ أبو مسهر من الشاميين فهو مثبَّتٌ، وقال أبو زرعة الدمشقى: قال لى أحمد بن حنبل: عندكم ثلاثة أصحاب حديث، الوليدُ، ومروان بن محمد، وأبو مُسهِر، وقال الذهبى: " حديثه فى الكتب الستة ". مات سنة ثمان عشرة ومائتين. الطبقات الكبرى 7/ 473، التاريخ الكبير 6/ 73، الجرح والتعديل 6/ 29، تاريخ بغداد 11/ 72، ترتيب المدارك 2/ 416، سير 10/ 228، تهذيب التهذيب 6/ 98. (¬2) هو ابن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز، محدث حمص، الحافظ العالم، أحد مشاهير الأعلام. روى عن الأوزاعى، وشعبة، ومالك، وابن المبارك، كما روى عن تلميذه إسحاق بن راهويه. كان من أوعية العلم، لكنه- كما ذكر الذهبى- كدر ذلك بالإكثار عن الضعفاء، والعوام، والحمل عمَّن دبَّ ودرج. روى عنه شعبة، والحمادان، والأوزاعى، وابن جريج- وهم من شيوخه- وابن المبارك، والوليد ابن مسلم، ووكيع- وهم من أقرانه- وإسماعيل بن عياش- وهو أكبر منه- وإسحاق بن راهويه، ونعيم ابن حمَّاد، وأمم غير هؤلاء كثير. مات سنة سبع وتسعين ومائة. التاريخ الكبير 2/ 150، الضعفاء للعقيلى 1/ 59، الجرح والتعديل 2/ 434، الكامل لابن عدى 1/ 43، تاريخ بغداد 7/ 123، سير 8/ 518، ميزان 1/ 154، تهذيب التهذيب 1/ 473. (¬3) سقط من الأصل، وفى ت: وكونوا منها على تقية. (¬4) هو ابن نبهان، قال بشر بن عمر: سألت مالكاً عنه فقال: ليس بثقة، وروى عبد الله بن أحمد عن ابن معين: ليس بقوى. وقال أحمد: مالك أدرك صالحاً وقد اختلط وهو كبير، وما أعلم به بأساً من سمع منه قديماً، فقد روى عنه أكابر أهل المدينة، وقال الجوزجانى: سماع ابن أبى ذئب منه قديم، وأما الثورى فجالسه بعد التغير. وروى عباد عن ابن معين: ثقة، وقد كان خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل فهو ثبت. ميزان 2/ 302، وفى المغنى للذهبى: تابعى صدوق لكنه عُمّرَ واختلط. المغنى 2/ 305، وقال ابن الجوزى: كان شعبة لا يروى عنه وينهى عنه. وقال مالك: ليس بثقة، فلا يؤخذن عنه شيئاً. الضعفاء2/ 51، وانظر: الضعفاء والمتروكين للنسائى: 195.

بِثِقَةٍ فِى حَدِيثِهِمْ. وَسَأَلتُهُ عَن رَجُلٍ آخَرَ نَسِيتُ اسْمَهُ؟ فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَهُ فِى كُتُبِى؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: لوْ كَانَ ثِقَةً لرَأَيْتَهُ فِى كُتُبِى. وَحَدَّثَنِى الفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَ مُتَّهَمًا. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الطَّالقَانِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُولُ: لوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الجَنَّةَ وَبَيْنَ أَنْ أَلقَى عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَرَّرٍ، لاخْتَرْتُ أَنْ أَلقَاهُ ثُمَّ أَدْخُلَ الجَنَّةَ، فَلمَّا رَأَيْتُهُ، كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِلىَّ مِنهُ. وَحَدَّثَنِى الفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا وَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ زَيْدٌ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى أُنَيْسَةَ: لا تَأخُذُوا عَنْ أَخِى. حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ السَّلامِ الوَابِصِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّىُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِى أُنَيْسَةَ كَذَّابًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤتلف [والمختلف] (¬1)، وكذلك أتقنَّاه على أهل المعرفة من شيوخنا، والتَّوَمةُ هذه هى بنت أمية بن خلف الجمحى، قاله البخارى وغيره، قال الواقدى: وكانت فى بطن مع أخت لها، فلذلك سُمّيت التَّوَمة، وهى مولاة أبى صالح [من فوق] (¬2)، وأبو صالح هذا اسمه نبهان (¬3). وذكر مسلم عن مالك وقد سئل عن رجُل فقال: لو كان ثقةً لرأيته فى كتبى. هذا ترجيح من مالك- رحمه الله- وتعديل منه صريح لكل من أدخله فى كتبه، وقد اختلف العلماء فى رواية الثقة عن المجهول، فذهب بعضهم إلى أنه تعديل (¬4)، وذهب الأكثر إلى أنه ليس بتعديل حتى يُصرِّح بعدالته بقوله أو ما يدل على ذلك، فأما من عُرف بمثل حال مالك ونُقِل عنه مثلُ قوله فروايته عنه وإدخاله فى كتبه تصريح بعدالته. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) هكذا فى الأصل وت. (¬3) المغنى فى ضبط أسماء الرجال: 50. (¬4) هذا إن عرف من حاله أنه لا يروى عن ثقة ولم يأت بحديث منكر، كمالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدى وأحمد بن حنبل. فتح المغيث: 134.

حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِى سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ؛ قَالَ: ذُكِرَ فَرْقَدٌ عِنْدَ أَيُّوبَ، فَقَالَ: إِنَّ فَرْقَدًا ليْسَ صَاحِبَ حَدِيثٍ. وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ العَبْدِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ القَطَّانَ، ذُكِرَ عِنْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ الليْثِىُّ، فَضَعَّفَهُ جِدًا. فَقِيلَ لِيَحْيَى: أَضْعَفُ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَرْوِى عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ. حَدَّثَنِى بشْرُ بْنُ الحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ القَطَّانَ ضَعَّفَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ الأَعْلَى، وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنَ مُوسَى بْنِ دِينَارٍ. قَالَ: حَدِيْثُهُ رِيحٌ. وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ دِهْقَانَ، وَعِيسَى بْنَ أَبِى عِيسى المَدَنِىَّ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ عِيسَى يَقُولُ: قَالَ لِى ابْنُ المُبَارَكِ: إِذَا قَدِمْتَ عَلى جَرِيرٍ فَاكْتُبْ عِلمَهُ كُلهُ إِلا حَدِيثَ ثَلاثَةٍ، لا تَكْتُبْ حَدِيثَ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَالسَّرِىِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام أبو عبد الله: قال (¬1) مسلم فى حديث آخر: " حدثنى (¬2) بشر (¬3) بن الحكم قال: سمعت يحيى القطَّان ضعَّفَ حكيم بن جُبير وعبد الأعلى، وضعف يحيى موسى بن دينار ". وكذا صواب (¬4) هذا الكلام، وفى أكثر النسخ: وضعَّف يحيى بن موسى بن دينار (¬5)، وهذا وهم، وموسى بن دينار هو المكى (¬6)، ضعَّفَه (¬7) يحيى، وقد نقل أبو جعفر العقيلى فى كتابه فى " الضعفاء " كلام يحيى هذا فى موسى بن دينار وعبد الأعلى وحكيم بن جبير (¬8). قال القاضى: رواية جميع شيوخنا فى " الأم " بغير واو على الوهم، وهذا يُصَحّحُ أنه من رُواة مسلم، والصواب عندهم ما تقدم، وكذا صحَّحه الجيانى والصدفى وغيره من شيوخنا، ويحيى هو ابن سعيد القطانُ المذكور أوَّلاً. ذكر مسلم قول ابن عُليَّةَ: وقد تكلم رجلٌ فى رجُلٍ فقال له آخر: اغتبته، فقال: ما اغتابه (¬9) ولكنه حكم أنه ليس بثَبتٍ، وقد تقدَّم الكلام أن مثل هذا ليس بغيبة، بل لو ¬

_ (¬1) فى المعلم: وقال. (¬2) فى المعلم: وحدثنى. (¬3) لفظ المعلم: حسن. (¬4) لفظ المعلم: جواب. (¬5) وهو الذى عليه ما وصل إلينا من النسخ المطبوعة. (¬6) فى ت: المكنّى. (¬7) لفظ المعلم: وضعفه. (¬8) الضعفاء الكبير 1/ 316، 3/ 75، 4/ 156، 157. (¬9) فى الأصل: ما اعابته.

قَالَ مُسْلمٌ: وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلامِ أَهْلِ العِلْمِ فِى مُتَّهَمِى رُوَاةِ الحَدِيثِ وَإِخْبَارِهِمْ عَنْ مَعَايِبِهِمْ كَثِيرٌ. يَطُولُ الكِتَابُ بِذِكْرِهِ، عَلى اسْتِقْصَائِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ، لمَنْ تَفَهَّمْ وَعَقَلَ مَذْهَبَ القَوْمِ، فِيمَا قَالوا مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنُوا. وَإِنَّمَا أَلزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الكَشْفَ عَنْ مَعَايبِ رُوَاةِ الحَدِيثِ، وَنَاقِلِى الأَخْبَارِ، وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ حِينَ سُئِلوا، لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الخَطَرِ، إِذِ الأَخْبَارُ فِى أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأتِى بِتَحْلِيلٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْىٍ، أَوْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ، فَإِذَا كَانَ الرَّاوِى لهَا ليْسَ بِمَعْدَنٍ للصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ وَلمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ، مِمَّنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يحسن مقصدهُ وقصد محض التنقصِ والعيب لا بيان الحال لأجل الحديث لكان غيبة، وكذلك لو لم يكن المتكلم من أهل هذا الشأن، ولا ممن يُلتَفَتُ إلى قوله فيه لما جاز له ذكر ذلك ولكان غيبةً، وهذا كالشاهد ليس تجريحه غيبةً [ولو عابه] (¬1) [قائل] (¬2) بما جُرح به على طريق المشاتمة والتنقص له أُدب له وكانت غيبة، وقد قيل ليحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركتَ حديثَهم خُصمَاك عند الله؟ فقال: لأن يكونوا خُصمائى أحبُّ إلىَّ من أن يكون خصمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقولُ: لِمَ حدثت عنى حديثًا ترى أنه كذِب؟ (¬3). ذكر مسلم تجريح قوم لجماعةٍ فيهم من يوجد تعديلهم لآخرين من الأئمة، وهذه مسألة اختلف فيها المحدّثون والفقهاء والأصوليون فى باب الخبر وباب الشهادة، وقالوا: إذا عدَّل مُعَدِّلون رجلاً وجَرَّحه آخرون فالجرح أولى، وحكوا فى ذلك إجماع العلماء مع الحجة بأن المجرح زاد ما لم يعلمه المعدّلُ، وهو بين، ولا خلاف فى هذا إذا كان عدد مع الحجة بأن المجرح زاد ما لم يعلمه المعدّلُ، وهو بين ولا خلاف فى هذا إذا كان عددُ المجرحين أكثرُ (¬4)، فإن تساوَوا فكذلك عند القاضى أبى بكر ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) المدخل إلى دلائل النبوة 1/ 57، فتح المغيث 3/ 323. وأخرج ابن عبد البر فى التمهيد 1/ 47 من طريق يحيى بن سعيد القطان يقول: سمعت عبد الرحمن ابن مهدى يقول: سألت شعبة وابن المبارك والثورى ومالك بن أنس عن الرجل يتهم بالكذب فقالوا: انشره فإنه دين. قال: وروينا عن حماد بن زيد أنه قال: كلمنا شعبةَ فى أن يكف عن أبان بن أبى عياش لسنّه وأهل بيته، فقال لى: يا أبا إسماعيل، لا يحل الكف عنه لأن الأمر دين. (¬4) الترجيح بالكثرة يكون عندما يعيّن الجارح سبب الجرح، وينفيه المعدّل بطريقٍ يقينى، فيصار إلى الترجيح بالكثرة أو شدة الورع والتحفظ، شرح مختصر ابن الحاجب 1/ 708. وقال السخاوى: " ينبغى تقييدُ الحكم بتقديم الجرح على التعديل بما إذا فُسّرا، أما إذا تعارضا من غير تفسير فإنه يقدم التعديل. قاله المزى وغيره. شرح الألفية: 131.

جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ، غَاشًا لِعَوَامِّ المُسْلِمِينَ، إِذْ لا يُؤْمَنُ عَلى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الأَخْبَارَ أَنْ يَسْتَعْمِلهَا، أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا، وَلعَلهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ، لا أَصْلَ لهَا، مَعَ أَنَّ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ مِنْ رِوَايَةِ الثِقَاتِ. وَأَهْلِ القَنَاعَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ إِلى نَقْلِ مَنْ ليسَ بِثِقَةٍ. وَلا مَقْنَعٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والجمهور (¬1)، وذهب بعض المالكية إلى توقف الأمر عند التكافى، وقيل: يقضى بالأعدال. فإن كان (¬2) عند المعدلين أكثر فالجمهور على تقديم الجرح للعلة المتقدمةُ. وذهبت طائفة إلى ترجيح التعديل، وقال الباجى: وهذا عندى يحتاج إلى تفصيل، فإذا قال المُعَدّل: هو عدلٌ رضى، وقال المجرّحُ: فاسِق رأيته أمس يشربُ الخمر، فلا تنافى بين الشهادتين. وقد أثبت هذا فسْقاً لم يعلمه الآخر، فأما لو قال المعدّل: ما فارقنى أمسِ الجامع ومثل هذا، فقد تعارضَت الشهادتان، ولعل توقُّف من توقَّفَ من أصحابنا لهذا الوجه. وقال اللخمى (¬3): إذا كان اختلافهما فى ذلك عن كلام قاله فى مجلس أو فعلٍ فعله قُضِىَ بالأعدال لا [به] (¬4) تكاذب، وهذا نحو ما أشار إليه الباجى، وإن كان عن مجلسين متباينين غلب الجرح، وإليه يرجع قول الجمهور، وإن تباعدت شهادة العدل من شهادة المجرح قضى بآخرهما- وهذا مما لا يختلف فيه- إلا أن يُعلم أنه كان حين شُهد عليه بتقادم (¬5) الجرح ظاهر العدالة إذ ذاك، حسب ما هو عليه الآن فيغلب الجرح. قال القاضى: ثُم يُرْجَع إلى الأصل عند تعارضُ الشهادتين، فإن كان قبل محمولاً على العدالة، وجاءت بعدُ مثل هذه الشهادة مضت عدالته على ما تقدم له وعُرف من حاله إذ سقطت الشهادتان، وإن كان على غير ذلك بقى على حكمه الأول، وهل يترجح التعارض مع القول بالتوقف بالكثرة على الخلاف المتقدم. ¬

_ (¬1) بشرط أن يكون الجارح والمعدل عارفاً بصيراً بأسبابهما، وهذا القول منهم بناءً على انعدام السبب فى كليهما، حكاه الغزالى فى المستصفى عن القاضى الباقلانى 1/ 162، ونقله الآمدى فى الإحكام 2/ 122. (¬2) فى الأصل: كاه، وهو خطأ. (¬3) هو: بدر بن الهيثم بن خلف، القاضى الفقيه الصدوق. حدث عنه عمرُ بن شاهين وأبو بكر بن المقرى وجماعة. قال الدارقطنى. كان ثقةً نبيلاً. توفى سنة سبع عشرة وثلاثمائة. تاريخ بغداد 7/ 107، سير 530/ 14. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فوق سابقتها على أنها فيه. (¬5) فى ت: بتقدم.

وَلا أَحْسَبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ مِنَ النَّاسِ عَلى مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الضِّعَافِ وَالأَسَانِيدِ المَجْهُولةِ، وَيَعْتَدُّ بِرِوَايَتِهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا، مِنَ التَّوَهُّنِ وَالضَّعْفِ - إِلا أَنَّ الذِى يَحْمِلهُ عَلى رِوَايَتِهَا وَالاعْتِدَادِ بِهَا، إِرَادَةُ التَّكَثُّرِ بِذَلِكَ عِنْدَ العَوَامِّ، وَلأَنْ يُقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا جَمَعَ فُلانٌ مِنَ الحَدِيثِ، وَأَلفَ مِنَ العَدَدِ. وَمَنْ ذَهَبَ فِى العِلْمِ هَذَا المَذْهَبَ، وَسَلكَ هَذَا الطَّرِيقَ فَلا نَصِيبَ لهُ فِيهِ، وَكَانَ بِأَنْ يُسَمَّى جَاهِلاً، أَوْلى مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلى عِلمٍ. وَقَدْ تَكَلمَ بَعْضُ مُنْتَحِلى الحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا فِى تَصْحِيحِ الأَسَانِيدِ وتَسْقِيمِهَا بِقَوْلٍ، لوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ وَذكرَ فَسَادِهِ صَفْحًا - لكَانَ رَأيًا مَتِينًا، وَمَذْهَبًا صَحِيحًا. إِذِ الإِعْرَاضُ عَنِ القَوْلِ المُطَّرَحِ أَحْرَى لإِمَاتَتِهِ وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ وَأَجْدَرُ أَلا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا للجُهَّالِ عَليْهِ، غَيْرَ أَنَّا لمَّا تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ العَوَاقِبِ وَاغْتِرَارِ الجَهَلةِ بِمُحْدِثَاتِ الأَمُورِ وَإِسْرَاعِهِمْ إِلى اعْتِقَادِ خَطَأ المُخْطِئِينَ، وَالأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ عِنْدَ العُلمَاء، رَأَيْنَا الكَشْفَ عَنْ فَسَادِ قَوْلِهِ، وَرَدَّ مَقَالتِهِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الرَّدِّ أَجْدَى عَلى الأَنَامِ، وَأَحْمَدَ لِلعَاقِبَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَزَعَمَ القَائِلُ الذِى افْتَتَحْنَا الكَلامَ عَلى الحِكَايَةِ عَنْ قَوْلِهِ، وَالإِخْبَارِ عَنْ سُوءِ رَويَّتِهِ أَنَّ كُلَّ إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ فِيهِ فُلانٌ عَنْ فُلانٍ، وَقَدْ أَحَاطَ العِلمُ بِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا فِى عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الحَدِيثُ الذِى رَوَى الرَّاوِى عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ وَشافَهَهُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا نَعْلمُ لهُ مِنه سَمَاعًا وَلمْ نَجِدْ فِى شَىْءٍ مِنَ الرِّوايَاتِ أَنَّهُمَا التَقَيا قَطُّ، أَوْ تَشَافَهَا بِحَدِيثٍ - أَنَّ الحُجَّةَ لا تَقُومُ عِنْدَهُ بِكُلِّ خَبَرٍ جَاءَ هَذَا المَجِىءَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ العِلمُ بِأَنَّهُمَا قَدِ اجْتَمَعَا مِنْ دَهْرِهِمَا مَرَّةً فَصَاعِدًا، أَوْ تَشَافَهَا بِالحَدِيثِ بَيْنَهُمَا، أَوْ يَرِدَ خَبرٌ فِيهِ بَيَانُ اجْتِمَاعِهِمَا، وَتَلاقِيهِمَا، مَرَّةً مِنْ دَهْرِهِمَا، فَمَا فَوْقَهَا، فَإِنْ لمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلمُ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مسلم فى النهى عن التحدث بالأخبار الضعيفة كلاماً، قال فى آخره: " أو يستعمل بعضَها أو أقلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها " كذا رواية شيوخنا عن الدلائى،

وَلمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ تُخْبِرُ أَنَّ هَذَا الرَّاوِىَ عَنْ صَاحِبِهِ قَدْ لقِيَهُ مَرَّةً، وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا - لمْ يَكُنْ فِى نَقْلهِ الخَبَرَ عَمَّنْ رَوَى عَنه ذَلِكَ، وَالأَمْرُ (¬1) كَمَا وَصَفْنَا، حُجَّةٌ. وَكَانَ الخَبَرُ عِندِهُ مَوْقُوفًا، حَتَّى يَرِدَ عَليْهِ سَمَاعُهُ مِنْهُ لشَىْءٍ مِنَ الحَدِيثِ. قَل أَوْ كَثُرَ، فِى رِوَايَة مِثْلِ مَا وَرَدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو محتمل مصحف غير مستقل، والصواب روايتهم عن الفارسى: " ولعلها- أو أكثرها- أكاذيبُ " وأظن اللام أنفصلت مما بعدها من لعلها، فقرأه: أقلها وغرَّه ذكر أكثَرها بعدُ. ¬

_ (¬1) ضبطت فى نسخة الشعب هكذا: والأوامر، وهو خطأ فاحش.

(6) باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن

(6) باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن وَهَذَا القَوْلُ - يَرْحَمُكَ اللهُ - فِى الطَّعْنِ فِى الأَسَانِيدِ، قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ، مُسْتَحْدَثٌ غَيْرُ مَسْبُوقٍ صَاحِبُهُ إِليْهِ، وَلا مُسَاعِدَ لهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ القَوْلَ الشَّائِعَ المُتَّفَقَ عَليْهِ بَيْنَ أَهْلَ العِلمِ بِالأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ روى عن مِثْلِهِ حَدِيَثًا، وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لهُ لِقَاؤُهُ، وَالسَّمَاعُ مِنْهُ، لِكَوْنِهَمَا جَمِيعًا كَانَا فى عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لمْ يَأتِ فِى خَبَرٍ قَطٌّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا، وَلا تَشَافَهَا بِكَلامٍ، فَالرَّوَايَةُ ثَابِتَةٌ، وَالحُجَّةُ بِهَا لازِمَةٌ، إِلا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَلالةٌ بَينَةٌ، أَنَّ هَذَا الرَّاوِىَ لمْ يَلقَ منْ رَوَى عَنْهُ، أَوْ لمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا وَالأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلى الإِمْكَانِ الذِى فَسَّرْنَا فَالرِّوَايَةُ عَلى السَّمَاع أَبَدًا، حَتَّى تَكُونَ الدَّلالةُ التِى بَيَّنَّا. فَيُقَالُ لِمُخْتَرِعِ هَذَا القَوْلِ الذِى وَصَفْنَا مَقَالتَهُ، أَوْ للذَّابِّ عَنْهُ: قَدْ أَعْطَيْتَ فِى جُمْلةِ قَوْلكَ أَنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ الثِّقَةِ، عَنِ الوَاحِدِ الثِّقَةِ، حُجَّةٌ يَلزَمُ بِهِ العَمَلُ. ثُمَّ أَدْخَلتَ فِيهِ الشَّرْطَ بَعْدُ، فَقُلتَ: حَتَّى نَعْلمَ أَنَّهُمَا قَدْ كَانَا التَقَيَا مَرَّةً فَصَاعِدًا، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا. فَهَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم كلام بعض الناس فى المعنعن وهو قولهم: فلان عن فلان ولا يقول: حدثنا، ولا أخبرنا، ولا سمعت، وقولهم ولا يحمل منه على المسند إلا ما كان بين (¬1) متعاصرين (¬2) يُعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعداً، وما لم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شهد له لفظ السماع والتحديث، وأنكر مسلم هذا وردَّه ولم يشترط غير التعاصُرِ لا أكثر، والقول الذى ردَّه مسلم هو الذى [عليه] (¬3) أئمة هذا العلم على بن المدينى والبخارى وغيرهما، ولا بد أن يشترط أن يكون الراوى مع ذلك ممن لا يعْرف بالتدليس. قال أبو عمر بن عبد البر: وجدتُ أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن بغير تدليس، إذا جمع شروطاً ثلاثةً: عدالتَهم، ولقاء بعضهم بعضاً، وبراءتهم من التدليس (¬4) على خلاف بينهم فى ذلك، وقال ابن البيّع: المعنعن بغير تدليس متصل ¬

_ (¬1) فى الأصل: من. (¬2) فى ت: المتعاصرين. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬4) هذا مفهوم عنه وليس لفظاً منه. قال فى التمهيد: " إنا " عن " ظاهرها الاتصال، حتى يثبت فيها غير ذلك .. " ثم قال: " والأصل فى هذا الباب اعتبار حال المحدث، فإن كان لا يأخذ إلا عن ثقة، وهو في نفسه ثقة وجب قبول حديثه مرسله ومسنده، وإن كان يأخذ عن الضعفاء، ويسامح نفسه فى ذلك، وجب التوقف عما أرسله حتى يسمى من الذى أخبره. وكذلك من عرف بالتدليس المجتمع عليه، وكان من المسامحين فى الأخذ عن كل أحد، لم يحتج بشيء مما رواه حتى يقول: أخبرنا، أو سمعت، قال: " وعلى ما ذكرته لك أكثر أئمة الحديث ". التمهيد 1/ 14/ 17.

تَجِدُ هَذَا الشَّرطَ الذِى اشْتَرَطْتَهُ عَنْ أَحَدٍ يَلزَمُ قَوْلهُ؟ وَإِلا فَهَلُمَّ دَلِيلاً عَلى مَا زَعَمْتَ. فَإِنِ ادَّعَى قَوْلَ أَحَدِ مِنْ عُلمَاءِ السَّلفِ بِمَا زَعَمَ مِنْ إِدْخَالِ الشَّرِيطَةِ فِى تَثْبِيتِ الخَبَرِ، طوُلِبَ بِهِ، وَلنْ يَجِدَ هُوَ وَلا غَيْرُهُ إِلى إِيجَادِهِ سَبِيلاً، وَإِنْ هُوَ ادَّعَى فِيمَا زَعَمَ دَلِيلاً يَحْتَجُّ بِهِ قِيلَ لَهُ: وَمَا ذَاكَ الدَّلِيلُ؟ فَإِنْ قَالَ: قُلَتُهُ لأَنِّى وَجَدْتُ رُوَاةَ الأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَرْوِى أَحَدُهُمْ عَنِ الآخَرِ الحَدِيثَ وَلمَّا يُعَاينْهُ، وَلا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ، فَلمَّا رَأَيْتُهُمُ اسْتَجَازُوا رِوَايَةَ الحَدِيثِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا عَلىَ الإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ، والمُرْسَلُ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بإجماع أهل النقل، على تورع رواته عن التدليس (¬1)، وإلى ما ذهب إليه مسلم ذهب القاضى أبو بكر الباقلانى وغيره من أئمة النظار. وكذلك اختلفوا فى لفظة: " أنَّ فلاناً " هل هى مثل: عن فلان؟ فيقضى لها بالاتصال (¬2) أو بضد ذلك، فقال جمهورهم: إِنَّ " أَنَّ " و " عن " سواء على الشروط المذكورة فى " عن "، وزعم البَرْدَيجىُّ أنَّها على الانقطاع حتى يتبيَّن فيها السَّماعُ بخلاف " عن " (¬3). قال مسلم: " والمرسل من الروايات فى أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة ". قال القاضى: اختلف العلماء فى المرسل على ما يقع من الحديث وفى ثبوت الحجة به، فأما الفقهاءُ والأصوليون فيطلقون المرسل على [كل ما لا يتصل] (¬4) سنَدُه إلى النبى ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 34. ومثل له بمثالين: الأول: قال: ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر الخولانى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنى عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد الأنصارى، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لكل داءٍ دواءٌ، فإذا أصيب دواء الداء برِىَ بإذن الله عز وجل ". قال: هذا حديث رواته بصريون، ثم مدنيون ومكيون، وليس من مذاهبهم التدليس، فسواء عندنا ذكروا سماعهم أو لم يذكروه. الثانى: قال: ما أخبرناه أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبى بمرو، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسرائيل، عن عبد الله بن المختار، عن ابن سيرين، عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه أذى ". قال الحاكم: هذا حديث رواته كوفيون وبصريون ممن لا يدلسون، وليس ذلك من مذاهبهم، ورواياتهم سليمة، وإن لم يذكروا السماع. معرفة: 34، 53. (¬2) كتبت فى الأصل: بالانفصال. ثم ضرب عليها وكتبت بالهامش بالاتصال، ثم كتب بعدها: حيث ثبت الانفصال، وهى عبارة ذكرها يضر بالمعنى. (¬3) قال الخطيب: " وتأثير الخلاف بين اللفظين إنما يتبين فى رواية غير الصحابى " الكفاية: 575. (¬4) فى ت: ما لم يتصل.

الرِّوَايَاتِ فِى أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ العِلْمِ بِالأَخْبَارِ ليْسَ بِحُجَّةٍ - احْتَجْتُ، لِمَا وَصَفْتُ مِنَ العِلةِ، إِلى البَحْثِ عَنْ سَمَاعِ رَاوِى كُلِّ خَبَرٍ عَنْ رَاوِيهِ. فَإِذَا أَنَا هَجَمْتُ عَلى سَمَاعِهِ مِنْهُ لأَدْنَى شَىْءٍ، ثَبَتَ [عَنْهُ] (¬1) عِنْدِى بِذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرْوِى عَنْهُ بَعْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام-، وأرسله راوٍ من رواته تابعياً كان أو [من] (¬2) دونه، إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو سُكِت فيه عن راو من رواته أو أكثر، وارتفع إلى من فوقه، فهو داخل عندهم فى المرسل (¬3)، وكذلك إذا قال عن رجُل ولم يُسَمِّه، وأما أصحاب الحديث فلهم تفريق فى ذلك واصطلاحات بَنَوا عليها صنعتهم، ورتبوا أبوابهم وتراجمهم، فلا يطلقون المُرسل إلا على ما أرسله التابعى، وقال فيه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دون ذكر الصحابى، وقال أبو عبد الله الحاكم فى كتاب " علوم الحديث ": لم يختلف مشايخ الحديث فى هذا (¬4)، فأما ما أرسله الراوى دون التابعى فهو عندهم المنقطع، وكذلك يسمون الحديث عن رجُل لم يُسمَّ، وذكر كتاب " المدخل إلى كتاب الإكليل ": المرسل أن يقول التابعى أو تابع التابعى: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5)، فإن كان بين المُرسِل و [بين] (¬6) النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من رجُلٍ سَمَّوهُ مُعضَلاً، كذا لقَّبَهُ ابن المدينى وغيرُه وأدخل البلاغات وشبَهها عندهم فى باب العضْل، وكل هذا بالحقيقة داخل فى باب المرسل، إذْ أصل ذلك إضافة الراوى الحديثَ ¬

_ (¬1) ساقطة من نسخة الشعب. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) وعلى ذلك فالإرسال عندهم يطلق على الحديث الذى انقطع سنده مطلقاً، سواء كان الساقط واحداً أم أكثر، وسواء وقع السقط فى أول السند أم فى وسطه أم فى آخره، وسواء كان الحديث مرفوع. وهو بهذا التعريف يكون مرادفاً للمنقطع عند ابن عبد البر وابن الصلاح وطائفة من الفقهاء والمحدثين، واختاره البيقونى حيث قال: وكل ما لم يتصل بحال .. إسناده منقطع الأوصال. وجاء فى التمهيد: المنقطع عندى كل ما لا يتصل، سواء كان يعزى إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو إلى غيره. التمهيد 1/ 21، مقدمة ابن الصلاح: 27، فتح المغيث 1/ 158. قال ابن الصلاح: إن هذا القول هو المعروف فى الفقه والأصول. قلت. وهو اختيار البغدادى أيضاً فى الفقيه والتفقه 1/ 103، وانظر الكفاية: 384. وكان هذا مذهب طائفة من أئمة الرواية أمثال البخارى وأبى داود والترمذى وأبى حاتم. جاء فى صحيح البخارى فى كتاب فضائل القرآن، باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قول ابن حجر: " ويؤخذ من هذا الكلام أن البخارى كان يطلق على المنقطع لفظ المرسل " فتح 9/ 60، وانظر كلام أبى داود فى حديث ابن دريك عن عائشة: هذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة. ك اللباس، باب فيما تبدى المرأة من زينتها 2/ 383، وكذلك قول الترمذى فى حديث سعيد بن أبى هلال عن جابر، ك الأمثال، ب ما جاء فى مثل الله لعباده 5/ 145، قال: " هذا حديث مرسل، سعيد بن أبى هلال لم يدرك جابر بن عبد الله " وفى هذا يقول الحاكم: إنه قلما يوجد من يفرق بين المرسل والمنقطع. المعرفة: 27. (¬4) عبارة الحاكم: مشايخ الحديث لم يختلفوا فى أن الحديث المرسل هو الذى يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعى فيقول التابعى: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. معرفة علوم الحديث: 25. (¬5) المدخل: 43. (¬6) ساقطة من الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى من لم يرو عنه، وإرسال سنده وسقوط اتصاله، وأما الحجة به فذهب السلف الأول إلى قبوله والحجة به، وهو مذهب مالك وأبى حنيفة [وعامة أصحابهما] (¬1) وفقهاء الحجاز والعراق، وذهب الشافعى وإسماعيل القاضى، فى عامة أهل الحديث وكافة أصحاب الأصول وأهل النظر، إلى ترك الحجة بها، وحكاه الحاكم عن ابن المسيب ومالك وجماعة أهل الحديث وفقهاء الحجاز وممن بعدهم من فقهاء [المدينة] (¬2)، وعن الأوزاعى والزهرى وابن حنبل، والمعروف من مذهب مالك وأهل المدينة خلاف ما ذكر فلهم تفريق فى ذلك، وشرط بعض من لم يَر الحجة به مراسيل التابعين جملةً وخَصَّ بعضُهم مراسيل كبار التابعين (¬3)، وبعضُهم مراسيل الصحابة (¬4) [و] (¬5) إذا قالوا: حدثنى رجل عن النبى- عليه السلام- وخصَّ الشافعى مراسيل سعيد بن المسيب (¬6)، وبعضُهم مراسيل الأئمة (¬7) وجعلها ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) وألحقها بمراسيل الصحابة. قال الحافظ: " ويقال: إنه مذهب أكثر المتقدمين، وهو مذهب الشافعى- رضى الله عنه ". النكت 2/ 551. (¬4) وهو محكى عن محمد بن الحسن. السابق. (¬5) غير مذكورة فى ت، ولعله هو الصواب. (¬6) هو ابن حزن بن أبى وهب بن مخزم. الإمام العَلم، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين فى زمانه، وُلِد لسنتين مضتا من خلافة عمر، وقيل: لأربع مضين بها بالمدينة، رأى عمر، وسمع عثمان، وعلياً، وزيد بن ثابت، وأبا موسى وسعداً، وعائشة وأبا هريرة وابن عباس، وأم سلمة، وخلقاً، وقيل: إنه سمع من عمر، روى عن أبى بن كعب مرسلاً، وبلال كذلك، وسعد بن عبادة كذلك وروايته عن على، وسعد، وعثمان وأبى موسى، وعائشة، وأم شريك، وابن عمر، وأبى هريرة، وابن عباس، وحكيم بن حزام، وابن عمرو، وأبيه المسيب، وأبى سعيد فى الصحيحين، وعن حسان بن ثابت، وصفوان بن أميَّة، ومعمر بن عبد الله، ومعاوية، وأم سلمة، فى صحيح مسلم، وروايته عن جبير بن مُطعم، وجابر وغيرهما فى البخارى، وروايته عن عمر فى السنن الأربعة، وكذلك عتاب بن أسيد، وهو مرسل. أرسل عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أبى بكر الصديق، وكان زوج بنت أبى هريرة وأعلم الناس بحديثه. روى عنه خلق منهم: عمرو بن شعيب. وعمرو بن دينار، وقتادة، والزهرى، ويحيى بن سعيد الأنصارى. وكان ممن بَرز فى العلم والعمل. قال فيه ابن المدينى: لا أعلمُ فى التابعين أحداً أوسع علماً من ابن المسيب، هو عندى أجلّ التابعين. مات سنة أربع وتسعين. وهى السنة التى يقال فيها سنة الفقهاء. الطبقات الكبرى 5/ 143، طبقات خليفة: 296، تاريخ البخارى 3/ 510، تهذيب التهذيب 4/ 84، سير 4/ 217: 246 بتصرف. (¬7) المراد بهم أئمة النقل المرجوع إليهم فى التعديل والتجريح، كما ذكره الحافظ فى النكت، قال: وهو قول عيسى بن أبان من الحنفية، واختاره أبو بكر الرازى منهم، وكثير من متأخريهم، والقاضى عبد الوهاب من المالكية، بل جعله أبو الوليد الباجى شرطاً عند من يقبل المرسل مطلقًا. النكت 2/ 551.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حجةً كالمسندات، إذ أكثرها كذلك، لا (¬1) يرسلون إلا ما صَحَّ، ومنهم من جعل هذه أقوى من المسانيد لأن الإمام لا يرسل الحديث إلا مع نهاية الثقة به والصحة (¬2). واختار بعض المحققين من المتأخرين قبولَ مُرْسل الصحابى والتابعى إذا عُرِف من عادته أنه لا يَروى إلا عن صحابى، قال أبو عمرو أبو الوليد (¬3): ولا خلاف أنه لا يجوز العمل به إذا كان مُرْسِلهُ غيرَ متحرز يُرسِلُ عن غير الثقات. قال مسلم: " خبر الواحد الثقة (¬4) عن الواحد حجةٌ يلزم به العمل ". هذا الذى قاله هو مذهب جمهور المسلمين من السلف والفقهاء والمحدثين و [مذهب] (¬5) الأصوليين (¬6)، وأن وجوب ذلك من جهة الشرع كأن نقله بواحدٍ عن واحد أو أكثر ما لم يبلغْ عدد التواتر (¬7)، وإن أوجب غَلبة الظن دون اليقين والعلم، وذهبت الروافض والقدريَّة وبعض أهل الظاهر إلى أنه لا يجب به عملٌ، واختلفوا بَعْدُ، فمنهم من قال: مانع ذلك العقلُ، ومنهم من قال: الشرع، وقالت طائفة: يجب العمل بمقتضاه عقلاً، وذهب الجبائى من المعتزلة إلى أنه لا يلزم العملُ إلا بما رواه اثنان عن اثنين هكذا إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال غيره: لا يلزم إلا بما رواه [أربع عن أربع] (¬8)، ومثل هذا غيرُ موجود، وإن وُجِدَ منه شىء ¬

_ (¬1) فى الأصل زيد قبلها: وإذ. (¬2) وهو أحد الأقوال المحكية عن مالك وأبى حنيفة، وقد سبق ذكرهما آنفاً. (¬3) انظر: التمهيد 1/ 7، 38، وإحكام الفصول: 743. قال النووى: أما مرسل الصحابة وهو ما رواه ابن عباس وابن الزبير وشبههما من أحداث الصحابة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لم يسمعوه منه فحكمه حكم المتصل، لأن الظاهر روايتهم ذلك عن الصحابة، والصحابة كلهم عدول. قال: وحكى الخطيب وغيره عن بعض العلماء أنه لا يحتج به كمرسل غيرهم إلا أن يقول: لا أروى إلا ما سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو عن صحابى، لأنه قد يروى عن غير صحابى. قال: وهذا مذهب الأستاذ أبى إسحاق الإسفرايينى الشافعى. إرشاد 1/ 174. قال: والصواب المشهور أنه يحتج به مطلقاً لأن روايتهم عن غير الصحابة نادرة، وإذا رووها بينوها. السابق 1/ 175. (¬4) زيد قبلها فى ت: عن. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) الرسالة 369 فقرة 999. قلت: هذا إذا احتفت به القرائن. (¬7) والمراد بخبر الواحد: ما لم يبلغ رواية حد التواتر- ولا حد الشهرة عند الحنفية- أما عند الشافعية فهو ما عدا المتواتر، الذى هو رواية جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى منتهاه. وهذا حدُّ التواتر. (¬8) كررت فى هامش الأصل: أربعة عن أربعة، وكلاهما صحيح. اللفظى: ومثلوا له بحديث: " من كذب علىَّ متعمداً ". أما المعنوى فهو: ما اتفق نقلته على معناه من غير مطابقة فى اللفظ. ومثلوا له بأحاديث الشفاعة وأحاديث الرؤية، وأحاديث نبع الماء من بين أصابعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونحو ذلك. حاشية البنانى على شرح جمع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقليلٌ، ولو التُزِم هذا لا يطلب السُننُ، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم، وحُكى هذا عن أحمد بن حنبل (¬1)، ثم قالت منهم طائفة: [إنما] (¬2) يُوجِبُ العِلمَ الظاهر دون الباطن. وهذه الأقاويل كلها غير قول الجمهور باطلة (¬3)، إذ لا يقطع بِمُغَيَّبِة وصدِق ناقله [وإذ يُعلم بالضرورة ترك الطمأنينة إلى القطع بصدق ناقلِه] (¬4) لاحتمال الوهم والغلط، والآفات على الآحاد، كما لا يُقطع بصحَّةِ شهادة الشهود، وإن لزمنا العمل بها إجماعاً، ولعلمنا (¬5) قطعاً إجماع الخلفاء (¬6) والصحابة ومن بعدهم من السلف على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بِسُنَّةٍ أو قضاء من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجُوعهم إليه [وقضائهم] (¬7) وفتياهم به دون تلعثُم وطلبهم عند عدم الحجة ذلك مِمَّن بلغَهُم أن ذلك ¬

_ = الجوامع 2/ 119، مجموع الفتاوى 18/ 16. والمتواتر بهذا الحد يفيد العلم القطعى. وهو قول كافة أهل العلم- كما حكاه أبو البركات فى المسودة: 233. والمشهور: ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين، ولم يبلغ حد التواتر- أى لم يُفد بمجرد العلم، وهو المستفيض على رأى الجماعة من أئمة الفقهاء. وقيل: المستفيض يكون عدد طرفيه ووسطه سواء، والمشهور أعم من ذلك. وقد يطلق المشهور على ما اشتهر على الألسنة مطلقاً، أى وإن لم يكن له إسناد. قواعد فى علوم الحديث: 32. وهما عند الجمهور داخلين تحت مسمى الآحاد، والمشهور قسيماً للمتواتر والآحاد عند الحنفية، كما أن المستفيض قسم منه عندهم والمشهور عندهم يوجب ظنًّا فوق ما يوجبه الظن الحاصل من خبر الآحاد. ولهذا فإنهم يذهبون إلى جواز تخصيص القرآن به. أما الذين يخصصون القرآن بالآحاد- وهم الشافعية- فإنهم لا يفرقون بين الآحاد والمشهور، إلا أن المشهور أقوى عند الترجيح لكثرة رواته. أصول مذهب الإمام أحمد: 271. والقرائن التى يفتقر إليها خبر الواحد ليفيد العلم هى وقوع الإجماع على العمل بمقتضاه، أو تلقى الأمة له بالقبول، أو يكون مشهوراً أو مستفيضاً، أو ما يفيد العلم. فإذا أحتف بخبر الواحد قرينةٌ من تلك القرائن جعلته مفيداً للعلم النظرى لا الضرورى، لأنه لو حصل العلم بدونها لوجب القطع بتَخطئة من تخالفوا بالاجتهاد، وهو خلاف الإجماع، حكاه البدخشى- منهاج العقول فى شرح منهاج الأصول إلى علم الأصول للبيضاوى 2/ 279، ولأنه لو أفاده بدونها للزم تناقض المعلومين عند تعارض خبرى عدلين. السابق. (¬1) وهو أحد قولين له فى هذه المسألة، والثانى: أن العلم به لا يطرد، أى يحصل مرة دون أخرى. بدخشى 2/ 279. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) لو قال القاضى: " مرجوحةً " لكان أليق، إذ أن هذا مذهب كثيرين. (¬4) سقط من ت. (¬5) فى ق: علمنا. (¬6) قيد قبلها فى ت: العلماء، ولا وجه لذكرها هنا. (¬7) ساقطة من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنده، واحتجاجهم برواية من روى ذلك عند خلافهم، وكذلك علمنا بالضرورة والخبر المتواتر إنفاد من يأتى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأوامره بأخبار رُسِله وتبليغ كتبه (¬1)، وكل هذا لا خفاء بصحته والعقل لا يُحيلُ التكليف بالعمل به، والشَرع لم يمنعه بل أوجبه (¬2) وعَبَّرَ بعض المتفقهة ومن لم يحصّل لفظه بأنه يوجب العَمَلَ (¬3)، وهو (¬4) تجوَّز فى اللفظ، إذ الشىء لا يكون حُجة لوجوبه، وإنما تلقينا وجوب العمل به من سيرة السلف، وإجماعهم وأوامر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قدَّمنا، وتفريق من فرَّق بين العلم الظاهر (¬5) والباطن فيه، فإن أراد بالظاهر غلبة الظن دون القطع فهو ما أردناه وصَوَّبناه، فهو خلاف فى عبارة. ¬

_ (¬1) وذلك مثل بعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً إلى اليمن، وسيأتى قريباً إن شاء الله، وكذا علياً وعمرو بن حزم، وبعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عتاب بن أسيد إلى مكة، ومصعب بن عمير إلى المدينة. راجع الدراية 2/ 165. (¬2) وذلك فى قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون} [التوبة: 122]. وجه الاستدلال: أن الله تعبَّدنا بقبول خبر كل طائفة خرجت للتفقه، ثم أنذرت قومها، وهذه صفة خبر الواحد؛ لأن الفرقة تقع على ثلاثة، والطائفة منها واحد أو اثنان. يدل عليه قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى قوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} [الحجرات: 9، 10]، فأوقع على الأخوين اسم الطائفتين، وقال: {إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَة} [التوبة: 66]. قال محمد ابن كعب القرظى: " كان هذا رجلاً واحداً ". قال الكلوذانى: ثبت أن الطائفة تقع على الواحد. التمهيد 3/ 46. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين} [الحجرات: 6]. وجه الدلالة: أن الله شرط فى التبيين والتثبيت كون المخبر فاسقاً، فبان من هذا أن خبر العدل لا تثبُّت فيه. التمهيد 3/ 51. أما عن كون العقل لا يحيل التكليف بالعمل به؛ وذلك لأنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد، وهى كثيرة جداً، ولا سبيل إلى القول بذلك، فإن وقائع الأحكام لم تتعطل. ذكره الجلال المحلى فى شرحه لجمع الجوامع 2/ 132. وإيجاب العمل به بدليل العقل مع الشرع قال به ابن شريح والقفال من الأشاعرة، والبصرى من المعتزلة. وهو مذهب أحمد. منهاج العقول للبدخشى 2/ 280. (¬3) أى بغير لفظه له. (¬4) فى الأصل: وقد، والمثبت من ت. (¬5) فى ت: والظاهر.

فَإِنْ عَزَبَ عَنِّى مَعْرِفَةُ ذَلِكَ، أَوْقَفْتُ الخَبَرَ وَلمْ يَكْنْ عِنْدِى مَوْضِعَ حُجَّةٍ لإِمْكَانِ الإِرْسَالِ فِيهِ. فَيُقَالُ لهُ: فَإِنْ كَانَتِ العِلةُ فِى تَضْعِيفِكَ الخَبَرَ وَتَرْكِكَ الاحْتِجَاجَ بِهِ إِمْكَانَ الإِرْسَالِ فِيهِ، لزِمَكَ أَنْ لا تُثْبِتَ إِسْنَادًا مُعَنْعَنًا حَتَّى تَرَى السماع فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلىَ آخِرِهِ؟ وَذَلكَ أَنَّ الحَدِيثَ الوَارِدَ عَليْنَا بإسْنَادِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، فَبِيَقِينٍ نَعْلمُ أَنَّ هِشَامًا قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَأَنَّ أَبَاهُ قَدْ سَمِعَ منْ عَائِشَةَ، كَمَا نَعْلمُ أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَمِعتْ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ يَجُوزُ، إِذَا لمْ يَقُلْ هِشَامٌ، فِى رِوَايَةٍ يَرْوِيهَا عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ أَوْ أَخْبَرَنِى: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ فِى تِلْكَ الرِّوَايَةِ إِنْسَانٌ آخَرُ، أَخْبَرَهُ بِهَا عَنْ أَبِيهِ، وَلمْ يَسْمَعْهَا هُوَ مِنْ أَبِيهِ، لمَّا أَحَبَّ أَنْ يَرْوِيهَا مُرْسَلاً. وَلَا يُسْنِدَهَا إِلى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ. وكَمَا يُمْكنُ ذَلِكَ فِى هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، فَهُوَ أَيْضًا مُمْكِنٌ فِى أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وكَذَلِكَ كُلُّ إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ سَمَاعِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ فِى الجُمْلةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمْ قَدْ سَمِعَ مِنْ صَاحِبِهِ سَمَاعًا كَثِيرًا، فَجَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْزِلَ فِى بَعْضِ الرِّوَايَةِ فَيَسْمَعَ مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ بَعْضَ أَحَادِيثِهِ، ثُمَّ يُرْسِلهُ عَنْهُ أَحْيَانًا، وَلا يُسَمِّى مَنْ سَمِعَ مِنْهُ، وَيَنْشَطَ أَحْيَانًا فَيُسَمِّىَ الرَّجُلَ الذِى حَمَلَ عَنْهُ الحَدِيثَ وَيَتْرُكَ الإِرْسَالَ. وَمَا قُلْنَا مِنْ هَذَا مَوْجُودٌ فِى الحَدِيثِ مُسْتَفِيضٌ، مِنْ فِعْلِ ثِقَاتِ المُحَدِّثِينَ، وَأَئِمَةِ أَهْلِ العِلْمِ. وَسَنَذْكُرُ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَلى الجِهَةِ التِى ذَكَرْنَا عَدَدًا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلى أَكْثَرَ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مسلم: " فإن عزَب علىَّ " (¬1) معناه: بَعُدَ عنِّى، يقال: عزَب يَعْزُبُ ويَعْزِبُ، قال الله عز وجل: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّة} (¬2) أى: تبعد وتغيب، ومنه (¬3) ¬

_ (¬1) القول صياغة من الإمام مسلم لحجة الخصم الذى يشترط ثبوت اللقى مرة فصاعداً. (¬2) يونس: 61. (¬3) فى ت: ومنها.

فَمِنْ ذَلِكَ، أَنَّ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىَّ وَابْنَ المُبَارَكِ وَوَكِيعًا وَابْنَ نُمَيْرٍ وَجَمَاعَةً غَيْرَهُمْ رَوَوْا عَنْ هِشَامٍ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضِىَ اللهُ عَنْهَا؛ قَالتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِلهِ ولِحُرْمِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ. فَرَوَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِهَا الليْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُدُ العَطَّارُ وَحُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ وَوُهَيْبُ ابْنُ خَالِدٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى عثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِى إِلىَّ رَأسَهُ فَأُرَجِّلهُ وَأَنَا حَائِضٌ. فَرَوَاهَا بِعَيْنِهَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ الزُّهَرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عُمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ سُمّى العزبُ لبعده عن النساء. وذكر مسلم حديث عروة عن عائشة: " كنت أطيبُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحله ولِحُرْمه " أى: لإحرامه ولإحلاله منه، بالوجهين قيَّدناه عن شيوخنا بضمّ الحاء وكسرها، وبالضَمّ قيَّده الهروى والخطابى، وخطأ الخطابىُّ أصحابَ الحديث فى كسره، وقيَّده ثابت بالكسر، وحكى عن أصحاب الحَديث ضمَّه وخطَّأهم وقال: صوابه الكسر كما قال لحله، وقد جاء فى قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس " وحرِمٌ على قرية " (¬1) [أى حرام] (¬2) والحرِمْ والحرام واحدٌ. اختلف الصحابةُ وأئمة الفتوى فى تطييب المحرم عند الإحرام، فأجازه جماعة من الصحابة ومن بعدهم [من أئمة الفتوى] (¬3)، وكرهه آخرون، وهو قول مالك، وحجة مجيزيه هذا الحديث، وحجتنا أمرُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى سأله عنه بغسله ثلاث مرات، وتأولوا حديث عائشة خصوصاً للنبى- عليه السلام- لِمِلكِه لإربَه (¬4)، إذ الطيب من دواعى الجماع، ولحاجته للقاء الملائكة، ولأنه روى فى حديث عائشة: " ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرماً "، فهذا يدلُّ على أنه (¬5) غَسله، وأن طيبَه كان لطوافِه على نسائه لا لإحرامه، وسيأتى الكلام عليه فى الحج. ذكر مسلم حديث عروة عن عائشة: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اعتكف يُدْنى إلىَّ رأسه ¬

_ (¬1) الأنبياء: 95. (¬2) و (¬3) سقط من ت. (¬4) فى ت: إرْبَه. (¬5) فى ت: أن.

وَرَوَى الزُّهْرِىُّ وَصَالِحُ بْنُ أَبِى حَسَّانَ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فأرجله وأنا حائض " (¬1). فى هذا الحديث دليل على طهارة جسد الحائض ولقوله- عليه. السلام-: " إن حيضتَكِ ليست فى يدِك " (¬2)، وحجة على الشافعى أن يسير الملامسة غيرُ معتبرَةٍ إلا مع مقارنة اللذة، وجواز ترجيل المعتكف شعرَه لحاجته وضرورته إليه خلافاً لما روى عن ابن عباس وجزه (¬3) وفيه أن الحائض لا تدخل المسجد، لإخراج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه منه إليها، وفيه خروج المعتكف من المسجد لحاجته، وجواز شغله الخفيف بما فيه مصلحته، وجواز اجتماعه بأهله ونسائه ما لم يتلذذ منهم بشىء إذا كان يملك إرَبَه وعرفَ من نفسه القوة والسلامةَ، وأن الاعتكاف لا يكون فى غير المسجد. وسيأتى بقية الكلام عليه فى الاعتكاف. قال مسلم (¬4): وروى الزهرى وصالح بن أبى حسَّان عن أبى سلمة. عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقبّل وهو صائم ". قال الإمام: قال بعضهم فى نسخة الرازى: روى الزهرى وصالح بن كيسان، وهو وَهْم، والصواب صالح بن أبى حسَّان، وهذا الحديث ذكره النسائى وغيره من طريق ابن وهب، عن ابن أبى ذئب، عن صالح بن أبى حسَّان. قال القاضى: قال الجيانى: وصالح بن أبى حسَّانَ مدنى ثقةٌ، وقال البخارى: صالح بن أبى حسَّان سمع سعيد بن المسيب وأبا سلمة، روى عنه بُكير بن الأشج وابن أبى ذئب. قال القاضى: وكذا رويناه على الصواب عن أبى بحر، عن أبى الفتح [الشاسى] (¬5)، ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه أحمد فى المسند 6/ 204، 262 النسائى فى المجتبى، ك الطهارة، ب غسل الحائض رأس زوجها 1/ 193، أبن أبى شيبة فى المصنف كتاب الطهارات، ب فى الرجل ترجله الحائض 1/ 202، والبخارى، ك الحيض، ب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، فتح 1/ 478، وهو جزء حديث لمسلم سيأتى إن شاء الله فى كتاب الحيض. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى كتاب الحيض. والترجيل هو: أن يبل الشعر ثم يمشط. التمهيد 8/ 123. قال أبو عمر: وفى ترجيل عائشة شعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو معتكف دليلٌ على أن اليدين من المرأة ليستا بعورة. (¬3) هكذا، وفى ت: وجزء. (¬4) فى المعلم: قال الشيخ- وفقه الله- قال مسلم فى حديث آخر روى. (¬5) ساقطة من ت.

فَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ فِى هَذَا الخَبَرِ فِى القُبْلةِ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَنْهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلهَا وَهُوَ صَائِمٌ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحُومَ الخَيْلِ، وَنَهَانَا عَنْ لحُومِ الحُمُرِ. فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا النَّحْوُ فِى الرِّوَايَاتِ كَثِيرٌ، يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا كِفَايَةٌ لِذَوِى الفَهْمِ. فَإِذَا كَانَتِ العِلةُ عِنْدَ مَنْ وَصَفْنَا قَوْلهُ مِنْ قَبْلُ، فِى فَسَادِ الحَدِيثِ وَتَوْهِينِهِ، إِذَا لمْ يُعْلمْ أَنَّ الرَّاوِىَ قَدْ سَمِعَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ شَيْئًا، إِمْكَانَ الإِرْسَالَ فِيهِ، لزِمَهُ تَرْكُ الاحْتِجَاجِ فِى قِيَادِ قَوْلِهِ بِرِوَايَةِ مَنْ يُعْلمُ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ. إِلا فِى نَفْسِ الخَبَرِ الذِى فِيهِ ذِكْرُ السَّمَاعِ. لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ عَنِ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ نَقَلوا الأَخْبَارَ، أَنَّهُمْ كَانَتْ لهُمْ تَارَاتٌ يُرْسِلونَ فِيهَا الحَدِيثَ إِرْسَالاً. وَلا يَذْكُرُونَ مَنْ سَمِعُوهُ مِنْهُ. وَتَارَاتٌ يَنْشَطُونَ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عن عبد الغافر الفارسى، وكذا روايتنا (¬1) عن أبى محمد الخُشنى، عن أبيه، عن أبى حفص الهوزنى، عن أبى عبد الله الباجى، عن ابن ماهان. وقوله فى الحديث: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقبّل وهو صائم ": اختلف العلماء فى إباحة القبلة للصائم، فأباحها قوم على الإطلاق، وكرهها آخرون وهو قول مالك، ورخَّصت فيها طائفة للشيخ دون الشاب، وحكاه الخطابى عن مالك، وهو قول أبى حنيفة والشافعى، وروى ابن وهب عن مالك إباحتها فى النافلة (¬2) وكراهيتها فى الفريضة ونحوه لابن حبيب عنه. وقوله فى الرواية [الأخرى] (¬3): " يُقَبِّلها " فيه جواز الإخبار عما يكون من مثل هذا بين (¬4) الرجل وعياله على الجملة دون التفسير، فإن ذلك منهى عنه، ولفائدة تحمل على ذكره، وسيأتى الكلام على المسألتين فى الطهارة والصيام. وذكر فى حديث جابر: " أطعمنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحُمُرِ ¬

_ (¬1) فى الأصل: روايتا. (¬2) فى ت: التافلة. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت (¬4) فى الأصل: من، والمثبت -وهو الصواب- من ت.

فَيُسْنِدُونَ الخَبَرَ عَلى هَيْئَةِ مَا سَمِعُوا، فَيُخْبِرُونَ بِالنُّزُولِ فِيهِ إِنْ نَزَلوا، وَبِالصُّعُودِ إِنْ صَعِدُوا، كَمَا شَرَحْنَا ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَماَ عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلفِ، مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ الأَخْبَارَ وَيَتَفَقَّدُ صِحَّةَ الأَسَانِيدِ وَسَقَمَهَا، مِثْلَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ وَابْنَ عَوْنٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَشُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ وَيَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأهلية ": اختلفت الأحاديث فى لحوم الخيل، ففى حديث جابر هذا ما رأيْتُ، وفى حديث خالد بن الوليد " النهى عن لحوم الخيل والبغال والحمير "، وكره أكل لحوم الخيل مالك وأهل الرأى (¬1)، وروى عن ابن عباس، وقال الحكم: هى حرام، ورخَّصت فى ذلك طائفة من التابعين، وذهب إليه الشافعى (¬2)، وحجة المانعين لأكل جميعها نص الله تعالى على منافعها ولم [يذكر] (¬3) فيها الأكل كما ذكر فى الأنعام (¬4). وأما لحوم الحمر فمكروهة عند بعضهم مُحرَّمَة عن الأكثر إلا شيئاً روى عن ابن عباس، وفى المذهب عندنا فيها الوجهان، وسيأتى الكلام عليها متسعاً (¬5) فى الأطعمة. قال مسلم عن الرواة: " فيخيرون (¬6) بالنزول إذا نزلوا، وبالصعود إذا صعدوا "، يُريد بذلك فى الروايات والنزول فيها هى الرواية عن الأقران وطبقة المحدث ومن دونه، أو بسند يوجد أعلى منه وأقل رجالاً، والصعود الرواية بالسند العالى، والقرب فيه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقلة عدد رجاله أو من إمام مشهور حدَّث به. هذا هو طريق أهل الصنعة ومذهبهم، وهو غاية جهدهم وحرصهم، وبمقدار علو حديث الواحد منهم تكثُرُ الرحلةُ إليه، والأخذ عنه، مع أنَّ له فى طريق التحقيق والنظر وجهاً، وهو أن أخبار الآحاد وروايات الأفراد لا توجب- كما قدَّمنا- علماً، ولا يُقطع على مُغَيَّبِ صدقها، لجواز الغفلات، والأوهام، والكذب على آحاد الرواة، لكن لمعرفتهم بالصدق ظاهراً وشهرتهم بالعدالة والستر، غلب على الظن صحةُ حديثهم وصدق خبرهم، فكلفنا العمل به، ¬

_ (¬1) وكذا الأوزاعى. واحتج أبو حنيفة فى هذا بالقياس، فقال: " لأنه من ذوات الحوافر كالحمار " وبحديث خالد السابق. قال أبو عمر فى الاحتجاج بالقياس: وهذا ليس بشىء؛ لأن الخنزير ذو ظلف، وقد باين ذوات الأظلاف. التمهيد 1/ 128. (¬2) وكذا الثورى، والليث بن سعد، وأبو ثور. وردوا على دليل المانعين أنه ليس فى السكوت عن ذكر الأذن فى الخيل دليل على أن ما عدا الركوب والزينة لا يجوز، ألا ترى أنه لم يذكر البيع والتصرف، وإنما ذكر الركوب والزينة لا غير، وجائز بيعُها والصرف فيها وفى ثمنها بإجماع، والأشياء على الإباحة حتى يثبت الحظر والمنع. (¬3) ساقطة فى الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬4) فقال فى الأنعام: {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُون} غافر: 79. (¬5) فى ت: مشبَّعاً. (¬6) فى ت: فيفخرون، وفى الأصل: ينخبرون، والمثبت من ق والمطبوعة.

ابْنِ سَعِيدٍ القَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِىٍّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ، فَتَّشُوا عَنْ مَوْضِعِ السَّمَاعِ فِى الأَسَانِيدِ. كَمَا ادَّعَاهُ الذِى وَصَفْنَا قَوْلهُ مِنْ قَبْلُ. وَإِنَّمَا كَانَ تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ مِنْهُمْ سَمَاعَ رُوَاةِ الحَدِيثِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ - إِذَا كَانَ الرَّاوِى مِمَّنْ عُرِفَ بالتَّدْلِيسِ فِى الحَدِيثِ وَشُهِرَ بِهِ. فَحِينَئِذٍ يَبْحَثُونَ عَنْ سَمَاعِهِ فِى رِوَايَتِهِ، وَيَتَفَقَّدُونَ ذَلِكَ مِنْهُ، كَىْ تَنْزَاحُ عَنْهُمْ عِلةُ التَّدْلِيسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقامت الحجة بذلك بظاهر الأوامر الشرعية، ومعلوم إجماع سَلفِ [هذه] (¬1) الأمة ومغيبُ أمر ذلك كله لله تعالى، وتجويز الوهم والغلط (¬2) غيرُ مستحيل فى كل راو ممن سُمِّى فى [سند] (¬3) الخبر، فإذا كثروا وطال السند كَثرت مظانُّ التجويز، وكلما قلَّ العدد قلت، حتى إن من سمع الحديث من التابعى المشهور عن الصحابى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقوى طمأنينةً بصحة حديثه، ثم من سمعه من الصحابى كان أعلى درجةً فى قوة الطمأنينة، وإن كان الوهم والنسيان جائزاً على البشر، حتى إذا سمعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتفعت أسباب التجويز وانسدت أبواب احتمالات الوهم وغير ذلك، للقطع- أنه عليه السلام لا يجوز عليه شىء من ذلك فى باب التبليغ والخبر، وأن جميع ما يُخبر به حق وصدق. قال مسلم: " إذا كان الراوى عُرِف بالتدليس ". قال القاضى: التدليس لقبٌ وضعه أئمة [الفتوى وأئمة] (¬4) هذه الصنعة على من أبهم بعض رواياته لمعانٍ مختلفة وأغراض متباينة، وقد كان هذا من عصر التابعين إلى هلم جرا. [و] (¬5) ذكر عن جماعة من جلة الأئمة ولم يضر ذلك حديثهم لصحة أغراضهم وسلامتها وأضرَّ ذلك بغيرهم. وهو على أمثلة، فمنه: أن سفيان بن عيينة (¬6) على جلالته من كبار أصحاب الزهرى وسمع منه ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى ت: والخطأ. (¬3) من ت. (¬4) سقط من الأصل. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) هو شيخ الإسلام أبو محمد الهلالى الكوفى، ثم المكى، طلب الحديث وهو حدث، ولقى الكبار، وحمل عنهم علماً جماً، وأتقن، وجوَّد، وجمع وصنف، وعُمّر دهراً، وازدحم الخلقُ عليه، وانتهى إليه علو الإسناد، ورحل إليه من البلاد، وألحق الأحفاد بالأجداد. سمع من الأسود بن قيس، وابن شهاب الزهرى، وعاصم بن أبى النجود، وأبى إسحاق السبيعى، وأمم سواهم. قال الذهبى: ولقد كان خلق من طلبة الحديث يتكلفون الحج، وما المحرك لهم سوى لقى سفيان بن عيينة، لإمامته وعلوّ إسناده. قال: ومن كبار أصحابه المكثرين عنه: الحميدى، والشافعى، وابن المدينى، وأحمد، وإبراهيم الرمادى. قال الشافعى: لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز. وعنه قال: وجدتُ أحاديث الأحكام كلها عند ابن عيينة سوى ستة أحاديث، ووجدتُها كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثاً. قال الحافظ الذهبى -بعد سياقه هذا القول-: فهذا يوضح لك سعة دائرة سفيان فى العلم، وذلك لأنه ضم أحاديث العراقيين إلى أحاديث الحجازيين، وارتحل ولقى خلقاً كثيراً ما لقيهم مالك. وهما نظيران فى الإتقان، ولكن مالكاً أجل وأعلى، فعنده نافع، وسعيد المقبرى. =

فَمَنِ ابْتَغَى ذَلِكَ منْ غَيْرِ مُدَلّس، عَلى الوَجْهِ الذِى زَعَمَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلهُ، فَمَا سَمِعْنَا ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ سَمَّيْنَا، وَلمْ نُسَمِّ، مِنَ الأَئِمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كثيراً، وأخذ عن أصحابه كثيراً مما لم يسمعه عن الزهرى، فربما حدَّث فقال: الزهرى، أو قال: قال الزهرى عن فلان، وقد عُرِف بالتدليس فَسُئِل، فمرة يقول: سمعته منه، ومرة يقول: حدثنى به عنه فلان أو فلان عن فلان عنه، ومن لا يدلس مثل مالك وشعبة لا يقول مثل هذا، بلِ يبين من حدَّثه (¬1) عنه أو يقول: بلغنى، قال شعبة: لأن أزنى أحبُّ إلىَّ من أن أدلس (¬2). ولكن أمثال أولئك الجلة ممن استسهل (¬3) [التدليس] (¬4) إذا سئلوا أحالوا على الثقات، فحمل حديثهم وقام تدليسهم مقام المرسل (¬5). وحجة بعضهم أن يكونوا قد سمعوه من جماعة من الثقات عن هذا الرجل فاستغنوا بذكره عن ذكر أحدهم أو ذكر جميعهم، لتحققهم [صحة الحديث عنه] (¬6) كما يُفعل [فى المراسيل] (¬7)، ومنهم من أراد ألا ينزل حديثُه، وأن يعلو بذكره الشيخ دون من (¬8) دونه، لصحة روايته عنه غير هذا وتحققه أن الثقات حدثت به (¬9) عنه (¬10)، وطبقة أخرى جاؤوا إلى رجالٍ مشاهير ¬

_ = قال عبد الرحمن بن مهدى: " كان ابن عيينة من أعلم الناس بحديث الحجاز "، وقال ابن المدينى: " ما فى أصحاب الزهرى أحد أتقن من سفيان بن عيينة "، وقال أحمد بن عبد الله العجلى: " كان ابن عيينة ثبتاً فى الحديث، وكان حديثه نحواً من سبعة آلاف ولم تكن له كتب ". مات -رحمه الله- سنة ست وتسعين ومائة. الطبقات الكبرى 5/ 497، التاريخ الكبير 4/ 94، الجرح والتعديل 1/ 32، تهذيب التهذيب 4/ 117، سير 8/ 454. (¬1) فى ت: حدث. (¬2) شعبة هو: ابن الحجَّاج بن الورْد، الإمام الحافظ، أمير المؤمنين فى الحديث، أبو بسطام الأزدى العتكى، عالم أهل البصرة وشيخُها، سكن البصرة من الصّغرِ، ورأى الحسن، وأخذ عنه مسائل. حدث عن أنس بن سيرين، وسعيد بن أبى سعيد المقبُرى، وقتادةَ بن دِعامة، وعمرو بن دينار، وأيوب السختيانى، وخلق كثير سواهم. كان من أوعية العلم، لا يتقدمه أحدٌ فى الحديث فى زمانه، قال على بن المدينى: له نحو من ألفى حديث. قال الذهبى: قلت: ما أظنه إلا يروى أكثر من ذلك بكثير. حدث عنه أيوب السختيانى، وسفيان الثورى، وإسماعيل بن علية، وعبد الله بن المبارك، وأمم سواهم. قال فيه الحاكم: شعبة إمام الأئمة بالبصرة فى معرفة الحديث، رأى أنس بن مالك، وسمع من أربعمائة شيخ من التابعين. وقال الإمام أحمد: شعبة أثبت من الأعمش فى الحَكَم، وشعبةُ أحسنُ حديثاً من الثورى، قد روى عن ثلاثين كوفياً، لم يلقهم سفيان. مات -رحمه الله- فى سنة خمس وستين ومائة، عن خمس وسبعين سنة. الطبقات الكبرى 7/ 280، طبقات خليفة: 222، التاريخ الكبير 4/ 244، الجرح والتعديل 1/ 126، سير 7/ 202، تهذيب التهذيب 4/ 338. (¬3) فى ت: استسهلوا. (¬4) ساقطة من ت، وقيدت فى الهامش بغير إحالة. (¬5) على معنى قبوله، كما قبل المرسل إذا أرسله من لا يُرْسِل إلا عن ثقة. راجع منهاج السنة النبوية 4/ 117. (¬6) فى ت: صحته عنه. (¬7) فى ت: بالمراسيل. (¬8) فى ت: ما. (¬9) ومثال ذلك فى رواية شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن جده، فقد اختلفوا فى سماعه منه. تعريف أهل التقديس: 68. (¬10) زيد بعدها بالهامش فى ت: لكن بين الجلة غير محمود وعمل لغير الله، بل للذكر وصرف القلوب وترغيب الطالب للأخذ عنه دون غيره ممن بين نزوله ولم يدلس. أ. هـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقاتٍ أئمة سمعوا حديثهم. وجرت بينهم مباعدةٌ حملتهم على إبهامهم، وألا يصرّحوا بأسمائهم المشهورة. ولم تحملهم ديانتهم على ترك الحديث عنهم، كما صنع البخارى فى حديثه عن محمد بن يحيى الذهلى، لما جرى بينه وبينه، فمرة تجده يقول: حدثنا محمدٌ- لا يزيد- وثانية يقول: ثنا محمد بن خالد [ينسبه إلى الجد الأعلى] (¬1) ومرة يقول: ثنا محمد بن عبد الله بنسبة إلى جده الأدنى (¬2)، وطبقة أخرى رووا الحديث عن ضعيف أو مجهول عن الشيخ، فسكتوا عنه واقتصروا على ذكر الشيخ، إذ عُرِفَ سماعُهم منه لغير (¬3) هذا الحديث (¬4)، وطبقة أخرى رووا عن ضعفاء لهم أسماء أو كُنى مشهورةٌ عُرِفوا بها فلو صرحوا بأسمائهم المشهورة، أو كناهم المعلومة لم يشتغل بحديثهم، فأتوا بالاسم الخامل مكان الكنية المشهورة أو بالكنية المجهولة عوض الاسم المعلوم ليبهموا (¬5) الأمر، ولئلا يُعْرَف ذلك الراوى وضعفه فيزهد فى حديثهم، وطبقة أخرى رووا عن ضعيف له كنية يشاركه فيها رجلٌ مقبول الحديث، وقد حدَّث عنهما جميعاً فيطلق الحديث بالكنية ليدخل الإشكال ويقع على السامع اللبس، ويظن أنه ذلك القوى (¬6). وهذه الطرق كلها غير الأوَّليين رديَّة، قد أضرَّت بأصحابها، وسبَّبت الوقوفَ فى كثير من حديثهم، إلا ما صَرَّح به الثقات منهم بالسماع عن (¬7) الثقات ونَصُّوا عليه وبينوه، ولهذا ما وقفوا (¬8) فيما دلسه الأعمش (¬9)، لروايته عن الضعفاء، وفيما دلسه بقيَّةُ ¬

_ = ولم نشأ إثباتها فى صلب الكتاب لغلبة الظن عندنا أنها من تعاليق صاحب النسخة، كما جاء فى غير هذه الصحيفة باللوحة 18. (¬1) فى الأصل: للنسبة إلى جده الأعلى، والمثبت من ت. (¬2) وهذا نوع آخر من أنواع التدليس، ويسمى بتدليس الشيوخ. قال ابن الصلاح فيه: " وهو أن يروى عن شيخ، فيسميه، أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا يعرف به كيلا يعرف ". المقدمة: 66. قال الحافظ فى هذا القيد: " كيلا يعرف ": " ليس هذا قيداً فيه، بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليساً ". النكت 2/ 615. (¬3) فى الأصل: بغير، والمثبت من ت. (¬4) وأطلق عليه ابن القطان تدليس التسوية، قال السيوطى: وهو شر أقسامه؛ لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفاً بالتدليس، ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة، وفيه غرور شديد، وممن اشتهر بفعل ذلك بقية بن الوليد والوليد بن مسلم. تدريب الراوى 1/ 226. (¬5) فى ت: وليبهموا. (¬6) وذلك فى مثل ما كان يضع عطية بن سعد العوفى، كان يأتى الكلبى فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنى بأبى سعيد، فيقول: قال أبو سعيد: يوهم أنه الخدرى. تعريف أهل التقديس: 130، النكت 2/ 628. قال الحافظ عقب إيراده لها: " وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ ". (¬7) فى ت: من. (¬8) فى ت: وقفوا به. (¬9) هو سليمان بن مِهْرَان، الإمام، شيخ الإسلام، وشيخ المقرئين والمحدثين، أصله من نواحى الرى. رأى أنس بن مالك وحَكى عنه، وعن عبد الله بن أبى أوفى -على معنى التدليس- كما يقول الذهبى وروى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الوليد، لخلطه الأسماء والكنى، ولم يستريبوا فيما دلسه ابن عيينة والثورى، وضرباؤهما (¬1) ممن لا يروى إلا عن ثقة. [و] (¬2) اختلف أئمة الحديث فى قبول [حديث] (¬3) من عُرِف بالتدليس إذا لم ينص على سماعه، فجمهورهم على قبول حديث من عرف منهم أنه لا يروى إلا عن ثقة [كما قالوا ¬

_ = عن إبراهيم النخعى، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، والوليد بن عبادة ابن الصامت، والشعبى، وخلقٌ كثير من كبار التابعين. روى عنه الحكم بن عُتيبة، وأبو إسحاق السَّبيعى، وأيوب السختيانى، وهم من أقرانه- وأبو حنيفة، والأوزاعى، وسعيد بن أبى عروبة، وشعبة، ومعمر، والسفيانان، ويحيى بن سعيد القطان. وقال فيه: هو علامة الإسلام، وخلق كثير. مات سنة سبع وأربعين ومائة. تاريخ خليفة: 232، ميزان الاعتدال 2/ 224، سير 6/ 226، تذكرة الحفاظ 1/ 154، تهذيب التهذيب 4/ 222. وفيما دلسه الأعمش أقول: نقل الحافظ عن المعرفة للبيهقى بإسناده عن شعبة أنه قال: " كفيتُكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبو إسحاق، وقتادة ". النكت 2/ 630. قال الحافظ عقبها: " وهى قاعدة حسنة، تقبل أحاديث هؤلاء إذا كان عن شعبة ولو عنعنوها ". قال: وألحق الحافظ الإسماعيلى بشعبة فى ذلك يحيى بن سعيد القطان عن زهير فقال: يحيى القطان لا يروى عن زهير إلا ما كان مسموعاً لأبى إسحاق، وكذا ما كان من رواية الليث بن سعد عن أبى الزبير عن جابر، فإنه مما لم يدلس فيه أبو الزبير، فقد أخرج الذهبى عنه أنه قال: جئت أبا الزبير فدفع إلى كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت فى نفسى: لو أننى عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر؟ فسألته فقال: منه ما سمعت ومنه ما حدثت عنه، فقلت له: أعلم لى على ما سمعت منه، فأعلم لى على هذا الذى عندى. النكت 2/ 631، ميزان 4/ 37. (¬1) أما ابن عيينة فقد سبق قريباً. وأما الثورى فهو سفيان بن سعيد بن مسروق، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، وسيد العلماء العاملين فى زمانه، وكان والده من أصحاب الشعبى، وعداده فى صغار التابعين. أخذ العلم عن جعفر الصادق، وحميد الطويل، وسليمان الأعمش، وشعبة بن الحجاج، وابن جريج، ومعمر بن راشد، وموسى بن عقبة، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصارى، وأبى إسحاق السبيعى. قال الذهبى: ويقال: إن عدد شيوخه ستمائة شيخ. وأما الرواة عنه فخلق، ذكر أبو الفرج بن الجوزى أنهم أكثر من عشرين ألفاً. ممن حدث عنه: الأعمش، وجعفر الصادق، وأبو حنيفة، والأوزاعى، ومعاوية بن صالح، وابن أبى ذئب، وشعبة، ومعمر، وابن علية، وسفيان بن عيينة، وأبو داود الطيالسى، وعبد الرحمن بن مهدى، ووكيع بن الجراح، وأمم سواهم. مات سنة إحدى وستين ومائة. الطبقات الكبرى 6/ 371، التاريخ الكبير 4/ 92، الجرح والتعديل 1/ 55، سير 7/ 229، تهذيب التهذيب 4/ 111. وفى تدليسه يقول البخارى: لا يعرف لسفيان الثورى عن حبيب بن أبى ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، ولا عن كثير من مشايخه تدليس، ما أقل تدليسه. التاريخ الكبير 4/ 92، وانظر: النكت 2/ 631. (¬2) و (¬3) سقطتا من ت.

فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِىَّ، وَقَدْ رَأَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ رَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ وَعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثًا يُسْنِدُهُ إِلى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَليْسَ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ فى حديث من عُلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة] (¬1)، وعلى (¬2) ترك حديث المسامحين فى الأخذ وترك الحجة [به] (¬3) حتى يَنصَّ على سماعه (¬4)، وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم الاختلاف فى ذلك كما قدمناه (¬5). ذكر مسلم فى حجته فى صحة إسناد حديث المتعاصرين آخر صدر كتابه رواية قوم من الصحابة والمخضرمين وأئمة التابعين عن أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحاديث عدَّها ولم يُعيِّنها، ومن حق الباحث المفتش لفوائد كتابه- والحق عليه- أن يُجِدَّ فى البحث ويجيد النظر حتى يتعين له مجهولها، ويتفسَّر مبهمها، وتتعرف نكرتُها، وقد بحثنا عن ذلك حتى وقفنا على حقيقة منها، ورحم الله شيخنا القاضى الشهيد، فقد كفانا فى ذلك تعباً طويلاً، أوضح لنا هنالك سبيلاً، وقد رأينا أن نبيّن هذه الأحاديث بذكر أطرافها ليعلم أعيانَها من لم يمهرُ فى هذه الصنعة ولا جعل شغله حفظ أصولها. قال مسلم: " فمن ذلك أن عبد الله بن يزيد الأنصارى، وقد رأى النبىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد روى عن حذيفة وأبى مسعود الأنصارى (¬6) وعن كل واحد منهما حديثاً بسنده (¬7) إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ولم يفسّر مسلم الحديثين. قال القاضى: أما حديثه عن أبى مسعود فهو حديث ¬

_ (¬1) غير مذكورة فى ت. (¬2) قال الحافظ فى النكت -بعد أن ساق عبارة الخطيب-: إنه لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذى ليس بمدلس هو والتدليس فى الحكم واحد. والتحقيق فيه التفصيل وهو أن من ذكر بالتدليس أو الإرسال إذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس، أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفى، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال. النكت 2/ 623، الكفاية: 546. (¬3) غير مذكورة فى ت. (¬4) قال الإمام الشافعى فى الرسالة: "فنحن لا نقبل من مدلسٍ حديثاً حتى يقول: حدثنى أو سمعت" الرسالة: 380 فقرة 1035. قال الحافظ بعد سياقه لها: "وهو محتمل أن يريد الاقتصار على هاتين الصيغتين، ويحتمل أن يكون ذكرهما على سبيل المثال ليلحق بهما ما أشبههما من الصيغ المصرحة، وهذا هو الصحيح" النكت 2/ 634. (¬5) راجع: معرفة علوم الحديث 13. (¬6) قلت: وعن البراء بن عازب فى الصلاة، وأبى أيوب فى الحج والنفاق وزيد بن ثابت فى الحج. وعبد الله ابن يزيد هو الخطمى. رجال مسلم 1/ 347. (¬7) فى ت: نسبة.

رِوَايَتِهِ عَنْهُمَا ذِكْرُ السَّمَاعِ مِنْهُمَا، وَلا حَفِظْنَا فِى شَىْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ شَافَهَ حُذَيْفَةَ وَأَبَا مَسْعُودٍ بِحَدِيثٍ قَطُّ، وَلا وَجَدْنَا ذِكْرَ رؤْيَتِهِ إِيَّاهُمَا فِى رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا. وَلمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِمّنْ مَضَى، وَلا مِمَّنْ أَدْرَكْنَا، أَنَّهُ طَعَنَ فِى هَذَيْنِ الخَبَرَيْنِ، اللذَيْنِ رَوَاهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدٍ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِى مَسْعُودٍ، بِضَعْفٍ فِيهِمَا، بَلْ هُمَا وَمَا أَشْبَهَهُمَا، عِنْدَ مَنْ لاقَيْنَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِالحَدِيثِ، مِنْ صَحَاحِ الأَسَانِيدِ وَقَويَّهَا، يَرَوْنَ اسْتِعْمَالَ مَا نُقِلَ بِهَا، وَالاحْتِجَاجَ بِمَا أَتَتْ مِنْ سُنَنٍ وَآثَارٍ. وَهِىَ فِى زُعْمِ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلهُ، مِنْ قَبْلُ، وَاهِيَةٌ مُهْمَلةٌ، حَتَّى يُصِيبَ سَمَاعَ الرَّاوِى عَمَّنْ رَوَى. وَلوْ ذَهَبْنَا نُعَدَّدُ الأَخْبَارَ الصِحَاحَ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِمَّنْ يَهِنُ بِزَعْمِ هَذَا القَائِلِ، وَنُحْصِيهَا - لعَجزْنَا عَنْ تَقَصِّى ذِكْرِهَا وَإِحصَائِهَا كُلهَا. ولكِنَّا أَحْبَبْنَا أَنْ نَنْصِبَ مِنْهَا عَدَدًا يَكُونُ سِمَةً لِمَا سَكَتْنَا عَنْهُ مِنْهَا. وَهَذَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِىُّ وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ، وَهُمَا مِمَّنْ أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ وَصَحِبَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ البَدْرِيِّينَ هَلم جَرا. وَنَقْلا عَنْهُمُ الأَخْبَارَ حَتَّى نَزَلا إِلى مِثْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَذَوِيِهِمَا، قَدْ أَسْنَدَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِىِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ نفقة الرجل على أهله، وقد خرَّجه الإمامان فى صحيحيهما (¬1)، وأما حديثه عن حذيفة فهو قوله: " أخبرنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما هو كائن " (¬2) الحديث أخرجه مسلم. وذكر مسلم أن أبا عثمان النهدى وأبا رافع الصايغ وأنهما ممن أدرك الجاهلية وصحب أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البدرين هلم جرا، وذكر أن كل واحد منهما أسند عن أبى هريرة وأبى بن كعب عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً، فأما حديث أبى عثمان عن أُبىِّ فقوله: " [قال رجل] (¬3): لا أعلم أحداً أبعدَ بيتًا من المسجد منه ... " الحديث، وفيه قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه مسلم فى الزكاة فى فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد 3/ 40، والبخارى فى النفقات، ب فضل النفقة على الأهل ولفظه: " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة "، كما أخرجه أحمد فى المسند 4/ 120 - 122. (¬2) فى الفتن 5/ 741. وعبد الله بن يزيد هو الخطمى، الأنصارى، كان صغيراً على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أحد من بايع بيعة الرضوان، وكان عمره يومئذ سبع عشرة سنة، وكان والده يزيد من الصحابة الذين توفوا فى حياة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مات قبل السبعين، وله نحوٌ من ثمانين سنة -رضى الله عنه. الطبقات الكبرى 6/ 18، طبقات خليفة: 935، الجرح والتعديل 5/ 197، رجال صحيح مسلم 1/ 347، سير 3/ 197، تهذيب التهذيب 6/ 78. (¬3) فى ت: كان رجلاً.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، وَلمْ تَسْمَعْ فِى رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا أَنَّهُمَا عَايَنَا أُبَيًّا أَوْ سَمِعَا مِنْهُ شَيْئًا. وَأَسْنَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِىُّ، وَهُوَ مِمَّنْ أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ، وَكَانَ فِى زَمَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً، وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَبَرَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " أعطاك الله ما احتسبت " أخرجه مسلم (¬1). وأما حديث أبى رافع عنه فهو أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف فى العشر الآخر فسافَر عاماً، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوماً خرَّجه ابن أبى شيبة فى مسنده (¬2). وقول مسلم: " هلم جرا " (¬3) ليس موضعه لأنها أنما تستعمل فيما اتصل إلى زمان المتكلم بها، وإنما أراد بها مسلم فمن بعدهم من الصحابة. وذكر مسلم أن أبا عمرو الشيبانى وأبا معمر عبد الله بن سخبرة أسند كل واحد منهما عن أبى مسعود الأنصارى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرين. أما خبر الشيبانى فأحدهما حديث: جاء رجل إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إنه أُبدع بى " (¬4). والآخر: جاء رجُل إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بناقة مخطومة فقال: " لك بها يوم القيامة سبعمائة ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه مسلم، ك المساجد ومواضع الصلاة، ب فضل كثرة الخطا إلى المساجد، لكن بلفظ: إِنَّ لك ما احتسبت " وفى لفظ آخر " قد جمع الله لك ذلك كله " يعنى ممشاه ورجوعه إلى أهله 1/ 461. وأبو عثمان النهدى هو شيخ الوقت أبو عبد الرحمن بن مُلّ البصرى، المخضرم المُعمّر، غزا فى خلافة عمر وبعدها غروات. وحدث عن عمر، وعلى، وابن مسعود، وأبى بن كعب، وبلال، وسعد بن أبى وقاص، وسلمان الفارسى، وحذيفة بن اليمان، وأبى موسى الأشعرى، وأسامة بن زيد، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبى هريرة، وابن عباس، وطائفة سواهم. حدّث عنه قتادة، وعاصمُ الأحول، وحميد الطويل، وأيوب السّختيانى، وخالد الحذَّاء، وخلق، وشهد وقعة اليرموك، وثقه على بن الأنبارى، وأبو زرعة، وجماعة. مات سنة مائة. الطبقات الكبرى 7/ 97، الجرح والتعديل 2/ 283، سير 4/ 175، تهذيب التهذيب 6/ 277. (¬2) 19/ 247. (¬3) جاء فى اللسان هَلُمَّ بمعنى أقْبل، وهى تركيبةٌ من (ها) التى للتنبيه ومن (لُمَّ)، وقال ابن الأنبارى: معنى هلم جَرا، سيروا وتمهلوا فى سيركم وتثبتوا. وهو من الجرّ، وهو ترك النَعم فى سيرها فيستعمل فيما دووم عليه من الأعمال. قال ابن الأنبارى: فانتصب جراً على المصدر، أى جروا جراً، أو على الحال، أو على التمييز. (¬4) مسلم، ك الإمارة، ب فضل إعانة الغازى فى سبيل الله بمركوب وغيره 3/ 1506 ولفظه: =

وَأَسْنَدَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا. وَعُبَيْدُ ابْنُ عُمَيْرٍ وُلِدَ فِى زَمَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَسْنَدَ قَيْسُ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، وَقَدْ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَلاثَةَ أَخْبَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [ناقة] (¬1) " انفرد بها مسلم فى صحيحه (¬2). وأما حديثا (¬3) أبى معمر فأحدهما: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح مناكبنا فى الصلاة " خرجه مسلم (¬4)، والآخر: " لا تجزى صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها فى الركوع " خرجه ابن أبى شيبة. قال مسلم: وأسند عبيد بن عمير عن أم سلمة زوج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً هو قولها: " لما مات أبو سلمة قلت: غريبةٌ فى أرض غربة لأبكينه بكاءً يتحدث به " خرَّجه مسلم (¬5). قال [مسلم] (¬6): " وأسند قيس بن أبى حازم عن أبى مسعود الأنصارى ثلاثة أخبار " هى حديث: " الإيمان ها هنا (¬7) " وحديث: " إن الشمس والقمر لا يكسفان " وحديث: ¬

_ = " إنى أُبْدِع بى " ومعنى أُبْدِع بى: أى هلكت دابتى. واسم أبى عمرو: سعد بن إياس الكوفى. قال الذهبى: " أدرك الجاهلية وكاد أن يكون صحابياً ". حدث عن على، وابن مسعود، وحذيفة، وطائفة. وروى عن الأعمش، وسليمان التيمى، وإسماعيل ابن أبى خالد، وآخرون وهو من رجال الكتب الستة. قال فيه يحيى بن معين: " كوفى ثقة ". الطبقات الكبرى 6/ 104، التاريخ الكبير 4/ 47، سير 4/ 173، تهذيب التهذيب 3/ 468. (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) الكتاب السابق، ب فضل الصدقة فى سبيل الله وتضعيفها 3/ 1505. (¬3) فى ت: حديث، وفى الأصل: حديثان، والصواب ما أثبتناه .. (¬4) فى الصلاة، ب تسوية الصفوف وإقامتها 1/ 323. وابو معمر هو عبد بن سخْبَرة، الأزدى، الكوفى. حدث عن عمر، وعلى وابن مسعود، وأبى مسعود وخبَّاب، والمقداد بن الأسود، وعلقمة، وطائفة. حدث عنه إبراهيم النخعى، ومجاهد، وعمارة بن عمير التيمى وآخرون، ووثقه يحيى بن معين. قال الذهبى: " قيل: ولد فى حياة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". ومات بالكوفة سنة نيّفٍ وستين. الطبقات الكبرى 6/ 103، سير 4/ 133، تهذيب التهذيب 5/ 231. وحديث: " لا تجزى صلاة " أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف 1/ 287، 14/ 219، كما أخرجه عبد الرزاق فى المصنف 17/ 36، والبيهقى فى السنن الكبرى من طريق شعبة عن الأعمش قال: سمعت عمارة بن عمير يحدث عن أبى معمر الأزدى ... الحديث 2/ 117. (¬5) ك الجنائز، ب البكاء على الميت، ولفظه: " غريبٌ وفى أرض غربة ". (¬6) ساقطة من الأصل. (¬7) فى الأصل: هنا.

وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبى ليْلى، وَقَدْ حَفِظَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَصَحِبَ عَلِيًّا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيثًا. وَأَسَنْدَ رِبْعِىُّ بْنُ حِرَاشٍ، عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ. وَعَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيثًا. وَقَدْ سَمِعَ رِبْعِىٌّ مِنْ عَلِى بْنِ أَبِى طَالِبٍ، وَرَوى عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " لا أكاد أدرك الصلاة مما يطوّل بنا فلان ... " (¬1) [أخرجها ثلاثتها] (¬2) الإمامان. قال مسلم: " وأسند عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أنس بن مالك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً " هو -حديث-: " أَمَرَ أبو طلحة أم سُليمٍ: اصنعى طعاماً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خرَّجه مسلم (¬3). قال: وأسند ربعى بن حراش عن عمران بن حُصين عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين، أحدهما فى إسلام حُصين أبى عمران، والآخر قوله: " كان عبد المطلب خيراً لقومك منك "، ذكره ابن أبى شيبة. وذكر له عن أبى بكرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثًا هو: " إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما (¬4) على جُرف جهنم " رواه مسلم، وأشار إليه البخارى فى الإيمان. قال: وأسند نافع بن جبير بن مطعم عن أبى شريح الخزاعى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً هو قوله: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره "، خرَّجه مسلم. ¬

_ (¬1) الحديث الأول: أخرجه مسلم، ك الإيمان، ب تفاضل أهل الإيمان فيه بلفظ: " الإيمان يمان ها هنا " 1/ 71، والبخارى، ك بدء الخلق، ب خير مال المسلم غَنمٌ يتبع بها شعفَ الجبال 4/ 155 لكن لفظه فيه: " الإيمان ها هنا ". والحديث الثانى: أخرجه مسلم، ك الكسوف، ب ذكر النداء بصلاة الكسوف، ولفظه: " إن الشمس والقمر ليس ينكسفان لموت أحد " 2/ 628، والبخارى، ك الكسوف، ب الصلاة فى كسوف الشمس بلفظ: " لا ينكسفان ". والحديث الثالث: أخرجه مسلم، ك الصلاة، ب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة فى تمام 1/ 340، والبخارى، ك الأحكام، ب هل يقضى الحاكم أو يفتى وهو غضبان؟ ولفظه: " إنى لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلانٍ مما يُطيل بنا ". (¬2) فى ت: أخرجها. (¬3) ك الأشربة، ب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك 3/ 1613 تابعاً. وعبد الرحمن بن أبى ليلى الأنصارى، ولد لست بقين من خلافة عمر، ومات سنة ثلاث وثمانين. وقال فيه ابن معين: ثقة، وقال العجلى: " كوفى، تابعى، ثقة ". رجال صحيح مسلم 1/ 424، تهذيب التهذيب 6/ 260. (¬4) فى ت: فهو.

وَأَسْنَدَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الخُزَاعِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيثًا. وَأَسْنَدَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِى عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، ثَلاثَةَ أَحَادِيثَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وأسند النعمان بن أبى عياش (¬1)، عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أحاديث، هى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام يوماً فى سبيل الله باعد الله وجهه من النار سبعين خريفاً "، والثانى: " إِنَّ فى الجنة شجرةً يسير الراكب فى ظلها ... " خرَّجهما معاً الإمامان، والثالث: " إن أدنى أهل الجنة منزلةً من صرَف الله وجهه عن النار " الحديث خرجه مسلم (¬2). قال: وأسند سليمان بن يسار (¬3)، عن رافع بن خديج عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً، هو حديثه فى المحاقلة. خرجه مسلم (¬4). قال: وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميرى (¬5) عن أبى هريرة أحاديث ولم يعدها مسلم. ¬

_ (¬1) النعمان بن أبى عياش الزرقى، الأنصارى، المدنى، كان شيخاً كبيراً من أفاضل أبناء أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسم أبى عياش زيد بن الصامت، وكان فارساً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو حاتم الرازى: " روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرسلاً، وهو تابعى "، وذكره مسلم فى الطبقة الأولى من أهل المدينة. رجال صحيح مسلم 2/ 293، تهذيب التهذيب 10/ 455. (¬2) الحديث الأول: أخرجه مسلم، ك الصيام، ب فضل الصيام فى سبيل الله لمن يطيقه 1/ 88، والبخارى، ك الجهاد، ب فضل الصوم فى سبيل الله، كلاهما بلفظ عن النار. والثانى: أخرجه البخارى، ك التفسير 56 سورة الواقعة، ب قوله تعالى: {ظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30]، واللفظ له، ومسلم، ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب إن فى الجنة شجرة 4/ 2176. والثالث: أخرجه مسلم، ك الإيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، ولفظه هناك: " رجل حرف اللهُ وجهه عن النار قبل الجنة، ومثل له شجرة ذات ظِل فقال: أى رَبِّ، قدمنى إلى هذه الشجرة أكون فى ظِلها " 10/ 175. (¬3) سليمان بن يسار المدنى، مولى أم المؤمين ميمونة الهلالية، عالمُ المدينة ومفتيها، الفقيه الإمام، كان من أوعية العلم بحيث إن بعضهم- كما ذكر الذهبى- قد فضله على سعيد بن المسيب. حدث عنه أخوه عطاء، والزهرى، وربيعة الرأى، وصالح بن كيسان، ويحيى بن سعيد الأنصارى، وخلق سواهم. قال ابن سعد: " كان ثقة، عالماً، رفيعاً، فقيهاً، كثير الحديث، مات سنة سبع ومائة ". الطبقات الكبرى 5/ 130، تاريخ البخارى 47/ 41، سير 4/ 444. (¬4) كتاب البيوع، ب كراء الأرض بالطعام، ولفظه: كنا نحاقلُ الأرض على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى .. الحديث 3/ 1881. جاء فى النهاية: " والمحاقلة مختلف فيها قيل: هى اكتراء الأرض بالحنطة، وهو الذى يسميه الزارعون المحارثة، وقيل: هى المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوها. وقيل: هى بيع الطعام فى سُنْبله بالبر، وقيل: بيع الزرع قبل إدراكه ". قال: " وإنما نهى عنها لأنها من المكيل، ولا يجوز فيه إذا كانا من جنس واحد إلا مثلاً بمثل، ويداً بيد ". النهاية 1/ 416. وسيأتى بيانه إن شاء الله فى حينه ومكانه. (¬5) حميد بن عبد الرحمن الحميرى، شيخ بصرى، ثقة، عالم، يروى عن أبى هريرة، وأبى بكرة الثقفى، وابن عمر. حدث عنه محمد بن سيرين، وقتادة بن دِعَامة، وجماعة. قال العجلى: " تابعى ثقة "، =

ذكر مذهب مسلم فى كتابه فى أداء الحديث والفرق بين حدثنا وأخبرنا وأنبأنا

وَأَسْنَدَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الليْثِىُّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا. وَأَسْنَدَ سُليْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: منها فى هذا الكتاب: " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم "، هذه جملة الأحاديث التى نبَّه عليها مسلم ولم يعينها، وقد نبهنا على أطرافها، ليتنبه بها من طالع شيئاً من علم الحديث، واشتغل به، وعرف الأحاديث على الجملة فيعلم بالطرف بقيَّة الحديث، وليهتدى بما ذكرناه من لا علم عنده وهو مذهب البخارى فيطلبها فى مظانها من هذه الكتب، وإنما اقتصرنا على ذكرها فى المواضع التى عليها من هذه الكتب، وإن كانت موجودة فيها وفى غيرها من التصانيف، لكن بأسانيد غير التى أشار إليها مسلم، وسيأتى الكلام على ما خرج منها مسلم فى مواضعه، إن شاء الله تعالى. ذكر مذهب مسلم فى كتابه فى أداء الحديث والفرق بين حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وذهب معظم الحجازيين والكوفيين إلى أن حدثنا وأخبرنا واحدٌ، وأن القراءة على الشيخ كالسماع من لفظه يجوز فى ذلك حدثنا وأخبرنا وأنبأنا، وهو قول مالك، والزهرى وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان، ومنصور، وأيوب، ومعمر، والحسن، وعطاء بن أبى رباح، واختُلف فيه على أبى حنيفة، وابن جُريج، والثورى، وهو مذهب البخارى وجماعة من المحدثين، والمحققين، وهو قول الحسن فى القراءة، وذكر مالك أنه مذهب متقدمى أئمة المدينة، وروى عن على وابن عباس: القراءة على العالم كقراءته عليك ولم يعِدَّها مسلم. وأجاز بعضهم فى القراءة: سمعت فلاناً، وهو قول الثورى، وروى عن مالك أن القراءة على العالم أحبُّ إليه من السماع منه؛ لأنه أثبت للراوى، وعلل ذلك بأن الشيخ قد يهم فلا يرد عليه إذ لا يُعلم وهمهُ، وقد يُعلم فَيُوَقَّر، ومثل هذا لا يُتَخَيَّل من الشيخ بحمل للقارئ، فهو يعلم ما أخطأ القارئ فيه من حديثه ويرده عليه، واحتج لذلك بقراءة الصكوك على من عليه الحق، وأن إقراره بذلك يلزمه (¬1). ¬

_ = ثم قال: " كان ابن سيرين يقول: هو أفقه أهل البصرة ". سير 4/ 293، تهذيب 3/ 46. والحديث الذى أسنده مسلم عن أبى هريرة، وأشار إلى لفظه القاضى، أخرجه مسلم، ك الصيام، ب فضل صوم المحرم 2/ 821. (¬1) قلت: وهو قول شعبة، فقد حدث عنه ابن مهدى أنه قال: " القراءة أثبت عندى من السماع، وكان يقول: قرأت على منصور، وقرأت على هشام بن عروة ". الكفاية: 399. وأحد القولين ليحيى بن سعيد، فقد جاء عنه: " إذا قرأت على المحدث كان أحبَّ إلىَّ، لأنه يُصح لى كتابى ". السابق: 400.

وَأَسْنَدَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِىُّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَادِيثَ. فَكُلِّ هَؤُلاءِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ نَصَبْنَا رِوَايَتهُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ، لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُمْ سَمَاعٌ عَلِمْنَاهُ مِنْهُمْ فِى رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا وَلا أَنَّهَم لَقُوهمْ فِى نَفْسِ خَبَرٍ بِعَيْنِهِ. وَهِىَ أَسَانِيدُ عِنْدَ ذَوِى المَعْرِفَةِ بِالأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ مِنْ صِحَاحِ الأَسَانِيدِ، لا نَعْلَمُهُمْ وَهَّنُوا مِنْهَا شَيْئًا قَطٌّ. وَلا التَمَسُوا فِيهَا سَمَاعَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. إِذِ السَّماعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُمْكِنٌ مِنْ صَاحِبِهِ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ، لِكَوْنِهِمْ جَمِيعاً كَانُوا فِى العَصْرِ الذِى اتَّفَقُوا فِيهِ. وَكَانَ هَذَا القَوْل الذِى أَحْدَثَهُ القَائِلُ الذِى حَكَيْنَاهُ فِى تَوْهِينِ الحَدِيثِ، بِالعِلةِ التِى وَصَفَ - أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُعَرَّجَ عَليْهِ وَيُثَارَ ذِكْرُهُ. إِذْ كَانَ قَوْلاً مُحْدَثاً وَكَلاماً خَلفاً لمْ يَقُلهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ سَلفَ، وَيَسْتَنْكِرُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ خَلَفَ. فَلَا حَاجَةَ بِنَا فِى رَدِّهِ بِأَكْثَر مِمَّا شَرَحْنَا، إِذ كَانَ قَدْرُ المَقَالةِ وَقَائِلهَا القَدْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبى جمهور أهل المشرق من إطلاق " حدَّثنا " فى القراءة على العالم، وأجازوا فيه " أخبرنا " ليفرقوا بين الموضعين، وسموا القراءة عرضاً، وهو مذهب أبى حنيفة والشافعى فى آخرين، إليه ذهب مسلم، وقالوا: إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب (¬1) بمصر، وقالوا: لا يكون " حدثنا " إلا فى المشافهة من المخبر، وقال بعضهم: لا ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن وهب القرشى المصرى. روى عن مالك والليث، وابن أبى ذئب، والسفيانين، وابن جريج، ونحو أربعمائة شيخ من المصريين والحجازين، والعراقيين، وقرأ على نافع، وروى عنه الليث، وقيل: إن مالكاً روى عنه عن ابن لهيعة. قال أبو عمر: " يقولون: إن مالكاً لم يكتب لأحد بالفقيه إلا إلى ابن وهب ". قال فيه ابن معين: " ثقة "، وكذا قال النسائى فيه. مات سنة ست وتسعين ومائة. ترتيب المدارك 228: 240. قال ابن الصلاح: حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة، لأنه ليس فى " سمعت " دلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه، وفى حدثنا وأخبرنا دلالة عليه. المقدمة: 120، فتح المغيث 2/ 20، التدريب 2/ 10. وقال الخطيب: أرفع العبارات فى ذلك سمعت، ثم حدثنا وحدثنى، ثم يتلو ذلك أخبرنا، وهو كثير فى الاستعمال حتى إن جماعات كثيرين من المتقدمين الحفاظ كانوا لا يكادون يخبرون عما سمعوه من لفظ الشيخ إلا بأخبرنا، وكان هذا قبل أن يشيع تخصص أخبرنا بما قرئ على الشيخ، ثم يتلو أخبرنا، أنبأنا، ونبأنا وهو قليل فى الاستعمال. الكفاية: 284.

الذِى وَصَفْنَاهُ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلى دَفْعِ مَا خَالفَ مَذْهَبَ العُلمَاءِ وَعَليْهِ التُّكْلانُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول " حدثنا " و " أخبرنا " إلا فيما سمع من الشيخ، وليقل: قرأتُ- وقرئ عليه وأنا أسمعُ، وإلى هذا نحوا [يحيى بن يحيى التميمى وابن المبارك وابن حنبل والنسائى وجماعة، وحكى عن إسحاق بن راهويه وغيره أنه اختار فى السماع] (¬1) والقراءة أخبرنا، وأنه أعمُّ من حدثنا (¬2). وشرط بعض أهل الظاهر فى صحة الإخبار بالقراءة أن يقول القارئ للشيخ: هو كما قرأته عليك؟ فيقول: نعم، وأباه إذا سكت القارئ ولم يقرره هذا التقرير (¬3). وقد جاء داخل " الأم " أشياء من هذا الباب فى حديث يحيى بن يحيى عن مالك وغيره (¬4)، وإن كان قد روى عن مالك إنكارُ مثل هذا لمن سأله وقال له: ألم أُفَرغ لكم نفسى وسمعتُ عَرْضكم وأقمت سقطه وزلَله؟ وإلى ما ذهب إليه مالك من جواز الحديث بالقراءة دون التقرير ذهب الجمهور، ولم يختلفوا أنه يجوز أن يقول فيما سمع من لفظ الشيخ: حدثنا وأخبرنا وسمعت، وقال لنا وذكر لنا، واختار القاضى أبو بكر فى أمة من المحققين أن يفصل بين السماع والقراءة فيطلق فيما سمع: حدثنا، ويُقيّد فيما يقرأ: حدثنا وأخبرنا قراءة، أو قرأت عليه أو سمعت يقرأ عليه، ليزول إبهام اختلاط أنواع الأخذ، وتظهر نزاهة الراوى وتحفظه. وقد اصطلح متأخرو المحدثين على تفريق فى هذا، فقال الحاكم أبو عبد الله: الذى أختاره فى الرواية وعهدتُ عليه أكثر مشايخى وأئمة عصرى أن يقال: فيما يأخذه من المحدث لفظاً وحده: حدثنى، وإن كان معه غيره: حدثنا، وفيما قرأه عليه وحده: أخبرنى، وما قرئ عليه وهو حاضر: أخبرنا، وما عُرض عليه فأجازه له شفاهاً: أنبأنى، وما كتب به إليه ولم يشافهه: كتب إلى (¬5)، وعن الأوزاعى نحو ما ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) و (¬3) راجع: إحكام الأحكام لابن حزم 2/ 323. (¬4) هو ابن بكير بن عبد الرحمن التميمى: روى عن مالك الموطأ، قال عياض فى ترتيب المدارك: وقيل: إنه قرأه عليه، ولازمه مدة للاقتداء به روى عن الليث، والحمادين، وأبى عوانة، وابن لهيعة، وابن عيينة، وهشيم، وابن المبارك. قال: " قال أبو عمر: كان ثقة، مأموناً، مرضياً. روى عنه جماعة من الأئمة كإسحاق بن راهويه، والذهلى، والبخارى، ومسلم، وخرجا عنه فى الصحيحين كثيراً ". قال ابن خلاد الرامهرمزى: " رحل إلى مصر والشام، واليمامة، والعراق، وكان أحمد بن حنبل يثنى عليه ويقول: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثله، وكان من ورعه يشك فى الحديث كثيراً حتى سموه الشكاك. وقال إسحاق بن راهويه: لم أكتب العلم عن أحد أوثق فى نفسى منه، ومن الفضل بن موسى السّينائى ". وقال أبو بكر بن إسحاق. " لم يكن بخراسان أعقل من يحيى بن يحيى، وكان أخذ تلك الشمائل من مالك بن أنس -رحمه الله- أقام عليه لأخذها سنة بعد أن فرغ من سماعه، فقيل له فى ذلك، فقال: إنما أقمت مستفيداً لشمائله، فإنها شمائل الصحابة والتابعين ". قال: قال البخارى: " توفى سنة لست وعشرين ومائتين ". ترتيب المدارك 3/ 216. (¬5) الحاكم فى معرفة علوم الحديث: 260.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره الحاكم، قال: فى السماع. حدثنا، وفى القراءة: أخبرنا، وفى الإجازة خبرنا، وفى رواية أخرى عنه: أنبأنا، وفرَّق بين حديثه وحده أو فى جماعة كما قال الحاكم، وقال الأوزاعى أيضاً: قل فى المناولة: قال فلان عن فلان ولا تقل: حدثنا. قال القاضى: وقد جوَّز قوم إطلاق حدَّثنا وأخبرنا فى الإجازة، وحكيت عن جماعة من السلف، وحكى الوليد بن بكر (¬1) فى كتاب " الوجازة " له أنه مذهب أهل المدينة وقال: شعبة مرة يقول: أنبأنا وروى عنه أيضاً: وأخبرنا، واختار أبو حاتم الرازى (¬2) أن يقول فى الإجازة مشافهةً: " أجاز لى " وفيما كتب إليه: كتب إلى وذهب الخطابى (¬3) إلى أن يقول فى الإجازة: أخبرنا فلان أن فلاناً حدثه، ليبين بهذا أنه إجازة، وذكر ابن خلاد (¬4) القاضى فى كتابه " الفاصل " مثل هذا عن بعض أهل الظاهر قال: ولا يقل: إن فلاناً قال: حدثنا فلان، لأن هذا ينبئ عن السماع. وهذه كلها اصطلاحات لا يقوم على تحقيقها حجة، إلا من وجه الاستحسان والمواضعة بين أهل الصنعة لتميز أنواع الروايات (¬5)، وقد رأيت الفقهاء والمتأخرين يقولون فى الإجازة: حدثنا فلانٌ إذناً، وفيما أذن لى فيه، وبعضهم يقول فيما كتب لى بخطه، لقيه ¬

_ (¬1) هو الوليد بن بكر بن مخلد، الحافظ، اللغوى. الأندلسى، أحد الرحالة فى الحديث. حدث عنه عبد الغنى بن سعيد الحافظ، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو ذر الهروى، وغيرهم، قال الخطيب: " كان ثقة أميناً، كثير السماع، سافر الكثير ". توفى بالدينور سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ". تاريخ بغداد 13/ 450، الصلة 2/ 642، سير 17/ 65. واسم الكتاب " الوجازة فى تجويز الإجازة ". معجم المؤلفين 13/ 170. (¬2) هو الإمام الحافظ، الناقد، شيخ المحدثين، الحنظلى، كان من بحور العلم، طوَّف البلاد، وبرع فى المتن والإسناد، وجمع وصَنَّفَ وعدَّل وجرح، وصحح وعَلل. وهو من نظراء البخارى ومن طبقته، ولكه عُمِّر بعده أزيد من عشرين عاماً. ارتحل بابنه عبد الرحمن ولقى به أصحاب ابن عيينة ووكيع. قال ابن أبى حاتم: " سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان، ودعا لهما وقال: بقاؤهما صلاح للمسلمين ". سير 13/ 247، وانظر: الجرح والتعديل 1/ 349، تاريخ بغداد 2/ 73، تهذيب التهذيب 9/ 31. (¬3) هو الإمام العلامة، الحافظ اللغوى، أبو سليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب النسفى، صاحب التصانيف حدث عنه أبو عبد الله الحاكم وهو من أقرانه فى السن والسَّنَد، والعلامة أبو عبيد الهروى، وعلى بن الحسن السَّجزى الفقيه، وطائفة سواهم. توفى ببُست سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. العبر 3/ 39، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 282، سير 17/ 23. (¬4) هو الرامهرمزى الإمام الحافظ، البارع، محدث العجم وكتابه المشار إليه هو " المحدث الفاصل بين الراوى والواعى " قال فيه الذهبى: " وما أحسنه من كتاب، وهو كتاب ينيئ بإمامته ". وقال الحافظ ابن حجر -فيما نقله عنه صاحب كشف الظنون-: " هو أول كتاب صنف فى علوم الحديث فى غالب الظن ". 1612. تذكرة الحفاظ 3/ 905، العبر 2/ 321، سير 17/ 73. قلت: وقد حققه الدكتور محمد عجاج الخطيب، ونشره بدار الفكر بدمشق. (¬5) قال الخطيب فى الكفاية: هذا هو المستحب وليس بواجب عند كافة أهل العلم 2940. وبعد أن نقله النووى وحكاه فى الإرشاد قال: فيجوز أن يقول فيما سمع وحده: حدثنا وأخبرنا، وفيما سمعه فى جماعة حدثنى وأخبرنى، والله أعلم. إرشاد طلاب الحقائق 1/ 359. وانظر: الإلماع: 132.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو لم يلقه: حدثنا فيما كتبه لى، وحدثنا كتابةً ومن كتابه، وحدثنا فيما أطلق لى الحديث به (¬1)، والتمييز بين الإجازة وبين السماع أولى للخلاف فى صحتها والعمل بها، وهو الذى شاهدته من أهل التحرى فى الرواية ممن أخذنا عنه، فقد اختلف فى الإجازة والعمل بها دون قراءة ولا سماع ولا دفع كتاب، وتُنُوزع فيها، فالمشهور عن عامَّة الفقهاء والمحدثين جوازها، كالزهرى ومنصور بن المعتمد وأيوب السختيانى وسعيد بن الحجاج وربيعة وعبد العزيز بن الماجشون والأوزاعى والثورى وابن عيينة والليث، وأباها بعض أهل الظاهر وحكى ذلك عن الشافعى، وروى الوجهان عن مالك، والجواز عنه أشهر، وهو مذهب أصحابه من أهل الحديث وغيرهم، وظاهر رواية الكراهة عنه لمن لا يستحقها لا لنفسها (¬2). وقال أحمد بن مُيَسَّر (¬3) من أئمتنا: " الإجازة عندى خير من السماع الردىء ". واختلف من أجازها فى وجوب العمل بها، فالجمهور على وجوبه كالسماع والقراءة (¬4)، وقال قوم من أهل الظاهر: لا يجب عمل بما رُوِىَ بها (¬5)، والمناوَلةُ أقوى درجة منها، وهو الذى يسميه بعضهم العرض، وهو أن يُحضِر الشيخ بعض حديثه أو بعض كتبه أو يكون عند الطالب ويقول له: هذا سماعى من فلان فاحمله عنى أو أجزتُها لك، فيذهب ¬

_ (¬1) قال الخطيب: واختلفوا فى العبارة بالتحديث بها، فقال مالك: قل فى ذلك ما شئت من حدثنا أو أخبرنا، وقال غيره: قل: أنبأنا، وهو مذهب الأوزاعى، وروينا مثله عن شعبة، وقال آخرون: يقول: أجاز لى وأطلق لى التحديث. لا غير. الكفاية: 474. (¬2) فقد جاء عنه لصحة اعتبارها عنده أن يكون المجيز عالماً بما يجيز، ثقة فى دينه وروايته، معروفاً بالعلم، والمجاز به معارضاً بالأصل حتى كأنه هو، وأن يكون المجاز له من أهل العلم، أو متسماً بسمته، حتى لا يوضع العلم إلا عند أهله. وشرط ابن عبد البر أن يكون المجاز له ماهراً بالصناعة، حاذقاً فيها، يعرف كيف يتناولها، وأن تكون فى ما لا يشكل إسناده. مقدمة: 276، فتح المغيث 2/ 95. (¬3) أحمد بن مُيَسَّر هو: أحمد بن محمد بن خالد بن ميَسَّر، كنيته أبو بكر الإسكندرانى، كان فقيه الإسكندرية، وأفقه من يقول بقول مالك فى زمانه. توفى سنة تسع وثلاثمائة. ترتيب المدارك 5/ 52. قلت: وقد ادعى أبو الوليد الباجى المالكى الإجماع فى جواز الرواية بها، وهو منتقض بما ذكرنا. راجع: إرشاد 1/ 371. (¬4) قال الخطيب: " وهذا قول الدهماء من العلماء ". وقال السخاوى: " لأنه خبر متصل الرواية فوجب العمل به كالسماع ". الكفاية: 446، فتح المغيث 2/ 66. (¬5) وحجتهم فى ذلك أنها جارية مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل، وقد رد الخطيب عليهم بقوله: " اعتلال من لم يقبل أحاديث الإجازة بأنها تجرى مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل فغير صحيح، نعرف المجيز بعينه وأمانته وعدالته، فكيف يكون بمنزلة من لا نعرفه ". الكفاية: 456. وقال ابن الصلاح: وهذا باطل لأنه ليس فى الإجازة ما يقدح فى اتصال المنقول بها، ولا فى الثقة به. مقدمة: 264. زاد السخاوى: بخلاف المرسل فلا إخبار فيه البتة. فتح المغيث 2/ 66.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بها ويرويها عنه، فأجازها معظم الأئمة والمحدثين، وهو مذهب يحيى بن سعيد الأنصارى (¬1)، وحيْوةَ (¬2) بن شريح [الخزاعى] (¬3) والزهرى (¬4)، وهشام بن عروة (¬5)، وابن جريج، ومالك بن أنس، وعبد الله العُمرى (¬6)، والأوزاعى (¬7) .................. ¬

_ (¬1) هو الإمامُ، العلامة، المجَّود، عالم المدينة فى زمانه، وشيخ عالم المدينة، وتلميذ الفقهاء السبعة. مولده قبل السبعين، زمن ابن الزبير. سمع من أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وأبى أمامة بن سهل، وسعيد بن المسيّب، والقاسم بن محمد، وخلق سواهم. وروى عنه الزهرى -مع تقدمه- وابن أبى ذئب، وشعبة، ومالك، وسفيان الثورى، وابن عيينة، وحماد بن سلمة، والأوزاعى، وخلق سواهم. وهو صاحب حديث: " الأعمال بالنيات "، وعنه اشتهر حتى يقال رواه عنه نحو المائتين. مات -رضى الله عنه- سنة ثلاث وأربعين ومائة. طبقات خليفة: 270، التاريخ الكبير 8/ 275، طبقات الحفاظ: 57، سير 5/ 468. (¬2) هو شيخ الديار المصرية، إمام ربانى، حدَّث عن يزيد بن حبيب، وعقبة بن مسلم، وعنه ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ، وثقه أحمد بن حنبل وغيره، مات سنة ثمان وخمسين ومائة. طبقات خليفة: 296، تاريخ البخارى 3/ 120، سير 6/ 404. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى، الإمام العالم، حافظ زمانه، المدنى، نزيل الشام. روى عن ابن عمر، وجابر بن عبد الله شيئاً، قال الذهبى. ويحتمل أن يكون سمع منهما، وأن يكون رأى أبا هريرة وغيره. روى عن سهل بن سعد، وأنس بن مالك، ولقيه بدمشق، والسائب بن يزيد، ومحمود ابن الربيع، وسعيد بن المسيب وجالسه ثمان سنوات، وتفقه به، وعلى بن الحسين، وعروة بن الزبير، ومحمد بن النعمان بن بشير وخلق سواهم. وعنه عطاء بن أبى رباح- وهو أكبر منه- وعمر بن عبد العزيز- ومات قبله ببضع وعشرين سنة- وقتادة بن دعامة، وطائفة من أقرانه، ومنصور بن المعتمر، وأيوب السختيانى، ويحيى بن سعيد الأنصارى، وابن جريج، ومعمر بن راشد، والأوزاعى، ومالك ابن أنس، والليث بن سعد، وابن أبى ذئب، وأمم سواهم. قال الدراوردى: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب. وقال عمر بن عبد العزيز ما ساق الحديث أحدٌ مثل الزهرى. وقال أبو حاتم: " أثبت أصحاب أنس الزهرى ". مات سنة أربع أو ثلاث وعشرين ومائة. طبقات خليفة: 261، التاريخ الكبير 1/ 220، الجرح والتعديل 8/ 71، تذكرة الحفاظ 1/ 108، سير 5/ 326، تهذيب التهذيب 9/ 445. (¬5) هو هشام بن عروة بن الزبير، الإمام الثقة، شيخ الإسلام. ولد سنة إحدى وستين، سمع من أبيه، وعمه ابن الزبير، وطائفة من كبراء التابعين منهم عمر بن عبد الله بن عمر، وعمرو بن شعيب، وابن شهاب، وقد رأى ابن عمر وحفظ عنه أنه دعا له ومسح رأسه. حدث عنه شعبة، ومالك، والثورى، وخلق كثير، ولحق البخارى بقايا أصحابه كعبيد الله بن موسى. قال ابن سعد: كان ثقةً، ثبتاً، كثير الحديث، حجة، وقال أبو حاتم الرازى: ثقةً إماماً فى الحديث مات سنة ست وأربعين ومائة. طبقات خليفة 267، التاريخ الكبير 4/ 193، الثقات 3/ 280، سير 6/ 34، تهذيب التهذيب 11/ 48. (¬6) هو الإمام القدوة الزاهد العابد عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله ابن صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن عمر بن الخطاب. روى عن أبيه، وعن أبى طُوالة، وعيينة بن عيينة، وابن المبارك، وغيرهم. وهو قليل الرواية، مشتغل بنفسه، قوَّالٌ بالحق، أمَّارٌ بالمعروف، لا تأخذه فى الله لومة لائم. مات سنة أربع وثمانين ومائة. طبقات خليفة: 323، تاريخ خليفة 146، سير 8/ 373. (¬7) هو عالم أهل الشام عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمَد، شيخ الإسلام، أبو عمرو. حدث عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [فى آخرين] (¬1)، وكافة أهل النقل والتحقيق لأن الثقة بكتابه مع إذنه أكثر من الثقة بالسماع (¬2) وأثبت. واختلفوا، إذا قال له: هذا مسموعى وروايتى، ولم يقل له: اروه عنى، فمنع بعضهم الرواية [به] (¬3)، كالشاهد إذا لم يُشْهد على شهادته وسُمع بذكرها، وأجازها بعضهم (¬4)، وإليه ذهب بعض أهل الظاهر وطائفةٌ من أئمة المحدثين والنظار، وقاله القاضى ابن خَلادٍ، وهو مذهب ابن حبيب (¬5) من أصحابنا، وهى التى بغى (¬6) عليه ¬

_ = عطاء بن أبى رباح، وأبى جعفر الباقر، وعمرو بن شعيب، ومكحول، وقتادة، والزهرى، ومحمد ابن سيرين، ونافع مولى ابن عمر، وخلق كثير من التابعين وغيرهم. وكان مولده فى حياة الصحابة. روى عنه ابن شهاب الزهرى، ويحيى بن أبى كثير- وهما من شيوخه- وشُعبة، والثورى، ومالك، وابن المبارك، وأبو عاصم النبيل، وخلق كثير. قال فيه ابن سعد: كان ثقةً، خيّراً، فاضلاً، مأموناً، كثير العلم والحديث، والفقه، حجة. توفى سنة سبع وخمسين ومائة. الطبقات الكبرى 7/ 488، التاريخ الكبير 5/ 326، سير 7/ 107، تهذيب 6/ 238. (¬1) فى الأصل: والآخرين، وكتب أمامها بالهامش: بيان وآخرين، مما يقوى صحة ما أثبتناه وهو من ت. (¬2) فى الأصل: من السماع، والمثبت من ت وهو الأصح، لما فى الأول من التعقيد غير المحمود. (¬3) ساقطة من أصل النسخ، واستدركت فى هامش الأصل بسهم. (¬4) الضمير يعود على التحمل بالإجازة. (¬5) هو فقيه الأندلس، الإمام العلامة أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة ابن الصحابى عباس بن مرداس. أحد الأعلام. ولد فى حياة الإمام مالك بعد السبعين ومائة كان موصوفاً بالحذق فى الفقه، كبيرَ الشأن، بعيد الصيت -كما ذكر الذهبى- وقال: " كثير التصانيف، إلا أنه فى باب الرواية ليس بمتقن ". وسبب ذلك عنده أنه يحمل الحديث تهوراً، كيف اتفق وينقُله وجادَةً، وإجازة، ولا يتعانى تحريرَ أصحاب الحديث. سير 12/ 102. وهذا الذى رماه به الذهبى فى باب الرواية وتسويغه التحمل فيها بالإجازة هو عين ما يستدل به القاضى على جواز التحمل بها. وسبب الحمل عليه -كما جاء فى ترتيب المدارك- " نقل الباجى وابن حزم عن ابن عبد البر أنه كان يكذبه بسبب تحمله بالإجازة وبخاصة عن أسد ". قال القاضى: وليس فيما تحومل بها عليه ما تقوم به دلالة على تكذيبه وترجيح نقل غيره على نقله. ثم ذكر الواقعة فقال: قال ابن وضاح: قال لى الحزامى: أتانى صاحبكم ابن حبيب بغرارة مملوءة كتباً، فقال لى: هذا علمك تجيزه لى؟ فقلت له: نعم. ما قرأ على منه حرفاً، ولا قرأته عليه. قال ابن أبى مريم: كان ابن حبيب عندنا نازلاً بمصر، وما كنت رأيتُ أدوم منه على الكتاب، دخلت إليه فى القائلة فى شدة الحر، وهو جالس على سدة، وعليه طويلة، فقلتُ: قلنسوةٌ فى مثل هذا؟ فكتال: هى تيجاننا. فقلت: فما هذه الكتب؟ متى تقرأ هذه؟ فقال: ما أشتغل بقراءتها، قد أجازها لى صاحبُها. فخرجت من عنده، فأتيتُ أسداً، فقلتُ: أيها الشيخ! تمنعنا أن نقرأ عليك وتجيز لغيرنا؟ فقال: أنا لا أرى القراءة، فكيف أجيز؟ إنما أخذ منى كتبى يكتب عنها ليردها على. قال القاضى: قال خالد: إقرار أسد له بروايتها، ودفع كتبه لنسخها هى الإجازة بعينها. وذكر عن يونس قال: أعطانا يونس كتبه عن ابن وهب، فقابلنا بها، فقلت: أصلحك الله! كيف نقول فى هذا؟ قال: إن شئتم قولوا: حدثنا، وإن شئتم قولوا: أخبرنا. قال القاضى -منتصراً لهذا المذهب: وقد قال مالك لمن سأله عن الأحاديث التى كتبها من حديث ابن شهاب ليحيى بن سعيد الأنصارى وقال له: أقرأها عليك؟ فقال: كان أفقه من ذلك- أى أن مثل هذا يغنى عن القراءة. ترتب المدارك 4/ 122: 141 بتصرف. (¬6) فى الأصل: نعى، والمثبت من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من لا يعرف مذهبه، قال ابن خلادٍ: حتى لو قال له: هذه روايتى ولكن لا تروها عنى لم يلتفت إلى نهيه وكان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثاً ثم قال له: لا تروه عنى ولا أجيزه لك لم يضر ذلك روايته، والصواب: جواز هذا كله لأنه إخبار وشهادة على إقرار (¬1). قال القاضى: بخلاف الشهادة على الشهادة التى لا تصح إلا مع الإشهاد (¬2) ويضر (¬3) الرجوع عنها، ولا فرق فى التحقيق بين سماعه كتاباً عليه وقراءته أو دفعه إليه بخطه أو تصحيحه وقوله له: اروه عنى أو هذه روايتى (¬4)، إذ كله إخبار بأنَّ ما سمع منه وما رأى عنده من حديثه يجوز له التحديث به عنه، وما مثل هذا الفصل إلا القراءة على الشيخ وهو ساكت -عند من لا يشترط التقرير- وهو كما قدمنا الصحيح، و [هو] (¬5) مذهب الجمهور، وعلى هذا يأتى الحديث عن الكُتب المُوصَّى بها، فقد رُوى عن أيوب أنه قال لمحمد -يعنى ابن سيرين-: إِنَّ فُلاناً أوصى إلىَّ بكتُبِه، أفأحدّث بها عنه؟ قال: نعم، ثم قال لى بعد ذلك: لا آمُرُك ولا أنهاك. فهذا إن كان قد أعلمه أنها روايته فهو من هذا الباب، أو يكون فى معنى الوصيَّة إذنه بالحديث بها أو الإعلام بأنها من حديثه (¬6)، وأما المناولة المجرَّدة من كتاب لم يحركه الشيخ عند الراوى ولا دفعه إليه حتى يحدّث منه أن ينقل نسخة منه -كما أحدثه بعض المتأخرين وتمالأ عليه الناس اليوم- فلا معنى له زائد على الإجازة -وإن كان بعض [الناس] (¬7) والمشايخ قد ذهب إلى أنه متى عيَّن الكتاب أو سمَّاه فهو (¬8) مناولة صحيحة، وذكر أنه لا يختلف فيها، وإنما الخلاف فى الإجازة المطلقة لغير شىء مُعَين. ولا فرق (¬9) بين حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وخبَّرنا ونبأنا فى اللغة وعُرْفِ الكلام لمن فرَّق، ¬

_ (¬1) شرط ابن الصلاح -وتبعه النووى- لذلك أن يكون الشيخ غيرَ مسند منعه لذلك إلى أنه أخطأ فيه أو شك ونحوه. المقدمة: 261، إرشاد 1/ 367. قال السخاوى: وبه صَرَّح غير واحد من الأئمة. فتح المغيث 2/ 53، المحدث الفاصل: 452، الإلماع: 110، الباعث الحثيث: 118. (¬2) لأن الشهادة تقتضى شرعاً خاصاً يختص بالمشهود له، والرواية تقتضى شرعاً عاماً فى حق الجميع. نهاية السول وحاشية منهاج العقول 2/ 286. (¬3) فى الأصل: ويضمر، والمثبت من ت. (¬4) الفرق المنتفى عند الجمهور هو ما بين القراءة والسماع، أما لإجازة فإنها على ما عرض له القاضى قبل من وقوع الخلاف فيها. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) التحمل بالوصيَّة هو القسم الرابع من أقسام التحمل عند ابن الصلاح ومن تبعه، وهى أن يوصى الراوى عند موته أو سفره بكتاب يرويه لشخص. ومثلوا له بتحمل أيوب السختيانى به عن شيخه أبى قلابة الجرمى حيث أوصى له بكتبه عند موته وهو بالشام وأيوب بالبصرة وقال: ادفعوا كتبى إلى أيوب إن كان حيًّا، وإلا فأحرقوها. المحدث الفاصل: 459، الإلماع: 116، إرشاد 1/ 417. وممن أجازها محمد بن سيرين فيمن أجازها من المتقدمين. (¬7) ساقطة من ت. (¬8) فى ت: فهى. (¬9) فى ت: ولا فى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن تفريق القاضى ولَمتَّه لتنويع الرواية أنزه للمحدِّث (¬1) وأميز لمناحى (¬2) روايته. وبالله التوفيق. واختلف بعدُ من أجاز الإجازة فى الإجازة للمجهول بشرط كقولك: أجزت لكل من قرأ علىَّ، أو من كان من طلبة العلم، أو من دخل بلد كذا من طلبة العلم، أو من شاء أن يروى عنى، وفى الإجازة للمعدوم كقولك لكل من يولد لفلان، أو لجميع قريش أو قيس أو أهل بغداد، أو [أهل] (¬3) مصر، فلم يقع فيها للصدر الأول كلام، ووقع إجازتها لبعض من جاء من بعدهم من شيوخ المحدثين (¬4). واختلف فيها متأخرو الفقهاء، فأجازها للمعدوم منهم جماعة، وإلى إجازتها ذهب أبو الفضل بن عُمْروس البغدادى (¬5) من أئمتنا والقاضى الدامغانى من أصحاب أبى حنيفة (¬6)، وذهب القاضى أبو الطيب الطبرى الشافعى (¬7) إلى جوازها للمجهول الموجود كقوله: أجزت لأهل بلد كذا ولبنى هاشم، فتجوز لمن كان موجوداً ولم يجزها للمعدوم منهم ولا لمن يُولد بعد، ومنع ذلك كله القاضى أبو الحسن الماوردى وكذلك منع أبو الطيب تعلقَها بِشَرْطٍ كقوله: أجزت لمن شاء أن يُحدث عنى أو لمن شاء فلان، وأجازها ابن عمروس والدَامغانى، والمعروف من مذهب مشايخ المغاربة جواز هذا كله، وقد رأيته فى إجازات جماعة من متقدميهم ومتأخريهم، وممن أدركناه، وهو مذهب أبى بكر بن ثابت الحافظ [الخطيب] (¬8) وغيره (¬9)، ومنعوا كلهم الإجازة للمجهول المبهم جملة (¬10) كقوله: أجزت لبعض الناس، أو إجازة ما لم ¬

_ (¬1) فى الأصل: للحديث، والمثبت من ت. (¬2) فى الأصل: لمتأخى، والمثبت من ت. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) راجع: الإلماع: 101، مقدمة ابن الصلاح: 268، فتح المغيث 2/ 75، نزهة النظر: 65. (¬5) هو شيخ المالكية الإمام العلامة، محمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن عمروس البغدادى. مولده سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة. روى عنه الخطيب وقال: انتهت إليه الفتوى ببغداد. توفى سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. تاريخ بغداد 2/ 339، ترتيب المدارك 4/ 762، الديباج المذهب 2/ 238. (¬6) هو العلامة البارع مفتى العراق أبو عبد الله محمد بن على الدامغانى الحنفى. تفقه بخراسان، وحصَّل المذهب على فقرٍ شديد. قال الذهبى: وكان القاضى أبو الطيب يقول: الدامغانى أعرف بمذهب الشافعى من كثيرٍ من أصحابنا. كان ذا جلالة وحشمة، يُنَظَّرُ بالقاضى أبى يوسف فى زمانه. مات فى رجب سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، ودفن بقبة الإمام أبى حنيفة إلى جانبه. الجواهر المضيَّة 2/ 96، تاريخ بغداد 3/ 109، سير 18/ 485. (¬7) هو الإمام العلامة، شيخ الإسلام طاهر بن عبد الله بن طاهر، الطبرى الشافعى، فقيه بغداد. قال الخطيب: كان شيخنا أبو الطيب ورِعاً، عاقلاً، عارفاً بالأصول والفروع، محققاً، حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفتُ إليه، وعلَّقْتُ عنه الفقه سنين. مات سنة خمسين وأربعمائة. تاريخ بغداد 9/ 358، وفيات الأعيان 2/ 512، سير 17/ 668. (¬8) ساقطة من ت، وعليها ما يشبه الضرب فى الأصل مع سقوط ما قبلها منه، واستدركت بهامشه بسهم. (¬9) فى ت: وغيرهم. (¬10) فى الأصل رسمت هكذا: حقله، والمثبت من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصح له روايته عند الإجازة كقوله: أجزت له ما رويت وما أرويه. والكلام فى هذا الباب كثير يحتاج إلى بسط، وقد ذكرنا منه ما يحتاج إليه من له تَهَمُّمٌ بهذا الباب وعلمه، وبسطنا الكلام فى هذه الفصول فى كتاب الإلماع لمعرفة أصول الرواية والسماع، وأشرنا منه إلى نكت غريبة لعلك لا تجدها مجموعةً فى غير هذين الكتابين.

1 - كتاب الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم 1 - كتاب الإيمان (1) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدَر الله سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبرّى ممن لا يؤمن بالقدر، وإغلاظ القول فى حقه قَالَ أَبُو الْحُسَينِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِىُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: بِعَوْنِ اللهِ نَبْتَدِئُ، وَإِيَّاهُ نَسْتَكْفِى، وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلَّا بِاللهِ جَلَّ جَلالُهُ. 1 - (8) حَدَّثنى أَبُو خَيْثَمَةَ زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ معاذ الْعَنْبَرِىُّ، وَهذَا حَدِيثُهُ: حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا كَهْمَسُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ؛ قَالَ: كَانَ أَوَّل مَنْ قَالَ فى الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِىُّ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْحِمْيَرِىُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَألنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هؤُلَاء فى الْقَدَرِ. فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِى، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِى سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلىَّ، فقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبلَنَا نَاسٌ يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ ويَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ. وَذَكَر ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى الحديث: " ظَهَرَ قِبلَنا ناسٌ يقرؤون القرآن وَيَتَقَفَّرُونَ العلم "، وفى رواية أخرى: " وَيَفْتَقِرُونَ العِلْمَ يزعُمون أن لا قَدَرَ، وأن الأَمْرَ أنُفٌ " (¬1). قال الإمام: يُقالُ: تَقفَّرْتُ الشىء: إذا قَفَوتُه، قال أبو عُبيد: يُقالُ: قفوتُه: إذا اتبعت أثرَه، واقتفوتُ الأثرَ: تَبعتُه، قال ابن السكيت: يقالُ: قَفَوْا أثرَه واقتفوا أثره (¬2). قال القاضى: أكثر روايتنا عن شيوخنا فى هذا الحرف فى الأم: " يتقفرون " بتقديم القاف كما ذكر أولاً، وكذلك رويناه فى كتاب أبى داود من طريق ابن داسَة (¬3)، ورويناه فى ¬

_ (¬1) هى رواية من بعض طرق ابن ماهان، كما سيأتى. (¬2) انظر: لسان العرب، مادة " قفر ". (¬3) ك السنة، ب فى القدر 2/ 526، وانظر: معالم السنن 7/ 64.

. . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمّ من بعض طُرق ابن ماهان: " يتفقرون " بتقديم الفاء، ورويناه من طريق ابن الأعرابى فى المُصنَّف: " يتقفَّون " بلا راء، وكلٌّ صحيح متقاربُ المعنى، وقد فسَّر الشارحون -الهروى والخطابى وغيرهما- الرواية الأولى بما حكاه الإمام، أى يطلبونه ويتبعُونَه، ومنه حديث شريح: " إنما اقتفر الأثر " (¬1) أى أتبعه. ومثله رواية من روَى: " يَتَقفَّونَ ". قال الهروى: قفوتُه وقفيتُه: اتبعت أثره، ومنه سموا القافة، قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم} (¬2)، وحكى ابن دريد فى الجمهرة: التقفير: جمعك الشىء، قفرته تقفيراً، فمعناه على هذا: تجمعونه، وأما من رواه: " يتفقرون " بتقديم الفاء فصحيح أيضاً، وهو عندى أشبه [ببساط] (¬3) الحديث ونظم الكلام، ومراده أنهم يُخرجون غامِضه ويبحثون عن أسراره، ويفتحون مغلقه، ومنه قول عمر -وذكر امرأ القيس فقال-: افتقر عن معَان عُوْرٍ [أصَحَّ بَصَرٍ] (¬4). قال الهروى: أى فتح عن معان غامضة، فلما كان هؤلاء القوم فى طلب العلم [وصحة] (¬5) القرائح وتدقيق النظر بهذه الصفة، ثم قالوا تلك المقالة المبتدعة المستشنعَة استُعظِمت منهم، بخلاف لو سمعت من غيرهم من الجهلة، ألا تراه كيف وصفهم بما تقدَّم فَقال: يقرؤون القرآن ... وذكر من شأنهم (¬6) ما ذكر؟! يُريد وصفَهم بالذكاء ¬

_ (¬1) غريب الحديث للخطابى 2/ 393. (¬2) الحديد: 27، وجاءت فى النسخ " وقفينا على آثارهم "، وانظر: الفائق 3/ 214، النهاية 3/ 464، 4/ 90. (¬3) من ق. (¬4) رسمت فى ق: أفج بقر، وانظر: النهاية 3/ 464. وهذا القول من عمر قاله للعباس -رضى الله عنهما- حين سأله عن الشعراء قال: امرؤ القيس سابقهم، خَسَفَ لهم عن عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصحَّ بصر. فخسف من الخسيف، وهى البئر تحفر فى الحجارة، فيخرج منها الماء الكثير. قال أبن رشيق: ومعنى عور -بضم العين- يريد أنه يمانى النسب، نزارى الولد، واليمن ليس لها فصاحة نزار. ومع ذلك فقد ابتكر معانٍ عوراً فتح عنها أصح بصر، قيل: ولم يسبق الشعراء؛ لأنه قال ما لم يقولوا، ولكن سبق إلى أشياء استحسنها الشعراء، فتبعوه فيها. إكمال الإكمال 1/ 54. (¬5) من ق. (¬6) هذا من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر، والظاهر أنه من ابن بريدة الراوى عنه مباشرة، والمحذوفُ هنا هو المفعول، حذف تعظيماً له بالإبهام، أى ذكر من شأنهم فى البحث عن العلم واستخراج غوامضه شيئاً عظيماً، أو الحذف كان للتعميم لتذهب النفس فيه كل مذهب ممكن. أو يكون الغرض من الحذف صون اللسان عن حكاية ما قالوا، ويكون المعنى: وذكر من شأنهم فى نفى القدر والابتداع فى العقائد ما يجب أن يصان اللسان عن ذكره. قال السنوسى: وعلى كلٍّ ففائدة وصفهم بالاجتهاد فى العلم والتوسع فيه الموجب لهم القدوة وتقليد الغير، المبالغة فى استدعاء ابن عمر -رضى الله عنهما- لاستفراغ الوسع فى النظر -فيما يزعمون- لأن أقوال الأغبياء قد لا يهتبل العلماء بشأنها، ويكتفون فى ردها بأدنى نظر، فجواب ابن عمر -رضى الله عنهما- بعد تلك الأوصاف من أثبت شىء وأحقه. قال. وقد يكون الغرض فى ذكر ما وصفهم به من العلم، وكونهم مع ذلك يزعمون ما يزعمون، إظهار =

من شَأنِهِمْ، وَأَنهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنْ الأَمْرَ أنفٌ. قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والجدّ فى طلب العلم وشبيه هذا، وقيل: " يتفقرونَ " أى يطلبون فِقَره وغرايبه. ورأيت بعضَهم قال فيه: " يتقعرون " بالعين، وفسَّره بأنهم يطلبون قعره، أى غامضه وخفيَّه، ومنه تقعَّر فى كلامه: إذا جاء بالغريب منه. وقوله: " الأمر أنف "، قال الإمام: قال الهروى: أى يستأنف استئنافًا من غير أن يسبق به سابق قضاء وتقدير، وإنما هو مقصور على اختياركَ ودخولك فيه، وأنف الشىء أوَّله، [وأنف السيل أوله وابتداؤه] (¬1)، قال امرؤ القيس: قد غدا يحملنى فى أنفه ... لاحق الصُّقْلَين محبوك مُمَرّ (¬2) وفى الحديث: " لكل شىء أُنفةٌ، وأُنفةُ الصلاة التكبيرة الأولى " (¬3). قوله: " أَنْفَةُ الشىء ": ابتداؤه (¬4) [هكذا] (¬5) الرواية، والصحيح أُنْفَة، وفى حديث أبى مسلم الخولانى (¬6): " وضعها فى أُنفٍ من الكلاء "، يقول: يتتبَّعُ بها المواضع التى لم تُرْع قبل الوقت الذى دخلت فيه، وفى الحديث: " أنزلت علىَّ سورة ¬

_ = التشكى والتلهف بما نال المسلمين من مصيبتهم، إلا أن هذا إنما يحسن إذا كان ابن عمر قد أحس ببدعتهم وسوء نظرهم. وإنما سأل ابن عمر -رضى الله عنهما- ليحقق العلم من معدنه، ويرسخ ما كان فى رويته، وهذا هو الظاهر؛ إذ يبعد أن يخفى أمر أقوالهم على مثل يحيى بن يعمر. مكمل 1/ 55. (¬1) من المعلم. (¬2) ورد فى المكمل: قد غدا يحملنى فى أنفه ... لاحق الأطلين واهى التهم وعلق عليه محققه -غير المسمى- بقوله: كذا بالأصل، وأنشده فى اللسان والديوان المنسوب إليه 1/ 58: لاحق الأيطل محبوك مُمَرُّ وعبارة اللسان قبله: وأنف البرد أوّله وأشدُّه، وأنف المطر أول ما أنبت، ثم ساق عبارة امرئ القيس. والأيطل: منقطع الأضلاع من الحَجَبَةِ، وقيل: الخاصرة كلها، ومنه قول امرئ القيس: له أيطلا ظبى وساقا نعامةٍ والصقل: الخاصرة، وقالوا: طالما طالت صُقْلَةُ فَرَس إلا قَصُرَ جنباهُ، وذلك عيْبٌ. وعلى ذلك فمعنى (لاحق الصّقلين): أى قريب الخاصرتين. والمحبوك: المُحكمُ الخلْقِ، ودابة محبوكة إذا كانت مُدْمَجَةَ الخلق، وفرس محبوك المتن والعَجزِ، فيه استواءٌ مع ارتفاع. والممر: المُحكمُ القوى. (¬3) الحديث بهذا اللفظ لم أقف عليه عند غير أهل اللغة كما فى النهاية، وقد أخرجه ابن عدى عن أبى هريرة بلفظ: " لكل شىء صفوة، وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى " 2/ 740، وقال ابن عدى: هو من رواية الحسن بن السكن البصرى، وهو منكر الحديث. (¬4) فى ق: إبداؤه. (¬5) من ق، والمعلم، وفى ت: كذا، وفى الأصل: هكذا. (¬6) هو سيّد التابعين، واسمه عبد الله بن ثُوَب، أسلم فى أيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم من اليمن، فدخل المدينة فى خلافَة الصديق. وحدَّث عن عمر، ومعاذ بن جبل، وأبى عُبيدة، وأبى ذر الغفارى، وعبادة بن الصامت. مات -رضى الله عنه- بأرض الروم سنة اثنتين وستين. سير 4/ 7 ولم أقف على ما ذكره الإمام هنا من حديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آنفاً " (¬1) أى مستأنفاً، وقال تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} (¬2) أى: ماذا قال الساعة؟ مأخوذ من استأنفت الشىء: إذا ابتدأته، وروضة أنف: لم تُرع (¬3)، وكأس أنُف: ابتدئ الشُّرب منها ولم يُشْرَب بها قبل ذلك. قال الإمام: وأما قوله: " لا قدر " فلا تقول به المعتزلة على الإطلاق، وإنما يقولون: [إن] (¬4) الشرَّ والمعاصى [تكون] (¬5) بغير قدر الله تعالى، لكن من لم يتشرع من الفلاسفة ينفى القَدَرَ جُملة. قال القاضى: ذكر أصحاب المقالات أَنَّ ما حُكى فى الحديث هو مذهب القدريَّة، وحكى زرقان (¬6) فى مقالاته التى (¬7) شرحها أبو عثمان بن الحداد؛ أن منهم [من يقول] (¬8): الاستطاعة قبل الفعل والعلم محدَث، قال: وهم القدرية المحض (¬9)، وحكى أبو القاسم ¬

_ (¬1) سيرد إن شاء الله فى كتاب الصلاة بلفظ: " أنزلت علىَّ آنفاً سورة " حديث رقم (53). (¬2) محمد: 16. (¬3) زيد بعدها فى ت عبارة: قبل الوقت التى دخلت فيه، وهو خطأ؛ لخلو نسخ المعلم منها، ويغلب على الظن أنه مكرر مما سبق. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت، المعلم. (¬5) من المعلم. (¬6) هو محمد بن شدَّاد بن عيسى، متكلم، معتزلى، وهو آخر من حدَّث عن يحيى بن سعيد القطان، وأبى زكير يحيى بن محمد المدنى. كان الدارقطنى يقول: لا يكتب حديثهُ. مات سنة ثمان وسبعين ومائتين. سير 13/ 148، المقالات 184. (¬7) فى الأصل: الذى، والمثبت الصحيح من ت، ق. (¬8) سقط من الأصل، والمثبت من ت، ق. (¬9) وهذا معنى قول معمر الذى حكاه الأشعرى فى مقالات الإسلاميين: أن القديم لا يوصف بأنه قادر إلا على الجواهر، وأما الأعراض فلا يجوز أن يوصف بالقدرة عليها، وأن الأعراض هى فعل الجواهر بطبائعها، وذلك عنده؛ لأن من قدر على الحركة قدر أن يتحرك، ومن قدر على السكون قدر أن يسكن، كما أن من قدر على الإرادة قدر أن يريد، فإذا قيل: إن البارئ قادر على التحريك والتسكين، لزم أن يقال: هو قادر على أن يتحرك ويسكن. وقد ردَّ عليهم أهل الحق فقالوا: قد يوصف القديم بالقدرة على إنشاء الحركة ولا يوصف بالقدرة على التحرُّك. المقالات 548. فالقدر الذى قال معمر بنفيه عنوانٌ لبدع قولية كثيرة، كان هذا واحداً منها، ومن تمام كلامه هنا قوله: إن الله لا يوصف بالقدرة على أن يخلق قدرةً لأحد، وما خلق الله لأحدٍ قدرة على موت ولا حياة، ولا يجوز ذلك عليه. السابق 564. وقد أجاب عليه أهل الحق بأن الله -سبحانه- قد أقدر العباد وأحياهم، وأنه لا يقدر أحدٌ إلا بأن يخلق الله له القدرة، ولا يكون حياً إلا بأن يخلق الله له الحياة. كذلك قال باستحالة أن يجمع الله -سبحانه- بين القدرة والعلم، والإرادة والموت، كما يستحيل أن يجمع بين الحياة والموت. وقد شاركه فى هذا سائر المعتزلة. السابق 568. والقدر -بالفتح والسكون- لغة: مصدر قدرت الشىء: إذا أحطت بمقداره. وهو فى عرف المتكلمين: تعلق علم الله وإرادته أزلاً بالكائنات قبل وجودها. مكمل 1/ 55.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البلخى (¬1) فى مقالاته ومحمد بن زيد الواسطى عن طائفة من المعتزلة تسمى السَّكينَة مثله، قالا: وقد انقرضوا ولم يبق أحد منهم يُذكر. قالا: وهو قول قوم من الرافضة (¬2) والجهميَّة (¬3)، وذكروا حجتهم: أنَّه -تعالى- لو كان عالماً بتكذيبهم لكان فى إرسال الرسل إليهم عابثاً -تعالى الله عن قولهم. فهذا هو أصل القدرية كما ذكر فى الحديث. وقد حكى هذا القول أبو محمد بن أبى زيد فى ردّه على المعتزلى البغدادى، وأنهم يقولون: إن أفعال العباد لا يعلمها الله حتى تكون. وقد روى بعض أصحاب مالك من القرويين وغيرهم عنه فى تفسير مذهب القدرية مثله. وروى عنه ابن وهب أنه احتج على القدريَّة بقوله- عليه السلام-: " الله أعلم بما كانوا عاملين " (¬4) وقد احتج البخارى وغيره بذلك (¬5). وهذا كله يُبَيّنُ أنه كان مذهبهم قديماً، وهكذا القدريَّة اليوم، والمعتزلة تأبى هذا وتنكره من مذهبهم، ولا شك أنه كان أصل مذهبهم كما ذكروا، وأخذوه من الفلاسفة الذين بنوا أكثر مذهبهم على منازعتهم فى الإلهيات ومأخذهم، ولم يقل به المعتزلة، إذا عَرفت عِظَم ما فيه. إذ كانت القدرية أولاً غير المعتزلة، وكان القدر هوى بذاته (¬6) والاعتزال هوى بذاته. وفى أصلين مفترقين، ثم قالت المعتزلة بعد ذلك بالقدَرِ، ورجعت إليه وأطبقت طوائفها- على اختلافها- على القول به مع الاعتزال الذى أصله المنزلة بين المنزلتين (¬7)، وسموا هذا بالعدل، ثم أخذوا مذهب الفلاسفة ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبى، كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لها: الكعبية، وكان من كبار المتكلمين، توفى سنة سبع عشر وثلاثمائة. وفيات الأعيان 2/ 45، ولم أقف على محمد الواسطى. وأما طائفة السكينة هذه، فإنى لم أقف لها على تعريف أو تحديد فى كتب الأولين والآخرين، وغاية ما أستطيع قوله فيها الآن: إنها لعلها منسوبة إلى قول معمر: إن من قدر على السكون قدر أن يسكن، كما أن من قدر على الإرادة قدر أن يريد. مقالات 548. (¬2) هم صنف من الشيعة، سموا بذلك لرفضهم إمامة أبى بكر وعمر، وهم مجمعون على أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصَّ على استخلاف علىّ بن أبى طالب باسمه، وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلُّوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف. (¬3) هم أتباع جهم بن صفوان، الكاتب المتكلم. كان ينكر الصفات، وينزه البارى عنها بزعمه، وقد قتل سنة 128. وقد تفرد الجهم بالقول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط. راجع: سير 6/ 26، مقالات 279. (¬4) الحديث أخرجه مسلم فى ك القدر، ب كل مولود يولد على الفطرة، رقم (23) عن أبى هريرة، وسيرد إن شاء الله الكلام عليه فى حينه. ومحل الشاهد قولهم: يا رسول الله، أفرَأيت من يموت صغيراً؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين ". 4/ 2048، والمعنى: أن الله يعلم ما يعملون لو بلغوا. الفتاوى 8/ 69. (¬5) راجع له: كتاب خلق أفعال العباد فى باب أفعال العباد 39. (¬6) وهذا القول كان أول خلاف نشأ فى الاعتقادات. مكمل 1/ 51. (¬7) ويعنون بها أن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر، وقد قالوا فى الفاسق: إيمانه لا نُسميه به مؤمناً، وفى اليهودىّ إيمانُه لا نسميه به مؤمناً. مقالات 27. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى نفى الصفات (¬1)، وأطبقوا على نفيها فسمُّوا هذا أيضاً بالتوحيد ليزيلوا عنهم اسم البدعة والشرك والمجوسية التى وسمهم بها صاحب الشريعة نبينا محمد - عليه السلام (¬2). وزعموا أن القدر المذموم هو ذلك، وبالحقيقة فالقدرية التى وسمهم -عليه السلام- بما وسمهم، وأنهم مجوس هذه الأمة، هم معتزلة هذا الوقت، وقدريته؛ لأنهم جعلوا أفعال العباد بين فاعلين، وأن الخير من الله والشر من عبيده، فأدخلوا مع الله شركاء فى قدرته، وضاهوا المجوس والثنوية فى كفرهم، والقدرية الأولى داخلون فى هذه الرذيلة، زائدون عليهم بتلك الأشنوعة (¬3). ¬

_ = وخلاصة قول المعتزلة فى القدر الذى صارت إليه هو: أنهم أجمعوا على أن الله -سبحانه- لم يخلق الكفر والمعاصى، ولا شيئاً من أفعال غيره، وأجمعوا -إلا عبّاداً- أن الله جعل الإيمان حسناً والكفر قبيحاً، وأن الله خلق الكافر لا كافراً ثم إنه كفر، وكذلك المؤمن. كذلك أجمعت إلا -المردار- على أن الله -سبحانه- لم يرد المعاصى. فهذا هو قول المعتزلة فى القدر، وأنه كما ترى ليس قولاً واحداً مثل ما كان عليه القدرية الأول، وإنما تشابهت أقوالهم مع أقوالهم. راجع فى ذلك. مقالات الإسلاميين 227. (¬1) زيدت قبلها فى ت: من. ومذهب الفلاسفة الذى أشار إليه القاضى هنا هو قولهم: بأن للعالم صانعاً، لم يزل ليس بعالم ولا قادر، ولا حى، ولا سميع، ولا بصير، ولا قديم، وقد عبروا عن ذلك بقولهم: نقول: عين لم يزل. ولم يزيدوا على ذلك. مقالات 483. وذهب المعتزلة إلى نفى الصفات عن الله -تعالى- بزعم نفى تعدد القدماء، فكان أبو الهذيل العلاف شيخهم يقول: إن علم البارئ -سبحانه- هو هو، وكذلك قدرته وسمعه، وبصره وحكمته، وكذلك قوله فى سائر صفات ذاته. قال أبو الحسن الأشعرى: وهذا أخذه أبو الهذيل عن أرسطاطاليس، وذلك أن أرسطاطاليس قال فى بعض كتبه: إن البارئ علمُ كله، قدرةٌ كلُه، حياةٌ كله، سمعٌ كله. السابق 485. قال الإمام ابن تيمية: والنفاة عمدتهم أنه لو قَبِل الحركة لم يخْل منها، ويلزم وجود حوادث لا تتناهى، ثم أدعوا نفى ذلك، وفى نفيه نقائص لا تتناهى. والمثبتون لذلك يقولون: هذا هو الكمال كما قال السلف: لم يزل الله متكلماً إذا شاء، كما قال ذلك ابن المبارك، وأحمد بن حنبل وغيرهما، وذكر البخارى عن نعيم بن حماد أنه قال: الحىُّ هو الفعال، وما ليس بفعال فليس بحى. الفتاوى 8/ 23. (¬2) يقصد بذلك ما أخرجه أبو داود بسند منقطع عن ابن عمر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القدرية مجوس هذه الأمة " ك السنة، ب فى القدر 2/ 524. قال ابن القيم: إنما جعلهم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس فى قولهم بالأصلين؛ وهما النور والظلمة، ويزعمون أن الخير من فعل النور، والشَّر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية. وكذلك القدرية، يضيفون فعل الخير إلى الله والشر إلى غيره. والله -سبحانه وتعالى- خالق الخير والشر، لا يكون شىء منهما إلا بمشيئته. معالم السنن 7/ 58. (¬3) فنفى القدر السابق، وهو أن الله -سبحانه- علم أهل الجنة من أهل النار من قبل أن يعملوا الأعمال، هو أشنوعة القدرية الأولى كما بين القاضى. وإثبات هذا القدر حق يجب الإيمان به، وقد نصَّ على ذلك الأئمة، كمالك والشافعى وأحمد، وقالوا: إن من جحد هذا فقد كفر. حكاه ابن تيمية فى الفتاوى 8/ 66.

أَنِّى بَرِىءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّى، والَّذِى يَحْلِفُ بهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ، مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤُمِنَ بَالْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى - عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بياضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعر، لَا يُرَىَ عَلَيْهِ أَثَر السَّفَر، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِى عَنِ الإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وأما [ما] (¬1) ذكر من تبرى (¬2) ابن عمر منهم وقوله: " لا يقبل من أحدهم ما أنفق " (¬3) فلعله فيمن ذكرنا من الفلاسفة، أو على جهة التكفير للقدرية -على أحد القولين فى تكفيرهم عندنا- إن كان أراد بهذا الكلام تكفير من ذكر. قال القاضى: قول ابن عمر: " لو كان لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه، ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر " يُصحح أن تبرى ابن عمر منهم لاعتقاده تكفيرهم (¬4)، إذ لا يُحبط الأعمال عند أهل السنة شىء سوى الكفر، والقائل بذلك القول كافر بلا خلاف، وإنما الخلاف فى القدرية الآن (¬5)، وقال الخطابى: فى تبرى ابن عمر منهم دليل على أن الخلاف إذا وقع فى أصول الدين وتعلق بالمعتقدات يوجب البراءة، بخلاف ما تعلق بأصول الأحكام وفروعها (¬6). وقوله: فى هذا الحديث: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله "، وذكر الصلاة والصوم والحج والزكاة وقال: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى الأصل: تبر. (¬3) لعله يروى هنا بالمعنى. (¬4) وإلى هذا ذهب مالك والشافعى وأحمد، كما سبق. (¬5) وهم الذين اعتقدوا أنهم إذا أثبتوا مشيئة عامة، وقدرة شاملة، وخلقاً متناولاً لكل شىء؛ لزم من ذلك القدح فى عدل الرب وحكمته. (¬6) معالم السنن 7/ 65. وقول عمر -رضى الله عنه-: " بينما نحن عند رسول الله إذا طلع علينا رجل ": " بينا " و" بينما " ظرفا زمان، يضافان إلى الجمل الإسمية والفعلية، وخفض المفرد بهما قليل، وهما فى الأصل " بين " التى هى ظرف مكان، أشبعت فيه الحركة فصارت " بينا "، وزيدت عليها الميم فصارت " بينما "، ولما فيهما من معنى الشرط يفتقران إلى جواب يتم به المعنى، والأفصح فى جوابهما عند الأصمعى أن تصحبه " إذ " أو " إذا " الفجائيتان، والأفصح عند غيره أن يتجرد عنهما. وقوله: " ذات يوم ": " ذات " صلة ترفع احتمال أن يراد باليوم مطلق الزمان، فهى مع اليوم بمنزلة رأيت عين زيد، والعامل فيه معنى الاستقرار الذى فى الخير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى آخر ما ذكر " (¬1)، ففرَّق بين الإسلام والإيمان، وقال مثله فى حديث ضمام النجدى (¬2)، ثم ذكر بعد هذا حديث وفد عبد القيس وفيه: " أتدرون ما الإيمان؟ " ففسَّره بما فسَّر به الإسلام فى الحديثين الأولين، فسَّر مجرد الإيمان الذى هو التصديق والذى محله القلب، وفسَّر الإسلام الذى هو العمل الظاهر من شهادة اللسان وأعمال البدن والذى بمجموعها يتم الإيمان والإسلام، إذ إقرار القلب وتصديقه دون نطق اللسان لا ينجى من النار، ولا يستحق صاحبه اسم الإيمان فى الشرع، وإذْ نُطْقُ (¬3) اللسان دون إقرار القلب وتصديقه لا يغنى شيئاً، ولا يسمى صاحبه مؤمناً، وهو النفاق والزندقة، وإنما يستحق هذا الاسم من جمعهما، ثم تمام إيمانه وإسلامه بتمام أعمال الإيمان المذكورة فى الحديثين، والتزام قواعده وهو المراد (¬4) بإطلاق اسم الإيمان على جميع ذلك فى حديث وفد عبد القيس (¬5)، فقد أطلق الشرع على الأعمال اسم الإيمان، إذ هى منه، وبها يتم، ولكن حقيقته فى وضع اللغة: التصديق، وفى عرف الشرع: التصديق بالقلب واللسان، فإذا حصل هذا حصل الإيمان المنجى من الخلود فى النار، لكن كماله المنجى من دخولها رأساً بكمال خصال الإسلام، وبهذا المعنى جاءت زيادته ونقصانه على مذهب أهل السنة (¬6)، ولهذه المعانى يأتى اسم الإيمان والإسلام فى الشرع مرة مفترقاً ومرة متفقاً، قال الله تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} (¬7) وقال: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِين} إلى قوله: ¬

_ (¬1) الإيمان بالملائكة يعنى: التصديق بوجودهم على ما وصفوا به من أنهم عباد مكرمون. والإيمان بالكتب: التصديق بأنها كلامه الحق، سواء نزلت مكتوبة كالتوراة، أو نجوماً كالقرآن. والإيمان بالرسل عليهم السلام: هو التصديق بأنهم جاؤوا عن الله تعالى مؤيدين منه بالمعجزات الدالة على صدقهم. والإيمان باليوم الآخر: التصديق بوجوده وبجميع ما اشتمل عليه وسمى آخراً؛ لأنه آخر أيام الدنيا؛ ولأنه آخر الأزمنة المحدودة، وإنما أعاد مع القدر لفظة: " تؤمن "؛ لعلمه أن الأمة تختلف فيه. إكمال الإكمال 1/ 68. (¬2) سيأتى قريباً. (¬3) فى ت: وإذا أنطق. (¬4) زيد قبلها فى الأصل حرف " إن " وهو خطأ. (¬5) سيأتى قريباً. (¬6) يعنى باعتبار إضافة الأعمال إليه، إضافة كمال، وعند غيرهم الزيادة والنقصان تأتى بتوارد الأدلة على أصل اليقين، ومن منعه منعه على أن الإيمان هو التصديق، ونقصان التصديق يكون شكاً. وقد حصَّل الآمدى فى زيادة الإيمان ونقصه أربعة أقوال: قيل: الإيمان يزيد وينقص بظاهر القرآن فى غير آية، وقيل: لا يزيد ولا ينقص، لأن الزيادة والنقص شك، والشك كفر، وقيل: إيمان الله تعالى المدلول عليه بقوله: {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن} لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الزيادة والنقص حادثان، ولا يتصف -سبحانه- بحادث، وإيمان الملائكة والأنبياء -عليهم السلام- يزيد ولا ينقص، وإيمان غيرهم يزيد وينقص. قال: والحق التفصيل، فإيمان الله -سبحانه- كما ذكر، وإيمان غيره إن فسر الإيمان بالعمل فهو يزيد وينقص، وإن فسّر بأنه التصديق فلا يزيد ولا ينقص، إلا أن يراد بزيادة الإيمان كثرة أشخاص الإيمان باعتبار آحاد الناس، ويعنى بكثرة أشخاص الإيمان توالى الأمثال. إكمال الإكمال 1/ 66. (¬7) الحجرات: 14.

إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِى عَن الإِحْسَانِ؟ قَالَ: " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِى عَن السَّاعَةِ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِى عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: " أَنْ تَلِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ {الْمُسْلِمِين} (¬1). وذلك أن الإيمان إذا كان بمعنى التصديق، والإسلام بمعنى الاستسلام، صح أن يكون الإسلام بالجوارح وأعمال الطاعات إيماناً وتصديقاً، وصح أن يكون الإقرار باللسان عن تصديق القلب استسلاماً، فأطلق اسم كل واحد منهما على الآخر، بخلاف إذا اختلفا ففارق الباطن الظاهر، والنطقُ والعملُ العقدَ والنية، فيسمى الظاهر إسلاماً، ولا يسمى إيماناً، كما قال تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} (¬2). وقوله: " ما الإحسان " وفسَّره فى الحديث بما معناه الإخلاص ومراقبة الله فى السر والإعلان (¬3). وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة، من عقود الإيمان، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم ¬

_ (¬1) الذاريات: 35، 36. (¬2) الحجرات: 14. قال الأبى: جعله الإيمان اسماً للتصديق والنطق، قيل: إنه انتزعه من الجمع بين حديث جبريل -عليه السلام- وحديث الوفد؛ لأنه فى حديث الوفد فسَّر الإيمان بما فسَّر به الإسلام هنا، فاقتضى الجمع بينها أن جعل الإسلام اسماً للأمرين، وبأنه اسم لهما أخذ ابن العربى. قال: وقال أكثر السلف: إنه اسم للتصديق والعمل كله. وقال أكثر المتكلمين: إنه اسم للتصديق فقط، فالأقوال ثلاثة. وأنت إذا نظرت لا تجد بينها اختلافاً، فإن السلف لا يعنون بأنه التصديق والعمل أن العمل جزء منه، بحيث ينعدم الإيمان لانعدامه كما هو شأن كل جزء، لإجماعهم على أن العاصى بترك بعض الوجبات هو مؤمن، فلم تبق إضافة العمل إليه إلا أنها إضافة كمال، وكذا يقول المتكلمون: إن اكمل التصديق ما صحبه العمل. والقول بأنه التصديق والنطق، إن صح أن التصديق وحده ليس بإيمان، فما ذلك إلا لأن النطق فى الإيمان لا أنه جزء منه، فليس الإيمان عند الجميع إلا التصديق. إكمال الإكمال 1/ 65. (¬3) وقيل فى الإحسان أيضاً: إنه يعنى إجادة العمل، من أحسن فى كذا إذا أجاد فعله، قال الأبى: وهو بهذا التفسير أخَصُّ من الأول، ثم هو سؤالٌ عن الحقيقة ليعلمها الحاضرون كالذى قبله؛ إذا السؤال بـ (ما) بحسب الخصوصية إنما يكون عن حقيقة لا عن الحكم، وتفسيره فى الحديث الإحسان بذلك هو من تفسير الشىء بسببه توسعاً. إكمال الإكمال 1/ 68.

الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ، الْعَالَةَ، رِعاءَ الشَّاءَ، يَتَطَاولُونَ فِى الْبُنْيَانِ ". قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ. فَلَبِثْتُ مَلِيا. ثُمَّ قَالَ لِى: " يَا عُمَرُ، أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الشريعة كلها راجعةٌ إليه، ومتشعبة منه. على هذا الحديث وأقسامه الثلاث ألفنا كتابنا الذى سميناه بـ " المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان " (¬1)، إذ لا يشذ شىء من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاث. وقوله فى الحديث: " وأن تَلِدَ الأمةُ ربَّتَها "، وفى موضع آخر: " ربَّها "، قال الإمام: أى مولاتها، قيل: معناه: أن يكثر أَولاد (¬2) السرارى حتى تكون الأمُّ كأنها أمةٌ لابنتها (¬3)، لما كانت ملكاً لأبيها، وقيل: يحمل على أنه يكثر بيع أمهات الأولاد فى آخر الزمان، حتى يملك المشترى أُمّه وهو لا يعلم، لكثرة تداول الأملاك لها. وفى بعض طرق الحديث: " تلد الأمة بعلها " وهو من هذا المعنى؛ لأنه إذا كثر بيعهُن قد يقع الإنسانُ فى تزويج أمِّهِ وهو لا يعلم. قالَ القاضى: أما قوله: " تلد الأمةُ ربَّها - أو ربَّتها ": فقيل فيه ما ذكره (¬4)، وبيانهُ أن الرجُل الحسيب إذا أولد أمةً كان ابنُها منه بمنزلة ابنه (¬5) من مولاتها، وقيل: المراد به فُشوُّ العقوق، وأن يكون الولد فى الصَّوْل على أُمّه وقلة بِره بها كأنه مولاها، كما قال فى الحديث الآخر: " ويكون الولد غيظاً (¬6) "، لكن لا معنى إذاً لتخصيص أولاد الإماء بهذا، إلا أن يقال: [إن سبب] (¬7) نسبه الأموية أقرب إلى استدعاء [العقوق] (¬8) ¬

_ (¬1) ذكره ابنه له، وقال: إنه لم يكمله، ولغلب على الظن أنه من الكتب المفقودة، فلم أجد له ذكراً فى غير هذين الموضعين. راجع: الديباج المذهب. (¬2) فى المعلم: استيلاد. (¬3) قيدت أولاً فى ت: لولدها، ثم كُتب فوقها: لابنتها. (¬4) فى ق: ما ذكر. (¬5) فى ق: أبيه. وسبب السؤال عن الساعة زجرُ الناس عن السؤال عنها، فإنهم أكثروا السؤال عنها، كما قال تعالى: {يَسْأَلُكَ النِّاسُ عَنِ السَّاعَة}، فلما أجيبوا بأنه لا يعلمها إلا الله -سبحانه- كفوا؛ لأن معنى: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ": لا علم لى ولا لك ولا لأحد بها. إكمال الإكمال 1/ 69. (¬6) فى ق: أيضاً. والحديث أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن عائشة مرفوعاً: " لا تقوم الساعة حتى يكون الولدُ غيظاً، والمطرُ قيظاً، وتفيض اللئام فيضاً، ويغيضُ الكرام غيضًا، ويجترئ الصغير على الكبير، واللئيم على الكريم ". قال الهيثمى فى المجمع: " رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه جماعة لم أعرفهم " 7/ 325. (¬7) سقط من الأصل، واستدرك بسهم فى هامشه. (¬8) ساقطة من الأصل، واستدركت بسهم فى هامشه.

2 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِىُّ، وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن بُرَيْدَة عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، قَالَ: لَمَّا تَكَلّمَ مَعْبَدٌ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ فِى شَأْنِ الْقَدَرِ أَنْكَرْنَا ذلِكَ. قَالَ: فَحَجَجْتُ أَنَا وَحُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىُّ حَجةً. وَسَاقُوا الْحَدِيثَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ كَهْمَسٍ وَإِسْنَادِهِ، وَفِيهِ بَعْضُ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانُ أَحْرُفٍ. 3 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، وَحُمَيْدٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستحقار، وقيل: هو تنبيه على فشو النعمة آخر الزمان، وكثرة السبى، كما قال فى بقية الحديث عن تطاول رعاء الشاء فى البنيان. وقيل: المراد به ارتفاع أسافل الناس، وأن الإماء والسبايا يلدن من ساداتهن أمثالهم، فشرفن بسببهم، كما قال فى الحديث الآخر: " حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع " (¬1). وقال الحربى: معناه: أن يلد الإماءُ الملوكَ فيصير لها رباً كما قال: {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّك} (¬2) أى الملك. قال الخطابى: قد يحتج بهذا الحديث من يرى بيع الأمهات الأولاد، ويحتج بأنهن لم يُبَعْن بعد موت السيد؛ لأنهن يصرن فى التقدير ملكاً لأولادهن فيُعتقن عليهم (¬3). قال القاضى: ولا حُجَّة له فى هذا؛ إذ ليس فى الحديث شىء يدل عليه، بل قد نوزع فى استدلاله، وقال أبو زيد المروزى (¬4): وهو رد على من يرى بَيعهن لإنكار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تلد الأمة من يملكها وجعْله ذلك من أشراط الساعة، [ومعناه عنده: أن يبيع أمه ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الترمذى وأحمد عن حذيفة بن اليمان والطبرانى فى الأوسط عن أنس، ولفظه عند الترمذى وأحمد: " لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس "، ولفظ الطبرانى: " لا تذهب الأيام والليالى ... " الترمذى ك الفتن 4/ 494، أحمد فى المسند 5/ 389. وانظر: مجمع الزوائد 7/ 326 وقد قال الهيثمى فيه: " رجاله رجال الصحيح غير الوليد بن عبد الملك بن مسروح وهو ثقة ". (¬2) يوسف: 42. (¬3) عبارة الخطابى كما جاءت فى معالم السنن 7/ 67: وقد يحتج بهذا من يرى بيع أمهات الأولاد، ويعتل فى أنهن إنما لا يبعن إذا مات السادة؛ لأنهن قد يَصِرْنَ ملكاً لأولادهن، فيعتقن عليهم؛ لأن الولد لا يملك والدته، وهذا على تخريج قوله: " وأن تلِدَ الأمة ربَّتَها " وفيه نظر. (¬4) هو شيخ الشافعية أبو زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزى، راوى صحيح البخارى عن الفربرى حدَّث عنه الحاكم، وأبو عبد الرحمن السُّلمى، وأبو الحسن الدارقطنى -وهو من طبقته- وأبو بكر البرقانى وآخرون. قال فيه الحاكم: كان أحد أئمَّة المسلمين، ومن أحفظ الناس للمذهب. =

قَالَا: لَقِينَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، فَذَكَرْنَا الْقَدَرَ وَمَا يَقُولُونَ فِيهِ، فَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ كَنَحْوِ حَدِيثِهِمْ، عَنْ عُمَرَ -رَضِىَ اللهُ عَنْهَ- عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ شَىْءٌ مِنْ زِيَادَةٍ، وَقَدْ نَقَصَ مِنْهُ شَيْئًا. 4 - (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَن أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. 5 - (9) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى حَيَّانَ، عَنْ أَبِى زُرعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر الزمان. وليس ما قال بشىء؛ لأنه ليس كل ما أخبر عنه أنه من أشراط الساعة] (¬1) لا تبيحه الشريعة، ألا ترى أن تطاول الرّعاء فى البنيان ليس بحرام، ولا أن يكون اللكع أسعد الناس بالدنيا مما يُحرمها عليه، ولا فشو المال جملةً مما يحرمه، ولا يكون لجماعة النساء القيم الواحد مما يُحرّم ذلك، وليس فى الكلام دليلٌ على إنكار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك كما زعم، ولا فيه غير إخبارٍ عن حال يكون. وأما قولهُ: إن معناه: أن يبيع الولدُ أمه آخر الزمان، فليس فيه دليلٌ على منع بيعها قبل ملك ابنها، إذا من يُجوّز بيعها من أهل الظاهر يُوافق الجماعة فى أنها لا تباع ما دامت حاملاً ولا إذا تصيَّرَت ملكاً لابنها بميراثٍ أو غيره (¬2). وقول الإمام فى تأويل بعلها حسن، وقد يكون بالمعنى الأول، أى بمعنى ربها، قال ابن دريد: بعل الشىء ربه ومالكه، وقال ابن عباس وجماعة من أهل التفسير فى قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلا} (¬3): أى رباً، وقال أبو عُبيدة والضحَّاك: هو صنمٌ، وحكَى عن ابن ¬

_ = وقال فيه الخطيب: حدَّث ببغداد، ثم جاور بمكة، وحدَّث هناك بـ " الصحيح " وهو أجلُّ من رواه. وقال أبو إسحاق الشيرازى: مات بمرو سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وكان حافظاً للمذهب، حسن النظر، مشهوراً بالزهد، وعنه أخذ أبو بكر القفَّالُ المروزى، وفقهاءُ مروٍ. سير 16/ 313، البداية والنهاية 11/ 299، تاريخ بغداد 1/ 314. (¬1) سقط من ق. (¬2) وهذا قول عامة الفقهاء، وهو المروىُّ عن عمر وعثمان وعائشة، وقد أخرج البيهقى عن عبد الله بن سعيد عن جدّه أنه سمع عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا معشر المسلمين، إن الله قد أفاء عليكم من بلاد الأعاجم من نسائهم وأولادهم ما لم يفئ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا على أبى بكر -رضى الله عنه- وقد عرفت أن رجالاً سيُلمُّون بالنساء، فأيما رجل ولدت له امرأةٌ من نساء العجم فلا تبيعوا أمهات أولادكم، فإنكم إن فعلتم أوشك الرجلُ أن يطأ حريمه وهو لا يشعر ". السنن الكبرى 10/ 345. (¬3) الصافات: 125. والقول بأنها بمعنى رب رواه مجاهد وعكرمة وقتادة والسدى عن ابن عباس. وقال قتادة وعكرمة: وهى لغة أهل اليمن، وفى رواية عن قتادة قال: هى لغة أزْد شَنوءة. =

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الإِيْمَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتَهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: " الإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدّىَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ". قَالَ: يَاَ رَسُولَ اللهِ، مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِلَّا تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكنْ سَأحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا؛ إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتِ الْعُراةُ الْحُفَاةُ رُؤوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبَهْمِ فِى الْبُنْيَانِ فَذَاكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس أنه قال: لم أدر ما البعل فى القرآن حتى رأيت أعرابياً، فقلت: لمن هذه الناقة؟ فقال: أنا بعلها أى ربُّها، فيتأوَّل فيه (¬1) ما يتأوّل فى تلك اللفظة الأخرى من الوجوه المتقدمة. وقوله: " وترى العالَة رعاءَ الشاءِ "، قال الإمام: قال الهروى: العالة الفقراء، وفى حديث آخر: " خيرٌ من أن يتركَهُم عالةً " (¬2) أى فقراء، والعائل الفقير، والعَيْلَة الفقر، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة} (¬3) يقال: عال الرجُل يعيل عيلةً إذا افتقر. وقال غيره: وأعال (¬4) الرجل [إذا] (¬5) كثر عياله. قال القاضى: ذكر مسلم فى رواية زهير: " إذا رأيت الحُفاة العُرَاةَ الصم البُكم ملوك ¬

_ = وعلى أن المراد بها صنم قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: هو صنمٌ كان يعبده أهل مدينة بعلبك. تفسير القرآن العظيم 7/ 32. (¬1) فى ت: فيها. (¬2) جزء حديث أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى وأحمد، ولفظه: " إنك إن تدع ورثتك أغنياء، خيرٌ من أن تدعهم عالة يتكففون الناس "، ولفظة: " يتركهم " هى رواية النسائى، ك الوصايا، ب الوصية بالثلث 6/ 242 وانظر: البخارى فى صحيحه، ك الوصايا، ب الوصايا 4/ 3، ومسلم فى الوصية، ب الوصية بالثلث، ولفظة: " وإنك إن تدع أهلك بخير، خيرٌ من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " وفى بعص النسخ لغير ذكر " عالة ". ولعل هذا ما حمل الإمام على ترك التنصيص على رواية مسلم هنا. أبو داود، ك الوصايا، ب ما جاء فيما يؤمر به من الوصية 2/ 101، أحمد فى المسند 1/ 173 ولفظ البيهقى: " إنك إن تترك " ك الوصايا، ب الوصية بالثلث 6/ 269. قال ابن عبد البر: وأجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز لأحدٍ أن يوصى بأكثر من ثلثه إذا ترك ورثة من بنين أو عصبة. التمهيد 8/ 379. (¬3) التوبة: 28. (¬4) فى ت: وعال. (¬5) من المعلم.

مِن أَشْراطِهَا، فِى خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ "، ثُمَّ تَلَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير} (¬1). قَالَ: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُدُّوا عَلَىَّ الرَّجُلَ "، فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا جِبْرَيلُ، جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ ". 6 - (...) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التيْمِىُّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى رِوَايَتهِ: " إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ بَعْلَهَا " يَعْنِى السَّرَارِىَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض ... وإذا رأيت رِعاءَ البهم يتطاولون فى البنيان " فالمراد بالصُّمّ البُكم هنا: الجهلةُ الرُّعاعُ، كما قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْي} (¬2) أى لمَّا ينتفعوا بجوارحهم هذه فيما خلقها الله فكأنهم عدموها، وقد أشار الطحاوى إلى أن معناه: صم بكم عن الخير (¬3)، وذكر غيرهم أنهم صم بكم لشغلهم بلذاتهم ودنياهم (¬4)، وما ذكرناه أولى؛ إذ ليس فى الحديث ما يدل أن هذه صفتهم إذا (¬5) كانوا مُلوكاً، وإنما أراد أنه سيتملك من هذه صفته (¬6). وأما قوله: " إذا تطاوَل رِعاءُ البَهم فى البنيان " (¬7) فكذلك هو هنا بفتح الباء، ومعناه: رعاءَ الشاءِ، كما وقع مُفَسَّراً فى الحديث قبله؛ لأن البَهْم ولد الضأن والمعز، وقد تختص بالمعز، وأصله كل ما أستبهم عن الكلام، ومنه سُميت البهيمةُ؛ لأنها مُبهمَة عن العقل ¬

_ (¬1) لقمان: 34. (¬2) البقرة: 18. (¬3) عبارة الطحاوى: (ليس يعنى بذلك البكَمَ المتعارف، ولا الصمَّ المتعارف، ولكن يعنى بالبكَم: البكمَ عن القول المحمود، ويعنى بالصم: الصمَّ عن القول المحمود). مشكل 4/ 122. (¬4) وقد حكاه الطحاوى فى المشكل أيضاً فى المعرض بيانه؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقوم الساعةُ حتى يكون السنةُ كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة ". السابق 4/ 123. (¬5) فى الأصل: إذ، وهى ساقطة من ق. (¬6) فشرط الساعة على الأول أن يملك من فقد فيه شرط الإمامة، وشرطها على الثانى فساد حال من ملك. إكمال الإكمال 1/ 78. (¬7) الرِعاء، بكسر الراء والمد، ويقال: رُعاة، بضم الراء مع هاء التأنيث. والعالة: هم الفقراء، جمع عائل، وعال يعيلُ عيلة: افتقر. وإنما خص أهل الشاء؛ لأنهم أضعف أهل البادية، ومعناه: أن أهل البادية وأشبهاههم من أهل الحاجة لتغلبهم والبسط عليهم يتطاولون، أى يتفاخرون فى البنيان. والحفاة جمع حاف وهو الذى لا نعل له، والعراة جمع عار وهو الذى لا شىء عليه. إكمال الإكمال 1/ 72.

7 - (10) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ عُمَارَةَ - وَهُوَ ابْنُ الْقَعْقَاع - عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَلُونِى "، فَهَابُوهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ما الإِسْلامُ؟ قَالَ: " لَا تُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْث، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ " قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: يَا رَسُوَلَ اللهِ، مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تَخْشَى اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِلا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتىَ تَقُومُ السَّاعَةُ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْؤولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِن السَّائِل، وَسَأُحَدّثُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والتمييز، ووقع فى أول صحيح البخارى: " إذا تطاول رِعاءُ الإبِل البُهم فى البنيان " (¬1). رويناه بضم الميم وكسرها، فمن ضمَّها جعلها صفةً للرعاء، أى أنهم سود، وهو قول أبى الحسن القابسى (¬2) [رحمه الله] (¬3)، وقال غيره: معناه: الذى لا شىء لهم كما وصفهم هنا، وكما قال (¬4): " يحشر الناس يوم القيامة عُراةً بُهْماً " (¬5). وقال (¬6) الخطابى: هو جمع بهيم، وهو المجهول الذى لا يُعْرَفُ، ومنه: أبهم الأمر واستبهَم، وقد ¬

_ (¬1) رواية البخارى: " وإذا تطاولَ رُعاةُ الإبِل البَهْمُ فى البنيان " ك الإيمان، ب سؤال جبريل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة 1/ 20. (¬2) هو الإمامُ الحافظ الفقيه، عالمُ المغرب، صاحب كتاب " الملَخَّص " الذى جمع فيه ما اتصل إسناده من حديث مالك بن أنس -رضى الله عنه- فى كتاب الموطأ. قال حاجى خليفة: وهو خمسمائة حديث وعشرون حديثاً. كان عارفاً بالعلل والرجال، والفقه والأصول والكلام، مُصنّفاً، يقظاً، ديّناً، تَقياً، وكان ضريراً، ومع هذا كان من أصح العلماء كتباً، فقد كتب له ثقات أصحابه وضبط له بمكة " صحيح البخارى " وحرَّره وأتقنه رفيقه الإمام أبو محمد الأصيلى، توفى بالقيروان سنة ثلاث وأربعمائة. ترتيب المدارك 4/ 616، وفيات الأعيان 3/ 320، سير 17/ 158. (¬3) سقط من الأصل، ق. (¬4) فى ق: يقول. (¬5) جزء حديث أخرجه أحمد فى المسند 3/ 495، البخارى فى الأدب المفرد: 970، الحاكم فى المستدرك وصححه 2/ 437 ووافقه الذهبى، وذلك من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغنى عن رجل حديث سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتريت بعيراً، ثم شددت عليه رحلى، فَسِرتُ إليه شهراً، حتى قدمتُ عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقنى واعتنقته، فقلتُ: حديثاً بلغنى عنك أنك سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى القصاص، فخشيتُ أن تموتَ أو أموتَ قبل أن أسمعه، قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يُحشر الناسُ يوم القيامة- أو قال: العباد- عُرَاةً غُرلاً بُهْماً "، قال: قلنا: وما بهماً؟ قال: " ليس معهم شىء .. " الحديث، وحسنه الحافظ فى الفتح 1/ 158. (¬6) فى ق: يقول.

عَنْ أَشْرَاطِهَا؛ إِذَا رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَلِدُ رَبَّها فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ الحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الأَرْضِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ رِعَاءَ الْبَهْم يَتَطَاوَلُونَ فِى الْبُنْيَانِ فَذَاكَ مِنْ أَشْراطِهَا، فِى خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ "، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع عند بعض رواة البخارى بفتح الباء، ولا وجه له بعد ذكر الإبل، وفى بعض روايات الحديث يعنى العريب (¬2)، ولا (¬3) يُبعدُ أن يُريد البهم هنا العالة من العّرب أو السود. كما قال: " بُعثتُ إلى الأحمر والأسود " (¬4): الأسود هنا العرب؛ لأن الغالب على ألوانهم الأُدْمَة وسائر الأمم والسودان، وبالأحمر من عداهم من البيضان، وقد قيل: إن المراد بالأسودِ الشياطين، وبالأحمر بنو آدم، ومن كَسَر الميم جعلها صفة للإبل، أى السُّود لأنها سود الإبل. وقوله: " ويصوم رمضان ": يَرُدُّ قولَ من كرِه أن يقال: صمنا رمضان حتى يقول: شهر، وقال: إنه اسم من أسماء الله، وهذا لا يصح، وحكى القاضى أبو الوليد الباجى عن القاضى أبى الطيب أنه إنما يكره ذلك فيما يُدخل لبساً، مثل: جاء رمضان، ودخل رمضان، وأما صمنا رمضان، فلا بأس بقوله. قال القاضى -رضى الله عنه-: فى جملة هذا الحديث إنكار صدر هذه الأمة مقالة أهل القدر، وأنها محدثة وبدعة كما جاء فى الحديث: " أول من تكلم به معبد ¬

_ (¬1) لقمان: 34. (¬2) جاء فى اللسان: عرِب السنامُ عَرَبًا إذا ورِم وتقيَّح، والتعريبُ: قطعُ سعفِ النَّخل وهو التشذيبُ، والعِرْبُ: يَبسُ البُهمى خاصة. (¬3) فى ت: فلا. (¬4) جزء حديث أخرجه أحمد فى المسند عن أبى ذر 5/ 145، الطبرانى فى الأوسط عن أبى سعيد " مجمع " 6/ 65، ولفظه كما فى أحمد: " أوتيتُ خمساً لم يؤتهن نبى كان قبلى: نصرتُ بالرعب فيرعب منى العدو عن مسيرة شهر، وجعلت لى الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحدٍ كان قبلى، وبعثت إلى الأحمر والأسود، وقيل لى: سل تعطه فاختبأتها شفاعةً لأمتى، وهى نائلة منكم إن شاء الله من لقى الله عز وجل لا يشرك به شيئاً ". قال الأعمش: فكان مجاهد يرى أن الأحمر الإنس والأسود الجن.

قَالَ: ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُدُّوهُ عَلَىَّ "، فَالتُمِسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا جِبْرَيلُ أَرَادَ أَنْ تَعلَّموا إِذ لَمْ تَسْأَلُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالبصرة " (¬1)، وفيه فَزَعُ السلف فى الأمور الطارئة عليهم فى الدين إلى ما عند أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ هم الذين أُمرنا بالاقتداء بهم، ولما عندهم عنه فى ذلك من علم وأثر، ولهذا نقل مالك فى جامعه من قول الصحابة فى هذا ما نقل. وفيه من حسن أدب المُتعلم مع العالم وتوقيره ما ذكر من صفته جِلسَة السائل، ويُستدل منه أن جبريل -عليه السلام- كان يأتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحياناً فى صورة لم يعهدها ولا يحصُلُ [له] (¬2) علم بأنه جبريل لأول وهلة، وهو دليل ظاهر هذا الحديث. ولقوله: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " وسيأتى الكلام بَعْدُ على صور الملائكة وذواتهم إن شاء الله. وقوله: " رُدُّوا علىَّ الرجُل ": قد يحتمل علمهُ به عليهما السلام، لكن لم يُعْلِم به الناس لحكمة الله فى ذلك، ويكون قوله: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " إمَّا لأن أمرهَا أيضاً يخفى عن جبريل، أو (¬3) المراد به السامعونَ، ويكون قوله: " رُدُّوا علىَّ الرجُلَ " ليتحققوا بتلاشيه (¬4) أنه ليس بآدمى، والتأويل الأول أصح؛ لأنه قد جاء فى صحيح البخارى التصريح بأنه لم يدر أنه جبريل. وقوله: " وسأحدثك عن أشراطها " (¬5): أى علاماتها، واحدها شرط، قال أبو جعفر الطبرى: ومن سُمى الشَّرُط لجعلهم لأنفسم علامة يعرفون بها، وقيل: أشراطها مقدماتها وأشراطها الأشياء أوائلها، ومن ذلك يُسمى الشَّرَطَان لتقدُمها أول الربيع (¬6)، وقيل: الأشراط جمع شُرْطٍ وهو الدون من كل شىء، فأشراط الساعة صغار أمورها قبل قيامها، ولهذا يُسمى الشرط. ¬

_ (¬1) هذا رجوع منه عما سبق من تكفيره لهم بهذه الأشنوعة. وقوله. بالبصرة، إما أن تكون على الحال من معبد، إذا كان معبد أول من قال ذلك على الإطلاق، وتكون على البدل من القدر، إذا كان معبدُ قد سبق بهذا القول. فقد قالوا: احترقت الكعبة وابن الزبير محصور بمكة من قبل يزيد، فقال أناسٌ: احترقت بقدر الله تعالى، وقال أناس: لم تحترق بقدر الله، وهو أول يوم قيل فيه بالقدر. إكمال الإكمال 1/ 51. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) فى ت: و. (¬4) فى ت: بتلايشه. (¬5) إذا ورد حديثان فى معنى بطريقين بينهما تناف، فلا بد من الجمع بين الطريقين، وطريق الجمع: إن اتحد المواطن أن يذكر وجه يناسب، وإن تعدد المواطن فالجمع بأن يذكر أيضاً وجه يناسب، أو يقال: إنه ذكر فى موطن ما لم يذكر فى آخر. وعلى هذا، ففى هذا الحديث كان المبتدئ بالسؤال فى الحديث الأول جبريل، وهنا كان المبتدئ بالبيان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويجمع بينهما بأن يكون جبريل -عليه السلام- ابتدأ فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سأحدثك " فذكر فى الأول السؤال وفى الثانى الجواب. إكمال الإكمال 1/ 75. (¬6) جاء فى اللسان: والشَّرَطان نجمان من الحمل، يقال لهما: قرنا الحَمل، وهما أول نجْمٍ من الرَّبيع، ومن ذلك صار أوائلُ كُلّ أمر يقع أشراطه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه: " بارزاً للناس ": أى ظاهراً بالبراز، وهو الفضاء من الأرض، [ومنه المبارزة فى القتال] (¬1) ومنه البروز لصلاة العيد، والاستسقاء. وقوله: " تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدى الزكاة المفروضة "، قال الإمام: أما التقيِيدُ للصلاة بأنها مكتوبةٌ فبيّنٌ وجههُ، [لأن منها نوافل ليست بمكتوبة] (¬2)، وأما التقيد فى الزكاة بأنها مفروضة، فيحتمل أن يكون تحرُّزاً من زكاة الفطر؛ لأنها ليست بفرض مكتوب على أحد القولين (¬3) وتحرُّزاً من الزكاة المقدمة قبل الحول فإنها تجزى عند بعض أهل العلم وليست بمفروضةٍ حينئذ، ولكنها تسمى زكاة. قال القاضى: يظهر لى أن تخصيصه الصلاة المكتوبة لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتا} (¬4). قال المفسّرون: فريضةً مفروضةً، وقيل: موقتة. وقد جاء ذكرها بالمكتوبة مكرراً فى غير حديث، كقوله: " أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة قيام الليل " (¬5). وفى الحديث: " خمس صلوات كتبهُنَّ الله على العباد " (¬6). وتخصيصه الزكاة بالمفروضة أى المقدرة؛ لأنها ماليةٌ محتاجةٌ إلى التقدير فى غير وجه من النصاب. والجزء المخرج من المال وغير ذلك، ولهذا سُمِّى ما يخرجُ من الزكاة من الحيوانات ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬2) سقط من الأصل وق، وقيد فى ت بالهامش. وجاء تعبير الشارع عن أداء الصلاة بلفظ الإقامة دون أخواتها من بقية الفرائض؛ وذلك لما أختصت به من كثرة ما تتوقف عليه من الشرائط، والفرائض، والسنن، والفضائل، وإقامتها إدامة فعلها مستوفاة جميع ذلك. إكمال الإكمال 1/ 64. (¬3) من قال بأنها غير واجبة هم بعض المتأخرين من أصحاب مالك وداود، فيما حكاه ابن عبد البر. وقد نقل ابن قدامة عن ابن المنذر قوله: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم، وذلك لما روى ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على حر وعبد، ذكر وأنثى من المسلمين. متفق عليه. زاد البخارى: والصغير والكبير من المسلمين. المغنى 4/ 281. ونقل ابن عبد البر عن أبى جعفر الطبرى قوله: " اجمع العلماء جميعاً -لا اختلاف بينهم- أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بصدقة الفطر، ثم اختلفوا فى نسخها ". قال: والقول بوجوبها من جهة اتباع سبيل المؤمنين واجبٌ أيضاً؛ لأن القول بأنها غير واجبة شذوذ، أو ضربٌ من الشذوذ. التمهيد 14/ 324. (¬4) النساء: 103. (¬5) جزء حديث أخرجه أحمد فى المسند عن أبى هريرة. بلفظ: " أفضل صلاة ... " 5/ 535. (¬6) الحديث بهذا اللفظ جزء حديث للنسائى وأحمد والبيهقى عن عبادة بن الصامت، النسائى، ك الصلاة، ب المحافظة على الصلوات الخمس 1/ 230، أحمد فى المسند 5/ 315، البيهقى فى السنن الكبرى 1/ 361، وأخرجه أبو داود بلفظ: " افترضهن الله " ك الصلاة، ب فى المحافظة على وقت الصلاة 1/ 100 من حديثه أيضاً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فرائض، وفى كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصدقة: " هذه فريضة الصدقة التى فرضها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1) وفى الحديث: " فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر " (¬2) معناه: قدَّر، وقيل: أوجَب، وقد يكون تفريقه بين هاتين الكلمتين مراعاة لعيب تكرير الواحدة منها وترديدها عليهما، وترديد اللفظ الواحد فى الكلام مذموم إلا أن يفيد معنى زائداً. وقوله: [فى هذا] (¬3) الحديث: " سلونى " من رواية زهير بن حرب غير مخالف لنهه عن كثرة السؤال، وهذا فيما يُحتاج إليه كقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} (¬4) الآية، قال الإمام: خرجه مسلم عن زهير بن حرب، عن جرير، عن عمارة، عن أبى زرعة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، ثم قال مسلم: جرير كنيته أبو عمرو، وأبو زرعة اسمه عُبيد الله، وأبو زرعة [هذا] (¬5) روى عنه الحسنُ بن عبيد [الله] (¬6) وأبو زرعة كوفى من أشجع. قال بعضهم: وقع هذا الكلام لمسلم فى رواية ابن ماهان خاصةً وليس فى رواية الجلودى ولا الكسائى منه شىء، قال: وبين أهل العلم خلاف فى هذه الجملة. أما قوله: أبو زرعة اسمه عبيد الله. فقد قاله أيضاً فى كتاب الطبقات، قال: وقال البخارى فى تاريخه ومسلم فى كتاب الكنى: أبو زرعة [هذا] (¬7) اسمه هرم، وخالفهما يحيى بن معين فقال: أبو زرعة بن عمرو واسمه عمرو بن عمرو، وكذا ذكره النسائى فى الأسماء والكنى من تأليفه. وأما قوله: " أبو زرعة روى عنه الحسن " فقد قاله البخارى أيضاً وقد خولفا فى ذلك، فقيل: الذى يروى عنه الحسنُ رجل آخَر يروى عن ثابت بن قيس اسمه هرم، قاله ابن المدينى، وإليه ذهب ابن الجارود فى كتاب الكنى، قال: ثم ذكر ابن الجارود ترجمة أخرى فقال: أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن أبى هريرة، روى عنه ¬

_ (¬1) الحاكم فى المستدرك من حديث حماد بن سلمة قال: أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بعثه مصدقاً وكتبه له، فإذا فيه: " هذه فريضة الصدقة التى فرضها ... " الحديث 1/ 390. (¬2) راجع التعليقة قبل السابقة. (¬3) من ت. (¬4) النحل: 43، الأنبياء: 7. قال القرطبى: سبب قوله هذا أنهم أكثروا السؤال، واستشعر أن فيهم من يسأل تعنتاً، فغضب حتى احمر وجهه وقال: " سلونى، فوالله لا تسألونى عن شىء إلا أخبرتكم عنه ما دمت فى مقامى هذا " فدخل الناس من ذلك خوف. (¬5) غير مذكورة فى المعلم. (¬6) ساقطة من ق. (¬7) من المعلم. وعبارة مسلم فى الكنى أقرب إلى هذه العبارة من عبارة البخارى فى التاريخ. قال مسلم: أبو زرعة هَرم بن جرير بن عبد الله البجلى، سمع جريراً، وأبا هريرة، روى عنه أبو حيَّان التيمى وعمارة، والحسن بن عبيد الله. الكنى والأسماء 41. أما عبارة البخارى فهى: هرم أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلى الكوفى. التاريخ الكبير 8/ 243.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمارةُ بن القعقاع، والحارث العكلى وأبو حيان التيمى، وكذا ذكر النسائى ترجمتين كما فعل (¬1) [ابن] (¬2) الجارود سواء. وأما قوله فى رواية ابن ماهان: أبو زرعة كوفى من أشجع، فقال [بعضهم] (¬3): لا أعلم ما يقول، كيف يكون من أشجع، وأبو زرعة الذى فى [هذا] (¬4) الإسناد هو ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلى، أين تجتمع أشجع وبجيلة، إلا أن يريد رجلاً آخر؟! انتهى كلامه. قال القاضى: وهذا نصُّ ما ذكره الشيخ الحافظ أبو على الجيَّانى من أوَّله إلى آخره، وهو الذى كنَّى عنه ببعضهم، وذكرناه فى هذا الموضع، إذ هو موضع إدخاله فى جملة حديث السائل وهو آخر طريق ذكره مسلم فى الحديث، وأخَّرَ فى المعلم ذكره بعد هذا بعد حديث ضمام ووفد عبد القيس وليس بموضعه. وفى جملة حديث السائل من الفقه سوى ما تقدم: أمر العالم الناس سؤاله عما يحتاجون إليه ليبينه لهم، وأنهم إن لم يحسنوا السؤال ابتدأ التعليم من قبل نفسه، كما فعل جبريل، أو يجعل من يسأل فيجيب بما يلزمهم علمهُ. وقوله فى الحديث: " وتؤمن بالبعث الآخر " مبالغةٌ فى البيان؛ ولأن خروج الإنسان للدنيا بعث أول. وقوله: "ولقائه " مع ذكر البعث، إشارة إلى الحساب والحشر وهو غير البعث والنشر. مما فرض الله على شيئاً، ونحوه فى حديث محمد بن إسحاق، فعلى عموم قوله: " بشرائع الإسلام "، يسقط كل اعتراض ويذهب كل إشكال مما لم ينُص عليه فى الحديث. وهذا النجدىّ لم يُسمّه مالك ولا مسلم، وسمَّاه البخارى فى الحديث: الليث، فقال فيه: " وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بنى سَعْدٍ بن بكرٍ " (¬5). ولم يأت ذكر الحج فى حديث ضمام. ¬

_ (¬1) فى المعلم: فعله. (¬2) من المعلم. (¬3) غير مذكور فيما تيسر لى من نسخ المعلم. (¬4) من المعلم. (¬5) يعنى بذلك ما أخرجه البخارى فى ك العلم، ب ما جاء فى العلم من حديث الليث عن سعيد المقبُرى.

(2) باب بيان الصلوات التى هى أحد أركان الإسلام

(2) باب بيان الصلوات التى هى أحد أركان الإسلام 8 - (11) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْد اللهِ الثَّقَفِىُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنْسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ أَبِى سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِىَّ صَوْتِهِ وَلا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِى اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ". فَقَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: " لا، إِلا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى سأله عن الفروض، فأجابه السائل: لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفلح إن صدق "، قال الإمام: أما فلاحه أن (¬1) لا ينقص فَبيِّن، وأَمَّا بألا يزيد فكيف يَصح هذا وكيف يُقرّه عليه، والتمادى على ترك سائر السنن مذموم يوجب الأدَب عند بعض أهل العلم؟ فلعله قال هذا ولم تُسَنّ السنَنُ حينئذٍ، أو يكون فهم عنه أنه لا يُغَيِّر الفروض التى (¬2) ذكر بزيادة ولا نقصانٍ، وأن ذلك مراده بهذا القول. قال القاضى: ورد فى هذا الحديث من رواية البخارى عن إسماعيل بن جعفر آخر الحديث: فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرائع الإسلام فأدبر الرجُلُ وهو يقول: والله لا أزيد ولا أنقُصُ (¬3). ولم يرد ذكر الحج فى حديث النجدىّ من رواية طلحة بن عُبيد الله ولا من رواية أبى هريرة فى حديث الأعرابى، وجاء فى رواية ثابت عن أنس عند مسلم، ولم يأت من رواية شُريك عن أنس عند البخارى (¬4)، وكذلك لم يذكر جابر [الحج] (¬5) فى حديث السائل، ولا الزكاة فى رواية أبى الزبير عنه، ولم يذكر الصوم فى حديث الأغرّ عنه، ولم يذكر غير الصلاة، وذكر تحليل الحلال وتحريم الحرام، ولم يرد هذا فى حديث ضمام جملة، وكذلك لم يرد فى حديث أبى أيوب فى هذا الباب ذكر الحج وصوم رمضان، وفيه ذكر صلة الرحم، ¬

_ (¬1) فى المعلم: بأن، ولعله أدق فى السياق. (¬2) فى الأصل: الذى، والمثبت من ت والمعلم. (¬3) ك الصوم، ب وجوب صوم رمضان 3/ 31، ك الحيل، ب فى ترك الحيل 9/ 29. عن شريك بن عبد الله بن أبى نَمير أنه سمع أنس بن مالك يقول: بينما نحن جلوس مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المسجد دخل رجلٌ على جملٍ فأناخه فى المسجد ثم عَقلَه ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئ بين ظهرانيهم ... الحديث 1/ 24. (¬4) هو نفس حديث ليث السابق. (¬5) من ت، ق.

تَطَّوَّعَ، وَصِيامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ". فَقَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: " لا، إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ ". وَذَكَرَ لَهُ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فَقَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: " لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ". قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ، لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ ". 9 - (...) حدّثنى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أبى سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللهِ، عنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْلَحَ، وَأَبِيهِ، إِنْ صَدَقَ " أَوْ: " دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَأَبِيهِ، إِنْ صَدَقَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك لم يرد فى حديث وفد عبد القيس ذكر الحج جملة، ولا ورد فيه الصوم من رواية حماد بن زيد عند مسلم وهو فى روايته عند البخارى، وفيه ذكر أداء الخُمسِ من المغنم والنهى عن أربع، وليس فى حديث مُعاذ ذكر الصوم ولا الحج، وكذلك لم يرد فى حديث جبريل ذكر الحج عن أبى هريرة وورد فيه من حديث ابن عمر (¬1). ولم يأت فى حديث النجدى ذكر الإيمان (¬2)، إما لأنه كان مُسلماً، وإنما سأل عن الفروع، بدليل قوله فى الرواية الأخرى: " يا رسول الله، أخبرنى بما فرَض الله علىَّ من الصيام ... " وذكر مثله فى الزكاة. وقد اختلف فى وقت فرض الحج فقيل: سنة تسع، وقيل: سنة خمس، والأول أصح، وذكر الواقدى أن وفادة ضمام كانت سنة خمس (¬3)، فمعنى هذه الآثار كلها وزيادة بعضها على بعض فى أعداد الوظائف التى وعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بنجاة من اقتصر عيها وفلاحِهِ ودخول الجنة أن تُضم هذه الزيادة التى زادها الثقة ويحكم بصحتها ويحمل إسقاط من أسقطها على الوَهْم والنسيان، إلا ما لم تختلف الرواية فى إسقاطه فيُحمل أَنَّ فرضه بعد هذا] (¬4)، أو يكون قوله: " إلا أن تطوَّع " فى حديث النجدى مُنَبهاً على ما زاد على الفرائض من السنن، فيكون قوله: " لا أزيد " أى على ما ¬

_ (¬1) وعلى ذلك فتلك الأحاديث ليست سواء، لاختلاف مساقها. انظر: إكمال الإكمال 1/ 78. (¬2) وكان سؤاله عن شرائع الإسلام لا عن حقيقته؛ ولذا لم يجبه بما أجاب به جبريل عليه السلام- السابق 1/ 79. (¬3) وذلك فيما أخرجه عن ابن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بكر فى رجب سنة خمس ضمام بن ثعلبة، وكان جلداً، أشعر، ذا غديرتين، وافداً إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأله فأغلظ فى المسألة .... الحديث 1/ 299. (¬4) سقط من ق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكرت من الفرائض [إلا أن أتطوع] (¬1) وقد قيل: قد يكون معناه: لا أزيد على تبليغ ما ذكرت لى إلى قومى ولا أنقص منه. وإذا نظرنا إلى زيادة حديث جابر من قوله: " وأحللتُ الحلال وحرمت الحرام " اشتملت هذه اللفظة على وظائف الإيمان وسنن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2)، ولم يبق سؤال على قوله: لا أنقص منه. ومثله قوله فى رواية البخارى: " فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرائع الإسلام " (¬3) وأما اختصاصه فى حديث أبى أيوب صلة الرحم وفى حديث وفد عبد القيس الأوعية (¬4)، فذلك -والله أعلم- بحسب ما يخص السائل ويعنيه من ذلك وسيأتى الكلام عليه. ¬

_ (¬1) سقط من ق. (¬2) وذلك لأنه كناية عن الوقوف عند حدود الشرع، وقال ابن الصلاح: (معنى حرمت الحرام: اعتقدت حرمته وتجنبه، وتحليل الحلال يكفى فيه اعتقاد حليته فقط). إكمال الإكمال 1/ 85. (¬3) انظر: حديث شريك السابق. (¬4) سيرد قريباً حديث وفد عبد القيس.

(3) باب السؤال عن أركان الإسلام

(3) باب السؤال عن أركان الإسلام 10 - (12) حدّثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَىْءٍ. فَكَانَ يُعجِبُنَا أَنْ يَجِىءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلَ الْبَادِيةِ، الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَكَ؟ قَال: " صَدَقَ ". قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: " اللهُ ". قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ قَالَ: " اللهُ ". قَال: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: " اللهُ ". قَال: فَبِالَّذِى خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، آللهُ أَرْسَلَكَ؟ قَال: " نَعَمْ ". قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَومِنَا وَلَيْلَتِنَا. قَالَ: " صَدَقَ ". قَالَ: فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ، آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِى أَمْوَالنَا. قَالَ: " صَدَقَ "، قَالَ: فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ، آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: وَزَعَم رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِى سَنَتِنَا. قَالَ: " صَدَقَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يا محمد ": لعل هذا كان قبل أن يُنهى الناسُ عن دعائه بمثل هذا وقبل نُزول قوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} (¬1) على أحد التفسيرين (¬2)، قال قتادة: أمروا أن يعظموه ويفخموه، قال غيره: ويدعوه بأشرف ما يُحبُ أن يُنادى به؛ يا رسول الله، يا نبى الله، وقيل ذلك أيضاً فى قوله: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض} الآية (¬3)، وقد ورد فى هذا الحديث أيضاً أنه ناداه: يا رسول الله، ولعل ذلك كان بعد تعليمهم ما يجب عليه أو تمكن إسلامه ومَعْرِفَة حق الرسالة؛ لأنه أول (¬4) وروده كان مسترشداً أو مستفسراً. وقوله فى حديث النجدى: " أتانا رسولك ... " وتحليفه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما سأله عنه يستدل به من يقول: أول الواجبات مُجرد التصديق، وقد يكون هذا الرجل لأوَّلِ ما جاء ¬

_ (¬1) النور: 63. (¬2) والقول الثانى: أى لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا. حكاه ابن أبى حاتم عن ابن عباس، والحسن البصرى، وعطية العوفى. تفسير القرآن العظيم 6/ 97، الدر المنثور 5/ 61. (¬3) الحجرات: 2. (¬4) فى الأصل: الأول.

قَال: فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ، آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَال: وَزَعَم رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَال: " صَدَقَ " قَالَ: ثُمَّ وَلَّى. قَالَ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلا انْقُصُ مِنْهُنَّ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ". 11 - (...) حدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ؛ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُهِينَا فِى الْقُرْآنَ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَىْءٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد الاستثبات وكشف الأمر، فلما كان فى أثناء ذلك ظهر له من دلائل النبَّوة ما ثبَّت له اليقين، ويصحح الإيمان والمعرفة، ألا تراه كيف استثبت فيمن خلق الأرض والسماء ونصب الجبال، وهذا أقوى طُرق الحجة على إثبات الصانع. وظاهر الحديث أنه لم يأت إلا بعد إسلامه وإجابته، وإنما جاء [مستثبتاً] (¬1) ومشافهاً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدليل (¬2) أنه لما فارقه إنما التزم ألا يزيد ولا ينقص، لكن جاء فى صحيح البخارى أنه قال فى آخر الحديث (¬3): " آمنتُ بما جئت به وأنا رسول من ورائى ... "، والكلُ محتمل للوجهبن، وقد قال الحاكم أبو عبد الله: هذا الحديث دليل على الرحلة فى علو الإسناد، إذ لم يُقْنِع هذا البدوىَّ ما سمعه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما بلغه حتى رحل بنفسه إليه وسمع منه، قال: ولو كان طلبه غير مستحب لأنكر -عليه السلام- سؤاله إياه عما أخبره به رسولُه عنه، وأمره بالاقتصار على ما سمع منه (¬4). قال القاضى: ولا حجة له فى هذا؛ لأن الرجل فعل ما يجب عليه ورغب عن الاقتصار على غلبة الظن ممَّا أخبره به الرسول عن النبى -عليه السلام- من الشرائع الذى يمكن للمبلغ أن يغلط فيها ويهم، ويدخل عليه الآفات، وحرص على اليقين بسماعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذى لا يجوز عليه الوهم فى باب التبليغ، وقد تقدّم الكلام فى علو الإسناد، قبل مع ما كان يجب من الهجرة والرحلة على المسلمين إلى النبى -عليه السلام- أول الإسلام، ويتعين عليهم من لقائه والتبرك برؤيته. وقوله: " كُنَّا نُهينا أن نسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وقوله فى الحديث قبله: " سلونى ¬

_ (¬1) غير واضحة فى الأصل، والمثبت من ت. (¬2) فى الأصل: وقيل، والمثبت من ت. (¬3) راجع حديث شريك فى تعليقنا السابق. (¬4) عبارة الحاكم فى المعرفة عقب سياقه لجزءٍ من هذا الحديث: احتج شيخ الصنعة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى -رحمه الله- فى كتاب العلم من الجامع الصحيح بهذا الحديث، فى باب العرض على المحدث 258.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهبنا أن نسأله " ليس فيه تعارُض، نُهُوا عن سؤاله عن أشياء إن تبد لهم تسؤهم، ولم ينهوا عن غير ذلك، وإذا أذن لهم فى السؤال فلم يرتكبوا نهياً. وقوله. " ثائر الرأس " (¬1) أى: قائمة منتفشة (¬2)، وقوله: " يُسمَعُ دَوىُّ صوتهِ " (¬3) بفتح الدال، أى: بُعده فى الهواء مأخوذ من دَوِى الرعْد. وقوله: " أفلح إن صدَق أو دخل الجنة إن صدق ": هذه الجملة الأخيرة تفسير للأولى (¬4)، وقد وردت فى الرواية الأخرى منفردة بمعناها، والفلاح البقاء، ومنه: (حىَّ على الفلاح)، أى: العمل المؤدى إلى الجنة والبقاء فيها وهو الفَلَح. قال الأعشى: هل لحىِّ نال قومى من فَلَحٍ أى: بقاء، قال الهروى: العرب تقول لكل من أصاب خيراً: مُفْلِح، وأفلح الرجلُ إذا فاز بما يغبط به، وقيل فى قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} (¬5) أى: فازوا. [قال ابن دريد: أفلح الرجل وأنجح إذا أدرَك مطلوبه، وقال القاضى أبو الوليد الباجى: استعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬6) الصدق هنا فى خبر المستقبل، وقد قال القتبى: الكذب مخالفة الخبر فى الماضى والخلف فى المستقبل (¬7) فيجب على هذا أن يكون الصدق فى الخبر عن الماضى والوفاء فى المستقبل. وما ورد عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا يرد على ابن قتيبة. وفى قوله: " أفلح إن صدق ": ردٌّ على المرجئة (¬8)، إذ فيه فلاحه بشرط صِدْقه فى ألا ينقص مما ألزمه من الأعمال والفرائض. ¬

_ (¬1) سبق برقم (11). (¬2) ومنه ثارت الفتنة. وقد زيد بعدها فى ق: (وفيه أن قوله مثل هذا) ومقدار أربع كلمات غير واضحة 90 ب. (¬3) سبق برقم (11). (¬4) فى الأصل: الأولى، والمثبت من ت. (¬5) المؤمنون: 1. (¬6) سقط من ق. (¬7) وسمى المطابقة المستقبل وفاء. (¬8) المرجئة الخالصة وهم اليونسية أصحاب يونس السمرى، زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله، والخضوع له، وترك الاستكبار عليه، والمحبة بالقلب. فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن، وما سوى المعرفة من الطاعة فليس من الإيمان، ولا يضر تركها حقيقة الإيمان، ولا يعذب على ذلك إذا كان الإيمان خالصاً، واليقين صادقاً. وزعم أن إبليس -لعنه الله- كان عارفاً بالله وحده غير أنه كفر باستكباره عليه. قال: ومن تمكن فى قلبه الخضوع لله والمحبة له على خلوص ويقين لم يخالفه فى معصية، وإن صدرت منه معصية فلا يضر بيقينه وإخلاصه، والمؤمن إنما يدخل الجنة بإخلاصه ومحبته لا بعلمه وطاعته. الملل والنحل 1/ 146.

(4) باب بيان الإيمان الذى يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أقر به دخل الجنة

(4) باب بيان الإيمان الذى يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أقر به دخل الجنة 12 - (13) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو أَيُّوبَ؛ أَنَّ أعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ - أَوْ بِزِمَامهَا - ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِى بِمَا يُقَربُنِى مِنَ الْجَنَّةَ وَمَا يُبَاعِدُنِى مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَكَفَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ فِى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: " لَقَدْ وُفِّقَ أَوْ لَقَدْ هُدِىَ " قَالَ: " كَيْفَ قُلْتَ؟ " قَالَ: فَأَعَادَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ ". 13 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وعَبَدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ؛ قَالَا: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. 14 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ؛ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِى مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِى مِنْ النَّارِ؟ قَالَ: " تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ به شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ ". فَلَمَّا أَدْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنَ أَبِى شَيْبَةَ: " إِنْ تَمَسَّكَ بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وتصل ذا رحمك "، قال الإمام: ينبغى أن تتأمَّل هذا مع قول النحاة: إن لفظة " ذا " إنما تضاف إلى الأجناس، فلعل الإضافة هنا مقدر انفصالها، والإضافة بمعنى تقدير الانفصال موجودة. قال القاضى: لفظة " ذا " و " ذى " و " ذو " عند أهل العربية إنما تضاف إلى الأجناس ولا تضاف عندهم لغيرها من الصفات، والمضمرات، والأفعال، والأسماء المفردات؛ لأنها فى نفسها لا تنفك عن إضافة. وقد جاءت مفردة ومضافة إلى مفرد وإلى فعل ومجموعة ومثناة وكله عندهم شاذٌ، كقولهم: ذو يزن، وذو نواس، وقالوا فيهم: الذَّوين والأذواء (¬1) وقالوا: افعل كذا بذى تسلم. ¬

_ (¬1) فى ت: الذؤاء والذَّوين.

15 - (14) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: " تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ، وَتؤَدِّى الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ". قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا، وَلا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا ولَّى، قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنظُرَ إِلَى رَجُلٍ منْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا ". 16 - (15) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَحْلَلتُ الْحَلالَ، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ ". 17 - (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، وَأَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ [وتقدير هذا عندهم على الانفصال كما قال، أى: الذى له كذا أو الذى تسلم] (¬1)، كذلك قوله: " ذا رحمك " أى: الذى له رحم معك أو يشاركك فيها، ونحوه، ومعنى ذو: صاحب. قيل: وأصله ذوو (¬2) لأنهم قالوا فى تثنيته: ذوا مال. والله أعلم. قال القاضى: استدل البخارى وغيره من حديث النجدى على جواز القراءة على العالم عليه والتحديث بها بقوله: " وأخبر به من ورائى " وهو الصحيح، والحجة فيه من هذا الحديث بيّنة، وقد تقدم الكلام على هذا المعنى وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: " نعم " قد يحتج به من يُلزمَ من الظاهرية الشيخ الإقرار بنعم بعد تقرير الراوى له، وقوله له: هو كما قرأناه عليك؟ ولا حجة فيه؟ لأن هذا مستفهم للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طالب منه جواب نعم، بخلاف القارئ والذى يعرض على الشيخ. قال غيره: وفيه بسط الكلام بين يدى الحاجة لقوله: " إنى سائل فمشدّدٌ عليك "، وفيه جواز التحليف والتأكيد للأمور المهمة والأخبار الهائلة، وجواز الحلف فى ذلك كما قال ¬

_ (¬1) سقط من أصل ت، واستدرك بالهامش بسهم باختلاف، والعبارة فيه: وتقدير هذا عندهم على الانفصال كما قال: أى الذى قال كذا والذى تسلم. ثم كتب بعدها: كذلك نقل. (¬2) فى الأصل: ذوى، والمثبت من ت، وهو الصحيح بدليل الألف فى التثنية.

النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِمِثْلِهِ. وَزَادَا فِيهِ: وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. 18 - (...) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُو ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ - عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلتُ الْحَلَالَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: وَاللهِ! لا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَق} (¬1)، وفيه صبر العالم على جفاء السائل الجاهل، وبيان ما يلزمه للمتعلم المسترشد، وإجابته لما يرى أنه ينفعه ويحتاج إليه فى دينه، وفيه جواز قول ما تدعو إليه الضرورة من خشن الكلام، وجواز الاعتذار منه، لقوله ما قال ثم قال: " لا تَجِدَنَّ علىَّ "، وتسويغ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك له (¬2). وقوله: " أفلح وأبيه " (¬3): وقد نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحلف بالآباء، لعله كان قبل النهى، أو يكون على غير اعتقاد نية الحلف والتعظيم لمن حلف به، على ما جرت به عادة العرب، وانطلقت به ألسنتها، ونهى عن اعتقاد ذلك وقصده. [وقيل: كان ذلك أول الإسلام، وقريب عهدهم بميتات الجاهلية، فَنُهوا عن ذلك وقيًا لأجله، وقيل: أضمر ورب أبيه كما فى أقسام الله فى كتابه بمخلوقاته، أى: ورب الليل إذا يغشى، ورب الضحى، ونحوه] (¬4). ¬

_ (¬1) يونس: 53. (¬2) قال الأبى: الألفاظ التى أخذت منها هذه الأشياء لم تقع فى مسلم، وإنما هى فى البخارى من طريق أنس. إكمال الإكمال 1/ 183. (¬3) سبق برقم (11). (¬4) من ق.

(5) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام

(5) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام 19 - (16) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ - يَعْنِى سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ الأَحْمَرَ - عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بُنِىَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةٍ؛ عَلَى أَنْ يُوحَّدَ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالحَجِّ ". فَقَالَ رَجُلٌ: الْحَجِّ وَصِيَامِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: لا، صِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ، هَكَذَا سَمعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 20 - (...) وحدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ السُّلَمِىُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث: " بنى الإسلام على خمس " ورد ابن عمر على الراوى لما قدَّم حج البيت على رمضان إلى (¬1) أن يقدّم ذكر رمضان، وقال: " هكذا سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، قال الإمام: يحتمل أن يكون مُشاحة ابن عمر فى هذا لأنه كان لا يرى نقل الحديث بالمعنى وإن أداه بلفظ (¬2) يحتمل، أو يكون يرى الواوَ توجب الترتيب كما قال بعضُهم، فيجب التحفظ على الرتبة المسموعة من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه قد يتعلق بذلك أحكام، فقد يستدل على تقدمه إطعام [الفطر فى رمضان] (¬3) على الهدايا الواجبة فى الحج إذا أوصى بها [وضاق] (¬4) الثلث عنهما بهذه المتقدمة الواقعة فى الحديث، لإشعارها بأن ما قدم آكد، والمعتبر فى الوصايا [تقدمه] (¬5) الآكد. قال القاضى: قد مَرَّ من الكلام فى هذه المسألة واختلاف الناس فيها [ما فيه] (¬6) كفاية، والصواب والاستحسان حماية هذا الباب كما تقدم؛ لئلا يتسلط الجاهل بأنه جاهل على ما لم يحط به علمًا، وأما فى أدَاء الرواية فآكد، وقد ذكرنا أنه مذهب مالك فى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه كان يتحرى فيه الفاء والواو، وروى مثله عن أمثاله، وقد قال عليه السلام-: " نضَّر الله امرأ سَمِع مقالتى، فأدّاها كما سمعها "، لكنه قد يُسَهّل فى إصلاح الحرف الذى لا يشك فيه سقوطه، [وقد] (¬7) روى هذا عن مالك، وكذلك ¬

_ (¬1) فى الأصل: إلا. (¬2) زيد بعدها فى ق: " ثيوب متاب ما يسمع وهو مذهب بعض أهل الأصول، وإن دل لفظ يحتمل بلفظ لا ". (¬3) و (¬4) من المعلم. (¬5) ساقطة من ق. (¬6) و (¬7) سقط من ق. والحديث جزء حديث على المعنى، أخرجه أبو داود فى السنن، ك العلم، ب فضل =

قَالَ: " بُنِىَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ؛ عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ". 21 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُنِىَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ؛ شَهَادةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ". 22 - (...) وحدّثنى ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ ابْنَ خَالِدٍ يُحَدِّثُ طَاوُسًا؛ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَلا تَغْزُو؟ فَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللحن البيّنُ. قال الشعبى (¬1): يُعْرَبُ، وقاله أحمد بن حنبل قال: لأنهم لم يكونوا يلحنون، وقال النسائى: إذا كان شيئًا تقوله العرب فلا يُغير، وإن لم يكن من لغة قريش؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكلم الناس بألسنتهم، وإن كان لا يوجد فى كلام العرب فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يلحن، وقد هاب بعضُهم أيضاً هذا، وروَوْا الحرف على ما وجدوه ونبَّهوا عليه، وهذا موجود فى الموطأ وكتب الصحيح وغيرها، حتى فى حروف القرآن تركوها فيها كما رووها ووقع الوهم فيها ممن وقع، وقد يكون رد ابن عمر على الرجل إلى تقديم رمضان لِتَقَدّم فريضة رمضان على فريضة الحج، فجاء بالفرائض على نسقها فى التاريخ، والله أعلم. قول حنظلة: سمعت عكرمة بن خالد يُحدثُ طاوساً: أن رجلاً قال لعبد الله بن عُمَر: ألا تغزو (¬2)، قال الإمام: هكذا أتى مُجوداً فى رواية الجلودى، وفى نسخة ابن ¬

_ = نشر العلم 1/ 286، الترمذى فى السنن، ك العلم، ب ما جاء فى الحث على تبليغ السماع 5/ 33 من حديث زيد بن ثابت، وقال عقبه: " حديث زيد بن ثابت حديث حسن "، كما أخرجه من حديث عبد الله بن مسعود وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". ابن ماجه فى السنن، المقدمة، ب من بلغ علماً 1/ 84 من حديث زيد بن ثابت، وجبير بن مطعم، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، ك المناسك، ب الخطبة يوم النحر 2/ 1015 من حديث جبير بن مطعم، والدارمى فى السنن المقدمة، ب الاقتداء بالعلماء 1/ 74 من حديثهما وحديث أبى الدرداء، أحمد فى المسند 1/ 436، 437 من حديث ابن مسعود 3/ 220 من حديث أنس، 4/ 80 من حديث جبير، 5/ 183 من حديث زيد بن ثابت. كما أخرجه الشافعى فى الرسالة، ب الحجة فى تثبيت خبر الواحد ووجوبه 69، والسيوطى فى مفتاح الجنة. (¬1) فى ت: الشافعى. (¬2) جاءت فى الأصل: تعرف.

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِن الإِسْلامَ بُنِىَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ انْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الحذّاء عن أبى [العلاء: سمعت] (¬1) عكرمة يُحدث عن طاوس: [أن رجلاً] (¬2)، وهذا وَهْم، والصحيح الأول. قال القاضى: وقول ابن عمر لهذا السائل عن الغزو: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر حديث: " بُنى الإسلام على خمسٍ "، يُستدل به على سقوط فرض الجهاد، وأنه ليس من مبانى الإسلام، وإنما هو من فروض الكفايات (¬3)، وهو قول جماعة من العلماء أن فرضه نسخ بعد فتح مكة، وذكر أنه مذهب ابن عمر والثورى وابن شبرمة، ونحوه لسحنون من أصحابنا، إلا أن ينزل العدو بقومٍ، أو يأمر الإمام بالجهاد، ويستنفر الناس فتلزمهم (¬4) طاعته. وقال الداودى: لما فتحت مكة سقط فرض الجهاد عمن بَعُد من الكفار وبقى فرضه على من يليهم، وكان أولاً فرضاً على الأعيان. ¬

_ (¬1) فى نسخ المعلم: عن أبى العلاء عكرمة. (¬2) من المعلم. (¬3) جاء فى المغنى: معنى فرض الكفاية: الذى إن لم يقم به من يكفى أثم الناسُ كُلُّهم، وإن قام به مَنْ يكفى سقط عن سائر الناس، فالخطاب فى ابتدائه يتناول الجميع كفرض الإيمان، ثم يختلفان فى أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الإيمان لا يسقُط عن أحد بفعل غيره. قال: والجهاد من فروض الكفايات فى قول عامة أهل العلم. المغنى 13/ 6، 7. (¬4) فى الأصل: فيلزمهم.

(6) باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه، وتبليغه من لم يبلغه

(6) باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرائع الدين والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه، وتبليغه من لم يبلغه 23 - (17) حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبى جَمْرَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا هَذَا الحَىَّ مِنْ رَبِيعَة، وَقَدْ حَالَتْ بَيْننَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَر، فَلا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلا فِى شَهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَعْمَلُ بِهِ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: " آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيْمَانِ بِاللهِ - ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ فَقَالَ -: شَهَادةِ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عبد القيس: " آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع؛ الإيمان بالله، ثم فسَّرَها لهم فذكر الشهادتين والصلاة والزكاة وأداء الخمس "، وفى بعض طرقه: " أمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، وقال: هل تدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وذكر الصلاة والزكاة والصوم وأداء الخُمس " (¬1)، وفى رواية أخرى: " اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وذكر الصلاة والزكاة والصوم وأداء الخُمس " (¬2)، قال الإمام: ظن بعض الفقهاء أن فى هذا دلالة على أن الصلاة والزكاة من الإيمان، خلافاً للمتكلمين من الأشعرية القائلين بأن ذلك ليس من الإيمان (¬3)، وهذا الذى ظنه غير صحيح؛ لاحتمال أن يكون الضمير فى قوله: ثم فسرها لهم (¬4) عائداً على الأربع لا على الإيمان كما ظن هذا الظان، ويحتمل فى الحديث الثانى أن يكون قوله: " وأقام الصلاة " معطوفاً على الأربع. ¬

_ (¬1) وهو طريق أبى بكر بن أبى شيبة هنا، غير أن لفظه: " فأمرهم ". (¬2) وهو طريق يحيى بن أيوب. (¬3) وكذلك أبو حنيفة وأصحابه، مقالات 138. والأشعرية هم: أصحاب أبى الحسن على بن إسماعيل الأشعرى المنتسب إلى أبى موسى الأشعرى صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان -كما يقول الذهبى- عجباً فى الذكاء وقوة الفهم، ولما برع فى معرفة الاعتزال كرهه وتبرَّأ منه. مات ببغداد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. قال الذهبى: رأيت للأشعرى كلمة أعجبتنى، وهى ثابتة، رواها البيهقى، سمعت حازم العبدَوىَّ، سمعت زاهر بن أحمد السرخسى يقول: لما قربَ حضور أجل أبى الحسن الأشعرى فى دارى ببغداد دعانى فأتيته، فقال: اشهد علىَّ أَنى لا أكفّرُ أحداً من أهل القبلة؛ لأن الكلَّ يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف عبارات. سير 15/ 85 - 88. وإنما قال الأشعريون -كغيرهم من أئمة السنة- فى الإيمان: إنه التصديق بالقلب، وإن التصديق باللسان والعمل على الأركان ففروعه، وذلك فرارًا من التكفير بالمعصية، وهو الذى أوقع المعتزلة فيما وقعوا فيه لما قالوا: إن الإيمان هو جميع الطاعات. مقالات 266، الملل والنحل 1/ 107. (¬4) فى الأصل: له، وصححت بهامش ت، وفى المعلم على الصواب.

مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالمُقَيَّرِ ". زَادَ خَلَفٌ فِى رِوَايَتَهِ: " شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ " وَعَقَد وَاحِدَةً. 24 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُترْجِمُ بَيْنَ يَدَىِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: أشكل معنى هذا الحديث على بعض الناس حتى تكلف له ما لا يحتاج إليه لما ذكر أربعاً (¬1)، ثم جاء فى بعض الروايات الأخر بأربع غير الشهادتين قال (¬2): وفَّىَ لهم بما وعدهم ثم زادهم، وهذا ليس بسديد، بل الأربع التى أخبرهم بها لا يُعَدُّ فيها الإيمان ولا عبادة الله، وترك الإشراك المذكور فى الحديث؛ إذ كان هذا قد تقرر عندهم وأتوه، وإنما سألوه عن غيره بما لم يعلموا من قواعد الشريعة، ويدل عليه قوله: " آمركم بالإيمان، أتدرون ما الإيمان بالله؟ " ثمَّ فسَّره لهم بالشهادتين، ثم ذكر الأربع بعد ذلك، وأما على الرواية الأولى فهى أربع بالشهادة وقد قال فى آخر الحديث: وذكر الشهادة قال: وعقد واحدة، وإسقاط الصوم منه وهمٌ والله أعلم، لاتفاق الروايات الأخر عليه. وأما الحج لم يكن فرض بعد؛ لأن وفادة عبد قيس كانتُ عام الفتح قبل خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة، وفريضة الحج بعدها سنة تسع على الأشهر، والله أعلم. وقد يحتمل أن يكون الأربع التى أمرهم بها الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام التى سألوا عنها، وهى قواعد الإسلام وأصول العبادات، وفروض الأعيان، ثم أخبرهم أنه يلزمهم إخراج خمس ما غنموه وأداؤه للمسلمين، لما أخبروه بمجاورتهم كفار مضر وعداوتهم لهم يقصد إلى ذكر مجاهدتهم بعدها من قواعد الإسلام (¬3) والجهاد بعد لم يكن فُرض (¬4)؛ لأن فرضه العام نزل فى سورة براءة سنة ثمان بعد الفتح، بل نبههم على أداء خمس ما يأخذونه منهم، ولا يبعد إطلاق اسم الإيمان على هذه الجملة؛ إذ بها يتم الإيمان ويكمل الإسلام، ويكون قوله: " آمركم بالإيمان بالله " عائد على كل ما أمرهم به ونهاهم عنه، أو يكون إضراباً عن تفصيل الأعداد، وأمر بالإيمان الشامل لها ولغيرها، والله أعلم. ¬

_ (¬1) قال الأبى: المستشكل هو ابن بطال، وجواب القاضى الأول أولى أن يكون غير سديد. إما أنه تكلف، فإن الظاهر عطف صلاة على الشهادتين، وإعرابه بغير هذا تكلف، وإما أنه غير سديد معنى فلأن جعل الأربع مابعد الشهادتين يوجب أن يكون أداء الخمس ركناً، وهو نص أن الجهاد حينئذ لم يكن فرض. قال: وجوابه الثانى هو جواب ابن بطال الذى زيف وغايته أنه قرره. (¬2) فى الأصل: وقال. (¬3) فى ق: الإيمان. (¬4) قلت: بل الجهاد مفروض من قبل هذا، فقد فرض عقب الهجرة.

النَّاسِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْأَلُهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَر. فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ الْوَفْدُ؟ أَوْ مَنِ الْقَوْمُ؟ ". قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَال: " مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ، أَوْ بِالْوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلا النَّدَامَى ". قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَأتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَىَّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَإِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأتِيكَ إِلا فِى شَهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ، نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ. قَالَ: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ. قَال: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ. وَقَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ؟ ". قَالُوا: اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مرحباً بالقوم أو الوفد غير خزايا ولا نداماً " ويروى: " ولا النّدامى " (¬1). وقوله: " ولا ندَامى ": مراده به جمع الواحد الذى هو نادم، ولكنه جاء هاهنا على غير القياس اتباعاً لخزايا. قال ابن قتيبة وغيره: قال الفراءُ وغيره: العربُ إذا ضمت حرفاً إلى حرف فربما أجروه على بنيته، ولو أفردوه لتركوه على جهته الأولى، من ذلك قولهم: إنى لآتيه بالغدايا والعشايا، فجمعوا الغداة غدايا، لما ضُمَّت إلى العشايا. وأنشد: هنَّاك (¬2) أخبية ... ولاج أبْوِية تخلط بالجدمنه ... البُرُّ واللينا فجمع الباب أبويةً؛ إذ كان مُتَّبعاً لأخبية، ولو أفرده لم يجُز. قال الفرَّاء: وأرى قوله فى الحديث: " ارجعن (¬3) مأزورات غير مأجورات " (¬4) من هذا، ولو أفردوا لقالوا: موزورات. قال غيره: وإنما يجمع على ندامى النَّدمان الذى هو النديم، وقال القَّزاز فى جامعه: يقال فى النادم (¬5): ندمان، فعلى هذا يكون الجمع جارٍ (¬6) على الأصل، لا على جهة الاتباع. ¬

_ (¬1) جاء فى المعلم عقبها: قال الشيخ -وفقه الله-: معنى خزايا أذلاء ومهانين، ومنه قول الله تعالى: {مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} يقال: خزى الرجل يخزى خزياً إذا هلك وهان، وخزى خَزَايه إذا استحى، وخزايا جمع خزيان مثل حيارى جمْع حَيْرَان. وفى ق زيد بعدها: خزايا جمع خزية، وقيل: خيازى جمع خيزان. (¬2) فى ت: هنَّاد. (¬3) فى الإكمال: يرجعن، والمثبت من المعلم. (¬4) جزء حديث أخرجه ابن ماجه فى ك الجنائز، ب ما جاء فى اتباع النساء الجنائز 1/ 503، البيهقى فى السنن الكبرى 4/ 77 عن على -رضى الله عنه- وفى إسناده دينار بن عمر، ذكره ابن حبان فى الثقات، وقال الخليلى فى الإرشاد: كذاب، وبقية رجاله ثقات. قال البيهقى عقب سياقته للحديث: وفى حديث الروذبارى: " موزورات ". (¬5) فى المعلم: للنادم. (¬6) فى المعلم: جاريا.

وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ ". وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَرُبَّمَا قَالَ: النَّقِير. قَالَ شُعْبَةُ: وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ. وَقَالَ: " احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ ". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِى رِوَايَتِهِ: " مَنْ وَرَاءَكُمْ " وَلَيْسَ فِى رِوَايَتِهِ الْمُقَيَّرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال الهروى فى الحديث المأثور: " غير خزايا ولا نادمين ": أى غير مستحيين، مأخوذ من الخزاية وهى الاستحياء، فجاءت رواية الهروى هذه على جمع نادم، والمعنى: إنكم بادرتم بإسلامكم دون حرب تفضحكم وتخزيكم، أو توجب الاستحياء من تأخر إسلامكم، أو من عنادكم وحربكم لنا، والندم على ما فاتكم من المبادرة. وقوله: " مرحباً " نُصِب على الصدر، استعملته العرب فى البر وحسن اللقاء، ومعناه: صادف رُحباً وسعةً وبراً. وفيه جواز قول مثل هذا، وقد جاء فى غير حديث (¬1). وقوله فيه: " وأنهاكم عن الدُّبَّاء والحنتم والنَّقير والمُقَيَّر ": هذا موضع ذكره، ووقع فى المُعلم مُقدَّماً فى غير موضعه (¬2)، قال الإمام: الدُّبَّاء ممدود، قال الهروى: الدُّبا القرعَةُ، كانت يُنتبَذُ فيها وتُخَمَّر (¬3). قال أبو عبيد: الحنتم (¬4) جرار خُضرٌ كانت تحمل فيها إلى المدينة الخمر، وذكر ابن حبيب أن الحنْتَم الجَر، وكل ما كان من فخارٍ أبيض أو أخضر (¬5). قال بعض أهل العلم: ليس كما قال ابن حبيب، وإنما الحنتم ما طلى من الفخار بالحنتم المعمول من الزجاج وغيره، وهو يعجل الشدة فى الشراب، وأما الفخار الذى لم يُطْلَ فليس كذلك، وحكمه حكم الجرّ. قال أبو عبيد: النقير أصله النخلة يُنْقَر جوفها ثم يُشْدَخُ فيه الرطبُ والبُسْرُ فيدعونه (¬6) حتى يَهْدُر ثم يموتَ، وفى كتاب مسلم أن ¬

_ (¬1) قالها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة ابنته -رضى الله عنها-: مرحبا بابنتى "، وقد أخرجه البخارى فى ك المناقب، ب علامات النبوة 4/ 248 عن عائشة، كذلك مسلم فى فضائل الصحابة، أحمد فى المسند 6/ 282. وقالها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للسائب بن أبى السائب يوم الفتح: " مرحباً بأخى وشريكى، كان لا يدارى ولا يمارى "، المسند 3/ 425، وقالها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنة خالد بن سنان العبسى، وذلك فيما أخرجه ابن أبى شيبة: " مرحباً بابنة أخى " 12/ 200، وقالها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأنصار: " مرحباً بالأنصار " مجمع الزوائد 10/ 40. (¬2) ذكرها عقب كلامه عن رواية عمر فى تقديمه الصيام على الحج. (¬3) فى المعلم: وتصرى، وهى غير واضحة فى ت، وجاءت فى أ: ونُضَّرا، ولعله يقصد ما فى المعلم. (¬4) فى المعلم: والحنتم. (¬5) فى المعلم: وأخضر. (¬6) فى الأصل: يدعونه، وفى المعلم: ثم يدعونه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النقير جذع يُنْقَرُ [فيه] (¬1) فيقذفون فيه من القُطيعاء. قال ابن ولاد (¬2) [وغيرُه] (¬3): القُطيعاء [بالمد] (¬4) نوع من التمر يقال له: السهريزُ (¬5). قال غيرُه: والمقَيَّرُ: ما طُلى بالقار وهو الزفتُ. قال الإمام: أما الحنتَم فروى ابن حبيب (¬6) عن مالك أنه أرخصَ فى الحنتم. وروى القاضى أبو محمد المنع منه على التحريم، وأما المنقور فروى عن مالك الكراهية والرخصةُ فيه، وأما الدُّبَّاء والمزفتُ فكره مالك نبيذهما، قال ابن حبيب: والتحليل أحبُّ إلى (¬7). قال القاضى: حكى أبو إسحاق الحربى عن أنس بن مالك: الحناتم قلالٌ يجاء بها من مُضرَ مقيّراتُ الأجواف، وذكر نحوه عن ابن أبى ليلى (¬8)، وزاد جُمْراً، قال: وليست بالخضر الطويلة؛ إذْ أنها ضيّقَة أفواهها يُساق فيها الخمرُ، وفى رواية أخرى عنه: يؤتى بها من الشام، وعن عائشة هى جرار حُمر أعناقها فى جنوبها، يُجلبُ فيها الخمر من مُضَر. وعن أبى هريرة وابن مُغَفّلٍ، هو كل جرٍّ أخضر وأبيض، وعن ابن أبى ليلى أيضاً: أفواهها فى جنوبها، يجلب فيها الخمرُ من الطائف، وكان ناسٌ ينتبذون فيها يَضاهون به الخمر. وعن إبراهيم: هى جرٌّ مُقَيَّرَةٌ يؤتى بها من الشام. وعن ابن المسيب مُزفَّتَة يؤتى بها من الشام، فحدثت هذه الخضرُ، فشرب فيها [ناس] (¬9) وكرهه آخرون. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) هو محمد بن ولاد التميمى، أبو الحسين، نحوى، أخذ بمصر عن أبى على الدينورى، ثم رحل إلى العراق، وأخذ عن المبرد، وثعلب. توفى عام 298 هـ. معجم الأدباء 19/ 105. (¬3) غير مذكورة فى المعلم، وهو الأصوب لمجيئها مرة ثانية. (¬4) من المعلم. (¬5) فى المعلم بالشين، وكلاهما صحيح، جاء فى اللسان: السّهريزُ والشَّهريزُ ضربُ من التمر، معرب، ويقال فيه: سِهْريز وشهريز. (¬6) هو الإمام العلامة، فقيه الأندلس، أبو مروان، عبد الملك بن حبيب بن سُليمان بن هارون بن جاهمة، ابن الصحابى عباس بن مرداس السُّلمىّ، العباسى، الأندلسى، القرطبى المالكى. ولد فى حياة الإمام مالك بعد السبعين ومائة. أخذ وحمل العلم عن ابن الماجشون، والليث ومُطرّف بن عبد الله اليسارى، وعِدَّةٍ من أصحاب مالك. وكان موصوفاً بالحِذْق فى الفقه، كثير التصانيف، قال الذهبى: إلا أنه فى الرواية ليس بمتقن، بل يحمل الحديث تهوراً كيف اتفق، وينقله وجادَةً، وإجازة، ولا يتعانى أصحاب الحديث. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. ترتيب المدارك 3/ 30، إنباه الرواة 2/ 206، سير 12/ 102. (¬7) عبارة ابن حبيب كما نقلها الباجى: والتخليل أحبُّ إلى فيها، وبه أقول. المنتقى 3/ 4. (¬8) هو عبد الرحمن بن أبى ليلى، الإمام، العلامة، الحافظ، أبو عيسى، الأنصارى، الكوفى، من أبناء الأنصار، ولد فى خلافة الصديق، أو قبل ذلك، حدَّث عن عمر، وعلى، وأبى ذر، وابن مسعود، وبلال، وأبى كعب، وصهيب. حدث عنه الحكم بن عتيبة، والأعمش، وعبد الملك بن عمير. قتل سنة اثنتين وثمانين. الطبقات الكبرى 6/ 109، تاريخ البخارى 5/ 368، سير 4/ 262. (¬9) ساقطة من ت.

25 - (...) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، نَحْو حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَالَ: " أَنْهَاكُمْ عَمَّا يُنْبَذُ فِى الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ "، وَزَادَ ابْنُ مُعَاَذٍ فِى حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ قَال: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأَشَجِّ، أَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو سلمة: الحنتم الجر كله، وعن ابن عمر وسعيد بن جبير نحوه. وعن عطاء: كانت تعمل من طين يعجن بالدمِ والشعر. فلنهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها ثلاثة أوجه (¬1): إما لكونها مُزَفَّتة فَتُعينُ على شِدَّة ما يُلقى فيها ويُنبَّذ، لأجل الزفت (¬2)، أو لأن الخمرَ كان يُحمَلُ فيها (فَنهى عن ذلِكَ؛ مخافة أن تنبذ فيها قبل حسن غسلها وذهاب طعم الخمر منها، ومخافة ضراوتها بالخمر، قيل: أو لنجاستها وقذارتها لعملها بالدم والشعر، وليُمتنعَ من عملها بذلك إذا نُهى عن استعمالها. وقوله: " لأشج عبد القيس ": واسمه المنذر بن عائذ، بذال معجمة، وقيل: عائذ ابن المنذر، وقيل: المنذر بن الحارث، وقيل: عبد الله بن عوف: " إِنَّ فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة " الحلم: العقلُ، والأناة: التثبتُ وترك العجلة، ويقال: تأنى يتأنَّى تأنياً، ومنه قول الشاعر: أناةً وحِلماً وانتظارًا بهم غدا ... [فما أنا بالوانى ولا الضَّرِع الغُمْرِ] (¬3) وإنما قال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا؛ لأنه ورد فى هذا الخبر فى غير الأم أن وفد (¬4) عبد القيس لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقام الأشجّ فجمع رحالهم وعقَل ناقَتَه، ولبس ثياباً جُدداً، ثمَّ أقبل إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقربه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأجلسه لجانبه، ثم إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: " تبايعون على أنفسكم وقومكم؟ " فقال القوم: نعم، فقال الأشجُّ: يا رسول الله، إنك لم تزاول الرجل عن شىء أشدَّ عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا وترسِل معنا من يدعوهُم، فمن أتبعنا كان معنا ومن أبى قاتلناه، قال: " صدقت، إن فيك لخصلتين ... " الحديث. ¬

_ (¬1) فى ت، ق: وجوه. (¬2) قال ابن حبيب: قال أهل العلم: إنما نهى عنه لئلا يعجل تغيير ما ينبذ فيها. المنتقى 3/ 148. (¬3) سقط من ق. (¬4) قيل فى الوفد: إنه الجمع المختار للقدوم على العظماء من بُعدٍ، فإن لم يقدموا من بُعدٍ فليس بوفد. إكمال الإكمال 1/ 88.

26 - (18) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ لَقِىَ الْوَفْدَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْد الْقَيْسِ. قَالَ سَعِيدٌ: وَذَكَرَ قَتَادَةُ أَبَا نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ فِى حَدِيثِهِ هَذَا؛ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا نَبِىَّ اللهِ، إِنَّا حَىٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، وَلا نَقْدرُ عَلَيْكَ إِلا فِى أَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأمُرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ، إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: اعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، وآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِن الغَنَائِمِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الدُّبَاءِ، والحَنْتَمِ، وَالمُزَفِّتِ، وَالنَّقِيرِ ". قَالُوا: يَا نَبِىَّ اللهِ، مَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ؟ قَالَ: " بَلَى، جِذعٌ تَنْقُرُونَهُ، فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنْ الْقُطَيْعَاءِ " - قَالَ سَعِيدٌ: أَوْ قَالَ: " مِنْ التَّمْرِ - ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ - أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ - ليَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ ". قَالَ وَفِى الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ. قَالَ: وَكُنْتُ أَخْبَؤَهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " فِى أَسْقِيَةُ الأَدَمِ، الَّتِى يُلاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأولى: تربصه حتى نظَر فى مصالِحه ولم يعجل، وهى الأناة. والثانية: الحلم، وهى هذه الآخرة الدالَة على صحة عقله وجودة نظره للعواقب. وقوله: " اشربوا فى آنية الأدم التى يُلاث على أفواهها "، قال الإمام: الأدمُ جمع أديم، وهو (¬1) الجلد الذى [قد] (¬2) تم دباغة وتناهى. قال السيرافى: لم يجمع فعيل على فَعَلٍ إلا أديم وأدَمٌ وأفيق وأفَقٌ وقضَيمٌ وقضَمٌ - القضيمُ: الصحيفة، والأفيق: الجلد الذى لم يتم دباغة. قال القاضى: وقوله: " يلاث على أفواهها " أى: يربط ويلف بعضها على بعض، قال العتبى: أصل اللوث الطى، ولثتُ العمامةَ: أى لففتُها، وهذا بمعنى اللفظ الوارد فى الرواية الأخرى: " عليكم بالمُوكى " مقصورٌ، أى: بالأسقية التى توكأ، أى تُربَط أفواهها بالوكاء، وهو الخيط الذى يربط به. والقضيمُ: الصحيفة كما قال، لكنَّها البيضاء التى لم يكتب فيها بعدُ. وإنَّما حضَّهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الشراب فى آنية الأدم -وهى الأسقية- والموكى المذكور فى الأحاديث الأخر (¬3) وفى كتاب الأشربة، لأنها لرقة جلودها لا يمكن أن يتم فيها فسادُ الأشربة وتخميرها حتى تنشق ويظهر فيها، بخلاف غيرها من الأوانى، فكانت آمَنَ من هذا، وقد بينَّاه فى كتاب الأشربة. ¬

_ (¬1) فى ت: وهى. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) فى ت: الثلاث.

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ، وَلا تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الأَدَمِ. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ " قَالَ: وَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: " إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ؛ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ". 27 - حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادةَ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى غَيْرُ وَاحِدٍ لَقِىَ ذاكَ الْوَفْدَ. وَذَكَرَ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ: " وَتَذِيفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ أَوِ التَّمْرِ وَالمَاءِ ". وَلَمْ يَقُلْ: قَالَ سَعِيدٌ، أَوْ قَالَ: مِنَ التَّمْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وتُذيقون فيه القُطيعاء ": رويناه بالدال المهملة والذال المعجمة، وتُضمُّ التاء مع المهملة، وكلاهما صحيح بمعنى (¬1). وقال بعض المتعقبين: صوابه: تدُوفون إذا أهملت، أو تذيفون إذا أعجمت كله ثلاثى، وخلاف هذه الرواية هو خطأ؛ لأنه ثلاثى وغيرُه قد حكى أذافَ، فالرواية صحيحة. قال ابن دُرَيد: دُفت الدواء وغيرَه بالماء أدوفُه- بإهمال الدال، وقال غيرُه: وذُفتُه أذيفه وسُمٌ مذوف ومَذيف ومدوف ومدووف (¬2)، من ذاءفتُ (¬3) وهو السم المُذاف. وقوله: " إنَّهم اعتذروا بكثرة الجرذان فى أرضهم وأنها تأكلها فلم يعذرهم بذلك "، قال الإمام: يحتمل أن يكون إنما راجعوه؛ لأنهم اعتقدوا أنه إنما يبنى كثيراً من شرعه على المصالح، وأنَّ من المصلحة الرخصة عند الضرورات، فلم يعذرهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه اعتقد أنه ليس بأمرٍ غالبٍ يشق التحرزُ منه، وأن هذا ليس مما يباح للضرورة. وواحد الجرذان جُرَذ -بضم الجيم وفتح الراء وبالذال المعجمة، على مثال نُغَرٍ وحُدَدٍ. قال القاضى: ذكر فى هذا الحديث قول أبى جمرة: " كنت أترجم بين يدى ابن عباس " ترجم عليه البخارى: الترجمة بين يدى الحاكم (¬4). قال بعضهم: كان ¬

_ (¬1) فى ت: بمعنى صحيح. (¬2) فى الأصل: ومدوف. (¬3) فى ت: دافت. (¬4) قال الأبى: فى هذه الترجمة نظر؛ لأن ابن عباس إنما كان مفتياً، والفتيا أخف من القضاء. إكمال الإكمال 1/ 92.

28 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الْبَصْرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو قَزْعَةَ؛ أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ، وَحَسَنًا أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا نَبِىَّ اللهِ، جَعَلَنَا اللهُ فِدَاءَكَ، مَاذَا يَصْلُحُ لَنَا مِنْ الأَشْرِبَةِ؟ فَقَالَ: " لا تَشْرَبُوا فِى النَّقِيرِ " قَالُوا: يَا نَبِىَّ اللهِ، جَعَلَنَا اللهُ فدَاءَكَ، أَوَ تَدْرِى مَا النَّقِيرُ؟ قَالَ: " نَعَمْ. الْجِذْعُ يُنْقَرُ وَسَطُهُ، وَلا فِى الدُّبَّاءِ وَلا فِى الْحَنْتَمَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْمُوكَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو جمرة يتكلم بالفارسية، فكان يترجم لابن عباس عمن يتكلم بها. وفيه جواز الترجمة وقبولها والعمل بها، وجواز المترجم الواحد؛ لأنه من باب الخبر لا من باب الشهادة، وفى هذا الأصل تنازعٌ وخلاف فى مذهبنا، والأشهر الجواز. وفيه جواز قول الرجل لأخيه: مرحباً، وقد ترجم البخارى عليه بذلك (¬1). وفيه وفودُ الرعيَّةِ على إمامها وتبليغُها عنه أوامره لغيرها، كما قالوا فى الحديث: " ونُبَلّغُه مَن وراءنا " كذا روايتنا فيه بنصب مَنْ ونصب وراءنا على الظرف، وفى آخر الحديث فى الأم الخلاف فى قوله: " وأخبروا به مَن وراءَكم " أو " مِن ورائكم " مُفَسرٌ فى الأمِ، وكلاهما صحيح بمعنى، وقوله فى الحديث: " وفى القوم رجل أصابته جراحة وقيل: اسمه جهمُ بن قُثَم " ذكر ذلك ابن أبى خيثمة، وكانت الجراحة فى ساقه. وفيه علم من أعلام النبوة، لإخبار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم بحالة مَن شرِب النبيذ، ووصف لهم صفةً قد وقعت لهم على نصّ ما أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به، وظاهره أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرهم بما جرى لهم، لكنه لم يواجههم بذلك أدباً وحسن عشرة. واختصاصُه فى هذا الحديث النهى عن هذه الأربع من الأشربة دون غيرها من المحرمات؛ لأنهم سألوا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يصلح لهم منها فأجابهم بذلك، وهو مذكور فى الأم فى حديث محمد بن بكارٍ. وقوله فى حديث يحيى بن أَيوبَ (¬2): قال سعيد، وذكر قتادة أبا نضرة عن أبى سعيد [الخدرى معناه: أن قتادة حُدِّث بالخبر عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى] (¬3) ¬

_ (¬1) وفى الحديث غير هذا جواز المدح فى الوجه إذا أمن افتتانه، وقد فعله الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكثير، والأصل المنع حتى يثبت الأمن، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إياكم والمدح فإنه الذبح ". السابق 1/ 94. (¬2) لم يرد للإمام فيه شىء. (¬3) سقط من الأصل، وقيدت بهامشه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا ذكره سعيد بن منصور مفسراً عن سعيد بن أبى عروبة، قال قتادة: فذكر أبو نضرة عن أبى سعيد. وقوله فى حديث محمد بن بكار البصرى: " ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ثم قال فيه: أخبرنى أبو قزعَة أن أبا نضرة أخبره وحسناً أخبرهما أن أبا سعيد الخدرى أخبره أن وفد عبد القيس ... " [الحديث] (¬1)، قال الإمام: فى هذا الضمير من قوله: " أخبرهما " إشكالُ، على من يرجع؟ فقال بعضهم: أبو نضرة هو المخبر لأبى قَزْعة وللحسن معَه، وإنما اغتر هذا بظاهر سياقة مسلم، والصواب فى الإسناد عن ابن جريج: أخبرنى أبو قزعة أن أبا نضرة وحسناً أخبراه أن أبا سعيد أخبره، وإنما قال: أخبره، ولم يقل: أخبرهما؛ لأنه ردَّ الضمير إلى أبى نضرَة وحده، وأسقط الحسن لموضع الإرسال. والحسن ها هنا هو الحسن البصرى (¬2)، ولم يسمع من أبى سعيد، وبهذا اللفظ خرجه ابن السَّكَن فى مصنفه عن ابن جُريج أخبرنى أبو قزعة أن أبا نضرة العبدىّ وحسناً أخبراه أن أَبَا سعيد أخبره. وأظنه من إصلاح ابن السَّكن، وكذلك خرَّجه أبو مسعود الدمشقى عن مسلم بن الحجاج عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبى قزعة عن أبى نضرة [وحده] (¬3) عن الخدرى، ولم يذكر الحسن؛ لأنه لم يلق الخدرىَّ ولا سمع منه. وفى مسند البزار (¬4) الكبير عن ابن جريج أخبرنى أبو قزعة قال: ثنا أبو نضرة وحسن عن الخدرى أن وفد عبد القيس ... الحديث، قال البزار: حسن هذا هو الحسن البصرى. ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) هذا قول الغسانى، وشأن المازرى -كما قال الأبى- تقليده فيما يرجع لعلم الإسناد، والحسن هنا هو ابن مسلم بن يناق، قال: لأن الثقة سلمة بن شبيب خرجه بلفظ مسلم، وعين الحسن أنه ابن مسلم، فقال: عن ابن جريج قال: أخبرنى أبو قزعة أن أبا نضرة أخبره وحسن بن مسلم أخبرهما أن أبا سعيد أخبره قال: والمعنى: أن أبا نضرة أخبر أبا قزعة والحسن بن مسلم، وكرر قوله: " أخبرهما " تأكيداً، كما يقال: جاءنى زيد وعمرو جاءنى. السابق 1/ 97. (¬3) ساقطة من ت، وهى مذكورة أيضاً فى المعلم. (¬4) فى المعلم: ابن البزار.

(7) باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام

(7) باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام 29 - (19) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِىَّ، عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ربَّمَا قَالَ وَكِيعٌ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " إِنَّكَ تَأتِى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّى رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنيَائِهِمْ فَتُردُّ فِى فُقَرَائِهِم، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالهِمْ، وَاتَقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ ". 30 - (...) حدّثَنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمِيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصم، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى [رحمه الله] (¬1): وبعضهم المذكور أولاً هو عبد الغنى بن سعيد الحافظ المصرى، ولم يقل شيئًا، والصواب ما ذكره الإمام مما رده عليه أبو على الجيانى بنص ما تقدم. وأبو قَزْعة يقال: بفتح الزاءِ وسكونها. وقوله فى حديث معاذٍ: حدَّثنى يحيى بن عبد الله بن صيفىّ، عن أبى معبد عن ابن عباس عن معاذ [وقال: بعثنى رسول الله ... الحديث. قال بعضُهم] (¬2): وقع عند ابن ماهان عن أبى معبد الجهنى، و [ذكر] (¬3) الجهنى ها هنا وهم، وإنما هو أبو معْبَدٍ مولى ابن (¬4) عباس، واسمه نافذ -يعنى بالنون والفاء والذال المعجمة. وقوله فيه: " ستأتى قوماً أهل كتاب " إلى قوله: " فإذا عرفوا الله فأخبرهم " هذا يدل [على] (¬5) أنهم غيرُ عارفين بالله تعالى، وهو (¬6) مذهب حذاق المتكلمين فى اليهود والنصارى، أنهُم غير عارفين بالله تعالى، وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرِفته، لدلالة ¬

_ (¬1) غير مذكورة فى ت. (¬2) و (¬3) من المعلم. (¬4) فى المعلم: لابن. (¬5) من المعلم. (¬6) فى المعلم: وهذا.

ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِىٍّ، عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَن. فَقَالَ: " إِنَّكَ سَتَأَتِى قَوْمًا " بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيع. 31 - (...) حدّثنا أُمَيةُ بْنُ بِسْطَامَ العَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرِيْع، حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِىٍّ، عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: " إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ فَأَخْبرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِهِمْ وَلَيلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ السمع عندهم على هذا، وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذَّب رسوله وظَنَّه ساحراً ومُخرفاً (¬1)؛ لأنهما معلومان- لا يشترط ارتباط كل واحد منها بالآخر، ودلالة السمع الواردة بالمنع عند هؤلاء [مع] (¬2) ما ورد من الظواهر المخالفة لها مستقصاة فى أصول الديانات. قال القاضى: ما عَرَف الله تعالى من شبَّهه وجسَّمه من اليهود، وأجاز عليه البِدا (¬3)، وأضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد، أو أجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى، أو وصفه بما لا يليق به، أو أضاف إليه الشريكَ والمعاند فى خلقه ومُلكه من المجوس والثنوية، فمعبودهم الذى عبدوه ليس بالله، وإن سموه به؛ إذ ليس موصوفاً بصفات الإله الواجبة له، فإذاً ما عرفوا الله ولا عبدوه (¬4)، فتحقق هذه النكتَة واعتمد عليها، وقد رأيت معناها لمتقدمى أشياخنا، وبها قطع الكلام أبو عمران الفاسى بين عامة أهل القيروان عند (¬5) تنازعهم فى هذه المسألة. وفى قوله عليه السلام لمعاذٍ دليل بَيِّنٌ ألَّا يطالب أحدًا بفروع الشريعة إلا بعد ثبات الإيمان، وحجة لمن يقول: إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة (¬6) لقوله: " فليكن ¬

_ (¬1) فى الأصل: ومتخرقا، وفى ت: مخرفاً، والمثبت من المعلم. (¬2) من المعلم. (¬3) فى الأصل: النِدَّ، وفى ت كتبت " اليد "، وما أثبتناه هو الأليق صدوراً عن الشيخ؛ إذ المراد بالندية متحقق فى التشبيه المذكور قبل. (¬4) فى الأصل: عهدوه. (¬5) فى ت: عقد. (¬6) فى الأصل: الشرائع، وكذا فى ق أيضاً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أول ما تدعوهم (¬1) إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات ". وفى الرواية الأخرى: " فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ... "، وقد يحتج من يقول بالقول الآخر بأن هذا على تقديم الآكد فى التعليم، ألا تراه كيف رتب ذلك فى الفروع وبدا بعضها على بعض؟! (وفيه بيان لا إله إلا الله محمد رسول الله). وفيه ترتيب الفروض فى التأكيد، وتبديةُ حقوق الإيمان على حقوق الأموال (¬2). وفيه دليل على أن الإيمان لا يصح إلا بالمعرفة وانشراح الصدر، ولا يكفى فيه نطق اللسان (¬3) كما تقوله الجهميَّةُ، ولا التقليد المجردُ كما يظنه الجهلة. ولم يجئ فى حديث معاذٍ فرض الصيام والحج، ولا يصح أن يُقال: إن إرسال معاذٍ كان قبل فرضهما، فإن توجيه معاذ إلى اليمن كان من آخر أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة تسع، وفيها فرض الحجُّ، والصيامُ فُرض سنة ثنتين، ومات -عليه السلام- ومعاذ باليمن، وهذه الفروض متقدمة (¬4). وقوله: " إياك وكرائم أموالهم ": نهاه عن أن ياخذ فى الصدقة فوق السن الذى يلزمه، أو كريمة ماله، ونُخْبَتَه إن كانت فى ذلك السن، وليأخذ الوسط منه كما نُبينُه فى الزكاة. ¬

_ (¬1) فى الأصل: يدعوهم. وفى قوله: عن ابن عباس عن معاذ، وفى الآخر: أن معاذاً، احتياط من مسلم -رضى الله عنه- للحديث، حيث قال جماعة: إن الرواية بأن غير الرواية بعن، فالأولى تفيد الانقطاع، لكنه مرسل صحابى، فهو فى حكم المسند، وإن كانا عند الأكثر واحداً يفيدان الاتصال، فلهذا الاختلاف أتى مسلم بالطريقين. راجع: إكمال الإكمال 1/ 98. والكتابى كما عرفه الأبى: هو من أنزل على رسول قومه كتاب، أو التزم أحكامه من غير المسلمين فيدخل من تهود أو تنصر من المشركين، ويخرج من فعل ذلك من المسلمين؛ لأن المرتد لا يُقر. قال: وكان بعثه للدعاء لله وتعليم الشرائع كما بعث إلى كسرى، وقيصر، والنجاشى، وملك البحرين، وملك اليمامة، وإلى جبلة بن الأيهم ملك غسان، وإلى المقوقس ملك الإسكندرية. إكمال الإكمال 1/ 98. (¬2) قيل: إنها قدمت لتوقف القتال عيها. إكمال الإكمال 1/ 98. (¬3) لأن المعرفة هى العقد عن دليل، والنطق وحده ليس عقداً عن دليل، والمقلد أيضاً غير مستدل. قال الأبى: " ونسب القاضى القول بكفاية التقليد إلى الجهلة مع أنه مذهب الأشعرى وأكثر المتكلمين، واختاره من المتأخرين الآمدى والقشيرى والمقترح والشيخ عز الدين. قال: والعذر له أنه لم يحفظه إلا للمعتزلة، وهى طريق بعض المتكلمين، أعنى أنه لم يحكه إلا عن المعتزلة. قال: واحتجوا على كفايته بأن أكثر من أسلم فى زمنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكونوا عارفين بالمسائل الأصولية. ومع ذلك فقد حكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصحة إيمانهم ". السابق 1/ 103. (¬4) زيد بعدها فى ق: قال الراوى فى قوله: أطاعوا كذا فأعلمهم كذا. ولا وجه له. وفى تفسير ترك ذكر الحج والصوم ذهب ابن الصلاح إلى أنه تقصيرٌ من الرواة، ورده القرطبى بأن الحديث قد اشتهر، فلو ذكرها لنقل، وإنما تركهما لأنه إنما قصد بيان الآكد بالنسبة إليهم فى ذلك الوقت، وهى عادته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إكمال الإكمال 1/ 99.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ": أى أنها مسموعة مستجابة لا تُردُ، وقد ورد مفسَّراً من قول عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- فى الموطأ (¬1)، وروى أيضاً فى حديث رفعه أبو هريرة (¬2). ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك دعوة المظلوم، ب ما يتقى من دعوة المظلوم 2/ 1003، البخارى، ك الجهاد والسير، ب إذا أسلم قوم فى دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم 6/ 203 والحمى هنا كان بالربذة -كما ذكر ابن سعد. (¬2) لعله يقصد ما أخرجه مسلم عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء "، وانظر: البيهقى فى السنن الكبرى 6/ 93. وقد دل الحديث على جواز الدعاء على الظالم؛ لأن التحذير من قبوله -كما ذكر الأبى- إقرار له، قال: وقد أجازه مالك حتى فى الصلاة، وإنما النظر أيهما أرجح: الدعاءُ، أم الترك؟ قال: والصواب الفرق، فيترجح الدعاء على من عمَّ ظلمهُ؛ لأنه من الفساد فى الأرض، ويترجح التركُ فيمن ظلمك، لأنه أوفر للأجر. إكمال الإكمال 1/ 100.

(8) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى، وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام

(8) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى، وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام 32 - (20) حدثنا قتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَبِى بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلهَ إِلَّا اللهِ، فَمَنْ قَالَ: لَا إله إِلَّا الله فَقَدْ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ "؟!. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ، لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكاة. فَإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ الْمالِ. وَاللهِ، لَوْ مَنَعُونِى عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلى رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَوَاللهِ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رأَيْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ لِلْقِتَالِ. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث أبى بكر مع عمر -رضى الله عنهما- فى الردَّة: " والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة "، قال الإمام: فيه دليل على القول بالقياس، وكذلك فى قوله: " أرأيت لو لم يُصلوا " فكأنه إذا سلَّم له القتال على الصلاة قاسَ الزكاة عليها لما وردا فى القرآن مورداً واحداً. قال القاضى [رضى الله عنه] (¬1): قد ورد فى الحديث نفسه وخرَّجه فى الكتاب من رواية عبد الله بن عُمَرَ: " أُمرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم ¬

_ (¬1) سقط من ق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأموالهم ... " الحديث، فعلى هذا هو نص فى قتال من لم يصَلّ ولم يؤت الزكاة، وإن لم يفعل ذلك لم يَعْصم دمه وماله، كمن لم يشهد بالشهادتين، لكن يَدُلَّ من احتجاج عمر على أبى بكر بالحديث - وليس فيه غير ذكر الشهادتين دون غيرهما، أنهما لم يسمعاهُ وأن ابن عُمَر سَمعَ ذلك من موْطنٍ آخر، والله أعلم، ولو سمع ذلك عُمر لما احتج بالحديث دونها؛ إذ تلك الزيادة عليه حجةٌ، ولو سَمِعها أبو بكر لاحتجَّ بها على عُمَرَ ولم يُحوج إلى الحجة [بالقياس ولا] (¬1) بعموم قوله: " إلا بحقها ". وفيه الحجةُ للقول بالعموم لاحتجاج أبى بكر بقوله: " إلا بحقها ". وقوله لعُمَر: " فإن الزكاة حقُّ المال "، وقد أجمع المسلمون على قتل الممتنع عن أداء الصلاة والزكاة مكذباً بهما، وجمهورهم على قتل الممتنع من الصلاة أو المتهاون بها مع اعترافه بوجوبها، وأجمعوا على قتال الممتنع عن أداء الزكاة [قال عليه الصلاة والسلام]: (¬2) " بنى الإسلام على خمس "، فهى دعائم الإسلام، فمن جحد واحدة منها كفر، ومن ترك واحدة منها لغير عذر وامتنع من فعلها مع إقراره بوجوبها قُتل عندنا وعند الكافة، وأخذت الزكاة من الممتنع كرهاً وقوتل إن امتنع، إلا الحج لكونه على التراخى. واختلف العلماء فى قتل تارك (¬3) غير الشهادتين، فأكثرهم على أن ذلك حدٌ لا كفرٌ، [وهو الصحيح، وقيل: كفر] (¬4) والقول بهذا فى تارك الصلاة أكثر، وعليه تأولوا سبي أبى بكر لنساء مانعى الزكاة وأموالهم لاعتقاده كفرهم، ولقوله: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} الآية (¬5)، وللحديث المتقدم، وحَكَم فيهم حكم الناقض للعهد، فلما توفى ووَلى عمر ردَّ عليهم ذريَّتِهم وحكم فيهم حكم المرتدين. وكان أهل الردة ثلاثة أصناف: صنف كفر بعد إسلامه ولم يلتزم شيئاً وعاد لجاهليته أو (¬6) اتبع مسيلمة أو العنسىَّ وصدَّق بهما، وصنف أقرَّ بالإسلام إلا الزكاة فجحدها وأقر بالإيمان والصلاة، وتأول بعضهم أن ذلك كان خاصاً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة ...} الآية (¬7)، وصنف اعترف بوجوبها ولكن امتنع من دفعها إلى أبى بكر وقال: إنما كان قبضُها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصةً لا لغيره ممن يقوم مقامه بعده، وفرقوا صدقاتهم بأيديهم، ¬

_ (¬1) من ق. والقياس فى اللغة: التقدير والمساواة، وفى الاصطلاح: مساواة فرع الأصل فى علة حكمه. والمراد بالفرع: صورة أريد إلحاقها بالأخرى فى الحكم لوجود العلة الموجبة للحكم فيها. وبالأصل: الصورة الملحق بها. والفقهاء يسمون الأصل محل الوفاق، والفرع محل الخلاف. شرح مختصر ابن الحاجب 1/ 63. (¬2) من ق. (¬3) فى الأصل: تاركها، والمثبت من ت، وهو الأليق بالسياق. (¬4) سقط من ق، وعلى أنه كفر فلا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين. (¬5) التوبة: 5. (¬6) فى ق: ومنهم. (¬7) التوبة: 103.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فرأى أبو بكر والصحابة -رضى الله عنهم- قتال جميعهم، الصنفان الأوَّلان لكفرهم والثالث لامتناعه بزكاته، شمل جميعهم اسم الردة؛ إذ كانوا الأكثر، حتى لم يكن صُلى لله إلا فى المدينة ومكة وجُوَاثا (¬1). وفيمن كفر منهم اختلف فى سبى ذراريه لا فى مانعى الزكاة، قاله الخطابى. ثم لم ينقرض العصرُ حتى أجمعوا على أنه لا يسبى المرتد، وإنما اختلف العلماء فى سبى أولاد المرتدين. وإلى مذهب أبى بكر فيهم وتأويله ذهب أصبُغ بنُ الفرج من أصحابنا (¬2)، وبرأى عمر قال جمهور العلماء، ولا يصح أن يكون خلافاً بين الصحابة فى قتال الصنف الأول إذ هم كفار بغير خلاف، وإنما وقع النزاع أولاً فى هذين الصنفين الآخرين إذ هم [متأولون] (¬3)، ولعذرهم بجهلهم بحقيقة أركان الشريعة لقرب عهد كثير منهم بالإسلام، وقِصَر مُدتهم فيه، وأما الآن فقد وقع الإجماع أنه من جحد فريضةً من الفرائض فهو كافر (¬4). وقول عمر: " فوالله ما هو إلا أن رأيتُ الله قد شرح صدر أبى بكر للقتال فعلمت أنه الحق " يعنى بما ظهر له من حجته عليه وبينه له من ذلك، لا أنَّ عمر قَلَّده واعتقد عصمته كما يذهب إليه الروافض من عصمة الإمام ويحتج بمثل هذا. وفيه حجة بإجماع الصحابة على قتال أهل البغى (¬5) والتأويل، وتميز قتالهم خاصة من زمان على -رضى الله عنه. قال الإمام: [قوله] (¬6): " لو منعونى عقالاً ": قيل: المراد به صدقةُ عام، يقال: أُخذ منه عِقال هذا العام إذا أخذ صدقته. قال الكسائى: قال الشاعر: ¬

_ (¬1) البداية والنهاية 6/ 327، الكامل 2/ 231. (¬2) هو أصبغ بن فارس الطائى، أحد أكابر علماء قرطبة، وزعمائها ومفتيها، كان فقيهاً، جليلاً فى الدولة العامرية، بصيراً برأى مالك وأصحابه، توفى سنة 399، أو أربعمائة. ترتيب المدارك 7/ 159. (¬3) فى ت: متأولين، وهو خطأ. وقد نقل الأصوليون الاتفاق على أن الصحابة إذا اختلفوا ثم أجمعوا على أحد القولين قبل أن يستقر الخلاف كان ذلك إجماعاً. المجموع 5/ 334. (¬4) وكذلك من اعتقد حِلَّ شىء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه، كلحم الخنزير، والزنا، وأشباه هذا، مما لا خلاف فيه، وإن استحلَّ قتل المعصومين، وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل، فكذلك. المغنى 12/ 276. (¬5) البغى: هو الخروج على الإمام الحق بغير الحق، والبغاة قسمان: أهل عناد، وأهل تأويل. وسيرد إن شاء الله مزيد تفصيل لأحكامهما فى بابه. (¬6) فى المعلم: وأما قوله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سعى (¬1) عقالاً فلم يترك لنا سبَداً ... فكيف لو قد سعى (¬2) عمرو عِقالين قال أبو عُبيد: والعقال أيضاً اسم لما يُعقل به البعيرُ، قال: وقد بَعثَ -عليه السلام- محمد بن مسلمة (¬3) على الصدقة فكان يأخذ مع كل فريضتين عقالهما وقِرانَهُما، وكان [أيضاً] (¬4) عمر [رضى الله عنه] (¬5) يأخذ مع كل فريضة عقالاً [ورواء] (¬6)، [فيحتمل أن يكون هذا هو المراد بالحديث، وقاله على جهة المبالغة فى التقليل] (¬7). قال القاضى: قال الواقدى عن مالك وابن أبى ذئب: العقالُ هنا عِقال الناقة، وروى ابن وهب (¬8) [قيل] (¬9): [إنه الفريضة من الإبل، ونحوه عن النضر بن شُميل] (¬10)، وقال أبو سعيد الضرير (¬11): العقال كل شىء يؤخذ للزكاة من أنعام وثمار لأنه عن مالكه (¬12). وقال المُبَردُ: العِقَالُ ما أُخذ لمُصَدِق من الصدقةِ بعينها فإن أخذ عِوضاً عنها ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: سقى -بالقاف- والمثبت من المعلم. (¬2) فى نسخ الإكمال: سقى -بالقاف- والمثبت الصحيح من المعلم. واللسان، وهو من شعر عمرو بن العداء الكلبى لما اعتدى عمرو بن عتبة بن أبى سفيان -وهو ابن أخى معاوية- على صدقات كلب. قال ابن الأثير: نصب عقالاً على الطرف، أراد مدة عقالين والسّبَدُ الوبَرُ، قال الأصمعى: ماله سبَدُ ولا وَبَرُ، أى ما له قليل ولا كثير. وقال غير الأصمعى: السبدُ من الشعرِ، واللبدُ من الصوف. (¬3) هو محمد بن سلمة بن مسلمة الأنصارى الأوسى من نجباء الصحابة شهد بدراً والمشاهد، كان -رضى الله عنه- ممن اعتزل الفتنة، واتخذ سيفاً من خشب، وتحول إلى الرَّبْذَة، قام بها مديدة، استعمله عمر على زكاة جهينة، وقد كان عمر إذا شكى إليه عامل نفدَ محمداً إليهم ليكشف أمره. شهد فتح مصر، وكان فيمن طلع الحِصنَ مع الزبير. مات سنة ثلاث وأربعين. سير 2/ 369. (¬4) و (¬5) من المعلم. (¬6) فى الإكمال رسمت هكذا: ورواهم. والرواء الحبل. (¬7) من المعلم، ق. (¬8) هو العالم الحافظ، البارع، الرحال، عبد الله بن محمد بن وهب الدينورى، سمع أبا عُمَير بن النَّحاس الرملى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقى، وأبا سعيد الأشج، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهم بمصر والشام، والعراق، والحجاز، وصنف، وخرَّج. حدث عنه الفريابى وهو أكبر منه، والحافظ أبو على النيسابورى، والقاضى يوسف الميانجبى، والقاضى أبو بكر الأبهرى. قال الحافظ أبو على: بلغنى أن أبا زرعة الرازى كان يعجز عن مذاكرة ابن وهب الدينورى قال الذهبى بعد أن استعرض أقوال من قدح فيه من العلماء: وما عرفت له متناً يتهم به فأذكره، أما فى تركيب الإسناد فلعله. مات سنة ثمان وثلاثمائة. سير 14/ 400، 401. (¬9) من ق. (¬10) سقط من ق. والنضر بن شُميل هو العلامة الحافظ، أبو الحسن المازنىُّ، البصرى، النَّحوى، نزيل مروٍ وعالمها ولد فى حدود سنة اثنين وعشرين ومائة. حدث عن هشام بن عروة، وبهز بن حكيم، وحميد الطويل، وكهمس، وشعبة، وحماد بن سلمة، وخلق كثير. وعنه: يحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن سعيد الدارمى وأمم سواهم. قال فيه أبو حاتم: ثقة صاحب سنة، وسئل عنه ابن المبارك فقال: ذاك أحدُ الأحدين، لم يكن أحد من أصحاب الخليل بن أحمد يدانيه، كان إماماً فى العربية والحديث. مات أول سنة أربع ومائتين. الطبقات الكبرى 7/ 373، الجرح والتعديل 8/ 477، سير 9/ 328. (¬11) لم أقف عليه. (¬12) ومعنى عقل عن مالكه: أى حبس. لسان العرب.

33 - (21) وحدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيِدُ بْنُ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إله إِلَّا الله، فَمَنْ قَالَ: لَا إلهَ إِلَّا الله عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفسَهُ إِلَّا بِحَقّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل: أخذ نقداً. ومنه قول الشاعر: ولم يأخذ عقالاً ولا نقدا (¬1) وقد روى فى هذا الحديث: " لو منعونى عناقاً " وروى: " جَدْيًا " وهو تفسير عناق وقد احتج من يرى أخذ العناق فى الزكاة من الغنم إذا كانت سخالاً (¬2) كُلَّها بهذا وهو [أحد الأقوال عندنا ولا حجة فيه؛ لأنه إنما ورد على ضرب المثل للتقليل على الصحيح، واحتج بعضهم فى الزكاة فى العروض إذا كانت للتجارة بقوله: " لو منعونى عقالاً "، وفيه حجة] (¬3) [أن الردة لا تسقط الزكاة عن مال المرتد] (¬4) وفيه حجه على أن حول الأولاد حول الأمهات إذ لم يأت للعناق حول. ومعنى " عصموا ": منعوا، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬5) و {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (¬6) [و {يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}] (¬7)، وقد فسَّره بعدُ فى الحديث الآخر بقوله: " حَرُم مالُه ودمه "، واختصاصه ذلك بمن قال: لا إله إلا الله، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بهذا (¬8) مشركو العرب، وأهل الأوثان، ومن لا يُقِرُّ بالصانع ولا يُوحده، وهم كانوا أول من دُعى إلى الإسلام وقوتل عليه، فأما غيره ممن يُقر بالتوحيد والصانع فلا يُكتَفى فى عصمة دَمِه بقوله ذلك، إذ كان يقولها فى كفره، وهى من اعتقاده، فلذلك جاء فى الحديث الآخر: " وأنى رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتى الزكاة ". وفيه من الفقة اجتهاد الأئمة فى النوازل، وردها إلى الأصول والمناظرة فيها، ورجوع ¬

_ (¬1) جاء بعدها فى ق: وقيل: المراد ما نتج فى العقال إذا كان من عروض التجارة، فبلغ مع غير ما فيه الزكاة. ولا وجه له عندى. (¬2) السخلة: ولد الشاة من المعز والضأن، ذكراً كان أو أنثى، والجمع سخل وسخال وسِخُلة، وقيل: هو ولد الغنم ساعة تضعُه أمه. (¬3) سقط من ق. (¬4) سقط من الأصل، ق، واستدرك بهامش الأصل وسقوط الزكاة عن مال المرتد هو قول أبى حنيفة والثورى؛ لأن ردّته أحبطت عمله، فأسقطت ما عليه من حقوق الله تعالى. وما ذكره القاضى هو مذهب الشافعى وأحمد أيضاً؛ لأنه حق عليه، فلم يسقط بردته كحقوق الآدميين. قلت: وهذا النزاع فى المرتد الذى لم يشهر سيفاً. راجع: المغنى 12/ 297. (¬5) المائدة: 67. (¬6) هود: 43. (¬7) سقط من ق. وهى الآية 43 من سورة هود. (¬8) فى ت: بها.

34 - (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدىَّ - عَنِ الْعَلَاءِ. ح وَحَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ عَنِ الْعلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَيُؤمِنُوا بِى وَبِمَا جئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّها، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ ". 35 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبىِ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنُ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ " بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَة، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - قَالَا جَمِيعاً: حَدَثَنَا سُفْيانُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: قَالَ رسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من ظهر له الحق وتركه رأيه الأول، كما فعل عُمَرُ وغيرهُ. وترك تخطئة المتناظرين المجتهدين المختلفين فى الفروع بعضهم لبعضٍ، أو إنكار بعضهم لبعضِ ذلك، إذ كل واحد منهم مجتهد، فإن عمر لم يُخَطّئ أولاً أبا بكر، وإنما احتج عليه، ثم إن أبا بكر لم يُخَطّئ عمر ولا أنكر خلافه إذ خالفه، لكنه احتج عليه حتى بان له الحق ورجع إلى قوله. وفيه الحجة لمن ذهب أن فعل الإمام إذا لم يُعرَف له مخالف إجماع (¬1)، لشهرة فعله، وأنهم كانوا ممن لا يُقرون على باطل، ويقومون بما عندهم من حق، ولا يكتمون ما عندهم من علم، ولا يداهنون فى دين الله، فإذا ظهر فعل إمام بحضرتهم، ولم يُسمع من أحد منهم له نكير، دلَّ على موافقتهم له، وإجماعهم على صواب فعله. وأكثر الأصوليين لا يرون هذا إجماعاً (¬2). ¬

_ (¬1) الإجماع هو: اتفاق مجتهدى الأمة بعد وفاة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى عصر على أى أمر كان. الغيث الهامع: باب الإجماع والقياس: 3، وعنى بقوله: " على أى أمر كان " ما يعم الإثبات، والنفى، والأحكام الشرعية، واللغوية، والعقلية، والدنيوية. وقد جزم الأصوليون بحجية الإجماع فى الشرعيات واللغويات، ورجحوا حجيته فى العقليات والدنيويات لقبولهما احتمال تجدد النظر فى قضاياهما. (¬2) وهو ما يطلق عليه الأصوليون الإجماع السكوتى، وفيه مذاهب: الأول: أنه ليس بإجماع ولا حجة، لاحتمال توقف الساكت فى ذلك أو ذهابه إلى تصويب كل مجتهد وهذا اختيار القاضى أبى بكر، ونقله عن الشافعى، وقال: إنه آخر أقواله، وإمام الحرمين، وقال: إنه ظاهر مذهبه، ولهذا قال: لا ينسب إلى ساكت قول، وقال الغزالى فى المنخول: نص عليه فى الجديد، واختاره الإمام فخر الدين وأتباعه. الثانى: أنه إجماع وحجة، ويوافقة استدلال الشافعى بالإجماع السكوتى فى مواضع. راجع: الإجماع والقياس تحقيق وتعليق الدكتور محمود فرج: 28.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلهَ إِلَّا اللهُ، فإِذَا قَالُوا: لَا إلهَ إِلَّا اللهُ، عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّها. وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ " ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر. لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِر} (¬1). 36 - (22) حدّثنا أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ، مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِك ابْنُ الصَّبَّاحِ، عَن شُعْبَةَ، عَنْ وَاقِدِ [[بن]] مُحَمَّدِ بْنِ زَيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا ان لَا إلهَ إِلاًّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَيُقيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّها، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ ". 37 - (23) وحدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِيَانِ الْفَزَارِىَّ - عَنْ أَبِى مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ قَالَ: لَا إلهَ إِلَّا الله، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبدُ مِنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ ". 38 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِى مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مِنْ وَحَّدَ اللهَ " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه أن الواحد إذا خالف الجماعة فخلافه معتبر، ولا ينعقد به إجماع، خلافاً لمن رأى غير ذلك من الأصوليين (¬2). وفيه أن الخلاف إذا وقع ثم انعقد الإجماع قبل انقراض العصر أن الخلاف غير معتبر (¬3). وقوله: " وحسابهم على الله ": أى حساب سرائرهم إن أظَهروا ما يحقن دماءهم ويعصمهم وأبطنوا خلافه كما فعله المنافقون، فذلك إلى المطلع على السرائر، وأن حكم النبى -عليه السلام- والأئمة بعده إنما كان على الظاهر. ¬

_ (¬1) الغاشية: 21، 22. (¬2) لأنه لابد فيه من الكل -كما ذكر ابن الحاجب- وقال: وعليه الجمهور. وفى المسألة قول: إن كان المخالف اثنين قدح فى الإجماع، السابق. والأصوليون المعنيون هنا هم أبو بكر الرازى، ومحمد بن جرير الطبرى، وأبو الحسين الخياط من المعتزلة. السابق: 9. (¬3) ومثلوا له برجوع ابن عباس عن قوله بعدم تحريم ربا الفضل، وعدم نسخ نكاح المتعة واتفاقه مع الجمهور على تحريمهما، وكذا بحديث الباب حيث رجع الصحابة عن امتناع قتال مانعى الزكاة إلى قول الصديق بوجوب قتالهم. السابق: 21.

(9) باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع فى النزع، وهو الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين والدليل على أن من مات على الشرك فهو فى أصحاب الجحيم، ولا ينقذه من ذلك شىء من الوسائل

(9) باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع فى النزع، وهو الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين والدليل على أن من مات على الشرك فهو فى أصحاب الجحيم، ولا ينقذه من ذلك شىء من الوسائل 39 - (24) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَمِّ، قُلْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (¬1) فى حديث أبى طالب: " كلمةً أشهد لك بها عند الله "، لقول الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (¬2). وشهادة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بذلك لو كان لطيب قلب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعلمه بموته على الإسلام، لقوله فى شهداء أُحُدٍ: " أمَّا أنا فشهيد على هؤلاء " (¬3)، وقال فى الآخَرِ: " لا أدرى ما يُحدِثُون بعدى " (¬4)، ¬

_ (¬1) لم يرد للإمام فى المعلم كلام فى هذا الحديث. (¬2) الأحزاب: 45، ومعنى الآية كما ذكر الإمام ابن كثير: أى شاهدًا على الناس بأعمالهم، أو شاهداً لله بالوحدانية. تفسير القرآن العظيم 6/ 431. (¬3) جزء حديث على غير لفظه أخرجه البخارى، وأبو داود والترمذى والنسائى وأحمد والبيهقى فى السنن الكبرى عن جابر بن عبد الله. ولفظه عند البخارى قال: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد فى ثوب واحدٍ ثم يقولُ: " أيَّهُم أكثر أخذاً للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه فى اللحدِ، وقال. " أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة " وأمر بدفنهم فى دمائهم ولَمْ يُغَسَّلُوا ولم يُصلَّ عليهم. ك الجنائز، ب الصلاه على الشهيد 2/ 114، ب اللحد والشق فى القبر 12/ 117، أبو داود فى الجنائز، ب فى الشهيد يغسل 2/ 174، وزاد فيقدمه إلى القبلة، النسائى فى الجنائز، ب ترك الصلاة على الشهداء 4/ 62، البيهقى 4/ 10، 5/ 365. (¬4) هو كسابقه جزء حديث للشيخين وغيرهما، وهو على غير هذا اللفظ، وإنما هو " فيقال: لا تدرى ما أحدثوا بعدك ". البخارى، ك التفسير، ب سورة الأنبياء 6/ 122، ك الرقاق، ب كيف الحشر، عن ابن عباس، وكذا الترمذى فى أبواب القيامة، ب ما جاء فى شأن الحساب والقصاص 4/ 613، البخارى فى الرقاق ب فى الحوض 8/ 148، الفتن 7/ 58 عن عبد الله، وهو لمسلم، عن أبى هريرة فى ك الطهارة، ب استحباب إطالة الغرة 1/ 217 بلفظ: " وهل تدرى ما أحدثوا بعدك "، وهو له فى الفضائل، ب إثبات حوض نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفاته، عن أم سلمة زوج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4/ 1795 وعن عبد الله 4/ 1796، وعن أنس =

الله ". فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَىَ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا وَالله، لأَسْتَغْفِرِنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك "، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (¬1). وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِى أَبِى طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ} (¬2). 40 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ صَالِحٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ صَالِحٍ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ. وَلَمْ يَذكُرِ الآيَتَيْنِ. وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: وَيَعُودَانِ فِى تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَفِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ مَكَاَنَ هذِهِ الْكَلِمَةِ، فَلَمْ يَزَالَا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهى أيضاً فضيلة لمن رُزِقها كما قال فى المقيم بالمدينة: " والصابر على شدتها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة " (¬3)، ويكون هذا أيضاً لتطييب قلب عمه إن قالها؛ لما يرجوه من الخير بشهادته له وطلبه بها له من ربه جزيل ثوابه، مع ما تقدم له من نصره والذبّ عنه، كما قال فى الرواية الأخرى: " أُحاج لك بها يوم القيامة "، وإن كانت الأعمال فى الكفر غير نافعةٍ لكن رجا له -عليه السلام- بموته على الإسلام من تفضل الله بما شاء من ثوابه، وشفاعته له ومكانته منه، وقد نالته بركتهُ مع موته على الكفر وخُفّفَ عذابُه بذلك، فكيف لو أسعده الله باتباعه؟! وسيأتى إكمال الكلام على هذا الفصل فى حديث حكيم ¬

_ = 4/ 1800 بمثل رواية البخارى. كما أخرجه الترمذى والنسائى وابن ماجه ومالك فى الموطأ، وأحمد فى المسند 1/ 39، 50، 235، 253، 384، 3/ 28، 102، 281، 4/ 396، 5/ 48، 50، 388، 393، 400، 412، الترمذى فى أبواب القيامة 3، والتفسير، والنسائى فى ك الافتتاح، ب 21 عن أنس 2/ 134 وكذا الجنائز والحج. ولعل مقصد القاضى من جمعه بين الحديثين بيان وقت المراد بالآية وحديث الباب إذا كان معناهما الرأى الأول الذى ذكرنا. (¬1) التوبة: 113. (¬2) القصص: 56. (¬3) جزء حديث لأحمد، أخرجه فى المسند عن أبى هريرة 2/ 439.

41 - (25) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ عِنْدَ المَوْتِ: " قُلْ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، أشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَأَبى، فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت} الآيةَ (¬1). 42 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ابْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ الأَشْجَعِى، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّه: " قُلْ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، أشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعيِّرَنِى قُرَيْشٌ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ، عَلَى ذلِكَ، الجَزَعُ، لأَقْرَرتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث الشفاعة. وقوله: " إنما حمله على ذلك الجزع ": كذا روايتنا فى هذا الموضع فى " الأم " وغيرها من كتب الحديث والخبر عن جملة شيوخنا بالجيم والزاى، إلا فيما قرأناه على أبى الحسن سراج بن عبد الملك اللغوى الحافظ فى كتاب أبى عبيد الهروى، فإنه ذكره الخَرَعُ -بالخاء والراء- وكذا نبهنا عليه غير واحد من شيوخنا أنه الصواب، وحكى أبو سُليمان الخطابىُّ أنَّ ثعلباً كان يقول ذلك، وفسَّره بالضعف والخور، وقال شمُر بن حَيْدُويه (¬2): كل رخو ضعيفٌ خريعٌ وخرِع، قال: والخَرَع الدَهَشُ، ومنه قول أبى طالب. فذكره، وفسّرَه بالضَعْفِ والخورَ. وقوله: " حين حضرته الوفاة ": أى قرُب حاله وظهرت دلائل موته، وذلك كله قبل المعاينة، ولو كان بعد المعاينة والحضور الحقيقى لما نفعه، لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ للَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن} (¬3)، ويدلُ على أنه لم يكن يُعاين ما جرى من محاوره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكفار قريش معه ومجاوبتهم بما جاوب. وقد رأيتُ بعضَ المتكلمين على الحديث جعل الحضور على حقيقة الاحتضار وأن النبى- عليه السلام- رجا بقوله ذلك حينئذ أن تناله الرحمة ببركته -عليه السلام- ولهذا قال: " أشهد وأُحَاجُّ لك بها " ولا يصح لما قدمناه. ¬

_ (¬1) القصص: 56. (¬2) هو شمْرُ بن حيدويه الهروىّ، أبو عمرو، أحدُ الأثبات الثقات الحفَّاظ للغريب وعلم العرب. رحل إلى العراق فى شبيبته، وأخذ عن ابن الأعرابى وعن جماعة من أصحاب أبى عمرو الشيبانى، وأبى زيد الأنصارى، وأبى عُبيدَة والفراء، منهم أبو حاتم السجستانى، ألف كتاباً كبيراً ابتدأه بحرف الجيم وطوله بالشواهد والروايات الجمة، وأودعه تفسير القرآن وغريب الحديث، قال الصفدى: لم يسبق إلى مثله، ولما كمل الكتاب فى حياته ضَنَّ به، فلم يبارك الله له فيما فعله حتى مضى لسبيله، فأختزل بعض أقاربه ذلك الكتاب، قال الأزهرى: أدركت من ذلك الكتاب تفاريق أجزاء، فتصحفتُ أبوابها، فوجدتُها على غاية من الكمال. الوافى بالوفيات 16/ 180، إنباه الرواة 2/ 77. (¬3) الأنبياء: 18.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لأقررْتُ بها عينَك ": قال ثعلب: أقرَّ الله عينه، أى بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عينهُ، فلا تستشرف لشىء، ومنه قولهم لمن أدرك ثأره: وقعْتَ بِقرك، أى أدرك فؤادك (¬1) ما كان يتطلع إليه، وقال الأصمعى: معناه: أبرد الله دمعته؛ لأن دمعة الفرح باردة وسمعت الأستاذ أبا الحسين بن الأخضر النحوى يقول فى تفسير هذا: إنه من البرد، كما قال فى ضده من السخن بقوله: أسخن الله عينَه، وذلك أن الذى يرى ما يسوءه يبكى فتسخُن عينُه بالدموع، والذى يرى ما يسرُّه لا يبكى فتبقى عينه باردة، فيكون معنى " أقرَّ الله عينه ": أى أراه ما يسرُّه. وقوله: " فلم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرضها ويُعيدُ له تلك المقالة " كذا فى كافة الأصول، وعند جماعة شيوخنا وفى نسخة: " ويعيدان له تلك المقالة " وهو أشبه، يعنى أبا جهل وابن أبى أميَّة المذكورين أوَّل الحديث، المناقضين للنبى -عليه السلام- فى أمره، ويصححه قوله فى الأم فى الحديث الآخر: " ويعودان بتلك المقالة " (¬2). ¬

_ (¬1) فى جميع النسخ رسمت هكذا: فليك وما أثبتناه من اللسان. (¬2) قال الأبى: لم يقولا له: لا تفعل وعدلا إلى هذا اللفظ -أترغبُ عن مِلةِ عبد المطلب- لأنه أبعث لأبى طالب على الإيامة. إكمال الإكمال 1/ 110.

(10) باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا

(10) باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا 43 - (26) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ إِبْرَاهِيم، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ عُثْمانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِى بِشْرٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ [[رَسُولَ]] اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، مِثْلَهُ سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنه "، قال الإمام: واختلف الناس فيمن عصى الله من أهل الشهادتين، فقالت المرجئة: لا تضره المعصية مع الإيمان، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة: يخلد فى النار إذا كانت معصية كبيرةً ولا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر، ولكن يوصف بأنه فاسق، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن، وإن لم يغفر له وعُذب فلابد من إخراجه من النار وإدخاله الجنة. وهذا الحديث حجة على الخوارج والمعتزلة، وأما المرجئة فإن احتجت بظاهره على صحة ما قالت به، قلنا: محمله أنه غُفِرَ له أو أخرج من النار بالشفاعة ثم أدخل الجنة، فيكون المعنى فى قوله: " دخل الجنة ": أى دخلها بعد مجازاته بالعذاب، وهذا لابد من تأويله لما جاءت به ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة، فلابدَّ من تأويل هذا الحديث على ما قلناه لئلا تتناقض ظواهر الشرع (¬1) وفى قوله فى هذا الحديث: [وهو يعلم] (¬2) إشارة إلى الردّ على من قال من غلاة المرجئة: إن يُظهِرَ الشهادتين يدخل الجنة، وإن لم يعتقد ذلك بقلبه، وقد قيد (¬3) ذلك فى حديث آخر بقوله: " غير شاك فيها (¬4) " وهذا أيضاً يؤكد ما قلناه. قال القاضى: وقد (¬5) يحتج به أيضاً من يرى أن معرفة القلب مجردة نافعة دون النطق بالشهادتين لاقتصاره على العلم (¬6)، ومذهب " أهل السنة ": أن المعرفةَ مُرْتَبطةٌ بالشهادتين، لا تنفع إحداهما ولا تنجى من النار دون الأخرى إلا لمن لم يقدر عليها من آفة ¬

_ (¬1) فى الإكمال: ظاهر الشريعة، والمثبت من المعلم. (¬2) من المعلم. (¬3) فى الإكمال: قيل، والمثبت من المعلم. (¬4) فى المعلم: فيهما، وهذا القيد ورد فى رواية أبى هريرة السابقة لمسلم، كما أخرجها أبو عوانةَ فى مسنده 1/ 9. (¬5) زيد قبلها فى: ق، تلك العبارة بعد قوله: قال القاضى: دليل أن الإيمان وهو يعلم أن لا إله إلا الله. ولا وجه له. (¬6) وهم الجهمية. فقد قالوا بأن الإيمان هو بالله فقط، والكفر هو الجهل به فقط. مقالات الإسلاميين: 279.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بلسانه، أو لم تمهله المدةُ لقولها: " حتى اختُرِم " (¬1)، ولا حجَّة للمخالف للجماعة بهذا اللفظ؛ إذ قد ورد مفسراً فى الحديث الآخر بقوله: " من قال: لا إله إلا الله، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله "، وقد جاء هذا الحديث وأمثلةٌ له كثيرةٌ فى ألفاظها اختلاف، ولمعانيها عند أهل التحقيق ائتلاف، وللناس فيها خبط كثير وعن السلف خلاف مأثور (¬2)، فجاء هذا اللفظ فى هذا الحديث، وجاء فى رواية معاذ عنه -عليه السلام-: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "، وعنه فى رواية أخرى: " من لقى الله لا يُشْرِك به شيئاً دخل الجنة "، وعنه فى رواية أخرى: " من لقى الله لا يُشْرِك به شيئاً دخل الجنة "، وعنه فى أخرى -عليه السلام-: " ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صادقاً من قلبه إلا حرَّمَه الله على النار " ونحوه في حديث عبادة بن الصامت وعتبان (¬3) بن مالك، وزاد فى حديث عبادة: " على ما كان من عمل "، وفى حديث أبى هريرة: " لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة "، وفى حديث آخر: " فيحجب عن الجنة "، وفي حديث أبى ذر وأبى الدرداء: " ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق "، وفى حديث أنس: " حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله ". وهذه الأحاديث كلها قد سردها مسلم فى كتابه، فحكى عن جماعة من السلف منهم " ابن المسيب " وغيره أن هذا كان قبل أن تنزل الفرائض والأمر والنهى، وذهب بعضهم إلى أنها مجملة تحتاج إلى شرح، ومعناه: من قال الكلمة وأدى حقَّها وفريضتها، وهو قول " الحسن البصرى " (¬4) وذهب بعضهم إلى أن ذلك لمن قالها عند التوبة والندم ومات على ذلك. وهو قول البخارى (¬5). ¬

_ (¬1) وليس بشرط للداخل فى الإسلام النطق بلفظة " أشهد " ولا التعبير بالنفى والإثبات، فلو قال: الله واحد، ومحمد رسول الله كفى، وأما كون النطق بذلك شرطاً فى حصول الثواب المذكور فمحتمل. وذهب قوم إلى اشتراط صيغة أشهد لاعتبار الإسلام؛ لأن المحل محل تعبد فلا يعدل عما نص عليه الشرع. إكمال الإكمال 1/ 117، وبهامشه مكمل إكمال الإكمال. (¬2) نقل الأبى محاذيه تلك العبارة فى كتابه إكمال الإكمال، وأثبتها على غير وجهها، فقد جاءت هناك بألفاظ مختلفة للسلف فيها خبط كثير. إكمال الإكمال 1/ 112. (¬3) فى الأصل: عبات، والمثبت من ت، وهو الصواب. (¬4) فى إكمال الإكمال: وتأولها الحسن بحملها على من مات ولم يعص 1/ 113، وأنت ترى أن البون بين الاثنين واسع. (¬5) ذكره بعد سياقه لحديث أبى ذر فى كتاب اللباس فقال: " قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله غفر له " 7/ 193. وقد ترجم بمثل هذا لهذا الحديث في أول كتاب الجنائز قال: " باب فى الجنائز، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، وقيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاحٌ إلا لهُ أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك " 2/ 89.

44 - (27) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِى النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ ابْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الأَشْجْعِىُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَسِيرٍ. قَالَ: فَنَفِدَتْ أَزْوادُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه التأويلات كلها إذا حملت الأحاديث على ظاهرها، وأما إذا نُزِلت تنزيلها لم يُشكل تأويلها على ما بيَّنه المحققون. فنُقرّر أولاً أن مذهب " أهل السنة " بأجمعهم من " السلف الصالح " و " أهل الحديث " و" الفقهاء " و " المتكلمين " على مذهبهم من " الأشعريين ": أن أهل الذنوب فى مشيئة الله تعالى، وأن كل من مات على الإيمان وشهد مخلصاً من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة، فإن كان تائباً أو سليماً من المعاصى والتبعات دخل الجنة برحمة ربه، وحُرّم على النار بالجملة، فإن حملنا اللفظين الواردين على هذا فيمن هذه صفته كان بيناً، وهو التفات الحسن والبخارى فى تأويلهما، وإن كان هذا من المخلطين بتضييع ما أوجب الله عليه، أو فعل ما حرم عليه، فهو فى المشيئة لا يقطع فى أمره بتحريمه على النار ولا باستحقاقه لأول حاله الجنة، بل يقطع أنه لابد له من دخول الجنة آخرًا، ولكن حاله له قبلُ في خطر المشيئة وبرزخ (¬1) الرجاء والخوف، إن شاء ربُه عذَّبه بذنبه أو غفر له بفضله، وإلى هذا التفت من قُدّم قوله من السلف، لكن قد يصح استقلال ألفاظ هذه الأحاديث بأنفسها على هذا التنزيل، فيكون المراد باستحقاق الجنة ما قدَّمناه من إجماع أهل السنة من أنه لابد له من دخول كل مُوَحّد لها إما مُعَجَّلاً مُعافى، أو مؤخراً بعد عقابه، والمراد بتحريم النار تحريم الخلود، خلافاً للخوارج والمعتزلة فى الوجهين (¬2) وينزلُ حديث: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله " خصوصاً لمن كان هذا آخر نطقه وخاتمة لفظه وإن كان قبل مخلّطاً، فيكون سبباً لرحمة الله له ونجاته رأساً من النار [وتحريمه عليها] (¬3)، بخلاف من لمن يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين، وكذلك ما ورد في حديث عبادة من مثل هذا ودخوله من أى أبواب الجنة شاء، خصوصاً لمن قال ما ذكره -عليه السلام- وقرن بالشهادتين من حقيقة الإيمان والتوحيد الذى ورد فى حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح بسيئاته ومعاصيه، ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة إن شاء الله تعالى، كما أشار إليه فى الحديث، والله أعلم بمراد نبيّه. وذكر (¬4) مسلم حديث طلحة بن مُصرّف عن أبى هريرة: كنا مع النبى- عليه السلام- وهذا الحديث مما استدركه الدارقطنى على مسلم فقال: خالفه أبو أسامة فأرسلوه ¬

_ (¬1) فى الأصل: وبرزج والصحيح المثبت من ت. (¬2) حيث يكفر الخوارج بالمعصية، ولقول المعتزلة بمنع العفو. راجع: إكمال 1/ 113. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬4) فى ت: ذكر بدون الواو.

الْقَوْمِ. قَالَ: حَتَّى هَمَّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائلِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِىَ مِنْ أَزْوَادِ القَوْمِ، فَدَعَوْتَ اللهَ عَلَيْهَا. قَال: فَفَعَلَ. قَالَ فَجاء ذُو الْبُرِّ بُبرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ. قَالَ - وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَذُو النَّوَاةِ بِنَواهُ - قُلْتُ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى؟ قَالَ: كَانُوا يَمصُّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهَا. حَتَّى مَلأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ عِنْدَ ذلِكَ: " أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللهِ، لَا يَلقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ، غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ". 45 - (...) حدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، جَمِيعاً عَنْ أَبِى مُعَاوِيةَ، قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - شَكَّ الأَعْمَشُ - قَالَ: لَمَّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ، أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا. فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من هذا الطريق عن أبى صالح، واختُلف فيه عن الأعمش فقيل: عن أبى صالح عن جابر وكان الأعمش يشك فيه، ورواه أيضاً الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة وأبى سعيد، وفى هذا الحديث قال: وقال مجاهد: وذو (¬1) النواة بنواه. قال عبد الغنى بن سعيد: طلحة بن مُصَرف هو الذى قال ذلك عن مجاهد (¬2)، وكذا جاء فى الأمهات: ذو النواة بنواه، ووجهه وذو النواة بنواه، كما قال قبله: فجاء ذو التمر بتمره وذو البُر ببُره، وفى هذا الحديث: حتى ملأ القوم أزودَتَهم، كذا الرواية فيه فى جميع أصول شيوخنا، والأزودة غير الأوعية كما قال فى الحديث الآخر: أوعيتهم، ولعله مزاودهم، أو سمى الأوعية بما فيها كما سُميت الأسقية روايا بحامليها، وإنما الروايا الإبل التى تحملها. وسمى النساء ظعائن باسم الهوادج التى حملت فيها. قوله فيه: " لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا "، قال الإمام: النواضح من الإبل العاملة ¬

_ (¬1) فى ت: ذو بدون الواو. عبارة الدارقطنى كما جاءت فى التتبع: قال: تابعه مسروق -ابن المرزبان- عن أبيه عن مالك، وخالفهما أبو أسامة وغيره. رووه عن مالك عن طلحة عن أبى صالح مرسلاً، وأخرجه أيضاً من حديث الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة أو أبى سعيد، واختلف فيه عن الأعمش وقيل عن أبى صالح عن جابر أيضاً، وكان الأعمش يشك فيه. أ. هـ 173. (¬2) قال ابن الصلاح: الإرسال وإن قدح فى السند لم يقدح فى الصحة؛ لأن ما وصله الثقة وأرسله غيره الحكم فيه الوصل عند المحققين، لأنها زيادة ثقة، ولذا قال الدمشقى فى جواب هذا الاستدراك: الأشجعى ثقة مجود، وأما شك الأعمش فغير قادح فى متن الحديث، فإنه شك فى عين الصحابى الراوى له، وذلك غير قادح، لأن الصحابة كلهم عدول. إكمال الإكمال 1/ 114، مكمل إكمال الإكمال.

" افْعَلُوا ". قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ،. ثُمَّ ادْعُ اللهَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ فِى ذلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَعَمْ " قَالَ: فَدَعَا بِنِطَعٍ فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِىءُ بكَفِّ ذُرَةٍ. قَالَ: وَيَجِىءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ. قَالَ: وَيَجِىءُ الآخَرُ بِكِسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النَّطَعِ مِنْ ذلِكَ شَىء يَسِيرٌ. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: خُذُوا فِى أَوْعِيَتِكُمْ " قَالَ: فَأَخَذُوا فِى أَوْعِيَتِهِمْ، حَتَّى مَا تَرَكُوا فِى الْعَسْكَرِ وِعَاءً إلا ملأُوهُ. قَالَ: فأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضِلَتْ فَضْلَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ، غَيْرَ شَاك، فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ ". 46 - (28) حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَيْرُ بْنُ هَانِئ، قَالَ: حَدَّثَنِى جُنَادَةُ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فى السقى، قال أبو عبيد: الناضح البعير الذى يستقى (¬1) الماء، والأنثى ناضحة. قال غيره: ومنه الحديث: " وما سقى من الزرع نضحاً ففيه نصف العشر " (¬2). وقوله: " حمائلهم "، قال القاضى: يعنى: يحمل أثقالهم، واحدتها حمولة، قال الله تعالى: {حَمُولَةً وَفَرْشًا} (¬3) وهو [بمعنى] (¬4) النواضح فى الرواية الأخرى. وهذا الحديث من أعلام النبوة الظاهرة وهو بابٌ عُلِم على القطع والتواتر مترادف الأحاديث بمعناه من تكثير الطعام القليل، وقد جمعنا مشهور أحاديث هذا الباب ومن رواه من الصحابة وحمله عنهم من التابعين فى باب معجزات نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القسم الأول من كتابنا المسمى بـ " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " -عليه السلام- لأن هذا الحديث ومثله، إذا رواه الصاحب الواحد وذكره عن المواطن المشهورة والغزوات (¬5) المحضورة والجموع الحفلة، وحدث به عنهم بما شاهدوه، وجرى بحضرته وهم غير منكرين ولا مكذبين، مع أنهم الملأ، لا يقرون على منكر، ولا يداهنون فى غير الحق، وكان إقرارهم على خبره، وسكوتُهم على ما حدث به عن ملئهم كالنطق، ولحق خبرهُ وإن كان واحداً خبر التواتر الصدق. ¬

_ (¬1) فى الإكمال: يسقى، والمثبت من المعلم. (¬2) لفظ الحديث للجماعة: " وما سقى بالنضح نصف العشر "، راجع كتب وأبواب الزكاة لهم، وكذا الدارمى، مالك فى الموطأ، أحمد فى المسند 1/ 145، 3/ 341، 353، 5/ 233. (¬3) الأنعام: 142. قال النووى: واختار بعضهم أنه بالجيم جمع جمالة، والجمالة جمع جمل. (¬4) من ق. (¬5) فى ق: الغزوات، بدون واو.

وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسى عَبْدُ اللهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاء ". (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيَمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنْ عُميْرِ بْن هَانئٍ، فِى هذَا الإِسْنَادِ بِمِثلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ " وَلَمْ يَذْكُرْ: " مِنْ أَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ ". 47 - (29) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْن حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنِ الصُّنَابِحِىِّ، عَنْ عُبَادَة بْنِ الصَّامِتِ؛ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِى الْمَوْتِ، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ: مَهْلاً، لِمَ تَبْكِى؟ فَوَاللهِ، لَئِنَ اسْتُشْهِدْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ [وفى هذا الحديث من الفقه ترك افتيات أهل العسكر بنحر ما يحملون عليه وإخراجه عن أيديهم إلا بإذن الإمام] (¬1)؛ لأن ذلك يضعفهم عن غزوهم وسفرهم، وكذلك الحكم فى أسلحتهم وجميع ما يحتاجون إليه فى غزوهم. وقوله: " وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ": سمى عيسى كلمته لأنه كان بكلمة الله، قيل: هى قوله: " كن " فكان، وقيل: هى الرسالة التى جاء بها الملك لأمه مُبَشّراً به عن أمر الله كما ذكر فى كتابه، وقال ابن عباس: الكلمة اسم لعيسى معنى ألقاها إلى مريم: أى أعلمها به، يقال: ألقيتُ إليك كلمة أى أعلمتُك بها، وسمى عيسى روح الله وروح منه، فقيل: لأنه حدث من نفخة جبريل فى درع مريم، فنسبه الله إليه لأنه كان عن أمره، وسُمى النفخ (¬2) روحاً لأنه ريح يخرج من الروح، قاله مكى. وفى هذه العبارة مسامحة، وقيل: روح منه حياة منه، والروح الرحمة كما قال فيه: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا} (¬3) وقيل: روح منه برهان لمن اتبعه، وقيل: لأنه لم يكن من أب كما قال فى آدم: {ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} (¬4)، وإنما كان جَعْلُ الروح فيه بلا واسطةٍ. قاله: الحربى. وقوله: فى حديث عبادة: " دخلت عليه فى الموت فبكيت فقال: مهلاً ": ليس فيه ¬

_ (¬1) سقط من ق. وقيدها الأبى فى الإكمال هكذا: وفيه أن الجيش لا يفوت ما يحتاج إليه من ظهر أو سلاح إلا بإذن الإمام ... إلخ، وهو تحريف لعبارة القاضى، والافتئات: المسارعة. انظر: إكمال الإكمال 1/ 117. وأن الحديث فى خطاب الكبراء يترجح بمثل تلك العبارة لو أذنت، لو فعلت لا بصيغة افعل. وبذلك لا يكون قول عمر هنا اعتراضاً. (¬2) جاءت فى إكمال الإكمال: الريح. وفى ذكر كونه عبده ورسوله تعريض بالنصارى فيما ادعت النبوة والتثليث، وباليهود فيما قذفت به مريم -عليها السلام- وأنكرت من رسالته. (¬3) مريم: 21. (¬4) ص: 72.

لأَشْهَدَنَّ لَكَ، وَلَئِنْ شُفَعْتُ لأَشْفَعَنَ لَكَ، وَلئِنْ اسْتَطعْتُ لأَنْفَعَنَّكَ. ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ، مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمعْتُهُ منْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا حَدَّثْتكُمُوهُ، إِلا حَدِيثاً وَاحِداً، وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْم، وَقَدْ أحِيطَ بِنَفْسِى، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَرمَ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ ". 48 - (30) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِد الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ ابْنُ مَالِكٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ؛ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ إِلَّا مُؤْخِرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نهى عن البكاء؛ لأن النهى إنما وقع بعد الوجوب والموت، وفى بكاء بصفة مخصوصة تأتى مُفسرةً إن شاء الله فى الجنائز. وقوله: " ما من حديث لكم فيه خير إلا حدثتكموه ": دليل على أنه كتم ما خشى عليهم المضى فيه والفتنة مما لا يحتمله كل أحدٍ، وذلك فيما ليس بحجة عملٍ، ولا فيه حدٌّ من حدود الشريعة، ومثل هذا عن الصحابة كثير من ترك الحديث مما ليس بحجة عمل ولا تدعو إليه ضرورة، أو لا تحمله عقول الكافة، أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه، لا سيما مما تعلق بأخبار المنافقين، والإمارة وتعيين أقوام وصفوا بأوصاف غير مستحسنة وذم آخرين ولعنهم (¬1). وقوله: فى حديث معاذ: " كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": رويناه بإسكان الدال وكسر الراء وبفتح الراء وكسر الدال عند الطبرى، وفى الحديث الآخر رديف- بزيادة ياء. والردف والرديف هو الراكب خلف الراكب، يقال منه: ردِفتُه أردفه، وبكسر الدال فى ¬

_ (¬1) من ذلك ما أخرجه أحمد فى المسند عن أبى هريرة رضى الله عنه: قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تعوَّذوا بالله من رأس السبعين، ومن إمارة الصبيان "، وقال: " لا تذهب الدنيا حتى تصير مع لكع بن لكع ". أحمد فى المسند 2/ 326، وقال الحافظ: الحديث صحيح. قلت: وقد كاد أبو هريرة بذلك ملغزاً؛ إذ رأس السبعين كانت فيها إمرة يزيد بن معاوية. وما أخرجه الشيخان وغيرهما واللفظ لمسلم عن عائشة قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجَدْر -حجر الكعبة- أمن البيت هُوَ؟ قال: " نعم ". قلت: فَلِم لم يُدْخلوه فى البيت؟ قال: " إِنَّ قومَكِ قصَرَتْ بِهِمُ النفقةُ ". قلت: فما شأن بابه مُرْتفعاً؟ قال: " فَعَلَ ذَلِكَ قومُكِ ليُدْخِلُوا من شاؤوا ويمنعُوا من شاؤوا، ولولا أنَّ قَومَكِ حديثٌ عهدُهم فى الجاهلية فأخافُ أن تُنكِرَ قلوبُهم لنَظَرْتُ أَن أُدخِلَ الْجَدْرَ فى البيتِ، وأن ألزق بابه بالأرض ". البخارى، ك الأحكام، ب ما يجوز من الَّلو 9/ 106، مسلم، ك الحج، ب جَدْر الكعبة وبابها 2/ 973، أحمد فى المسند 6/ 180، النسائى، ك الحج، ب بناء الكعبة، البيهقى فى السنن الكبرى 5/ 89. وفى مثل هذا يرد قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس -رضى الله عنهما-: " ما أنت محدث حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة ". كنز 10/ 192.

الرَّحْلِ، فَقَالَ: " يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُول اللهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذ بْنَ جَبَلٍ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُول اللهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْديْكَ قَالَ: " هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ ". قَال: قُلْت: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ". ثُمَّ سَارَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسُول اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: " هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذلِكَ ". قَالَ: قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " ألا يُعَذبَهُمْ ". 49 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلامُ بْنُ سُلَيْم، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ؛ قَالَ: كُنْتُ رِدْف رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حمَارٍ يُقالُ لَهُ: عُفَيْرٌ قَالَ: فَقَالَ: " يَا مُعَاذُ، تَدْرِى مَا حَقُّ الله عَلَى الْعِبَادِ ومَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله؟ ". قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوَا اللهَ وَلَا يُشْركُوا بِهِ شَيْئًا، وحَقُّ الْعِبَادِ عَلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يُعَذّب منْ لَا يُشْركُ بِهِ شَيْئًا ". قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أُبَشرُ النَّاسَ؟ قَالَ: " لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الماضى وفتحها فى المستقبل، إذا ركبت خلفه، وتقول: أردفته أنا، رباعى، وأصله من ركوبه على الردف العجز، ولا وجه لرواية الطبرى (¬1) إلا أن يكون فَعَل هاهنا اسم فاعل مثل عَجِل وزَمِن وفَرِقٍ، إن صحت روايته. وقوله فيه: " مؤخِرة الرحل ": قيل: معروف كلام العرب آخرة الرحل، وكذا وقع فى حديث أبى ذر وقد جاء مؤخرة الرحل. وفى شعر أبى ذؤيب ردف بمؤخرة الرحل. وهو العود الذى خلف الراكب، وحكى أبو عبيد فيه الوجهين وكله بكسر الخاء وضم الميم، وأنكر ابن قتيبة فتح الخاء، وقال ثابت: مؤخرة الرحل ومقدمه بفتحهما. قال: ويجوز قادمته وآخرته. وأنكر ابن مكى الكسر وقال: لا يقال: مقدم ولا مؤخر إلا فى العين. وقوله [فى حديث معاذ] (¬2): " هل تدرون (¬3) ما حق العباد على الله "، قال الإمام: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أراد حقاً شرعياً لا واجباً بالعقل، كما تقول ¬

_ (¬1) هو أبو على الطبرى الشافعى، الحسن أو الحسين بن القاسم، أحد رواة الصحيح، سكن بغداد وبها توفى سنة خمسين وثلاثمائة. تاريخ بغداد 8/ 87، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 280، وفيات الأعيان 1/ 358، سير 16/ 62، مكمل إكمال الإكمال 1/ 120. (¬2) من المعلم. (¬3) فى المعلم: تدرى.

50 - (...) حدّثنا مُحمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ وَالأَشْعَثِ بْن سُلَيْمٍ؛ أَنَّهُما سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلَالٍ يُحَدثُ عَنْ مُعَاذ بْنِ جبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِى مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَاد؟ ". قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَىْءٌ ". قَالَ: " أَتَدْرِى مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلُوا ذلِكَ؟ ". فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " أَلا يُعَذبَهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المعتزلة، وكأنه لما وعد به تعالى [ووعده الصدق] (¬1) صار حقاً من هذه الجهة، والوجه الثانى: أن يكون خرج مخرج المقابلة [منه] (¬2) للفظ الأول [لأنه قال فى أوله: " ما حق الله على العباد "، ولاشك أن لله على عباده حقاً، فأَتْبعَ اللفظ الثانى الأول] (¬3) كما قال تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه} (¬4)، قال تعالى: {[فَيَسْخَرونَ مِنْهُمْ سَخِرَ] (¬5) اللَّهُ مِنْهُم} وأما قوله [فى الحديث] (¬6): " وأخبر (¬7) به معاذ عند موته تأثماً "، قال الهروى فى تفسير غير هذا الحديث: تأثَّمَ الرجلُ إذا فعل فعلاً يخرج به من الإثم، وكذلك تحنث ألقى الحنث عن نفسه وتحرج ألقى الحرج عن نفسه (¬8). قال الإمام: والأظهر عندى أنه لم يرد فى هذا الحديث هذا المعنى لأن فى سياقه ما يدل على خلافه (¬9). قال القاضى: لعله لم ير هذا التفسير بيّناً لما ورد أول الحديث: " ألا أُبَشّر الناسَ؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا " فأى إثم في كتم ما أمر به النبى -عليه السلام- بكتمه؟ لكنى أقولُ لعل معاذاً لم يفهم من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النهى لكن كسر عزمه عما عرض عليه من بشراهم به بدليل حديث أبى هريرة حين قال: " من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة "، ثم لما قال عمر للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخشى أن يتكل الناس [عليها فخلهم يعملوا] (¬10)، قال: " فخلهم "، أو يكون معاذ بلغه بعد أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك لأبى هريرة، وحذر أن يكتم علماً علمه ويأثم بذلك فأخبر به (¬11)، أو يكون حمل النهى على إذاعته ¬

_ (¬1) فى الإكمال جاءت هكذا: يصير وعد الصدق، والمثبت من المعلم. (¬2) غير مذكورة فى المعلم، فهو على ذلك من مجاز المقابلة. (¬3) سقط من الإكمال، والمثبت من المعلم. (¬4) آل عمران: 54. (¬5) و (¬6) سقط من ت، والمثبت من الأصل والمعلم، والآية 79 من سورة التوبة. (¬7) فى الإكمال: فأخبر، والمثبت من المعلم. (¬8) فالتفعل إزالة الشىء بالنفس. (¬9) نقله السنوسى على غير هذا الوجه، فقال بعد كلمة الحديث: " لأنه إنما سكت امتثالاً للنهى بقوله: فلا تبشرهم، فأين الإثم حتى يزيله ". أهـ. وذلك بعد أن نسب الأبى للمازرى ما لم يرد له فى المعلم. إكمال الإكمال 1/ 125، وبهامشه مكمل الإكمال. (¬10) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬11) وبذلك يرجع القول إلى الهروى.

51 - (...) حدّثنا القَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هلالٍ؛ قَالَ: سمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: دَعَانى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَبْتُهُ. فَقَالَ: " هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللهِ عَلَى النَّاسِ " نَحْوَ حَدِيثهمْ. 52 - (31) حدّثنى زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرمَةُ ابْنُ عَمَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: كُنَّا قُعُوداً حَوْلَ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للعموم، كما كان قال له أوَّلاً: " كل من لقيتَ .. " ورأى هو أن يخُص به كما خصَّه هو به -عليه السلام- أو يكون أمره بذلك لأبى هريرة على الخصوص للذين (¬1) كانوا معه قبل قيامه بدليل قوله: " من لقيت وراء هذا الحائط، وقد أخبره أبو هريرة أنه جاء والناس وراءه، وسياق الحديث يدل أنهم الذين كانوا معه، ويكون قوله: " من شهد أن لا إله إلا الله " حذراً أن يكون فيمن يلقى غير من يقولها من كافر أو لا يعتقدها (¬2) من منافق؛ ولهذا ترجم البخارى -رحمة الله عليه (¬3) -: من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألا يفهموا. واحتج بعض الشارحين بالحديث على هذا الفصل، وأما على قوله: " فبشر من لقيت " ليس فيه تخصيص. وقوله فى الحديث من رواية القاسم بن زكرياء: حدثنا حسين، ثنا زائدة. كذا هو فى أكثر النسخ والأصول ووقع فى بعضها: " حُصين "، وكذا وجدته مصلحاً فى كتابى بخطى: " حصين "- بالصاد المهملة- ولست أدرى من أين كتبته، وهو خطأ والصواب " حسين " بالسين، وكذا وجدته مصلحاً مغيراً من حصين فى كتاب شيخنا القاضى أبى عبد الله التميمى، وهو حسين بن على مولى الجعفيين. قال البخاري: سمع القاسم بن الوليد وزائدة وأخاه الوليد، وقال أحمد (¬4) بن أبى رجاء: توفى سنة ثلاث ومائتين (¬5)، وتكررت (¬6) روايته عن زائدة فى غير موضع من الأم، ولا يعرف حصين بالصاد عن زائدة. وقوله: " فاحتفزتُ كما يحتفز الثعلب ": رواه عامة شيوخنا فى الثلاث كلمات عن العُذّرى وغيره بالراء، وسمعناه على (¬7) الأسدى عن أبى الليث الشاشى عن عبد الغافر ¬

_ (¬1) فى الأصل: للذى، والمثبت من ت. (¬2) فى الأصل: يعتقدوها، والمثبت من ت. (¬3) فى ك العلم، ب 49 قال بعدها: وقال علىٌّ: حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحسبون أن يكذب الله ورسوله. والمراد بقوله: (دون) أى سوى، لا بمعنى الأدون، فتح البارى 1/ 272. (¬4) فى ت: محمد، وهو خطأ. (¬5) التاريخ الكبير 2/ 1/ 381. (¬6) فى جميع الأصول التى تيسرت لنا هكذا: وقد تكون، والمثبت من إكمال الإكمال، ومكمل إكمال الإكمال، وهو الأليق بالسياق، مما يرجح أنها تيسرت لهما من نسخ الإكمال ما لم يتيسر لنا 10/ 122. (¬7) فى ت: وسمعناه عن.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فِى نَفَر. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظهُرِنَا. فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقتطَعَ دُونَنا وَفَزِعْنَا، فَقُمنا. فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتيْتُ حَائِطًا لِلأَنْصَارِ لِبَنِى النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا، فَلمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِى جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجةٍ - وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ - فَاحتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَبُو هُرَيْرَةَ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " مَا شَأنُكَ؟ ". قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَقُمْتَ فَأَبْطَأتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا، فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هذَا الْحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، وَهؤْلاءِ النَّاسُ وَرَائِى. فَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ " - وَأَعْطَانِى نَعْلَيْهِ - قَالَ: " اذْهَبْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفارسى عن الجلودى بالزاى، وهو الصواب، ومعناه: تضاممتُ وتداخلتُ، ليسمع من مدخل الجدول الذى ذكر، ومنه حديث على: " إذا صلت المرأة فلتحتفز " (¬1)، أى لتضام وتنزوى إذا سجدت، ويدل عليه تشبيهه إياه بفعل الثعلب وهو انضمامه للدخول من المضايق (¬2). وقوله: " كنت بين أظهرنا "، وفى رواية الفارسى: " ظهْرَينا ": قال الأصمعى: العربُ تقول: نحن بين ظهريكم على لفظ الاثنين (¬3) [وظهرانيكم، قال الخليل: أى بينكم والعرب تضع الاثنين] (¬4) موضع الجمع. وقوله: " ففزعنا وقمنا وكنتُ أوَّل من فزع " (¬5): الفزع يكون بمعنى الروع، وبمعنى الهبوب للشىء والاهتمام، وبمعنى الإغاثة، فتصح هذه المعانى الثلاثة، أى ذُعِرْنا لاحتباس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنا، ألا تراه كيف قال: " وخشينا أن يُقتطع دوننا " أى يحوزه العدو عنا، ويكون بمعنى الوجهين الآخرين بدليل قوله: ففزعنا وقمنا، وكنتُ أول من فزع، فخرجت أبتغى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله فيه: " فجهشت بالبكاء " هو فزع الإنسان إلى آخر وهو متغير الوجه متهيئ للبكاء ولما يبك بعد، يقال فيه: جهشتُ وأجهشت جهشاً وإجهاشاً، قال ¬

_ (¬1) النهاية 1/ 407، وتمامه فيه: " إذا جلست، وإذا سجدت، ولا تُخوّى كما يُخوّى الرجلُ ". (¬2) قال الأبى: والأظهر فى دخوله محل الغير دون استئذان أن دهش لغيبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، قال: ويبعد أن يكون لعلمه طيب نفس رب الحائط؛ لأنه يبقى حق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الدخول عليه، وإنما جعل الإذن من أجل البصر، ويحتمل أنه دالة. إكمال الإكمال 1/ 123. (¬3) فى ت: للاثنين. (¬4) سقط من الأصل واستدرك بهامشه. (¬5) ذهب القرطبى إلى منع إرادة الخوف هنا لكون أبى هريرة قال: فخشينا، ثم رتب عليه بفاء السبب فقال: ففزعنا، قال: والأظهر أنه بمعنى الهبوب. قال الأبى: كونه بمعنى الخوف لا يمنع من عطفه، ويكون من عطفه الشىء على نفسه إرادة الاستمرار نحو قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر: 9] أى كذبوا تكذيباً بعد تكذيب. إكمال الإكمال 1/ 123.

بِنَعْلَى هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، مُسْتَيْقِناً بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ "، فَكانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتَ عُمَرُ. فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَنِى بِهِمَا، مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللهُ مُسْتَيْقِناً بِهَا قَلْبُهُ، بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَىَّ، فَخَرَرْتُ لاِسْتى. فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَاهُرَيْرَةَ. فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِى عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِى. فَقَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ ". قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرتُهُ بالَّذِى بَعَثْتَنِى بِهِ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَىَّ ضَرْبَةً، خَرَرْتُ لاسْتِى. قَالَ: ارْجِعْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا عُمَرُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ، مَنْ لَقِىَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، مُسْتَيْقِناً بِهَا قَلْبُهُ، بَشرهُ بِالجَنَّةِ؟ قَالَ. " نَعَمْ ". قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّى أَخْشى أَنْ يَتكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهمْ يَعمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الطبرى: هو الفزع والاستغاثة، وقال ابن زيد: جهشت للبكاء وللحزن (¬1) والشوق جهوشاً. وقوله: " ركبنى عمر فإذا هو على أثرِى ": أى اتبعنى فى الحين دون تمهل ولا تثبت، ومنه حديث حذيفة: " إنما تهلكون إذا صرتم تمشون الركبات كأنكم يعاقيب حجل " (¬2). قال القتبى: أراد أنكم تمضون على وجوهكم دون تثبت ولا روية ولا استئذان من هو أسنُ منكم يركب (¬3) بعضكم بعضاً فعل اليعاقيب. وقوله: " فضربنى عمر بيده بين ثديى (¬4) فخررت لاستى ": أى سقطت على [عجزى] (¬5) " وقال: ارجع ". الأولى أن عمر لم يقصد بضربه فى صدره إلا رده، والدفع فى صدره، ليرجع كما قال له، لا ليؤذيه ويوقعه، وكان سقوطه من غير تعمد لذلك، بل لشدة الدفع، وليس فعل عمر ومراجعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك اعتراضاً عليه ورد الأوامر؛ إذ ليس فيما وجّه به معاذ (¬6) غير تطييب قلوب أمته وبشراهم، فرأى عمر أن كتم هذا عنهم أصلح لهم، وأذكى لأعمالهم، وأوفر لأجورهم ألا يتكلوا، وأنه أعود بالخير عليهم من مُعَجَّلةِ هذه البشرى، فلما عرض ذلك على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوَّبه له، وقد يكون رأى عمر للعموم وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم للخصوص، وخشى عمر إن حصل فى الخصوص أن يفشو ويتسع. وفى هذا الحديث من الفقه والذى قبله: إدخال المشورة على الإمام من أهل العلم والدين ¬

_ (¬1) فى ت: والحزن. (¬2) لم أعثر عليه، واليعقوبُ: هو ذكرُ الحجل. (¬3) فى ت: فركب. (¬4) فى الأصل: ثدى. (¬5) من ق، وباقى النسخ: وجهى. وهو غير مناسب. والاست: من أسماء الدبر، والأحسن فيما يقبح سماعه الكناية عنه، بذلك جاء الشرع، ومنه قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، إلا أن يكون فى التصريح مصلحة راجحة كقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}. [النور: 2]. إكمال الإكمال 1/ 124. (¬6) فى ت: أبا هريرة، وأظنه الصواب.

" فَخَلِّهمْ ". 53 - (32) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: " يَا مُعَاذُ " قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: " يَا مُعَاذُ " قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: " يَا مُعَاذُ ". قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وسَعْدَيْكَ - قال: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا حَرَمَّهُ اللهُ عَلَى النَّارِ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن وزرائه وخاصته، وعرض النصائح له وإن لم يستشرهم، وفيه توقيف [أمثال] (¬1) هؤلاء لما لم ينْفَذْ بعد من أوامره حتى يعرضوا عليه ما ظهر لهم ورأوه فى ذلك من رأى، ورجوع الإمام إلى ما رآه من الصواب فى ذلك، وأن النبى -عليه السلام- فى أمور الدنيا كان يأخذ باجتهاده ويرجع عن رأيه فيها أحياناً إلى رأى غيره (¬2) كما فعل فى تلقيح النخل (¬3)، وفى النزول ببدر (¬4) وفيما هم به من مصالحة [الأحزاب] (¬5)، ولا خلاف فى ذلك. واختلف العلماء هل كان يجتهد برأيه فى الشرعيات فيما لم تنزل عليه فيه شىء أم لا؟ وهل هو معصوم فى اجتهاده أو هو كسائر المجتهدين؟ والصواب جواز الاجتهاد له ووقوعه منه، وعصمته فيه على كل حال، وقد قال تعالى: {إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (¬6)، ودَلَّت الآثار الصحيحة على اجتهاده فى نوازل، وحكمه فيها برأيه كقصة أسرى بدر (¬7)، وأما كونه أبداً مصيباً فى اجتهاده فى ذلك -على القول بأن كل مجتهد مصيب- الذى هو الحق والصواب، أو على المذهب الآخر (¬8)، فإن اجتهاده أصلٌ من أصول الحق، وركن من أركان الشريعة الذى يجتهد المجتهدون فى الاستنباط منها والقياس عليها، ويكون خطؤهم وصوابهم بقدر توفيقهم إلى فهمها ومعرفتهم بمراده -عليه السلام- فيها، فكيف يتصور الخطأ عليه فى ذلك ومخالفة الصواب، وإنما ألحق والصواب ما فعله، وإنما الشرع ما أجتهد فيه، وقد تقصَّينا هذا الباب فى القسم الرابع من كتاب الشفا (¬9). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى ت: عمر. (¬3) يعنى بذلك ما أخرجه مسلم فى كتاب الفضائل 4/ 1835 عن موسى بن طلحة عن أبيه بشأن النهى عن التلقيح ثم الرجوع فى رأيه. (¬4) يشير إلى ما رواه ابن إسحاق 1/ 620 فى شأن مشورة الحباب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر. (¬5) ساقطة من ق. والذى همَّ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مصالحته للأحزاب ثم عاد عن رأيه بعد أن شاور السعديْن، أخرجه أيضاً ابن إسحاق فى السيرة 2/ 223. (¬6) النساء: 106. (¬7) وذلك فى مشاورته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فيهم واختياره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى أبى بكر -رضى الله عنه. (¬8) وهو أن المصيب واحدٌ. (¬9) قلت: بل هو فى القسم الثالث بالباب الأول 2/ 745.

أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: " إِذاً يَتَّكِلُوا فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ، تَأَثُّماً. 54 - (33) حدّثنا شَيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ الْمُغِيرَةِ - قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيتُ عِتْبَانَ، فَقُلْتُ: حَدِيث بَلَغَنى عَنْكَ. قَالَ: أَصَابَنى فِى بَصَرِى بَعْضُ الشَّىْءِ، فَبَعَثْتُ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّى أُحِب أَنْ تأتِيَنى فَتُصَلِّى فِى مَنزِلِى، فأَتَّخِذَهُ مُصَلَّى. قَالَ: فَأَتَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ شَاءَ اللهُ منْ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلَ وَهُوَ يُصَلِّى فِى مَنْزِلِى، وأَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذلِكَ وَكُبْرَهُ إلَى مَالِكِ بْنِ دخْشُمٍ. قَالوا: وَدُّوا أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، وَوَدُّو أَنَّهُ أَصَابَهُ شَرٌّ، فَقَضى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاة وَقَالَ: " أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّى رَسُولُ الله؟ ". قَالُوا: إِنَّهُ يَقُولُ ذلِكَ، وَمَا هُوَ فِى قَلْبِهِ. قَالَ: " لا يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهَ وَأَنِّى رَسُولُ الله فَيَدْخُلَ النَّارَ، أَوْ تَطْعَمَهُ ". قَالَ أَنسٌ: فَأَعْجَبَنِى هذَا الْحَدِيثُ، فَقُلْتُ لابنى: أكْتُبْهُ. فَكَتَبَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه من الفقه: قول الرجل للآخر: بأبى أنت وأمى، وقد كرهه بعض السلف وقال: لا يُفدَّى بمسلم، والأحاديث الصحيحة تدل على جوازه، كان المفدى بهما مسلمين أو غير ذلك، كانا حيين أو ميتين. وفيه جواز قول الرجل للرجل فى الجواب عند دعائه له لبيك وسعديك، ومعنى لبَّيك: إجابة لك بعد إجابة، وقيل: لزوماً لطاعته وطوعاً بعد لزوم، وسعديك: أى إسعاداً لك بعد إسعادٍ. وقيل: لبيك مداومة على طاعتك، وسعديك: أى مساعدة أوليائِك عليها. وقال سيبويه: معناه: قرباً منك ومتابعة لك، من ألب فلان على كذا إذا داوم عليه ولم يفارقه، وأسعد فلان فلاناً على أمره وساعده، قال: وإذا استعمل فى حق الله تعالى فمعناه: لا أنأى عنك فى شىء تأمرنى به وأنا متابع أمرك وإرادتك. وقوله فى حديث ابن الدُخْشُم: " أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله؟ " فقالوا: [إنه] (¬1) يقول ذلك وما هو فى قلبه فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله فيدخل النار " [الحديث] (¬2)، قال الإمام: إن احتجت به الغلاة من المرجئة فى أن الشهادتين تنفع وإن لم تُعتَقدُ بالقلب، قيل لهم: معناه: أنه لم [يصح] (¬3) عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما حكوا عنه من أن ذلك ليس فى قلبه، والحجة فى قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لم يقل ذلك ولم يشهد به عليه. ¬

_ (¬1): (¬3) من المعلم.

55 - (...) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبدِىُّ، حَدَّثَنَا بهزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ عَمِىَ. فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَعَالَ فَخُطَّ لى مَسْجِداً فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَ قَوْمُهُ. وَنُعِتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقد ورد فى الحديث من رواية البخارى: " ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغى بها وجه الله " (¬1)، فهذه الزيادة تُخرِسُ غلاة المرجئة، وأن الحجة فى هذا الحديث، وفعل عتبان [بن مالك] (¬2) وطلبه للنبى -عليه السلام- للصلاة فى بيته لعذره الذى ذكر فى الحديث، وليحصل له الفضل فى أمر الصلاة، حيث رسم له [عليه السلام] (¬3) [وصلى فى بيته بعض ما فاته من الصلاة فى جماعة قومه وأن كان أمامهم] (¬4) لعذر (¬5) بصره، وأن ذلك ربما منعه من النهوض إلى مسجد قومه إذا كان السيل والظلام، كما قال فى الحديث نفسه من غير هذه الرواية (¬6). وفيه: إباحة مثل هذا العذر التخلف عن الجماعة، وإباحة التحدث مع المصلين فى غير المساجد [ما لم يكن المحدثان عن يمين المصلى وعن شماله] (¬7) لقوله: " فهو يصلى وأصحابه يتحدثون "، وقد وقع فى هذا الحديث من طرق كثيرة " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّ بأهل الدار " (¬8) فلعل حديثه وصلاته هذه كان فى حين آخر غير الصلاة التى أمهم فيها، أو يكون أمَّ بجماعة ¬

_ (¬1) البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب المساجد فى البيوت، وصلى البراءُ بن عازب فى مسجده فى دارِه جماعة، ولفظه فيه: فقال قائل منهم: أين مالك بن الدُخَيشن أو ابن الدُّخْشنِ؟، فقال بعضهم: ذلك منافق، لا يحبُ الله ورسوله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقل ذلك، ألا تَراه قد قال: لا إله إلا الله، يريدُ بذلك وجه الله؟ " قال: الله ورسولهُ أعلمُ. قال: فإنَّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنَّ الله حرَّم على النار من قال: لا إله إلا اللهُ يبتغى بذلك وجه الله " 1/ 116. وبقريب من اللفظ الذى ساقه القاضى أخرجه البخارى من حديث محمود بن الربيع قال: سمعت عتبان بن مالك الأنصارىَّ ثم أحد بنى سالم قال: غدا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لن يُوافَى عبْدٌ يومَ القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغى بها وجه الله إلا حَرَّم الله عليه النار " ك الأدب، ب العمل الذى يبتغى به وجه الله 8/ 111، كذلك أخرجه فى ك الديات، ب ما جاء فى المتأولين بتقديم وتأخير 9/ 23. ومالك بن الدُّخشم بن مالك بن الدُّخْشَم بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف. قال ابن عبد البر بعد أن ساق قول ابن إسحاق وموسى والواقدى أنه شهد العقبة: لم يختلفوا أنه شهد بدراً وما بعدها من المشاهد، وهو الذى أسر يوم بدر سهيل بن عمرو: الاستيعاب 3/ 1350. (¬2) من ق. (¬3) سقط من ت. (¬4) سقط من أصل ت، واستدرك بالهامش مكرراً اللفظين الآخرين. (¬5) فى ت: بعذر. (¬6) وهى ما جاءت بها رواية البخارى الأولى السابقة ولفظها: " أن عُتْبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن شهد بدراً من الأنصارِ أنه أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بصرى، وأنا أصلى لقومى، فإذا كانت الأمطار سال الوادى الذى بينى وبينهم، لم أستطع أن آتى مسجدَهم فأصلى بهم ... " الحديث، وكذا ابن ماجه 1/ 249، الطيالسى 174. (¬7) جاءت فى إكمال الإكمال: ما لم يكن أحد المتحدثين عن يمينه والآخر عن شماله 1/ 126. (¬8) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه البخارى وأحمد واللفظ للبخارى: " فقام وصففنا خلفه، ثم سَلَّم وسلَّمنا حين سلَّم "، ك الصلاة، ب من لم يرد السلام على الإمام 1/ 213، أحمد فى المسند 4/ 44.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ممن كان على طهارة، وجلس قوم يتحدثون. ففى تلك الزيادة أن الإمام أحق بالإمامة من صاحب الدار ومن كل من حضر، وقد ترجم عليه البخارى بإمامة الزائر (¬1)، وقد جاء فى الحديث النهى عن ذلك وعن أن يؤم الرجل فى سلطانه، وأن صاحب الدار، أحق بالإمامة (¬2)، لكنه حق له، فإن تركه وقدم غيره جاز ذلك، بل يستحب له أَنْ يُقَدِّم أفضل من حضر، فإن لم يفعل وكان ممن تجوز إمامته كان أولى، إلا أن يحضر الإمام أو أبو رب المنزل، أو عمه، وهما ممن يصلح إمامتهما، فهؤلاء أولى منهم، والنبى - عليه السلام - هنا هو الإمام، وهو المدعو ليصلى ويتقدم، فلا حجة فيه لترجمة البخارى إلا على تخصيص عموم الحديث. وفيه جواز الصلاة جماعة فى المنزل وفى النوافل، وجواز التنبيه على أهل الريب فى الدين والمتهمين فيه، على طريق النصيحة للمسلمين وإمامهم، وذلك لما رأوا من تخلف هذا عنهم فى موطنٍ مشهود كثير البركة، ولا ظهر عنه من الاغتباط به والفرح بوصول النبى - عليه السلام - إلى دارهم والاستكثار منه، والمبادرة إلى لقيّه، والسلام عليه بما (¬3) يجب، مع ما رأوا منه قبل هذا من الصغْو إلى المنافقين، كما ذكر فى هذا الحديث من غير هذا الطريق (¬4)، فقوى سوء ظنهم به، واشتد غيظهم عليه، ولكنه لما كان عند النبى - عليه السلام - من أهل الشهادتين، وممن لم يظهر منه نفاقٌ لم يسقط صحة الظاهر لريبة الباطن، بل (¬5) قد قال - عليه السلام - فى رواية البخارى: " ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغى بها وجه الله ". وقوله: " فيدخل النار ": على ما قدمناه من الحكم على الظاهر وحسن الظن بكمال إيمانه وصحة إسلامه، فلا يدخلها بالوفاء بحق الشهادتين، إذ كان ذلك فى أول الإسلام وتخفيفه (¬6) وقبل نزول الشدائد (¬7) والأوامر والنواهى، أو دخول خلود، وكذلك تأويل اللفظ الآخر: " فتطعمه النار " أو يكون تطعم جميعه، لما جاء أن أهل التوحيد لا تأكل النار جملة أجسادهم وأنها تتحاشى عن مواضع سجودهم وقلوبهم ودارات وجوههم ومواضع من ¬

_ (¬1) فى الكتاب السابق، ب إذا زار الإمام قوماً فأمهم 1/ 175. (¬2) من ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخرجه الترمذى والنسائى وأحمد من حديث أبى مسعود البدرى الأنصارى: " لا يُؤم الرجلُ فى أهله ولا فى سلطانه، ولا يُجلس على تكرمته إلا بإذنه " الترمذى، ك الأدب، ب 24، والنسائى، ك الإمامة، ب اجتماع القوم وفيهم الوالى 2/ 77، أحمد فى المسند 4/ 118، قال الترمذى: " هذا حديث حسن صحيح " 5/ 99. وراجع ما أخرجه أبو داود، ك الصلاة، ب إمامة الزائر 1/ 140، ومعالم السنن 1/ 308، أبو عوانة 2/ 36، الطبرانى فى الكبير 17/ 225. (¬3) فى الأصل: ما يجب. (¬4) من ذلك ما أخرجه أحمد من حديث عتبان: " وتخلف رجل منهم يقال له مالك بن الدخشن، وكان يزين بالنفاق " وفى الحديث الآخر له: " أما نحن فنرى وجهه وحديثه إلى المنافق " 4/ 44. (¬5) فى الأصل رسمت: بلى. (¬6) فى الأصل: فخفيفه. (¬7) فى الأصل: التشديد.

مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُم، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أجسادهم، كما نص فى الحديث (¬1). وقوله: " فتغيَّب رجل منهم يقال له: مالك بن الدخشم ": هكذا رواية العُذرى والجماعة، ورويناه من طريق السمرقندى: " فنعت " وهو وهمٌ، والأول الصواب بدليل افتقاده فى الأحاديث الأخر. وقولهم فى بعض الروايات: ابن مالك بن الدخشم، ورويناه فى الأم بالميم مكبراً وجاء مصغراً فى رواية السمرقندى فى حديث أبى بكر بن نافع، ورويناه بالنون أيضاً مكان الميم مكبراً ومصغراً فى غير الأم (¬2). وقوله: " وأسندوا [عُظْمَ] (¬3) ذلك وكُبْرَهُ ": أى جل حديثهم، بمعنى عظم المتقدم، قال الخليل: كبرُ كل شىء معظمه ويقال: بالكسر أيضاً، قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُم} (¬4) وقيل: الكبر الإثم فى الآية (¬5). ¬

_ (¬1) من ذلك ما أخرجه البخارى وابن ماجه وأحمد فى المسند - واللفظ للبخارى - وهو جزء حديث له ولأحمد: " فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود "، ك الأذان، ب فضل السجود 1/ 204، أحمد فى المسند 2/ 293، لفظ ابن ماجه: " تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود "، ك الزهد، ب صفة النار 2/ 1446. (¬2) وهى ما جاءت من رواية البخارى وأحمد فى المسند كما سبق قريباً. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم، والمثبت من ت. (¬4) النور: 11. (¬5) وقيل: ابتدأ به، وقيل. الذى كان يجمعه ويذيعه ويشيعه، قاله الحافظ ابن كثير وقال: والأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبى بن سلول قبحه الله ولعنه. تفسير القرآن العظيم 6/ 25. وجاء فى اللسان: يقال: كبر كبراً إذا أفرط.

(11) باب الدليل على أن من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فهو مؤمن، وإن ارتكب المعاصى الكبائر

(11) باب الدليل على أن من رضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً فهو مؤمن، وإن ارتكب المعاصى الكبائر 56 - (34) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ، وَبِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - الدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِر بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ذَاقَ طَعْمَ الإيمَانِ، مَنْ رَضِىَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " ذاق طعم الإيمان " الحديث: معناه: صح إيمانه، واطمأنت به نفسه، وخامر باطنه؛ لأن رضاه بالله رباً، وبمحمد نبياً وبالإسلام ديناً دليل ثبوت معرفته ونفاذ بصيرته بما رضى به من ذلك ومخالطة بشاشته قلبه، وهذا كالحديث الآخر: " وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " الحديث (¬1)، وذلك أن الإنسان إذا رضى أمراً واستحسنه سهل عليه أمره، ولم يشق عليه شىء منه، فكذلك المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان، سهلت عليه طاعات ربه ولذت له، ولم يشق عليه معاناتها. ¬

_ (¬1) فى جميع الأصول عدا ق: سواه، والمثبت من ق، وهو الذى جاءت به الروايات الصحيحة، والحديث سيرد قريباً إن شاء الله برقم (67/ 43).

(12) باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء، وكونه من الإيمان

(12) باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء، وكونه من الإيمان 57 - (35) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العقَدِىُّ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ". 58 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَة؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُون - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً - فَأَفْضَلُها قَوْلُ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْناَهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ". 59 - (36) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَعَمْرو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " الإيمان بضع وسبعون شعبة ": البضع والبضعة [واحد] (¬1) بكسر الباء، ويقال بفتحها أيضاً فيهما، [فأما من اللحم] (¬2) فالبضعة بالفتح لا غير، وهو القطعة من الشىء والفرقة منه، واستعملت العرب البضع فيما بين الثلاث الى العشر وقيل: من ثلاث إلى التسع. وقال الخليل: البضع سبع، وقيل: هو ما بين اثنين إلى عشرة وما بين اثنتى عشرة إلى عشرين، ولا يقال: فى أحد عشر ولا اثنى عشر، وقال أبو عبيدة: هو ما بين نصف العقد، يريد من واحد إلى أربعة، والشعبة أيضاً القطعة من الشىء والفرقة منه، ومنه شعب الإيمان وشُعب (¬3) القبائل، وشعبها الأربع، وواحد شعوب [القبائل] (¬4) شعب الفتح، وقيل: بالكسر، وهم القبائل العظام، وشعب (¬5) الإناء أيضاً صَدعه بالفتح، ومنه قوله فى الحديث: " واتخذ مكان الشعب سلسلة " (¬6)، قال الخليل: الشَعبُ الاجتماع والشعب الافتراق، وقال الهروى: هو من الأضداد (¬7)، وقال ابن دريد: ليس كذلك لكنها لغة لقوم، فمراده والله أعلم: أنه سبع وسبعون ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى الأصل: وأما اللحم. (¬3) فى الأصل: وشعوب. (¬4) من ق. (¬5) فى ت: وشعبة. (¬6) جزء حديث، أخرجه البخارى، ك الخمس، ب ما جاء فى بيوت أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4/ 99 عن أنس ولفظه: " أن قدَح النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انكسر، فاتخذ مكان الشعب سِلسلة من فضةٍ ". (¬7) وكذلك ابن السكيت، قال: إنه يكون بمعنيين، يكون إصلاحاً، ويكون تفريقاً.

حَدَّثَنَا سُفيَانُ بْنُ عُيينة، عَنِ الزُّهْرِىّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ سَمِعَ النَبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَعِظُ أَخَاهُ فِى الْحَيَاءِ، فَقَالَ: " الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ ". (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: مَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ خصلة، وقد تقدم أن أصل الإيمان فى اللغة: التصديق وفى عرف الشرع: تصديق القلب واللسان، وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع هنا: " أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق "، وقدمنا أن تمام الإيمان بالأعمال وكماله بالطاعات، وإن التزام الطاعات وضم هذه الشُعَب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنها خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعى ولا اللغوى، وقد نبه - عليه السلام - على أفضلها بالتوحيد المُتَعَيّن على كل مسلم، والذى لا يصح شىء من هذه الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم وإن لم يقع الأذى بعد، وبقى بين هذين الطرفين من أعداد أبواب الإيمان ما لو تُكُلف حصرها بطريق الاجتهاد وتعينها بغلبة الظن إلى حصر عدته (¬1) [لأمكن] (¬2)، وقد أشار إلى نحو هذا بعد من تقدم، وعليه بنى الفقيه إسحاق بن إبراهيم القرطبى كتابه المسمى بالنصائح، ولكن القطع أن تعيين ما نَقَّحه الاجتهاد وترتيبه على تلك الأبواب هو مراد النبى - عليه السلام - يصعب، ولن يعدم من يرتب ترتيباً آخر، ويداخل بعض الأبواب فى بعض، ويفصل بعض الأقسام من بعض، والله - عز وجل - أعلم، ولكنه قد جاء فى الأحاديث النص على [بعض] (¬3) تلك الشعب كما سيأتى، ووقع فى الأم فى حديث زهير الشك فى سبعين أو ستين، وكذلك وقع، فى البخارى من رواية أبى زيد المروزى أول الكتاب: " ستون " (¬4). والصواب ما وقع فى سائر الأحاديث ولسائر الرواة: [سبعون] (¬5)، ولا يلزم معرفة تعيينها، ولا يقدح جهل ذلك فى الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأنها هذا العدد من الحديث وأجب على الجملة وتفصيل تلك الأصول وتعينها على هذا العدد يحتاج إلى توقيف. وقوله: " والحياء شعبة من الإيمان "، قال الإمام: إنما كان الحياء وهو فى الأكثر غريزةٌ من الإيمان الذى هو اكتسابٌ " لأن الحياء يمنع من المعصية كما يمنع الإيمان منها، والحياء هاهنا ممدود من الاستحياء. ¬

_ (¬1) بعدها فى الأصول: عليه السلام. أغلب الظن عندى أنها عبارة مقحمة. (¬2) و (¬3) سقطتا من ق. (¬4) البخارى فى الصحيح، ك الإيمان، ب أمور الإيمان 1/ 9، وكذلك أخرجه النسائى فى المجتبى، ك الإيمان وشرائعه، ب ذكر شعب الإيمان 8/ 96. (¬5) جاءت العبارة فيما نقله الإمام النووى بالمطبوعة: " وستون " وهو وَهْم. نووى على مسلم 1/ 208 ط. الشعب.

60 - (37) حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمثنى، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الْحَيَاءُ لَا يَأْتِى إِلا بِخَيْرٍ "، فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِى الحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا وَمِنْهُ سَكِينَةً. فَقَالَ عِمْرَانُ: أُحَدثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُنِى عَنْ صُحُفِكَ. 61 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ - وَهُوَ ابْنُ سُوَيْدٍ - أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ؛ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِى رَهْطٍ مِنَّا، وَفِينَا بشَيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: الحياء أحد الشعب المحصورة، فهذا من [الأعداد المحصورة بالنص] (¬1)، وقد يعد الحياء من الإيمان بمعنى التخلق والتزام ما يوافق الشرع ويحمد منه، فرب حياء مانع من الخير مُجبن عن قول الحق، وفعله مذموم، ورب حياء عن المآثم والرذائل مأمور به يجازى عليه، كما جاء فى الحديث الآخر: " لكل دين خلق، وخُلق الإسلام الحياء " (¬2). وكان الحياء من خلق نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد يكون الحياءُ فى بعض الناس غريزة وطبعاً جُبل عليه، ولكن استعماله على قانون الشريعة وحيث يجب يحتاج إلى اكتساب ونيَّةٍ وعلم. وقد يكتسبه من لم يجبل عليه ويتخلق به؛ ولهذا كله قال: " الحياء لا يأتى إلا بخير ". وقول عمران بن حصين لبشير بن كعب لما حدَّثه بهذا الحديث فقال بُشير: إنا لنجد فى بعض الكتب: إن منه سكينةً ووقاراً ومنه ضَعْفٌ: أُحدِّثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتُعارض فيه وتحدثنى عن صحيفتك. وغضبه عليه كما جاء فى الحديث حتى شهد له الحاضرون أنه لا بأس به، حماية أن يذكر مع السُنة ما ليس منها أو تعارض بغيرها مما يخالفها، لقوله: " ومنه ضعف "؛ ولئلا يتطرق من [فى] (¬3) قلبه ريب إلى مثل هذا. وأبو نُجَيد - المذكور هنا - هى كنية عمران بن الحصين بضم النون وفتح الجيم [مصغراً] (¬4) وآخره دال مهملة. ومعنى تعارضه: أى يأتى بمقال يضاهيه، ويعترض عليه بما يخالفه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: العدد المحصور. (¬2) مالك فى الموطأ، ك حسن الخلق، ب ما جاء فى الحياء 2/ 905. قال ابن عبد البر: رواه جمهور الرواة عن مالك مرسلاً. (¬3) و (¬4) سقطتا من الأصل.

ابْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئذٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ ". قَالَ: أَوْ قَالَ: " الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ "، فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِى بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَاراً لله، وَمِنْهُ ضَعْفٌ. قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلا أَرَانِى أُحَدثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ؟ قَالَ: فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ. قَالَ: فَأَعَادَ بُشَيْرٌ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ. قَالَ: فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ، إِنَّهُ لَا بَأس بِهِ. حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ حُجَيْرَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَدَوِيَّ يَقُولُ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يعظ أخاه فى الحياء ": أى يؤنبه ويُقَبح له كثرته، وأنه من العجز وينهاه عنه، ولذلك قال: " دعه، فإن الحياء من الإيمان "، ولم يقل مسلم: " دعه "، وقاله البخارى (¬1)، أى إنما فعله خيرٌ كله، كما قال فى الحديث الآخر، فلم يأت ما يُزجَر عليه ويلام فيه. ¬

_ (¬1) فى الصحيح، ك الأدب، ب الحياء 8/ 35.

(13) باب جامع أوصاف الإسلام

(13) باب جامع أوصاف الإسلام 62 - (38) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِىِّ؛ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِى فِى الإِسْلَامِ قَولاً، لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ - وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ: غَيْرَكَ - قَالَ: " قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - للذى سأله: " قل آمنتُ بالله ثم استقم " (¬1): هذا من جوامع كلمه - عليه السلام - وهو مطابق لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (¬2) أى: وحدوا الله وآمنوا به، ثم استقاموا فلم يحيدوا عن توحيدهم ولا أشركوا به غيره والتزموا طاعته إلى أن توفوا على ذلك. وعلى ما قلناه أكثر المفسرين من الصحابة فمن بعدهم وهو معنى الحديث، إن شاء الله تعالى. قال عمر بن الخطاب: استقاموا والله على طاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعالب (¬3). ¬

_ (¬1) هذه رواية أحمد 4/ 384. (¬2) الأحقاف: 13. (¬3) أخرجه الطبرى فى تفسيره من حديث الزهرى بلفظ: " استقاموا والله لله بطاعة " 24/ 73، وانظر: تفسير القرآن العظيم 7/ 165.

(14) باب بيان تفاضل الإسلام، وأى أموره أفضل

(14) باب بيان تفاضل الإسلام، وأى أموره أفضل 63 - (39) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا الليْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: " تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأَ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ". 64 - (40) وحدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ سَرْحٍ الْمِصْرِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: " مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ". 65 - (41) حدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعاً عَنْ أَبِى عَاصِمٍ، قَالَ عَبْدٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِراً يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للسائل: أى الإسلام خير؟ قال: " تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ": معناه: أى خصال الإسلام خير، وهذا حضٌّ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تأليف قلوب المؤمنين، وأن أفضل خلقهم الإسلامية ألفة بعضهم بعضاً، وتحببُهم وتوادّهم، واستجلاب ما يؤكد ذلك بينهم بالقول والفعل، وقد حضَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التحابب والتودد وعلى أسبابهما من التهادى، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، ونهى عن أضدادها من التقاطع، والتدابر، والتجسس، والتحسس، والنميمة، وذى الوجهين. والألفة أحد فرائض الدين وأركان الشريعة ونظام شمل الإسلام. وفى بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف إخلاص العمل فيه لله تعالى لا مصانعة ولا مَلقاً، لمن تعرف دون من لا تعرف، وجاء فى الحديث: " إن السلام آخر الزمان يكون معرفة ". وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع وإفشاء شعار هذه الأمة، من لفظ السلام ومن قوله: " أفشوا السلام بينكم ". وقوله: " تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ": أى تُسلم. قال أبو حاتم: تقول: اقرأ عليه السلام وأقرئه الكتاب ولا تقول: أقرأه السلام إلا فى لغة سوء، إلا أن يكون مكتوباً فتقول: أقرأه السلام، أى جعله يقرأه. وقوله: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ": أى الكامل الإسلام والجامع

66 - (42) وحدّثنى سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأمَوِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى، عَن أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَىُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ". وَحَدَّثَنِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بِهذَا الإِسْنَادَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لخصاله من لم يؤذ مسلماً بقولٍ ولا فعلٍ. إذ أكثر الأفعالِ بالأيدى، فأضيفت عامتها إليها. وهذا من جامع كلامه، وفصيحه، ومحاسنه، ولا يفهم من هذا أن من ليس بهذه الصفة ليس بمسلم. وهو كما يقالُ: المالُ الإبل، والناسُ العرب، على التفضيل لا على الحصر، وجوابه بعد هذا بأن هذا أفضل الإسلام، وقد تقدم فى الحديث الآخر جواب آخر دلَّ أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاب كل واحد من السائلين بما رآه أنفع له، وأخص به، وقد يكون ظهر من أحدهما كبر وإمساك وانقباض عن الناس، فأجابه بما فى الحديث الأول من إطعام الطعام وإفشاء السلام، وظهر من الآخر قلة مراعاة ليده ولسانه فأجابه بالجواب الآخر، أو يكون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخوف عليهما ذلك، أو كانت الحاجةُ فى وقت سؤال كل واحد ممهما للعامة أمس بما جاوب به.

(15) باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان

(15) باب بيان خصال من اتصف بهنّ وجد حلاوة الإيمان 67 - (43) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِى عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَارٍ، جَمِيعاً عَنِ الثَّقَفِىِّ. قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ؛ مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ ". 68 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَد طَعْمَ الإِيمَانَ؛ مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلا للهِ، ومَن كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ أَنْ يُلْقَى فِى النَّار أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ فِى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْه ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان " الحديث، هو بمعنى الحديث المتقدم: " ذاق طعم الإيمان "، وذلك أنه لا تتضح محبة الله ورسوله حقيقة، والحبُ للغير فى الله وكراهة الرجوع إلى الكفر، إلا لمن قوى [بالإيمان يقينه] (¬1)، واطمأنت به نفسه، وانشرح له صدره، وخالط دمه ولحمه، وهذا هو الذى وجد حلاوته. والحب فى الله من ثمرات الحب لله. ومعنى حب العبد لله: استقامتهِ فى طاعته، والتزامه أوامره ونواهيه فى كل شىء ولهذا قال بعضهم: المحبةُ مواطأة القلب على ما يُرضى الرب، فيحبُ ما أحب ويكره ما كره. واختلفت عبارات المتكلمين فى هذا الباب بما لا يؤول إلى اختلاف إلا من حيث اللفظ والالتفات إلى أسباب المحبة أو إلى ثمراتها، وبالجملة [فأصل] (¬2) المحبة الميلُ لما يوافق المحبَّ والله - جل اسمه - منزَّة عن أن يميل أو يمال إليه (¬3)، وأما المحبةُ للرسول فيصح منه الميل؛ إذ ميل الإنسان لما يوافقه إما لأنه يستلذه ويستحسنه كميله للصورة الجميلة ¬

_ (¬1) فى الأصل: الإيمان فى يقينه، والمثبت من ت. (¬2) من ق. (¬3) قال الأبى: والذى يتنزه الله - سبحانه - عنه إنما هو الميل إليه فى الحس لإشعاره بالجهة والمكان، وليست المحبة فى الحس، وإنما هى ميل القلب، وميل القلب إلى الشىء إيثاره له، ولا يمتنع أن يتعلق ذلك به تعالى كما يتعلق به العلمُ الآن والرؤية فى الآخرة 10/ 143. ثم إن الطاعة ثمرة المحبة، ولا يفسر الشىء بثمرته، قال السنوسى: وما سلكه القاضى هو مذهب إمام الحرمين، وما سلكه الأبى هو مختار المقترح. السابق ومكمل الإكمال 1/ 143.

(...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنْبَأَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ، عَن ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " مِنْ أَنْ يَرْجِعَ يَهُودِياً أَوْ نَصْرَانِياً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصوات الحسان والمطاعم الشهية وأشباهها من المستلذات بالحواس الظاهرة أو يستلذه بحاسة عقله من المعانى الباطنة الجميلة والأخلاق الرفيعة، كمحبة الصالحين والعلماء وأهل الفضائل، والخصال العليَّة، وإن لم يَرَهم ولا قارب زمانهم، أو ميله لمن يحسن إليه وينعم عليه، ويدفع المضار والمكاره عنه، فقد جبلت النفوس (¬1) على حب من أحسن إليها. وهذه المعانى كلها موجودة فى حق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُسَبِّبة حبه لما خُلِق عليه من كمال صورة [الباطن والظاهر] (¬2) وكمال خلال الجلال، وجماع (¬3) الفضائل، وإحسانه إلى المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعيم: الإبعاد من الجحيم، وقد أشار بعضهم إلى أن هذا متصَوَّرٌ فى حق الله تعالى، وحب العبد له على قدر معرفته لجلاله وكمال صفاته وتقدسه عن النقائص، وفيض إحسانه وأن الكل منه، وكل جمال وجلال فمضاف إليه، وكل فضل وإجمال فمن بسط يديه لا إله غيره. ومن محبته ومحبة رسوله التزام شريعته، ووقوفه عند حدوده ومحبة أهل ملته، وهو تمام محبته، فيُحب العبد لا يحبه إلا لله؛ لأن من أحبَّ شيئاً أحبَّ ما يُحبهُ، ومن يحبه، ومن هو من سببه، قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحبَّ العربَ فَبِحُبِّى أحبَّهم " (¬4)، وإذا حصل هذا بين المؤمنين حصلت منه الألفةُ الموجبة للتعاون على البر والتقوى، والمزيدة (¬5) لأمر الدين والدنيا والمحبة لله والبغض فيه من واجبات الإسلام، وهو قول مالك وغيره من [العلماء] (¬6). ¬

_ (¬1) فى ق: القلوب. (¬2) فى ق: الظاهر والباطن. (¬3) فى ق: وجميع. (¬4) الطبرانى فى الكبير 12/ 455، وابن عدى فى الكامل 2/ 803 عن عثمان بن عفان، والحديث واه بمرة، آفته من حصن بن عمر الأحمسى، قال فيه البخارى: منكر الحديث، ضعفه أحمد، قدم من الكوفة إلى بغداد سائلاً يسأل، وقال فيه يحيى بن معين: ليس بشىء، وقال ابن المدينى: ليس بالقوى، وقال يعقوب ابن سفيان: ضعيف جداً، ومنهم من تجاوز به الضعف إلى الكذب، وقال الساجى وأبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: واهى الحديث جداً، لا أعلم يروى حديث يتابع عليه وهو متروك الحديث، وقال الترمذى: ليس عند أهل الحديث بذاك القوى، وقال النسائى: ضعيف، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوى عندهم. تهذيب التهذيب 2/ 285. (¬5) فى ت: والمودة. (¬6) من ق، وفى بقية النسخ: العلم.

(16) باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة

(16) باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة 69 - (44) وحدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ؛ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ - وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ: الرَّجُلُ - حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". 70 - (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قالَ: سَمِعْتُ قَتادَةَ يُحدِّثُ عَنْ أَنَسَ بْنُ مَالِكٍ؛ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله [عليه السلام] (¬1): " لا يؤمنُ أحدُكُم (¬2) حتى أكون أحبَّ إليه من ولدِه ووالده والناس أجمعين " [الحديث] (¬3)، قال الإمام: أخرج مسلم هذا الحديث عن محمد بن المثنى قال: ثنا رجلٌ - أراه غُندراً - أنا شعبة عن قتادة عن أنس. هكذا (¬4) عند ابن ماهان، ورواه أبو أحمد الجلودى: ثنا ابن مثنى وابن بشار [قالا] (¬5): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة. مجوَّد الإسناد. قال القاضى: قال بعض المتكلمين على الحديث: جمع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت لفظه هذا القليل معانى كثيرة؛ إذ أقسام المحبة ثلاثة، محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد؛ ومحبة رحمة وإشفاق كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة الناس بعضهم بعضاً، فجمع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك كله فى محبته. وهو من نحو ما أشرنا، إليه فى أسباب محبته، ومن الإشفاق فى محبته نصرة سنته، ¬

_ (¬1) من ق. (¬2) زيد بعدها فى ق: بالله حتى، ولم يرد فى طريق من طرق مسلم. (¬3) من ق. (¬4) فى ت: كذا. (¬5) من المعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذَبُّ عن شريعته، وتمنى حضور حياته، فيبذل نفسه وماله دونه. وإذا تحقق ما ذكرناه (¬1)، تبين أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بذلك، ولا يصحُّ الإيمان إلا بتحقيق إنافة (¬2) قدر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنزلته على كل والد وولد، ومحسن ومُفْضِلٍ، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن. ¬

_ (¬1) فى ت: ما ذكرنا. (¬2) العلو والسيادة. قال الأبى: إن أراد بإنافة القدر الرفع فى المنزلة، فمن لم يعتقد ذلك فليس بمؤمن - كما ذكر - كان أراد الرفع فى المحبة فالأظهر فى قوله: إنه ليس بمؤمنٍ أنَّه لنفى الكمال، فإن محبة الأب والابن جبلية، لا تندفع، فإن وُجد على سبيل الفرض من لم تكن محبته لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر فلا نقدر أن نجزم بكفره. إكمال الإكمال 1/ 146. وقال القرطبى: إن المحبة المطلوبة هنا ليست اعتقاد التعظيم، بل ميل إلى المُعَظَّم وتعلق القلب به، وأن معنى الحديث: من لم يجد ذلك الميل لم يكمل إيمانه. مكمل 1/ 146.

(17) باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير

(17) باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير 71 - (45) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ - أَوْ قالَ: لِجَارِهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ". 72 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " وَالَّذِى نَفْسِىِ بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ - أَوْ قَالَ: لأَخِيهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يؤمن أحدُكم حتى يحب لأخيه - أو لجاره - ما يحب لنفسه " (¬1): أى لا يتم إيمانه (¬2) حتى يكون بهذه الصفة للمؤمنين، من كفه الأذى عنهم، وبذله المعروف لهم، ومودته الخير لجميعهم وصرف الضر عنهم (¬3). قيل: ظاهره التسوية وباطنه التفضيل؛ لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل، فإذا أحب لغيره ما يحب لنفسه كان هو من المفضولين، وقد روى هذا المعنى عن الفضيل بن عياض أنه قال لسفيان بن عيينة - رحمهما الله -: إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك فما أديت لله [الكريم] (¬4) نصيحة، فكيف وأنت تود أنهم دونك. ¬

_ (¬1) فى البخارى: لأخيه، دون شك. (¬2) فى الأصل: إيمان، والمثبت من ت. (¬3) على ذلك فالحديث يتناول أمر الدنيا، وأما الآخرة فقد قال، تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون} [المطففين: 26]. وفهم من مفهوم الوصف فى الحديث أن غير المؤمنين ليس بأخ. حكاه السنوسى 1/ 147، ولا مدخل لمفهوم الحصر هنا؛ إذ يقتضى قصر المؤمنين على الإخوة. قال السنوسى: وبهذا يظهر أن الحديث لا يحتاج إلى تقدير وصف المؤمن أو المسلم؛ لأن لفظ أخ غلب عرفاً عليها، وأما الكافرون فالمطلوب فى حقهم ضد ذلك، والتسمية لهم شرعاً إنما هو بلفظ العداوة ونحوها مما هو مناف للمقصود بلفظ الأخ فى الحديث، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء} [المائدة: 57]. (¬4) ساقطة من ت. وقوله: " حتى يحب ": حتى: غاية لنفى الإيمان، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوباً، ويمتنع هنا رفع الفعل بعدها، لاقتضاء ذلك كون (يحبُ) منفياً كـ (يؤمن)، أى لا يكون إيمان ومحبة، وهو باطل وضد المقصود. حكاه السنوسى، وقال: قال بعض الشيوخ: لا يصح العطف بحتى؛ لأن عدم الإيمان ليس سبباً للمحبة. مكمل 1/ 149.

(18) باب بيان تحريم إيذاء الجار

(18) باب بيان تحريم إيذاء الجار 73 - (46) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلى بْنُ حُجْرٍ، جميعًا عَنْ إسْماَعِيلَ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ": البوائق الغوائل والدواهى، أى: من لا يؤمن شره ولا مضرته، ومن كان بهذه الصفة من سوء الاعتقاد للمؤمن، فكيف بالجار وتربصه به الدوائر وتسبيبه له المضار، فهو من العاصين المتوعدين بدخول النار، وأنه لا يدخل الجنة حتى يُعاقب ويجازى بفعله، إلا أن يعفو الله عنه (¬1). وهذا وعيد شديد وفيه من تعظيم حق الجار ما فيه. وفى الحديث الآخر: " والله لا يؤمن - ثلاثاً - من لا يأمن جاره بوائقه " (¬2): أى لا يتم إيمانه ولا يكمل. وقد تكون هذه الأحاديث إن حملت على ظاهرها خصوصاً فيمن جاور المسلمين من المنافقين (¬3). ¬

_ (¬1) والأظهر فى الحديث أنه خبر لا دعاء. (¬2) البخارى فى صحيحه، ك الأدب، ب إثم من لا يأمن جارهُ بوائقه عن سعيد بن أبى شريح 8/ 12، أحمد فى المسند 2/ 288، 4/ 31، 6/ 385، الحاكم فى المستدرك 1/ 10، 4/ 165. (¬3) قال الأبى: فتذهب فائدةُ ذكر الجار؛ لأن ذلك حكم كل عاص، ومنافق، ومستحل. مكمل 1/ 151. قلت: لا مانع من تقدير ما قدره القاضى، ويكون فائدة الحديث الحكم عليهم بدوام هذا الداء فيهم. ثم قال: فإن قلت: من لا يأمن جاره بوائقه إن وقعت منه إذاية أو تسبب فيها، فواضح، وإن لم تقع فغايتهُ أنه هم بها، فيعارض حديث. " إذا هم عبدى بسيئة ولم يعملها فلا تكتبوها ". قلت: الهم الذى لا يكتب إنما هو الهم الذى لم يقع متعلقه فى الخارج، كالهم بشرب الخمر ولم يشرب، وهذا وقع متعلقه، لتأذى جاره بتوقع ذلك منه كالمحارب يخيف السبيل ولم يصب، أو يقال: الواقع منه والحالة هذه عزم لا هم، والعزم مؤاخذ به على الصحيح. السابق.

(19) باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، وكون ذلك كله من الإيمان

(19) باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، وكون ذلك كله من الإيمان 74 - (47) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قاَل: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنْ ابْن شِهَاب، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ". 75 - (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَن أَبِى حسينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره "، وفى الحديث الآخر: " فليحسن إلى جاره "، وفى الآخر: " فليُكرم جاره " معنى ذلك: أن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وبره، وأمَر أهل الإيمان بذلك. وكل هذا تعريف بحق الجار وحض على حفظه؛ وقد أوصى الله بالإحسان إليه فى كتابه، وقال - عليه السلام -: " ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه ". وعن عائشة - رضى الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله، إن لى جارين فإلى أيهما أهدى؟ قال: " إلى أقربهما منك باباً " (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه البخارى فى صحيحه فى أكثر من موضع، فقد أخرجه فى الشفعة، ب أى الجوار أقرب 3/ 115، وفى الهبة، ب بمن يبدأ بالهدية 3/ 208، وفى الأدب، ب حق الجوار فى قرب الأبواب 8/ 13 والحديث مما انفرد به البخارى عن مسلم، كما أخرجه أحمد فى المسند 6/ 175، 187، 193، 239. قال الحافظ فى الفتح: " أقربهما: أى أشدهما قرباً، وقيل: الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخلُ بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها، بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات، ولا سيما فى أوقات الغفلة. وقال ابن أبى جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب، لأن الهدية فى الأصل ليست واجبة، فلا يكون الترتيب فيها واجباً. قال الحافظ: وفى الحديث أن الأخذ فى العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم على العمل. قال: واختلف فى حد الجار، فجاء عن على - رضى الله عنه -: " من سمع النداء فهو جار "، وقيل: " من صلى معك صلاة الصبح فى المسجد فهو جار "، وعن عائشة: " حدُّ الجوار أربعون داراً من كل جانب "، وعن الأوزاعى مثله، أخرج البخارى مثله فى الأدب المفرد عن الحسن، للطبرانى بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعاً: " ألا إن أربعين داراً جاراً "، أخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب: " أربعون داراً عن يمينه، وعن يساره، ومن خلفه ومن بين يديه ". قال الحافظ: وهذا يحتمل كالأولى، ويحتمل أن يريد التوزيع، فيكون من كل جانب عشرة ". فتح 10/ 463.

الآخِرِ فَلا يُؤذِى جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا قوله - أيضاً -: " فليكرم ضيفه " (¬1) بمعنى ما تقدم. والضيافة من آداب الإسلام، وخلق النبيين والصالحين، وقد أوجبها الليث (¬2) وقال: هى حق واجب ليلة واحدة، واحتج بالحديث: " ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم " (¬3)، وبحديث عقبة: " إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بحق الضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذى ينبغى لهم " (¬4). وعامة الفقهاء على أنها من مكارم الأخلاق، وحجتهم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جائزته يوم وليلة "، والجائزة العطية والمنحة والصلة، وذلك لا يكون إلا مع الاختيار. وقوله: " فليكرم وليحسن " تدل عليه، إذ ليس يستعمل مثله فى الواجب (¬5)، مع ¬

_ (¬1) حديث رقم (74/ 47) بالباب الثانى. (¬2) هو ابن سعد، الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية، مولده - بقرية فشندة. وهى الآن قلقشندة من أعمال القليوبية - سنة ثلاث وتسعين، سمع عطاء بن أبى رباح، وابن شهاب الزهرى، وهشام بن عروة، وخلق كثير، وروى عنه خلق كثير، منهم ابن المبارك، وابن لهيعة،. قال ابن وهب: كل ما كان فى كتب مالك: وأخبرنى من أرضى من أهل العلم، فهو الليث بن سعد. وقال حرملة: سمعت الشافعى يقول: الليث أتبعُ للأثر من مالك. مات سنة خمس وسبعين ومائة. الطبقات الكبرى 7/ 517، تاريخ بغداد 13/ 27، سير 8/ 136. (¬3) الحديث بهذا اللفظ أخرجه الطحاوى فى المشكل 4/ 38، وتأوَّل الوجوب فيه على المارين بقوم فى بادية لا يجدون من ضيافتهم إياهم بدلاً، ولا يجدون ما يبتاعونه مما يغنيهم عن ذلك. وقد أخرجه أحمد وأبو داود عن المقدام أبى كريمة بلفظ: " ليلة الضيف حق على كل مسلم " أبو داود، ك الأطعمة، ب ما جاء فى الضيافة 2/ 306، أحمد فى المسند 4/ 130، ولفظه هناك: " ليلة الضيف واجبة .. ". وانظر: السنن الكبرى للبيهقى 9/ 197. قال الحافظ ابن كثير: " ومن هذه الأحاديث وأمثالها ذهب أحمد وغيره إلى وجوب الضيافة ". تفسير القرآن العظيم 2/ 396. وقال الخطابى: " ووجه ذلك أنه رآها حقاً من طريق المعروف والعادة المحمودة، ويشبه - أى الوجوب - أن يكون فى المضطر الذى لا يجد ما يطعمه، ويخاف التلفَ على نفسه من الجوع ". معالم السنن 5/ 292. (¬4) متفق عليه، وسيرد إن شاء الله: ك اللقطة، ب الضيافة ونحوها (17). (¬5) وهو ما يذم شرعاً تاركه قصداً مطلقاً، كما عرفه الأسنوى. نهاية السول 1/ 52. وعرفه الآمدى بأنه عبارة عن خطاب الشارع بما ينتهض تركه سبباً للذم شرعاً فى حالةٍ ما. الإحكام فى أصول الأحكام 1/ 92. ويراد فى الواجب كلمة الفرض، والمحتوم، واللازم عند الجمهور، وخالف الحنفية فى ذلك، فقالوا: إن الفرض عندهم ما ثبت بدليل قطعى لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظنى فيه شبهة. أصول الفقه 23.

76 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسى بْنُ يُونُسَ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى حَصِينٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قالَ: " فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ ". 77 - (48) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَن ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه جمعه مع إكرام الجار والإحسان إليه، وذلك غير واجب، فهو مثله. (¬1). وتأولوا الأحاديث أنها كانت فى أول الإسلام، إذ كانت المواساة واجبةً، وقيل: لعل هذا كان للمجاهدين أول الإسلام ولم يكن لهم سعةٌ للزاد، فأُلزِم من مرَّ بهم ضيافَتهم، وقيل: لعل ذلك على من أُلزِم الضيافة من أهل الذمة لمن يجوز بهم. واختُلِفَ: هل الضيافة على الحاضر والبادِ؟ فذهب لكون ذلك عليهما الشافعى ومحمد بن عبد الحكم (¬2). وقال [مالك] (¬3) وسحنون: إنما ذلك على أهل البوادى ولا يلزم أهل الحاضرة؛ لأن المسافر يجد فى الحضر المنازل فى الفنادق ومواضع النزول وما يشترى فى الأسواق، وقد جاء فى حديث: " الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر "، لكن هذا الحديث عند أهل المعرفة موضوع (¬4). وقد تتعين الضيافة لمن اجتاز محتاجاً وضيف عليه، وعلى أهل الذمة إذا شرطت عليهم فى الأصل. وقوله: " فليقل خيراً أو ليصمت ": أى ليقل خيراً يثاب عليه، أو يصمت عن الشر فيسلم. وهو متل الحديث الآخر: " من صمت نجا " (¬5)، فعرَّفَك بهذا أن من آمن بالله واليوم الآخر فليلزم هذه الأخلاق الحسنة، من إكرام الضيف، والجار، ودفع أذاه ¬

_ (¬1) وقد أجيب عن الأول من الاحتجاجات - وهو قولهم، والجائزة العطية، والعطية لا تجب إلا مع الاختيار -: بأن العطية جنس، ولا يلزم من عدم وجوب الجنس ألا يجب واحد من أفراده. وعن الثانى - وهو أن قوله: " فليكرم وليحسن " لا يستعمل مثله فى الواجب -: بأن القولين جاءا للقدر الأخص من مطلق الضيافة المتنازع فيه، والقدر الأخص وهو الاعتناء مندوب ما لم يكن معه تكلف شإنه لا ينبغى. وعن الثالث - بأنه جمعه مع، أى عطفه على، إكرام الجار والإحسان إليه -: بأنه يصح عطف الجواب على غير الواجب فى عطف الجمل. إكمال الإكمال 1/ 151. (¬2) وكذا أحمد فى أحد قوليه، وفى قول آخر له ما يوافق مالكاً وسحنون. المغنى 13/ 354. (¬3) من ت. (¬4) راجع: كشف الخفاء 2/ 47، الأسرار المرفوعة 238، وقد ساقه القرطبى فى تفسيره 9/ 64، وقد نقل عن مالك أنه ليس على فقيه ضيافة. (¬5) الحديث أخرجه الترمذى فى سننه، صفة القيامة 4/ 660، وأحمد فى المسند 2/ 159، 177، من حديث عبد الله بن عمرو، وقال الترمذى: " هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة ".

عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو؛ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعَ بْن جُبَيْرٍ يُخْبِرُ عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْخُزَاعِىِّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسن إِلى جَاره، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُل خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه، وإمساك لسانه إلا فى خير ينفعه، وقد قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد} (¬1). واختلف السلف والعلماء: هل يكتب على العبد جميع ما يتكلم به؟ [أو] (¬2) إنما يكتب ما يجازى عليه من خير أو شر دون لغو الكلام، وما يعنى الإنسان منه. وإلى هذا ذهب ابن عباس وغيره فى تفسير الآية (¬3). ¬

_ (¬1) ق: 18. قال الحافظ ابن كثير: أى ما يتكلم بكلمة {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد}: أى إلا ولها من يراقبها مُعْتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالىَ: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَامًا كَاتِبِين. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون} [الانفطار: 10 - 12]. (¬2) فى الأصل: و، وأثبتت الهمزة ليستقيم المعنى. (¬3) والأول قول الحسن وقتادة، وهو ما يوافق ظاهر الآية، والمنقول عن ابن عباس هو أحد القولين له، فقد نقل ابن كثير 7/ 377 عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس فى هذه الآية قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، حتى إنه ليكتب قوله: أكلتُ وشربت، ذهبت، جئت، وهذا ما يوافق ظواهر بقية الأدلة.

(20) باب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر واجبان

(20) باب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر واجبان 78 - (49) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ كِلاهُما عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهابٍ - وَهذَا حَدِيثُ أَبِى بَكْرٍ - قالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ، يَوْمَ الْعَيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقالَ: الصَّلاةُ قبْل الْخُطْبَةِ، فَقالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنالِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أول من بدأ الخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان " (¬1). قال القاضى: اختلف فى هذا، فوقع هنا ما تراه، ونحوه فى حديث أبى سعيد. وروى: أول من بدأ بالخطبة فيهما عثمان، وروى: أول من فعل ذلك عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة ولا ينتظرون الخطبة، وقيل: بل ليدرك الصلاة من تأخر وبَعُدَ منزلُه، وقيل: أول من فعل ذلك معاوية، وروى: أن ابن الزبير فعله أيضاً، وتأول فى فعل بنى أمية فى ذلك لما أحدثوا من سب علىٍّ فيها - رضى الله عنه - فكان الناس يتفرقون لئلا، يسمعوا ذلك، فأخروا الصلاة ليُجلسوا الناس. والذى ثبت عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى - رضى الله عنهم - تقديم الصلاة، وعليه جماعة فقهاء الأمصار، وقد عدَّه بعضهم إجماعاً - يعنى والله أعلم - بعد الخلاف، أو لم يلتفت إلى خلاف بنى أمية بعد إجماع الخلفاء والصدر الأول، قال مالك: وهى السُنَّة، قال أشهب (¬2): إن بدأ بالخطبة أعادها بعد الصلاة. وقوله: " فقام إليه رجل " ثم قال (¬3) بعدُ، فقال أبو سعيد: " أما هذا فقد قضى ما عليه ": يدل أن الرجل غير أبى سعيد، وجاء فى الحديث الآخر (¬4): أن أبا سعيد هو ¬

_ (¬1) وقوله (وعن قيس) - عى الطريق الثانى - معطوف على إسماعيل، ومعناه: رواه الأعمش عن إسماعيل وعن قيس - إكمال الإكمال 1/ 155. (¬2) هو أشهب بن عبد العزيز بن داود، الإمام العلامة، مفتى مصر، المصرىّ الفقيه. مولده سنة أربعين ومائة. سمع مالك بن أنس، والليث بن سعد، وداود بن عبد الرحمن، وعِدَّة. حدث عنه يونس بن عبد الأعلى، وسُحنون بن سعيد فقيه المغرب، وعبد الملك بن حبيب فقيه الأندلس، وآخرون. قال فيه الشافعى: ما أخرجت مصر أفقه من أشْهب لولا طيشٌ فيه إلا إذا كانت (قبل)، ومع ذلك فوجهها ضعيف وقال سُحْنُون: رحم الله أشهبَ، ما كان يزيدُ فى سماعه حرفاً واحداً. مات سنة مائتين وأربع. ترتيب المدارك 2/ 447، سير 9/ 500. (¬3) زيد بعدها فى ت كلمة (قبل). (¬4) سيأتى إن شاء الله فى صلاة العيد.

فَقالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هذَا فَقَدْ قَضى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغيِّرْهُ بِيدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلِكَ أَضعَفُ الإِيمانِ ". 79 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ. وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهابٍ، عَن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، فِى قِصَّةِ مَرْوَانَ، وَحَدِيثِ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذى جبذ بيد مروان إذ رآه يصعد المنبر وكانا جاءا معاً، فرد عليه مروان بمثل ما قال هذا الرجل، فيحتمل أنهما حديثان، جرى أحدهما لأبى سعيد، والآخر لغيره بحضرته. وقوله: " فقد قضى ما عليه " بمحضر ذلك الجمع، دليل على استقرار السنة عندهم على خلاف ما فعل مروان، وتبينه احتجاجه بقوله: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رأى منكم منكراً فليغيره " الحديث، ولا يسمى منكرًا ويعتقده هو ومن حضر [إلا] (¬1) ما استمر به عمل أو مضت به سنة. و (¬2) فيه أدل دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل، وأن ما روى فيه عمن ذكرناه لا يصح، إذ لا ينبغى للآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن يحمل الناس على اجتهاده ومذهبه، وإنَّما يغيِّر منه ما اجتمع على إنكاره وإحداثه. واختلف العلماء فيمن قلده السلطان الحسبَة فى ذلك، هل يحمل الناس على رأيه ومذهبه إن كان من أهل الاجتهاد (¬3)، أم لا يُغير على غيره ما خالف مذهبه؟ على قولين. وقوله: " فليغيره بيده " أصل فى هذا الباب. والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا خلاف فى ذلك إلا ممن لا يعتد بخلافه من الرافضة (¬4). ووجوبه شرعاً لا عقلاً (¬5) خلافاً للمعتزلة. ¬

_ (¬1) ساقطة من ق. (¬2) زيد بعدها فى ق لفظة " قبل " ولا وجه لها. (¬3) واجتهاد المحتسب نوعان: اجتهاد شرعى، وهو. ما روعى فيه أصل ثبت حكمه بالشرع. والاجتهاد العرفى هو: ما ثبت حكمُه بالعرف، لقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْف} [الأعراف: 199]. وعلى القول بأن للمحتسب أن يحمل الناس على رأيه ومذهبه - وهو مذهب أبى سعيد الاصطخرى - فشرط ذلك أن يكون المحتسب عالماً، من أهل الاجتهاد فى أحكام الدين. أحكام الحسبة: 53. (¬4) واحتجوا بقوله تعالى: {لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم} [المائدة: 105]، ويرد عليهم بأن معنى الآية عند المحققين: إن امتثلتم لا يضركم تقصير من لم يمتثل. إكمال الإكمال 1/ 153. (¬5) وهو على الكفاية، ويتعين على من علم به أو لم يقدر عليه إلا هو. وشرط القيام به العلم. ثم ما اشتهر حكمه كالصلاة وحرمة الزنى يستوى فى القيام به العلماء وغيرهم، وما دق من الأفعال والأقوال فإنما يقوم به العلماء. نووى.

النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَة وَسُفْيَانَ. 80 - (50) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النّضْرِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيسَانَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَعْفَر بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَم؛ عَنْ عبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فليغيره بيده فإن لم يستصع فبلسانه " الحديث: أصل فى صفة تغيير المنكر، وعلمٌ على العلم فى عمله، فمن حق المغيّر أولاً أن يكون عالمًا بما يُغيّره، عارفًا بالمنكر من غيره، فقيهًا بصفة التغيير ودرجاته، فيغيره بكل وجه أمكنه زواله به، وغلبت على ظنه منفعة تغييره بمنزعه ذلك من فعل أو قول، فيكسر آلات الباطل، ويريق ظروف المسكر بنفسه، أو يأمر بقوله من يتولى ذلك، وينزع المغصوب من أيدى المتعمدين، بيده أو يأمر بأخذها منهم، ويمكّن منها أربابها، كل هذا إذا أمكنه، ويرفق فى التغيير (¬1) جهده بالجاهل، أو ذى العزَّة الظالم المخوف شره، إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، وامتثال أمره، وأسمع لوعظه وتخويفه، كما يستحب أن يكون متولى ذلك من أهل الفضل والصلاح، لهذا المعنى، ويغلظ على المغتِّر (¬2) منهم فى غيِّه، والمسرِف فى بطالته، إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرًا أشد مما غيره، أو كان جانبه محميًا عن سطوة الظالم، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرًا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسببه، كفّ يده، واقتصر على القول باللسان، والوعظ والتخويف، فإن خاف - أيضاً - أن يُسبّبَ قولُه مثل ذلك غير بقلبه، [وكان فى سَعَة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله، وإن وَجد من يستعين به على ذلك استعان، ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، وليرفع ذلك إلى من له الأمرُ - إن كان المنكر من غيره، أو يقتصر على تغييره بقلبه] (¬3). هذا هو فقه المسألة، وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين، خلافاً لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حالٍ وإن قُتِلَ ونيل منه كل أذى. ¬

_ (¬1) فى الأصل: بالتغيير، والمثبت من ت. (¬2) فى الأصل: المعنق والمثبت من ت. (¬3) من ق. ومعنى " أضعف الإيمان ": أى أضعف خصاله الراجعة إلى كيفية التغيير، لا خصاله مطلقاً؛ لأنه تقدم أن أضعفها إماطة الأذى، وقد يعنى أضعفها مطلقاً، ويجمع بين الحديثين بأن يكون الإماطة والتغيير بالقلب متساويين فى أنه لا أضعف منهما. وكان التغيير بالقلب أضعفها لأنه ليس بعده مرتبة أخرى للتغيير. إكمال الإكمال 1/ 155. وقيل: معنى أضعف الإيمان أى أقل ثمراته.

رَافِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ نَبِىِّ بَعَثَهُ اللهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأخُذُونَ بِسُنَّتِهِ ويَقْتَدُونَ بِأمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِم خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث ابن (¬1) مسعود: " ما من نبى بعثه الله ... " الحديث، وفيه: " إلا كان له من أمته حواريون .. " (¬2)، قال الأزهرى: الحواريون خلصاءُ الأنبياء، ومعناه: الذين أُخلِصوا ونُقُّوا من كل عيب، وحوارِى الدقيق الذى نُخل. وقال يونس: هم خلصاؤهم وخاصتُهم، وقال السُلمى: هم الأَخِلاءُ، وقال ابن الأنبارى: هم المختصون المفضلون، وسُمى خبر الحوارى لأنه أشرف الخبر وأرفعه. وقال غيره: إنما سُمى بذلك أنصار عيسى؛ لأنهم كانوا يغسلون الثياب ويُحوّرونها أى يبيضونها، وقيل: لكل ناصر لسُنَّةٍ (¬3): حَوارى تشبيهاً بأولئك. قال ابن الأنبارى: فى الحواريين خمسة أقوال: قال أهل اللغة: هم البيض الثياب، وقيل: هم المجاهدون، وقيل: الصيادون، وقيل: القصارون (¬4)، وقيل: الملوك. وقوله: " ويخلفُ من بعدهم خلوف " هو جمع خلْف بالإسكان، وهو الذى يأتى بعد الآخر. قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْف} (¬5). ويقال فيه: خَلف بالفتح أيضاً، ومنه الحديث: " يحمل هذا العلم من كل خلفٍ ¬

_ (¬1) فى الأصل: أبى، والمثبت هو الصواب من الحديث. (¬2) أمة النبى أتباعه، ويطلق - أيضاً - على عموم أهل دعوته، فيندرج فيها أصناف الكفر، وأكثر استعمالها فى الأحاديث بالمعنى الأول. إكمال 1/ 155 وما عورض به هذا الحديث من الصحيح: " يجىء النبى ومعه الرجل والرجلان، والنبى ليس معه أحد " يجاب عنه بأن الحديث ورد باعتبار الأكثر، أى ما من نبى فى الأكثر، أو بأنه على حذف الصفة، أى ما من نبى له أتباع. السابق، وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثم إنها " تنبيه على أن تغيير السنن إنما يقع بعد طول، وهذا ما يفيده العطف بثم، وقد يفيد أنها للبعد فى الرتبة، وضمير (إنها) للقصة، وهو ما يسميه النحاة بالشأن. (¬3) هكذا فى ت، وفى الأصل: لنبيه. (¬4) بائعو الطحين - الدقيق - وقال أبو عمرو: القصلُ والقصَرُ أصلُ التبن، وفى اللسان القُصَارة والقِصْرى والقصَرَةُ ما يَبقى فى المُنخُل بعد الانتخال. (¬5) مريم: 59.

قالَ أَبُو رَافِعٍ: فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَىَّ. فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُود فَنَزَلَ بِقَنَاة. فاَسْتَتْبَعَنِى إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودهُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عدو له " (¬1)، وحكى الفراء الوجهين فى الذم والفتح فى المدح لا غير. وحكى أبو زيد الوجهين [جميعاً] (¬2) فيهما [معاً] (¬3)، وقاله الحربى عنه وغيره. وقوله: " من جاهدهم بيده فهو مؤمن " الحديث من معنى الأول، وإن أقل التغيير تغيير القلب، وأضعف مراتب تغيير أهل الإيمان، وإن لم يفعل ذلك ولا أنكره بقلبه فقد رضيه، وليس ذلك من الإيمان (¬4). وقوله: " قال صالح: وقد تُحدِّث بنحو ذلك عن أبى رافع ": يريد أن صالح بن كيسان راوى الحديث عن الحارث وهو ابن فضيل الخطمى [عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور عن أبى رافع عن ابن مسعود قال: إن هذا الحديث تحدث به عن أبى رافع عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر فيه ابن مسعود، وقد ذكره البخارى فى تاريخه - كذلك - مختصراً عن أبى رافع عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال الجيانى عن أحمد بن حنبل أنه قال: الحارث بن فضيل الخطمى] (¬5) ليس بمحفوظ الحديث (¬6)، وهكذا كلام لا يشبه كلام ابن مسعود، وابن مسعود يقول: " اصبروا حتى تلقونى " (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه الخطيب فى شرف أصحاب الحديث، والعقيلى فى الضعفاء، شرف أصحاب الحديث 14، 52، 55، 56، الضعفاء 4/ 256. (¬2) ساقطة من ق. (¬3) من ق، وفى غيرها: جميعاً، وهو وَهْم. (¬4) وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ": أى مرتبة للتغيير. (¬5) سقط من ق. (¬6) و (¬7) قلت: بل الحديث من رواية أنس بن مالك وعبد الله بن زيد بن عاصم، وأسيد بن حضير، من رواية أنس عنه، والبراء بن عازب. فقد أخرجه الشيخان من رواية أنس فى أكثر من موضع، وأخرجه البخارى من رواية عبد الله بن زيد بن عاصم وذلك فى كتاب المغازى، ب غزوة الطائف 5/ 200. أما رواية أنس فقد أخرجها، ك المساقاة، ب القطائع 3/ 150، ك الخمس، ب ما كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطى المؤلفة 4/ 115، لكنه هناك بلفظ: " فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض "، ك الجزية، ب ما أقطع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البحرين 4/ 119، ك مناقب الأنصار، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأنصار: " اصبروا حتى تلقونى على الحوض " 5/ 41، 42، ك التوحيد، ب وكان عرشه على الماء 9/ 162 بلفظ: " حتى تلقوا الله ورسوله فإنى على الحوض ". وكذا أخرجه مسلم وسيرد إن شاء الله فى ك الزكاة والإمارة كليهما عن أنس. وكذا أخرجه أحمد فى المسند 3/ 111، 167، 171، 183، وأخرجه عن البراء 4/ 292، وعن أنس عن أسيد بن حضير 4/ 351، 352، وأخرجه كذلك البيهقى فى السنن الكبرى عن أنس 6/ 144، 10/ 131. =

قَالَ صَالِح: وَقَدْ تُحُدِّثَ بِنَحْوِ ذلِكَ عَنْ أَبِى رَافِعٍ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ. أَخْبَرَنا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى الْحَارِثُ بْنُ الْفُضَيْلِ الْخَطمِىُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْور بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِى رَافِع مَوْلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا كَانَ مِنْ نَبِىٍّ إِلا وَقَدْ كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيهِ، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ " مِثْلَ حَدِيثِ صَالِحٍ. وَلَمْ يَذْكرْ قدُومَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاجْتِمَاعَ ابْنِ عُمَرَ مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى هذا الحديث: " فنزل بقناة ": كذا للسمرقندى، وهو الصواب، وقناة واد من أودية المدينة عليه مال من أموالها. وجاء فى رواية الجمهور " بفنائِه " (¬1) وهو خطأ وتصحيف. ¬

_ = ولم يرد لعبد الله بن مسعود رواية بهذا اللفظ، وإنما الذى رواه - وهو فى الصحيح - " أنا فرطُكم على الحوض " البخارى، ك الرقاق، ب فى الحوض 8/ 148، ولعل سياق الإمام البخارى له فى ترجمته للباب بقوله: وقال عبد الله بن زيد: قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصبروا حتى تلقونى " هو الذى أدخل الوهم على القاضى فنسب الحديث لابن مسعود، ثم أوغل فى توهينه هنا للحديث بقوله المنقول عن أحمد فى أحد رجال السند - الحارث بن فضيل اللخمى -: إنه غير محفوظ، ومن ثم وهّن روايته هذه. قلت: لم يتابع الإمام أحمد على ما ذهب إليه فى الحارث أحد، ولم أجده له فى كتابه العلل والرجال، وقد ذكره الإمام البخارى فى التاريخ الكبير 1/ 2/ 279 وسكت عنه وذكره ابن حبان فى الثقات 6/ 175، وقد نقل الحافظ ابن حجر توثيق النسائى وابن معين له، تهذيب التهذيب 2/ 154، وحسبك بتوثقهما من موثق، فإنهما ممن عرف بالإسراف فى الجرح والتعنت فيه. وعلى ذلك فلا تنافى بين رواية ابن مسعود ورواية أنس، فإن الأمر بالصبر لا يفيد النهى عن التغيير باليد واللسان والقلب، والمجاهدة لهؤلاء بواحد من تلك الوسائل لا ينفك عن قدر من الصبر مناسب. (¬1) والفناء فى اللغة: هو ما بين أيدى المنازل والدور، وفى اصطلاح الفقهاء. هو ما فضل عن المارة من الطريق الواسعة النافذة، فالشارع الضيق وغير النافذ لا فناء لهما، ولأرباب الأفنية أن ينتفعوا بما لا يضر بالمارة. إكمال الإكمال 1/ 156.

(21) باب تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه

(21) باب تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه 81 - (51) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ أَبِى خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ إِسْماعِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا يَرْوِى عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ. قالَ: أَشَارَ النَّبىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ، فَقالَ: " أَلا إِنَّ الإِيمانَ هاهُنا، وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِى الْفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنابِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنا الشَّيْطَانِ، فِى رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أبى مسعود: " وأشار نحو اليمن، ألا إن الإيمان هاهنا، وإن القسوة وغلظ القلوب فى الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان فى ربيعة ومضر "، وفى حديث أبى هريرة: " رأس الكفر قِبَل المشرق (¬1) والفخر والخيلاء - ويروى والرياء (¬2) - فى أصحاب الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر، والسكينة فى أهل الغنم - ويروى والوقار فى أصحاب الشاء (¬3) "، وفى حديث آخر: " الفخر والخيلاء فى الفدادين أهل الوبر قبل مطلع الشمس " (¬4)، ومن طريق آخر: " أتاكم (¬5) أهل اليمن هم أرق أفئدة، وأضعف قلوباً - ويروى ألين قلوباً - وأرق أفئدة، الأيمان يمان، والفقه يمان والحكمة يمانية " (¬6). وفى حديث جابر: " غلظ القلوب والجفاء فى المشرق، والإيمان فى أهل الحجاز " (¬7). قال الإمام: الخيلاء - بالمد - مِشْيةٌ مكروهة هى التبختر فى المشى، وهو من أفعال الجبابرة. قال أبو عبيد: الفدّادوَن المكثرون من الإبل وهم جفاة، أهل خيلاء (¬8)، ¬

_ (¬1) الرواية التى عليها المطبوعة بلفظ: نحو المشرق. (¬2) وهى الرواية الرابعة هنا لأبى هريرة. (¬3) وهى رواية الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة الثالثة. (¬4) وهى رواية سعيد بن المسيب عن أبى هريرة. (¬5) فى الأصل: أياكم. (¬6) وهى رواية صالح عن الأعرج الأولى. (¬7) الرواية الأخيرة فى هذا الباب، وقد أخرجه البزار بلفظ: " والسكينة فى أهل الحجاز ". مجمع 10/ 53. (¬8) فى الأصل، ت: الخيلاء، والمثبت من المعلم ووافقته ق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدهم فدَّادٌ، وهو الذى يملك من المائتين إلى الألف. قال أبو العباس: [الفدادون] (¬1): هم الجمَّالون والبَّقارون والحمارون والرُّعيانُ. وقال أبو عمرو (¬2) فى الفدادين بتخفيف الدال، واحدهم فدَّان بتشديد الدال، وهى البقر التى يحرث بها، وأهلها أهل جفاء لبعدهم عن الأمصار والناس. قال ابن الأنبارى: أراد فى أصحاب الفدادين، فحذف الأصحاب وأقام الفدادين مقامهم، وأنكر أبو عبيد قول أبى عمرو [هذا] (¬3)، وقال: لا أرى أبا عمرو حفظ هذا، وليس [الفدادون] (¬4) من هذا بشىء. كذا جاء، وصوابه: الفدادين ولا كانت العرب تعرفها، إنما هذا للروم وأهل الشام، وإنما افتتحت الشام بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنهم الفدَّادون بالتشديد، وهم الرجال والواحد [منهم] (¬5) فداد. قال الأصمعى: الفدَّادون [مشدّد] (¬6) الذين تعلو أصواتهم فى حروثهم وأموالهم ومواشيهم من فدَّ الرجل يفدّ فديداً إذا اشتد صوته (¬7). وقوله: " أهل الوبر " يريد أهل ذات الوبر وهى الإبل. قال القاضى: الخيلاء (¬8) التكبر فى كل شىء، ومنه قول طلحة لعمر إنا لا نخول عليك. قال الهروى: أى لا نتكبر. يقال: خال الرجلُ واختال فهو خال وذو خال ومخيلة. وقال ابن دريد: الخيلاء التكبر، ولا يكون ذلك إلا مع جرّ الإزار. قال سيبويه: وزن الخيلاء فعلاء اسماً وتكسر الخاء لغة، وحكى ابن الصابونى أنه التجبُّر، والاستحقار للناس. ¬

_ (¬1) من المعلم. ولعله يقصد بأبى العباس العبدى أحمد بن المُعذَّل، شيخ المالكية البصرى، تفقه بعبد الملك بن الماجشون، ومحمد بن مسلمة، وكان من بحور الفقه، صاحب تصانيف وفصاحة وبيان. قال الذهبى: لم أجد له وفاة 11/ 519. (¬2) فى ت: عمر، والمثبت من الأصل والمعلم. وهو الحافظ الإمام الرحال أبو عمرو محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابورى النحوى، سمع أبا يعلى الموصلى، وابن قتيبة وابن خزيمة - وهو الذى لقبه بالصغير - توفى سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. سير 16/ 49. (¬3) من المعلم. (¬4) فى المعلم: وعلى ذلك فقول القاضى: كذا جاء وصوابه الفدادين، لعله كان فى نسخة غير التى وقعت لنا على الصواب، والحمد لله رب العالمين. (¬5) و (¬6) من المعلم. (¬7) جاء فى اللسان: الفديد: الصوتُ، وقيل: شدَّته، وقيل: الفديدُ والفدفدة صوت كالحفيف، فدَّ يَفدُّ فَدًّا وفديداً، وفدفَد، إذا اشتد صوته، ورجلٌ فدَّادٌ: شديد الصوت، جافى الكلام. (¬8) زيد بعدها فى ق: التأور، والتأور هو نفار الإبل فى السهل، وكذلك الوحش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: الفدادون، فالقول فيه - إن شاء الله تعالى - ما قاله أبو عبيد، من أنه المكثر، لكن لا يختص هنا بالإبل وحدها، بل الإكثار الموجب للخيلاء والكبر والاحتقار لمن لا مال له، ولما كانت الإبل أفضل أموال مكثرى العرب وأعزها - ولهذا قال تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَت} (¬1) - وكان أصحابها أهل بداوة وجفاء وجهالة وغِلَظِ قلوب - وصفهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، وفى الحديث: تقول الأرض للميِّت ربما مشيت علىَّ فداداً. قيل فى تفسيره: أى ذا مال وذا خيلاء، وقيل: ذا وطءٍ شديد، قال تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} (¬2)، وقد جاء فى تفسير هذه اللفظة عن مالك: سألت عنها فقيل لى: هم أهل الجفاء، وقال ابن درَيد: هو الشديد الوطء من نشاط ومرح، وهذا من الخيلاء، وذكر عن الأصمعى - أيضاً - يقال للرجل إذا كان جافى الكلام: إنّه لفدَّاد، وحكى عن بعضهم أن الفديد من الإبل الكثير (¬3)، وهذا حجة لقول أبى عبيد فى الحديث الآخر: " [هلك الفدادون إلا من أعطى] (¬4) من نجدتها ورسلها " فهم أصحاب الإبل كما قال. قال القاضى: [رحمه الله] (¬5): فالفدادون إذاً الذين عنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الحديث وصفهم بهذه الأوصاف من الجفاء والقسوة وغلظ القلوب والفخر والخيلاء هم كما فسرهم فى الحديث أهل نجد، وأهل الخيل، والإبل، والوبر ومن ربيعة ومضر (¬6)، وهو نحو ما قال مالك وأبو عبيد ولا يبعد منه قول الأصمعى والقتبى من أن الفدادين أصحاب الأصوات المرتفعة فى حروثهم وأموالهم ومواشيهم؛ لأن فيه الرياء والخيلاء، ولا يبعد أيضاً قول أبى عَمرو لما ذكره من الجفاء والتبدى، وبالجملة ففى هؤلاء كلهم من الخيلاء والكبر ما قال بسبب كثرة المال، ومن الجفاء والغلظة والقسوة بسبب التبدِّى، والاشتغال بأموالهم وحبِّها والإقبال عليها عن التفقه فى دين الله [تعالى] (¬7)، والاهتبال بمصالح دنياهم وأخراهم. وقد يكون القسوة والجفاء من طبيعة هؤلاء الذين أشار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، ويكون وصفهم بكونهم أصحاب إبل للتعريف بهم والتعيين لهم. وقوله فيهم: " من حيث يطلع قرنا الشيطان ورأس الكفر قبل المشرق " إشارة إلى ما نبَّه عليه من أهل نجد وربيعة ومضر؛ لأنهم الذين عاندوا النبوة وقسَوا عن إجابة الحق وقبول الدعوة، وهم بالصفة التى وصف أهل خيل وإبل وأصحاب وبر. ونجد شرق من المدينة، أو من تبوك، على ما ذكر أنه قال بعض هذا الحديث بتبوك. ¬

_ (¬1) التكوير: 4. (¬2) الإسراء: 37، ولقمان: 18. (¬3) وهى من المائتين إلى الألف. (¬4) سقط من ق. (¬5) سقط من ق. (¬6) ربيعة ومضر فى النسب أخوان ابنا نزار بن معد بن عدنان. (¬7) من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد برأس الكفر معظمه وشرُّه، وقد تأول بعضهم أنه قال ذلك وأهل المشرق يومئذ أهل كفر، وأن مراده بقوله: " رأس الكفر نحو المشرق " فارس، وما ذكرناه أولى، لقوله فى الحديث: " أهل الوبر قبل مطلع الشمس ". وفارس ليسوا أهل وبر. وقوله: " من ربيعة ومضر " وأن الموصوفين بعد ذلك بالجفاء والخيلاء هم أولى بذلك لا غيرهم، ويؤيده قوله فى الحديث الآخر: " اللهم اشدد وطأتك على مضر "، قال فى الحديث: " وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له " (¬1)، ويكون هذا الكفر ما كانوا عليه من عداوة الدين والتعصب عليه، ويعضده حديث ابن عمر عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال: " اللهم بارك لنا فى يمننا وفى شامنا "، قالوا: يا رسول الله، وفى نجدنا، فأظنه قال فى الثالثة: " هناك (¬2) الزلازل والطاعون وبها يطلع قرن الشيطان " (¬3). وقوله: " قرنا الشيطان ": القرنان ناحيتا الرأس، وهو مثل، كما يقول (¬4): يتحرك بحركتهم ويتسلط كالمعين لهم، وهذا على تأويل الحربى فى أن الشمس تطلع بين قرنى الشيطان. وقد يكون القرنان ها هنا ربيعة ومضر، وأضافهما إلى الشيطان لاتباعهما له، ويكون القرن أيضاً هنا بمعنى الجماعة الناجمة والفئة الطالعة كما قال فى الحديث الآخر: " هذا قرن قد طلع " (¬5) أى أصحاب بدعة حدثوا، أو يكون القرن القوة، فيكون معناه هنا إضافة قوتهما إلى الشيطان وعونهما له على ما يهم به. وقال الخطابى: القرن يضرب به المثل فيما لا يحمد من الأمور، وقد ذهب بعض المتكلمين على الحديث أن المراد بهذا ما طلع من جهة المشرق ببلاد العراق من الفتن المبيرة فى صدر الإسلام من وقعة الجمل وصفين (¬6) وحروراء (¬7) وفتون (¬8) بنى أمية، وكل ذلك كان بمشرق نجد والعراق، وقد جاء فى حديث الخوارج: " يخرج قوم من ¬

_ (¬1) البخارى فى صحيحة، ك بدء الأذان، ب يهوى بالتكبير حين يسجد 1/ 203 عن أبى هريرة، وهو القائل: وأهل المشرق يومئذ من مضر. (¬2) فى الأصل: هنالك. (¬3) البخارى فى صحيحه، ك الفتن، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفتنة من قبل المشرق " ولفظه: قال: ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللهم بارك لنا فى شامنا، اللهم بارك لنا فى يمننا " قالوا: يا رسول الله وفى نجدنا، قال: " اللهم بارك لنا فى شامنا، اللهم بارك لنا فى يمننا " قالوا: يا رسول الله، وفى نجدنا، فأظنه قال فى الثالثة: " هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان " 9/ 68. وقد أخرجه أحمد فى المسند 2/ 78. (¬4) فى ت: تقول. (¬5) لم أقف عليه. (¬6) صفين مكان نحو الفرات شرقى بلاد الشام. (¬7) أرض من جانب الكوفة، نزل إليها ثمانية آلاف من أتباع على خرجوا عليه لقبوله التحكيم، وكان ذلك أول الخوارج. راجع: البداية والنهاية 7/ 290. (¬8) كتب أمامها بهامش ت: وفن.

82 - (52) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ أَنْبَأَنَا حَمَّادُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَق أَفْئِدَةً، الإِيمانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمانِيةٌ ". 83 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِى. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، كِلاهُما عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 84 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، قالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيم بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، قالَ: قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْفقْهُ يَمانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيةٌ ". 85 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يْحَيَى قالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " رَأسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِى أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ، الْفَدَّادِينَ، أَهْلِ الوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِى أَهْلِ الْغَنَمِ ". 86 - (...) وحدّثنى يَحْيَى بْنُ أَيُّوب وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ، قالَ: أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الإِيمانُ يَمانٍ، وَالْكُفْرُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، وَالسَّكِينَةُ فِى أَهْلِ الْغَنَمِ وَالفَخْرُ وَالرِّياءُ فِى الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْوَبَر ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المشرق " (¬1)، ثم خروج [دعاة] (¬2) بنى العباس أقصى المشرق وارتجاج الأرض فتنة. ويكون الكفر ها هنا كفر النعم، وأكثر الفتن والأحداث والبدع إنما كانت من قبل المشرق. قال: وقد يكون الكفر على وجهه، والمراد برأس الكفر الدجال؛ لأن خروجه من قبل المشرق، [قال: وقد يكون] (¬3) على ما ذكره (¬4) من قدمناه من أهل فارس، وقد ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف، وأحمد فى المسند عن أبى برزة ولفظه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يخرج قوم من المشرق يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميَّة، لا يرجعون إليه " المصنف 1/ 536، أحمد 4/ 421. (¬2) من هامش النسخ. (¬3) فى ت: أو يكون. (¬4) من أن المراد برأس الكفر معظمه، راجع: الأبى 1/ 160.

87 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنا ابْنُ وَهْبٍ؛ قالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهابٍ؛ قالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبا هُرَيرَةَ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِى الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِى أَهْلِ الْغَنَمِ ". 88 - (...) وحدّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمىُّ، أَخْبَرَنا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهذَا الإِسْنادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: " الإِيمان يَمانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمانِيةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء فى الحديث الصحيح فى الموطأ وغيره بمعنى ما تقدم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال - وهو يشير إلى المشرق -: " إن الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان - أو قال: قرن الشمس " (¬1) وهو محمول على ما تقدم من الوجوه كلها. ويدل على صحة هذا التأويل أيضاً دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مضر فى غير موطن (¬2). وقوله: فى حديث حذيفة: " لا تدعُ مضَرُ عبْداً لله مؤمنًا إلا فتنوه أو قتلوه " (¬3)، [وقد بينه] (¬4) حذيفة حين دخلوا عليه عند قتل عثمان حين ملؤوا حجرته وبيته من ربيعة ومُضَر فقال: " لا تبرح ظَلمةُ مضر كل عبد مؤمن تفتنه وتقتله " (¬5). قال الطحاوى: المراد بمضر هنا بعضهم كما بينه حذيفة، والعرب تقول مثل هذا فى الأشياء الواسعة، تضيف ما كان من بعضها إلى جملتها، كما قال تعالى: {وَكذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقّ} (¬6) ولم يرد الجميع، وكذلك يحمل على هذا ما ورد فى الحديث المتقدم، والأحاديث يصدق بعضها بعضاً على ما رجحناه من التأويل (¬7). وقوله: " الإيمان يمان، والحكمة يمانية ": فعلى قول أبى عبيد أنه أراد مكة وما ¬

_ (¬1) الحديث بهذا اللفظ مع تقديم وتأخير أخرجه البخارى، ك الفتن، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفتنة من قبل المشرق " 9/ 67 وفيه قرن الشمس قبل قرن الشيطان، وأخرجه الترمذى بلفظ جذل الشيطان أو قال: قرن الشيطان، ك الفتن، وهو عند مالك ومسلم بغير ذكر قرن الشمس، ومالك فى الموطأ، ك الاستئذان، ب ما جاء فى المشرق 2/ 975، ومسلم فى الفتن وأشراط الساعة، ب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرناً الشيطان 4/ 2228، وأحمد فى المسند 2/ 23، 92، 111، 121، جميعاً عن ابن عمر. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) وفى المسند 5/ 395، وابن أبى شيبة فى المصنف 15/ 11 بلفظ: عبد الله، وهو جزء حديث لهما. (¬4) فى نسخة إكمال الإكمال نقلها هكذا: وكذا قال لهم. (¬5) الطحاوى فى مشكل الآثار 1/ 436 بنحوه. قال الطحاوى: ولم يرد بذلك - رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى دعائه على مضر - كل مضر، وكيف يكون يريد بذلك كل مضر وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مضر. (¬6) الأنعام: 66. (¬7) مشكل الآثار 1/ 436.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والاها، لأن منها كان مبتدأ (¬1) الإسلام، وقيل: ما والاها من تهامة، لأن تهامة من أرض اليمن، وهكذا قال سفيان بن عيينة: أراد تهامة، وقيل: قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بتبوك، ومكة والمدينة بينه وبين اليمن فأشار إليها، ويعضد هذا قوله المتقدم فى حديث جابر: " الإيمان فى أهل الحجاز "، وقيل: أراد بهذا القول الأنصار؛ لأنهم يمانيون وهم نصروا الإسلام، وبادروا إليه ودخلوا فيه طوعاً. ويدل عليه قوله: " أتاكم أهل اليمن " ولأن أهل تهامة أكثرهم مضر وربيعة الذين وصفهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضد هذا، ووصف هؤلاء الآخرين [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلين القلوب ورقة الأفئدة وهو ضد ما وصف به الآخرين] (¬2) ربيعة ومضر من قسوة القلوب وغلظها وجفائهم، ثم قال: " الإيمان يمان "، فبيَّن أنه أراد غيرهم، فالحديث يحكم بعضه على بعض، ويبين مُفسَّرُه مشكله، وأن المراد باليمن هنا الأنصار واليمانون النسب الذين استجابوا لله ورسوله [طوعاً] (¬3) وبداراً، للين قلوبهم، ورقة أفئدتهم، بخلاف أهل [نجد] (¬4) القاسية قلوبهم عن ذكر الله والإيمان به، كما وصف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائفتين فى الحديث نفسه. وإلى نحو ما ذكرناه ذهب الطحاوى وروى فيه حديثاً يفسرّه أنَّ عيينة فضل أهل نجد، فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبت، بل هم أهل اليمن، الإيمان يمان " وهو الذى يغلب على الظن ويحلو فى النفس لشواهد الحال من الفريقين، والله أعلم. ¬

_ (¬1) كتب فى أصل ت: ابتداء، وأعيدت بالهامش مبتدأ. (¬2) سقط فى الأصل، واستدرك بهامشه بسهم. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فى جميع الأصول: الحجاز، وهو خطأ نساخ. والحديث أخرجه الطبرانى عن معاذ بن جبل. ولفظه: قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى دارنا يعرض الخيل، فدخل عليه عيينة بن حصن فقال للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت أبصر منى بالخيل وأنا أبصر بالرجال منك، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأى الرجال خير؟ " فقال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، ويعرضون رماحهم على مناسج خيولهم، ويلبسون البرود من أهل نجد. فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبت، بل خير الرجال رجال اليمن، الإيمان يمان ". قال الهيثمى: رواه الطبرانى ورجاله ثقات، إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ. مجمع 10/ 44. وعيينة هو ابن حصن بن حذيفة الفزارى، من قيس عيلان، واسم عيينة حذيفة فأصابته بقوةٌ - شلل - فجحظت عيناه فسُمى عيينة. ويكنى أبا ملاك، وهو سيد بنى فزارة وفارسهم، وصفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة فقال: " هو الأحمق المطاع ". قال ابن سعد: وارتدَّ عيينة حين ارتدت العرب ولحق بطليحة الأسَدى حين تنبأ فآمن به، فلما هزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى الصديق، قال ابن عباس: فنظرت إليه والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون: أى عدوَّ الله، كفرت بعد إيمانك؟! فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه. =

89 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، أَخْبَرَنا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّب؛ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " جَاءَ أَهْلُ الْيَمَن، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَضْعَفُ قُلوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيةٌ، السَّكِينَةُ فِى أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِى الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، قِبَلَ مَطْلِع الشَّمْسِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى: " أرق أفئدة وقلوباً وألين وأضعف " متقارب، وكلها راجع إلى ضد القسوة والغلظ، وذلك أَنَّ من رق قلبه ولان قبل المواعظ، وخضع للزواجر، وسارع إلى الخير، وصفى للإيمان (¬1) والفقه والحكمة، بخلاف من قسا قلبه وغلظ وكثفت حَجُب الكبر والفخر والعجب عليه. وقد يكون ذكر القلوب والأفئدة ها هنا بمعنى واحد، تكررت باختلاف لفظ كما اختلف اللفظ الذى قبلها، وقد يكون بينهما فرق إذ قيل: إن الفؤاد داخل القلب، فوصف القلب باللين والضعف والفؤاد بالرقة، أى أن قلوبهم أسرع انعطافاً وتقلباً للإيمان [من غيرها؛ إذ أفئدتها أرق وأصفى لقبول الإيمان] (¬2) والحكمة، وأقل حجباً وأغشية من غيرها، وقد يكون الإشارة بلين القلب إلى خفض الجناح، ولين الجانب، والانقياد والاستسلام وترك الغلو، وهذه صفة الظاهر، والإشارة برقة الأفئدة إلى الشفقة على الخلق والعطف عليهم والنصح لهم، وهذه صفة الباطن، وكأنه (¬3) أشار إلى أنهم أحسن أخلاقاً ظاهراً وباطناً. ¬

_ = وقد نقل الذهبى عن المدائنى عن عبد الله بن فائد قال: كانت أم البنين بنت عُيينة عند عثمان، فدخل عيينة على عثمان بلا إذْن فعتبه عثمان، فقال: ما كنت أرى أنى أحجب عن رجلٍ من مضَر، فقال عثمان: ادْنُ فأصب من العشاء، قال: إنى صائم، قال: تصوم الليل؟! قال. إنى وجدت صوم الليل أيسر علىَّ. هذا ما كان من بعض شأن عيينة، وما حملنا على الإسهاب فيه إلا التأكيد على كلام القاضى فى سبب الحديث. راجع فى أخبار عيينة: الطبقات الكبرى 3/ 578، تاريخ الطبرى 2/ 355، الجرح والتعديل 7/ 141، الاستيعاب 3/ 256، الإصابة 3/ 237، أسد الغابة 4/ 205، البداية والنهاية 7/ 221، أنساب الأشراف 1/ 239، الكامل فى التاريخ 2/ 96، 3/ 199، تاريخ الإسلام - عهد الخلفاء 347. (¬1) فى الأصل: الإيمان. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بهامشه بسهم. (¬3) فى ت: فكأنه.

90 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَلْيَنُ قُلوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الإِيمَانُ يَمانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيةٌ، رَأسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ ". (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِهذَا الإِسْنادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " رَأسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ ". 91 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِى. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَزَادَ: " وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِى أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِى أَصْحَابِ الشَّاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يكون الإشارة بلين القلوب ورقة الأفئدة إلى كثرة الخوف والانزعاج للمواعظ والأذكار. ومعنى قوله: " الإيمان يمان ": أى معظم أهله يمانون، والقائمون به يمانون والناصرون له، أو مستقره - إن كان المراد الأنصار - أو مبتدؤه وظهوره عندهم - على ما أشار إليه من قال: إن المراد به مكة والمدينة. وقيل: معناه: أهل اليمن أكمل الناس إيماناً. وقوله: " الحكمة يمانية ": الحكمة عند العرب ما يمنع (¬1) من الجهل، والحكيم من منعه عقله وحكمته عن الجهل. حكاه ابن عرفة، مأخوذ من حكَمة الدابة، وهى الحديدة التى فى لجامها لمنعها إياها. وقيل فى قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} (¬2): إنها الإصابة فى القول والفقه والفهم، وقيل: الحكمة طاعة الله والاتباع له، والفقه فى الدين، وقيل: الحكمة الفهم عن الله من أمره ونهيه، وقال مالك [فى] (¬3) الحكمة: الفقه فى الدين يدخله الله فى القلوب. وقيل غير هذا، وقد مَرَّ فى بعض روايات الأم: " الفقه يمان، والحكمة يمانية ". ¬

_ (¬1) فى ت: منع. (¬2) البقرة: 269. (¬3) ساقطة من ق.

92 - (53) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِىُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غِلَظُ الْقُلُوبِ، وَالْجَفَاءُ فِى الْمَشْرِقِ، وَالإِيمانُ فِى أَهْلِ الْحِجَازِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " والإيمان فى أهل الحجاز ": فى تلك الرواية إشارة إلى ما تقدم، وحجة لمن قال: أراد مكة والمدينة، ولأن المراد مبتدؤه ومستقره وظهوره؛ لأن مكة والمدينة من بلاد الحجاز، وقد قالوا: إِنَّ حدَّ الحجاز من جهة الشام سعفة (¬1) وبدر، ومما يلى تهامة بدرٌ وعكاظ، قال القتبى: سُمى حجازاً لحجزه بين نجد [وتهامة، وقد قال ابن دريد: لحجزه بين نجد] (¬2) والسراة. قال الأصمعى: إذا انحدَرْت من نجد [من] (¬3) ثنايا ذات عرق فقد اتهمت إلى البحر، فإذا استقبلتك الجراز وأتت فذلك الحجاز، سميت بذلك لأنها حجزت بالجراز الخمس (¬4). وقد يكون المراد بالحجاز هنا المدينة فقط، ويؤيده قوله فى الحديث الآخر: " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة ... " الحديث (¬5). وفى هذا الحديث دليل على ترجيح فقه أهل الحجاز وأهل المدينة، وترجيح فقه مالك - رحمه الله - وهو يمانى النسب يمانى البلد، والمدينة دار أهل اليمن الذين (¬6) نسب إليهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفقه والحكمة. وقوله: " والسكينة والوقار فى أهل الغنم ": السكينة السكون والطمأنينة والوقار، كما جاء فى الحديث نفسه، وهو ضد معنى الفدادين وأهل الخيلاء. وقد يكون السكينة بمعنى الرحمة، حكاه شمِر، فيكون ضد معنى القسوة. والجفاء والغلظ فى وصف الآخر (¬7). ¬

_ (¬1) فى جميع الأصول: شعب، والتصويب من إكمال الإكمال. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم دون لفظة: (وقد). (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) قال الفراء: الجرُز أن تكون الأرض لا نبات فيها، يقالُ: قد جُرزت الأرضُ فهى مجروزة. وربما قالوا: أرض أجراز، قال تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إلَى الأَرْضِ الْجُرُز} [السجدة: 27]. لسان العرب. (¬5) الحديث متفق عليه، وسيرد إن شاء الله فى هذا الكتاب برقم (233). (¬6) فى ت: الذى. (¬7) قال النووى: وأما أسانيد الباب فكل رجاله كوفيون إلا يحيى بن حبيب ومعتمراً، فإنهما بصريان واسم ابن أبى شيبة: عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أبى شيبة. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، وابن نمير =

(22) باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأن محبة المؤمنين من الإيمان وأن إفشاء السلام سبب لحصولها

(22) باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأن محبة المؤمنين من الإيمان وأن إفشاء السلام سبب لحصولها 93 - (54) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَ لا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ ". 94 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِهذَا الإِسْنادِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا " بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا (¬1) حتى تحابوا ": أى لا يتم إيمانكم ولا يكملُ ولا تصلح حالكم فى الإيمان إلا بالتحاب والألفة (¬2)، ويعضده قوله بعدُ: " ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم ". وفيه حض على ما تقدم من إفشاء السلام على من عرف ومن لم يعرف، والسلام أول درجات البر، وأول خصال التألف (¬3)، ومفتاح استجلاب المودة، وفى إفشائه يمكن (¬4) ألفة المسلمين بعضهم ببعض، وإظهار شعارهم المميز لهم بينهم، وإلقاء الأمن ¬

_ = هو محمد بن عبد الله بن نمير. وأبو كريب اسمه محمد بن العلاء. وابن إدريس هو عبد الله. وأبو خالد اسمه هرمز، وقيل: سعد، وقيل: كثير. وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصارى البدرى، واليمان هو الحكم بن نافع. وأبو معاوية اسمه محمد ابن حازم. وأبو صالح اسمه ذكوان. وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. وأبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس. نووى 1/ 236. (¬1) فى الأصل: تؤمنون. وكلاهما صحيح، فعلى كون لا نافية يكون حذف النون للتخفيف فى الأولين، وهو جائز، وقد قال النووى: " إنه فى جميع الأصول والروايات ولا تؤمنوا - بحذف النون من آخره، وهى لغة معروفة صحيحة " 1/ 236. (¬2) وإنما قال القاضى ذلك تأويلاً لظاهر اللفظ الذى يقتضى وقف دخول الجنة على التحاب، ضرورة أن الموقوف على الموقوف على شىء موقوف على ذلك الشىء، وعلى ذلك لا يدخل الجنة كاره. ولم يقل به قائل من أهل السنة. (¬3) فى الأصل: التأليف. (¬4) فى الأصل: تمكن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والطمأنينة بينهم، وهو معنى السلام، واستدراج محبة كافتهم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودليل التواضع والتواصل بسبب الإسلام، لا لغرض الدنيا، خلاف ما أنذر به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آخر الزمان من كون السلام للمعرفة فيقطع سبب التواصل.

(23) باب بيان أن الدين النصيحة

(23) باب بيان أن الدين النصيحة 95 - (55) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ. قالَ: قُلْتُ لِسُهَيْلٍ: إِنَّ عَمْرًا حَدَّثَنَا عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِيكَ. قَالَ: وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عِنِّى رَجُلاً. قَالَ: فَقالَ: سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِى سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِى، كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ. ثُمَّ حَدَّثَنَا سُفْيان عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: " لِلهِ وَلِكِتابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم ". 96 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ سُهَيْلِ ابْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بِنْ يَزِيدَ الْلَّيْثِىِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. (...) وحدّثنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطام، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْن زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ، سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَبا صَالِحٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدين النصيحة "، قال الإمام: النصيحة يحتمل أن تكون مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته، ويحتمل أن تكون من النصْح وهى الخياطة والإبرة المنصَحَة، والنَّصَاح الخيط الذى يخاط به، والنَّاصح الخيَّاط. فمعناه (¬1): أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تُلم المِنْصَحةُ خَرْق الثوب. قال [نفطويه: يقالُ: نصح الشىء إذا خَلَص، ونصَحَ له القولَ أى أخلصَه له. وهذا الذى قاله] (¬2) نفطويه يرجع إلى الاشتقاق الأول؛ لأنه يصفو لأخيه كما يصفو العسل. قال القاضى: قال الخطابى: النصيحة كلمة جامعة يُعَبَّر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر عنها بكلمة واحدة تحصُرُها. ومعناها فى اللغة: الإخلاص، من قولهم: نصحت العسل إذا صفيته. وقال أبو بكر الصوفى: النصح: فعل الشىء الذى به الصلاح والملاءمة (¬3) مأخوذ من النصاح وهو الخيط. ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال بغير فاء، والمثبت من المعلم. (¬2) سقط من ت، واستدرك بهامشه. (¬3) فى ت: والملازمة.

97 - (56) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ؛ قالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقامِ الصَّلاةِ، وَإِيتاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. 98 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيان عَنْ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ، سَمِعَ جَرِيرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ يقُولُ: بايَعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال نحوه الزجاج. فالنصح لله - تعالى -: صحة الاعتقاد له بالوحدانية، ووصفه بصفات الإلهية، وتنزيهه عن النقائص والرغبة فى محابه والبعد من مساخطه، والإخلاص فى عبادته. ونصيحة كتابه: الإيمان به، والعمل بما فيه، والتخلق بآدابه، وتحسين تلاوته، والخشوع عند ذلك، وتوقيره وتعظيمه، وتفهم معانيه وتدبر آياته، والتفقه فى علومه، والدعاء إليه، والذبُّ عنه من تأويل الغالين، وتحريف المبطلين، وطعن الملحدين. والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوَّته، وطاعته فيما أمر به ونهى عنه ونصرته حياً ومَيِّتًا، ومعاداة من عاداه، ومحاربة من حاربه، وبذل النفوس والأموال دونه فى حياته، وإحياء سنته بعد موته بالبحث عنها، والتفقه فيها، والذب عنها، ونشرها، والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة، والتأدب بآدابه الجميلة، وتوقيره، وتعظيمه، ومحبة آل بيته، وأصحابه، ومجانبة من ابتدع فى سُنَّتِه. ونصيحة أئمة المسلمين: طاعتهم فى الحق ومعونتهم عليه، وأمرهم به، وتذكيرهم إياه على أحسن الوجوه، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من أمور المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتأليف قلوب الناس لطاعتهم. والنصح لعامة المسلمين: إرشادهم لمصالحهم، ومعونتهم فى أمر دينهم ودنياهم بالقول والعمل، وتنبيه غافلهم وتعليم جاهلهم، ورفد محتاجهم، وستر عوراتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع فى الدين والدنيا إليهم. وقول سفيان فيه: قلت لسُهيل: إن عمراً أنبأ عن القعقاع عن أبيك، ورجوت أن تُسقط عنى رجلاً، فقال: سمعته ممن سمعه منه أبى، فيه دليلٌ على طلب الأئمة علو

99 - (...) حدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّار، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَرِيرٍ؛ قَالَ: بايَعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِى " فِيمَا اسْتَطَعْتَ " وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. قَالَ يَعْقُوبُ فِى رِوَايَتِهِ: قالَ: حَدَّثَنَا سيَّارٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد واختصار الطريق - كما قدمناه - واتفق لسفيان فى هذا سقوط رجلين أكثر مما طلب، لأنه ظن أن سهيلاً سمعه من أبيه، فإذا به سمعه من شيخ أبيه. وقول جرير: " بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " وفى الرواية الأخرى: " على السمع والطاعة، فلقننى: فيما استطعت "، ومثله فى حديث ابن عمر فى صحيح البخارى، واختلفت ألفاظ بيعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فروى ما ذكرناه، وفى حديث سلمة أنهم [كانوا] (¬1) بايعوه يوم الحديبية على الموت، وفى حديث عبادة: " بايعنا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيعة الحرب على السمع والطاعة فى المنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول - أو نقوم - بالحق .. ". وهذه قصص بحسب اختلاف الأحوال. فأما حديث عُبادة: " فى المنشط والمكره " فهى كانت بيعة الأنصار فى العقبة الثانية على بذل الأنفس والأموال دونه، وكذلك بيعة الشجرة. وأما قوله: " فيما استطعت " فلقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬2) وذكر جرير الصلاة والزكاة من بين سائر دعائم الإسلام؛ فلكونهما قرينتين، وأهمّ أمور الإسلام وأظهرها، ولم يذكر الصوم وغيره من الشرائع، لأنه داخل فى السمع والطاعة. ¬

_ (¬1) من هامش ت. (¬2) البقرة: 286.

(24) باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصى، ونفيه عن المتلبس بالمعصية، على إرادة نفى كماله

(24) باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصى، ونفيه عن المتلبس بالمعصية، على إرادة نفى كماله 100 - (57) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِىُّ، أَنْبَأَنا ابْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولانِ: قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " لا يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ". قالَ ابْنُ شِهَاب: فأَخْبَرَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحَدِّثَهُمْ هؤُلاءِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ثمَّ يَقُولُ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: " وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةَ ذَاتَ شَرَفٍ، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، حِينَ يَنْتَهِبُهَا، وَهُو مُؤْمِنٌ ". 101 - (...) وحدّثنى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، قالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. قالَ: قالَ ابْنُ شِهابٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قالَ: إِنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " لا يَزْنِى الزَّانِى " وَاقْتَصَّ الْحَدِيث بِمِثْلِهِ. يَذْكُرُ مَعَ ذِكْرِ النُّهْبَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَاتَ شَرَفٍ. قالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى بَكْرٍ هذَا، إلا النُّهْبَةَ. 102 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عِيسى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ وَأَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرَىِّ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَذَكَرَ النُّهْبَةَ، وَلَمْ يَقُلْ: ذَاتَ شَرَفٍ. 103 - (...) حدّثنى حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) حدّثنا قُتَيْبَهُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّراوَرْدِىَّ - عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّ هؤُلاءِ بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. غَيْرَ أَنَّ الْعَلاءِ وَصَفْوَانَ بْنَ سُلَيْم لَيْسَ فِى حَدِيثِهِمَا: " يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ "، وَفِى حَدِيثِ هَمَّام: " يَرْفَعُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ " وَزَادَ: " وَلا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُو مُؤْمِنٌ، فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ ". 104 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِى عن شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمانَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " لا يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ ". 105 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، رَفَعَهُ؛ قالَ: " لا يَزْنِى الزَّانِى " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن " الحديث، قال الإمام: قيل: معنى مؤمن: أى من (¬1) عذاب الله، [ويحتمل أن يكون معناه] (¬2): مستحلاً لذلك، [وقد] (¬3) قيل: معناه: [أى] (¬4) كامل الإيمان، وهذا [على] (¬5) قول من يرى أن الطاعات تسمى إيماناً، وهذه التأويلات تدفع قول الخوارج: إنه كافر بزناه، وقول المعتزلة: إن الفاسق الملّى لا يُسمى مؤمناً - تعلقاً من الطائفتين بهذا الحديث - وإذا احتمل ما قلناه لم تكن لهم فيه حجةٌ. ¬

_ (¬1) فى ق: آمن، وهو تصحيف. (¬2) جاءت عبارة المعلم هكذا: ويحتمل أن يحمل على أن معناه أن يكون. (¬3): (¬5) من المعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال أبو جعفر الطبرى: يحكى عن محمد بن يزيد بن واقد بن عمر بن الخطاب (¬1) إنكار هذا الحديث، وتغليط الرواة فيه، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال: " لا يزنى [مؤمن] (¬2) حين يزنى، ولا يسرق [مؤمن] (¬3) حين يسرق وهو مؤمن ". وعن ابن عباس: لا يفعل ذلك مستحلاً لفعله مؤمن، وقال الحسن: ينزع منه اسم المدح الذى يسمى به أولياء الله المؤمنين، ويستحق اسم الذم الذى يُسمى به المنافقون. واختاره الطبرى، قال: يقال له: زان [و] (¬4) سارق [وفاجر وفاسق] (¬5)، ويزول عنه اسم الإيمان بالكمال، وحكى البخارى عن ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان (¬6)، وروى فى ذلك حديثاً عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من زنا نزع نور الإيمان من قلبه، فإن شاء أن يرده إليه رده ". قال أبو القاسم المهلب: معنى هذا: أن ينزع منه بصيرته فى طاعة الله (¬7). وسئل الزهرى عن معنى الحديث، فقال: أمِرُّوا هذه الأحاديث كما أمرَّها من [كان] (¬8) قبلكم، فإن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَرُّوها، ورآها من المشكل. قال القاضى: وقيل: هو على النهى لا على الخبر (¬9)، وهذا بعيدٌ لا يعطيه نظم الكلام ولا تساعده الرواية (¬10)، وهو من نحو ما تقدم لابن واقد ولا خلاف بين أهل السنة أن هذا الحديث ليس على ظاهره، وأن المعاصى لا تُخرجُ أحداً من سواد أهل الإيمان - على ما قدمناه - ثم اختلفوا فى تأويله وإمراره على ما جاء بعد تحقيق الأصل المتقدم، ويُفسّره حديث أبى ذرٍ: " من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنا وإن سرق "، ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا الاسم، ولعله هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، أبو واقد، فواقدٌ ابن محمد وليس أباه، هذا إذا كان والد محمد زيداً وليس يزيداً، وواقدٌ ذكره ابن حبان فى الثقات. أما محمد فهو قليل الحديث مع توثيق أبى حاتم له. التاريخ الكبير 1/ 84، الجرح والتعديل 7/ 256، تهذيب التهذيب 9/ 172، سير 5/ 105. (¬2): (¬5) من ق. (¬6) فى ك الحدود، ب لا يشرب الخمر 8/ 195. والذى روى فى ذلك حديثاً هو الطبرى وليس البخارى، كما توهمه العبارة، وأخرجه من طريق مجاهد عن ابن عباس ولفظه: سمعت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من زنى نزع الله نورَ الإيمان من قلبه. فإن شاء أن يرده إليه رده " فتح 12/ 60. (¬7) وعبر عن هذا ابن الجوزى بقوله: فإن المعصية تذهله عن مراعاة الإيمان، وهو تصديق القلب، فكأنه نسى من صدق به. قال الحافظ: قال ذلك فى تفسير نزع نور الإيمان، ولعل هذا هو مراد المهلب. السابق 12/ 62. (¬8) من ت. (¬9) وهو ما أخرجه الطبرى من طريق محمد بن زيد السابق، والمعنى: " لا يزنينَّ مؤمنٌ، ولا يسرقنَّ مؤمنٌ " قال الحافظ: وقال الخطابى: كان بعضهم يرويه: ولا يشْرَب - بكسر الباء على معنى النهى. فتح 12/ 62. (¬10) وقد رد بعض العلماء هذا القول بأنه لا يبقى للتقييد بالظرف فائدة، فإن الزنى منهىٌ عنه فى جميع الملل، وليس مختصاً بالمؤمنين. السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعلوم أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، فالحديث الأول يقطع حجة المرجئة القائلين: إن المعاصى لا تضر المؤمن، والحديث الآخر يقطع حجة المعتزلة والخوارج وبعض الرافضة القائلين بأن المعاصى تخرج من الإيمان وتوجب الخلود فى النار. وأهل السنة والهدى جمعوا بين معانيها، وقرروا الأحاديث على أصولها، واستدلوا من حديث أبى ذر على منع التخليد، ومن هذا الحديث على نقص الإيمان بالمعاصى كما وردت مُفَسرةً فى أحاديث كثيرة وآى من القرآن [منيرة] (¬1)، [وقد جاء بعد ذلك] (¬2) فى [آخر] (¬3) الحديث: " ولا تنتهب نُهبة (¬4) ذات شرف ": أى يستشرف الناسُ النظر إلى نُهبته ويرفعون أبصارهم إليها (¬5) - كما فسَّره فى الحديث - كذا هو شرف بالشين المعجمة عندنا فى الأم. ورواه الحربى " سرف " بالسين المهملة وقال: معناها: ذات [سرف، أى ذات] (¬6) قدر كبير ينكره الناس ويستشرفون له، كنهب الفسَّاق فى الفتن الحادثة المال العظيم القدر مما يستعظمه الناسُ بخلاف التمرة والفَلس وما لا خَطَر له. وقد أشار بعض العلماء أن فى هذا الحديث تنبيهاً على جماع (¬7) أبواب المعاصى والتحذير منها، فنَبَّه بالزنا على جميع الشهوات. إذ ورد أن جميع الجوارح تزنى، وبالسرقة على الرغبة فى الدنيا والحرص على جميع ما حرَّم الله، وبشُرب الخمر على جميع ما يَصُد عن الله ويوجب الغفلة عن حقوقه، وبالانتهاب الموصوف على الاستخفاف بعباد الله [سبحانه] (¬8)، وترك توقيرهم والحياء منهم، وجمع أمور الدنيا من غير وجهها سراً أو علناً بذكر السرقة (¬9) والنهبة (¬10). ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) فى الأصل كتبت: وقد جاء ذاك بعد. وهو خطأ. (¬3) ساقطة من ق. (¬4) المراد بالنهبة: المأخوذة جهراً قهراً. (¬5) وقد يكون كما ذكر الحافظ أن الإشارة إلى حال المنهوبين فإنهم ينظرون إلى من ينهبهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه، قال: ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك، فيكون صفة لازمة للنهب، بخلاف السرقة والاختلاس، فإنه يكون خفية، والانتهاب أشدُّ لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة. فتح 12/ 60. (¬6) سقط من ق. ومن هذا شرط بعض الشافعية لكون الغصب كبيرة أن يكون المغصوب نصاباً، وكذا السرقة. فتح 12/ 63. (¬7) نقلها الحافظ فى الفتح جميع، وعبارة القاضى أدق. (¬8) ساقطة من ت. (¬9) فى الأصل: السرق. (¬10) كتب أمامها بهامش ت: بلغت المقابلة.

(25) باب بيان خصال المنافق

(25) باب بيان خصال المنافق 106 - (58) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَش، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوق، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفاقِ حَتَّى يَدَعَها: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ سُفْيانَ: " وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانْت فِيهِ خِصْلة مِنَ النِّفَاقِ ". 107 - (59) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَاللَّفْظ لِيَحْيَى. قالا: حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. قالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ أَبِى عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربعٌ من كُن فيه (¬1) كان منافقاً " وفى بعضها: خالصاً (¬2)، وفى الحديث الآخر: " ثلاث " وفى بعضه: " وإن صام وصلى " وذكر مسلم الحديث، قال الإمام: قد توجد هذه الأوصاف الآن فيمن لا يطلق عليه اسم النفاق، فيحتمل أن يكون الحديث محمولاً على زمنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ذلك علامة للمنافقين من أهل زمانه. ولا شك أن أصحابه كانوا مبرئين من هذه النقائص مطهرين منها، وإنما كانت تظهر فى زمانه فى أهل النفاق، أو يكون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد بذلك من غلب عليه فعل هذه واتخذها عادةً تهاوناً بالديانة، أو يكون أراد النفاق اللغوى الذى هو إظهار خلاف المضمر. وإذا تأملت هذه الأوصاف وجدت فيها معنى ذلك؛ لأن الكاذب يُظهر إليك أنه صدق (¬3) ويبطن خلافه، والخَصمُ يظهر أنه أنصف ويُضمر الفجور، والواعد يظهر أنه سيفعل وينكشفُ الباطنُ بخلافه، وقد قال ابن الأنبارى: فى تسمية المنافق مُنافقاً ثلاثة ¬

_ (¬1) أى: وغلبن عليه، لا من ندرن فيه، ومعنى: " كان منافقاً خالصاً ": أى شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. نووى 1/ 247. (¬2) فى ق: خلاصاً. (¬3) فى ت: صادق، والمثبت من المعلم والأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أقوال: أحدها: أنه سُمى (¬1) بذلك لأنه يستر كفره، فأشبه الداخل للنفق وهو السرب ليستتر (¬2) فيه. والثانى: أنه شُبّه باليربوع (¬3) الذى له جحر يقال له: النافقاءُ، وآخر يقال له: القاصعاء (¬4)، فإذا طلب من القاصعاء خرج من النافقاء [وكذلك المنافق] (¬5)؛ لأنه يخرج من الإيمان من غير الوجه الذى يدخل فيه. والثالث: أنه شُبّه باليربوع - أيضاً - ولكن من جهة أن اليربوع يخرق الأرض حتى إذا كاد يبلغ ظاهرها أرق التراب، فإذا رابه ريب رفع ذلك التراب برأسه فخرج، فظاهر جحره ترابٌ على وجه الأرض وباطنه حُفر، فكذلك المنافق ظاهره الإيمان وباطنه الكفر. قال القاضى: اختلف تأويل العلماء لهذا الحديث على الوجوه التى ذكرها وغيرها، وأظهرها التشبيه بهذه الخصال بالمنافقين والتخلق بأخلاقهم فى إظهار خلاف ما يبطنون، وهو معنى النفاق. ومعنى: " كان منافقاً خالصاً ": أى فى هذه الخلال المذكورة فى الحديث فقط، لا فى نفاق الإسلام العام، ويكون نفاقه فى ذلك على من حدَّثه ووعده، وائتمنه، وخاصمه، وعاهده من الناس، لا أنه منافق على المسلمين بإظهار الإسلام وهو يُبطن خلافه، وقد قال بعضهم: إن الحديث إنما ورد فى منافقى زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين حَدَّثوا بأنهم آمنوا فكذبوا، وائتمنوا على دينهم فخانوا، ووعدوا فى أمر الدين ونصره فأخلفوا. وهو قول عطاء بن أبى رباح فى تفسير الحديث، وإليه رجع الحسن البصرى (¬6)، وهو مذهب سعيد بن جبير وابن عمر وابن عباس، [وقد روى فى معناه حديث: أن ابن عمرَ وابن عباس] (¬7) أتيا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فذكرا له ما أهمهما من هذا الحديث، فضحك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬8) وقال: " مالكم ولهن، إنما خصصت بهن المنافقين، أما قولى: ¬

_ (¬1) فى المعلم: يسمى. (¬2) فى المعلم: يستتر. (¬3) دويبة فوق الجُرَذ. (¬4) وهى التى يدخل منها، من قصع إذا دخل، والنافقاء هى التى يخرج منها، يقال: نافق اليربوع إذا خرج من نافقائه. الأبى 1/ 168. (¬5) تكررت فى الأصل، والصحيح ما أثبتناه، وهو من المعلم، ت. (¬6) حكى الترمذى هذا فى سننه فقال - بعد أن ساق الحديث -: " وإنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل، وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هكذا روى عن الحسن البصرى شيئاً من هذا أنه قال: النفاق نفاقان، نفاق العَمَل، ونفاق التكذيب " 5/ 20. (¬7) سقط من الأصل، وقيد بهامشه، والمثبت من ت. (¬8) سقط من ق.

أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ ". 108 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَم، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قالَ: أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَعْقُوبَ، موْلَى الْحُرَقَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هرَيْرَةَ؛ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ عَلاماتِ الْمُنافِقِ ثَلاثَةٌ: إِذَا حَدَّث كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " إذا حدَّث كذب " فذلك فيما أنزل الله علىَّ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} الآية (¬1)، أفأنتم كذلك؟ " قلنا: لا، قال: " لا عليكم من ذلك، وأما قولى: إذا وعد أخلف فذلك فيما أنزل الله علىَّ: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِه} الآيات الثلاث (¬2). أفأنتم كذلك؟ " قلنا: لا، قال: " لا عليكم، أنتم من ذلك برآء، وأما قولى: إذا اؤتمن خان فذلك فيما أنزل الله علىَّ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} الآية (¬3)، فكل إنسان مؤتمن على دينه، فالمؤمن يغتسل من الجنابة فى السر والعلانية، ويصوم ويُصلى فى السر والعلانية، والمنافق لا يفعل ذلك إلا فى العلانية، أفأنتم كذلك؟ " قلنا: لا، قال: " لا عليكم أنتم من ذلك برآء " (¬4). إلى هذا المعنى مال كثير من أئمتنا، ورجحه الشيخ أبو منصور (¬5) فى كتاب المقنع [وغيره] (¬6). وقوله فى حديث ابن عمرو: " وإذا عاهد غَدر " فبمعنى: " إذا اؤتمن خان "؛ لأن الغدر خيانة فيما عليه من عهده. وأما الخصلة الرابعة، قوله: " وإذا خاصم فجر ": أى مال عن الحق وقال الباطل والكذب. قال الهروى وغيره: أصل الفجور الميل عن القصد، ويكون - أيضاً - الكذب. ومعنى " آية المنافق ": أى علامته، وذكره مرة ثلاثاً ومرة أربعاً، ذكر فى بعضها ¬

_ (¬1) المنافقون: 1. (¬2) التوبة: 75 - 77. (¬3) الأحزاب: 72. (¬4) لم أجده، وليس عليه أنوار النبوة. (¬5) هو تلميذ ابن فورك الإمام محمد بن الحسن بن أبى أيوب، انظر من كان فى عصره على مذهب الأشعرى. توفى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. تبيين كذب المفترى 249. (¬6) ساقطة من ت.

109 - (...) حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمِّىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَبُو زُكيْرٍ، قالَ: سَمِعْتُ الْعَلاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ يُحَدثُ بِهذَا الإِسْنادِ، وقالَ. " آيَةُ الْمُنافِقِ ثَلاثٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ". 110 - (...) وحدّثنى أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ سَلَمَة، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلاءِ. ذَكَرَ فِيهِ: " وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ما لم يذكر فى الآخر، فقال فى الأربع: " إذا حدث كذب، وإذا وعَد أخلف، وإذا اؤتمن خان " وقال فى الثلاث: " إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان "، فذكر اثنتين من الأربع وزاد واحدة. قال الداودى: فهذه خمس خصالٍ، وذلك يدل أن [ليس ما ذكر] (¬1) جملة خصال النفاق. ¬

_ (¬1) فى ت: ما ذكر ليس جملة خصال النفاق. أقول: إن للمنافقين صفات غيرها، كما قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] وإنما خصت هذه الخمسة بالذكر، لكونها فيهم أظهر، ولأنهم يقصدون بها مفسدة المؤمنين. الأبى 1/ 169.

(26) باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر

(26) باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر 111 - (60) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ باءَ بِهَا أَحَدُهُما ". (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمىُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِىُّ ابْنُ حُجْرِ، جَمِيعًا عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّمَا امْرِئٍ قالَ لأَخِيهِ: يا كَافِرُ، فَقَدْ باءَ بِها أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قالَ. وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا كَفَّر الرجلُ أخاه فقد باء بها أحدهما " وفى الحديث الآخر: " إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه " (¬1)، قال الإمام: يحتمل أن يكون قال ذلك فى المسلم مستحلاً فيكفر باستحلاله، وإذا احتمل ذلك لم يكن فيه حجة لمن كَفَّر بالذنوب، ويحتمل [أيضاً] (¬2) أن يكون مراده بقوله: " باء بها ": أى بمعصية الكذب فى حق القائل إن كذب. قال الهروى: أصل البَوْء (¬3) اللزوم، وقال فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى دعائه: " أبوء بنعمتك علىَّ ": أي أُقِرُّ بها وألزمه (¬4) نفسى. قال ابن أبى زمنين (¬5): أصل باء فى اللغة: رجَع، ولا يقال: باء إلا بشرٍ، ذكره ¬

_ (¬1) الذى جاء فى نسخة الإمام: " أيما امرئ قال لأخيه: كافِر فقد باء بها أحدهما ". الحديث 1/ 11/ أ. (¬2) من المعلم. (¬3) الذى فى المعلم: البواء. (¬4) فى نسخ الإكمال: وألزمها، والمثبت من المعلم، وهو الأصح، إذ الضمير فى الأولى يعود على النعمة، أما الثانية فعوده على البواء، وهو الأنسب للتفسير. (¬5) فى ت: رمنين - بالراء - وضبطها الذهبى بفتح الميم ثم كسر النون بعد الزاى - وهو الإمام القدوة الزاهد أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى، المرى، الأندلسى الإلبيرى، شيخ قرطبة - تفنن واستبحر من العلم، روى عنه أبو عمرو الدانى وجماعة. قال الذهبى: كان من حملة السنة. توفى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. سير 17/ 188، معجم المؤلفين 10/ 229. وتكفير الرجل أخاه يقع بنسبته إلى الكفر بصيغة الخبر نحو: أنت كافر، أو بصيغة النداء نحو: يا كافر، أو باعتقاد ذلك فيه، كاعتقاد الخوارج تكفير المؤمنين بالذنوب. ذكره الأبى، وقال: وليس من ذلك تكفيرنا أهل الأهواء 1/ 169.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى تفسير قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب} (¬1). وأما قوله: " إلا حار عليه " فمعناه: رجع عليه، والْحَور الرجوع، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} (¬2)، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعوذ بالله من الْحَوْرِ بعد الكور " يأتى تفسيره. قال القاضى: يكون باء هاهنا بمعنى رجع، كما جاء فى الحديث نفسه. وقيل: معناه: رجعت (¬3) عليه نقيصته (¬4) لأخيه كما قال، إذا لم يكن لذلك أهلاً بكذبه عليه. وقيل: إذا قاله لمؤمنٍ صحيحِ الإيمان مثله ورماه بالكفر فقد كفَّر نفسه لأنه مثله وعلى دينه، وقد يكون مراده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الخوارج لتكفيرهم المؤمنين. وهذا تأويل مالك ابن أنس (¬5). ¬

_ (¬1) البقرة: 90. (¬2) الانشقاق: 14. (¬3) فى الأصل: رجمت. (¬4) أو يكون الضمير عائداً على السيئة المفهومة من السياق، وذلك حتى لا يكون الحديث حجة للمكفر بالذنوب، إذ له بغير هذا أن يقول: إنه إذا لم يكن المقول له كذلك فغاية القائل أنه سابٌّ، أو كاذب، أو قاذف، ولا شيء من ذلك يكفر عندكم، فلنا أن نقول ما ذكره القاضى وما سقناه. (¬5) لم يذكر النووى للقاضى غير هذا الوجه فى تلك المسألة، وساق الوجه الذى قبله غير منسوب، ثم قال معقباً على هذا الوجه: إنه ضعيف؛ لأن المذهب الصحيح المختار الذى قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع 1/ 29. قلت: وسبب تضعيف النووى لما نسبه القاضى لمالك ما ظنه من أن يكون مراده تكفيرنا لهم، وليس كذلك، فإن مراده من ذلك رجوع تكفيرهم لغيرهم عليهم فقد جاء فى العتبيَّة عنه قال: أراه فى الحرورية، قال ابن رشد: يعنى أن الحرورية تبوء بإثم تكفيرهم المؤمنين بالذنوب. مكمل 1/ 170. وحمل ابن رشد الحديث على أنه كفر حقيقة فيمن كفَّر أخاه حقيقة؛ لأنه إن كان المقول له كافراً فقد صدق وإلا كفر القائل؛ لأن اعتقاده ما عليه المؤمن من الإيمان كفرٌ، واعتقاد الإيمان كفراً كفر، قال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه} [المائدة: 5] السابق.

(27) باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم

(27) باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم 112 - (61) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمرَ؛ أَنَّ أَبا الأَسْوَدِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيْسَ مِنْ رَجُل ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، إِلا كَفَرَ. وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَّوأ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، ومَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلا حَارَ عَلَيْهِ ". 113 - (62) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " لا تَرْغَبُوا عَنْ آبائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من رغِب عن أبيه فقد كفر ": يُريد ترك الانتساب إليه وجحده وانتسب لسواه يقال: رغبت عن الشىء تركته وكرهته، ورغبت فيه أحببته وطلبته. قال الإمام: هذا يتأول على ما تقدم من الاستحلال، أو يكون أراد الكفر اللغوى بمعنى جحد حق أبيه (¬1) وستره (¬2). وقوله: " فالجنة عليه حرام "، قال القاضى: تأويله على ما تقدم من أصول أهل السنة، من أن الذنوب لا تُحرم على أحدٍ الجنة البتَّة، بل إن شاء الله تعالى أخذ (¬3) وعاقب وحرَّمها للمذنب مُدَّة ثم يدخلها، وإن شاء عفى، أو يكون تأويل الحديث لفاعله مستحلاً. وقوله: " ليس مِنَّا " على ما تقدَّم، أى ليس مهتدياً بهدينا ولا مستناً بسنتنا. وقوله: " فليتبوأ مقعده من النار ": أى استحق ذلك بقوله، واستوجبه لمعصيته إلا ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: الله، والمثبت من المعلم. (¬2) وكان هذا التأويل لازماً؛ لأن انتسابه لغير أبيه قذف أو كذب، أو عقوق ولا شىء من ذلك يكفر، فلذلك يحمل الحديث على هذا التأويل الذى ذكره الإمام، أو يقال: إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد كفر النعمة، أى جحد حق أبيه، وقد ذكر القرطبى تأويلاً ثالثاً هو: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطلق الكفر مجازاً لشبهه بفعل أهل الكفر؛ لأنهم كانوا يفعلونه فى الجاهلية. قال: وهذا إنما يفعله أهل الجفاء، والجهل، والكبر، لخسة منصب الأب، ودناءته، فيرى الانتساب إليه عاراً ونقصاً فى حقه. المفهم 1/ 219. (¬3) فى جميع النسخ التى معنا: وأخذ، وهو وَهْم نساخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يعفو عنه، وقد تقدَّم قول من قال: إنه دعا على فاعله. وفى الحديث دليل أنه لا يحل لأحد [أخذ] (¬1) شىء يعلم باطله (¬2) وأنه مأثوم حكم له به حاكم [أم لا] (¬3)، وأنّ حكم الحاكم به لا يحلله (¬4)، كما قال فى الحديث الآخر: " فإنما أقطع له قطعة من النار " (¬5)، خلافاً لأبى حنيفة (¬6)، ألا ترى قول أبى بكرة فى هذا الحديث بعد حكم معاوية لزياد بما حكم. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى الأصل: باطنة. (¬3) سقط من ت. (¬4) جاء فى النووى: وفى هذا الحديث تحريم دعوى ما ليس له فى كل شىء سواء تعلق به حق لغيره أم لا، وفيه أنه لا يحل له أن يأخذ ما حكم له به الحاكم إذا كان لا يستحقه 1/ 249. ونقلها الأبى عنه هكذا: وفيه أن حكم الحاكم لا يحل الحرام 1/ 171. ومعنى أنه لا يحله لأنه إنما يغير الظاهر، وأما الباطن فهو ما كان عليه قبل حكمه. (¬5) سيرد إن شاء الله فى ك الأقضية، ب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة برقم (4)، وهو من الحديث المتفق عليه، وهو فى البخارى، ك الحيل، ب 10 عن أم سلمة 9/ 32. (¬6) وذلك فيما إذا كان قضاء القاضى بشاهدى زور فيما له ولاية إنشائه فى الجملة، أما قضاؤه بهما فيما ليس له ولاية إنشائه أصلاً فإنه لا يفيد الحل بالإجماع. مثال الأول: إذا قضى بعقد أو بفسخ عقد، فقضاؤه بشاهدى الزور يفيد الحل عنده، وإذا ادعى رجلٌ على امرأة أنه تزوجها فأنكرت، فأقام على ذلك شاهدى زور فقضى القاضى بالنكاح بينهما - وهما يعلمان أنه لا نكاح بينهما - حل للرجل وطؤها وحل لها التمكين عنده، وكذا إذا شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثاً وهو منكر، فقضى القاضى بالفرقة بينهما، ثم تزوجها أحد الشاهدين حل له وطؤها، وإن كان يعلم أنه شهد بزور لا يحل. ذلك أن قضاء القاضى بما يحتمل الإنشاء إنشاء له؛ لأن القاضى مأمور بالقضاء بالحق، ولا يقع قضاؤه بالحق فيما يحتمل الإنشاء إلا بالحمل على الإنشاء؛ لأن البينة قد تكون صادقة، وقد تكون كاذبة فيجعل إنشاء، والعقود والفسوخ مما تحتمل الإنشاء من القاضى، فإن للقاضى ولاية إنشائها فى الجملة. ومثال الثانى: فى الملك والمرسل، فلو ادعى رجل أن هذه جاريته، وهى تنكر، فأقام على ذلك شاهدين، وقضى القاضى بالجارية، لا يحل له وطؤها إذا كان يعلم أنه كاذب فى دعواه، ولا يحل لأحد الشاهدين - أيضاً - أن يشتريها، وذلك أن نفس الملك مما لا يحتمل الإنشاء. وقد أجاب عن الحديث بما رواه أبو داود عن أم سلمة - رضى الله عنها - أنه كان فى أخوين اختصما إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مواريث درست بينهما، ولم يكن لهما بينة إلا دعواهما، والميراث ومطلق الملك سواء فى الدعوى به. راجع فى ذلك بدايع الصنائع 9/ 4107.

114 - (63) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، أَخْبَرَنا خَالِدٌ عَنْ أَبى عُثْمَانَ، قالَ: لَمَّا ادُّعِىَ زِيَادٌ، لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِى صَنَعْتُمْ؟ إِنى سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ يَقُولُ: سَمِعَ أُذُناىَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: " مَنِ ادَّعَى أَباً فِى الإِسْلامِ غَيْرَ أَبِيهِ، يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ " فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: وَأَنا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 115 - (...) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ وَأَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ عَاصِم، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ وَأَبِى بَكْرَةَ، كِلاهُمَا يَقُولُ: سَمِعَتْهُ أُذَناىَ، وَوَعَاهُ قَلْبِى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله عن سعد (¬1) يقول: " سمع أذنى سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول " (¬2): كذا ضبطناه هنا على بعضهم بسكون الميم وفتح العين على المصدر كأنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمْعَ أذُنَّى، وضبطناه من طريق الجيانى كذا بضم العين (¬3) هو الوجْه، وقال سيبويه: العرب تقول: [سمعُ أذنى لكذا أو كذا زيداً يقول ذاك بالرفع] (¬4)، وضبطناه على القاضى أبى على " سمع " بكسر الميم فعل ماضى، وما تقدم هو الصواب. ¬

_ (¬1) فى ت: أبى سعيد، وهو خطأ. (¬2) العبارة فى نسخة النووى: سَمع أذُناى من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفى نسخة الأبى مثل ما ها هنا. قال النووى: " وأما قول سعد: سمع أذناى، فهكذا ضبطناه سمع بكسر الميم وفتح العين وأذناى بالتثنية وكذا نقل الشيخ أبو عمر، وكونه أذناى بالألف على التثنية عن رواية أبى الفتح السمرقندى عن عبد الغافر، قال: وهو فيما يعتمد من أصل أبى القاسم العساكرى وغيره. أذنى بغير ألف. قال: وحكى القاضى عياض أن بعضهم ضبطه بإسكان الميم وفتح العين على المصدر وأذنى بلفظ الإفراد. وأنت ترى أن الإمام النووى تصرف فى عبارة القاضى تصرفاً أضرَّ بها فليس فى عبارته قوله: " وأذنى " بلفظ الإفراد، كما أنه حذف منها قول القاضى: كأنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَمْعَ أذنى " وعلى ذلك فأذنى هنا بلفظ التثنية لا بلفظ الإفراد كما ادعى الإمام النووى. راجع: نووى على مسلم 1/ 251، الأبى فى إكمال الإكمال 1/ 176، وقد اقتصر على ما اختاره عياض. (¬3) فى ت: للعين. (¬4) وردت العبارة فى إكمال الإكمال والنووى هكذا: سمعُ أذنى زيداً يقول كذا، بالرفع.

(28) باب بيان قول النبى صلى الله عليه وسلم: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر "

(28) باب بيان قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " 116 - (64) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيانِ، وَعَوْنُ بْنُ سَلام، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ أَبِى وَائِل، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سِبَابُ الْمُسْلِمُ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ". قالَ زُبَيْدٌ: فَقُلْتُ لأبِى وَائِلٍ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ يَرْويهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ قَوْلُ زُبَيْد لأَبِى وَائِلٍ. 117 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سباب المسلم فسوق ": أى خروج عن الطاعة وواجب الشرع، وبه سمى الفاسق فاسقاً لخروجه عن ثقاف الإسلام وانسلاخه عن أعمال البر، يقال: فسَقَت الرُطَبةُ إذا خرجت من قشرها. وقوله: " وقتاله كفر ": أى قتاله من أجل إسلامه واستحلال ذلك منه كفر. وقيل: ذلك من أفعال أهل الكفر، أو يكون كفر طاعة وكفر نعمة، وغمطهما بأن جعلهما اللهِ مسلمين، وألف بين قلوبهما، ثم صار هو بعد يقاتله. وقيل: كافر بحق المسلم وجحد له بالمعنى، لإظهاره إباحة ما أنزل الله من تحريم دمه وقتاله، وترك ما أمر به من محبته وإكرامه وصلته، فهو كفر بفعله وعمله لا بقوله واعتقاده. وقد يكون القتال المشارَّةُ (¬1) والمدافعة، كما قال فى الحديث فى المارّ بين يدى المصلى: " فليقاتله ". وكله منهى عنه، وفاعله جاحدٌ حقَّ أخيه المسلم وحق الله فيه. ¬

_ (¬1) فى ت: المشاررة.

(29) باب بيان معنى قول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "

(29) باب بيان معنى قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " 118 - (65) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - واللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ عَلىِّ بْنِ مُدْرِكٍ، سَمِعَ أَبا زُرْعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ جَدَّهِ جَرِيرٍ؛ قالَ: قالَ لِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حِجَّةِ الْوَدَاعِ: " اسْتَنْصِتِ النَّاسَ " ثُمَّ قالَ: " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ". 119 - (66) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "، قال الإمام: تعلق بهذا من أنكر حجة الإجماع من أهل [البدع] (¬1) قال: لأنه نهى الأمة بأسرها عن الكفر، ولولا جواز [اجتماعها] (¬2) عليه لما نهاها عنه، وإذا جاز [اجتماعها] (¬3) على الكفر [فغيره من الضلالات أولى، وإذا كان ممنوعاً اجتماعُهما عليه لم يصح النهى عنه، وهذا الذى قاله خطأ لأنا إنما نشترط فى التكليف أن يكون متمكناً متأنياً من المكلف، هذا أيضاً على رأى من منع تكليف ما لا يطاق] (¬4)، واجتماع الأمة على الكفر وإن كان ممتنعاً، فإنه لم يمنع من جهة أنه لا يمكن ولا يتأتى، ولكن من جهة خبر الصادق عنه أنه لا يقع وقد قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (¬5) و [الشرك] (¬6) قد عصم منه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وبعد هذا نزل عليه مثل هذا] (¬7)، على أن المراد بهذا الخطاب (¬8) كل واحد فى عينه أو جمهور الناس، وهذا لا ينكر أحدٌ أن يكون مما يصح حمل هذا الخطاب عليه، فإما أن يكون ظاهراً فيه أو محتملاً [له] (¬9)، فيسقط بهذا حجته [وقد ذكر أنه] (¬10) مما يتأول [الحديث] (¬11) عليه [أن معنى] (¬12) قوله: " كفاراً ": أى متسلحين، وأصل ¬

_ (¬1): (¬4) من المعلم. (¬5) الزمر: 64. (¬6) من المعلم. (¬7) فى نسخ الإكمال جاءت هكذا: وبعد هذا يدل عليه مثل هذا يدل عليه مثل هذا، وفى ت جاءت يدل الثانية نزل، وما أثبتناه من المعلم. (¬8) فى الإكمال: خطاب. (¬9) من المعلم. (¬10) فى الأصل: وهذا، والمثبت من المعلم، ت. (¬11) و (¬12) من المعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكفر التستر، والمتسلح متستر بسلاحه. قال القاضى: رواه من لم يضبط " يضْرِبْ " بالإسكان، وهو إحالة المعنى (¬1)، والصواب ضم الباءِ (¬2). نهاهم عن التشبيه بالكفار فى حالة قتل بعضهم بعضاً ومحاربة بعضهم لبعض. وهذا أولى مما يتأول عليه الحديث، ويؤيده ما روى مما جرى بين الأنصار بمحاولة يهود وتذكيرهم أيامهم ودخولهم فى الجاهلية، حتى ثار بعضهم إلى بعض فى السلاح فنزلت: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (¬3): أى تفعلون فعل الكفار، أو نهاهم عن إظهار جحد ما أمرهم به من تحريم دمائهم، وكفرهم فى ذلك بقتالهم لا بقولهم واعتقادهم. [أو أن] (¬4) يتكفروا فى السلاح (¬5) بقتل بعضهم بعضاً، أو عن كفر نعمة الله بتأليف (¬6) قلوبهم وتوددهم وتراحمهم الذى به صلاحهم بأن رجعوا إلى ضد ذلك، وعلى سكون الياء فإنها نهى عن الكفر [مجرداً] (¬7) ثم يجىء ضرب الرقاب جواب النهى. ومجازات الكفر ومساق الخبر ومفهومه، يدل على النهى عن ضرب الرقاب والنهى عما قبله (¬8) بسببه. وقال الخطابى: معناه: لا يكفر بعضكم بعضاً فتستحلوا قتال بعضكم بعضاً. وقيل: المراد بالحديث أهل الردة، وهذا القول إنما قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى خطبة النحر إثر قوله: " إِنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... " (¬9) الحديث، ثم قال: " ليبلغ الشاهدُ الغائبَ، لا ترجعوا بعدى كفاراً ... " (¬10) الحديث، فهو شرح لما تقدم منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى تحريم بعضهم على بعض، ما أقاموا على الإسلام. ¬

_ (¬1) لأن التقدير عليه يجعله واقعاً فى جواب شرط محذوف، أى فإن رجعتم بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، وهذا ليس بلازمٍ. (¬2) وتكون الجملة فى موضع الحال. (¬3) آل عمران: 101. وما ذكره القاضى قد أخرجه ابن هشام فى السيرة 2/ 184 وذكره ابن حجر فى الإصابة 1/ 88. (¬4) فى ت: وأن. (¬5) زيد بعدها فى ق خطأ: فنزلت: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا} [البقرة: 28]. (¬6) فى الأصل: بتألف. (¬7) من ق، وفى غيرها: مجرا. (¬8) فى ت: قيله. (¬9) و (¬10) متفق عليه، وسيأتى إن شاء الله فى كتاب القسامة.

120 - (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ الباهِلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ -: " وَيْحَكُمْ - أَو قالَ: وَيْلَكُمْ - لا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض ". (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قالَ: حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ أَنَّ أَباهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الطبرى (¬1): قوله: " بعدى ": أى بعد فراقى من موقفى هذا، ويكون معنى بعدى (¬2): خلافى أى لا تخلفونى فى أنفسكم بعد الذى أمرتكم به، أو لأنه حقَّق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذا لا يكون فى حياته فنهاهم بعد مماته. وقوله: " ويحكم أو قال ويلكم ": كلمتان استعملتهما العرب بمعنى التعجب والتوجع. قال سيبويه: ويل كلمة لمن وقع فى هلكة، وويح ترحم بمعنى ويْل. وحكى عنه: ويح زجر لمن أشرف على الهلكة. قال غيره: ولا يراد بهما الدعاء بإيقاع الهلكة، ولكن للترحم والتعجب، وروى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه -: ويحُ كلمة رحمة. وقال الهروى: ويح لمن وقع فى هلكة لا يستحقها فيترحم عليه ويرثى له، وويل للذى يستحقها ولا يترحم عليه. وقال الأصمعى: ويح ترحم، وقال ابن عباس: الويل: المشقة. قال ابن عرفة الويل الحزن، وقيل: الهلاك. ¬

_ (¬1) جاءت فى النووى: الصبرى، وهو خطأ. (¬2) فى الأصل: بعدهم، وهو خطأ.

(30) باب إطلاق اسم الكفر على الطعن فى النسب والنياحة

(30) باب إطلاق اسم الكفر على الطعن فى النسب والنياحة 121 - (67) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَش، عَنِ أَبِى صَالِح، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثْنَتانِ فِى النَّاسِ هُما بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِى النَّسَبِ، وَالنِّياحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اثنتان فى الناس هما كفرٌ: الطعن فى الأنساب، والنياحة على الميت ": أى من أعمال أهل الكفر وعادتهم وأخلاق الجاهلية، وهما خصلتان مذمومتان محرمتان فى الشرع، وقد كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ على النساء فى بيعتهن ألا ينحن، وقال: " ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية " (¬1)، وكذلك نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن السخرية واللمز والنبز والغيبة والقذف، وكل هذا من أعمال الجاهلية (¬2)، وقال (¬3) النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله أذهب عنكم عُبيَّة (¬4) الجاهلية ... " الحديث، وقوله: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ..} (¬5)، فعَّرف نعمته بالأنساب للتعارف والتواصل، فمن تسوَّر (¬6) على قطعها والغمض (¬7) فيها، فقد كفر نعمة ربه وخالف مراده، وكذلك أمر تعالى بالصبر وأثنى على الصابرين ووعدهم رحمته وصلاته ووصفهم بهدايته، وحَتَم الموتَ على عباده، فمن أبدى السخط والكراهة لقضاء ربه وفعل ما نهاه عنه فقد كفر نعمته فيما أعدَّ للصابرين من ثوابه وتشبه بمن كفر من الجاهلية. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجنائز، ب ليس منا من لطم الخدود 2/ 103، البيهقى فى السنن الكبرى 4/ 64، ابن أبى شيبة فى المصنف 3/ 99، أحمد فى المسند بنحوه 1/ 432، 456 عن عبد الله بن مسعود، وهو من الأحاديث التى ذكرها ابن عدى فى كتابه الكامل 1/ 334. (¬2) سيرد إن شاء الله تعالى فى ك البر والصلة عن أنس وأبى هريرة، وأخرجه أحمد فى المسند 1/ 5، 2/ 360، 394، 465، 470، 480، 492، 501، 512، 517، 539، 2/ 277، 312، كما أخرجه ابن أبى شيبة فى المنصف 8/ 343. (¬3) فى ت: قال. (¬4) فى ت: أهل. (¬5) الحجرات: 13. (¬6) فى ت: تصور. (¬7) أى الوكس والاستحطاط.

(31) باب تسمية العبد الآبق كافرا

(31) باب تسمية العبد الآبق كافرا 122 - (68) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَرِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: " أَيُّما عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ ". قَالَ مَنْصُورٌ: قَدْ وَاللهِ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلكِنِّى أَكْرَهُ أَنْ يُرْوَى عَنِّى هاهُنا بِالْبَصْرَةِ. 123 - (69) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِياث، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَرِيرٍ؛ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّما عَبْدٍ أَبَقَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أيما عبد أبَقَ من مواليه فقد كفر حتى يرجع ": أى جحد حقه وغطَّاه، وهذا أصل معنى الكفر، قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} (¬1). أو يفعل ذلك مستحلاً لما حرم عليه من حق سيّده. وقوله: " برِئت منه الذمَّة ": الذمة: العهد، أى عهد الإيمان، يريد خرج عنه إن فعل ذلك ووجب قتله (¬2)، يقال فى هذا وغيره من الأشياء والدَّين وسواه: برى بكسر الراء، ويُهْمَز ويُسَهَّل برأ، ويقال فى المرض: بالوجهين، بكسر الراء وفتحها، والفتح لغة الحجازيين، وتميم تكسر وتهمز ولا تهمز، وجاءت لغة " برؤ " بالضم ومستقبله يبرأَ ويبرؤُ بالفتح والضم على الوجهين المتقدمين. وفى الحديث. " من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذى له ذمةُ الله وذمة رسوله " (¬3). أو يكون الذمة التى هى الأمان والضمان الذى جعله الله للمؤمنين من كفاية الأعداء من الجن والإنس فى بعض الحالات، أى أخفر بإباقه هذه الذمة التى هى الأمان والضمان، ومنه سُمى أهل الذمة، لأنهم فى أمان المسلمين وضمانهم، أو يكون هذا لمن كان على غير دين الإسلام من العبيد فيأبقوا إلى بلد العدو، فقد سقطت عنه ذمة الإسلام من حقن دمه بسبب ¬

_ (¬1) البقرة: 90. (¬2) فى الأصل: قيله. (¬3) البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب فضل استقبال القبلة 1/ 108، النسائى، ك الإيمان وشرائعه، ب صفة المؤمن 8/ 105، عن أنس بلفظه، كما أخرجه الطبرانى عن عبد الله بن مسعود وعن جندب بنحوه مجمع 1/ 28.

124 - (70) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ؛ قالَ: كَانَ جَرِير ابْنُ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ استحيائه قبل واسترقاقه، وصار حكمه حكم الحربيين الذين لا ذمة لمن عثر عليهم منهم (¬1). وقول منصور (¬2): أكره أن يروى عنى هذا بالبصرة؛ لما كان فشا بها من الاعتزال والقول بإنفاذ الوعيد والمنزلة بين المنزلتين وسلب اسم الإيمان عن المذنبين والقول بتخليدهم فى النار. وهذا الحديث وأشباهه مما تقدم مما يتمسكون بظواهرها (¬3). وقوله: " لم تقبل له صلاة "، قال الإمام: يحتمل أن يحمل على المستحل لذلك فيكفُر باستحلاله فلا تقبل صلاته ولا غير ذلك [من عمله] (¬4)، وكنى بالصلاة عن غيرها. وفيه - أيضاً - معنى خفى، وذلك [أنه يحتمل] (¬5) أن يكون ذكر الصلاة لأنه منهى عن البقاء فى المكان الذى يصلى فيه لكونه مأموراً بالرجوع إلى سيده فصارت صلاته فى بقعة منهى عن المقام بها تضارع الصلاة فى الدار المغصوبة. ¬

_ (¬1) لم ينقل النووى هذا الوجه على وجاهته. راجع 1/ 256. (¬2) قال النووى: " وفى الرواة خمسة يقال لكل واحد منهم منصور، منصور بن عبد الرحمن هذا أحدهم، هو الأشل الغدانى البصرى ". السابق 1/ 258. (¬3) ذكره النووى بتصرف بغير أن يعزو أصله إلى القاضى. (¬4) فى المعلم: منه. (¬5) من المعلم.

(32) باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء

(32) باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء 125 - (71) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِك، عَنْ صَالِحِ بَن كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدِ الْجُهَنِى: قَالَ: صلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِى إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقالَ. " هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ " قَالُوا: اللهُ ورَسُولُه أَعْلَمُ، قالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مسلم: ثنا يحيى بن يحيى، قرأت على مالك عن صالح بن كيسان عن الزهرى عن عبيد الله [بن عبد الله حديث: " أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر بى "، قال الإمام: فى الحديث عن مالك عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله، عن زيد: " صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح بالحديبية "] (¬1)، قال بعضهم: [وقع] (¬2) فى نسخة ابن ماهان صالح بن كيسان [عن الزهرى، عن عبيد الله، وإدخال] (¬3) الزهرى هنا خطأ، وصالح بن كيسان أسنُّ من الزهرى [وهو يروى هذا الحديث عن عبيد الله دون وساطة] (¬4). وقوله: " صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح بالحديبية "، قال القاضى: أكثر رواة الحديث والخبر يُشدِّدون الباء من الحديبية، والحذاق منهم يخففونها، وكذا قرأناها بالوجهين، وبالتخفيف سمعناها من متقنيهم وحفَّاظِهم أبى الحسين بن سراج اللغوى، وأبى عبد الله بن سليمان النحوى، والقاضى الشهيد [الحافظ] (¬5) أبى على السَّكونى، والراوية أبى بحر بن العاص (¬6) وغيرهم. وحكى لنا أبو الحسين أن الأصمعى يخففها والكسائى يُشَدَّدها. ¬

_ (¬1) و (¬2) من المعلم. (¬3) سقط من أصل ت، واستدرك بهامشه بسهم، وكتب بعدها عبارة: صح، أصل. مما يؤكد لنا نقل تلك النسخة عن النسخة الأصلية. (¬4) غير مذكور فى نسخ المعلم التى تحت يدى، وأغلب الظن أنها من تصرف النساخ، ومما يؤكد هذا أن ما ذكر فى العبارة من إحالة رواية صالح بن كيسان عن الزهرى لكون صالح أسنَّ من الزهرى، قولٌ غير معهود لدى أصحاب الشأن، فضلاً عن ثبوت رواية صالح عن الزهرى فى غير هذا الحديث مع كونه أسنَّ منه كما جاء فى العبارة التى نرى أنها مقحمة على نسخة المعلم، فإن صالح بن كيسان نزل إلى ابن عجلان وإسماعيل بن محمد بن سعد، وعدة، وهم أنزل من الزهرى. سير 5/ 454، تهذيب التهذيب 1/ 28. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) هو سفيان بن العاصى، وقد سبق. ولم أقف على من قبله.

" قالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِى مُؤْمِنٌ بِى وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْنا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكِ مُؤْمِنُ بِى كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ وأَمَّا منْ قالَ: مُطِرنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِى مُؤْمِنُ بِالْكَوْكَبِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى لنا القاضى الشهيد عن إسماعيل القاضى عن ابن المدينى أن أهل المدينة يشدّدونها وأهل العراق يخففونها، وكذلك اختلفوا فى الجِعرانة (¬1)، فأهل المدينة يكسرون العين ويُشَدِّدون الراء، وأهل العراق يخففون العين والراء، وكذلك اختلفوا فى ابن المسيب، فأهل المدينة يكسرون الياء وأهل العراق يفتحونها، وهذا عن أهل العراق فى الحديبيهَ خلاف ما قاله أبو الحسين. وقوله: " [فى] (¬2) أثر سماء ": السماء: المطر، وجمعه أسميَة، وسُمى، والسماء: السحاب، وأصل السماء: [كل ما] (¬3) ارتفع فأظل وعلا، وسماء كل شىء ما علا منه، وبه سميت السماء والسحاب، ثم سُمى المطرُ به لمجىء السحاب به، كما سمى مُزْناً، والمزن: السحاب. وقوله: " أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر بى ... " الحديث، قال الإمام: هذا يحمل على أن المراد به تكفير من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخلقها (¬4) دون أن يكون خلقاً لله، كما يقول بعض الفلاسفة من أن الله تعالى لم يخلق [من] الأشياء إلا (¬5) واحداً وهو العقل الأول عندهم، وكان عن العقل الأول غيره، وهكذا عن واحد آخر إلى أن كان عن كل ذلك ما تحته، حتى ينتهى الأمر إلى الأمطار وإلينا، فى تخليط طويل ¬

_ (¬1) اسم مكان يقع فى رأس وادى سَرِف حين تعلقُه فى الشمال الرقى من مكة، وهى أحد مكانين يعتمر منهما المكيون. راجع: معجم المعالم الجغرافية 83. (¬2) ساقطة من الأصل. وفى الأثر لغتان، كسر الهمزة وسكون الثاء وفتحها. (¬3) فى الأصل رسمت هكذا: كلما. (¬4) فى المعلم: الكوكب وخلقه. (¬5) ساقطة من ت. والنوء مصدر ناء الرجل نوءاً، إذا نهض متثاقلاً، ثم استعمل فى ناء الكوكب إذا طلع، وقيل: إذا غرب، ثم سمى الكوكبُ نوءاً، فقالوا: مطرنا بنوء كذا، أى بنجم كذا، من تسمية الفاعل بالمصدر، وإنما نسبت العربُ المطرَ إلى النجوم لأن ثمانية وعشرين كوكباً معروفة المطالع فى السنة، وهى المسماة بمنازل القمر الثمانية والعشرين، يسقط منها فى كل ثلاث عشرة ليلة كوكب عند طلوع الفجر ويظهر نظيرهُ، فكانت العرب إذا حدث عند ذلك مطر نسبته إلى الغارب، ومنهم من ينسبه إلى الطالع نسبة إيجاد وتأثير، ويطلقون القول المذكور فى الحديث.

126 - (72) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَعَمْرُو بْنُ سَوَادٍ الْعَامِرِىُّ وَمَحْمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِىُّ، قالَ الْمُرَادِىُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُس، وَقالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنا ابْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قالَ: حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدُ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ تَرَوْا إِلى مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِى مَنْ نِعْمَةٍ إِلا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ. يَقُولُونَ: الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِبِ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِىُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخبَرَنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبا يُونُسَ مَوْلَى أَبِى هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ، يُنْزِلُ اللهُ الْغَيْثَ، فَيَقُولُونَ: الْكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا "، وَفِى حَدِيثِ الْمُرَادِىِّ: " بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس هذا موضع ذكره. وأما من اعتقد أن لا خالق إلا الله سبحانه، ولكن جعل فى بعض الاتصالات من الكواكب دلالة على وقوع المطر من خلقه تعالى، [على] (¬1) عادة جرت فى ذلك فلا يكفر بهذا، إذا عبر عنه بعبارة لا يمنع الشرع منها. والظن بمن قال من العوام: هذا نوءُ الثُرَيّا، ونوْءُ الراعى، أنه إنما يريد هذا المعنى، وقد أشار مالك - رحمه الله - فى موطئه إلى هذين (¬2) المعنيين، وأوردهما فى بابين، وأورد فى المعنى الأول: الحديث الذى نحن فيه، و [أورد] (¬3) فى المعنى الثانى: " إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عينُ غديقةٍ " (¬4). قال القاضى: قال الحربى: إنما جاءت الآثار بالتغليظ؛ لأن العرب كانت تزعم أن ذلك المطر من فعل النجم، ولا يجعلونه من سقى الله تعالى، فأما من نسبه إلى الله وجعل النوء مثل أوقات الليل والنهار، كان ذلك واسعاً كما قال أبو هريرة: " سقانا الله ولم يَسْقِنا النجم ". ¬

_ (¬1) غير مذكورة فى المعلم، والعبارة بغيرها مستقيمة. (¬2) الذي فى المعلم: هذا. (¬3) من المعلم. (¬4) انفرد به مالك فى الموطأ، وذكره بلاغاً، قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعرفه بوجه من الوجوه فى غير الموطأ، إلا ما ذكره الشافعى فى الأم.

127 - (73) وحدّثنى عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْل، قالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاس قَالَ: مُطِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى من طريق ابن عباس فى الأم فى هذا الحديث: " أصبح من الناس شاكر وكافر ": فمقابلته لشاكر بكافر يدل أن المراد كفر النعمة وجحدها إذا لم يضفها إلى ربه ويشكره عليها ولا ولى الأمر أهله، واقتصر على ذكر عادةٍ غير مؤثرة، ومخلوقات مسخرة وآلات مُدبرة، وكذلك يدل عليه قوله - أيضاً - فى الحَدِيث الآخر: " ما أنزل الله من السماء من بركة " وفى اللفظ الآخر: " ما أنعمت على عبادى (¬1) من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين "، فدل أنه كفر نعمة لا كفر بالله. وإنما يجوز من هذا أن يذكر بمعنى الوقت أو الآلة، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تلك عين غديقة "، وكما قال عمر: كم بقيا لنوء الثريا. فأما القول: مطرنا بنوء كذا وإن لم يعتقد قائله تأثير النجوم وفعلها، ففيه مشابهة لقول من يعتقد ذلك، والشرع قد حمى (¬2) التشبيه بالكفار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} (¬3). إذ كانت كلمة اليهود والمنافقين معرضين بها. وورد فى آخر الحديث المتقدم أن فى هذا نزلت: {فَلا أُقْسِمُ بمَوَاقِعِ النُّجُوم} إلى قوله: {وتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُون} (¬4). وقد اختلف المفسرون فى معنى هذه الآية، ومعنى النجوم فيها، ومعنى الرزق، فذهب الحسن ومجاهد وقتادة: أن النجوم فيها نجوم السماء ومواقعها إما مغاربها وإما مطالعها أو انكدارها أو انتثارها يوم القيامة، على اختلاف تأويلاتهم فى ذلك. وقيل: ¬

_ = ومعنى: " إذا أنشأت بحرَّية ": أى إذا ظهرت سحابة من ناحية البحر، ومعنى: " تشاءمت ": أى أخذت نحو الشام، و " غديقة " هى مصغر غدقة، قال تعالى: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} [الجن: 15] أى كثيراً - وقال مالك: " معناه: إذا ضربت ريحُ بحريَّةُ فأنشأت سحاباً ثم ضربت ريح من ناحية الشمال، فتلك علامة المطر الغزير. والعين مطر أيام لا يُقلع ". الموطأ، ك الاستسقاء، ب الاستمطار بالنجوم 1/ 192. (¬1) فى ت: عبدى. (¬2) كتب أمامها بهامش ت: " حرم " كالتفسير لها. وحمى أوسع دلالة على المراد من حرم، فهى هنا بمعنى المنع، أعم من أن يكون حراماً أو مكروهاً. (¬3) البقرة: 104. وذلك أن اليهود - عليهم اللعائن - كانوا يُعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقص، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا، يورون بالرعونة، كما قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء: 46] تفسير القرآن العظيم 1/ 213. (¬4) الواقعة: 75 - 82.

النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقالَ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ، قَالُوا: هذِهِ رَحْمَةُ اللهِ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَؤْءُ كَذَا وَكَذَا ". قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم} حَتَّى بَلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُون} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ مواقع النجوم: منازل القرآن (¬2)، أنزل نجوماً. وعن مجاهد: مواقع النجوم: محكم القرآن. وعن ابن عباس: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُم} الآية: أى شكركم، فيقولون: مطرنا بنوء كذا ونجم كذا. قال قطرب: الرزق هنا الشكر، وقيل: وتجعلون شكر رزقكم. وتحقيقه عوض شكر ربكم ونعمه قولكم هذا، وإضافة رحمته لكم لغيره. وعن الهيثم بن عدى فى لغة أزد شنوءة: ما رَزَقَ فلانٌ فلاناً، أى ما شكره (¬3). وذكر مسلم آخر الباب: ثنا عباس بن عبد العظيم العنبرى. كذا الرواية، وعند العُذرى الغبرى. وهو تصحيف. ¬

_ (¬1) الواقعة: 75 - 82. (¬2) وينسب لابن عباس من طريق حكيم بن جُبَير، عن سعيد بن جُبَير، وكذا قال عكرمة، ومجاهد، والسُّدى. راجع: تفسير القرآن العظيم 8/ 21. (¬3) تفسير الطبرى 27/ 119.

(33) باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى رضى الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق

(33) باب الدليل على أن حب الأنصار وعلىّ رضى الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق 128 - (74) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِىّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْر، قالَ: سَمِعْتُ أنَسًا قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آيَةُ الْمُنَافِقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ، وآيَةُ الْمُؤْمِنِ حُبُّ الأَنْصَارِ ". (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ الْحَارِثِى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنِ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ: " حُبُّ الأَنْصَار آيَةُ الإِيمانِ، وَبُغْضهُمْ آيَةُ النِّفاَقِ ". 129 - (75) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قالَ: حَدَّثَنِى مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِى الأَنْصَارِ: " لا يُحِبُّهُمْ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ ". قالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِعَدِىٍّ: سَمِعْتَهُ مِنَ الْبَرَاء؟ قالَ: إِيَّاىَ حَدَّثَ. 130 - (76) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هَرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " لا يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ". (77) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كِلاهُما عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " آية المنافق بغض الأنصار ... " الحديث، وقوله مثل ذلك فى على - رضى الله عنه - معناه بَيّن؛ لأن من عرف حق الأنصار، ومكانهم من الدين، ومبادرتهم

131 - (78) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِر، قالَ: قالَ عَلِىٌّ: وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِىِّ الأُمِّىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَىِّ: " أَلا يُحِبَّنِى إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُنِى إِلا مُنَافِقٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى نصره وإظهاره، وقتال كافة الناس دونه وذَبَّهم عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ونصرهم إياه] (¬1) حبَّهم ضرورة بحكم صحة إيمانه، وحبّه الإسلام وأهله، وعظموا فى نفسه بمقدار عظم الإسلام فى قلبه، ومن كان منافق السريرة غير مسرور بما كان منهم ولا محب فى إظهارهم الإيمان ونصره، أبغضهم لا شك لذلك؛ وكذلك من حقق مكان على من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحُبَّه له وَغَناه فى الإسلام وسوابقه، أحبَّه إن كان مؤمناً محباً فى النبى وآله، وإن كان بخلاف ذلك أبغضه بفضل بغضه للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وأهل مِلَّته، ومثل هذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2) فى الحديث الآخر فى الصحابة: " فَبِحُبّى أحبَّهم، وببغضى أبغضهم " (¬3). ¬

_ (¬1) فى ت: ونصره. (¬2) سقط من ت. (¬3) يشير إلى ما أخرجه الطبرانى عن وائل بن حجر بسند ضعيف: " من أحبَّ الأنصار فبُحبى أحبَّهم، ومن أبغض الأنصار فببغضى أبغضهم "، وكذا أخرجه عن معاوية بسند قال فيه الهيثمى: " رجاله رجال الصحيح غير النعمان بن مُرَّة وهو ثقة " راجع: الطبرانى فى الكبير 19/ 341، مجمع الزوائد 9/ 376، 10/ 39. وقول على - رضى الله عنه -. " والذى فلق الحبة ": أى شقها بما يخرج منها، والحبَّةُ بفتح الحاء اسم لما يزرع ويستنبت، وبكسرها لما لا يزرع كبقول الصحراء. وقوله: " وبرأ النسمة ": أى خلقها، والنسمة النفس، وقد يقال على الإنسان نسمةٌ، وقد يقال أيضاً على الربوة والهواء، وهو امتلاء الجوف من الهواء. و (الأمى): هو الذى لا يكتب، وهو منسوب إلى الأم؛ لأنه باق على أصل ولادتها، إذا لم يتعلم كتابة ولا حساباً، وقيل: ينسب إلى معظم أمة العرب، إذ الكتابة كانت فيهم نادرة. قال القرطبى: وهذا الوصف من الأوصاف الذى جعله الله تعالى من أوصاف كمال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه به، وإنما كان وصف نقص فى غيره لأن الكتابة والدراسة والدربة على ذلك هى الطريق الموصلة إلى العلوم التى بها تشرف نفس الإنسان ويعظم قدرها عادة، ولما خصَّ الله تعالى نبينا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعلوم الأولين والآخرين من غير كتابة ولا مدارسة كان ذلك خارقاً للعادة فى حقه، ومن أوصافه الخاصة به، الدالة على صدقه، فسبحان الذى صيَّر نقصاً فى حقه كمالاً، وزاده تشريفاً وجلالاً. وقوله: " ألا يحبنى " هو بفتح همزة ألا؛ لأنها همزة أن الناصبة للفعل المضارع، ويحتمل أن تكون المخففة من الثقيلة، وكذلك روى: " يحبنى " بضم الباء وفتحها، وكذلك يبغضنى؛ لأنه معطوف عليه، والضمير فى " أنه " ضمير الأمر والشأن، والجملة بعده تفسير له. المفهم 1/ 237.

(34) باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق

(34) باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق 132 - (79) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ الْمِصْرِىُّ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ النسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفَارَ، فَإنِّى رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ". فَقَالتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ، جزْلَةٌ: وَمَا لَنا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهلِ النَّارِ. قالَ: " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذى لُبٍّ مِنْكُنَّ ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قالَ: " أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَهذَا نُقْصَانُ العَقْلِ. وَتَمْكُثُ اللَّيالِى مَا تُصَلِى، وَتُفْطِرُ فِى رَمَضَانَ، فَهذَا نُقْصَانُ الدِّينِ ". وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، بهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (80) وحدّثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىّ الْحُلْوَانِىُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قالَ: أَخْبَرَنِى زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَمرِو بْنِ أَبِى عَمْرو، عَنِ المَقْبُرىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يا معشر النساء تصدَّقن وأكثرن الاستغفار ... " الحديث: حضٌّ على الأمر بالصدقة والاستغفار، وأمره بذلك دليل أن العصاة ليسوا بكفارٍ، وأنهم فى مشيئة الله [تعالى] (¬1)، وأن الحسنات يذهبن السيئات، وفيه دليل أن كفران العشير (¬2) واللعن من الذنوب المتوعد عليها بالنار. ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى ت: العشيرة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه: " فقالت امرأةٌ منهنَّ جَزْلةٌ ": أى ذات عقل ودين. قال ابن دريد: الجزالة: الوقار والعقل، وفى العين: امرأة جزيلة، أى ذات عجيزة عظيمة، وأصله العظيم من كل شىء، ومنه عطاء جزل (¬1). وقوله: " يكثرن اللعن ويكفرن العشير ": اللعن فى اللغة: الطرد والإبعاد، ومعناه فى الشرع: الإبعاد من رحمة الله. والعشير هنا: الزوج، يسمى بذلك الذكر والأنثى؛ لأن كل واحد منهما يعاشر صاحبه، والعشير - أيضاً - الخليط والصاحب. وقد قال الباجى: يحتمل أن يريد به الزوج خاصة، ويحتمل أن يريد به كل من يعاشرهن. ودليل الحديث خلاف ما قاله من شرحه بمعنى الزوج بعد هذا دون غيره، واستحقاقهن النار بكفران إحسان العشير وجحد حقه، يدلُّ أنه الزوج لعظيم حقه عليهن (¬2). وإدخال مسلم هذا الحديث فى كتاب الإيمان لفائدتين: إحداها: بيان أن الكفر قد ينطلق على كفر النعمة وجحد الحق وتغطيته وهو أصل الكفر فى اللغة، لكفران العشير المذكور فى الحديث، وكفر الإحسان المذكور فى الحديث فى غير الأم، إذ لا إشكال أنه لم يرد به هنا الكفر بالله، وفسَّر به كل ما أطلق عليه اسم الكفر على أهل المعاصى فيما تقدم من الأحاديث. قال أحمد بن منصور (¬3): يكفرن العشير ويكفرن الزوج كلام واحد، أى يكفرن إحسان الزوج. قال: وكفر النعمة من أكبر المعاصى، ولو كان خروجاً من الإيمان لم يمكن الزوج من التمسّك بها وموارثتها. قال القاضى: والثانية: إظهار نقص الإيمان وزيادته بقوله: " ناقصات عقل ودين ". وقوله: " لذى لُبّ ": أى لذى عقل (¬4)، ومنه تكرار قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول الأعشى ¬

_ = والمعشر هم الجماعة الذين أمرهم واحد، أى مشتركون، وهو اسم يتناولهم، كالإنس معشر، والجن معشر، والأنبياء معشر، والنساء معشر، ونحو ذلك، وجمعه معاشر. نووى 1/ 263. (¬1) ومن جزالتها أنها لم تسأل إلا عن السبب لتحترز منه. إكمال الإكمال 1/ 185. (¬2) وعلى ذلك فإن كفران العشير كبيرة؛ للعقوبة عليه بالنار، قال النووى. " التوعد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة، وأما اللعن فمن المعاصى الصغائر، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وتكثرن اللعن " والصغيرة إذا كثرت صارت كبيرة ". نووى 1/ 264، إكمال الإكمال 1/ 185. (¬3) زيد بعدها شى الأصل: نصر قوله. (¬4) التعجب هنا من كثرة غلبهن لا من غلبتهن للرجال على الصحيح؛ لأنه لا يجوز التعجب من فعل المفعول، وهم الرجال هنا. راجع: إكمال 1/ 186، واللُّبُّ هو: العقلُ الخالص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى امرأته (¬1): وهن شرَّ غالب لمن غلب. وقول صاحبة أم زرع: " وأغلبه والناس تغلب " (¬2)، وقول [معاوية] (¬3): يغلبن الكرامَ ويغلبهن اللئام. وقوله: " ناقصات عقل أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل "، قال الإمام: هذا تنبيه منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما وراءه لأنه ليس فى [هذا] (¬4) الوصف بقصور شهادتهما عن شهادة الرجل بمجرده دليل على نقص العقل حتى يتم بما نبَّه الله عليه سبحانه (¬5) فى كتابه، منِ أن ذلك لأجل قلة ضبطها (¬6)، وذلك قوله تعالى: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخرى} (¬7). وقد اختلف الناس فى العقل ما هو؟ فقيل: العلم، وهذه طريقة من اتبع حكم اللغة؛ لأن العلم والعقل فى اللسان بمعنى واحد، ولا يفرقون بين قولهم عَقلْت وعلمْت، وقيل: العقل: بعض العلوم الضرورية. وقيل: هو: [قوة] (¬8) يُميَّز بها بين حقائق المعلومات. ¬

_ (¬1) واسمه عبد الله بن الأعور المازنى، وكان من قصته أنه كانت عنده امرأةٌ يقالُ لها: معاذة، خرجَ فى رجب يمير أهله من هجر، فهربت امرأته ناشزاً عليه وعاذت برجل من مازن يقال له: مطرّف بن نهشل، فلما قدم لم يجدها فى بيته، وأخبر أنها نشزت عليه، وأنها عاذت بمطرف بن نهشل، فأتاه فقال: يا ابن عم، أعندك امرأتى معاذة؟ فادفعها إلىَّ. قال: ليست عندى، ولو كانت عندى لم أدفعها إليك. وكان مطرف أعزَّ منه، فخرج الأعشى حتى أتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعاذ به، فأنشأ يقول: يا سيّد الناس وديَّان العرب ... إليك أشكو ذُرْبةً من الذُّرَب كالذئبةِ العنْساءِ فى ظِلّ السَّرَب ... خَرجْتُ أبغيها الطعام فى رَجَبْ فَخلّفَتنى بنزع وهَرَبْ ... أخْلَفَت الوَعْد ولطّت بالذنب وقذفتنى بين عصْرِ مؤتَشبْ ... وهُنَّ شَرُّ غالب لمن غلب وعند ذلك قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وهن شَرُّ غالب لمن غلب "، وكتب له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مطرف: " انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه "، فأتاه كتاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرئ عليه، فقال لها: يا معاذة، هذا كتاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيك، فأنا دافعك إليه. ومعنى الذربة: السليطة اللسان، ولطَّت بالذنب: أى جعلته بين فخذيها عند العدو، والمؤتشب: الملتف المشتبك، والعصر: هو اليابس من عيدان الشجر. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى حديث أم زرع برقم (92). (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) من المعلم. (¬5) زيد بعده فى المعلم: عليه، ولا حاجة إليه. (¬6) فى الإكمال: ضبطهما، والمثبت من المعلم. (¬7) البقرة: 282. (¬8) من المعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما على قول من قال: هو العلم، فيكون وصفهن بنقص العقل (¬1) لأجل النسيان وقلة الضبط على ظاهره؛ لأن ذلك نقص من العلوم. وعلى رأى من رأى أن العقل غير ذلك يكون قلة الضبط والنسيان وشبه ذلك عَلماً على القصور والنقص فى ذلك المعنى الطبيعى، الذى هو شرط فى تلقى التكاليف وكثرة العلوم. وأما وصفه إياهن بنقص الدين لأجل ترك الصلاة فى الحيض، فيصح إذا قلنا: إن العبادات كلها تُسمى ديناً، إلا أنه لا لوم عليهن فى ذلك لأن (¬2) تركهن الصلاة حينئذ طاعة، فإن قيل: قد يقلن: نحن كالمسافر فى القصر والفطر وليس بناقص الدين؟ قيل: قد يفرق بأن الحيض يستقذر، ولعل ترك التعبد بالصلاة [فيه] (¬3) تنزيه لله تعالى أن يتقرب إليه فى تلك الحالة فيصير النقص من هذه الجهة، على أن السفر أمر يكتسب، وفى وسع الإنسان ألا يسافر فلا تسقط عنه الصلاة، والحيض ليس فى وسع المرأة رفعه، فسقوط الصلاة عنها أمرٌ ضرورى لها، وهذا كله قد لا يُحتاج إليه؛ لأن المسافر لا تَسْقُط عنه الصلاة أصلاً، وإنما تغيَّر عدة الفرض، والمرأة الحائض تسقط عنها بكل حال. قال القاضى: وقد ينكسرُ كلام من قال: منعت من الصلاة للتنزيه بعبادة الله تعالى لأجل الاستقذار الذى ذكرنا بما أباح الله لها من سائر العبادات غير الصوم والصلاة فى تلك الحال، وفيها ما هو من نوع الصلاة كقراءة القرآن ظاهراً على خلاف فيه عندنا، وفى الإقبال على الذكر وسائر أفعال الحج ما خلا الطواف ولالتزام الحائض فى اعتكافها ما كانت تلزمه قبل طروِّ الحيض غير الصوم، ولزوم المسجد على أحد القولين عندنا (¬4). وقوله فى سند هذا الحديث: عن عمرو بن أبى عمرو عن المقبرى عن أبى هريرة، قال أبو مسعود الدمشقى (¬5): المقبرى هنا هو أبو سعيد والد سعيد. قال الجيَّانى: وهذا فى رواية إسماعيل بن جعفر (¬6) عن عمرو بن أبى عمرو. [وقال الدارقطنى: وخالفه ¬

_ (¬1) فى ق: العلم. (¬2) فى الأصل: لأنهن، والمثبت من ت والمعلم. (¬3) من المعلم. (¬4) أراد الأبى رد قول القاضى هنا فقال: لا ينكسر بذلك؛ لأن الإمام لم يفرق بأنها منعت من كل العبادات حتى يجاب بأنه قد أبيح لها كثير منها، وإنما فرق بأنها منعت من الصلاة التى هى أشرف العبادات. إكمال 1/ 187. قلت: الانكسار يتحقق لتحقق الاستقذار الذى هو سبب المنع. (¬5) هو الحافظ المجوّدُ البارع إبراهيم بن محمد بن عُبيد الدمشقى، أحد من صنَّف فى الأطراف، وكتابه هو " أطراف الصحيحين "، وأحدُ من برز فى هذا الشأن، لكنه مات فى حد الكهولة. حدَّث عنه أبو ذر الهروى، وحمزة بن يوسف السَّهمىّ، وآخرون. مات سنة إحدى وأربعمائة. سير 17/ 227. (¬6) هو الإمام ابن أبى كثير، الحافظ الثقة. ولد سنة بضع ومائة. وسمع حميد الطويل، وربيعة بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان بن بلال (¬1) فراوه بن عمرو بن أبى عمرو، (¬2) وعن سعيد المقبرى: وقول سليمان أصح. ¬

_ = أبى عبد الرحمن، وهشام بن عروة، وروى عنه قتيبة بن سعيد، ومحمد بن سلام البيكندى، وخلق سواهم. قال فيه يحيى بن معين: ثقة، مأمون، قليل الخطأ. قال الذهبى: مات سنة ثمانية ومائة، وفات أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن عرفه السماع منه. سير 8/ 228. (¬1) هو الإمام المفتى الحافظ أبو محمد القرشى، مولى عبد الله بن أبى عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، ويقال: مولى القاسم بن محمد، مولده فى حدود سنة مائة. حدث عن عبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، وربيعة الرأى، وخلق سواهم، وكان من أوعية العلم. روى عنه سعيد بن أبى مريم، والقعنبى، وعبد الله بن المبارك، وخلق غيرهم. قال فيه محمد بن سعد: كان بربرياً جميلاً، حسن الهيئة، كان يفتى بالمدينة، وولى خراجها، وكان ثقة، كثير الحديث. توفى بالمدينة سنة اثنين وسبعين ومائة. الطبقات الكبرى 5/ 420، سير 7/ 425. (¬2) سقط من ق.

(35) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة

(35) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة 133 - (81) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَان يَبْكِى. يَقُولُ: يا وَيْلَهُ - وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ: يا وَيْلِى - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسَّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِىَ النَّارُ ". (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَعَصَيْتُ فَلِىَ النَّارُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا قرأ ابن آدم السجدة (¬1) اعتزل الشيطان يبكى "، قال الإمام: احتج به أصحاب أبى حنيفة فى أن سجود التلاوة واجب لتشبيه إبليس إياه بسجوده لآدم. قلنا: يحتمل أن يكون لم يرد المشابهة فى الأحكام بل فى كونه سجوداً، فذكر [به] (¬2) ما سلف له، ولكن إنما يصح لهم الحجة إذا وجب التعلق بما قال لقوله: أُمِرَ ابن آدم، على قول الأشعرى وغيره: أن المندوب إليه [غيرُ مأمور به] (¬3). قال القاضى: أصل السجود فى اللغة الميلُ والخضوع، قال يعقوب: أسجَدَ الرجلُ إذا طأطأ رأسه، وسجد إذا وضع جبهته فى الأرض، وقال ابن دريد: أصل السجود إدامة النظر مع إطراق إلى الأرض وكذلك أسْجد. وقال غيره: سجدت النخلة: مالت، وسجدت الناقة: طأطأت رأسها. وقال المفسرون أيضاً: كان سجود الملائكة لآدم تحية لا عبادة له وطاعة (¬4) لله، وقد كان - فيما ذكر قبل - السجودُ للتحية، والتكرمة مباحاً (¬5)، وقيل ذلك فى قوله ¬

_ (¬1) أى: وسجدها. إكمال 1/ 187. (¬2) من المعلم. (¬3) عبارة المعلم: لا يكون مأموراً به. (¬4) وقيل: سجود تشريف وتكريم وتعظيم. تفسير القرآن العظيم 5/ 163. (¬5) فقد أخرج ابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن أبى أوفى قال: قدم معاذٌ اليمن - أو قال: الشام - فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، قال: فوددت فى نفسى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحق أن يُعظّم، فلما قَدِم قال: يا رسول الله، رأيتُ النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فوددتُ فى نفسى أنَّك أحق أن تعظم، فقالَ: " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجُدَ لزوجها " الحديث، ابن ماجه فى النكاح، ب حق الزوج على المرأة 1/ 595 وأشار محققه لصحته، وأحمد فى المسند 4/ 381.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [تعالى] (¬1): {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} (¬2) أى ليوسف، وقيل: لله، والهاء فى " له " عائدة عليه تعالى. وقيل: أمرهم الله تعالى بالسجود ليظهر فضله عليهم، إذ ظنت الملائكة أنه لا يفضلهم أحد، وقيل: هو معنى قوله: {وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُون} (¬3) ذكر هذا عن قتادة (¬4)، فلما خلق الله آدم [وأعلمه من الأشياء بما لم يعلموه] (¬5)، بان أنه أعلم منهم، فلما أمرهم بالسجود له بان فضله عليهم. وقول الإمام [رحمه الله] (¬6): فى تصحيح الحجة للحنفى على [قول] (¬7) الأشعرى (¬8): أن المندوب غير مأمور به فلا ينتزع من هذا الحديث جملةً؛ لأن ذلك إنما هو فيما ورد من أمر الله ورسوله، أو حكاه الرسول عن ربه، وأما هذا فإنما هو حكاية عن قول إبليس، وقد يكون مخطئاً فى تعبيره عن ذلك بالأمر، فلا يحتج بقوله، كما أخطأ فى قوله محتجاً لفضيلة (¬9)، بزعمه: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين} (¬10)، إلا أن يقول قائل: إن ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك عنه ولم ينكره كالإقرار له (¬11)، فما ذلك ببيّن، فقد حكى الله تعالى وحكى هو عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أهل الكفر مقالات كثيرة، ولم يكن ذلك تصويباً لها، وكذلك ليس فى قوله: " فله الجنة " دليل على وجوبها إذ ليس كل ما يدخُل ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) يوسف: 100. (¬3) البقرة: 33. (¬4) وكذا أبو العالية، والربيع بن أنس، والحسن. وقد روى الضحاك عن ابن عباس فى هذه الآية: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُون}، قال: يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية، يعنى: ما كتم إبليس فى نفسه من الكبر والاغترار. قال ابن جرير: وهو أولى الأقوال. تفسير الطبرى 1/ 455. (¬5) فى ت: وأعلمهم من الأسماء ما لم يعلموه. (¬6) من ت. (¬7) من ق. (¬8) لعل الصواب: الشافعى، إذ هو الذى ورد ذكره بالاحتجاج عليه فى كتب الحنفية، فقد جاء فى بدائع الصنائع: قال أصحابنا: إنها - يعنى سجود التلاوة - واجبة، وقال الشافعى: إنها مستحبة. ثم قال بعد عرضه لهذا الحديث مبيناً وجه الاستدلال به: والأصل أن الحكيم متى حكى عن غير الحكيم أمراً ولم يعقبه بالنكير، يدل ذلك على أنه صواب، فكان فى الحديث دليل على كون ابن آدم مأموراً بالسجود، ومطلق الأمر للوجوب؛ ولأن الله تعالى ذمَّ أقواماً بترك السجود فقال: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآن لا يَسْجُدُون} [الانشقاق: 21]. وإنما يستحق الذمَّ بترك الواجب. بدائع الصنائع 1/ 476. (¬9) فى ت: بفضيلة. (¬10) الأعراف: 12. (¬11) فى ت، ق: التصويب.

134 - (82) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيانَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشَّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ ". (...) حدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْن مَخْلَدٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ. أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشَّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بفعله الجنة واجباً، فالمندوب يثابُ عليه بالجنة وليس بواجب. وقوله: " بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة " (¬1) معناه: بين المسلم وبين اتسامه باسم الكفار واستحقاقه من القتل ما استحقوه ترك الصلاة وقد يكون معنى الحديث: إن بالصلاة والمواظبة عليها وتكرار ذلك فى يومه وليلته يفترق (¬2) المسلم من الكافر، ومن ترك ذلك ولم يهتبل به ولا تميز بسيماء المؤمنين دخل فى سواد أضدادهم من الكفرة والمنافقين. وفيه دليل لمن كفَّر تارك الصلاة من السلف والعلماء وإن كان معتقداً وجوبها. وهو قول على بن أبى طالب - رضى الله عنه - وجماعة من السلف. وذهب إليه فقهاء أهل الحديث أحمد بن حنبل وابن المبارك وإسحاق وابن حبيب من أصحابنا (¬3)، وجماعة من العلماء على أنه ليس بكافر، وأكثرهم يرى قتله إن أبى منها، والكوفيون لا يرون قتله ويُعزَّر حتى يصلى، ونحوه (¬4) [للمزنى] (¬5) ثم اختلفوا فى استتابته. ومن لم يكفره يقتله حدًّا. قال ابن القصار: واختلف أصحابنا فى استتابته، فمن لم يستتبه يجعله كسائر الحدود التى لا تسقطها التوبة [يؤخر حتى يَمُرَّ وقت صلاة، فإن لم يصل قتل] (¬6) وكذلك اختلفوا ¬

_ (¬1) نسخة مسلم التى بين أيدينا بتقديم الشرك على الكفر. وقال فيه النووى: " هكذا هو فى جميع الأصول من صحيح مسلم الشرك والكفر بالواو، وفى مخرج أبى عوانة الإسفرايينى وأبى نعيم الأصبهانى " أو الكفر " (بأو) ولكل واحد منهما وجه " نووى 1/ 268. (¬2) فى ت: يفرق. (¬3) قالوا: لأن أدلة الوجوب ظاهِرَةٌ فى الكتاب والسنة، والمسلمون يفعلونها على الدوام، فلا يخفى وجوبها على الناشئ بين المسلمين فى الأمصار والقرى، ولما كان الكفْرُ مبيحاً للقتل كان ترك الصلاة كذلك. المغنى 3/ 351. (¬4) زيد بعدها فى ق: اختاره بعض شيوخنا، قال: يعذب حتى يموت أو يصلى. (¬5) ساقطة من ق. (¬6) من ق، والمذكور هو إحدى الروايتين لأحمد، والثانية: أنه لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة عن فعلها؛ لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين لشبهة، فإذا تكرر ذلك ثلاثاً تحقق أنه تارك لها رغبة عنها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى قتله إذا تركها متهاوناً (¬1)، وإن قال: أصلى وفى استتابته وتأخيره. فذهب (¬2) مالك [رحمه الله] (¬3) أنه يؤخَّر حتى يخرجَ الوقتُ، فإن خرج ولم يصل قُتل. والصحيح أنه عاص غير كافر لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّه لا يَغْفِر أَن يُشْرَكَ بِهِ ويغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (¬4)، وأن يُقتل إن أبى منها لقوله تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاة} الآية (¬5)، ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم " (¬6). واختلف العلماء فى أخوات الصلاة كالزكاة والصيّام والحج والوضوء والغسل، هل يقتل الأبىُّ منها المعترفُ بفرضها أو يعاقب؟ وهل [هو] (¬7) كافر أو عاص؟ ومذهب مالك فيمن أبى من ذلك فقال: لا أتوضأ ولا أصوم يُستتابُ، فإن تاب وإلا قُتِل، وإن قال: لا أزكى أخِذت منه كُرهاً، فإن امتنع قوتل، وإن قال: لا أحُج لم يجبر لكون فرضه على التراخى دون الفور (¬8). وقال ابن حبيب (¬9): من قال عند الإمام: لا أصلى وهو فرضٌ على قُتل ولا يُستتاب، وكذلك من قال عنده: لا أتوضأ ولا أغتسل من جنابة ولا أصوم رمضان. قال ابن حبيب: من ترك الصلاة عامداً (¬10) أو مُفَرِّطاً [فهو] (¬11) كافر، ومن ترك أخواتها ¬

_ (¬1) فقد أخرج الخلال عن أبى شُميْلة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى قُباء، فاستقبله رهطٌ من الأنصار يحملون جنازةً على باب، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذا؟ ". قالوا: مملوك لآل فلان، كان من أمره. قال: " أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ ". قالوا: نعم، ولكنه كان وكان. فقال لهم: " أما كان يُصلى؟ " فقالوا: قد كان يُصلى ويَدَعُ. فقال لهم: " ارجعوا به فغسّلوه، وكفّنوه، وصَلُّوا عليه، وادفِنوه، والذى نفسى بيده، لقد كانت الملائكة تحول بينى وبينه ". وللدارقطنى بإسناده عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلُّوا على من قال: لا إله إلا الله "، السنن، ك الصلاة، ب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه 2/ 56. (¬2) فى الأصل: ومذهب. (¬3) من ت. (¬4) النساء: 48، 116. (¬5) التوبة: 5، 11. (¬6) سبق أول الكتاب برقم (36). (¬7) ساقطة من الأصل. (¬8) حكاها القرطبى باختصار قليل بغير عزو. (¬9) هو فقيه الأندلس أبو مروان، عبد الملك بن حبيب، وُلد فى حياة الإمام مالك بعد السبعين ومائة. وارتحل فى حدود سنة عشر ومائتين وحج، وحمل عن عبد الملك بن الماجشون، ومطرف، وعدَّة من أصحاب مالك والليث، ورجع إلى قرطبة بعلم جمّ، وفقه كثير. وحدث عنه بقىُّ بن مخلد، ومحمد بن وضَّاح. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. سير 12/ 102. (¬10) فى الأصل: متعمداً، وفى هامش الأصل: عمداً. (¬11) ساقطة من الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متعمداً من زكاة وصوم وحج فهو كافر (¬1). وقاله الحكم بن عتيبة (¬2) وجماعة من السلف. وقال: لا يكفر إلا بجحد هذه الفرائض، وإلا فهو ناقص الإيمان فاسق، واحتجوا بإجماع الصدر الأول على مواربة من لا يصلى ودفنهم مع المسلمين (¬3)، وكذا (¬4) الخلاف فى الزكاة إذا امتنع بها ولم يقدر أن تأخذ منه، وإلا فمتى منعها أخذت منه كرهاً وجوهد على ذلك إن امتنع. ولا خلاف فى جاحد فرض من هذه الفرائض أنه كافر. ¬

_ (¬1) لأنها مبانى الإسلام، وأدلة وجوبها لا تكادُ تخفى، فلا يجحدها إلا معاند للإسلام، يمتنع من التزام الأحكام. المغنى 12/ 275. (¬2) جاءت فى جميع النسخ: عيينة، وليس فى علماء السلف من اسمه الحكم بن عيينة، وإنما هو ابن عتيبة. وضبطه الصفدى على التكبير، فقال: ابن عتبة. الوافى 13/ 111. وهو الإمام الكبير عالم أهل الكوفة، أبو محمد الكندى. قال فيه سفيان بن عيينة: ما كان بالكوفة مثل الحكم، وحماد بن سليمان، وقال فيه العجلى: كان الحكم ثقة، ثبتاً، فقيهاً، من كبار أصحاب إبراهيم، وكان صاحب سنة واتباع. حدَّث عن أبى جُحَيفة السُّوائى، وشريح القاضى، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وإبراهيم النخعى، وخلق سواهم. وعنه منصور، والأعمش، والأوزاعى، وشعبة، وأبو عوانة، وآخرون. مات سنة خمس عشرة ومائة. الطبقات الكبرى 6/ 381، طبقات خليفة 162، سير 5/ 208. (¬3) قالوا: فإنَّا لا نعلمُ فى عصر من الأعصار أحداً من تاركى الصلاة تُرِك تغسيله والصلاة عليه، ودفنُه فى مقابر المسلمين، ولا مُنع ورثتُه ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فُرّق بين زوجين لترك الصلاة من أحَدِهما، مع كثرة تاركى الصلاة، ولو كان كافراً لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافاً فى أن تارك الصلاة يجبُ عليه قضاؤها، ولو كان مُرْتداً لم يجب عليه قضاءُ صلاةٍ ولا صيام. وأجاب هذا الفريق على حديث الباب بانه ورد على سبيل التغليظ، والتشبيه له بالكفار. المغنى 3/ 357. (¬4) فى ت: وكذلك.

(36) باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال

(36) باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال 135 - (83) وحدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ. أَخْبَرَنا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنِ سَعْدٍ - عَنِ ابْن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّب، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " إِيمانٌ بِاللهِ ". قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللهِ ". قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " حَجٌّ مَبْرُورٌ ". وَفِى رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قالَ: " إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ". وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهَرِىِّ، بِهذَا الإِسْنادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سئل: أى الأعمال أفضل؟ قال: " إيمان بالله " (¬1): فجعله من العمل، والإيمان غيرُ العمل فى عُرف الكلام، وإن كان فى الحقيقة من الأعمال. وقد فرق بين الإيمان والأعمال فى الكتاب وفى أحاديث أخر، وأطلق اسم الإيمان مجرداً على التوحيد وعمل القلب، والإسلام على النطق وعمل الجوارح. وأطلق الشرع فى غير موضوع الإيمان على العمل. وقد تقدم أن حقيقة الإيمان مجرد التصديق المطابق للقول والعقد، وتمامه بتصديق العمل بالجوارح، فهذا أجمعوا أنه لا يكون مؤمنٌ تام الإيمان إلا باعتقاد وقول وعمل، وهو الإيمان الذى ينجى رأساً من نار جهنم، ويعصم المال والدم. وإذا كان هكذا من الارتباط والاشتراط صلح إطلاق اسم الإيمان على جميعها وعلى بعضها من عقد أو قول أو عمل. وعلى هذا فلا يشك أن التصديق والتوحيد أفضل الأعمال، إذ هو شرط فيها، وقد يحتمل أن يشير بقوله: " أفضل الأعمال الإيمان بالله ورسوله " إلى الذكر الخفى وتعظيم حق الله ورسوله وإدامة ذكر الله وتفهم كتابه وتدبر آياته، وهى من أعمال القلب ومحض الإيمان - كما جاء فى الحديث الآخر -: " خير الذكر الخفى " (¬2). ¬

_ (¬1) ووجه كون الإيمان أفضل الأعمال: أن متعلق الإيمان الله ورسوله وكتابه، وشرف الصفة يشرف متعلقها. (¬2) الحديث جزء حديث لأحمد أخرجه عن سعد بن مالك، وتمامه: " خير الذكر الخفى، وخير الرزق ما كفى " 1/ 172، 180، 187.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما ذكره فى حديث أبى هريرة بعد الإيمان الجهاد ولم يذكر الصلاة والزكاة؛ فلأنهما قرينتا التوحيد، لجمعهما فى القرآن والحديث مع الإيمان بالله (¬1)، فيكون اسم الإيمان منطلق عليهما، ولعله المراد بالإيمان أولاً، كما وقع فى حديث ابن مسعود فبدأ بالصلاة لميقاتها، ثم ذكر [ما عداها] (¬2) فذكر الجهاد والحج، ولم يذكر الحج فى حديث أبى ذرٍّ، وفى حديث ابن مسعود، وبدأ بالصلاة، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد. وقيل: إنما اختلفت الأجوبة فى هذه الأحاديث والأحاديث المتقدمة: " أى الإسلام أفضل " لاختلاف الأحوال، وأعلم كلَّ قوم بما تهمُّ الحاجة إليه، وترك ما لم تدْعُ حاجتهم إليه، أو مما كان علمه السائلُ قبل فأُعْلم بما تدعو الحاجة إليه، أو بما لم يكمله بعد [من] (¬3) دعائم الإسلام، ولا بلغه علمه. وقيل: قدَّم فى حديث أبى هريرة فضل الجهاد على الحج؛ لأنه كان [فى] (¬4) أول الإسلام ومحاربة أعدائه والجد فى إظهاره. وقوله: " حج مبرور ": قال شمر: هو الذى لا يخالطه شىء من المأثم، كما قال تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج} (¬5)، ومنه: برَّت يمينه إذا سلم من الحنث، وبرَّ بيْعهُ إذا سلم من الخداع والخلابة (¬6). وقال الحربى: بُرَّ حَجُّك - بضم الباء - وبَرَّ اللهُ حجَّك - بفتحها - إذا رجع مبروراً مأجوراً. وقيل: المبرور: المتقبل، وفى الحديث: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بَرَّ الحج؟ قال: " إطعام الطعام، وطيب الكلام " (¬7). فعل هذا يكون من البر الذى هو فعل الجميل فيه والبذل [منه، و] (¬8) منه بر الوالدين والمؤمنين، ويكون - أيضاً - فى هذا كله بمعنى الطاعة ويكون بمعنى الصدق، وضده الفجور، ومنه برَّت يمينه، فيكون الحجُّ المبرور الصادق الخالص لله [تعالى] (¬9) على هذا. ¬

_ (¬1) كقوله تعالى. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه}، وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَروا وجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّه} الأنفال: 72، 74. (¬2) من ت. (¬3) و (¬4) ساقطة من الأصل. (¬5) البقرة: 197. (¬6) قيل: إنها الخديعة باللسان. لسان العرب، مادة " خلب ". (¬7) الحاكم فى المستدرك عن جابر - رضى الله عنه - وقال فيه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه لأنهما لم يحتجا بأيوب بن سويد، لكنه حديث له شواهد كثيرة 1/ 483، ووافقه الذهبى، كما أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى 5/ 262، وأبو نعيم فى الحلية 6/ 146. (¬8) و (¬9) من ت.

136 - (84) حدّثنى أَبُو الرَّبِيع الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْد، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْد، عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى مُرَاوِح اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَىُّ الأَعْمَالِ أَفُضَلُ؟ قَالَ: " الإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْجِهَادُ فِى سَبِيلِهِ " قَالَ: قُلْتُ: أَىُّ الرَّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَناً ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: " تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ ". قَالَ: قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: " تَكُفُّ شَرَّك عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنا، وَقَالَ ابْن رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِى مُرَاوِحٍ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَتُعِينُ الصَّانِعَ أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تعين صانعاً أو تَصْنَع لأخرق "، قال الإمام: الأخرق هنا (¬1) الذى لا صنعة له، يقال: رجلٌ أخرق وامرأة خرقاء، فإن كان [رجلاً] (¬2) صانعاً حاذقاً قيل: رجلٌ صنَعٌ - بغير ألف - وامرأة صناعٌ - بألف بعد النون. قال أبو ذؤيب فى المُذَكّر: وعليهما مَسْرودتان قضاهما ... داود أو صَنَع السّوَابغ تُبَّعُ (¬3) وقال آخر فى المؤنث: صَنَاعٌ بإشفاها حَصَان بِشكْرِها ... جوادٌ يقوت البطْن والعرقُ زاخِرُ (¬4) قال المبرد وغيره: الشكرُ: الفَرْجُ. قال القاضى - رحمه الله -: روايتنا فى هذا الحديث: " ضايعاً " من طريق هشام أولاً ¬

_ (¬1) فى ق: ها هنا. (¬2) من ت. (¬3) جاء فى اللسان: والسَّرْدُ اسم جامع للدروع وسائر الحَلَق وما أشبهها من عمل الحَلَق، وسُمّىَ سَرْداً لأنه يُسْرَدُ، فيُثْقبُ طرَفا كل حَلْقَة بالمسمار، فذلك الحَلقُ المُسرِّدُ، والمِسْرَدُ هو المثْقَبُ، وهُوَ السّرادُ، والسَّرْدُ الثَّقْبُ، والمسرودَةُ الدّرعُ المثقوبَة. (¬4) نقلها الأبى: صَنَاعٌ بإشفاها حَصَانُ لفرجها ... جوادٌ بقوت البطْن والعرض وافرٌ وهو الموافق لما فى اللسان. قال: وفى رواية: جواد بزاد الركب. والإشفى لإسكاف، وهو فِعْلى، والجمع الأشافى.

137 - (85) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبانِىّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ العَيْزَارِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِياسٍ أَبِى عَمْرو الشَّيْبانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ قَالَ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " الصَّلاةُ لِوَقْتِها " قَالَ: قُلْتُ: ثُمّ أَىٌّ؟ قَالَ: " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمّ أَىٌّ؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللهِ "، فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلا إِرْعَاءً عَلَيْهِ. 138 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِىُّ. حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورِ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، عَنْ أَبِى عُمْرِو الشَّيْبانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىّ اللهِ، أَىُّ الأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: " الصَّلاةُ عَلَى مَوَاقِيتِها " قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِىَّ اللهِ؟ قَالَ: " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ " قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِىَّ اللهِ؟ قَالَ: " الْجِهَاد ـــــــــــــــــــــــــــــ بالضاد المعجمة وبياء بعد الألف، وكذلك فى الحديث الآخر (¬1) من جميع طرقنا عن مسلم فى حديث هشام والزهرى، إلا من رواية أبى الفتح الشاشى عن عبد الغافر الفارسى، فإن شيخنا أبا بحر حدثنا عنه فيهما بالصاد المهملة كما تقدم، وهو صواب الكلام لمقابلته بأخرق، وإن كان المعنى من جهة معونة الصانع - أيضاً - صحيحاً (¬2)، لكن صحة الرواية هنا عن هشام بالضاد (¬3)، وكذلك رويناه فى صحيح البخارى (¬4). قال ابن المدينى: الزهرى يقول: الصانع بالصاد المهملة، ويرون أن هشاماً صَحَّف [فى] (¬5) " ضايعاً ". قال الدارقطنى [عن معمر: كان الزهرى يقول: صحف هشام، قال الدارقطنى] (¬6): وكذا أصحاب هشام عنه بالضاد المعجمة، وهو تصحيف، والصواب ما قاله الزهرى. [وفى الموطأ من رواية التنيسى وابن وهب وغيرهما عن الزهرى] (¬7): أن تضع لضايع بالمعجمة، وقد تُصحح هذه الرواية أيضاً قوله فى حديث أبى موسى: وأعن ذا الحاجة. وقوله: " فما تركت أن أستزيده إلا إرعاءً عليه ": أى إبقاء عليه لئلا أحرجه أو أكثر عليه بالسُّؤال، وقد قال فى الحديث الآخر: " ولو استزدته لزادنى ". ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ق: الضايع، وهو خطأ. (¬2) فى الأصل: صحيحة. (¬3) فى ت: بالصاد المهملة. (¬4) يعنى بالصاد، انظر: ك العتق ب أى الرقاب أفضل 3/ 188، وكذا أخرجه أحمد فى المسند 5/ 150، 171، والبيهقى فى السنن الكبرى 6/ 81، 9/ 272، 10/ 273، وابن أبى شيبة فى المصنف 9/ 108 وبالضاد أخرجه أحمد فى المسند 2/ 388. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) سقط من الأصل، وقيد بهامشه. (¬7) سقط من ت.

فِى سَبِيلِ اللهِ ". 139 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبا عَمْرِو الشَّيْبانِىَّ قَالَ: حَدَّثَنِى صَاحِبُ هذهِ الدَّارِ - وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: " الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِها " قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: " ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ " قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: " ثُمَّ الْجِهادُ فِى سَبِيلِ اللهِ ". قَالَ: حَدَّثَنِى بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِى. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ، وَمَا سَمَّاهُ لَنا. 140 - (...) حدّثنا عُثْمانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى عَمْرِو الشَّيْبانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَفْضَلُ الأَعْمَالَ - أَوِ الْعَمَلِ - الصَّلاةُ لِوَقْتِها، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال صاحب العين: الإرعاء الإبقاء على الإنسان (¬1). ¬

_ (¬1) وفى هذا رعاية الأدب مع العلماء وترك التثقيل عليهم. ومعنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رواية ابن مسعود: " الصلاة لوقتها " هو ما جاء فى الدارقطنى من طريق صحيح: " الصلاة لأول وقتها "، فاللام هنا للتوقيت، كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْس} وبر الوالدين هو الإحسان وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرهما فى حياتهما، والترحم عليهما وإيصال ما أمكن من الخير إليهما بعد موتهما، وكذلك الإحسان إلى صديقهما، لما جاء فى الصحيح: " إِنَّ من أبرّ البر أن يصل الرجلُ أهل ودَّ أبيه ". نووى 1/ 27، أبى 1/ 193.

(37) باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده

(37) باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده 141 - (86) حدّثنا عُثْمانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنا جَرِيرٌ، وَقَالَ عُثْمانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُور، عَنْ أَبِى وَائِل، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرْحَبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: " أَنْ تَجْعَلَ لِلّهِ ندًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ". قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: " ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: " ثُمَّ أَنْ تُزَانِى حَلِيلَةَ جَارِكَ " 142 - (...) حدّثنا عُثْمانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِير، قَالَ عُثْمانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبى وَائِل، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: قَالَ عبد الله: قال رَجُلٌ: يَا رَسُولِ اللهِ، أَىٌّ الذَّنْبِ أَكْبر عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: " أَنْ تَدْعُوَ لِلّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلقَكَ ". قَالَ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: " أَنْ تَقْتُل وَلَدَكَ مَخافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ". قَالَ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: " أَنْ تُزَانِى حَليلَةَ جَارِكَ "، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَها: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: وقد سئل أىُّ الذنب أعظمُ عند الله قال: " أن تجعل لله نداً [وهو خلقك، وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، وأن تزانى حليلة جارك وعقوق الوالدين ...] (¬2) " الحديث، قال الإمام: قوله: " نداً ": الندُّ هو المثل (¬3)، وجمعه أنداد، ومنه قول الله ¬

_ (¬1) الفرقان: 68. (¬2) من المعلم. (¬3) بل هو أخص منه؛ لأنه المثل المناوئ، من ندَّ إذا نفر وخالف، ولا يرد عليه أن يكون غير المناوئ غير منهى عنه عملاً بقاعدة أن النهى عن الأخص لا يلزم منه النهى عن الأعم، فإن المثل منهىٌّ عن اتخاذه خالف أو لم يخالف، والحديث من باب قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد} [فصلت: 46]. وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وهو خلقك " تقبيح للجعل، وبيان للفرق وفى قول السائل: ثم أى، حذف، أى يعنى أى شىء أعظم، وعلى ذلك فالتنوين فى أىِّ للعوض، ولا يصح أن تكون (ثم) هنا للترتيب لا فى الزمان - إذ لا يتصور - ولا فى الرتبة - لأن شرطه كون المعطوف أعظم - فهى هنا للترتيب فى الأخبار، والقيد هنا فى القتل بالولد لأنه أقبح لا فى كونه كبيرة؛ لأنه ضد ما جبلت عليه الآباء من الرقة، إلا من جافى الطبع، أو يكون القيد لبيان الواقع، كما فى قوله تعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} (¬1)، وقول: " [وأن تقتل ولدك] (¬2) مخافة أن يطعم معك " إشارة إلى معنى ما فى القرآن من قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق} (¬3)، وقوله: {مِّنْ إِمْلاق} (¬4) وهما يفيدان معنيين فقوله: {مِّنْ إِمْلاق} خطاب للفقراء (¬5)، وقوله: {خَشْيَةَ إِمْلاق} خطاب للأغنياء (¬6)، والذى فى الحديث الأشبه بظاهره مطابقة الآية التى للأغنياء. وقوله: " حليلة جارك ": أى امرأة جارك. قوله: " وعقوق الوالدين ": العقوق قطع البر الواجب. قال الهروى وغيره: أصل العق القطع والشق، وقيل للذبيحة عقيقة؛ لأنها يشق حلقُومها. قال القاضى: قدَّم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الثلاثة الأشياء (¬7) لاعتياد الجاهلية بها؛ من الكفر بالله، وفاحشة الزنا، ووأد البنات. وهى الإشارة بقتل الولد، والله أعلم؛ لأن العرب إنما كانت تئد البنات لوجهين، لفرط الغيرة [ومخافة] (¬8) فضيحة السبى والعار بهن، أو لتخفيف نفقاتهن ومؤنتهن، وهو معنى قوله تعالى: {خَشْيَةَ إِمْلاق} الآية. ومعنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مخافة أن يطعم معك " وكانوا يتحملون ذلك فى الذكور لما يؤملون فيهم من شَدِّ العضد، وحماية الجانب، وكثرة العشيرة، وبقاء النسل والذكر، وقد نبَّه الله تعالى على هذا بقوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى} الآية (¬9)، ثم ذكر الزنا وخصَّه بحليلة الجار (¬10)؛ لأنه أعظم بابه، إذ لا يزانى الرجل غالباً إلا من يمكنه لقاؤه، ويجاوره فى محله وقرينه. ونبه بإضافة الحليلة إلى الجار على عظيم حقه، وأنه يجب عليه من الغيرة عليه من الفاحشة ما يجب لحليلتك، والحديث الآخر يبينه. ¬

_ (¬1) البقرة: 22. (¬2) سقط من ت. (¬3) الإسراء: 31. (¬4) الأنعام: 151. (¬5) ولذا عقب عليها بأن جعلهم الأصل فى الرزق فقال: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُم}. (¬6) ولذا كان الخطاب إليهم خطاب تشنيع وتقبيح، إذ بين لهم أن المقتول هو سبب حصول الرزق، فقال جل جلاله: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} وقد عبر بعض المفسرين عن ذلك بأن سمى الأول الفقر الناجز، وأطلق على الثانى الفقر الآجل. تفسير أبى السعود. (¬7) فى ت: للأشياء. (¬8) ساقطة من ت. (¬9) النحل: 58. (¬10) وحليلة الجار: أى من يحلُّ له وطؤها من حرة أو أمة، وذكر الحليلة هنا خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، وأما لفظ الجار فخرج مخرج شدة التقبيح لما فيه من إبطال حق الجار.

(38) باب بيان الكبائر وأكبرها

(38) باب بيان الكبائر وأكبرها 143 - (87) حدّثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ الْجُرَيْرِىّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ؟ - ثَلاثًا -: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ - أَوْ قَوْلُ الزُّورِ "، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَكِئًا فَجَلَسَ، فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنا: لَيْتَهُ سَكَتَ. 144 - (88) وحدّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيب الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِى بَكْر، عَنْ أَنَسٍ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى الْكَبَائِرِ قَالَ: " الشَّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَوْلُ الزُّورِ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبائِرَ - أَوْ سُئِلَ عَنَ الْكَبائِرِ - فَقَالَ: " الشَّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْس، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْن ". وَقَالَ: " أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ؟ " قَالَ: " قَوْلُ الزُّور - أَوْ قَالَ شَهادَةُ الزُّور " قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ ظَنِّى أَنه شَهَادَةُ الزُّورِ. 145 - (89) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هَرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقاتِ " قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: " الشرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقتْلُ النَّفسِ الَّتِى حَرَّمَ الله إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيم، وَأَكْلُ الرِّبا، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى حديث أبى بكرة (¬1): الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وزاد فى حديث أنس: قتل النفس، وذكر فى حديث أبى هريرة: السبع ¬

_ (¬1) فى ت: بكر. وأبو بكرة هو نُفَيع بْنُ الحارث، تدلى فى حصار الطائف ببكرَة وَفَرَّ إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم على يَده، وأعلمه أنه عَبْدٌ، فأعتقه. حَدَّث عنه بنوه الأربعة، عبيد الله، وعبد الرحمن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموبقات، فذكر الشرك، والسحر، والقتل، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات. وفى غير [مسلم فى] (¬1) حديث أيوب تسع (¬2)، وزاد عقوق الوالدين، واستحلال بيت الله الحرام، وفى حديث عبد الله بن عمرو: " من الكبائر شتم الرجل والديه " الحديث (¬3)، وفى غير مسلم فيه ذكر اليمين الغموس (¬4) هذه لتعيين الكبائر وأكبر الكبائر المذكورة هنا (¬5)، وقد بقيت كبائر لم تذكر فى هذه الأحاديث (¬6). وقد اختلفت الآثار وأقوال السلف والعلماء فى أعداد الكبائر، وقال ابن عباس: كل ما (¬7) نهى الله عنه فهو كبيرة. وسئل: أهى سبع؟ فقال: هى إلى السبعين - ويروى إلى سبعمائة - أقرب، وقال - أيضاً -: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب (¬8)، ونحوه عن الحسن، وقيل: هى ما أوعد الله عليه بنار أو بِحَدٍّ فى الدنيا، وعدّوا الإصرار على الصغائِر من الكبائر، فروى عن عُمَرَ وابن عباس: لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار (¬9)، وعن ابن مسعود وجماعة من العلماء: الكبائر جميع ما ¬

_ = وعبد العزيز ومسلم، وأبو عثمان النهدى، والحسن البصرى، ومحمد بن سيرين، والأحنف بن قيس، وغيرهم. سكن البصرَة، وكان من فقهاء الصحابة. قال الحسن البصرى: لم ينزل البصرة أفضلُ من أبى بكرة وعمران بن حُصين. مات فى خلافة معاوية بن أبى سفيان بالبصرة. الطبقات الكبرى 7/ 15، طبقات خليفة: 982، التاريخ الكبير للبخارى 8/ 112، سير 3/ 5. (¬1) سقط من الأصل. (¬2) لم أعثر عليه، وأما ذكر عقوق الوالدين فيها فقد أخرجه الطبرانى فى الكبير من حديث المطلب قال: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عمرو. أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكرهن؟ يعنى الكبائر. قال: نعم، عقوق الوالدين، والشرك بالله، وقتل النفس، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وأكل الربا، قال الهيثمى: " رواه الطبرانى فى الكبير، وفيه مسلم بن الوليد بن العباس، ولم أره ". مجمع الزوائد 1/ 104. (¬3) الحديث أخرجه أحمد فى المسند 2/ 195 عنه بلفظ: " إن من أكبر الذنب أن يسب الرجل والديه "، قالوا: وكيف يسبُّ الرجلُ والديه؟ قال: " يسبُّ أبا الرجل فيسُبُّ أباه، ويُسبُّ أُمَّه فيسب أمَّه ". (¬4) أخرجه الترمذى فى التفسير والطبرانى فى الأوسط عن عبد الله بن أنيس الجهنى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من أكبر الكبائر الشرك بالله واليمين الغموس ". قال الهيثمى: " ورجاله موثقون " 1/ 105. (¬5) فى ت: هاهنا. (¬6) منها: الإياس من روح الله، والأمن من مكر الله، وشرب المسكر، ورجلٌ جرَّ رجلاً إلى سلطان بغير ذنب فقتله، وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها أمر الدنيا فتبرجت بعده. وكل هذه جاءت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطرق ثابتة قوية. (¬7) ضبطت فى الأصل هكذا: كلما. (¬8) أخرج الطبرانى فى الكبير عن ابن عباس: " كل ما نهى الله عنه فهو كبير " مجمع 1/ 103، وقال الهيثمى: " رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات إلا أن الحسن مدلس وعنعنه ". (¬9) قال العجلونى: " رواه أبو الشيخ والديلمى عن ابن عباس رفعه، وكذا العسكرى عنه فى الأمثال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى قوله: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْه} (¬1). وقيل: يحتمل ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر من الكبائر أن ثم كبائر أخر لم تُبيَّن؛ ليكون الناس من اجتناب جميع المنهيات على حذر لئلا يواقعوا كبيرة. وإلى ما نحى ابن عباس إليه من أن كل ما عصى الله به كبيرة قال المحققون (¬2) به قالوا: واختصاص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سماه من الكبائر وأكبر الكبائر، ليس فيه دليل على أن لا كبيرة سواها. وأما ترتيبه أكبر الكبائر: فأما تقديم (¬3) الشرك فلا خفاء به، وترتيب ما رتب بعده بحكم ما يكون أعظم ارتكاباً فى ذلك الوقت وما تخشى مواقعته، وتمس الحاجة إلى بيانه. وليس يقتضى أن لا كبيرة إلا ما نص عليه أو لا كبيرة بعد الإشراك أكبر مما نص على تواليه فى تلك الأحاديث، إذ قد وجدنا اللواط [أعظم من] (¬4) الزنا، ولا ذكر له فى الأحاديث، والقتل أعظم من عقوق الوالدين ولم يذكره فى بعض الأحاديث، بل اختلافهما يدل على ما ذكرناه من ذكر الأهم وما تمسُّ الحاجة إليه، كما تقدم فى (¬5) ذكر أفضل الأعمال. وقد يكون ما نصّ أكبر الكبائر بعد الشرك من القتل، ثم ذكر بعده فى بعضها (¬6) العقوق، وفى بعضها عقوق الوالدين بعد الإشراك، ثم ذكر يمين الغموس فى حديث عبد الله بن عمرو على ترتيب آخر، وهو أن القتل جاء ثانياً للشرك فى حديث، وعقوق الوالدين جاء ثانياً فى حديث آخر، فيفهم من هذا المعنى أن إثمهما واحد ودرجتهما فى العقوبة سواء، ثم كذلك اليمين الغموس مع الزنا فى درجة ¬

_ = بسند ضعيف، لا سيما ورواه المنذرى فى تفسيره عن ابن عباس من قوله، وله شاهد عند البغوى ". كشف الخفا 2/ 364. (¬1) النساء: 31. رواه ابن جرير من حديث الأعمش، عن أبى الضحى عن مسروق، والأعمش عن إبراهيم عن علقمة، كلاهما عن ابن مسعود، ومن حديث سفيان الثورى وشعبة عن عاصم بن أبى النجود، عن زر بن حُبيش، عن ابن مسعود. تفسير الطبرى 8/ 243. وانظر: أقوال ابن عباس فى الكبائر فى التفسير العظيم للإمام ابن كثير 2/ 246، وقد بقى من أقوال المتأخرين فى تحديد الكبيرة قول أبى حامد الغزالى: أنها ما فعل دون استشعار خوف ولا اعتقاب ندم ينغص اللذة. (¬2) أخرجه الطبرى قال: حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن سمعان عن أبى الوليد قال: سألت ابن عباس عن الكبائر فقال: هى كل شىء عصى الله فيه فهى كبيرة. تفسير الطبرى 8/ 246. قلت: وقول ابن عباس وإن صح فتوى صحابى لا تمنع من اعتبار غيرها: فقد أخرج أحمد 3/ 385 بسند صحيح عن أنس بن مالك: " إنى لأعرف اليوم ذنوباً هى أدقُّ فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكبائر "، وقد أخرج البخارى فى صحيحه من حديث زيد بن عبد الله بن عمر قال: قال أناسٌ لابن عمر: إنا ندخلُ على سلطاننا فنقولُ لهم خلاف ما نتكلَّمُ إذا خرجنا من عندهم؟ قال: كنا نَعُدَّ هذا نفاقاً. ك الأحكام، ب ما يكره من ثناء السلطان 9/ 89. (¬3) فى الأصل: تقدم. (¬4) فى الأصل: من أعظم. (¬5) فى الأصل: و. (¬6) فى ت: فضلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثالثة. وإلى هذا الجمع نحا أبو جعفر الطحاوى (¬1). وقيل - أيضاً -: قد يكون القتل ثم الزنا مقدمين على العقوق واليمين الغموس، لكن الراوى لم يحفظهما فذكر ما حفظ. وإليه مال بعض من لقيناه من الجلة. وليس هذا عندى بالسَّديد؛ لأن تحميل الراوى ما لم يرو أو إلزامه الغلط فيما رواه صعبٌ، وباب إن فُتِح دخل منه على الشريعة خطْبٌ. وقد يكون التنبيه بالزنا على اللواط وشبهه، وإن كان بعضه أشد من بعض وأعظم، ولكن درجته واحدة فى باب تشابه جنس المعصية، وإن كانت آثامُ أنواعها مختلفةً، والعقوبات عليها متفاوتة، كما نبَّه بقتل الابن مخافة أن يأكل معه على قتل غيره وعلى جميع أنواع القتل، وإن كان قتل الولد أشد، وبالزنا بالجارة على غيرها من الأجانب، وعن شبَهه من فعل الرجال بالرجال والنساء بالنساء وإن كان بعضها أشد من بعض. ويعضد هذه الإشارة قوله فى الأم آخر الحديث: " فأنزل الله تصديقها: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ [النَّفْس] (¬2) الَّتِي حَرَّمَ اللَّهِ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُون ....} الآية (¬3) ". فقد عمَّ ما خصَّ (¬4). وتأكد أمرُ الجارة لحرمتها وحرمة زوجها أو وليها، ولما ورد فى حديث المقداد: " لأن يزنى الرجلُ بعشر نسوة أيْسر عليه من أن يزنى بامرأة جاره " (¬5). وقوله: " الموبقات ": أى المهلكات، يقال: وبَق الرجلُ - بالفتح - يبق ووبق بضم الواو يوبق إذا هلك، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا} (¬6): أى من العذاب، وقيل: موعداً، وقيل: محبساً. وعدّه فى الكبائر التولى يوم الزحف حجة لمذهب الجماعة فى ذلك خلاف ما ذهب إليه الحسن: أن ذلك ليس من الكبائر، وأن الآية الواردة فى ذلك فى أهل بدر خاصة (¬7)، ¬

_ (¬1) مشكل الآثار 1/ 379. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) الفرقان: 68. ومن هذا الطريق أخرجه أحمد فى المسند 1/ 380. (¬4) قال الحافظ ابن كثير: " ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء: {وَمَن يَقتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الَّلهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} 93، قال: فإن هذه وإن كانت مدنية إلا أنها مطلقة، فتحمل على من لم يتب لأن هذه - الفرقان - مقيدة بالتوبة " 6/ 136. (¬5) سبق قريباً. (¬6) الكهف: 52، وإلى أن المراد المهلك، ذهب ابن عباس وقتادة، ونقل عن قتادة أنه واد عميق، فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة، وقال الحسن البصرى: إنه العداوة. تفسير الطبرى 5/ 172، تفسير القرآن العظيم 5/ 166. (¬7) قلتُ: يروى هذا عن عمر، وابن عمر، وابن عباس، وأبى هريرة، وأبى سعيد، وأبى نَضْرةَ، وشافع مولى ابن عمر، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والضحاك. وحجتهم فى ذلك أن الفرار =

146 - (90) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهادِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مِنَ الْكَبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ " قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِديْه؟ قَالَ: " نَعَمْ، يَسُبُّ أَبا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّار، جَمِيْعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحجة فى الرد على من ذهب [إلى] (¬1) أن الآية منسوخة بقوله: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن} ثم نسخ ذلك وخفف بقوله: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُم} (¬2). والصواب كون الآية محكمة (¬3)، ثم بيَّن وخفَّف بما جاء فى الآية الأخرى. وقوله: " من الكبائر شتم الرجل والديه .. " الحديث، قال الإمام: يؤخذ من هذا الحديث الحجة لأحد القولين فى منع بيع ثياب الحرير لمن يلبسها وهى لا تحل له، وبيع العنب لمن يعصره خمراً ويشربها؛ لأنه ذكر فيه أن من فعل السبب فكأنه الفاعل لذلك الشىء مباشرة. قال القاضى: جعل هذا من الكبائر لأنه سببٌ لشتمهما وشتمهما من العقوق، وقد ¬

_ = إنما كان حراماً على الصحابة؛ لأن الجهاد فرض عين عليهم، وأنه لم تكن عصابةٌ لها شوكة يفيؤون إليها سوى عصابتهم تلك، وأما اليوم فإن انحاز إلى فئةٍ أو مصر فلا بأس. راجع: تفسير الطبرى 13/ 438، تفسير القرآن العظيم 3/ 569. (¬1) ساقطة من ت. (¬2) الأنفال: 66، 67. قلت: لم أقف على من قال بالنسخ فى الأولى، أما الثانية؛ فقد أخرج الطبرى بإسناده عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن} شق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحدٌ من عشرة، ثم جاء التخفيف فقال: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُم ..} إلى قوله: {يَغْلِبُوا مِائَتَيْن} قال: خفف الله عنهم من العدة، ونقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم. تفسير الطبرى 14/ 55، تفسير القرآن العظيم 4/ 31، وكذا أخرجه البخارى، ك التفسير 6/ 79. (¬3) ليس بمسلّم، فقد قال ابن العربى: " هذا أبين ما يكون من النسخ ". الناسح والمنسوخ 2/ 227، ثم قال فى كتابه أحكام القرآن: " قال قومٌ: كان هذا يوم بدر ثم نُسخَ، وهذا خطأ من قائله؛ لأن المسلمين كانوا يوم بدر ثلاثمائة ونيفًا، والكفار كانوا تسعمائة ونيفًا، فكان للواحد ثلاثة، وأما هذه المقابلة وهى الواحد بالعشرة فلم ينقل أن المسلمين صافوا المشركين عليها قط، ولكن البارى فرض ذلك عليهم أولاً، وعلله بأنكم تفقهون ما تقاتلون عليه وهو الثواب، وهم لا يعلمون ما يقاتلون عليه، ثم نسخ ذلك " 2/ 877.

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُما، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهذَا الإِسْنادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدَّم أن عقوقهم من أكبر الكبائر. وفيه: حجةٌ لقطع الذرائع (¬1) ومنعها، ومثله (¬2) قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم} (¬3). ¬

_ (¬1) الذريعة فى اللغة: الوسيلة إلى الشىء، وفى الاصطلاح: الطريقة التى تكون فى ذاتها جائزة، ولكنها توصل إلى ممنوع. وهذا الباب من أبواب الأصول هو مذهب مالك والحنابلة، ويشترط له الشافعى ظهور القصد إلى المآل الممنوع، فالخلاف بينه وبين من سبق منحصر فى الوسيلة التى تفضى إلى المحرم غالباً. راجع: الفروق 3/ 266، أصول مذهب الإمام أحمد: 504. (¬2) فى ت: ومنه. (¬3) الأنعام: 108. وقول القائلين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وهل يشتم الرجل والديه، استبعاد منهم أن يقع ذلك من أحد، قال الأبى: " وهو دليلٌ على ما كانوا عليه من حميد الأخلاق، وإلا فهو بعدهم كثير ". إكمال الإكمال 1/ 199.

(39) باب تحريم الكبر وبيانه

(39) باب تحريم الكبر وبيانه 147 - (91) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ فُضَيْلِ الْفُقَيْمِىِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ". قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرةٍ من كبر ": قال الخطابى (¬1): يتأوَّل على وجهين: أحدهما: أنه أراد كبر الكفر، يعنى الكبر عن الإيمان، بدليل قوله آخر الحديث: " ولا يدخل النار من فى قلبه مثقال ذرة من إيمان " فقابل الإيمان بالكفر. والثانى: أن كل من يدخل الجنة ينزع ما فى قلبه من كبر وغل. قال: وقوله: " لا يدخل النار من فى قلبه مثقال ذرة (¬2) من إيمان ": أى دخول خلود. قال القاضى: وكذلك - أيضاً - يتأول: " لا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كبر": أى دون مجازاة إن جازاه الله تعالى بكبره، وأما التأويل الثانى فيبعد فى هذا الحديث ومفهومه خلافه، بدليل قوله: " ولا يدخل النار من فى قلبه مثقال ذرة من إيمان ". وذكر مثقال الذرة هنا من الإيمان وهو لا يتجزأ، إذا أريد به حقيقته (¬3) من المعرفة وتصديق القلب، ومعناه هنا - إن شاء الله - التمثيل بأقل درجات الإيمان، وهو مجرد التصديق بأقل مثاقيل الوزن، أو يكون الإشارة بالتجزىء إلى ما زاد على ذلك من أذكار القلب وإيمانه بما زاد على التوحيد ومفهوم الشهادتين وغير ذلك، وسيأتى بسط هذا فى أحاديث الشفاعة. وقوله: " قال رجل ": إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنةً. قال: " إن الله جميل يحب الجمال ": [الرجلُ مالك بن مُرَّارة الرهاوى] (¬4). ¬

_ (¬1) معالم السنن 6/ 54. (¬2) عبارة الخطابى: خردلة، وهو الموافق للفظ رواية أبى داود. (¬3) فى ت: حقيقه، وكلاهما صواب. (¬4) هذا مما أغفله النووى - رحمه الله - كما أنها سقط من ق.

رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحبُ أَن يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: " إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ. الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: أطلق فى هذا الحديث تسمية البارى تعالى جميلاً، ويحتمل أن يكون سماه بذلك لانتفاء النقص عنه؛ لأن الجميل مِنّا من حسنت صورته، ومضمون حُسْنِ الصورة انتفاءُ النقائص (¬1) والشين عنها، ويحتمل أن يكون جميل ها هنا بمعنى مُجمل أى محسن، كما أن كريماً بمعنى مكرم. وأما الحديث الذى فيه: إن ترك الصلاة كفْر، ومذهب من تعلق به فقد تقدم الكلام عليه (¬2). قال القاضى: ذكر أبو القاسم بن هوازن القشيرى (¬3) أن جميلاً بمعنى جليل، وحكى الخطابى أنه بمعنى ذى النور والبهجة، أى مالكها وربها، وذكر أبو بكر الصوفى أن معناه: جميل الأفعال بكم (¬4) والنظر لكم، يكلفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل، ويشكر عليه، فهو يحب الجمال منكم، أى التجمل فى قلة إظهار الحاجة إلى غيره. قال القاضى: ورد فى هذا الحديث تسميتُه بهذا، وكذلك فى حديث الأسماء المأثورة من رواية عبد العزيز بن حصين بن الترجمان (¬5)، وهو ضعيف. واختلف أهل العلم والنظر من أهل السنة فى تسمية الله تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به شرعٌ ولا منعه، فأجازه بعضهم ومنع آخرون، إلا أن يرد به شرع من نص كتاب أو سنة متواترة أو أجمعت على إطلاقه الأمة. ثم اختلفوا إذا ورد به شرع غير مقطوع به بخبر الاحاد، فأجازه بعضهم، ورأى أن الدعاء به والثناء والذكر [به] (¬6) من ¬

_ (¬1) فى الإكمال: النقصَ. (¬2) حديث (134) بالكتاب. (¬3) هو الإمام الزاهد، القدوة، الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هَوَازن القُشيرى، صاحب الرسالة المسماة بالقشيرية. قال فيه ابن خلكان: كان علامةً فى الفقه والتفسير والحديث والأصول والأدب والشعر، وقال فيه الذهبى: كان عديم النظير فى السلوك، والتذكير، لطيف العبارة، طيّب الأخلاق، غواصاً على المعانى، وقال أبو بكر الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة، وكان حسن الوعظ. توفى سنة خمس وستين وأربعمائة. وفيات الأعيان 3/ 205، تاريخ بغداد 11/ 83، سير 18/ 227. (¬4) نقله الإمام النووى دون أن يبين مصدره. راجع: 1/ 383. (¬5) ذكره الترمذى وقال فيه: إنه حسنٌ، ولم يذكر فيه جميلاً. (¬6) ساقطة من ت.

148 - (...) حدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُما عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُسْهِرِ، قَالَ مِنْجَابٌ: أَخْبَرَنا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِياءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ باب العمل الذى يستند إلى خبر الواحد (¬1)، ومنعه آخرون لأنه راجع إلى اعتقاد ما يحب ويجوز ويستحيل على الله، وباب هذا القطع، والصواب جوازه لاشتماله على العمل ولقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الآية (¬2). والجمال المذكور فى هذا الحديث وغيره هو الحسن، والجميل: الحسنُ من كل شىء (¬3). وقوله: " الكبر بَطَرُ الحق وغمُط الناس ": وفى رواية أخرى: " وغمص الناس "، قال: ومعنى " بَطر الحق ": إبطاله، مأخوذ من قول العرب: ذهب دمه بَطْراً وبَطَراً، أى: باطلاً. قال الهروى: قال الأصمعى: البَطرُ: الحيْرَة، ومعناه: أن يتحير عن (¬4) الحق فلا يراه حقاً. وقال الزجاج: البَطرُ أن يتكبر عند (¬5) الحق فلا يقبله. وقوله: " وغمط الناس " معناه: استحقارهم واستهانتهم. يقال: غمط الناس - بطاء غير معجمة - وغمصهم - بصاد غير معجمة - ومعناهما واحد، وكذلك غَمْط النعمةِ وغمْصُها. ¬

_ (¬1) وقالوا أيضاً: إن المنع حكم شرعى، والفرض أنه لم يرد فيه شىء وقد رُدَّ عليه بأن الجواز حكم شرعى، فالصواب الوقف. حكاه الأبى وقال: " وهو مذهب الإمام " 1/ 200. (¬2) الأعراف: 180. (¬3) أقول: فهل يجوز على هذا أن نطلق على الله - جل علاه - الحسن؟! إن الصواب فى غير ما رجحه القاضى، فلقد أثبتت التجارب أن أعداء الإسلام يعمدون إلى التسميات المصطنعة ليستروا بها أغراضهم ويتوسلوا بها لنزع مهابة الأسماء الحسنى من قلوب المسلمين، كما يفعل الماسون من تسميتهم للحق تبارك وتعالى بـ " المهندس الأعظم " وفارق غير بين ما سمى الله به نفسه وما يجتهد فيه الناس له، ثم إن الله رب العالمين لم يأذن لنا بالاجتهاد فى ذلك، فلم يسوغ لنا الدعاء له والتقرب إليه فى غير ما أوحى لنا به على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬4) فى نسخ الإكمال: عند. (¬5) فى نسخ الإكمال: عن.

149 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: لم نرو (¬1) هذا الحديث عن جميع شيوخنا هنا وفى البخارى إلا بالطَّاء (¬2)، وبالطاء ذكره أبو داود فى مصنفه أيضاً، وذكره أبو عيسى الترمذى وغيره بالصاد. ¬

_ (¬1) فى ت: يرو. (¬2) وذلك فى الأدب المفرد: 556، ك البر والصلة، ب ما جاء فى الكِبْر 4/ 361. وممن رواه بالصاد: أحمد فى المسند، والطبرانى فى الكبير والأوسط، قال الهيثمى فى طريق أحمد: رجاله ثقات. مجمع 5/ 133، وانظر: المسند 4/ 151، كما أخرجه الطبرانى فى الكبير وأحمد فى المسند بلفظ: " الكبر من سفه الحق وازدرى الناس " معجم الطبرانى 10/ 273، وأحمد فى المسند 1/ 399. ويفرق بين الكبر والعظمة؛ أن الكبر إضافى يقتضى متكبراً عليه، وهو ما أشار إليه الحديث بقوله: " وغمط الناس " أما العظمة فإنها لا تقتضيه؛ لأن الإنسان يتعاظم فى نفسه: أى يختال. إكمال الإكمال 1/ 201.

(40) باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار

(40) باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات مشركاً دخل النار 150 - (92) حدَّثنا مُحَمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِى وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - قَالَ وَكِيعٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ " وَقُلْتُ أَنا: وَمَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. 151 - (93) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: " مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ ". 152 - (...) وحدّثنى أَبُو أَيُّوبَ الْغَيْلانِىُّ، سُلَيْمانُ بْنُ عَبدُ اللهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرو، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ لَقِىَ اللهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ ". قَالَ أَبُو أيُّوبَ: قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِر. (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُور، أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَام - قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث جابر: " ما الموجبتان ... " الحديث (¬1)، قال القاضى: هى ما يوجب الجنة ويوجب النار. قال الهروى: الموجبات الأمور التى أوجب الله عليها النار أو الرحمة. ¬

_ (¬1) ترك القاضى والإمام الكلام عن حديث وكيع - الحديث الأول فى الباب - إما لخلو النسخة الأم منه، أو للإرسال الواقع فيه، فإنه وإن كان الأكثر على أن مرسل الصحابى حجة بخلاف مرسل غيره، فإن الاحتجاج بهذا النوع خلاف. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبر فى هذا الحديث: أن من مات على الشرك دخل النار، ومن مات على الإيمان دخل الجنة. وعلى هذا إجماع المسلمين. وأما قول ابن مسعود: وقلت أنا: من مات لا يُشرك بالله شيئاً دخل الجنة. فمعناه: أنه لم يسمعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا اللفظ كما سمعه غيره، ولكنه قاله لا تقرر عنده من معنى ما أخبر به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله من كتابه [ووجهه واحدة من مقتضى ما سمعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1). ومفهوم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات يشرك بالله [شيئاً] (¬2) دخل النار " استدل به بعضهم على صحة دليل الخطاب، وفى الاستدلال به ضعف وهو كلام من لم يميّز دليل الخطاب، إذ لا يَدل وجوبُ (¬3) النار لمن مات على الكفر وجوب الجنة لمن كان على ضدّه، وإنما دليلُ خطابه أنه لا يدخل النارَ، وأما صحة قول ابن مسعود فمن دليل صحة التقسيم لا من دليل الخطاب (¬4)؛ لأنه لا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات يشركُ بالله شيئاً دخل النار "، ¬

_ = قال النووى: " هذا وما أشبهه من الدقائق التى ينبه عليها مسلم - رضى الله عنه - دلائل قاطعة على شدة تحريه وإتقانه وضبطه وعرفانه وغزارة علمه وحذقه وبراعته فى الغوص على المعانى ودقائق علم الإسناد، وغير ذلك، والدقيقة فى هذا أن ابن نمير قال روايةً عن ابن مسعود: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا متصل لا شك فيه، وقال وكيع روايةً عنه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا مما اختلف العلماء فيه، هل يحمل على الاتصال أم على الانقطاع؟ فالجمهور أنه على الاتصال كسمعت، وذهبت طائفة إلى أنه لا يحمل على الاتصال إلا بدليل عليه، فإذا قيل بهذا المذهب كان مرسل صحابى، وفى الاحتجاج به خلاف، فالجماهير قالوا: يحتج به وإن لم يحتج بمرسل غيرهم، وذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينى الشافعى إلى أنه لا يحتج به، فَعَلى هذا يكون الحديث قد روى متصلاً ومرسلاً، وفى الاحتجاج بما روى مرسلاً ومتصلاً خلاف معروف، قيل: الحكم للمرسل، وقيل: للأحفظ روايةً، وقيل للأكثر، فاحتاط مسلم - رحمه الله - وذكر اللفظين لهذه الفائدة، ولئلا يكون راوياً بالمعنى، فقد أجمعوا على أن الرواية باللفظ أولى. والله أعلم ". قال: " وأما أبو سفيان الراوى عن جابر فاسمه طلحة بن نافع، وأبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس ". نووى 1/ 287. (¬1) جاءت العبارة فى ت هكذا: ووحيه وأخذه منه. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) زيد قبلها فى الأصل لفظة: " على "، وهو خطأ. (¬4) يريدُ أن دليل الخطاب المسمى بمفهوم المخالفة هو إثبات نقيض الحكم المنطوق للمسكوت عنه، والمسكوت من مات يؤمن بالله واليوم الآخر، ونقيض الحكم المذكور الثابت له ألا يدخل النار، وهو أعم من دخول الجنة، فابن مسعود لم يقل: إنه يدخل الجنة بالمفهوم، بل بواسطة ما ذكر، والمفهوم لا يتوقف على واسطة نحو: " فى الغنم السائمة الزكاة " فمفهومه: أن المعلوفة لا زكاة فيها، دون وقف على شىء. إكمال الإكمال 1/ 202.

153 - (94) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِل الأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبا ذَرٍّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " أَتَانِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ. فَبَشَّرَنِى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مَنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وصحَّ أنه ليس ثمَّ منزل ثالث سوى الجنة والنار وتميز بهذا اللفظ نازل أحدهما (¬1) بقى الصنف المخالف له للأخرى، فكيف جاء بنصّه بعد هذا عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث جابر، وجاءت النصوص والظواهر البينة وإجماع أهل السنة على صحة ذلك. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإن زنا وإن سرق ... " على ما تقدم من أن الذنوب لا توجب التخليد فى النار، وأن كل من مات على الإيمان يدخل الجنة حتماً، لكن من له ذنوب فى (¬2) مشيئة الله من معاقبته عليها أو عفوه (¬3)، ثم لا بد له من دخول الجنة. ويأتى فى تأويل هذا الحديث ما تقدم، وقول البخارى هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وغير ذلك مما قدمناه (¬4). وقوله: " وإن رغم أنف أبى ذر " بفتح الغين وكسرها، أصل الرغم بفتح الراء وضمها الذل من الرغام بالفتح أيضاً - وهو التراب - يقال: أرغم الله أنفه أذَلَّه، كأنه يلصقه بالتراب من الذل، فيكون هذا فى الحديث على وجه الاستعارة (¬5) والإغْياء فى الكلام، أى وإن خالف سؤال أبى ذر واعتقاده واستعظامه الغفران (¬6) للمذنبين وترداده السؤال عن ذلك، فأشبه من أرغم بما لا يُريد ذُلاً وقهراً (¬7). وقيل: معناه: وإن اضطرب ¬

_ (¬1) فى ت: أحدها. (¬2) فى الأصل: من. (¬3) فى الأصل: غفره، وكلاهما صحيح المعنى. (¬4) راجع: ما ترجم به البخارى لهذا الحديث فى كتاب الجنائز: الباب الأول فيه 1/ 89. (¬5) المجازية، فأرغم الله أنفه معناه: أذله، من إطلاق السبب على المسبب، وقيل: إِنه مأخوذ من المراغمة، وهى الاضطراب والتحير، ومنه قوله تعالى: {يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَة} [النساء: 99]، أى مهرباً وأضطراباً، فالمعنى على الأول: وإن ذل أنف أبى ذر، وعلى الثانى: وإن اضطرب. ومعنى الإغياء أى النهاية. (¬6) فى ت: العفو. (¬7) حذف المشبه، وأقام المشبه به مقامه، ثم اشتق منه رغم، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية. وفى قوله: " وإن زنى وإن سرق " قال ابن مالك: لا بد من تقدير أداة الاستفهام، أى: أوَ إن زنى يدخل الجنة، وقدر غيره أيدخلُ الجنة وإن زنى، وتكون الجملة حالاً، وترك ذكر الجواب تنبيهاً لمعنى الإنكار. إكمال الإكمال 1/ 202.

154 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَ: حَدَّثَنِى حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ؛ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبا الأَسْوَدِ الديِلىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبا ذَرٍّ حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ. عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ ". قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: " وَإِنْ زَنِى وَإِنْ سَرَقَ " قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: " وَإِنْ زَنَى وإِنْ سَرَق " ثَلاثًا. ثُمَّ قَالَ فِى الرَّابِعَةَ: " عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرٍّ ". قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغْمَ أَنْفُ أَبِى ذَرٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنفه لكثرة ترداده وسؤاله، ومنه قوله [تعالى] (¬1): {مُرَاغَمًا كَثِيرًا} (¬2): أى اضطراباً فى الأرض، وقيل: معناه: وإن كره، يقال: ما أرغَمُ منه شيئاً، أى ما أكرهه. ومعنى هذا كله فى التجوّز بمعنى الأول، إذ لا يكره أبو ذر رحمه الله [تعالى] (¬3) لعباده ولا ما أخبر به نبيه [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬4) من فضل الله وسعة مغفرته. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) النساء: 99. (¬3) و (¬4) ساقطة من الأصل.

(41) باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله

(41) باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله 155 - (95) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ - وَاللَّفْظُ مُتَقَارِبٌ - أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ عَدِىِّ بْنِ الخيَارِ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِى، فَضَرَبَ إحْدَى يَدَىَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لاذَ مِنِّى بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أسْلَمْتُ لِلهِ، أفَأقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقْتُلْهُ ". قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِى، ثُمَّ قَالَ ذلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا، أفَأقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقْتُلهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِى قَالَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث المقداد: أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فضرب إحدى يدى فقطعها (¬1)، ثم قال: أسلمت، أفأقتله؟ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال "، قال القاضى: زاد فى كتاب البخارى عن ابن عباس قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمقداد: " إذا كان مؤمن يخفى إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت تخفى إيمانك بمكة قبل "، [فحمل بعضهم تأويل الحديث] (¬2) على هذا، أى أنه بمنزلتك قبل أن تقتله لقوله الكلمة وثبات إيمانه وعصمته من القتل بها، وأنت بمنزلته قبل أن تقتله، أى كنت كذلك إذ كنت [بمكة] (¬3) بين ¬

_ (¬1) فى ت: فقطعهما. أخرجها البخارى تعليقًا فى ك الديات عن حبيب بن أبى عَمْرَةَ عن سعيد عن ابن عباس 9/ 3. قال الحافظ فى الفتح: حبيب بن أبى عَمْرَة هو القصَّابُ الكوفى، لا يعرف اسم أبيه، وهذا التعليق وصله البزار والدارقطنى فى الأفراد والطبرانى فى الكبير من رواية أبى بكر بن على بن عطاء بن مقدم والد محمد ابن أبى بكر المقدمى عن حبيب، وفى أوله: " بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فيها المقداد، فلما أتوهم وجدوهم تفرقوا وفيهم رَجُلٌ له مالٌ كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فأهوى إليه المقداد فقتله ... " الحديث، وفيه. " فذكروا ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا مقداد، قتلت رجلاً قال: لا إله إلا الله؟ فكيف لك بلا إله إلا الله؟ فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} الآية [النساء: 94]، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمقداد: كان رجلاً مؤمناً يخفى إيمانه " ... إلخ. قال الدارقطنى. تفرد به حبيب وتفرد به أبو بكر عنه. قال الحافظ فى الفتح: " قد تابع أبا بكر سفيان الثورى لكنه أرسله، أخرجه ابن أبى شيبة عن وكيع عنه. فتح البارى 12/ 190. (¬2) فى ت: فتأول بعضهم حمل الحديث. (¬3) ساقطة من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المشركين تكتم إيمانك، فلعله هو ممن كتم إيمانه وخرج مع المشركين كرهاً، كما أخرج أهل مكة من كان معهم من المسلمين لبدر كرهاً. وقطعه يده لمدافعته عن نفسه من يقتله، فهو يتأول جواز ذلك له، كما أنت متأول جواز قتله بعد الكلمة. وقال ابن القصار (¬1) وغيره: معناه: أنه بمنزلتك قبل أن تقتله من تحريم الدم والعصمة من القتل لإيمانه، وأنت مثله من إباحة دمه لكفره قبل أن يقولها، وأنت بعد قوله بإباحة دمك لقتلك إياه والقصاص له، يريدُ لولا علة التأويل المسقط عنك حكم القصاص. وقيل: معناه: إنَّك مثله قبل أن يقولها فى مخالفة الحق وارتكاب الإثم وإن اختلفت أنواع المخالفة والإثم، فيسمى إثمه كفرًا وشركًا، وإثمك معصية وفسقًا (¬2). وقوله فى الحديث: المقداد بن الأسود، ومرَّة المقداد بن عمرو بن الأسود الكندى حليف بنى زهرة فيه تَجَوُّز، أما قوله: " ابن الأسود " فإن الأسود بن عبد يغوث الزهرى كان تبناه فى الجاهلية، فلما نهى الله عن التبنى انتسب (¬3) لأبيه عمرو لما جاء فى الرواية الأخرى، ثم قال ابن الأسود على التعريف والقطع والبدَل من المقداد والبيان له لا على النعت والصفة لعمرو ورد النسب إليه، كأنه قال: الذى يقال له ابن الأسود أو المعروف بابن الأسود، فقال ابن الأسود بدلاً من نسبه الأول لشهرته به، ويجب على هذا كتابة (¬4) ابن الأسود بالألف (¬5) ويتبع فى إعرابه المقداد لا عمرًا، وقد شهرت معرفته بذلك ونسبه إلى الأسود أكثر من نسبته إلى عمرو. وأما قوله: الكندى حليف بنى زهرة فحقيقة نسبه بهرَانى من قضاعة، لا خلاف بين أهل النسب فى ذلك، ولكنهم يطلقون عليه النسب بكندىّ مرَّة وبهرانى أخرى، وقد جاء ذلك فى الصحيح (¬6) نسبه كندى (¬7)، وفى تاريخ البخارى والطبرى (¬8) فيه الكندى ¬

_ (¬1) غاية ما وقفت عليه أنه أبو الحسن بن القصار. المفهم 1/ 272. (¬2) وفى الحديث السؤال عما لم يقع والجواب عنه، قال الأبى: " وكرهه بعض السلف، ورأى أن اشتغال المجتهد بذلك غلو " إكمال الإكمال 1/ 204. (¬3) فى الأصل: انتسبت. (¬4) فى الأصل: كتاب. (¬5) لأن ابن هنا ليس واقعًا بين علمين متناسلين. نووى 1/ 293. قال: وقدم نبه إلى عمرو على نسبته إلى الأسود لكون عمرو هو الأصل. (¬6) فى ق: الصحيحين. (¬7) فى صحيح البخارى فى أول كتاب الديات، وفى باب من شهد بدرًا من الملائكة، روى عنه فيهما عبيد الله بن عدىّ. وقال فيه الكلاباذى: كان فى حجر الأسود بن عبد يغوث الزهرى فنسب إليه. رجال صحيح البخارى 2/ 725. وهنا فى صحيح مسلم فى غير هذا الموضع سيرد إن شاء الله تعالى فى الوضوء، وروى عنه فيه على ابن أبى طالب، وفى الأطعمة، وروى عنه فيه عبد الرحمن بن أبى ليلى. قال ابن منجويه: ويقال: كان عبدًا حبشيًا لأسود بن عبد يغوث، فاستلأطه، يعنى قرَّبه وألزقه، قال: وكان عمرو أبا المقداد حالف كندة، فلذلك قل: الكندى يُعدُّ فى أهل الحجاز، يكنى أبا الأسود. كان المقداد فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر. رجال صحيح مسلم 2/ 268. (¬8) التاريخ الكبير 4/ 2/ 54، وانظر تاريخ الطبرى 2/ 427.

156 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْراهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بُنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأوْزَاعِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بهذَا الإِسْنَادِ. أمَّا الأَوْزَاعِىُّ وابْنُ جُرَيْجٍ فَفىِ حَدِيثِهِمَا قَالَ: أسْلَمْتُ لِلهِ. كَمَا قَالَ اللَّيْثُ فىِ حَدِيِثِه. وأمَّا مَعْمَرٌ فَفِى حَدِيثِه: فَلَمَّا أهوَيْتُ لأقْتُلَهُ قَالَ: لا إلهَ إلا اللهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ البهرانى. وكندة وبهرا لا ترجع إحداهما إلى الأخرى، وإنما تجتمع فى حمير لمن جعل قضاعة منها، أو فيما فوق ذلك لمن نسب قضاعة من مَعَد. وذكر ثابتٌ عن موسى بن هارون: كان المقداد كنديًا حليفًا لبنى زُهرَة، وهذا وهم صريح، إذ جعل أصل نسبه (¬1) من كندة، ولعله مع كونه بهرانيًا صليبةً كنديًا بالحلف أو بالجوار. وأما قول موسى بن هارون فيه حليفًا لبنى زهرة، فقد ذكرنا سبب نَسبَه لزهرة أنه بتبنى (¬2) الأسود بن عبد يغوث. لكن ذكر ابن إسحاق وأبو عمر بن عبد البر أنه حالفه - أيضًا - وإنما الكندى حقيقة من الصحابة المقدام - بالميم - بن معدى كرب، وهو أبو كريمة. وقوله: " فلما أهويتُ لأقتله ": قال الخليل: أهوى إليه بيده. وقال أبو بكر بن القوطية (¬3): هوى إليه بالسيف والشىء هُويًا، وأهويتُه أى أملته، وقال أبو زيد (¬4): الإهواء التناول باليد والضرب. وقوله فى سنده: ثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا: ثنا عبد الرزاق أنا معمر وثنا إسحاق بن موسى الأنصارى أنبأ الوليد عن الأوزاعى، وحدثنا محمد (¬5) بن رافع، ثنا عبد الرزاق، ثنا (¬6) ابن جريج جميعاً عن الزهرى - لم يقع هذا السند عن ابن ماهان. قال أبو مسعود الدمشقى: هذا ليس بمعروف عن الوليد بهذا الإسناد عن عطاء بن ¬

_ (¬1) فى الأصل: نسيبه. (¬2) فى الأصل: تبناه. (¬3) هو علامة الأدب محمد بن عمر الأندلسى القرطبى. سبق قريبًا. (¬4) لعله سعيد بن الربيع البصرى، وهو من قدماء مشيخة البخارى، وروى مسلم عن رجل عنه، توفى سنة إحدى عشرة ومائتين. سير 9/ 496. (¬5) فى ت: عبد. (¬6) فى ت: أنا.

157 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عَطَاء بْنُ يَزِيدَ اللَّيثِىُّ، ثُمَّ الْجُنْدَعِىُّ؛ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِىِّ ابْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنُ عَمْرِو بْنَ الأَسْوَدِ الْكِنْدِىَّ - وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِى زُهْرَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الْكُفَّارِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثَ اللَّيْثِ. 158 - (96) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى مُعَاوِيَة، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى ظِبَيْانَ، عَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَهذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَرِيَّةٍ. فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأدْرَكْتُ رَجُلاً، فَقَالَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِى نَفْسِى مِنْ ذلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقَالَ: لا إلهَ إلا اللهُ وَقَتَلْتهُ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رسُولَ اللهِ، إنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاحِ، قَالَ: " أفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أقَالَهَا أمْ لا ". فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَىَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّى أسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ. قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأنَا وَاللهِ لا أقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ - يَعْنِى أسَامَةَ. قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: ألمْ يَقُلِ اللهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه} (¬1) فَقَالَ سَعْدُ: قَدْ قَاتَلْنَا حتّى لا تَكُون فِتْنَةٌ. وأنْتَ وَأصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد عن عُبيد الله، وفيه خلاف على الوليد وعلى الأوزاعى، وبيَّن الدارقطنى فى كتاب العلل الخلاف فيه، وذكر أن الأوزاعى يرويه عن إبراهيم بن مُرَّة، واختلف عنه، فرواه أبو إسحاق الفزارى ومحمد بن شعيب ومحمد بن جبير (¬2) والوليد بن مَرْثد عن الأوزاعى عن إبراهيم بن مُرَّة عن الزهرى عن عُبيد الله بن الخيار عن المقداد، ولم يذكروا فيه عطاء ابن يزيد، واختلف عن الوليد بن مسلم، فرواه أبو الوليد القرشى عن الوليد عن الأوزاعى، والليث بن سعد عن الزهرى عن عبيد الله بن عدى عن المقداد، لم يذكر فيه عطاء بن يزيد، وأسقط إبراهيم بن مُرَّة، وخالفه عيسى بن مشاور فرواه عن الوليد، عن الأوزاعى، عن حُميد، عن عبد الرحمن، عن عبيد الله بن عدىِّ، عن المقداد، لم يذكر فيه إبراهيم بن مُرَّةٌ، وجعل مكان عطاء بن يزيد حميد بن عبد الرحمن. ورواه الفريابى عن الأوزاعى، عن إبراهيم بن مرة، عن الزهرى مرسلاً، عن المقداد. قال أبو على الجيّانى: والصحيح فى إسناد هذا الحديث ما ذكره مسلم أولاً من رواية ¬

_ (¬1) الأنفال: 39. (¬2) فى الأصل: حميد.

159 - (...) حدّثنا يَعْقُوبُ الدّوْرَقىّ. حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ. حَدَّثَنَا أَبُو ظِبَيْان، قَالَ: سَمِعْتُ أسَامَة بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ، قَالَ: بَعثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَة، فَصَبَحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، ولَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ. فَكَفَّ عَنْهُ الأنْصارِىُّ، وطَعنْتُهُ بِرُمْحِى حَتَّى قَتَلْتَهُ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنا، بَلَغَ ذلِكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِى: " يَا أسَامَةُ، أقتَلْتهْ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إلَهَ إلا اللهَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إنّمَا كَانَ مُتعَوذًا. قَالَ: فَقَالَ " أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ؟ ". قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَىَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّى لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَومَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الليث ومعمر ويونس وابن جريج، وتابعهم صالح بن كيسان (¬1). وقوله لأسامة: " أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله "، قال الإمام: لم يذكر فيه قصاصًا ولا عقلاً (¬2)، فيحتمل أن يكون إنما أسقط ذلك عنه لأنه متأوّل، ويكون ذلك حجةً فى إسقاط العقل على إحدى الروايتين (¬3) عندنا فى خطأ الإمام، ومن أذن له فى شىء فأتلفه غلطًا كالأجير [والخاتن] (¬4). قال القاضى [رضى الله عنه] (¬5): لا امتراء أن أسامة إنما قتله متأوّلاً، وظانًا أن الشهادة عند معاينة القتل لا تنفع، كما لا تنفع عند حضور الموت، ولم يعلم بعد حكم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، ألا تراه كيف قال: إنما قالها متعوّذًا، فحكمه حكم الخاطئ، فسقوط ¬

_ (¬1) قال النووى بعد سياقته لقول القاضى: " وحاصل هذا الخلاف والاضطراب إنما هو فى رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعى، وأما رواية الليث ومعمر ويونس وابن جريج فلا شك فى صحتها، وهذه الروايات هى المستقلة بالعمل، وعليها الاعتماد، وأما رواية الأوزاعى فذكرها متابعة، وقد تقرر عندهم أن المتابعات يحتمل فيها ما فيه نوع ضعف، لكونها لا اعتماد عليها، وإنما هى لمجرد الاستئناس، فالحاصل أن هذا الاضطراب الذى فى رواية الوليد عن الأوزاعى لا يقدح فى صحة أصل هذا الحديث، فلا خلاف فى صحته " 1/ 297. (¬2) العقلُ هى الدية تدفعها العاقلة، وهم العصبَةُ الأقرباء من قبل الأب، وإنما قيل للدية عقلٌ لأنهم كانوا يأتون بالإبل فيعقلونها بفناء ولىِّ المقتول، ثم كثر ذلك حتى قيل لكل دية عقلٌ. لسان العرب. (¬3) فى المعلم: الطرقتين. (¬4) فى الأصل والمعلم: الخاين، وهو خطأ، والمثبت من (ت) و (ق) وهو الصواب، والمراد به خاتن الصبيان، إذا أخطأ فى الختن، فشأنه كشأن الطبيب إذا أتلف نفسًا غلطًا. راجع: الجامع لأحكام القرآن: 5/ 324. (¬5) سقط من ق.

160 - (97) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بِنْ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أبى يُحَدِّثُ؛ أَنَّ خَالِدًا الأثْبَجَ، ابْنِ أخِى صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، حَدَّثَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ؛ أَنَّهُ حَدَّثَ؛ أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِىَّ بَعَثَ إلى عَسْعَسِ بْنِ سَلامَةَ، زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: اجْمَعْ لِى نَفَرًا مِنْ إخْوَانِكَ حَتَّى أحَدِّثَهُمْ. فَبَعَثَ رَسُولاً إلَيْهمْ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَ جُنْدَبْ وَعَلَيْهِ بُرْنُسُ أصْفَرُ. فَقَالَ: تَحَدَّثُوا بِما كُنتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ. حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ. فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إلَيْهِ حَسَرَ الْبُرْنُس عَنْ رَأسِهِ فَقَالَ: إنى أتَيْتُكُمْ ولا أرِيدُ أَنْ أخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيكُمْ. إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلى قَومِ مِنْ المُشرِكِينَ وَإِنَّهمْ الْتَقَوا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ المُشرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقصِدَ إلَى رَجُلٍ مِنْ المُسلِمينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَإنَّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلتَهُ. قَالَ: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أسَامةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فَقَتَلَهُ. فَجَاءَ البَشِيرُ إلى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسأَلَهُ فَأخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ، فَدَعَاهُ، فَسَألَهُ، فَقَالَ: " لِمَ قَتَلْتهُ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أوْجَعَ فِى الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ فُلانًا وَفُلانًا - وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا - وإنِّى حَمَلتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأى السَّيْفَ قَالَ: لَا إلَهَ إلا اللهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقَتَلْتَهُ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إلَهَ إلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِى. قَالَ: " وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إلَه إلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ". قَالَ: فجَعَلَ لا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: " كَيفَ تَصْنَعُ بِلا إلَهَ إلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ القصاص عنه بيّنٌ، وأما سقوط الدية فلكونه من العدو، ولعله لم يكن له ولىٌّ من المسلمين تكون له ديتُه (¬1) كما قال تعالى: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ¬

_ (¬1) أو لأنه كان له إذن فى أصل القتال، فكان عنه إتلاف نفس محترمة غَلطًا كالخاتن والطبيب، كما ذكر الإمام، أو لأن المقتول كان فى العدوّ ولم يكن له ولىٌّ من المسلمين تكون له ديته، كما دلَّت الآية قال القرطبى فى الآية: " هذه مسألة، المؤمن يقتلُ فى بلاد الكفار أو فى حروبهم على أنه من الكفار، والمعنى عند ابن عباس وقتادة والسُدّى وعكرمة ومجاهد والنخعى: فإن كان هذا المقتول رجلاً مؤمنًا قد آمن وبَقَى فى قومه وهم كفرة {عَدُوٍّ لَّكُم} [النساء: 92] فلا دية فيه، وإنما كفارته تحرير رقبة ". قال: " وهو المشهور من قول مالك، وبه قال أبو حنيفة، وسقطت الدية لوجهين: أحدهما: أن أولياء القتيل كفار، فلا يصح أن تُدْفَع إليهم فيتقووا بها، والثانى: أن حُرمة هذا الذى آمن ولم يُهاجر قليلة، فلا دية لقوله تعالى. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُّؤْمِنَةٍ} (¬1)، فلم يجعل عليه قصاصًا ولا ديةً سوى الكفارة. وهذا مذهب ابن عباس وجماعة فى الآية: أنها فى المؤمن يقتل خطأ وقومه كفارٌ، فليس على قاتله سوى الكفارة. وذهب بعضهم إلى أنها فيمن أولياؤه معاهدون، وذكر عن مالك [والمشهور عنه] (¬2) [رحمه الله] (¬3): أنها فيمن لم يهاجر من المسلمين، لقوله [تعالى] (¬4): {مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} (¬5)، فيكون هذا الحديث ومثله حجةً لهذه المقالات، أو يكون قتله هذا لم يُعْلَم إلا (¬6) بقول أسامة، والعاقِلةُ لا تحمل اعترافًا، ولم يكن عند أسامة مال يكون فيه ديتُه. أو يكون قد تحقق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوحى الله أن المقتول لم يقل لا إله مخلصًا، بل قالها مُعتصمًا بها من القتل غير معتقد لها، فكان كافِرًا فى الباطن، لكن شدَّد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أسامة الأمر وعظَّمه لئلا يواقعه (¬7) ثانية فى قائلها عن صحة وحقيقة، وممن يكتم إيمانه كما قال للمقداد؛ فلهذا كان أسامة بعد لا يقاتل مسلمًا وحلف على ذلك؛ ولهذا قعد عن نُصَرة على - رضى الله عنه - ولهذا قال سعد - وهو ابن أبى وقاص - فى الحديث: " فأنا لا أقاتل حتى يقاتل ذو البطين " يعنى: أسامة، وقيل له: ذو البطين مصغراً؛ لأنه كان له بطن. قال ابن ماكولا: أسامة بن زيد يقال له: ذو البطين (¬8). وقوله: " أفلا شققت عن قلبه " (¬9): دليلٌ على حمل الناس على الظواهر؛ لأن البواطن لا يُوصَل إليها، ولا يعلم ما فيها إلا علام السرائر. وذكر الشق هنا تنبيه على ذلك، وكناية عن امتناع الاطلاع، إذ لا يوصل إلى ذلك وإن شق، واقتدى سعد بن أبى وقاص فى هذا بأسامة، ومذهبهما فى ذلك بسطناه مع مذاهب غيرهما فى كتاب الفتن آخر الكتاب. ¬

_ (¬1) النساء: 92. (¬2) من ق. (¬3) و (¬4) من المعلم. (¬5) الأنفال: 72. (¬6) فى الأصل: لا. (¬7) فى ت: يوافقه. (¬8) الإكمال 1/ 334. وليس المعنى هنا أنه يريد: إن قاتل أسامة قاتلتُ فى الفتنة، وإنما هو من الوقف على الممتنع وقوعه. الأبى 1/ 209 (¬9) وفى قول أسامة فى الطريق الأول: " فذكرته للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وقوله فى الطريق الثانى: " فلما قدمنا بلغ ذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لى: يا أسامة، أقتلته؟ " يجمع بينهما بأن يكون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله فقال له أسامة ذلك.

(42) باب قول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: " من حمل علينا السلاح فليس منا "

(42) باب قول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: " من حمل علينا السلاح فليس منا " (¬1) 161 - (98) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَربٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ -: ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا ". 162 - (99) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ - وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ - حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْفَ فَلَيْسَ مِنَّا ". 163 - (100) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأشْعَرِىُّ وأبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَة، عَنْ أبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ¬

_ (¬1) ستأتى الإشارة إليه بالباب التالى.

(43) باب قول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: " من غشنا فليس منا "

(43) باب قول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: " من غشنا فليس منا " 164 - (101) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىُّ - ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الأحْوصِ مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبى صَالِح، عَن أبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْس مِنَّا ". (102) وحَدثنى يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ وَقُتيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَللاً، فَقَالَ: " مَا هذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ " قَالَ: أصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَىْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: [من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا] (¬1). قال الإمام: لا حجة فيه لمن يقول: إن العاصى خرَج من الإيمان؛ لأنه يحتمل أن يكون أراد من فعل ذلك مستحلاً له، أو ليس منا بمعنى: ليس بمتبع هدينا ولا سنتنا، كما يقول القائل لولده: لست منى، إذا سلك غير أسلوبه. قال القاضى: تقدم بيانه صدر الكتاب، والإشارة بحمل السلاح علينا أى على المسلمين لقتالهم. ¬

_ (¬1) جاءت فى الأصل، ق: " ليس منا من حمل علينا السلاح ... "، وفى ت: " من حمل علينا السلاح ... ومن فعل كذا فليس منا "، والمثبت من المعلم. ومعنى "حمل السلاح ": أى بغير حق، وإن لم يقاتل، كالمحارب يحملها لم يقاتل، فلا يتناول الحديث حملها لنصرة من تجب نصرته من المسلمين.

(44) باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية

(44) باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية 165 - (103) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ ". هذَا حَدِيثُ يَحْيَى. وَأمَّا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو بَكْر فَقَالا: " وَشَقَّ وَدَعَا " بِغَيْرِ ألِفٍ. 166 - (...) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عِيسى بْنُ يُونُسَ، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَش، بِهذَا الإسْنَادِ، وَقَالا: " وَشَقَّ ودَعَا ". 167 - (104) حدّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى الْقَنْطَرىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ؛ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخيْمِرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِى مُوسَى، قَالَ: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجْعًا فُغشِىَ عَلَيْهِ، وَرَأسُهُ فى حَجْرِ امْرَأةٍ مِنْ أهْلِهِ، فَصَاحَتِ امْرَأةٌ مِنْ أهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أفَاقَ قَالَ: أَنَا بَرِىءٌ مِمَّا بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنَ الصَالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ودعوى الجاهلية فى هذا الحديث هى: النياحة، وندبَةُ الميت، والدعاء بالويل وشبهه، وقد ذكرناه. وقوله: " أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق " (¬1)، قال الإمام: قال أبو عبيد: ¬

_ (¬1) جاءت فى الأصل: " من حلق أو صلق أو خرق "، دون أن يذكر فيه عبارة " أنا برئ "، ولم يرد القول الثانى فى المعلم.

(...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا جَعْفرُ بْنُ عَوْنٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَخْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَأبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى، قَالا: أغْمِىَ عَلَى أبى مُوسَى وَأقْبَلَتِ امْرَأتُهُ أمُّ عَبْدِ اللهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ، قَالا: ثُمَّ أفَاقَ. قَالَ: ألَمْ تَعْلَمِى - وَكَانَ يُحَدِّثُها - أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَنَا بَرِىءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ ". (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنِ، عَنْ عِيَاضٍ الأشْعَرِىِّ، عَنِ امْرأةِ أَبِى مُوسَى، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى هِنْدٍ - حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصالقة بالصاد والسين - والسلْقُ هو الصوت الشديد (¬1) من قوله تعالى: {سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد} (¬2): قال الهروى: فالصالقة: التى ترفع صوتها فى المُصيبات، والحالقة: التى تحلق شعرها عند المُصيبات. قال غيره: والشاقة التى تشق ثوبها فى تلك الحال، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث الآخر: " ليس منا من شق الجيوب " (¬3). قال القاضى: ويبين تفسير الصالقة قوله فى نفس الحديث: فأقبلت امرأة تصيح برنة (¬4)، فقال لها هذا الكلام وهو معنى دعوى الجاهلية فى الحديث الآخر. قال أبو زيد: الصلق الولولةُ بالصوت الشديد، وذكر عن ابن الأعرابى أنه ضرب الوجه، فإذا كان على هذا فيفسره إذًا الحديث الآخر: ليس منا من ضرب الخدود يريد عند المصيبة. وقوله: " أنا برىء ": أى من تصويب فعلهن، أو مما يستوجبن عليه من العقوبة، أو من عُهْدَة ما لَزِمَنى من [بيانه عليهن] (¬5) وتعريفهن ما فيه من الإثم. وأصل البراءة: الانفصال والبينونة، ومنه: بان (¬6) الرجل امرأته، إذا فارقها. ¬

_ (¬1) ولابن الأعرابى أنه ضرب الوجه، من صَلَقْتُ الشاةَ صَلْقًا، إذا شويتها على جنبها، لسان العرب. (¬2) الأحزاب: 19. (¬3) الحديث بهذا اللفظ أخرجه الترمذى فى ك الجنائز؛ ب ما جاء فى النهى عن ضرب الخدود وشقّ الجيوب عند المصيبة، أحمد فى المسند 1/ 432 عن عبد الله بن مسعود، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وتمامه هناك: " وضرب الخدود، ودعا بدعوة الجاهلية ". ولفظ أحمد: " ولطم الخدد ". (¬4) قال صاحب اللسان فى الرنة: هى ترجيع الصوت بالبكاء، ويقال: أرنت فهى مُرنة، ولا يقال: رنَّتْ، وقال الجوهرى: يقال: أرنَّتْ ورَنَّتْ، قال: والرنَّةُ والرَّنين والإرنان بمعنى. (¬5) نقلها الأبى: بيان حكمه. (¬6) فى ت: باتى.

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُميْرٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاش، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنَّ فىِ حَدِيثِ عِيَاضٍ الأشْعَرِىِّ قَالَ: " لَيْسَ مِنَّا "، وَلَمْ يَقُلْ: " بَرِىءٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى سنده: حدثنى الحسن بن على الحلوانى، ثنا عبد الصمد، ثنا شعبة. قال أبو الحسن الدارقطنى: أصحاب شعبة يخالفون عبد الصمد ويروونه عن شعبة موقوفًا، لم يرفعه عنه غيرُ عبد الصمد (¬1). ¬

_ (¬1) نقله النووى مسندًا للقاضى عياض فقط، ثم قال: " ولا يضر هذا على المذهب الصحيح المختار وهو إذا روى الحديث بعض الرواة موقوفًا، وبعضهم مرفوعًا، أو بعضهم متصلاً وبعضهم مرسلاً فإن الحكم للرفع والوصل، وقيل: للوقف والإرسال، وقيل: يعتبر الأحفظ، وقيل: الأكثر. والصحيح الأول ". قال: " ومع هذا فمسلم - رحمه الله - لم يذكر هذا الإسناد معتمدًا عليه، إنما ذكره متابعة ". نووى 1/ 301.

(45) باب بيان غلظ تحريم النميمة

(45) باب بيان غلظ تحريم النميمة 168 - (105) وحدّثنى شَيْبَانُ بْنُ فَرَّوخَ وَعَبدُ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ - وَهوَ ابْنُ مَيْمُونٍ - حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً يَنُمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَدْخُلِ الجَنَّةَ نَمَّامٌ ". 169 - (...) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ إِلَى الأَمِيرِ، فَكُنَّا جُلُوسًا فِى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: هَذَا مِمَّنْ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ إِلَى الأَمِيرِ، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ". 170 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الحَارِثٍ التَّمِيمِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّام بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ حُذَيْفَةَ فِى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ حَتّىَ جَلَسَ إِلَيْنَا، فَقِيلَ لِحُذَيْفَةَ: إِنَّ هَذَا يَرْفَعُ إِلَى السُّلْطَانِ أَشْيَاءَ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ، إِرَادَةَ أَنْ يُسْمِعَهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يدخلُ الجنة قتات "، والحديث الآخر: " نَمَّامٌ " وهو تفسير قتَّات، وأصله من تَقتتُّ الحديث: إذا سمعه، وتقتَّتُ الشىء: جمعته وكذلك فعل النَّمامُ (¬1). ¬

_ (¬1) والنميمة عرفًا: هى: نقل كلام الإنسان إلى غيره لقصد الإفساد بينهما. قال الغزالى: ولا يقتصر بها على ذلك، بل هى كشف ما يكره كشفه من قول أو فعل كرهة المنقول عنه. وحكمها الحرمة، إلا أن تتضمن مصلحة شرعية فلا تمتنع، وقد تجب، وذلك بحسب المواطن. والحديث من نحو ما تقدم فى الحاجة إلى التأويل.

(46) باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم

(46) باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم 171 - (106) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ " قَالَ: فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مِرَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ... " الحديث: هذا مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} الآية (¬1). معنى: " لا يكلمهم الله ": أى بكلام أهل الخير وإظهار الرضا والبر، بل بكلام أهل السخط والغضب، وقيل: لا يسمعهم كلامه بغير سفير، وقيل: معنى ذلك الإعراض والغضب، وهو معنى لا ينظر إليهم، ونظر الله لعباده رحمته لهم وعطفه عليهم (¬2). وقوله: " ولا يزكيهم ": قال الزجاج: لا يثنى عليهم، ومن لم يثن عليه خيرًا عذبه، وقيل: لا يُطهرهم من خبيث (¬3) أعمالهم لعظم جرمهم؛ لأن ذنوبهم جمعت ذنوبًا كبيرة (¬4). ¬

_ (¬1) آل عمران: 77. والمعنى كما ذكر الحافظ ابن كثير: " إن الذين يعتاضون عما عهدهم الله عليه من اتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكْر صفته للناس وبيان أمره، وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القَليَلة الزهيدة فـ {أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ}، أى لا نصب لهم فيها، ولا حظ لهم منها {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أى برحمة منه لهم. بمعنى لا يكلمهم كلام لطف بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة {ولا يُزَكِّيهِم} أى من الذنوب والأدناس ". تفسير القرآن العظيم 2/ 51. (¬2) قال لأبى: " لا يكلمهم ولا يزكيهم لا يتعين فيهما التأويل لصحة النفى فيهما، ويتعين فى لا ينظر إليهم لأنه تعالى يرى كل موجود ". الإكمال 1/ 214. (¬3) فى ت: خبث. (¬4) فى ت: كثيرة.

قَالَ أَبُو ذرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ". (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادِ الْبَاهِلىُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَنَّانُ الَّذِى لا يُعْطِى شَيئًا إلا مَنَّهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسْبِلُ إزَارَهُ ". وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ، بهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ ولاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " المسبل إزاره ": أى المرخى له، الجارُّ طرفه خُيَلاء كما جاء مفسرًا فى الحديث الآخر: " لا يُنظر الله إلى من يُجرُّ ثوبه بطرًا " (¬1) وفى آخر (¬2): " إزاره خُيلاء " والخيلاء: الكبر، وقد تقدم قول من قال: إنه لا يكون إلا مع جرّ الإزار، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (¬3). وتخصيص جرّه على وجه الخُيلاء يدلُ أن من جرَّه لغير ذلك فليس بداخل تحت الوعيد، وقد رخص فى ذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبى بكر الصديق - رضى الله عنه - وقال: " لسْتَ منهم " (¬4)؛ إذ كان جَرُّه إيَّاه لغير الخيلاء، بل لأنه كان لا يثبتُ على عاتقه. ¬

_ (¬1) قريب من لفظ أحمد، فقد أخرجه فى المسند 2/ 69 عن ابن عمر بلفظ: " لا ينظر الله إلى الذى يجرُّ إزاره خيلاء "، وعن أبى هريرة 1/ 467 بلفظ: " لا يُنظر الله عز وجل إلى الذى يجر إزاره بطرًا ". والإزار: ما يتحزم به، وكانت العرب لا تعرف السراويلات. ذكر ابن عبد ربه أن أعرابيًا وجد سراويل، فأخرج يديه من ساقيه وجعل يلتمس من أين يخرج رأسه فلم يجد، فرمى به وقال: إنه لقميص شيطان. إكمال 1/ 214. (¬2) فى ت: أخرى. (¬3) الحديد: 23. (¬4) الحديث بهذا اللفظ جزء حديث، أخرجه أحمد والطبرانى فى الأوسط بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح، وتمامه عن ابن عمر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رآه وعليه إزار يتقعقع - يعنى جديدًا - فقال: " من هذا؟ " فقلت: أنا عبد الله، فقال: " إن كنت عبد الله فارفع إزارك " قال: فرفعته، قال: " زد " قال: فرفعته حتى بلغ نصف الساق، قال: ثم التفت إلى أبى بكر فقال: " من جَرَّ ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ". فقال أبو بكر: إنه يترخى إزارى أحيانًا، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لست منهم " أحمد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الطبرى وغيره: وخصَّ الإزارَ لأنه كان عامة اللباس، وحكمُ غيره من القُمص وغيرها حكمه. قال القاضى: وأما على ما جاء فى الحديث الآخر: " ثوبه " فهو عام، وقد ورد مُفَسَّرًا فى كتاب أبى داود فى حديث: " فذكر فيه الإزار والقميص والعمامة " (¬1). وقوله: " والمنَّان " وفسَّره فى الحديث: " أنه الذى لا يُعطى شيئًا إلا منّة "، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى} (¬2). وقد ورد فى حديث آخر: " البخيلُ المنانُ " (¬3)، فقد جمع البخل المذموم لاسيما إن كان بالواجبات ثم المنَّ بالقليل الذى يُسمَحُ به، وأذى من وصَلَه به، واستكثاره، واستطالته عليه، وفى نفس المنّ البخل لأنه لا يمنّ إلا بما عَظُمَ فى نفسه إخراجه عن يده، وشحّهُ عليه عِظَمُه عنده، والجوادُ لا يعظمُ عنده شىء مما يمنحه ولا يذكره ولا يَمُنُّ به، وقيل: إن المنَّ هنا بمعنى القطع والنقص، فيوافق معنى البخيل الذى لا يعطى الحقوق من ماله وينقصها ويقطع رحمه - وهو أحد التأويلين فى قول الله عز وجل: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (¬4): أى غير منقوص ولا مقطوع. والأظهر الأول لقوله: " لا يعطى شيئًا إلا ¬

_ = فى المسند 2/ 147، والمجمع 5/ 123. وقد أخرجه البخارى والطبرانى من حديثه بلفظ: " لستَ ممن يضعه خُيلاء " البخارى فى صحيحه، ك اللباس، ب من جَرَّ ثوبه من غير خيلاء 7/ 182، والطبرانى فى المعجم الكبير 12/ 300، وكذا أخرجه أبو داود فى السنن ك اللباس، ب ما جاء فى إسبال الإزار 2/ 378، وزاد فيه: " إن أحد جانِبى إزارى يسترخى، إنى لأتعاهَدُ ذلك منه ". (¬1) وذلك من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإسبال فى الإزار، والقميص، والعِمامة، من جَرَّ منها شيئًا خُيلاء لم يُنظرِ الله إليه يوم القيامة " 1/ 381. (¬2) البقرة: 264. (¬3) أخرجه أحمد فى المسند فى حديث طويل عن أبى ذر بلفظ: " ثلاثةٌ يشنؤهم الله: التاجر الحلاف - أو قال: البائع الحلاف - والبخيل المنان، والفقير المختال " 5/ 151. وقد أخرجه الترمذى عن أبى بكر الصديق بلفظ: " لا يدخُلُ الجنَّة خِبٌّ، ولا منانٌ، ولا بخيل " ك البر والصلة، ب ما جاء فى البخيل 4/ 343، وقال فيه الترمذى: هذا حديث حسن غريب. والمنَّانُ: صيغة مبالغة من المن؛ ولذا فسَّره فى حديث الأعمش أنه لا يعطى شيئًا إلا منّة. وعلى ذلك فلا يتناول الوعيدُ المذكور إلا من كثُر منه ذلك، بخلاف إبطاله الصدقة، والمن: تقرير النعمة على من أسديت إليه. ورواية أحمد التى استدل بها القاضى ليس فيها تخصيصٌ لروايات الباب هنا حتى يقال: لا يتناول الوعيد إلا من أضاف إلى كثرة المن البخل، وذلك لأن المنَّ يستلزم البخل؛ لأنه لا يمنّ إلا بما عظم فى نفسه وشحَّ بإخراجه، والجواد لا يستعظم فلا يَمنَّ كما ذكر القاضى. (¬4) التين: 6. وفيه قال ابن عباس: غير منقوض. وقال مجاهد والضحاك: غير محسوب. قال الحافظ: ابن كثير: وحاصل قولهما: أنه غير مقطوع، كما قال تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] =

172 - (107) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةٌ لا يُكَلمُهُمُ اللهُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكيِّهِم - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَلا يَنظُرُ إلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ منَّه ". وقوله: " المنفق سلعته بالحلف الفاجر "، وفى الرواية الأخرى: " الكاذب " وهو تفسير الفاجر، وقد جمعت الاستخفاف بحق الله والكذب فيما حلف عليه، وأخذ مال الآخر بغير حقه، وغروره إيَّاه بيمينه (¬1). وقوله فى الحديث الآخر فى تفسير الثلاثة: " شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر "، خص هؤلاء الثلاثة بأليم العذاب وعقوبة الإبعاد لالتزام كل واحد منهم المعصية التى ذكر على بعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يُعذر أحدٌ بذنبٍ، ولا فى معصيته الله تعالى، لكن لما لم تدعُهم إلى هذه المعاصى ضرائر مزعجة، ولا دواعٍ معتادة، ولا حملتهم عليها أسبابٌ لازمةٌ، أشبه إقدامُهم عليها المعاندةَ، والاستخفاف بحق المعبود، محضًا، وقصد معصيته لا لغير معصيته (¬2)، فإن الشيخ مع كمال عقله، وإعذار الله له فى عمره، وكثرة معرفته بطول ما مَرَّ عليه من زمنه، وضعف أسباب الجماع، والشهوة للنساء، واختلال دواعيه لذلك، وبَرد مِزاجِه، وإخلاق جديده، [وعنده] (¬3) من ذلك ما يُريحه من دواعى الحلال فى هذا الباب من ذاته، ويخلى سره منه بطبيعته، فكيف بالزنا الحرام؟! إذ دواعى ذلك الكبرى الشبابُ، وحرارةُ الغريزة، وقلة المعرفة، وغلبة الشهوة بضعف العقل، وصِغَرِ السِنّ. وكذلك الإمام لا يخشى من أحد من رعيته، ولا يحتاج إلى مداهنته ومصانعته، إذ ¬

_ = قال: وقال السدى: قال بعضهم: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير منقوض، وقال بعضهم: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} عليهم. قال: وهذا القول الآخر عن بعضهم قد أنكره غير واحد؛ فإن الله - عز وجل - له المنة على أهل الجَنة فى كل حال وآن ولحظةٍ، وإنما دخولها بفضله ورحمته، لا بأعمالهم، فله عليهم المنة سرمدًا. تفسير القرآن العظيم 8/ 383. (¬1) فعلى القول فى الكبيرة أنه ما تُوُعِّدَ عليها، تكون تلك الثلاث كبائر، لترتيبه الوعيد عليها. (¬2) فهى معاصٍ مع وجود الصارف، قال الأبى: ويلحق بالثلاثة من شركهم فى المعنى الموجب، كسرقة الغنى، فإنها ليست كسرقة المحتاج، ولا يبعد أن يكون المدح فى أضداد هذه الأنواع أيضاً يتفاوت، فالعفة من الشاب أمدح منها من الشيخ والصدق من غير الملك أمدح منه من الملك والتواضع من الغنى أمدح منه من الفقير. فإن وجد من الشيوخ من لم تنكر حدته فلا يكون مساويًا للشاب لأن التعليل بالوصف لا يضره تخلف الحكمة. إكمال 1/ 216. (¬3) فى الأصل: عنده.

173 - (108) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ وَهَذَا حَدِيثُ أَبِى بَكْرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً بِسِلْعةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ لأخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لا يُبَايِعُهُ إلا لِدُنْيَا، فَإِنْ أعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما يُداهن الإنسان ويصانع بالكذب وشبهه من يحذرُه ويخشى [معاقبته، أو أذاه ومعاتبته] (¬1)، أو يطلب عنده بذلك (¬2) منزلةً أَو منفعةً، فهو غنى عن الكذب جملة (¬3). وكذلك العائلُ الفقيرُ، قد عدم (¬4) بعدمه المال ولعاعة (¬5) الدنيا سبَبَ الفخر، والخُيلاء، والاستكبار على القُرناء، إذ إنما يكون ذلك بأسباب الدنيا والظهور فيها وحاجات أهلها إليه، فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويستحقر غيره؟ فلم يبق إلا أنَّ فى استكبار هذا، وكذب الثانى، وزنا الثالث، ضربًا من الاستخفاف بحق الله تعالى، ومعاندة نواهيه، وأوامره، وقلة الخوف من وعيده إذ لم يبق ثَمَّ حاملٌ لهم على هذا سواه، مع سبق القدَرِ لهم بالشقاء. وقوله فى الحديث الآخر فى تفسيرهم: " ورجل (¬6) له فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل " وذكر معنى المنفق سلعته بالحلف، وذكر فيه بعد [صلاة] (¬7) العصر، " ورجل بايع إماماً لا يبايُعُه إلا لدنيا ... " الحديث. فأما مانع الماء من ابن السبيل فلأنه منعه حقَّه وما ليس يملك للمانع، وعرَّضه للتلف، فأشبه قاتله (¬8)، ولهذا رأى مالك إقادته به إن ¬

_ (¬1) فى ت: منه فتنه أو أذاه أو معاتبته. (¬2) فى ق: بذلك عنده. (¬3) هذا فى الملك المستقر ولم يعش الشيخ حتى يرى حاجة الرؤساء والملوك إلى أمثال هذه الأخلاق. (¬4) قيد أمامها بالهامش: وقع مقابلته بالأصل ولله الحمد والمنة. (¬5) اللَّعَاعَةُ: أول النبت، يعنى أن الدنيا كالنبات الأخضر قليل البقاء، ومنه قولهم: ما بقى فى الدنيا إلا لعاعة، أى بقية يسيرة. اللسان، مادة " لعع ". (¬6) فى ت: رجل. (¬7) من ت. (¬8) حمل العلماء هذا على أنه من نوع ما قبله، فالصارف له - أيضًا - كونه لا يملك أصله، وقد أخذ حاجته وقد استغنى عنه، ككذب الملك.

(...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فىِ حَدِيثِ جَرِيرٍ: " وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ ". 174 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: أرَاهُ مَرْفُوعًا، قَالَ: " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إلَيْهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أليمٌ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ فَاقْتَطَعَهُ " وَبَاقِى حَدِيثِهِ نَحْوُ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هلك (¬1). وتقدَّم عظيمُ إثم الحالف الموصوف. وقوله: " بعد العصر ": لشدَّة الأمر فيها وحضور ملائكة الليل والنهار عندها، ¬

_ (¬1) قلت: ليس هذا لمالك - رضى الله عنه - إنما هو قول عبد الرحمن بن القاسم العتقى، أحد رواة مالك، ذكره سحنون فى المدونة، قال: قال ابن القاسم: ولو منعوهم - يعنى أصحاب البئر يمنعون المسافرين - الماء حتى مات المسافرون عطشًا، ولم يكن بالمسافرين قوةً على مدافعتهم، رأيت أن يكون على عاقلة أهل الماء دياتهم، والكفارة عن كل نفس منهم على كل رجل من أهل الماء، مع الأدب الموجع من الإمام لهم فى ذلك. المدونة 6/ 190 فقول القاضى بالإقادة هنا فيه تجوز من جهتين، أولاها: أنه نسب القول لمالك وليس له، ثانيها: قوله بالقود وإنما هو عندهم الدية. قال الأبى: لم يزل الشيوخ فى القديم والحديث ينكرون حكاية هذا عن مالك. قال بعضهم: إنما جعل فيهم الدية لأنه بمنعه إياهم متأول أنه أحق بالفضل، ولو علم أنه لا يحل له منعُهم وقصد قتلهم لانبغى أن يقتل. إكمال 1/ 216. قال القرطبى: وابن السبيل هو المسافر، والسبيل الطريق، وسمى المسافر بذلك لأن الطريق تبرزه وتظهره، فكأنها ولدته. ثم قال فى حكم منع الماء هذا: وقد أجمع المسلمون على تحريم ذلك ثم نقل ما نسب إلى مالك هنا بغير عزو. المفهم 1/ 287. وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رجل بايع رجلاً سلعة " قال القرطبى: رويناه: " سلعة " بغير باء، ورويناه بالباء، فعلى الباء بايع بمعنى: ساوم وعن إسقاطها يكون معنى بايع: باع، فيتعدى بنفسه، وسلعَة مفعول. وقوله: " فحلف له بالله لقد أخذها بكذا وكذا " يعنى: أنه كذب فزاد فى الثمن الذى به اشترى، فكذب، واستخفَّ باسم الله تعالى، حين حلف به على الكذب، وأخذ مال غيره ظلمًا، فقد جمع بين كبائر، فاستحق هذا الوعيد الشديد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشهادتهم على مجاهرته ربه بيمينه واستخفافه عظيم حقه (¬1). وأما مبايع الإمام الموصوف فلغشه المسلمين وإمامهم وتسبيبه الفتنَ عليهم بنكثه بيعته، ولنقضه عهود ربه المأخوذة عليه وغروره من نفسه، لاسيما إن كان ممن يُتَّبَع ويُقْتَدى به، ويُظَنَّ أنَّه بايعه ديانةً ونظرًا للمسلمين وهو بضد ذلك. ¬

_ (¬1) رد القرطبى هذا التفسير من القاضى لأمرين: أحدهما: أن هذا الحضور من الملائكة فى صلاة العصر موجودٌ فى صلاة الفجر؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ثم يجتمعون فى صلاة العصر وصلاة الفجر ". قال: وعلى هذا فتبطل خصوصية العصر لمساواة الفجر لها فى ذلك. وثانيهما: أن حضور الملائكة واجتماعهم إنما هو فى حال هاتين الصلاتين، لا بعدهما كما قد نص عليه فى الحديث حين قال: " يجتمعون فى صلاة الفجر وصلاة العصر "، ولقول الملائكة: " أتيناهم وهم يصلون، وتركاهم وهم يصلون "، قال: وهذا يدلُ دلالة واضحة على أن هؤلاء الملائكة لا يشاهدون من أعمال العباد إلا الصلوات فقط، وبها يشهدون. قلت: يجاب على ذلك بأن يقال: إن وقت العصر هو وقت البيع لا وقت الفجر غالبًا. فلا مانع من تلك الخصوصية لهذا الوقت. أما الوجه الثانى فالتعبير بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثم يجتمعون فى صلاة العصر وصلاة الفجر " أن تعاقبهم وحضورهم قبل الصلاة لا فى حالها، ولم يرد فى الحديث ما يمنع استدامة الاجتماع بعدها. وقد ذهب القرطبى إلى اختيار القاضى فيما ذهب إليه أول الكلام فقد قال: ويظهر لى أن يقال: إنما كان ذلك لأنه عقب صلاة الوسطى. قلت: قد قال القاضى: لشدة الأمر فيها، فشمل هذا التأويل من القرطبى وغيره. راجع: المفهم 1/ 288. قال الأبى: الأحسن ألا يجعل بعد العصر قيدًا فى الوعيد المذكور؛ لأن القصد التحذير عن إنفاق السلعة باليمين الكاذبة، فترك التقييد بالزمان أزجر؛ ولذا لم يقيده بذلك فى الحديث السابق، لا يقال ذلك مطلقُ فيُردُّ إلى هذا المقيد الأخص؛ لأن هذا إنما هو أخص باعتبار اللفظ، وأما باعتبار المعنى فذلك أخص؛ لأنه كلما ثبت الوعيد على إنفاقها بالحلف الكذب مطلقًا ثبت على إنفاقها به بعد العصر، دون عكس، وإذا كان أخصَّ انبغى الردُّ إليه. إكمال 1/ 217.

(47) باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشىء عذب به فى النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة

(47) باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشىء عذب به فى النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة 175 - (109) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وأبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منْ قَتَلَ نَفْسَهُ بحَديدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنه فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أبَدًا، وَمَنْ تَردَّى مِنْ جبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أبَدًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من قتل نفسه بحديدة، فحديدته فى يده يتوجَّأ بها (¬1) فى نار جهنم خالدًا مخلدًا ... " الحديث، وذكر فيه من شرب سُمًّا وتردى (¬2) من جبل، ومن ذبح نفسه. معنى " يتوجَّأ " أى يطعن (¬3)، وهو مهموز ويُسهلُ أيضًا. وقوله فيه: " خالدًا مُخلَّدًا " لمن فعَلَ ذلك مستحلاً، أو خلود طول إقامة لا خلود دوامٍ وتأبيد (¬4). ويدخل فيها من التأويلات ما يدخل آية قاتِل النفس. وقد يقال في أدعية الملوك: خلَّد الله ملكك، وأبَّد أيامك أى أطالها. وشرح هذه الألفاظ ما وقع مجملاً فى الحديث الآخر: " من قتل نفسه بشىء عُذِّب به يوم القيامة ". وفيه دليلٌ لمالك - رحمه الله - ومن قال بقوله، على أن القصاص من القاتل بما قتل به محدَّدًا كان أو غيْرَ مُحدَّد، خلافًا لأبى حنيفة - رحمه الله - (¬5)، اقتداءً بعقاب الله لقاتل ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ق: فى بطنه. (¬2) قبلها فى ق: ومن، وفى ت: أو تردى. (¬3) زيد بعدها فى ق: ويذبح. (¬4) وبهذا يكون كناية عن كون عقوبته أشد من عقوبة قتله أجنبيًا؛ لأنه واقع الذنب مع وجود الصارف كزنا الشيخ وكذب الملك، والصارف حب الإنسان نفسه بالجبلة. كما ذكره الأبى 1/ 218، قال: " ثم ينبغى تخصيصه بمن قتل نفسه لظنه أن العدو يقتله ". (¬5) وذلك لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخرجه ابن ماجه والدارقطنى والبيهقى: " لا قوَدَ إلا بالسيف " ابن ماجه ك الديات، ب لا قود إلا بالسيف 2/ 889، سنن الدارقطنى 3/ 87، 88، 106، البيهقى فى ك الجنايات، ب ما روى لا قود إلا بحديدة 8/ 62. راجع فى ذلك: المغنى 11/ 446، إعلاء السنن 18/ 91. حيث رد الاحتجاج به إلى أن معناه: أن القصاص لا يثبتُ إلا إذا قتله بالسيف ونحوه، وليس معناه: أنه لا يقتص من القاتل إلا بالسيف.

(...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشعَثِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِث - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَفِى رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ. 176 - (110) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامِ بْنِ أبى سَلامٍ الدَّمَشْقِىُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِير؛ أنَّ أَبَا قِلابَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه فى الآخرة، وبحكم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى اليهودى الذى رضَّ رأس الجارية بين حجرين، فأمر برض رأسه بين حجرين (¬1) وبحكمه فى العرينيين (¬2)؛ ولأن العقوبات والحدود وضعت للزجر ومقابلة الفعل بالفعل والتغليظ على أهل الاعتداء والشر (¬3). ¬

_ (¬1) وذلك فيما أخرجه الشيخان - واللفظ لمسلم - عن أنس بن مالك أنَّ يهوديًا قتل جاريةً على أوْضاح - حُلىٍّ من قِطَع فِضَّة - لها، فقتلها بحجر، قالَ: فجىء بها إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبها رمقٌ، فقال لها: " أقتلك فلانٌ؟ فأشارت برأسها أن لا، ثم قال لها فى الثانية، فأشارت برأسها أن لا، ثم سألها الثالثة. فقالت: نعم وأشارت برأسها. فقتله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين حجرين " مسلم ك القسامة، ب ثبوت القصاص فى القتل بالحجر وغيره من المحددات والمثقلات 3/ 1299، والبخارى فى ك الديات، ب إذا قتل بحجر أو بعصا 9/ 5. كما أخرجه أبو داود فى كتاب الديات، ب يقاد من القاتل، ب القود بغير حديد، وكذلك النسائى فى المجتبى ك القسامة، ب القود من الرجل للمرأة، ب القود بغير حديدة 8/ 20، 32، كذلك أخرجه الإمام أحمد فى المسند 3/ 170، 171. (¬2) هم الذين قدموا ثمانية على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عُكْلٍ أو عُرِينةَ فبايعوه على الإسلام، فاستوْخموا الأرض، وسقُمَتْ أجسامُهمُ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ألا تَخْرجون مع راعينا فى إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها؟ " فقالوا: بلى، فخرجوا، فشربوا من أبوالها وألبانها، فصَحُّوا، فقتلوا الراعَى وطردوا الإبلِ، فبلغَ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فى آثارهم، فأدرِكوا، فجىء بهم. فأمَرَ بهم فقُطِعَتْ أيديهمْ وأرجُلُهُمْ، وسُمِرَ أعيُنُهُمْ، ثم نُبِذوا فى الشمس حتى ماتوا. مسلم، ك القسامة، ب حكم المحاربين والمرتدين 3/ 1296، والبخارى ك المحاربين من أهل الكفر والردة، ب لم يحسُم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا، ب لم يُسْقَ المرتدون المحَاربون حتى ماتوا، ب سُمْرِ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعيُن المحاربينَ 8/ 202. (¬3) وذهب الطحاوى إلى أن هذا منسوخٌ بنهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المثلة وصبر البهائم، وأجيب بأن النهى عن المثلة والصبر إنما وقع إذا لم يكن المثلة والصبر على وجه شرعى، وأما إذا كان على وجه شرعى فلا، فقطع اليد مثلة واجبة فى حد السرقة، وقطع الأنف والأذن، وقلع السن وكسره، واجب فى القصاص، مع أن الكل مثلة. إعلاء السنن 18/ 90.

بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِى شَىْءٍ لا يَمْلِكُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فيمن " حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبًا - زاد شعبة (¬1) - متعمدًا فهو كما قال " قيل: معناه: فهو كاذب فى يمينه، وزيادة شعبة (¬2) فى هذا الحديث - متعمدًا - حسنة، فإن كان المتعمد للحلف بها قلبه مطمئن بالإيمان فهو كاذب فيما حلف عليه، كاذب فى تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه، وإن كان قوله: " متعمدًا ": أى لتعظيمها واعتقاد اليمين بها لكونها حقًا فهو كافر، كما اعتقد فيها وقاله فى الحلف بها. وعن ابن المبارك فيما ورد فى مثل هذا مما ظاهره تكفير أصحاب الذنوب أن ذلك عن طريق التغليظ. وقد اختلف العلماءُ فى إيجاب الكفَّارة على من قال هو يهودىٌّ، أو نصرانى أو كفر بالله، أو أشرك به، أو هو برىء من إسلامه، وشبه هذا، وألا كفَّارة أصوبُ، وهو مذهب مالك، ويستحب له أن يفعل من الخير ما يُكفِّرُ سيئته (¬3) بقول ذلك، ويدلُ عليه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلف باللاتِ والعزَّى فليقُل: لا إله إلا الله " (¬4)، فلم يجعل عليه كفارةً وأمَرَه بمقابَلةِ ذلك القول السيئ وإتباعهِ بالقول الحسن، فإن الحسنات يذهبن السيئات. وهى حجتنا فى أَنْ لا كفارة فى اليمين الغموس؛ ولأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظَّم الخَطأ فى هذه الأيمان وشدَّد الوعيد فيها، ولم يجعل لها كفارةً؛ ولأن الكَفَّارَة لحلّ الأيمان المنعقدة، لا لإزالة المأثم، وهذه ليست بإيمان منعقدة. وقوله: " ليس على رجُلٍ فى شىء لا يملكه نذر "، قال الإمام: يحتج به المخالف (¬5) ¬

_ (¬1) و (¬2) فى الأصل: سفيان، وكلاهما صواب. (¬3) بعد أن كتبت هكذا فى ت رجع ناسخها وقيدها بالهامش يمينه، وكتب فوقها كلمة صح. راجع المدرنة الكبرى 4/ 106، وقد جاء فيها: لا يكون كافرًا حتى يكون قلبه مضمرًا على الكفر، وبئس ما صنع. (¬4) البخارى فى صحيحه، ك الأيمان والنذور، ب لا يُحلف باللات والعزى، عن أبى هريرة، ولفظه: " من حلف فقال فى حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله " 8/ 16، والبيهقى فى السنن الكبرى 1/ 149. (¬5) وهو اختيار الشافعى - رضى الله عنه - وقد حكاه عن على - رضى الله عنه - فى الأم قال: إنه كان يقول لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك. واللزوم فيه بالتخصيص هو قول ابن أبى ليلى، كان يقول: لا يقع فى ذلك عتق ولا طلاق إلا أن يوقت وقتًا، فإن وقَّت وقتًا فى سنين معلومة، أو قال: ما عاش فلانٌ أو فلانة، أَوْ وقَّت مِصْرًا من الأمصار أو مدينة أو قبيلة لا يتزوَّج ولا يشترى منها مملوكًا، فأإأن ابن أبى ليلى يوقع على هذا الطلاق، وأما أبو حنيفة فإنه يوقعه فى الوقت وغير الوقت. الأم 7/ 126.

(...) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ - قَالَ: حَدَّثَنِى أبِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو قِلابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ عَلَى رَجْلٍ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ على أَنَّ من حلف بصَدقة ما يملك أو عتق ما يملك فى المستقبل أو طلاق [من] (¬1) يتزوج لا يلزمه (¬2)، وإن خص، وهذا عندنا محمول على أنه أراد [لا صدقة فيما هو ملك للغير الآن، ليس على أنه بعد] (¬3) مصيره إليه، ونحن إنما ألزمناه فيه ما عقد (¬4) على نفسه بعد أن صار ملكًا له فلم يكن (¬5) فى الحقيقة طلاقه وصدقته إلا فيما ملك. وهذه المسائل يتسعُ الكلام فيها، وليس هذا موضع بسطه. قال القاضى: أما من حلف بصدقة مال غيره، أو طلاق امرأة ليست بزوجته، أو عتق عبد غيره دون تعليق بشرط، فلا خلاف بين العلماء [أنه] (¬6) لا يلزمه شىء إلا شىء حكى عن أبى (¬7) ليلى فى العتق إذا كان موسراً أعتقوا عليه، ثم رجع عنه، وإنما اختلفوا إذا علق اليمين بملكه (¬8)، فلم يلزمه الشافعىُّ وأصحابهُ شيئًا مما حلف عليه (¬9) وألزمه أبو حنيفة كلَّ شىء حلف عليه خصَّ أو عمَّ (¬10)، ووافقه مالك فى المشهور عنه إذا خصَّ، وخالفه إذا عمَّ وأدخلَ على نفسه الحَرجَ وله قول كقول الشافعى. وقوله: " لعنُ المؤمن كقتله ": كذا هو فى الحديث عند مسلم (¬11)، قال الإمام: ¬

_ (¬1) من ت، والمعلم. (¬2) فى الإكمال: لا يلزم. (¬3) فى الإكمال: لا صدقة فيما هو ملك للغير لا لأن ليس على أنه تَعمَّد مصيره إليه، وفى النسخة الأصلية: الآن ليس على، وكلاهما غير واضح المراد، والمثبت من المعلم. (¬4) فى الإكمال: ما يحقه. (¬5) فى ق والإكمال: يقع. (¬6) ساقطة من الأصل. (¬7) فى الأصل: ابن. (¬8) أى فى المستقبل. (¬9) لأنه عنده من يمين اللغو. (¬10) لأنه لا لغو عنده فى المستقبل. وقد اختلف فى تفسير يمين اللغو. فذهب الحنفية إلى أنها: اليمين الكاذبة خطأ أو غلطًا فى الماضى أو فى الحال. وعرَّفها الشافعى بأنها: اليمين التى لا يقصدها الحالف، وهو ما يجرى على ألسن الناس فى كلامهم من غير قصد اليمين، من قولهم: لا والله، وبلى والله، سواء كان فى الماضى أو الحال، أو المستقبل. وعند أبى حنيفة: لا لغو فى المستقبل، واليمين على أمر فيه يمين معقودة، وفيها الكفارة إذا حنث، قصد اليمين أو لم يقصد، وإنما اللغو فى الماضى والحال فقط. بدائع الصنائع 4/ 1574. وقد ذهب فريق من العلماء إلى أن المراد بيمين اللغو هو اليمين على المعاصى. (¬11) نبه بهذا القاضى - رحمه الله - على ما جاء فى نسخة المعلم، حيث جاءت العبارة فيه: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لعن مؤمنًا فكأنما قتله ".

فِى الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إلا قِلَّةً، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين صَبْرٍ فَاجرَةٍ ". 177 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْد الصَّمَدِ بْن عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكَ الأنْصَارِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، عْنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِىِّ، عَنْ خَالِد الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الإِسْلامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ عَذَّبَهُ اللهُ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ". هذَا حَدِيثُ سُفْيَانَ. وَأمَا شُعْبَةُ فَحَدِيثُهُ أَنَّ رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَلَفَ بِملِّةٍ سِوَى الإسْلامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ ذَبَحَ نْفسَهُ بِشَىْءٍ ذُبِحَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهر من الحديث تشبيهه (¬1) فى الإثم، وهو تشبيه واقع؛ لأن اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف. قال القاضى: وقيل: لعنته له تقتضى [قصده إخراجه عن] (¬2) جماعة من المسلمين ومنعهم منافعِه، وتكثير عددهم به كما لو قتله، وقيل: لعنُهُ يقتضى قطْعَ منافِعه الأخروية عنه وبعده منها بإجابته لعنته فى الدنيا، فهو كمن قُتِلَ فى الدنيا وقُطعت عنه مَنافِعه فيها، وقيل: معناه: استواؤهما فى التحريم. وقوله: " من ادَّعى دعوى كاذبةٍ ليتكثر بها لم يزده الله بها إلا قلة "، قال القاضى: هذا عام فى كل دعوى يتشبَّعُ بها المرءُ بما لم يُعط من مال يحتالُ فى التجمل به من غيره، أو نسب ينتمى إليه ليس من جِذْمه (¬3)، أو علم يتحلَّى به ليس من حَمَلتهِ، أو دين يرائى به ليس من أهله، فقد أعلم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهُ غير مبارك له فى دعواه ولا زاك ما اكتسبه بها، ومثله الحديث الآخر: " اليمين الفاجرة مُنفقِةٌ للسِّلعة، مُمْحِقَةٌ للكسب " (¬4). ¬

_ (¬1) فى المعلم: التشبيه. (¬2) فى الأصل: قصيده إما خراجه من. (¬3) أى من فرعه، فالجِذْمة: هى القطعة من الشىء. لسان. (¬4) الحديث بهذا اللفظ أورده المنذرى فى الترغيب والترهيب، وعزاه للجماعة سوى ابن ماجه عن حكيم بن حزام 3/ 29، وليس كذلك، فإن الذى فى الصحيح: " الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة "، وسيرد إن شاء الله فى البيوع، وانظر: أبا داود، ك البيوع، ب فى كراهية اليمين فى البيع 2/ 219، والنسائى كذلك، ب المتفق سلعته بالحلف الكاذب 7/ 246، ولفظه لهما: " الحَلِفُ منفقة للسلعة، =

178 - (111) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يُدْعَى بِالإسْلامِ: " هذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ "، فَلَمَّا حَضَرْنَا الْقِتَالَ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالاً شَدِيدًا فَأصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ الَّذِى قُلْتَ لَهُ آنِفًا: " إنَّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ " فَإِنَّهُ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالاً ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من حلف على يمين صبرٍ فاجرة "، قال الإمام: أصلُ الصبر: الحبسُ والإمساك، يقال: صبَر فلانٌ فلانًا إذا حبسه، وكل من حبسته لقتلٍ أو يمين فهو قتلُ صَبْرٍ ويمينُ صَبْر، وأصبَره الحاكم على اليمين (¬1) أكرهه على يمين صبر. قاله (¬2) الهروى وغيرهُ. وقال [أبو] (¬3) العباس (¬4): الصبر ثلاثة أشياء: الإكراه، ومنه: أصبره الحاكم. والحبْسُ، ومنه: صبرته إذا حبسته. والجرأة، ومنه قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (¬5). قال القاضى: يمينُ الصبر هى التى يَصْبرُ صاحبُها، أى يحبس ويُكره حتى يحلفها، وقد يكون من معنى الجرأة والإقدام عليها كما قال ثعلب. ومعنى فاجرة: أى كاذبة. ولم يأت فى الحديث هنا الخبر عن هذا الحالف، إلا أن تعطفه على قوله قبلُ: " ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثَّر بها لم يزده الله بها إلا قلةً " أى: وكذلك الحالف اليمين الفاجرة مثل هذا. وقد ورد معنى هذا الحديث مُبَيَّنًا تامًا فى حديث آخر: " من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مالَ امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقى الله وهو عليه غضبان " (¬6). ¬

_ = ممحقة للكسب ". وهو هناك عن أبى هريرة. واللفظ الذكور قريب من لفظ أحمد والبيهقى وهو لهما بلفظ: " اليمين الكاذبة " أحمد فى المسند 2/ 235، 242، 413، والبيهقى فى السنن الكبرى 5/ 265. (¬1) فى المعلم: على الشىء. (¬2) فى الأصل: وقال، والمثبت من المعلم. (¬3) من المعلم. وانظر: غريب الحديث 1/ 254. (¬4) أبو العباس هو العلامة المحدث، إمام النحو أحمد بن يحيى بن يزيد الشَّيبانى، الملقب بثعلب، وُلد سنة مائتين ومات سنة إحدى وتسعين ومائتين. قال فيه الخطيبُ: ثقة، حجة، ديّنٌ، صالح، مشهور بالحفط. طبقات النحويين واللغويين 141. تاريخ بغداد 5/ 204، سير 14/ 5. (¬5) البقرة: 175. (¬6) سيرد إن شاء الله فى ب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة، وقد أخرجه البخارى فى أكثر من موضع، راجع: ك التفسير 6/ 43، ك المساقاة، ب الخصومة فى البئر 3/ 145، وأخرجه الطبرانى فى الكبير بزيادة: " عفا عنه أو عاقبه " 18/ 187.

شَدِيدًا. وَقَدْ مَاتَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إلى النَّارِ " فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْتَابَ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذلِكَ إذْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا! فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: " اللهُ أَكْبَرُ أشْهَدُ أنِّى عَبْدُ اللهِ وَرَسُوِلُهُ " ثُمَّ أمَرَ بِلالاً فَنَادَىَ فِى النَّاسِ: " إنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَة وَإنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ ". 179 - (112) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىُّ، حَىٌّ مِنَ الْعَرَبِ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عسْكَرِهِ وَمَالَ الآخَرُونَ إلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً إلا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ويُستدل من هذا الحديث: أن الأيمان كلها التى تُقتَطعُ بها الحقوق لا ينفعُ فيها المعاريض والنيات، وإنما هى على نيَّةِ صاحب الحق المحلوف له لا على نية الحالف. قال شيخنا [القاضى] (¬1) أبو الوليد: وهذا مما لا يختلف فيه أنه آثم فاجر فى يمينه متى اقتطع بها حق مسلم، واختلف إذا حلف لغيره تبرعًا متطوعًا أو مُستحلَفًا أو مُكْرَهًا، فقيل: ذلك كله (¬2) على نية المحلوف له، وقيل: على نيَّة الحالف، وقيل: للمتطوع نيته بخلاف المستحلف وقيل بعكسه، وكل هذه الأقوال فى مذهبنا ولأئمتنا (¬3). وقوله فى حديث أبى هريرة: " شهدنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينًا " كذا وقعت الرواية فيها عن عبد الرزاق فى الأم، هـ قد رواه الذهلى " خيبر " وهو الصواب. وقوله: " لا يدع شاذَّةً ولا فَاذَّة إلا اتبعها [يضربها بسيفه] (¬4): الشاذ الخارج عن ¬

_ (¬1) ساقطة من ق. وهو الإمام العلامة الحافظ القاضى أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد، التجيبى، الأندلسى، القرطبى، صاحب التصانيف، تفقه به أئمة، واشتهر اسمُه، مات بالمريَّة سنة أربع وسبعين وأربعمائة. وفيات الأعيان 2/ 408، العبر 3/ 281، نفح الطيب 2/ 67، سير 18/ 535. (¬2) فى الأصل: كلية. (¬3) راجع: المنتقى للباجى 3/ 351. قال: وأما أن يستحلف، فقد قال ابن القاسم فى الموازية: سواء استحلفه الطالب أو ضيق عليه حتى يحلف أو خاف ألا يتخلص منه إلا باليمين فإنه لا تنفعه نيته، وروى ابن حبيب عن مطرف عن مالك: وتنفعه نيته فى محاشاة الزوجة لاختلاف الناس فى هذا اليمين وأما فى غير ذلك فلا تنفعه المحاشاة، ولا النية، واليمين على نية المستحلف، وقاله ابن الماجشون. (¬4) سقط من الأصل، ق. والذى أتت به روايات مسلم التى توفرت لنا ليس فيها: " ولا فاذَّة "، وكون =

بِسَيْفِهِ. فَقَالُوا: مَا أجْزَأ مِنَّا الْيَوْمَ أحَدٌ كَمَا أجْزَأ فُلانٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَا إنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ أبَدًا. قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلَّمَا وَقَفَ وقف مَعَهُ، وَإِذَا أسْرعَ أسْرعَ مَعَه، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ " قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماعة، والشاذ المتفرق - أيضًا -، والفاذ الفرد، معناه: لا يخلُص منه من خرَج وفرّ (¬1). وَأنَّثَ (¬2) الكلمة على معنى النسمة، أو تشبيه الخارج بشاذة الغنم وفاذَّتها، وهو بمعنى أنه مُتقصٍ للقتل حتى لا يدع أحدًا، على طريق المبالغة. قال ابن الأعرابى: يقال: فلان لا يدع شاذةً ولا فاذَّةً، إذا كان شجاعًا لا يلقاه أحد إلا قتله. وفيه دليل على جواز الإبلاغ والغُلوُّ فى الكلام، وأن يُعَبَّر بالعُموم عن الكثرة والغالب، كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يضع عصاه عن عاتقه ". وقوله: " ما أجزأ منا اليوم أحدٌ ما أجزأ فلان "، قال الإمام: قال الهروى فى قوله: لا تجزى عن أحد بعدك: [أى] (¬3) لا تقضى، يقال: جزى عنى، بغير همز، ومعنى قولهم [جزاه الله عنى] (¬4) خيرًا: أى قضاه الله ما أسلف، فإذا كان بمعنى الكفاية قلت: جزأ عنى - مهموزًا - وأجزأ. قال أبو عبيد: ويقال: جزأت [بـ] (¬5) الشىء واجتزأت [وتجزأت وتجزات] (¬6): أى اكتفيت [به] (¬7) وأنشد: فإنَّ اللَّوم (¬8) فى الأقوام عارٌ ... وإن المرأ يُجْزأ بالكُرَاع قال القاضى: كذا روينا هذا الحرف هنا بالهمز، وهو بمعنى الكفاية والغناء، وعن أبى زيد: هذا الشىء يجزى عن هذا، أى يقوم مقامه، وقد يهمز. قال الخليل: جزيت عن كذا أغنيتُ عنه، وجزيتُه كافيته، وأجزانى (¬9) كفانى، يقال: جزأت الإبل بالرطب إذا استغنت به عن الماء تجزأ جزيًا (¬10). ¬

_ = القاضى يكرر لفظها هنا يؤكد لدينا أنها هكذا فى نسخته التى يرمز إليها بالأم، وهى لفظ البخارى أيضًا عن سهل بن سعد الساعدى ك المغازى، ب غزوة خيبر 5/ 168، وعن أبى هريرة ك الجهاد والسير، ب لا يقول فلان شهيد 4/ 44. (¬1) فى ت: وقد. (¬2) فى ت: أتت. (¬3): (¬7) من المعلم. (¬8) جاءت فى إكمال الإكمال: الغدر. (¬9) فى ت: وجزانى. (¬10) فى ت: اجزاءً، وقد نقلها الأبى هكذا: الخليل والعرب تقول: جزأت الإبل بالرطب عن الماء أى اكتفت به عنه، وهو بدون همز بمعنى القضاء جزى عنى، أى قضى. قلت: ومن غير المهموز بمعنى القضاء: {لَّا تَجْزي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48].

الرَّجُلُ الَّذِى ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأعْظَمَ النَّاسُ ذلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِى طَلَبَهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذلِكَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيَما يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهْلِ الْجَنَّةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: " أنا صاحبه أبدًا ": أى لا أفارقه، وأتبع أمره حتى أعرف ماله، إذ أخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما دل على سوء عقباه، وخاتمته، وسوء سريرته بكونه من أهل النار، وخبره صادق لا شك فيه، وكان ظاهره غير ذلك من نصر الدين وحسن البصيرة فيه، فأراد معرفة السبب الموجب لكونه من أهل النار ليزداد يقينًا وبصيرة كما فَعَل وذكر فى نفس الحديث (¬1)، وتجديد شهادته بالنبوة (¬2). ودلَّ بمجموع (¬3) هذا أن الأعمال بخواتيمها كما أشار إليه رسول الله آخر الحديث، وهذا يرجح هذا التأويل فى قوله: " حتى ما يبقى بينه وبين الجنة إلا ذراع " وذكر فى النار مثيله على من تأوَّل أن معناه: الحيف فى الوصيَّة (¬4). وذكر الذراع هنا والشبر تمثيل للقرب وسرعة اللحاق، واستعارة لذلك. ¬

_ (¬1) فسؤال الرجل هنا ليس سؤال استثبات، وإنما هو سؤال تعجب، إذ المعلوم الصدق لا يستثبت. إكمال الإكمال 1/ 221. (¬2) والتكبير قبلها تكبير تعجب بالنسبة إلى المخاطبين عند ظهور المطابقة، لا سيما مع قوله: " فكاد بعض المسلمين يرتاب ". ودخول أن فى خبر كاد جائز على قلة، وهى لمقاربة الفعل. وقال الواحدى: نفيها إيجاب، وإيجابها نفى، فقولهم كاد يقوم: معناه: قارب القيام ولم يقم، وما كاد يقوم: قام بعد بطء. وأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً أن ينادى فى الناس، إعلام بأن الإسلام دون تصديق وإن نفع فى الدنيا لن ينفع فى الآخرة إلا مع التصديق والإخلاص، وقد دل كذلك على أن الرجل كان مرائيًا منافقًا، لا سيما مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بالرجل الفاجر ". راجع: الأبى 1/ 221. (¬3) فى ت: من مجموع. (¬4) وذلك فيما أخرجه أحمد فى المسند عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف فى وصيته فيختم له بشر عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل فى وصيته، فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنة " 2/ 278.

180 - (113) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثَنَا الزُّبَيْرِىُّ - وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - حَدَّثَنَا شَيْبَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: " إِنَّ رَجُلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنَ كِنَانَتِهِ، فَنَكأهَا، فَلَمْ يَرْقَأ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ رَبُّكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ". ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إلَى الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: إى وَاللهِ، لَقَدْ حَدَّثَنِى بِهذَا الْحَدِيثِ جُنْدَبٌ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فىِ هذَا الْمَسْجِدِ. 181 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أبى. قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِىُّ فِى هذَا الْمَسْجِدِ. فَمَا نَسِينَا، وَمَا نَخْشى أَنْ يَكُونَ جُنْدَبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَرَجَ بِرَجُلٍ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خُرَاجٌ " فَذَكَرَ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويعقوب بن عبد الرحمن القارى المذكور فى سنده مُشَدَّد الياء، منسوب [إلى القارة] (¬1)، قبيلة معروفة فى العرب (¬2). وقوله: " فنكأها " يقال: نكأتُ القَرحةَ مهموز: أى قشرتُها، وقوله عن ربه تعالى: " حَرَّمتُ عليه الجنة ": يحتمل أنه كان مستحلاً، أو يمنعُها حين يدخُلها السابقون والأبرار والناجون وأصحاب اليمين، حتى تنفذ فيه مشيئة ربه ويعاقبه بذنبه فى نار جهنم، أو يطيل حسابه، أو يُحبَسُ فى الأعراف. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) تتألف من عَضَل، والديسن، ابنا الهون بنُ خزيمة، سموا قارة لاجتماعهم، والتفافهم، لما أراد ابن الشدَّاخ أن يفرقهم فى بنى كنانة وقريش. معجم قبائل العرب 3/ 935.

(48) باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون

(48) باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون 182 - (114) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى سِمَاكٌ الْحَنَفِىُّ، أَبُو زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَما كَانَ يَوْمُ خَيْبَر أقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ. فُلانٌ شَهيِدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلا. إنِّى رَأَيْتُهُ فِى النَّارِ، فِى بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ " ثَمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ فَنَادِ فىِ النَّاسِ، أَنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا الْمُؤْمِنُونَ ". قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: " أَلا إنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا الْمُؤْمِنُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فى بُردةٍ غَلَّها أو عباءةٍ "، قال الإمام: قال أبو عُبيد: الغلول الخيانة فى المغنم خاصةً، يُقال مِنْه: غلَّ يغُل (¬1) بفتح الياء وضم الغين، وقرئ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يُغَلَّ} و {يَغُلَّ} (¬2) فَمن قرأ يُغَل [بضم الياء وفتح الغين] (¬3) فإنه يحتمل معنيين: أن يكون يُغَل يُخان، يعنى: يؤخذُ من غنيمته، ويكون يَغُل (¬4) ينسب إلى الغلول، وقال: لم نسمع أحدًا قرأ بكسر الغين لأن يَغِل بكسر الغين وفتح الياء من الغِلّ وهو الشحناء، ومنه قوله فى الحديث [الآخر] (¬5): " ثلاث لا يَغِلُّ عليهن قلبُ مؤمن " (¬6). ¬

_ (¬1) عبارة أبى عبيد: غَلَّ يَغلُ غُلولاً. غريب الحديث 1/ 200. (¬2) آل عمران: 161. (¬3) فى ت: بفتح الياء وضم الغين، وما ذكرناه من الأصل، وهو الموافق لما ذكره أبو عبيد. (¬4) هكذا فى الأصل مشكولة - بفتح الياء وضم الغين - وفى ت غير مشكولة. (¬5) من ت. (¬6) جزء حديث أخرجه الترمذى فى ك العلم، ب ما جاء فى الحثّ على تبليغ السماع عن عبد الله بن مسعود 5/ 34، كما أخرجه الطبرانى فى الأوسط والكبير عن معاذ والنعمان بن بشير بأسانيد غير مستقيمة، مجمع 1/ 138، وأخرجه أحمد بلفظ " مسلم " بدلاً من مؤمن، عن أنى بن مالك 3/ 225. وفى إسناده إسحاق عن الزهرى، وهو مدلس، وله طريق عن صالح بن كيسان عن الزهرى، ورجالها موثقون، وقد أخرجه ابن ماجه من طريقين، الأول المقدمة، ب من بلغ علمًا 1/ 84، وفى طريقه ليث ابن أبى سليم، والثانى ك المناسك، ب الخطبة يوم النحر 2/ 1015، وقد أخرجه أحمد فى المسند من هذا الطريق بإسناد أعلى 4/ 80 وتلك أسانيد يقوى بعضها بعضًا. وتلك الثلاث كما جاءت فى الحديث: " إخلاص العملِ لله، والنصيحةُ لِولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيطُ من ورائهم ". =

183 - (115) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدِ الدُّؤلِىِّ، عَنْ سَالِمٍ أَبِى الْغَيْثِ، مَولَى ابْنِ مُطِيع، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهَذَا حَدِيثُهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحمَّدٍ - عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللهُ عَليْنَا، فَلَمْ نغْنَمْ ذَهَبًا ولا وَرِقًا، غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إلى الْوَادِى، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لَهُ، وَهَبَهُ لَهُ رَجُلٌ منْ جُذَامٍ، يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِى الضُّبيْبِ، فَلَمَّا نزَلْنَا الْوَادِىَ قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِىَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ. فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلا، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ اَلشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا، أخَذَهَا مِنَ الغْنَائمِ يَوْمَ خَيْبَرَ، لَمْ تُصِبهَا الْمَقَاسِمُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله فى الحديث الآخر: " لا إغلال ولا إسلال " (¬1) فالإغلال: الخيانة، والإسلال: السرقة، يقال: رجل مُغِل مُسِل، أى صاحب خيانة وسرقة. قال القاضى: ويقال: غَلَّ الرجلُ إذا خان، قال ابن قتيبة: وأصله من إدخال ما غل [على] (¬2) رحله، ومنه الغللُ، الماء الذى يجرى بين الثمار. والبردة: كساء مُرَبَّعٌ أسود فيه صِغَر (¬3)، وقيل: هى الشملة المخططة وهى كساء يؤتزر به، والعباءة ممدود الكساء. وقوله: " إن الشملة لتلتهبُ عليه نارًا "، وقوله: " شِرَاك أو شراكان من نار " تنبيه على المعاقبة عليهما، وقد يكون المعاقبة بهما أنفسهما فيعذب بهما وهما من نار، وقد يكون ذلك على أنهما سبب لعذاب النار. ¬

_ = قال ابن الأثير: " يُغَلُّ - بضم الياء - من الإغلال بمعنى الخيانة فى كل شىء، ويروى بفتح الياء من الغِلّ، وهو الحقد والشحناء، أى لا يدخله حقد يزيله عن الحق، قال: وروى يغل بالتخفيف من الوغول، وهو الدخول فى الشر، والمعنى: إن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، من تمسك بها طهر قلبهُ من الخيانة والدغلِ، والشر. وقوله: " عليهن " فى موضع الحال، تقديره: لا يغل كائنًا عليهن قلب مؤمن 3/ 168. (¬1) الحديث بهذا اللفظ أخرجه الدارمى والطبرانى عن عوف المزنى، وفيه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزنى، كذبه أبو داود، وقال فيه الشافعى: إنه ركن من أركان الكذب. سنن الدارمى 2/ 150، كما أخرجه أحمد وهو جزء حديث بالمسند بلفظ: " وأنه لا إسلال ولا إغلال " 4/ 325. (¬2) من الأصل فقط، وزيد بعدها فى جميع النسخ لفظة (أثناء)، ولا وجه لها. (¬3) نقلها الأبى هكذا: والبردة كساء صغير أسود مربع.

قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ. فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ. أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذا الحديث دليلٌ لإحدى الروايتين عن مالك - رحمه الله - فى منع الانتفاع بغير الطعام من الغنائم، إذ قد يحتمل أخذ هذين للشملة والشراكين للحاجة أو يقال: إنهما أخذاهما لغير حاجة فلا يكون فى ذلك حجة. وهو دليل لفظ الحديث لأنها أخرجت من الرَّحل، ولو أخذِت للحاجة لاستعملت (¬1) فيما أخذَت له ولم تُستَرْ ولم تُغَل، أو تكون أمسكت بعد أن قضيت منها الحاجةُ ولم تُصرَف للمغانم. وسُمى هذا العبدُ فى الموطأ فى هذا الحديث بنفسه بسند مالك فيه بعينه " مِدْعَمٌ "، وكذا سماه أبو عمر بن عبد البر. وقال غيره: هو غير مِدْعَم - وورد فى حديث مثل هذا اسمه " كركرة " - ذكره البخارى (¬2). وقوله فى هذا الحديث: " إلى خيبر " وهو الصواب، وكذا عند أكثر أصحاب الموطأ (¬3)، وعند بعضهم حنين، وفى قبول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الغلام هديةً، وقد كرهها فى حديث ابن اللُّتْبِيَة وقال: " هدية الأمراء غلول " وقبلها - أيضًا - من المقوقس وغيره، وفى صفته [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬4) أنه يأكل الهدية وردها على بعضهم ممن لم يُسْلم وقال: " لا نَقْبَلُ ¬

_ (¬1) فى ت: استعملت. (¬2) الموطأ ك الجهاد ب ما جاء فى الغلول 2/ 459، البخارى فى صحيحه ك الأيمان والنذور، ب هل يدخل فى الأيمان والنذور الأرض والغنمُ، والزروع والأمتعة 8/ 179، وكذا ذكره أبو داود فى الجهاد، ب فى تعظيم الغلول 2/ 62 - على أنه مِدْعم - قال الحافظ فى الإصابة: كركرة، مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان نوبيًا، أهداه له هوذة بن على الحنفى اليمامى فأعتقه. قال: ذكر ذلك أبو سعيد النيسابورى فى شرف المصطفى، وقال ابن منده: له صحبة، ولا تعرف له رواية. وقال الواقدى، كان يمسك دابة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مملوك. الإصابة 8/ 587. وبعد أن نقل النووى كلام القاضى هنا وعزا بعضه إليه، قال فى قوله: " وورد فى حديث مثل هذا اسمه كركرة " قال هذا كلام القاضى 10/ 317. قلت: قد أخرجه البخارى فى صحيحه، فى ك الجهاد، ب الغلول عن عبد الله بن عمرو، قال: كان على ثَقَل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجل يُقالُ له كِرْكَرَةُ فمات، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو فى النار، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءَةً قد غلَّها. قال البخارى: " قال ابن سلام - كَرْكَرَةُ، يعنى بفتح الكاف " 4/ 91. وقال النووى: " كركرة بفتح الكاف الأولى وكسرها، وأما الثانية فمكسورة فيهما ". والله أعلم. (¬3) وكذا البخارى وأبو داود. (¬4) من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زَبْدُ المشركين " (¬1)، وقد كرهها بعض أهل العلم للأمراء وقالوا: كان هذا خاصًا بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقبلها من المسلمين والمشركين، ولا يجوز ذلك لغيره؛ وأبى بعضهم هذا. وقال: لا يقبلها ممَّن فى عمله، وأما مِنْ مُشرك فيجوز ما لم يكن مصانَعةً على توهين أمر المسلمين وصدِّهم عن الظهور على العدو فتكون رشوة (¬2). وسيأتى بقية الكلام على ذلك فى موضعه إن شاء الله (¬3). ذكر مسلم ثور بن زيد الدولى، بضم الدال وسكون الواو، وكذا ضبطناه عن أبى بحر، وضبطناه عن غيره الديلى، وكذا ذكره مالك فى الموطأ والبخارى فى التاريخ وغيرهم (¬4)، وهو القبول فى نسبه. قال بعض أهل هذا الشأن (¬5): الدُّول فى حنيفة وفى الأزد وفى غيره وفى الرَّباب، وينسب إلى كل هؤلاء دُولى بسكون الواو. والديل، بكسر الدال، فى إياد وثعلب وضَبَّة وعبد القيس وفى الأزد أيضًا، والنسبة إليها كلها ديلى، بكسر الدال. واختلف فى الذى فى [كنانة] (¬6) [فى] (¬7) الذى يُنسبُ إليه أبو الأسود [الدولى] (¬8) فقيل فيه الديلى، بكسر الدال، كما تقدم والنسب إليه كما تقدم، وهو قول أكثر أهل النسب، وأهل العربية يقولون فيه: الدُّئِل، بضم الدال [وهمزة بعدها مكسورة - وينسبون إليه دُؤلى، بضم الدال] (¬9) وفتح الهمزة، وقال بعضهم: الدُّئلى، بضم الدال وكسر الهمزة، وأنكرها النحاة وسائر من ينسبُ إلى هذا البطن حاشا ¬

_ (¬1) أخرجه ابن عبد البر فى التمهيد عن عياض بن حمار بلفظ: " نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن زبد المشركين " يعنى هداياهم. التمهيد 2/ 9. (¬2) التمهيد 2/ 12. وهناك قول آخر فيها وهو ادعاء النسخ، وذلك لما كان عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبول الهدية من أهل الشرك، مثل: أكيدر دومة، وفروة بن نفاثة، والمقوقس. (¬3) وذلك فى ك الإمارة، ب تحريم هدايا العمال. وراجع: كتابنا: فى رياض السنة: 139. (¬4) ضبطه البخارى فى التاريخ الكبير بالياء، فقال: ثور بن زيد الديلى، المدنى، سمع عكرمة، وأبا الغيث، روى عنه مالك بن أنس، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد. التاريخ الكبير 1/ 2/ 181، وضبطه خليفة بن خياط فقال: ثور بن زيد، دُئلى صليبة، مات سنة أربعين ومائة 268. وبمثل ما ضبط به البخارى فى التاريخ جاء ضبط ابن أبى حاتم والذهبى والحافظ فى التهذيب. انظر. الجرح والتعديل 2/ 1/ 468، وميزان الاعتدال 1/ 373، وتهذيب التهذيب 2/ 301. وبمثل ضبط خليفة جاء ضبط الصفدى فى الوافى 11/ 25. (¬5) فى الأصل: اللسان. (¬6) فى ت: كتابه. (¬7) ساقطة من ت. (¬8) من ت. (¬9) سقط من الأصل، وقيدت بهامشه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى الأسود فإنما يقال له: دُيلى أو دولى كالنسبين المتقدمين [أولاً، ساكن] (¬1) الأوسط فيهما، والذى فى الهون ابن خزيمة دُئِلى (¬2) بضم الدال وكسر الهمزة، بيَّنه محمد بن حبيب وغيره (¬3). ¬

_ (¬1) فى ت: أولاء سكان. (¬2) فى الأصل: دُيل. (¬3) قد جاء فى اللباب: " وكان محمد بن إسحاق والكسائى وأبو عبيد ومحمد بن حبيب - صاحب كتاب العين - يقولون فى كنانة بن خزيمة الديْلى - بكسر الدال وسكون الياء - ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة: رهط الأسود الديلى، واسمه ظالم بن عمرو. فال ابن حبيب: والدئل على مثال فِعل، الدئل بن محلم بن غالب بن يثيع بن الهون بن خزيمة بن مدركة. قال: قلت: هذا الذى ذكره السمعانى حرفًا بحرف، وفيه خبط، فإنه يقول: وأصله الديلى ينسب إلى حى من كنانة، وهو الدول بن حنيفة - ساكن الواو - فياليت شعرى كيف يكون الدول بن حنيفة من كنانة، وكنانة من مضر، وحنيفه من ربيعة؟ فإن لم يكن غلطًا من الناسخ، وقد أسقط شيئًا، فهو غلط من المصنف، والله أعلم ". اللباب 1/ 515.

(49) باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر

(49) باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر 184 - (116) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ أَبُو بَكْر: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَجَّاج الصَّوَّافِ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ الطفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِىَّ أتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فىِ حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ - قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِى الْجَاهِلِيَّةِ - فَأبى ذلِكَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِى ذَخَرَ اللهُ لِلأنْصَارِ. فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إلَيْهَ الطُّفيْلُ بْنُ عَمْرو، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ. فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ. فَرَاهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرو فىِ مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَراَهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِى بَهِجْرَتِى إلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَالِى أرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِى: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث الطفيل: " هل لك فى حصنٍ حصينٍ ومنَعةٍ " كذا رويناه بالفتح هنا، أى جماعة تمنعك من عِداك، جمع مانِع، قال الخليل: ويقال أيضًا: منْعة بالإسكان، أى حال تمنعك أو فى تمنُّع على من رامك، أو قوم عندهم منعة لك من عَدَاك. وذكر أبو حاتم فيه الفتح قال: والعامة تسكن النون ومنهم من يكسر الميم. قال وذلك غلط. قوله: " فكان فيه حتْفُه ": الحتف: الموت، لم يشتق منه فعل (¬1). وقوله: " فى الذين اجتووا المدينة "، [قال الإمام] (¬2) قال أبو عبيد: اجتويتُ البلاد إذا كرهتها، وإن كانت موافقةً لك فى بدنك، واستوبلتهَا إذا أحببتها، وإن لم توافقك فى بدنك (¬3). قال الإمام: ومنه قول ابن دريد: ¬

_ (¬1) جاءت فى الأصل مشكولة هكذا (فُعَّل). (¬2) لم ترد فى نسخ المعلم التى توفرت لى، وأغلب الظن أنها من تصرف النساخ، وذلك لمجىء ذكر الإمام بعيدها بقليل. (¬3) عبارة أبى عبيد هى: قال أبو زيد: يقال: اجتويتُ البلادَ إذا كرهتها، وإن كانت موافقة لك فى بدنك، ويقالُ: استوبَلتُها إذا لم توافقك فى بدنك وإن كنت محبًا لها. غريب الحديث 1/ 174.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى كل يوم منزلٌ مُسْتَوبَل ... يشتَفُ ماءَ مهجتى أو مُجْتوى قال القاضى: [أصل الاجتواء] (¬1): استوبال (¬2) المكان وكَرَاهة المقام به لضُرّ يلحق، وأصله من الجوى، داء يُصيبُ الجوف. قاله الخطابى. وقوله: " فأخذ مشاقص "، قال الإمام: المشقص أصل السهم إذا كان طويلاً ليس بعريض. وقوله: " فقطع بها براجمه "، قال أبو عبيد فى الغريب المصنَّف: الرواجبُ والبراجم جميعًا مفاصل الأصابع كلها، وقال أبو مالك الأعرابى فى كتاب خلق الإنسان: الرَّواجب رؤوس العظام فى ظهر الكف والبراجم الفاصل التى تحتها. قال القاضى: قال الخليل: الشقص سهم فيه مصل عريض (¬3)، وغيره يقول: الطويل ليس بالعريض كما تقدم. وإنما العريض المِعبَل (¬4) وقطع هذا بها البراجم يشهد لعرضها، إذ لا يتأتى الذبح والقطع إلا بالعريض. وقال الداودى: هو السكين ولم يقل شيئًا. وقوله: " فَشَخَبَتْ يداه ": أى سال دمهما. قال ابن دريد: كل شىء سال فقد شخب، والشخب - بالضم والفتح - لما خرَج من الضرع من اللبن، وكأنه الدفعة منه، وكذلك قالوا فى المثل: شخبٌ فى الأرض وشَخْبٌ فى الإناء. وكأنه سمى بذلك من صوت وقعته فى الإناء. [و] (¬5) فى هذا الحديث غفران الله تعالى لهذا قتله نفسه، [و] (¬6) فيه دليل لأهل السنة على غفران الذنوب لمن شاء الله تعالى (¬7)، وشرح للأحاديث قبله الموهم ظاهرُها التخليد وتأبيد الوعيد على قاتل نفسه، وردٌّ على الخوارج والمعتزلة، وفيه مؤاخذته بذنبه ومعاقبته، وهو رد على المرجئة. ¬

_ (¬1) سقط من ق. (¬2) فى الأصل: استيبال. (¬3) ومنه حديث أحمد فى المسند عن ابن عباس أن معاوية أخبره أنه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قصَّرَ من شعره بمشقص " 4/ 95. (¬4) وجمعها: معابل. غريب الحديث لأبى عبيد 2/ 257. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) ساقطة من ت. (¬7) قال الأبى: " لا يقال: كيف يحتج به لجواز المغفرة وهو قد عوقب فى يده، لأن عدم العفو عند القائل به موجب لدخول النار. وهذا لم يدخلها 1/ 25.

(50) باب فى الريح التى تكون قرب القيامة تقبض من فى قلبه شىء من الإيمان

(50) باب فى الريح التى تكون قرب القيامة تقبض من فى قلبه شىء من الإيمان 185 - (117) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو عَلْقَمَةَ الْفَرْوِىُّ قَالا: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهِ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ، ألْيَنَ مَنَ الْحَرِيرِ، فَلا تَدَعُ أحَدًا فىِ قَلْبِهِ - قَالَ أَبُو عَلْقَمَةَ: مِثْقَالُ حَبَّةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: مِثْقَالُ ذَرَّةٍ - مِنْ إيمَانٍ إلا قَبْضَتْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الله يبعث ريحًا من اليمن ... " الحديث، هو بمعنى الحديث الآخر: " لا تقوم الساعة على أحدٍ يقول الله "، و " لا إله إلا الله " وسيأتى الكلام عليه (¬1). وقال فى سنده: ثنا صفوان بن سُليم عن عبد الله بن سلمان، عن أبيه، كذا فى الرواية عندنا. قال البخارى فى باب عبيد الله: عُبيدِ الله بن سلمان الأغرّ المدنى مولى جُهينة وهو ابن أبى عبد الله، وقيل: أصلهم من أصبهان عن أبيه، روى عنه مالك وابن عجلان وسليمان بن بلال. قال: ويُقال عبد الله (¬2). وقال فى باب عبد الله: عبد الله بن سلمان أخو عُبَيْد الله ابن سلمان الأغر المدنى مولى جهينة، وذكر له هذا الحديث من رواية صفوان بن سُليم عنه كما ذكره مسلم (¬3). ونقل الجيَّانى بعد نقله بعض كلام البخارى الذى ذكرناه، وزاد: وعبيد الله أصح، ولم يكن هذا عندنا فى تاريخ البخارى ولا فى أصل شيخنا الشهيد - رحمه الله. ¬

_ (¬1) سيأتى برقم (234/ 148). (¬2) التاريخ الكبير 3/ 1/ 384، إلا أن لفظه فيه (المدينى). (¬3) السابق 3/ 1/ 109.

(51) باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن

(51) باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن 186 - (118) حدّثنى يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا، أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرضٍ مِنَ الدُّنْيَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم ... " الحديث، بَيِّن المعنى كله (¬1). وفائدة المبادرة بالعمل إمكانه قبل شغل البال والحشد بالفتن، وقطعها عن العمل. ¬

_ (¬1) ومن معناه: ما أخرجه الحاكم فى المستدرك عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل وهو يعظه: " اغتنم خمسًا قبلَ خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ". قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبى 4/ 306. وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يبيع دينه بعرض من الدنيا " قال القرطبى: " ومقصود هذا الحديث الأمر بالتمسك بالدين، والتشدد فيه عند الفتن، والتحذير من الفتن، ومن الإقبال على الدنيا ومطامعها ". المفهم 1/ 311.

(52) باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله

(52) باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله 187 - (119) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابت الْبُنَانِىِّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتَ النَّبِي} إلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1)، جَلَسَ ثَابتُ ابْنُ قَيْسٍ فىِ بَيْتِهِ وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَاحْتبَسَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَألَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ ابْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: " يَا أَبَا عَمْرٍو، مَا شَأنُ ثَابِتٍ؟ أشْتَكَى؟ " قَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لَجَارِى، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى. قَالَ: فَأتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّى منْ أرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ فَذَكَرَ ذلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". 188 - (...) وحدّثنا قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ. بِنَحْوِ حَدِيثِ حَمَّادٍ. وَلَيْسَ فِى حَدِيِثِهِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ. وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْن صَخْرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لمَّا نَزَلَتْ: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي} وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِى الْحَدِيثِ. (...) وحدّثنا هُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الأسَدِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَذْكُرُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ. وَاقْتَص الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. وَزَادَ: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِى بَيْنَ أظهُرِنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر حديث ثابت بن قيس وخوفَه حين نزلت: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية. كان [ثابت] (¬2) خطيب الأنصار جهيرَ الصوت وكان يرفع صوته، فلذلك ¬

_ (¬1) الحجرات: 2. (¬2) ساقطة من ق. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اشتد حذرُه أكثر من غيره، حتى سَكَّن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوْعَه، وأمَّنَ خوفه (¬1). وقد قيل: إن بسببه نزلت هذه الآية، ولهذا روى أن أبا بكر وعمر كانا لا يكلمانه [بعد] (¬2) إلا كأخى السّرار (¬3)، وقد قيل: بسببهما نزلت الآية وفى محاورة جرت بينهما بين يدىّ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واختلاف ارتفعت فيه أصواتُهما (¬4)، وقيل: نزلت فى وفد ¬

_ = وثابت بن قيس بن شمّاس بن زهير بن مالك بن امرئ القيىس، الأنصارى، الخزرجى، خطيب الأنصار، كان من نجباء الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - كان جهيرَ الصوت خطيبًا، بليغًا، وهو الذى خطب بين يدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند مقدمه المدينة فقال: نمنعُكَ مما نمنعُ منه أنفُسَنا وأولادنا، فما لنا؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجنة ". فقالوا: رضينا. الحاكم فى المستدرك 3/ 234، وصحَّحه، ووافقه الذهبى. (¬1) فقد أخرج مالك والحاكم عن ابن شهاب، عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله، إنى أخشى أن أكون قد هلكت، ينهانا الله أن نُحبَّ أن نُحْمَدَ بما لا نفعل، وأجدنى أحبُّ الحمدَ، وينهانا الله عن الخُيلاء، وإنى امرؤ أحب الجمال، وينهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا رجلٌ رفيعُ الصوت، فقال: " يا ثابت، أما ترضى أن تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا، وتدخل الجنة " أخرجه الحاكم فى المستدرك 3/ 234 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق ووافقه الذهبى. قلت: إسماعيل بن محمد لم يخرج له أحد من الشيخين، وكذا أبوه محمد بن ثابت. وغاية أمر الحديث أنه مرسل، إسناده قوى. فتح 6/ 621. (¬2) من ت. (¬3) أخرج البزار بإسناده عن حصين بن عمر عن مخارق عن طارق بن شهاب عن أبى بكر قال: لما نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوقَ صَوْتِ النَّبِي} [الحجرات: 2]، قلت: يا رسول الله، والله لا أكلمك إلا كأخى السّرار. كشف الأستار عن زوائد البزار 3/ 69. قال البزَّار: لا نعلمه يُروى متصلاً إلا عن أبى بكر، وحُصينٌ حدَّث بأحاديث لم يُتابَعْ عليها، ومخارقٌ مشهور، ومن عداه أجلاء. وقال الهيثمى: حصين متروك، وقد وثقه العجلى، وبقية رجاله رجال الصحيح 7/ 108 والسرار: هو صاحب السرار. (¬4) فقد أخرج البخاري عن ابن أبى مليكة قال: كاد الخيّران أن يَهْلكا، أبو بكر وعمر - رضى الله عنهما - رفعا أصواتهما عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قدم عليه ركبُ بنى تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخى بنى مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافى. قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما فى ذلك، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض}. قال ابن الزبير: فما كان عمر يُسمعُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد هذه الآية حتى يستفهمه. وعن عبد الله بن الزبير: أنه قدم ركب من بنى تميم عنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر: ما أردتَ إلا خلافى، فقال عمر: ما أردتُ خلافَك فتماريا حتى ارتفعت أصواتُهما فنزلت فى ذلك الآية. ك التفسير، ب سورة الحجرات 6/ 171، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [قيس] (¬1) تميم وقيل فى غيرهم. ¬

_ = 172 وفى ذكر سعد بن معاذ فى الباب الأول، وعدم ذكره فى بقيتها قال الحافظ ابن كثير: " الصحيح أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا، لأنه كان قد مات بعد بنى قريظة بأيام قلائل سنة خمس، وهذه الآية نزلت فى وفد بنى تميم، والوفود إنما تواتروا فى سنة تسع من الهجرة، والله أعلم " تفسير القرآن العظيم 7/ 347. فرواية حماد على ذلك معللة. (¬1) من ت.

(53) باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية؟

(53) باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية؟ 189 - (120) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَة، حدّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فىِ الْجَاهِلِيَّة؟ قَالَ: " أمَّا مَنْ أحْسَنَ مِنْكُمْ فِى الإِسْلامِ فَلا يُؤَاخذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أخِذ بِعَمَلِهِ فِى الْجَاهِلِيَّةِ والإسْلامِ ". 190 - (...) حدّثنا مُحَمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أبى شَيْبَةَ - واللَّفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأعْمشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عبْدِ اللهِ؛ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنؤُاخَذْ بِمَا عَمِلْنا فِى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: " مَنْ أحْسَنَ فِى الإِسْلام لَمْ يُؤاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ أسَاءَ فِى الإِسْلامِ أُخِذَ بالأوَّلِ والآخِرِ ". 191 - (...) حدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمىُّ، أَخْبَرَنَا عَلِى بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الصحابة (¬1) لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنُؤَاخَذُ بما عملْنا فى الجاهلية؟ " فقال: " أما من أحسن منكم فى الإسلام فلا يؤاخذ به، و [أما] (¬2) من أساء أُخِذَ [بما عَمِل] (¬3) فى الجاهلية والإسلام "، قال الإمام: قال بعض الشيوخ: معنى الإساءة هنا: الكفر، فإذا ارتد عن الإيمان أخِذ بالأول والآخر. قال القاضى: ومعنى قوله: " أمَّا من أحسن فى الإسلام فلا يؤاخذ به ": أى أحْسَنَ بإسلامه، لأنه (¬4) يَجُبُّ ما قبله، أو أحسن فى إجابته إلى الإسلام، أو فى الاستقامة عليه دون تبديلٍ ولا تغيير. ¬

_ (¬1) فى المعلم: السائل. (¬2) من ق. (¬3) فى المعلم: بعمله. والأظهر فى السائل - كما ذكر الأبى - أنه حديث عهد بالإسلام؛ لأن جب الإسلام ما قبله كان من معالم الدين التى لا تجهل. ورجال أسانيد هذا الباب الثلاثة كلهم كوفيون، وعبد الله هو ابن مسعود. إكمال 1/ 228. (¬4) أى الإسلام. والقاضى يشير بذلك إلى ما جاء فى الحديث والباب التالى وما أخرجه فى المسند 4/ 199.

(54) باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج

(54) باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج 192 - (121) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ وَأَبُو مَعْنٍ الرَقَاشِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أبى عَاصِمٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى أَبَا عَاصِمٍ - قَالَ: أخْبَرَنَا حَيْوةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شُمَاسَةَ الْمَهْرِىِّ، قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِى سِيَاقَةِ الْمَوْتِ. فَبَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أبتَاهُ، أمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ أمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ قَالَ: فَأقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادةُ أَنْ لا إلَه إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، إنِّى قَدْ كُنْتُ عَلَى أطْبَاقٍ ثَلاثٍ، لَقدْ رَأيْتُنِى وَمَا أحَدٌ أشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّى، وَلا أحَبَّ إلَىَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإسْلامَ فِى قَلْبِى أتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأبَايعْكَ: فَبَسَطَ يَمِينَهُ. قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِى. قَالَ: " مَالَكَ يَا عَمْرُو؟ " قَالَ: قُلْتُ: أرَدْتُ أَنْ أشْتَرِطَ. قَالَ: " تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ " قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِى. قَالَ: " أمَا عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمرو بن العاص: " إنى قد كنت على أطباق ثلاث ": أى منازل وأحوال؛ ولهذا جاء بثلاث التى تكون للمؤنث والطبق مذكر لكنه أنَّثه على المعنى. قال الله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَق} (¬1). وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإسلام يجبُّ ما قبله، والهجرة تهدم ما قبلها " وذكر فى الحج مثله أى من أعمال الشرك، إذ عنها طلب عمرو الغفران، ثم من مقتضى عموم اللفظ يأتى على الذنوب، لا سيّما مع ذكره الحج، فقد يكون ذكره الهجرة كناية عن الإسلام فيجب (¬2) ما قبله من الكفر وأعماله، وهى مسألة عمرو، وذكَرَ الحجَّ ليُعلمه أيضًا أن: {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} (¬3) كما قال تعالى. ¬

_ (¬1) الانشقاق: 19. (¬2) فى الأصل: فجبَّ. (¬3) هود: 115.

الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ " وَمَا كَانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَىَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أجَلَّ فِى عَيْنِى مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أطِيقُ أَنْ أمْلأ عَيْنَىَّ مِنْهُ إجْلالاً لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أصِفَهُ مَا أطَقْتُ، لأنِّى لَمْ أَكُنْ أمْلأ عَيْنَىَّ مِنْه، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أشْيَاء مَا أدْرِى مَا حَالِى فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ، فَلا تَصْحَبْنِى نَائحَةٌ وَلا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنتُمُونِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا متُ فلا تصحبنى نائحة ولا نار " امتثال لنهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فى حديث أبى هريرة: " ولا تُتَّبَعُ الجنازة بصوت ولا نار " (¬1)، وقد تقدم منع الشرع من النياحة وذمها، وكره أهل العلم اتباع الميت بالنار. وأوصت أسماء بنت أبى بكر ألا تُتَّبَعُ به جنازتها. قال ابن حبيب: تفاؤلاً من خوف النار والمصير إليها، وأن يكون آخر ما يصحبه من الدنيا النار. وقال غيره: يحتمل أن هذا كان من فعل الجاهلية فشُرعت مخالفتهم، ويحتمل أنه كان فُعِل على وجه الظهور والتعالى فمُنِع لذلك. وقوله: " فإذا دفنتمونى فشُنُّوا علىَّ الترابَ " بالسين والشين معًا، وهو الصبُّ، وقيل: بالمهملة الصبُ فى سهولة، وبالمعجمة التفريق. وهذه سنة فى صبّ التراب على الميت فى القبر (¬2)، وكره مالك فى العتبية الترصيص (¬3) على القبر بالحجارة والطين والطوب. ¬

_ (¬1) جزء حديث أخرجه أبو داود فى السنن، وأحمد فى المسند، وابن أبى شيبة فى المصنف. أبو داود، ك الجنائز، ب فى النار يتبع بها الميت 2/ 181، وأحمد 2/ 427، 532، وابن أبى شيبة 3/ 272 جميعًا عن أبى هريرة، غير أنه فى المصنف من كلام أبى هريرة وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإسلام يجبُّ ما قبله " الجَبُّ هنا بمعنى الهدم، استعارة لعدم المؤاخذة. والأمور التى يهدمها الإسلام قبله هى حقوق الله تعالى وحقوق البشر، فلا يقتص ممن أسلم، ولا يضمن ما استهلك لمسلم، واختلف فيما أسلم وهو بيده من ذلك، فقال مالك: يبقى له، لهذا الحديث؛ ولأن لهم شبهة الملك، لقوله تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ} [التوبة: 55] وقال الشافعى: يردُ إلى ربه، لأنه كالغاصب، ويلزمه أن يضمن ما استهلك. واتفقوا على نزع ما أسلم عليه من أسرى المسلمين؛ لأن الحر لا يملك. هذا فى الحربى، وأما الذمى فلا يسقط إسلامُه ما وجب عليه من دمٍ، أو مالٍ، أو غيرهما؛ لأن حكم الإسلام جارٍ عليه. (¬2) لم يرد فى هذا غير وصية عمرو هذه، وغايتها أنه مذهب صحابى. (¬3) الترصيص: هو إحكام البناء وطلاؤه، وفى العتبية أيضًا كما نقل الأبى: ولا أكره بناء اللحد باللبن. إكمال 1/ 231.

فَشُنُّوا عَلَىَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِى قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أسْتَأنِسَ بِكُمْ، وَأنْظُرَ مَاذَا أرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّى. 193 - (122) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَإبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ - واللَّفْظُ لإبْرَاهِيمَ - قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يَعْلَى ابْنُ مُسْلِمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقالُوا: إِنَّ الَّذِى تَقُولُ وَتَدْعُو لَحَسَنٌ، وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً! فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (¬1) وَنَزَلَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه} (¬2). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ثم أقيموا على قبرى قدر ما تُنحَرُ جزور ": الجزور: بفتح الجيم من الإبل والجَزرَة من غيرها، وفى كتاب العين: الجزرة من الضأن والمعز خاصة. وفى هذا الحديث حجة لفتنة القبر، وأن الميت تصرُف روحه إليه إذا أدخل قبره لسؤال الملكين وفتنتهما، أنه يعلم حينئذ ويسمع (¬3). ولا يعترض على هذا بقوله [تعالى]: (¬4) {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (¬5): الآية، للاختلاف فى معناها واحتمال تأويلها (¬6)؛ ولأنه قد يكن المراد بها فى وقت غير هذا لما ورَدت به الآثار الصحاح (¬7) من فتنة القبر وسؤال الملكين. ولا ينافى هذا السماع. وسيأتى الكلامُ عليه بعد هذا. وفى حديث عمرو معرفة حال الصحابة فى توقير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمه، كما أمر الله به المؤمنين فقال: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوه} (¬8) وفى قول ابنه له: " يا أبتاه، أما بشَّرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " سُنَّة فى ترجى المحتضَر وأن يذكر له عند احتضاره خيرُ عمله، وتذكر له سَعَةُ رحمة الله، وتتلى عليه ¬

_ (¬1) الفرقان: 68. (¬2) الزمر: 53. (¬3) كان حجةً لأنه لا يقوله إلا بتوقيف. (¬4) من ت. (¬5) النمل: 81. (¬6) فقد قيل فيها: إنَّك لا تسمعهم شيئًا ينفعهم، فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة، وفى آذانهم وقْرَ الكفر. تفسير القرآن العظيم 6/ 219. (¬7) فى ق: الصحيحة. (¬8) الفتح: 9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آيات الرجاء وأحاديث العفو، حتى يغلب عليه عند الموت الرجاءُ ويموتُ عليه (¬1). ¬

_ (¬1) لأن الرجاء يوجب محبة الله تعالى التى هى غاية السعادة، ومن أحب لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، كما سيأتى. إكمال 1/ 229. وفى قول عمرو فى الحديث: " أبْسُط يمينَك فلأبايعك " اللام فى لأبايعك يصح أن تكون للأمر فتجزم العين، أو للعلة فتنصب، والباء فى: " تشترط بماذا " إما أن تكون زائدة، فتكون ما مفعول تشترط، وصح ذلك؛ لأن الاستفهام إذا قصد به الاستثبات صح أن يعمل فيه ما قبله، أو يضمن تشترط معنى تحتاط. السابق. وبقى حديث ابن عباس، لم يرد فيه كلام للإمام ولا للقاضى: قال النووى: " مراد مسلم منه أن القرآن العزيز جاء بما جاءت به السنة من كون الإسلام يهدم ما قبله ". نووى 1/ 326.

(55) باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده

(55) باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده 194 - (123) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرَأيْتَ أمُورًا كُنْتُ أتَحَنَّثُ بِهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ، هَلْ لِى فِيهَا مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسْلَمْتَ عَلَى مَا أسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ ". وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ. 195 - (...) وحدّثنا حَسَن الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ الْحُلْوَانِىُّ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِى - يَعْقُوبُ - وهوَ ابْنُ إبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِح، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول حكيم بن حزام (¬1): " أرأيت أمورًا كنتُ أتحنَّث بها فى الجاهلية ... " الحديث، قال الإمام: تحنَّثَ الرجلُ إذا فَعَل فعلاً خرَج به عن الحنث، والحنث الذنب، وكذلك تأثم إذا ألقى عن نفسه الإثم، ومثله تحرَّج وتحوَّب إذا فعل فعلاً خرج به من الحرج والحوب، وفلان يتهجد إذا كان يخرج من الهجود، ويتنجَّسُ إذا فعل فعلاً يخرج به من النجاسة، وامرأةً قذُور إذا كانت تتجنَّبُ الأقذار، ودابةٌ رَيَّضٌ إذا لم تُرَضْ. هذا كله عن الثعالبى إلا تأثم فإنه عن الهروى. وأنشد غيرهما: تجنَّبتُ إتيانَ الحبيب تأثُّما ... ألا إِنَّ هجران (¬2) الحبيب هو الإثمُ قال القاضى: فسَّر مسلم التحنث التَّعبدَ، وما فَسَّرَه به مسلم قد فسَّره أبو إسحاق الحربى قال: يقول: أدينُ وأتعبَّدُ، وذكر نحوه عن ابن إسحاق. ¬

_ (¬1) هو ابن خُويلد بن أسد بن عبد العزى، أسلم يوم الفتح، وحسُن إسلامه، وغزا حنينًا، والطائف، وكان من أشراف قريش، وعقلائها، ونبلائها، وكانت خديجة - رضى الله عنها - عمَّتَه، وكان الزبير ابنَ عَمّه. قال البخارى فى تاريخه: عاش ستين سنة فى الجاهلية، وستين فى الإسلام 3/ 11، وقال الذهبى: لم يعش فى الإسلام إلا بضعًا وأربعين سنة. سير 3/ 45، وقد ولد - رضى الله عنه - فى الكعبة، وهى فضيلة لم تتفق لغيره. قيل: إنه دُخِل عليه عند الموت وهو يقول: لا إله إلا الله، قد كنتُ أخشاك، وأنا اليوم أرجوك. جمهرة نسب قريش 377. (¬2) فى ق: إتيان، وقد تحرف البيت عند الأبى إلى: تجنبت إتيان الخبيث.

ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أىْ رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ أمُورًا كُنْتُ أتَحَنَّثُ بِهَا فِى الْجَاهِلِيَّة، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أفِيهَا أجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسْلَمْتَ عَلَى مَا أسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ ". (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بنُ حُمَيدٍ. قَالا: أخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ حَكِيمٍ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أشْيَاء كُنْتُ أفْعَلُهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ - قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِى أتَبَرَّرُ بِهَا - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسْلَمْتَ عَلَى مَا أسْلَفْتَ لَكَ مِنَ الْخَيْرِ " قُلْتُ: فَوَالله لا أدَعُ شَيْئًا صَنَعْتُهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ إلا فَعَلتُ فِى الإسْلامِ مِثْلَهُ. 196 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أعْتَقَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ ثُمَّ أعْتَقَ فِى الإِسْلامِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، ثُمَّ أتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أسلمت على [ما سَلفَ لك] (¬1) من خير "، قال الإمام: ظاهره خلاف ما تقتضى (¬2) الأصول؛ لأن الكافِر لا يصح منه التقرب فيكون مثابًا على طاعته ويصح أن يكون مطيعًا غير متقرب كنظره فى الإيمان، فإنه مطيع فيه من حيث كان موافقًا للأمر، والطاعة عندنا موافقة الأمر، ولكنه لا يكون متقربًا؛ لأن من شرط التقرب أن [يكون] (¬3) عارفًا بالمتقرب إليه، وهو فى حين نظره لم يحصُل له العلم بالله تعالى بعد، فإذا تقرر هذا عُلِمَ أن الحديث متأولٌ، وهو يحمل وجوهًا: أحدها: أن يكون المعنى: إنَّك اكتسبت طباعًا جميلةً، وأنت تنتفع بتلك الطباع (¬4) فى الإسلام، وتكون تلك العادة تمهيدًا لك ومعونةً على فعل الخير والطاعات. والثانى: أن يكون المعنى: إنك اكتسبت بذلك ثناءً جميلاً، فهو باق عليك فى الإسلام. ¬

_ (¬1) فى ت: ما أسلفت. (¬2) فى ت: تقضيه. (¬3) من المعلم. (¬4) فى المعلم: بذلك الطبع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: أنه لا يبعد أن يزاد فى حسناته التى يفعلها فى الإسلام ويكثر أجره لما تقدم له من الأفعال الجميلة، وقد قالوا فى الكافر: [إنه] (¬1) إذا كان يفعل الخيرَ فإنَّه يُخفَّف عنه به، فلا يبعد أن يُزاد هذا فى الأجور. قال القاضى: وقيل: معناه: ببركة ما سبق لك من خير هداك الله إلى الإسلام، أى سبق لك عند الله من الخير ما حملك على فعله فى جاهليتك وعلى خاتمة الإسلام لك، وأنَّ من ظهر منه خير فى مبتدئه فهو دليل على سعادة أخراه وحسن عاقبته. وقال الحربى: معناه: ما تقدم لك من خير عملته فهو لك، كما تقول: أسلمت (¬2) على ألف درهم، أى على أن أعطاها. ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى جميع النسخ: استلمت، والمثبت من إكمال الإكمال، إلا أنه نقل العبارة هكذا: كما يقال: أسلمت، على ألف أحرزتها وهى بيدى 1/ 232. وقال ابن بطال - فيما ذكره النووى - إلى أن الحديث على ظاهره، وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير فى حال الكفر، واستدلوا بحديث أبى سعيد الخدرى - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أسلم الكافرُ فحسن إسلامه كتب الله تعالى له كل حسنة زلَفَها، ومحا عنه كل سيئة زلَفَها، وكان عمله يعد الحسنَة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئةُ بمثلها، إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى ". قال النووى: " ذكره الدارقطنى فى غريب حديث مالك، ورواه عنه من تسع طرق، وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له فى الإسلام كل حسنة عملها فى الشرك. قال النووى: قال ابن بطال رحمه الله تعالى بعد ذكره الحديث: ولله تعالى أن يتفضل على عباده بما يشاء، لا اعتراض لأحد عليه ". نووى 1/ 327. قال الأبى: والحديث نص فى القضيَّة، وتصحُ نيَّةُ التقرب من الكافر، وما عللوا به من الجهل إن عنوا به أنه يجهلَهَ مُطلقًا منع، لأنه لا ينكر الصانع، وإن عنوا به أنه يجهله من وجه فهو استدلال بمحل النزاع، لأن محل النزاع: الجاهل بالله من وجه هل يصح منه نية التقرب أم لا؟ ثم الذى يقضى بصحة النية منه اتفاقهم على التخفيف، لأنه لولا صحة النية لم يصح التخفيف، وقول الفقهاء: لا يعتد بعمل الكافر، معناه فى أحكام الدنيا، ولا يمتنع أن يثاب الناظر فى دليل الإيمان إذا اهتدى للحق، أو يفرق بأن الناظر لم ينو التقرب والكافر نواه ". قال: " وأيضًا فالقياس يقتضيه، فإن الإسلام إذا جبَّ السيئات صَحَّح الحسنات، وإثابة الكافِر بتخفيف العذاب لا تمتنع وإنما الممتنع إثابته بالخروج من النار ". إكمال 1/ 233. قلت: قد يعتد ببعض أفعال الكفار فى أحكام الدنيا، فقد قال الفقهاء: إنه إذا وجب على الكافر كفارة ظهار أو غيرها فَكَفَّر فى حال كفره أجزأه ذلك، وإذا أسلم لم تجب عليه إعادتها. واختلف أصحَاب الشافعى - رحمه الله - فيما إذا أجنب واغتسل فى حال كفره ثم أسلم، هل تجب عليه إعادة الغسل أم لا؟. قال النووى: " وبالغ بعض أصحابنا فقال: يصح من كل كافر كل طهارةٍ من غسل ووضوء وتيمم، وإذا أسلم صلى بها، والله أعلم ". نووى 1/ 328.

(56) باب صدق الإيمان وإخلاصه

(56) باب صدق الإيمان وإخلاصه 197 - (124) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ وأبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمَ بِظُلْم} (¬1) شَقَّ ذَلِكَ عَلَىَ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشَّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} (¬2) 198 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى - وَهوَ ابْنُ يُونُس. ح وَحَدَثنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، أخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ إدْرِيسَ، كُلُّهُمْ عنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ ابْنُ إدْرِيسَ: حَدَّثَنِيهِ أوَّلاً أَبِى، عَنْ أبَان بْنِ تَغْلِبَ، عَنِ الأَعْمَشِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ مَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الصحابة لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْم}: " وأيُّنا لم يظلم نفسه "، قال الإمام: [هذا] (¬3) يدلُ بظاهره عند بعض أهل الأصول على أنهم كانوا يقولون بالعموم؛ لأن الظلم عندهم يعم الكفر وغيره، فلهذا أشفقوا (¬4)، وفيه [أيضًا] (¬5) تأخير البيان إلى وقت الحاجة. قال القاضى: الظلم فى كلام العرب وضع الشىء فى غير موضعه، ثم استُعمل فى كل عَسْفٍ، فمن كفر بالله وجحد آياته وعبد غيره فقد عدل عن الحق، وتعسَّفَ فى فعله، ووضع عبادته غير موضعها، وكذلك فى غير ذلك من الأشياء، ومنه قولهم: ظلمت السّقاء، إذا تلقيته (¬6) قبل إخراج زَبَده، وظلمتُ الأرض إذا حفرت غيْرَ موضع الحفر، وقولهم: لزموا (¬7) الطريق فلم يظلموه، أى: لم يعدلوا عنه إلى غير طريق، فإطلاقه ¬

_ (¬1) الأنعام: 82. (¬2) لقمان: 13. (¬3) من ت. (¬4) العامُّ عند الأصوليين هو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له، أو هو الدالُّ على مسميين معًا، كما عرفه الآمدى 2/ 182. وعرّفه الغزالى بأنه: اللفظ الواحد من جهة واحدة على شيئين فصاعدًا. المستصفى 2/ 34. (¬5) من المعلم. (¬6) فى الأصل: سفيته. (¬7) قيد قبلها فى ت لفظة (إذا)، ولا وجه لها هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الكفر والشرك كثير كما فى هاتين الآيتين. وقيل ذلك فى قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِه} (¬1)، وقوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} (¬2) والمؤمن العاصى ظالم من حيث تعديه الأوامر والنواهى ووضعها غير موضعها ونقص إيمانهم بذلك، وقد يقع الظلم بمعنى النقص، وقد قيل ذلك فى قوله سبحانه: {وَمَا ظَلَمُونَا} الآية (¬3). وهى قوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} وهو بمعنى الأول، وليس يظهر لى فى هذا الحديث حجة للعموم، ومِنْه حمل بعض الصحابة الآيةَ على ظلم الإنسان نفسه، وكل ظلم [كما] (¬4) تقدم، بل أقول: إن طريقهم - رضى الله عنهم - فيه (¬5) الطريقة المثلى والنظر الأولى من حملهم لفظ الظلم على أظهر معانيه وأكثر استعمالاته فى محتملاته، فإنه وإن كان ينطلق على الكفر وغيره لغةً وشرعًا، فعُرف استعماله غالبًا، والأظهر من مفهومه إطلاقه فى العسف والتعدى والعدول عن الحق فى غير الكفر، كما أن لفظ الكفر ينطلق على معان من جحد النعم والحقوق وسترها، لكن مجرد إطلاقه وغالب شيوعه على ضد الإيمان، فعلى هذا وقع فهم الصحابة [رضى الله عنهم] (¬6) المراد بالظلم، وتأويلهم الآية وإشفاقهم من ذلك، إذ [قد] (¬7) ورد دون قرينة ولا بيان يصرفه عن أظهر وجوهه إلى بعض محتملاته، حتى بين لهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مراد ربه بما ذكر فى الحديث. وأما قوله: فيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة فما (¬8) يتوجه عندى فى هذه القضية؛ لأنها ليست قضيَّة تكليف عملٍ (¬9)، وإن كان فيها تكليفُ اعتقاد بتصديق الخبر عن المؤمن الآمن (¬10)، واعتقادُ التصديق بذلك يلزم لأول وروده، فمتى [هى] (¬11) الحاجة المؤخر لها البيان؟ لكن لما أشفقوا منه بيَّن لهم المراد به كتبيين سائر ما بين من المشكلات. ¬

_ (¬1) فاطر: 32. (¬2) النمل: 52. (¬3) البقرة: 57. (¬4) ساقطة من ت. (¬5) فى ت: هذه. (¬6) و (¬7) من ت. (¬8) فى ق: فلا. (¬9) قلت: لا مانع أن تكون الآية وردت مورد النهى فى صورة الخبر، فتكون آيةً عمليةً من هذا الوجه، فيصدق فى تأويلها قول الإمام. (¬10) فى ت: من الأمن. (¬11) ساقطة من الأصل. وجاءت العبارة فى إكمال الإكمال هكذا: فمتى هى الحاجة التى يؤخر البيان إليها؟ ثم أجاب عنها بقوله: ظلمُ المخالفة يتنوع إلى كبائر وصغائر لا تنحصر، وإنما يشق عليهم حمله على ظلم المخالفة إذا عمم فى جميع صورها، فأخذ العموم لازمٌ، سواء جعل من تعميم الجنس فى نوعيه كما حكى الإمام، أو من تعميم النوع فى أفراده كما ذكر القاضى 1/ 234.

(57) باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق

(57) باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق 199 - (125) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، وَأمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِىُّ - وَاللَّفْظُ لأمَيَّةَ - قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعْ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسَبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} (¬1) قال: فَاشْتدّ ذلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الركَبِ، فَقَالُوا: أىْ رَسُول اللهِ، كُلفْنَا مِنْ الأعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، وَقَدْ أنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الآيَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: لما أنزل على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُم} الآية، اشتدَّ ذلك على الصحابة .. الحديث .. إلى قوله: نسخها [الله] (¬2)، فأنزل [الله] (¬3): {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} الآية (¬4)، قال الإمام: إشفاقهم وقولهم: لا نطيقها يحتمل أن يكون اعتقدوا أنهم يؤاخذون بما لا قدرة لهم على دفعه من الخواطر التى لا تكتسب، فلهذا رأوه (¬5) من قبيل ما لا يطاق [لا أنهم أرادوا ألا يؤاخذوا بالمكتسب، وهذا على طريقة من يرى أَنَّ السيئة تكتب إذا اعتقدها وإن لم يفعلها، وسنذكر وجه تأويل الأحاديث عند صاحب هذا القول] (¬6). فإن كان المراد هذا كان الحديث دليلاً على أنهم كُلّفوا ما لا يطاق. وعندنا أن تكليفه جائزٌ عقلاً، واختلف هل وقع التعبد به فى الشريعة أم لا (¬7)؟ وأما قول الراوى: إن ¬

_ (¬1) البقرة: 284. (¬2) من الأصل. (¬3) من ت. (¬4) البقرة: 286. (¬5) فى الأصل: رواه، والمثبت من المعلم وت. (¬6) من المعلم، وقد سقطت من جميع نسخ الإكمال. (¬7) قال أبو حامد الغزالى فى المستصفى: " ذهب قومٌ إلى أن كون المكلف به ممكن الحدوث ليس بشرط، بل يجوز تكليف ما لا يطاق، والأمر بالجمع بين الضدين، وقلب الأجناس، قال: وهو المنسوب إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى، وهو لازم على مذهبه من وجهين: أحدهما: أن القاعد عنده غير قادر على القيام إلى الصلاة؛ لأن الاستطاعة عنده مع الفعل لا قبله، وإنما يكون مأمورًا قبله. والآخر: أن القدرة الحادثة لا تأثير لها فى إيجاد المقدور، بل أفعالنا حادثة بقدرة الله تعالى واختراعه، فكل عبد هو عنده =

ولا نُطِيقُها. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وأطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ ". قَالُوا: سَمِعْنَا وأطَعْنَا غُفْرَانَك ربَّنا وإلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا ألْسَنَتُهُمْ، فَأنْزَلَ اللهُ فِى إثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بَاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (¬1) فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى. فَأنْزَل اللهُ عَزَّ وَجَلّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬2) قَالَ: نَعمْ {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قَالَ: نَعم {رَبَّنَا وَلا تحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قَالَ: نَعم. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك نسخ، ففى النسخ ها هنا نظر؛ لأنه إنما يكون النسخ إذا تعذر البناء ولم يكن ردُّ إحدى الآيتين إلى الأخرى. وقوله: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّه}: عموم يصح أن يشتمل على ما يُملَكُ من الخواطر وما لا يُمْلك، فتكون الآيةُ الأخرى مخصصة، إلا أن يكون فهم الصحابة بقرينة الحال أنه تقرر تعبدهم بما لا يُملك من الخواطر، فيكون حينئذ نسخًا لأنه رفع ثابت مستقر. قال القاضى: لا وجه لإبعاد النسخ فى هذه القضيَّة، وراويها قد روى فيها النسخ ونص عليه لفظًا ومعنى بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم بالإيمان والسمع والطاعة لما أعلمهم الله من مؤاخذته لهم، فلما فعلوا ذلك وألقى الله الإيمان فى قلوبهم وذلت بالاستسلام لذلك ألسنتهم - كما نصَّ فى الحديث نفسه - رفع الله الحرج عنهم، ونسخ هذه الكلفة بالآية الأخرى، كما قال. وطريق علم النسخ إنما هو بالخبر عنه أو بالتاريخ، وهما مجتمعان فى هذه الآية، وقول الإمام - رحمه الله -: إنما يكون النسخ إذا تعذر البناء، كلام ¬

_ = مأمور بفعل الغير. قال: والمختار استحالة التكليف بالمحال للطلب كقوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50] وكقوله: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] فكان التكليف هذا للتعجيز. فالطلب به ممتنع لمعناه، إذ معنى التكليف طلب ما فيه كلفة، والطلب يستدعى مطلوبًا. وذلك المطلوب ينبغى أن يكون مفهومًا للمكلف بالاتفاق، والتكليف اقتضاء طاعة ". المستصفى 1/ 87. (¬1) و (¬2) البقرة: 285، 286.

200 - (126) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة وَأَبُو كُريْبٍ وإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ واللَّفْظُ لأبِى بَكْر - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرانِ حَدَّثَنَا - وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، مَوْلَى خَالِدٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّه} (¬1) قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح فيما لم يرد به النصُّ بالنسخ، وأما إذا ورد وقفنا عنده (¬2). لكن قد اختلف أرباب الأصول فى قول الصحابى نُسِخَ حكم كذا بكذا، هل هو حجةٌ يثبتُ به النسخ أم لا يثبت لمجرد قوله؟ وهو قول القاضى أبى بكر والمحققين منهم؛ لأنه قد يكون قوله هذا عن اجتهاده وتأويله حتى ينقل ذلك نصًا عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد اختلف الناس فى هذه الآية، فأكثر المفسّرين من الصحابة ومن بعدهم على ما تقدم فيها من النسخ (¬3)، وأبعده بعض المتأخرين، قال: لأنه خبر، ولا يدخل النسخ الأخبار. ولم يُحصّل ما قال، فإنه وإن كان خبرًا فهو خبر عن تكليف ومؤاخذة بما تُكنُّ والتعبد بما أمرهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث بذلك، وأن يقولوا سمعنا وأطعنا، وهذه أقوال ¬

_ (¬1) البقرة: 284. (¬2) النسخ هو: انتهاء أو بيان انقضاء مدة العبادة، أو هو رفع الحكم بعد ثبوته. الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ من الآثار 24. ومن منعه سماه تخصيصًا. والتخصيص هو: قصر العام على بعض أفراده، والقابل لتخصيص حكم ثبت لمتعدد. جمع الجوامع بشرح الجلال المحلى 1/ 399. والحق أن التخصيص غير النسخ وإن اشتركا فى أن كلا منهما يشعر بخلاف ما أشعر به اللفظ فإنهما يفترقان فى أن الناسخ لا يكون إلا متأخرًا عن المنسوخ، والتخصيص يصح اتصاله بالمخصوص ويصح تراخيه عنه. - أن الدليل فى النسخ لا يكون إلا خطابًا، والتخصيص قد يقع بقول وفعل وقياس وغير ذلك. - أن نسخ الشىء لا يجوز إلا بما هو مثله فى القوة أو بما هو أقوى منه فى الرتبة - أن التخصيص لا يدخل فى الأمر بمأمور واحد، والنسخ جائز. - التخصيص يخرج من الخطاب ما لم يرد والنسخ رافع ما أراد إثبات حكمه. - التخصيص يرفع متوهم الثبوت، والنسخ يرفع محققه. السابق 49، 50، إكمال 1/ 235 وعلى ذلك فإن كان ما فهمه الصحابة من الآية التكليف بالخطرات يكون ما بعده نسخًا؛ لأنه رفع ثابتٍ مستقر. ويؤكده قولهم: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: 285]. (¬3) راجع: تفسير الطبرى 6/ 106، 167، تفسير القرآن العظيم 1/ 502. وفى القول بالنسخ قال: وهكذا روى عن على، وابن مسعود، وكعب الأحبار، والشعبى، والنخعى، ومحمد بن كعب القُرظى، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة. قالوا: إنها منسوخة بالتى بعدها.

دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَىْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبهُمْ مِنْ شَىْءٍ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُولُوا: سَمِعْنَا وأطَعْنَا وَسَلَّمْنَا " قَالَ: فألْقَى اللهُ الإيمَانَ فِى قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ اللهُ تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قَالَ: قَدْ فَعَلْت {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قَالَ: قَدْ فَعَلْت {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا} قَالَ: قَدْ فَعَلْت. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعمال للشأن والقلب، ثم نسخ ذلك عنهم برفع الحرج والمؤاخذة. وروى عن بعض المفسرين أن معنى النسخ هنا: إزالة ما وقع فى قلوبهم من الشدَّة والفَرَق من هذا الأمر، فأزيل عنهم بالآية الأخرى واطمأنت نفوسهم. وكأن هذا يرى أنهم لم يُلزموا ما لا يطيقون لكن ما يشق عليهم من التحفظ من خواطر النفس وإخلاط (¬1) الباطن، وأشفقوا أن يُكَلَّفوا من ذلك ما لا يطيقون، فأزيل عنهم الإشفاق، وبيَّن أنَّهم لم يُكلَّفوا إلا وُسْعَهم. وهذا غير ما أشار إليه الإمام أولاً، وعلى هذا لا حُجةَ فيه لجواز تكليف ما لا يطاق؛ إذ ليس فيه نص على تكليفه. [واحتج بعضهم (¬2) باستعاذتهم منه بقوله سبحانه: {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ولا يستعيذون إلا مما يجوز تكليفه] (¬3). وأجاب عن هذا بعضهم (¬4) بأن معنى ذلك: أى ما لا نطيقُه إلا بمشقة وكلفة. وذهب بعضهم إلى أن الآية محكمة فى إخفاء اليقين والشك للمؤمنين والكافرين، فيغفر للمؤمنين [ويعذب الكافرين] (¬5). وقيل: هو الهمُّ بالمعصية. وقوله [تعالى] (¬6): {إِصْرًا} (¬7) أى عهدًا، وقيل: ذنبًا، وقيل: ثقلاً، أى تكليفًا يشق، وقيل: عقوبة. ¬

_ (¬1) فى الأصل وت: وإخلاص، وما أثبته هو الأنسب للسياق. (¬2) هو الأشعرى، فيما ذكره الغزالى ونقلناه قبل، فقال: والمحال لا يسألُ دفْعُه، فإنه مندفع بذاته، وقد رده الغزالى بأن المراد به ما يشق ويثقل علينا، إذ من أتعب بأعمال تكاد تفضى إلى هلاكه لشدتها كقوله: {اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم} [النساء: 66] فقد يقال: حمل ما لا طاقه له به. قال: فالظاهر المؤول ضعيف الدلالة فى القطعيات. المستصفى 1/ 87. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) هو الغزالى كما ذكرناه. (¬5) سقط من الأصل، وقيد فى الهامش بغير إشارة ولا بيان. (¬6) من ت. (¬7) البقرة: 286.

(58) باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر

(58) باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر 201 - (127) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ - واللَفْظُ لِسَعيدٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أوْفَى، عَن أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأمَّتِى مَا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ". 202 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِى عَدِىٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لأمَّتِى عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ ". وحّدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ وَهِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ ابْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائدَةَ، عَنْ شَيْبَانَ، جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الله تجاوز لأمتى [عما حدَّثتْ به أنفُسَها] (¬1) ما لم تعمل أو تتكلم به "، كذا هو أنفُسها بالفتح (¬2) ويدل عليه قوله: " إن أحدنا يُحدّث نفسه ". قال الطحاوى: وأهل اللغة يقولون: أنفُسها، بالضم، يريدون بغير اختيارها كما قال تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} (¬3). ¬

_ (¬1) فى الأصل: بما حدثت به نفسُها. (¬2) نقلها الأبى عن القاضى هكذا: الرواية بالنصب. 1/ 236. (¬3) ق: 16. قال ابن رشد: روى الحديث بالوجهين، فمعنى الرفع: ما وقع من الخطرات دون قصد، ومعنى النصب: ما حدثت به أنفسها أن تفعله ولم تفعله، قال: ويؤيد هذا لفظ التجاوز، لأنه إنما يكون عما اكتسب. قال الأبى وفقه أحاديث الباب أن فى النفس ثلاث خطرات؛ خطرات لا تقصد ولا تندفع ولا تستقر، وهمٌّ وعزمٌ، فالخطرات خاف الصحابة أن يكونوا كلفوا بالتحفظ منها، ثم رفع ذلك الخوف. وأما الهم وهو حديث النفس اختياراً أن تفعل ما يوافقها فغير مؤاخذ به لحديث: " إذا هم عبدى بسيئة فلا تكتبوها ". إكمال 1/ 236.

(59) باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب

(59) باب إذا همّ العبد بحسنة كتبت وإذا همّ بسيئة لم تكتب 203 - (128) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأبِى بَكْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِى بِسَيّئَةٍ فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً، وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوُهَا عَشْرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر: " إذا هَمَّ عبدى بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإن هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنةً، فإن عملها فاكتبوها عشراً [إلى سبعمائة ضعف] (¬1) "، وفى حديث آخر وذكر السيئة: " فإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جرّاى "، قال الإمام: مذهب القاضى أبى بكر بن الطيب [أن] (¬2) من عزم على المعصية [بقلبه] (¬3) ووطن عليها آثم (¬4) فى اعتقاده وعزمه، وقد يحمل ما وقع فى هذه الأحاديث وأمثالها على أن ذلك فيمن لم يوطن نفسه على المعصية وإنما مَرّ ذلك بفكره من غير استقرار، ويُسمى مثل هذا الهمَّ، ويفرق بين الهم والعزم، فيكون معنى قوله فى الحديث: أنَّ من هم لم يكتب عليه على هذا القسم الذى هو خاطِرٌ غيرُ مستقر، وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين أخذاً بظاهر الأحاديث، ويحتج [القاضى] (¬5) بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إذا التقى المسلمان بسيفيهما ... " الحديث، وقال فيه: " لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه " فقد جعله إثماً (¬6) بالحرص على القتل، وهذا قد يتأولونه على خلاف هذا التأويل، فيقولون: قد قال: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما " (¬7)، فالإثم إنما يتعلق ¬

_ (¬1) سقط من ق. (¬2) ساقطة من ق. (¬3) من المعلم. (¬4) فى المعلم: مأثوم. (¬5) فى نسخ الإكمال: للقاضى، والمثبت هن المعلم. (¬6) فى المعلم: مأثوماً. (¬7) الحديث متفق عليه، وسيرد إن شاء الله فى كتاب الفتن، وقد أخرجه البخارى فى الإيمان، ب {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فسماهم المؤمنين 1/ 15، ك الديات، ب قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَاَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] 9/ 5 عن أبى بكرة.

204 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِى بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلهَا كَتَبْتُهَا لَهُ حَسَنةً فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ ضِعْفٍ، وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ اُكْتُبْهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً ". 205 - (129) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاِفِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّام بَنِ مُنَبِّهٍ؛ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِى بِأنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أكْتُبُهَا لَهُ حَسَنةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأنَا أكْتُبُهَا بِعَشْرِ أمْثالِهَا، وإذَا تَحَدَّثَ بِأنْ يَعْمَل سَيِّئَةً فَأنا أغْفرُهَا لهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأنَا أكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالفعل والمقابلة، وهو الذى وقع عليه اسم الحرص [هنا] (¬1) ويتعلق بِالكلام فى الهم ما فى قصة يوسف - عليه السلام - وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} (¬2)، أما على طريقة الفقهاء فذلك مغفور له غير مؤاخذ به إذا كان شرعه كشرعنا فى ذلك، وأما على طريقة القاضى فيُحملُ ذلك على الهمّ الذى ليس بتوطين النفس، ولو حُمل على غيره لأمكن أن يقال: هى صغيرة، والصغائر تجوز على الأنبياء (¬3) على أحد القولين. وقد قيل فى تأويل الآية غير ذلك مما يتسع بسطه ولا يحتاج إلى ذكره هنا (¬4). قال القاضى: [رحمه الله] (¬5): عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين على ما ذهب إليه القاضى أبو بكر، وقد قال ابن المبارك: سُئل سفيان عن الهَمَّةِ أيؤاخذ بها؟ فقال: إن كانت عزْمًا أوخذ بها، والأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب كثيرة، لكنهم قالوا: إن هذا الهم يُكتب سيئةٌ، وليست السيئة التى هم بها ونواها؛ لأنه لم يعملها بعدُ وقطعهُ عنها قاطِعٌ غير خوف الله [تعالى] (¬6) والإنابة، لكن نفس الإصرار والعزم معصية فيكتب سيئة، فإذا عملها كتبت معصية تامة، فإن تركها خشية الله كتبت حسنة على ما جاء فى الحديث الآخر: " إنما تركها من جرّاى " فصارَ تركه لها خوف الله، ومجاهدته نفسه الأمَّارة بالسوء وعصيانه هواه حسنة. وأما الهمَّ الذى لا يكتب فهى الخواطر التى لا تُوطَّنُ عليها النفس، ولا يصحبها عَقدٌ ولا نية وعزمٌ. ¬

_ (¬1) ساقطة من ق. (¬2) يوسف: 24. (¬3) هل كان يوسف نبئ بعد؟! (¬4) فى الأصل وق: ها هنا. (¬5) سقط من ت. (¬6) من ت.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَت الْمَلائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً - وَهوَ أبْصَرُ بِهِ - فَقَالَ: ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّاىَ ". وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أحْسَنَ أحَدُكُمْ إسْلامَهُ فُكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمَائَةِ ضِعْفٍ، وَكلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حتّى يَلْقَى اللهَ ". 206 - (130) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إلَى سَبْعِمَائَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ تُكْتَبْ، وَإِنْ عَمَلَهَا كُتِبَتْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر بعض المتكلمين أنه يُختلف إذا تركها لغير خوف الله، بك خوف الناس هل تكتب حسنةً. قال: لأنه إنما حَمَله على تركها الحياء. وهذا ضعيفٌ لا وجه له. وأما قصة يوسف - عليه السلام - فالكلام فى تأويلها كثير، وأحسنه قول أبى حاتم ومن وافقه: أنَّه ما هَمَّ؛ لأنه رأى برهان ربه وإنما همَّت هى، والكلام عنده فيه تقديم وتأخير، والمعنى: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها (¬1)، وقد أشبعنا القول عليها وما قيل فيها، وفى إبعاد جواز الصغائر على الأنبياء، ونصرة هذا القول والأجوبة عن مشكلات هذا الباب ومعانى ظواهر الآى والأحاديث الموهمة لجواز ذلك فى كتابنا المسمى بالشفاء (¬2). وقوله: " إنما تركها من جرّاى " بتشديد الراء وفتح الياء، قال الإمام: أى من ¬

_ (¬1) قال ابن كثير: " وفى هذا القول نظرٌ من حيث العربية " 4/ 308. (¬2) ومما ينبغى قوله هنا: أن العزم المختلف فيه هو العزم الذى له صورة فى الخارج، كالزنا وشرب الخمر، وأمَّا ما لا صورة له فى الخارج كالاعتقادات وخبائث النفس من الحسد ونحوه، فليس هو من صور محل الخلاف، فلا يحتج بالإجماع الذى فيه، لأن النهى عنه فى نفسه وقع التكليف به. إكمال 1/ 236. وانظر: الشفا 2/ 809. وقد قال هناك: " اعلم أن المجوزين للصغائر على الأنبياء من الفقهاء والمحدثين ومن شايعهم على ذلك من المتكلمين احتجوا على ذلك بظواهر كثيرة من القرآن والحديث، إن التزموا ظواهرها أفضت بهم إلى تجويز الكبائر، وخرق الإجماع ... ثم قال: وعلى مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإنَّ الهمَّ إذا وطنت عليه النفسُ سيئةٌ، وأما ما لم توطَّن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفوُّ عنه، وهذا هو الحق ".

207 - (131) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِى عُثْمَان، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى، قَالَ: " إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ. فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَى أضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ". 208 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِى عُثْمَانَ، فىِ هَذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. وَزَادَ: " وَمَحَاهَا اللهُ، وَلا يَهَلِكُ عَلَى اللهِ إلا هَالِكٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أجلى، وفيه لغتان، جرّاء بالمد، وجرى بالقصر، ومنه الحديث: " إِنَّ امرأةً دخلت النار من جرَّى هِرَّةٍ " [أى من أجل هِرَّةٍ] (¬1). وقوله فى الحديث: " ولن (¬2) يهلك على الله إلا هالك "، قال القاضى: أى من ختم عليه الهلاك وَسُدَّ عليه أبواب الهدى لسعة رحمة الله تعالى وكرمه؛ إذ جعل السيئة حسنة ولم يكتبها حتى يعمل بها، فإذا عملت كتبت واحدةً، وكتب الهم بالحسنة حسنةً، وكتبها إذا عملها عشرًا إلى سبعمائة وأضعافًا كثيرة، وكل هذا فضل الله، إذ ضاعف حتى [تكثر] (¬3) وتزيد على السيئات لكثرة سيئات بنى آدم، فمن حُرِم هذه السعة وضُيِّق عليه رحبها حتى غلبت عليه سيئاته مع إفرادها حسناته مع تضعيفها، فهو الهالك الذى سبق عليه ذلك فى أم الكتاب. قال أبو جعفر الطبرى: وفى الحديث دليل على أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب وعقدها، خلافًا لمن قال: إنها لا تكتب إلا الأعمال الظاهرة. ¬

_ (¬1) من المعلم. والحديث متفق عليه، وسيأتى إن شاء الله فى كتاب البر والصلة، وأخرجه البخارى فى ك بدء الخلق، ب خمس من الدواب 4/ 157 عن ابن عمر، بدون ذكر لفظة " جرَّاء " وهذه اللفظة - جرَّاء - لمسلم عن ابن عمر، والبيهقى فى السنن الكبرى عن أبى هريرة 8/ 14 وهى بلفظ " من جرَّى ". (¬2) هكذا فى الأصل: " لن " وفى سنن حديث مسلم " لا ". (¬3) فى الأصل: تكفر.

(60) باب بيان الوسوسة فى الإيمان وما يقوله من وجدها

(60) باب بيان الوسوسة فى الإيمان وما يقوله من وجدها 209 - (132) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَألُوهُ: إنَّا نَجِدُ فِى أنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: " وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: " ذَاكَ صَريحُ الإيمَانِ ". 210 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَة. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. 211 - (133) حدّثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ. حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ عَثَّامٍ، عَنْ سُعَيْرِ ابْنِ الْخِمْسِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ، قَالَ: " تِلْكَ مَحْضُ الإيمَانِ ". 212 - (134) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوف وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَام، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا، خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهِ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله عن الصحابة: " إنا نجِدُ فى أنفُسِنا ما يتعاظَمُ أحدنا أن يتكلَّم به " ثم قال: " ذلك صريحُ الإيمان "، وفى الحديث الآخر: " سُئل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوسوسة فقال: " تلك محض الإيمان "، وزاد فى حديث آخر: " من وجد من ذلك شيئًا فليقُل: آمنت بالله "، قال الإمام: بُوب على هذا الحديث فى بعض نسخ [كتاب] (¬1) مسلم: باب الوسوسة محض الإيمان، [وزاد فى حديث آخر: أنه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن شكا هذا المعنى أن قال: فيمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله " أما قوله ذلك محض الإيمان] (¬2). فلا يصح أن يراد به أن الوسوسة هى الإيمان؛ لأن الإيمان اليقين، وإنما الإشارة إلى ما وجدوا من ¬

_ (¬1) و (¬2) من المعلم.

213 - (...) وحدّثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤدِّبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذا الإسْنَادِ. أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يأتِى الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولُ. مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ مَنْ خَلَقَ الأرْضَ؟ فَيُقولُ: اللهُ " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ. وَزَادَ " وَرُسُلِهِ ". 214 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابنُ أخِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأتِى الشَّيْطَانُ أحَدُكمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ ". (...) حدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأتِى الْعَبْدَ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ " مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أخِى ابْنِ شَهَابٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخوف من الله تعالى أن يُعاقبوا على ما وقع فى نفوسهم، فكأنَّه يقول: جزعُكم من هذا هو محض الإيمان، إذ الخوف من الله - سبحانه - ينافى الشك فيه، فإذا تقرر هذا تبيَّن أن هذا التبويب غَلط على مقتضى ظاهره، وأما أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند وجود ذلك بأن يقول (¬1): آمنت بالله، فإن ظاهره أنه أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والردِّ لها، من غير استدلال ولا نظر فى إبطالها. والذى يقال فى هذا المعنى: إن الخواطر على قسمين، فأما التى ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهى التى تُدْفَع بالإعراض عنها، على هذا يحملُ الحديث، وعلى مثلها يخطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرًا طارئًا على غير أصل دُفِع بغير نظر [فى دليل] (¬2)، إذ لا أصل له يُنَظرُ فيه، وأما الخواطر المستقرة التى أوجبتها الشبْهة فإنها لا تُدفَعُ إلا باستدلالٍ ونظر فى إبطالها، ومن هذا المعنى حديث: " لا عدوى " (¬3)، مع ¬

_ (¬1) فى الإكمال: يقولوا. (¬2) من المعلم. (¬3) الطبرانى وغيره عن ابن عباس، بأسانيد رجال بعضها - كما قال الهيثمى - رجال الصحيح 5/ 102، والطبرانى فى الكبير 11/ 238 كما أخرجه مالك بلاغًا عن ابن عطية، الموطأ 2/ 946، وأخرجه البيهقى موصولاً من طريق أبى عطية الأشجعى عن أبى هريرة. السنن الكبرى 7/ 217، وانظر: التمهيد 9/ 279.

215 - (135) حدّثنى عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَزَالُ النَّاسُ يَسْألُونَكُمْ عَنِ الْعِلْمِ، حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ ". قال: وَهُو آخِذٌ بِيَد رَجُلٍ فَقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، قَدْ سَألَنِى اثْنَانِ وَهَذَا الثَّالثُ. أَوْ قَالَ: سَألَنِى وَاحِدٌ وَهَذَا الثَّانِى. وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَعْقُوبُ الدوْرَقِىُّ قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهْوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أيُّوبَ عَنْ مُحمَّدٍ؛ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " لا يَزَالُ النَّاس "، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الإِسْنَادِ، ولَكنْ قَدْ قَالَ فىِ آخِرِ الْحَدِيثِ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قول الأعْرابى: فما بال الإبل الصحاح تجربُ بدخول الجمل الأجرْب فيها (¬1)، وعَلمَ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أغترَّ بهذا المحسوسِ، وأن الشبهة قَدَحَتْ فى نفسه فأزالها عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه بالدليل، فقال له: " فمن أعدى الأول ". بسط (¬2) هذا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه قال له: إذا كنت تقول أن هذه الجَربَة جَرَبَتْ من هذا العادى عليها، فهذا العادى [أيضاً] (¬3) ممَّن (¬4) تعلَّق به الجرب؟ فإن قلت: من غيره ألزمناك فيه ما ألزمناك فى الأول حتى يؤدى ذلك إلى ما لا يتناهى، أو يقف الأمر عند جملٍ وُجِدَ الجربُ فيه من غير أن ينتقل إليه من غيره، وإذا صحَّ وجود جربٍ من غير عدوى بل من الله - سبحانه - صح أن يكون جربُ (¬5) هذه الإبل من نفسها لا من غيرها. قال المتكلمون: وهذا الدليلُ الذى أشار إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذى يُعتمدُ عليه فى إبطال قول من جَوَّز وجود حوادثَ لا أوَّل لها، فيقال لهم: لو كان لا يصح وجودُ الشىء إلا من الشىء لأدَّى ذلك إلى ما لا يتناهى، وإذا عُلِّقَ وجودُ ما نحن فيه بوجود ما لا يتناهى شيئًا بعدَ شىء لم يصح وجودُ ما نحن فيه. ¬

_ (¬1) ولفظ الطبرانى: فقال أعرابى: يا رسول الله، فإنا نأخذ الشاة الجربة فنطرحها فى الغنم فتجرب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أعرابى من أجرب الأولى؟ " مجمع 5/ 102. (¬2) فى الأصل: بسيط. (¬3) من المعلم. (¬4) فى ت: بمن. (¬5) فى الأصل. بجرب.

(...) وحدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِىِّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، وَهوَ ابْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ لىِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزَالُونَ يَسْألُوَنَكَ، يا أَبَا هُرَيْرَةَ، حَتَّى يَقُولُوا: هذَا اللهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ " قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِى الْمَسْجدِ إذْ جَاءَنِى نَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هذَا اللهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ قَالَ: فَأخَذَ حَصى بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا، قُومُوا، صَدَقَ خَلَيلِى. 216 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأصَمِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيَسْألَنَّكُمُ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ، حَتَّى يَقُولُوا: اللهُ خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ، فَمَنْ خَلَقَهُ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: الترجمة التى ذكر - رحمه الله - لم تقع فى كتبنا بذلك النصِّ، لكنَّ نصها فى الأم من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رواية ابن مسعود: سئل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوسوسة، فقال: " تلك محض الإيمان "، وما ذكره [وفقه الله] (¬1) من التأويل فى قوله: " ذلك صريح الإيمان " بيِّن مع المقدمة التى فى ذلك الحديث الآخر الذى ذكرناه ولم يذكره (¬2)، إذ ليس فيه ذكر إنكار ولا استعظام، إلا أن نردَّه إلى الحديث الأول، ونجعله قاضيًا عليه، وهذا مختصر منه، أو يطلب له تأويلاً آخر يجمع الأحاديث كلها، وهو ما أشار إليه بعضهم مما بسطه أن وسوسة الشيطان وتحدثه فى نفس المؤمن إنما هو لإياسه من قبوله إغواءَه، وتزيينه الكفرَ له وعصمة المؤمن منه، فرجع إلى نوعٍ من الكيد والمخاتلة بالإيذاء بحديث النفس بما يكره المؤمن من خفى الوساوس (¬3)، إذ لا يَطمَعُ من موافقته له على كفره هذا، ولا يكون منه إلا مع مؤمن صريح الإيمان ثابت اليقين [على] (¬4) محض الإخلاص بخلاف غيره من كافرٍ وشاكٍّ، وضعيف الإيمان، فإنه يأتيه من حيث شاء ويتلاعب به كما أراد، والمؤمن معصومٌ منه، مُنافرٌ له، فلما (¬5) لم يمكنه منه مراده رجع (¬6) إلى شغل سره بتحديث [نفسه] (¬7) ودسِّ (¬8) كُفرهِ بحيث يسمعُه المؤمن فيشوش [عليه] (¬9) بذلك فكْرَه، ويُكدِّر نفسه ويؤذيه باستماعه له، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله الذى ردَّ كيدَه إلى الوسوسة " (¬10)، إذ حقيقة هذه اللفظة الصَّوت ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) أى: التعاظم. (¬3) فى ت: الوسواس. (¬4) من ت. (¬5) فى ت: فلا. (¬6) فى ت: فرجع. (¬7) ساقطة من الأصل. (¬8) فى ت: ودرس. (¬9) ساقطة من ق. (¬10) الحديث أخرجه أحمد والطبرانى والطحاوى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - ولفظه عند أحمد أنهم قالوا: يا رسول الله، إنا نحدّث أنفسنا بالشىء لأن يكون أحدنا حممة أحبُّ إليه من أن يتكلم به، قال: =

217 - (136) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ الْحضْرَمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أمَّتَكَ لا يَزَالُونَ يَقُولُونَ: مَا كَذَا؟ مَا كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الخفى (¬1)، ومنه وسواس الحُلى، لخفى صوته عند حركته، وبناء هذه الكلمة على التضعيف يدلُ على تكرار مقتضاها، فإذا سببُ الوسوسة محض الإيمان وصريحه، والوسوسة لمن وجدها علامة له على ذلك، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2) لما سئل عن الوسوسة وما يُوجَدُ فى النفس منها أخَبَر أَنَّ موجبها وسببها محض الإيمان أو أنها علامةٌ على ذلك. ولا يبقى بعد هذا التقرير والتفسير إشكال فى متون هذا الحديث، على اختلافِ ألفاظه، واطردت على معنى سَوِىٍّ قويم. وعلى هذا يحمل ما جاء فى الأحاديث الأخر (¬3): " يأتى الشيطان أحدَكم فيقول له: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول: من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستَعْذ بالله ولينته " (¬4) وفى حديث آخر: " فليقُل: آمنتُ بالله " (¬5). أما استعاذته منه فليلجأ إلى الله تعالى أن يكفيه شغل سرِّه ووسوسته بما لا يرضاه، وأما قوله: " ولينته ": أى ليقطع التفكر والنظر فيما زاد على إثبات الذات، وليقف هناك عن التخطى إلى ما بَعُد (¬6)، وليعلم أن إثبات ذاته وعلمُ ما يجبُ له ويستحيل عليه منتهى العلم وغاية مبلغ العقل. ¬

_ = فقال أحدهما: " الحمد لله الذى لم يقدر منكم إلا على الوسوسة " وقال الآخر: " الحمد لله الذى ردَّ أمره إلى الوسوسة " 1/ 340، وانظر: المعجم الكبير 10/ 411، مشكل الآثار 2/ 251، ولفظه فيه: " فقال: الحمد لله الذى لم يقدر منكم إلا على الوسوسة ". (¬1) وهذا هو تعريفها عند أهل اللغة، وهى عرفًا: حديث النفس بالمرجوح. (¬2) سقط من الأصل. (¬3) فى ت: فى الحديث الآخر. (¬4) الحديث أخرجه البخارى فى صحيحه، ك بدء الخلق، ب صفة إبليس وجنوده، عن أبى هريرة - رضى الله عنه - ولفظه: " يأتى الشيطان أحدَكم فيقولُ: من خلَقَ كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغه فليستَعذْ باللهِ ولينته " 4/ 149. (¬5) وهو حديث أبى هريرة من طريق هشام هنا. (¬6) وليس ذلك - كما ذكر القرطبى - نهيًا عن إيقاع ما وقع منها، ولا عن ألا يقع منه، لأن ذلك ليس داخلاً تحت الاختيار، ولا الكسب، فلا يكلف بها 1/ 337.

حدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائدَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَنس، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، غَيرَ أَنَّ إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْ: " قَالَ: قَالَ اللهُ إِنَّ أمَّتَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعضهم: قوله: " ذلك صريح الإيمان ": يعنى الوقوف والانقطاع فى إخراج الأمر إلى ما لا نهاية له، فلابد من إيجاب خالقٍ لا خالق له، فلا يزال يقول: من خلَقَ كذا، ويستدل بآثار الصنعة فيه على أنه مخلوق، فيقولُ: خلقه الله، إلى أن يقول: من خلق الله؟ فيستدل على أنه لو كان له خالق لتسلسل الأمر إلى ما لا نهاية له، وأن الله الخالق لكل شىء لا يُشبه صفات المخلوقين، ولا يصح عليه الحدثُ والخَلْقُ، فالوقوف هنا هو محض الإيمان. وأما ما أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أن الناس سيتساءلون (¬1) عن هذا، فليس فيه إلا إخبارٌ عما يكود، وقد كانَ، فأما أن يكون إخبارًا عن جهل السائلين أو تنبيهًا على تعَسُّفِ المجادلين (¬2). ¬

_ (¬1) فى ت: يتساءلون. (¬2) ينبغى إضافة كلمة " فلا " ليستقيم المراد، وقد صاغها الأبى على وفق هذا المقدر، فقال نقلاً عن القاضى: وليس فيه إرشادٌ لما يقول من عرض له ذلك كما فى الذى قبله، فيحمل أنه إخبارٌ عن جهل السائل وتنبيه على تعسف المجادلين. إكمال 1/ 241.

(61) باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار

(61) باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار 218 - (137) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقْتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَلَاء: - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى الْحُرَقَةِ - عَنْ معْبَدِ بْنِ كَعْبٍ السَّلَمِىِّ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ؛ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. " مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْه الْجَنَّةَ "، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " وَإِنْ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ ". 219 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَهَارَونُ بْنُ عبْدِ اللهِ، جَمِيعاً عَنْ أَبِى أُسَامَةَ، عَن الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْحَارِثِىَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 220 - (138) وحدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " مَنْ حَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من اقتطع حق امرئ مُسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحَرَّم عليه الجنة "، ثم قال: " وإن كان قضيباً من أراك " (¬1)، إنما كبرت هذه المعصية بحسب اليمين الغموس التى هى من الكبائر الموبقات، وتغييرها فى الظاهر حكم الشرع واستحلاله بها الحرام، وتصييرها المحق فى صورة المبطل، والمبطل فى صورة المحق؛ ولهذا عظم أمرها وأمر شهادة الزور، وإيجاب النار فيها على حكم الكبائر، إلا أن يشاء الله أن يعفو عن ذلك لمن يشاء، وتحريم الجنة عند دخول السابقين لها والمتقين، وأصحاب اليمين، ثم لابد لكل مُوَحِّدٍ من دخوله، إما بعد وقوف وحسابٍ، أو بعد نكال وعذاب. وتخصيصه هنا المسلم، إذ هم المخاطبون، وعامة المتعاملين فى الشريعة لا أنّ غير المسلم بخلافه، بل حكمه حكمهُ فى ذلك. ¬

_ (¬1) فى بعض النسخ - كما ذكر النووى -: " وإن قضيباً من أراك ". ويمين الصبر هى: التى يحبس الحالف نفسه عليها.

عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِىَ اللهَ وَهُوَ عَليهِ غَضْبَانُ ". قَالَ: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا يحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالُوا: كَذَا وكَذَا. قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فِىَّ نَزَلَتْ، كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ أَرْضٌ بِالْيَمَن، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى النَّبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ ". فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: " فَيَميِنُهُ ". قُلْتُ: إِذَنْ يَحْلِفُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: " مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِىَ اللهَ وَهُوَ عَليهِ غَضْبَانُ "، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} وإلى آخِرِ الآيَةِ (¬1). 221 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِىَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ بَيْنِى وبَيْنَ رَجُلٍ خَصُومَةٌ فِى بِئْرٍ. فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ ". 222 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمرَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِى رَاشِدٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، سَمِعَا شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالَ امْرِئ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقِّه، لَقِىَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لقى الله وهو عليه غضبان " وفى آخر بمعناه: " وهو عنه معرض "، قال القاضى: الإعراض والغضب والسخط من الله تعالى على من شاء وعمن شاء من عباده، إرادته عذابهم أو إيعاده بعذابهم، أو إنكاره أفعالهم وذمها فيكون ذلك من صفات الذات (¬2)، ويرجع إلى الإرادة أو الكلام، أو أن يفعل بهم فعل المسخوط عليه المعرض عنه، المغضوب عليه، من النقمة والعذاب، والإبعاد عن الرحمة، فيكون من صفات الفعل، وهى فى المخلوق تغيرُ حاله لإرادة (¬3) أو فعله بمن غضب عليه، والله - جل اسمه - يتعالى عن ¬

_ (¬1) آل عمران: 77. (¬2) صفات الذات: ما قام بها أو اشتق من معنى قائم بها، كالعلم، وعالم، وصفة الفعل: ما اشتق من معنى خارج عن الذات كخالق، ورازق، فإنهما من الخلق، والرزق. (¬3) فى ت: لإرادته.

223 - (139) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىَّ، وَأَبُو عَاصِمٍ الْحَنَفِىُّ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ الْحَضْرَمِىُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِى عَلَى أَرْض لِى كَانَتْ لأَبِى. فَقَالَ الْكِنْدىُّ: هى أَرْضى فِى يَدِى أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للَحضْرَمى: " أَلَكَ بَيِّنةٌ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَلَكَ يَمِينُهُ ". قَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِى عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مَنْ شَىْء. فَقَالَ: " لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ "، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَدْبَرَ: " أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأكُلَهُ ظُلْماً، لَيَلْقَيَنَ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ التغيير واختلاف الحال. ذكر مسلم حديث الحضرمى والكندى ومنازعتهما فى الأرض بين يدى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... الحديث بطوله، قال الإمام: علق بعض أهل العلم من متأخرى الفقهاء على هذا الحديث ما فيه من الفوائد فقال: فى هذا الحديث دلالة على أن صاحب اليد أولى بالشىء المُدَّعى فيه ممن لا يَد له عليه (¬1)، وفيه أن الدعوى فى المعين لا تفتقر إلى خُلطة (¬2)، وفيه التنبيه على صورة الحكم فى هذه الأشياء، وذلك أنه بدأ بالطالب فقال له: ليس لك إلا يمين الآخر، ولم يحكم بها للمدَّعَى عليه إذا حلف، بل إنما جعل اليمين لصَرْف دعوى المدَّعى لا غير، فكذلك ينبغى لمن (¬3) حكم بعده إذا حلف المدَّعى عليه ألا يحكم له بملك ذلك الشىء ولا بحيازته أيضاً بل يقره على حكم يمينه. فإن قيل: فكيف يجىء مذهبكم على هذا إذا كنتم ترون أنَّ من ادُّعى عليه بغصبٍ أو استهلاك لم يحلف المُدَّعى عليه، إلا أن يكون ممن يُتهم بالغصب والتعدى، ويليق به ما ¬

_ (¬1) وذلك إذا تداعيا ولم يكن لهما بينة، أو كانت وتكافأت. (¬2) يعنى المخالطة. قال ابن عبد البر: " المعمول به عندنا أَنَّ من عُرف بمعاملة الناس مثل بعضهم لبعض، ومن نصَّب نفسه للشراء والبيع من غريبٍ وغيره، وعرف به، فاليمين عليه بمن ادَّعى معاملته، ومداينَتَه فيما يُمكن، وما كان بخلاف هذهِ الحالِ مثل المرأة المشهورة المحتجبة، والرجلِ المستورِ المنقبض عن مداخلة المدَّعى عليه وملابسته، فلا تجب اليمين عليه إلا بخلطة " قال: " وفى الأصول أَنَّ من جاء بما لا يشبه، ولا يمكن فى الأغلب لم تقبل دعواه ". الاستذكار 22/ 73. وذلك لما أخرجه مالك فى الموطأ عن جميل بن عبد الرحمن المؤذِّن؛ أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو يقضى بين الناس، فإذا جاءه الرجل يَدَّعى على الرجُل حقاً نظر، فإن كانت بينهما مخالطةٌ أو ملابسةٌ أحلَف الذى ادّعى عليه، وإن لم يكن شىء من ذلك لم يُحلِّفهُ. قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا. ك الأقضية، ب القضاء فى الدعوى. (¬3) فى الإكمال: لم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ادَّعى عليه من ذلك، وقد أحلفه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الحديث ولم يسأله عن حاله؟ قيل له: ليس فى هذا الحديث ما يدل على خلاف ما ذهبنا إليه، وذلك أنه يجوز أن يكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد علم من حاله ما أغناه عن السؤال عنه، وفى الحديث ما يدل على أنه كان كذلك، ألا ترى إلى قول خَصمه: إنه رجلٌ فاجر ليس يتورع عن شىء، ثم لم ينكر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من قوله، فلو كان عنده بريئاً مما قال، ما ترك النكير عليه. على أن فى الحديث ما يغنى عن هذا كله، وذلك أنه إنما ادعى عليه بالغصب فى الجاهلية، وكذلك نقول فيمن ادعى على رجُل لا بأس به أنه كان غصبه مالاً فى حالٍ كان فيها فاسقاً ظالماً، فإنا نُحلِّفُه له (¬1)، إذا كان ظلمه وغصبه معلوماً. وفى هذا الحديث أن يمين الفاجر تسقط عنه حكم دعوى المدَّعى، كيمين من ليس بفاجر، وأنه ليس تجرى يمينه مجرى شهادته. وفيه أن الفاجر فى دينه لا يوجب فجوره الحجر عليه ولا إبطال إقراره، ولولا ذلك لم يكن لليمين معنىً. وفيه أن المدَّعى وإن أقر بأن أصل الشىء الذى ادعى فيه لغيره لم نكلف بتثبيت جهة مصيره ما لم يُعلم إنكاره لذلك، وذلك أنه قال: غلبنى على أرض كانت لأبى، فأمكنه من المطالبة. وفيه أن من جاء ببينة قُضى له بحقه من غير يمين؛ لأنه محال أن يسأله دون ما يجب [له] (¬2) الحكم به، ولو كان من تمام الحكم اليمين (¬3) لقال له: بينتك ويمينك على تصديق بينتك. قال الإمام - رحمه الله -: أما قوله: إن المقرَّ بأنَّ أصل الشىء لغيره لا يكلف تثبيت جهة مصيره إليه، فإن وجه القضاء عندنا أن من ادَّعى شيئاً فى يد غيره، وزعم أنه صار إليه من أبيه، فإنه يُكلف إثبات وفاة أبيه وعدد (¬4) ورثته، ولَعلَ هذا الذى فى الحديث عُلمَ موت أبيه وأنه وارثه، أو يكون من بيده الأرض سلَّم له ذلك، ولعل قوله ها هنا: " ما لم يعلم إنكاره لذلك " إشارة إلى ما قلناه من تسليم المطلوب له ما قال، على أن قوله: " ما لم يعلم إنكاره [لذلك] (¬5) " كلام فيه إجحاف، نقلناه كما وجدناه، ولعل معناه ما بيناه، أو يكون الضمير فى قوله: إنكاره عائداً على من (¬6) نُسب إليه المِلْك أولاً كأبى هذا الرجل، فيكون إنكار المنسوب إليه الملك أولاً انتقال (¬7) ملكه إلى هذا المدعى مانعاً من توجيه (¬8) دعوى هذا المدعى على من فى يده الشىء المطلوب، إلا أن يثبت انتقال الملك. قال القاضى: [قوله رحمه الله] (¬9): " أو يكون من بيده الأرض سلم له ذلك " ¬

_ (¬1) فى الأصل: لها، والمثبت من ت والمعلم. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) فى الأصل: التبين، والمثبت من ت والمعلم. (¬4) فى الإكمال: وعده. (¬5) من المعلم. (¬6) فى الأصل: ما. (¬7) رسمت فى الأصل هكذا: بنتعال. (¬8) فى المعلم: توجه. (¬9) فى ت: رحمه الله قوله وفقه الله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يوجب عندنا فى الحكم شيئاً إلا رفع يدِ المسلِّم دون الحكم للمدَّعى، إذ قد يكون الأبُ حياً أو يكون له ورثة غير القائم، فكيف يحكم الحاكم بين اثنين فى مال ثالث قد أقرَّ الطالبُ أنه له أو يسمع دَعْوى فيه؟ ولعل الأب المعترف له لو كان حياً لا يطلب هذا المال أو يعترف أنه صيَّره لمن هو فى يده، فكيف وقد ورد فى هذا الحديث فى كتاب " أبى داود " ما يرفع هذا الإشكال، هو أن الحضرمى قال: " إن أرضى اغتصبنيها أبو هذا " (¬1) فغلب ذكر الأب، وفيه ذكر اليمين: " أحَلِّفُه أنه ما يعلمُ أنها أرضى اغتصبنيها أبوه ". وقوله: " فيما يحتاج إليه هذا المدعى من إثبات موت أبيه وعدَّهُ ورثته " صحيح ويحتاج أيضاً إلى إثبات ملك الأب الذى ادّعى التصيير إليه من قبله، لما ادَّعى فيه أنه تصيَّر إليه. وبقى فى هذا الحديث من استخراج نكت الفقه وسيرة القضاء مما لم يخرجه من ذكر مما ظهر لنا من بيان سيرة القضاء البدايةُ بالسماع من الطالب ثم السماع من المطلوب هل يقر أو ينكرُ - كما جاء فى الحديث - ثم طلب البينة من الطالب إذا أنكر المطلوب، ثم توجيه اليمين على المطلوب إذا لم يجد الطالب بيِّنةً، وأن الخصم إذا اعترف أن المُدعى فيه فى يد خصْمه استغنى باعترافه عن تكليف خصمه إثبات كون يده عليه لقول الحضرمى: " إن هذا غلبنى على أرض لى فقال الآخر (¬2): أرضى فى يدى أزرعها " فلم يكلفه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إثباتاً. وفيه دليل على أن الزراعة يدٌ وحوزٌ، وفيه أَنَّ الرجل إذا رمى خصمه فى حال الخصومة بِجُرْحة أو خلة سوءٍ لمنفعةٍ يستخرجها فى خصامه، وإن كان فى ذلك أذى خَصْمه لم يعاقب إذا عُرِف صدقه فى ذلك، بخلاف لو قاله (¬3) على سبيل المشاتمة والأذى المجرَّد (¬4) وذلك إذا كان ما رماه به من نوع دعواه، وليُنبه بها على حال المدَّعى عليه، لقول الحضرمى: " إنه فاجرٌ لا يبالى ما حَلفَ عليه ولا يتورع من شىء "، ولم ينكر ذلك عليه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا زجَرَه، ولو رمى خصْمَهُ بالغصب، وهو ممن لا يليق به، أُدِّب عندنا ولم تعْلقْ به الدعوى. ¬

_ (¬1) ك الأيمان والنذور، ب فيمن حلف يميناً ليقتطع بها مالاً لأحد عن الأشعث بن قيس 2/ 198، وتمامه: وهى فى يده قال: " ألك بيَّنةٌ " قال: لا، ولكن أحلِّفهُ، والله ما يعلم أنها أرضى اغتصبنيها أبوه فتهيأ الكنْدى لليمين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقتطع أحدٌ مالاً بيمين إلا لقى اللهَ وهو أجذَمُ ". فقال الكِندىُ: هى أرضه. ومعنى أجذم: أى مقطوع اليد، أو الحركة، أو الحجة. وكذا أخرجه الترمذى فى الأحكام، ب ما جاء فى أن البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه 3/ 616 عن علقمة بن وائل، كما أخرج النسائى جزءه الأخير فى السنن الكبرى، ك القضاء، ب من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه 3/ 492 عن معقل بن يسار. (¬2) فى ت: للآخر. (¬3) فى الأصل: قال. (¬4) قال القرطبى: " الجمهور على أدب من صدر منه شىء من ذلك لعموم تحريم السباب، وأجابوا عن الحديث بأن الكندى علم منه ذلك، أو أنه لم يقم بحقه، أو أنه لم يقصد إذايته، وإنما قصد استخراج حقه، فلعله إذا شنَّع عليه فقد ينزجر بذلك فيرجع إلى الحق ". المفهم 1/ 344.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [والحضرمى إنما نسب إلى الكندى] (¬1) من الغصب فى الجاهلية ما لا ينكر عليهم. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ما يجرى بين المتخاصمين من سباب بخيانة وفجور واستحلال وشبهة، هدَرٌ لا حكومة فيه واحتج بهذا الحديث. وفيه وعْظ الحاكم الحالف، عساه أن يكون يحلف باطلاً فيردَّهُ وعظُه إلى الحق - كما فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قام الحضرمى ليحلف. وفيه التنبيه على صورة سؤال الحاكم الطالب بأن يقول: " ألك (¬2) بيِّنة " ولا يقول له: " قرِّب بيِّنتك " إذ قد لا يكون له بيِّنة. وإلى هذا ذهب بعض حُذَّاق الجدليِّين، والنظريين فى سؤال أحد المتناظرين صاحبه عن مذهبه ودليله بأن يقول له: ألك دليل على قولك؟ فإن قال: نعم، سأله عنه ما هو؟ وهو اختيار القاضى أبى بكر، ولم يره لازماً الأستاذ أبو إسحاق. وفيه دليلٌ على [أن] (¬3) من ادُّعى عليه دعوى فى مال ورثه أو تصيَّر إليه عن غيره، أن يمينه على نفى دعوى المدعى، كما ذَكر فى سنة اليمين فى زيادة أبى داود. وفيه دليل على أن للأيمان مواضعَ تُحلفُ فيها وتختص بها لقوله: " فانطلق ليحلف، وذلك عندنا لازم فيما له بال من الأموال، وذلك ما يوجبُ القطع فى السرقة - ربع دينارٍ فصاعداً - فلا يكون اليمينُ فيه إلا فى المساجد الجامعة وحيثُ يُعظِّمُ منها، وعند منبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، خلافاً لأبى حنيفة فى قوله: اليمين حيث كان الحاكم. وقد احتج أبو سليمان الخطابى من هذا الحديث على وجوب اليمين عند المنبر، قال: لأنه إنما كان مجلس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المسجد، وقيام هذا إنما كان للمنبر، وإلا فلماذا قام (¬4)؟ وهذا محتمل وفيه نظرٌ. وفيه دليل على أن الحالف يكون قائماً، لقوله: " فلما قام ليحلف " لكن فى قيامه هنا احتمال، هل لنفس اليمين أو لينهض لموضعها - كما تقدم. وقد اختلف المذهب عندنا فى قيام الحالف فيما له بال (¬5). ¬

_ (¬1) من هامش ت، وفى بقية النسخ وأصل ت، والكندى: إنما نسب إلى الحضرمى. (¬2) فى الأصل: لك. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) قلت: وقد بوَّب النسائى فى الكبرى لهذا فى كتاب القضاء بقوله: اليمين على المنبر، وساق له حديث جابر بن عبد الله: " من حلف على منبرى هذا بيمين آثمةً تبوأ مقعده من النار "، وحديث أبى أمامة بن ثعلبة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف عند منبرى هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه عدلاً ولا صرفاً " 3/ 491، 492. (¬5) جملة مذهب مالك فى هذه المسألة: أن اليمين لا تكون عند المنبر من كل جامع، ولا فى الجامع حيث كان، إلا فى ربُع دينارٍ - ثلاثة دراهم فصاعداً - أو فى عرض يساوى ثلاثة دراهم، وما كان دون ذلك حلف فيه فى مجلس الحاكم، أو حيث شاء من المواضع فى السوق وغيرها، ورواية ابن القاسم فيها: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه دليل على أن الكفار إذا أسلموا وفى أيديهم أموال لغيرهم من أهل الكفر - غصبوها - أنها ترجع إلى أربابها، بخلاف ما أسلموا عليه من أموال المسلمين عندنا لتقرير ملكهم لها باستحلالهم أموالنا خلافاً للشافعى فى قوله: ترجع إلى أربابها المسلمين ولا تملك عليهم، وقد يحتج بهذا الحديث (¬1). وفيه دليلٌ على أن الخصم الصالح والطالح فى سيرة الحكم، سواء بمطالبة الطالب بالبيّنة والمطلوب باليمين. وقول المتكلم أولاً على الحديث: إن فيه دليلاً على أن الدعوى فى العين لا تفتقر إلى خلطة، صحيح، لكنها على من يُراعى الخلطة فيما فى الذمم يراعى فى العينات ما يشبه. وقد يحتج بهذا الحديث إذ فيه دعوى ما يشتبه من غصوب الجاهلية. ومشهور المذهب مراعاة الخلطة فيما فى الذمم وما يُشْبه فى المعينات وغيرها من الدعاوى، وتسميتهم لهذا خلطة تجوز. والقول الآخر: قبول الدعوى وإلزام اليمين دون خلطة ولا شبهة - وهو قول جماعة من العلماء (¬2). وقوله أيضاً: " ينبغى لمن حكم إذا حلف المدَّعى عليه أنه لا يحكم له بملك ذلك الشىء ولا حيازته " (¬3) أصل متنازع فيه عندنا، ومشهور المذهب خلاف ما ذهب إليه من ¬

_ = أنه ليس عليه التوجُّه إلى القبلة. وروى ابن الماجشون عن مالك أنه يحلف قائماً مستقبل القبلة. قال: ولا يعرف مالكٌ اليمين عند المنبرِ إلا منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط، يحلف عنده فى ربع دينارٍ، فأكثر. قال مالك: ومن أبى أن يحلف على المنبر فهو كالناكل عن اليمين، ومذهب الشافعى فى اليمين بين الركن والمقام بمكة، وعند منبر النبى - عليه السلام - بالمدينة نحو مذهب مالك، إلا أن الشافعى لا يرى اليمين عند المنبر بالمدينة، ولا بين الركن والمقام بمكة إلا فى عشرين ديناراً فصاعداً. قال الشافعى: واليمين على المنبر ما لا خلاف فيه عندنا بالمدينة ومكة فى قديم ولا حديث. قلتُ: وفى المذهب اليمين عند المنبر فى كل البلدان، قياساً على العمل من الخلفِ والسلفِ بالمدينة عند منبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان مروان يسميه مقاطع الحقوق. الأم 7/ 36، 37، معرفة السنن 14/ 301، الاستذكار 22/ 87. (¬1) إنما احتج الشافعى بحديث مسلم الذى أخرجه عن عمران بن حصين قال: أغار المشركون على أصحاب المدينة وأحرزوا العضباءَ، وامرأة من المسلمين، فلما كان ذات ليلة قامت المرأة وقد ناموا، فجعلت ما تضعُ يدَها على بعيرٍ إلا رغا، حتى تأتى العضباء، فأتَتْ على ناقة ذلولٍ، فرَكبتْها، ثم توجَّهت قبل المدينة ونذرتْ لإن الله نجاها لتنحرنَّها فلما قدمت المدينة عُرفَتِ الناقة، فأتوا بها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرتْه المرأةُ بنذرها، فقال: " بئسما جزيتيها، لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ولا فى معصية ". قال الشافعى: فهذا دليلٌ على أن أهل الحرب لا يملكون عليها بالغلبة ولا بعدها ولو ملكوا عليها لملكت المرأة الناقة، كسائرِ أموالِهْم لو أَخَذَتْ شيئاً منها، ولو صَحَّ فيها نذرُها. قَال الإمام الشافعى: وقد فضَّل الله المسلمين بألا يُمْلَكَ شىءٌ من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم، ولا يَرثُها عنهُم إلا أهل دينهم. الأم 4/ 254، وانظر: الاستذكار 14/ 127، معرفة السنن والآثار 13/ 287. (¬2) قال الحافظ ابن عبد البر: " وليس فى شىء من الآثار المسندة ما يدل على اعتبار الخلطة ". الاستذكار 22/ 76. (¬3) القول بالتعجيز حكاه اللخمى عن مطرف، وبعدمه عن ابن الماجشون، قال: وعلى التعجيز لو أتى =

224 - (...) وَحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى الْوَلِيدِ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا هَشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَلْقَمَة بْنِ وَائِلٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِى أَرْضٍ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّ هَذَا افْتَرَى عَلَى أَرْضِى يَا رَسُولَ اللهِ فِى الْجَاهِلِيَّةِ - وَهُوَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِىُّ، وَخَصْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عِبْدَانَ - قَالَ: " بَيِّنَتُكَ " قَالَ: لَيْسَ لِى بَيِّنَةٌ. قَالَ: " يَمِيِنُهُ ". قَالَ: إِذَنْ يَذْهَبُ بِهَا. قَالَ: " لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَاكَ ". قَالَ: فَلَمَّا قَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعجيز الحاكم للطالب إذا قام بذلك المطلوب والحكم به للمطلوب، إلا فيما كان من حقوق الله، كالطلاق والعتاق والنَّسب والأحباس وطرق العامة وشبهها، مما ليس يختص منفعته بالقائم فيه وحده وتعلق فيه حق الله، والقول الآخر: أن الطالب لا يعجز فى شىء ولا يحكم للمطلوب والطالب على حقه أبداً متى قامت له حجة إلا إن أثبت المدعى عليه ما يدفعه به، ويعجزُ عن حَلّه، فيحكم عليه للمدَّعى عليه، إلا فيما كان من حقوق الله - كما تقدَّم. ويعضد القول الأول قول عمر - رضى الله عنه - فى رسالته لأبى موسى التى هى عماد السيرة وعروة القضاء: " اجعل للمُدَّعى أجلاً ينتهى إليه، فإن أحضر بيّنةً أخذ بحقه، وإلا وجهت عليه القضاء " (¬1). وقوله: " انتزى على أرضى ": أى أخذها، وأصل النزْو: الوثب، ثم كثر استعمالهم له فى كل ما أشبهه. فاستعملوه فى الجماع، فقالوا: نزى الفحلُ على الأنثى، واستعملوه فى كل من حَصَل على أمرٍ من سلطان أو خرج عليه - ونحو هذا. وذكر الحديث الآخر عن وائل بن حُجر بمعناه، وسمى فيه الكندى امرأ القيس بن عابس، بياء واحدة وسين مهملة، وصاحبه ربيعةُ بن عَيْدَانَ - بفتح العين المهملة وياء باثنتين تحتها هذا هو صوابه، واختلفت الرواية فيه فى الأم، فقال زهير: ربيعة بن عبدان، بكسر العين وباء بواحدة، وقال ابن راهويه: عيْدان على الصواب - كما تقدم. كذا ضبطناه فى الحرفين عن شيوخنا - رحمهم الله - ووقع عند ابن الحذَّاء عكس ما ضبطناه، فقال فى رواية: زهير عيدان - بالفتح والياء باثنتين، وفى رواية إسحاق بن ¬

_ = بمن يزكى بينته أو بيّنة عدله، فأصل ابن القاسم أنها تقبل، وقال مطرّف: لا تقبل. الأبى 1/ 243. (¬1) لفظ الخطاب كما جاء فى أعلام الموقعين: " ومن ادَّعى حقاً غائباً أو بيِّنة فاضرب له أمداً ينتهى إليه، فإن بينه أعطيته بحقِه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ فى العذر وأجلى للعماء " 1/ 86.

لِيَحْلِفَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا، لَقِىَ اللهَ وَهُوْ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ". قَالَ إِسْحَاقُ فِى رِوَايَتِهِ: رَبِيعَةُ بْنُ عَيْدَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ راهويه عبدان، بالكسر والباء بواحدة. قال الجيانى: وكذا فى الأصل عن الجلودى، والذى صوبناه أولاً هو قول الدارقطنى، وكذا قيده هو وأبو نصر بن ماكولا فى المؤتلف وابن يونس فى التاريخ، وكذا قاله عبد الغنى بن سعيد قال: ويقال فيه: عيدان (¬1). وقوله: " شاهداك أو يمينه ": مما يحتج به الحنفى فى ترك العمل بالشاهد واليمين، إذ لم يجعل وساطة (¬2) بينهما فى اقتطاع الحقوق وحصرها فى هذا الحديث بهذين الطريقين، والحديث الآخر يَرُدَّ عليهم ويُفسّرُ مجملَه، وهو قضاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشاهد واليمين، وعمل الخلفاء بذلك بعده وقضاؤهم به. وسيأتى الكلام عليه فى موضعه وارتفع " شاهداك " بفعل مضمَر، قال سيبوبه: معنى الكلام ما أثبت شاهداك (¬3). ¬

_ (¬1) عبارة عبد الغنى كما نقلها صاحب الإكمال: ويقال: عبدان، بكسر العين وبالباء المعجمة بواحدة. وربيعة بن عيدان بن ربيعة الكبير بن عيدان بن مالك بن زيد بر ربيعة الحضرمى، من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد فتح مصر، ليست له رواية نعلمها. قال ابن ماكولا: قال ذلك ابن يونس. الإكمال 6/ 99، وانظر: الإصابة 2/ 471، ولم يرد له ذكر فى الاستيعاب. (¬2) فى ت: واسطة. (¬3) الكتاب 1/ 141.

(62) باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم فى حقه، وإن قتل كان فى النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد

(62) باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم فى حقه، وإن قتل كان فى النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد 225 - (140) حدّثنى أَبو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ مَخْلَدٍ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: جَاء رَجُلٌ إِلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِى؟ قال: " فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ " قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلنِى؟ قَالَ: " قَاتِلْهُ " قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى؟ قَالَ: " فَأَنْتَ شَهِيدٌ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: " هُوَ فِى النَّارِ ". 226 - (141) حدّثنى الْحَسَنُ بْنَ عَلِىِّ الْحُلْوَانِىُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمُحَمَّدُ ابْن رَافِعٍ، وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ؛ أَنَّ ثَابِتاً مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو وَبَيْنَ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ مَا كَانَ، تَيَسَّرُوا لِلقِتَالِ، فَرَكِبَ خَالِدُ بْنُ الْعَاصِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو، فَوَعَظَهُ خَالِدٌ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بن عَمْرو: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهَ فَهُوَ شَهِيدٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قُتِلَ دون مالِه فهو شهيد "، وقوله: " لا تعطه مالك، فقال: إن قاتلنى، قال. قاتله .. " الحديث: أصل الشهادة التبيين، ومنه قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (¬1) أى بين، وسمى الشاهد لأن من شهادته تبين الحكم. قال النضر بن شُمَيْل: سُمِّى الشهيدُ شهيداً بمعنى أنه حىّ، تأوَّل قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّه} الآية (¬2) كأن أرواحهم أحضرت دار السلام وغيرهم لا يشهدها إلا يوم القيامة، وقال ابن الأنبارى: سُمِّى بذلك لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، فشهيد على هذا بمعنى مشهود له، وقيل: سمّى بذلك لأنه يشهد مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة على الأمم المتقدمة، قال الله عز وجل: {لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس} (¬3)، وقد جاء هذا جماعة ¬

_ (¬1) آل عمران: 18. (¬2) آل عمران: 169. (¬3) البقرة: 143.

وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين (¬1)، ويحتمل أن يكون شهد عند موته ماله عند الله من النجاة والثواب والبشرى وحقق ذلك كما قال: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} (¬2). وقوله: " لا تعطه مالك " وأمره بقتاله إن قاتله، دليل على جواز قتاله (¬3) وإن طلب المال، أو على وجوبه بكل حال. قال ابن المنذر: عوامُ العلماء على جواز قتال المحارب على كل وجه، ومُدافعته عن المال والأهل والنفس. واختلف المذهب عندنا إذا طلب الشىء الخفيف - الثوب والطعام - هل يُعطاه (¬4) أو يقاتل (¬5) دونه؟ وهو مبنى على الخلاف فى أصل المسألة؛ هل قتالهم مأمور به لأنه تغيير منكر لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قاتله " أو هو مباح غير مأمور به؟. وكذلك الخلاف فى أصل مسألة الدعوة [بعد العلم مما يُدعَى إليه] (¬6). وفيه دليل على أنه لا ديَة فى قتل المحاربين ولا قود؛ لأنه إذا كان مقتوله شهيداً وأمر بقتاله، وأخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه إن قُتل فى النار، فما يأمر الشرع به لا يُعقّبُ على فاعله [بعد] (¬7) ولا تباعة فى دنيا ولا آخرة. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن كثير فى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شَهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]: " يقول تعالى: إنَّما حَوَّلناكم إلى قبلة إبراهيم - عليه السلام - واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل ". قال: " والوسط هاهنا الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا، أى أشرفهم نسباً ". تفسير القرآن العظيم 1/ 275. (¬2) آل عمران: 170. (¬3) يعنى بالجواز: الأعم من الواجب والمندوب؛ لأن مالكاً جعل جهادهم جهاداً وأقلَّ أمره الندب لا الجواز الأخص المرادف للإباحة، وكذلك يعنى بالإباحة أنها الجواز الأعم. والقول بمنع إعطائهم الشىء الخفيف هو مشهور مذهب مالك. والآخر وهو الإعطاء لسحنون. إكمال 1/ 246. (¬4) فى ت: يعطوه. وهو قول سحنون كما مر. (¬5) كتب فى الأصل مرتين؛ مرة: يقاتلوه، ومرة فوقها: يقاتل، وفى ت: يقاتلوا وهذا مشهور مذهب مالك كما ذكرنا. (¬6) فى الأصل: للعلم مما يُدعى. (¬7) ساقطة: من ق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما ما ذكر فى الحديث مما كان بين عبد الله بن عمرو وعنبسة بن أبى سفيان (¬1). ¬

_ (¬1) كتب بعدها بالهامش فى ت ما يلى: " مناظرة هاهنا بياض فى أصل المؤلف رحمه الله " 72/ أ. وعنبسة بن أبى سفيان بن حرب، أخو معاوية، وكان عاملاً له على مكة والطائف، ذكره ابن منده، وقال: أدرك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تصح له صحبة ولا رؤية. قال الحافظ فى الإصابة: " إذا أدرك الزمن النبوى حصلت له الرؤية لا محالة، ولو من أحد الجانبين، ولا سيما مع كونه من أصهار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أخته أم حبيبة أم المؤمنين، وقد اجتمع الجميع بمكة فى حجة الوداع ". الإصابة 5/ 69، وانظر: أسد الغابة 4/ 304 وما كان بينه وبين عبد الله بن عمرو قد فصله الطبرى فيما رواه عن حيوة قال: إن عاملاً لمعاوية أجرى عيناً من ماء ليسقى بها أرضاً، فدنا من حائط لآل عمرو بن العاص، فأراد أن يخرقه ليجرى العين منه إلى الأرض، فأقبل عبد الله بن عمرو ومر إليه بالسلاح، وقالوا: والله لا تخرقون حائطنا حتى لا يبقى منا أحدٌ. وذكر الحديث والعامل المذكور هو عنبسة هذا، والأرض المذكورة كانت بالطائف، وإنما فعل عبد الله ما فعل لما يدخل عليه من الضرر. ومعنى قوله: " تيسروا للقتال " أى: تأهبوا وتهيؤوا، وخالد المذكور هو عم عبد الله بن عمرو، وأخو عمرو بن العاص. و (دون) فيما ذكر القرطبى ظرف مكان بمعنى تحت، وتستعمل للسببية على المجاز، ووجهه: أن الذى يقاتل عن ماله غالباً إنما يجعله خلفه أو تحته، ثم يقاتل عليه، وفى رواية لأبى داود والترمذى: " من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد "، ولابن ماجه من حديث ابن عمر نحوه وروى الترمذى وبقية أصحاب السنن من حديث سعيد بن زيد نحوه، وفيه ذكر الأهل والدم والدين. وفى حديث أبى هريرة عند ابن ماجه: " من أريد ماله ظلماً فقتل فهو شهيد ". راجع: فتح الملهم 1/ 176.

(63) باب استحقاق الوالى الغاش لرعيته النار

(63) باب استحقاق الوالى الغاش لرعيته النار 227 - (142) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: عَادَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِىِّ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ. قَالَ مَعْقِلٌ: إِنِّى مُحَدِّثُكَ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِى حَيَاَةً مَا حَدَّثْتُكَ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ". 228 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زرَيْع، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ؛ قَالَ دَخَلَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَهُوَ وَجِعٌ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إنِّى مُحَدِّثُكَ حَدِيثاً لَمْ أَكُنْ حَدَّثْتكَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَسْتَرْعِى اللهُ عَبْداً رَعِيًّةً، يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا، إِلَّاحَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ". قَالَ: أَلَّا كُنْتَ حَدَّثْتَنِى هَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: مَا حَدَّثْتُكَ، أَوْ لَمْ أَكُنْ لأحَدِّثَكَ. 229 - (...) وحدّثنى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاء، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ - يَعْنِى الْجُعَفِىَّ - عَنْ زَائدَةَ، عَنْ هِشَامٍ؛ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: كُنَّا عِنْدَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ نَعُودُهُ، فَجَاء عُبَيْدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت وهو غاش لها إلا حَرَّم الله عليه الجنة " هذا الحديث [وما فى] (¬1) معناه، قد تقدم معنى تحريم الجنة والتأويل فى مثله، ومعناه بَيّن فى التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله شيئاً من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه خليفة لمصلحتهم، وجعله واسطة بينه وبينهم فى تدبير أمورهم فى دينهم ودنياهم. فإذا خان فيما اؤتمن عليه ولم ينصح فيما قُلِّده واستخلف عليه إما بتضييع لتعريفهم ما يلزمُهم من دينهم وأخذهم به والقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لكل مُتَصَد لإدخال داخِلَةٍ فيها، أو تحريف لمعانيها، أو إهمال حدودهم، أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حوذتهم ومجاهدة عدوهم، أو ترك سيرة العدل فيهم - فقد غشهم. وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ذلك من كبائر الذنوب الموبقة المبعدة عن الجنة إذا دخلها السابقون والمقربون، إن أنفذ الله عليه وعيده الموجب لعذابه [بالنار] (¬2)، أو إيقافه بالبرزخ ¬

_ (¬1) فى الأصل كتبت: ما وفى، ثم وضع على الواو حركة تحويل. (¬2) ساقطة من ق.

زِيَادٍ. فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّى سَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيَثِهِمَا. (...) وحدّثنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ؛ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِى مَرَضِهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّى مُحَدِّثُكَ بَحَدِيثٍ لَوْلاَ أَنِّى فِى الْمَوْتِ لَمْ أُحَدِّثْكَ بِهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِىَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يجْهدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والأعراف المدة التى يشاء الله تعالى، أو يحرم الجنة رأساً إن فعل. ذلك مستحلاً. وقول معقل لعبيد الله بن زياد: " لولا أَنى فى الموت لم أَحدثك به ": إما لأنه علم قبل أنه ممن لا ينفعه العظات (¬1)، كما ظهر منه مع غيره، ثم خرج آخِراً من كتمه الحديث ورأى تبليغه لأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بالبلاغ، أو لأنه خافه من ذكره مدة حياته لما يُهيج عليه ذكر هذا الحديث ويثبته فى قلوب الناس من سوء حاله. ¬

_ (¬1) التوجيه: بأنه لا يتعظ لا يتوجه - كما ذكر الأبى - لأنه ليس من شرط التغيير غلبة الظن بأن المغير عليه ينزجر، قال: فالصواب التوجيه بأنه خافه، فإن التغيير إنما هو ما لم يؤد إلى مفسدة أشد، ثم لما أمن شرَّه عند الموت غيَّر عليه بذكره الحديث له، لا أنه إنما حدَّث تحرجًا من كتم العلم؛ لأنه لو تحرج من ذلك حدَّث غيره. الإكمال 1/ 247.

(64) باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب

(64) باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب 230 - (143) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُريْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظَرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: " أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِى جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مَنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ ". ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ قَالَ: " يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مَنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُها مِثْلَ الْوَكْتِ. ثُمْ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقَبضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَل أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلَ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رجْلِكَ، فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا، وَلَيْسَ فِيهِ شَىْء - ثُمَّ أَخَذَ حَصى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ - فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِى بَنِى فُلانٍ رَجُلاً أَمِينًا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ، مَا أَظْرَفَهُ، مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال " الحديث، قال الإمام: قال الهروى فى باب الجيم والذال المعجمة: قال أبو عُبيد: الجذرُ: الأصل من كل شىء (¬1). وقال ابن الأعرابى: الجذر: أصل حساب ونسب وأصل شجرة. قال القاضى: مذهب الأصمعى فى هذا الحرف فتح الجيم وأبو عمرو يكسرها. وقوله: " فيظَلُّ أثرها مثل الوكت ": قال الإمام: قال الهروى (¬2): الوكت: الأثرُ اليسيرُ، ويقالُ للبُسْر إذا وقعت فيه نكتة من أرطاب: قد وَكَت. قال القاضى: قال صاحب العين: الوَكتُ، بفتح الواو، نُكْتَةٌ فى العين، وعينٌ موكوتةُ والوَكْتُ سوادُ اللون. قال أبو عبيد: هو اليسير منه، ويقال: [قد] (¬3) وَكَتَ البَسْرُ وَالزَّهوُ إذا ظهرت فيه نكتة من الأرطاب من جانبها، وبُسْرةٌ مُوَكَّتَة، فإذا كانت من طرفها فهى مذنبة. وقوله: " مثل المجل "، بفتح الميم، قال الإمام: [والمجل] (¬4): هو أن يكون بين ¬

_ (¬1) غريب الحديث 4/ 118، قال: وقال أبو عمرو: هو الجذر - بالكسر - والأصمعى يقول: هو بالفتح. (¬2) عبارة الهروى: الوكتُ هو أثر الشىء اليسير منه، قال الأصمعى: يقال للبسر إذا بدا فيه الإرطاب: بُسرٌ مُوَكَّت. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) من المعلم.

وَلَقَدْ أَتَى عَلَىَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِى أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيرُدَّنَّهُ عَلَىَّ دِينُهُ، وَلَئِنْ كَانَ نَصْرانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَىَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لأبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَاناً. وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عِيسَى ابْنُ يُونُسَ، جَمِيعاً عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجلد واللحم ماءٌ، يقال: مَجَلتْ يده تَمجَل مَجْلاً ومَجلتْ تمجُلُ مَجْلاً. قال غيره: وذلك إذا تنقطتْ من العمل (¬1) و [أما] (¬2) قوله: [منتَبِراً] (¬3) فمعناه: مرتفعاً، وأصل هذه اللفظة من الارتفاع، ومنه: انتبر الأميرُ إذا صعد على المنبر، وبه سُمِى [المنبرُ] (¬4) منبراً لارتفاعه، ونَبَر الجرُح أى ورم، والنَّبْرُ: نوع من الذباب يلسع الإبل فيرم مكان لسعه، ومنه سمى الهمزُ نبراً يكون الصوت على حال من الارتفاع لا يوجد فى غير هذا الحرف، وكل شىء ارتفع فقد نَبَرَ. وقال أبو عبيد: منتبراً: منتفطاً (¬5). وقوله: " ما أبالى أيَّكم بايعت "، قال القاضى: حمله بعضهم على بيعة الخلافة ويَرد تأويله. قوله: " لئن كان يهودياً أو نصرانياً ليرُدّه علىَّ ساعيه " يعنى: عامله؛ ولأنه - أيضاً - لا تجوز مبايعةُ اليهودى والنصرانى للخلافة ولا كل مُسلم، والصواب: أن مُراده البيع والشراء. أراد أن الأمانة قد ذهبت من الناس فلا يؤتمن اليوم على البيع والشراء إلا القليل لعدم الأمانة (¬6). ¬

_ (¬1) قال الهروى: وأما المجلُ: هو أثر العمل فى الكف يعالج بها الإنسان الشىء حتى يغلظ جلدها، يقال منه: مَجَلت يده ومَجِلَتْ. لغتان. (¬2) من المعلم. (¬3) فى نسخ الإكمال جاءت هكذا: فنفط فتراه منتبراً، والمثبت من المعلم إذ هو الأدق، وذلك لرفع الالتباس مع غيرها. (¬4) من المعلم. (¬5) فى الإكمال: متنفطاً، وهو الموافق للفظ الهروى، حيث قال: وأما المنتبر فالمتنفط. وقوله: سمى المنبر منبراً، نسبه شبير أحمد للعينى، وذلك لأنه نقله ولم يعزه 1/ 178. (¬6) انظر: غريب الحديث للهروى 4/ 119. والمراد بالأمانة على المختار ما يصح به تكليف الإنسان بالإيمان والإيمانيات، وهى الصلاحية الفطريةُ التى بها يستعد العبد لقبول الطاعات والاحتراز عن المعاصى، وهذه الأمانة المودعة فى قلوب بنى آدم بالنسبة إلى الإيمان الشرعى بمنزلة تخوم الزروع وحبوب الأشجار المودعة فى بطن الأرض، وأما القرآن والسنة فمثلُهما كمثل الغيث النازل من السماء، فالأرض الطيبة إذا أصابها هذا الغيث يخرج نباتُها بإذن ربها، والتى خبثت لا تخرج إلا نكداً، بل ربما تضع التخوم أيضاً. ذكره شبير أحمد، قال: وقوله فى جذور الرجال: أى أن الأمانة أول ما نزلت فى قلوب رجال الله واستولت عليها، فكانت هى الباعثة على الأخذ بالكتاب والسنة. وقوله: " ثم نزل القرآن ": يعنى كان فى طباعهم الأمانة بحسب الفطرة التى فطر الناس عليها، ووردت الشريعة بذلك، فاجتمع الطبع والشرع فى حفظها. فتح الملهم 1/ 178. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ =وقوله: " ثم حدثنا عن رفع الأمانة ": هذا هو الحديث الثانى الذى ذكر حذيفة أنه ينتظره - لأن روايته فى غير الأمانة كثيرة - وهو رفع الأمانة أصلاً حتى لا يبقى من يوصف بالأمانة إلا النادر. قال شبير: ولا يعكر على ذلك ما ذكره فى آخر الحديث مما يدل على قلة من ينسب للأمانة، فإن ذلك بالنسبة إلى حال الأولين، فالذين أشار إليهم بقوله: " ما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً " هو من أهل العصر الأخير الذى أدركه، والأمانة فيهم بالنسبة إلى العصر الأول أقل، وأمَّا الذى ينتظره فإنه حيث تفقد الأمانة من الجميع إلا النادر. وحاصل الخبر: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنذر برفع الأمانة وأن الموصوف بالأمانة يسلبها حتى يصير خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع على ما هو مشاهد لمن خالط أهل الخيانة، فإنه يصير خائناً؛ لأن القرين يقتدى بقرينه. السابق. ورفع الأمانه يحتمل أنه على الحقيقة، وهو عدم بقائها، ويحتمل أن المراد رفع أهلها كحديث: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء ". قال الأبى: ورفعها إنما هو باعتبار الأكثر، لقوله: " إلا فلاناً وفلاناً " يعنى بذلك أفراداً من الناس. قال: ثم مقالته هذه إنما كانت - والله أعلم - وهو بالمدائن، إذ كان عثمان - رضى الله عنه - ولاه على المدائن، وقتل عثمان - رضى الله عنه - وهو عليها، وبايع لعلى وحرَّض على المبايعة والقيام فى نصره، ومات - رضى الله عنه - فى أوائل خلافته، فلم يقل حذيفة ما قال وهو بالمدينة، لكثرة من بها حينئذ من الصحابة والتابعين. الإكمال 1/ 248. وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ينام الرجلُ النومة " وهو كناية عن الغفلة الموجبة لارتكاب السيئة الباعثة على نقص الأمانة ونقص الإيمان. فإن قلنا: إن النوم على حقيقته، فإن المذكور بعده أمر اضطرارى، فيكون ما قبله هو السبب له. وقبض الأمانة: يعنى قبض بعضها؛ بدليل ما بعده، والمعنى: يقبض بعض ثمرة الإيمان. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كجمر دحرجته على رجلك ": أى تأثير ما بقى من الأمانة عده كتأثير جمر فيخيل للرائى أن الرجل ذو أمانة وهو فى ذلك بمثابة نقطة تراها منتقطة مرتفعة كبيرة، لا طائل تحتها، وليس فيها شىء صالح، بل ماء فاسد. قال العينى: " حاصله أن القلب يخلو عن الأمانة بأن تزول عنه شيئاً فشيئاً، فإذا زال جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وإذا زال شىء آخر منه صار كالمجل، وهو أثر محكم، لا يكاد يزول إلا بعد مدة، ثم شبَّه زوال ذلك النور بعد ثبوته فى القلب وخروجه منه واعتقابه إياه بجمر تدحرجه على رجلك حتى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر ويبقى التنفط " عمدة القارى 23/ 85. وقوله: " حتى يقال: إن فى بنى فلان ": أى من غاية قلة الأمانة فى الناس. وقوله: " حتى يقال للرجل ": أى من أرباب الدنيا ممن له عقلٌ وتحصيل المال والجاه وطبع فى الشعر والنثر، وفصاحة وبلاغة، وقوة بدنية، وشجاعة، وشوكة. وحاصل قول الناس فيه: " ما أجلده ما أظرفه " أنهم يمدحونه بكثرة الجلادة والظرافة والعقل، ويتعجبون منه، ولا يمدحون أحداً بكثرة العلم النافع والعمل الصالح. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما فى قلبه مثقال حبة ": حال من الرجل، و " من " فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من خردل " بيانية، أى هى خردل. ومعنى قوله: " وما أبالى أيكم بايعت ": أى أنه لوثوقه سلفاً بوجود الأمانة فى الناس كان يقدم على مبايعة من أتفق من غير بحث عن حاله، فلما بدا التغير فى الناس، وظهرت الخيانة صار لا يبايع إلا من يعرف حاله. وقوله: " لئن كان مسلماً ": جوابٌ عن إيراد مقدرٌ، كأنَّ قائلاً قال له: لم تزل الخيانة موجودة، فأجاب بإنه كان كان الأمر كذلك، لكنه كان يثق بالمؤمن لذاته، وبالكافر لوجود ساعيه وهو الحاكم الذى يحكم عليه، وكانوا لا يستعملون فى كل عمل قلَّ أو جَلَّ إلا المسلم، فكان واثقاً بإنصافه وتخليص حقه من الكافر إن خانه، بخلاف الوقت الأخير الذى أشار إليه، فإنه صار لا يبايع إلا أفراداً من أناس يثق بهم. فتح الملهم 1/ 178.

(65) باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا وإنه يأرز بين المسجدين

(65) باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا وإنه يأرز بين المسجدين 231 - (144) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ - يَعْنِى سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ - عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِى، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ. فَقَالَ لَعَلَّكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فتنة الرجل فى أهله وجاره "، وقوله: " تكفرها الصلاة ... " الحديث. أصل الفتنة فى كلام العرب: الابتلاء والامتحان والاختبار، ثم صارت فى عرف الكلام لكل أمر كشفه الاختبارُ عن سوء. قال أبو زيد: فُتن الرجلُ يُفْتَنُ فتوناً إذا وقع فى الفتنة وتحول عن حال حسَنةٍ إلى سيئةٍ، وفتنة الرجل فى أهله وماله وولده صرفه (¬1) من فرط محبته لهم وشُحِّه عليهم وشغله بهم عن كثير من الخير، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة} (¬2)، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الولدُ مجبنةٌ مبخلةٌ " (¬3)، أو لتفريطه فى القيام بما يلزم من حقوقهم ومن تأديبهم وتعليمهم كما قال: " والرجل راع على أهله، وكلكم مسؤول عن رعيته " (¬4) وكذلك فتنته فى جاره من هذا، فهذه كلها فتن تقتضى المحاسبة، ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} (¬5). قوله: " أجل " بمعنى: نعم. وقوله: " التى تموج كموج البحر ": أى تضطرب ويدفع بعضها بعضاً كموج البحر، وكل شىء اضطرب فقد ماج، ومنه قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا ¬

_ (¬1) فى ت وق: ضروب، وهكذا أثبتها الأبى والسنوسى. إكمال 1/ 250، وبهامشه مكمل الإكمال 1/ 250. (¬2) التغابن: 15. (¬3) الحديث لفظ الحاكم وابن عساكر عن الأسود بن خلف، وفيه: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ حسناً فقبله، ثم أقبل عليهم فقال: " إن الولد مجبنةٌ مبخلةٌ "، وأحسبه قال: " مجهلة " والحديث أخرجه ابن ماجه عن عبد الله ابن سلام بلفظ: " الولد مبخلةٌ مجبنة "، كما أخرجه أبو يعلى والبزار عن أبى سعيد بلفظ: " الولدُ ثمرةُ القلب، وإنه مبخلةٌ مجبنةٌ محزنة ". راجع: كشف الخفا 2/ 470. (¬4) البخارى فى صحيحه فى أكثر من موضع، فقد أخرجه فى ك الجمعة، ب الجمعة فى القرى والمدن عن ابن عمر 2/ 6، وفى العتق، ب كراهية التطاول على الرقيق عن عبد الله بن مسعود 3/ 196، وفى الوصايا، ب تأويل قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة} 4/ 6، وفى الأحكام عن ابن عمر 9/ 77، كما أخرجه أبو داود فى الخراج، والترمذى فى الجهاد، ب ما جاء فى الإمام عن ابن عمر كذلك 4/ 180، وأحمد فى المسند 3/ 5، 54، 111، 121، والبيهقى فى السنن 6/ 287، 7/ 291، 8/ 16 إلخ. (¬5) هود: 115.

تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِى أهْلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ. قَالَ: تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ، وَلكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ التِى تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْض} (¬1). وقوله: " فأسْكَتَ (¬2) القومُ "، قال الإمام: قال الأصمعى: سكت القوم بمعنى صمتوا وأسْكتوا بمعنى أطرقوا. قال أبو على البغدادى وغيره: سكَت وأسْكت بمعنى صمتَ. قال الهروى: ويكون سكت فى غير هذا بمعنى سَكَنَ ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَب} (¬3) ويكون سكت بمعنى انقطع، حكى عن العرب: جرى الوادى ثلاثاً ثم سكت، أى انقطع، ويقال: هو السكوت والسُّكاتُ، وسَكَتَ يسْكُتُ سكْتاً وسكوتاً وسكاتا. وقوله: " تعرض الفِتَن على القلوب عرض الحصير عوداً عوداً ": قال القاضى: كذا روينا هذا الحرف عن القاضى الشهيد، بفتح العين والذال المعجمة فى الأمّ، وضبطناه على ابن العاصى وغيره [عُودًا] (¬4)، بضم العين ودال مهملة، ووقع عند بعضهم عوْداً عَوْدًا، بفتح العين وبالدال المهملة أيضاً، وهو اختيار شيخنا أبو الحسين بن سراج من جميع وجوه رواياته، قال لى: ومعنى تُعرض: أى كأنها تلصق، بعرض القلوب، أى جانبها، كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه بشدة لصقها به. قال: وقولة: عَوْداً عوداً: أى تعاد وتكرر عليه شيئاً بعد شىء. قال: ومن رواه بالذال المعجمة فمعناه: سؤال الإعاذة، كما يقال: غفراً غفراً وغفرانك، وبذلك انتصب، أى نسألك أن تُعيذَنا من ذلك وأن تغفر لنا. وأما غيره - ممن باحثناه من شيوخنا وكاشفناه عن هذا وهو الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان (¬5) - فقال: معناه: تعرض على القلوب أى تُظْهَرُ لها فتنةٌ بعد أخرى وقوله كالحصير، أى كما ينسج الحصير عوداً [عوداً] (¬6) [وشطبة] (¬7) بعد أخرى، وعلى هذا تترجح رواية ضم العين وذلك أن ناسج الحصير عند العرب يحتاج إلى مُنَقّ القضبان لأخذ ¬

_ (¬1) الكهف: 99. وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة، وقد أخرج ابن أبى شيبة من وجه آخر عن حذيفة قال: " لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة ما اشتبه عليك الحق والباطل ". فتح 13/ 212، وانظر: فتح الملهم 1/ 179. (¬2) فى الإكمال: فأسكته. (¬3) الأعراف: 154. (¬4) ساقطة من ق. (¬5) وهو الذى قرأ عليه كتاب إصلاح المنطق ليعقوب بن السكّيت، وحدثه به عن خاله عن أبى عمر السهمى وأبى سليمان داود على الخولانى، كما ذكر القاضى فى الغنية: 60. (¬6) من ق. (¬7) ساقطة من أصل النسختين، واستدركات فيهما بالهامش بسهم، وضبطت فى النووى ط. الشعب: شظية، وكذا قيدها صاحب فتح الملهم. جاء فى اللسان: والشظية: شقة من خشب أو قصب، وكل فلقة من شىء شظية.

فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ. فَقَلتُ: أَنَا. قَالَ: أَنْتَ، للهِ أَبُوك! قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُوداً عُوداً، فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشطب وهو قشورها ولحاؤها التى تصنع منه وينصلح لها، ثم يسكنها الناسج الحصير، ويرضها واحداً واحداً، كلما صنع واحدة ونسجها ناوله أخرى. قال الشاعر: تدرَّع خرصانٌ بأيدى الشوا ... طب [فى نثرها تدق جماع] (¬1) والخرصان: القضبان، فشَبَّه عرض الفتن على القلوب واحدةً بعد أخرى بعرض شَطبِ الحصير على صانعيها، قضيباً قضيباً وشَطْبةً شطبة، وهو معنى قوله: عوداً عوداً، وهكذا معنى الحديث عندى، وهو الذى يدل عليه سياق لفظه وصحة تشبيهه. وقال الهروى: معناه: أنها تحيط بالقلوب، وقال: حصر به القوم: أى (¬2) أطافوا به، وقال الليث: حصير الجنب عرق يمتدُّ معترضاً على جنب الدابة إلى ناحية بطنها، شبهها به. قال: وقيل: إنه أراد عرض السجن، والحصير: السجن، قال الله تعالى (¬3): {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} (¬4) ومراده: عرض أهل السّجن على قيّمه. وقوله: " فأىُّ قلب أشربها ": أى حلَّت فيه محل الشراب كقوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} (¬5): أى حُب العجل. وقوله: " نكتت ": أى نقطت، قال ابن دريد: كل نقط فى شىء بخلاف لونه فهو نكت (¬6). وقوله: " على قلبين أبيض مثل الصفا ": ليس تشبيههُ بالصفا لما تقدم من بياضه، لكن أخذ فى وصف آخر من شدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل وأن الفتن (¬7) لم تلصق به، ولم تؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملسُ الذى لا يعلق به شىء، بخلاف الآخر الذى شبَّهه بالكوز الخاوى الفارغ من الإيمان، كما قيل فى قوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} (¬8) قيل: لا تعى خيراً. وقوله: " والآخر أسودُ مُرْباد كالكوز مجخياً "، قال الإمام: وقع تفسير ذلك فى ¬

_ (¬1) من ق. (¬2) فى ت: إذا. (¬3) فى ق: الله عز وجل. (¬4) الإسراء: 8. (¬5) البقرة: 93. والإشراب هو خلط لون بلون، كأنَّ أحد اللونين شرب الآخر وكسى لوناً آخر. وعلى ذلك فمعنى قوله: " أشرب فى قلبه حبه ": أى خالطه، راجع: مرقاة المفاتيح 10/ 110. (¬6) قال فى المرقاة: وأصل النكت ضرب الأرض بقضيب فيؤثر فيها. (¬7) والمراد بالفتن هنا: إما البلايا والمحن، أو العقائد الفاسدة والأهواء الباطلة، وقالوا فى ضابطها: كل ما يشغل صاحبه عن الله تعالى. مرقاة، فتح الملهم. (¬8) إبراهيم: 43.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب مسلم، قال أبو خالد: قلت لسعد بن طارق: ما الأسود المُرْبادُ؟ قال: شدةُ البياض فى سواد. قلت: ما معنى مجخياً؟ قال: منكوساً. قال الهروى: المجخِّى المائل، وجخّى إذا فتح عَضُديه فى السجود، وكذلك جخَّ. قال شُمر: جخَّى فى صلاته إذا رفع بطنه عن الأرض فى السجود، وكذلك خوَّى، قال غيره: جخَّى وخوَّى إذا جلس مُستوفِزاً فى الغائط. قال القاضى: ما وقع من التفسير فى الأم مما ذكره مسلم فى بعضه تلفيف (¬1) وفى بعضه تصحيف (¬2)، قال لى ابن سراج: ليس قوله كالكوز مجخّياً شبيهٌ لما تقدم من سواده، لكنه أخذ فى وصف آخر من صفاته من أنه قُلِبَ ونُكّسَ حتى لا يَعلَقَ به خير ولا حكمة ومَثَّلَهُ بالكوز المجخَّى، يبينه قوله: لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. وقال أبو عبيد: المجخَّى: المايل، ولا أحسبه أراد بميله إلا أنه منخرق الأسفل، شُبّه به القلبُ الذى لا يعى خيراً كما لا يثبت الماء فى الكوز المنخرق (¬3). قال القاضى: إذا كان مقلوباً منكوساً لم يثبت فيه شىء وإن لم يكن منخرقاً. وأما قوله: فى المُرْباد شدةُ البياض فى السواد، فإن بعض شيوخنا كان يقول: إنه تصحيف، وهو قول [القاضى] (¬4) إلى الوليد الكنانى، قال: أرى صوابه شبه البياض فى سواد، وذلك أن شدة البياض فى السَّواد (¬5) لا يُسمى رُبْدَةً وإنما يقال لهذا: أبلق إذا كان فى الجسم وجُوِّز إذا كان فى العين، والرُّبدَةُ إنما هو شىء من بياض يسير يخالطُ السواد كلون أكثر النعام، ومنه قيل للنعامة: رَبْداءُ، فصوابه شِبْه البياض لا شدة البياض فيوافق تفسير مرباد. قال أبو عبيد عن أبى عمرو وغيره: الرُّبْدَةُ: لونٌ بين السواد والغُبْرة، وقال ابن دُريد: الرُبْدةُ: لونٌ أكدرُ. قال غيرُه: الرُّبْدة: أن يختلط السواد بكُدْرة. قال الحربى: الرُّبْدَةُ: لون النعام بعضه أسود وبعضه أبيض، ومنه أربد لونُه إذا تغير ودخله سواد، وإنما سُمى النعام أرْبَد لأن أعالى ريشه إلى السواد، وقال نفطوَيْه: المُرْبَدّ: المُلمَّع بسواد وبياض ومنه تَرَبَّدَ لونُه، أى تلون فصار كلون الرماد، وهذا - أيضاً - تفسير قول الحربى، وكذا روينا قوله مُربئد، بالهمز، عن أكثر شيوخنا عن العذرى، وكذا ذكره الحربى وأصله ألا يُهْمَز ويكون مُرْبَدّ مثل مُسْود ومُحْمَر، وكذا ذكره أبو عبيد والهروى وصححه بعض شيوخنا عن أبى مروان بن سراج؛ لأنه من أربَدَّ إلا على لغة من قال: احمارّا لالتقاء الساكنين، فيقال: أرباد ومُرْبيد، وروايتنا فيه عن الأسدى عن السمرقندى وعن الخشنى عن الطبرى، وهى رواية ابن سعيد - أيضاً - مُرْبادٌّ، بألف غير مهموز، قال الحربى: يقال: اصفرَّ واحمَّر واخضَرَّ وابيَضَّ واسوَدَّ، هذه الخمسة بغير ألف وما سواها بألف مثل: ادْكانَّ واشهابَّ واصهابَّ، فعلى هذا لا يقال إلا اربَادَّ (¬6). وقال أبو عُبيد: مُرْبَدّ مثل مُحمر ومُصفَر ومبيضٌّ، وفى حديث بيع الثمرة ¬

_ (¬1) و (¬2) اللفلفة فى الكلام: ثقلٌ وعىٌّ مع ضعف، والتصحيف هو: الخطأ فى القراءة عن الصحف. لسان. (¬3) غريب الحديث 4/ 122. وابن سراج سبق بالمقدمة. (¬4) من ق. (¬5) راجع: المقدمة، قسم الدراسة. (¬6) فهو على ذلك حالٌ أو منصوب على الذمّ.

حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أسْوَدُ مُرْبَادًّا، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًّا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ". قَالَ حُذَيْفَةُ: وَحَدَّثْتُهُ؛ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَاباً مُغْلَقاً يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ. قَالَ عُمَرُ: أَكَسْرًا، لَا أَبَالَكَ؛ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ. قُلْتُ: لَا. بَلْ يُكْسَرُ، وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ، حَدِيثاً لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. قَالَ أَبُو خَالِدٍ: فَقُلْتُ لِسَعْدٍ: يَا أَبا مَالِكٍ، مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا؟ قَالَ: شِدَّةُ الْبَيَاض فِى سَوَادٍ. قَالَ: قُلْتُ، فَمَا الْكُوزُ مُجخِّيًّا؟ قَالَ: مُنْكُوساً. (...) وحدّثنى ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوانُ الفَزارِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ، عَنْ رِبْعِىٍّ؛ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ حُذَيْفَةُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، جَلَسَ فَحَدَّثَنَا، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْس لَمَّا جَلَسْتُ إِلَيْهِ سَأَلَ أَصْحَابَهُ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْفِتَنِ؟ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى خَالِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ أَبِى مَالِكٍ لِقَوْلِهِ. " مُرْبَادًّا مُجَخِّياً ". (...) وحدَثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعَمْرُو بْنُ عَلِىّ، وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ " حتى تحمار وتصفار " (¬1) وقال بعضهم: يقال: احمرَّ الشىء، فإذا قوى قيل: احمارَّ، فإذا زاد (¬2) قيل: احمأرَّ. فعلى هذا تصوَّب جميع الروايات ويكون بعضها أبلغ من بعض (¬3). وقوله: " إن بينك وبينها باباً مغلقاً .. " [الحديث] (¬4) وذكر كسر الباب وفسَّره فى غير هذا الحديث أن الباب عمر، واستعظام عُمَرَ كسْره وخوفه منه؛ لأن الكسر لا يكون إلا عن إكراه وغلبَة، وخلاف عادةٍ، فكأن الباب المغلَقَ عن دخول الفتن على الإسلام عُمَرُ وكسرُهُ: قَتْلُهُ (¬5). ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى البيوع، وكذا أخرجه البخارى فى البيوع عن أنس بن مالك، ب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها 3/ 100، وكذا أبو داود فى البيوع، وأحمد فى المسند 3/ 220. (¬2) فى ق: زيد. (¬3) انظر: المفهم للقرطبى، فقد نقل هذا الكلام بكتابه بغير عزو 1/ 365، 366. (¬4) من ق. (¬5) قال ابن بطال: قول حذيفة: " إن بينك وبينها باباً مغلقاً " ولم يقل له: أنت الباب - وهو يعلم أنه الباب - فعرَّض له بما فهمه ولم يُصَرح، وذلك من حسن أدبه، وقد جاء فى الصحيح أن عمر كان عارفاً بذلك. فإن قيل: فلم شك فيه حتى سأل عنه؟ فالجواب: أن ذلك يقع مثله عند شدة الخوف، أو لعله خشى أن يكون نسى فسأل من يذكره، قال الحافظ فى الفتح: وهذا هو المعتمد. وراجع: فتح الملهم 1/ 180.

حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَنْ يُحدِّثُنَا، أَوْ قَالَ: أَيُّكُمْ يُحَدِّثَنَا - وَفِيهِمْ حُذَيْفَةُ - مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الْفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَة: أَنَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ كَنَحْوِ حَدِيثِ أَبِى مَالِكٍ عَنْ رِبْعِىٍّ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: حَدّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بَالأَغَالِيطِ. وَقَالَ: يَعْنِى أَنَّهُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 232 - (145) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِىِّ، قَالَ ابْنُ عَبَّادٍ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِى ابْنَ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدأَ غَرِيباً، فَطُوبى لِلْغُرَبَاءِ ". (146) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ قَالَا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ليس بالأغاليط ": قال ابن دريد: المغاليط الكَلِمُ التى يُغالط بها، واحدها مُغْلَطة وأغلوطة وجمعها أغاليط. معناه: حدثته حديثاً صِدقا ليس فيه غلط لقائله ولا سامعه كما بيَّنَه قبْلُ بقوله: إن عمر كان يعلم مَن البابُ. يعنى: أنه كان عنده وعند عُمَر من قبل (¬1) النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس من رأيه وحديثه ولا من صحف الكتابيين حيث تتصور الأغاليط. وقال الداودى: معناه: ليس بالصغير الأمر ولا اليسير (¬2) الرزِئة. والصواب الأول (¬3). وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بدأ الإسلام غريباً وسيعودُ غريباً فطوبى للغرباء ": روى ابن أبى أويس عن مالك أن معناه: فى المدينة، وأن الإسلام بدأ بها غريباً ويعود إليها. وظاهر الحديث العمومُ، وأن الإسلام بدأ فى آحاد من الناس وقلَّةٍ ثم انتشرَ وظهر، ثم سيلحقه النقص والاختلاف حتى لا يبقى - أيضاً - إلا فى آحادٍ وقلةٍ غريباً كما بدأ. وأصل الغربة البُعْدُ، وبه سُمى الغريبُ لبُعْد داره، وسُمى النفى تغريباً لذلك. وورد تفسير الغريب فى الحديث: " قال: همُ النُزَّاع من القبائل ". قال الهروى: أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله، وسمى الغريب نازعاً ونزيعاً لأنه نزع عن أهله وعشيرته وبَعُدَ عن ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) فى ت: قول، وما أثبتناه هو الأفصح والأليق بالسياق. (¬2) فى ت: الصغير. (¬3) وقال الطيبى: أراد أن ما ذكرت له لم يكن مبهماً كالأغاليط، بل صرحته تصريحاً، وقال القارى: وحاصله أنه لم يكن الكلام من باب الصريح بل من قبيل الرمز والتلويح، لكن عمر ممن لا تخفى عليه الإشارة فضلاً عن العبارة، بل هو أيضاً من أصحاب الأسرار وأرباب الأنوار. راجع: فتح الملهم 1/ 181. (¬4) والأظهر عدم القصر عليهم، كما اختار القاضى قبل.

سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأرزُ الْحَيَّةُ فِى جُحْرِهَا ". 233 - (147) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حفْص بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إن الإيمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الإيمان ليأرِز إلى المدينة " وفى الحديث الآخر: " ليأرز (¬1) ما بين المسجدين "، قال الإمام: قال أبو عبيد: أى ينضَمَّ ويجتمع بعضه إلى بعض، كما تنضم الحيَّة فى جحرها. قال القاضى: وقال ابن دريد: أرز الشىء يأرز إذا ثبت فى الأرض، وشجرة أرزة وأرزة ومعناه: أن الإيمان أوَّلاً وآخراً بهذه الصفة؛ لأنه فى أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه أتى المدينة، إمَّا مهاجراً مُسْتوطناً لها، وإما (¬2) متشوفاً [ومتقرباً إلى الله تعالى لرؤية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬3) ومتعلماً منه، ومتبركاً (¬4) بلقياه، ثم بعده هكذا فى زمان (¬5). [رضى الله عنهم] (¬6) وأخذ سيرة العدل منهم والاقتداء بجمهور الصحابة - رضى الله عنهم - فيها، ثم من بعدهم من علمائها الذين كانوا سُرج الوقت، وأئمة الهدى، وأخذ السنن المنشرة بها عنهم فكان كل ثابت الإيمان ومنشرح الصدر به يرحل إليها ويفد عليها، ثم يعدُ فى كل وقت وإلى زماننا هذا لزيارة قبر المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتبرك بمشاهِدِه، وآثاره الكرام، فلا يأتيها إلا مؤمن، ولا يحمل أحداً على قصدها إلا إيمانهُ وصحة نفسه. وقال أبو مُصْعَب الزهرى (¬7) فى معنى هذا الحديث: إن المراد بالمدينة أهل المدينة، ¬

_ (¬1) بفتح أوله وسكون الهمزة وكسر الراء، وقد تضم بعدها زاى، وحكى ابن التين عن بعضهم فتح الراء وقال: إن الكسر هو الصواب، وحكى أبو الحسن بن سراج ضم الراء، وحكى القابسى الفتح، وكله بالمعنى المذكور. والمراد بالمسجدين: مسجدى مكة والمدينة، زادهما الله تشريفاً وتعظيماً. (¬2) فى ت: أو. (¬3) من ت. (¬4) فى الأصل: ومتقرباً. (¬5) زيد بعدها فى ت: النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولا حاجة إليها. (¬6) من ت. (¬7) أبو مصعب الإمام الثقة، شيخ دار الهجرة، أحمد بن أبى بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشى، الزهرى، المدنى، الفقيه، قاضى المدينة. ولد سنة خمسين ومائة ولازم مالك بن أنس، وتفقه به، وسمع منه الموطأ، وأتقنه عنه، ولم يطبع إلى الآن تلك الرواية، وفيها زيادات كثيرة تزيد على مائة حديث عما فى رواية الليثى. حدَّث عنه البخارى ومسلم، وأبو داود، والترمذى، وابن ماجة وروى عنه النسائى بواسطة، وكذا روى عنه بقى بن مخلد، وأبو زرعة الرازى ومطين، وخلق كثير. سمع يوسف بن الماجشون، ومسلم بن خالد الزنجى، وحسين بن زيد بن على، وابن أبى حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردى، وطبقتهم. قال فيه الزبير بن بكار: هو فقيه أهل المدينة غير مدافع، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين. سير 11/ 436، طبقات الحفاظ: 209.

لَيَأرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا تَأرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنه تنبيهٌ على صحة مذهبهم وسلامتهم من البدع والمحدثات واقتدائهم بالسنن، فالإيمان مجتمع عندهم حيث كانوا ومن سلك مَسْلَكَهُم واتبَع سبَيلهم (¬1). ¬

_ (¬1) قال الحافظ: إنها كما تنتشر الحيَّة من جحرها فى طلب ما تعيش به، فإذا راعها شَىء رجعت إلى جحرها، كذلك الإيمان، انتشر فى المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته فى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيشمل ذلك جميع الأزمنة. قلت: وفى هذا - وهو نحو ما أشار إليه القاضى - ردٌّ على من يخصه بوقت خروج الدجال، فهو وإن جاء فى الصحيح عن أنس مرفوعاً: " ليس من بلد إلا سيطأه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقبٌ إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها " فلا يردُّ عموم حديث المسألة.

(66) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان

(66) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان 234 - (148) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِى الأَرْضِ: اللهُ، اللهُ ". حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللهُ، اللهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض: الله الله (¬1) " وفى حديث آخر: " على أحد يقولُ: اللهُ الله " كذا لجماعة شيوخنا، ولابن أبى جعفر: " يقول: لا إله إلا الله "، هو إشارة إلى معنى ما فى الحديث الآخر: أنها لا تقوم إلا على شرار الخلق وحثالتُهم وأن الله يتوفى المؤمنين قبل قيامها ويُرسل ريحاً من اليمن لقبض أرواحهم. ولا يخالف هذا قوله فى الحديث الآخر: " لا يزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة، وإن هؤلاء مِمَّن يقاتلون الدجال ويجتمعون بعيسى عليه السلام " لا يزال هذه الطائفة على الصفة التى وصفها به إلى أن يقبضهم الله فيمن يقبض من المؤمنين قرب الساعة وإذا أظهرت أشراطها فقد حان يومها وقرب وقتها (¬2). ¬

_ (¬1) هى بالنصب على التحذير بفعل لا يظهر لنيابة التكرار عنه، ولذا فإنه إذا لم يكرروا الاسم يظهرون الفعل فيقولون: احذر الله، وقيدها بعضهم على الابتداء ورفع الخبر. (¬2) جاء فى المرقاة: ومن هذا الحديث يُعرف أن بقاء العالم ببركة العلماء العاملين، والعباد الصالحين، وعموم المؤمنين، وهو المراد بما قاله الطيبى رحمه الله: معنى " حتى لا يقال ": حتى لا يذكر اسم الله، ولا يعبد، وإليه ينظر قوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} [آل عمران: 191] يعنى ما خلقته خلقاً باطلاً بغير حكمة، بل خلقته لأذكر وأعْبَد، فإذا لم يذكر ولم يُعبد فبالحرى أن يُخرَّب وتقوم الساعة. راجع: فتح الملهم 1/ 182.

(67) باب الاستسرار بالإيمان للخائف

(67) باب الاستسرار بالإيمان للخائف 235 - (149) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ - واللَّفْظُ لأَبى كُرَيْبٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَحْصُوا لِى كمْ يَلْفِظُ الإِسلام " قَالَ: فقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمَائَةِ؟ قَالَ: " إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ، لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا " قَالَ: فَابْتُلِيِنَا، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لا يُصَلِّى إلا سِرًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحصوا لى كم يلفظ بالإسلام " (¬1) فقلنا: يا رسول الله، أتخافُ علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ فقال: " إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا " قال: فابتلينا حتى جعل الرجلُ منا لا يصلى إلا سرًّا. هذا الأمر لم يكن فى مدته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن حصل الإسلام فى هذه العدة المذكورة ودونها بكثير، ولعل قول حذيفة هذا كان بعد مدته عليه السلام. ¬

_ (¬1) رواية مسلم التى بأيدينا على إسقاط حرف الجار، وهو ما عليه كتاب الأبى، وإثبات الباء إنما هى رواية البخارى على غير هذا اللفظ عن سفيان عن الأعمش، ولفظها: " اكتبوا لى من تلفظ بالإسلام ". قال الحافظ: وكأن رواية الثورى رجحت عند البخارى، فلذلك اعتمدها لكونه أحفظهم مطلقاً، وزاد عليهم، وزيادة الثقة الحافظ مقدمة، وأبو معاوية وإن كان أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه، ولذلك اقتصر مسلم على روايته، لكنه لم يجزم بالعدد، فقدم البخارى رواية الثورى لزيادتها بالنسبة لرواية الاثنين، ولجزمها بالنسبة لرواية أبى معاوية. ثم قال: فيه مشروعية كتابة دواوين الجيوش، وقد يتعين ذلك عند الاحتياج إلى تمييز من يصلح للمقاتلة ممن لا يصلح. وفى قولهم له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتخاف علينا " قال: وكأن ذلك وقع عند ترقب ما يخاف منه، ولعله كان عند خروجهم إلى أحد أو غيرها، قال: ثم رأيت فى شرح ابن التين الجزم بأن ذلك كان عند حفر الخندق، وحكى الداودى احتمال أن ذلك وقع لما كانوا بالحديبية؛ لأنه قد اختلف فى عددهم، هل كانوا ألفاً وخمسمائة أو ألفاً وأربعمائة. قال شبير أحمد: وسلك الداودى طريق الجمع، فقال: لعلهم كتبوا مرات فى مواطن، وجمع بعضهم بأن المراد بالألف وخمسمائة جميع من أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبى، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال خاصة، وبالخمسمائة المقاتلة خاصة. قال: وهو أحسن من الجمع الأول. وقوله: " فابتلينا " هذا قول حذيفة، ويشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع فى أواخر خلافة عثمان - رضى الله عنه - من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة ولا يقيمها على وجهها وكان بعض الورعين يصلى وحده سِرًّا ثم يصلى معه خشية وقوع الفتنة. راجع: فتح الملهم 1/ 183.

(68) باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهى عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع

(68) باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهى عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع 236 - (150) حدّثنا ابْنُ أبى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَن الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَامِر بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْط فُلانًا فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْ مُسْلِمٌ " أَقُولُهَا ثلاثاً، وَيُرَدِّدُهَا عَلَىَّ ثلاثاً " أَوْ مُسْلِمٌ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث سعد حين قال: أعط فلاناً فإنه مؤمن. فجعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أَوْ مُسلِمٌ "، قال الإمام: قال بعضهم: قال أبو مسعود الدمشقى: هذا الحديث إنما يرويه ابن عيينة عن معمر عن الزهرى، قاله الحميدى، وسعيد بن عبد الرحمن، ومحمد ابن الصباح الجرجانى، كلهم عن سفيان عن معمر عن الزهرى بإسناده سواء، وهذا هو المحفوظ عن سفيان، وكذلك قال أبو الحسن الدارقطنى فى كتاب الاستدراكات فى هذا الإسناد (¬1). قال القاضى: هذا الحديث أصح دليل على الفرق بين الإيمان والإسلام، وأن الإيمان باطن ومن عمل القلب، والإسلام ظاهر ومن عمل الجوارح، لكن لا يكون مؤمناً إلا مسلماً، وقد يكون مسلماً غير مؤمن، ولفظ هذا الحديث يدل عليه، وفيه ردٌّ على الكرَّاميَّة وغلاة المُرْجئة فى حكمهم بصحة الإيمان لمن نطق بالشهادتين وإن لم يعتقدها بقلبه (¬2)؛ لنفى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسم الإيمان عنه واقتصاره به على الإسلام. وفيه حجةٌ لقول من يجيز إطلاق أنا مؤمن دون استثناء، وردٌّ على من أبى ذلك، وهى مسألة اختُلِف فيها من زمان الصحابة - ¬

_ (¬1) عبارة المعلم: قال الشيخ: قال مسلم: حدثنا ابن أبى عمر، ثنا سفيان عن الزهرى عن عامر بن سعد عن أبيه قال: قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسماً ... الحديث. قال بعضهم ... إلخ. فاختصار القاضى - رحمه الله - للعبارة المنقولة وحذف الإسناد المساق يفصل بيان المراد من الإمام. قال النووى: " وقد يكون رواه عن الزهرى مرة بغير واسطة ومرة بواسطة معمر، فذكره بالوجهين، لكن أكثر أصحاب سفيان إنما يرويه بواسطة معمر، وبالجملة فالحديث صحيح ". وانظر: الإلزامات والتتبع 238. قلت: وقال المزى فى التحفة: " قال أبو مسعود: كذا رواه ابن أبى عمر، عن ابن عيينة عن الزهرى، ورواه الحميدى ومحمد بن الصباح الجرجانى، وسعيد بن عبد الرحمن، عن ابن عيينة، عن معمر، عن الزهرى، زادوا فيه معمراً - يعنى بين ابن عيينة والزهرى - وقال أبو القاسم فى حديث المعتمر عن معمر: سقط منه عبد الرزاق ". تحفة الأشراف 3/ 298، وقال الحافظ فى النكت الظراف: وكذا يعنى بإثبات معمر، أخرجه أبو نعيم فى المستخرج من طريقه بإثباته، فلعل سقوطه من بعض الرواة عنه إما مسلم أو من دونه، أو يكون لما حدَّث به مسلماً رواه له من حفظه 3/ 298. (¬2) راجع المقدمة.

ثُمَّ قَالَ: " إِنِّى لأُعْطِى الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّه اللهُ فِى النَّارِ ". 237 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَىَ رَهْطًا، وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِمْ. قَالَ سَعْدٌ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ، وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْ مُسْلِمًا ". قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلْبَنِى مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالَكَ عَنْ فُلَانٍ، فَوَ اللهِ إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضى الله عنهم - إلى هَلُمَّ جرّا. وكل قول إذا حقق كان له وجهٌ وفى ظرف لا ينافى القول الآخر. فمن لم يستثن أخبر عن حكم نفسه فى الحال، وأما المآل فإلى العلام به، ومن استثنى أشار إلى غيب ما سبق له فى اللوح المحفوظ. وإلى التوسعة فى القولين ذهب من السلف الأوزاعى (¬1) وغيره، وهو قول أهل التحقيق نظراً إلى ما قلناه ورفعاً للخلاف (¬2). وقوله فى آخر الحديث: " إنى لأعطى الرجل وغيره أحب إلى منه، مخافة أن يكبه الله فى النار " وهذه الرواية الصحيحة: " يكبه "، بفتح الياء وضم الكاف، فعل ثلاثى من كب، ولم يأت فى لسان العرب فعل ثلاثيه معدى ورباعيه غير معدى على نقيض المتعارف إلا كلمات قليلة، منها هذا، يقال: أكب الرجل وكببته أنا، قال الله تعالى: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِه} (¬3)، وقال: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّار} (¬4). ومثله: أقشع الغنم، وقشَعتْه الريح (¬5)، وانسل ريش الطائر، ووبرُ البعير ونسلتُه، وأنْزَفت البئرُ: قلَّ ماؤها، ونزَفتُها أنا، وأمرأت الناقةُ إذا درَّ لبنها ومرَّأتها أنا، وأشنق البعير، رفَعَ رأسه، وشَنَقْتُه أنا (¬6). ¬

_ (¬1) هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، سبق بالمقدمة. (¬2) يريد أن المختلفين لم يتواردا، فكلٌّ راعى ما لم يراع الآخر، ورفع بعضهم الخلاف بين القولين بنظر آخر، فقول من قال: يستثنى، جعل الإيمان التصديق والعمل، والعمل يقع الشك فى حصوله، والشك فى جزء الماهية شك فى كلها، فلا بد أن يستثنى ويقول: أنا مؤمن إن شاء الله. ومن قال: لا يستثنى، جعله اسماً للتصديق فقط، والتصديق حاصل. فتح الملهم 1/ 184. (¬3) الملك: 22. (¬4) النمل: 90. (¬5) جاء فى اللسان: قشع الشىء قشَعاً: جفَّ. (¬6) فى اللسان: وأشنق هو، ولعل ما ذكره القاضى أدق وأدخل فى المعنى.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْ مُسْلِمًا ". قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِى مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالَكَ عَنْ فُلانٍ، فَوَ اللهِ إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْ مُسْلِمًا، إِنِّى لأُعْطِى الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِى النَّار عَلَى وَجْهِهِ ". (...) حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى عَامِرُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّه. وَزَادَ: فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: مَالَكَ عَنْ فُلَانٍ. (...) وحدّثنا الْحَسَنُ الْحلْوَانىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ هَذَا. فَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بَيْنَ عُنُقِى وَكَتِفِى، ثُمَّ قَالَ: " أَقِتَالاً؟ أَىْ سَعْدُ، إِنِّى لأُعْطِى الرّجُلَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه: " أقتالاً [أى] (¬1) سعدُ ": أى مدَافَعَةً ومكابَرةً، وعليه تأوَّل بعضهم فى المار بين يدى المصلى: فليقاتله: أى فليدافعه ويدْرَؤه عن المرور بين يديه. ولما كررَ سعدٌ كلامه على النبى مرة بعد أخرى، وكل ذلك لا يقبله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه وهو يردده، أشبه المدافعة. وليس مقال سعد مناقضاً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن لما قطع سعد على إيمانه قال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْ مسلماً " بمعنى: أن هذه اللفظة التى تُطلق على الظاهر أولى فى الاستعمال، إذ السرائر مخفية لا يعلمها إلا الله، وحُكمُ النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أمته على الظواهر (¬2). ¬

_ (¬1) ساقطة من ق. (¬2) فـ " أو " للتنويع أو للشك، ولا يجوز فتح الواو هنا؛ لأن بالفتح يفسد المعنى، حيث تصير به الهمزة للاستفهام، وليس المعنى عليه، وإنما قصد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حث سعد لأن يقول: " أو مسلم " مع قوله: " فإنه مؤمن ".

(69) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

(69) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة 238 - (152) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحَمنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نحن أحق بالشك من إبراهيم "، قال الإمام: يحتمل أنه أن يكون لما رأى إبراهيم - عليه السلام - سأل زيادة يقين بأن يعلم بالعيان ما عَلمَ بالدليل، ومعلوم أن بين العلمين فى العادة من انتفاء الشكوك تبايناً عبَّر عن المعنى الذى بين العِلمين بالشك مجازاً، وقد تكلم الإمام أبو عبد الله - أيضاً - آخر الكتاب على قضية إبراهيم ومضمن هذا الحديث بأشبع من هذا، فقال: من الناس من ذهب إلى أن إبراهيم إنما أراد بهذا اختبار. منزلته واستعلام قبول دعوته، فسأل البارى أن يخرق له العادة، ويحيى له الموتى، ليعلم بذلك قدر منزلته عند الله. ويحمل هؤلاء قوله: [عزَّ وجهه] (¬1) {أَوَلَمْ تُؤْمِن} (¬2) على أن المراد به بقربك [منى] (¬3) وبفضيلتك لدىَّ. فيكون التقدير - لو ثبت حملُ الآية على هذا المعنى -: نحن أولى أن نختبر حالنا عند الله من إبراهيم - على جهة الإشفاق منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتواضع لله تعالى - وإن قلنا بما يقتضيه أصل المحققين، وأن المراد: أن ينتقل من اعتقاد إلى اعتقاد آخر هو أبعد من طريان الشك ونزغات الشيطان لأنا [لا] (¬4) نساوى بين العلوم الضرورية والعلوم النظرية، ونمنع التفاضل بينهما فى نفس التعلق، وإنما يصرف التفاضل إلى أن الشك لا يطرأ على الضرورى فى العادة والنظرى قد يطرأ عليه - فيكون إبراهيم سأل ربه زيادة فى الطمأنينة، وسكون النفس، حتى تنتفى الشكوك أصلاً، ويكون المراد من نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا أحق بالشك فى هذا منه على جهة الإشفاق أيضاً [أ] (¬5) ويكون المراد بذلك أمَّته ليحضَّهم على الابتهال إلى الله تعالى بالتعوذ من نزغات الشيطان فى عقائد الدين. قال القاضى: للناس فى معنى سؤال إبراهيم أجوبَةٌ كثيرةٌ، منها الجوابان المتقدمان فى إرادته اختيار المنزلة، أو زيادة اليقين، وقيل: أراد علم كيفيته واطمئنان القلب لمشاهدتها، وكان له علم بالوقوع، وأراد علماً ثانياً بكيفيته ومشاهدته وطمأنينة قلبه، لما كان ينازعه من ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) البقرة: 260. (¬3) من ق. (¬4) ساقطة من الأصل، ومستدركة فى ت بهامشه. (¬5) ساقطة من الأصل.

الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (¬1) قَالَ: " وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِى السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِى ". (...) وَحَدّثَنِى بِهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِى، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ الزُّهْرِىِّ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَفِى حَدِيثِ مَالِكٍ: {وَلَكِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حُبّ مشاهدة ذلك، وقيل: أنه لما احتج على الذى حاجَّهُ بأن ربَّه يحيى ويميت طلب ذلك من ربّه؛ ليتضح (¬2) استدلاله عياناً بعد أن كان بياناً (¬3)، وقيل: [هو] (¬4) سؤال على طريق الأدب، والمراد: أقدِرنى على إحياء الموتى. وطمأنينة القلب هنا ببلوغ الأمنية. وذهب بعض أصحاب الإشارات إلى أن المعنى: أنه أرى من نفسه الشك، وما شك، لكن ليُجَاوَبَ، فيزداد بذلك قُرْبَةً (¬5). وقيل فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نحن أحقُّ بالشك من إبراهيم " - سوى ما تقدم -: نفى لشك إبراهيم وإبعاد الخواطر الضعيفة أن تظن بسؤاله ذلك شكاً فيما سأل، أى نحن موقنون بالبعث وإحياء الموتى، فلو شك إبراهيم فى ذلك لكنَّا أولى بالشك - على طريق الأدب - وكلاهما لا يجوز عليه الشك. وقد بسطنا الكلام فى هذا وشبهه فى القسم الثالث من كتاب " الشفا " (¬6). وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولو لبثت فى السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعى "، قال الإمام: [هو] (¬7) تنبيه على فضل يوسف - عليه السلام - وصبره على المصائب. قال القاضى: الداعى هاهنا رسول الملك ليأتيه به، فقال له يوسف: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} الآية (¬8)، ولم يخف للخروج من السجن الطويل والراحة من البلية العظيمة لأول ما أمكنه ¬

_ (¬1) البقرة: 260. (¬2) فى ت: ليصح، وقد كتب أمامها بهامش الأصل: " أصل ليصح ". بما يفيد أن تلك النسخة مأخوذة عن نسخة إن لم تكن أصل المؤلف فإنها عورضت بما عورضت به نسخة ت، وحيث إن ت قد صرح بأنه نقلها من أصل المؤلف فإنه هنا يكون جمع بين هذا مع زيادة التصحيح. (¬3) فى ت: إيماناً. (¬4) من ت. (¬5) راجع لطائف الإشارات 1/ 201. (¬6) الشفا: 2/ 665، وما ذكره آخراً هنا كان الوجه الخامس له فى الشفا. (¬7) ليست فى المعلم. (¬8) يوسف: 50.

لَيَطْمَئِنَّ قَلْبِى}. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الآيَةَ حَتَّى جَازَهَا. حدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِى يَعْقُوبُ يَعْنِى ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، كَرِوَايَةِ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الآيَةَ حَتَّى أَنْجَزَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى تثبت وتوقَّر، وراسل الملك فى كشف الأمر الذى سجن بسببه، ومكاشفة النسوة الحاضرات له وتظهر براءته، ويلقى الملك غير مرتاب ولا خجل مما عساه يقع بقلبه مما رفع عنه، فتنبه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فضيلة يوسف - عليه السلام - وقوة نفسه [وتوقره] (¬1)، وصدق نظره للعواقب، وجودة صبره، وأخبر عن نفسه هو بما أخبر على طريق التواضع والأنافة بمنزلة يوسف (¬2)، وأنه عليه السلام كان يُغلِّبُ الراحة من المحنة أولاً على غير ذلك. ولا يُظَنُّ أن إجابة الداعى هنا هى مراودة المرأة ودعاؤها يوسف لما دعته له. وقوله فى لوط: " إنه كان يأوى إلى ركن شديد "، قال الإمام: يريد البارى تعالى لأنه الكافى فى الحقيقة. قال القاضى: كأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتقد عليه قوله هذا، وطلب رحمة الله له من هذا القول (¬3)، إذا أراد لوط بالركن عشيرته ليمنعوه من قومه، ويحموا أضيافه عن مرادهم السوء بهم، وأن ضيق صدره بذلك وحَرجَه لما لقى منهم أنساه اللجأ إلى ربه والاعتصام به، وحمله على سنة الله فى خلقه وعادته من اعتصام بعضهم ببعض، والله تعالى أشد الأركان وأقواها وأمنعُها. وقد تكرر الحديثُ آخر الكتاب. ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) قال الأبى: " وقيل: إنما تأنى لعلمه أن الأمر يصير إليه، فأراد أن تشهد النسوة ببراءته وهو مقدور عليه قبل أن يصير ملكاً، فيكون فى شهادتهن ضرب من الإكراه، وقيل: تأنى لأنه لو بادر لم يسلم من أن تلقى الحاشية فيه إلى الملك، أما بعد شهادتهن ببراءته فلا ". إكمال 1/ 260. (¬3) قال الأبى: " ولا يخفى إيحاش هذا اللفظ مع عدم صحة معناه. إذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينتقد، ولوط - عليه السلام - لم ينس اللجأ إلى الله تعالى فى القضية، وإنما قال ذلك تطييباً لنفوس الأضياف، وإبداء العذر لهم، بحسب ما ألف فى العادة من أن الدفع إنما يكون بقوةٍ، أو عشيرة، وهذا فى الحقيقة محمدة وكرم أخلاق يستحق صاحبها الحمد، فقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يرحم الله لوطاً " ثناءٌ لا نقد. إكمال 1/ 259. قلت: والسياق يساعد على ما ذهب إليه الأبى، إذ أنه يدل على أن المقصود بيان كمال المذكورين ومدحهم فى ذلك.

(70) باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته

(70) باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته 239 - (152) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ الأَنْبِياءِ مِنْ نَبِىٍّ إِلا قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللهُ إِلَىَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 240 - (153) حدّثنى يُونُسُ بْنُ عبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما من نبى من الأنبياء إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذى أوتيتُ وحياً ... " الحديث، قال الإمام: أشار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: " وحياً " إلى معنى بَسَطه العلماء فقالوا: بأن (¬1) معجزته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعدُ أن يَتَخَيَّلَ فيها أنها دربٌ من السحر، وإنما هو كلام معجز ولا يقدر السحرةُ أن يأتوا بما يتخيل تشبيهاً به كما فُعِلَ فى عصا موسى وغيرها؛ لأنَّهم أتوا بعصىٍّ وحبال يُتَخَيَّلُ أنها (¬2) تسعى، فيحتاج التمييز بينها وبين ما أتى به موسى - عليه السلام - إلى نظر، والنَّظَرُ عُرْضَة الزلل فيخطِى الناظِرُ فيعتقد أن ذلك سواءٌ. قال القاضى: وفيه وجه آخر وهو: أن سائر معجزات الأنبياء انقرضت بانقراضهم، ولم يشاهدها إلا ما كان حاضراً لها، ومعجزة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآن وخرقه للعادة فى أسلوبه وبلاغته بَيِّنة لكل من يأتى إلى يوم القيامة إلى ما انطوى عليه من الإخبار عن الغيوب، فلا يَمر عَصْرٌ إلا ويظهر فيه معجزة مما أخبر أنها تكون، تدل على صدقه وصحة نبوته وتجدّد الإيمان فى قلوب أمته. ووجه آخَرَ على أحد المذهبين فى القول بالصَّرْفة (¬3)، وأن المعارضة كانت من جنس قوة البشر لكنهم لم يقدروا عليها - على أحد قولى الأشعرى - وصُرِفوا عنها، أو من قدرة ¬

_ (¬1) فى الإكمال: لأن. (¬2) فى ق: إليه. (¬3) ومعنى الصرفة: هو أن العرب كانت تقدر أن تأتى بمثل القرآن، فلما بعث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرفوا عنه. أو أنهم صرفوا لعجزهم عن أن يحيطوا بكل شىء علماً. إكمال 1/ 261.

عَمْرٌو؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلَا نَصْرَانِىٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسَلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ". 241 - (154) حدثنا يَحْيَى بْنُ يحيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الهَمْدَانِىّ، عَنْ الشَّعْبِىِّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ سَأَلَ الشَّعْبِىّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّ مَنْ قِبَلَنَا مَنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ فِى الرَّجُلِ، إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا: فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ البشر فمنعوا منها - على قول المعتزلة - فعدولهم عن المعارضة لأحد الوجهين المتقدمين ورضاهم بالقتل والجلاء، ونكولهم عن ذلك وهو من مقدورهم أو جنس مقدورهم، أبين فى الدلالة من غيرها من الأمور التى تختلج فى الظنون الكاذبة، ويموه فيها الملحد بالشبه المخيلة، إذ العجز عن المقدور أوقع فى النفوس وأوضح فى الدلالة من إبداء الغريب والمجىء بما لم يُعْهَد عند هؤلاء. وإليه نحا أبو المعالى (¬1) فى بعض كتبه. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يسمع بى أحد من هذه الأمة؛ يهودى ولا نصرانى، ثم يموت ولا يؤمن بالذى أرسلتُ به، إلا كان من أصحاب النار ": فيه دليل على أن من فى أطراف الأرض وجزائر البحر المقطعة ممن لم تبلغه دعوة الإسلام ولا أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الحرج عنه فى عدم الإيمان به ساقط لقوله: " لا يسمع بى "، إذ طريق معرفته والإيمان به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشاهدة معجزته وصدقه أيام حياته، أو صحة النقل بذلك والخبر لمن [لم] (¬2) يشاهده وجاء بعده، بخلاف الإيمان بالله وتوحيده الذى يوصَل إليه بمجرد النظر الصحيح ودليل العقل السليم. وذكر مسلم - رحمه الله - قول بعضهم فى الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها: أنه كراكب بدنته (¬3). ¬

_ (¬1) هو الإمام الكبير، شيخ الشافعية، إمام الحرمين، عبد الملك ابن الإمام أبى محمد عبد الله بن يوسف، ضياء الدين، قال فيه أبو سعد السمعانى: كان إمام الأئمة على الإطلاق، مجمعاً على إمامته شرقاً وغرباً، لم تر العيون مثله. ثم قال الذهبى: كان مع فَرْط ذكائه وإمامته فى الفروع وأصول المذهب وقوة مناظرته لا يدرى الحديث كما يليق به لا متناً ولا إسناداً. توفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى 5/ 165، سير 18/ 468. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) يعنى فلا أجر له، فقد أخرج الطبرانى بإسناد رجاله ثقات - كما ذكر الحافظ - عن ابن مسعود أنه كان يقول ذلك، وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر مثله، وعند ابن أبى شيبة بإسناد صحيح عن أنى أنه سئل عنه فقال: إذا أعتق أمته لله فلا يعود فيها، ومن طريق سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعى أنهما كرها =

كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ. فَقَالَ الشَّعْبِىُّ: حَدَّثَنِى أَبُو بُرْدَةَ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلاثَة يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَعَبْد مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللهِ تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا، ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ ". ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِىُّ لِلخُرَاسَانِىِّ: خُذْ هَذَا الحَدِيثَ بَغَيْرِ شَىْءٍ، فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ. وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ صَالِح ابنِ صالِحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا خلاف بين أهل العلم فى جواز تزويج الرجل معتقته، وإنما اختلفوا فيمن جعل صداقها عتقها، وهل يكون صداقاً أم لا؟ وبسطه يأتى فى النكاح، واختلفوا فى ركوب الرجل بدنته، وبابه فى الحج. ¬

_ = ذلك. وقد أخرج من طريق عطاء والحسن أنهما كانا لا يريان بذلك بأساً. وقد أخرج أحمد فى المسند عن أبى موسى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أعتق الرجلُ أمته ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران " 4/ 408، المصنف لابن أبى شيبة 4/ 157، وانظر: فتح الملهم 1/ 189.

(71) باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

(71) باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 242 - (155) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ شِهَابٍ، عِنْ ابْنِ المُسَيَّبِ؛ أَنَّه سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ". وَحدّثناه عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْن إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى صَالِحٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا الإسْنَادِ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: " إِمَامًا مُقْسِطًا وَحَكَمًا عَدْلاً ". وَفِى رِوَايَةِ يُونُسَ: " حَكَمًا عَادِلاً " وَلَمْ يَذْكُرْ " إِمَامًا مُقْسِطًا ". وَفِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لينزلن فيكم عيسى ابن مريم حكماً مقسطاً (¬1) ... " الحديث، قال الإمام: قال الهروى وغيره: الإقساط والقسط: العدلُ، ومنه قوله: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (¬2)، ومنه الحديث: " إذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا " (¬3)، ومنه قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} (¬4) أى: أعدل، وقال الله سبحانه: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} (¬5) أى: بالعدل كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْل} (¬6). قال ابن قتيبة: وسُمى الميزان بالقسط لأن القسط: العدل، وبالميزان يقع العدل فى القسمة، وقوله سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} (¬7) [أى ذوات القسط] (¬8)، وهو العدل. قال غيره: وأما قسط بغير ألف فمعناه جار، ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (¬9)، يقال: قسط يقسط قسْطاً وقُسُوطاً إذا جار، والإقساط والقسط: العدل، والقُسُوطُ والقَسْطُ: الجور. ¬

_ (¬1) الرواية التى بأيدينا " حكماً عادلاً ". ويوشك من أفعال المقاربة واللام فيها جواب قسم محذوف. (¬2) الحجرات: 9. (¬3) جزء حديث أخرجه أحمد عن أبى موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن هذا الأمر فى قريش ما داموا، إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا " 4/ 396. (¬4) البقرة: 282. (¬5) الأعراف: 39. (¬6) النحل: 90. (¬7) الأنبياء: 47. (¬8) من المعلم. (¬9) الجن: 15.

حَدِيثِ صَالِحٍ: " حَكَمًا مُقْسِطًا " كَمَا قَالَ اللَّيْثُ. وَفِى حَدِيثِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: " وَحَتَّى تَكُوَنَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُم: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه} (¬1) الآيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وفى قوله: " ويقتل الخنزير ": دليل على قتلها إذا وجدت، ببلاد الكفر وبأيدى من أسلم من أهل الذمة (¬2). وقيل: تُسَرَّح. وفى قوله: " ويكسر الصليب ": دليل على تغيير آلات الباطل وكسرها، ودليل على تغيير ما نسبه النصارى إلى شرعهم، وترك إقرارهم على شىء منه، وأنه يأتى ملتزماً لشريعتنا. وقيل: معنى قوله: " ويكسر الصليب ": أى يُعطِّل أمره ويُسقط حكمه، كما يقال: كسر حجته. وقوله: " وَيَضَعُ الجزيةَ ويفيض المال ": قيل: يُسقطها فلا يقبلها من أحدٍ؛ لأن المال حينئذٍ يفيض وتقىء الأرض أفلاذ كبدها منه، كما جاء فى الحديث الآخر، فلهذا أسقطها هو، إذ لم يكن فى أخذها منفعة للمسلمين، فلم يقبل من أحدٍ إلا الإيمان بالله. وقد يكون فيض المال هنا من وَضْع الجزية، وهو ضربْها على سائر الكفرة، إذ لم يقاتله أحد، وإذْ وضعت الحربُ أوزارها، وإذْ أذعَن جميع الناس له، إما بإسلام أَوْ إلقاء يدٍ، فيضعُ عليه الجزية ويضربُها (¬3). قوله: " حتَى تكون السجدة الواحدة [خيراً] (¬4) " من معنى ما تقدم، أن أجرها خيرٌ لمصليها من صدقته بالدنيا وما فيها لفيض المال حينئذ؛ ولهذا لا يوجد من يقبله، ولهوانه وقلة الشحِّ به، وقلَّة الحاجة إليه للنفقة فى الجهاد لوضع الحرب أوزارها حينئذ، وتكون السجدة [الواحدة] (¬5) بعينها أو عبارة عن الصلاة، وأهل الحجاز يسمون الركعة سجدةً، ومنه فى الحديث: " صلينا مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجدتين قبل الظهر، وسجدتين ¬

_ (¬1) النساء: 159. (¬2) وذلك لأن الشىء المنتفع به لا يشرع إتلافه، وقتل الخنزير إشعار بهدم شعائر النصارى الدينية وخصائصهم المعاشية. (¬3) وتعقب بأن عيسى - عليه السلام - لا يقبل إلا الإسلام، ويؤيده ما جاء فى أحمد عن أبى هريرة: " وتكون الدعوى واحدة ". (¬4) فى حديث صالح. (¬5) من ت. وإنما كانت السجدة آنئذ بتلك المثابة لقصر الآمال وحدوث العلم بقرب الساعة، وقلة رغبة الناس فى الدنيا لعدم الحاجة إليها.

243 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ عَطَاءٍ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللهِ! لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلاصُ فَلا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ والتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ. وَلَيَدْعُوَنَّ - وَلَيُدْعَوُنَّ - إِلَى الْمَالِ فَلا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ ". 244 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، مَوْلَى أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّ أَبَا هرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدها " (¬1). وقوله: " ولتُتْركنَّ القلاص فلا يُسْعى عليها "، قال الإمام: القلاص جمع قلوص. [وهى من الإبل كالفتاة] (¬2) من النساء والحدث من الرجال. قال القاضى: معناه: أن يزهد فيها ولا يُرْغَبُ لكثرة المال، وكانت القلاص أحبَّ أموال العرب، وهذا مثل قوله تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} (¬3). وقوله: " لا يُسْعَى عليها ": أى لا تطلب زكاتها إذ لا يُوجَدُ من يقبلها، كما جاء فى الحديث. والساعى: العامل على الزكاة. وهذا يؤيد التأويل الأول فى قوله: " ويَضَعُ الجزيةَ " (¬4). قوله: " ولتذهبنَّ الشحناء "، قال الإمام: أى العداوة والضَّغْنُ (¬5). وقول أبى هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه} الآية (¬6)، قال القاضى: يريدُ يؤمن بعيسى قبل موته، وتقدير الآية: وإن من أهل الكتاب أحدٌ إِلَّا يؤمن به، وقيل: وإن من أهل الكتاب إلا من يؤمن به قبل موته، أى موت ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا اللفظ، وعلى سنَنِه ما أخرجه أحمد فى المسند عن ابن عمر مرفوعاً: " لا صلاة بعد الصبح إلا سجدتان " 2/ 104، وما أخرجه البخارى من حديث نافع عن ابن عمر فى حجه، أنه كان يأتى الركن الأسود فيبدأ به، ثم يطوف سبعاً، ثلاثاً سعياً وأربعاً مشياً، ثم ينصرف فيصلى سجدتين، ك الحج، ب النزول بذى طوى 2/ 222. (¬2) عبارة المعلم: والقلوص من الإبل بمنزلة الفتاة. (¬3) التكوير: 4. (¬4) بجرأة غير حميدة رده شبير أحمد بقوله: " وهذا تأويل باطل من وجوه كثيرة ". فتح الملهم 1/ 94، هذا مع كونه نقل عنه ما قبله بغير عزو إليه. (¬5) فى ت: البعض. (¬6) النساء: 159.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟ ". 245 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ مَوْلَى أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَأَمَّكُمْ؟ ". 246 - (...) وحدّثنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِع، مَوْلَى أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ؟ " فَقُلْتُ لابْنِ أَبِى ذِئْبٍ: إِنَّ الأَوْزَاعِىَّ حَدَّثَنَا عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ نَافِع، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: " وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ". قَال ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ: تَدْرِى مَا أَمَّكُمْ مِنْكُمْ؟ قُلْتُ: تُخْبِرُنِى. قَالَ: فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسُنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عيسى عند نزوله إلى الأرض، وتصير الملل كلها واحدةً على ملَّة الإسلام. وقيل: الهاء عائدة على الكتابىِّ، أى قبل أن يموت هو، وعند رؤيته الحق يؤمن بعيسى كل من كذب به منهم، وقد قرئ: " قبل موتهم " وهو على هذا التأويل. وقيل: الهاء فى {به} عائدة على نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفى {موته} على الكتابيين (¬1). وقوله: " وإمامُكم منكم " وفى الحديث الآخر: " فأمكُمْ مِنكم ": فسَّره فى الكتاب أبن أبى ذئب فقال: فأمَّكُمَ بكتاب الله وسُنَّة نبيكم. وهذا كلام حسنٌ؛ لأن عيسى ليس يأتى لأهل الأرض رَسولاً ولا نبياً مبعوثاً، ولا بشريعة جديدة؛ لأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتَم النبيين، وشريعته ناسخة لجميع الشرائع راسخة إلى يوم القيامة، وإنما يحكم عيسى بها. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن كثير: " وهذه الآية كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61]، وقرئ: {عَلَمٌ} بالتحريك، أى إشارة ودليل على اقتراب الساعة ". تفسير القرآن العظيم 2/ 418. والذى حمل أبا هريرة على قراءة الآية فيما نقله الحافظ ابن حجر عن ابن الجوزى: للإشارة إلى مناسبتها لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها "، فإنه يشيرُ بذلك إلى صلاح الناس، وشِدَّة إيمانهم، وإقبالهم على الخير، فهم لذلك يؤثرون الركعة الواحدة على جميع الدنيا. فتح البارى 4/ 343. وقد جاء الحديث فيما أخرجه أبو داود وأحمد ببيان أوصافه للمسلمين فقال: " فإذا رأيتموه فاعرفوه، رَجُلاً مربوعاً إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبانِ ممصَّران، كأن رأسه يقْطُر وإن لم يُصبه بللٌ ". راجع كذلك: المصنف لابن أبى شيبة 15/ 159. ومعنى المربوع: المعتدل القامة وهو إلى الطول أقرب ولونُه أقربُ إلى الحُمرةِ والبياض. والممَصَّر هو الذى فيه صُفرةٌ خفيفة، والمراد بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كأن رأسه يقطرُ " بيان ما يكون عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نظافة ونضارة. راجع: التصريح بما تواتر فى نزول المسيح 95.

نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 247 - (156) حدّثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، وَهَارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ قَالُوا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ - وَهُو ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". قَالَ: " فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لا. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: " إمامكم منكم " فهو مفسر - أيضاً - فى الحديث من رواية جابر فى الأم حيث قال: " فينزل عيسى، فيقول أميرهم: تعال فصلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة من الله لهذه الأمة ". وقوله: " حكماً مقسطاً وإماماً عدلاً ": دليلٌ على أنه لم يأت بشرعٍ محدثٍ، ولا أرسل بملةٍ جديدةٍ ولا جاء نبياً مبعوثاً. وقوله: " لا يزال طائفةٌ من أمتى ظاهرين " أى: غالبون عالون، قال الله تعالى: {لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه} (¬1). ¬

_ (¬1) التوبة: 33. والطائفة هم الجماعة المتعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وفقيه ومحدثٍ ومفسِّر، ولا يلزم أن يكونوا - كما ذكر النووى - مجتمعين فى بلد واحد. ومعنى " يقاتلون على الحق ": أى: على ظهور الحق، ويجوز أن يكون حالاً، أى حال كونهم على الحق. وفى امتناع عيسى - عليه السلام - من التقدم للإمامة يقول ابن العربى: " إن ذلك إبقاءٌ لشريعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباعٌ له، وإسخان لأعين النصارى، وإقامة الحجة عليهم " عارضة 9/ 78.

(72) باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان

(72) باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان (¬1) 248 - (157) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاءِ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِها آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، فَيَوْمئِذٍ {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (¬2) ". حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كِلاهُمَا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ذَكوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبى هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ الْعَلاءِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تقوم الساعةُ حتى تطْلُع الشمسُ من مغربها "، وقع تفسيره فى الحديث، وهو على ظاهره عند أهل الفقه والحديث والمتكلمين من أهل السنة، خلافاً لمن تأوَّله من المبتدعة والباطنية، وهو أحد الأشراط المنتظرة. وقوله: " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع ¬

_ (¬1) لم يرد عند القاضى منفصلاً عن سابقه. (¬2) الأنعام: 158. قال الطيبى: الآيات أمارات للساعة إما على قربها وإمَّا على حصولها، فمن الأول: الدجَّال، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسف، ومن الثانى: الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابَّة، والنار التى تحشر الناس. وقوله تعالى: {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْل} فى موضع الصفة للنفس، أى لا ينفع نفساً غير مؤمنة قبل إيمانها الآن الإيمان، وذلك لإغلاق باب التوبة ورفع الصحف والحفظة. وعدم نفع الإيمان حينئذ كعدم نفعه عند حضور الموت، بجامع أن كلاً منهما عاين أحوال الآخرة، فهو فى حكم الميت. وهل انقطاع نفع الإيمان والتوبة بأول طلوع لها من أفق من الآفاق بمغربه أو عند طلوعها من كل أفق على أصحابه من مغربهم؟ قولان.

249 - (158) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، جَمِيعًا عَنْ فُضَيْلِ ابْنِ غَزْوانَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ، لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، والدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ ". 250 - (159) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِىِّ - سَمِعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشمس من مغربها، والدجالُ، ودابَّةُ الأرض ": اختلف فى أول الآيات، فقيل: أولها طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، من رواية ابن أبى شيبة عن عبد الله بن عمرو (¬1). عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها "، وفى حديث أنس: " أول أشراط الساعة نار [تخرج من اليمن تحشر الناس] (¬2) "، وفى حديث حذيفة بن أُسَيد: " آخر ذلك النار "، وسيأتى هذا كله بأكثر شرحاً آخر الكتاب عند ذكر أحاديثه (¬3). وذكر فى الحديث قوله: {تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} (¬4): قال: " مستقرها تحت العرش ". وقد اختلفت أقاويل المفسرين فى هذا، فقال القتبى: مستَقَرُّها: أقصى منازلها فى الغروب لا تجاوزه ثم ترجع، وروى عن ابن عباس أنه قرأ هذا الحرف: " لا مستقر لها " (¬5)، أى أنها جاريةٌ أبداً لا تثبت فى موضع واحدٍ. قال بعض أصحاب المعانى: وعلى جمع القراءتين جريها بحسبان لا مستقر لها، حتى ترتفع إلى أبعد غاياتها وجريها تحت العرش، وهو مستقرها على القراءة الأخرى. وقوله: " أتدرى أين تذهب؟ ": هذا الحديث استدل الطحاوى منه على أنها تغرُب ¬

_ (¬1) فى ت: عُمر. والحديث أخرجه ابن أبى شيبة أيضاً فى كتاب الفتن 15/ 178 بلفظ: " والدابة " وذلك من حديث أبى هريرة. أما ما أشار إليه القاضى فلفظه فيه: " تخرج الدابة من جبل أجياد أيام التشريق والناس بمنى " 15/ 181. (¬2) وردت فى ق: تحشر الناس، تخرج من اليمن. (¬3) وذلك فى كتاب الفتن. ومما ينبغى ذكره هنا أنه ينبغى أن يجعل طلوع الشمس من مغربها آخر الآيات حتى يجتمع الحديثان ولا يتنافيان. راجع: إكمال الإكمال 1/ 269. (¬4) يس: 38. (¬5) وكذا قرأ ابن مسعود أيضاً. تفسير القرآن العظيم 6/ 563.

فِيمَا أَعْلَمُ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا: " أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ تَجْرِى حَتَّى تَنْتَهِىَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، فَلا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارْتَفِعِى، ارْجِعِى مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا، ثُمَّ تَجْرِى حَتَّى تَنْتَهِى إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، وَلا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارْتَفِعِى، ارْجِعِى مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا، ثُمَّ تَجْرِى لا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِى إِلَى مُسْتَقَرّهَا ذَاك، تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ لَهَا: ارْتَفِعِى، أَصْبِحِى طَالِعَةَ مِنْ مَغْرِبِكِ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ؟ ذَاكَ حِينَ {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فى السماء، وذكر قراءة من قرأ " حامئة " (¬1)، يعنى: حارة، " وحمئة " (¬2) من الحمأة والطين، وقال: لا يبعُد أن يوجَدَ الطين فى السماء، واستشهد بقوله: {لِنُرْسِل عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ} (¬3) الآيتين، ولا حجة له فى هذا كله فقد جاءت الآثار أن العين الحمئَةَ فى ¬

_ = وعلى القراءة الأولى فالمراد بها إما المستقر المكانى، أو منتهى سيرها وهو المستقر الزمانى، حيث يبطل سيرها وتسكن حركتها، وتكور وينتهى هذا العالم إلى غايته. قال قتادة: {لمستقر لها} أى لوقتها، ولأجل لا تعدوه. وعلى قراءة ابن عباس فالمعنى كما ذكر القتبى، وذلك موافق لقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم: 33] أى لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة. السابق، وانظر: تفسير الطبرى 23/ 5. (¬1) و (¬2) الكهف: 86. والقراءتان مشهورتان - كما قال ابن جرير - فأيهما قرأ القارئ فهو مصيب. قلت: وقد نسب أبو حيان فى البحر المحيط القراءة الأولى. " حامية " إلى عبد الله، وطلحة بن عبيد الله، وعمرو بن العاص، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، والحسن، وزيد بن على، وابن عامر، وحمزة، والكسائى، وقال (حامية) بالياء، أى حارة. وأما القراءة الثانية: {حمئة}، فقد نسبها أبو حيان إلى ابن عباس، وباقى السبعة، وشيبة، وابن أبى ليلى، وحميد، وابن جبير الأنطاكى، قال: والزُّهرى يلين الهمزة. قال الحافظ ابن كثير: " ولا منافاة بين معنييهما، إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها، وملاقاتها الشعاع بلا حائل، وحمئة فى ماء وطين أسود، كما قال كعب الأحبار وغيره ". تفسير القرآن العظيم 5/ 188. وقول كعب هو من قولهم: حمئت البئر تحمأ حمأ فهى حمئة، أى خالطت ماءها الحَمْأة، وهى الطين الأسود. (¬3) الذاريات: 33، 34.

(...) وحدّثنى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِىُّ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ اللهِ - عَنْ يُونُسَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا: " أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ " بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِىِّ، عن أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالسٌ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِى أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْتَأذِنُ فِى السُّجُودِ، فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا: ارْجِعِى مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا ". قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ فِى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ: وَذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا. 251 - (...) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} (¬1)؟ قَالَ: " مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض، وهو ظاهر القرآن فى قوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} الآية (¬2)، وأما إرسال الحجارة فيرسلها الله من حيث يشاء ويخلقها حيث يشاء. وقوله: " تسجد تحت العرش ومستقرها تحت العرش ": فالسماوات والأرض كلها تحت العرش. ¬

_ (¬1) يس: 38. (¬2) الكهف: 86.

(73) باب بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(73) باب بدء الوحى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 252 - (160) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَوّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الْصَّادِقَةَ فِى النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءْتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أول ما بدُئ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوحى الرؤيا الصادقة ": فى هذا حكمة من الله تعالى، وتدريج لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أراده (¬1) الله - جل اسمه به (¬2) - لئلا يفجأه الملك، ويأتيه صريح النبوة بغتَةً فلا تحتملها (¬3) قُوى البشرية، فبدأ أمره بأوائل خصال النبوَّة وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا. وما جاء فى الحديث الآخر من رؤية الضَّوء، وسَماع الصوت، وسلام الحجر والشجر عليه بالنبوة، حتى استشعر عظيم ما يراد به، واستعَدَّ لما ينتظره، فلم يأته الملك إلا لأمر عنده مقدّماته وبشاراته. وفيه أن الرؤيا الصادقة أحد خصال النبوَّة، [وتباشير الكرامة] (¬4)، وجزء منها، وأول منازل الوحى، وأَنَّ رؤيا الأنبياء وحى، وحقٌّ صدقٌ، لا أضغاث فيها، ولا سبيل للشيطان إليها. وقال أبو عبيد (¬5) الله القزاز: قوله: " من الوحى ": " من " هنا لإبانة الجنس، كأنه قال: من جنس الوحى، وليس من الوحى، فتكون " من " للتبعيض، ولذلك قال: فى النوم. ورؤيا الأنبياء فى الصحة كالوحى. قال القاضى: قد جاء فى الحديث أنها جزء من أجزاء النبوة، و [قد] (¬6) قدمنا أنها من جملة خصالها، والوحى أنواع وضروب، وينطلق على معان فلا يبعد أن تكون " من " للتبعيض على هذا، وأصله الإعلام، ورؤيا المنام إعلام وإنذار وبشارة. ¬

_ (¬1) فى ت: أراد. (¬2) فى الأصل: به جل اسمه. (¬3) فى الأصل: تحملها. (¬4) سقط من الأصل وق. (¬5) فى الأصل: أبو عبد. وهو العلامة إمام الأدب، أبو عبد الله، محمد بن جعفر، التميمىُّ، القيروانى، النحوى. له كتاب " الجامع " فى اللغة، يقول فيه الذهبى: وهو من نفائس الكتب. مات بالقيروان سنة اثنتى عشرة وأربعمائة. معجم الأدباء 18/ 105، إنباه الرواة 3/ 84، سير 17/ 326، معجم المؤلفين 9/ 149. (¬6) من ق.

ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِىَ أُولاتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزوَّدُ لِذلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا. حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وفلق الصبح وفرقهُ ضياؤه (¬1). وقوله: " فكان يخلو بغار حراء يتحنَّث فيه وهو التعبد "، قال الإمام: حِراء بالمد جَبَل بينه وبين مكة قدر ثلاثة أميال عن يسارك إذا سِرْتَ إلى مِنًى، ويجوز فيه التذكير والتأنيث وتذكيره أكثر. قال القاضى: فمن ذكَّره صرَفه ومن أنَّثه لم يَصرفِه، وهو جبل مذكر [ومؤنث] (¬2) [إذا أريد] (¬3) البقعة التى فيها الجبل أو الجهة، وقد قال بعضهم فيها: حَرّى بالقَصرِ وفتح الحاء، وكذا ضبطه الأصيلى فى كتاب البخارى بخطه بالوجهين، والأول أعرفُ وهو الصحيح. وقال الخطابى: أصحاب الحديث يخطئون فيه فى ثلاثة مواضع، يفتحون الحاء وهى مكسورة، ويكسرون الراء وهى مفتوحة (¬4) ويقصرون الألف وهى ممدودة. قال الإمام: [وقوله] (¬5): " يتحنَّثُ " أى يتعبد، قاله مسلم: وقد تقدم أن يتحنث [معناه] (¬6): يفعل فعلاً يخرج به من الحنث، والحنث: الإثم. واختلف الناس: هل كان متعبداً قبل نبوته بشريعة أم لا؟ فقال بعضهم: إنه غير متعبد أصلاً، ثم اختلف هؤلاء: هل ينتفى ذلك عقلاً أم نقلاً؟ فقال بعض المبتدعة: ينتفى عقلاً؟ لأن [فى] (¬7) ذلك تنفيرًا عنه، وغضٌّ من قدره إذا تنبَّأ عند أهل تلك الشريعة التى كان من جملتهم، ومن كان تابعاً فيبعُد منه أن يكون متبوعاً. وهذا خطأ، والعقل لا يحيل هذا. وقال الآخرون من حذاق أهل السنة: إنما ينتفى ذلك من جهة أنه لو كان لنُقِلَ، ولتداولته الألسن، وذكر فى سيرته، فإن هذا مما جرَت العادةُ بأنه لا ينكتم. وقال غير هاتين الطائفتين: بل هو مُتعبَّدٌ، ثم اختلفوا أيضاً: هل كان متعبداً بشريعة إبراهيم أو غيره من الرسل؟ فقيل فى ذلك أقوال، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: ¬

_ (¬1) قال فى المشارق: " فلق الصبح، بفتح اللام، يعنى انشقاقه وبيانه وخروجه من الظلام، شبهها به لبيانه فى إثارته وضوئه وصحته " 2/ 158. (¬2) ساقطة من ق. (¬3) فى الأصل وق: إنما أراد. (¬4) أى: بالإمالة، كما جاء فى النهاية، قال: ولا يجوز إمالته؛ لأن الراء قبل الألف مفتوحة كما لا تجوز إمالة راشد ورافع. النهاية، وانظر: إصلاح غلط المحدثين 104، فقد رواه الخطابى هناك عن أبى عمر فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثبت حراء ". (¬5) ساقطة من ق. (¬6) من المعلم. (¬7) من ق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (¬1) فى توحيد الله وصفاته. قال القاضى: ولا خلاف بين أهل التحقيق أنه قبل نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائر الأنبياء منشرح الصدر بالتوحيد، والإيمان بالله، لا يليق به الكفر ولا الشك فى شىء من ذلك ولا الجهل به، ولا خلاف فى عصمتهم من ذلك - خلافاً لمن جوَّزه. وحجة المانعين منه الطريقان المتقدّمان، والصحيح منهما النقل، فلو كان شىء من ذلك لنقل، بل تظاهرت الأخبار الصحيحة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن غيره من الأنبياء بصحة معرفتهم بالله وهدايتهم من صغرهم وتجنُّبهم عبادة غير الله، فقد عيَّرت قريش نبينا والأممُ أنبياءهم ورمتهم بكل آفة ورامت نقصَهم بكل جهة، وبرَّأهم الله مما قالوا، وقصَّ الله علينا من ذلك فى كتابه: {وقالوا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (¬2)، و {إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوء} (¬3) ولو كان أحدُهم عبدَ معهم معبودهم وأشرك بشركهم قبل نبوته لعيَّروه بِتلوَّنه فى معبوده، وقرَّعوه بفراق ما كان معهم عليه من ديانته، وكان ذلك أبلغ فى تأنيبهم لهم من أمرهم بمفارقة معبود آبائهم، وقد بسطنا الكلام فى هذا الفصل بما فيه مقنع فى غير هذا الكتاب، وجئنا بالأجوبة عما يُعْترَض به على هذا من ظواهر القرآن كقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} (¬4)، وقوله: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (¬5) وقول إبراهيم: {هَذَا رَبِّي} (¬6) وأشباه هذا ومعانى هذه الآى وتأويلاتها فى كتابنا الشفا (¬7). ¬

_ (¬1) النحل: 123. (¬2) هود: 62. وقد جاءت فى النسخ: " أتنهانا أن نعبد ما كاد يعبُدُ آباؤنا " وهو خطأ. (¬3) هود: 54. (¬4) الضحى 7. وليس هو من الضلال الذى هو الكفر " قال فى الشفا: " قيل: ضالاً عن النبوة فهداك إليها، وقيل: وجدك بين أهل الضَّلَال فَعَصَمَك من ذلك وهداك للإيمان وإلى إرْشادِهم، وقيل: ضالاً عن شريعتك، أى لا تعرِفُها، فهدَاك إليها " انظر: الشفا 2/ 724. (¬5) يوسف. 3. قال القاضى: " إنه ليس بمعنى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} [يونس: 7]، بل قد حكى أبو عبيد الهروى أن معناه: لمن الغافلين عن قصة يوسف؛ إذ لم تعلمها إلا بوحينا " الشفا 2/ 728. (¬6) الأنعام: 76، 78. قال القاضى: " قد قيل - فيها -: كان هذا فى سنِّ الطفولية، وابتداء النظر والاستدلال وقبل لزوم التكليف، وذهب معظمُ الحُذّاق من العلماء والمفسرين إلى أنه إنما قال ذلك مبَكتاً لقومه، ومستدلاً عليهم. وقيل: معناه: الاستفهام الواردُ مَوْرِدَ الإنكار، والمرادُ: فهذا رَبّى؟ قال الزجَّاج: قوله: {هَذَا رَبِّي} أى على قولكم، كما قال: {أَيْنَ شُرَكَائِي} [القصص: 62، 74] أى عندكم. قال القاضى: " ويدلُ على أنه لم يعبُدْ شيئاً من ذلك، ولا أشرك قطُّ بالله طرفة عين قول الله عز وجل: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} [الشعراء: 70]، ثم قال: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُون. أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 75 - 77] وقال: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 84] أى من الشرك، وقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]. (¬7) الشفا 2/ 719 - 730.

فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اِقْرَأ. قَالَ: " مَا أَنَا بِقَارِئٍ ". قَالَ " فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلِنِى فَقَالَ: اقْرَأ ". قَالَ: " قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ". قَالَ: " فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ: اقْرَأ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقَ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم} (¬1) ". فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وخلوه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغار حراء وتحنثه [فى] (¬2) أول مبادى بشارات نبوته، وذلك أن تحبيب الخلوة له إلهامٌ من الله، لما أراد الله به خلوة بنفسه، وتفرّغِه للقاء رُسُلِ ربه، وسماع وحيه، وقطعه العلائق الشاغلة عن ذلك كما كان. وفيه تنبيه على (¬3) فضل الخلوة والعزلة، وثمرة التفرغ لذكر الله. فإن ذلك يريح السِّرَّ من الشغل بغير الله، ويقل الهم بأمور الدنيا، ويخلى القلب عن التعلق والركون لأهلها، فيصفو، وتنفجر ينابيعه بالحكمة، وتشرق جوانبه بالحقائق والمعرفة، ويفيض عليه من نفحات فضل الله وأنوار رحمته ما قُدَّر له. وقوله: " حتى فجئه الحق ": أى أتاهُ بمرةٍ، يقال: فجئ، بكسر الجيم، يفجأ وفجأ، بفتحها أيضاً. وقوله: " اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ "، قال الإمام: قيل: " ما " هاهنا نافية، وقيل: استفهامية، كأنه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أى شىء أقرأ؟ وقد ضعَّفوا الاستفهام بإدخال الباء، ولو كان استفهاماً لقال (¬4): ما أنا قارئ، وإنما تدخل الباء على ما النافية فتكون الباءُ تأكيداً للنفى. قال القاضى: يصحح من قال: إنها للاستفهام رواية من روى: " ما أقرأ " وقد يصح أيضاً أن تكون هنا " ما " نافية. وقوله: " فغطنى ": أى غمنى وعَصرَنى، ورواه بعضهم: " فغتَّنى " وهما بمعنى، قال ابن الأنبارى: معنى " غتنى ": ضغطنى، وكأنه يضارع غطَّنى؛ لأن المضغوط يُبْلَغُ منه الْجهدُ (¬5)، وكذلك المغتوت. ¬

_ (¬1) العلق: 1 - 5. (¬2) فى ق: فيه. (¬3) تكررت خطأ فى جميع النسخ عدا ق. (¬4) عبارة المعلم: لكان. (¬5) فى ت: الجد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى العين: غطَّه فى الماء غرَّقة وغمَسهُ، وفى حديث آخر: " يغتهم الله فى العذاب الأليم ": أى يغمِسَهُم، ويقالَ: غطَّه وغَتَّهُ وخنقَه بمعنى واحد (¬1). وقوله: " حتى بلغ منى الجهد ": أى الغاية والمبالغة والمشقة، يقال بفتح الجيم وضمها. وهذا الغط من جبريل [له] (¬2) - عليهما السلام - إشغال له عن الالتفات إلى شىء من أمر الدنيا، وإشعار بالتفرغ لما أتاه به، وفعل ذلك ثلاثاً فيه تنبيه على استحباب تكرار التنبيه ثلاثاً. وقد استدل به بعضُهم على جواز تأديب المُعَلِّم للمتعلمين ثلاثاً. وقال أبو سليمان: وإنما كان ذَلك ليبلُوَ صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كُلّفه من أعباء النُّبُوَّة (¬3)؛ ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم ويأخذه الرحضَاءُ - أى البهرُ والعرق - قال: وذلك يدل على ضعف القوة البشرية والوجل، لتوقع تقصير فيما أُمر به وخوف أن يقول غيره. هذا معنى ما أطال به فى هذا. وقال القاضى أبو الحسن بن القصَّار (¬4): وفى قوله: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق} (¬5) ردٌّ على الشافعى أن باسم الله الرحمن الرحيم آية من كل سورة، وهذه أول سورة نزلت وليس ذلك فيها (¬6). قال القاضى: وقد اختلف فى أول ما نزل من القرآن، فقيل: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} على مقتضى ظاهر هذا الحديث، وهو قول عائشة وجماعة من المفسّرين، وقيل: إن الذى نزل منها أولاً إلى قوله: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم} (¬7) وهو مفسَّرٌ فى الحديث، ثم نزل بعد ذلك. {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} و {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل} و {ن وَالْقَلَم} وفى رواية جابر: إن أول ما نزل عليه. {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر}. ¬

_ (¬1) وكذا الغطس، وذكره الزمخشرى فى الفائق 3/ 48. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) فى ت: الرسالة. (¬4) أبو الحسن هو على بن عمر بن أحمد، الإمام البغدادى. قال فيه أبو إسحاق الشيرازى: له كتاب فى مسائل الخلاف، لا أعرف للمالكين كتاباً فى الخلاف أحسن منه، وكان أصولياً، نظاراً، وولى قضاء بغداد. وقال فيه أبو ذر الهروى: وهو أفقه من رأيت من المالكيين، وكان ثقةً، قليل الحديث. قال القاضى فى الترتيب: توفى فيما قبل سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. ترتيب المدارك 7/ 70، الديباج المذهب 2/ 100، وفيه أنه على بن أحمد، وتبعه فى ذلك صاحب شجرة النور الزكية: 92. (¬5) العلق: 1. (¬6) مقتضى كلام القصار - رحمه الله - أن ما لم ينزل فى تلك المرة من بقية السورة يكون ليس منها، ولم يقُل به أحد. وقد قال الأبى: " لعل البسملة نزلت بعد ". إكمال 1/ 281. (¬7) العلق: 5.

خَدِيجَةَ فَقَالَ: " زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى " فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ. ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ: " أَىْ خَدِيجَةَ، مَا لِى " وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَ: " لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى ". قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةَ: كَلا، أَبْشِرْ، فَوَاللهِ، لا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا. وَاللهِ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ترجف بوادره ": قال الإمام: ترجُف: أي ترعدُ [بوادره وتضطرب] (¬1) والبوادر من الإنسان وغيره: اللحمة التى بين المنكب والعنق (¬2). قاله أبو عبيد فى الغريب المصنف. [وقوله: " زملونى ": أى دثرونى بالثياب] (¬3). قال القاضى: قد رواه فى الأم - أيضاً - فى الحديث الآخر: " يرجُفُ فؤاده " وذكره البخارى - أيضاً - أى يخفق، والرجفان: الاضطرابُ وكثرةُ الحركة ومنه: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} (¬4)، وهذا هو سبب طلبه أن يُزَمَّل ويُدثَّر، أى يُغَطَّى وَيُلفُّ بالثياب، لِشدَّة ما أصابه من هول الأمر، ولحقه من شِدَّة الغطِّ وثِقَلِ الوحى، وإن كان قد قال بعض المفسرين: إنه إنما كان يفعل هذا فَرقًا من جبريل لأول ما يلقاهُ حتى أنس به، وقيل: بل قيل له: يا أيها المدَّثر والمزمِّل لأنه حين أتاه الملك وجده متزملاً ملتفاً بثوبه فنودى بصفة حاله. والأول أصح وأولى لفظاً ومعنًى. والتزمُّل والتدثر واحدٌ. ويقال لكل ما يلقى على الجسد: دثارٌ، ولِلفَافَةِ القربهِ: زمالٌ، ومعنى المزَّمِّل والمدثر: المتزمّلُ والمتدثرُ، أدغَمت التاء فيما بعدها، وقد جاء فى أثر أنهما من أسمائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5). وقوله: " لقد خشيتُ على نفسى ": ليس بمعنى الشك فيما أتاه من الله، لكنه ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) نقلها الأبى: العنق والكتف. (¬3) من المعلم. (¬4) المزمل 14. (¬5) لم أقف عليه. وغاية ما يقال هنا ما ذكره ابن رشد فى حديث: " لى خمسةُ أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى، وأنا العاقب " قال: ليس فى اللفظ ما يدل على أنه ليس له اسم غيرها، قال الأبى: " وأيضاً فإنها كلها مشتقة كما أشار إليه بقوله: " الذى يمحو الله بى الكفر " فلا يمنع أن تكون له أسماء مشتقة من صفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما روى أنه قال: " وأنا المقفى، ونبى التوبة؛ ونبى الملحمة " فالمقفى كالعاقب يقفو ويعقب من تقدمه من الأنبياء - عليهم السلام - ونبى التوبة؛ لأن به تاب الله - سبحانه - على من تاب، ونبى الملحمة الذى يكف بالقتال عن الدين، فلم يذكر المدثر والمزمّل كما نرى ". إكمال 1/ 284.

وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى. وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ، أَخِى أَبِيهَا. وَكَانَ امْرَأ تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِىَّ وَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّة مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ. فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَىْ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: يَابْنَ أَخِى، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَآهُ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا لَيْتَنِى فِيهَا جَذعًا، يَا لَيْتَنِى أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عساه خشى أنه لا يقوى على مقاومة هذا الأمر، ولا يقدر على حمل أعباء الوحى فتزهق نفسه، أو ينخلع قلبه لشدة ما لقيه أولاً عند لقاء الملك، أو أن يكون قوله هذا لأول ما رأى التباشير فى النوم واليقظة وسَمِعَ الصوت قبل لقاء الملك وتحقيقه رسالة ربه، فيكون ما خاف أوَّلاً أن يكون من الشيطان، فأما مُنذ جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز عليه الشك فيه، ولا يخشى من تسلط الشيطان عليه (¬1). وعلى هذا الطريق يحمل كل ما وَرَدَ من مثل هذا فى حديث المبعث (¬2). وقول خديجة - رضى الله عنها -: " لا يخزيك الله أبداً " كذا قال يونس وعُقيل، بالخاء المعجمة والياء، وقال معمر: " يَحزُنك " بالحاء المهملة والنون. ومعنى: " يخزَيك ": يفضَحُك ويُهينُك، بلُ يثبّتُكَ حتى لا يُنسَبَ إليك كَذِبٌ فيما قُلتَه ولا يُسَلَّط عليك شيطان بتخبطه الذى حَذرتَه. ومعنى " يُحْزِنُكَ ": أى يوقع ما تخافه من ذلك. وهذا تأنيس منها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن كان هذا الأول ما رأى من المقدمات والتباشير، وقبل تحقيقه الرسالة ولقاء الملك. أو يكون قوله لما خشى من ضعف جسمه عن حمل ذلك. ¬

_ (¬1) قلت: وقد ذكر السهيلى عن أبى بكر الإسماعيلى أنه لا يمتنع أن يخشى ذلك لأول ما جاءه الملك قبل أن يحصل له العلم الضرورى بأن الذى جاءه ملك؛ لأن الحلم الضرورى لا يحصل دفعة، وقد أثنى الله - سبحانه - بهذا العلم فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله: {وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه} [البقرة: 285]. الروض الأنف 1/ 275. (¬2) وعليه يكون المراد من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد خشيت على نفسى ": أى خشيت ألا أنهض بأعباء النبوة، وأن أضعف عنها. السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " وتحمل الكَلَّ وتكسب المعدوم "، قال الإمام: قال ابن النحاس: الكلُّ: الثقيل (¬1) من كل شىء فى المؤونة والجِسْمِ، والكلُّ - أيضاً -: اليتيم [وقول وتكسب المعدوم] (¬2). قال ابن النحاس: ويقال: كسبتُ الرجُلَ مالاً وأكسبته مالاً، وأنشد: فأكسبتنى مالاً وأكسبته حمداً قال القاضى: أصل الكَل هنا، بفتح الكاف: الثقل، وقيل: أرادت به الضعيف، وقال بعضهم: أرادت (¬3) به اليتيم والمسافر، وهو الذى أصابه الكَلال، والكلُّ هو الذى عيَّالٌ على صاحبه، قال الله تعالى: {وَهُوَ كَل عَلَى مَوْلاهُ} (¬4) وروايتنا [فى] (¬5) هذا عن أكثر شيوخنا " تكسِبُ " بفتح التاء، وعند بعضهم [تُكسَبُ] (¬6) بضمّها وبالوجهين قرأنا الحرف على الحافظ أبى الحسن فى غير هذا الكتاب. وحكى أبو عبد الله بن القزاز (¬7) أن كَسَبَ حرفٌ نادرٌ، يقال: كسبتُ المال وكسبتهُ غيرى، ولا يقال: اكتسبتَ. وحكى الهروى والخطابى: كسبْتُ مالاً وكسبته زيداً، وحكى عن ثعلب وابن الأعرابى: أكسبت زيداً مالاً (¬8). وذكر ثابت (¬9) فى دلائله فى معنى هذا: أنَّك تصيبُ وتكسبُ ما يعجز غيرك عن كسبه ويَعْدَمَهُ، والعربُ كانت تتمادح بكسب المال لا سيما قريش، وقد عُرِفوا بقريش ¬

_ (¬1) فى الأصل: الثقل. (¬2) من المعلم. (¬3) فى ت: أراد. (¬4) النحل: 76. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬6) ساقطة من ق. (¬7) لعله محمد بن جعفر بن أحمد التميمى القيروانى شيخ اللغة بالمغرب المعروف بالقزاز، أبو عبد الله النحوى، مؤلف كتاب الجامع في اللغة، قال فيه الذهبى: وهو من نفائس الكتب. مات بالقيروان سنة اثنتى عشرة وأربعمائة. قلت: فإن كان هو فإنه القزاز وليس ابن القزاز. وفيات 651، معجم الأدباء 18/ 805، بغية الوعاة 29، الوافى 2/ 304، سير 17/ 326، معجم المؤلفين 9/ 149. أما ابن القزَّاز فكنيته أبو عثمان، وهو الإمام المحدث الثقة، شيخ اللغة بالأندلس سعيد بن عثمان بن سعيد، البربرى الأندلسى، تلميذ أبى على القالى، حدَّث عنه أبو عمر بن عبد البر، وجماعة. قال فيه ابن بشكوال: كان حافظاً للغة والعربية، حسن القيام بها، وكان من أجل أصحاب أبى على القالى، ومن طريقه صحت اللغة بالأندلس بعد أبى على، مات بالأندلس فى ربيع الأول سنة أربعمائة. الصلة 1/ 208، سير 17/ 205. فالأمر فيه عظيم الإشكال، فالله وحده هو أعلم بالمراد. (¬8) وقال القاضى فى المشارق فى توجيه معناه: " ومعناه: تكسبه لنفسك " المشارق 1/ 347. (¬9) هو ثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن مُطرّف، الإمام الحافظ، أبو القاسم السَّرقسطى الأندلسى اللغوى. قال فيه ابن الفرضى: كان عالماً، مفتياً، بصيراً بالحديث، والنحو، واللغة، والغريب، والشعر. =

" أَو مُخْرِجِىَّ هُمْ؟ ". قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِىَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤزَّرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ التجار، وسُمُّوا بذلك من التقرش وهى التجارة على أحد الأقوال (¬1). وعلى هذا لا تكون التاء إلا مفتوحة، لأنه مُعدَّى لمفعول واحد، وكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجدوداً (¬2) فى تجارته، وخبره بذلك مشهور، وقيل معناه: وتكسب الناس ما لا يجدونه من معدومات الفوائد - وهذا مُعدَّى إلى مفعولين، والتاء هنا مفتوحة وعلى قول للأكثر (¬3)، وتضم على قول بعضهم كما تقدَّم. وهذا أبلغ فى المدح، وأشهر فى خلق نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل النبوة وبعدها. وقوله: " هذا الناموس "، قال الإمام: قال أبو عبيد فى مُصَنَّفِه: الناموس: جبريل، وقال المطرز (¬4): قال ابن الأعرابى (¬5): لم يأت فى الكلام فاعولٌ، لام الفعل سينٌ إلا الناموس والجاسوس والجاروس والقاعوس والبابوس والداموس والقاموس والقابوسُ ¬

_ = وموضوع كتابه " الدلائل " الغريب مما لم يذكره أبو عبيد، ولا ابنُ قتيبة، قال الذهبى: وكتب أبو على القالى هذا الكتاب، وكان يقول: لم يوضع بالأندلس مثله. مات سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة. تاريخ علماء الأندلس 1/ 100، جذوة المقتبس 185، نفح الطيب 2/ 49، الديباج المذهب 1/ 319، سير 14/ 562. (¬1) وأشهر بقيتها أن قريشاً تصغير قرش، والقرش حوت يأكل حيتان البحر، وقيل: إنما سمى ولد النضر قريشاً؛ لأن النضر كان يقرش خلة الناس وحاجتهم، أى يفتش عنها فيسدُّها، وكان بنوه أيضاً يفتّشون عن حاجة أهل الموسم فيرفدونهم بما يُبلغهم، وقيل: إنما سمى به ولد النضر لتجمعهم؛ لأن النقرش هو التجمع، وهم كانوا مفترقين فى الأرض حتى جمعهم قصى، ولذا قيل: أبوكم قصى كان يُدعى مجمِّعاً ... به جمع الله القبائل من فهر إكمال الإكمال 1/ 786. (¬2) يعنى عظيم الجد، رجلٌ جُدٌّ، قال سيبويه: والجمع جُدُّون، ولا يُكسَّر. (¬3) فى الأصل: الأكثر. (¬4) تشبه فى ت أن تكون: المطرفى، والمثبت من الأصل والمعلم. والمطرّز هو: محمد بن على بن محمد بن صالح السلمى الدمشقى النحوى، قال الصفدى: روى عنه الخطيب، وتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة. الوافى 4/ 130، معجم المؤلفين 11/ 50. (¬5) ابن الأعرابى هو إمام اللغة أبو عبد الله محمد بن زياد بن الأعرابى الهاشمى، الأحول، النسَّابة. يروى عن أبى معاوية الضرير، والقاسم بن معن، وأبى الحسن الكسائى، وعنه إبراهيم الحربى، وعثمان الدارمى، وثعلب، وآخرون. قال فيه الذهبى: لم يكن فى الكوفيين أشبه برواية البصريين منه، وكان يزعم أنَّ أبا عبيدة والأصمعى لا يعرفان شيئاً. وقال ثعلب: لزمت ابن الأعرابى تسع عشرة سنة، وكان يحضُرُ مجلسه زُهاءُ مائة إنسان، وما رأيت بيده كتاباً قط، انتهى إليه علمُ اللغة والحفظ. مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين. قيل: كان ربيبَ المفضَّل بن محمد الضبىّ صاحب " المُفضليات " فأخذ عنه. تاريخ بغداد 5/ 282، إنباه الرواة 3/ 128، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 295، وفيات الأعيان 4/ 306، سير 10/ 687.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والعاطوس (¬1) والفانوس، والجاموس. فالناموس: صاحبُ سر الخير، والجاسوس: صاحب سر الشر، والجاروس: الكثير الأكل، والقاعوس: الحيَّة، والبابوس: الصبى الرضيع. قال غيره: وجاء فى شعر بن أبى أحمر يذكر ولد الناقة: جنت قلوصى إلى بابوسها جَزَعاً ... وما حنينك أَم ما أنتِ والذُّكَرُ [قال الهروى: لم يعرف فى شعر غيره، والحرف غير مهموز] (¬2) قال: ومنه حديث كعب: " إن عابد بنى إسرائيل مسح رأس الصبى فقال: يا بابوس " (¬3). والداموس: القبر، والقاموس: وسط البحر، والقابوس: الجميل الوجه، والعاطوس (¬4) دابةٌ يتشام بها، والفانوس: النمَّام، والجاموس: ضربٌ من البقر. قال ابن دُريد فى الجمهرة: جاموسٌ أعجمىٌّ، وقد تكلمت به العرب، قال الراجز: والأقْهَميْس (¬5) الفيل والجاموسا [قال] (¬6): والجاسوس كلمة عَربية، فاعول من تجسَّسَ. قال غيره: والجاسوس، بالحاء، غير معجمة من تحسَّسَ، وهو بمعنى الجاسوس. قال الإمام: وفى كتاب مسلم " أن هؤلاء الكلمات بلغن قاعوس البحر " و [قد] (¬7) قال ابن دريد فى الجمهرة: [و] (¬8) الكابوس: هو الذى يقع على الإنسان فى نومه، والناموس: موضع الصائد (¬9)، وناموس الرجل: صاحب سِرّه. قال القاضى: وحكى الحربى عن ابن الأعرابى: الناموس: الخَدَاعَة، قال الهروى: وسُمى جبريل ناموساً لأن الله تعالى خَصَّه بالوحى والغيب، وسيأتى الكلام على قوله فى الكتاب " قاعوس البحر " والخلاف فيه، فى موضعه بعد هذا إن شاء الله. وقوله: " يا ليتنى فيها جذعاً "، قال الإمام: قوله: " فيها " يعنى فى النبوة، وقوله: " جذعاً " يعنى شاباً (¬10) حين تظهر النبوة حتى أبالغ فى نُصْرته، والأصل فى الجذع من الدواب، وهو هاهنا استعارةٌ، والظاهر أن يكون [انتصب جذع على الحال، ¬

_ (¬1) نقلها الأبى فى الإكمال: القاطوس. (¬2) من المعلم. (¬3) الحديث معروف من رواية أبى هريرة، وسيأتى إن شاء الله فى كتاب البر، كما أخرجه أحمد فى المسند 2/ 434، وهو بغير تلك اللفظة " بابوس ". وانظر: الفائق فى غريب الحديث للزمخشرى 1/ 72، لسان العرب. (¬4) فى الإكمال: والقاطوس. (¬5) فى المعلم: والأفهبين. (¬6) من المعلم. (¬7) و (¬8) من المعلم. (¬9) فى المعلم: للصائد. (¬10) فى الإكمال: شباباً.

253 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْىِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَوَاللهِ لا يُحْزِنُكَ اللهُ أَبَدًا. وَقَالَ: قَالَتْ خَدِيجَةُ: أَىِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. 254 - (...) وحَدثَنِى عَبْدُ الْمَلِك بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الليْثِ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدى قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بَنُ خَالدٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والتقرير: يا ليتنى فى حين نبوته فى حال الشباب] (¬1)، ويصح أن يكون جذعاً منصوبٌ على أنه خبر كان المحذوفة، والتقدير: يا ليتنى أكون فيها جَذَعاً، وهذا على طريقة الكوفيين، ومثل ما تُضمر فيه كان عندهم قول الله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ} (¬2) تقديره عند الكسائى: يكن الانتهاء خيراً لكم، ومذهب البصريين أن " خيراً " إنما انتصب هاهنا بإضمار فعل دلّ عليه قوله: " انتهوا "، والتقدير عندهم: انتهوا وافعلوا خيراً لكم، وحكى عن أبى عُبيد كقول الكسائى فيه. وقال الفراء: هو نعتٌ لمصدر محذوف تقديره: انتهوا انتهاءً خيراً لكم. قال القاضى: كذا وقع الحرف فى أكثر الروايات فى الأم، وفى كتاب البخارى جذعاً بالنصب، ووقع هنا عندنا لابن ماهان: جذَع على خبر ليت، وكذلك هو فى البخارى عند الأصيلى، ووجه النَّصب عندى فيه وأظهره: كونه على الحال، وخبر ليت مُضمرٌ فى " فيها " (¬3) تقديره: ليتنى فى أيَّام نبوتك حىٌّ، أو لأيامها مدرك وفى حال شبيبة وقوة وصحة لنُصْرتك، إذا كان قد أسَنَّ وعمى عند قوله هذا، كما جاء فى الحديث. وقوله: " أنصرْكَ نَصْراً مؤَزَّراً "، قال الإمامُ: أى بالغاً. قال القاضى: كذا جاءت الروايةُ مؤَزَّراً، قال بعضهُم: أصله مُوَازراً؛ لأنه من وازرت، أى عاونتُ، ويقال فيه: آزرت، قال: ويحتمل أن الألف سقطت أمام الواو على التأويل، إذ لا أصل لمؤزَّر فى الكلام، قال القاضى: [وقد] (¬4) ظهر (¬5) لى أنه صحيح على ما جاءت به الرواية، وأنه أولى وأليق بالمعنى، والمراد: نصراً قوياً، مأخوذ من الأزر وهو القوة، ومنه تأزَّر النبْتُ إذا اشتدَّ وطال، قال الله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} (¬6)، ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) النساء: 171. (¬3) فى ق: فيها فى. (¬4) ساقطة من ق. (¬5) فى ق: يظهر. (¬6) طه: 31.

زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرَجَعَ إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ وَمَعْمَر، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ حَدِيثِهِمَا، مِنْ قَوْلِهِ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ. وَتَابَعَ يُونُسَ عَلَى قَوْلِهِ: فَوَاللهِ، لا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا. وَذَكَرَ قَوْلَ خَدِيجَةَ: أَىِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. 255 - (161) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِى يُونُسُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرَ بْن عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىَّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحَدِّثُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْىِ - قَالَ فِى حَدِيثِهِ -: " فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأسِى، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ جَالِسًا عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ". قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى، فَدَثَّرُونِى، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر. قُمْ فَأَنذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (¬1) وَهِىَ الأَوْثَانُ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْىُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل: قوَّتى، وقيل: ظهرى، ولو كان على ما ذهب إليه هذا القائل لكان صوابُ الكلام مُؤزِراً، بكسر الزاى، وبعد أن ظهر لى هذا وَجدتُ معناه: مُعلَّقاً عن بعض المشايخ، ووجدته للخطابى وهو صحيح (¬2). وقوله: " فجثثْتُ منه فَرَقًا "، قال الإمام: يروى: " فحُثِثْتُ " بالحاء غير معجمة، ومعناه: أسرَعْتُ خوفاً منه، [ويروى فجُثثت] (¬3)، ويروى: [فجئثت] (¬4). قال (¬5) الهروى: يقال: جوَث (¬6) الرجلُ وجُيئث وجثَّ أى فزع. قال القاضى: أكثر روايات الرواة فى هذا الحرف فى الموضعين الأولين فى الأمِّ " فجُئثت " بالجيم وهمزة مكسورةٍ بعدها وثاءٍ مثلثة، وكذا للعذرى فى الموضع الثالث، وعند الجماعة: " فَجُثِثتُ " بالجيم وتائين معجمتين بثلاثٍ، وكذا عند السمرقندى فى الثلاثة مواضع، ¬

_ (¬1) المدثر: 1 - 5. (¬2) ومنه الإزار؛ لأن المؤتزر يَشُدُّ به وسطه، ويحْكئُ صُلْبة أى يحكمها. (¬3) سقط من ق، وفى الأصل " فجئثت " بالهمزة. (¬4) من المعلم. (¬5) فى الأصل: فملَّه، والمثبت من المعلم، ت. (¬6) فى ت: جثا، وفى المعلم: جُئث، وهو وَهْم فيه لتكرر ذكره بعد.

256 - (...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْىُ عِنِّى فَتْرَةً، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى " ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَجُثثْتُ مِنْهُ فَرَقًا حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ ". قَالَ: وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرُّجْزُ الأَوْثَانُ. قَالَ: ثُمَّ حَمِىَ الْوَحْىُ بَعْدُ، وَتَتَابَعَ. وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ وَقَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاةُ - وَهِىَ الأَوْثَانُ - وَقَالَ: " فَجُثِثْتُ مِنْهُ " كَمَا قَالَ عُقَيْلٌ. 257 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ قَالَ: سمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ: أَىُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر}. فَقُلْتُ: أَوِ {اقْرَأ}؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: أَىُّ القُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر}. فَقُلْتُ: أَوِ {اقْرَأ}؟ قَالَ جَابِرٌ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِى نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِى، فَنُودِيتُ. فَنَظَرْتُ أَمَامِى وَخَلْفِى وَعَنْ يَمِينِى وَعَنْ شِمَالِى، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَنَظَرْتُ فَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا (¬1) اختلفت فيه الرواية عن البخارى. ومعنى الروايتين المذكورتين: فَزعْت، كما يُفسَّرُ فى الحديث من بعض رواية البخارى: " فَرُعِبْتُ " (¬2) مكان جَيثت. قال الكسائى: المجؤوثُ والمجثوثُ المذعورُ الفَزع. ولم يقيد (¬3) عن أحدٍ من شيوخنا بالحاء المهملة فى مسلم، لكنه وقع كذلك للقابسى فى موضع فى البخارى (¬4)، وفسَّرَه ¬

_ (¬1) فى ق: وكذلك. (¬2) ك بدء الوحى عن عائشة 1/ 4، وكذا أخرجه فى: التفسير، ب {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، عن جابر بلفظ: " فجئثتُ منه رعباً " 6/ 201. (¬3) فى ق: تقييده. (¬4) لم أجده فيما تَيَسَّرَ لى من نسخ وروايات.

أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأسِى، فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِى الْهَوَاءِ - يَعْنِى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ - فَأَخَذَتْنِى رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِى. فَدَثَّرُونِى، فَصَبُّوا عَلَىَّ مَاءً، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر. قُمْ فَأَنذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبَّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بأسرَعتُ، ولا يصح معناه، وكيف يصبح [تعبيره] (¬1) بأسرعت، وهو قد قال فى الحديث: " حتى هويتُ إلى الأرض " (¬2)، أى سقطت من الفزع، فكيف يجتمع السقوط والإسراع. قال بعضهم: صوابهُ: أهويتُ. قال القاضى: وقد جاء كذا فى موضع فى البخارى (¬3) وهو أشهرُ وأصح، وقال غيره: هوى من قريب وأهوى من بعيد. وقال الخليل: هَوِى يَهوى هَوِياً وهُوياً، قال الهروى: وقد يكون الصعود والهبوط يقال فيه: هَويّا بالفتح إذا هبط وبالضمَّ إذا صَعِدَ، وكذا قال الخطابى وغيره (¬4). وقال [لنا] (¬5) شيخنا أبو الحسين بالعكس. قال غيره: هوَت العُقابُ إذا انقضت على صيدٍ، فإذا راوَعته قيل: أهوت. وقيل فى قوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} (¬6): أى أهوى بها جبريل إلى الأرض، أى ألقى بها فيها بعد أن رفعها إلى السماء، وقيل فى قوله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (¬7): أى سقط. وقال أبو الهيثم: هويت أهوى إذا سقطت، وقال غيره: أهويت يدي إلى السيف وغيره أى أملت، ويقال: هوَيتُ فيه أيضاً. وقوله فى الحديث: {وَالرُّجْزَ فَاهجُرْ} (¬8) وفسرَه، هى الأوثان (¬9)، وقيل فيه: الإثم (¬10). وقوله: " فأخذتنى رجفةٌ "، وعند السمرقندى: وجفةٌ، بالواو، ومعناهما متقارب، [و] (¬11) هو كله من كثرة الاضطراب، قال الله تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَة} (¬12) وقال: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} (¬13). ¬

_ (¬1) من ق. (¬2) و (¬3) البخارى، ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم: آمين. (¬4) قاله الخطابى فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتانى جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، فحملنى عليه، ثم انطلق يهوى بى كلما صَعِدَ عقَبَةً استوت رجلاه مع يديه، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه ". قال: قوله " يهوى بنا " معناه: يسير بنا، وقد يكون ذلك فى الصعود والهبوط معاً، وإنما يختلف فى المصدر، فيقال: هوى يهوى هَوِياً إذا هبط، وهُوياً بالضم إذا صعد. غريب الحديث 1/ 417. (¬5) من ت. (¬6) النجم: 53. (¬7) النجم: 1. (¬8) المدثر: 5. (¬9) ولفظ: البخارى فى التفسير: قال أبو سلمة: والرجز الأوثان. (¬10) وهو قول إبراهيم الضحاك. انظر: تفسير القرآن العظيم 8/ 289. (¬11) ساقطة من الأصل. (¬12) النازعات: 8. (¬13) المزمل: 14.

258 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فإذا هو على العرش فى الهواء " وفى الحديث الآخر: " على عرش بين السماء والأرض " وفى الآخر: " على كرسى ": هذا تفسير معنى العرش فى الحديثين المتقدمين، وأنه كالكرسى والسرير وليس بعرش الرحمن العظيم، قال الله تعالى: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (¬1). قال أهل اللغة: العرش: السرير، وقيل: سرير الملك. وقوله: " ثم حمى الوحْىُ وتتابع ": الكلمتان بمعنى واحدٍ، أى كثر نزوله، وقوى أمره، وازداد، من قولهم حميت النارُ والشمس إذا زاد حرهما، ومنه: حمى الوطيسُ: أى قوى حره، واشتد، ثم استعير فى الحرب. وفى هذا الحديث وشبهه تحقيق العلم بتصور الملائكة على صورٍ مختلفة، وإقدار الله لهم على التركيب فى أى شكل شاؤوا من صور بنى آدم وغيرها، وأنَّ لهم صوراً فى أصل خلقتهم مخصوصة بهم، كلُّ منهم على ما خُلِق عليه وشُكِّل. ¬

_ (¬1) النمل: 23.

(74) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات

(74) باب الإسراء برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماوات، وفرض الصلوات 259 - (162) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ. يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ " قَالَ: " فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْت الْمَقْدِسِ ". قَالَ: " فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِى يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ ". قَالَ: " ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِى جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفَطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِى وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَىِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مِنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بيُوسُفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِى شَطْرَ الحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفتَحَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - قِيلَ: مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر حديث الإسراء قال الإمام: اختلف الناس فى الإسراء برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيل: إنما كان جميع ذلك مناماً، واحتجوا بقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} (¬1)، وقيل: بل جميعه كان حقيقة فى اليقظة، واستدلوا بقوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (¬2)، ولم ¬

_ (¬1) الإسراء: 60. ومحل استشهادهم أنه جلَّ جلاله عبر عنها (بالرؤيا) التى لا تكون إلا منامًا، ولم يقل: (الرؤية) التى تقع يقظة. ويمكن أن يرد على ذلك بأنها لغرابتها كانت كالرؤيا. (¬2) الإسراء: 1.

هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْه؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّاَ} (¬1). ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْه؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْه؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وإِذَا وَرَقُهَا كَآذانِ الفِيلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ ". قَالَ: " فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِى تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاةٌ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاةً. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى ربِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّى قَدْ بَلَوْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ ". قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّى فَقُلْتُ: يَارَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِى، فَحَطَّ عِنِّى خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّى خَمْسًا. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِك فَارْجِعْ إِلَى رَبِّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ ". قالَ. " فَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقل: بروح عبده، ولا ينتقل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل، واحتجوا - أيضاً - بأن ذلك لو كان مناماً لما استبْعَدته الكفار، ولا كذبوه فيه وافتتن به - أيضاً - بعض من كان أسلم من الضعفاء حتى ارتد، وغير بعيد أن يرى الإنسان مثل ذلك فى المنام. وقيل - أيضاً -: إنما الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان فى اليقظة وما بعد ذلك منام. ويصح لقائل هذا القول أن يبنى فيقول: قوله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} الآية، كما قال: {إِلَى ¬

_ (¬1) مريم: 57.

أَزَلْ أَرْجِعْ بَيْنَ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - حَتَّى قَالَ: " يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَات كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلْهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً " قَالَ: " فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّى حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ". 260 - (...) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِىّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُتِيتُ فَانْطَلَقُوا بِى إِلَى زَمْزَمَ، فَشُرِحَ عَنْ صَدْرِى، ثُمَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أُنزِلْتُ ". 261 - (...) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً. فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِى طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ. ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِى مَكَانِهِ، وَجَاءَ الغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِى ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهْوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِى صَدْرِهِ. 262 - (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ بَلالٍ - قَالَ: حَدَّثَنِى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثَنَا عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ؛ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاثَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَسْجِدِ الأَقْصَا} كان بالجسد، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاس} يريد ما كان فى المنام بعد ذلك. احتج القائل بهذا التفصيل بأن ذلك خرج مخرج التمدح، والإخبار بتشريفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يقع التمدح بالأدون مع وجود الأرفع، فلو كان قد صعد إلى السماء بجسده لكان يقول: أسرى بعبده إلى السماء، فهو أبلغ فى المدح من أن يقول: {إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا}.

نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، وَقَدَّمَ فِيهِ شَيْئًا وَأَخَّرَ. وَزَادَ وَنَقَصَ. 263 - (163) وحدثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِى وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِى، ثُمَّ غَسَلَهُ منْ مَاء زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِى صَدْرِى، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى فَعَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاء، فَلَمَّاَ جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَد؟ قَالَ: نَعَمْ. مَعِى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَم. فَفَتَحَ. قَالَ: فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ. قَالَ: فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. قَالَ: فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالابْنِ الصَّالِحِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: الحق والذى عليه أكثر الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين والمتكلمين أنه أسرَى بالجسد، والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها، ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل، ولا استحالة فى حملها عليه فيحتاج إلى تأويل. وقد جاء فى مسلم من رواية شَرِيك فى هذا الحديث اضطراب وأوهامٌ، أنكرها عليه العلماء، وقد نبَّه مسلم على ذلك بقوله: " فقدَّم وأخَّرَ وزاد ونقص منها " (¬1). قوله: " وذلك قبل أن يوحى إليه ": وهو غلطٌ لم يوافق عليه، فإن الإسراء أقلُّ ما قيل فيه: إنه كان بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً، وهو قول الزهرى (¬2). وقال الحربى: كان ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، وقال الزهرى: كان ذلك بعد مبعث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمس سنين، وقال ابن إسحاق: أسرى به وقد فشى الإسلام بمكة والقبائل (¬3). وأشبه هذه الأقاويل قول الزهرى وابن إسحاق، إذ لم يختلفوا أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة، قيل: بثلاث سنين ¬

_ (¬1) حديث رقم (262) فى هذا الباب. (¬2) فى الأصل وت: الذهبى، وقيدت فى ت بخط مرتعش، وإن كان كتب أمامها فيها: كأنه الزهرى. (¬3) راجع فى ذلك: السيرة النبوية 1/ 396، والروض الأنف 2/ 148، ودلائل النبوة للبيهقى 2/ 354.

وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجنةِ، وَالأَسْوِدَةُ التى عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. قَالَ: ثُمَّ عَرَجَ بِى جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيةَ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ خَازِنُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا. فَفَتَحَ. فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِى السَّمَاوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإدْرِيسَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِح. قَالَ: ثُمَّ مَرَّ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ. قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِح. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى. قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِح. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالابْنِ الصَّالِح. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: بخمس، كما أن العلماء مجمعون أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون هذا كله قبل أن يُوحى إليه؟ وكذلك ذكره فى الحديث شرح صدره وغسله. وقوله: " انطلقوا به إلى زمزم " مع قوله فى الحديث الآخر: " إن ذلك فُعِلَ به وهو مع الغلمان " وما ذكر فى كتاب مسلم: " إن ذلك كان وهو عند مرضعته فى بنى سعد " ويصحح هذا قوله فى كتاب مسلم: " وجاء الغلمان إلى أمه - يعنى ظئره - وهى حليمة بنت أبى ذؤيب " وهذا أصح من كون ذلك بمكة، وأنه كان فى صغره وقبل نبوته وفى غير حديث الإسراء، وأن صح ذكر غسله عند زمزم فلا يبعد ذهاب الملائكة به كذلك ثم ردّه إلى موضعه ويجمع بين الحديثين. وقد وافق شريكاً فى هذا عن أنس غيرُه، وقد جوَّد الحديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وأتقنه وفصَّله [فجعله] (¬1) حديثين، وجعل شق البطن فى صغره والإسراء بعد ذلك بمكة - وهو المشهور الصحيح. ¬

_ (¬1) من ت.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِىَّ كَانَا يَقُولانِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثُمَّ عَرَجَ بِى حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ ". قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِى خَمْسِينَ صَلاةً ". قَالَ: " فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى فَقَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ -: " مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ " قَالَ: " قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلاةً، قَالَ لِى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ -: فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ ". قَالَ: " فَرَاجَعْتُ رَبِّى فَوَضَعَ شَطْرَهَا ". قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ ". قَالَ: " فَرَاجَعْتُ رَبِّى، فَقَالَ: هِىَ خَمْسٌ وَهِىَ خَمْسُونَ، لا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ ". قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ: قَدْ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى ". قَالَ: " ثُمَّ انْطَلَقَ بِى جِبْرِيلُ حَتَّى نَأتِى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله فى رواية شريك: " وهو نائم " وقوله فى الرواية الأخرى: " أنا عند البيت بين النائم واليقظان " فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم، ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أوَّل وصول الملك إليه، وليسَ فى الحديث ما يدلُّ على كونه نائماً فى القصة كلها. وقوله فى صفة البراق: " وهو دابةٌ طويل " جاء بوصف المذكر لأنه وصف البراق، ولو أتى به على لفظ الدابة لقال: طويلة. قال ابن دريد: البراق الدابة التى حُمِل عليها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اشتقاقها من البرق إن شاء الله تعالى. قال القاضى: كأنه يعنى لما وُصِفت به من السرعة، ويحتمل عندى أن تُسمى بذلك لكونها ذات لونين يقال: شاةٌ برقاء إذا كان فى خلال صوفها الأبيض طاقات سود، وجاء وصف البراق فى الحديث: " أنه أبيض "، فقد يكون من نوع الشاة البرقاء وهى معدودة فى البيض؛ ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبرقوا فإنّ دم عفراء عند الله أزكى من دم سوداوين " (¬1)، أى ضحوا بالبرقاء وهى البيضاء، وهى هنا " العفراء ". ¬

_ (¬1) الحديث أورده الهيثمى، المجمع، ك الأضاحى، ب ما يستحب من الألوان من حديث كثيرة بنت سفيان - وكانت من المبايعات - وقال: رواه الطبرانى فى الكبير، وفيه محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف 4/ 18.

فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لا أَدْرِى مَا هِىَ ". قَالَ: " ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤلُؤ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ ". 264 - (164) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ - لَعَلَّهُ قَالَ - عَنْ مَالِك بْنِ صَعْصَعَةَ - رَجلٍ مِنْ قَوْمِهِ - قَالَ: قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ سَمِعْتُ قَائِلاً يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلاثَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَأُتِيتُ فَانْطُلِقَ بِى، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ مَاء زَمْزَمَ، فَشُرِحَ صَدْرِى إِلَى كَذَا وَكَذَا - قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِلَّذِى مَعِى: مَا يَعْنِى؟ قَالَ: إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ - فَاسْتَخْرِجَ قَلْبِى، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمُ حُشِى إِيمَانًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالُ لَهُ: البُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ البَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ". قَالَ: " فَفَتِحَ لَنَا، وَقَالَ: مَرْحَبًا بِهِ. وَلَنِعْمَ المَجِىءُ جَاءَ ". قَالَ: " فَأَتَيْنَا عَلَى آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ لَقِىَ فِى السَّمَاءِ الثَّانِيةِ عِيسَى وَيَحْيَى - عَلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فجاء جبريل بإناءٍ من خمرٍ وإناءٍ من لبن، فاخترت اللبن، فقال: [اخترت] (¬1) الفطرة ". أصل الفطرة فى كلام العرب: الخلقة ومنه: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (¬2): أى خالقها، وقيل: الفطرة: الابتداء، وقوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (¬3): أى أقم وجهك للدين الذى فطر الناس عليه، قيل: الجبلةُ التى جبلهم عليها من النّهى، لمعرفة الله، والإقرار به، وقيل: ما أخذ عليهم فى ظهر آدم - عليه السلام - من الاعتراف بربوبيَّته، وقيل: معناها: الاستقامة؛ لأن الحنيف عند بعضهم المستقيم، [وسمى] (¬4) الأحنف على القلب، كما سمى اللديغ [سليماً] (¬5)، والحنيفية المستقيمة عن الميل لأديان [أهل] (¬6) الشرك، كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنِّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صَرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬7)، وكما قال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} (¬8). ¬

_ (¬1) ساقطة من ق. (¬2) الشورى: 11. (¬3) الروم: 30. (¬4) فى ت: ويسمى، وساقطة من ق. (¬5) و (¬6) ساقطة من الأصل. (¬7) الأنعام: 161. (¬8) الروم: 30.

السَّلامُ. وَفِى الثَّالِثَةِ يُوسُفَ. وَفِى الرَّابعَةِ إِدْرِيسَ. وَفِى الْخَامِسَةِ هَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ قَالَ. " ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِح، فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ بَكَى، فَنُودِىَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: رَبِّ، هَذَا غُلامٌ بَعَثْتَهُ بَعْدِى، يَدْخُلُ مِنْ أُمتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِى ". قَالَ: ثُمَّ " انْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَأَتيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل فى قوله: " كل مولود يولد على الفطرة " (¬1) هذه الأقوال كلها، وقيل: ما كتب عليه فى بطن أمه، وقيل: الإسلام، وسيأتى الكلام على هذا الحديث. ويحتمل أنَّ المراد بالفطرة فى قوله: " اخترت الفطرة " بعض هذه المعانى - الإسلام أو الاستقامة أو الحنيفية. أو يكون - أيضاً - لما كان اللبن كله حلالاً فى هذه الشريعة والخمر كله حراماً فعدَل عمَّا حُرّم فيها إلى ما أحِلَّ فيها (¬2) دَلَّ ذلك على هدايته لها، وقيل: هو من باب التفاؤل الحسن لما كان أول شىء يدخل جوف الرضيع، ويفتح فمه عليه يسمى فِطْرَةً، لشقه الأمعاء. وما تقدم أوجه. وقوله فى الرواية الأخرى: " أصبتها أصاب الله بك ": أى أصبت الفطرة أو الملة، ومعنى أصاب الله بك: أى قصدَ بك طريق الهداية، وقد يكون أصاب هنا بمعنى: أراد الله بك الخير، واعتمدك به. وقوله فى الخمر: " لو أخذته لغوَت أُمَّتُك " دليلٌ على تحريمها وأنها من الغى وسبَبُ الغى، وضد الهُدى، وليست منه. [و] (¬3) ذكر فى الحديث أبواب السماء واستفتاحها وسؤال ملائكتِها لجبريل، فيه دليل على أن للسماء أبواباً حقيقية، وحفظةً موكَّلين بها، ودليلٌ على الاستئذان، وأن ما ¬

_ (¬1) جزء حديث أخرجه البخارى فى الجنائز، ب ما قيل فى أولاد المشركين 2/ 125، أبو داود، ك السنة، ب فى ذرارى المشركين 2/ 531، أحمد فى المسند 2/ 233، 275، 282، 393 عن أبى هريرة. (¬2) قال الأبى: " وفى توجيه إيثار اللبن بما ذكر نظرٌ؛ لأن هذه الخمر ليست بحرام، لأنها إن كانت من مر الجنة فواضح، وإن كانت من خمر الدنيا فلم تكن حينئذ حُرّمت، لأنها إنما حُرّمت عام خيبر ". إكمال 1/ 306. قلت: وهى وإن لم تكن حرمت شرعاً حتى ذلك الوقت، فإنها مكروهةٌ على الدوام طبعاً، ولهذا كان تعبير جبريل - عليه السلام - له: " أصبت الفطرة ". (¬3) من الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينزل من الوحى وعلم الغيب بها لا يعلمه إلا من أعلمهُ الله به، لاستفهام الملائكة جبريل عن بعث محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كان بُعِث منذ مدةٍ، وقيل: بل معنى قوله: " أوَ قَدْ أُرْسِل إليه؟ ": أى للعروج إلى السماء (¬1)، إذا كان إرساله بالنبوة قبل مُستفيضاً، فجاء أنهم قد علموا بعضاً دون بعض، علموا بنبوته وأنه سيُرسَل ولم يعلموا وقت إرساله، أو علموا جميع ذلك ولم يعلموا إسراءه. وفيه لقاء أهل الفضل بالترحيب والبشر والكلام الحسن لقول الأنبياء والملائكة له: مرحباً ونعم المجىء جاء ودعائهم له، وقولهم: " الابن الصالح والأخ الصالح ". وانتصب " مَرْحباً " على إضمار فعل أى صادفت رُحباً وسعة بر. وقوله عن إدريس فى قوله لنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والأخ الصالح " مخالف لما يقوله أهل النسب والتاريخ من أنه أبٌ وأنّه جدٌّ أعلى لنوح، وأن نوحاً هو ابن لامك بن متشولح (¬2) ابن خنوخ، وهو عندهم إدريس بن برد بن مهلايل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم - عليه السلام. ولا خلاف عندهم فى عدد هذه الأسماء وسردها على ما ذكرناه، وإنما الخلاف فى ضبط بعضها وصورة لفظه. وجاء جواب الآباء هاهُنا - كنوح وإبراهيم وآدم -: " مرحباً بالابن الصالح "، وإنما قال عيسى عن إدريس بالأخ الصالح - كما ذكر عن موسى وعيسى ويوسُفَ وهارون ويحيى ممن ليس بأب باتفاق للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال بعضهم: وقد قيل عن إدريس إنه إلياس، وهذا يدُل أيضاً أنه ليس بِجَدّ لنوح، واحتج لصحة ذلك بقوله: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (¬3)، وبقوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِه} (¬4) يعنى إبراهيم - عليه السلام - وذكر فيهم إلياس، وفى حديث الشفاعة: أنَّ نوحاً أوَّل رسول لأهل الأرض، وسيأتى الكلامُ بعد على هذا إن شاء الله تعالى. وقوله: " وإذا إبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ": يُستَدلُّ به على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها. وقوله فى آدم: " عن يمينه أسَوِدَةٌ وعن يساره أسْوِدَةٌ " الحديث، قال الإمام: أسْوِدةٌ جمع سوادٍ، مثل قذال وأقذلة، وزمان وأزمنة، وسنام وأسْنمة. قال الهروى: السَّوَاد ¬

_ (¬1) قال السهيلى: " ومعنى سؤالهم عن البعث إليه فيما قال بعض أهل العلم: أى قد بُعِث إليه إلى السماء، كما قد وجدوا فى العلم أنه سيُعَرج به، ولو أرادوا بعثه إلى الخلق لقالوا: أوَ قد بُعِث، ولم يقولوا: إليه، مع أنه يبعد أن يخفى عن الملائكة بعثه إلى الخلق فلا يعلمون به إلى ليلة الإسراء ". الروض الأنف 2/ 151. (¬2) فى ت: والأصل: متوشلح، غير أنها استدركت بهامش ت بما أثبتناه. (¬3) الصافات: 123. (¬4) الأنعام: 84.

وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: وَحَدَّثَ نَبِىُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرانِ وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ " فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الأَنْهَارُ؟ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِى الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِىَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فقُلْتُ: يا ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماعات (¬1). قال غيره: فكأنه قال: فإذا رجل عن يمينه جماعة وعن يساره جماعةٌ، والسَّواد - أيضاً - الشخص، يقال: لا يفارق سوادُك سوادى، أى شخصك شخصى. قال القاضى: ذكر فى الحديث نفسه أن الأسْوِدة نسَمُ بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، فلذلك قال: " إذا نظر إليهم ضَحِك " وذكر أن أهل الشمال أهل النار، فلذلك قال: " إذا نظر إليهم بكى ". والنسمُ جمع نَسَمة، قال الخطابى: وهى تفسير الإنسان، يريد أرواح بنى آدم، وذكر أنَّه وجد آدمَ فى السماء الدنيا ونسم بنيه من أهل الجنة والنار، وقد جاء أن أرواح الكفَّار فى سجين (¬2)، قيل: فى الأرض السابعة، وقيل: تحتها، وقيل: فى سجن، وأن أرواح المؤمنين مُنعَّمةٌ فى الجنة، فتُحمل أنها تُعرَض على آدمَ أوقاتاً فوافق وقت عرضها مرور النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به، ويحتمل أن كونهم فى النار والجنة أوقاتًا دون أوقاتٍ، بدليل قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية (¬3)، وبقوله فى المؤمن: " وعُرض منزله من الجنة عليه هذا مقعدك حتى يبعثك اللهُ إليه " ويحتمل أن الجنة كانت فى جهة يمين آدم، والنار فى جهة شماله، وكلاهما حينئذ حيث يشاء الله. وفيه دليل على وجود الجنة والنار، وخلقهما على ما ذهب إليه أهل السنة والحديث، وأن الجنة فى السماء أو فوقها وجهتها على ما جاءت به ظواهر الأحاديث وأن العرش سقفها. وقوله فى ذكر الأنهار الأربعة، وأنه رآها تخرج من أصلها، كذا جاء فى الأم، أى من أصل سدرة المنتهى، وكذا جاء مُبينًا فى البخارى (¬4). وقوله: " وأما النهران الظاهران (¬5) فالنيل والفرات ": يُشْعِرُ أن أصْلَ سدرة المنتهى فى الأرض، والله أعلم. ¬

_ (¬1) عبارته: الأساود الشخوص من المتاع، وكل شخص سوادٌ، من متاع أو إنسان أو غيره، وجمع السواد أسودة، ثم الأساود جمع الجمع. غريب الحديث 4/ 134. (¬2) يعنى ذلك ما أخرجه أحمد عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ العبد لمؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس ... " الحديث. المسند 4/ 287. (¬3) غافر: 46. (¬4) ك مناقب الأنصار، ب حديث الإسراء 5/ 68. (¬5) قال مقاتل: الباطنان هاهنا السلسبيل والكوثر. قال النووى معقباً على كلام القاضى من أن أصل سدرة المنتهى فى الأرض. هذا الذى قاله ليس بلازم، بل معناه: أن الأنهار تخرج من أصلها ثم تسير حيث أراد الله تعالى، حتى تخرج من الأرض وتسير فيها، قال. وهذا لا يمنعه عقلٌ ولا شرع، وهو ظاهر الحديث، فوجب المصير إليه، والله أعلم 2/ 225.

جِبْرِيلُ، مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا خَمْرٌ والآخَرُ لَبَنٌ، فَعُرِضَا عَلَىَّ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ. فَقِيلَ: أَصَبْتَ، أَصَابَ اللهُ بِكَ، أُمَّتُكَ عَلَى الْفِطْرَةِ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَىَّ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلاةً " ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّتَهَا إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى موسى - عليه السلام -: " فبكى "، وقوله: " رجل، يدخُلُ من أمته الجنة أكثر من أمتى "، بكاؤه هذا إشفاق على قومه وأمته، وما تقدَّم من ضلالهم وعدم توفيقهم وهدايتهم، وما فاته من ثواب كثرة من يؤمن به منهم، ومن ذريتهم، ويُدَّخَرُ له (¬1) [من أجورهم] (¬2) لذلك، لو وفقهم الله. وقوله: " ففَرض علىَّ فى كل يوم وليلة خمسين صلاةً " ثم ذكر مراجعته ربَّهُ حتى ردَّها إلى خمس صلوات، قال الإمام: هذا يُستَدلُّ به على من منع نسخ الشىء قبل فعله، إذ لم تفعل من هذه الصلوات شىء بعد (¬3). قال القاضى: ذكر مسلم فى حديث ثابِتٍ عن أنسٍ أنَّه حطَّ عنه أولاً خمس صلوات، ثم لم يزل يرجع بين ربه وبين موسى حتى قال: يا محمد، إنَّها خمس، وذكر من رواية الزهرى عن أنس أنه حطَّ أوَّلاً من الخمسين شطرها، ثم ردَّها إلى خمسٍ، وقد ذكر البخارى الحديثين جميعاً (¬4). وقد يجمع بينُهما أن يجعَل الشطر فى الحديث الآخر بمعنى الجزء لا بمعنى النصف، وإن كان أصله النصف فقد يعَبَّر به عن غير النصف، كما قالوا: أشطارُ الناقة، وهى أربع (¬5) وأشطار (¬6) الدهر، وهى كثيرة (¬7). واختصاص نبينا [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬8) بموسى (¬9) فى هذه القصة لأنه كما قال: وجده فى السماء ¬

_ (¬1) فى ت: لهم. (¬2) سقط من ت. (¬3) وردت فى نسخة المعلم عقب سياقه لأحاديث الإسراء، وما هاهنا من تصرف القاضى. (¬4) فى ك مناقب الأنصار، ب المعراج، عن مالك بن صعصعة جاء بلفظ: " فوضع عنى عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعتُ فَوَضَع عنى عشراً، فرجعتُ إلى موسى فقال مثله، فرجعتُ فأمرْتُ بعشر صلوات كلَّ يوم، فرجعت فقالَ مثله، فرجعتُ فأمرتُ بخمس صلوات كل يوم .. " الحديث 5/ 69. ورواية الشطر جاءت فى ك الصلاة، ب كيف فُرضت الصلواتُ فى الإسراء، من حديث أنس بن مالك عن أبى ذر 1/ 97. (¬5) فى الأصل: أربعة. (¬6) فى الأصل: أشطر. (¬7) مشارق الأنوار، لسان العرب. (¬8) من ت. (¬9) فى الأصل: لموسى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السادسة (¬1)، فكان أول من لقيه من الأنبياء صلوات الله عليهم. وفيه إشفاقهم على عباد الله، ورفقهم بهم، وحبهم هدايتهم، ونصيحتهم لجميعهم. وقوله فى شرح صدره: " فاستخرج منه علقةً، وقال هذا حظُّ الشيطان منك ": دليل بَيِّنٌ على عصمة نبينا من الشيطان، وكفايته إياه أن يُسَلَّط عليه، لا فى علمه ولا يقينه، ولا جسمه ولا شىء من أمره، لا بالأذى والوساوس (¬2) ولا غيره، وقد ادَّعى بعض العلماء الإجماع على ذلك (¬3). ويصحح ما قلناه ما جاء من الآثار الصحيحة أنه قد أعانه الله عليه فلا يأمره إلا بخير، أو أنه أسلَمَ، على من رواه بفتح الميم، أو أسلمُ، على من رواه بضم الميم (¬4)، أو استسلم على من رواه كذا، وأنه قد أخذه حين تعرض له فى صلاته، ولقوله (¬5): " لم يكن ليُسلَّط علىَّ " (¬6). وعلى هذا لا يصح أن يحمل قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} (¬7) على الإغواء والوسوسة، بل على ما قاله بعض المحققين: أنه راجع إلى قوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬8) ثم قال: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} الآية: أى يستخفَّنَّك غضباً يحملك على ترك الإعراض، وقيل: النزغ أدنى الوسوسة، فأمره تعالى بالاستعاذة من ذلك فيكفيه له، إذ لم يُسلَّط على أكثر من ذلك (¬9). وكذلك أنكر محققو المفسرين والعلماء أن يكون الشيطان تسلَّط على ملك سليمان وأهله، وردُّوا ما حكاه بعضهُم وذكره المؤرخون من ذلك (¬10)، وكذلك لا يصح قصة ¬

_ (¬1) قيدت فى إكمال الإكمال: السابعة، وهو وَهْم أو خطأ. (¬2) فى ت: الوسواس. (¬3) راجع: الشفا 2/ 735. (¬4) فى الأصل بالضم، والقاضى يعنى بذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما منكم من أحدٍ إلا وُكِّل به قرينُه من الجنِّ وقرينهُ من الملائكة " قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: " وإيَّاى، لكن الله تعالى أعاننى عليه فأسلم "، وسيأتى فى صفات المنافقين. (¬5) فى الأصل: وقوله. (¬6) لم أقف عليه. (¬7) الأعراف: 200. (¬8) الأعراف: 199. (¬9) وقيل: ينزغنَّك: يغرينَّك ويُحركنَّك، فأمره الله تعالى أنه متى تحرَّك عليه غضبٌ على عدوِّه، أو رام الشيطانُ من إغرائه به وخواطر أدانى وساوسه، لم يجعل له سبيل إليه - أن يستعيذ منه، فيُكفَى أمرَه، ويكون سبب تمام عصمته. راجع الشفا 2/ 740. (¬10) من قولهم بتشبه الشيطان به، وتسلطه على ملكه، وتصرفه فى أمته بالجور فى حكمه. قال القاضى فى الشفا: وأما قصة سليمان وما حكى فيه أهل التفاسير من ذنبه وقوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَان} [ص: 34] فمعناه: ابتلينا، وابتلاؤه ما حُكى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لأطوفَنَّ الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين، كلُّهن يأتين بفارس يجاهدُ فى سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [تلك] (¬1) الغرانقة العلى، وما ذكر (¬2) من إلقاء الشيطان لها على فم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأويل من تأوَّل ذلك فى قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِي} الآية (¬3)، إذ تلك الأحاديث لا أصل لها، والآية مختلف فى تأويلها ومعناها، فقد قيل: ألقى فى أمنيته، أى سها فى تلاوته، ولإجماع المسلمين أنه لا يجوز أن تُسَلَّط عليه فى شىء من أمور شريعته، ولا شىء أعظم من مدح آلهة غير الله وتشريكها معه، لا سهواً ولا عمداً، وقد بسطنا الكلام فى هذا وشبهه فى كتاب الشفا، بما لا مزيد عليه وتقصَّينا فيه ما لا يكاد تجده فى سواه والحمد لله (¬4). وقوله: " وغسَلَه فى طست من ذهب ": يقال: طستٌ بفتح الطاء - وهو أشهرها - وقيل: بكسرها، وطَسٌّ وطَسَّةٌ وطِسَّةٌ. استدل به بعض فقهائنا على جواز تحلية ما كان من آلات الطاعات بالذهب والفضة، كالمصحف والسيف وشبهه، ويرد قوله ما وقع عليه الاتفاق من منع تحلية المحابر والأقلام، وكتب العلم - ما عدا المصاحف (¬5)، إذ خلاف العلماء فى الأسلحة الحربية وآلاتها ما عدا السيف (¬6)، وما استمر عليه عمل المسلمين من تحلية الكعبة والمساجد وآلاتها بالذهب والفضة (¬7). وقوله: " ثم لأمه " أى جمعه وألزقه، وضمّ بعضه إلى بعض حتى التأم. ¬

_ = فلم يقُل، فلم تحمل منهن إلا أمرأةٌ واحدةٌ جاءت بشق رجل. قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذى نفسى بيده، لو قال. إن شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله ". والحديث صحيح، والمراد بالصاحب الملك أو القرين، أو رجل كان يصحبه، والمراد بشق رجل أى رجل غير كامل. الشفا 2/ 835. (¬1) ساقطة من ت. (¬2) فى الأصل: وما ذكره. (¬3) الحج: 52. (¬4) راجع: الشفا 2/ 750. (¬5) جاء فى التمهيد: " لا يجوز للرجال التختم بالذهب، ولا أن يحلى به سيفاً ولا مصحفاً لنفسه، ولا يلبسه فى شىء من الأشياء " 14/ 249. (¬6) فقد أخرج الترمذى بإسناد حسن عن مزيدة العصرى قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة، ك أبواب الجهاد، ب ما جاء فى السيوف وحليتها، وانظر: عارضة الأحوذى 7/ 185، وجاء فى المغنى قال: قال أحمد: قد رُوى أنه كان لعمر سيفٌ فيه سبائك من ذهب. المغنى 12/ 523 وسبب الإباحة فى ذلك إرهاب العدو، تحفة الأحوذى 5/ 338. (¬7) لأنه حينئذ من باب اللباس لا من باب الآنية، وباب اللباس أوسع من باب الآنية، فإن آنية الذهب والفضة تحرم على الرجال والنساء، وأما باب اللباس فإن لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق، ويباح للرجل ما يحتاج إليه من ذلك، ويباح يسير الفضة للزينة، وكذلك يسير الذهب التابع لغيره كالطرز ونحوه، وذلك لحديث معاوية الذى أخرجه أحمد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الذهب إلا مقطعاً. راجع: مجموع الفتاوى 21/ 87، 25/ 64.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " منتقع اللون ": قال الهروى: يقَال: انْتَقَع لَوْنُه وانتُقِع والْتُمِع واستُنْقع والتُمئ (¬1) بمعنًى واحد كلها عن الفراء. وقال الأزهرى: التُمِغ بالغين المعجمة أيضاً، وانتُشِفَ بالمعجمة أيضاً (¬2). قال القاضى: وأصل انتُقع - والله أعلم - من النقع، وهو التراب، أى تغير وجهه وزال عنه نور الحياة حتى أشبه التراب، وكأنما ذُرَّ عليه. وفى هذه القِصَّة أدلُّ حُجَّةٍ وأوضح بُرهان، وأصح دليل على مذهب أهل الحق من أن الموت والحياة وسائر الأشياء من فعل الله تعالى وخلقه محضاً ليس يوجبهما سبب ولا تقتضيهما طبيعة، ولا يشترط لوجودهما شَرْطٌ لا يوجدَان إلا معَه البتَّة - إلا من حيثُ أجرى الله العادة، حتى إذا شاء خَرَقها وأنفذ قدرته كيف شاء وكانت بمجرد قدرته وإرادته - خلافاً للفلاسفة ومن ضارع مذهبهم من المعتزلة (¬3)، فإنَّ شق الجوف وإخراج الحشوة (¬4)، وإخراج القلب وشقه ومعاناته وغسله، وإخراج شىء منه كل (¬5) ذلك مقتل فى العادة وسبب يوجد معه (¬6) الموت لا محالة، وقد اجتمعت هذه كلها فى هذه القصة ولم يمُت صاحُبها، إذ لم يُرد الله موته ولا قضاه، بل كانت هذه المهالك فى حق غيره أسباباً لحياة نفسه وقوة روحه وكمال أمره. ويحتمل أن تكون هذه العلقةُ التى استُخْرجِتْ من قلبه هى أحدُ أجزاء القلب المختص بها حبُّ الدنيا والنزوع للشهوات التى منها يأتى الشيطان، [أو ما تختص بها عوارض السهو والغفلة، كل ذلك بتدبير العزيز الحكيم - وهى الأبواب التى يأتى منها الشيطان - فطُرِحت عنه] (¬7) فلا يجد الشيطان إليه سبيلاً، كما طُرح عن يحيى شهوة النساء (¬8). أو تكون تلك العلقة - إذا كانت فى القلب - هى القابلة لوِسْواسِ الشيطان والمحركة للنفس بما ركب اللهُ فيها من القُوى لما يوافقه، فأُزيحت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليسلم من دواعيه الخبيثة، ونُقى القلبُ وغُسِل منها حتى لا يبقى لها أثر فى القلب جملةً. ¬

_ (¬1) فى ت: والتهم. (¬2) غريب الحديث 4/ 59. (¬3) أجمعت المعتزلة على أن الشىء إذا وجد فوجود ضده فى تلك الحال محال. مقالات الإسلاميين 244. (¬4) و (¬5) زيد بعدهما فى ق: شىء من. (¬6) فى الأصل: معها. (¬7) سقط من ق. (¬8) قال فى الشفا: اعلم أَنَّ ثناء الله تعالى على يحيى بأنه حصورٌ ليس كما قال بعضُهم: إنه كان هيوباً، أو لا ذَكَر له، فهذه نقيصةٌ وعيب، ولا تليق بالأنبياء، وإنما معناه: أنه معصوم من الذنوب، أى لا يأتيها، كأنها حُصر عنها، وقيل: مانعاً نفسه من الشهوات، وقيل: ليست له شهوةٌ فى النساء، فعدمُ القدرة على النكاح نقصٌ، وإنما الفضلُ فى كونها موجودةٌ ثم قمعها. الشفا 1/ 66.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مملوءة حكمة وإيماناً ": فالحكمة قد جاءت بمعنى النبوَّة، كما قيل فى قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة} (¬1) وفى قوله: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (¬2) أنَّه الحكمة ومعناها: النبوَّة، والحكمة - أيضاً - ما منع من الجهل، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} (¬3). فإن قيل: الحكمة والإيمان مَعْنيان ووصفان، فكيف يملأ بهما طسْتٌ وهذه صورة الأجسام؟ فاعلم أنه قد يكون أن الله تعالى [لما طَهَّر قلبه] (¬4) عن مضغة [الشر] (¬5) وغفلة (¬6) الشيطان القابلة لغير العلم والحكمة، عَوَّضه منها بفضله ما شاء ممَّا أودعه قلبَه، وما جعله متعلقاً لقبول حكمته وألطاف نبوته، والإيمان بمجامع (¬7) غيبه وشهادته، [و] (¬8) عبَّر عن ذلك بمتعلَّقه وهو الإيمان والحكمة، فسمَّاها بذلك إذ كانت تقوم به، وأما قولهم فى الرواية الأخرى: " ثم حشى إيمانًا وحكمةً " فعلى طريق الاستعارة (¬9) لعظيم ما علَّمه الله من ذلك. وفى هذا دليل على صحة قول المحققين: إن الكفر لا يصح قبل النبوة على الأنبياء وإن نبينا وسائرهم معصومون منه ومن سائر المعاصى، ثابتو الإيمان من صغرهم، ألا ترى كيف حُشِى صدرهُ وقلبُه حكمة وإيماناً من صغره وهو عند ظئره!؟ وقد أشرنا إلى هذه النكتة قبل. وقوله: " إلى مراق البطن "، قال الإمام: قال ابن قتيبة: هو بتشديد القاف، قال غيره: مراق البطن هو ما سفل منه (¬10). قال القاضى: أصله كل ما رق من الجلد، وقد عبَّر عنه فى غير هذا الحديث بلفظ آخر بمعنى: أسفل البطن. وقوله فى [هذا] (¬11) من رواية عبد الله بن هاشم المختصرة عن ثابت عن أنس قال: قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انطلَقوا بى إلى زمزم، فشرح عن صدرى، ثم غُسِل بماء زمزم، ثم أُنزِلتُ " كذا رويناه عن جميعهم بضم الهمزة وكسر الزاى وضم التاء، وحكى لنا بعض ¬

_ (¬1) النحل: 125. (¬2) مريم: 12، وقيل: المراد بالحكمة هنا: الفهم والعلم والجد والعزم والإقبال على الخير والإكباب عليه، والاجتهاد فيه وهو صغيرٌ حدث. تفسير القرآن العظيم 5/ 210. (¬3) البقرة: 269. (¬4) فى ت: لما طهر الله قلبه. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) فى الأصل: وعلقة. (¬7) فى ت: بجامع. (¬8) ساقطة من ت، ولعل ذلك الأصوب. (¬9) إذ شبَّه الامتلاء بالحشو، ثم حذف المشبه، وأقام المشبه به مقامه، واشتق منه حُشى. (¬10) وردت تلك العبارة فى المعلم بعد الحديث عن صفة موسى - عليه السلام. (¬11) ساقطة من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شيوخنا عن القاضى أبى الوليد الوقشى - وكان أكثر اعتناء بأمثال هذه الألفاظ المشكلة والجسارة على تقويمها بزعمه وإصلاحها - أن اللفظة وَهْمٌ من الرواة وتصحيف، وصوابها: ثم تركت، فعَرَضت هذا على شيخنا أبى الحسين بن سراج الحافظ اللغوى فقال لى: هذا تكلف، وأُنْزلْتُ بمعنى تركت فى كلام العرب معروف، فاتفقا فى المعنى واختلفا فى صحة اللفظ، ثم ظهر لى أنا بعد [ذلك] (¬1) أن أنزلت على بابها المستعمل الذى هو ضد رفعت، ألا تراه (¬2) كيف قال فى أول الحديث: " انطلقوا بى ": أى رفعوه من مضجعه وحملوه إلى حيث فُعِلَ به هذا، ثم رُدَّ إلى مكانه وأنزل فى مضجعه، ولم أزل أعُد هذا وما قبله أنا وغيرى من غرائب المعانى ودقائق أسرار كشف المشكل، إلى أن أوقفتنى المطالعة على الجلاء فيه، وإذا اللفظة طرف من الحديث الطويل المتقدم وقف عليها الراوى معلقاً بقية الحديث بما تقدم ومحيلاً عليه، فذكرها الإمام أبو بكر الخوارزمى المعروف بالبرقانى (¬3) فى الصحيح فقال فيه: " ثم أنْزِلَتْ طستٌ مملوءة حكمة وإيماناً فحشى بها صدرى، ثم عُرِج بى " وذكر الحديث. وقوله: " حتى ظهرت لمستوى (¬4) أسمع فيه صريف الأقلام ": ومعنى " ظهرت ": أى علوت، ومنه قوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬5) و {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (¬6) وقول النابغة: وإنا لنبغى فوق ذلك مظهرا والمستوى يكون بمعنى العلو والمصْعَد، قال ابن عباس فى قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ} (¬7) ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى ق: ترى. (¬3) الإمام العلامة الفقيه الحافظ الثَّبتُ شيخ الفقهاء والمحدثين، أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمى، سمع من الإمام أبى بكر الإسماعيلى ومحمد بن جعفر البندار، وأبى بكر القطيعى، وأبى أحمد الحاكم وعبد الغنى المصرى. ممن حدَّث عنه أبو بكر البيهقى، وأبو بكر الخطيب، قال فيه الخطيب: كان ثقة ورعاً، ثبتاً فهماً، لم نر فى شيوخنا أثبت منه، كثير الحديث، صنَّف مسنداً ضمَّنه ما اشتمل عليه صحيح البخارى ومسلم، وجمع حديث سفيان الثورى، وأيوب، وشعبة، وعبيد الله بن عمر، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق، وغيرهم، ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته، ومات وهو يجمع حديث مِسْعَر، ببغداد سنة خمس وعشرين وأربعمائة. أما كتابه المسند فهو مخطوط بأصفية تحت رقم 1/ 670 حديث 595. ولم يبق من كتابه " التخريج لصحيح الحديث " سوى عشر ورقات، وهى من مقتنيات تشتربيتى، توجد تحت رقم 3890. راجع: تاريخ التراث العربى 1/ 474، وانظر: تاريخ بغداد 4/ 373، تذكرة الحفاظ 3/ 1074، سير 17/ 464. (¬4) فى ت: بمستوى. (¬5) الصف: 14. (¬6) التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9. (¬7) فصلت: 10.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: صعد أمره، وقد تكون بمعنى موضع متوسط مما شاء الله من ملكوته، وقيل فى قوله تعالى: {مَكَانًا سُوًى} (¬1): أى متوسطاً، وقد يكون مستوى أى حيث يظهر عدل الله وحكمته لعباده هناك، ويقال للعدل: سواء - ممدود مفتوح - وسوِى - مكسورٌ مقصور - وقيل ذلك فى قوله تعالى: {كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم} (¬2). وصريف الأقلام: تصْوِيتُها فيما يكتب بها، وكذلك صريف الفحل بأنيابه: صوت حكِّ بعضها بِبَعْض. وفيه حجة لمذهب أهل السنة فى الإيمان بصحة كتابة الوحى والمقادير فى كتاب الله من اللوح المحفوظ وما شاء بالأقلام، التى هو تعالى يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات من كتاب الله والأحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذلك على ظاهره، لكن كيفية ذلك وجنسه وصورتُه مما لا يعلمُه إلا اللهُ أو من أطلعه على غيبه من ذلك من ملائكته ورُسلِه، ومما لا يتأوله ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والإيمان، إذ جاءت به الشريعة، ودلائل العقول لا تحيله، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، حكمةً من الله تعالى [وإظهار] (¬3) لما شاء من غيبه لمن شاء من ملائكته وخلقه، وإلا فهو الغنى عن الكتب والاستذكار (¬4)، لا إله غيره. وفى علو منزلة نبينا وارتفاعه فوق منازل سائر الأنبياء وبلوغه حيث بلغ من ملكوت السماوات - دليل على عُلُوّ درجته وإبانة فضله، بل ذكر البزَّار خبراً فى الإسراء عن على (¬5)، وذكر فيه مسير جبريل بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على البُرَاق حتى أتى الحجاب، وذكر كلمة، وقال: " خرج ملك من وراء الحجاب، فقال، جبريل: والذى بعثك بالحق، إِنَّ هذا الملك ما رأيتُه منذُ خُلِقْتُ، وإنى أقربُ الخلق مكاناً " وفى حديث آخر: " فارقنى جبريل، وانقطعت عنى الأصْواتُ ". وقوله: " ثم أُدخلتُ الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ "، قال الإمام: قال الهروى: قال ابن الأعرابى: الجُنْبذَةُ القبة ويجمعها جنابِذُ، قال الإمام: ووقع فى كتاب البخارى: " حبايل اللؤلؤ "، وقيل: إن الصواب ما فى كتاب مسلم. ¬

_ (¬1) طه: 58، وقد جاءت فى جميع النسخ: سوياً، وهو خطأ. (¬2) آل عمران: 64. (¬3) غير واضحة فى ت. (¬4) قال ابن عباس وغيره: تكتب الملائكة أعمال العباد، ثم تصعد بها إلى السماء فيقابلون الملائكة الذين فى ديوان الأعمال على ما بأيديهم مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ فى كل ليلة قدر، مما كتبه الله فى القدم على العباد قبل أن يخلقهم، فلا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً. ثم قرأ: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29]. وانظر: تفسير القرآن العظيم 7/ 255. (¬5) لم أجده.

265 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَزَادَ فِيهِ: " فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنْ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قد وقع فى كتاب البخارى: " جنابذ " كما ذكره (¬1) فى كتاب الأنبياء، وإنما وَقَع له " حبايل " فى كتاب الصلاة (¬2)، قيل: هو تصحيف، والصواب: " جنابذ "، وهى شبه القباب. وقال ثابت عن يعقوب: هو ما ارتفع من البناء، وقد وقع المعنى مفسّراً بالقباب فى بعض طرق حديث الإسراء من رواية أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى قال: " فإذا بنهر بجنبتيه قباب اللؤلؤ ". وقول ابن عباس: " فأبى حبَّة الأنصارى " كذا فى الأم - بالباء بواحدة - ووقع فى البخارى من رواية القابسى عن المروزى " حيَّة " - بالياء باثنتين - وليس بشىء، واختلف أصحاب المغازى فى أبى حبة الأنصارى وفى أبى حبة البدرى، وهل هما بالباء أو بالنون، وهل هو واحد أو أثنان، والأكثر فيه بالباء بواحدة والاختلاف فيه كثير (¬3). وقوله: فى حديث محمد بن المثنى بسنده عن أنس، لعله عن مالك بن صعصعة، قال الإمام: قال بعضهم: هذا الحديث محفوظ عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة دون شك ولا ارتياب، قال الدارقطنى: لم يروه عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة إلا قتادة. ذكر فى الحديث (¬4) صفة موسى: " ضربٌ من الرجال "، قال الإمام: الضرب الرجلُ الذى له جسم بين جسمين ليس بالضخم ولا بالضئيل، قال طَرَفَة: أنا الرجُل الضَّربُ الذى تعرفونه ... خِشاشٌ كرأس الحيَّةِ المتوقِدِ ¬

_ (¬1) زيد بعدها في ق: مسلم. (¬2) ب كيف فرضت الصلاة 1/ 98، ولفظة " جنابذ " أخرجها البخارى، ك الأنبياء، ب ذكر إدريس - عليه السلام. (¬3) أبو حبة البدرى: قال الحافظ ابن حجر: وقع ذكره فى الصحيح، وحديثه فى مسند أبن أبى شيبة، وأحمد، وصححه الحاكم، قال أبو حاتم: اسمه عامر بن عمرو بن عمير بن ثابت، وقال أبو عمر: يقال بالموحدة، وبالنون، وبالياء، والصواب بالموحدة، وبالنون ذكره موسى بن عقبة، وابن أبى خيثمة، وأنكر الواقدى أن يكون فى البدريين من يكنى أبا حبة بالموحدة وقد ذكر ابن إسحاق فى البدريين أبا حبة من بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف، وكان أخا سعد بن خيثمة لأمه، ووافقه أبو معشر. راجع: الإصابة 7/ 84، الاستيعاب 1628، رجال صحيح مسلم 2/ 86، أسد الغابة 5/ 167. (¬4) حديث أبى الزبير عن جابر.

الْبَطْنِ، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ". 266 - (165) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيةِ يَقُولُ: حَدَّثَنِى ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِى ابْنَ عَبَّاسٍ - قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُسْرِىَ بِهِ فَقَالَ: " مُوسَى آدَمُ طُوَالٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ". وَقَالَ: " عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ " وَذَكَرَ مَالِكًا خَازِنَ جَهَنَّمَ وَذَكَرَ الدَّجَّالَ. 267 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخشاش، بكسر الخاء وفتحها وضمها، كلها بمعنى واحد، وهو اللطيف الرأس، قال ابن السكيت: وقال أبو عبيد فى مصنفه: الخشاش: الرجل الخفيف، وأيضاً الحية، وأيضاً ما يُخش (¬1) به أنفُ البعير، فأما الخَشاش، بالفتح، فَشِرار الطير. قال القاضى: غيرهُ يقول صغار الطير، وكذا ذكره صاحب العين، قال: والخشاش - أيضاً - صغار دواب الأرض، وقال الأصمعى: الخشاش النذل من كل شىء كالرخم وما لا يصاد (¬2) من الطير، وأما الشجاع من كل شىء فبكسر الخاء، والخشاش من دواب الأرض، والطير ما لا دماغ له، وقال غيره: الخشاش، بفتح الخاء، الصغير الرأس اللطيف من الدواب. قال أبو حاتم: هذا بالكسر. وقوله: الخشاش: ما يُخَش (¬3) به أنف البعير، هو عود يدخُل فى أنف البعير الصَّعب عَرْضاً ويُخَرج طرفاه من الجهتين فيُشَدُّ بهما حبلٌ يقاد به، فإذا استصْعَبَ شُدَّ به فعقره وألمه فانقاد، ومنه قوله فى حديث أبى اليسر آخر الكتاب فى خبر الشجرة: " فانقادت عليه كالبعير المخشوش الذى يُصانَع قائده " (¬4). وقوله: فى صفته: " جَعْدٌ " من رواية شيبان عن قتادة ومن رواية مجاهد عن ابن عباس، وذكره البخارى أيضاً عن قتادة، وورد ذلك - أيضاً - فى الحديث الآخر من رواية ¬

_ (¬1) فى ت: يحشى. قلت: جاء فى اللسان: والخِشاشُ والخشاشَةُ: العود الذى يُجْعَلُ فى أنف البعير، وجمعه أخِشَّة، والخَشُّ جعلَك الخشاش فى أنف البعير. (¬2) فى الأصل: يصيد. (¬3) فى ت: ما يحشى. (¬4) سيأتى فى ك الزهد والرقائق، ب حديث جابر الطويل وقصة أبى اليسر.

عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ عَبَّاسٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِى عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - رَجُلٌ آدَمُ طُوَالٌ جَعْدٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ، إِلَى الْحُمْرَة والْبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأسِ ". وَأُرِىَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَالدَّجَّالَ، فِى آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللهُ إِيَّاهُ {فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ} (¬1) قَالَ: كَانَ قَتَادَةُ يُفَسِّرُهَا أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَقِىَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ. 268 - (166) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسُرَيْجُ بْنَ يُونُسَ قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِى هِنْدٍ عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِى الأَزْرَقِ، فَقَالَ: " أَىُّ وَادٍ هَذَا؟ ". فَقَالُوا: هَذَا وَادِى الأَزْرَقِ. قَالَ: " كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة عن قتادة فى صفة عيسى، وإنما ذلك فى سائر الأحاديث فى صفة الدجَّال (¬2)، وورَد فى أكثر الروايات فى صفة عيسى سبْط الرأس، وهو الصحيح، لكن يصح حمله هنا فى صفتهما على جعودة الجسم والنَّزارة، كما قال فى موسى: " ضربٌ من الرجال "، وهو الرجل بين الرجلين فى كثرة اللحم وقلته، لكن ذكر البخارى فيه [من] (¬3) بعض الروايات فيه " مضطرب " وهو الطويل غير الشديد، وهو ضد الجعد اللحم المكتنز، لكن يحتمل أن الرواية الأولى أصح لقوله فى هذه [فى] (¬4) الأم: حسبتُه قال مضطربٌ، فقد ضعف هذه الرواية الشك ومخالفة الأخرى التى لا شك فيها، وفى الرواية الأخرى: " جسيم (¬5) سبْط " وهذا يرجع إلى الطول، قال الشاعر: فجاءت به سَبْط البنان كأنما ... عمامتُه بين الرجال لواءَ ولا يتأول جسيم بمعنى سمين؛ لأنه ضد ضرب، وهذا إنما جاء فى صفة الدجال من حديث ابن عمر، ويكون فى موسى - أيضاً - الجعْدُ هنا إذا صَرَفْناه للشعر، نحو الرجلُ ¬

_ (¬1) السجدة: 23. (¬2) راجع الصحيح للبخارى، ك اللباس، ب الجعد 7/ 207. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) ساقطة من ق. (¬5) فى ت: جسم.

مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - هَابِطًا مِنْ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُوارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ "، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فَقَالَ: " أَىُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ " قَالُوَا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى. قَالَ: " كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليسَ بالقططِ ولا بالسَّبِط كما جاء فى صفة شعر نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما ذكر البخارى فى بعض الطرق عن موسى: " رَجِلُ الشعْر "، وقوله من رواية أبى هريرة: " أحمر كأنما خرج [من] (¬1) ديماس " وهو الحمَّام. وقد أنكر هذا ابن عمر وحَلَف أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقله، خرَّجه البخارى وفيه [و] (¬2) فى كتاب مسلم عنه: " أنه آدَمُ كأحسن ما أنت راءٍ من أدْمِ الرجال ". وذكر أحمر فى صفة الدجَّال. وقوله: " ينطِفُ رأسُه ": أى يقطرُ، والنطفُ: القَطْرُ، يقال: نَطَفَ ينطِفُ وينطُف. بضم الطاء وكسرِها فى المستقبل. وجاء فى الحديث الآخر: " يقطُرُ رأسُهُ ماءً "، قال الإمام: وقوله فى صفة الدجال: " جعد قَطط ": أى شديد الجعُودةِ، يقال: شعر جعْد ورجلٌ جعدٌ. قال الهروى: الجعدُ فى صفات الرجال يكون مَدْحاً ويكون ذماً، فإذا كان ذماً فله معنيان: أحدهما القصير المتردِّدُ، والآخر: البخيل. يقال: رجلٌ جعدُ اليدين وجعد الأصابع، أى بخيل. والجعْدُ إذا كان مَدْحاً له أيضاً معنيان: أحدهما: أن يكون شديد الخلق، والآخر: أن يكون شعره جعداً غير سَبط، فيكون مدحاً لأن السُبوطة أكثرها فى شعور العجم. قال غيره: فالجعد فى صفة الدجَّال ذمٌّ وفى صفة موسى - عليه السلام - مدحٌ. قال القاضى: رويناه " القطِطَ " بفتح الطاء الأولى وكسرها، وقول قتادة فى آخر الحديث (¬3): {فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ} (¬4) أى [إنَّ نبى الله] (¬5) - يعنى محمداً - لقى موسى - عليهما السلام - يعنى ليلة الإسراء - فالهاء على هذا عائدة على موسى، وقال غيره من المفسرين: الهاء عائدة على الكتاب، أى فلا تكن فى مِرْيةٍ من تلقى موسى الكتاب الذى أوتى، وعن الحسن معناه: ولقد آتينا موسى الكتاب فأوذى وكُذِّب فلا تكن فى مرية إنَّك ستلقى مثل ما لقيه من الأذى والتكذيب، وقيل: فى الآية تقديم وتأخير يعود ¬

_ (¬1) و (¬2) حديث عبد بن حميد. (¬4) السجدة: 23. (¬5) فى الأصل: إن الله.

مَتّى - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ، وَهُوَ يُلَبِّى ". قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِى حَدِيثِهِ: قَالَ هُشَيْمٌ: يَعْنِى لِيفًا. 269 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، فمَرَرْنَا بِوَادٍ، فَقَالَ: " أَىُّ وَادٍ هَذَا؟ " فَقَالُوا: وَادِى الأَزْرَقِ. فَقَالَ: " كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الرجوع للآخرة والبعث وما تقدم من قوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} (¬1) إلى قوله: {تُرْجَعونَ} (¬2) واعترضت قصَّة موسى بين كلامين (¬3). وقوله: فى وصف يونس بن متى: " على ناقة حمراء جعْدَةٍ ": قال الإمام: هى المجتمعة الخلق الشديدة الأَسْر. وقوله: " خطامها خُلْبَةٌ "، قال الإمام: الخُلْبة، بخاء معجمة مضمومةٍ، وهو اللِّيف، وفيه لغتان بإسْكان اللام وضمِّها، قاله ابن السكيت: قال القاضى: جاء مفسرًا فى الحديث الآخر: " خطامها ليف خُلْبة ". وقوله: " ثنيَّة هَرْشَى " بفتح الهاء وسكون الراء: جبَل من بلاد تهامة على طريق الشام والمدينة قريب من الْجحفة (¬4)، ولقد سمعنا هذا الحرف من القاضى الشهيد بفتح اللام والفاء، ومن الشيخ أبى بحر هنا بفتح اللام فقط وسكون الفاء، ومن الحافظ ¬

_ (¬1) و (¬2) السجدة: 11. (¬3) أخرج الطبرانى عن ابن عباس عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 2] قال: جعل موسى عدى لبنى إسرائيل، وفى قوله: {فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ} [السجدة: 23] قال: من لقاء موسى ربه عز وجل. قال الهيثمى: رواه الطبرانى ورجاله رجال الصحيح. مجمع 7/ 90. (¬4) والجحفة، بضم الجيم والحاء الساكنة وفاء ثم هاء، كانت مدينة عامرة ومحطة من محطات الحاج بين الحرمين، ثم تقهقرت فى زمن قيل: إنه قبل القرن السادس، وتوجد اليوم آثارها شرق مدينة رابغ بحوالى 22 كيلو. معجم المعالم الجغرافية: 80. و" هرشى " جبل قرب الجحفة، وثنية لفت: أرض مرتفعة بين مكة والمدينة تشرف على خليص من الشمال، وتسمى اليوم (الفيت)، وقد هجرت من زمن، ولم تعد مطروقة، وقد سلكها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مهاجرته. معجم المعالم الجغرافية فى السيرة النبوية: 273.

فَذَكَرَ منْ لَوْنِهِ وَشَعْرِهِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظهُ دَاوُدُ - وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِى أُذُنَيْهِ، لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ، مَارًّا بَهَذَا الْوَادِى ". قَالَ: " ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّة، فَقَالَ: " أَىُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ ". قَالُوا: هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ. فَقَالَ: " كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ، مَارًّا بَهَذَا الْوَادِى مُلَبِّيًا ". 270 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَاكَ، وَلَكِنَهُ قَالَ: " أَمَّا إِبْرَاهِيمُ، فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأمَّا مُوسَى، فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَهٍ، كَأَنِّى أَنْظُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى الحسين بكسر اللام وسكون الفاء، وأنشدنا بعضهم فى ذلك: مررنا بلفْتٍ والثُريَّا كأنها ... قلائد [دُ] (¬1) رّ حُلَّ عنها نظامها وروينا هذا البيت فى كتاب مشاهد ابن هشام عن أشياخنا التميمى والأسدى وابن سراج: ولِفْتًا شدَدْناه وفجَّ صلاح كذا رويناه (¬2) بالكسر، وكذا كان فى المشاهد عن أبى بحر، وكذا قيدناه عنه. وقوله فى موسى: " له جؤار إلى الله بالتلبية "، قال الإمام: الجؤار: رفع الصوت، مهموز، من قول الله تعالى: {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (¬3): أى ترفعون أصواتكم وتستغيثون، يقال: جأر يجأر، قال عدى بن زيد: إننى والله فاقبل حَلْفتى ... بأبيل كلما صلى جأر قال القاضى: ذكر هذا فى موسى وذَكر نحوه فى يونس، وأكثر الروايات فى وصفه لهم يدل أن ذلك رآه ليلة أُسْرِىَ به، وقد وقع ذلك مبينًا فى رواية أبى العالية عن ابن عباس وفى رواية ابن المسيب عن أبى هريرة، وليس فيها ذكر التلبية. فإن قيل: كيف يتوجه ما ذكر من حجَّهم وتلبيتهم وهم أموات، وفى الأخرى، وليست دار عَمَلٍ، فاعْلَمْ وفَقَكَ الله أن للمشايخ وفيما ظهر لنا عن هذا أجوبة: ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى الأصل: سمعناه. (¬3) النحل: 53.

إِلَيْهِ إِذَا انْحَدَرَ فِى الْوَادِى يُلَبِّى ". 271 - (167) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عُرِضَ عَلَىَّ الأَنْبِيَاءُ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنْ الرِّجَالِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْه - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ - يَعْنِى نَفْسَهُ - وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دَحْيَةُ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: " دَحْيَةُ ابْنُ خَلِيفَةَ ". 272 - (168) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ. قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ المُسيِّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حِينَ أُسْرِىَ بِى لَقِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: أنا إذا قلنا: إنهم كالشهداء، بل هُم أفضلُ من الشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبْعُدُ أن يحجُوا ويُصلوا كما ورد فى الحديث الأخر، وأن يتقربوا إلى الله بما استطاعوا وكُتب لهم؛ لأنهم بعدُ وإن كانوا فى الأخرى فهم فى هذه الدنيا التى هى دارُ العَمَل، حتى إذا فنيت مُدَّتُها وأعقبتها الأخرى التى هى دار الجزاء انقطع العمل. والوجه الثانى: أن عمل الآخرة ذكر ودعاءٌ، قال الله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} (¬1). الوجه الثالث: أن يكون هذه رؤية منام فى غير ليلة الإسراء، أو فى بعض ليلة الإسراء كما قال فى رواية عبد الله بن عُمَر: " بينا أنا نائم رأيتنى أطوف بالكعبة .. " وذكر الحديث فى قصَّة عيسى. الوجه الرابع: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِى حالهم قبل هذا ومُثِلوا له فى حال حياتهم وكيف تلبيتهم حينئذ وحجهم كما قال فى الحديث: " كأنى أنظر إلى موسى، وكأنى أنظرُ إلى يونس، وكأنى أنظر إلى عيسى ". ¬

_ (¬1) يونس: 10.

مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَنَعَتَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قَالَ - مُضْطَرِبٌ، رَجِلُ الرَّأسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال شَنُوءَةَ ". قَالَ: " وَلَقِيتُ عِيسَى - فَنَعَتَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ " يَعْنِى حَمَّامًا. قَالَ: " وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ ". قَالَ: " فأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِى أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِى الآخَرِ خَمْرٌ. فَقِيلَ لِى: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ. فَقَالَ: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ - أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ - أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجه الخامس: أن يكون أُخبر بتحقيق حال ما أوحى إليه من أمرهم وما كان منهم، وإن لم يرهم رؤية عين، ويدل عليه قوله: " كأنى أنظر " فصار يقينه بذلك كالمشاهدة. وفى هذه الجملة من الفقه رفع الصوت بالتلبية لقوله: [له] (¬1) جُؤار إلى الله بالتلبية، وهى سنَّتُهَا فى شرعنا للحاجّ (¬2) من غير إسراف إلا فى المساجد فليخفض بها صوتَه ويسمع من يليه إلا مسجدى مكة ومنى، فليرفع [فيهما] (¬3) بها صوتَه عند مالك - رحمه الله - لاستواء كل من فى ذينك المسجدين فى ذلك الحكم، بخلاف غيرهما من مساجد البلاد الذى الحاجّ فيه قليل، فتشتهر بذلك فيها، فتحدث فساد عملك. وفيه من الفقه التلبية ببطن المسيل؛ وأنه من سنن المرسلين وشرائعهم، وبه احتج البخارى فى المسألة لقوله: " إذا انحدر من الوادى "، ووقع فى كتاب مسلم وبعض روايات البخارى: " إذا انحدرا " بفتح الدال وألف بعدها، فتوهم بعضهم فيه أنه لما يستقبل، ووَهم راويه وقال: الصواب رواية من روى: " إذا انحدِر " بكسر الدال، قال: أو يكون وَهِم وجعل موسى موضع عيسى، فإن موسى بعد لا يحج البيت وإنما يحج عيسى، وهذا من هذا القائل تعسُّفٌ بعيدٌ وجَسرٌ على التوهيم لغير ضرورة وعدم فهم لمعانى (¬4) الكلام، إذ لا فرق بين إذ وإذا هنا؛ لأنه إنما وصف حاله حين انحداره فيما مضى. وفيه من الفقه جواز وضع الأصبع فى الأذن عند الأذان، ورفع الصوت لقوله عن موسى - عليه السلام. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) فى الأصل: إلا لجامع. (¬3) من ق. (¬4) فى ت: بمعانى.

(75) باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال

(75) باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال 273 - (169) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرَانِى لَيْلَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أَدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَم، قَدْ رَجَّلَهَا فَهِىَ تَقْطُرُ مَاءَ، مُتَّكِئاً عَلى رَجُلَيْنِ - أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ، أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّها عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ". 274 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَّيبِىُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ - عَنْ مُوسَى - وَهُوَ ابْنُ عُقْبَةَ - عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً، بَيْنَ ظَهْرانِى النَّاسِ، الْمَسِيحَ الدَّجَّال، فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبةٌ طَافِيَةٌ ". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى عيسى: المسيح، وكذلك فى الدَّجال، قال الإمام: قال عيسى بن دينار (¬1) وغيره: سُمى الدجال مسيحاً؛ لأنه ممسوح إحدى العينين، فهو فعيل بمعنى مفعول، وسمى عيسى مسيحاً من أجل سياحته فى الأرض، وأنه لم يكن له موضع يستقر فيه من أرض. قال الهروى: قال ابن الأعرابى: المسيح الصِّديق، وبه سمى عيسى، والمسيح الأعور، وبه سمى الدَّجال. قال الحربى: سمى عيسى مسيحاً بمسح زكريا إياهُ، أو يكون اسماً خصَّه الله به، وقال ابن عباس: سُمى بذلك لأنه لا يمسح ذا عاهةٍ إلا برأ، قال غيره: من قال فى الدجَّال مسيح - على وزن فعيل - بكسر اليم فليس بشىء. قال القاضى: وقيل فى تسمية عيسى مسيحاً ما ذكر، وقول ابن الأعرابى: المسيح الصِّديق، هو فى صحيح البخارى من قول إبراهيم، وقيل: لأنه كان ممسوح القدمين لا أخمص له، وقيل: لأن الله مسحه، أى خلقه خلقاً حسناً، فيكون بمعنى: جميل ¬

_ (¬1) فقيه الأندلس ومفتيها، لزم ابن القاسم مُدَّةً وعوَّل عليه، كان ابن وضَّاح يقول: هو الذى علَّم أهل الأندلس الفقه. توفى سنة اثنتى عشرة ومائتين. ترتيب المدارك 3/ 16، الديباج المذهب 2/ 64، سير 10/ 439.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَانِى اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأحْسَنِ مَا تَرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأسُهُ مَاءً، وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَىْ رَجُلَيَنِ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ فَقَالُوا: الْمَسِيَحُ ابْنُ مَرْيَمَ. وَرَأَيْتُ وَرَاءهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحسنٍ، وقيل: سُمى بذلك لمسحه الأرض، أى قطعها، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن، وقيل: مُسِح بالبركة حين وُلد. وأما تسمية الدَّجال بذلك فقيل ما تقدم، وقيل: بمسحه الأرض حين خروجه، وقال أبو الهيثم (¬1): المسيح - بالحاء - ضد المسيخ بالخاء - فبالحاء مسحه الله، أى خلقه حسناً وبالخاء مسخه، أى خلقه خلقاً ملعوناً. ولا خلاف عند أحد من الرواة فى اسم عيسى أنه بفتح الميم وكسر السين مخففة، واختلف فى الدَّجال، فأكثرهم [يقول: هو] (¬2) مثله، وأنه لا فرق بينهما، وأن عيسى مسيح هدى والدجَّال مسيح ضلالة، وكان عند بعض شيوخنا - وهو أبو إسحاق بن جعفر (¬3) فى كتابه - المسيِّح - بكسر الميم والسين وتشديدها، وكذلك عند غير واحد، وبعضهم يقوله كذا - بالخاء المعجمة - وبعضهم بكسر الميم وتخفيف السين، وكذا وجدت الأصيلى ضبط هذا الحرف بخطه فى صحيح البخارى، ورأيت بخط شيخنا القاضى أبى عبد الله بن أحمد التجيبى (¬4) عن أبى مروان بن سراج مَن كسر الميم شدَّد السِّين. وأما تسميتُه دَجَّالا فقال ثعلب: سُمى بذلك لضربه فى الأرض وقطعه أكثر نواحيها، يقال منه دَجَل. وهذا مثل أحدِ التأويلات فى تسميته مسيحاً، وقيل: بل لتمويهه على الناس وتلبيسه، يقال: دَجَل إذا مَوَّه، وقيل: كل كذَّاب دَجَّالٍ، وهو من هذا المعنى وقريب منه. وقوله: فى صفة عيسى من رواية ابن عمر: " آدَم " ومن رواية غيره: " أحمر " وقد تقدَّم. وقد يحتجُّ لكونه أحمر بقوله: " كأنما خَرج من ديماس " يعنى لحُمرته وإنما ورد " أدَمَ " فى صفة موسى، والأدمُ الأسْمَرُ، وهو خلاف الأحمر، وقد يرجع قوله: " كأنما خرَج ¬

_ (¬1) شيخ الحنفية عتبة بن خيثمة بن محمد بن حاتم النيسابورى الحنفى، صار أوحد زمانه فى المذهب حتى قيل: لم يبق بخراسان قاضٍ حنفىٌ إلا وهو ينتمى إليه. مات سنة أربعمائة وست. العبر 3/ 94، سير 17/ 13. (¬2) فى الأصل: بقوله. (¬3) قال فيه القاضى: شيخ صالح، من أهل الدين والفضل والعقل، أخذ عن شيوخ سبتة، واقتصر على الفقيه أبى الأصبغ ولازمه، وكان يدرس الموطأ ويتفقه عليه فيه، ألف مختصر ابن أبى زمنين على الولاء. توفى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. ترتيب المدارك 8/ 203. (¬4) الفقيه القاضى الشهيد محمد بن أحمد بن خلف بن إبراهيم التجيبى، ابن الحاج، أحد الفقهاء الفضلاء، تفقه بشيوخ بلدة قرطبة، وكان جيد الكتب، كثير الرواية. قتل سنة خمسمائة وتسع وعشرين. الغنية: 47.

رَجُلاً جَعْداً قَطَطاً، أَعْوَرَ عَيْن الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ بَابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَىْ رَجُلَيْنِ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الْمَسيِحُ الدَّجَّالُ ". 275 - (...) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ عَنْ سَالِمٍ، عَن ابْن عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " رَأَيْتُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ رَجُلاً آدَم، سَبِطَ الرَّأسِ، وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى رَجُلَيْنِ، يَسْكُبُ رَأسُهُ - أَوْ يَقْطُرُ رَأسُهُ - فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالوا: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، أَوِ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ - لَا نَدْرِى. أَىَّ ذَلِكَ قَالَ - وَرَأَيْتُ وَرَاءهُ رَجُلاً أَحْمَرَ، جَعْدَ الرَّأسِ، أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، أَشْبهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ ابْنُ قَطَنٍ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من ديماس " إلى ما يأتى بعده من ذكره: " أنَّ لِمَّتَه تقطر ماءً " واللِمّةُ الشعر (¬1) بكسر اللام، وهى التى تُلِمُّ بالمنكبين. وقوله: " رجَّلها ": يريد - والله أعلم - بالماء وبالمشط، يقال: شَعر مُرَجَّلٌ إذا مُشِّط، وشعر رَجِل إذا كان فى خلقته وتكسيره على هيئة الممشوط. وقوله: " تقطر ماء ": يحتمل أن يكون على ظاهره، أى يقطر بالماء الذى رجّلها به لقرب ترجيله إياه، وإلى هذا نحا القاضى الباجى وقال: لعله نبه بذلك على أن ذلك مشروع لطواف الورود. ومعناه عندى: أن يكون ذلك عبارةً عن نضارته (¬2) وحُسْنِه وترجيله واستعارة لجماله. وقوله فى حديث الدجّال: " إنَّه أعور، وإن الله ليس بأعور " تنبيه على سَماتِ الحدث والنقص على الدجال وعلى تنزيه الربِّ جل اسمه عن النقائص، وأن من يعتريه النقائص وتحلُ به الآفات لا يستحق الربوبية، وأنه أوضح دليل على حدَثِه. وقوله فيه: " أعور العين اليمنى " وهو المشهور، وفى رواية أخرى: " أعور العين اليسرى " وقد ذكرهما معاً مسلم آخر الكتاب وقوله: " كأنَّ عينَهُ عنبة طافية "، قال الإمام: قال الأخفش: طافيةٌ بغير همز، أى ممتلئة قد طفَّت وبرزت، قال غيره: " وطافئةٌ " بالهمز، أى قد ذهب ضوؤها وتقبَّضت. قال القاضى: روايتنا فى هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز وتفسيرها بما تقدَّم وهو الذى صحَّحه أكثرهم وأنها ناتئةٌ كنتوء حبَّة العنب من بين صواحبها، ووقع عند بعض شيوخنا مهموزاً، وأنكره بعضهم ولا وجه لإنكاره، وقد وصف فى الحديث أنه ¬

_ (¬1) فى الأصل: الشعرة. (¬2) فى النسختين بالظاء، وهى لغة أهل نجد.

276 - (170) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمَّا كَذَّبَتْنِى قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِى الْحِجْرِ فجَلَا اللهُ لِى بَيْتَ الْمَقْدَسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ ". 277 - (171) حدّثنى حرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبِطُ الشَّعْرِ، بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأسُهُ مَاء - أَوْ يُهَرَاقُ رَأسُهُ مَاءً - قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ، جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَه عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الدَّجَّالُ. أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً ابْنُ قَطَنٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ممسوخ العين وأنها ليست حجراءَ (¬1) ولا ناتئة، وأنها مطموسة، وهذه صفة حبة العنب إذا طفئت وسال ماؤها، وبهذا فسَّر الحرف عيسى بن دينار، وهذا يُصحِّحُ رواية الهمز، وعلى ما جاء فى الأحاديث الأخَر: " جاحظ العين، [و] (¬2) وكأنها كوكب "، وفى رواية: " عوراء نحفاء ولها حدقةٌ جاحظةٌ كأنها نُخاعةٌ فى حائط مجصَّصٍ " تصح رواية غير الهمز، لكن يجمع بين الأحاديث. وتصح الروايتان جميعاً بأن تكون المطموسَة والممسوحة والتى ليست بحجراء ولا ناتئة هى العوراء الطافئة بالهمز، والعين اليُمنى على ما جاء هنا، وتكون الجاحظة والتى كأنها كوكبٌ وكأنها نخاعة هى الطافية بغير همز [العين الأخرى] (¬3)، فتجتمع الروايات والأحاديث ولا تختلف، وعلى هذا تجتمع رواية أعور العين اليمنى مع أعور العين اليسرى، إذ كل واحدة منهما بالحقيقة عوراء، إذ الأعور من كل شىء المعيب ولا سيما بما يختص بالعين، وكلا عينى الدجال معيبة عوراء، فالممسوحة والمطموسة والطافئة بالهمز عوراء حقيقة، والجاحظة التى كأنها كوكب وهى الطافية - بغير همز - معيبة عوراء لعيبها، فكل واحدة منهما عوراء، إحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها. قال القاضى: وأما طواف عيسى بالبيت فإن كانت رؤيا عين فعيسى - عليه السلام - حىُّ لم يمت، وإن كانت رؤيا منام كما بيَّنه ابن عُمرَ فى حديثه فهو محتمل، لما تقدَّم وللتأويل للرؤيا، وعلى هذا يحمل ما ذُكر من طواف الدجال بالبيت وأن ذلك رؤيا إذ ورد ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير 1/ 343: قال الهروى: إن كانت هذه اللفظة محفوظة فمعناها: ليست بصلبةٍ متحجرة. (¬2) من الأصل. (¬3) سقط من ق.

278 - (172) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى سَلَمَةَ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَة؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى الْحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِى عَنْ مَسْرَاىَ، فَسَأَلَتْنِى عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ ". قَالَ: " فَرَفَعَهُ اللهُ لِى أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِى عَنْ شَىءِ إِلَّا أَنْبَأتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى جَمَاعَةٍ منَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائمٌ يُصَلى، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمٌ يُصَلِّى، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً عُرْوَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمٌ يُصَلِّى، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِى نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قَاَئِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِى بِالسَّلَامِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الصحيح أنه لا يدخل مكة ولا المدينة، مع أنه فى رواية مالك لم يذكر طواف الدَّجال، وهو أثبت ممَّن رووا طوافه لما قلناه، وقد يقال: إن تحريم دخول المدينة عليه إنما هو زمن فتنته، وقد يحتج به من يجيز الطواف على الدابة وللمحمول بغير عُذرٍ، لما ذكر من طواف عيسى على مناكب رجلين. ومالك لا يجيزه إلا لعذر، وجوابه عن طواف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الراحلة أن ذلك كان لعذر، ففى كتاب أبى داود أنه (¬1) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورد مكة وهو يشتكى .. " (¬2) وساق الحديث، وقد يقال: لأنه كان يعلم الناس أمور حجهم فركب ليظهر لجميعهم، ولا يخفى عمله عليهم، كما أراهم صلاته على المنبر لئلا يخفى على جميعهم والله أعلم، ولقوله: " خذوا عنى مناسككم " (¬3) و" صلوا كما رأيتمونى أصلى " (¬4) ويُجابُ عنه فى قصة عيسى بأنها منام أو محتملة للمنام، أو أنه ليس فى الواجب، أو لعله لعذر، أو لأن شرع مَنْ قبلنا غير لازم لنا. وقوله فى الحديث الآخر: " فإذا بموسى قائم يصلى " وذكر مثله عن عيسى وإبراهيم - عليهما السلام - وفى آخر كتاب مسلم بعد هذا: " مررت على موسى وهو قائم فى قبره ¬

_ (¬1) فى الأصل: عنه. (¬2) ك المناسك، ب الطواف الواجب عن ابن عباس، ولفظه: " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم مكة وهو يشتكى، فطاف على راحلته، كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلَّى ركعتين " 1/ 434. (¬3) النسائى، ك المناسك، ب الركوب إلى الجمار، أحمد فى المسند 3/ 318 بلفظ: " خذوا مناسككم " عن جابر. (¬4) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب الأذان للمسافر، ك الأدب، ب رحمة الناس والبهائم، عن مالك ابن الحويرث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلى "، فالجواب عن صلاتهم قد تقدم فى ذكر حج موسى وعيسى، وقد يكون الصلاة هنا بمعنى الدعاء والذكر، وهى من أعمال الآخرة، ويؤكد أحد التأويلات فيه، وأنها الصلاة المعهودة. ما ذُكر من أنَّه أمَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأنبياء، وقد قال بعضُهم: يحتمل أن موسى لم يَمُت وأنَّه حىٌّ، فتكون صلاته حقيقة كصلاة عيسى بدليل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا موسى آخذ بساق العرش، فلا أدرى أفاق قبلى أم جوزى بصعقة الطور " (¬1) لكن يرد هذا التأويل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يصلى فى قبره عند الكثيب الأحمر "، والقبر لا يكون إلا للميت، والحديث الوارد فى قصة وفاته وخبره مع ملك الموت، وسيأتى آخر الكتاب. فإن قيل: فكيف رأى موسى فى قبره يصلى، وكيف صلى بالأنبياء فى حديث الإسراء ببيت المقدس على ما جاء فى الحديث، [وقد] (¬2) جاء فى [الحديث] (¬3) نفسه أنه وجدهم على مراتبهم فى السماوات عليه ورحبوا به؟ قيل: يحتمل أن رؤيته لموسى فى قبره وعند الكثيب الأحمر كانت قبل صعوده إلى السماء وفى طريقه إلى بيت المقدس ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء، ويحتمل أنه رأى الأنبياء وصلى بهم على تلك الحال لأول ما رآهم ثم سألوه ورحَّبوا به، أو يكون اجتماعه بهم وصلاتُه ورؤيته موسى بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى فلا تتناقض الأحاديث وتستمر على الصواب. ¬

_ (¬1) معنى حديث أخرجه الترمذى وأحمد عن أبى هريرة، ولفظه: قال: قال يهودى بسوق المدينة: لا والذى اصطفى موسى على البشر، قال: فرفع رجلٌ من الأنصار يده فصكَّ بها وجهه، قال: تقول هذا وفينا نبىُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {وَنفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 69] فأكون أوَّل من رفَع رأسه، فإذا موسى آخذٌ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدرى أرفع رأسه قبلى أو كان ممن استثنى الله، ومن قال: أنا خيرٌ من يونس بن متى فقد كذب " الترمذى، ك التفسير، وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد فى المسند 2/ 451. (¬2) و (¬3) ساقطة من الأصل.

(76) باب فى ذكر سدرة المنتهى

(76) باب فى ذكر سدرة المنتهى 279 - (173) وحدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: لَمَّا أُسْرِىَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِىَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِىَ فِى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِى مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ. فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِى مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا، فيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} (¬1) قَالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: فَأُعْطِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثاً: أُعْطِىَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عبد الله فى سدرة المنتهى (¬2): " إليها ينتهى علمُ ما يعرج من الأرض وما يهبط من فوقها فيقبض فيها "، وذكر أنها فى السماء السادسة، وقد قيل: إنها فى الجنة وإنها فى السماء الرابعة، وتقدم فى حديث أنس أنها فوق السماء السابعة - وهو الأصح - وهو الأكثر والذى يقتضيه المعنى. وتسميتها بالمنتهى قال كعب: هى فى أصل العرش إليها ينتهى علم [كل] (¬3) ملك مقرب أو نبى مُرْسَل، وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله، وقيل: إليه تنتهى أرواح الشهداء، وقال ابن عباس: هى عن يمين العرش (¬4) وقيل: إليها ينتهى كل من كان على سنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال الخليل: هى سدرة فى السماء السابعة لا يجاوزها ملك ولا نبى قد أظلت السماوات والجنة، وفى الحديث: " نبقها مثل قلال هجر وورقها كآذان الفيلة " (¬5). وقوله: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قال: فراش من ذهب، وفى رواية ابن جريج. غشيها فراش من ذهب، وأرخيت عليها ستور من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، وزاد بعضهم فى روايته: فلما غشيها من أمر الله (¬6) ما غشى تحولت ياقوتاً أو نحو هذا، والفراش كل ما يطير من الحشرات الصغار والديدان. ¬

_ (¬1) النجم: 16. (¬2) فى النسخ المطبوعة لصحيح مسلم هذا الحديث متقدم على حديث وباب الرؤية. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) راجع فى ذلك أيضاً تفسير القرآن العظيم 7/ 429. (¬5) جزء حديث أخرجه البخارى فى صحيحه، ك مناقب الأنصار، ب المعراج، النسائى فى الصلاة، ب فرض الصلاة 1/ 217، أحمد فى المسند 4/ 207 عن مالك بن صعصعة، وفى 3/ 164 عن أنس بن مالك كما أخرجه أحمد عن أنس بلفظ: " انتهيت إلى السدرة، فإذا نبقها مثل الجرار وإذا ورقها مثل آذان الفيلة فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت ياقوتاً أو زمرداً أو نحو ذلك " 3/ 128. (¬6) فى ق: أمرها.

وَأُعْطِىَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبقَرَةِ، وَغُفِرَ، لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ. 280 - (174) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ. حَدَّثَنَا عبَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ الْعَوَّامَ - حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (¬1) قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاح. 281 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (¬2) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاح. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وغُفِر لمن لم يُشرك بالله شيئاً المقحمات " بكسر الحاء، أى غفر الذنوب العظام المهلكات أصحابها أى التى تقحمهم النار وتُوردهم إياها، قال ابن دريد: يقالُ اقتحم اقتحاماً إذا هوى من عُلوٍ إلى سُفل ودخل فى شىء [عن] (¬3) غير هداية، ولذلك سميت المهالك قُحماً، قال الهروى: والقُحَم الأمورُ الشاقة، وقال شمر: التقحم التقدُّم والوقوع فى أهوية. وقول عائشة للذى سألها: هل رأى محمدٌ ربَّه؟: " لقد قفَّ شعرى لما قلت .. " (¬4) الحديث، قال الإمام: قال ابن الأعرابى: تقول العرب عند إنكار الشىء: قف شعرى، واقشعر جلدى، واشمأزَّت نفسى. قال القاضى: قال الهروى فى " قف شعرى ": قام من الفزع، قال أبو زيد: قفَّ الرجل من البرد [وعلتْهُ] (¬5) قُفَّة، والقفوف أيضاً، القشعريرةُ من الحُمَّى، وقال النضر: القَفَّةُ كهيئة القُشَعريرَةُ، وعلته قفة أى رعَدةٌ، قال الخليل: القَفْقَفَةُ الرِعْدَةُ، وهو كَما قال، وأصله الانقباض والاجتماع؛ لأن الجلد ينقبض عند البرد والفزع والاستهوال، فيقوم الشعر بذلك، وبذلك سميت القُفّةُ لضم بعضها إلى بعض ولما يُضَمُّ فيها (¬6). قال الإمام: وإنكارُها فى هذا الحديث وفى غيره على من سألها عن الرؤية محتملة عند أهل العلم، على أنها إنما أنكرت الرؤية فى الدنيا لا أنها ممن يحيل جواز رؤيته سبحانه - كما قالت المعتزلة. ¬

_ (¬1) النجم: 9. (¬2) النجم: 11. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) فى رواية مسروق. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) والقُفَّة والقُفُّ: ما ارتفع من متون الأرض، وصلُبت حجارته، لسان.

282 - (...) حدَّثنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِىِّ، سَمِعَ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (¬1) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِى صُورَتِهِ، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اختلف السلف والخلف: هل رأى نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربَّه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة - كما تقدم ووقع هنا - وأنها سألت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن آية النجم فقال: " ذاك جبريل " ونحوه عن أبى هريرة وجماعة من السلف. والمشهور عن ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المحدثين والمتكلمين، من امتناع رؤيته تعالى فى الدنيا على ظاهر قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} الآية (¬2)، وذكر عن ابن عباس أنه رآه بعينه (¬3)، وقال: اختص الله موسى بالكلام، ومحمداً بالرؤية، وإبراهيم بالخُلَّة، وحجته ظاهر (¬4) قوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (¬5) الآيات، ومثله عن كعب وأبى ذر والحسن (¬6)، وكان يحلف على ذلك وحُكى مثله عن ابن مسعود وأبى هريرة أيضاً، وحكى عن ابن حنبل (¬7) وغيره أنه رآه، وحكى أصحاب المقالات (¬8) عن أبى الحسن الأشعرى وجماعة أصحابه أنه رآه، ووقف بعض مشايخنا فى هذا وقال: ليس عليه دليلٌ واضحٌ ولكنه جائز، ورؤية الله تعالى فى الدنيا جائزة غير مستحيلة، وسؤال موسى إيَّاها أدَلُّ دليل على جوازها، إذ لا يجْهل نبىٌّ ما يجوز على ربَّه ويمتنع، وجواب الله له: {لَن تَرَانِي} (¬9) عند بعضهم نفى الاستطاعة على ذلك والاحتمال. ¬

_ (¬1) النجم: 18. (¬2) الأنعام: 103. (¬3) الحديث أخرجه الترمذى عن ابن عباس ولفظه هناك: قال: " رأى محمد ربَّه " قلتُ - يعنى عكرمة -: أليس الله يقول: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبْصَار} قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذى هو نوره، وقد أريه مرتين. ثم قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه 5/ 395 وقد نقله فى التحفة ناقصاً فقال: هذا حديث حسن 9/ 169، وله من عكرمة عنه {مَا كَذَبَ الْفؤَادُ مَا رَأَى} قال: رآه بقلبه. ثم قال: هذا حديث حسن. (¬4) لفظ الترمذى عن كعب إنّ الله قَسَمَ رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلَّم موسى مرتين، ورآه محمدٌ مرتين. السابق. (¬5) النجم: 11. (¬6) أخرج أحمد من حديث قتادة عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبى ذر: لو رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسألته. قال: وما كنت تسألهُ؟ قال: كنتُ أسأله: هل رأى ربَّه عز وجل؟ فقال: إنى قد سألتهُ فقال: " قد رأيتهُ نوراً، أنى أراه " المسند 5/ 147. وقد أخرج النسائى عن يزيد بن شريك عن أبى ذر قال: رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه بقلبه ولم يره ببصره. (¬7) قلت: المنقول عن أحمد غير هذا، فقد ذكر الحافظ ابن كثير فى تفسيره فقال: " وقد حكى الخلال فى علله أن الإمام أحمد سئل عن هذا الحديث - يعنى حديث أبى ذر - فقال: ما زلتُ منكراً له، وما أدرى ما وجهه " 7/ 428. (¬8) راجع: مقالات الإسلاميين 215. (¬9) الأعراف: 143.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك اختلفوا فى تأويل قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَار}، وقد اختلفوا فى رؤية موسى ربه ومقتضى الآية ورؤية الجبل. ففى جواب القاضى أبى بكر (¬1) ما يقتضى أنهما رأياه تعالى، ولبعض المفَسِّرين نحوٌ منه، والكلام فى هذه الفصُول يتسع، وهو مُتَّسعٌ فى كتب أئمتنا، وقد ذكرنا نخبةً منه فى كتابنا الشفا (¬2). وكذلك اختلفوا هل كلم محمدٌ ربَّه ليلة الإسراء بغير واسطة أم لا؟ فَحُكِىَ عن الأشعرى وقوم من المتكلمين أنه كلمه، وعزا بعضُهم هذا إلى جعفر بن محمد وابن مسعود وابْن عباس (¬3)، وحجتهم ظاهر قوله: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (¬4) والأكثر على القول بغير هذا، وأن المُوحى [ها هنا] (¬5) إلى العبد اللهُ إلى جبريل (¬6) وجبريل إلى محمد. وكذلك اختلفوا فى تأويل قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (¬7) فأكثر المفسرين أن هذا الدنو والتدلى مُقَسَّمٌ ما بين جبريل [ومحمد] (¬8)، أو مختص بأحدهما من الآخر، أو من [سدرة المنتهى] (¬9)، وذكر عن ابن عباس والحسن ومحمد بن كعب وجعفر ابن محمد وغيرهم أنه دنوٌّ من محمد إلى ربه أو من الله إلى محمد (¬10)، وعلى هذا القول فيكون الدنو والتدلى متأوَّلاً ليسَ على وجهه، كما قال جعفر بن محمد: الدنو من الله لا حَدَّ له، ومن العباد بالحدود، فيكونُ معنى دنو النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ربه وقربه منه ظهور عظيم منزلته لديه، وإشراق أنوار معرفته عليه، وإطلاعه [من غيبه] (¬11) وأسرار ملكوته على ما لم يطلع سواه عليه. والدنُو من الله له إظهار ذلك له وعظيم بِرِّه وفضله العظيم لدَيه، ¬

_ (¬1) هو الباقلانى فقد ذكر فيما نقله القاضى عنه فى الشفا أثناء أجوبته عن الآيتين: {لَن تَرَانِي} و {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} أن موسى - عليه السلام - رأى الله فلذلك خرَّ صعِقًا، وأن الجبل رأى ربه فصار دكًّا بإدراك خلقَه الله له، إذ تجلِّيه للجبل هو ظهوره له. الشفا 1/ 264. (¬2) السابق. (¬3) راجع: الشفا 1/ 267. (¬4) النجم: 10. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) فى الأصل: أو جبريل. (¬7) النجم: 8، 9. (¬8) من الشفا. قلت: إن رد عائشة - رضى الله عنها - للحديث ردٌّ بالاستدلال لا بالرواية، والمحققون من العلماء يمنعون من رد الأخبار بالاستدلال، وقد مثلوا لذلك برد خبر القهقهة استدلالاً بفضل الصحابة المانع من الضحك وبرد عائشة هذا - رضى الله عنها. قال شيخ الإسلام: " رد الأخبار بالاستدلال لا يجوز؛ لأن السند يأتى بالعجائب، وهى من أكثر الدلائل لإثبات الأحكام " المسودة: 238. (¬9) فى الأصل: السدرة المنتهى. (¬10) زيد قبلها فى الأصل: وتدلى. (¬11) زيد قبلها فى ت: عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكون قوله: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} على هذا عبارة عن لطفِ الحل واتضاح المعرفة والإشراف على الحقيقة من نبينا، ومن الله إجابة الرغبة وإنافة المنزلة، ويتأول فى ذلك ما يتأول فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ربه: " من تقرب منى شبراً تقربت منه ذراعاً ... " (¬1) الحديث. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخارى، عن أنس بن مالك عن أبى هريرة قال: ربما ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا تقرب العبد منى شبراً تقربت منه ذراعاً، وإذا تقرب منى ذراعاً تقربت منه باعاً أو بوعًا "، وقال معتمر: سمعت أبى سمعت أنساً عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرويه عن ربه عز وجل. ك التوحيد، ب ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروايته عن ربه 9/ 190 وهو جزء حديث أخرجه أحمد فى المسند والبزار عن أبى سعيد بلفظ: " من تقرَّب إلى الله شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرَّب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن أتاه يمشى أتاه يهرول " وقال فيه الهيثمى: " فيه عطيه العوفى وهو ضعيف " مجمع 10/ 196 ولأحمد والطبرانى عن يزيد بن نعيم قال: سمعت أبا ذر الغفارى وهو على المنبر بالفسطاط يقول: سمعت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تقرَّب إلى الله عز وجل شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن أقبل إلى الله عز وجل ماشيًا أقبل الله عز وجل إليه مهرولاً، والله أعلى وأجل، والله أعلى وأجل، والله أعلى وأجل " قال الهيثمى: إسنادهما حسن. وللطبرانى عن سلمان رفعه قال: يقول الله عز وجل: " إذا تقرب إلىَّ عبدى شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإذا أتانى يمشى أتيته هرولة ". وقال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح غير زكريا بن نافع الأرسوقى والسرى بن يحيى وكلاهما ثقة ورواه البزار. مجمع الزوائد 10/ 196. وعلى ذلك يحمل الدنو فى الآية على القرب، والتدلى على الزيادة فيه. وقد جاء عن الفراء: أن التدلى الامتداد إلى أسفل، ثم يستعمل فى القرب من علو. فالتدلى إن كان بين النبى وبين الله عز وجل فمؤول لاستحالة التخصيص بالجهة والانتقال فى الأحياز على المولى جل وعلا، وإن كان بينه وبين غيره فهو على ظاهره. والمراد بالقوس أحد أمرين: إما أن يكون القوس العربى الذى يرمى به، والقاب هنا رأسها أو ما اعوج منه، وهو السية. أو يكون المراد بالقوس هو الذراع الذى يقاس به الشىء. والأول أوضح. مكمل 1/ 327، لسان العرب.

(77) باب معنى قول الله عز وجل: {ولقد رآه نزلة أخرى} وهل رأى النبى صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء؟

(77) باب معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} وهل رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه ليلة الإسراء؟ 283 - (175) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (¬1) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ. 284 - (176) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: رآهُ بِقَلْبِهِ. 285 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ الأَشَجُّ: حَدَثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَبِى جَهْمَةَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَآهُ بِفُؤادِهِ مَرَّتَيْن. 286 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَهْمَةَ بِهذَا الإِسْنَادِ. 287 - (177) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئاً عِنْدَ عَائِشَةَ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفرِيَةَ. قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَد أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئاً فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤمِنِين، أَنْظِرِينِى وَلَا تَعْجَلِبنِى، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِين} (¬2)، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} فَقَالتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِى خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطاً مِنَ السَّمَاءِ، سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ". فَقَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} (¬3) أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) النجم: 13. (¬2) التكوير: 23. (¬3) الأنعام: 103.

يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لَبِشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (¬1) قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئاً منْ كِتَابِ اللهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (¬2) قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِى غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. وَاللهُ يَقُولُ: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (¬3). 288 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. وَزَادَ: قَالَتْ: وَلَوْ كَانَ مَحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِماً شَيْئًا مِمَّا أُنزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسَكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أن تَخْشَاهُ} (¬4). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة واحتجاجها بالآية: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} الآية، قد استدل بالآية نفسها بعض المشايخ أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه دون حجاب، وكلمه دون واسطةٍ ولا رسولٍ، وقال: هى ثلاثة أقسام: من وراء حجاب كتكلم موسى، وبإرسال الملائكة بالوحى كحال جميع الأنبياء وأكثر أحوال نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الثالث: قوله: " وحياً " ولم يبق من تقسيم صُوَر المكالمة إلا كونها مع المشاهدة. وقد قيل: الوحى هنا هو: ما يلقيه فى قلب النبى دون واسطة (¬5). وقولها: " لو كان كاتماً شيئاً لكتم قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْه} " الآية، قال القاضى: لا يجب أن يُتأوّل فى قول عائشة وفى الآية ما ذكر عن بعض من لم يحقق من المفسرين فيها من الشناعة، من أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَرَ زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقَها، وأنه الذى أخفى فى نفسِه (¬6)، إذْ لا يَصحُّ عنه فلا تسترب أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنزَّهٌ عن مثل هذا، ومن مدِّ عيْنيه إلى ما نهاهُ الله عنه ممَّا متَّع الله بِه غيرهَ من زهرة الدنيا (¬7). وأصح ما فى هذا ما حُكى عن على بن حسين أن الله تعالى أعلم نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكونها له زوجاً، فلما شكاها زيدٌ قال له: أمْسِك، وأخفى فى نفسه ما أعلمه الله به مما الله مبديه بطلاق ¬

_ (¬1) الشورى: 51. (¬2) المائدة: 67. (¬3) النمل: 65. (¬4) الأحزاب: 37. (¬5) وهو الأقرب. (¬6) انظر على سبيل المثال: ما نقله الطبرى من الروايات السقيمة فى ذلك وما وقع فيه النسفى. (¬7) يقول جل جلاله: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهَرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].

289 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِى. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ عُائِشَةَ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ الله! لَقَدْ قَفَّ شَعْرِى لِمَا قُلْتَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَحَدِيثُ دَاوُدَ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ. 290 - (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنِ ابْنِ أَشْوعَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ؛ قَالَ: قُلْتُ لِعَائشَةَ: فَأَيْنَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (¬1) قَالَتْ: إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَانَ يَأْتِيِهِ فِى صُورَةِ الرِّجَالِ. وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِى هَذِهِ الْمَرَّةِ فِى صُوَرتِهِ الَّتِى هِىَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد لها وتزويج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ لها (¬2) ونحوه عن الزهرى وغيره، والذى خشيه إرجافَ المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج زوجة ابنه، وألفاظ الآية تدلُ على صحة هذا الوجه لقوله (¬3): {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} (¬4)، ولو كان ما ذكر أولئك لكان فيه أعظم الحرج، وبقوله: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرَا} (¬5)، وإلى ما قلناه نحا القاضى بكر بن العلاء القشيرى وغيره من المحققين، وأنكروا سواه. وكتم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذه الآية لو كتمها وقد نزهه الله عن ذلك - كما قالت عائشة لما اشتملت عليه من عتبه وإبداء ما أسَرَّه من زواجها وأمره زيدًا بإمساكها، وقد أعلمه الله أنه سيطلقها، وخشيته تشنيع المنافقين عليه - كما تقدم - لا لغير ذلك. ¬

_ (¬1) النجم: 9 - 11. (¬2) أخرجه ابن أبى حاتم عن على بن زيد بن جُدْعان قال: سألنى على بن الحسين: ما يقول الحسن فى قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} فذكرت له، فقال: لا، ولكن الله أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد ليشكوها إليه قال: اتق الله، وأمسك عليك زوجك، فقال: قد أخبرتك أنى مُزوّجكها، وتخفى فى نفسك ما الله مبديه. قال الحافظ ابن كثير: " وهكذا روى عن السدى أنه قال نحو ذلك 6/ 420. (¬3) فى ت: بقوله. (¬4) الأحزاب: 38. (¬5) الأحزاب: 37، وقد جاءت الآية فى الأصول بلفظ: " لئلا " وهو خطأ.

(78) باب فى قوله عليه السلام: " نور أنى أراه " وفى قوله: " رأيت نورا "

(78) باب فى قوله عليه السلام: " نور أنى أراه " وفى قوله: " رأيت نورًا " 291 - (178) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَتَادَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٌ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ. " نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ". 292 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، كِلَاهُمَا، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِى ذَرٍّ: لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسأَلْتُهُ. فَقَالَ: عَنْ أَىِّ شَىءٍ كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَسْألُهُ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُ، فَقَالَ: " رَأَيْتُ نُوراً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سأله أبو ذر: هل رأيت ربَّك؟ قال: " نورٌ أَنّى أراه "، قال الإمام: وفى نسخة: " نُورانىُّ "، وفى طريق آخر: أنهُ قال له: " رأيت نوراً " قال الإمام: إن قيل: ظاهر الخبرين متناقضٌ لأن الأول فيه أن النور يمنع رؤيته والثانى أن النورَ مرئىّ، قلنا: يصح أن يكون الضمير فى قوله: " أراه " عائداً على الله - سبحانه - وقوله: " أنَّى أراه " يعنى أن النور أغشى بصرى ومنعنى من الرؤية، كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائى وبينه، فيكون انتهاءُ رؤيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النور خاصة، وهو الذى أدرك. فإذا أمكن هذا التأويل لم يكن ذلك مناقضاً للخبر الأول بل هو مطابق له؛ لأنه أخبر فيه أنه رأى نوراً، وكذلك فى الأول، والرواية التى فيها نورَانِىُّ أشكلُ، يحتمل أن يكون معناه راجعاً إلى ما قلنا، أى خالق النور المانع من رؤيته، فيكون من صفات الأفعال. قال القاضى: هذه الرواية لم تقع إلينا ولا رأيتُها فى شىء من الأصول إلا ما حكاهُ الإمام أبو عبد الله، ومن المستحيل أن تكون ذات الله نوراً، إذ النور من جملة الأجسَام والله تعالى يتعالى عن الاتصاف بذلك، هذا مذهب جميع أئمة المسلمين خلافاً لبعض المجّسمة هشام الجُوالقى ولَمَّتِه (¬1) ممن قال: نورٌ لا كالأنوار، ومعنى قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ ¬

_ (¬1) فى ت: وأمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} (¬1) وما جاء فى الحديث المأثور من تسميته بالنور فمعناه: ذُو نُورِهما وربُّه وخالِقُه، وقيل: هادى السماوات والأرض، وقيل: مُنَوِّرُ قلوُب عباده المؤمنين، وقيل: معناه: ذو البهجة والجمال، وهذا يرجع إلى المعنى الأول، أى مالكهما وربُّهما، أو لنفى النقائص والغِير والحوادث. ¬

_ (¬1) النور: 35.

(79) باب فى قوله عليه السلام: " إن الله لا ينام "، وفى قوله: " حجابه النور لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه "

(79) باب فى قوله عليه السلام: " إن الله لا ينام "، وفى قوله: " حجابه النور لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " 293 - (179) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، حَدَّثَنَا الأَعمشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: " إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِى لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَملُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلَ، حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: النَّارُ - لَوْ كَشْفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ عَنِ الأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنَا. 294 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعَمْشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حجابه النور - وفى رواية أخرى النار - لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه " (¬1)، قال الإمام: الهاء فى " وجهه " تعود على المخلوق لا على الخالق، إذ الحجاب بمعنى السَّتر إنما يكون على الأجسام المحدودة، والبارى - جلت قدرتُه - ليس بجسم ولا محدود، والحجاب فى اللغة: المنع، ومنه سمى المانع من الأمير حاجباً؛ لمنعه الناس عنه، ومنه الحاجب فى الوجه؛ لأنه ممنع الأذى عن العين، والإنسان ممنوع من رؤية الخالق فى الدنيا فسُمى منعه حجاباً، ولما كان النور والنار مانعين فى العادة من الإدراك - وهما من أشرف الأشياء المانعة - أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لو كشف عن النار والنور المانعين من الإدراك فى العادة لأحرقت وجوه المخلوقين، وإن البارى - سبحانه - لا تقابله الأنوار وتقابل المخلوقين وتمنعهم من الرؤية. وأما تفسير السُبُحات، فقال الهروى: سبُحات وجهه: نور وجهه، وفى كتاب العين: سُبْحَةُ وجهه هى نور وجهه وجلاله، وإنما نقلنا هذا لتعلم قول أهل اللغة فى هذا اللفظ لا على اتّباعه فيما يرجع الضميرُ إليه، وإطلاق هذا اللفظ الذى قالوه. قال القاضى: ما قاله الإمامُ - رحمه الله - صحيح، لكنه يضيق حمله على وجه ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ق: فيأتى معنى كشفه.

قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ " مِنْ خَلْقِهِ " وَقَالَ: " حِجَابُهُ النُّورُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المخلوق مع اتفاق الرواية على رفع السبُحات، وأنها المحرقة لما انتهى إليها البصرُ، كما قال: " ما انتهى إليه بصرُه من خلقه " فالخلقُ هنا هُوَ المحروق (¬1) وسُبحات الوجه هى المُحرقَة، والسُبُحات، بضم السين والباء، جمعُ سبحة، وهى النور والجلال - كما قالوا - وما فى معناها من البهاء والجمال والكبرياء والعظمة ونعوتِ التعالى، وبمعنى (¬2) ذلك قوله فى الحديث الآخر: " وما منَعهُم أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه " (¬3)، فإضافتها إلى الله تعالى وعود الضمير إليه هو مقتضى نظم الكلام ووجه اللفظ العربى، وإلا اختل الكلام وتناقض مفهوم اللفظ، وإذا كان هذا نظرنا إلى تأويل ذلك، فإذا جعلنا معنى " وجه الله " ذاته ووجوده، على ما اختاره الجوينى وغيره من أئمتنا، كانت إضافة السُبُحات إليها على معنى إضافة النور إليه فى الآية (¬4)، وفى قوله: " أعوذ بنور وجهك (¬5) إِمَّا على المِلْكِ أو الاختصاص (¬6) وتكون هذه السبحات هى تلك الحجبُ التى ذُكر من النور و (¬7) النار وجلال الملكوت وعظيم القدرة لو كشفها لأحرقت كل من رآها وأدركها، وهو معنى قوله إن شاء الله تعالى: " ما انتهى إليه بصرُه من خلقه ". الهاء فى بصره عائدة على خلقِه، أى لأحرقت من خلقه كل من انتهى إليه بصرهُ منهم ورأى ذلك، ويُتأوّل فى ذلك ما يتأول فى قوله: {نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} (¬8) وفى تسميته نوراً ويستقيم المعنى الحقيقى وينطبق على اللفظ العربى، وعلى تفسير أهل اللغة التى لابد لنا من الرجوع إليهم فى معانى هذه الألفاظ، ومن سلك من مشايخنا فى الوجه أنه صفة (¬9) - وهو قول شيخنا أبى الحسين - كانت إضافة السُبُحات إليها، والمراد الذات، لاسيما على القول بتقسيم القول فى الصفات، وأن منها ما يقال: هو نفس الذات، وإذا جعلنا الوجه بمعنى الجهة حسُن - أيضاً - أن يقال: لأحرقت السُبُحات والأنوار أو النار التى فى الجهة التى ينظرُ إليها الناظِرُ، إذا كشفها الله له وأراه إياها كلَّ من نَظَرَ إليها. وهذه وجوهٌ كلها بينة حسنةٌ ظهَرَت بعون الله وتوفيقه. وقد قال بعض المشايخ - فى تصحيح كون الضمير فى بصره عائداً على الله تعالى -: إن الكلام إشارة إلى العموم لقوله: ¬

_ (¬1) فى ت: المُحرق. (¬2) فى الأصل: ومعنى. (¬3) رواية عبد الله بن قيس. (¬4) يعنى قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} [النور: 35]. (¬5) جزء حديث رواه ابن إسحاق فى السيرة وأخرجه الطبرى فى تاريخه من حديث محمد بن كعب القرظى 2/ 345، وانظر: سيرة ابن هشام 1/ 420، وتفسير ابن كثير 6/ 61. (¬6) فى ت: للاختصاص. (¬7) فى ق: أو. (¬8) فقد قال السدى فيها: فبنوره أضاءت السماوات والأرض. وعن على بن طلحة عن ابن عباس: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} يقول: هادى أهل السماوات والأرض. راجع: تفسير ابن كثير 6/ 60. (¬9) بمعنى تصل إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ " ما انتهى إليه بصرُه من خلقِه " ولا شىء من خلقه إلا ورؤية الله تنتهى إليه (¬1)، فكأنه قال: لو كشفها لاحترق جميع الخلق. وقال النضر بن شُمَيْلِ: معنى " سُبُحاتِ وجهه " كأنه ينزهِهُ يقول: سبحان وجهه، وقد يقال على مذهب من تأوَّل من المتصوفة: حُجُبُ النور تحجُبُ العُلومَ التى لم تبلغ الحقيقة، وصدَّها عن المعرفة الحقيقية لشغل الفكر وتشويش العقل بها، فلو كشفها عن المخلوقين وأزاحها عنهم وظهرت المعارف والأنوار التى من وجه الحقيقة وجهَة الحقّ لأَحرَقتهم ولأهلكتهم، ولم يحتملها ضَعْفُ تركيبهم، كما قال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (¬2)، ولكنه يقال: إنما يكشف منها اليسير بقدر احتمال قواهم الضعيفة، حتى إذا شاء الله وقواها وربط على قلوبهم احتملوا رؤيته، ومشاهدة عجائب ملكوته، وعظيم عظمته، وقدرته، وجلال سُلطانه وبهائه، ويدل على صحته ما أشرنا إليه قوله فى الحديث الآخر: " فلا يسمع حسن ذلك أحد لا يربط على قلبه إلا خلع أفئدته " وفى الحديث الآخر: " إلا زهقت نفسه ". وأعلم أن فى ذكر الحجاب هنا والحجب، وتكثيرها فى غير هذا الحديث من النور والنار والظلمة والماء مما جاء فى أحاديث أخر، تنبيه لأولى الألباب على أن الحُجُبَ ليست حجباً لأنفسها ووجودها، وإنما حجبت الخلق عن ذلك فِعلُ الله وإرادتُه ومشيئته وقدَرُه، لأنه حجَب بالأشياء (¬3) وأضدادها من النور والظلمة والماء والنار، وهذا مذهب أهل الحق؛ أن الرؤية والإدراك فعلُ الله وخلقُه فى المدرِك للشىء ولا يشترطون فى المرئى والمدْرك سوى وجوده إلا من حيث مجرى العادة، خلافاً للفلاسفة ومن اقتفى آثارها من ضُلال المعتزلة؛ لاشتراطهم فى الرؤية رفع الموانع من الحجب الثخينة والقرب والبُعْدِ المفرطين واشتراطِهِم اتصال الأشعَّةِ ومقابلة المرئى، وافتقار الإدراك لبنية مخصوصة - وهى العين - وهذه الدعاوى حَمَلتْهم على نفى رؤية العباد لله أصلاً وساقت بعضهم إلى أن الله تعالى لا يرى ولا يُرى، تعالى الله عن قولهم، فأبان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن حَجْبَ الله لأبصار خلقه بمشيئته وخلقه، لا أنه يحجُبه شىءٌ وأن النور الذى هو فى العادة سبب الإدراك والموجب للرؤية يحجُب بمشيئته عنه العباد كما يحجُبهم ضدّه من الظلمة، وكذلك الماء بشفوفه ورقته، والنار بضوئها. وقد أشار بعضهم أن قوله: " حجابه النور " إشارة إلى معرفة العارفين بأنه لا كيفية له ولا مثل، وأنه ليس كمثله شىء، فحَجَبَتْ هذه المعرفةُ - وهى النور - قلوبَ العارفين ¬

_ (¬1) ذهب المتكلمون فى هذه القضية ثلاث فرق: الأولى تقول: إن لله وجهاً هو هو، وهذا قول أبى الهذيل. والثانية تقول: إن المراد بالوجه هو الذات؛ لأن العرب تقيم الوجه مقام الشىء فيقول القائل: لولا وجهك لم أفعل، أى لولا أنت لم أفعل، وهذا قول النظام وأكثر معتزلة البصريين وقول معتزلة البغداديين. والثالثة: ينكرون ذكر الوجه فى غير تلاوة القرآن، والقائلون بهذه المقالة هم العباديَّة أصحاب عبَّاد. راجع: مقالات الإسلاميين 189. (¬2) الأعراف: 143. (¬3) فى ت: عن الأشياء.

295 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفر، قَالَ: حَدَّثَنِى شُعْبَةُ عَنْ عَمْرو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعٍ: " إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِى لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، ويُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بَاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عن تخييله وتمثيله، وأعلمتهم أن العجز عن إدراكه إدراكٌ - كما قال الصِدّيق - قال اللهُ تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} (¬1)، وقال: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة} (¬2) الآية. وقوله: " يخفض القسط ويرفعُه، يُرفَع إليه عمل النهار بالليل وعملُ الليل بالنهار " وفى الرواية الأخرى: " عمل النهار قبل عمل الليل وعمل الليل قبل عمل النهار " قال الهروى: قال ابن قتيبة: القِسط الميزان، وسمى به لأن القسط العدل، وبالميزان يقع العدل فى القسمة فلذلك سمى به. والمراد أن الله يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة إليه ويوزن من أرزاقهم النازلة إليهم. قال الله تعالى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُوم} (¬3)، والقسط أراد الوزن خفض يده ورفعها، فهذا تمثيل لما يقدر، ثم يُنْزله، فشبَّه بوزن الوزَّان (¬4). والقُسْطاس بضم القاف وكسرها: أقوم الموازين، وقال بعضهم: أراد بالقسْط الرزق الذى هو قسْطُ كل مخلوق، يخفضه فيقتّرهُ ويرفَعَهُ فيوسعه. ¬

_ (¬1) الزمر: 22. أى: هل يستوى هذا ومن هو قاسى القلب بعيدٌ عن الحق. ولهذا قال: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّه} أى فلا تلين عند ذكره. ابن كثير 7/ 84. (¬2) الضمير فى نوره فيه قولان: أحدهما: أنه عائد إلى الله عز وجل، أى مثل هداه فى قلب المؤمن، (كمشكاة) قاله ابن عباس. الثانى: أن الضمير عائد إلى المؤمن الذى دلَّ عليه سياق الكلام، تقديره: مثل نور المؤمن الذى فى قلبه كمشكاة، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى، وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه فشبه قلب المؤمن فى صفائه فى نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهرى، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافى المشرق المعتدل الذِى لا كدر فيه ولا انحراف. فقوله: {كَمِشْكَاةٍ} قال ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وغير واحد: هو موضع الفتيلة من القنديل قال الحافظ ابن كثير: " هذا هو المشهور، ولهذا قال بعده: {فِيهَا مِصْبَاحٌ} وهو الذبالة الى تضىء ". (¬3) الحجر: 21. (¬4) فى ت: الوازن.

(80) باب إثبات رؤية المؤمنين فى الآخرة ربهم سبحانه وتعالى

(80) باب إثبات رؤية المؤمنين فى الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 296 - (180) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ - وَاللَّفْظُ لأَبِى غَسَّانَ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجوْنِىُّ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، فِى جَنَّةِ عَدْنٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه " قال الإمام: كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخاطبُ العرب بما تفهم ويخرج لهم الأشياء إلى الحِسّ حتى يقرب تناولهم لها، فعبَّر عن زوال الموانع ورفعِه عن الأبصار بذلك. قال القاضى: كانت العرب تستعمل فى كلامها الاستعارة كثيراً، وهو أحد أنواع مجازات كلامها وأرفع أبواب بديع فصاحتها وإيجازها، وهو التجوز باللفظة ونقلها عن أصل موضوعها واستعمالها فى غيره مما له به شَبه استعمال الموضوع. ونحا الرُّمانى (¬1) إلى أنها نوع من التشبيه، إلا أنه بغير أداة، فالعرب تستعملها فى كلامها استعمال غيرها وتفهم المقصد بها، كما قال تعالى: {جَنَاحَ الذُّلِّ} (¬2)، فمخاطبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم برداء الكبرياء على الوجه وشبهه من المشكلات من هذا المعنى، ومن لم يفهم مقاصد العرب وكلامهم ممن غلبت عليه العُجَمةُ تاه فى هذه الْمهمة، فمن بليد محضٍ أجرى الأمر على ظاهره، فقال بالتجسيم والتشبيه، وممن خضرَم فى النباهَة استهول ظواهرَها ولم تتضح له وجوهها لجهله بكلام العرب ومنازعهم (¬3) فإمَّا كَذَّب بالأصل كالمُعَطِّلة، أو كذب بهذه الآثار وأطرَحها وجهَّل نقلتها كالمعتزلة، فاستعار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع من إدراك أبصار البشر ذاته لضعفها عن ذلك، حتى إذا شاء ذلك قوَّى أبصارهم، وثبَّت عقولهم، وشجَّعَ أنفسهم، وربط على قلوبهم، وكشف عنهم حجب هيبته وموانع عظمته، فاحتملوا رؤيته واستقروا لمشاهدته. فعبَّر عن ذلك برداء الكبرياء كما عبَّر الشارع عن أشياء كثيرة من قوله: " فليخفف الرداء يعنى الدّين ". ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن على بن عيسى بن على الرمانى النحوى المتكلم، أحد الأئمة المشاهير، جمع بين علم الكلام والعربية، وله تفسير القرآن الكريم، أصله من سر من رأى، توفى سنة أربع وثمانية وثلثمائه. وفيات الأعيان 3/ 299. (¬2) الإسراء: 24، والمراد بجناح الذل هنا: التواضع. (¬3) فى الأصل: منازعتهم.

297 - (181) حدّثنا عُبَيْد اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ سَلَمَة، عَنْ ثَابتٍ الْبُنَانِىّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الجَنَّةَ " قَالَ: " يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ " قَالَ: " فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ من النَظرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فى جنة عدن ": معناه راجع إلى الناظرين، أى وهم فى جنة عدن لا إلى المرئى وهو الله، فإنه لا تحويه الأمكنة، تعالى الله عن ذلك (¬1). وذكر مسلم حديث عبيد الله بن عُمَر بن ميْسَرةَ عن ابن مهدى [قال ثنا] (¬2) حماد بن سلمة عن ثابت البُنانى عن ابن أبى ليلى عن صهيب عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دخل أهل الجنة الجنة ... ". قال أبو عيسى الترمذى: هذا الحديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قوله (¬3). قال القاضى: ذكر فى هذا الحديث نظر أهل الجنة إلى ربهم، مذهب أهل السنة بأجمعهم جواز رؤية الله عقلاً ووجوبها (¬4) فى الآخرة للمؤمنين سمعاً، نطق بذلك الكتاب العزيز ¬

_ (¬1) فهى حال من القوم، أى كائنين فى جنات عدن، لا من الكينونة، لاستحالة المكان عليه تعالى. وجنة عدن: قال الضحاك اسم لمدينة الجنة، وهى مسكن الأنبياء - عليهم السلام - والعلماء والشهداء وأئمة العدل، والناس سواهم فى جنات حواليها، وقال عطاء: هو نهر على حافتيه جنات، وقيل: عدن اسم للإقامة، من عدن بالمكان إذا أقام به، واختاره ابن عطية وقال: هو الصواب؛ لأن الله - سبحانه - وعدها المؤمنين والمؤمنات بقوله تعالى: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: 72] إكمال الإكمال 1/ 335. (¬2) فى ت حدثنا. (¬3) عبارة الترمذى: " هذا حديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورفعه، وروى سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد هذا الحديث عن ثابت البُنَّانى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قوله ". ك صفة الجنة، ب ما جاء فى رؤية الرب تبارك وتعالى 4/ 687. ومعنى قوله: أى أنه من قول ابن أبى ليلى ليس فيه ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا ذكر صهيب. قال النووى: وهذا الذى قاله هؤلاء ليس بقادح فى صحة الحديث؛ لأن المذهب الصحيح المختار الذى ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين، وصححه الخطيب البغدادى: أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلاً وبعضهم مرسلاً، أو بعضهم مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكم بالمتصل وبالمرفوع، لأنهما زيادة ثقة، وهى مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف ". نووى 1/ 426. (¬4) فى الأصل: ووجوبه.

298 - (...) حدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجمع عليه سلف الأمَّةِ ورواه بضعَة عشر من الصحابة بألفاظ مختلفةٍ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلافاً للمعتزلة والخوارج وبعض المرجئة، إذ نفوا ذلك عقلاً بناءً على شروط يشترطونها من البنية والمقابلة واتصال الأشعة، وزوال الموانع فى تخليط لهم طويل، وأهل الحق لا يشترطون شيئاً من ذلك سوى وجود المرئى، وأن الرؤية إدراك يخلقها الله للرائى فيرى المرئى، لكن مجرى (¬2) العادة تكون على صفاتٍ وليست بشروط. ¬

_ (¬1) يونس: 26. (¬2) فى ت: يجرى.

(81) باب معرفة طريق الرؤية

(81) باب معرفة طريق الرؤية 299 - (182) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزيِدَ اللَّيْثِىِّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ نَاساً قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ " قَالُوا: لا، يَا رسُولَ اللهِ. قَالَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " هل تضارون فى الشمس ": وفى الحديث الآخر: " تضامون "، قال الإمام: فيه ردٌ على المعتزله فى إحالتهم رؤية الله تعالى. ويُروى بتشديد الراء وبتخفيفها، فالتخفيف مأخوذ من الضير، والأصل فيه تضرون (¬1). والمعنى: لا يخالف بعضكم بعضاً ولا تتنازعون، يقال: ضاره يضيره ويَضوره، وأمَّا تُضَارون، بالتشديد، فمعناه ومعنى التخفيف واحد، فيكون على معنى: لا تُضَارَرُون، فُتسَكّنُ (¬2) الراء الأولى وتُدغَم فى التى بعدها، ويُحذَفُ المفعول لبيان معناه. وقيل: لا يحجب بعضُكم بعضاً عن رؤيته فيضره بذلك. ويجوز أن يكون على معنى: لا تُضارَرُون (¬3)، بفتح الراء الأولى، أى [لا] (¬4) تتنازعون ولا تجادلون، فتكونون أحزاباً يضر بعضكم بعضاً فى الجدل، ويقال: ضاررته مضارة إذا خالفته. وأما مَنْ روى لا تُضامّون، بالميم وتشديدها، فمعناه: لا ينضم بعضكم لبعض فى وقت النظر كما تفعلون بالهلال، ومن رواه بتخفيف الميم فمعناه: لا ينالكم ضيمٌ فى رؤيته فيراه بعض دون بعض، بل يستوون فى الرؤية. وأصله (¬5): تُضْيَمون على وزن تُفْعلُونَ وَألقِيت فتحة الياء على الضاد فصارت الياء ألفاً لانفتاح ما قبلها، والضَيْم: الذُّل. قال القاضى: وقال فيه بعض أهل اللغة: تَضَامُّونَ وتضارون (¬6) بفتح التاء وتشديد الراء والميم، ومعناه: تتضاررونَ وتتضامَمُون (¬7)، قال بعضُهم: ومعناه فى اللغة: يُضَارُّ ¬

_ (¬1) أى المبنى للمعلوم. (¬2) فى ت: تُسكن. (¬3) هكذا فى المخطوط، وأرى أن صحتها: تتضاررون. ذلك أنه فسرها بعد ذلك بقوله: تتنازعون، ولا مجال هنا للتأكيد بالنون الثقيلة، وهو يشير بذلك إلى أن الإدغام ضيع بيان حركة الراء الأولى، وهى التى تتحكم فى كونه للفاعل حين تكون مكسورة، أو للمفعول إن كانت مفتوحة. (¬4) ساقطة من الأصل. (¬5) يريد الإمام بكلمة (الأصل) الفعل المبنى للمعلوم قبل تحويله، فهى من الرباعى أضام وأضار، وليست من الثلاثى ضام وضار، إذ أن صيغة المبنى للمجهول تتفق فيهما وذلك مثل مال وأمال. (¬6) لعلها: وتصارَّون. (¬7) القاعدة: أنه إذا اجتمع تاءان فى أول المضارع إما أن تحذف إحداهما تخفيفاً، وإما أن تدغم الأولى فيما بعدها، وإما أن تظل التاءان، وتلك الأوجه الثلاثة جائزة فى كل ما أوله تاءان، وعليه ففى قوله تعالى: {تَظَاهَرُونَ} [البقرة: 85] فيها الأوجه الثلاثة.

سَحَابٌ؟ ". قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبعْهُ، فَيَتَّبعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كاَنَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوِاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأتِيهِمُ اللهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِى صُورَة غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُون. فَيقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأتيهِمُ اللهُ تَعَالَى فِى صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَىْ جَهَنَّمَ، فَأَكَونُ أَنَا وَأُمَّتِى أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئذٍ إِلَّا الرسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهُمَّ، سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِى جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ. هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعدْانَ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكَ السَّعْدانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِىَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجّى، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءَ بَيْنَ الْعَبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحَمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مَنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضكم بعضاً. قال الزجاج: الذى جاء فى الحديث: تضارونَ وتضامون بالتخفيف، أى لا ينالكم ضيمٌ ولا ضيرٌ فى رؤيته، أى تستوون فى الرؤية. وقد ذكر البخارى هذا الحرف فى بعض رواياته " ولا تُضامُون أو لا تُضَاهون " على الشك (¬1)، ومعناه بالهاء قريبٌ من معنى الأول، أى لا يعارض بعضكم بعضاً فى الارتياب برؤيته أو نفيها، وقد يكون معناه: لا تشبهونه فى رؤيته بغيره من المرئيات سبحانه وتعالى. وقوله: " كما ترون القمرَ " وقوله بعد ذكر الشمس والقمر: " إنكم ترونه كذلك " تشبيه الرؤية بالرؤية والإدراك بالإدراك فى الوضوح ورفع الشك واتساع مسرح النظر، لا تشبيه المرئى بالمرئى (¬2) والمدرَك بالمدرَك (¬3)، ألا تراه كيف قال: " كما ترون القمر " ولم يقل كالقمر. وتأولت المعتزلة (¬4) أن معنى الرؤية هنا العلم، وأن المؤمنين يعرفون الله يوم القيامة ضرورة، وهذا خطأ؛ لأن رؤية العلم تتعدى إلى مفعولين ورؤية العين إلى واحد وكذا ¬

_ (¬1) ك المواقيت، ب فضل صلاة الفجر 1/ 150، والحديث هناك من رواية أبى هريرة. (¬2) فى ت: المرئى. (¬3) يعنى تشبيه رؤية الإنسان لله فى الآخرة برؤيتة للقمر فى الدنيا لا تشبيه الله بالقمر، وهى ما أفادته عبارة المرئى بالمرئى والمدَرك بالمدرك. (¬4) أجمعت المعتزلة على أن الله - سبحانه - لا يُرى بالأبصار، واختلفت: هل يُرى بالقلوب، فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة: نرى الله بقلوبنا، بمعنى: أنا نعلمه بقلوبنا. مقالات 157.

النَّارِ مَنْ كَانَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِى النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرَجُونَ منَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ منْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِى حَمِيلِ السّيلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحَرَقَنِى ذَكَاؤُها، فَيَدْعُو اللهَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَهُ. ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِى رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاء اللهُ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ. ثُمَّ يَقُولُ: أَىْ رَبِّ، قَدِّمْنِى إلى بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لا تَسْأَلُنِى غَيْرَ الَّذِى أَعْطَيْتُكَ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ؛ فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، وَيَدْعُو اللهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ! فَيَقُولُ: لا، وَعِزَّتِكَ، فَيُعْطِى ـــــــــــــــــــــــــــــ هاهنا؛ ولأن تمثيلها برؤية القمر وهى رؤية عين تدل [على] (¬1) أنها رؤية عين، ولأن اختصاص المؤمنين بها وأهل الجنة يدل أنها غيرُ العلم، وأما الكفار يومئذ فهم يشاركون المؤمنين فى العلم؛ ولأن الأثبات قد رَوَوْه: " ترون رَبُّكم عياناً ". وقوله: " فَيَتَّبِعُ من كان يعبدُ الشمس الشمس " وذكر مثله فى القمر والطواغيت تمام هذا الفصل فى الحديث الآخر: " ثم يتساقطون فى النار " (¬2). وقوله: " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها " لتَستُّرهم (¬3) فى الدنيا بدخولهم فى جملتهم ونفاقهم بذلك ظنوا تجويز ذلك لهم فى الآخرة، إذا اتبع كل معبود من عبده، جهلاً منهم بالله واطلاعه على أسرارهم كما جهل المشركون ذلك وقالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين} (¬4) وظنوا أن ذلك يجوز لهم، كذلك المنافقون تستروا بجماعة المؤمنين فاتبعوهم ومشوا فى نورهم، حتى ضرب بينهم بسورٍ له باب باطنهُ فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، وانقطعت عنهم أضواؤهم وذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات لا يُبصرون. واستدل بعضهم بأن هؤلاء هم المطرودون عن الحوض، والذين يقال لهم: " سُحقاً سُحقاً "، فالله أعلم. وقوله: " فيأتيهم الله فى صورة لا يعرفونها " وفى رواية أخرى: " فى صورة غير ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) حديث أبى سعيد الخدرى. (¬3) فى الأصل: لتستريهم. (¬4) الأنعام: 23.

رَبَّهُ مَا شَاء اللهُ منْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: أَليْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ، وَيْلَكَ يَابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، لا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ اللهُ مَنْهُ، قَالَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنّى، حَتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ مَعَ أَبِى هُرَيرَةَ لا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا. حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ اللهَ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ: " وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلا قَوْلَهُ: " ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَشْهَدُ أَنِّى حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: " ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صورته التى يعرفون فيقول أنا ربكم "، قال الإمام: يحتمل أن تأتيهم صورةٌ مخلوقة فيقول: أنا ربكم، على سبيل الاختبار والامتحان، فيقولون: نعوذ بالله منك، فيأتيهم الله فى صورته التى يعرفونها. الإتيان هنا عبارة عن رؤيتهم الله تعالى، وقد جرت العادة فى المحدثين أن من كان غائباً عن غيره فلا يمكنه التوصل إلى رؤيته إلا بإتيانٍ أو مَجىء، فعبَّر بالإتيان هاهنا والمجىء عن الرؤية على [سبيل] (¬1) المجاز. وقوله: " فى صورته التى تعرفونها ": أحسن ما يتأول فيه أنها صورة اعتقاد، كما يقال: صورة اعتقادى فى هذا الأمر، والاعتقاد ليس بصورة مُركبةٍ، فيكون المعنى: يرون الله على ما كانوا يعتقدونه [فى الجائز] (¬2) عليه من الصفات [التى هو عليها] (¬3). قال القاضى: وقيل: إن الإتيان هنا فعل من فعل الله، سماه إتياناً وصف نفسه به، قيل: ويحتمل أن يكون الإتيان المعهود فيما بيننا، جعله تعالى لغيره من ملائكتهِ فأضافه إلى نفسه كما يقول القائل: قطع الأمير اللص، وهو لم يَلِ ذلك بنفسه إنما أقر به، وهذا أشبه الوجوه عندى بالحديث مع ما يأتى بعده، ويكون هذا الملك هو الذى جاءهم فى الصورة التى أنكروها من سماتِ الحدث الظاهرة على الملك والمخلوق، أو يكون: " يأتيهم الله فى صورة "، أى يأتيهم بصورةٍ ويظهرها لهم من صور ملائكته أو مخلوقاته التى لا ¬

_ (¬1): (¬3) من ق.

أَمْثَالِهِ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ. 300 - (...) حدّثنا عبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرىِّ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِىُّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. 301 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبَّهٍ؛ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَة عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَمَنَّ: فَيَتَمَنّى وَيَتَمنّى. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ لهُ: فَإِنَّ لكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ". 302 - (183) وحدّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ: حَدَّثَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ نَاساً فِى زَمَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ ". قَالَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحواً لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْية الْقَمَر لَيْلَةَ الْبَدْر صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ " قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " مَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا كَمَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ أَحَدِهِمِا، إِذَا كَانَ يَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تشبه صفات الإله والخالق، ليمتحنهم ويختبر صحة إيمانهم، وهذه آخر امتحان المؤمنين (¬1) ليميز الله الخبيث من الطيب، وليثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة كما ضمن لهم فى كتابه (¬2)، وإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصورة التى عرضها عليهم: أنا ربكم، رأوا عليه من دليل الحدَثِ وسيما الخلقة ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس بربهم، ويستعيذون بالله منه، كما جاء فى الحديث: " ويقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه " (¬3)، وكما جاء فى حديث آخر: " وكيف تعرفونه؟ قالوا: إنه لا شبيه له ". ¬

_ (¬1) نسأل الله التثبيت وحسن الجواب. (¬2) راجع فى تفسيرها: ابن كثير 4/ 413. (¬3) رواية أبى هريرة من حديث عطاء بن يزيد الليثى، وكذا أخرجه أحمد فى المسند 2/ 534. قال الإمام الجوينى فى الإرشاد: " الأولى فى مثل هذا التأويل؛ لأن الإتيان حركة وانتقال، والصورة تشعر بالتركيب، وكل على الله - سبحانه - محال، فهذا الآتى أولاً ليس الله - سبحانه - لاستعاذتهم منه، والصورة خلق من خلقه - سبحانه - امتحن بها عبادة المؤمنين، ومعنى إتيانه بها بعثها، كقوله تعالى: {أَن يُصِيبكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ} [التوبة: 52] أى يبعث لهم صورة يمتحنهم بها، فتقول تلك الصورة " إكمال الإكمال 1/ 337.

الْقِيَامةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلا يَبْقَى أَحَدٌ، كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ والأَنْصَابِ إِلا يَتَسَاقَطُونَ فِى النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَاب. فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا. يَا رَبَّنا، فَاسْقنَا. فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: أَلا تَرِدُونَ؟ فَيحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّها سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِى النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلا وَلَدٍ. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقولُونَ: عَطِشْنَا. يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا ". قَالَ " فَيُشَارُ إِلَيْهَمْ: أَلا تَرِدُون؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ، كَأَنَّها سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِى النَّار، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِى أَدْنى صُورةٍ مِنَ الَّتِى رَأَوْهُ فِيهَا. قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِى الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، لا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا - حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى الحديث الآخر فى هذا الموضع: " قالوا: [يا] (¬1) ربنا فارقنا الناسِ فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم " قال بعضهم: لعلَّهم (¬2) قالوا: [يا] (¬3) ربنا لأنَّهم بعْدُ لم يروا ربهم فيخاطبونه، وعندى أنه يصح على وجه أنهم تضرعوا إلى الله فى كشف حالهم، ألا ترى كيف قال بعد هذا: " فيقول - يعنى الصورة التى ظهرت لهم -: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك " وقوله: " فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم " فيه تقديم وتأخير وتغيير لأنه وقع هذا الموضع فى البخارى " فارقاهم ونحن أحوج مِنَّا إليه اليوم "، وهو أشبه بالصواب وأبين، أى فارقناهم فى معبوداتهم ولم نصاحبهم ونحن اليوم أحوج لربنا أى محتاجُون كما قال تعالى: {وَهُوَ أهْوَن} (¬4) أى هين، والهاء فى إليه عائدة على الله تعالى، ويكون قوله: " غير صورته التى يعرفون " وقوله: " فيأتيهم فى صورته التى يعرفون مقابلة لفظة الصورة هنا التى المراد بها فى حق الله الصفةِ على ما تقدم للفظة الصورة الحقيقية الواردة فى صفة الملك والمخلوق، وتجنيس اللفظ باللفظ، كما قال تعالى: {مُسْتَهْزِئُونَ. اللَّهُ ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى الأصل: لعله. (¬3) فى الأصل: ربنا. (¬4) الروم: 27. والحديث الأول أخرجه البخارى بلفظ: " على أفقر ما كنا إليهم "، ك التفسير، ب تفسير سورة النساء 6/ 57، والحديث الثانى له فى كتاب التوحيد، ب وكان عرشه على الماء 9/ 159 وهو جزء حديث له عن أبى سعيد الخدرى.

فَيُكشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةٌ وَاحِدَةً، كلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفعُونَ رُؤوسَهمْ، وَقَدْ تَحَوّلَ فِى صُورَتِهِ الَّتِى رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يَسْتَهْزِئُ بِهِم} (¬1)، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه} (¬2) وقد جاءت هذه اللفظة فى البخارى: " فيأتيهم فى الصورة التى لا يعرفونها وفى الصورة التى يعرفون " (¬3) من غير إضافةٍ، وهى أبين وأقرب لتأويل الصفة. والصورة قد ترجع فى اللّسان إلى معنى الصفة ومعنى الحقيقه، كقولهم: صُورَةُ هذا الأمرِ وصورة الحديث كذا، أى حقيقته وصفته، وإليه يرجعُ قولهُ: " الصورة التى رأوه فيها أولاً " أى علموه من تنزيهِهِ وتقديسه، واعتقدوه من أنه لا يشبُههُ شىء. وقد زلَّ من لم يُحَصِّل كلامه مِمِّن تقدم فى هذا الباب فأثبت صورةٌ لا كالصُّور، وهذا تناقضٌ وتجسيم محض، نعوذ بالله. وكذلك يرجعُ معنى قوله فى الحديث الآخر (¬4) فى أدنى صورةٍ من التى رأوه فيها أولاً. قال الخطابى: ويحتمل أن يكون إنما حجبهم فى المرة الأولى لأجل من كان معهم من المنافقين [حتى يُميَّزوا عنهم، قال: ويحتمل أن يكون الاستعاذةُ من المنافقين] (¬5) وهم المُراد، وإن كان اللفظُ عموماً كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (¬6)، وإنما قاله المنافقون. قال: وفحوى الكلام يدُلُّ أنَّه قول المنافقين، يعنى فى الحديث. قال القاضى: لا يصح أن يكون من قول المنافقين، ولا يستقيم الكلامُ به فتأمَّله وعوِّل على ما ذكرناه. وقوله: " فيرفعون رؤوسهم وقد تحول فى صُورته التى رأوه (¬7) فيها أولاً: " فيقولون أنت ربُّنا " كله إن شاء الله راجع إلى عظيم ما أراهم من عجائب قدرته وباهر سلطانِه، فأراهم أولاً ما امتحنهم به حتى ظهر صحةُ إيمانهم ويقينهم ومعرفَتِهم، ثم قلب لهم ذلك وحوَّل محنتهم بأمانِهِم وفتنتهُم بتثبيتهم، وأظهر لهم من حقيقة سلطانه وباهر آياته وعظيم ملكوتهِ ما لا يشكون فى صحتِه، ويستدلُون على أن ذلك الذى عرفوه وحققوه قبل له ولا يليق بغيره، فيتجلى لهم عند ذلك فيقولُ: أنا ربُّكُم، فيقولون: أنت ربنا. وفى الحديث إيمانُ المؤمنين حينئذ برؤية الله تعالى، كما آمنوا بذلك قبلُ، لانتظارِهم ¬

_ (¬1) البقرة: 14، 15 وقد جاءت فى الأصول: " يستهزءون الله يستهزئ بهم ". (¬2) آل عمران: 54. (¬3) البخارى، ك الرقاق، ب الصراط جسر جهنم، وهو جزء حديث عن أبى هريرة، ولفظه: " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتهم الله فى غير الصورة التى يعرفون، فيقولُ: أنا ربكم، فيقولون: نعوذُ بالله منك هذا مكاننُا حتى يأتينا ربُّنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فى الصورة التى يعرفون، فيقولُ: أنا ربُّكُم، فيقولونَ: أنتَ ربنا، فيتبعونه، ويضرب جسرُ جهنم " 8/ 147. (¬4) فى ت: للآخر. ويعنى بالحديث الآخر رواية أبى سعيد من حديث عطاء. (¬5) سقط من ت. (¬6) آل عمران: 173. (¬7) رسمت فى الأصل هكذا: رأب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إيَّاها، فإذا أراهم نفسهُ وكشف عن أبصارهم حجبُها رأوه، وشاهدوا ذاته المقدسة عن التشبيه، وصفاتهِ المنزهَةَ عن التكييف، وجلاله وكبرياءه وعظيمَ سلطانه، تحققوا لا محالة أَنَّهُ ربُّهُم فيقولون: أنت ربُّنا. وقوله: " فيتَّبعُونَهُ ": أى يتبعون رُسُلَه وأمرَه وملائكته الذين وكّلهُمْ بهم كما وَكل من تقدَّم ومن كانوا يعبدُوُن من يقذف بهم فى النار. وقوله فى الحديث الآخر: "هل بينكم وبينه علامة؟ فيقولون: نعم، فيكشفُ عن ساقٍ " قيل: معناه: الشِدَّةُ التى يُظهِرُها تعالى حينئذ على الخلائق، ونحوه عن ابن عباس فى قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاق} (¬1) وقالوا: قامت الحربُ على ساق، وقيل نحوه فى قوله: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاق} (¬2)، قيل: هو نورٌ عظيم، ورد ذلك فى حديث عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3)، قال ابن فورَك: ومعنى ذلك: ما يتجدد للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والألطاف، وقيل: قد تكون الساق علامةً بية وبين المؤمنين من ظهور جماعة من الملائكة على خلقة عظيمةٍ شنيعةٍ؛ لأنه يقال: ساقَ من الناس وقدم كما قيل: رجْلٌ من جراد، وقيل: قد يكون ساقاً مخلوقةً جعلها الله علامةً للمؤمنين خارجةً عن السوق المعتادة، وقيل: هو مثلٌ يُضربُ للعزم على المراد كما يقال: شمَّر فلانٌ فى كذا عن ساقِهِ، وقيل: معناه: كشفُ الخوف وإزالةُ الرعب عنهم وما كان غلبت على عقولهم من هول الحال، فتطمئن حينئذ نفوسُهم عند ذلك ويتجلى لهم فيخرون سُجداً، وقيل: هى عبارة عن التجلى. وقال الخطابى: وهذه الرؤية التى فى [هذا] (¬4) المقام يوم القيامة غير الرؤية التى فى الجنة لكرامة أوليائه وإنما هذه للامتحان. وقوله: " فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أَذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجُدُ اتقاء ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقاً، فكلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه " الطبق: فقار الظهر تقول (¬5): صارَ فقارةً واحدةً فلا يقدرون على السجود. قاله الهروى. وقيل: هو عظم رقيق بين الفقارين. بين فى هذا الحديث أنهم المنافقون بقوله: اتقاءً وفى حديث آخر: رياءً وسُمعة (¬6). ¬

_ (¬1) القلم: 42، وقد أخرجه الطبرى عنه بلفظ: هو يوم كرب وشدة ". الطبرى 29/ 24. (¬2) القيامة: 29، وقال فيها ابن عباس: " التفت عليه الدنيا والآخرة، وعن على بن طلحة عنه فيما أخرجه الطبرى فيها يقول: آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، فتلتقى الشدة بالشدة إلا من رحمه الله ". تفسير الطبرى 29/ 133. وله عن عكرمة فيها: الأمر العظيم بالأمر العظيم، وقال مجاهد: بالءُ ببلاء. السابق 29/ 123. (¬3) أخرجه الطبرى من حديث أبى موسى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاق} قال: عن نور عظيم يخرون له سجداً. قال الحافظ ابن كثير: ورواه أبو يعلى عن القاسم بن يحيى عن الوليد بن مسلم، به، وفيه رجل يهم 8/ 225. (¬4) ساقطة من ت. (¬5) فى ت: يقال. (¬6) هى رواية البخارى ك التوحيد، ب وكان عرشه على الماءِ 9/ 159.

فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ، سَلِّمِ سَلِّمْ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: " دَحْضٌ مَزَلَّةٌ فيه خَطَاطِفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ. فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاخ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويَستدِلُّ بعضُهم من هذا مع قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} على جواز تكليف ما لا يُطاق؛ لأنهم دُعوا إلى السجود ومُنعوا من التَّمكُّن منه، فجعل ظهورهم طبقاً واحداً. وأجاب عن هذا من مَنَع تكليفَ ما لا يُطاق: بأن هذا الدعاء دُعَاءُ تبكيتٍ وتعجيز، لا دعاء تكليف، كما قال لهم: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فالْتمِسُوا نُورًا} (¬1) و {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} (¬2) وقد شُبَّه على قومٍ من منتحلى الحديث والسُنَّةِ بظاهر هذا الحديث، وهو قول السَّالميَّة، على أن المنافقين وبقايا من أهل الكتاب يرون الله مع المؤمنين لذكرهم فى هذه الجملة بقوله: " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله " وفى الحديث الآخر: " حتى إذا لم يبق إلا من كان يعُبدُ الله من بَرٍّ وفاجر وغير أهل الكتاب " كذا للسمرقندى ولغيره: " غابر " (¬3) أى بقايا، ولا جلاءَ فيما قالوه، وهذا الظاهر يصرفُهُ ما هو أجلى منه مما أجمع أهل السنة عليه - قبل مقالة هذا القائل - وعلى حَمْلِهِ على ظاهره من حَجْب الكفار عن الرؤية لله وقوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (¬4) ثُمَّ يَرُد عليه ما وقعُ مُفَسَّراً فى هذا الحديث، وأن رؤيتهم لربهم إنما كانت بعد رفع المؤمنين رؤوسهم من السجود الذى مُنعه غيرهم، وحينئذ يقول لهم: " أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا " فهو فى هذه الرواية بيِّنٌ وخاصٌ بمن كان يسجُدُ لله من تلقاء نفسه، كما قال فى الحديث، ولِصحَّةِ إيمانهِ دون غيرهم، ولذكره تساقط اليهود والنصارى فى النار قبل هذا. وقوله: " ثم يُضرَبُ الصِراطُ على ظهرانى جهنَّم " ويُروى: " ظهْرَى جهنم " وهما لُغتان، قاله الأصمعى، وقال الخليل: هو بين ظهْرَى القومِ وظَهْرانَيْهم، أى بينهم. وفيه صحة أمر الصراط والإيمان به، والسلفُ مجمِعُونَ على حمله على ظاهره دون تأويل، والله أعلم بحقيقة صفته، وهو الجِسْر، كما جاء فى الحديث الآخر، ويُقالُ ¬

_ (¬1) الحديد: 13. (¬2) الإسراء: 50. (¬3) فى ت: غُبَّر. (¬4) المطففين: 15. وقد قال الإمام الشافعى: هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ. قال الحافظ ابن كثير: وهو قول فى غاية الحسن، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية، كما دلَّ عليه منطوق قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةِ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} القيامة: 22، 23. قال: وقد قال ابن جرير الرازى عن الحسن فى قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون} قال: يكشف الحجاب، فينظر إليه المؤمنون والكافرون ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية. تفسير القرآن العظيم 8/ 373.

مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِى نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مَنَ النَّارِ، فَوَالَّذِى، نَفْسِى بِيَدِهِ، مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً للهِ، فِى اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ، مِنَ الْمُؤمِنِينَ للهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِى النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنا، كَانُوا يَصُومُون مَعَنَا وَيُصَلَّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً قَدْ أخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر الجيم وفتحِها، ويجوز أن يُجدِعَهُ الله حينئذٍ، ويجوز أن يكون الله قد خلقه قبل هذا حين خلق جهنم، قال بعضهم: فيكون قوله عَلى هذا " يضرب " أى يؤذن بالمرور عليه كما يقال: ضرب الأميرُ البعثَ، وضُربت عليهم الجزية، أى جعلت. وقوله: فى صفته: " دَحْضٌ مَزَلَّةٌ ": أى زَلِقٌ تزِل فيه الأقدام. والكلاليبُ والخطاطيفُ جمع كُلوب وكُلابٍ وخُطَّاف. وقوله: " فأكون أنا وأمتى أوَّلَ من يُجيزُ ": أى يمضى عليه ويقطعهُ، يُقال: أجزتُ الوادى وجُزتُه لغتان صحيحتان، وحكى عن الأصمعى الفرقُ بينهما قال: أجزتهُ قطعتهُ، وجُزْتُه مشيت فيه. وقوله: " ولا يتكلَّمُ يومئذ إلا الرسُلُ ": يعنى فى حين الإجازة، وإلا ففى يوم القيامة تجادلُ كلُّ نفسٍ عن نفسها. وقوله: " فمنهم المُوبَق ": [يعنى] (¬1) بعمله، كذا للعذرى بالباء الواحدةِ، وللطبرى الموثق بالثاء مثلثة، وللسمرقندى: المؤمن بقى بعمله، وأصحُها الوجه الأول ومعناه المُهلك الذى أهلكه عملهُ السىء. وقوله: " ومنهم المُخَردَلُ " بالخاء المعجمة لأبى سعيد، وللعُذرى وغيره المُجازى، وقد رواه بعضُهم (¬2) فى البخارى: المُجَرْدَل - بالجيم - فبالخاء معناه: المُقَطَّعُ، يعنى بالكلاليب، يقال: خردَلْتُ اللحم، أى قطعته [وفصلته] (¬3)، وقيل: خردَلتُ، بمعنى صَرَعْتُ، والمخردلُ: المصروعُ (¬4)، والخردَلة: قطعة من اللحم، ويُقال بالذال المعجمة أيضاً، حكاه يعقوب (¬5)، وقيل: الجردلةُ بالجيم الإشرافُ على الهلاك والسقوط. وقوله فى الحديث الآخر: " ومكدوس [فى النار] (¬6) بالسين المهملة لأكثر الرواة ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) هو الأصيلى، وأبو أحمد الجرجانى فى رواية شعيب. وقد زعم الحافظ ابن حجر فى الفتح أن عياضاً وهاماً، والأمر كما ترى. انظر: الفتح 11/ 462. (¬3) من ق. (¬4) ورجحه ابن التين فيما نقله ابن حجر عنه، وقال: هو أنسب لسياق الخبر. السابق. (¬5) لعله ابن السِّكِّيت شيخ العربية، أبو يوسف البغدادى النحوى، صاحب كتاب إصلاح المنطق. روى عن الأصمعى، وأبى عبيدة، والفراء. مات سنة أربع وأربعين ومائتين. طبقات النحويين: 202، سير 12/ 16. (¬6) سقط من الأصل.

72 - (2002) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَردِىَّ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابَرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ منْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَو مُسْكِرٌ هُوَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَهْدًا، لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: " عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بذهاب الثلثين وليس فى كل شراب ولا كل عصير، وأما الوضع المعروف فلا بأس بذلك. وجواب النبى - عليه السلام - عن هذا بقوله: " كل ما أسكر " يعضد هذا كله. وأجاز أبو حنيفة وأصحابه شرب ما ذهب منه ثلثاه وإن أسكر، وجعلوا ذهاب الثلثين حدًا للحل، وروى عن جماعة من السلف أن ذهاب النصف بالطبخ حد يبيح شربها، وروى - أيضاً - عن أبى حنيفة وأبى يوسف. والمراعاة فى ذلك ما ذهب إليه أصحابنا، وهى حقيقة قول مالك: مراعاة عدم الإسكار، وأن حديث عمر: أن عصير عنبهم كان إذا ذهب ثلثاه بالطبخ أمن منه ذلك (¬1). قال ابن حبيب: ومن تحفظ التزم الشرطين: عدم الإسكار، وذهاب الثلثين، كأنه احتاط لرفعه واختزانه، وحديث [أبى] (¬2) موسى ومعاذ هذا له علة، فذكره مسلم عن شعبة، عن أبى بردة، عن أبيه، [عن جده] (¬3) [عن أبى موسى. وذكره - أيضًا - عن محمد بن عباد، عن سفيان بن عمر - وهو ابن كيثار - عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن جده، (¬4) وذكره - أيضًا - عن زيد بن أبى أنَيْسَة، عن سعيد بن أبى بردة، حدثنا أبو بردة، عن أبيه. قال الدارقطنى: اختلف فيه على شعبة، فأخرجه البخارى عنه، عن سعيد بن أبى بردة، عن أبيه: " بعث النبى - عليه السلام - جده (¬5) أبا موسى ومعاذ " الحديث. كذا قاله البخارى (¬6) من رواية مسلم عن شعبة، وتابعه العبدى ووهيب عنه، وقال وكيع والنضر وأبو داود: عن أبيه، عن جده. كما ذكر مسلم هنا. وأما رواية ابن عباد، فقال الدارقطنى: لم يتابع ابن عباد عليه، ولا يصح هذا عن عمرو بن دينار، وقد روى عن ابن عيينة عن ابن مسعود، ولا يثبت، ولم يخرجه البخارى من حديث عيينة، وهذا مما استدركه الدارقطنى على مسلم (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ، ك الأشربة، ب جامع تحريم الخمر 2/ 847 رقم (14). (¬2) ساقطة من ح (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) سقط من ح. (¬5) فى الأصل: أبو، وهو تصحيف. (¬6) البخارى، ك الأدب، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يسروا ولا تعسروا " رقم (6124). (¬7) الإلزامات والتتبع ص 198.

ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، أَعطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِى أَفْضَلُ مِنْ هذَا. فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، أَىُّ شَىءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَاىَ، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ". قَالَ مُسْلِمٌ: قَرَأتُ عَلَى عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ زُغْبَةَ الْمِصْرِىِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِى الشَّفَاعَةِ وَقُلْتُ لَهُ: أُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْكَ؟ أَنَّكَ سَمِعْتَ مِنَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لِعِيسَى بْنِ حَمّادٍ: أَخْبَرَكُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَرَى رَبَّنَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ إِذَا كَانَ يَوْمٌ صَحْوٌ؟ " قلْنَا: لا. وَسُقْتُ الْحَدِيثَ حَتَّى آخِرُهُ وَهُوَ نَحْوُ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلا قَدَمٍ قَدَّمُوهُ: " فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيتمُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: بَلَغنِى أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ اللَّيْثِ: " فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ وَمَا بَعْدَهُ ". فَأَقَرَّ بِهِ عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ. 303 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَونٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْن أَسْلَمَ، بِإِسْنَادِهِمَا، نَحْوَ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ إِلَى آخِرِهِ. وَقَدْ زَادَ ونَقَصَ شَيْئًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذه الجملة تفصيل صور الناجين فى السرعة والسلامة، ثم من يُصيبهُ الخُدسُ وتسفعه النار، ثم الموبق فيها، والمكردَسُ المُلقى فى قعرها، نعوذ بالله منها.

(82) باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار

(82) باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار 304 - (184) وحدثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ؛ قَال: أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ؛ قَال: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " يُدْخِلُ الله أهْلَ الجَنَّة الجَنَّةَ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيِمَانٍ فَأَخْرِجُوه، فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا حُمْمًا قَدِ امْتَحَشُوا فَيُلقَوْنَ فِى نَهَرِ الحَيَاةِ أَوِ الحَيَا، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ إِلى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلتَوِيَةً ". 305 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، كِلاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالا: " فَيُلقَوْنَ فِى نَهَر يُقَال لَهُ الحَيَاةُ " وَلمْ يَشُكَّا. وَفِى حَدِيثِ خَالِدٍ: " كَمَا تَنْبُتُ الغُثَاءَةُ (¬1) فِى جَانِبِ السَّيْلِ " وَفِى حَدِيثِ وهُيْبٍ: " كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فيخرجون من النار قد امتحشوا " كذا ضبطناه بفتح التاء [والحاء] (¬2) عن متقنى شيوخنا، وهو وجه الكلام، وكذا ذكره الهروى والخطابى (¬3) قالا فى معناه: أى احترقوا، والمحش: لهيب من النار يحرقُ الجلد ويبدى العظم، قال غيرهُ: امتحش الخُبزُ: احترق. قال أبو على والقتبى: محَشتْه النارُ، أى أحرقته، وقال غيرهم: المعروف أمحَشَتْهُ، وقال صاحب العين: محَشَتْهُ لغة، والمعروف أمحَشَتْه، وقد رواه لنا بعضُ شيوخنا: امتُحِشُوا. قال الإمام: الحُمَمُ الفحمُ، واحدتُها حُمَمةٌ، قال طرفة: أشجَاكَ الرَّبعُ أمْ قِدَمَه ... أم رمادٌ دارسُ حُمَمهُ وقوله: " كما تنبت الحِبَّةُ فى حميل السيل " بكسر الحاء. قال الإمام: قال الهروى: قال ابن شُميل: الحِبَّةُ، بكسر الحاء، اسمٌ جامِعٌ لحِبوب البقول التى تنتثرُ إذا هاجت الريح، ثم إذا مُطِرت من قابلِ نبتت (¬4) وقال أبو عُمر: الحِبَّةُ ¬

_ (¬1) رواية السمرقندى كما ذكر القاضى. (¬2) من ق. (¬3) الهروى 1/ 73. (¬4) عبارة الهروى: " وأما الحبَّةُ فكل نبت له حِبُّ، فاسم الحب منه الحبَّة، وقال الفراء: الحِبةُ بذور البقل، وقال أبو عمرو: الحِبَّةُ نبت ينبت فى الحشيش صغارًا، وقال الكسائى: الحِبَّةُ حبُّ الرياحين، وواحدة الحبِّ حِبَّة. والذى دار عليه المعنى من الحِبَّة أنه كل شىء يصير من الحَبِّ فى الأرض فينبت مما يبذر ". غريب الحديث 1/ 72.

حَمِئَةٍ (¬1) أَوْ حَمِيلةِ السَّيْلِ ". 306 - (185) وَحَدَّثَنِى نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنُ المُفَضَّلِ - عَنْ أَبِى مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلا يَحْيَوْنَ، وَلكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَال بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً، حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحَمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِىءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِر، فَبُثُّوا عَلى أَنْهَارِ الجَنَّةِ، ثُمَّ قِيل: يَا أَهْل الجَنَّةِ أَفِيضُوا عَليْهِمْ. فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الحِبَّةِ تَكُونُ فِى حَمِيل السَّيْلِ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: كَأَنَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ بَالبَادِيَةِ. 307 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى مَسْلمَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، إِلى قَوْلِهِ: " فِى حَمِيلِ السَّيْلِ " وَلمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نبْتٌ ينبتُ فى الحشيش صغاراً، قال غيره: قال ابن دُريد فى الجمهرة: كل [ما كان] (¬2) من نزر العُشْبِ فهو حِبَّة والجمع حِبَبٌ. قال القاضى: وقال الكسائى: هو حَبُّ الرياحين، الواحدة حِبَّة، فأما الحِنطةُ فهو الحبُّ لا غير. وقال ابن شُميل: والحُبَّةُ، بضم الحاء وتخفيف الباء، القضيبُ من الكرم يغرس والحبَةُ من العنب، وحَبُّ الحَبَّة يُسمى حُبة بالتخفيف. وقال الأصمعى: ما كان من النبت له حب فاسم ذلك الحب حِبَّةٌ وأما الحنطة فالحَبُّ لا غير. وقوله. " فى حميل السَّيْل "، قال الإمام: قال أبو سعيد الضريرُ: حمِيلُ السيل ما جاء به من طين أو غثاء، فإذا اتفق فيه الحِبَّةُ واستقرت على شط مجرى السَّيْلَ فإنها تنبت فى يوم وليلة، وهى أسْرَعُ نابِتة نباتاً، وإنما أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سُرْعةِ نباتِهم. قال القاضى: وجاء فى الحديث الآخر بعد هذا: " كما تنبت الغُثَاةُ فى جانب السيْل " وهو بمعنى الحبة، وفى رواية السمرقندى: " القثاءة " وهى تصحيف، وفى رواية وُهيب: " فى حَمَأة السَّيل " وهذه رواية الشاشى، ورواهُ العُذرىُّ هنا وغيرُه: حِمئة، وكله من الحمأة، وهو ما تغيَّر لونه من الطين، وهو معنى ما تقدم. ¬

_ (¬1) رواية العذرى، ورواية وهيب: حمأة، كما بين القاضى. (¬2) سقط من ق.

(83) باب آخر أهل النار خروجا

(83) باب آخر أهل النار خروجا 308 - (186) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ؛ كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ؛ قَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبيدَةَ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ مَسْعُودٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأَعْلمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ. رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا، فَيَقُول الله تَبَاركَ وَتَعَالَى لهُ: اذْهَبْ فَادْخلٌ الجَنَّةَ، فَيَأَتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِليْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُول: يَارَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلأَى. فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالى لهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ ". قَال: " فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِليْهِ أَنَّهَا مَلأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُول: يَارَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ الله لهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا، أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا ". قَال: " فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِى - أَوْ أَتَضْحَكُ بِى - وَأَنْتَ المَلِكُ؟ ". قَال: لقَدْ رَأَيْتُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَال: فَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " آخر أهل الجنة دُخُولاً وآخر أهل النار خروجاً رجلٌ يخرُج منها زحفاً " وجاء مثله: " فى آخر من يجُوز على الصراط "، قال القاضى: فيحتمل أنهما اثنان، إما شخصان أو نوعان وجنسان، وعُبِّرَ بالواحد فيه عن الجماعة، وقد يحتمل أن المراد بآخر أهل النار خروجاً يعنى من الورود والجواز على الصراط، لا فيمن أوبق ودخلها فيكون بمعنى واحد [إما فى شخصٍ واحدٍ] (¬1) أو جماعة، كما قلناه، والله أعلم. وقوله: " قشبنى ريحُها " (¬2)، قال الإمام: قال الهروىُ: كُلُّ مشموم قشيب ومُقَشَّب، وقال الليث: القَشْبُ اسمُ الشم، وقال عُمَرُ - رضى الله عنه - لبعض بنيه: قشبَك المالُ؟ أى ذهب بعقلك، والقشبُ: خلطُ السُمِّ بالطعام، وروى عن عمر أنه وجَدَ من معاويَةَ ريحًا طيبةً وهو مُحرمٌ، فقال: من قشبنا؟ (¬3) أراد أن ريحَ الطيب على هذه الحال قشَبُ، كما أن ريح النتن قشَبُ، يقال: ما أقشَب بيتهُم؟! أى ما أقذره. قال القاضى: قال الخطابى: يقال: قشَبَهُ الدُخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ يَكظمهُ، وهذا بين فى معنى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحديث عمر مما قاله الهروى، ووقع فى روايتى فى ¬

_ (¬1) سقط من ق. (¬2) رواية أبى هريرة من حديث عطاء بن يزيد الليثى. (¬3) غريب الحديث للخطابى 2/ 108.

309 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيدَةَ، عَنْ عَبْدِ الله؛ قَال: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا. فَيُقَال لهُ: انْطَلِقْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ. قَال: فَيَذْهَبُ فَيَدْخُل الجَنَّةَ، فَيجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا المَنَازِلَ. فَيُقَال لهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الذِى كُنْتَ فِيهِ؟ فَيَقُول: نَعَمْ. فَيُقَال لهُ: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى. فَيُقَال لهُ: لكَ الذِى تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا. قَال فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِى وَأَنْتَ المَلكُ؟ ". قَال: فَلقَد رَأَيْتُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الهروى فيما حكاه عن الليث: القَشْبُ: السُمُّ، والذى رأيت فى كتاب الليث: القِشْبُ بكسر القاف، وكذا ذكره غيرُه، ووقع فى المُعْلِم بفتح القاف، وقال أبو عبيد فى تفسير حديث عمر [المتقدم] (¬1): قَشَبَكَ المالُ، أى أهلك، مأخوذ من القَشْب وهو السُمُّ، فعلى هذا يتفسَّر قشبنى بأهلكنى، وقال الداودى (¬2): قشبنى: غيَّر جلدى وصورتى وسوَّدنى وأحزننى. وقوله: " وأحرقنى ذكاؤها ": روايتنا فيه فى الأم بالمد والمشهور القصر، وحكى أبو حنيفة فيه المدُّ وخطأه على بن حمزة. قال الإمام: أى تَلهُّبُها، وقال ابن قتيبة فى تفسيره: اشتعالها، قال ابن ولاد: الذَّكا تلهبُ النار مقصور. وقوله: " لا وعزتك " قال القاضى: فيه دليل على جواز الحلف بصفات الله وكذلك فى الحديث الآخر بعده فى قوله: " وعزتى وكبريائى "، وسؤاله بعد أن حلف وأعطى من العهود والمواثيق ما أعطى. قال بعضهم: فيه دليلٌ على جواز حلِّ اليمين وفعل ما حلفَ عليه، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إلا أتيت الذى هو خير " (¬3)، ولكن دليل الحديث عندى غير هذا، إذ ذكر أن الله عذره وبعد أن عتَبه على غدره إذ بانَ له عذرُه لعظيم ما رأى مما لا صبر له عليه، كما قال فى الحديث - ولا فى قوته الثبات عنده. وقوله: " أنفقَهتْ له الجنَّةُ " (¬4)، قال الإمام: أى اتسعت وانفتحت. وقوله: " فيرى فيها من الخير والسرور "، قال القاضى: وروايتنا فيه من طريق ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) فى الأصل رسمت: الدواودى. (¬3) معنى حديث سيرد إن شاء الله فى كتاب الإيمان عن أبى هريرة: " من حلف بيمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليفعل الذى هو خير "، وأخرجه مالك فى الموطأ، ك النذور والأيمان، ب ما تجب فيه الكفارة من الأيمان 2/ 478. (¬4) حديث أبى هريرة من رواية عطاء.

310 - (187) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهُوَ يَمْشِى مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا التَفَتَ إِليْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الذِى نَجَّانِى مِنْك، لقَدْ أَعْطَانِىَ الله شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَلِينَ والآخِرِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الغسَّانى " الخبر " بالباء بواحدةٍ مفتوحةٍ وهو بمعنى السرور (¬1). وقوله: " لا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك منه قال ادخل الجنة "، قال الإمام: الضحك من الله - سُبحانه - محمولٌ على إظهار الرضى والقبول، إذ هو فى البشر علامة على ذلك، ويقال: ضحكت الأرض إذا ظهر نباتُها، وفى بعض الحديث: " فيبعث الله سحاباً فيضحك أحسن الضحك " فجعل انجلاءه عن البرق ضحكاً على الاستعارة، كأنه تعالى لما أظهر له رحمَته استعير له اسم الضحك مجازاً. قال القاضى: الضحك فى البشر أمْرٌ اختصوا به وحالة تغيُّر أوجبها سرور القلب، فتنبسط له عُروق القلب، فيجرق الدم فيها، فيقبض إلى سائر عروق الجسد، فيثور لذلك حرارة يبسط لها الوجه ويضيق عنها الفم فينفتح، وهو التجسم، فإذا زاد السرور وتمادى ولم يضبط الإنسان نفسه واستخفه سرورُه قهقَه، والتغيُّرات وأوصافُ الحدث منفيَّةٌ عن الله تعالى، وجاءت الآثار الصحيحة بإضافة الضَحِك إليه، فحمل العلماء ذلك على الرضى بفعْلِ عبْده ومحبَّته للقائه وإظهار نِعمِهِ وفَضلِه عليه وإيجابها له. وقد حملوهُ - أيضاً - على التجلّى للعبد، وكشف الحجاب عن بصره حتى يراه، والضحك يُعَبَّرُ به عن الظهور، ومنه: ضحك المشيبُ برأسه فبكا وقال فى صفة طعنه: تضحك عن نجيع قائم وفى الحديث الآخر: قول الله تعالى للرجل: " اذهب فادخل الجنة، فيُخيَّلُ إليه أنها ملأى، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة "، فيقول: " أتسخرُ بى - أو أتضحك بى - وأنت الملك " (¬2)، قال الإمام: ويتعلق بهذا الحديث سؤالان، فيُقال: ما معنى قوله: " تسْخرُ بى أو أتضحك وأنت الملك "، وهبكُم أنكم تأوَّلتم الضحك على ما ذكرتم من الرضى وغيره وهذا غيرُ متأت هُنا، والسؤال الثانى أن يُقال: كيف يُقال للبارى - سبحانه - ابتداء أتسخر منى؟ وإنما جاز ذلك فى الشرع على طريق المقابلة كقوله تعالى: {فَيَسْخَرونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} (¬3) و {مُسْتَهْزِئُونَ (¬4). اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم}. فالجواب عن السؤال الأول ¬

_ (¬1) وهو قريب من لفظ البخارى: " فرأى ما فيها من الحبرة والسرور "، ك التوحيد، ب وكان عرشه على الماء 9/ 158. (¬2) رواية عبد الله بن مسعود من حديث عبيدة. (¬3) التوبة: 79. (¬4) البقرة: 14، 15. وجاءت فى الأصول: يستهزءون.

فَتُرْفَعُ لهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَى رَبِّ أَدْنِنِى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فلأسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، لعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلتَنِى غَيْرَهَا. فَيَقُولُ: لا، يَارَبُّ، وَيُعَاهِدُهُ ألا يَسْأَلهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لهُ عَليْهِ. فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لهُ شَجَرَةٌ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولى. فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، أَدْنِنِى مِنْ هَذِهِ لأشْرَبَ مِنْ مَائِهَا وَأَسْتَظِلُّ بِظِلهَا، لا أَسْألكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلمْ تُعَاهِدْنِى أَلا تَسْألَنِى غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: لَعَلِّى إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلنِى غَيَرَهَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يقال: من عادة المستهزئ من المخلوقين والسَّاخِر أن يضحك، فيوضع ها هنا يضحك موضع يستهزئ ويسخر لما كانت حالةُ الساخِر. وأما الجواب عن السؤال الثانى: فإن هذا هاهنا لم يقع إلا على جهة المقابلة، وهى وإن لم تكن موجودةً فى اللفظ فهى موجودةٌ فى معنى الحديث؛ لأنه ذكر فيه أنه عاهدَ الله مراراً ألا يسأله غير ما سأل، ثم غدر فحل غدرهُ محل الاستهزاء والسخرية، فقدَّر أن قولَ الله تعالى له: " ادخل الجنَّة " وتردُّده إليها وتخيله أنها ملأى (¬1) ضرب من الإطماع له أو السخرية به، جزاءً على ما تقدَّم من غدره، وعقوبة له فسمَّى الجزاء على السخرية سخرية فقال: " أتسخر منى؟ ": أى تُعاقبنى بالإطْماع. قال القاضى: ذهب أبو بكر الصوفى أن قوله: " أتهزأ مِنِّى أو تسخرُ منى " نفى للاستهزاء والسخرية التى لا تجوز على الله، قال: كأنَّه قال: أعلم أنك لا تهزأ منى لأنك رب العالمين، وما أعطيتنى من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق، لكن العَجبَ أن فعلت لى هذا وأنا غير مستأهل له، قال: فالألف فى أتستهزئ وتسْخَر ألف نفى على هذا التأويل، كما قال تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} (¬2) معناه: لا تهلكنا بفعلهم، وهذا كلامُ مُنبسط مُتدلل قد علم مكانه من ربِّه وبَسْطَهُ له بأن جعل يسأل ويتمنى، وهو يُعطيه ويَعرض عليه ما أعَدَّ له ويُشهيه ويُحبُّ أن يلحف فى سؤاله ليُعلى منزلتُه ويدنيه ويُردِّده بالبسط والقبض، تدلل الابن الحبيب على أبيه، ثم يجعله يتمنى حتى تنقطع أمانيه، فسبحانه ما أعظم بِرَّه، وأوسع خيرَه، وأكثر لطفَه بعبده المؤمن وتَحفِّيهِ [به] (¬3). قال القاضى: وقد يكون قول هذا الرجل، لما قال، من هذا اللفظ الشنيع (¬4) وهو غير ضابط لما قاله وبما وله عقله من السرور، وبلوغ ما لم يخطر بباله، إذ كان أولاً عاهد الله ألَّا يسأل غير ما رغب فيه، ثم أعطى من غير مسألة ما لم يتوهمه فيكون قوله هذا لما قاله وهو لا يضبط لسانه دهشاً وسروراً فرحًا و [هو] (¬5) لا يعتقده (¬6) قلبه فى حق بارئه، ظن أنه على عادته يخاطب غيره كما أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الآخر فى الحديث الصحيح: " أنه لم ¬

_ (¬1) فى الأصل: ملا. (¬2) الأعراف: 155. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فى الأصل: البشيع. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) وردت فى ق بغير الضمير.

فَيُعَاهِدُهُ ألا يَسْأَلهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لهُ عَليْهِ. فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأوليَيْنِ، فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، أَدْنِنِى مِنْ هَذِه لأَسْتَظِلَّ بِظِلهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائهَا، لا أَسْألكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلمْ تُعَاهِدْنِى ألا تَسْألَنِى غَيْرَهَا؟ قَالَ: بَلى، يَارَبِّ، هَذِهِ لا أَسْألكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يضبط نفسه من الفرح، فقال: " أنت عبدى وأنا ربك " (¬1). وقوله: فى الحديث الآخر: " عطشنا " (¬2)، وقوله لهم: " هل تردون " (¬3) وذكر تساقطهم فى النار، هذا من مكر الله بالكافرين. وقوله: فى جهنم: " يُحطم بعضُها بعضاً "، قال القاضى: يحطم: أى يأكُل، والحُطَمة اسم النار؛ لأنها تأكل ما ألقى فيها، والحُطَمُ الذى يأكلُ ولا يشبع. قال الإمام: قال الهروى: سُميت الحُطمة لأنها تحطم كل شىء أى تكسِرهُ وتأتى عليه. وقال القاضى: والصَحْوُ صفاء الجَوّ من الغيْم والسحاب، وهو بمعنى قوله: " ليس دونها سحاب ". وقوله: " فما منكم من أحَدٍ بأشدَّ مُناشدةً لله فى استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين فى النار ": كذا هى الرواية، وكذا فى جميع النسخ، وفيه تغييرٌ ووَهْم، وصوابُه ما وقع فى كتاب البخارى عن ابن بُكير: " بأشد مناشدة لى فى استقصاء الحق " (¬4) يعنى فى الدنيا من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم وبه يَتمُّ الكلام ويتوجَّه. وذكر فى هذه الأحاديث فى المعذبين من المؤمنين: " أن النار لا تأكل أثر السجود " وفى الحديث الآخر: " تُحرَّم صُوَرُهم على النار ": دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين بالنار خلاف عذاب الكافرين، وأنها لا تأتى على جميعهم، ألا تراه كيفَ قال: " امتحشوا " وذكر أنها لا تأكُل منهم ما ذكر، إما إكراماً لمواضع السجود ولعظم (¬5) مكانه من الإيمان والخضوع إلى غايته لله تعالى، أو لكرامة تلك الصورة التى خلق آدم والبشر عليها وفضَّلهم بها من [بين] (¬6) سائر خلقه، وخصَّ أهل الإيمان بهذه الفضيلة، وذكره الصُورَ ودارات الوجوه فى الأحاديث الأُخَر يدلُّ بأن المرادَ بأثر السجود فى الوجه خلاف ما ذهب إليه ¬

_ (¬1) سيرد إن شاء الله فى ك التوبة، ب الحض على التوبة والفرح بها عن أنس بن مالك: " لله أشدّ فرحاً بتوبة عبده ... " الحديث. (¬2) حديث أبى سعيد من رواية عطاء بن يسار. (¬3) فى ت: تدرون. (¬4) البخارى، ك التوحيد، ب وكان عرشه على الماء 9/ 159، لكن لفظه هناك: " فما أنتم بأشدَّ لى مُناشدةً فى الحق ". (¬5) فى الأصل: ولعظيم. (¬6) ساقطة من ت.

غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذرُهُ، لأنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لهُ عَليْها، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا، فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَى رَبِّ، أَدْخِلنِيهَا. فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَا يَصْرِينِى مِنْكَ؟ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيكَ الدُّنْيَا وَمِثْلهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَارَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ العَالمِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم أنه فى سبعة أعضاء السجود، وقد ذكر فى الحديث: " أن منهم من تأخذُه النارُ إلى نِصْفِ ساقيه وإلى رُكْبتيه " فدلَّ أن عذاب المؤمنين فيها بخلاف عذاب غيرهم. وقوله فى أهل الذنوب: " فأماتهم الله إماتةً، حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة وأن أهلها هم الذين لا يمُوتون ولا يحيُون " (¬1)، وقال بعض المتكلمين يحتملُ معنيين: أحدهما: أن المذنبين يُميتهم الله موتاً حقاً حتى لا يُحِسُّون النار، فيكون عقابهم حبسهم فى النار عن دخول الجنة كالمسجونين، وأما أهل النار الذين هم أهلها فهم أحياء حقيقةٌ، ولقوله: {لا يَمُوتُ فِيهَا} أى فيستريح {وَلا يَحْيَى} (¬2) حياة ينتفع بها، وهى فى الكفار لقوله: {وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى} (¬3). الوجه الثانى: أن الإماتة لأهل الذنوب ليس على الحقيقة لكن غيّب عنهم إحساسهم [للآلام] (¬4) بِلطف منه، ويجوز أن تكون آلامُهُم أخف كالنوَّام، وقد سمى الله النومَ لإعدامه الحسَّ وفاةً، فقال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (¬5)، لكن قد قال: " حتى إذا كانوا فحماً " فدل أن النار مع هذا تعمل فى أجسادهم أو بعْضها، وقد جاء فى حديث أبى هريرة: " إذا أدخل الله الموحدين النار أماتهم فيها، فإذا أراد أن يُخرجهم منها أمَسَّهُم ألم العذاب تلك الساعة " (¬6) وفى حديث آخر: " أنها تنزوى منهم وتقول: " ما لى ولأهل بسم الله ". وقوله: فى الذى هو آخر دخولاً الجنة: " فيكبو مرةً " أى يسقط لوجهه ويمشى مرة، وتسفعه مرة أى تضرب وجهه أو تسوده على أحد التأويلات فى قوله: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة} (¬7). وقوله فيه: " يخرج منها زحفاً ": أى مشياً على إليتيه، كما يفعل الصبىُ قبل أن يمشى، وهو مثل قوله فى الحديث الآخر: " حبواً ". ¬

_ (¬1) رواه أبو سعيد من حديث أبى نضرة. (¬2) الأعلى: 13. وزيد بعدها فى غير: ت، ق: هم. (¬3) الأعلى: 11. (¬4) ساقطة من ق. (¬5) الزمر: 42. (¬6) أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس عن أبى هريرة برقم (976). (¬7) العلق: 15.

فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَلا تَسْأَلونِّى مِمَّ أَضْحَكُ؟ فَقَالوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " مِنْ ضِحْكِ رَبِّ العَالمِينَ حِينَ قَال: أَتسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ العَالمِينَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّى لا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلكِنِّى عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يا ابن آدم، ما يَصْرِينى منك ": قال الحربى: إنما هو ما يَصريك عنى، أى ما يقطعك عن مسألتى، والصَّرْىُ القطع، ثلاثى، وكذا قاله الهروى: يصْرِيَك منى، وفسَّره بما تقدم، قال: يقال: صَرَيْتُ الشىء إذا قطعتَهُ. وقوله: " فجىء بهم ضبائر ضبائر " (¬1)، قال الإمام: قال الهروى: ضبائر جمع ضِبارة، بكسر الضَّاد، مثل عمارة وعماير، والضبائرُ جماعاتُ الناس، يقالُ: رأيتهم ضباير، أى جماعة فى تفرقة. قال القاضى: قال الكنانىُ: والصواب: أضابر جمع إضبارة، وما حكاه الهروى قبل يردُّ قوله؛ لأنه لم يَعْرف ضِبارةً فلذلك أنكر جمْعهَا ضباير، يقال: ضِبارةٌ وضبارةٌ معاً. كذا قيدناهُ على أبى الحسينَ الحافظ، رحمه الله. ¬

_ (¬1) عن أبى سعيد من رواية أبى نضرة.

(84) باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها

(84) باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 311 - (188) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ ابْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِى عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدِرىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الجَنَّةَ، وَمَثَّلَ لهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ. فَقَالَ: أَىْ رَبِّ، قَدِّمْنِى إِلى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِى ظِلهَا ". وَسَاقَ الحَدِيثَ بنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَلمْ يَذْكُرْ " فَيَقُول: يَا ابْنَ آدَمَ، مَا يَصْرِينِى مِنْكَ " إلى آخِرِ الحَدِيثِ. وَزَادَ فِيهِ: " وَيُذَكِّرَهُ الله، سَلْ كَذَا وَكَذَا. فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ قَالَ الله: هُوَ لكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ " قَال: " ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الحُورِ العِينِ. فَتَقُولانِ: الحَمْدُ لله الذِى أَحْيَاكَ لنَا وَأَحْيَانَا لكَ. قَال: فَيَقُولُ: مَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ ". 312 - (189) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرفٍ وَابْنِ أَبْجَرَ، عَنْ الشَّعْبِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، رِوَايَةً إِنْ شَاءَ الله. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُطَرِّف بْنُ طَرِيفٍ وَعَبْدُ المَلِكِ بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعَا الشَّعْبِىَّ يُخْبِرُ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: قَال: سَمِعْتُهُ عَلى المِنْبَرِ، يَرْفَعُهُ إِلى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ الحَكَمِ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ أَبْجَرَ، سَمِعَا الشَّعْبِىَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ عَلى المِنْبَرِ. قَال سُفْيَانٌ: رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا - أَرَاهُ ابْنُ أَبْجَرَ - قَال: " سَأَل مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلةً؟ قَال: هُوَ رَجُلٌ يَجِىءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فَيُقَال لهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَل النَّاسُ مَنَازِلهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَال لهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ. فَيَقُولُ: لكَ ذَلِكَ وَمِثْلهُ وَمِثْلهُ وَمِثْلهُ وَمِثْلَهُ. فَقَالَ فِى الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ. فَيَقُولُ: هَذَا لكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالَهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نزلوا منازلهم وأخذوا أخذاتهم " بفتح الهمزة والخاء جمع أخذة وهو ما أخذوا من كرامة مولاهم وحصلوه، أو يكون قصدوا مقاصدَهم وصاروا بسبُلهم إلى منازلهم، كما ذكر أول اللفظ. وذكره ثعلب بكسر الهمزة: ما أخَذَ إخْذَه، أى ما قصد قصْده، وإخْذ القوم: طريقهم وسبيلهُم.

وَلكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُول: رَضِيتُ، رَبِّ. قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلاهُمْ مَنْزِلةً؟ قَال: أولئِكَ الذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِى، وَخَتَمْتُ عَليْهَا، فَلمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلمْ تسمع أُذُنٌ، وَلمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ ". قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِى كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآيَةَ (¬1). 313 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كَرِيبٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِىُّ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ عَلى المِنْبَرِ: إِنَّ مُوسَى - عَليْهِ السَّلامُ - سَأَلَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَخَسِّ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْهَا حَظًا. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. 314 - (190) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ المَعْرُورِ بْن سُويْدٍ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأَعْلمُ آخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنُّةَ. وآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَليْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَليْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ. فَيُقَالُ: عَمِلتَ يَوْمَ كَذَاَ وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَليْهِ. فَيُقَالُ لهُ: فَإِنَّ لكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلتُ أَشْيَاءَ لا أَرَاهَا هَاهُنَا ". فَلقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. 315 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو كَرِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ؛ كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 316 - (191) حَدَّثَنِى عُبَيْدِ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ؛ كِلاهُمَا عَنْ رَوْحٍ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ بْنُ عَبَادَةَ القَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى هريرة: " ذلك لك ومثله مَعهُ " وقول أبى سعيد: " وعشرةُ أمثاله مَعه " وكلاهما ذكر أنه الذى حفظ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قيل فى الجمع بين الحديثين: لعل أبا هريرة سمع ذلك أولاً ثم زيد: " وعشرةُ أمثاله فضلاً من الله "، فسمعه أَبُو سعيد ولم يسمعه أبو هريرة، وظاهره: أن المثل والعشرة أمثال زائد على قوله: " هذا لك " وقيل: يحتمل أن يكون العشرة الأمثال (¬2) فقط، أى وتمام عشرة أمثاله، والأول أظهرُ. ¬

_ (¬1) السجدة: 17. (¬2) فى ت: أمثال.

أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُسْأَلُ عَنِ الوُرُودِ. فَقَالَ: نَجِىءُ نَحْنُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَىْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ قَالَ: فَتُدْعَى الأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، الأوَّلُ فَالأَوَّل. ثُمَّ يَأتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَنْ تَنْظُرُونَ؟ فَيَقُولونَ: نَنْظُرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِليْكَ. فَيَتَجَلى لهُمْ يَضْحَكُ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ، نُورًا، ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، وَعَلى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَأخُذُ مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يَطْفَأُ نُورُ المُنَافِقِينَ، ثُمَّ يَنْجُو المُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالقَمَرِ ليْلةَ البَدْرِ، سَبْعُونَ أَلفًا لا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ الذِينَ يَلونَهُمْ كَأَضْوَأ نَجْمٍ فِى السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ. تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَكَانَ فِى قَلبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةٌ؛ فَيُجْعَلونَ بِفَنَاءِ الجَنَّةِ، وَيَجْعَلُ أَهْلُ الجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَليْهِمُ المَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّىْءِ فِى السَّيْلِ. وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لهُ الدُّنْيَا وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا. 317 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعَهُ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنِهِ يَقُولُ: " إِنَّ الله يُخْرِجُ نَاسًا مِنَ النَّارِ فَيُدْخِلهُمُ الجَنَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كلاليب ": قال الإمام: هو جمع كَلُّوب على وزن فعُّول، مثل سَفّود، والحسك: جمع حسَكةٍ، وهى شوكةٌ حديدة صُلبَةٌ. قال القاضى: والخطاطيف مثل الكلاليب، إلا أن واحدها خُطَّافٌ بضم الخاء. وقوله فى الحديث: " وتحل الشفاعة " (¬1)، قال القاضى: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً ووجوبها بصريح قوله تعالى: {لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن} (¬2) {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (¬3) وأمثالها، وبخبر الصادق سَمْعاً، وقد جاءت الآثار التى بلغَت بمجموعها التواتُر بصحتها فى الآخرة لمذنبى المؤمنين، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها، ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتأولت الأحاديث الواردة فيها واعتصموا بمذاهبهم فى تخليد المذنبين فى النار واحتجوا بقوله: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (¬4) وبقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاع} (¬5)، وهذه الآيات فى الكفار، وتأولوا أحاديث الشفاعة فى زيادة الدرجات وإجزال الثواب، وألفاظ الأحاديث التى فى الكتاب وغيره تدل على خلاف ما ذهبوا إليه، وأنها فى المذنبين وفى إخراج من استوجَبَ. لكن الشفاعة بمجموعها على خمسة أقسام: ¬

_ (¬1) لفظة الرواية: " ثم تحل الشفاعة ". حديث جابر من رواية أبى الزبير. (¬2) طه: 109. (¬3) الأنبياء: 28. (¬4) المدثر: 48. (¬5) غافر: 18.

318 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَال: قُلْتُ لعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ يُخْرِجُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ؟ " قَالَ: نَعَمْ. 319 - (...) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ سُليْمٍ العَنْبَرِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَزِيدُ الفَقِيرُ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا، إِلا دَارَاتِ وجُوهِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلونَ الجَنَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أولها: مختصةٌ بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهى الإراحةُ من هول الموقف وتعجيل الحساب، كما سيأتى بيانها عند ذكرها من الكتاب بعد هذا. الثانية: فى إدخال قوم الجنة دون حساب، وهذه أيضاً وردت لنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد ذكرها مسلم وسَنُنَبَّه عليها فى موضعها. الثالثة: قومٌ استوجبوا النارَ فيشفعُ فيهم نبينا ومن شاء الله له أن يشفع، و [سَنُنَبِّه] (¬1) على موضعها من الكتاب أيضاً. الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين، فقد جاء فى مجموع هذه الأحاديث إخراجهم من النار بشفاعة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم من المؤمنين، ثم يخرج الله كل من قال: لا إله إلا الله، كما جاء فى الحديث، حتى لا يبقى فيها إلا الكافرون ومن حبسه (¬2) القرآنُ ووجَب عليه الخلود، كما جاء فى الحديث. والشفاعة الخامسة: هى فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها، وهذه لا ينكرها المعتزلة، ولا تنكر شفاعة الحشر الأولى، وعُرِف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورغبتهم فيها، وعلى هذا لا يُلتفَتُ لقول من قال: إنه يُكره أن تسأل الله أن يرزقك شفاعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنها لا تكونُ إلا للمذنبين، فإنها قد تكون - كما قدمنا - لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات، ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غيرُ معتدٍّ بعمله مشفقٌ أن يكون من الهالكين، ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة؛ لأنها لأصحاب الذنوب، وهذا كله خلاف ما عُرِفَ من دعاء السلف والخلف. وقوله: " من وجدتُم فى قلبه مثقال ذرة من إيمان ومن خير " (¬3) وأدنا أدنا، على ما وردت فى ألفاظ الأحاديث: قيل: من اليقين، والصحيح: أن معناه: شىء زائد على مجرد الإيمان؛ [لأن مجرد الإيمان] (¬4) - الذى هو التصديق - لا يتجزأ، وإنما يكون هذا التجزؤ، لشىء زائد عليه من عمل صالح، أو ذكر خفىٍ، أو عمل من أعمال القلب، من ¬

_ (¬1) ساقطة من ق. (¬2) كما جاء فى حديث أنس رواية قتادة. (¬3) حديث أبى سعيد رواية عطاء بن يسار (302). (¬4) سقط من ق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شفقة على مسكين، وخوف من الله، ونيَّة صادقة فى عمل فاتَهُ، ويدلُ عليه قولهُ فى الكتاب فى حديث محمد بن المنهال الضرير وحديث المسْمَعى وابن المثنى (¬1) بأسانيدهم عن أنس: " يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان فى قلبه من الخير ما يزنُ كذا وكذا "، وكذلك فى حديث أبى الزبير عن جابر، وكذلك دليلُ حديث أبى سعيد الخدرى الحديث الطويل يقول الله تعالى: " شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضةً من النارِ فَيُخرِجُ منها قوماً لم يعملوا خيراً قط "، وقوله بعدُ فى حديث الحسن عن أنس وغيره: " لأخرجن من قال: لا إله إلا الله " فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان، وهم الذين لم يؤذن فى الشفاعة فيهم، وإنما دَلَّت الآثار أنه أذن لمن عنده شىء زايدٌ من العمل على مجرد الإيمان، "، وَجَعَل للشافعين من الملائكة والنبيِّين دليلاً عليه، وتفرُّد الله - جل جلاله - بعلم ما تُكنّه القلوب والرحمة لمن ليس عنده سوى الإيمان ومجرد شهادة أن لا إله إلا الله، وضرب بمثقال الذرة وأدناها المثل لأقل الخير والشرّ، إذ تلك أقل المقادير. وقوله: " من كان فى قلبه كذا (¬2) وكذا ": دليلٌ على أنه لا ينفع من العمل إلا ما حضر (¬3) له القلبُ وصحبته النيِّةُ، وفيه كله دليلٌ على القول بزيادة الإيمان ونقصه، وهو ما اختلف فيه السلفُ والخلفُ، ومذهب أهل السنة: [القول] (¬4) بأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وتوقف مالك مرَّة فى نقصانه، وقال مرَّة (¬5): أما الكلمة فلا يعنى أنَّه ليس فيها زيادةٌ ولا نقصٌ، يعنى - والله أعلم - مجرد الإيمان والمعرفة، وإلى هذا ذهب من لم يقُل فيه بالنقص والزيادة. وقوله: " فيقبض قبضة ": أى يجمعُ جماعةً. وقوله: " غرَسْتُ كرامَتَهم بيدى ": هذا ومثله مما لا يجب حمله على الجارحة؛ لأنها لا تليق إلا لمخلوق محدود، والله [جل اسمه] (¬6) متعال عن ذلك. وقد اختلف أهل التأويل فى ذلك، فذهب بعضهم إلى أن اليد واليدين صفتان من صفات الله تعالى، علمناها من طريق السمع، ونَكِلُ علم تفسيرها إلى الله تعالى، وذهب بعضهم إلى تحميل اللفظ ما يحتمله من لغة العرب، فإن اليد تقع على القدرة وعلى النعمة وعلى الملك، لكن حملها على القدرة هنا بعيدٌ عند كثير منهم، إذ كل شىء، ¬

_ (¬1) فى ت: مثنى. (¬2) فى الأصل: ذرَّة. (¬3) فى غير الأصل: أحصر. (¬4) من ق. (¬5) جاء فى المدارك: " أن غير واحد سمع مالكاً يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وبعضه أفضل من بعض، قال أبو القاسم: كان مالك يقول: الإيمان يزيد، وتوقف عن النقصان، وقال: ذكر الله زيادته فى غير موضع، فدع الكلام فى نقصانه، وكف عنه " المدارك: 202، وجاء فى الانتقاء: " سئل مالك بن أنس عن الإيمان، فقال: قول وعمل. قيل: أيزيد وينقص؟ قال: قد ذكر الله - سبحانه - فى غير آى من القرآن أن الإيمان يزيد. قيل له: أينقص؟ قال: دع الكلام فى نقصانه وكف عنه. قيل: فبعضه أفضل من بعض؟ قال: نعم " الانتقاء: 32. (¬6) فى ق: تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقدرته لا يختصُ منه شىءٌ دون شىء، لكن لا يبعد أن يرد هذا ومثله فى كلام العرب على طريق التأكيد والبيان، أو يكون اختصاص هذا بالقدرة؛ لأنه خلقها ابتداءً دون وساطة بقدرته، وأوجدها دون معاناة غراسة بإرادته، وأنشأها بقوله: كن، بخلاف غيرها من الجنات التى فى الدنيا التى خلقها وأظهرها بوسائط ومقدِّمات وجعل لها غارساً وأسباباً ومَثاقِلَ، وكل بقدرته وإرادته، فخصَّ هذه بالقدرة لإبرازها بها دون واسطة، واستعار لذلك اسم الغراسة وأضافها إلى نفسه، إذ لم [يعلم] (¬1) لها غارسٌ سوى قدرته، ومثله يتأوَّل فى قوله فى آدم: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬2)، وقوله فى الحديث: " خلقك الله بيده " (¬3) أى ابتداء دون أب ولا أم، كما أجرى العادة فى خلق غيره، ونحوه قوله: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون} (¬4)، وقوله هنا: " خلقك الله بيده " يُبين أنه بمعنى قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وأن اليَد واليدين هنا بمعنى واحد، فإن العرب تأتى بالجمع والتثنية كثيراً بمعنى الواحد. وأمَّا النعمة فقد أبعدها بعضهم فى مثل هذا - أيضاً - لا على تأويل أن يكون الباء بمعنى اللام أى لنعمتى، وهو هاهنا بين المعنى، أى لنعمتى التى أعددتها لهم وادّخرتها، ألا تراهُ كيف قال: " وختمت عليها ". وقوله من رواية أبى كُريبٍ فى حديث المغيرة: " أن موسى سأل الله تعالى عن أخسّ أهل الجنة حظاً " كذا للرواة، ولأبى العباس الدلائى: " أحسن " وهو تصحيف والصواب الأول، كما قيل فى رواية قيس بن الحكم: " عن أدنى أهل الجنة منزلة " ثم قال آخر الحديث: " قال: ربّ، فأعلاهُم منزلةً ". وقوله فى الذى تُعرض عليه صغارُ ذنوبه (¬5)، ويقال: " لك بكل سيئة حسنةً " هو حجةٌ لمن قال: مثله فى الإيمان قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (¬6)، فضلاً منه وَطوْلاً، وأكثر القول أن معنى الآية: تبديل أعمالهم السيئة [فى] (¬7) الكفر بحسناتِ الإيمان. ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) ص: 75. (¬3) فى أحاديث الشفاعة. (¬4) آل عمران: 59. (¬5) فى رواية أبى ذر، ورواية الترمذى: " واخبئوا كبارها " صفة جهنم. (¬6) الفرقان: 70، قال الحافظ ابن كثير: " فى معنى تلك الآية قولان: أحدهما: أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات، قال على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال: هم المؤمنون، كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك فحوَّلهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات. وقال عطاء بن أبى رباح: هذا فى الدنيا، يكون الرجلُ على هيئة قبيحة، ثم يبدله الله بها خيراً، وقال الحسن البصرى: أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصاً، وأبدلهم بالفجور إحصاناً، وبالكفر إسلاماً. والقول الثانى: أن تلك السيئات الماضية تقلب بنفس التوبة حسنات، وما ذاك إلا أنه كلما تذكر ما مضى ندم، واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار، فيوم القيامة وإن وجده مكتوباً عليه لكنه لا يضره ويقلب حسنة فى صحيفته " 6/ 136. (¬7) ساقطة من الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يارب، قد عملتُ أشياءٌ لا أراها ها هنا " استكثاراً منه لفضل الله ولكثير حسناته، إذ علم أنه لا يؤاخذ بسيئةٍ، وأنها تُبَدل له حسنات. وقوله: " فضحك حتى بدت نواجذُه "، قال الإمام: أى ضواحكه، والنواجذُ هنا الضواحك وليست بالنواجذ التى هى الأضراس لأن ضحك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان تبسُّمًا، قال الأصمعى: هى الأضراس، وفى حديث آخر: " إن الملكين قاعدان على ناجذى العبد يكتبان ". قال أبو العباس: النواجذ الأنياب، وهو أحسن ما قيل فى النواجذ؛ لأن فى الخبر أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جُل ضحكه التبسُّم. قال القاضى: هذا إن شاء الله هو الصواب، لأنه عبَّر عن أكثر ضحكه بالمبالغة فى كَشْر أسنانه حتى تبدو أنيابُهُ، إذ لا تبدو عند التبسم الخفيف الذى كان جل ضحكه، وإنما تبدُو منه الثنايا، وقد قال القاضى أبو عبد الله فى شرحه: إنه انفتح قُوة من الضحك حتى رأى آخر أضراسه من استقبله، وحمل النواجذَ هُنا على أسنان العقل، وهذا خلاف المعروف من ضحكه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1). وقوله فى حديث جابر، وقد سُئل عن الورود، فقال: " نجىء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظُره - أى فوق الناس - قال: فتدعى الأمم بأوثانها ... " الحديث. هذا صُورة الحديث فى جميع النسخ، وفيه تغيير كثيرٌ وتصحيفٌ، وصوابُه: " نحن يوم القيامة على كوم " هكذا رَواهُ بعض أهل الحديث وفى كتاب ابن أبى خيثمة من طريق كعب بن مالك: " يُحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتى على تل ". وذكر الطبرى فى التفسير من حديث ابن عُمَر: " فيرقى هو - يعنى محمداً - وأمته على كوم فوق الناس " وذكر من حديث كعب بن مالك: " يُحشرُ الناسُ يوم القيامة، فأكون أنا وأمتى على تل " (¬2)، فهذا كله يبينُ ما تغير من الحديث وأنه كأنه أظلم هذا الحرف على الراوى أو امحى عليه (¬3) فَعَبَّر عنه بكذا وكذا، وفَسَّره بقوله، أى فوق الناس وكتب عليه انظر - تنبيهاً - فجمع النقلةُ الكُل ونسقُوه على أنه من متن الحديث كما تراه. وقوله: " فيتجلى لهم يضحك "، قال الإمام: التجلى فى لسان العرب: الظهور، فيكون المعنى ها هنا: يظهر لهم، ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ للْجَبَلِ} (¬4) معناه: ظهر، والضحك ذكرنا أنه يُعبَّرُ به عن الرضى وإظهار الرحمة، فيكوَن المعنى على هذا يظهر لهم وهو راضٍ، ويكون ذلك مجازاً خاطب به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [العرب] (¬5) على ما اعتادت من لغتها. قال القاضى: وقيل معنى " يضحك ": يُبَيّنُ ويبْدى لهم ما (¬6) أخفى لهم من فضله ورحمته. ¬

_ (¬1) وقد قال ابن العربى: النواجذ أحد أنواع الأسنان وهى ستة وثلاثون، أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، وأربعة ضواحك، وتليها الطواحن، والأرحاء، وهى ستة عشر، ثم النواجذ وهى أربعة، أحدها ثنايا، والضواحك هى التى تبدو فى أول الضحك وتسميها العرب العارض. عارضة الأحوذى 10/ 59. (¬2) هكذا أخرجه الطحاوى فى المشكل 1/ 449. (¬3) قيدت أمامه فى الأصل: " بلغ مقابلة ولله الحمد "، وهى فى الأصل: له. (¬4) الأعراف: 143. (¬5) من ق. (¬6) فى الأصل: من.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى هذا الحديث: " ويُعطى كل إنسان منهم مؤمن أو منافق نوراً "، قال القاضى: ذاك بظاهر إيمانهم ودخولهم فى جملتهم كما كانوا فى الدنيا، وكما حُشِروا غُرًا محجلين معهم، حتى فضحهم الله بإطفاء نورهم على الصراط، وسقوطهم فى نار جهنم، وصدهم عن الحوض وتصييرهم ذات الشمال. وقوله: " فيتبعون " تقدم الكلامُ فيه قبل. وقوله: " وينبتون نبات الشىء فى السيل " (¬1) على ما تقدم من قوله: " كالحبَّة فى حميل السيل " واختصره هنا، وعند ابن سعيد عن السجزى: " نبات الدمْن فى السيل ". وقوله: " ويذهب حُرَاقُهُ " الهاء عائدة فيه على المخرَج من النار، يعنى أثر النار، والمحرق منه يذهبُ بما رش عليهم أهل الجنة من مائها، كما قال فى الحديث الآخر: " فيُلقون فى نهر الحياة " وفى الحديث الآخر: " فيُصبُ عليهم من ماء [الجنة] (¬2) "، وكله راجعٌ إلى معنى واحدٍ، وهو مضاف إلى الجنة ومائها. وهذا الحديث جاء فى " الأم " كله من كلام جابر موقوقًا عليه، وهذا ليس من شرط مسلم ليس فيه ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما دخل فى المسند وصار من شرطِه؛ لأنه رُوى مُسندًا من غير هذا الطريق، فذكر ابن أبى خيثمة يرفعه عن ابن جريج بعد قوله: " يضحك " قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " فينطلق بهم ". وقد نبّه على هذا " مسلم " بعدُ فى حديث ابن أبى شيبة وغيره فى الشفاعة وإخراج من يخرج من النار، وذكر إسناده وسماعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعنى بعض ما فى هذا الحديث. وذكر " مسلم " من حديث جابر المقام المحمود: أنه الذى يُخرِجُ الله به من يُخرجَ من النار، ومثله عن أبى هريرة وابن عباس وابن مسعود وغيرهم، وقد روى فى الصحيح عن ابن عمر ما ظاهره أنها شفاعةُ المحشر، قال: فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود، وعن حذيفة وذكر المحشر وكون الناس فيه سكوت لا تكلم نفسٌ إلا بإذنه، فينادى محمداً فيقول: لبيك وسَعْديك والخير فى يديك .. إلى آخر كلامه، قال: فذلك المقام المحمود. وعن كعب بن مالك: " يُحشر الناس على تلّ فيكسونى ربى حُلةً خضراء ثم نودى بى، فأقول ما شاء اللهُ أن أقول، فذلك المقام المحمود " (¬3). ¬

_ (¬1) فى ت: وينبتون فيه، وفى نسخة النووى: حتى ينبتوا. وقد أشار النووى إلى أنها وردت فى كتاب عبد الحق الجمع بين الصحيحين. نبات الدمن - بكسر الدال واسكان الميم - قال: " وكلاهما صحيح، لكن الأول هو المشهور الظاهر، فالدمن هو البعر، والتقدير: نبات ذى الدمن فى السيل، أى كما ينبت الشىء الحاصل فى البعر " نووى 1/ 455. (¬2) فى الأصل: الحياة والمثبت من ت. (¬3) معنى حديث لأحمد ولفظه كما فى المسند: " يُبعث الناسُ يوم القيامة، فأكون أنا وأمتى على تلٍّ، ويكسونى ربى عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لى فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود " 3/ 456، وقد ذكره القاضى فى الشفا على مثل ما نقله هنا. الشفا 1/ 290.

320 - (...) وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِر، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكيْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ - يَعْنِى مُحَمَّدَ بْنَ أَبِى أَيُّوبَ - قَالَ: حَدَّثَنِى يَزِيدُ الفَقِيرُ؛ قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِى رَأىٌ مِنْ رَأَىْ الخَوَارِجِ. فخَرَجْنَا فِى عِصَابَةٍ ذَوِى عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ، ثُمَّ نَخْرُجَ عَلى النَّاسِ. قَالَ: فَمَرَرْنَا عَلى المَدِينَةِ، فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يُحَدَّثُ القَوْمَ، جَالِسٌ إِلى سَارِيَةٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الجَهَنَّمِيِّينَ. قَالَ فَقُلْتُ لهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن عبد الله بن سلام " محمد - عليه السلام - على كرسى الرب بين يدى الله عز وجل " (¬1) وقد روى عن مجاهد فى ذلك قولاً منكراً لا يصح، ولو صَحَّ لكان له تأويلٌ على ظاهره، ويقرب بالتأويل من قول عبد الله بن سلام. والذى يُستخرج من جملة الأحاديث أن مقامه المحمود هو كون آدم ومَن ولد تحت لوائه يوم القيامة من أول عَرصاتها إلى دخولهم الجنة، وإخراج من يخرج من النار، فأول مقاماته إجابة المنادى وتحميده ربه وثناؤه عليه بما ذكر وبما ألهمه من محامده، ثم الشفاعة من إراحة العَرْض وكَرْب المحشر، وهذا مقامه الذى حَمَده فيه الأولون والآخرون، ثم شَفَاعته لمن لا حساب عليه من أمته، ثم لمن يخرجُ من النار، حتى لا يبقى فيها من فى قلبه مثقال ذرة من إيمان، ثم يتفضَّل الله بإخراج من قال: لا إله إلا الله ومن لم يُشرك به، ولا يبقى فى النار إلا المخلدون. وهذه آخر عَرصَاتِ القيامة ومناقل المحشر، فهو فى جميعها له المقام المحمود، وبيده فيها لواء الحمد. وقول يزيد فى هذا الحديث: " شغفنى رأى من رأى الخوارج (¬2) أى لصق بشغاف قلبى وهو غلافه، وقيل: سويداؤه، قال الله فى مثله: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} (¬3) وروى أيضاً شعفنى - بالعين المهملة - وهو بمعناه، وقد قرئ - أيضاً -: " شعفها "، وحقيقة معناه: بَرَّح بها، وقيل: معناه: أخذ قلبها حبه من أعلاه، وشغف كل شىء أعلاه، وقيل: بلغ داخل قلبها (¬4). وقوله بعد: " فرجعنا، فوالله ما خرج منا غيرُ رجُل واحدٍ " أو كما قال، يعنى: أن الله نفعهم بما حدثهم به جابر، وصرفهم عن الخروج مع الخوارج، لما كان خامرهم من محبة رأيهم. ¬

_ (¬1) لم نقف على هذا الخبر ولم يذكره القاضى فى الشفا، وقد أخرج الطبرى فى تفسيره عن على بن الحسين قال. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة مد الله مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدمه. قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: ربِّ، هذا أخبرنى أنك أرسلته إلى، فيقول الله تبارك وتعالى: صدق، ثم أشفع فأقول: يا رب، عبادك عبدوك فى أطراف الأرض " قال: فهو المقام المحمود 15/ 99. قلت: وهو على ضعفه أليق بما ذكره القاضى هنا. (¬2) وهو قولهم بتخليد أصحاب الكبائر فى النار. (¬3) يوسف: 30. (¬4) قال الضحاك عن ابن عباس: الشَّغَفُ: الحب القاتل، والشَّعَف دون ذلك، والشَّغاف: حجابُ القلب. تفسير ابن كثير 4/ 311.

اللهِ، مَا هَذَا الذِى تُحَدِّثُونَ؟ وَاللهُ يَقُولُ: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَه} (¬1) {كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} (¬2) فَمَا هَذَا الذِى تَقُولونَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَتَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ عَليْهِ السَّلامُ - يَعْنِى الذِى يَبْعَثُهُ اللهُ فِيهِ؟ - قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَحْمُودُ الذِى يُخْرِجُ اللهُ بِهِ مَنْ يُخْرِج. قَالَ: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَرَّ النَّاسِ عَليْهِ. قَالَ: وَأَخَافُ أَلَّا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ. قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا. قَالَ: يَعْنِى فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ. قَالَ: فَيَدْخُلونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ، فَيَخْرُجُونَ، كَأَنَّهُم القَرَاطِيسُ، فَرجَعْنَا قُلْنَا: وَيْحَكُمْ! أَتَرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَرَجَعْنَا. فَلا وَاللهِ، مَا خَرَجَ مِنَّا غَيرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نَعِيمٍ. 321 - (192) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلمَةَ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلى اللهِ، فَيَلتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، إِذْ أَخْرَجْتَنِى مِنْهَا فَلا تُعْدِنِى فِيهَا. فَيُنَجِيهِ اللهُ مِنْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى هذا الحديث فى الجهنميين: " كعيدان السماسم ": كذا فى جميع النسخ ولا يعرف له معنى ها هُنا، ولعل صوابه: عيدان الساسِمْ (¬3)، وهو أشبهُ، وهو عود أسود، وقيل: هو الأبنوس، وقد قال بعضهم فى وصف البياض والسواد: فجاءت بلونين مستحسنين ... أبها من العاج والسَّاسِم وبه يُشبَّه من صار حُممةً، وأما السماسم فنمل حُمْرٌ صغار أو جمع الحبِّ المأكول (¬4) والأخفَّاءُ السِّراعُ. هذا جُلةُ ما فسَّر هذه الكلمة بها أهلُ اللغة ولا مَدْخل لها ها هُنا، ودليلُ أنه أراد تشبيهَهُم بهذه الأعواد لسواده، قوله بعد: " فيغتسلون فيه " يعنى نهر الجنة، " فيخرجون كأنهم القراطيس ". ¬

_ (¬1) آل عمران: 192. (¬2) السجدة: 20. (¬3) فى الأصل: السماسم، ولا متجه له هنا، والمثبت من ت، وهو ما اعتمد عليه النووى فى توجيهه له، 1/ 457. (¬4) وهو ما فسَّر به ابن الأثير مراد الحديث فقال: " السماسم جمع سمسم، وعيدانها تراها إذا قلعت تركت فى الشمس ليؤخذ حبُّها دقاقاً سوداء كأنها محترقة، فشبه بها هؤلاء ". وبعد هذا قال: " وطالما تطلبت معنى هذه اللفظة وسألت عنها فلم أر فيها شافياً ". ثم رجع إلى ما قاله القاضى النهاية 2/ 400.

322 - (193) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الجَحْدَرِىُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِىُّ - وَاللفْظُ لأَبِى كَامِلٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ - وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ: فَيُلهَمُونَ لِذَلِكَ - فَيَقُولونَ: لوْ اسْتَشْفَعْنَا عَلى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا! قَالَ: فَيَأتُونَ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الخَلقِ، خَلقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَقُولُ: لسْتُ هُنَاكُمْ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ التِى أَصَابَ، فَيَسْتَحْى رَبَّهُ مِنْهَا، وَلكِنِ ائْتُوا نُوحًا، أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ. قَالَ: فَيَأتُونَ نُوحًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَقُولُ: لسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ التى أَصَابَ فَيسْتَحْى رَبَّهُ مِنْهَا، وَلكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِى اتَّخَذَهُ اللهُ خَلِيلاً. فَيَأتُونَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: لسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ التى أَصَابَ فَيَسْتَحْيى رَبَّهُ مِنْهَا، وَلكِنِ ائْتُوا مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذِى كَلَّمَهُ اللهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ. قَالَ: فَيَأتُونَ مُوسَى عَليْهِ السَّلامُ. فَيَقُولُ: لسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ التى أَصَابَ فَيَسْتَحْيى رَبَّهُ مِنْهَا، وَلكَنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أنس الطويل فى الشفاعة تقدَّم معنى قوله: " خلقك بيده ". وقوله: " ونفخ فيك من روحه ": إضافة مِلكٍ وتخصيصٍ وتشريف، وذكر آدَم وغيره فى الحديث خطاياهُم. قال الإمام: احتج بها من أجاز الصغائر على الأنبياء. قال القاضى: ولا خلاف أن الكفر عليهم من بعد النبوة غير جائز عليهم، وأنهم معصومون منه، واختلف فيه قبل النبوة، والصحيح: أنه لا يجوز - كما قدمناه قبل هذا، واحتججنا عليه. ثم اختلف فى المعاصى، فلا خلاف أن كل كبيرة من الذنوب لا تجوز عليهم، وأنهم معصومون منها. واختلف مشايخنا وغيرهم هل ذلك من طريق العقل أو الشرع؟ فذهب الأستاذ أبو إسحاق (¬1) ومن تبعه: أن ذلك ممتنع، من مقتضى دليل المعجزة. وذهب القاضى أبو بكر (¬2) فيمن وافقه: أن ذلك من طريق الإجماع. وذهبت المعتزلة إلى أن ذلك من طريق العقل ونفور الناس عنهم لذلك. ¬

_ (¬1) الأستاذ أبو إسحاق هو: إبراهيم بن محمد الإسفرايينى، الأصولى، الشافعىُّ، الملقبُ ركن الدين، أحد المجتهدين فى عصره، قال فيه الحاكم: أصولى، فقيه، متكلم. توفى بنيسابور سنة ثمانى عشرة وأربعمائة. طبقات السبكى 4/ 256، سير 17/ 353. (¬2) ابن فورَك، شيخ المتكلمين، محمد بن الحسن، قال فيه الذهبى: كان أشعرياً رأساً فى فن الكلام، توفى سنة ست وأربعمائة. طبقات السبكى 4/ 127، شذرات الذهب 3/ 181، سير 17/ 211.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك اتفقوا على أن كل ما كان طريقه البلاغ فى القول (¬1) فإنهم معصومون فيه على كل حال، وما كان طريقه البلاغ فى الفعل فذهب بعضهم إلى العصمة فيه رأساً، وأن السهو والنسيان لا يجوز عليهم فيه، وتأولوا أحاديث السهو وغيرها بما سنذكره فى موضعه، وهو مذهب الأستاذ أبى المظُفَّر الإسفرايينى (¬2) من شيوخنا الخراسانيين من أئمة المتكلمين وغيره من مشايخ المتصوفة، وذهب معظم المحققين وجماهير العلماء إلى جواز ذلك ووقوعه منهم، وهذا هو الحق، ثم لابُدَّ من تنبيههم عليه وذكرهم إياه، إما فى الحين على رأى جمهور المتكلمين، أو قبل وفاتهم على رأى بعضهم، ليسنوا حُكم ذلك ويُبيِّنوه قبل انخرام مُدَّتهم، وليصِحَّ تبليغُهُم ما أنزل إليهم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى لأنسى أو أُنَسَّى لأسُن " (¬3). وكذلك لا خِلاف أنهم معصومون من الصغائر التى تزرى بفاعلها وتحط منزلته وتُسقط مروءته. واختلفوا فى وقوع غيرها من الصغائر منهم، فمعظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف على جواز وقوعها منهم، وحجتهم ظواهر القرآن والأخبار. وذهب جماعة من أهل التحقيق والنظر - من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا - إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر، وأنَّ منصب النبوَّةِ يَجلُّ عن مواقعتها جملة ومخالفة الله عمداً، وتكلموا على الأحاديث (¬4) الواردة فى ذلك وتأولوها، وأنَّ ما ذُكر عنهم من ذلك إنما هو ما كان منهم على تأويل أو سهوٍ أو غير إذن من الله فى أشياء أشفقوا من المؤاخذة بها، وأشياء كانت منهم قبل النبوة. وهذا هو الحق، لما قدَّمناه؛ ولأنه لو صح ذلك منهم لم يلزمنا الاقتداء بأفعالهم وإقرارهم (¬5) وكثير من أقوالهم، ولا خلاف فى الاقتداء بذلك، وإنما اختلاف العلماء: هل ذلك على الوجوب أو على الندب أو الإباحة أو التفريق فيما كان من باب القُرَبِ أو غيرها؟ وقد بَسَطنا الكلام على هذا الباب فى كتاب الشفا، وبلغنا فيه المبلغ الذى لا يوجد فى غيره، وتكلمنا على الظواهر فى ذلك بما فيه كفاية (¬6). ولا يهُولنَّك أن ينسب (¬7) قومٌ هذا المذهب إلى الخوارج والمعتزلة وطوائف من المبتدعة، ¬

_ (¬1) فى ت: العقل. (¬2) يغلب على الظن أنه الإمام العلامة مفتى خراسان، شيخ الشافعية، أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار، السمعانى، المروزى. توفى سنة تسع وثمانين وأربعمائة، فإن لم يكن فشهفور بن طاهر بن محمد الإسفرايينى أبو المظفر، الإمام الأصولى الفقيه المفسِّر. المتوفى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. راجع: طبقات السبكى 5/ 344، سير 19/ 114. (¬3) مالك فى الموطأ، ك الصلاة، ب العمل فى السهو 1/ 91، وفى رواية محمد بن الحسن: " إنى لأنسى لأسن " 1/ 339. وهو أحد أحاديث أربعة لا توجد فى غير الموطأ، الثانى: " إذا نشأت بحرية " والثالث: " حسِّن خُلقَك للناس "، الرابع: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرى أعمار أمته قبله. الحديث. انظر: الاستذكار 10/ 342. (¬4) فى ق: الآيات الأحاديث. (¬5) فى الأصل: وأقوالهم. وهو خطأ، يوضحه العبارة بعدها. (¬6) الشفا 2/ 797. (¬7) فى الأصل: نَصبَ.

وَكَلِمَتَهُ. فَيَأتُونَ عِيسَى رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتَهُ. فَيَقُولُ: لسْتُ هُنَاكُمْ، وَلكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَبْدًا قَدْ غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَأتُونِى، فَأَسْتَأذِنُ عَلى رَبِّى فَيُؤَذَنُ لِى، فَإِذَا أَنَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللهُ. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَكَ، قُل تُسْمَعْ، سَل تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِى، فَأَحْمَدُ رَبِّى بِتَحْمِيدٍ يُعَلمُنِيهِ رَبِّى، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَقَعُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأسَكَ يَا مُحَمَّدُ، قُل تُسْمَعْ، سَل تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأسِى، فَأَحْمَدُ رَبِّى بِتَحْمِيدٍ يُعَلمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأُخْرِجُهُم مِنَ النَّارِ، وأُدْخِلهُمُ الجَنَّةَ - قَالَ: فَلا أَدْرِى فِى الثَّالثَةِ أَوْ فِى الرَّابِعَةِ قَالَ - فَأَقُولُ: يَا ربِّ، مَا بَقِىَ فِى النَّارِ إِلا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ أَىْ وَجَبَ عَليْهِ الخُلودُ " قَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ قَتَادَةُ: أَىْ وَجَبَ عَليْهِ الخُلودُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ منزعُهُم فيه هو منزعٌ آخر من التكفير بالصغير، ونحن نتبرَّأ إلى الله من هذا المذهب. وانظر هذه الخطايا التى ذكرت للأنبياء من أكل آدم من شجرة نهى عنها ناسياً، ومن دعوة نوح على قوم كفار، وقتل موسى لكافِرٍ لم يؤمر بقتله، ومدافعة إبراهيم الكفار بقول عَرَّض به هو فيه من وجه صادق، وهذه كلها فى حق غيرهم ليست بذنوب، لكنهم أشفقوا منها إذ لم يكن عن أمر الله وعَتَبَ على بعضهم فيها بقدر منزلتهم من معرفة الله، وانظر هناك تجد منه مزيداً وشرْحاً إن شاء الله. وقوله عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث: " ايتوا محمداً عبداً غُفِرَ له ما تَقَدَّم من ذنبه وما تأخر ": اختلفوا (¬1) فى معنى هذا فى قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَّكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر} (¬2): فقيل: ما كان قبلَ النبوة، والمتأخر عصمك بعدها، وقيل: المراد به ذنوب أمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: المراد ما وقع منه عن سهوٍ وغفلةٍ وتأويل، حكاه الطبرى واختاره القشيرى، وقيل: ما تقدم لأبيك آدم وما تأخر من ذنوب أمتك، وقيل: المراد أنك مغفور لك غير مؤاخذٍ بذنب أن لو كان، وقيل: هو تنزيه له من الذنوب. وقوله [عن آدم] (¬3): " ايتوا نوحاً فهو أول رسول بعثه الله "، قال الإمام: قد ذكر المؤرخون أن إدريس جدُّ نوح - عليهما السلام - فإن قام الدليل على أن إدريس بعث أيضاً لم يصح قول النسابين: أنه قبل نوح؛ لما أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول آدم: إن نوحاً أول رسول بُعثَ، وإن لم يقم دليلٌ جاز ما قالوا، وصح أن يُحمل أن إدريس كان نبياً غير مرسل قال القاضى: قد يُجمعُ بين هذا بأن يُقال: اختص بعثُ نوحٍ لأهل الأرض، كما ¬

_ (¬1) فى ق: اختلف. (¬2) الفتح: 2. (¬3) سقط من الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال فى الحديث: " كافَّةً " كنبيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون إدريس لقومه كموسى وهودٍ وصالحٍ ولوطٍ وغيرهم، وقد استدل بعضهم على هذا بقوله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ} (¬1) وقد قيل: إن إلياس هو إدريسُ (¬2)، وقد قرئ: " سلام على إدرَاسَين " (¬3) وكذلك إن قيل: إن إدريس هو إلياس، وأنه كان نبياً من بنى إسرائيل، كما جاء فى بعض الأخبار مع يوشَع بن نونٍ (¬4). وإذا كان هذا فقد سقط الاعتراض. وبمثل هذا - أيضاً - يسقط الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى من معهما (¬5) وإن كانا رسولين، فإنَّ آدم إنما أرسل لبنيه ولم يكونوا كفاراً، بل أمِرَ بتعليمهم الإيمان والتوحيد وطاعة الله، وكذلك خَلفَهُ شيثٌ بعدَه فيهم بخلاف رسالة نوح إلى كفار أهل الأرض. وقد رأيت أبا الحسن بن بطال ذهب إلى أن آدم ليس برسول ليسْلمَ من هذا الاعتراض، وحديث أبى ذرّ الطويل ينُص على أن آدم وإدريس رسولان. وقوله: " ايتوا إبراهيم الذى اتخذه الله خليلاً ": أصل الخُلة الاختصاصُ والاستصفاء، وقيل: أصلها الانقطاع إلى من يخالِك، مأخوذ من الخلةِ وهى الحاجة فسُمّى، إبراهيمُ بذلك؛ لأنه قصر حاجته على ربه حين أتاه الملك وهو فى المنجنيق ليُرمى فى النار، فقال: لك حاجةٌ؟ قال: أمَّا إليك فلا (¬6)، وقيل: الخُلة: صفاء المودة التى توجب تخلل الأسرار، وقيل: معناها: المحبةُ والإلطاف. وقال الشاعر: قد تخللت موضعَ الرُوح منى ... ولذا سُمى الخليلُ خليلا وقوله فى الحديث الآخر: " إنما كنتُ خليلاً من وراء وراء " (¬7) إشارةٌ إلى تفضيل محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه حجةٌ على زيادة منزلة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى القرب على إبراهيم، وليس ذلك إلا بالرؤية والمناجاة - والله أعلم بقوله: " من وراء وراء" (¬8). وذكر كذباته، وكانت كلها تعريضاً فى جنب الله، فتسميتُها كذبات دليلٌ لأهل السنة ومتكلميهم فى أنه لا يُشترطُ فى ¬

_ (¬1) الصافات: 123، 124. (¬2) قائل هذا هو قتادة ومحمد بن إسحاق والضحاك، وأسنده ابن أبى حاتم إلى عبد الله بن مسعود. راجع: تفسير القرآن العظيم 7/ 31. (¬3) فى ت: إدريس. (¬4) نقله الطبرى فى تفسيره عن وهب بن منبه 23/ 59. (¬5) فى ت: معهم. (¬6) هو قول لبعص السلف - كما ذكر الحافط ابن كثير - غير مسند، وأصح ما جاء فى هذا الأمر مسند هو ما أخرجه البخارى فى صحيحه عن ابن عباس. {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها إبراهيم - عليه السلام - حين ألقى فى النار، وقالها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. البخارى فى ك التفسير 6/ 48. (¬7) حديث أبى هريرة وأبى مالك عن ربعىِّ عن حذيفة. (¬8) قلت: إما أن يكون المراد أنى متأخِّرٌ فيها عن غيرى، وإنما كمال الخلة بالمقام المحمود، أو أنها كلمة تذكر تواضعاً، أى لست بتلك الدرجة، حكاه صاحب التحرير، وقال: ووقع لى فيها معنى مليحٌ، وهو أن المكارم التى أعطيتُها إنما كانت بسفارة جبريل، وموسى سمع الكلام دون واسطة، ومحمد سمعه كذلك مع الرؤية، فأنا من وراء موسى الذى من وراء محمد - عليه السلام - إكمال الإكمال 1/ 366.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكذب العمدُ، وهذه وإن لم تكن كذبات حقيقةٌ فهى فى صورة الكذبات، وهى عند المخبَر بها خلاف ما اعتقده المخبر، ألا ترى الحديث الآخر: " لا يحلُ الكذبُ إلا فى ثلاث ". فسُمى ذلك كذباً، وإنما هو من باب المعاريض، ألا ترى الحديث الآخر: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها "، فهذا ومثله كذبات (¬1) الحرب، وكذلك أخواتُها والمعاريض جائزة عند الضرورات، وفيها مندوحةٌ عن الكذب، وقد فعلها كثير من السلف وأجازها، لكن أشفق إبراهيمُ - عليه السلام - من المؤاخذة بها على ما قدمناه، وقد يضطر إلى الكذب بالحقيقة ولا تتفق فيه معاريض عند دفع مظلمة عظيمة أو رفع مَضَرَّةٍ أو معصيةٍ بذلك، فالكاذب هنا - وإن كان كاذباً - فغير آثم ولا مؤاخَذٍ، بل مأجور محمود، وقصة إبراهيم وسارة من هذا الباب، وكذلك قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} (¬2) على أحد التأويلات، على ما سنذكره فى موضعه (¬3). وقوله فى موسى: " الذى كلمه الله تكليماً ": لا خلاف بين أهل السنة فى حَمْل هذا على ظاهره وحقيقته (¬4) لتأكيده بالمصدر (¬5)، وأن لله كلاماً هو صفة من صفاته لا يُشبه كلامَ غيره. وقوله فى عيسى: " روح الله وكلمته ": تقدم الكلام عليه أول الكتاب. وقول كل واحد: " لستُ بصاحب ذلك، ولستُ لها، ولستُ هناكم ": تواضعاً وإكباراً لما سُئلهُ، وقد يكون إشارة من كل واحد منهم إلى أن هذه الشفاعة وهذا المقام ليس له، بل لغيره، ودلَّ كل واحد منهم على الآخر حتى انتهى الأمرُ إلى صاحبه بدليل قوله: " أنا لها "، ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَيَّناً، ويكون إحالة كل واحدٍ منهم على الآخر على تدريج الشفاعة فى ذلك إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفيه تقديم ذوى الأسنان والآباء على الأبناء فى الأمور التى لها بالٌ، وعلى هذا جاء تدريج سؤال الأنبياء فى هذا الحديث ومبادَرةِ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك وإجابته لرغبتهم لما حققه - عليه السلام - من أن هذه الكرامةِ والمقاولة خاصة كما وعَدهُ بها ربُّه. وما ذُكِر فى هذا الحديث من غضب الله وشدته فى هذا الموقف، وأنه لم يغضب غضباً قبله مثله - فهو فى حق الله تعالى ما يظهر من انتقامه ممن عصاهُ وخالف أمرَه، ويُريهم من أليم عذابِه، لا أنه تبارك وتعالى تتغيَّرُ له حال فى الغضب ولا فى الرضى (¬6). ¬

_ (¬1) فى الأصل: كذب. (¬2) الصافات: 89. (¬3) وفى هذا من العلم - والله أعلم - أن مثل هذا الموقف لا يصلح له إلا النقى الخالص من جميع الوجوه، من كل شائبة - وإن دقَّت - وأن هذا لم يتفق لغير نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬4) فكلام الله عندهم كلام نفسى قائم بذات المتكلم ليس بصوت، ولا حرفٍ، ومن نفى عن الله الكلام من سائر الفرق فبزعم أن الكلام ليس إلا اللفظى، وامتنع الإسكافى وعباد بن سليمان من المعتزلة من إثباته للمولى جل جلاله قائلين: لو ثبته متكلماً لثبته متفعلاً. وعلى هذا، فالبارى عند أهل السنة متكلمٌ بكلام نفسى، ليس بصوت، ولا حرف، قائم بذاته تعالى كقيام العلم، وغيره من الصفات. راجع: مقالات الإسلاميين 185، إكمال الإكمال 1/ 357. (¬5) لأن التأكيد بالمصدر يرفع الشك والاحتمال. (¬6) مثل هذا ينبغى أن نُقرَّه على ما هو عليه، كما قال الزهرى - رحمه الله تعالى - ومالك فى آيات الصفات، إذ أن الوقوف عند ألفاظها يقلل ويضعف من هيتها وجلالها. الإكمال 1/ 358.

323 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْتَمِعُ المُؤْمِنُونَ يوْمَ القِيَامَةِ، فَيَهْتَفُونَ بِذَلِكَ - أَوْ يَلهَمُونَ ذَلِكَ - " بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى عَوَانَةَ. وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: " ثُمَّ آتِيهِ الرَّابِعَةَ - أَوْ أَعُودُ الرَّابِعَةَ - فَأَقُول: يَارَبِّ، مَا بَقِىَ إِلا مَنْ حَبَسَهُ القُرآنُ ". 324 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَن أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَجْمَعُ اللهُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُلهَمُونَ لِذَلِكَ " بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. وَذَكَرَ فِى الرَّابِعَةِ: " فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِىَ فِى النَّارِ إِلا مَنْ حَبَسَهُ القُرآنُ - أىْ وَجَبَ عَليْهِ الخُلودُ ". 325 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِى عَرُوبَةَ وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِىِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأستأذنُ على ربى فيؤذن لى ": معناه - والله أعلم - فى الشفاعة التى وعَدَهُ بها والمقام المحمود الذى ادخره له وأعلمه أنه يبعثه فيه، وجاء فى حديث أنس وحديث أبى هريرة ابتداء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد سجوده وحمده والإذن له فى الشفاعة بقوله: " أمتى أمتى " وجاء فى حديث حذيفة بعد هذا وذكر الحديث نفسه فقال: " فيأتون محمداً فيقوم ويؤذن له، وتُرسل الأمانةُ والرحم، فيقومان جَنْبَتى الصراط يميناً وشمالاً، فيمُر أولهم كالبرق " وساق الحديث، وبهذا يتصل الحديث (¬1)؛ لأن هذه هى الشفاعة التى لجأ الناس إليه فيها، وهى الإراحةُ من الموقف، والفصل بين العباد، ثم بعد ذلك حلت الشفاعة فى أمته وفى المذنبين، وحلت شفاعةُ الأنبياء وغيرهم والملائكة (¬2) كما جاء فى الأحاديث الأخر، وجاء فى الأحاديث المتقدمة فى الرؤية، وحشرِ الناس، [و] (¬3) اتِّباع كُلِ أمةٍ ما كانت تعبُدُ، ثم تمييز المؤمنين من المنافقين ثم حُلول الشفاعة ووضع الصراط، فيحتمل أنه الأمر باتباع الأُمم ما كانت تعبُدُ هو أول الفصل والإراحَةُ من هول الموقف أول المقام المحمود، وأن الشفاعة التى ذكر حلولها هى الشفاعة فى المذنبين على الصِراط، وهو ظاهر الأحاديث، واْنها لمحمد نبينا وغيره كما نص فى الأحاديث، ثم ذكر بعدها الشفاعة فيمن دخل النار، وبهذا تجتمع متون الأحاديث، وتترتب معانيها، ولا تتنافر ولا تختلف، إن شاء الله تعالى. وقوله: " لم يبق فى النار إلا من حبسه القرآن ": أى وجب عليه الخلودُ، وفى الرواية الأخرى: " من وجب عليه الخلود " حجةٌ لما أجمَع عليه المسلمون، إلا من تَبِع ¬

_ (¬1) يعنى أن الراوى أسقط من حديث أنس ما عدا شفاعة الإخراج. (¬2) زيد بعدها فى الأصل: والنبيين. وهو وَهْم لسبق ذكرهم قبلها. (¬3) ساقطة من الأصل.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَكَانَ فِى قَلبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَكَانَ فِى قَلبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةٌ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَكَانَ فِى قَلبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةٌ ". زَادَ ابْنُ مِنْهَالٍ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ يَزِيدُ: فَلقِيتُ شُعْبَةَ فَحَدَّثْتُهُ بِالحَدِيثِ. فَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا بِهِ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَدِيثِ، إِلا أَنَّ شُعْبَةَ جَعَلَ مَكَانَ الذَّرَّةِ، ذُرَّةً. قَالَ يَزِيدُ: صَحَّفَ فِيهَا أَبُو بَسْطَامٍ. 326 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِىُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلالٍ العَنْزِىُّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ ابْنُ هِلالٍ العَنْزِىُّ، قَالَ: انْطَلقْنَا إِلى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَتَشَفَّعْنَا بِثَابِتٍ، فَانْتَهَيْنَا إِليْهِ وَهُوَ يُصَلِى الضُّحَى، فَاسْتَأذَنَ لنَا ثَابِتٌ، فَدَخَلنَا عَليْهِ، وَأَجْلسَ ثَابِتًا مَعَهُ عَلى سَرِيرِهِ. فَقَالَ لهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ يَسْأَلونَكَ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ حَدِيثَ الشَّفَاعَة. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، فَيَأتُونَ آدَمَ فَيَقُولونَ لهُ: اشْفَعْ لِذُرِّيَّتَكَ. فَيَقُولُ: لسْتُ لَهَا، وَلكِنْ عَليْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ - عَليْهِ السَّلامُ - فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللهِ. فَيَأتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لسْتُ لهَا، وَلكِنْ عَليْكُمْ بِمُوسَى - عَليْهِ السَّلامُ - فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ. فَيُؤْتَى مُوسَى. فَيَقُولُ: لسْتُ لهَا، وَلكِنْ عَليْكُمْ بِعِيسَى - عَليْهِ السَّلامُ - فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ. فَيُؤْتَى عِيسَى. فَيَقُولُ: لسْتُ لهَا، وَلكِنْ عَليْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأُوتَى فَأَقُولُ: أَنَا لهَا، فَأَنْطَلقُ فَأَسْتَأذِنُ عَلى رَبِّى، فَيُؤَذَنُ لِى، فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَحْمَدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هواه من الخوارج والمعتزلة بقولهم بتخليد المذنبين، إذ قد ذكر إخراج من فى قلبه أدْنى مثقال ذرَّة من إيمانٍ ومن قال: لا إله إلا الله. وقوله: " ايذن لى فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: ليس ذلك إليك، لكن وعزتى وكبريائى وعظمتى وجبريائى، لأخرجن من قال: لا إله إلا الله ": أى أتفضل بإخراجهم دون شفاعة شافعٍ كما قال فى الحديث المتقدم: " تشفع الملائكةُ ويشفع النبيون ولم يبق إلا أرحمُ الراحمين ".

بِمَحَامِدَ لا أَقْدِرُ عَليْهِ الآنَ، يُلْهِمُنِيهِ اللهُ، ثُمَّ أخِرُّ لهُ سَاجِدًا. فَيُقَالُ لِى: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُل يُسْمَعْ لكَ، وَسَل تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: رَبِّ، أُمَّتِى، أُمَّتِى. فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَمَنْ كَانَ فِى قَلبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلى رَبِّى فَأَحْمَدُهُ بِتِلكَ المَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لهُ سَاجِدًا. فَيُقَالُ لِى: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَك، وَقُل يُسْمَعْ لكَ، وَسَل تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: أُمَّتِى، أُمَّتِى. فَيُقَالُ لى: انْطَلِقْ، فَمَنْ كَانَ فِى قَلبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ إِلى رَبِّى فَأَحْمَدُهُ بِتِلكَ المَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لهُ سَاجِدًا. فَيُقَالُ لِى: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَك، وَقُل يُسْمَعْ لكَ، وَسَل تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِى، أُمَّتِى. فَيُقَالُ لِى: انْطَلِقْ، فَمَنْ كَانَ فِى قَلبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ". هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الذِى أَنْبَأَنَا بِهِ. فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الجَبَّانِ قُلْنَا: لوْ مِلنَا إِلى الحَسَنِ فَسَلمْنَا عَليْهِ، وَهُوَ مُسْتَخْفٍ فِى دَارِ أَبِى خَلِيفَةَ. قَالَ: فَدَخَلنَا عَليْهِ فَسَلمْنَا عَليْهِ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَا مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَبِى حَمْزَةَ. فَلمْ نَسْمَعْ مِثْلَ حَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ فِى الشَّفَاعَةِ. قَالَ: هِيهِ فَحَدَّثْنَاهُ الحَدِيثَ. فَقَالَ: هِيهِ قُلْنَا: مَا زَادَنَا. قَالَ: قَدْ حَدَّثَنَا بِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ، وَلقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مَا أَدْرِى أَنَسِى الشَّيْخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلوا. قُلْنَا لهُ: حَدِّثْنَا. فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ. مَا ذَكَرْتُ لكُمْ هَذَا إِلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثْكُمُوهُ. " ثُمَّ أَرْجِعُ إِلى رَبِّى فِى الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ لِى: يَا مُحَمَّدٌ. ارْفَعْ رَأسَك، وَقُل يُسْمَعْ لَكَ، وَسَل تُعط، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَارَبِّ، ائْذَنْ لِى فِيمَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ. قَالَ: ليْسَ ذَاكَ لكَ - أَوْ قَالَ: ليْسَ ذَاكَ إِليْكَ - وَلكِنْ، وَعِزَّتِى، وَكِبْرِيَائِى، وَعَظَمَتِى، وَجِبْرِيَائِى، لأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وجبريائى ": أى جبروتى، والجَبروت العظمة، والجبار: العظيم الشأن الممتنع، وقيل: القاهرُ، ومنه النخلة الجُبَّارُ الطويل الذى فات المتناوِلَ. يُقَالُ: جبَّارٌ بيّن الجبريَّة، والجَبَروَّة والجَبّورَ، والجَبورَة مخفف ومُثَقَّلٌ، ولم يأت فعَّالٌ من افْعَلتُ إلا جبَّارٌ ودرَّاك وستارٌ (¬1)، والجبروت مثله، وزيدت فيه التاء للمبالغة مثل: ملكوت فى الملك ¬

_ (¬1) فى المشارق: وسئَّار، والسآر هو الذى يُبقى من شرابه، وهو من سأر، قال فى اللسان: والنعت منه سأْرٌ على غير قياس؛ لأن قياسه مُسْئرٌ، وقال الجوهرى: ونظيره أجبَره فهو جبَّار.

قَالَ: فَأَشْهَدُ عَلى الحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَرَاهُ قَالَ: قَبْلَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ. 327 - (194) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاتَّفَقَا فِى سِيَاقِ الحَدِيثِ، إلا مَا يَزِيدُ أَحَدُهُمَا مِنَ الحَرْفِ بَعْدَ الحَرْفِ - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِلحْمٍ، فَرُفِعَ إِليْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ. فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ: " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ورحموت ورهبُوت من الرحمة والرهبة، وجاء " جبريائى " هنا لمطابقة كبريائى كما قالوا: الغدايا والعشايا. وقال - أيضاً - فى معنى اسمه جبارٌ: أى مُصْلحٌ، من قولهم: جَبَرْتُ العظم، وقيل: الذى جبر فقرَ عبادِه ورحمهم، فيكون بمعنى المحسن. وقوله فى هذا الحديث بعدُ: " ما يزن ذَرَّة " إلا أن شعبة جعل مكان الذرَّة ذُرةً [كذا عند أبى على الصدفى والسمرقندى بذال مرفوعة وراء مخففة، وكذا قاله شُعْبة صحفه من الذرَّة] (¬1)، وهو مما نُقِم عليه، وذكره أبو الحسن الدارقطنى عنه فى كتابه فى تصحيف المحدثين، وإنما أوقعه فى هذا - والله أعلم - قوله فى هذا الحديث أولاً: " مثقال شعيرة " ثم قال: مثقال ذرَّة فقرأه هو ذُرة لموافقته (¬2) الحبوب قبلُ فى الجنس، والله أعلم. وقد وقع هذا عن شعبة عند العذرى والسنتجالى والخُشَنى دُرَّة، بدال مهملة وراء مُشَدَّدَة وهذا تصحيف من التصحيف، والصوابُ فى هذا كله ذَرَّة بفتح الذال المعجمة، ومعنى " يزنُ ": يعدلُ ويثقُلُ. قال مسلم: حدَّثنا أبو الربيع العَتكى ثنا حماد بن زيد، وهو الربيع (¬3) سليمان بن داود الزهرانى مشهور، ونسَبه مسلم مرَّة زهرانياً، ومرة عتكياً، ومرةً جمع له النسبين، ولا يجتمعان بوجه، وكلاهما يرجع إلى الأزد (¬4)، إلا أن يكون للجمع بينهُما سبب من جوارٍ أو حِلفٍ، والله أعلم. وقوله فى أنس: " وهو يومئذٍ جميع ": أى مجتمع الذكر والقوة لم يأخذ منه السن والكبر. وقوله فى الذراع: " فنهس منها نهسة ": كذا لأكثر الرواة بسين مُهْملة، ووقع لابن ¬

_ (¬1) سقط من ق. (¬2) فى ت: لموافقة. (¬3) بل أبو الربيع. راجع: علل أحمد 1/ 327، تهذيب الكمال 11/ 423 تهذيب التهذيب 4/ 190. (¬4) الأزد من أعظم قبائل العرب وأشهرها، تنتسب إلى الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان. من القحطانيَّة. راجع: معجم قبائل العرب 1/ 15. وزهران هم بنو زهران بن كعب بن الحارث، بطنٌ من شنوءة من الأزد، والعتكى نسبة إلى العتيك، وهم بنو العتيك بن الأسد بن عمران، بطن من الأزد، كانوا يقطنون عُمان. السابق.

وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِى، وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ، وَمَا لا يَحْتَمِلونَ. فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟ أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلغَكُمْ؟ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لكُمْ إِلى رَبَّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ. فَيَأتُونَ آدَمَ. فَيَقُولونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لكَ، اشْفَعْ لنَا إِلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى إِلى مَا قَدْ بَلغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّى غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلهُ، وَلنْ يغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِى عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ. نَفْسِى، نَفْسِى، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى، اذْهَبُوا إِلى نُوحٍ. فَيَأتُونَ نُوحًا فَيَقُولونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلى الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لنَا إِلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلغَنَا؟ فَيَقُولُ لهُمْ: إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لمْ يَغْضَبْ قَبْلهُ مِثْلَهُ، وَلنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلى قَوْمِى. نَفْسِى، نَفْسِى، اذْهَبُوا إِلى إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ماهان بالمعجمة، وكلاهما صحيح بمعنى. قال الإمام: أى أخذ بأطراف أسنانه، قال الهروى: قال أبو العباس: النهسُ بالسين غير معجمة بأطراف الأسنان، وبالشين هو بالأضراس. قال القاضى: قال غيره: هو نثْر اللحم، قال النَّضر: نُهِشَت عضُداه: أى دقتا، وقال القتبى فى تفسير لعنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنتهشة والحالقة، قال: هى التى تخمش وجهها (¬1)، فتأخذ لحمه (¬2) بأظفارها، ومنه: نهشته الكلاب (¬3). وقوله فى الحديث: " أنا سَيِّدُ ولد آدم يوم القيامة ": قيل: السيد الذى يفوق قومه، والذى يُفزعَ إليه فى الشدائد هو سيّدهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الدنيا والآخرة، لكن خصَّص القيامة لارتفاع دعوى السؤدد فيها، وتسليم الكل له ذلك، وكون آدم ومن ولد تحت لوائه، كما قال تعالى: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (¬4)، أى انقطعت دعاوى الدُعاة فى الملك ¬

_ (¬1) فى باقى النسخ: لحمها، والمثبت من ق. وهذا الحديث لم أجده إلا باللفظ: " لعن الله الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور ". الطبرانى وابن حبان والبيهقى عن أبى أمامة. وبمثل ما ذكر القاضى نقل فى النهاية عن القتبى. انظر: النهاية 5/ 137. (¬2) فى ق: لحمها. (¬3) وقال فى المشارق: وبالوجهين رويناه، وبالمهملة ضبطه الأصيلى: النهس: الأكل من اللحم وأخذه بأطراف الأسنان، والنهش بالمعجمة بالأضراس، وقال الخطابى: هو بالمهملة أبلغ منه بالمعجمة، وقال ثعلب: النهس: سرعة الأكل 2/ 3. وانظر: غريب الحديث للخطابى 1/ 77. (¬4) غافر: 16.

فَيأتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولونَ: أَنْتَ نَبِىُّ اللهِ وَخَلِيلهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لنَا إِلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى إِلى مَا قَدْ بَلغَنَا؟ فَيَقُولُ لهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لمْ يَغْضَبْ قَبْلهُ مِثْلهُ، وَلا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلهُ، وَذَكَرَ كَذِبَاتِهِ. نَفْسِى، نَفْسِى، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِى، اذْهَبُوا إِلى مُوسَى. فَيَأتُونَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلكَ اللهُ، بِرِسَالاتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ، عَلى النَّاسِ، اشْفَعْ لنَا إلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلغَنَا؟ فَيَقُولُ لهُمْ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لمْ يَغْضَبْ قَبْلهُ مِثْلهُ، ولنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلهُ، وَإِنِّى قَتَلتُ نَفْسًا لمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا. نَفْسِى، نَفْسِى، اذْهَبُوا إِلى عيِسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَأتُونَ عِيسَى فيَقُولونَ: يَا عِيسَى، أَنْتَ رَسُولُ الله، وَكَلمْتَ النَّاسَ فِى المَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلقَاهَا إِلى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، فَاشْفَعْ لنَا إِلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى إِلى مَا قَدْ بَلغَنَا؟ فَيَقُولُ لهُمْ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لمْ يَغْضَبْ قَبْلهُ مِثْلهُ، ولنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلهُ، وَلمْ يَذْكُرْ لهُ ذَنْبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك اليوم، وبقى الملك الحق لله وحده، الذى قهر جميع الجبابرة والمدَّعين الملك وأفناهم، ثم أعادهم وحشرهم عراةً فقراء إليه. ومحبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الذراع وإعجابه بها لنُضج لحمها وسرعة استمرائه، مع زيادة لذته وحلاوة مذاقه على سائر لحم الشاة، وبعده من مواقع الأذى الذى كان يتقيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله لأصحابه حين لم يسألوه حين قال: " أنا سَيّد ولد آدم، ألا تقولون: كيف هو؟ " وعند العذرى: " كيْفَهْ "، هذه الهاء هاء السكت عند أهل العربية الملحقة فى الوقف، وهى تلحقُ الأسماء والحروف والأفعال لثلاث علل، لصحَّة الحركة التى قبلها آخر الكلمة كقولهم: غُلاميه وكتابيه (¬1)، ولم يتسنَّه - على قول بعضهم - وأينَهْ وكيفَهْ، أو لتمام الكلام المنقوص كقوله: وعمه ولمه وقه، أو للحاجة عند مَدّ الصوت فى النداء والنُدبَة. فيه تنبيهُ العالم للطالب على موضع السؤال وبَسْطه للسؤال إذا انقبض، وتعظيمُ القوم العالِمَ أن يسألوه عن كل شىء ولعل هذا كان بعد نهيهم عن السؤال إلا فيما أذن لهم فيه. ¬

_ (¬1) الكلمة إذا كان آخرها ياء المتكلم جاز الوقف فيها على السكون وعلى الفتح مثل عصاى وكتابى، فمن اختار الوقف على الفتح جاز له إلحاق هاء السكت حتى تظهر الحركة، ويعلم السامع بأنه ممن يفتح ياء المتكلم. وهاء السكت تلحق الكلمة جوازاً إذا حذف منها شىء وبقيت على أكثر من حرف، فإن بقيت على حرف واحد وجب إلحاق هاء السكت بها مثل. ق، من وقى.

نَفْسِى، نَفْسِى، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِى، اذْهَبُوا إِلى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَأنُونِّى فَيَقُولونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخرَ، اشْفَعْ لنَا إِلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلغَنَا؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ العَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلىَّ وَيُلهِمُنِى مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَليْهِ شَيْئًا لمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِى، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَكَ، سَل تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأسِى، فَأَقُولُ: يَارَبِّ، أُمَّتِى، أُمَّتِى. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدِخِل الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ، مَنْ لا حِسَابَ عَليْهِ، مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ، فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَبْوَابِ. وَالذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ، لكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ". 328 - (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ وَلحْمٍ، فَتَنَاوَلَ الذِّرَاعَ، وَكَانَتْ أَحَبُّ الشَّاةِ إليْهِ. فَنَهَسَ نَهْسَةً فَقَالَ: " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ "، ثُمَّ نَهَسَ أُخْرَى فَقَالَ: " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ "، فَلمَّا رَأَى أَصْحَابهُ لا يَسْأَلونَهُ قَالَ: " أَلا تَقُولونَ كَيْفَهْ؟ " قَالوا: كَيْفَهْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالمِينَ ". وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى حَيَّانَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ. وَزَادَ فِى قِصّةِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ. وَذَكَرَ قَوْلهُ فِى الكَوْكَبَ: {هَذَا رَبِّي} (¬1). وَقَوْلهُ لآلِهَتهِمْ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (¬2) وَقَوْلهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} (¬3). قَالَ: " وَالذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ إِلى عِضَادَتَىِ البَابِ، لكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ أَوْ هَجَرٍ وَمَكَّةَ ". قَال: لا أدْرِى أىَّ ذلِك قال. 329 - (195) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ بْنِ خَلِيفَةَ البَجْلِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَأَبُو مَالِكٍ عَنْ رِبْعِىٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْمَعُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى النَّاسَ، فَيَقُومُ المُؤْمِنُونَ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى تُزْلَفَ لهم الجنة "، قال الإمام: أىْ تُقَرَّبُ لهم وتُدنا منهم، وجنبتا الصراط: ناحيتاه، ويقال: جنبتا الوادى وجانباه وضَفَّتاه وناحيتاه. و " المكردس " قال ¬

_ (¬1) الأنعام: 77. (¬2) الأنبياء: 63. (¬3) الصافات: 89.

تُزْلِفَ لهُمُ الجَنَّةُ، فَيَأتُونَ آدَمَ فَيَقُولونَ: يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لنَا الجَنَّةَ. فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الجَنَّةِ إِلا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ! لسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلى ابْنِى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ ". قَالَ: " فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِى كَلمَهُ اللهُ تَكْلِيمًا؛ فَيَأتُونَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهبوا إِلى عِيسَى كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِهِ، فَيَقُولُ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ. فَيَأتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقوم فَيُؤْذَنُ لهُ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَىِ الصِّرَاطِ، يَمِينًا وَشِمَالاً، فَيَمُرُّ أَوَّلكُمْ كَالبَرْقِ ". قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِى أَنْتَ وأُمِّى، أَىُّ شَىْءٍ كَمَرِّ البَرْقِ؟ قَالَ: " أَلمْ تَرَوْا إِلى البَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِى طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِى بِهِمْ أَعْمَالهُمْ، ونَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ، سَلِّمْ، سَلِّمْ. حَتَّى تَعْجَزَ أَعْمَالُ العِبَادِ، حَتَّى يَجِىءَ الرَّجُلُ فَلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلا زَحْفًا ". قَالَ: " وَفِى حَافَتى الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلقَةٌ، مَأمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسُ فِى النَّارِ ". وَالذِى نَفْسُ أَبِى هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لسَبْعُونَ خَرِيفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ القاضى: تقدم تفسيره بمعنى المنقطع أو المكسور الظهر. وقوله: " كالبرق وطرفة العين ومَرَّ الريح ومر الطير وشدّ الرجال "، وعند ابن ماهان " الرحال " بالحاء المهملة، وهو متقارب المعنى إذا سُمّيت به الراحلة وجمعها رواحل، أما الرجال فجمع رَجْل، والمعروف الرجال - بالجيم. وقوله: " تجرى بهم أعمالهم ": يعنى أن سرعة مرّهم على الصراط بقدر أعمالهم ومبادرتهم لطاعة ربهم، ألا تراه كيف قال: " حتى تعجز أعمال العباد "، وهذا كله من عدل الله تعالى، وإظهاره ذلك لعباده، وإلا فالكل برحمته لا إله غيرُه. وعند بعض رُواة مسلم: " تجرى بهم بأعمالهم "، ولا وجه لدخول الباء هنا. وقوله: " إن قَعْرَ جهنَّمَ لسبعين خريفاً " يفسره الحديث الآخر: " إن الصخرة العظيمة لتلقى فى شفير جهنم، فتهوى فيها سبعين عاماً وما تُفضِى إلى قرارها ".

(85) باب فى قول النبى صلى الله عليه وسلم: " أنا أول الناس يشفع فى الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا "

(85) باب فى قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا أول الناس يشفع فى الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا " (¬1) 330 - (196) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فىِ الْجَنَّةِ، وَأنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا ". 331 - (...) وحدّثنا أبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أَكْثَرُ الأنْبِياءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَا أوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ ". 332 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائدَةَ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ؛ قَالَ: قَالَ أنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أوّلُ شَفِيعٍ فِى الْجَنَّةِ، لَمْ يُصَدَّقْ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِنَ الأنْبياءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أمَّتِهِ إلا رَجُلٌ وَاحِدٌ ". 333 - (197) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آتِى بَابَ الْجَنَّة يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أمِرْتُ لا أفْتَحُ لأحِدٍ قَبْلَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(86) باب اختباء النبى صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته

(86) باب اختباء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوة الشفاعة لأمته 334 - (198) حدّثنى يُونسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا، فَأرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوتِى شَفَاعَةً لأمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 335 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أخِى ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، أخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ، وَأرَدْتُ، إنْ شَاءَ اللهُ، أَنْ أخْتَبِئَ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأمَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 336 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أخِى ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أسِيدِ ابْنِ جَارِيَةَ الثَّقْفِىُّ، مَثْلَ ذَلِكَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 337 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أسِيدِ بْن جَارِيَةَ الثَّقَفِىَّ أخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِكَعْبِ الأَحْبَارِ: إِنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا، فَأنَا أرِيدُ، إنْ شَاءَ اللهُ، أَنْ أخْتَبِئَ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَقَالَ كَعْبٌ لأبِى هُرَيْرَةَ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لكل نبى دعوةٌ يدعو بها، وإنى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى "، قال الإمام: أى ادَّخرْتُها لأمتى. قال القاضى: يُقال: وكم من دعوةٍ استجيبت للرسُلِ ولنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما معنى هذا؟ فيقال: إن المراد - والله أعلم - أن لهم دَعْوَةً هم من استجابتها على يقين وعلم بإعلام الله تعالى لهم بذلك، وغيرُها من الدعوات بمعنى الطمع فى الاستجابة

338 - (199) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وأبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ. فَتَعَجَّل كُلُّ نَبِىٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّى اخْتَبَأتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِىَ نَائِلَةٌ، إنْ شَاءَ اللهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أمَّتِى لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا ". 339 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ - وَهُوَ ابْنُ الْقَعقَاعِ - عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، فَيُسْتَجَابُ لَهُ فَيُؤْتَاهَا، وإنِّى اخْتَبأتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 340 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ العنَبْرىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زيادٍ - قَالَ: سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ يقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ دَعَا بِهَا فِى أُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ، وَإنِّى أُرِيدُ، إنْ شاءَ اللهُ، أَنَّ أؤخِّرَ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 341 - (200) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، وَابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثانَا - وَاللَّفْظ لأبِى غَسَّانَ - قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنُونَ ابْنَ هِشَامٍ - قَالَ: حَدَّثَنِى أبِى عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لأمَّتِهِ، وَإنِّى اخْتَبَأتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 342 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ، قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ. 343 - (...) ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، جَمِيعًا عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِ وَكِيع قَالَ: قَالَ: " أعْطِىَ " وَفِى حَدِيثِ أَبِى أسَامَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وبين الرجاء والخوف، ويُبَيّنُه قوله فى رواية أبى صالح عن أبى هريرة: " لكل نبى دعوة مستجابةٌ، فتعجل كل نبى دعوته وإنى اختبأت دعوتى ... " الحديث، وبمعناه فى حديث سبْعَة (¬1) أحرف. ¬

_ (¬1) تكررت فى الأصل. ويعنى به ما سيأتى إن شاء الله فى كتاب صلاة المسافرين عن أبى بن كعب.

344 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أبِيهِ، عَنْ أنَسٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ. 345 - (201) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا فِى أمَّتِهِ، وَخَبَأتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " فلك بكل ردّةِ ردَّدتُكها مسألةٌ تسألنيها فقلت: اللهم اغفر لأمتى، اللهم اغفر لأمتى، وأخرّت الثالثة ليومَ يَرْغَبُ إلىَّ الخلق كلهم " وبمعناه من رواية أبى زرعة عنه، أو تكون هذه الدعوة لكل نبى مخصُوصَةٌ بأمته، ويدلُ عليه رواية محمد بن زياد عن أبى هريرة فى هذا الحديث: " لكل نبى دعوةٌ دعا بها فى أمته فاستجيب له " الحديث ونحوه فى حديث أنس وجابر.

(87) باب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم

(87) باب دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته وبكائه شفقة عليهم 346 - (202) حدّثنى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِى إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} (¬1) الآيَةَ. وَقَالَ عِيَسى - عَلَيْهِ السَّلامُ: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬2) فَرَفَعَ يَديْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ، أمَّتِى أمَّتِى " وَبَكَى. فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: " يَا جِبْريلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ " فَأتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فَسَألَهُ. فَأخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ. وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ فِى أمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا قول الله فى إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاس} الآية، وقال عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك} كذا فى الأم، وكذا فى النسائى (¬3). وقال عيسى: قال بعضهم: هو - والله أعلم - اسمٌ للقول لا فِعْلاً، يقال: قال قولاً وقالاً وقيلاً، كأنه قال: وتلا قول عيسى (¬4). ¬

_ (¬1) إبراهيم: 36. (¬2) المائدة: 118. (¬3) النسائى فى الكبرى، ك التفسير 6/ 373، وإسناده أنزل. (¬4) وقول الحق جل جلاله فى هذا الحديث: " سنُرضيك فى أمَّتك ولا نسوؤك "، هو معنى قوله جلَّ جلاله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5]، ومعنى " لا نسوؤك ": أى لا نحزنك، وبعث جبريل - عليه السلام - هو إظهارٌ لشرفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل فى الآية: إنها أرجى آية فى كتاب الله.

(88) باب بيان من مات على الكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين

(88) باب بيان من مات على الكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين 347 - (203) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رسُولَ اللهِ، أيْنَ أَبِى؟ قَالَ: " فِى النَّارِ "، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاةُ فَقَالَ: " إن أَبِى وَأبَاكَ فِى النّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى سأله: أين أبى، فقال: " فى النار "، فلما قفَا دَعاهُ فقال: " إنَّ أبى وأباكَ فى النار " من أعظم حُسْن الخلق والمعاشرة والتسليةِ؛ لأنه لما أخبرَه بما أخبرَه بما أُخبِر ورآهُ عظُم عليه أخبَرَه أن مصيبته بذلك كمصيبته، ليتأسى به (¬1)، ومعنى " قفَّا ": ولَّى قَفَاهُ مُنصَرفاً (¬2). ¬

_ (¬1) نقلها النووى مختصرًا لها دون أن ينسبها 1/ 482. (¬2) والقاضى بهذا يتجاوز ظاهر اللفظ الذى يعارض ما هو أقوى منه، وذلك فى قوله تعالى. {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15].

(89) باب فى قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}

(89) باب فى قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (¬1) 348 - (204) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: لَمَّا أنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرَيْشًا. فَاجْتَمَعُوا. فَعَمَّ وَخَصَّ. فَقَالَ: " يَا بَنِى كَعبِ بْنِ لُؤىٍّ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِى مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يا بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّار. يَا بَنِى هَاشِمٍ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّار. يا بَنِى عَبْدِ الْمُطَلِبِ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّار. يَا فَاطِمَةُ، أنْقِذِى نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإنِّى لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، غَيْرَ أنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأبُلُّهَا بِبَلالِهَا ". 349 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَحَدِيثُ جَرِيرٍ أتَمُّ وَأشْبَعُ. 350 - (205) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَيُونُسُ بْنُ بُكيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: " يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، سَلُونِى مِنْ مَالِى مَا شِئْتُمْ ". 351 - (206) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ الْمُسَيَّبِ وأبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أنْزِلَ عَلَيْهِ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " غيرَ أن لكم رَحِمًا سأبُلها بِبلالها ": كذا رويناه بكسْر الباء، قال أبو عُمر: ويقالُ: بَلَلْتُ رَحِمى بلاً وبلالاً، قال الأصمعىُ: أى وصلتُها وندَّيتُها بالصّلَةِ، ¬

_ (¬1) الشعراء: 214.

اشْترُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لا أغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا. يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لا أغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا. يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أغْنِى عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا. يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لا أغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِى بِمَا شِئْتِ، لا أغْنِى عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا ". 352 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زائدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ هَذَا. 353 - (207) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمَرٍو؛ قَالا: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قَالَ: انْطَلَقَ نَبِىُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ، فَعَلا أعْلاهَا حَجَرًا، ثُمَّ نَادَى: " يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافَاهْ، إنِّى نَذِيرٌ، إنِّمَا مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يَرْبَأ أهْلَهُ، فَخَشِىَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما شُبهَتْ قطيعةُ الرحِم بالحرارة تطفأ بالبرد، كما يقال: سقيتُه شِرْبةً برَّدتُ بها عَطشه، ورأيتُ للخطابى أنه بِبَلالها بالفتح كالملاك. وقال الهروىُ: البِلالُ جمع بلل كجمل وجمال، وقيل: إن معنى هذا ما ورد فى مثله من قوله: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (¬1). وقوله: " إلى رضمة من جَبَلٍ "، قال الإمام: هى صخور بعضُها على بعض، يقال: بنى دارَه يرضُم فيه الحجارة رَضمًا، ومنه الحديث: " وكان البناء الأول من الكعبة رَضْمًا " (¬2). وقوله: " فانطلق يربأ أهلَه ": الرَّبيئةُ: الطليعةُ والعَين (¬3). وأنشد أبو عمرو: فأرسلنا أبا عمرو ربيئا ¬

_ (¬1) لقمان: 15. فحسن الصلة على هذا لهم مقيدة بالدنيا. (¬2) حديث أبى كامل الجحدرى. (¬3) وإنما قيل له: عينٌ؛ لأنه يرى أمورهم، والطليعة الذى ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل أو شرف ينظر منه. لسان العرب.

354 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أبِيهِ، حَدَّثَنَا أبو عُثْمَانَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. 355 - (208) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} " وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ". خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: " يَا صَبَاحَاهْ! " فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِى يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ. فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فَقَالَ: " يَا بَنِى فُلانٍ، يَا بَنِى فُلانٍ، يَا بَنِى فُلانٍ، يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَقَالَ: " أرَأيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدِّقِىَّ؟ " قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: " فَإنِّى نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ". قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ: أمَا جَمَعْتَنَا إلا لِهَذَا ثُمَّ قَامَ. فَنَزَلتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} (¬1) " وَقَدْ تَبَّ ". كَذَا قَرَأ الأَعْمَشُ إلَى آخِرِ السُّورَةِ. 356 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا فَقَالَ: "يَا صَبَاحَاهْ "! ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: هكذا الرواية الصحيحة كما ضبطه وفسَّره، وكذا كان عند شيخنا الخشنى، وكان عند العذرى وغيره من الرواة: يرتوا (¬2) ولا وجه له هنا. وقوله: " لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} " ورهطك منهم المخلصين ": المخلَصين بفتح اللام، هذا إن صح أنه قرآن [فهو] (¬3) مما نُسِخَ لفظهُ، وسَفحُ الجبل عَرْضُهُ، وبالصاد جانبه. وقول أبى لهب: " تبًا ": أى هلاكًا وخسارةً وشقاءً. وقوله: فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}: استُدِل به على جواز تكنية المشرك، وقد اختلف العلماء فى ذلك واختلفت ¬

_ (¬1) سورة المسد. (¬2) فى ت: يربوا، ونقلها السنوسى وقيَّدَها: يرتأ. إكمال الإكمال 1/ 374. (¬3) من إكمال الإكمال.

بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِى أسَامَة وَلَمْ يَذْكُرْ نُزُولَ الآيَةِ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواية عن مالك فى تكنية الذمى بالجواز والكراهة، وقال بعضهم: إنما يجوز من ذلك ما جاء فى ذلك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان على وجه التأليف وإلا فلا، إذ فى التكنية تعظيم وتكبيرٌ، وتكنية الله لأبى لهب ليس من هذا ولا حُجة فيه، إذ كان اسمُه عبدُ العزى، ولا يسميَه اللهُ بعبد لغيره فلذلك كنى، وقيل: بل كنيته الغالبة عليه فصار كالاسم لهُ، وقيل: بَلْ أبوُ لهبٍ لقبٌ له ليس بكنيةٍ، وكنيته أبو عُتْبَة، فجرى مجرى اللقب والاسم لا مجرى الكنية، وقيل: بل جاء ذكر أبى لهبٍ لمجانسته [نارًا] (¬1) ذات لهبٍ فى السورة من باب البلاغة وتحسين العبارة. وقوله: " اشْتَرُوا أنْفُسكم من الله ": قد يكون بمعنى بيعوا، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ} (¬2)، وقد يكون على وجهه، أى انقذُوها من عذاب الله. ¬

_ (¬1) من ت، وفى غيرها: نارٍ. (¬2) التوبة: 111.

(90) باب شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم لأبى طالب والتخفيف عنه بسببه

(90) باب شفاعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبى طالب والتخفيف عنه بسببه 357 - (209) وحدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأمَوِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَل نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَىءٍ، فَإنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: " نَعَمْ هُوَ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أَنَا لَكَانَ فِى الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ". 358 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ، فَهَلْ نَفَعهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَجَدْتُهُ فِى غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ، فَأخْرَجْتُهُ إلَى ضَحْضَاحٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله فى أبى طالب: " وجدتُه فى غُبَرَاتٍ من النار ": الغبرات: البقايا، وفى رواية أخرى: " غمرات منها ": أى شىء كثير. قال القاضى: لم يروه إلا " غمرات "، وهو الذى يصحُ به المعنى ولا وجْه هنا للبقايا، والغَمْر كل شىء كثير، والغَمْر الماء الكثير، وفرسٌ غمرٌ كثير، ورجلٌ غمر كثير الجود، ويبين صحته ذكره بعد الضحضاح، وأنه أخرجه من الغمرات إليه وهو الماء القليل وحديث عمرو بن العاص الذى ذكره بعد هذا، وغمارُ الناس: جماعَتُهم. وقوله: " فاخرجته إلى ضحضاح "، قال الإمام: الضحضاح: ما رقَّ من الماء على وجه الأرض، ومنه وصف عمرو بن العاص يذكرُ عُمَر - رضى الله عنهما -: " [لم يتعلق من الدنيا بشىء] (¬1)، جانب غمرَتَها ومشى ضحضاحها وما ابتلت قدماه " يقول: لم يتعلق من الدنيا بشىء. قال القاضى: وقوله فيه: " هل نفعته بشىء " ثم ذكر هذا، وقوله بعدُ فى الحديث الآخر: " لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة " وقد قال الله تعالى فى الكفار: {فَمَا تَنفعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (¬2) وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى} (¬3) فالجواب: أنه ليس فيه نص على أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شفع فيه، وإنما أخبر أنه نفعه قربُه منه وذبُّهُ عنه كما سُقى أبو لهب بعتقه ثويْبة مرْضعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بركةً منه فاضت ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) المدثر: 48. (¬3) التوبة: 113.

359 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ، قَال: أَخْبَرَنِى الْعَبَّاسُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِى عَوَانَةَ. 360 - (210) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: " لَعَلَّهُ تَنْفَعْهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، يَبْلُغُ كَعْبيْهِ، يَغْلِى مِنْهُ دِماغُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم فخفف بذلك من عذابهم، وكانت هذه الحالة هى الشافعة لهم لا رغبته وسؤاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال: فى وجهه شافِعٌ يمحو إساءته ... إلى القلوب وجيه حيث ما شفعا ومع هذا فما يرى أن أحدًا أشدَّ منه عذاباً لشدة ما يلقاه، كما جاء فى الحديث نفسه، وعلى هذا يحملُ قوله: " هل نفعه ذلك " يعنى ذبَّهُ ونصرَهُ للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أنه جوزِىَ على ذلك وعوِض عنه بتخفيف العذاب، خلافًا لمن قال (¬1) هذا من الشارحين، للإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا بتخفيف عذابٍ، لكنهم بإضافة بعضهم للكفر كبائر المعاصى، وأعمال الشر، وأذى المؤمنين، وقتل الأنبياء والصالحين، يزدادون عذابًا، كما قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (¬2) الآيات، وكذلك الكافِر يُعذَّبُ بكفره، ثم يزداد إجرامه وإفساده فى الأرض وعُتوه، وكثير إحداثه فى العباد والبلاد، فذاك يُعذَّبُ أشدَّ العذاب كما قيل فى فرعون، ومن لم يكن بهذه السبيل عُذِّب بقدر كفره، فكان أخف عذابًا ممِّن عُذِّب أشد العذاب، فليس إذًا عذابُ أبى طالب كعذاب أبى جهل وإن اجتمعا فى الكفر، ولا عذاب عاقِر الناقة من قوم ثمود كعذاب غيره من قومه، ولا عذاب قتلة عيسى (¬3) ويحيى وزكريا وغيرهم من الأنبياء كغيرهم من الكفار، فبهذا تتوجه خِفَّةُ العذاب، لا أنه على المجازاة على أفعال الخير (¬4). وقوله: " ولولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار ": قيل: الطبقة السفلى من طباق جهنم، وقيل: توابيت من نارٍ تُطبق عليهم. ¬

_ (¬1) فى إكمال الإكمال: قاله. (¬2) المدثر: 42. (¬3) يعنى: من عزموا قتله. (¬4) وماذا يصنع القاضى فى الحديث الذى بعده: " ولولا أنا لكان فى الدرك الأسفل فى النار "، وما ادعاه القاضى من حصول الإجماع غير مسلم.

(91) باب أهون أهل النار عذابا

(91) باب أهون أهل النار عذابا (¬1) 361 - (211) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يحيَى بْنُ أبى بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهيْرُ ابْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِى عيَّاشٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنَّ أدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا، ينَتْعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ، يَغْلى دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارةِ نَعْلَيْهِ ". 362 - (212) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أهْوَن أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهْوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ". 363 - (213) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إسْحَاقَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ ابْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ وَهْوَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أهْوَنَ أهْلَ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِى أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ". 364 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيبةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى إسْحَاقَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ أهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أحَدًا أشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا، وَإنَّهُ لأهْوَنُهُمْ عَذَابًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(92) باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل

(92) باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل (¬1) 365 - (214) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ جُدْعَانَ، كَانَ فِى الْجَاهِليَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَال: " لا يَنْفَعُهُ، إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى يَوْم الدِّينِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(93) باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم

(93) باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم 366 - (215) حدّثنى أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَاَثنَا شُعْبَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ، يَقُولُ: " ألا إِنَّ آلَ أَبِى - يَعْنِى فُلانًا - لَيْسُوا لِى بِأوْلِيَاءَ، إنَّمَا وَليِّىَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤمِنِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ألا إِنَّ آل أبى فلان ليسوا لى بأولياء ": كذا للسمرقندى ولغيره: آل أبى، يعنى فلانًا، هى كناية عن قوم كره الراوى تسْمِيتَهم لما يقع فى نفوس ذراريهم. وبقى فقه الحديث وحكمته فى قوله: " إنما ولى الله وصالح المؤمنين " فأفاد أنَّ أولياءه صالح المؤمنين وإن بَعُدَ نسبهم منه، وأنَّ من ليس بمؤمنٍ ولا صالح ليس له بولى وإن قرُبَ نسبه منه، ودل الحديث أن الولاية فى الإسلام إنما هى بالموافقة فيه بخصال الديانة وزمام الشريعة، لا بامتشاج (¬1) النسب وشجنةِ الرحم، وقيل: إن المُكنى عنه الحكمُ بن العاص. ¬

_ (¬1) فى ت: بانتشاج.

(94) باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب

(94) باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب 367 - (216) حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامِ بْنِ عُبيْدِ اللهِ الْجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَدْخُلُ مِنْ أمَّتِى الْجَنَّةَ سَبْعُونَ ألْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْع الله أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ " ثُمَّ قَامَ آخَرُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قال: " سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ". 368 - (...) وحدّثنا مُحْمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفًا بغير حساب " وذكر أنهم: " الذين لا يَسْترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون "، قال الإمام: احتج بعض الناس بهذا الحديث على أن التداوى مكروه، وجلُّ مذاهب العلماء على خلاف ذلك، واحتجوا بما وقع فى أحاديث كثيرة من ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمنافع الأدوية والأطعمة كالحبَّةِ السوداء والقُسْط والصبر وغير ذلك، وبأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تداوى، وبأخبار عائشة - رضى الله عنها - بكثرة تداويه وبما عُلم من الاستشفاء بُرقاه، وبالحديث الذى فيه أن بعض أصحابه أخذوا على الرُقيةِ أجرًا، فإذا ثبت هذا صح أن يُحمَلَ - ما فى الحديث على قوم يعتقدون أن الأدوية نافعةً بطباعها كما يقول بعض الطبائعيين، لا أنهم يفوضون الأمر إلى الله تعالى، وهذا على نحو التأويل المتقدم فى حديث الاستمطار بالنجوم. قال القاضى: لهذا التأويل ذهب غير واحدٍ ممن تكلم على الحديث، ولا يستقيم على مساق الحديث؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَذُم هنا من قال بالكى والرُقى ولا كفرهم كما جاء فى حديث الاستمطار بالنجوم، ولا ذكر سِواهُما، فيستقيم أن يتأول بذلك ما ذكروه، وإنما أخبر أن هؤلاء لهم مَزيَّة وفضيْلة بدخولهم الجنة بغير حساب، وبأن وجوههم تضىء إضاءة البدر، فقيل: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: " الذين لا يكتوون ... " الحديث، فأخبر أن لهؤلاء مزيد خصوص على سائر المؤمنين وصفات تميَّزوا بها، ولو كان على ما

بِمِثْلِ حَدِيثِ الرَّبِيعِ. 369 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَدْخُلُ مِنْ أمَّتِى زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ ألْفًا، تُضِىءُ وَجُوهُهُمْ إضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ". قال أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِىُّ، يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ تأوله قبل لما اختص هؤلاء بهذه المزيَّة؛ لأن تلك هى عقيدة المؤمنين ومن اعتقد خلاف ذلك كفر، وقد تكلم العلماء وأصحابُ المعانى على هذا، فذهب أبو سليمان الخطابى وغيرُه أنّ وجه هذا أن يكون تركها على جهة التوكل على الله والرّضى بما يقضيه من قضاء ويُنزِله من بلاءٍ، قال: وهذه من أرفع درجات المتحققين بالإيمان، وإلى هذا ذهب جماعة من السلف سمَّاهُمْ. قال القاضى: وهذا هو ظاهر الحديث، ألا ترى قوله: " وعلى ربهم يتوكلون ". ومضمون كلامهم: لا فرق بين ما ذكر من الكى والرقى وبين سائر أبواب الطب، وإن لم يذكر منها إلا ما ذكر، وقال الداودى (¬1): المراد بذلك الذين يفعلونه فى الصحّة، فإنه يُكرَه لمن ليست به علّةً أن يتخذ التمائم ويستعمل الرقى، وأما من يستعمل ذلك مِمَّن به مرض فهو جائز، وقد ذهب غيرُه إلى أن تخصيص الرقى والكى ها هنا من بين سائر أنواع علاج الطب المعنى، وأن الطب غير قادح فى التوكل، إذ تَطبَّبَ النبىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتَطبَّبَ عِلْيَةُ الفُضَلاءِ، إذ كل سببٍ مقطوع به كالأكل للغذاء والشرب للرِىّ لا يقدَحُ فى التوكل، وكذلك المظنون كالطِّبِّ للبرءِ، ولُبس الدِّرع للتَحصُن من العَدو غيرُ قادح فى التوكل، وباب الرُقى والطيرةِ والكى بابُ مَوْهومٌ، والموهومُ قادحٌ فى التوكل عند المتكلمين فى هذا الباب؛ فلهذا لم ينف عنهم التطبُب، ولهذا لم يجعلوا (¬2) الاكتساب للقوت وعلى العيال ¬

_ (¬1) هو الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المُظَفَّر بن محمد بن داود الداوودى. قال فيه السمعانى: كان وجه مشايخ خراسان فضلاً عن ناحية، له قدَمٌ فى التقوى راسخٌ، يستحق أن يُطوى للتبرك به فراسخ. توفى سنة سبع وستين وأربعمائة. سير 18/ 222. (¬2) تكررت فى غير ق خطأ.

" سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ". 370 - (217) وحدّثنى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أمَّتِى سَبْعُونَ ألْفًا، زُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُمْ، عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ ". 371 - (218) حدّثنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّان، عَنْ مُحَمَّدٍ - يَعْنِى ابْنَ سِيرينَ - قَالَ: حَدَّثَنِى عِمْرَانُ قَالَ: قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أمَّتِى سَبْعُونَ ألْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ". قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هُمُ الَّذِينَ لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ". فَقَامَ عُكَّاشَةُ فَقَاَلَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ: " أَنْتَ مِنْهُمْ ". قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قادحًا فى التوكل، إذا لم تكن ثقتهُ فى رزقه باكتسابه [وكان مُفَوِّضًا فى كل ذلك] (¬1) لربه على ما حَدَّه علماء هذا الفنِّ، والكلام فى التفريق بين الطب والكى، وكلٌّ قد أباحه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأثنى عليه يطول، لكنا نذكُرُ منه - نُكتةً - تكفى، وهو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطبَّب فى نفسه وطبَّ غيره، ولم يكتو وكوى غيرَه، ونهى فى الصحيح أمتَه عن الكى وقال: " وما أحب أن أكتوى " (¬2). وقوله: " وعلى ربهم يتوكلون ": قال الطبرىُّ وغيرُه: اختلف الناس فى التوكل ما هو؟ فذهبت طائفةٌ إلى أنه لا يستحق اسمه إلا من لم يخالط قلبه غيرُ الله من سَبُع أو عدو، حتى يترك السعى فى طلب الرزق فيما لابد منه من مطعم ومشرب لضمان الله رزقه، واحتجوا بما جاء فى ذلك من الآثار (¬3)، وقالت طائِفةٌ: حَدُّة الثقةُ بالله والإيقان بأن ¬

_ (¬1) فى ق: وكان فى ذلك مفوضًا. (¬2) جزء حديث أخرجه الشيخان، وسيرد إن شاء الله فى ك السلام، انظر البخارى فى صحيحه، ك الطب، ب الدواء بالعسل 7/ 159، كما أخرجه أحمد فى المسند 3/ 343، والبيهقى فى ابن الكبرى 9/ 341. وإنما كره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكى لما فيه من التشبه بتعذيب الله تعالى. إكمال 1/ 379. (¬3) منه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخرجه الترمذى والحاكم عن عمر - رضى الله عنه - مرفوعاً: " لو أنكم توكلتم على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروُح بطاناً ". الترمذى، ك الزهد، ب فى التوكل على الله 4/ 573، وقال فيه: " هذا حديث حسن صحيح "، والحاكم فى المستدرك، ك الرقاق 4/ 318، وقال فيه: " صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، وكذا ما أخرجه الترمذى بإسناد حسن صحيح عن أنس بن مالك قال: كان أخوان على عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أحدُهما يأتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والآخر يحترف، فشكى المُحترف أخاه إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لعلك تُرزَقُ به " السابق.

يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ: " سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ". 372 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حَاجِبُ ابْنُ عُمَرَ أَبُو خُشَيْنَةَ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَم بْنُ الأعْرَجِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أمَّتِى سَبْعُونَ ألْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ " قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قضاءه ماض، واتباعُ سُنة نبيه فى السّعى فيما لابُدَّ منه من مَطْعَم ومشرب والتحرز من العدو، كما فعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفعَله الأنبياء. فقد نصَّ (¬1) الله تعالى عنهم الخوف والكسبَ والتحرز عن عداهم، وعن نبينا مثله فى ادّخارِ قوت سنته (¬2) وتطبُّبه (¬3)، وفعل ذلك جَلةُّ أصحابه، وهذا اختيار الطبرى وعامة الفقهاء، والأول مذهب بعض المتصوِّفة وأصحاب علم القلوب والإرشادات، وذهب (¬4) المحققون منهم إلى نحو مذهب الجمهور، ولكن لا يصح عندهم اسم التوكل مع الالتفات والطمأنينة إلى الأسباب، بل فعل الأسباب سنةُ الله وحكمته، والثقة أنه لا يجلبُ نفعًا ولا يدفع ضرًا سبب ولا أحَدٌ والكل من الله وحده. وقوله فى عُكاشة: " يَرْفَعُ نَمِرةً عليه " (¬5): النمرة: كساء فيه مواضعُ سود وحُمْرٌ وبيض يشبه لون جلد النَمِر. وقوله: " سبقَك بها عُكَّاشة ": هو مشدَّد الكاف، قيل: إن السَّائل للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدعو له أن يكون منهم بعد عكَّاشة لم يكن عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن يستحق ذلك، ولا من أهل تلك الدرجة والصفة الموصوفة كما كان عكاشة، وقيل: بل كان منافقًا فأجابه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما (¬6) كان عليه من حسن العشرة وجميل الصُحْبة بكلام مُحتملٍ ولفظ مشتركٍ، فهو من باب المعاريض الجائزة، ولم يرَ التصريح له بأنك لست منهم ولا مستحقًا لتلك المنزلة، ¬

_ (¬1) النصُّ: رفعُ الشىء. لسان العرب. (¬2) يعنى بذلك ما أخرجه البخارى فى صحيحه عن عمر - رضى الله عنه - أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبيعُ نخل بنى النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم. ك النفقات، ب حبس الرجل قوت سنة على أهله. (¬3) من ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه وأحمد عن أسامة بن شريك قال: كنتُ عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: " نعم يا عباد الله، تداوَوْا، فإن الله عزَّ وجلَّ لم يَضَعْ داء إلا وضَعَ له شفاءً غيرَ داءٍ واحدٍ " قالوا: ما هو؟ قال " الهَرَمُ " أبو داود فى أول الطب، والترمذى فى الطب، ب ما جاء فى الدواء والحث علَيه، وقال فيه: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد فى المسند 4/ 278. (¬4) فى الأصل ومذهب. (¬5) يضعف هذا قوله فى الرواية الأخرى المتفق عليها: " ثم قام رجلٌ من الأنصار ". (¬6) فى الأصل: لما.

373 - (219) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى حَازِمٍ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أمَّتِى سَبْعُونَ ألْفًا، أَوْ سَبْعُمِائَةِ ألْفٍ - لا يَدْرِى أَبُو حَازِمٍ أيَّهُمَا قَالَ - مُتَمَاسِكُونَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لا يَدْخُلُ أوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ". 374 - (220) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ قَالَ: كُنْتُ عِنْدِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: أيُّكُمْ رَأى الْكَوْكَبَ الَّذِى انْقَصَّ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: أَنَا. ثُمَّ قُلْتُ: أمَا إنِّى لَمْ أكُنْ فِى صَلاةٍ، وَلكِنِّى لُدِغْتُ. قَالَ: فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اسْترْقَيْتُ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِىُّ. فَقَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعْبِىُّ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الأَسْلَمِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: لا رُقْيَةَ إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ وجاء بقول يحتمل (¬1) أن سَبْق عكاشة بالسؤال منَعه من إجابته وعرَّض بذلك عن سَبْقهِ لتحصيل الصفة والمنزلة دون هذا، وستَر بقوله هذا حال السائل ولم يهتك ستره (¬2)، وقيل: قد يكون سبق عُكَّاشة بوحىٍ أنه يجاب دعوته فيه ولم يكن ذلك للآخر. وقوله: " متماسكُون (¬3) لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ": أى بعضهم أخذٌ بيد بعض، ممسِكٌ له، كما قال: أخذ بعضهم بعضًا، وهذا يدل على عِظم الجنة وسَعة بابها، وقد يكون معنى متماسكين بالوقار والثبات، أى لا يخف بعضهم عن بعضٍ، ولا يُسابقه حتى يكون دخولهم جميعًا. وقوله: " ومع هؤلاء سبعون ألفًا ": ظاهره أنهم زائد إلى أمته، والصحيح أنهم من أمته؛ لأن البخارى رواه: " هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا " (¬4) وفى الأحاديث الأخر فى الأم: " أدخِلْ من أمَّتِك من لا حساب عليه " وذكر نحوه، وفى الحديث الآخر: " يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفًا " وذكر مثله. ¬

_ (¬1) فى ت: محتمل. (¬2) طريق سعيد بن المسيب عن أبى هريرة. (¬3) جاء فى بعض النسخ: " متماسكين آخذ " وكلاهما صحيح. (¬4) لفظ البخارى: " هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفًا قدَّامهم، لا حساب عليهم ولا عذاب " ك الرقاق، ب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب 8/ 140.

مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ. فَقَالَ: قَدْ أحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إلَى مَا سَمِعَ، وَلكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عُرِضَتْ عَلَىَّ الأمَمُ، فَرَأيْتُ النَّبِىَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِىَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِىَّ لَيْسَ مَعَهُ أحَدٌ، إذْ رُفِعَ لِى سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أنَّهُمْ أمَّتِى، فَقَيلَ لِى: هَذَا مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ، وَلكِن انْظُرْ إلَى الأفُق، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِى: انْظُرْ إلَى الأفُقِ الآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِى: هَذِهِ أمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ ". ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ. فَخَاضَ النَّاسُ فىِ أولئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضَهُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " [لا رقية] (¬1) إلا من عين أو حُمَّةٍ " (¬2): العين: إصابة العاين، والحُمة بضم الحاء وفتح الميم مخففة: [مجموعة] (¬3) السم نفسهُ، والمراد ها هنا اللذغ من العقرب والحيَّة وشبهها، قال الخطابى: ومعنى ذلك لا رقية أشفى وأولى من رُقية العين والحُمَة، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد رَقى ورُقِى، وأمر بها، وأجاز الرقية، فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله تعالى فهى مُباحة، وإنما جاءت الكراهيةُ منها مما كان بغير لسان العرب، فإنه ربما كان كفراً أو قولاً يدخله الشرك، قال: ويحتمل أن يكون الذى ذكره من الرقية ما كان منها على مذاهب أهل الجاهلية فى العُوذِ التى كانوا يتعاطونَها، وأنها تدفع عنهم الآفات، ويعتقدون أن ذلك من قبل الجِنِّ ومعونتهم، وقد اختلفت الرواية عن مالك فى إجازة رُقيةِ أهل الكتاب للمُسْلم، فأجازه مرةً إذا رقى بكتاب الله، ومنعه أخرى؛ وذلك لأنَّا لا ندرى أن الذى رقى به ما هو، وسيأتى الكلام على الرقية والعين والطيرة فى كتاب الطب بأشبع ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) حديث الشعبى عن بُريدَة بن حُصيبٍ الأسلمى. ومعنى قوله فى هذا الحديث: " انقضى البارحة " الانقضاض: السقوط، والبارحة هى أقرب ليلة مضت، مشتقة من برِح إذا أزال، قال ثعلب: يقال قبل الزوال: رأيت الليلة، وبعده: رأيت البارحة، والحمة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم: سم العقرب وشبهها. وقوله فى هذا الحديث: " فخاض الناس " بالخاء والضاد المعجمتين، أى تكلموا وتناظروا. قال النووى: " وفى هذا إباحة المناظرة فى العلم والمباحثة فى نصوص الشرع على جهة الاستفادة وإظهار الحق " 1/ 495. وقوله: " أما أنى لم أكن فى صلاة ": قال ذلك خشية أن يوصف بما لم يفعل. والرهيط تصغير الرهط، وهى الجماعة دون العشرة. (¬3) فى الأصل: قوعة.

فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدوا فِى الإِسْلامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ. وَذَكَرُوا أشْياء. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا الَّذِى تَخُوضُونَ فِيهِ؟ " فَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ: " هُمْ الَّذِينَ لا يَرْقُون، ولا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يتَطَيَّرُونَ، وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ". فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ الله أن يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ: " أَنْتَ مِنْهُمْ "، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ: " سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ". 375 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُرِضَتْ عَلَىَّ الأمَمُ ". ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِىَ الْحَدِيثِ، نَحْوَ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أوَّلَ حَدِيثِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من هذا إن شاء الله تعالى. وقوله: " سوادٌ عظيمةٌ ": أى أشخاص، وكل شخص سواد، ومنه قولهم: لا يفارقُ سوادى سوادَك.

(95) باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة

(95) باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة 376 - (221) حدّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْن مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه؛ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ ". قَالَ: فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ: " أمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثَلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ ". قَالَ: فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: " إنِّى لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. مَا الْمُسْلِمُونَ فِى الْكُفَّارِ إلا كَشَعْرَةٍ بَيْضاءَ فِى ثوْرٍ أسْوَدَ، أوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِى ثَوْرٍ أبْيَضَ ". 377 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - واللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أبى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى قُبَّةٍ، نَحْوًا مِنْ أرْبَعِينَ رَجُلاً، فَقَالَ: " أترْضَوْنَ أَنْ تَكُوَنُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ ". قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالَ: " أترْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ ". فَقُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إنِّى لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَاكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أنْتُمْ فِى أَهْلِ الشِّرْكِ إلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعرَةِ السَّوْدَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأحْمَرِ ". 378 - (...) حدّثنا مُحَمْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ - وَهُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ - عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عبْدِ اللهِ؛ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأسْنَدَ ظَهْرَهُ إلى قُبَّةِ أدَمٍ. فَقَالَ: " ألا، لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ. اللهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ اشْهَدْ، أتُحِبُّونَ أنَّكُمْ رُبُعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ " فَقُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: " أتُحِبُّونَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " إنِّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأسند ظهره إلى قُبَّة أدَم "، قال الإمام: قال الليث والمطرز: قال ابن الكلبى: بيوتُ العرب سِتَّةٌ: قبَّة من أدَم، وأبنية من حجر، وخيمة من شجر، ومظلة من شعر، وبجادٌ من وبر، وخباء من صوف.

لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مَا أنْتُمْ فِى سِوَاكُمْ مِنَ الأمَمِ إلا كالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِى الثَّوْرِ الأبْيَضِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى الثَّوْرِ الأَسْوَدِ " (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) هذا الباب مما أغفله الإمام والقاضى عدا قوله فى حديث ابن نمير: " فأسند ظهره إلى قبة أدم "، ولعل الحامل لهما على ذلك وضوح أمره فى حينه. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: " أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ": قصد به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبشير آحاد الأمة بدخولها؛ لأن ظن الواحد بدخولها مع كثرة داخليها من الأمة أجدر من ظنه دخولها مع قلة داخلها منه. ذكره الأبى. ولم يخبرهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم النصف ابتداءً؛ لأن التدريج أوقع فى النفس وأبلغ فى الإكرام، لأن الإعطاء مرةً بعد أخرى دليلُ الاعتناء بالمعطى، أو لتتكرر منهم عبادة الشكر، ولا يبعد أن يكون قد أوحى إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالزيادة، يدل عليه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدها: " وسأخبركم عن ذلك " وهى عبارة توجيهية لكونهم الشطر. قال السنوسى: فإن قلت: لا يتوجه به، بل يبعده؛ لأنهم إذا كانوا كالشعرة المذكورة فكيف يكونون الشطر؟ ثم أجاب بقول الأبى: أسقط الراوى فى هذا الطريق ما يتم به التوجيه، وهو قوله فى الآخر: " لا يدخلُ الجنة إلا المؤمنون " وهم من المؤمنين الشطر.

(96) باب قوله: " يقول الله لآدم: أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين "

(96) باب قوله: " يقول الله لآدم: أخرج بعث النار من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعين " 379 - (222) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ العَبْسِىُّ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا آدَمُ، فيقُولُ: لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ. قَالَ: يَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّار. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (1) قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: " أبْشِرُوا، فَإنَّ مِنْ يأجُوجَ وَمَأجُوجَ ألْفًا، وَمِنْكُمْ رَجُلٌ ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إنِّى لأطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبُع أَهْلِ الْجَنَّةِ ". فَحَمِدْنَا اللهَ وَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إنِّى لأطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الْجَنّةِ فَحَمِدْنَا اللهَ وَكَبَّرنَا ثُمَّ قَالَ: " وَالذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إِنَّى لأطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ. إنَّ مَثَلَكُمْ فِى الأمَمِ كَمَثَلِ الْشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِى ذِرَاعِ الْحِمَارِ ". 380 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غيْرَ أنَّهُمَا قَالا: " مَا أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ فِى النَّاسِ إلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِى الثَّوْرِ الأبْيَضِ "، وَلَمْ يَذْكُرَا: " أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِى ذِرَاعِ الْحِمَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الرَّقْمَةُ فى ذراعِ الحمار "، قال القاضى: الرقمتان فى الحمار هما الأثران فى باطن عُضَديهِ.

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المعلِم بفَوَائِدِ مُسْلِم لِلإِمَام الحَافظ أبى الفضل عيَاض بن مُوسَى بن عيَاض اليَحْصَبِى ت 544هـ تحْقِيق الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل الجزءُ الثّانِى

حقوق الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - ج. م. ع - المنصورة الإدارة: ش الإمام محمد عبده المواجه لكلية الآداب ص. ب. 230 ت: 342721/ 356220/ 356230 فاكس 359778 المكتبة: أمام كلية الطب ت 347423

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المعلِم بفَوَائِدِ مُسْلِم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

2 - كتاب الطهارة

بسم الله الرحمن الرحيم 2 - كتاب الطهارة (1) باب فضل الوضوء 1 - (223) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شطر الإيمان "، قال القاضى: يُقالُ: الطَّهورُ والطُّهورُ، بفتح الطاء وضمها، وكذلك الوَضوء والوُضوء، والغَسْلُ والغُسْل. فبالضم الفعل، وبالفتح الماء، حكى عن الخليل الفتح فيهما فى الوضوء ولم يعرف الضَّم. قال ابن الأنبارى: والأول هو المعروف والذى عليه أهل اللغة، وقال الأصمعى (¬1): غُسلاً وغَسلاً (¬2). واشتقاق الطُّهر من الطهارة وهى النظافة من المذامِّ والقبائح، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (¬3) ومنه: امرأةٌ طاهرٌ من الحيض وطاهرةٌ من الذنوب، وكذلك الوُضوء من الوضاءة وهى النظافة والحسن؛ لأنه يُحسِّنُ الإنسانَ وينظِّفه بإزالة درنه وشعَثِه، قال بعضُهم: والمراد بهذه النظافة: النورُ الذى يكون لصاحبه يوم القيامة، والأول أظْهَرُ وهو المعروف به. وقوله: " شطر الإيمان "، قال الإمام: يحتمل هذا [الحديث] (¬4) وجهين: أحدُهما: أن [يكون] (¬5) المراد بقولة: " شطر الإيمان ": [أى] (¬6) أنه ينتهى تضعيف الأجر فيه إلى نصف أجر الإيمان من غير تضعيف، وهذا كأحد التأويلات فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " [أن] (¬7) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن " (¬8) وسنذكره بعد إن شاء الله. ¬

_ (¬1) هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن على بن أصمع بن مطهر بن رباح بن عمرو الباهلى، أبو سعيد الأصمعى البصرى أحد الأعلام. روى عن ابن عون، وسليمان التيمى وغيرهم، وروى عنه أبو عبيد ابن القاسم بن سلام، ويحيى بن معين، وأبو حاتم وغيرهم. قال أبو أمية الطرطوسى: سمعت يحيى بن معين وأحمد يثنيان على الأصمعى فى السنة. وقال الربيع: سمعت الشافعى يقول: ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعى. وقال الدورى: قلت لابن معين: أريد الخروج إلى البصرة فعمن أكتب؟ قال: عن الأصمعى، فهو ثقة صدوق. ولد سنة بضع وعشرين ومائة، وعاش ثمانٍ وثمانين سنة. تهذيب التهذيب 6/ 415 - 417، سير 10/ 175 - 181. (¬2) وقيل: إن كان الغسل مصدراً لغسلت فهو بالفتح، كضرَب ضرباً، وإن كان بمعنى الاغتسال فهو بالضم، نحو غسل الجمعة واجب، وأما الغِسْلُ بالكسر فاسم لما يغسل به الرأس. (¬3) الأحزاب: 33. (¬4): (¬7) من المعلم. (¬8) البخارى فى فضل القرآن، ب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 9/ 59 عن أبى سعيد الخدرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجه الثانى: أن يكون معنى " شطر الإيمان ": أَنَّ الإيمان يجُبُّ ما قبلَه من الآثام، وقد أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الوضوء - أيضاً - تذهب من (¬1) الإنسان الخطايا، إِلَّا أنه قد قام الدليل أن الوضوءَ لا يَصح الانتفاع به إِلَّا مع مُضامَّة الإيمان لَه، فكأنَّه لم يحصل به رفع الإثم إِلَّا مع شىءٍ ثانٍ، ولما كان الإيمان يمحُو الآثام المتقدمة عليه بانفرادِه، صار الطُّهورُ فى التشبيه كأنه على الشطر منه. وفى هذا الحديثِ أيضاً حجةٌ على من يرى [أن] (¬2) الوضوء لا يفتقر إلى نيَّةٍ (¬3). وهذه المسألة مما اختلف الناس فيها على ثلاث مقالاتٍ، فقال الأوزاعى وغيره: الوضوء والتيمم جميعاً لا يفتقر إلى نية، وقال مالك فى المشهور عنه: إنهما يفتقران إلى نيَّةٍ (¬4). وروى عن مالك قوله تارة (¬5) أن الوضوء يُجزئ بغير نيَّةٍ (¬6)، وقال أبو حنيفة: أما التيمُّم فلا بد فيه من نيةٍ، وأما الوضوء فلا (¬7). فأما الأوزاعى ومن وافقه فيحتج بالأوامر التى وقعت بالوضوء ولم تُذكر فيها النية، ويحتج أيضاً بأن الوضوء ليس من العبادات كالصلاة وشبهها، وإنما وجب لغيره، وكان شرطاً (¬8) فى صحته، فَحَلَّ مَحل غسل النجاسة وستر العورة، وشبه ذلك من شروط الصلاة المجزئة بغير نيةٍ، ويحتج مالك عليه بحديث: " الأعمال بالنيات " (¬9) وبهذا الحديث المتقدم، وأنه لو لم يكن من أكبر العبادات لم يجعَلْه شطر الإيمان، فإذا أوجب ذلك كونه عبادةً افتقر إلى نيةٍ عند المخالف وعندنا، وعليه من الحجاج كثير، وأما تفرقة أبى حنيفة بين الوضوء والتيمم فضعيفةٌ؛ لأن البدل إذا افتقر إلى نيةٍ فأحرى أن يفتقر المبدلُ منه (¬10)، وأشبه ما وجه له به قول الله ¬

_ (¬1) فى المعلم: " عن ". (¬2) من المعلم. (¬3) يعنى بهم الأحناف، حيث ذهبوا إلى أن الماء مطهر بذاته؛ مستدلين لذلك بقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. (¬4) قال ابن القاسم: لا يكون الوضوء عند مالك إِلَّا بالنية. راجع: المدونة الكبرى 1/ 32. (¬5) فى المعلم: شاذة. (¬6) هذا فى النافلة - المدونة 1/ 32. (¬7) لأن التيمم ليس بطهارة حقيقية، وإنما جعل طهارة عند الحاجة، والحاجة إنما تعرف بالنية بخلاف الوضوء؛ لأنه طهارة حقيقية فلا يشترط له الحاجة ليصبر طهارة، فلا يشترط له النية. وذكر الجصاص أنه لا يجب فى التيمم نية التطهير، لىانما يجب نيَّة التمييز، وهو أن ينوى الحدث أو الجنابة؛ لأن التيمم لهما يقع على صفة واحدة، فلا بد من التمييز بالنية كما فى صلاة الفرض أنه لابد فيها من نية الفرض؛ لأن الفرض والنفل يتأديان على هيئة واحدة. راجع: بدائع الصنائع 1/ 196. (¬8) هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. وذلك كحولان الحول فى الزكاة، فإنه يلزم من عدمه عدم وجوب الزكاة، ولا يلزم من وجوده وجوبها لاحتمال عدم النصاب، ولا عدم وجوبها لاحتمال وجود النصاب عند حولان الحول. انظر: شرح تنقيح الفصول 82، جمع الجوامع 2/ 20. (¬9) جزء حديث متفق عليه، أخرجه البخارى فى أكثر من موضع، منها: ك بدء الوحى (1) وك الإيمان (54)، ومسلم، ك الإمارة، ب إنما الأعمال بالنية (155)، والنسائى فى الطهارة، ب النية فى الوضوء 1/ 51، وفى الطلاق، وأخرجه ابن ماجة فى الزهد، ب النية 2/ 1413. (¬10) ليس بلازم، وإنما افتقر البدل عندهم إلى نية لضعفه كما قدمنا.

يَحْيَىَ؛ أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلامٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطُّهُور شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬1)، والتيممُ القصدُ، والمقصود منوىٌ. قال القاضى: ذهب بعض المتكلمين على معانى الحديث أن معنى قوله: " شطر الإيمان ": أن الإيمان شطران: تطهير السِّر عن الشرك وأنجاس الكفر، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} (¬2). قال أهل التفسير: قلبك ونفسك (¬3)، وتطهير الجوارح عن عبادة غير الله، فمن طهَّر باطنه فقد استكمل الإيمان، ومن تطهَّر لله فقد طهَّرَ ظاهره، فجاء بنصف الإيمان لأنه تطهير من الحدث والأنجاس للوقوف بين يدى الله، فإذا طهّر سِرَّه من الخواطر والأنجاس للمناجاة لله كمل إيمانُه، والإيمان ظاهِرٌ وباطِنٌ، فظاهِرهُ إقرارٌ وتسليمٌ، وباطنه إخلاصٌ وتصديق. وقد يقال: المرادُ بالإيمان هنا الصلاة، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} (¬4)، ولما كانت الصلاة مفتقرةٌ إلى هذه العبادة الأخرى التى هى الطهارة، ولا يتم إِلَّا بها كانت كالشرط (¬5) لها. وقوله: " والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض ": بيانُ أجر الحمد إذا أضيف إلى التسبيح وقُرن به على إفراده؛ لأنه ملأ الميزان - أى من الأجر - وإذا قُرِن بالتسبيح كان أجره بقدر ملء ما بين السماوات والأرض، وذهب بعضهم إلى أن ثناء العبودية على شيئين: المعرفة بالله، والافتقار إلى الله، فصفاء معرفة الله بتنزيهه، وكمال الافتقار إليه: أن ترى نفسك فى تصريفه كيف شاء، فغاية التنزيه سبحان الله، وفى الحمد لله الافتقار إلى الله، وأنه رأى أقواله وأفعاله بالله، ولم يرها من نفسه، وقد روينا هذا الحديث من غير هذا الطريق: " التسبيح نصف الميزان [والحمدُ ملاؤه] (¬6) والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض " (¬7) ومعناه يرجع إلى ما ذكرناه. ولأصحاب الإشارات فى معانى هذا أغراض أخر يُنبِّه عليه بعض ما ذكرناه. ¬

_ (¬1) النساء: 43، المائدة: 6. (¬2) المدثر: 3. (¬3) وهذا القول محكى عن ابن عباس والشعبى وعطاء وإبراهيم النخعى. راجع: تفسير القرآن العظيم 8/ 288. (¬4) البقرة: 143. (¬5) هكذا فى جميع النسخ والأليق بالسياق: الشطر. ويعكر على ما اختاره القاضى أن توقف الصلاة على الطهارة هو توقف شروط على شرط، ولا يصح فى شرط الشىء أن يكون شطره؛ لأن شرط الشىء خارج عنه، وشطره داخل فيه. هذا ويمكن أن يجاب عنه بأن الأمر هنا من باب الاستعارة أو التشبيه البليغ، أى الطهارة كشطر الإيمان، والمقصود من الكلام هنا تعظيم أمر الطهارة. (¬6) فى ت: والحمد لله يملؤه. (¬7) الحديث أخرجه الترمذى من حديث عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو، وأحمد والترمذى عن رجُل من بنى سُلَيم بلفظ: " والحمد لله يملأُه "، وزاد: " والصومُ نصف الصبر، والطُّهورُ نصف الإيمان "، وقال الترمذى فى الأول: ليس إسناده بالقوى، وفى الثانى. هذا حديث حسن. الترمذى، ك الدعوات 5/ 536، أحمد فى المسند 5/ 363. يراجع لذلك: الرسالة القُشيرية 2/ 464، وإحياء علوم الدين 12/ 2201.

أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الصلاة نور ": يحتمل أن المراد أن يكون أجرُها نوراً لصاحبها يوم القيامة، أو أَنَّ الصلاة سببٌ لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب، ومكاشفات الحقائق لتفرغ القلب فيها، والإقبال بالجسم والقلب على الله وشغل الجوارح بها عما سواه؛ كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وجعلت قرة عينى فى الصلاة " (¬1)، وهو مثل قوله فى هذا الحديث: " والصوم ضياء "، وهى رواية بعض الشيوخ (¬2)، وروايتنا فيه عن أكثرهم: " والصبر ضياء "، وقد يكون قوله: " والصلاة نور " على وجهه إشارة إلى الغُرَّةِ كما ورد فى حديث عبد الله بن بُسْرٍ عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أمتى يوم القيامة غرٌّ من السجود مُحَجَّلون من الوضوء " (¬3)، ويكون بمعنى قوله: " من صلى بالليل ضاء وجهه بالنهار " وإن كان لم يصح حديثاً فقد صح معنى، وذلك أن من لم يُصلِّ الصبح ولا توضأ للصلاة أصبح شَعِث الشعر، أقذى العينين، غير نظيف الأنف والفم، وإذا توضأ تنظف، وزال عنه الشعث، وأضاء وجهه بالنظافة. وقوله: "والصَّدقةُ برهان " مثل قوله: " والقرآن حجة "، وقد يحتمل أن يكون برهان الصدقة على إيمان المؤمنين، ودليلٌ على الفرق بينهم وبين المنافقين الذين يلمزون (¬4) المطوعين من المؤمنين فى الصدقات، إِلَّا ترى ما كان ممن ضعُفَ إيمانه فى الردة من منعها. وقوله: " كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو مُوبقها ": يحتمل أن يكون بائع نفسه هنا بمعنى مُشترٍ وبمعنى بائع، فجاء بلفظٍ مشترك بين المعنيين؛ لأن اللفظة فى اللغة تقع على المعنيين، ثم جاء بالجواب على المعنيين جميعاً، أى من اشتراها أَعتقها، ومن باعها أوبقها، أى أهلكها، ومثل هذا قول ابن مسعود: " الناس غاديان، فبائع نفسه فموبقُها، أو مفاديها فمعتقها " (¬5)، وهذا نوع من الإيجاز بديع عند أهل البلاغة، ويحتمل أن يكون البيع على الوجه (¬6) المعروف وحده، أى فبائع (¬7) نفسه من الله، فأعتقها كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة} (¬8)، أو باعها من غيره فأوبقها، كما قال فى السحرة: {وَلَبِئْسَ مَا شَروْا بِهِ أَنفُسَهُمْ} (¬9). وهذا ¬

_ (¬1) النسائى، ك عشرة النساء، ب حب النساء 7/ 61، وأحمد فى المسند 3/ 199، والحاكم فى المستدرك 2/ 160، وهو جزء حديث عن أنس. (¬2) سبق تخريجها. (¬3) الترمذى فى الصلاة، ب ما ذكر فى سيما هذه الأمة يوم القيامة من آثار السجود والطهور 2/ 505. (¬4) اللمز: العيب فى الوجه، وأصله الإشارة بالعين والرأس والشفة مع كلام خفى، وقيل: الاغتياب، وقيل: العيب. لسان العرب، مادة " لمز ". (¬5) جزء حديث، أخرجه الطبرانى، وقال فيه الهيثمى: إسناده جيد. مجمع 10/ 236. (¬6) فى الأصل: جهة. (¬7) فى الأصل. فباع. (¬8) التوبة: 111. (¬9) البقرة: 102.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث قد اختُلِفَ فى سنده، قال الدارقطنى: أدخل بعضهم (¬1) فيه بين أبى سلام وأبى مالك عبد الرحمن بن غنْمٍ، وكذا ذكره النسائى (¬2). ¬

_ (¬1) هو معاوية بن سلام كما ذكر الدارقطنى فى الإلزامات قال: وخالفه معاوية بن سلام، رواه عن أخيه زيد عن أبى سلام عن عبد الرحمن بن غنم، 197. وفهم محقق الإلزامات من هذا أن الحديث بهذا عند مسلم يكون منقطعًا، وأن الصحيح ما كان من طريق معاوية. قلت: الحديث بهذا الطريق أخرجه الترمذى فى الدعوات 5/ 535. وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". قال الحافظ ابن حجر: وأما إدخال " عبد الرحمن بن غنم " بين أبى سلام وأبى مالك فيحتمل أن يكون الحديث عن أبى سلام بإسنادين: أحدهما عن عبد الرحمن بن غنم عن أبى مالك، والآخر عن الحارث بن الحارث الأشعرى، والحارث أيضاً يكنى أبا مالك، لكن أبو مالك - شيخ عبد الرحمن بن غنم - غيره فيما يظهر لى، والله أعلم. النكت الظراف على الأطراف 9/ 283. (¬2) فى أعمال اليوم والليلة كما أشار المزى، وقد أخرجه من الطريقين هناك.

(2) باب وجوب الطهارة للصلاة

(2) باب وجوب الطهارة للصلاة (224) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ - وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَقَالَ: أَلا تَدْعُو اللهَ لِى يَا ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يقبل الله صلاةً بغير طهورٍ، ولا صدقةٍ من غلول ": الغلولُ: الخيانة. وهذا الحديث نصٌّ وأصلٌ فى وجوب الطهارة من السنة مع أمثاله من الآثار (¬1)، وهذا مما لا خلاف فيه بين الأمة، وأن الصلاة من شرطها الطهارة بإيجاب الله تعالى فى كتابه، وعلى لسان نبيه، وإجماع أهل القبلة على ذلك. واختلف متى فُرضت الطهارة للصلاة، وهل كانت فى أوّل الإسلام فرضاً أو سنةً؟ وهل هى فرض على كل قائم للصلاة أو على كل محدث؟ وفى الوضوء لغير الفرائض هل هو فرض أو له حكم ما تُوضِّئ من أجله؟ فقال ابن الجهم: إن الوضوء أولاً كان سُنةً، وإن فرضه نزل فى آيةِ التيمم، وقال غيره: إن قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} (¬2) غير مشترط فيه طهارة، وأنَّ آيةَ الوضوء ناسخةً لذلك (¬3)، وقال غيره - وهو قول الجمهور -: بل كان قبل فرضاً، ولا تُسْتباحُ الصلاة إِلَّا بطهارةٍ من الوضوء والغسل، قال بعضهم: وذلك بسنة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره (¬4) وآية الوضوء (¬5) إنما نزلت بحكم التيمم، ¬

_ (¬1) اعترض على هذا بأن الحديث إنما فيه أن الطهارة شرط فى القبول، والقبُول أخصّ من الصحة، وشرط الأخص لا يلزم أن يكون شرطاً فى الأعم، وكان القبولُ أخصَّ لأنه حصول الثواب على الفعل، والصحة وقوع الفعل مطابقاً للأمر، فكل متقبَّل صحيحٌ دون عكس، وعلى هذا فالذى ينتفى بانتفاء الشرط الذى هو الطهارة القبولُ لا الصحة، وإذا لم تنتف الصحةُ لم يتم الاستدلال بالحديث. الأبى 2/ 7. (¬2) النساء: 43. (¬3) قال ابن العربى: أما هذه الآية فلا يصح نسخُها بحال، لأن التكليف مقرون بصحة العقل، والصلاة من أجَلِّ وظائف التكليف، فلا يمكن إقامتها إِلَّا مع وجود العقل الذى يرتبط مع الأقوال والأفعال، وينعقد بالنيات والمقاصد، ومن أصابه أقل من ذلك مما يشغل البال ومما يذهب التحصيل، كالغثيان - اضطراب النفس حتى تكاد تتقيأ - والقرقرة - صوت الأمعاء فى البطن - والحقنة - وجع البطن باحتباس البول - لم تجز الصلاة معه، فكيف بما يذهب أصل التحصيل؟ ... قال: وكان هذا إبان حلَّت الخمر فلما حُرِّمت بقى النهى عليها فى هذه الآية، فالآيه على ذلك حديث عن تاريخ التشريع. الناسخ والمنسوخ فى القرآن الكريم 2/ 173. (¬4) لأن هذه الآية - آية المائدة - مدنية بلا خلاف؛ لأنها نزلت فى قصة عائشة، كما أنه لا خلاف أن الوضوء كان مفعولاً قبل نزولها غير متلوٍّ. (¬5) فى الأصل: التيمم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذلك سميت آيةُ التيمم ولم تسم آية الوضوء، وحجة الآخر أنها جاءت بحكم التيمم ورخصته فسميت به، والوضوء قد كان مشروعاً قبل لكن غير فرض (¬1)، فلم يُحدِث فيه حكماً مؤتنفاً إنما أكَدتْ حكمه من السنة إلى الفرض، وقد روى أن جبريل همز للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبيحة الإسراء بعقبه فتوضأ وعلَّمه الوضوء (¬2)، وكذلك ذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله: {إِذَا قُمْتُمْ} (¬3): أى أردتم القيام، وذهب قومٌ إلى أن ذلك قد نسخ بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4)، وقيل: الأمرُ بذلك لكل صلاة على الندب، ويُذكَرُ مثله عن على بن أبى طالبٍ، ولأنه لو كان الوضوءُ واجباً على كل قائمٍ للصلاة لم يكن لذكر الأحداث فى الآية معنى، وقيل: بل لم يُشرع إِلَّا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاةٍ مستحب، وعلى هذا اجتمع رأى أئمة الفتوى بعد بغير خلاف. ومعنى قوله عندها أوَّلاً: {إِذَا قُمْتُمْ}: أى مُحدثين أو من النوم (¬5). وقيل: بل كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتزم تجديد الوضوء لكل صلاة، ثم جمع بين صلاتين بوضوء واحدٍ ليُرىَ الرُّخصة فى ذلك للناس، وأما الوضوء لغير الفرائض فذهب بعضُهم [إلى] (¬6) أن الوضوء [يُحكم له] (¬7) بحكم ما يفعلُ له من نافلةٍ أو سنةٍ، وذهب بعضهم إلى أنه فرض على كل حال ولكل عبادةٍ، لا تستباح إِلَّا به؛ لأنه إذا عزم على فعلها فالمجىء بها بغير طهارةٍ معصية واستخفاف بالعبادة، فلزم المجىء بشرطها فرضاً، كما إذا دخل فى عبادة نفلاً، ووجب عليه تمامُها لهذا الوجه. ¬

_ (¬1) قول محجوج بما نقله ابن العربى عن علماء المالكية تفسيراً لهذا القول قال: معنى قول علمائنا: إن الوضوء كان بمكة سنةً، معناه. كان مفعولاً بالسُّنَّةِ، فأما حكمه فلم يكن قط إِلَّا فرضاً. أحكام القرآن 2/ 558. (¬2) الحديث أخرجه ابن إسحاق فى السيرة بلفظ: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فرض الله - سبحانه - عليه الصلاة ليلة الإسراء، ونزل جبريل ظهر ذلك اليوم ليُصلِّى به، فغمز الأرض بعقبِه، فأنبعت ماء، وتوضأ معلماً له، وتوضأ هو معه، وصلَّى فصلَّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن العربى: وهذا صحيح، وإن كان لم يروه أهل الصحيح، ولكنهم تركوه لأنهم لم يحتاجوا إليه، وقد كان الصحابةُ والعلماءُ يتغافلون عن الحديث الذى لا يحتاجون إليه، ويكرهون أن يبتدئوا بذكره حتى يُحتاج إليه، بخلاف القرآن. أحكام القرآن 2/ 558. (¬3) المائدة: 6. قال ابن العربى: وكذلك كنا نقول، أخذاً بظاهر الآية، ونحن - يقصد المالكية - ممن يأخذ بظاهر الخطاب. أحكام القرآن 2/ 560. (¬4) وقوله: وذلك فيما أخرجه أبو داود والترمذى والنسائى عن ابن أبى بردة عن أبيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ لكل صلاةٍ، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر: فعلت شيئاً لم تكن تفعله؟ فقال: " عَمْداً فعلته ". قال فيه الترمذى: " هذا حديث حسن صحيح " 1/ 89. وفى قول القاضى: {إِذَا قُمْتُم}: أى أردتم، ما يشعر بفرضية النية فى الوضوء؛ لأن الوضوء حالة القيام إلى الصلاة لا يمكن، والإرادة هى النية. (¬5) قال ابن العربى: ذكر العلماء أَنَّ هذه الآية - المائدة: 6 - نزلت فى النائمين - من أعظم آيات القرآن مسائل، وأكثرها أحكاماً فى العبادات، وبحقٍّ ذلك، فإنها شطر الإيمان، ولقد قال بعض العلماء: إن فيها ألف مسألة، قال: واجتمع أصحابنا بمدينة السلام فتَتَبعوها فبلغوها ثمانمائة مسألة، ولم يقدروا أن يبلغوها الألف. أحكام القرآن 2/ 558. (¬6) و (¬7) من ت.

وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ. (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَوَكِيعٌ: عَنْ إِسْرَائِيلَ، كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 2 - (225) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَخِى وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُقْبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ، حَتَّى يَتَوَضَّأَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر ابن عمَر لابن عامر وقد قال له: " ادعُ لى " هذا الحديث على طريق الوعظ والتذكرة له بقوله: " ولا صدقة من غلول "، وجاء بذكر الفصل الثانى كما سمعه - والله أعلم. وفيه حجةٌ لرواية الأحاديث على نصِّها، وحجةٌ لمن لا يرى الحديث يُفصَل من الحديث دون جملته - وقد تقدم الكلام فيه (¬1). أو يكون المعنى: كيف تطمع فى الدعاء وأنت لم تتنصَّل من تبعات العباد، ويكون ذكره للحديث كله على وجه التمثيل والاستشهاد بأنه لا يصح شىء إِلَّا مع وجود شرطه، فكما لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول، كذلك لا يُرَجى قبول دعاءٍ بغير توبةٍ وإقلاع (¬2). [واحتج بصيغة الحديث من يجيز لمن عدم الماء والتيمم إِلَّا صلاة عليه، وهو قول مالك، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقبل الله صلاةً بغير طهور "، وفى المسألة لنا ولغيرنا خلافٌ نذكره فى التيمم إن شاء الله تعالى] (¬3). وقوله: " وكنت على البصْرَة ": أى أميراً، يُعرِّض له بالغَلولِ لمال الله، ويُعرِّفه ما عليه فيه، ليخافَ ذنبه ولا يغترّ. وقال فى سند محمد بن مثنى لهذا الحديث بعدُ: قال أبو بكر: وثنا وكيع، كذا للسمرقندى، ولغيره: قال أبو بكر ووكيع عن إسرائيل، وهما بمعنى، أى وثنا وكيع عن إسرائيل. ¬

_ (¬1) راجع المقدمة. (¬2) ولعله مذهب لابن عمر، وهو أنه لا يدعى للمتلبِّس بالمخالفة، إذ أنه - رضى الله عنه - ممن عرف بالشدة فى دين الله، والجمهور على أن الدعاء لمثله جائز. (¬3) قيدت بهامش ت مشاراً إليها بسهم.

(3) باب صفة الوضوء وكماله

(3) باب صفة الوضوء وكماله 3 - (226) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْح، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عَطَاءَ ابْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ حُمْرَانَ (¬1) - مَوْلَى عُثْمَانَ - أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رضى الله عنه - دَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَر، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلى الْمِرْفَقِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئى هَذَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئى هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام أبو عبد الله: اتفقت أحاديث كثيرة على تكرار غسْل الوجه واليدين فى الوضوء، واختلفت فى تكرار مسح الرأس وغسل الرجلين، والأظهر أَنَّ ذلك لتأكيد أمر الوجه واليدين، إِلَّا ترى أنهما يثبتان فى التيمم ويسقط غيرهما، ووجه القول بأن مسح الرأس لا يُكرَّر: أَنَّ المسح تخفيفٌ، والتكرير تثقيلٌ، ويتنافى الجمع بين التخفيف والتثقيل، ووجه نفى التحديد عن غسل الرجلين أنهما ينالُهما من الأوساخ فى الغالب ما لا ينال غيرهما وقد لا يحصل الإنقاء فى المرتين والثلاث لهما، فكان الأحوط أن يوكل الأمر إلى الإنقاء من غير حدٍّ، ومُرادنا لذكر الإنقاء ما يلزم إزالتهُ فى الوضوء. قال القاضى: وعلى هذا يتأول - أيضاً - اختلاف الأحاديث فى ذكر المضمضة والاستنشاق؛ لأنهما سُنَنٌ، والأمر فيهما على التسهيل والتخفيف، فمالك وأبو حنيفة لا يريان تكرار مسح الرأس، وعند الشافعى أنه يكرر وذِكرُ الإقبال والإدبار المذكورُ فى الحديث ¬

_ (¬1) حُمْرَان بن أبان الفارسى، مولى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، كان من سبى عين التمر من بادية العراق لما فتحها خالد بن الوليد فى خلافة أبى بكر الصديق وكان أول سبى قدِم المدينة فى خلافة أبى بكر ابتاعه عثمان من المسيّب بن نَجَبة، قال قتادة: كان حُمْرانُ يُصلى خلف عثمان، فإذا أخطأ فتَحَ عليه، وعن الزهرى: أن حُمْران كان يأذَنُ على عثمان، وقيل: كان كاتب عثمان، وكان وافر الحرمة عند عبد الملك. روى له الجماعة. حدَّث عن عثمان، ومعاوية، وهو قليل الحديث. قال ابن عمر: كان أحدُ العلماء الجلَّةِ، روى عنه كبارُ التابعين بالحجاز والعراق. طال عمره وتوفى سنة نيف وثمانين. طبقات ابن سعد 5/ 283، تاريخ البخارى 3/ 8، تهذيب الكمال 7/ 301.

قَالَ ابن شِهَابٍ: وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ: هَذَا الْوضُوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ للِصَّلاةِ. 4 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ حُمْرَانَ - مَوْلَى عُثْمَانَ - أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثُ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِى الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِى هَذَا، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لا يحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ليسا بحقيقة تكرار، وإنما هو لاستيعاب المسح بقلب الشعر، إِلَّا تراه بماءٍ واحدٍ، وليستْ سنة التكرار، ولا خلاف أَنَّ ما زادَ على الواحدةِ إذا أسبَغَتْ ليس بواجب، واختلفت عبارةُ شيوخنا فى الزائد على واحدةٍ هل هو سُنة أوَ فضيلة؟ أو الثانيةُ سنةٌ والثالثةُ فضيلة؟ ولم يُحبَّ مالك الاقتصارَ على واحدة إِلَّا للعالِمِ مخافَةَ إِلَّا يُحسِن الاستيعابَ بها (¬1)، قال علماؤنا: وإنما الاختلافُ من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الوضوء مرةً أو مرتين أو ثلاثاً ليُرى الرُّخصةَ لأمته والتسهيل، وبيان الفرض من الزيادة عليه، وأما ما جاء فى ذلك من الاختلاف فى حديث عثمان وعبد الله بن زيد فى ذكر ترك الثلاث فى بعض واستيعابها فى بعض، أن ذلك من الرواة، فمرةً ذكر بعضُهم العدَدَ ومَرَّةً تركه، ومنهم من نسى ذلك فى بعض، إذ قد وجدنا هذا الخلاف فى الحديث الواحد وفى القصة المعينة التى إنما فُعِلَتْ مرَّةً، فَدَلَّ أَنَّ الاختلاف من الرواة، ويصح التأويل المتقدم فيما جاء منها فى غير الحديث الواحد كحديث ابن عباس مع حديث عثمان وعبد الله بن زيد، فأمَّا إذا وجدنا الخلاف فى حديث عثمان بعينه وحديث عبد الله بن زيد ولم يكونا إِلَّا فى مرةٍ واحدةٍ وصفةٍ واحدةٍ، علمنا أنه من الرواة، وأثبتنا ما زاد ثقاتُهم، والأظهرُ فيما فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما حُكى عنه من ذلك من قولهم: " فغسل وجهَه ثلاثاً "، ومثلُه أنها أعدادُ الغَسَلات لا أعداد الغرفاتِ، كما ذهب إليه بعضُهم، وأنه أتى بما بَعْدَ الأولى للكمال والتمام، وهذا احتمال بعيد، لقولهم غَسَل ولم يقولوا: غرف، ولعدَم الزيادةِ على الثلاث، ولو كان التمامُ (¬2) لم يقف على حدٍّ، ولأنه موضعُ بيانٍ وتعليم لا يمكن إغفالُه بتَّة. ¬

_ (¬1) انظر: المنتقى 1/ 35، وفيه أن الواجب فى الوضوء مرة، وأما النفل فمرتين وثلاثاً. (¬2) فى ت: لتمام.

(4) باب فضل الوضوء والصلاة عقبه

(4) باب فضل الوضوء والصلاة عقبه 5 - (227) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ - مَولَى عُثْمَانُ - قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانُ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ بِفنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ، لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا، لَوْلا آيَةٌ فِى كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، فَيُصَلِّى صَلَاةً، إِلا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاةِ الَّتِى تَلِيهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " جلس على المقاعد " (¬1): قيل: هى دكاكين حول دار عثمان، وقيل: الدَّرج، وقيل: موضع قرب المسجد، ولفظها يقتضى أنها مواضعُ جرت العادةُ بالقعود فيها، لكنها قرب المسجد؛ بدليل قوله فى الحديث الآخر: " وهو بفناء المسجد ". وقوله: " فيُحْسِنُ وضُوءَه ": أى يأتى به على أكمل الهيئات والفضائل. قال الباجى: تقديره: فيحسن فى وضوئه، وقد تقدم فى حديث جبريل تفسير الإحسان. وما ذكر فى حديث عثمان من كفَّارة الذنوب بالطهارة والصلاة ما اجتُنبَت الكبائر، هو مذهب أهل السنة، ودليل كتاب الله، قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَار} الآية (¬2)، وإن الكبائر إنما يكفِّرها التوبَةُ أو رحمة الله وفضله، وفى بعضِها: " ثمَّ ركع ركعتين لا يُحَدِّثُ فيهما نفسَه "، وفى بعضِها: " ويصلى الصلوات الخمس "، وفى بعضها: " ثُمَّ يُصلى صلاةً "، وفى بعضها: " الصلاةُ " وفى بعضها: " ثم يمشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس "، وفى بعضها ذكر غفران الذنوب بمجرد الطهارة وخروج الخطايا مَعها، وكانت صلاتهُ ومشيه نافِلةً، وفى بعضها غفران الذنوب بمجرد الصلوات وإنَّ " الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما " (¬3)، وفى بعضها: " غُفِر له ما بينه وبين الصلاة التى تليها "، وفى رواية السمرقندى وبعضُهم: " التى يُصليها "، وفى الموطأ: " وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها " (¬4)، فدل أن التى تليها هى الآتيةُ لا الماضيةُ، وكذلك وقع فى رواية السمرقندى: " التى يصليها ". ¬

_ (¬1) فى الأصل: جلس المقاعد، والذى فى أيدينا من نسخ مسلم: توضأ بالمقاعد. راجع: نووى على مسلم 1/ 512. واللفظة المذكورة هنا هى رواية مالك فى الموطأ، ك الطهارة، ب جامع الوضوء. (¬2) هود: 114. (¬3) حديث رقم (14 - 16) بالباب التالى. (¬4) الموطأ فى الطهارة 1/ 30.

(...) وحدّثناه أَبُو كَرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قاَلا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ: " فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ". 6 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ؛ أَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ: وَاللهِ، لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا، وَاللهِ، لَولا آيَةٌ فِى كِتَابِ الله مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يُصَلِّى الصَّلاةَ، إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاةِ الَّتِى تَلِيهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ذكره خروج الخطايا مع الوضوء، ومعناه: أن الخطايا تغفر عند ذلك، لا أَنَّ الخطايا فى الحقيقة شىء يُحلُّ فى الماء، وإنما ذلك على وجه الاستعارة الجارية فى لسان العرب. [قال الإمام: وذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث آخر: " أن من توضأ نحو وضوئه، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه ... " الحديث] (¬1). فإن قيل: فما (¬2) هذا الذى يغفرُ له بالركعتين، وقد ذكر أن الخطايا تخرج مع الماء؟ قيل: يحتمل أن يُريدَ ما يحدثُ من الإثم ما بين وضوئه وصلاة الركعتين، ويحتمل - أيضاً - أن يُغفَر له ما اكتسب بقلبه وبغير أعضاء الوضوء. قال القاضى: قد قال فى الأمّ: حتى يخرج نقيًّا من الذنوب، وهذا يَعُمّ كل ذنبٍ، وكذلك حديث: " الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما "، قد يكون مراده الصلاةُ بشروطها من الطهارة وغيرها، أو يكون تكفير ركعتى الصلاة لما لم يُكَفِّره الوضوء مما ذكره، أو بوضوء لم يُحسنُه صاحِبُه، إذ شرَط فى ذلك الإحْسَانَ، أو يكون غفران بعض ذلك للصغائر وباقيها للكبائر برحمة الله، والله أعلم. وقوله: " لولا آيةٌ فى كتاب الله ما حدثتكموه ": كذا هذا فى الأم فى الحديثين، إِلَّا أَنَّ للباجى فى الحديث الأول أنه بالنون (¬3)، وقد اختلف رواة الموطأ عن مالك فى هذين اللفظين، واختلف تأويل العلماء فى ذلك، ففى الأم قول عُروة: الآية قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا} (¬4)، وعلى هذا لا تصح الرواية إِلَّا آيةً بالياء، يريد: لولا الآيةُ التى ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى المعلم: ما، بدون الفاء. (¬3) وهى رواية يحيى للموطأ، ومعناها: لولا أَنَّ تصديقه فى كتاب الله. الاستذكار 2/ 188. (¬4) البقرة: 159، وقد ذكرها البخارى عن عروة فى ك الوضوء، ب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً (160).

قَالَ عُرْوَةُ: الآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {اللاَّعِنُونَ} (¬1). 7 - (228) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى الْوَلِيدِ، قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِى أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانُ، فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَركُوعَهَا، إِلا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ". 8 - (229) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - وَهُوَ الدَّرَاوَرْدِىُّ - عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ حُمْرَانَ - مَوْلَى عُثْمَانُ - قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ، لا أَدْرِى مَا هِىَ؟ إِلا أَنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِى هَذَا، ثُمَّ قَالَ: " مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَأَنَتْ صَلاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً ". وَفِى روَايَةِ ابْنِ عَبْدَةَ: أَتَيْتُ عُثْمَانُ فَتَوَضَّأَ. 9 - (230) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لقُتَيْبَةَ وَأَبِى بَكْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ أَبِى أَنَسٍ؛ أَنَّ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ، فَقَالَ: أَلا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا. وَزَادَ قُتَيبَةُ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِى أَنَسٍ. قَالَ: وَعِنْدَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 10 - (231) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حَرَّجت كتمان العلم، وفى الموطأ قال مالك: أُراه يريدُ هذه الآية: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَي النَّهَار} (¬2). وعلى هذا تصح الروايتان، على الوجه الأول، وعلى أنه لولا أن معنى ما أحدثكم به فى كتاب الله ما حدثتكم به لئلا تتكلوا، وتلك الآية الأولى وإن كانت نزلت فى أهل الكتاب، ففيها تنبيه وتحذير لمن فعَلَ فعلَهم وسلك سبيلَهم، مع أَنَّ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد عمَّ القول فى ذلك ¬

_ (¬1) البقرة: 159. (¬2) هود: 114، ومعنى " أراه ": أى أظن عثمان يريد هذه الآية.

وَكِيعٍ، قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، أَبِى صَخْرَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانٍ، قَالَ: كُنْتُ أَضَعُ لِعُثْمَانَ طَهُورَهُ. فَمَا أَتِى عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلا وَهُوَ يُفِيضُ عَلَيْهِ نُطْفَةً. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ انْصِرَافِنَا منْ صَلاتِنَا هَذِهِ - قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهَا العَصْرَ - فَقَالَ: " مَا أَدْرِى، أُحَدِّثُكُمْ بِشَىءٍ أَوْ أَسْكُتُ؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كَانَ خَيْرًا فَحَدِّثْنَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِى كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلا كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا ". 11 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مَحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ. قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ أَبَا بُرْدَةَ فِى هَذَا الْمَسْجِدِ، فِى إِمَارَة بِشْرٍ؛ أَنَّ عُثْمَانُ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَتَمَّ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى، فَالصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهنَّ ". هَذَا حدِيثُ ابْنِ مُعَاذٍ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ غُنْدَر: فِى إِمَارَةِ بِشْرٍ. وَلا ذِكْرُ الْمَكْتُوبَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى حديثه المشهور فى وعيد: " من كتم علماً ألجَمَه الله بلجام من نارٍ يوم القيامة " (¬1). وقوله: " وهو يُفيضُ عليه نُطفةً ": هو الماء، وأصله من القطر، نطفَ الماءَ إذا قطر. وقوله: " لا يُنْهزُهُ إِلَّا الصَّلاةُ ": أى لا يُحركه ويُنهِضُه، يقال: نهزَ الرجُلُ بالزاى: إذا نهَضَ، والنَّهْزُ التحريك، [يُقَال: نهْزتُ الشىءَ: دفعتُ له، ونهز الرجلُ: نهض. وضبطه بعضهم بضم الياء، وهو خطأ، وقيل: هى لغة] (¬2). وقوله: " وكانت صلاتُه نافِلةً له ": أى أن الوضوء لما كفر ذنوبه كانت صلاته وإن كانت فريضةً نافلةً، أى زائدة له فى الأجر على كفارة الذنوب، والنافلةُ الزيادةُ فى كلام العرب، أى لم يبق له ما تكِفرُ، فإما أن تكون مُدَّخرةً تكفِّرُ ما بَعْدَها أو تُرفع له بها درجات، كما قال فى الحديث الآخر: " إِلَّا أدُلُّكُم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفَعُ به الدرجات " (¬3). وقوله: " غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه ": ظاهِرُه عموم كل ذنب، ويؤكده قوله بعده: " وكانت ¬

_ (¬1) ابن ماجه فى المقدمة عن أبى سعيد الخدرى، وعن أنس بن مالك، وكلا الطريقين فيهما ضعف، وأخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط عن ابن عمرو مرفوعاً: " من سُئِل عن علمٍ فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار ". وقال فيه الهيثمى: " رجاله موثقون " 1/ 163. (¬2) سقط من ت، وجاءت العبارة الأولى فيها من أول " وقوله " بعد قول الإمام يريد الحديث. (¬3) سيأتى برقم (41) بهذا الكتاب.

12 - (232) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ - مَوْلَى عُثْمَانُ - قَالَ. تَوَضَّأَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمًا وُضُوءاً حَسَنًا. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ. ثُمَّ قَالَ: " مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لا يَنْهَزُهُ إِلا الصَّلاةُ، غُفِرَ لَهُ مَا خَلا مِنْ ذَنْبِهِ ". 13 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ الْحُكَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثهُمَا عَنْ حُمْرَانَ - مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - عَنْ عُثْمَانُ بْنِ عَفَّانَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ تَوَضَّأ للصَّلاةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ مَشَى إِلى الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، فَصَلاهَا مَعَ النَّاسِ، أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ، أَوْ فِى الْمَسْجِدِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاتُه نافلةً "، ويرد تأويل من تأول لأن (¬1) معناه: ما تقدم قبل صلاته وبعد وضوئه، واعتضد بقوله: " ما بينه وبين الصلاة التى يصليها ". وقوله: " لا يُحدِّثُ فيها نفسه ": [قال الإمام: يريدُ الحديث المجتَلبَ والمُكْتَسبَ، وأما ما يقع فى الخاطر غالباً فليس هو المرادُ - والله أعلم] (¬2). وقوله: " يحدث فيهما نفسه ": إشارة إلى [أن] (¬3) ذلك الحديث مما يكتسب؛ لأنه أضافه إليه فقال: يُحدِّثُ. قال القاضى: قال بعضُ المفسِّرين: إن هذا الذى يكونُ من غير قصدٍ يُرجَى أن تقبلَ به الصلاة ولا تَبْطُل، وتكون دونَ صلاةِ الذى لم يُحدِّث نفسه بشىء فيها، بدليل ما ضَمِنَه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمُراعى ذلك من الغفران؛ لأنه قلَّ من يَسْلم فى صلاتِه من حديث نفسٍ، أى إنما حَصَلت له هذه المزية لمجاهدته نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه، ومحافظته على صلاته، حتى لم (¬4) يشتغل عنها طرفَةَ عينٍ، وسَلِم من الشيطان باجتهاده وتفريغه قلبه. وخرج مسلم فى حديث عثمان حديث (¬5) وكيع عن سفيان عن أبى النضر عن [أبى] (¬6) [أنسٍ] (¬7) عن (¬8) عثمان -[رضى الله عنه -: " توضأ بالقاعد ... " الحديث] (¬9) (¬10). ¬

_ (¬1) فى الأصل: أن. (¬2) سقط من ت. (¬3) من المعلم. (¬4) فى ت: ما. (¬5) فى المعلم: حديثاً عن. (¬6) ليست بالمعلم، وأبو النضر: هو سالم بن أبى أمية المدنى. (¬7) فى جميع النسخ: أنيس، والصواب ما أثبتناه، وهو مالك بن أبى عامر الأصبحى، جد مالك بن أنس. (¬8) فى المعلم: أن. (¬9) من المعلم. (¬10) سبق برقم (9) بالباب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قال بعضهم: قيل: وَهِم وكيعٌ فى قوله عن أبى أنسٍ (¬1)، وإنما هو أبو النضر عن بُسْر بن سعيدٍ عن عثمان، هكذا قال أحمد بن حنبل، قال الدارقطنى: هذا مما وهم فيه وكيع عن الثورى، وخالفه بقية أصحاب الثورى الحفاظ، ورووه عن الثورى، عن أبى النضر، عن بُسْر بن سعيد (¬2)، عن عثمان (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الهامش رقم (7) بالصفحة السابقة. (¬2) بسر بن سعيد المدنى، تابعى، مدنى، ثقة. مات وهو ابن ثمان وسبعين. (¬3) لفظ أحمد فيما رواه ابنه عنه فى العلل: إنما هو عن بُسْر بن سعيد 1/ 348.

(5) باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر

(5) باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر (¬1) 14 - (233) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ يَعْقُوبَ، مَوْلَى الْحُرقَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ". (15) - (...) حدّثني نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ". 16 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِى صَخْرٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ إِسْحَاقَ - مَوْلَى زَائِدَةَ - حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(6) باب ما يقال بعد الوضوء

(6) باب ما يقال بعد الوضوء (¬1) 17 - (234) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ - يَعْنِى ابْنَ يَزِيدَ - عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلانِىِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْر بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِى، فَرَوَّحْتُهَا بعَشِىٍّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ". قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ! فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَىَّ يقُولُ: الَّتِى قَبْلَهَا أَجْوَدُ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ. قَالَ: إِنِّى قَدْ رَأَيْتُكَ جِئتَ آنَفًا. قَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحِدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله فى حديث عقبة بن عامر: " فروَّحتها بعشىٍّ " يعنى: الإبل، أى جئت بها للمبيت، والمُراحُ موضع مبيت الماشية، بضم الميم. قال الإمام: وذكر مسلم [أيضاً فى باب ما يقال بعد الوضوء] (¬2) [فى سند هذا الحديث] (¬3): ثنا محمد بن حاتم، ثنا ابن مهدى، ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد، عن أبى إدريس، عن عقبة بن عامر، قال: وحدَّثنى أبو عثمان عن جُبير بن نفير عن عُقبة [ابن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل] (¬4). قال بعضهم: القائل [فى هذا الإسناد] (¬5): وحدثنى أبو عثمان هو معاوية بن صالح. وكتب ابن الحذَّاء فى نسخته: قال ربيعةُ بن يزيد: وحدَّثنى أبو عثمان عن جُبير، والذى أتى فى النسخ المروية عن مسلم كما ذكرناه أوَّلاً وهو الصواب، والذى كتب ابن الحذاء وهم. قال القاضى: هذا كلام أبى على الجيانى، وغيرهُ نصرَ رواية ابن الحذَّاء، وقال: ما بعده يُصحِّحُه، يريد قولَه بعد هذا: ثنا أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا زيد بن الحباب، ثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبى إدريس الخولانى وأبى عثمان، عن جبير ¬

_ (¬1) جاء عنوان هذا الباب عند النووى: باب الذكر المستحب عقب الوضوء. (¬2) من المعلم. (¬3) ليست من المعلم، ولعلها من القاضى فى نسخته. (¬4) و (¬5) من المعلم.

(...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلانِىِّ وَأَبِى عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْحَضْرَمِىِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحُدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن نفير، عن عقبة، وغيره على ظاهر هذا السياق، قال الجيانى: معاوية يقول هنا: وعن أبى عثمان، ومعاوية رواه عن ربيعة بطريقه وعن أبى عثمان بطريقه، وقد بُيِّن ذلك فى غير كتاب مسلم (¬1)، وعليه خرَّجه أبو مسعود الدمشقى. ¬

_ (¬1) أبو داود فى الطهارة 1/ 65، والنسائى كذلك فى الطهارة عن ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس وأبى عثمان عن جبير بن نفير، وليس فيه حديث عمر ولا قصة رعاية الإبل. وأبو عثمان قال أبو القاسم: وأظنه سعيد بن هانئ. راجع: تحفة الأشراف 7/ 304.

(7) باب فى وضوء النبى صلى الله عليه وسلم

(7) باب فى وضوء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 18 - (235) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى ابْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الأَنْصَارِىِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قِيلَ لَهُ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَعَا بِإِنَاء. فَأكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْه، فَغَسَلَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عبد الله بن زيد (¬1): " توضأ لنا وضوءَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": المُعَلِّمُ للوضوء والمتَعلِّمُ إذا نوى بذلك رفعَ الحدث أجزأهُ، فإن لم ينوه لم يُجزئه عند كل من يشترط النيَّة، وكذلك التيممُ على الأصل من اختلافهم فى النية فيه. [قوله] (¬2): " فدعا بإناءٍ فأكفأ منها على يديه ": أى أمالَه. وقوله: " فغسلهما ثلاثًا ": حجةٌ لابن القاسم فى اختياره فى غسل اليدين الإفراغ عليهما جميعاً، وبيانٌ لرواية مالك فى الموطأ فى قوله: " فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين مرتين " (¬3) ورَدٌّ لتأويل من تأوَّل بقوله: مرتين مرتين، إفراد كل يدٍ بالإفراغ، وهى رواية أشهب عن مالك (¬4) أنه استحب أن يُفرغ على يده اليمنى فيغسلها ثم يدخلها، ويَصبُّ بها على يُسْرَاه ولا حجة بهذه الرواية التى فى الموطأ لهذا المذهب، لأنه قال فيها: " فأفرغ على يديه "، ولم يقل على يده اليُمنى وحدَها، وقد اختلفت فيه رواية البخارى والرواية عنه، فروى عنه: " على يده " (¬5)، وروى: " على يديه " (¬6) وذكر ثلاثاً وذكر مرتين. قال الإمامُ: اختُلف فى غسل اليد قبل إدخالها [فى] (¬7) الإناء عند الوضوء، هل ذلك عبادةٌ أو مُعَلَّلٌ بالنظافة؟ فاحتج من قال: عبادةٌ بقوله: " ثلاثًا " قالوا: ولو كانت علته النظافة ما احتج إلى التكرار إذ [ذلك] (¬8) يحصل فى مرةٍ واحدة. وهذا الذى قالوه مثل ما احتج به أصحابُنا على الشافعى فى غسل الإناء من ولوغ الكلب، وأنه لو كان من النجاسة لأجزأت المرَّة (¬9)، واحتج من قال: إنهُ مُعَلَّلٌ بالنظافةِ بقوله: ¬

_ (¬1) باب فى وضوء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) لفظ الموطأ: " فأفرَغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين ". (¬4) راجع فتح القدير 1/ 16، الشرح الصغير 1/ 121، بداية المجتهد 1/ 10. (¬5) فى الوضوء، ب غسل الرجلين إلى الكعبين. (¬6) سبق فى ب صفة الوضوء وكماله برقم (4). (¬7) و (¬8) من المعلم. (¬9) حجة غير قائمة أمام قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا شرب الكلبُ فى إناء أحدكم فليغسله "، فذهب الشافعى، والأصحاب إلى أن الكلب بهذا نجسٌ، وإنما وردت العبادة فى غسل نجاسته سبعاً تعبداً، وتحصيل =

ثَلاثًا. ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1): " أن أحدكم لا يدرى أين باتت يدُه " (¬2)، فإذا (¬3) كان الجسدُ طاهراً فأكثر ما فى ذلك أن تنال أوساخُ بَدَنه (¬4) يديه (¬5). وفائدة الخلاف فى [هذه] (¬6) المسألة: هل يؤمَرُ المتوضئ بغسل يده وإن كانت نقيَّة؟ أو كان قد عرض له أثناء وضوئه (¬7) ما نقض طهارته هل يغسلها ثانيةً (¬8)؟ فمن جعل ذلك عبادةً أمرَ بالغسل فى الوجهين، ومن علل بالنظافةِ لم يرَ ذلك مأموراً به. قال القاضى: وعلى هذا أختلفت الرواية عن مالك فيمن أحدث بعد غسل يديه للوضوء، هل يعيدُ غسلهما أو لا؟ (¬9). وقوله: " ثم أدخل يَدَه فاستخرجها فمضمض واستنشق ": قيل: الحكمة فى تقديم ¬

_ = مذهب مالك أن التعبد إنما وردَ فى غسل الإناء الطاهر من ولوغ الكلب خاصةً من بين سائر الطاهرات. قال ابن عبد البر: وشبَّهه أصحابُنا بأعضاء الوضوء الطاهر تغسل عبادة!!! الاستذكار 2/ 208. قلتُ وشبهتهم فى ذلك قول كبشة بنت مالك الأنصارية فيما أخرجه مالك وأبو داود والترمذى والنسائى وأحمد والشافعى - أنها قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال - فى الهرة: " إنها ليست بِنَجَسٍ، إنما هى من الطوَّافين عليكم أو الطوافات " قالوا: فيه دليل على أن ما أبيح لنا اتخاذه فسؤره طاهر لأنه من الطوافين علينا - إذ معنى الطوافين علينا الذين يُداخلوننا ويخالطوننا، وقد أبيح لنا اتخاذ الكلب للصيد والغنم والزرع أيضاً، فصار من الطوافين علينا. قال ابن عبد البر: والاعتبار أيضاً يقضى بالجمع بينهما لعلة أن كل واحد منهما سبع يفترس ويأكل الميتة، فإذا جاء نصٌّ فى أحدهما كان حكمُ نظيره حكمه، ولما فارق غسل الإناء من ولوغ الكلب سائر غسل النجاسات كلها علماً أن ذلك ليس لنجاسةٍ، ولو كان لنجاسةِ سلك به سبيل النجاسات فى الإنقاء من غير تحديد. التمهيد 1/ 320، 321. وقد قال الشافعية والحنابلة: إن الكلب وما تولد منه نجس، ويعمل ما تنجَّس منه سبع مرَّات إحداهُنَّ بالتُّراب، لأنه إذا ثبتت نجاسةُ فم الكلب بنص الحديث، والفم أطيبُ أجزائه لكثرة ما يلهث فبقيته أولى. مغنى المحتاج 1/ 78، كشاف القناع 1/ 208، المغنى 1/ 52. وذهب الحنفية إلى أن الكلب ليس بنجس العين، ولعابه هو النجس فلا يقاس عليه بقية جسمه، فيغسل الإناء سبعاً بوُلوغه فيه. رد المحتار 1/ 192. (¬1) من المعلم. (¬2) أخرجه مالك فى الموطأ، ك الطهارة، ب وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة 1/ 21، وسيأتى إن شاء الله. وأكثر أهل العلم على أن الأمر هنا للندب لا للإيجاب. (¬3) فى المعلم: وإذا. (¬4) فى المعلم: أن تنال يده أوساخاً. (¬5) فى الأصل يده. (¬6) من المعلم. (¬7) فى المعلم: قد عرض له فى أثناء الوضوء. (¬8) فى المعلم: هل يؤمر بغسل اليد ثانية، وإن كان غسلها أولاً. (¬9) فقد قال ابنُ وهب فيما روى عن مالك فى المتوضى يخرُج منه ريحٌ لحدثان وضوئه ويده طاهرة: أن غسله ليده قبل أن يدخلها فى الإناء أحبَّ إلى، قال: وقد كان قبل ذلكَ يقول: إن كانت يده طاهرةً فلا بأس أن يدخلها الوضوء قبل أن يغسلها. الاستذكار 2/ 79.

ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدّثنى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاء، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ - هُوَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هاتين السَّنتين على فرضِ الوجه وهى منه اختبار رائحةُ الماء وطعمه مما عَسَاهُ يُغيِّره، إذ لونُه مُشاهَد بالعين، فجعل هذا أوَّلَ الوضوء لئلا يُبتدأ بما لا يجوز به. وقوله: " من كفٍّ واحدٍ، فعل ذلك ثلاثًا ": أى جمع بين الاستنشاق والمضمضةِ فى كفٍ واحد، وفعل ذلك ثلاثاً من ثلاث غرفاتٍ لا من كف واحد، كما بينه فى رواية ابن وهب بعد قوله: " فمضمض واستنشق واستنثَر (¬1) من ثلاث غرفات. وقد اختلف التأويل عن مالك (¬2) فى هذا، فقيل: إن استحبابه جمعُهما فى غرفَةٍ والإتيان بهما كذلك فى ثلاث غرفات، وقيل: بل الأولى عنده إفرادُها والإتيان بالمضمضة على النسق فى ثلاث غرفات، ثم الاستنشاق مثل ذلك لأنهما عضوان، فيأتى بهما فى ست غرفات، وفى كتاب أبى داود: " فرأيته يفصِلُ بين المضمضة والاستنشاق " (¬3)، وهذا يُبَيّن أنه لم يجمعهما فى غرفة، والقولان للشافعى (¬4)، وقيل: بل يغسلان معاً ثلاث مرات من غرفةٍ واحدةٍ، وقد روى الحديث البخارى من رواية سليمان [بن بلال] (¬5) قال: فمضمض واستنشق ثلاث مرات من غرفة واحدةٍ (¬6)، وهو محتمل لأن يكون جمعهما من غرفةٍ، لا أن فصلهُما ثلاثاً من غرفة، وعلى ظاهره فعل ذلك ثلاث مرات من غرفة واحدة فى المضمضة والاستنشاق. وقوله: " ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ": ظاهره أنه أدخل يده الواحدة فى الماء فأفرغ بها على اليسرى فغسل وجهَه، وهو أحد القولين عندنا، وأنه كذلك يفعل فى ¬

_ (¬1) الاستنثار هو دفع ما استنشقه من الماء بريح الأنف. (¬2) قال ابن عبد البر: ليس فى الموطأ حديث هنا بلفظ الاستنشاق، ولا يكون الاستنثارُ إِلَّا بعد الاستنشاق، ولفظ الاستنشاق موجود فى حديث أبى هريرة، وفى حديث أبى رَزينٍ العُقَيلى. الاستذكار 2/ 38، وانظر: السنن الكبرى 1/ 49، وانظر حديث أبى رزين فى سنن أبى داود، ك الطهارة، ب فى الاستنثار 1/ 35، والترمذى فى الطهارة ب فى تخليل الأصابع، وقال. " حسن صحيح " وفى الصوم، ب ما جاء فى كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم، وكذلك أخرجه النسائى فى الطهارة، ب الرخصة فى السواك للصائم، ب المبالغة فى الاستنشاق. وابن ماجه فى ب تخليل الأصابع، وأحمد فى المسند 4/ 211. (¬3) أبو داود فى الطهارة، ب الفرق بين المضمضة والاستنشاق (139). (¬4) راجع: المجموع للنووى 1/ 358. (¬5) سقط من ت. (¬6) البخارى فى صحيحه، ك الوضوء، ب من مضمض واستنشق فى غرفةٍ واحدة (191)، ولفظ الحديث هناك: " من كفَّةٍ واحدة "، وهى رواية أبى ذرٍّ كما ذكر الحافظ ابن حجر، وقال: " قال ابن بطال: المراد بالكفَّة الغرفة، قال: ولا يعرف فى كلام العرب إلحاق هاء التأنيث فى الكفِّ، ومحصله: أن المراد بقوله: " كَفة " فُعلة، لا أنها تأنيث الكف ". فتح 1/ 297.

بِلالٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَعْبَيْنِ. (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثًا. وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ كَفٍّ وَاحدَةٍ. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلهِ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدِّمِ رَأسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِى بَدَأَ مِنْهُ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. (...) حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو ابْنُ يَحْيَى، بِمِثْلِ إِسْنَادهِمْ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ مِنْ ثَلاثِ غَرَفَاتٍ. وَقَالَ أَيْضًا: فَمَسَحَ بِرَأسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً. قَالَ بَهْزٌ: أَمْلَى عَلَىَّ وُهَيْبٌ هَذَا الْحَدِيثَ - وَقَالَ وُهَيْبٌ: أَمْلَى عَلَىَّ عَمْرُو بْنُ يَحيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ جميع وضوئه. وقد ذكر البخارى هذا الحديث أيضاً هكذا (¬1) وزاد: " فاغترف بها "، وجاء فى بعض الروايات عنه: " يديه فاعترف بهما "، وهذه حجة لاختيار مالك فى هذه المسألة فى غسل وجهه، وكذلك الاختلاف عندنا، كذلك فى أخذ الماء لمسح الرأس، وفى مسلم: " ثم أدخل يديه فاستخرجهما فمسح برأسه "، وفى البخارى مثلُه فيه أيضاً: " يديه "، وفى رواية: " ثم أخذ بيديه ماءً فمسح برأسه " ففى كل رواية حجة لكل قول منهما. وقوله فى روايةِ وهيب: " فمسحَ برأسِه فأقبل به وأدبَر مرةً واحدةً ": يرفع الإشكال ويقطع التأَويل والخلاف فى تكرار المسح للرأس، ولم يأت تكرار مسح الرأس فى الصحيحين، وحكم الإقبال والإدبار عندنا حكم المسحة الواحدة ليُلاقى فى رَدّ يديه ما لم يلاقه من الشعر، وليباشِر من شعر الرأس ما لم يلاقِه فى الذهاب بهما أوَّلاً، والإقبال هنا معناه: أقبل إلى جهة قفاه، والإدبار رجوعُه، كما فسَّره فى الحديث بقوله: " بداء (¬2) من مقدم رأسه حتى يذهب بهما إلى قفاه ثم ردَّهما "، وقيل: المُراد أدبر وأقبل، والواو لا تعطى رُتبةً، ويُعضدها رواية وهيب فيه فى صحيح البخارى: " فأدبر بهما وأقبل " (¬3)، وهذا أولى مع [ثباته] (¬4) فى جميع الروايات بقوله: " بداء بمقدمة رأسه "، وقيل: معناه: ¬

_ (¬1) ب مسح الرأس كله (185)، وفى ب غسل الوجه باليدين من غرفةٍ واحدةٍ عن ابن عباس (140)، ولفظه: " أخذ غرفة من ماءٍ فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غَرْفة من ماء فجعل بها هكذا، أضافها إلى يدِه الأخرى فغسَل بهما وجهه " قال فيها الحافظ ابن حجر: " فيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة " فتح 1/ 291. (¬2) فى ت: يداه. وهو وَهْم. (¬3) بل لفظها: " فأقبل بهما وأدبر مرةً واحدة " ب غسل الرجلين إلى الكعبين، وكذلك فى رواية مالك عن عمرو بن يحيى ك الطهارة، ب العمل فى الوضوء (1)، وزاد بعدها: " بدأ بمقدَّمة رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاهُ، ثم ردَّهما إلى المكان الذى بدأ منه ". (¬4) فى الأصل: بيانه.

هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّتَيْنِ. 19 - (236) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمَرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ حَبَّانَ بْن وَاسِعٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِىَّ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلاثًا، وَالأُخْرَى ثَلاثًا، وَمَسَحَ بِرَأسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا. قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتدأ من الناصية مقبلاً إلى الوجه، ثم ردَّها إلى القفا، ثم رجع إلى الناصية. وهذه الأحاديث كلها فى مسح الرأس ظاهرها مسح عموم الرأس، وهو مفسِّرٌ للآية، وأن الفرض عمومه، وهو قول مالك - رحمه الله (¬1) - وفيها حجةٌ على من خالفه من أصحابه وغيرهم فى جواز تبعيضه على تشعّب مذاهبهم فى ذلك (¬2)، ولم يأت فى الحديث الصحيح ما يخالف هذا، ولإجماع الكل على فرض الاستيعاب فى بقيَّة الأعضاء المفروضة، وفيها دليل على أن الترتيب مشروع على ما جاء فى الآية، وفى فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون خلاف فى ذلك من الرواة والعلماءِ. ثم اختلفوا هل ذلك فرض أم لا؟ واختلفت الرواية عن مالك فى ذلك، والمشهور عنه أنه سنةٌ (¬3). وقوله: " ومسح بماءٍ " غير فضل يديه، هو السنة فى تجديد الماء لمسحِه، خلافاً للأوزاعى والحسن وعُروة فى تجويزهم ابتداءً بماء فضل يديه (¬4). ولم يأت فى شىء من هذه ¬

_ (¬1) وكذا الحنابلة، قالوا: يجب مسح جميع الرأس. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من مسح برأسه كله فقد أحسن وعمل أكمل ما يلزمه، وجمهورهم على أن من مسح رأسه مسحة واحدةً موعبةً كاملةً لا يزيدُ عليها، إِلَّا الشافعى فإنه قال: من توضأ ثلاثاً مسح رأسه ثلاثاً على ظاهر الحديث فى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ثلاثاً. قال: وكان مالكٌ يقول فى مسح الرأس: يبدأ بمقدّمِ رأسه ثم يذهبُ بيديه إلى مؤخره ثم يردهما إلى مقدمهِ، على حديث عبد الله بن زيد. قال: وهو أبلغَ ما سمعتُ فى مسح الرأس، وقال ابن عبد البر: وهو قول الشافعى فى أن حديث عبد الله بن زيد أحسن ما جاء فى مسح الرأس، وهو الذى ينبغى أن يُتمثَّل ويحمل عليه. الاستذكار 2/ 29. (¬2) ممن قال بذلك من أصحاب مالك أشهب وبعض المتأخرين. السابق 2/ 30. (¬3) وعنه فيما ذكره ابن عبد البر: أن الفرض مسح جميع الرأس، فإن ترك شيئاً منه كان كمن ترك غسل شىء من وجهه، ثم قال: هذا هو المعروف من مذهب مالك، وهو مذهب ابن علية. قال ابن عليَّة: قد أمر الله تعالى بمسح الرأس فى الوضوء كما أمر بمسح الوجه فى التيمم، وأمر بغسله فى الوضوء، وقد أجمعوا أنه لا يجوز غسلُ بعض الوجه فى الوضوء، ولا مسح بعضه فى التيمم. السابق. (¬4) وقد ذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون أنه قال: إذا نفَدَ الماءُ عنه مسح رأسه ببلل لحيته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث التسمية أوَّل الوضوء، لكن ذكر أبو داود والترمذى وأصحاب المصنفات حديث: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله " (¬1)، واختلف العلماء والمذهب فى ذلك، فمعظم أهل العلم أن التسمية غيرُ واجبةٍ، لا شىء على تاركها لكنها فضيلةٌ مستحبة، وهو مشهور قول مالك وقول الشافعى والثورى وأصحاب الرأى، وتأول بعضهم الحديث على نفى الكمال والفضيلة، وبعضهم على أن معناه ذكر القلب والنيَّة، وقال أحمد بن حنبل: لا أعلم فى هذا الباب حديثاً له إسناد جيّد، وذهب إسحاق إلى وجوبها وإعادة الوضوء على تاركه عمداً دونَ الساهى، وروى عن مالك إنكارُه، وقال: أيُريد أن يذبح؟!! وروى عنه أيضاً: من شاء قاله ومن شاء لم يقله، فحمله بعضهم على التخيير. ¬

_ (¬1) أبو داود فى الطهارة، ب التسمية على الوضوء عن أبى هريرة (101)، وكذا أخرجه الترمذى فى أبواب الطهارة، ب ما جاء فى التسمية عند الوضوء من حديث سعيد بن زيد (25).

(8) باب الإيتار فى الاستنثار والاستجمار

(8) باب الإيتار فى الاستنثار والاستجمار 20 - (237) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْن عُبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَبُلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا، وَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِى أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ ". 21 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ ليَنْتَثِرْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من استجمر فليوتر "، قال الإمام: قال الهروى فى قوله: " فإذا استجمرت فأوتر ": الاستجمار هو التمسح بالجمار، وهى الأحجار الصغار، ومنه سميت جمارُ مكة، وجمرتُ: رميت الجِمارَ (¬1). قال القاضى: قال ابن القصار (¬2) يجوز أن يقال: إنه أخذ من الاستجمار بالبخور والذى يُطيَّبُ به الرائحة، وهذا يزيل الرائحة القبيحة، وقد اختلف قول مالك وغيره فى معنى الاستجمار المذكور فى الحديث، فقيل هذا وقيل: هو فى البخور أن يجعل منه ثلاث قطع، أو يأخذ منه ثلاث مرات، يستعمل واحدةً بعد أخرى، والأوَّل أظهر (¬3). وقوله: " إذا توضأ أحدُكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر ": يدُل أنهما مشروعان كما تقدم، وهما عندنا سُنَّتان، وقد عدَّهما بعض شيوخنا سنةً واحدةً، وقال ابن قتيبة: الاستنشاق والاستنثار سواء، مأخوذ من النثرة وهو طرف الأنف، ولم يقل شيئاً، بل الاستنشاق من التنشّق وهو جذب الماء إلى الأنف بالنفس، والنشوق الدواء الذى يُصبُّ فى الأنف، والاستنثار من النثَرة وهو الطرحُ، وهو هنا طرح الماء الذى تَنَشّق قبل ليُخرجَ ¬

_ (¬1) قال الهروى: قال الأصمعى: فسَّر مالكٌ قوله: إذا استجمرت أنه الاستنجاء. قال. ولم أسمعه من غيره غريب الحديث 1/ 102. (¬2) هو على بن أحمد البغدادى القاضى أبو الحسن. قال فيه ابن فرحون: له كتابٌ فى مسائل الخلاف لا أعرف للمالكيين كتاباً فى الخلاف أكبرَ منه، كان أصولياً نظاراً، وقال فيه أبو ذر: هو أفقه من رأيتُ من المالكيين. توفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. الديباج المذهب 2/ 100. (¬3) وقد كان ابن عمر يستحب الوتر فى تجمير ثيابه تأسياً بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومستعملاً عموم الخطاب: التمهيد 18/ 226.

22 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى إِدْرِيس الْخَوْلانِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " منْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ ". (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يونَسُ عَنِ ابْنِ شِهَاب، أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلانِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولان: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 23 - (238) حدّثنى بشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مَنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ [ما تعلق به] (¬1) من قذر الأنف، وقد فرَّق بينهُما النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: " فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر "، وقد احتج بعضهم بأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهما على وجوبهما على المتوضى، وذلك عند أكثر العلماء على الندب، وإلى أنهما سنتان فى الوضوء والغسل ذهب مالك، وربيعةُ والأوزاعى، والشافعى (¬2)، وذهب الكوفيون إلى وجوبهما فى الغسل دون الوضوء، وذهب ابن أبى ليلى وغيره إلى وجوبهما فيهما، وذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور إلى وجوب الاستنشاق فيهما دون المضمضة بدليل هذا الحديث (¬3). وقوله: " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه ": الخيشوم أعلى الأنف، وقيل: الأنف كلُّه، يحتمل أن يكون هذا على الحقيقة؛ لأن الأنف أحدُ منافذ الجسم الذى يتوصل إلى القلب منها، لاسيَّما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه وسوى الأذنين، وفى الحديث: " إن الشيطان لا يفتح غلقاً " (¬4)، وجاء فى التثاؤب الأمر بكظمه (¬5) من ¬

_ (¬1) فى ت. به ما تعلق. (¬2) فقالوا: إنه لا فَرْض فى الوضوء واجبٌ إِلَّا ما ذكر الله فى القرآن، وذلك غسْلُ الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس وغسل الرجلين. التمهيد 18/ 225. (¬3) وهو قول داود فى الاستنثار خاصة، وقالوا: من تركها ناسياً أو عامداً أعاد الوضوء. الاستذكار 1/ 41. (¬4) سيأتى إن شاء الله برقم (97) من كتاب الأشربة. (¬5) البخارى فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه يرفعه: " التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءَبَ أَحدُكم فليُردَّه ما استطاع، فإنَّ أحدكم إذا قال: ها، ضحك الشيطان " ك بدء الخلق، ب صفة إبليس وجنوده (3289).

فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ ". 24 - (239) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْد اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أجل دخول الشيطان فى الفم حينئذ، أو يكون على طريق الاستعارة، فإن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم من القذارة وضد النظافة التى توافق الشيطان - وهى منه - وأمره بذلك إشارة إلى القيام للوضوء للصلاة، كما جاء فى الآية، وكما جاء فى غسل اليد قبل إدخالها الإناء، وقد جاء مبينًا فى غير كتاب مسلم: " فليتوضأ وليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " (¬1). وقوله: " من استجمر فليوتر: استدل به من يراعى فى المسأله العدد مع الإنقاء، وهى ثلاثة أحجار، وهو قول أبى الفرج وابن شعبان من أصحابنا، وقول الشافعى وأصحابِه، قالوا: وإذا لم يُعقل أنه أراد من الحديث الواحدة التى هى أول عدد الوتر فالمقصود ما زاد على ذلك، وأقلُّه بعدَه من الأوتار ثلاث مع قوله: " أوَ لا يجد أحدُكم ثلاثة أحجار " (¬2)، ومالك وجمهور أصحابه وأبو حنيفة لا يراعون العدَد، وإنما يراعُونَ الإنقاء وحدَه، وحجتُهم أقلُ ما يقع عليه اسم وترٍ، فإذا حصل بواحدةٍ كفى، فإن حصل باثنتين فما زاد أوتر استحباباً، ومعنى ذكر الثلاث على ما جرت به العادة فى الانقاءِ أو على الاستحباب، وإن حصل الإنقاء بدونها، أو على أن واحدةٍ لكل جهةٍ، والثالثةُ للوسط (¬3)، وسيأتى الكلام على الاستجمار بعد هذا. ¬

_ (¬1) لفظ البخارى عن أبى هريرة يرفعه: " إذا استيقظ - أُراه أَحَدُكم - من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً، فإنَّ الشيطان يبيتُ على خيشومه " ك بدء الخلق، ب صفة إبليس وجنوده (3295). قال الحافظ فى الفتح " إن ظاهر الحديث أن هذا يقع لكل نائم، ويحتمل أن يكون مخصوصاً بمن لم يحترس من الشيطان بشىء من الذكر لحديث أبى هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال: لا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير فى يوم مائة مرة، كانت له عدْل عشر رقاب، وكتبت له مائةُ حسنةٍ، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرْزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسى " وكذلك آية الكرسى، وفيه: " لا يقربك شيطان "، ويحتمل أن يكون المراد بنفى القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذى يوسوس فيه وهو القلب، فيكون مبيته على الأنف ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ، فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة ". فتح 6/ 395. (¬2) وحجتهم فى ذلك حديث سلمان. نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو نستنجى بأيماننا ونكتفى بأقلَّ من ثلاثة أحجار. (¬3) فإن الاستنجاء عندهم ليس بواجب. فالوتر فيه أحرى بألا يكون واجباً. التمهيد 11/ 17.

(9) باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما

(9) باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما 25 - (240) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى شَدَّادٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ تُوُفِّىَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ، فَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَبِى بَكْرٍ فَتَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَقَالَتْ: يَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " وَيْلٌ للأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ ". (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ: أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ. فَذَكَرَ عَنْهَا، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةَ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَوْ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ويلٌ للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء " (¬1)، وأنَّ رَجُلاً لم يغسل عقبه فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له ذلك، وأن رجلاً ترك موضع ظُفرٍ على قدميه فقال له: " ارجع فأحسن وضوءك ": كله دليلٌ على أَنَّ فرض الرجلين الغسل دون غيره، وهو مذهب أئمة الفتوى، وذهب ابن جرير وداود إلى التخيير لاختلاف القرائتين فى الآية، والوعيد لا يتعلق إِلا بترك فرض، وشأن المسح التخفيف، وقراءة النصب مفسِّرةً لقراءة الخفض، إذ الخفض على الجوارِ (¬2)، ولأن فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها الغسل فى جميع أحاديث وضوئه؛ ولأن الإسباغ معناه تمام الوضوء وتبليغه حدوده، والثوب السابغ الكامل. ¬

_ (¬1) حديث رقم (26) بالباب. (¬2) يعنى الجوار اللفظى. قال ابن عبد البر: وقد وجدنا العرب تخفض بالجوار والاتباع على اللفظ بخلاف المعنى، والمراد عندها المعنى، كما قال امرؤ القيس: كبيرُ أناسٍ فى بِجادٍ مُزَمَّل فخفض بالجوار، وإنَّما المزمِّل الرجُل، والإعراب فيه الرفع، كما قالت العربُ: هذا جُحْر ضبٍّ خَرِبٍ. قال: ومن هذا قراءة أبى عمرو. {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٍ} [الرحمن: 35] لأن النحاس هو الدخان، وقراءة يحيى بن وثاب: {ذُو الْقوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] بالخفض.

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِى سَالِمٌ مَوْلَى الْمَهْرِىِّ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ فِى جَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، فَمَرَرنَا عَلَى بَابِ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ عَنْهَا، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِثْلَهُ. (...) حدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنِى نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ؛ قَالَ: كُنْتُ أَنَا مَعَ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا. فَذَكَرَ عَنْهَا، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 26 - (241) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِى يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ، تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّؤُوا وَهُمْ عِجَالٌ. فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهَمْ، وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ. فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى بعض طرق هذا الحديث: " ونحن نمسح على أرجُلنا " بمعنى ما فى الآية المراد به الغسل بدليل سائر الروايات (¬1). وقوله: " لم يغسل عقبه ". لا على ما أشار إليه بعضُهم أنه دليلٌ على أنهم كانوا يمسحون فنهاهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك وأمرهم بالغسل، قال: ولأنه لو كان غُسلاً لأمرهم بالإعادة لما صلوا، وهذا لا حجة فيه لقائِلِه لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أعلَمهم أنهم مستوجبون النار على فعلهَم بقوله: " ويل للأعقاب من النار "، ولا يكون هذا [إِلَّا] (¬2) فى الواجب، وقد أمرهم بالغسل بقوله: " أسبغوا الوضوء " ولم يأت أنهم صلوا بهذا الوضوء، ولا أنها كانت عادتهم قبل فيلزم (¬3) أمرهم بالإعادة (¬4). وقوله: " ويلٌ للأعقاب من النار " أى أنها المُعذَّبةُ التى تُصيبها النار، أو أن بسبب تركها يُعذَّبُ صاحُبها، أو تُعذَّبُ هى من جملة الرجل المغسولة، وأن مواضع الوضوء لا يمسَّهُ النار كما جاء فى أثر السجود أنه يحرم على النار. وإلى هذا ذهب أحمد بن نصر (¬5). ¬

_ (¬1) وقد يراد بالمسح الغسل من قول العرب: تمسَّحتُ للصلاة، والمراد الغسل. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) فى ت: فلزم. (¬4) فى ت: بالوضوء. (¬5) هو أبو عبد الله أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعى المروزى ثم البغدادى، كان قوَّالاً بالحق أماراً بالمعروف، سمِع من مالك وحماد بن زيد، وهشيم، وابن عيينة، وكان يحيى بن معين يترحَّمُ عليه، قتل فى خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن عام واحد وثلاثين ومائتين. سير 11/ 66، تاريخ بغداد 5/ 173.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْلٌ للأَعْقَابِ منَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بَهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ: " أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ " وَفِى حَدِيثِهِ، عَنْ أَبِى يَحْيَى الأَعْرَجِ. 27 - (...) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفْ بْنِ مَاهكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَال: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ حَضَرَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى: " وَيْلٌ للأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والأعقاب مؤخر الأقدام واحدها عقِب، وعقب بكسر القاف وسكونها، وعقب كل شىء آخره، وجاء فى الحديث الآخر: " العراقب " وهو فى معناه (¬1)، والعُرقوب: العصَبةُ فى مؤخر الرجل فوق العقب وأعلاه. وقوله: " وقد حضرت العصرُ ": أى حان وقت صلاتها، يقال بفتح الصاد، وجاء بكسرها أيضاً. وقوله: " ويلٌ ": هى كلمة تقال لمن وقع فى هلكة (¬2)، وقيل لمن يستحقها، [وقيل: هى المهلكة، وقيل: المشقةُ من العذاب، وقيل: الحُزن] (¬3) وقيل: ويل وادٍ فى جهنم. وجاء فى هذه الأحاديث ذكرُ الغسْل للأعضاء وهو يشعر بمرِّ اليد مع الماء. وقد فرقت العرب بين الغسل والغمس والمسح والصب والنضح [والنضخ] (¬4)، [وذلك] (¬5) شرط ¬

_ (¬1) سيأتى برقم (29) بالباب. (¬2) فى ت: تهلكة. (¬3) سقط من ت. (¬4) من الأصل. والغمس هو: إرسابُ الشىء فى الشىء السيال، والمسح هو: إمرارك يدك على الشىء السائل أو المتلطخ تريد إذهابه، والصبُّ الإراقة، والنضحُ هو: الرش، والنضخ دونه، وقيل: هو ما كان على غير اعتماد، والنضح ما كان على اعتماد. لسان العرب. (¬5) لعلها: والدَّلك، أو لعله يرجع إلى مر اليد مع الماء.

28 - (242) حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامٍ الجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِى ابْنُ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ فَقَالَ: " وَيْلٌ للأَعْقَابِ مِنْ النَّار ". 29 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّؤُونَ مِنْ الْمِطْهَرَةِ، فَقَالَ: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، فَإِنِّى سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " وَيْلٌ لِلعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ ". 30 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْلٌ للأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عندنا فى مشهور مذهبنا خلاف ما ذهب إليه أبو الفرج (¬1) ومحمد بن عبد الحكم ورواه الطَاطِرى عن مالك فى سقوط وجوب الدلك، وحكى الطبرى أن الغسل يقع على ما لم تَمُرّ عليه اليد، وهو مذهب الشافعى وغيره (¬2). وفى صفة فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البداءة بالوجه وترتيب الأعضاء على نسق القرآن، ولم يُروَ خلاف هذا عنه فاستدل به من يرى الترتيب واجباً، وهو مذهب الشافعى وأهل الحديث، واحتجوا بقوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (¬3)، و {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة} (¬4)، وقول ¬

_ (¬1) أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، مولى عبد العزيز بن مروان، كان قد رحل إلى المدينة ليسمع من مالك فدخلها يوم مات، وصحب ابن القاسم وأشهب وابن وهب، سمع منهم وتفقه معهم. قال أبو أحمد الجرجانى: كان كاتب ابن وهب. وقال اللالكائى: كان وراقه وأخصَّ الناس به. روى عنه الذهلى، والبخارى، وأخرج عنه، ويعقوب بن سفيان. توفى سنة أربع وعشرين ومائتين. ترتيب المدارك 4/ 17 - 22. (¬2) ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن دلك الأعضاء فى الغسل سنة وليس بفرض، لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبى ذر فيما أخرجه أبو داود والترمذى واللفظ لأبى داود: " فإذا وجدت الماء فأمسَّه جلدك "، وقال فيه الترمذى: " حديث حسن صحيح ". فلم يأمره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزيادة، ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآتى لمسلم لأم سلمة: " إنما يكفيك أن تُحثى على رأسِك ثلاث حثيَّات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين "، ولأنه غُسْلٌ فلا يجب إمرارُ اليد فيه كغسل الإناء من ولوغ الكلب. وذهب المالكية والمُزْنى من الشافعية إلى أن الدلك فريضة من فرائض الغسل، واحتجوا بأن الغسل هو إمرارُ اليد، ولا يقال لواقف فى المطر: اغتسل، وقال المزنى: ولأن التيمم يشترط فيه إمرار اليد فكذا هنا. وقال المالكية: هو واجب لنفسه لا لإيصال الماء للبشرة، فيعيد تاركه أبداً، ولو تحقق وصول الماء للبشرة لطول مكثه مثلاً فى الماء. راجع حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 1/ 134، والمجموع 2/ 185، وكشف القناع 1/ 153. (¬3) الحج: 77. (¬4) البقرة: 158.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نبدأ بما بدأ الله به " (¬1) وأن الواو أتت هاهنا للترتيب، وإلى هذا ذهب من أصحابنا محمد بن سلمة وأبو مصعب (¬2)، وحكاه عن أهل المدينة، وهو ظاهر إحدى روايتى علىِّ بن زيادٍ عن مالكٍ، وذهب معظم الصحابة والسلف: أن ذلك ليس بفرض، وهو مشهور قول مالك وهو قول الكوفيين وجماعة من العلماء، ومذهب مالك أن الترتيب سنة، وأصل الواو أنها لا تقتضى ترتيباً إِلَّا بقرينة من غيرها ودليلٍ سواها، فالواو لو كانت تقتضى الرتبة لا احتاج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُبيِّن البداية بالصفا، وأنَّ علتها التبرك بما بدأ الله به، وفعل النبى يدلُّ أنَّه سنة، لكن إنما يُرى عند (¬3) مالك فى المفروض لا المسنون، فيجعله يُكرِّرُ ما قدَّم من الفروض دون المسنون ويغسل ما بعدَه فى القرب (¬4). واختلف فى البعد عندنا فى العامِدِ لذلك هل يُعيد الوضوءَ أو لا شىء عليه؟ وهل يُعيدُ ما صَلَّى أو لا؟ وفى الناسى هل يعيدُ ما قدَّم لا غير أم يعيده وما بعده؟ وكذلك لم يُذكر فى هذه الأحاديث مسح الأذنين، وفى طىِّ ذكرها دليلٌ لمالك أنهما من الرأس (¬5)، ¬

_ (¬1) أبو داود فى المناسك، ب صفة حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1905)، ومالك فى الموطأ ك الحج، ب البدء بالصفا فى السعى (126). (¬2) هو الإمام الثقة شيخ دار الهجرة أبو مصعب أحمد بن أبى بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب، لازم مالك بن أنس، وتفقه به، وسمع منه الموطأ، وأتقنه عنه، احتج به أصحاب الصحاح، وآخر شىء روى عن مالك من الموطآت موطأ أبى مصعب، وموطأ أحمد بن إسماعيل السهمى، وفى هذين الموطأين نحَوٌ من مائة حديث زائدة، وهما آخر ما روى عن مالك، وفى ذلك دليل على أنه كان يزيد فى الموطأ أحاديث كل وقت كان أغفلها ثم أثبتها. تذكرة الحفاظ 2/ 60، سير 11/ 472. قال أبو مصعب: من لم يتوضأ على ترتيب الآية فعليه الإعادة لما صلى بذلك الوضوء. الاستذكار 2/ 61. (¬3) فى الأصل: عنه. (¬4) الترتيب فى اللغة: هو جعل كل شىء فى مرتبته، واصطلاحاً: هو جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد ويكون لبعض أجزائه نسبةٌ إلى البعض بالتقدم والتأخر. كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 527. والترتيب فى أعمال الوضوء فرض عند الشافعية والحنابلة لأنها وردت فى الآية مرتبة، قال الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. ولأن إدخال الممسوح - وهو الرأس - بين المغسولات - يعنى الأيدى والأرجل - قرينة على أنه أريد به الترتيب، قالوا: فالعرب لا تقطع النظير عن النظير إِلَّا لفائدة، والفائدة هنا الترتيب. قليوبى 1/ 50، المغنى 1/ 137. وهو مذهب أبو عبيد القاسم بن سلام، وإسحاق بن راهويه، وأبى ثور. وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم وجوب الترتيب فى الوضوء، بل هو سنة عندهم. ابن عابدين 1/ 83، المنثور للزركشى. (¬5) ذهب مالك وأصحابه إلى أن الأذنين من الرأس، إِلَّا أنه يستأنف لهما ماءٌ جديدٌ سوى الماء الذى مسح به الرأس. وبذلك قال أحمد بن حنبل. وقال الشافعى كقول مالك، قال: يستأنفُ للأذنين الماءُ ولا يمسحان مع الرأس، إِلَّا أنه قال: هما سُنَّةٌ على حيالهما، لا من الوجه، ولا من الرأس، كالمضمضة والاستنثار. واحتج مالك والشافعى بأن عبد الله بن عمر كان يأخذ لأذنيه ماء غير الماء الذى مسح به رأسه. واحتج مالك والشافعى بإجماع القائلين بعموم مسح الرأس، إِلَّا أنه لا إعادة على من صلَّى ولم يمسح أذنيه، وبإجماع العلماء على أن الحاج لا يحلق ما عليهما من الشعر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه ذكَر مسح الرأس من مقدمِه إلى مُؤخِرِه فحصلت الأذنان فى جملته، ولم يأت فى هذه الأحاديث تخليل اللحية، كما جاء تخليل شعر الرأس فى الغسل فدل أنه غير مشروع، وبهذا احتج مالك على عيْب التخليل فى الوضوء، وهو مشهور قوله (¬1)، وقوله الآخر قاله ابن عبد الحكم، ويرى تخليلها فى الوضوء كالغُسل. ذكر فى حديث محمد بن حاتم وأبى معن الرقاشى عن عمر بن يونس ثنا عكرمة بن عمَّارٍ ثنا يحيى بن أبى كثير حدثنى أو حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ثنا سالم مولى المهرِى قال: خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبى بكر فى جنازة سعد بن أبى وقاص ... الحديث. قال البخارى: قول عكرمة: سالم مولى المهْرِى خطأ، والصواب سالم مولى شداد ابن الهادِ (¬2)، وكذا ذكره مسلمٌ فى الحديثين قبل هذا، وفى حديث سلمة بن شبيب بعْدُ. ¬

_ = وقال أبو حنيفة وأصحابه والثورىُّ. الأذنان من الرأس، يُمْسَحان مع الرأس بماءٍ واحدٍ، ورُوى عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين مثل هذا القول، ومن حجتهم حديث الصنابحى الذى أخرجه مالك والنسائى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا توضأ العبدُ المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسَل وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه، حتَّى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه، حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاتُه نافِلَة له ". وكذلك حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: " توضأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأدخل يده فى الإناء فاستنشق ومضمض مرةً واحدةً، ثم أدخل يده فصب على وجهه مرةً وصبَّ على يديه مرةً ومسح رأسه وأذنيه مرةً واحدة " البخارى، ك الطهارة، ب الوضوء مرة مرةً، قالوا: ومعلومٌ أن العمل فى ذلك بماءٍ واحد وقال ابن شهاب الزهرى: الأذنان من الوجه، لأنهما مما يواجهك ولا ينبُتُ عليهما شعر الرأس. وما لا ينبتُ عليه شعر الرأس فهو من الوجه إذا كان فوق الذقن ولم يكن قفا، وقد أمر الله بغسل الوجهِ أمراً مطلقاً، وكل ما واجهك فهو وجه ومن حجته - أيضاً - قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سجوده: " سجَدَ وجهى للذى خلقه وشقَّ سمعه وبصره "، قال: فأضاف السمع إلى الوجه. الاستذكار 2/ 195. (¬1) فى الحديث الذى أخرجه مالك فى الموطأ ك الطهارة، ب العمل فى غسل الجنابة (67) والشيخان عن عائشة، " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم توضَّأ كما يتوضَّأ للصلاة ثم يدخِل أصابعه فى الماء فيخلِّل بها أصول شعره، ثم يَصُبُّ على رأسه ثلاثَ غرَفات بيديه، ثم يُفيضُ الماءَ على جلدِه كله ". قال ابن عبد البر: " اختلف قولُ مالك فى تخليل الجنب لحيتَه فى غُسْلِه، فرَوى ابن القاسم عنه أنه ليس ذلك عليه، وروى أشهب أن عليه أن يُخلِّل لحيته من الجنَابَةِ، وذكر ابن عبد الحكم عن مالكٍ قال: هو أحبُّ إلينا. قال: وحديث عائشة يشهدُ بصحَّة قولِ من رأى التخليل فى ذلك، لأنه بيانٌ منه - عليه السلام - لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] " الاستذكار 3/ 62. (¬2) هو سالم أبو عبد الله مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصرى، وهو سالم سبلان المدنى، قال البخارى: ويقال: سالم مولى شداد النصرى، وهو مولى دوس. التاريخ الكبير 2/ 2/ 109.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه: " كُنْتُ أنا مع عائشة .. " الحديث، كذا صوابه، وكذا عند أبى بحر والقاضى أبى علىٍّ من شيوخنا، ووقع عند ابن أبى جعفر عن الطبرى وفى كتاب أبى عبد الله بن عيسى: " كنت أتابع عائشة " (¬1). ¬

_ (¬1) وقد نقل البخارى عن محمد بن عبد الرحمن أن أبا عبد الله مولى شداد بن الهاد حدَّثه أنه دخل على عائشة فقالت: سمعتُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويلٌ للأعقاب من النار "، ثم أسند إلى بكير أن أبا عبد الله شيخاً بالمدينة لا أعلم شيخاً أكبر منه. التاريخ الكبير 2/ 2/ 110.

(10) باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة

(10) باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة 31 - (243) حدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ. فَأَبْصَرَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ " فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الذى ترك موضع ظفر قَدمِه: " ارجع فأحسن وضوءك ": دليلٌ على استيعاب الأعضاء وغسل الرجلين، وأن تارك بعض وضوئه جهلاً أو عمداً يستأنفه، لقوله: " فتوضأ "، ولم يقل: فغَسل ما نسى. وقوله له: " أحسن وضوءك " ولم يقل: اغسل ذلك الموضع، وفيه حجة للموالاة.

(11) باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء

(11) باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء 32 - (244) حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَس، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوْ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيهِ مَعَ المَاءِ (¬1) - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاء - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطْشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاء - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن ": هو - والله أعلم - شكٌّ من الراوى وفيه دليل على تحرى المجىء بلفظ الحديث لتحريه هذا، وإن كانا متقاربين فى المعنى، لا سيما هُنا. وقوله: " فغسل وجهَه خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر بعينه مع الماء ": تقدَّم، وأنه على جهة الاستعارة، لغفرانِها معَه لأنها ليست بأجسامٍ فتخرج ولا هى كامنةٌ فى الجسم فتخرج. وذكر هنا من حديث [أبى صالح] (¬2) عن أبى هريرة من رواية مالك خروج خطايا الوجه وسائر خطايا الأعضاء منها ولم يذكر من حيث تخرج، من مسامِّها، إِلَّا قوله فى حديث عثمان: " حتى تخرج من تحت أظفاره "، وقد وقع فى الموطأ مفسراً خروجها عند المضمضة من فيه، وعند الاستنشاق خروجها من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، وفى يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، وفى رأسه حتى تخرج من أذنيه، وفى رجليه حتى تخرج من أظفار رجليه "، فعلى ما فى كتاب مسلم يتأول أن المغفور له بالوضوء الخطايا المختصة بأعضاء الوضوء، ولكن قوله فى أخرى: " حتى يخرج نقياً من الذنوب " ظاهره العموم، ¬

_ (¬1) معنى " نظر إليها ": أى إلى سببها، من إطلاق المسبب على السبب، وكذا فى البواقى، وتخصيص العين وفى الوجه غيرها كالفم والأنف لأن خيانة العين أكثرها فإذا خرج الأكثر خرج الأقل، فالعين كالغاية لما يعفى، وقيل: لأن العين طليعة القلب ورائده، فإذا ذكرت أغنت عن غيرها. إكمال 2/ 24. (¬2) سقط من ت.

33 - (245) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِىٍّ الْقَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِىُّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى نَخْرُج مِنْ تَحْتِ أَظَفَارِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل الخصوص لما ذكرنا، أو يكون العُموم بقرائن من الإخلاص والإحْسَان، واستدل بعضُهم من هذا الحديث على ترك الوضوء بالماء المستعمل، وسُمى المستعملُ ماء الذنوب لهذا الحديث (¬1)، وهذا ضعيف لما تقدَّمَ، وأطلق أبو حنيفة عليه النجاسة، وعندنا فى استعماله وجهان، واختلف فى التأويل عن مالك فى النهى عن الوضوء به هل هو على الكراهة أو عدم الإجزاء؟ وقد وقع له يتيمم من لم يجد سواه (¬2) وتأويل هذا - أيضاً - على ظاهره أو على الجمع بينهُ وبين التيمُّم، وفى حديث الموطأ حجةً لنا أن الأذنين من الرأس لتخْصيصه إضافة خروج خطاياه إليها ولم يضفه إلى الوجه كما خَصَّ خطاياه كُلِّ عضو ببعضِه، وردٌّ على من ذهب إلى أنهما يغسلان مع الوجه. وقال مُسلِم: " ثنا محمد بن معمرُ بن ربعى القيسى، ثنا أبو هشام (¬3) المخزومى عن عبد الواحد [بن زيادٍ] (¬4) " كذا لابن عيسى والشنتجالى، وعند سائر شيوخنا والرواة: أبو هاشم (¬5)، [والأول الصوابُ] (¬6)، وقال البخارى فى تاريخه: أبو هشام المخزومى اسمه المغيرة بن سلمة البصرى (¬7) سمِع عبد الواحد بن زياد، وكذا كنَّاه عبد الغنى بن سعيد، وفى كتاب القاضى أبى الوليد الباجى: أبو هاشم مصلح. ¬

_ (¬1) عزاه ابن عبد البر إلى الثورى. الاستذكار 2/ 199. (¬2) قال ابن عبد البر: اختلف الفقهاء فى الوضوء بالماء المستعمل، وهو الذى قد تُوُضى به مرَّةً. فقال الشافعى وأبو حنيفة وأصحابهما: لا يتوضأ به، ومن توضَّأ به أعادَ، ليس بماء مطلق، وعلى من لم يجد غيره التيمم؛ لأنه ليس بواجدٍ ماءً. وهو قول الأوزاعى. قال: وقد رُوى ذلك - أيضاً - عن مالك أنه يجوز التيمم لمن وجد الماء المستعملِ ثم قال: وأما مالك فقال: لا يتوضأ به إذا وجد غيرَه من الماء، ولا خيرَ فيه. ثم قال: إذا لم يجد غيره توضَّأ به ولم يتيمم، لأنه ماءٌ طاهرٌ، ولم يغيرِّهُ شىء. وقال أبو ثور وداود: الوضوءُ بالماء المستعمل جائزٌ؛ لأنه ماءٌ طاهرٌ، لا ينضافُ إليه شىءٌ فواجبٌ أن يكون مطهِّراً كمَا هو طاهر؛ لأنه إذا لم يكن فى أعضاء المتوضِّئ به نجاسةٌ فهو ماءٌ طاهرٌ بإجماع. قال: وقد روى عن علىٍّ وابن عمر، وأبى أمامة، وعطاء بن أبى رباح والحسن البصرى، وإبراهيم النخعى، ومكحول، وابن شهاب أنهم قالوا فيمن نسى مسح رأسه فوجد فى لحيته بللاً أنه يجزئُه أن يمسح بذلك البلل رأسه. وقال بذلك بعض أصحاب مالكٍ، فهؤلاء على هذا يجيزون الوضوء بالماء المستعمل. الاستذكار 2/ 199. (¬3) فى ت: أبو هاشم. (¬4) سقط من ت. (¬5) فى ت: أبو هاشم المخزومى، وكأنه كرر الأولى. (¬6) سقط من ت. (¬7) التاريخ الكبير 7، الترجمة 1404، وانظر: التاريخ الصغير له 2/ 288، الجرح والتعديل، الترجمة 1003، وابن حبان فى الثقات 9/ 169. روى له البخارى فى الأدب واستشهد به فى الصحيح، وروى له الباقون.

(12) باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء

(12) باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء 34 - (246) حدّثنى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَالقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ دِينَارٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنُ بِلالٍ، حَدَّثَنِى عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ الأَنْصَارِىُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ؛ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِى العَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِى الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِى السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِى السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ ". 35 - (...) وحدّثنى هَارْوَنُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنتم الغُرُّ المحجَّلوُن يوم القيامة "، وقوله: " تردون علىَّ غُراً محجلين من أثر الوضوء "، قال الإمام: قد استوفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قوله: " غُراً محجلين " جميع أعضاء الوضوء؛ لأن الغُرَّة بياضٌ فى جبهة الفرس، والتحجيل بياض فى يديه ورجليه، فاستعار للنور الذى يكون بأعضاء الوضوء يوم القيامةِ اسم الغُرَّةِ، والتحجيل على جهة التشبيه. قال الهروى: روى عن أبى عمرو بن العلاء فى تفسير غُرَّة الجنين أنه لا يكون إِلَّا الأبيض من الرقيق (¬1)، قال: وأما الأيامُ الغُرّ التى روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صومُها فهى البيض. قال القاضى: وقوله: " ليست لأحدٍ غيركم " قال غير واحدٍ من أهل العلم: إن الغُرَّة والتحجيل مما اختصت به هذه الأمة، وهذا الحديث يدل على ذلك، ولقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بها يعرفُ أمَّته من غيرها ". وقوله: " لو كانت لرجُلٍ خيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ فى خيل دُهْمٍ بهْمٍ، إِلَّا يعرف خيلَهُ؟ " قال: الأصيلى وغيره: هذا الحديث يدلُّ أن الوضوء مما اختصت به هذه الأمة (¬2)، ¬

_ (¬1) غريب الحديث 1/ 176، وقد ذكر أن الغرة عبد أو أمة، وأما قصره على الأبيض من الرقيق ففى الفائق 3/ 353 مروياً عن أبى عمرو بن العلاء. (¬2) ويؤكده حديث أبى هريرة الآتى برقم (36) بالباب " لكم سيما ليست لأحد من الأمم ".

(57) باب صلاة الخوف 305 - (839) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَن سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ العَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِى مَقَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث صلاة الخوف قال الإمام: اختلفت الأحاديث فى هيئة صلاة الخوف، فذكر ابن عمر - رضى الله عنهما - هذه الهيئة المذكورة هنا، وروى صالح بن خوَّات غيرها، وروى جابر هيئة أخرى، وأحسن ما ثبتت عليه هذه الأحاديث المختلفة أن تحمل على اختلاف أحوال أدى الاجتهاد فى كل حالة إلى إيقاع الصلاة على تلك الهيئة، أحصن وأكثر تحرزاً وأمناً من العدو، ولو وقعت على هيئة أخرى لكان فيها تفريط وإضاعة للحزم، وقد أنكر أبو يوسف أن يعمل بصلاة الخوف بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورآها من خصائصه واعتدَّ بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاة} (¬1)، فعلَّق فعلها بكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم، فإذا لم يكن فيهم لم تكن، ورأى غيره من أهل العلم أن الآية خرجت مخرج التعليم لهيئة الصلاة، ولم يقصد بها قصرها على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما افتتحت بخطاب المواجهة؛ لأنه هو المبّلغ عن الله تعالى ما يقول، قد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلو كما رأيتمونى أصلى " (¬2)، وعموم هذا الخبر يرد على أبى يوسف (¬3)، وقد صُليت فى الصحابة بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واختلف فقهاء الأمصار فى المختار من الهيئات الواردة فى الآثار، فأخذ مالك برواية صالح بن خَوَّات التى رواها عنه فى موطئه (¬4)، وأخذ الشافعى وأشهب من أصحاب مالك ¬

_ (¬1) النساء: 102. (¬2) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة (631)، وفى ك الأدب، ب رحمة الناس والبهائم (6008)، أحمد فى المسند 5/ 53، الدارمى ك الصلاة، ب من أحق بالإمامة 1/ 286. (¬3) وقد نقل ابن عبد البر عنه وعن ابن علية أنه لا تصلى صلاة الخوف بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإمام واحد، وإنما تصلى بإمامين، يصلى كل إمام بطائفةٍ ركعتين، واحتجوا بقول الله عز وجل: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِم}، قالوا: فإذا لم يكن فيهم النبى - عليه السلام - لم يكن ذلك لهم؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس كغيره فى ذلك، ولم يكن من أصحابه من يؤثر بنصيبه منه غيره، وليس أحد بعده يقوم فى الفضل مقامه، والناس بعده تستوى أحوالهم أو تتقارب، فلذلك يصلى الإمام بفريق منهم ويأمر من يصلى بالفريق الآخر، وليس بالناس اليوم حاجة إلى صلاة الخوف إذا كان لهم سبيل أن يصلوها فوجاً فوجاً. التمهيد 15/ 280. (¬4) ك صلاة الخوف، ب صلاة الخوف 1/ 183.

النَّاسُ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ، لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَدٍ مِنْ الأمَمِ، تَرِدُونَ عَلَىَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ ". 37 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى - وَاللَّفْظُ لِوَاصِلٍ - قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فَضَيْلٍ عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرِدُ عَلَىَّ أُمَّتِى الْحَوْضَ. وَأَنَا أَذودُ النَّاسَ عَنْهُ. كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ ". قَالُوا: يَا نَبِىَّ اللهِ، أَتَعْرِفُنَا؟ قَالَ: " نَعَمْ. لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُم. تَردُونَ عَلَىَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ. وَلَيُصَدَّنَ عنِّى طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلا يَصِلُونَ، فَأَقُولُ: يَارَبِّ، هَؤُلاءِ مِنْ أَصْحَابِى. فَيُجِيبُنِى مَلَكٌ فَيَقُولُ: وَهَلْ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ ". 38 - (248) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ حَوْضِى لأَبْعَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى أن المراد بالغُرةِ الحجلَة إذ لم يجد سبيلاً إلى الزيادة فى الوجه. وقوله: " ليست سيما لأحدٍ غيركم ": السيما مقصورةٌ وممدودة، والسيما ممدودة (¬1) العلامة، قال الله تعالى: {سِيمَاهمْ فِي وُجُوهِهِم} (¬2) ومعنى قوله: " حتى أشرع فى العضد وحتى أشرع فى الساق ": أى أجلَّ الغسل فيهما (¬3) وأدخل بعضِهما (¬4) فى مغسوله مثل ما يُشرع الرجُلُ ناقته إذا أوردها الماء، يقال منه: شرع الرجلُ إذا ورد الماء، - ثلاثى - وأشرع إبله إذا أوردها، وقيل: إذا ساقها إلى الماء وتركَها ترِدُ بنفسها، وشريعة الماء من حيث يُتَوصَّل من حافة النهر [إليه] (¬5)، ومنه: شريعة الدين لأن منها يتوصل إليه، وقيل معناها هنا البيان والظهور. وقوله: " أصدُّ الناس ": أى أرُدّ. وقوله: " أذود الناس ": أى أطرد. ¬

_ (¬1) قبلها فى الأصل جاءت: أيضاً. ولا مناسبة لها. (¬2) الفتح: 29. (¬3) قال القرطبى. هو من أشرعت الرمح قبله إذا مددته إليه، فالمعنى مدّه بالغسل، لا من شرع إذا ابتدأ. (¬4) فى ت: بعضها. (¬5) ساقطة من ت.

مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدْنٍ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إِنِّى لأَذودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ الإِبِلَ الْغَرِيبَةَ عَنْ حَوْضِهِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَتَعْرِفُنَا؟ قَالَ: " نَعَمْ، تَرِدُونَ عَلَىَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُمْ ". 39 - (249) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: " السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْم ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كما يذود الرجلُ الإبل الغريبة عن حوضه ": الإبلُ الغريبةُ التى لا يُعرف صاحِبُها، كما قال فى الحديث الآخر: " كما يذادُ البعيرُ الضال "، فهى ترعى مع الإبل وتزاحم وارِدَتها على حوضِها، فصاحبُ الإبل يضربُها جُهْدَه ويطردُها حتى يسقى إبلَه، وهى تترامى بالعطش وهو يصُدُّها، ولذلك ضرب المثل بضربها، وقال الحجاج: لأضربنكم ضرب غرائب الإبل. وقوله فى الحديث: " إنه أتى المقبرة "، حجةً فى جواز زيارة القبور، ولا خلاف فى جوازها للرِّجال، وأن النهى قد نسخ، واختلف فيه للنساء (¬1). وقوله: " السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين [وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون] (¬2) ". المراد ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: ولا خلاف فى إباحة زيارة القبور للرجال، وكراهيتها للنِّساء، واحتُجَّ بحديث ابن عباس الذى أخرجه أبو داود والترمذى والنسائى وأحمد قال: " لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج " واحتجَّ من أباح زيارة القبور للنساء بما أخرجه أبو بكر بن الأثرم عن ابن أبى مُليكة أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخى عبد الرحمن بن أبى بكر. فقلت لها: أليس كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، كان نهى عن زيارتها ثم أمر بزيارتها. التمهيد 3/ 233. قال ابن عبد البر: ممكن أن يكون النهى قبل الإباحة، وتوقى ذلك للنساء المتجالات أحبُّ إلىَّ، ولقد كرِه أكثر العلماء خروجَهُنَّ إلى الصلوات فكيف إلى المقابر؟ وما أظن سقوط فرض الجمعة عنهن إِلَّا دليلاً على إمساكهن عن الخروج فيما عداها. السابق. (¬2) من المعلم. وقد أخرج عبد الرزاق من حديث صخر بن أبى سُميَّة قال: رأيتُ عبد الله بن عمر قدِم من سفَرٍ فقام على باب عائشة فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبَه. 3/ 576. وذكر ابن عبد البر عن عمر - رضى الله عنه - أنه مَرَّ على بقيع الغرقد فقال: السلام عليكم يا أهل القبور. أخبارُ ما عندنا أن نساءكم قد تزوَّجن، ودوركم قد سُكِنت، وأموالكم قد قُسِمَتْ، فأجابه هاتف: يا عمر بن الخطاب، أخبارُ ما عندنا أن ما قدَّمنا وجدنا، وما أَنفقنا فقد ربحنا، وما خلَّفْنا فقد خسرناه. التمهيد 20/ 242، الاستذكار 2/ 164.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به أهل تلك الدار، ويحتمل أن يَحْيوا له حتى يسمعُوا سلامَه، كما سمعه أهل القليب، ويحتمل أن يفعل ذلك مع موتهم ليُبيِّن ذلك لأمته، وسيأتى هذا وشبهه فى الجنائز. قال أبو عمر - رحمه الله -: قد روى تسليم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على القبور من وجوهٍ بألفاظ مختلفة ذكرها (¬1)، وجاء عن الصحابة والسلف الصالح فى ذلك آثار كثيرة (¬2). قال الإمام: سلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصح أن يكون حجةً لمن يقول: إن الأرواح باقيةٌ لا تفنى بفناء الأجسام، وفى غير هذا الكتاب من الأحاديث أَنَّ الأرواح تزور القبور. وقوله: " وإنا إن شاء الله، بكم لاحقون ": إن كان المراد: لاحقون فى الموت، فهذا أمرٌ معلوم، ويكون الاستثناء هاهنا من شىء موجَبٍ على سبيل التبرى من الاستبداد وعلى التفويض إلى الله، ومثله قوله (¬3): {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ} (¬4)، وهو خبر صدق، وإن كاد أراد: بكم لاحقون فى الممات على الإيمان، فيكون الاستثناء على حقيقته؛ إذ لا يدرى الإنسان على ما [ذا] (¬5) يُوافى إِلَّا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن شُهِد له بالجنة من أصحابه معصوم من الموافاة على الكفر، فيكون الكلام عائداً على من يجوز ذلك عليه من أصحابه، أو يكون قبل أن يوحى إليه بالعصمة لمن ثبَتتْ له العصمة من الموافاة على الكفر. قال القاضى: قد قيل: إن هذا يكون امتثالاً لقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّه} (¬6)، أو يكون الاستثناء راجعاً على اللحاق بالموتى لتسميتهم مؤمنين على الظاهر من حالهم، ثم رجاء لحاقه بهم، فاسْتثنى لمغيب حالهم فى علم الله وعاقبة أمرهم ومشيئة الله تعالى برحمتهم، وقد يحتمل أن يكون الاستثناء راجعاً إلى ¬

_ (¬1) من ذلك ما روته عائشة - رضى الله عنها - قالت: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرُجُ من الليل إلى المقبرة فيقول: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أتانا وإياكم ما توعدون، وأنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ". التمهيد 20/ 240. وما أخرجه أبو داود الطيالسى عنها - رضى الله عنها - من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة قالت: فقدت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاتبعته، فأتى البقيع فقال: " السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، أنتم لنا فرطٌ، وإِنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجورَهم، ولا تفتنا بعدهم " ص 202. (¬2) منها قول أبى هريرة - رضى الله عنه -: من دخل المقابر فاستغفر لأهل القبور وترحَّم على الأموات فكأنما شهد جنائزهم وصلى عليهم. وما جاء عن الحسن: من دخل المقابر فقال: اللهم رب الأجساد البالية، والعظام النخرة، إنها خرجت من الدنيا وهى بك مؤمنة، فأدخل عليها روْحاً منك وسلاماً منى كتب الله له بعددهم حسنات. التمهيد 20/ 241. قال ابن عبد البر: وهذا من عمر وعلىٍّ على سبيل الاعتبار. الاستذكار 2/ 164. (¬3) فى المعلم: قول الله تعالى. (¬4) الفتح: 27. (¬5) من المعلم. (¬6) الكهف: 23، 24.

مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ". قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ اللحاق بهم فى مقبرتهم وموته بالمدينة، وقيل: هو على مساق الكلام فى مجىء الاستثناء فى الواجِبِ ليس على طريق الشك، ومثله قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (¬1) على ما تقدم، أو على طريق التأدب والامتثال لقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّه} (¬2)، وقيل: " إن " هنا بمعنى " إذا ". [وقيل: قالها من أجل من كان معه ممن يتهم بالنفاق] (¬3). وقوله: " وددتُ أنى رأيت إخواننا ": فيه جواز التمنى، لا سيما فى باب الخير ولقاء الفضلاء والأخيار الأولياء فى الله، وقيل: إن المراد تمنيه لقائهم بعد الموت. وقوله: " إخواننا " لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُومِنُونَ إِخْوَة} (¬4). وقوله: " ألسنا بإخوانِك؟ قال: بل أنتم أصحابى ": قال الباجى: لم ينف بذلك أخوَّتَهم، ولكنه ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة واختصاصهم بها، ولم تحصُل لأولئك بعد، فوصفهم بالأخوة (¬5)، وقال أبو عُمر: فيه دليلٌ على أن أهل الدين والإيمان كلُهم أخوةٌ فى دينهم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة}، وأما الأصحاب فمن صحِبَك وصحبتَه (¬6)، وذهب أبو عمر من هذا الحديث وغيره فى فضل من يأتى ومن فى آخر الزمان، إلى أنه قد يكون فيمن يأتى بعد الصحابة من هو أفضل مِمن كان فى جملةِ الصحابة (¬7)، وأن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيركم قرنى " (¬8) على الخصوص، وإن كان مخرجه العموم، وإن قرنه على الجملة خير القرون، أو معناه: خير الناس فى قرنى، يعنى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن سلك مسلكهم، فهؤلاء أفضل الأمة، والمراد بالحديث (¬9)، وأما من خلط فى زمانه وإن رآه وصحبه ولم تكن له سابقةٌ ولا أثرٌ فى ¬

_ (¬1) الفتح: 27. (¬2) الكهف: 23، 24. (¬3) من هامش ت. (¬4) الحجرات: 10. (¬5) المنتقى للباجى 1/ 71، 72. (¬6) الاستذكار 2/ 167، التمهيد 20/ 243. (¬7) يؤكد هذا ما أخرجه الترمذى وأبو داود الطيالسى من وجوه حسان عن أنس وعبد الله بن عمرو بن العاص أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمتى كالمطر، لا يدرى أوله خيرٌ أم آخره ". التمهيد 20/ 253. (¬8) البخارى فى فضائل الصحابة، ب فضائل أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3650) عن عمران. (¬9) قال: وقد قيل فى توجيه أحاديث الباب مع قوله: " خير الناس قرنى ": إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء فى إيمانهم، لكثرة الكفار، وصبرهم على أذاهم، تمسكهم بدينهم، وإن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين، وتمسكوا به، وصبروا على طاعة ربهم فى حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصى، والكبائر، كانوا عند ذلك أيضاً غرباء وزكت أعمالهم فى ذلك الزمن، كما زكت أعمال أوائلهم. قال: وروينا أن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر أن اكتب إلىّ بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرة عمر فإنها فضل من عمر؛ لأن زمانك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر، وكتب إلى فقهاء زمانه، فكلهم كتب إليه بمثل قول سالم. التمهيد 20/ 252.

أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " أَنْتُمْ أَصْحَابِى، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ". فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: " أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ، بَيْنَ ظَهْرَىْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ " قَالُوا: بَلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدين، فقد يكون فى القرون التى تأتى بعد القرن الأول من يفضُلهم على ما دلت عليه عنده (¬1) الآثار، وذهب إلى هذا غيره من المتكلمين على المعانى، وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا، وأن من صحب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرةً من عمره وحصلت له مزيَّةُ الصحبة أفضل من كل من يأتى بعده، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عملٌ، قالوا: وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، واحتجوا بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أنفق أحدُكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه " (¬2) وحجة الآخر عن هذا أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبعضهم عن بعضٍ، فدلّ أن ذلك للخصوص لا للعموم. وقوله [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬3) " بين ظهرى (¬4) خيلٍ دُهم بُهْمٍ "، قال القاضى: قال الأصمعى: العربُ تقول: نحن بين ظهريهم وظهرانيْهم على لفظ الاثنين، أى بينهُمْ، قال: والعرب تضع الاثنين موضع الجمع. وقوله: " دُهمٌ "، قال الإمام: قال الهروى فى قوله تعالى: {مُدْهَامَّتَان} (¬5) قال بعضهم: الدُهمةُ عند العرب السَّوادُ، قال مجاهد: {مُدْهَامَّتَان}: مسْودتان. وقوله: " بُهم ": قال الهروى فى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُحشر الناس يوم القيامة عُراةً حُفَاةً بُهْماً ": البُهْم واحدها بَهِيمٌ، وهو الذى لا يخالط لونه [لون] (¬6) سواه. قال القاضى: كذا قال أبو حاتم، سواداً كان أو بياضاً أو حمرةً، يقال: أسود بهيمٌ وأبيض بهيمٌ ونحوه، قال يعقوب وغيره: وقال غيره: البهيمُ الأسود، وليلٌ بهيمٌ، وكذلك من الخيل الذى لاشِيَةَ فيه، وقاله أبو زيد (¬7)، وأما قول الهروى فى تفسير الحديث فى حشر الناس فيحتاج إلى بيان. قال صاحب الدلائل: يُريدُ متشابهى الألوان. ¬

_ (¬1) فى بقية النسخ سوى الأصل: عنه. (¬2) متفق عليه من حديث أبى سعيد، وسيرد إن شاء الله فى ك فضائل الصحابة (2540). (¬3) من المعلم. (¬4) فى المعلم: ظهرانى. (¬5) الرحمن: 64. (¬6) من المعلم. (¬7) هو الإمام العلَّامةُ، حجة العرب، سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبى زيد الأنصارى، البصرى، النحوى. قال فيه الأصمعى: هذا عالِمُنا ومعلِّمنا، وقال المبِّردُ: الأصمعى، وأبو عُبيدة، وأبو زيد، أعلم الثلاثة بالنحو أبو زيد. مات سنة خمس عشرة ومائتين. سير 9/ 494.

يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوء، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، إِلَّا لَيُذَادَنَّ رِجَالاً عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1): " وأنا فرطُهم على الحوض "، قال الإمام: قال الهروى: يقول: أنا أتقدّمهم إليه (¬2)، يقالُ: فرطتُ القوم إذا تقدمتهم لترتاد لهم الماء وتهيئَ لهم الدِّلاء والرشاء، وافترط فلانٌ ابناً له، أى تقدم له ابنٌ، وفى الحديث: " أنا والنبيون فراط القاصفين " [أى متقدمون فى الشفاعة، قال ابن الأنبارى فى قوله: " لقاصفين "] (¬3) يعنى: لقوم كثير متدافعين مُزدَحمين، وقيل: فُرَّاط إلى الحوض، ويقال: فرَط إلىَّ منه (¬4) كلامٌ قبيح، أى تقدم، ومنه قوله [سبحانه] (¬5) وتعالى: {أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} (¬6) وفى حديث أم سلمة: قالت لعائشة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاك (¬7) عن الفرَطَ فى الدين (¬8)، قال القتبى: الفرَطُ السبق والتقدَّم. وقوله: " إِلَّا ليُذادَنَّ رجالٌ عن حوضِى "، قال القاضى: كذا رويناه فى كتاب مسلم بغير خلافٍ فى حديث إسماعيل بن جعفر، وفى حديث مالك: " فليُذَادّنَ "، وفى الموطأ وغيره من حديث مالك: " فليُذَادَنَّ " (¬9) و: " فلا يُذادَنَّ " (¬10)، والروايتان معاً صحيحتان، واختلف رواة مالك عنه فى هذا الحرف وأكثرهم يقولُ عنه: " فلا يُذادَنَ ". قال الإمام: وقع فى بعض طرق هذا الحديث: " فلا يُذادَنَّ " على جهة النهى، ومعناه على هذا: [لا يفعلون فعلاً يكون] (¬11) سبباً لذودِهم عن حوض (¬12) وأكثر الروايات: " فليُذادَنَّ " (¬13) بلام التأكيد. قال القاضى: ويصحح رواية: " فلا يُذادنَّ " حديث ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى ت: عليه. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) فى المعلم: منه إلىّ. (¬5) من المعلم. (¬6) طه: 45. (¬7) فى المعلم: نهى. (¬8) المناسب لهذا السياق ما أخرجه أحمد من حديث ابن عباس عن عائشة: " وأنا فرَط أمتى لم يصابوا بمثلى " 1/ 335، وما ذكره الإمام لم نقف عليه. (¬9) و (¬10) هى رواية يحيى الثانية وتابعه عليها مطرف. قال ابن عبد البر: وقد خرَّج بعض شيوخنا معنى لرواية يحيى ومن تابعه، أى لا يفعل أحدٌ فعلاً يطرد به عن حوضى، وقد أخرج البخارى من حديث سهل بن سهد ما يقوى هذا المعنى وهى: " وليردنَّ على الحوض قومٌ أعرفهم ويعرفوننى، ثم يحال بينى وبينهم " التمهيد 20/ 257، المنتقى 1/ 70. (¬11) فى المعلم: إِلَّا يفعلوا ما يكون. (¬12) فى المعلم: عن حوضى. (¬13) فى المعلم: ليذادن ومعناه: فليبعدَنَّ وليُطْرَدنَّ. قال زهير: ومن لا يذُدْ عن حوضِه بسلاحِه ... يُهَّدمْ ومن لا يظلِم الناسَ يُظْلَم وهذه اللفظة - " فليذادن " - هى رواية ابن القاسم وابن وهب وأكثر رواة الموطأ.

(...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، جَمِيعًا، عَنْ الْعَلاء بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: " السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ " بِمِثْلِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ مَالِكٍ: " فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ سهل بن سعد عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه، وفيه: " فلا يرِدَنَّ علىَّ أقوامٌ أعرِفُهم ويعرفوننى، ثم يحال بينى وبينهم ". وهذا مثل قوله تعالى: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (¬1): أى لا تفعلا فعلاً يخرَجنَّكما. وقوله: " أناديهم: إِلَّا هَلُمَ، فيقال: إنهم قد بدَّلوا ": قال الباجى: يحتمل أَنَّ المنافقين والمرتدّين وكل من توضأ [منهم مسلماً] (¬2)، أنه يُحشرُ بالغُرَّةِ والتحجيل فلأجلها دعاهم، ولو لم يكن [السيما إِلَّا للمؤمنين لما دعاهم] (¬3)، ولما ظنَّ أنهم منهم، قال: ويحتمل أن يكون ذلك لمن رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبدَّل بعدَه وارتد، فدعاهُم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلمِه بِهمْ أيام حياته وإظهارهم الإسلام، وإن لم يكن لهم يومئذ غرة ولا تحجيل، لكن لكونهم عنده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيام حياته وصحبته باسم الإسلام وظاهره. والأول أظهر، فقد دلَّت الآثار عند غير هذا بتستر المنافقين ومن كان فى غمار المؤمنين بجملتهم، ودخولهم فيهم فى العرض والحشر حتى يميَّز الله الخبيث من الطيب، وأن نور المنافقين يُطفأ عند الحاجة، فكما جعل الله لهم نوراً بظاهر إيمانهم ليغترّوا به حتى يطفأ عند حاجتهم على الصِراط، كذلك لا يبعد أن يكون لهم هنا غرَّةٌ وتحجيل حتى يُذادوا عد حاجتهم إلى الورود، نكالاً من الله ومكراً بهم ليزدادوا خَسيفةً ويحققوا مقدار ما فاتهم حين ذُهب بهم عنهم، وحين قال لهم: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} (¬4) {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُون} (¬5). قال الداودى ليس [فى هذا ما يُحتَم] (¬6) به للمذادين بدخول النار، فيحتمل (¬7) أن يذادوا وقتاً فتلحقهم شدةٌ ثم يتلافاهم (¬8) الله برحمته، ويقول لهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا (¬9) ثم يشفع لهم، كأنه جعلهم فى ¬

_ (¬1) طه: 117. (¬2) من المنتقى. (¬3) عبارة المنتقى: ولو لم يكن سيماهم سيما المسلمين لما دعاهم 1/ 70. (¬4) الحديد: 13. (¬5) الأعراف: 99، وجاءت فى الأصول: إنه لا يأمن. (¬6) فى الأصل: ليس هذا مما يحتُم. (¬7) نقلها الباجى: ليس هذا مما يختم به للمذادين عنه بدخول النار، لأنه يحتمل. (¬8) نقلها الباجى: يتوفاهم. المنتقى 1/ 70. (¬9) أى سحقاً، كما ذكر الباجى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الكبائر من المؤمنين أو من بدَّل ببدعةٍ (¬1) لا يخرجُه عن الإسلام. قال غيره: وعلى هذا لا يبُعد أن يكونوا أهل غُرَّة وتحجيل بكونهم من جملة المؤمنين، قال غيره: ويحتمل أن يكون هؤلاء فيمن كان فى زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورآه وفيمن يأتى بعده، وقيل: هم أهل الردَّةِ، وقال أبو عمر بن عبد البر: كلُ من أحدث فى الدين [ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله] (¬2) فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وأصحاب الأهواء، وكذلك الظلمة المترفون فى الجور وطمس الحق (¬3) [وقتل أهله وإذلالهم] (¬4) والمعلنون بالكبائر [المستخفون بالمعاصى، وجميع أهل الزيغ والأهواء والبدع] (¬5) فكُلّ هؤلاء يخافُ عليهم أن يكونوا ممن عُنُوا بهذا الخبر (¬6). ويشْهد على صحة تأويل من قال: إنهم أهل الردةِ، ما جاء فى رواية سهل بن سعدٍ: " أعرفهم ويعرفوننى، ثم يحال بينى وبينهم ". وقوله: " سحقاً سحقاً ": أى بُعداً، والسحيق البعيد. وقوله: " فيجيبنى مالك ": كذا لجميعهم بالباء بواحدة، من الجواب، وعند جعفر: " فيجيئنى مالك " (¬7) مهموز من المجى. ¬

_ (¬1) فى ت: بنعمة. (¬2) من التمهيد 20/ 262. (¬3) الذى فى التمهيد: وتطميس الحق. (¬4) و (¬5) عن التمهيد 20/ 262. (¬6) التمهيد 20/ 262. قال: ولا يخلد فى النار إِلَّا كافر جاحد ليس فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، وقد قال ابن القاسم - رحمه الله -: قد يكون من غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء، وكان يقال: تمام الإخلاص تجنب المعاصى. (¬7) الذى فى المطبوع. ملك.

(13) باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء

(13) باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء 40 - (250) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا خَلَفٌ - يَعْنِى ابْنَ خَلِيفَةَ - عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ؛ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ أَبِى هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لَلِصَّلاةِ، فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إبْطَهُ. فقُلْتُ لَهُ: يا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا هَذَا الْوُضُوءُ؟ فَقَالَ: يَا بَنِى فَرُّوخَ، أَنْتُمْ هَاهُنَا؟ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأتُ هَذَا الْوُضُوءَ، سَمِعْتُ خَلِيلِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى هريرة - رضى الله عنه -: " يا بنى فرُّوخ، أنتم هاهنا؟ لو علمتُ أنكم هاهنا ما توضَّأتُ هذا الوضوء ". فرُّوخ بفتح الفاء والخاء المعجمة فى كتاب العين: بلغنا أَنَّ فروخ من ولد إبراهيم، وكان بعد إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - كثر نسله، فالعجم الذى فى وسط البلاد من ولده، وأراد أبو هريرة هاهنا الموالى، وكان خطابه لأبى حازم، وأبو حازم هذا أبو حازم الأعرج ليس بسلمة بن دينار (¬1) الفقيه الزائد المدينى (¬2) مولى بنى مخزوم، وقيل: مولى بنى ليثٍ، ولكنه أبو حازم سلمان الأشجعى الكوفى مولى عزَّة الأشجعية (¬3)، وكلاهُما خُرِّج عنه فى الصحيح. وقوله: ما قاله له لأنه لا ينبغى لمن يُقتَدى به إذا ترخص فى أمرٍ لضرورةٍ، أو تشدد فيه لوسوسة، أو لاعتقاده فى ذلك مذهبًا شذَّ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامة الجهلة، ¬

_ (¬1) سلمة بن دينار هو: مولى لبنى شِجْع من بنى ليث، وهو شِجْع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كِنانة. قال المزى: وقال بعضهم: أشجع، وهو وهم، ليس فى بنى ليث أشجع، إنما فيهم شِجْع، قال ذلك أبو على الغسانى. روى عن سعيد بن المسَيِّب، وسهل بن سعد الساعدى - وهو راويته - وعبدالله ابن عمر بن الخطاب - ولم يسمع منه - وعبد الله بن عمرو بن العاص كذلك، وغيرهم كثير ليس فيهم أبو هريرة، فقد قال الدارقطنى فى العلل: لم يسمع من أبى هريرة شيئاً، وقال يحيى بن صالح الوُحاظى: قلت لابن أبى حازم: أبوك سمِع من أبى هريرة؟ قال: من حدَّثَك أَنَّ أبى سمِع من أحدٍ من الصحابة غير سهل بن سعد فقد كذب. انظر: تهذيب الكمال 11/ 272. (¬2) فى ت ت المدنى. (¬3) سلمان أبو حازم الأشجعى الكوفى، روى عن مولاته عزة الأشجعية وابن عمر وأبى هريرة - وقاعده خمس سنين - وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير، روى عنه سليمان الأعمش - وهو راويتُه - ومنصور بن المعتمر، ويزيد بن كيسان. مات فى خلافة عمر بن عبد العزيز. تهذيب الكمال 11/ 259.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لئلا يترخّصوا بترخصه لغير ضرورة، أو يعتقدوا أن ما يُشدَّد فيه هو الفرض واللازم (¬1)، ومثله قول عمر: أيها الرهط، إنكم يقتدى بكم. وفى هذا الحديث من علامات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإعلامه بما يكون من علم الغيب أربعة أعلام: أولها: صفة أمَّته فى الآخرة، الثانى: تبديل بعضهم بعده، كما كان، الثالث: ما لهم فى الآخرة وتفريق الحكم فيهم، الرابع: أن له حوضًا فى الآخرة، وسيأتى ذكره فى موضعه. ¬

_ (¬1) ومثل ذلك: الاستدامة على بعض السنن والمندوبات حتى يظن الناس بفرضيتها؛ مثل صلاة صبح الجمعة بسورة السجدة وهل أتى، حتى اعتقد العامة أن الصلاة لا تصح إِلَّا بسورة السجدة فى صبح الجمعة، فعلى الإمام الصلاة بغير هذه السورة أحياناً، حتى لا يعتقد الناس فرضية ذلك، والله أعلم.

(14) باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره

(14) باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره 41 - (251) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِلَّا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ ". قَالُوا: بَلَى (¬1)، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ " إسْبَاغُ الْوُضُوءَ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ (¬2). وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ. فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إِلَّا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات ": محوُ الخطايا كنايةٌ عن غفرانها، ويحتمل محوُها من كتاب الحفظة، ويكون دليلاً على غفرانها، ورفع الدرجات إعلاء المنازل فى الجنة. وقوله: " إسباغ الوضوء على (¬3) المكاره ": أى إيعابُه، والمكارِه يكون من شدة ألم جسمٍ ونحوه (¬4)، وكثرة الخطا (¬5) تكون ببعْدِ الدار أو بكثرة التكرار. وقوله: " انتظار الصلاة بعد الصلاة ": قال القاضى أبو الوليد الباجى: وهذا فى المشتركتين من الصلوات فى الوقت وأما غيرُها فلم يكن من عمل الناس (¬6). وقوله: " فذلكم الرباطُ ": يعنى المرغَّبُ فيه، وأصله الحبسُ على الشىء، كأنَّه حبسَ نفسه على هذه الطاعة، قيل: ويحتمل أنه أفضل الرباط كما قيل: الجهاد جهاد ¬

_ (¬1) جوابهم ببلى يدل على أن لا نافية قد دخلت عليها همزة الاستفهام، ولا مانع أن تكون العبارة كلها للاستفتاح. (¬2) الحديث ورد مورد التنشيط لمن بعدت داره إِلَّا يكسل، وليس فيه ما يدل على إيثار أبعد المسجدين منه لغير حاجة، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة لجار المسجد إِلَّا فى المسجد ". (¬3) فى ت: فى. (¬4) كشدة البرد، وفوت المحبوب، وتكلف طلب الماء، وابتياعه بثمن. والإسباغ هو الإكمال. (¬5) فى ت: الخطايا، وهو وهم من النساخ. (¬6) المنتقى للباجى 1/ 285 وقد أجاز الانتظار فى الصلوات التى تجمع فى السفر والعذر، ولكنه قال فى غيرها - مثل انتظار المغرب بعد العصر - لا أذكر فيه حكماً، وحكمه عندى حكم انتظار الصبح بعد العشاء، وحكم انتظار الظهر بعد الصبح كالذى ينتظر صلاة ليس بينها وبين التى تصلى اشتراك فى وقت، والذى يتقرر فى نفسى أنى قد رأيت رواية فيه عن مالك من طريق ابن وهب ولا أذكر موضعها الآن.

(...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، جَمِيعًا عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيث شُعْبَة ذِكْرُ الرِّباط. وَفِى حَدِيثِ مَالِكٍ ثِنْتَيْنِ: " فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ النفس، ويحتمل أنه الرباطُ المتيسر الممكن، أى: أنه من أنواع الرباط، وقد ذهب الشيرازى (¬1) إلى أن ذلك من حروف الحصر، وتكرار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له تعظيم لشأنه أو لعادته ليفهم عنه، وتنبيه على ما يقول. ¬

_ (¬1) يغلب على الظن أنه يريد به الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن على بن يوسف الفيروزآبادى حدث عنه الخطيب، وأبو الوليد الباجى والحميدى. توفى سنة ست وسبعين وأربعمائة. سير 18/ 452.

(15) باب السواك

(15) باب السواك 42 - (252) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرِ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ - وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ: عَلَى أُمَّتِى - لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ ". 43 - (253) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مسْعَرٍ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، قُلْتُ: بِأىِّ شَىْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ. 44 - (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأ بِالسِّوَاكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا أن أشق على أمتى لأمرتُهم بالسِّواك ": لا خلاف أنه مشروعٌ عند الوضوء والصلاة، مستحبٌ فيهما، وأنهُ غيرُ واجبٍ، لنصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه لم يأمر به، إِلَّا ما ذكر عن داود أنه واجب بظاهر قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بالسواك "، وقوله: "استاكوا " (¬1) وهذا الحديث يفسرُ بظاهره. وفيه دليل لمن يرى أن أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الوجوب، وهو قول أكثر الفقهاء وبعض المتكلمين، إذ المشقة إنما تلحق بالواجبات، وأنه لو أمر لوجَبَ امتثال أمره فشق ذلك على المسلمين، فلذلك لم يأمر. وفيه حجةً لمن يرى المندوُب غير مأمور به، وهى مسألة اختلف فيها أصحاب الأصول من شيوخنا وغيرهم (¬2)، وفيه حجةً لمن قال من العلماء بجواز اجتهاد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأحكام وشرعها باجتهاده على ظاهر ¬

_ (¬1) وكذا إسحاق بن راهويه. انظر: عون المعبود 1/ 73. (¬2) ذهب الآمدى إلى أن المندوب مأمور به، وإلا كان كالمباح بلا فرق بينهما، وعلى ذلك فالمندوب عنده يثاب فاعله، واسمه يدل على ندب الشارع له 1/ 163. قلت: ويفرق بينه وبين الأمر أن طلب الشارع لفعل المندوب طلبٌ غيرُ لازم، وقد ذهب الشاطبى إلى أن كل مندوب ثبت أنه مندوب بسنة مأثورة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتبر خادمًا للواجب أو حمى له أو ذريعةً للمداومة عليه. راجع: الموافقات 1/ 151، أصول الفقه: 32. وأدق ما وقفت عليه له ما ذهب إليه الشاطبى من أن المندوب غيرُ لازم بالجزء، ولكنه لازم بالكل، فصلاة العيدين والجماعة وصدقة التطوع، والنكاح والوتر. والعمرة مثلاً مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة جرح التارك لها. قال: إذا كان الفعل مندوبًا بالجزء كان واجبًا بالكل. الموافقات 1/ 132.

45 - (254) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلانَ - وهُوَ ابْنُ جَرِيرٍ الْمَعْوَلِىُّ - عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ. 46 - (255) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنَّ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه} (¬1)، وهى مسألة اختلف فيها أرباب الأصول أيضاً (¬2). وقوله: " يشوصُ فاهُ بالسواك إذا قام يتهجد " (¬3)، قال الإمام: الشوص أن يستاك عرضًا، وكذلك المَوْصُ، قال: وقد قال قائل لأعرابيةٍ: اغسلى ثوبى، قالت: نعم ¬

_ (¬1) النساء: 105. ووجه الاستدلال هنا أنه جعل سبب عدم الأمر ما رآه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المشقة لا النص. إكمال الإكمال 2/ 33. (¬2) ذهب أحمد بن حنبل والقاضى أبو يوسف إلى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان متعبدًا بالاجتهاد فيما لا نصَّ فيه، وجوَّز ذلك الشافعى فى رسالَتِه من غير قطع، وبه قال بعض أصحاب الشافعى والقاضى عبد الجبار، وأبو الحسين البصرى. قال الآمدى: ومن الناس من قال: إنه كان له الاجتهاد فى أمور الحروب دون الأحكام الشرعية من ذهب إلى تجويز الاجتهاد له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على العموم استدلوا بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] حيث أمر جل جلاله بالاعتبار على العموم لأهل البصائر، والنبىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلُّهم فى ذلك، فكان داخلاً فى العموم، وبقوله تعالى: {إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، وما أراهُ يعمُ الحكم بالنص، والاستنباط من النصوص، وبقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]، والمشاورة إنما تكون فيما يحكمُ فيه بطريق الاجتهاد لا فيما يحكم فيه بطريق الوحى، وأيضاً بقوله تعالى بطريق العتاب للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]، وذلك يدلُّ على أن ذلك كان بالاجتهاد لا بالوحى، وبقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] عاتبه على ذلك ونسبه إلى الخطأ، وذلك لا يكون فيما حكم فيه بالوحى، فلم يبق سوى الاجتهاد. ومما استدلوا به من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تحريم مكة: " لا يختلى خلاها، ولا يُعضَدُ شجرُها "، فقال العباس: إِلَّا الإذخر - فقال - عليه الصلاة والسلام -: " إِلَّا الإذخر "، قالوا: ومعلوم أن الوحى لم ينزل عليه فى تلك الحالة. فكان الاستثناء بالاجتهاد. وقد رد المانعين على ذلك بأن المراد بقوله تعالى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّه}: أى بما أنزل إليك، وبالاعتبار الاتعاظ، والمراد بالمشاورة هو المشاورة فى أمور الحروب والدنيا، وكذلك العتاب، قالوا. وأمَّا عتابه فى أسارى بدر فلعله كان مخيرًا بالوحى بين قتل الكل، أو إطلاق الكل أو فداء الكل، فأشار بعض الأصحاب بإطلاق البعض دون البعض فنزل العتاب للذين عيَّنوا لا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن خبر الإذخر، فيحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مريدًا لاستثناء الإذخِر فسبقه به العباس. راجع: المستصفى 2/ 356، أحكام الأحكام للآمدى 4/ 22، 38. (¬3) فى المعلم: كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.

(...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وأبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُولُوا: لِيَتَهَجَّدَ. 47 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بِشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، وَحُصَيْنٌ والأعْمَشُ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. 48 - (256) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَقَامَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِى السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلا هَذَهِ الآيَةَ فِى آلِ عِمْرَان: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} حتى بلغ {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬1) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ، ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ وأموصُهُ، تريدُ: أغسلُه ثانيةً برفقٍ، قال الهروى فى الحديث: " كان يشوصُ فاه بالسواك ": أى يغسله، وكل شىء غسلته فقد شصتهُ ومُصته، وقال أبو عبيد: شصت الشىء نقيّتُه (¬2)، وقال أبو بكر بن الأعرابى: الشوص: الدلك، والموص: الغسل. قال القاضى: ذكر ثابت بن قاسم عن وكيع: الشوص بالطول، والسواك بالعرض، وقال ابن حبيب: يشوص فاه، أى يحكه. قال أبو عمر: تأوله بعضهم أنه بأصبعه، وأن يغنى ذلك عن السواك. وقال الداودى: يشوص فاه ينقيه، كما قال فيه: " مطهرة للفم ومرضاةٌ للرب "، قال ابن دريد: الشَوص الاستياك من سُفلٍ إلى عُلوٍ، ومنه: الشوصَةُ ريح ترفع القلب عن موضعه، والذى قال الخطابى (¬3) والحربى مثل ما حكاه الإمامُ فى الشوص وكونه عرضًا، وقيل: يشوص معناه: يغسل، قال أبو عبيد: شصت الشىء نقيتُه، وقيل شصت ومُصتُ: غسلتُ. وقوله: " يتهجد ": أى يُصلى من الليل، قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ¬

_ (¬1) آل عمران: 190، 191. (¬2) غريب الحديث 1/ 261، 262. (¬3) معالم السنن للخطابى 1/ 32.

هَذِهِ الآيَةَ. ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. ـــــــــــــــــــــــــــــ نَافِلَةً لَّكَ} (¬1)، وهذا الحرفُ من الأضدادِ، تهجد نام، وتهجد إذا قام من الليل. قال أهل العلم: يستحب السواك عند كل حالةٍ تُغَيِّرُ ريح الفم، نحو القيام من النوم ونحوه. وقوله: " إذا دخل بيته بدأ بالسواك ": معناه: تكراره لذلك ومثابرته عليه، وأنه كان لا يقتصر فيه فى نهاره وليله على المرة الواحدة، بل على المرار المتكررة، كما جاء فى الحديث الآخر، وخص بذلك دخوله بيته لأنه مما لا يفعله ذوو المروءات بحضرة الناس (¬2)، ولا يحبُ عمله فى المسجد ولا فى مجالس الجماعات (¬3). ¬

_ (¬1) الإسراء: 79. (¬2) هذا محمول على أنه من باب إزالة القذر، وإلا فإن السواك من باب العبادات والقرب، فلا يطلب إخفاؤه، كما ذهب إليه بعض العلماء. راجع: سنن الفطرة: 60. (¬3) فى ت: الحقل.

(16) باب خصال الفطرة

(16) باب خصال الفطرة 49 - (257) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عنْ سُفْيَانَ، قَالَ أَبُو بَكْر، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَة عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " الْفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ - الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ". 50 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الاخْتِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ ". 51 - (258) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ جَعْفَرٍ، قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خمس من الفطرة " وفى الحديث الآخر: " عشر " الفطرة هاهنا: السنة، قاله الخطابى، قال: ومعناه: إن هذه الخصال من سنن الأنبياء، وقد قيل عن ابن عباس فى قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَاَتمَّهُنَّ} (¬1) قال: أمره بعشر خصالٍ ثم عدَّهنَّ نحو ما فى الحديث، فلما فعلهُن قال: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (¬2) ليُقتَدى بك، ويقال: كانت عليه فرضًا ولنا سُنةً، وجاء بعد هذا عشر من الفطرة، فلعل قوله هذا بعد الأول، فكانت السُنن تزيد شيئًا بعد شىء، وكذلك الفرائض، ولم يذكر فى حديث العشر هنا الختان من جملة الخمس المذكورة فى الحديث الآخر، قال زكريا بن أبى زائدة راوى الحديث: " ونسيتُ العاشرة إِلَّا أن يكون المضمضة ". قال القاضى: ولعلها الختان المذكور مع الخمس وهو أولى، وفى رواية عمار بن ياسر نحوها فى الأم، ولم يذكر فيها إعفاء اللحى، وزاد الاختتان، وذكر المضمضة والاستنشاق، فيكون على هذا إعفاء اللحية وقص الشارب كالسنة الواحدة إذ هو كالعضو الواحد. وذكر الانتضاح مكان انتقاص الماء وهو بمعنى غسْله. ¬

_ (¬1) البقرة: 124. (¬2) ذكره ابن كثير عن سفيان الثورى. تفسير القرآن العظيم 1/ 239، والمراد بالكلمات عند الجمهور: الشرائع والأوامر والنواهى.

يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: وُقِّتَ لَنَا فِى قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الإبِطِ، وَحَلْقَ الْعَانَةِ إِلَّا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أرْبَعِينَ لَيْلَةً. 52 - (259) حدّثنا مَحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " أحْفُوا الشَّوَارِب، وَأعْفُوا اللِّحَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أنسٍ: " وقَّتَ لنا فى قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة إِلَّا نترك ذلك أكثر من أربعين يوماً " قال العُقَيلى: فى حديث جعفر نظر، قال أبو عمر: لم يروه إِلَّا جعفر بن سليمان (¬1)، وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه. قال القاضى: وما فى الحديث إنما هو حد فى أكثر (¬2) ذلك، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة وإلا فلا تحديد فيه عند العلماءِ، إِلَّا أنه إذا كثر ذلك وطال من شارب أو شعر إبط قصَّه وأزاله. وقوله: " أحفوا الشوارب " بألفٍ مهموزةٍ (¬3)، وأمر بإحفاء الشوارب، قال الهروى: أى يلزق جَزَّها، قال الخطابى: ويكون بمعنى الاستقصاء يقال: أحفى شاربه ورأسه (¬4)، قال ابنُ دريد: يقال: حفا شاربة يحفوه حفوًا إذا استأصل أخذ شعره، ومنه قوله: " أحفوا الشوارب ". ذكر مسلم فى حديث أبى هريرة: " جُزوا الشوارب "، كذا عند شيوخنا، ووقع عند بعضهم: " خذوا الشوارب " ومعنى ذلك عند مالك: قصُّهُ، كم جاء فى الحديث الآخر: ¬

_ (¬1) جعفر بن سليمان الضبعى روى له الأربعة فى سننهم، أما البخارى فقد ترك حديثه وقال فيه: يخالف فى بعض حديثه، ومع هذا فقد أخرج له فى الأدب المفرد، وما هو بالسيئ فى الحفظ كما ذكر القاضى ولا قال العقيلى ما نسبه القاضى إليه، وغاية ما فيه أخذ ابن المبارك عليه مجالسته عوفًا، إذ كان عنده قدريًا شيعيًا، وترك يحيى بن سعيد الرواية عنه لأنه كان يستضعفه. الضعفاء الكبير 1/ 189. وقد أسند إلى عيسى بن شاذان أنه سأل يحيى بن معين عن ترك يحيى بن سعيد القطان الرواية عنه فقال: كان يحيى القطان لا يكتب حديثه، وكان - يعنى جعفراً - عندنا ثقة. وكذا ذكر البزار. راجع: تهذيب التهذيب 2/ 95. والخط من القاضى على جعفر إنما جاء اتباعًا منه لأبى عمر بن عبد البر انظر: الاستذكار 26/ 243. (¬2) زيد بعدها فى الأصل لفظة " من "، ولا وجه لها. (¬3) فالفعل هنا ثلاثى والهمزة همزة وصل، فيبتدأ بالضم لضم ثالثه. (¬4) معالم السنن 1/ 31.

53 - (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ. 54 - (...) حدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأوْفُو اللِّحَى ". 55 - (268) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ - مَوْلَى الْحُرَقَةِ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وأرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوس ". ـــــــــــــــــــــــــــــ "وقصُ الشارب"، وفى البخارى: " أنهكوا الشوارب " (¬1)، وقد تأول على الوجهين على المبالغة وترك المبالغة. وقوله: " واعفوا اللحى " (¬2) وفى رواية: " أوفوا اللحى " وهما بمعنى، أى اتركوها حتى تكثر وتطول. قال القاضى: وذكر مسلم فى حديث أبى هريرة: " أرخوا اللحى "، كذا عند أكثر شيوخنا، ولابن ماهان: " أرجوا " بالجيم، قيل: معناه: أخِروا، وأصله أرْجؤوا، فَسُهِّلَت الهمزةُ بالحذف، وكان معناه: اتركوا فيها فعلكم بالشوارب، وكله من معنى ما تقدم، وفى البخارى: " وفّرُوا اللحى " (¬3). قال الإمام: قال أبو عُبيد فى إعفاء اللِّحى: هو أن تُوفَّرَ وتُكْثَر، يقال: عفا الشىء إذا كثر وزاد، وأعفيته أنا وعفا إذا درسَ، وهو من الأضداد، ومنه الحديث: " فعلى الدنيا العفاء " (¬4): أى الدروس ويقال: التراب. قال القاضى: يقال: عفوتُ الشَّعْرَ وأعفيتُه لغتان، وكُرِه قَصُّها وحلقُها وتحريقُها، وقد جاء الحديث بذم فاعل ذلك، وسُنَّةُ بعض الأعاجم حلقُها وجزُها وتوفير الشوارب، ¬

_ (¬1) البخارى فى اللباس، ب إعفاء اللحى (5893). (¬2) فى المعلم: أمرنا بإعفاء اللحى. (¬3) البخارى فى اللباس، ب تقليم الأظافر (5890). (¬4) من حديث صفوان بن مُحْرِز وتمامه: " إذا دَخْلتُ بيتى، فأكلتُ رغيفًا وشرِبْتُ عليه من الماء، فعلى الدنيا العفاء ". النهاية فى غريب الحديث 3/ 266.

56 - (261) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ ". قَالَ زَكَرِيَّاءُ: قَالَ مُصْعَب: وَنَسِيتُ العَاشِرَةَ إِلا أَنْ تَكُونَ المَضْمَضَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهى كانت سبرةُ الفرس (¬1)، وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرةُ فى تعظيمها وتحليتها كما تُكره فى قصِّها وجزّها، وقد اختلف السلف هل لذلك حَدٌّ؟ فمنهم من لم يُحدِّد إِلَّا أنه لم يتركها لحدِّ الشهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدًا، ومنهم من حدَّد، فما زاد على القبضةِ فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إِلَّا فى حجٍّ أو عُمرةٍ، وأمَّا الشارب فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه بظاهر قوله: " احفوا "، و " انهكوا "، وهو قول الكوفيين، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصالِ، وقاله مالك، وكان يرى حلقَه مُثَلةً ويأمُرُ بأدب فاعله، وكان يكرَه أن يأخُذَ من أعلاه، ويذهب هؤلاء إلى أن الإحفاء والجزَّ والقصَ بمعنى واحد، وأنه الأخذ منه حتى يبدُو الإطارُ، وهو طرفُ الشفةِ، وذهب بعض العلماء إلى التخيير فى الفعلين (¬2). والبراجم مفاصل الأصابع، وقد تقدَّم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بغسل ما يجتمع على الجلد المتُشنّج هنالك من الأوساخ لتغَضُنِها، وفسَّر وكيع انتقاص الماء بالاستنجاء، وقال أبو عبيدٍ فى معناه: انتقاص البول بالماء إذا غَسَلَ مذاكيره به وقيل: هو الانتضاح به. قال الإمام: قال الهروى: الاستحداد حلق العانة بالحديد (¬3). قال القاضى: جاء فى الرواية الأخرى مفسَّرًا. ¬

_ (¬1) يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن سعد فى الطبقات بسند رجاله ثقات، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: جاء مجوسى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أعفى شاربه وأحفى لحيته، فقال له: " من أمرك بهذا؟ " قال: ربى، قال: " لكن ربى أمرنى أن أحفى شاربى وأعفى لحيتى ". الطبقات 2/ 1/ 147. وانظر: أسباب ورود الحديث بتحقيقنا 283. (¬2) راجع: الاستذكار 26/ 241، قال: وفى رواية أشهب عن مالك قال: حلقُه من البدع. المجموع للنووى 1/ 287، 288. (¬3) غريب الحديث 1/ 36، 37، وينبغى مراعاة تفريق السنة بين الأمرين فى سنة صورة الإزالة إذ جعلت للعانة الحلق وللإبط النتف.

زَادَ قُتَيْبَةُ: قَالَ وَكِيعٌ: انْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِى الاسْتِنْجَاءَ. (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُصْعَب بْنِ شَيْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أبُوهُ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " والاختتان " هو عند مالك وعامة الفقهاء سنةٌ (¬1)، وقِرانِه مع هذه السُنن وعدّه فى الفطرة (¬2) حجةً لنا على من يحتج بالقرائن، وهو هنا أجرى، لنصِّه عليها أنها من الفطرة أجمع، وفيه حجةً - أيضاً - لمن لا يرى المضمضة والاستنشاق واجبتين لما ذكرنا، وقد ذكر عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الختان سنةً "، وذهب الشافعى إلى وجوب ذلك، وهو مقتضى قول سُحنون (¬3)، واحتج ابن سريج عليه بالإجماع على ستر العورة وتحريم النظر إليها، قال: فلولا أن الختان فرض لما أبيح النظر إلى عورة المختون ولا انتُهك هذا المحرَّم. وقد يجاب عن هذا بأن مثل (¬4) هذا يُباح لمصلحة الجسم ونظر الطَبيب ومعاناة ذلك الموضع، وليس الطبُّ بواجب إجماعًا فما فيه مصلحة دينه وتمام فطرته وشعار ملته أولى بذلك. ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن إبراهيم أول من اختتن وقال أكثرهم: الختان من مؤكدات سنن المرسلين، ومن فطرة الإسلام التى لا يسع تركها فى الرجال. وقالت طائفة: ذلك فرض واجب، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، قال: قال قتادة: هو الاختتان، وذهب إلى هذا بعض أصحابنا المالكيين إِلَّا أنه عندهم فى الرجال. انظر: التمهيد 21/ 59، المغنى 1/ 116، والمجموع 1/ 229. (¬2) قلت: لا يمتنع قرن الواجب بغيره، فقد قال تعالى فى سورة الأنعام: {كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قال النووى: والإيتاء واجب والأكل ليس بواجب 1/ 543. (¬3) هو: أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب بن ربيعة التنوخى، الفقيه المالكى، انتهت إليه رئاسة العلم بالمغرب، وقد أخذ المدونة عن ابن القاسم، ونشر مذهب مالك بالمغرب. ولد عام ستين ومائة، وتوفى عام أربعين ومائتين. وفيات الأعيان 3/ 182. (¬4) فى الأصل: قبل، والمثبت من ت.

(17) باب الاستطابة

(17) باب الاستطابة 7 - (262) حدّثنا أبو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - واللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ؛ قَالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَىْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ. قَالَ، فَقَالَ: أجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْل، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِىَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتنْجِىَ بِأقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِىَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " علمكم كلَّ شىء حتى الخراءة " بكسر الخاء، ممدودٌ، وهو اسم فعل الحدث، وأما الحدث نفسه فبغير تاء ممدود وبفتح الخاء وكسرها، وبفتحها وسكون الراء أيضاً، وضم الراء فى هذا أيضاً. وفى حديث سلمان هذا: " نهانا أن نستقبل القبلة لغائطٍ أو بولٍ، وأن نستنجى باليمين وأن نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجى برجيع أو عظمٍ "، قال الإمام: اتفق المذهبُ على النهى عن استقبال القبلة أو استدبارها عند الغائط أو البول فى الفلوات واختلف فى جواز ذلك فى القرى والمدائن إذا لم تكن مراحيض مبنية على ذلك، وظاهر المذهب أن المراحيض إذا كانت مبنيةً على شكل يقتضى استقبال القبلة واستدبارها أنه لا يُكلف الانحراف (¬1)، وقول أبى أيوب فى الحديث: " فينحرف عنها ويستغفر الله " (¬2) يدل على أنه يرى الانحراف ولو كانت مبنيةً، ووجه الخلاف الذى قدمناه عندنا فى استقبالها فى المدائن معارضة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تستقبل القبلة " بفعله حين رآه ابن عمر على لبنتين، فمن أنزل فعله منزلةَ قوله خصَّص عموم قوله بفعلِه، ومن رأى أن الأقوال تقدّم على الأفعال لم يخص ويمنع (¬3) ذلك فى المدائن، وقد يتأول أيضاً حديث ابن عمر أن اللبنتين كانتا مبنيتين، وذلك من القسم الذى أشرنا إلى الاتفاق عليه من أصحابنا، ويصح أن يبنى الخلاف من جهة المعنى على اختلافهم فى تعليل منع استقبال القبلة للبول فى الفلوات هل هو لحرمة القبلة أو للمصلين إليها من الملائكة؟ فمن جعله لحرمة القبلة منعه فى المدائن على السطوح وفى الشوارع وإن كان مستتراً بالحيطان؛ لأن قبلتهُ إلى الحيطان، ومن علله بالمصلين لم يمنع لوجود السواتر. واختلف عندنا فى كشف الفرج عند الجماع ¬

_ (¬1) المدونة 1/ 7. (¬2) فى المعلم: ونحن ننحرف ونستغفر الله. (¬3) فى المعلم: ومنع.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ؛ قَالَ: قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ مستقبل القبلة (¬1)، هل ذلك كمثل استقبالها للبول والغائط؟ وسببُ الخلاف: هل ذلك لأجل العورة أو لأجل الحدث؟ فمن جعل العلة الحدث جعل الجماع بخلاف البول فى الاستقبال، وفى بعض روايات الحديث: " ولكن شرقوا وغربوا " وهذا محمول على أنه إنما خاطب قومًا لا تكون الكعبة فى شرق بلادهم ولا غربها، ولعل كذلك الأمر فى مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال القاضى: قد قيل هذا الحديث لأهل المدينة ومن وراءها من الشام والمغرب؛ لأنهم إذا شرقوا أو غربوا لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها، وإلى هذا نحا البخارى فى كتابه (¬2)، وإلى ما ذهب إليه مالك من التفريق بين القرى والصَّحارى ذهب الشافعى (¬3) تعويلاً على تخصيص حديث ابن عُمَر، وما جاء من الحديث بمعناه، ولمالك قول آخر بالمنع فيهما إِلَّا فى الكُنُف للمشقة فى الانحراف فيها، وأختُلِف على أبى حنيفة، فمشهور مذهبه المنعُ فيهما - وهو قول أحمد وأبى ثور أخذًا بظاهر مجردِ النهى، والأمر بالتشريق والتغريب، وعن أبى حنيفة المنع فيهما فى الصحراء والاستقبال فى المدن دون الاستدبار، وذهب ربيعةُ وداود إلى جواز ذلك فيهما؛ اعتمادًا على حديث ابن عمر، وأنه ناسخ لكونه متأخرًا مع ما ورد بمثلِه (¬4)، وروى عن أبى حنيفة - أيضًا - جوازُ الاستدبار فيهما وإنما يُمنع فيهما الاستقبال وأما الاستدبار فبحكم (¬5) أن المدينة ما بين بيت المقدس ومكة، فاستقبال أحدهما استدبار الأخرى للحديث الوارد فى النهى عن استقبال القبلتين، ولحديث ابن عمر؛ من أنه رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستقبل بيت المقدس، ولحديث جابر: أنه رآه قبل موته مستقبل القبلة لذلك ونحوه عن أبى قتادة، وذهب النخعى وابن سيرين إلى منع استقبال القبلتين واستدبارهما، وذهب بعض شيوخنا أن ظاهر المذهب جواز استقبالها فى القرى والمدائن واستدبارها من غير ضرورة إلى ذلك واستدل بلفظٍ محتملٍ وقع له فى المدَّونةِ (¬6)، وقيل فى اطلاع ابن عمر: ليس من التجسُّسِ، ولعلَّه من غير قصدٍ، أو يحتمل أنه قصد ¬

_ (¬1) فى المدونة 1/ 7: " أيجامع الرجل امرأته مستقبل القبلة فى قول مالك، قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئاً وأرى أنه لا بأس به ". (¬2) فى كتاب الوضوء، ب لا نستقبل القبلة بغائطٍ أو بول إِلَّا عند البناء (144). (¬3) راجع: المجموع للنووى 2/ 78. (¬4) المغنى 1/ 220. (¬5) فى ت: فحكم. (¬6) المدونة 1/ 7. وقال مالك: إنما الحديث الذى جاء: " لا نستقبل القبلة لبول ولا لغائط " إنما يعنى بذلك فيما فى الأرض، ولم يعن بذلك القرى والمدائن.

إِنِّى أرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ، حَتَّى يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ. فَقَالَ: أجَلْ، إنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِىَ أحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ، وَقَالَ: " لا يَسْتَنْجِى أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك للتعليم والأمن (¬1) من الاطلاع على ما لا يجب الاطلاع عليه، إذ مقصده الاطلاع على توجه وجهه حين جلوسه ورؤية ظاهره لا غير ذلك؛ ليستدل منه على مراده، وقول أبى أيوب عنها: " ونستغفر الله "، قيل: لعله لم يبلغه حديث ابن عمر. وقوله آخر الحديث: " قال: نعم " هو جواب سفيان ليحيى بن يحيى عن قوله: سمعتُ الزهرى يذكر عن عطاء، على مذهب من يرى التقرير في العرض والقراءة على المُحِّدِثِ، وفى قول أبى أيوب أخذه بالعموم والقول بهِ. وقوله: " وأن يستنجى بيمينه " وفى حديث آخر: " يتمسَّح بيمينه " وفى آخر: " أن يستطيب بيمينه " وكله بمعنى واحدٍ سواء بالماء أو الحجارة، فهو استنجاء لأنه إزالة النجوس، أو تفسيره [من] (¬2) قولهم: نجوت العود إذا قشرته، وكذلك معنى التمسُّح وكذلك الاستجمار، وقد تقدَّم وكذلك الاستطابة؛ لأنه يطبب الموضع بفعْله ويذهب عنه القذَرَ، وفى حديث آخر: النهى عن مس الذكر باليمين. قال الإمام: فينبغى لمن أراد أن يستجمر من البول أن يأخذ ذكره بشماله ثم يمسح به حجراً ليسلم على مقتضى الحديثين. قال القاضى: أَمَّا من أمكنه حجرٌ ثابتٌ يتمسَّح به وأمكنه الاسترخاء حتى يتمسح بالأرض أو ما يمكنه التمسح به من ثابتٍ طاهرٍ جامد فنعم، ولكنه قد لا يتهَّيأ له ذلك ولا يمكنه فى كل وقتٍ، وإذا كان هذا ودعت ضرورة إلى الاستعانة باليمين، فأولى ذلك أن يأخذ ذكره بشماله، ثم يأخذ الحجر أو الخرقة أو العود أو ما يتمسَّح به بيمينه، فيمسكه أمامه، ويتناول بالشمال تحريك رأس ذكره، ويمسحه بذلك دون أن يستعمل اليمين فى غير الإمساك، فلا يكون ماسًا ذكره بيمينه ولا مستنجيًا بها. وقد ذكر الخطابى وجهًا آخر، وهو أن يجلس على الأرض ويمسك برجليه الشىء الذى يتمسَّح به ويتناول إمساك الذكر بشماله (¬3)، وهذا - أيضًا - لا يتهيأ فى كل موضعٍ ولا لكل بائل، والأولى فيه ما ذكرناه وهو يتهيأ على كل حال، وقد يتساهل الناس في التمسح بالحيطان، وهو مما لا يجب فعله لتنجيسها، ولأن للناس ضرائر فى الانضمام إليها لا سيما عند نزول الأمطار وبلل الثياب، ولا يجب - أيضاً - فى حيطان المراحيض لهذا؛ ¬

_ (¬1) فى الأصل: والأول. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) معالم السنن 1/ 23.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأنها تتنجَّس من تكرار ذلك فيكون التمسح بها بعد من الاستجمار بالتنجس الذى لا يُطهَرُ ولا يُعفَى عنه؛ ولأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الاستنجاء بالرجيع (¬1) لأنه يُزيد الموضِع تنجسًا، ويُدخِل عليه نجاسةً من خارج غير ضروريَّةٍ ولا معفوّ عنها. وعلة النهى عن هذا إكرامًا للميامن، وتخصيصها بأعالى الجسم وأفعال العبادات والمكرمات والأكل والشرب والسلام، وتنزيهها عن مباشرة الأقذار والنجاسات والعورات. ومذهب مالك وعامَّةِ أهل العلم أن المستنجى بيمينه أساء واستنجاؤه جائز، ومذهب أهل الظاهر وبعض الشافعية إلى أن الاستنجاء باليمين لا يجزئ، لاقتضاء النهى فساد المنهى عنه، وهو أصل مختلف فيه عند أرباب الأصول (¬2). وقوله: " وأن يستجمر بأقل من ثلاثةِ أحجار " (¬3)، قال الإمام: يحتج به من قال من أصحابنا: لا يقتصر على أقل من ثلاثةِ أحجار، وإن حصل الإنقاء بدونها، وهذا نحو ما ذكرنا من حجة من قال: تُغْسل اليد ثلاثًا قبل إدخالها فى الإناء وإن كانت نقيَّةً. قال القاضى: قد تقدم من هذا شىء فى أول الباب، لكن فى حديث سلمان هذا من رواية ابن مثنى: " لا يستنجى أحدكم بدون ثلاثة أحجار "، وهو أقوى حجة للمخالف، وقد حمله شيوخنا على الندب لمبالغة النقاوة، ولأنه أكثر ما يستعمل غالبًا، وَقلَّ (¬4) ما ينقى الواحد، أو لاستعمالها فى المخرجين، وللحديث الآخر من قوله: " فجئت بحجرين وروثة فاستنجى بالحجرين وألقى الروثة " وللحديث الآخر: " من فعل فقد ¬

_ (¬1) أبو داود فى سننه، ك الطهارة، ب ما ينهى عنه أن يستنجى به 1/ 9. (¬2) حكى الآمدى اتفاق الشافعية على أن النهى عن الفعل لا يدل على صحته، قال: ونقل أبو زيد عن محمد بن الحسن وأبى حنيفة أنهما قالا: يدلُّ على صحته. الأحكام 2/ 179. واختيار المحققين من علماء الأصول أن النهى إن كان في العبادات فسدت، كالنهى عن صوم يوم العيد، والنهى عن صوم أيام التشريق، فالصوم فيها يبطل، لأنه لا يتقرب إلى الله تعالى بما ينهى عنه، ولأن العبادات تكليفات دينية تعلقت بها أوامر الله تعالى، فإذا تعلق مع ذلك بها نهيه فمعنى ذلك أن المؤدى غير المأمور به، وإلا كان الأمر والنهى واردين على محل واحد فيكون التناقض. أما إذا كان النهى فى المعاملات فإنها لا تفسد، كالنهى عن البيع وقت النداء للجمعة، والنهى عن تلقى السلع فى الشراء؛ لأن العقود ونحوها من الأمور العادية التى ترتبط بمعاش الناس وأعمالهم الدنيوية، ولا يقصد منها التقربُ إلى الله تعالى، إنما هى من المباحات التى يتخيرها المكلف لصالح نفسه، فلو وقع العقد حال النهى ترتبت عليه آثاره، لأن الآثار تابعةٌ لتوافر الشروط والأركان، بخلاف العبادات فآثارها تابعة للقبول من الله تعالى، ولا يمكن أن يتحقق القبول مع النهى فى العبادات. أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أن النهى لا يقتضى الفساد، ما دام المنهى عنه قد استوفى شروط صحته وأركانه كاملة، فالنهى عن صوم يوم الشك لا يقتضى بطلان صومه بل يصح الصوم عنده مع الكراهة، والنهى عن صوم يوم العيدين وأيام التشريق لا يقتضى البطلان بل يصح الصوم مع التحريم. أصول الفقه: 114. (¬3) فى المعلم: وأن يستجمر بثلاثة أحجار. (¬4) فى ت: أقل.

58 - (263) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: نَهَى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بِبَعَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحسن، ومن لا، فلا حرج " (¬1). وقوله: " ثلاثة أحجار ": تعلق داود بنص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها أنه لا يجزئ الاستنجاء بغير الأحجار، وعامة العلماء على خلافِه، ولكن مالكًا وغيره يستحب الحجارة وما فى معنى الحجارة، وما هو من جنسها (¬2). واستثناء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى النهى عن الاستنجاء بالعظم والروثة وما خَصَّه مما نصَّ عليه يقابل تعلقهُم بتخصيص اسم الحجارة، ولأن تعلق الحكم بالاسم لا يدُلُ على أن ما عَداه بخلافه عند أكثر الأصوليين (¬3)، وتعليله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند طرح الروثة بقوله: " إنها رِكسٌ " فبيَّن علَّتها، ولم يقل: إنها ليست بحجرٍ دَلّ أن لا اعتبار بالحجر نفسه، لكن ذكره الأحجار لأنها أكثر ما يوجد، ولأنه قد جاء فى حديث ابن عباس: " أو ثلاث حثَياتٍ من ترابٍ أو ثلاثةِ أعواد ". وأما نهيه عن الاستجمار بالروثة والعظم والبعر، وفى رواية: " والرِّمَّةِ " قال الإمام: قيل فى علة منعه: لأجل أنه زادٌ للجن وعلفُ دوابِّهم، وقيل: لأن الروثة تزيد فى نجاسة ¬

_ (¬1) أبو داود فى ك الطهارة، ب الاستتار فى الخلاء (35). وأورده البيهقى فى معرفة السنن وقال: " فهذا وإن كان قد أخرجه أبو داود فى كتابه فليس بالقوى " 1/ 868. (¬2) قال ابن عبد البر: قالت طائفة من أصحابنا: إن الأحجار تجزئ، وقال: قال مالك: تجوز الصلاة بغير الاستنجاء، والاستنجاء بالحجارة حسَنٌ، والماء أحبُّ إليه، وقال الأوزاعى: تجوز ثلاثة أحجار، والماء أطهر. الاستذكار 2/ 45. (¬3) تعلق الحكم بالاسم هو المسمى عند الأصوليين بمفهوم اللقب، ويعنون به دلالة تعليق الحكم على اسم جامد على نفى الحكم عما عداه، أو هو نفى الحكم عما لم يتناوله الاسم، كما ذهب العضد، ومثلوا له بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فى الغنم زكاة "، فهل يدل على من يأخذ به على عدم الزكاة فى غير الغنم؟ وجمهور العلماء على أن مفهوم اللقب ليس بحجة، وخالف فى ذلك الدقاق وحكاه عن بعض الشافعية ابنُ فورك، وحكاه السهيلى فى " نتائج الفكر " عن أبى بكر الصيرفى، ونقله أبو الخطاب الحنبلى فى التمهيد عن منصوص أحمد، قال: وبه قال مالك، وداود، وبعض الشافعية، ونقل القول به عن ابن خويز منداد، والباجى، وابن القصار، وحكى ابن برهان فى " الوجيز " التفصل عن بعض الشافعية. ومن قال بعدم حجته استدل بأن ذلك يفضى إلى سد باب القياس، وعلى ذلك فالتنصيص على الأعيان الستة فى الربا يمنع جريانه فى غيرها. راجع: إرشاد الفحول 382، الإحكام للآمدى 3/ 95، شرح مختصر ابن الحاجب 2/ 182 أصول الفقه 120.

59 - (264) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: قلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتَ الزُّهْرِىَّ يَذْكُرُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلا غَائِطٍ، وَلكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا ". قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّام. فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ. فَنَنْحَرِفُ عَنْها وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المكان والعظم لا يُنقى لملوسته وعقْدُ ما يجزى الاستنجاء (¬1) [عندنا] (¬2) به كلُ منقٍ طاهر ليس بمطعوم ولا ذى حُرمةٍ، فقولنا: مُنقٍ احتراز من العظم والزجاج، وقولنا: طاهر احترازًا من النجس، وقولنا: ليس بمطعوم احترازًا من الأطعمة، وقد يدخل فيه طعام الجن، وقولنا. ولا ذى حُرمةٍ احترازًا من حيطان المساجد وشبه ذلك، وقد شذَّ بعض الفقهاء ولم ير الاستنجاء بالماء العذب، [وهو إنما بنى] (¬3) على أنه طعام عنده والاستنجاء بالطعام ممنوع. قال القاضى: زاد بعض شيوخنا فى صفة المستنجى به إِلَّا يكون سَرَفًا، احترازًا من الجواهر النفيسة، وأن يكون منفصلاً، احترازًا من يد نفسه، وأن يكون جامدًا؛ لأن به يقع التجفيف، ولأن الشىء الرطبَ والخرقةَ المبتلة أو الحجر المبتل وإن قلع النجوَ وأزاله، فإنه خرج عن حَدِّ المسح ولم يبلغ درجةَ الغُسل فخرج عن بابه، ولأن بما فيه من رطوبة ينشر النجاسةَ عن محلها، ووقع فى مسلم فى النهى عن الاستنجاء بالرجيع، وهى العذَرَةُ لنجاستها، والعلة فى ذلك ما تقدم من إدخالها بمباشرة رطوبة الموضع عليه نجاسةً خارجةً غير ضرورية، وكذلك ذكر فى الأم فى بعض الروايات، والرِّمَةِ وهى العظم البالى (¬4)، وهى من معنى العظم. وعلل العظم بعللٍ، منها: ما جاء فى الحديث: أنه زاد الجن، ومنها: أنه من باب المطعومات وما له حرمةٌ إذ تؤكل فى الشدائد ويُتمشمسُ (¬5) مع الاختيار، وأن الرّمَّة يريدُ بأنها تتفتت ولا تنقى، وقيل: لملوسة العظم وصقالته وأنه لا ينقى، وقيل: لأنه لا يُعْرى من بقية دسمٍ يبقى فيه يزيدُ المكان نجسًا. وفى بعض الأحاديث: " والحُمَمَةُ " وهى الفحم، والعلة فيها - أيضاً - ما جاء فى الأثر أنها من طعام الجن، ولأنه لا صلابةَ لأكثره، بل يتفتت عند الاستنجاء به والضغط له ولا يقلع ¬

_ (¬1) فى ت: الاستجمار. (¬2) من المعلم. (¬3) فى المعلم: وهذا إنما هو بناء. (¬4) الأم 1/ 22. (¬5) فى ت: وينشههلى، وهى غير مفهومة.

60 - (265) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " إذا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ، فَلا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا ". 61 - (266) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ؛ قَالَ: كُنْتُ أصَلِّى فِى الْمَسْجِدِ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْقَبْلَةِ، فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلاِتى انْصَرَفْتُ إلَيْهِ مِنْ شِقِّى، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَقُولُ نَاسٌ: إِذَا قَعَدْتَ لِلْحَاجَةِ تَكُونُ لَكَ، فَلا تَقْعُدْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلا بَيْتَ الْمَقْدِسِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَلَقَدْ رَقِيتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ، فَرَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ، لَحَاجَتِهِ. 62 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: رَقِيتُ عَلِى بَيْتِ أخْتِى حَفْصَةَ، فَرَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحدث كالتراب ويُلوث جسد الإنسان ويُسوِّدُه، والإسلامُ بُنى على النظافة، واختلفت الرواية عن مالك فى كراهة هذا، والمشهور عنه النهى عن الاستنجاء بها على ما جاء فى الحديث، وعنه - أيضًا - إجازة ذلك، وقال: ما سمعت فى ذلك (¬1) بنهى عام، وذهب بعض البغداديين إلى جواز ذلك إذا وقع بما كان وهو قول أبى حنيفة (¬2)، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز، وإليه نحا ابنُ القصار، وهو قول الشافعى، وقال بعضهم: لا يجزئ مما كان بحسِّ العين للعلة التى قدَّمنا، وإليه نحا القاضى ابن نصر. وذكر مسلم حديث أحمد بن الحسن بن خراش قال: ثنا عمر بن عبد الوهاب، ثنا يزيد بن ذريع، ثنا روح، عن سُهيلٍ، عن القعقاع، عن أبى صالحٍ، عن أبى هريرة، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جلس أحدُكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها "، قال الدارقطنى: هذا غير محفوظ عن سهيل وإنما هو حديث ابن عجلان حدَّث به عنه روحٌ ¬

_ (¬1) فى الأصل: بذلك. (¬2) المغنى 1/ 215، 216، الاستذكار 2/ 42.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيره (¬1)، وقد ذكر حديث ابن عُمَر: لقد رقيتُ على ظهر بيتٍ فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدًا على لبنتين ... الحديث، إن قيل: كيف استجاز ابن عُمَرَ الاستكشاف على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى تلك الحال؟ قيل: يحتمل أنه لم يقصد ذلك، أو قصد من ذلك رؤية أعلاه ليستدل بصورة جُلوسِه هناك على فِعله مع تحفِّظِه من الاطلاع على غير أعلاه. ¬

_ (¬1) التتبع 169، وعبارته فيه. وإنما هو حديث ابن عجلان، حدث به الناس عنه، منهم روح بن القاسم، كذلك قال أمية بن يزيد.

(18) باب النهى عن الاستنجاء باليمين

(18) باب النهى عن الاستنجاء باليمين 63 - (267) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَن أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمينِهِ وهُوَ يَبُولُ، وَلا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَنَفَّسْ فى الإنَاءِ ". 64 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائىِّ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ الَخْلاءَ فَلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ ". 65 - (...) حدّثنا ابْنُ أبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِىُّ عَنْ أَيُّوبَ، عْنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَنَفَّسَ فِى الإِنَاءِ، وَأنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَأنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى هذا الحديث: " ونهى عن التنفس فى الإناء ": هو على طريق الأدب ومخافة التقزّز للغير لأجل ذلك، كما نهى عن النفخ فى الشراب لذلك ومخافة ما لعله يخرج مع النفخ والنفس من البُصاق ورطوبةِ الأنف، ويقع فى الشراب والطعام فيُتَقَذَّر لذلك؛ ولأن ترداد النفس فى الإناء يبخره وَيكسبه رائحة كريهةً، وهو أحد معانى النهى عن اختناث الأسقية، ويأتى تمامُهُ فى كتاب الأشربة. وهناك معنى الحديث الآخر: أنه كان يتنفس فى الإناء ثلاثاً.

(19) باب التيمن فى الطهور وغيره

(19) باب التيمن فى الطهور وغيره 66 - (268) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِى طُهُورِهِ إِذَا تَطَهَّرَ، وَفِى تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ، وَفِى انْتِعَالِهِ إِذَا انْتَعَلَ. 67 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِى شَأْنَهِ كُلِّهِ، فِى نَعْلَيْهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يحب التيمن فى شأنه كله ": تبركًا باسم اليمين، وإضافة الخير إليها، قال الله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} (¬1) وقال: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} (¬2) {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} (¬3) ولما فى معناه من اليُمن. ¬

_ (¬1) مريم:52. (¬2) الواقعة: 27. (¬3) الحاقة: 19 والانشقاق: 7.

(20) باب النهى عن التخلى فى الطرق والظلال

(20) باب النهى عن التخلى فى الطرق والظلال 68 - (269) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ " قَالُوا: وَمَا اللَعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الَّذِى يَتَخَلَّى فِى طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِى ظِلِّهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اتقوا اللاعِنين " وتروى " اللَّعانين، وفسَّر ذلك بالتخلى فى طريق الناس أو ظلهم (¬1) التخلى مأخوذ من الخلاء وهى عبارة عن الستر والتفرد لقضاء الحاجة والحدث، وسُمِّتِ اللاعنين، أى تجلبان اللعن لفاعلها؛ لأن مثل ذلك مأخوذ من جوادّ، وظلال المناهل مُسْتراح الناسِ ومُتردّدُهم لمنافعهم، فمن وجد فيها القذر ونكِدَ عليه تصرُّفه فيه لعن فاعله، وفى الحديث الآخر فى غير الأم: " اتقوا الملاعن الثلاث " (¬2)، وذكر هذين والثالث الموارد، وهى ضفة النهر ومشارع المياه، وقد يكون اللاعنان هنا بمعنى الملعونين، أى الحالتين الملعونتين والملعون فاعلهما، كما قال: {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} (¬3) أى مرضية. ¬

_ (¬1) فى الأصل: ظلمهم. (¬2) أبو داود فى السنن، ك الطهارة، ب الواضع الى نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البول فيها 1/ 6، وأحمد فى المسند 1/ 299، ولفظ أبى داود عن معاذ: " البراز فى الموارد، وقارعة الطريق، والظل ". (¬3) القارعة: 6.

(21) باب الاستنجاء بالماء من التبرز

(21) باب الاستنجاء بالماء من التبرز 69 - (270) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا. وَتَبِعَهُ غُلامٌ مَعَهُ مِيْضَأَةٌ هُوَ أَصْغَرْنَا - فَوَضَعَهَا عِنْدَ سِدْرَةٍ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَخَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدِ اسْتَنْجى بِالْمَاءِ. 70 - (271) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى الحديث: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل حائطًا واتَّبعه غلام معه ميضأةٌ "، وذكر فيه: " أنه استنجى بالماء ". الميضأة إناء يُستعمل للوضوء مثل المطهرة، وقيل: هى ما يسع قدر ما يتوضأ به، واستحب بعض الناس إِلَّا يتوضأ إِلَّا من الأوانى ولا يتوضأ من المشارع والغدُرُ، إذ لم يرد ذلك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أصل له فى هذا، ولم يرد أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجدَها فعَدَل عنها إلى الأوانى. قال الإمام: اختلف الناس، ما المستحب فى (¬1) الاستنجاء؟ فقال بعضهم: الماء، وقال بعضهم: الأحجار، وقال بعضهم: [الأولى] (¬2) الجمع بينهما (¬3)، فالحجر لإزالة العين، والماء لإزالة الأثر. قال القاضى: واختلف فى الاستنجاء، هل هو فرض بنفسه أو من باب زوال النجاسة (¬4)؟ فمذهب مالك أنه من باب إزالة النجاسة وليس بفرض وأنه سُنةً لا ينبغى تركُها (¬5)، حكاه ابن القَصَّار. واختلفت عبارة أصحابه فى ذلك وفى حكمها فى الصلاة، وذهب الشافعى وأحمدُ وأبو ثور إلى وجوب الاستنجاء وإزالة سائر النجاسات، وحكى عبدُ الوهاب وجوبَ ذلك عن مالكٍ أيضًا، وقال أبو حنيفة: الاستنجاء ليس بفرضٍ (¬6)، قال: وإزالة غيره من النجاسات فرض، ثم اختلف أصحابنا، هل إزالتُها شرط فى صحة الصلاة أم لا؟ وهل يلزم الإعادة من صلى بها أبدًا أم لا؟ وهل هى شرط مع الذكر والنسيان أم مع الذكر فقط (¬7)؟ ¬

_ (¬1) فى جَميع نسخ الإكمال: من، والمثبت من المعلم. (¬2) من المعلم. (¬3) فى المعلم: بين ذلك. (¬4) المغنى 1/ 206. (¬5) المنتقى للباجى 1/ 41. (¬6) المغنى 1/ 206. (¬7) المغنى 1/ 206، 207.

ابْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فأحْمِلُ أَنَا، وَغُلامٌ نَحْوِى، إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ، وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِى بِالْمَاءِ. 71 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ - واللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - حَدَّثَنِى رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، عَنْ أنَسِ ابْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَرَّزُ لِحَاجَتِهِ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ، فَيَتَغَسَّلُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذا الحديث خدمة العالم والفاضل والخيِّر فى حوائجه وحملان العنزة معه فى هذا الحديث. وقال المهلب: لأنه كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متى استنجى توضأ، ومتى توضأ صلى، فكانت العنزة لسُترتِه فى الصلاةِ، حيث أخذته، وقد يكون لحضور السلاح معه فى كل وقتٍ لما عساه يحتاج إليه، فقد كان اليهود والمنافقون يَرومون قتله واغتياله بِكُلِّ حيلةٍ، والعَنَزةُ رُمح قصيرٌ، وقيل: عصًا فى طرفها زُج. ومن أجل هذا الحديث اتخذ الأمراءُ المشى أمامهم بالحربة. وقوله: " يتبرَّز لحاجته ": أى يأتى البراز، وهو المكان الواسع الظاهر من الأرض؛ ليخلو به لحاجته ويستتر لحدثه، وبذلك سمى الحدث كما سمى الغائط - أيضًا - بذلك، وجاء فى هذه استنجاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالماء. وأحاديثه فى ذلك كثيرةً صحيحة، وكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتى من الأمور أفضلها ومعاليها، فدل أن الاستنجاء بالماء أفضل من الاقتصار على الأحجار، وهو مذهب الأنصار، وبه أثنى الله عليهم بالطهارة وأنه يحب المتطهرين، ومن ذهب إلى الجمع بينها وبين الأحجار، جاء بأتم الأمور من التنزه عن مباشرة القذر بيده وبين (¬1) تحلل بقاياه وإلقاء الماء أوَّلاً، وانتشاره برطوبته عن موضعه، والحاجة الى كثرة صب الماء والعرك لغسله، فإذا أزال العين بالأحجار وبقى الأثر والحكم أزاله يسير الماء والغسْل، وما روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من استعمال الأحجار ففى مواضع عدَم الماء وتعذّره فى الأسفار، وقد يحتمل استعمال الماء مع ذلك، والله أعلم. قال الأصيلى فى حديث أنس هذا: وقوله: " يستنجى بالماء " [أن] (¬2) الاستنجاء ليس بالبيِّن فى الحديث؛ لأنه ليس من قول أنسٍ، وإنما هو من قول أبى الوليد الطيالسى (¬3)، وقد رواه سليمان بن حرب عن شعبة، وليس فيه: " يستنجى بالماء "، فيحتمل أن حمل الماء كان لوضوئه، قال محمد بن أبى صُفرة: قد تابع أبا الوليد على ¬

_ (¬1) فى ت: ومن. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) هو هشام بن عبد الملك الباهلى، الإمام الثقة، ولد عام ثلاث وثلاثين ومائة، وتوفى عام سبع وعشرين ومائتين. روى عنه البخارى مائة وسبعة أحاديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فيه: " يستنجى " غيرُه. قال القاضى: وقد ذكر مسلم عن خالدٍ ووكيع وغندر عن شعبة قوله: " فيستنجى بالماء " وفى بعضها: " فخرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد استنجى بالماء "، وهذا من قول أنسٍ بغير شكٍ، وذكر من رواية روح عن عطاء عن أنسٍ: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبرز لحاجته فأتيته بالماء فيغتسلُ ". قال أبو عُمَر: والفقهاءُ اليوم مجموعين على أن الماء أطهر وأطيبُ، والأحجار توسعةٌ ورخصةٌ فى الحضر والسفرِ (¬1)، وقال ابن حبيبٍ - ومثله لمالك -: قد تُرِك الاستجمارُ ورجَع العمل إلى الماءِ. قال ابن حبيب: ولا نجيزُ اليومَ الأحجارَ، ولا نبيحُ الفتوى بذلك إِلَّا لمن عدَم الماء، وهذا لا يُسلَّمُ له، إذ عُلِمَ - من السلف استعمالُ ذلك مع وجود الماء (¬2). ¬

_ (¬1) الاستذكار 2/ 233، ولفظه هناك: " والأحجارُ رخصةٌ وتوسعةٌ، وأن الاستنجاء بها جائز فى السفر والحضر ". (¬2) وذلك لقول المغيرة: " فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسكبتُ عليه الماء، فغسَل وجهه " فلم يذكر أنه استنجى بالماء. قال أبو عمر: وفى الآثار كلها أن الإداوة كانت مع المغيرة وليس فى شىء منها أنه ناولها رسول الله فذهب بها، ثم لما انصرف ردها إليه. السابق 2/ 232.

(22) باب المسح على الخفين

(22) باب المسح على الخفين 72 - (272) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ؛ قَالَ: بَالَ جَرِيرٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ: تَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. قَالَ الأَعْمَشُ: قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ؛ لأنَّ إسْلامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ المَائدَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر المسح على الخفين قال الإمام: [اختلف قول مالك - رحمه الله] (¬1) فى المسح على الخفين، فروى عنه قولةً شاذةً أنه لا يمسح فى سفر ولا حضرٍ (¬2)، ورُوى عنه أنه يمسح فيهما (¬3)، وروى عنه المسح (¬4) فى السفر خاصة (¬5). فأما القول بأنه لا يمسح جملةً فإن المالكيةَ لا يُعرِّجون عليه ولا يكادُ كثير منهم يعرفُه، وأظن أن صفة ما روى فيه عن مالك أنه قال: لا أمسح، فإن كانت الرواية هكذا فقد يتأول على أنه إنما اختار ذلك فى خاصة نفسه لا أنه يُنكر جواز ذلك، وإن كان لفظ الرواية تقتضى إنكار جواز المسح [فى السفر] (¬6) فإنه يكون وجهه التمسك بالآية وتقديمها (¬7) على أحاديث المسح، وقد أشار مالك - فيما رُوى عنه - إلى ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) المنتقى للباجى 1/ 77، وذكر فيه: وقد قال الشيخ أبو بكر فى شرح المختصر الكبير أنه روى عن مالك: لا يمسح المسافر ولا المقيم، فإن صحت هذه الرواية فوجهها أن المسح منسوخ كما ذكر بعد ذلك عن ابن وهب أنه قال: " آخر ما فارقته على المسح فى السفر والحضر ". وقال ابن عبد البر: وقد روى عن مالك إنكار المسح على الخفين فى السفر والحضر، وهى رواية أنكرها أكثر القائلين بقوله والروايات عنه بإجازة المسح على الخفين فى الحضر والسفر أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى موطأه، وهو مذهبُه عند كل من سلك اليوم سبيله، ولا ينكِرُه منهم أحدٌ، والحمد لله، الاستذكار 2/ 237. (¬3) فى المعلم: عليهما فى السفر والحضر. (¬4) فى المعلم: أنه يمسح عليهما. (¬5) فى المعلم: فى السفر ولا فى الحضر. (¬6) من المعلم. (¬7) فى المعلم: وتقدمتها.

(...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ عِيسَى وَسُفْيَانَ: قَالَ: فَكَانَ أصْحَابُ عَبْدِ اللهِ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ؛ لأنَّ إسْلامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك فقال: إنما هى أحاديث وكتابُ الله أحقُّ أن يُتَبع. وأما جواز المسح فالحجة الأحاديث الواردة فى المسح، وقد ذكر بعض التابعين من بلوغها بالكثرة (¬1) [ما] (¬2) رُبَّما دَلّ على أنها ترتفع عن رتبة أخبار الآحاد، وتلحق بما هو متواتر فى المعنى، والمفهوم كمثل ما ذهب إليه أهل الأصول فيما نُقِل من الأخبار فى بعض آيات الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها متواترة على المعنى والمحصول. وأما وجه القول بالتفرقة بين الحضر والسفر في المسح فلأن أكثر الأحاديث إنما وردت فى السفر؛ لأن السفر محلُّ الرخص وقد خُصَّ بالقصر والفطر والتنفُّلِ [عندنا] (¬3) على الدابة وشبه ذلك، ويصح أن يجعل حديث السباطة المتقدم حجةً على المسح فى الحضر لأن الغالب أن السباطة - وهى المزبلةُ - إنما تكون فى الحواضر، وقد قال: " سباطة قوم "، فأضافها إلى قوم مخصوصين ولو كانت فى الفلوات لم تكن كذلك. وهل من شرط جواز المسح على الخفين أن يُلبسا على طهارةٍ أم لا؟ مذهب داود أنه يجوز المسح عليهما إن كان قد لبسهما ورجلاه طاهرتان من النجاسة، وإن لم يكن مستبيحًا للصلاة، والفقهاء على خلافِه، وسببُ الخلاف قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعهُما، فإنى أدخلتُهما طاهرتين "، هل هذا محمول على الطهارة اللغوية أو الشرعية؟ وهذا المعنى [ما] (¬4) قد اختلف أهل الأصول فيه، وهو تقدمة الاسم العرفى على اللغوى أو تقدمة اللغوى على العرفى (¬5)؟ والخلاف فيما ذكرنا كالخلاف فى قوله: " توضؤوا مما مست النار "، هل يُحمل ذلك على الوضوء اللغوى الذى هو غسل اليد، أو على الوضوء الشرعى؟ واختلف القائلون باشتراط الطهارة الشرعية هل يجزئ أن يمسح عليهما المتيممُ؟ وهذا على الخلاف فى التيمم، هل يرفع الحدث أو لا؟ واختلف - أيضاً - فيمن لبس خُفَّين على ¬

_ (¬1) فى المعلم: فى الكثرة. (¬2) من المعلم. (¬3) من المعلم. (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) من ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توضؤوا مما مسَّت النار " فقيل: المراد غسلُ اليدين، وقيل: الوضوء حقيقة. إكمال 2/ 52.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ " فى الشراب " يعنى أن يتنفس حين شربه ويقطعه، لا أنه يتنفس داخل الإناء، وقيل: " فى الإناء " هنا بمعنى: عن الإناء بمعنى قوله: " أبن القدح عن فيك ". وقد جاءت الأحاديث الصحيحة فى مسلم وغيره عن النهى فى التنفس فيه، وعن النفخ فى الطعام والشراب، ولقوله - عليه السلام - فى الحديث الآخر: " أبن القدح عن فيك ثم تنفس " (¬1)، وعلة ذلك إما للتقزز أو التقذر، مما لعله يخرج عند التنفس والنفخ من أنفه أو فيه من ماء أو غيره، أو لما يكتسب الإناء من بخر ورائحة قبيحة بالنفس، أو لما لعله يكون متغير النكهة فيتعلق ذلك بالإناء وبفيه. وقال عمر بن عبد العزيز: إنما نهى عن التنفس فى الإناء، فأما إذا لم يتنفس فاشرب إن شئت بنفس واحد. وقد حمل بعضهم تنفسه - عليه السلام - فى الإناء على ظاهره ليرى جواز ذلك، ولأنه - عليه السلام - كان لا يتقذر أحد بسؤره، ولا ما تنفس فيه، بل كانوا يتبركون به، كما أمر بالأكل مما يلى وكان هو يتبع الدبى من حول القصعة؛ لعلمه أنه كان يستحسن ذلك منه، بخلاف غيره، كما سنذكره بعد إن شاء الله. وقال بعض العلماء: هذا فى [غير] (¬2) حق الشارب وأما الإنسان ومع من يعلم أنه لا يتقذره فلا بأس بتنفسه فى الإناء، كما فعل - عليه السلام. قال الإمام: مذهبنا جواز الشرب فى نفس واحد؛ لقوله - عليه السلام - للذى شكى إليه أنه لا يروى من نفس واحد: " أبن القدح عن فيك، ثم تنفس "، فظاهره أنه أباح له الشرب فى نفس واحد إذا كان يروى منه. وقد استحب بعض العلماء الحديث الوارد فى مسلم فى التنفس ثلاثاً. قال القاضى: اختلف السلف فى الأخذ بظواهر هذه الأحاديث، فكره بعضهم الشرب من نفس واحد، منهم: ابن عباس، وطاووس، وعكرمة، وقالوا: هو شرب الشيطان. وأباحه جماعة منهم: ابن المسيب، وعطاء بن أبى رباح، وعمر [بن] (¬3) عبد العزيز، ومالك بن أنس، وقد ذكرنا مذهب عمر بن عبد العزيز فى الجمع بين الحديثين. قال الإمام: ذكر مسلم فى الباب: حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا الثقفى، عن أيوب، عن يحيى بن أبى كثير، عن عبد الله بن أبى قتادة، عن أبيه. [قال بعضهم: هكذا روى إسناده مجرداً فى النسخة عن الجلودى، وفى رواية السجزى فيه وهم، قال: عن ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب النهى عن الشراب فى آنية الفضة والنفخ فى الشراب 2/ 925 (12)، أحمد 3/ 57، الترمذى، ك الأشربة، ب ما جاء فى كراهية النفخ فى الشراب 4/ 304 (1887). (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى ح: وابن.

73 - (273) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْتَهى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، فَتَنَحَّيْتُ، فَقَالَ: " ادْنُهْ " فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ. فَتَوَضَّأَ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. 74 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ؛ قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُشَدِّدُ فِى الْبَوْلِ، وَيَبُولُ فِى قَارُورَةٍ وَيَقُولُ: إِنَّ بَنِى إسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أصَابَ جلدَ أحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ بِالْمَقَارِيضِ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لا ـــــــــــــــــــــــــــــ المسح الخوارج؛ إذ ليس [هو] (¬1) فى القرآن على أصلهم، والشيعة؛ لما روى عن على أنه كان لا يمسح. وقوله فى حديث حذيفة: " أتى سُباطة قومٍ فبال قائماً ": اختُلِف فى وجه ذلك فقيل: بال قائماً لأنها حالةٌ يؤمَن معها خروج الحدث فى الغالب، وقيل: إنما فعل ذلك لوجَعٍ كان به، وقيل: لعلَّ تلك السُباطة كان فيها نجاسات رطبةٍ وهى رِخوةً يأمن إذا بال [فيها] (¬2) قائمًا أن يتطاير عليه، وخشى (¬3) إن جلس ليبول أن ينال ثيابه النجاسة ولذلك بال قائمًا (¬4). [وذكر فى الحديث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على خفيه] (¬5) قال القاضى: السُباطةُ المزبلة، وقد استُدِلّ بذكرها أنه كان فى الحضَر، إذ الغالبُ كونها فى المدن، وقد روى عن الأعمش فيه: " كنت مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة "، والثابت عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا أراد البراز أبعَدَ المذهبَ، وأنه كان يَرْتاد لبوله، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشغل بأمور المسلمين والنظر فى مصَالحهم بحيْثُ عُلِمَ، وقد يطولُ عليه حتى يحفِزَه البولُ، فلو أبعد لتأذى. فلذلك والله أعلم بَال فى هَذِهِ المرة قائمًا لحُفْزَةٍ له، وارتاد لذلك السباطَةَ لِدَمَثِها، وقام لقربهِ من الناس، ومخافة، ما يكون منه إن جلس، ولذلك ما تنحى عنه حذيفةُ حتى استدناه، ولذلك قال عمر: البول قائمًا أحصَنُ للدُبُرِ، وقد قال مجاهد: ما بال قط قائمًا إِلَّا مَرَّةً، وأنكرت عائشة أنه بال قائمًا (¬6)، وإلا فكان أكثر حالِه البعدُ ببوله وغيره، وبحسب هذا ما اختلف السلف فى جوازه، فأجاز ذلك جماعةً منهم وكرهه آخرون، وقال ابن مسعود: من الجفاء أن يبول قائمًا، وردَّ سعيدُ بن إبراهيم ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) ليست فى المعلم. (¬3) فى الأصل: وعسى. (¬4) هذه عبارة المازرى، ومكانها عنده عقب قوله: ذكر المسح على الخفين. (¬5) من المعلم. (¬6) حديث إنكارها أخرجه الترمذى فى أبواب الطهارة، ب ما جاء في النهى عن البول قائماً، وليس بتكذيب لحذيفة، لاحتمال أن يكون مرادها - رضى الله عنها - نفي ذلك اختيارًا أو عادة.

يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ، فَلَقَدْ رَأيتُنِى أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَمَاشَى، فَأتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَام كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ، فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأشَارَ إِلَىَّ فَجِئْتُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ. 75 - (274) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبيْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شهادة من فَعل ذلك، وقد ذكر الخطابى أنه فعل ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجرحٍ كان بمأبضِهِ (¬1)، يعنى لعلَّه لم يتمكَّن من أجله بالجلوس، وكانت العربُ تستشفى من وجع الصلبِ بالبول قائمًا، وقال بعضهم: بولةً فى الحمام قائمًا خير من فصدةٍ. قال الإمام: وقوله لحذيفة: " ادنُه. قال حذيفةُ: قد دنوت حتى قمت عند عقبه "، وفى الحديث: أنه [قال] (¬2) لما أراد قضاء حاجته، [قال] (¬3): " تنح عنى فإنَّ كُلَّ بائِلةٍ تُفِيحُ " يصح حملُ الحديث الأول على أنه أمن [من] (¬4) خروج الحدث، وأراد أن يستتر بالقائِم خلفه عن الناس، والحديث الثانى على أن هذه الوجوه فيه مفقودة. قال القاضى: قال المروزى فى هذا الحديث: من السنة القربُ من البائل إذا كان قائمًا فأما إذا كان قاعدًا فالسنةُ البُعدُ منه، وقال غيره: فيه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوارى لمثل هذا؛ لأنها حالة عورة وهيئةٍ مكروهةٍ، إِلَّا تراه كيف قال: " أتى سُباطة قومٍ خلف حائط "، وقال غيره: استدناؤه لحذيفة وقيامه عند عقبه أنه - والله أعلم - استقبل الحائط تَستُرًا، ولم يأمن من يمرّ به من أحد الجانبين فيكشفه، فأقام حذيفة من ذلك الجانب ساترًا له إذ أمِن من الحدث لقيامه. ومعنى " انتبذتُ " معنى " بعدت وتنحيَّت " فى الحديث الآخر، وقيل: لعل هذا الحائط كان غير متملك؛ لإضرار البول بالحيطان، أو لعله لم يقرُب منه قُربًا يضَرُ به. قال الإمام: [وخرج مسلم أيضاً فى باب المسح على الخفين: حدثنا محمد بن نمير، ثنا زكريا عن عامر، حدثنى عروة بن المغيرة عن أبيه، قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة ... الحديث. ثم عقب بعد ذلك فقال: حدثنى محمد بن حاتم، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا عمر بن أبى زائدة، عن الشعبى، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا] (¬5). ¬

_ (¬1) معالم السنن 1/ 20. (¬2) من المعلم. (¬3) و (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) من المعلم.

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ، فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَفِى رَوَايَةِ ابْنِ رَمْحٍ مَكَانَ " حِينَ ": " حَتَّى ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ: فَغَسَلَ وَجْهَهُ ويَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأسِهِ ثُمَّ مَسَحَ عَلَىَ الْخُفَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث المغيرة: " بإداوة ": أى بإناء الوضوء، كما قال فى الآخر: " بميضأة وبمطهرة ". وقوله: " فصبَّ عليه حين فرغ من حاجته فتوضأ " كذا قال مسلم [عند قتيبة، وعند ابن رمح] (¬1) حتى فرغ، وكلاهما يصح لكن " حين " أبْيَن، لأنه صبَّ عليه للوضوء للصلاةِ لا لغير ذلك بدليل الحديث الآخر، وذكر فيه تواريه عنه لحاجته، قال: " ثم جاء فصُبَّ عليه فتوضأ ". وفيه حجة للجماعة فى جواز صب الماء على المتوضئ، ومثله فى حديث أسامة، خلاف ما روى عن عمر وابنه وعلىٌّ فى كراهة هذا وشبهه من استقاء الماء للوضوء لغيره، وأنه من الشركة فى الوضوء، وقول ابن عمر: لا أبالى أعاننى رجُلٌ على وضوئى أو على ركوعى وسجودى، قال الطبرى: وقد صح عن عمر خلافُه من صَبِّ ابن عباس على يديه للوضوء، وثبت عن ابن عمر خلاف ما روى عنه، وأنه كان يُسْكبُ له الماء لوضوئه. واستدل البخارى من هذا الحديث على جواز توضئة الرجل لغيره (¬2)؛ لأنه لما جاز له أن يكفيه غرْف الماء لوضوئه فكذلك سائر الوضوء، وهو من باب القربات التى يجوز أن يعملها الرجل عن غيرهِ، ولإجماعهم على جواز توضئة المريض وتيْميمِه إذا عجز عن ذلك، بخلاف الصلاة، ويحتمل أن صب المغيرةِ كان لضيق فم الإداوة، ويُشبه إن كانت لحمل الماء للشرب فلم يمكن الوضوءُ منها ولم يكن ميضأةً ولا مطهرةً كما جاء فى حديث غيره، وكذلك يختلف حكمُ الأوانى، فما يمكن إدخال اليد فيه كان حكمُه وضعه على اليمين، وما ضاق عن ذلك كان حكمه وضعه على اليسار ليُفرِغ منه على اليمين ويميله بياسره، فهذا اختيار أهل العلم. وقول المغيرة فى صفة وضوئه: " فغسل وجهه ويديه ومسح برأسِه ثم على الخفين " ولم يذكر من السُنن شيئاً، ليس فيه أنه لم يفعلها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكن المغيرة أخبر بالفرائض ¬

_ (¬1) فى ت: عند ابن رُمح، وعند قتيبة، وكتب أمامها بهامش الأصل. لفظ مسلم، وفى رواية ابن رُمح مكان حين: حتى. (¬2) البخارى، فى الوضوء، ب الرجل يوضئ صاحبه 1/ 56.

76 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أخْبَرنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أشْعَثَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلالٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ. إذْ نَزَلَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مَنْ إدَاوَةٍ كَانَتْ مَعِى، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. 77 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ. فَقَالَ: " يَا مُغِيرَةُ، خُذِ الإدَاوَةَ " فَأخَذْتُهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّى، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ عَلَيْهِ، فَأخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ وضُوءَهُ للِصَّلاةِ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى. 78 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عِيسَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْضِىَ حَاجَتَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ تَلَقَيْتُهُ بِالإدَاوَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وصارت سننُها فى طيِّها وبحكم التبع لها، وقد ذكر فى بعضها ابتداءه بغسل الكفين. وقوله: " فغسل وجهه ثم ذهب ليغسل ذراعيه، وضاقت الجبُّة فأخرجهما من تحت الجُبة فغسلهما "، قال الباجى: لأنه كان عليه إزار. وفيه جواز لباس مثل هذه الثياب لا سيما فى الأسفار والمغازى لتشمُّرِ (¬1) الإنسان فيها وانضمامِه وجمع ثيابه عليه (¬2). وفيه جواز إخراج اليد من تحت الثوب لمثل هذه الضرورة لا فى المجامع والمحافل والرفاهية، وفيه جواز التفريق اليسير فى الطهارة، وأن مثل هذا لا يقطع الموالاة فيها، لا سيما إن كانت من سببها مثل هذا ومثل نزع الخفين. وقد اختلف فى الموالاة هل هى من فروضها أو سننها؟ فمشهور المذهب أنه سُنَّةً، وقيل: فرض. قال ابن القصار: وهو ظاهر قول مالك (¬3)، وقيل: فرض مع الذكر ساقط مع النسيان، وقيل: فرض فى المغسول دون الممسوح، وقيل: مستحب. واختلف قول الشافعى فى وجوب ذلك، ولم يوجبه أبو حنيفة، ثم اختلف فى مفروضها (¬4) على ¬

_ (¬1) فى ت: ليتشمَّر. (¬2) لم أجد القول للباجى فى مظانه. (¬3) راجع: المغنى 1/ 190، وقد ذكر أقوال المذاهب فى الموالاة. (¬4) فى ت: من تركها.

فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَتِ الْجُبَّةُ فَأخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةَ، فَغَسَلَهُمَا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا. 79 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِى مَسِيرٍ. فَقَالَ لِى: " أمَعَكَ مَاءٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى فِى سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإدَاوَةِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذرَاعَيْهِ مِنْهَا، حَتَّى أخْرَجَهُمَا منْ أسْفَلِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، وَمَسَح بِرَأسِهِ، ثُمَّ أهْوَيْتُ لَأنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: "دَعْهُمَا، فَإِنِّى أدْخَلتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ " وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. 80 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِى زائدَةَ عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ وَضَّأَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ، فَقَالَ: " إِنِّى أدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا، فعلى [القول] (¬1) أنه فرض يعيدُ فى العمد والنسيان، وعلى القول أنه سنةً، فعند ابن عبد الحكم لا شىء عليه، وعند ابن القاسم لا شىء فى النسيان ويعيدُ فى العمد - على مذهبه فى ترك السنن عامدًا - وقد يكون هذا على القول باشتراطه مع الذكر، والدليل على صحة كونها مشروعة مسنونةً: مثابرتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الموالاةِ ولم يذكر عنه تفريق. واختلف فى حد التفريق المبطل للطهارة فقيل: جفاف الوضوء وقيل: ذلك يرجع إلى الاجتهاد، فقد يُسرع جفافُ الوضوء فى بعض الأوقات والبلاد والأبدان الحارة وبالضد من ذلك. وقيل فائدةُ حمل العنزَة والماء معه فى هذا الحديث وغيره: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان التزم إِلَّا يكون الأعلى طهارةٍ فى أكثر أوقاتِه، وكان إذا توضأ صلى ما أمكنه. وذكر مسلم فى طريق حديث المغيرة: حدثنى محمد بن حاتم ثنا إسحاق بن منصور ثنا عمر بن أبى زائدة، عن الشعبى، عن عروة، قال الإمامُ: قال بعضهم: هكذا روى لنا [عن] (¬2) مسلم إسناد هذا الحديث عن عمر بن أبى زائدة من جميع الطرق، ليس بينه وبين الشعبى أحدٌ، وذكر أبو مسعود أن مسلمًا خرَّجه عن عمر بن أبى زائدة، عن عبد الله بن أبى السَّفَر، عن الشعبى، عن [عروة] (¬3) [وهكذا قال الجوزى فى كتابه الكبير: ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) من المعلم. (¬3) ليست فى المعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذى رواه زكريا عن عامر الشعبى عن عروة] (¬1) ثم قال: ورواه عمر بن أبى زائدة عن ابن أبى السَّفَرِ عن الشعبى، وذكر البخارى فى تاريخه أن عمر بن أبى زائدة سمع من الشعبى، وأنه كان يبعث ابن أبى السفَر وزكريا إلى الشعبى يسألانه (¬2). وفى الباب بعد هذا: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، ثنا يزيد بن زريع، ثنا حميد، ثنا بكر، ثنا عروة بن المغيرة بن شعبة، قال بعضُهم: قال أبو مسْعُود: هكذا يقول مسلم فى حديث ابن بزيع، عن يزيد بن زريع، عن عروة بن المغيرة، وخالفه الناس فقالوا فيه: حمزة بن المغيرة بدل عروة، وأما الدارقطنى فينسب الوهم فيه إلى [يزيد] (¬3) لا إلى مسلم، والله أعلم (¬4). ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) التاريخ الكبير 3/ 2/ 152، وزكريا هو أخوه، قال أبو عبيد الأجرى عن أبى داود: عمرَ بن أبى زائدة أكبر من زكريا، وعمر يرى القدر. وقال فى موضع آخر: زكريا أعلى من أخيه عمر بكثير. راجع سؤالات أبى عبيد الأجرى الترجمة 174، 203. وابن أبى السفر هو عبد الله بن سعيد بن يحمُد، ويقال: ابن أحمد أبو السفر الهمدانى. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) قال أبو عمر. وإسناد هذا الحديث من رواية مالك فى الموطأ وغيره إسناد ليس بالقائم، لأنه إنما يرويه ابن شهاب عن عباد بن زياد عن عروة وحمزة ابنى المغيرة بن شعبة عن أبيه المغيرة بن شعبة، وربما حدَّث به ابن شهاب عن عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة عن أبيه ولا يذكر حمزة بن المغيرة. وربما جمع حمزة وعروة ابنى المغيرة فى هذا الحديث عن أبيهما المغيرة ورواية مالك لهذا الحديث عن ابن شهاب عن عباد بن زياد عن المغيرة مقطوعة، وعباد بن زياد لم ير المغيرة ولم يسمع منه شيئًا. التمهيد 11/ 121. قال: قال مصعب: وأخطأ فيه مالك خطأ قبيحًا. أخبرنا به أبو محمد وكتبته من أصل سماعه عن ابن حمدان، وحدّثنا أيضًا قال: حدثنا ابن حمدان قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنى أبى قال: قرأت على عبد الرحمن - يعنى ابن مهدى - عن مالك عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، عن أبيه المغيرة؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب لحاجته فى غزوة تبوك، فذكره سواء كما فى الموطأ. قال: وكتبته - أيضًا - من الأصل الصحيح لأبى محمد - رحمه الله - من أصل سماعه، وقد ذكر عبد الرزاق هذا الخبر عن معمر فى كتابه عن الزهرى؛ أن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سفر ... وذكر الحديث، هكذا مقطوعًا. وأظن هذا إنما أوتى من قبل الزهرى، والله أعلم؛ لأن أحمد بن عبد الله بن محمد بن على حدثنا، قال: حدثنا أبى قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا قاسم بن محمد، قال: حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهرى، عن عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة قال .... وساق حديث مسلم. وقال: وحدثنى سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا إسماعيل بن أبى أويس قال: حدثنى أخى عن سليمان بن بلال، عن يونس، عن ابن شهاب قال: حدثنى عباد بن زياد، عن عروة وحمزة ابنى المغيرة بن شعبة أنهما سمعا المغيرة بن شعبة يخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ على الخفين ثم صلى فيهما انظر: التمهيد 11/ 120 - 123.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: حمزة بن المغيرة هو عندهم الصحيح فى هذا الحديث، وإنما عروة بن المغيرة فى الأحاديث الأخر، وحمزة وعروة أبناء المغيرة، والحديث مروى عنهما جميعًا، لكن رواية بكر بن عبد الله المزنى إنما هى عن حمزة بن المغيرة أو بن المغيرة - غير مسمى - ولا يقول: عروة، ومن قال: عروة عنه وهِمَ، وكذلك اختلف عنه، فرواه معتمر بن سليمان التيمى فى أحد الوجهين عنه عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة، وكذلك رواه يحيى بن سعيد عن التيمى، وقد ذكر ذلك مسلم، وقال غيرهم: عن بكر عن ابن المغيرة (¬1)، قال الدارقطنى: " وهو وهم "، وفى حديث المغيرة وغيره: ذهاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند حاجته عن الحاضرين، وهو أدب الحدث، الاستتار حتى لا يُرى له شخص ولا يُسمع صوت، وكما جاء فى الحديث الآخر أبعد فى المذهب. وفيه وفى غيره من الأحاديث التجافى عن ذكر الاسم القبيح من الحدث والكناية عنه بإتيان الغائط والحاجة، خلاف ما قاله المشركون من التصريح بقبيحه من قولهم: علمكم كل شىء حتى الخراءة! وذلك من أدب الشرع، ترك فحش الألفاظ وقبيح القول، والكناية عن ذلك عند الحاجة إِلَّا للضرورة، وكذلك كانت عادة العرب فى كلامها صيانة الألسن عما تُصان عنه الأبصارُ والأسماع. قال القاضى: ذهب بعضُهم إلى أَنَّ حديث المغيرة جاء فى السفر لقوله: " كُنْتُ مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سفرٍ " كما (¬2) رواه مالك فى الموطأ وغيرُه: " أنه كان فى غزوة تبوك " (¬3)، واستُدِلَّ منه على جواز المسح فى السفر، ومن حديث جرير وحُذيفة على جوازه فى الحضر، وأنَّ إسلامَ جرير وغزوة تبوك بعد نزول المائدة سنة تسع، ولهذا كان يعجبهم حديث جرير ليقطع به حجةُ من زعم أن آية الوضوء ناسخةٌ لفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمسح على الخفين، واستدل بعضهم من حديث المغيرة على جواز استعمال الأحجار مع وجود الماء بكون الإداوةِ مع المغيرة لقوله: " فتلقيتُه بالأداوةِ وصببتُ عليه من إداوةٍ كانت معى " وهذا وإن كان ظاهراً فقد يحتمل غيرَ هذا، وإن ذلك فى السفر وعدم الماء وقلته إِلَّا ترى كيف قال له بعد أن قضى حاجته: " أمَعَك ماء؟ " قال: فأتيتُه بمطهرةٍ. ¬

_ (¬1) فى المعلم: ابن بزيع. (¬2) فى الأصل: لما، والمثبت من ت. (¬3) الموطأ، ك الطهارة، ب ما جاء فى المسح على الخفين 1/ 35، 36.

(23) باب المسح على الناصية والعمامة

(23) باب المسح على الناصية والعمامة 81 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيع. حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِىُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَخَلَّفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَ: " أمَعَكَ مَاءٌ؟ "، فَأتَيْتُهُ بِمَطْهَرَةٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، وَألْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَغَسَلَ ذرَاعَيْهِ، وَمَسَح بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامةِ وَعَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْتُ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ وَقَدْ قَامُوا فِى الصَّلاةِ، يُصَلِّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَمَّا أحَسَّ بِالنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ يَتَأخَّرُ، فَأوْمَأ إلَيْهِ، فَصَلَّى بِهِمْ. فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ، فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِى سَبَقَتْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " [أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ] (¬1) فمسح بناصيته وعلى العمامة "، قال الإمام: يحتَج به لأبى حنيفة فى أن الواجب من مسح الرأس الناصيةُ. وحدُّهَا منتهى النَزعَتين (¬2)، ويحتجُ به ابن حنبل فى أن المسح على العمامة جائز كما يُجزئ المسح على الخفين (¬3)، وذهب مالك [إلى] (¬4) خلافهما جميعًا (¬5)، وأن المسح على العمامة غيرُ جائز، وأن الوجوب من مسح الرأس ليس بمقصورٍ على الناصية خاصةً، ويُعارِض قول كل واحدٍ منهما بقول صاحبه، ويجعل الحديث حجةً عليهما جميعًا، فيقول لأبى حنيفة: إن كان الوجوبُ يختصُ بالناصية فلِم مسح [على] (¬6) العِمامة؟ ونقول لابن حنبل: إن كان المسح على العمامة جائزًا فلِمَ باشر الناصيةَ بالمسح؟، وقد ذكر ابن حنبل أن المسح على العمامة رُوى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خمسِ طُرقٍ صحيحة، واشترط بعض القائلين بجواز المسح على ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) بدائع الصنائع 1/ 4. وقد ذكر أن قدره ثلاث أصابع اليد، وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه قدّره بالربع، وهو قول زفر، أما نص الناصية فهو قول الكرخى والطحاوى. (¬3) المغنى 1/ 175، 176. وقد اختلف فى قدر الواجب فى مسح الرأس، فروى عن أحمد فى أحد قوليه وجوب مسح جميعه، ووافقه الخرقى فى هذا، وهو مذهب مالك، وله قول آخر وهو المعتمد من المذهب، قال أحمد: فإن مسح برأسه وترك بعضه يجزئه. (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) المنتقى للباجى 1/ 75. (¬6) من المعلم.

82 - (...) حدّثنا أمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ وَمَحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالا: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمُقَدَّمِ رَأسِهِ، وَعَلَى عِمَامَتِهِ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ العمامة أن تكون لُبِسَتْ على طهارةٍ كالخفين، وزاد بعضهم: وأن تكون بالحنك ليكون فى نزعها مشقة فحينئذ تشابه الخف. وأقوى ما يحتج به على ابن حنبل مقابلة أحاديثه بظاهر القرآن فى قول الله سبحانه: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (¬1) وهذا ظاهرُه المباشرة، ويبقى ها هنا النظر ما بين تقدمة ظاهر القرآن على الأحاديث أو تقدمة الأحاديث على الظاهر (¬2) وليس هذا موضع استقصائه، وأحسنُ ما حَمل عليه أصحابُنا حديث المسح على العمامة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعلَّه كان به مرضٌ منعه كشف رأسه، فصارت العمامةُ كالجبيرةِ التى يُمسَحُ عليها للضرورة (¬3). ¬

_ (¬1) المائدة: 6. (¬2) ذهب الشافعى وأحمد إلى أن خبر الآحاد إذا كان خاصًا وعارض عام القرآن خصصه، فيصير بذلك العام غير دال على كل ما يشتمل عليه لفظه، بل على بعض ما يشتمل عليه، وذلك لأن عام القرآن وإن كان قطعيًا فى سنده، هو ظنى فى دلالته، وخاص السنة إذا كانت خبر آحاد فهو ظنى فى سنده، ولكنه قطعىٌّ فى دلالته، والظنى يخصص الظنى. أما الحنفية فلأنهم يعتبرون العام قطعيًا فى دلالته، فإن آخبار الآحاد لا تنهض عندهم لأن تكون مخصصةً لعام القرآن؛ لأن الظنى لا يخصص القطعى، والعام بمقتضى عمومه مبيَّنٌ لا يحتاج إلى بيان. أما مالك فإنه يجعل خبر الآحاد مخصصًا لعام القرآن إذا عاضده عمل أهل المدينة أو قياس، وعلى ذلك حرَّم مالك لحم كل ذى ناب من السباع، وكان ذلك تخصيصًا لعموم القرآن: {قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ محَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [الأنعام: 145] وذلك للحديث الذى صرح بذلك ورواه مالك فى الموطأ، وقال عقب روايته: وهو الأمر عندنا، أى فى المدينة. أما إذا لم يعاضد خبر الآحاد قياس أو عمل أهل المدينة، فإنه يعمل بالعام ويضعف الخبر، كما هو الشأن عنده فى حديث: " إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فليغسله سبعاً "، فإنه رده لعموم قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]، وقال: كيف يؤكل صيده ويكون نجساً؟ راجع: أصول الفقه: 125، 126. (¬3) قال ابن عبد البر: وأما المسح على العمامة فاختلف أهل العلم فى ذلك، واختلفت فيه الآثار، وكلها معلومة. وروى عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ذكرهم المصنفون: ابن أبى شيبة، وعبدُ الرزاق، وابن المنذرِ، أنهم أجازوا المسح على العمامة. =

83 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ التَّيْمِىِّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ بَكْرٌ: وَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ، وَعَلَى الْخُفَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله فى حديث المغيرة فى أحَدِ طُرِقه من حديث محمد بن بشارٍ ومحمد ابن حاتم رفعاه عن بكر بن عبد الله، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال بكر: وقد سمعتُه من ابن المغيرة، كذا لجميع شيوخنا، وكذا ذكره ابن أبى خيثمة والدارقطنى وغيرُهما، ووقع عند بعضهم ولم أرْوه، وقد سمعت من ابن المغيرة، وقد تقدم قبل سماعَه الحديث منه. وفى إمامة عبد الرحمن بن عوف بهم، ولم ينتظروا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ دليلٌ على مبادرة فضل أول الوقت، وبه احتج الشافعى وغيره على هذا (¬1)، وظاهِرُه يأسهم من وصول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم إِلا بعد أن يُصلّى أو لتأخِره عنهم، وظنّهُم أنه أخذ طريقًا غير طريقهم، ¬

_ = وبه قال الأوزاعىُّ، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد، وإسحاقُ، وأبو ثور، للآثار الواردة فى ذلك، وقياسًا على الخفين، ولأن الرأس والرجلين عندهم ممسوحان ساقطان فى التيمم. واختلاف هؤلاء فيمن مسح على العمامة ثم نزعها كاختلافهم فيمن مسح على الخفين ثم نزعهما. وأما الذين لم يروا المسح على العمامة ولا على الخمار فعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، والشعبى، والنخعىُّ، وحماد بن أبى سليمان. وهو قول مالك، وأبى حنيفة، والشافعىِّ وأصحابهم. والحجة لمالك ومن قال بقوله ظاهر قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ومن مسح على العمامة فلم يمسح برأسه، وقد أجمعوا أنه لا يجوز مسح الوجه فى التيمم على حائل دونه، فكذلك الرأس. والخطاب فى قوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} منه [النساء: 43]، كالخطاب فى قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}. ولا وجه لما اعتلُّوا به من أن الرأس والرجلين ممسوحان، وأنه لما اتفقوا على المسح على الخفين، فكذلك العمامة؛ لأن الرجلين عند الجمهور مغسولتان، ولا يُجزئ المسح عليهما دون حائلٍ، وقد قام الدليلُ على وجوب الغسل لهُما، فلا معنى للاعتبار بغير ذلك. قال: فإن قيل: إن الرأس والرجلين يسقطان فى التيمم، فدلَّ على أنهما ممسوحان قيل له: وقد يسقطُ بدنُ الجُنب كله في التيمم، ولا يعتبر بذلك، فسقط ما اعتلوا به، فإن قيل: فهب أن الرِّجلين مغسولتان، هلا كان المسحُ على العمامةِ قياسًا عليهما فى الخفين؟ قيل له: قد أجمعوا على أن المسح على الخفين مأخوذ من طريق الأثرِ، لا من طريق القياس، ولو كان من طريق القياس لوجب القولُ بالمسح على القفازين، وعلى كُلِّ ما غيَّبَ الذراعين من غير عِلَّةٍ ولا ضرورةٍ، فدلَّ على أن المسح على الخفين خصوصٌ لا يقاسُ عليه ما كان فى معناه. الاستذكار 2/ 220، 221 بتصرف يسير. (¬1) الأم 1/ 75.

84 - (275) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ بِلالٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عَرَّس ليلته ألا ترى فزعَهَم حين أدرَكَهُم يُصَلّونَ؟ فَدَلَ أنهم لم يُبادروا الصلاة أول الوقت ولا - أيضًا - أخَّروها لآخر الوقت حتى يئسوا منه وخافوا فواتها؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن صلى، ولا يصح أن يؤخروها حتى يضيق وقتُها بغير عِلَّةِ، والأشبه أنهم انتظروه، فلما تأخَّر عن وقته المعهود تأوَّلوا أنه صلَّى فصلوا. وفيه تقديم الجماعة إمامًا بغير أمر الإمام، بخلاف الصلوات التى لا تصح إِلا بإمام كالجمعة، العيدين وغيرهما. وفيه إمامة المفضول بالأفضل وصلاة الإمام خلف رعيته، وجبر ما فات من الصلاة لمن أدرك بعضها، واتباع الإمام فى فعله وجلوسه وإن لم يكن موضع جُلوسٍ للمُدْرِكِ، وأنَ قضاءَه لما فات بعدَ سلام الإمامِ، وأن العمل اليسير فى الصلاة غيرُ مؤثر فيها، لذهاب عبد الرحمن ليتأخَّرَ، وسيأتى الكلامُ على تمام هذا وحُكمِ صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنا وفى حديث أبى بكر فى موضِعه من كتاب الصلاةِ إن شاء الله تعالى. وقوله فى حديث بلال: " مسَحَ على الخفين والخِمارِ ": يريدُ بالخمار - والله أعلم - العمامة، لتخمير الرأس بها، لشبهها بخمار المرأة، ولم يختلف من أجاز المسحَ على العمامة فى منع مسح المرأة على خِمارها إِلَّا شىء روى عن أم سلمة (¬1). وعن أنسٍ فى مسحه على القلنسوة، وفَرْقٌ ما بين العمامة والخمار عندهم أن العمامة يشق نزعُها لا سيما إن كانت بحنَكٍ، ولأن المسح عليها مسحٌ على بعض الرأس ولورودِ الرُّخصةِ فيها عندهم كما جاءت فى الخف. وفيه الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرةَ عن بلالٍ، الحديث. قال مُسْلم: وفى حديث عيسى بن يونس: حدثنى الحكم قال: حدثنى بلال، وهذا مشكل على من لا يعرف أسرار هذا العلم، ومعناه: أن الأعمش حدَّث به فى سند مسْلِم عنه أولا معنعنًا ومن طريق عيسى نصٌ على الحديث، فقال: حدثنى حَكم ولم يقل: عن حكم كما قال قبلُ، وقال آخر الحديث: حدثنا بلال ولم يقل: عن بلال وإلا فالحكم لا يروى عن بلال ولو عنعنه الحكم عن بلالٍ لكان مقطوعًا؛ لأنه إنما رواه عن رجُلين عنه، ¬

_ (¬1) وهو قول غير مسند، نقله ابن عبد البر فى الاستذكار 2/ 219.

وَفِى حَدِيثِ عِيسَى: حَدَّثَنِى الْحَكَمُ حَدَّثَنِى بِلالٌ، وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىٌ - يَعْنِى ابْنَ مُسْهِرٍ - عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَاد. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تكلم أبو الحسن الدارقطنى فى كتاب العلل على حديث بلال هذا والخلاف فيه والخلاف على الأعمش فيه أيضًا، وسقوط بلالٍ منه عند بعضهم واقتصاره على كعب، وسقوط كعب عند بعضهم واقتصاره على بلال، وجعل بعضهم البراءَ بين بلال وابن أبى ليلى وأكثر رواة الأعمش على ما فى الأم، وقد رواه بعضهم عن على بن أبى طالب عن بلال (¬1). ¬

_ (¬1) جاء فى العلل بلفظ: المسح على الخفَّين والخفار (بالفاء). ثم قال: يرويه الحكم بن عتيبة، واختلف عنه، فرواه شيبان عن ليث عن الحكم عن شريح بن هانئ عن على عن بلال، وخالفه معتمر واختلف عنه، فرواه مسدد وعمرو بن على وعلى بن الحسن الدرهمى عن معتمر، عن ليث، عن الحكم وحبيب ابن أبى ثابت عن شريح بن هانئ، عن بلال. وخالفهم ابن أبى السرى، فرواه عن معتمر، عن ليث عن طلحة بن مصرِّف عن شريح بن هانئ، عن بلال. ورواه موسى بن أعين، عن معتمر، عن ليث، عن الحكم، وحبيب عن شريح بن هانئ، عن بلال. ورواه أبو المحياة عن ليث، عن الحكم، عن ابن أبى ليلى، عن كعب بن عجرة عن بلال. وكذلك رواه الأعمش، واختلف عنه، فرواه أبو معاوية الضرير وعلى بن مسهر وعيسى بن يونس وأبو زهير عبد الرحمن بن مغراء وأبو عبيدة بن معن وأبو حمزة السكرى وعبد الله بن نمير وأبو إسحاق الفزارى ومحمد بن فضل، واختلف عنه. فرووه عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال. ورواه زياد بن أيوب عن ابن فضل، فلم يذكر فيه كعبًا، ولعله سقط عليه أو على من روى عنه. ورواه عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن الحكم عن ابن أبى ليلى عن كعب بن عجرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يذكر بلالاً. قال: ورواه شعبة واختلف عنه، فروى عن بقية عن شعبة عن الحجاج بن أرطأة عن الحكم. قال: وهو وَهْم، وإنما أراد أن يقول: شعبة بن الحجاج؛ لأن الحديث محفوظ عن شعبة عن الحكم عن ابن أبى ليلى عن بلال. راجع: العلل 3/ 230، 7/ 171.

(24) باب التوقيت فى المسح على الخفين

(24) باب التوقيت فى المسح على الخفين 85 - (276) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلائِىِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخيْمِرَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ؛ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أسْألُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أبِى طَالِبٍ فَسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِر، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. قَالَ: وَكَانَ سُفْيَانُ إِذَا ذَكَرَ عَمْرًا أثْنَى عَلَيْهِ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَبِى أنيْسَةَ عَنِ الْحَكَمِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَقَالَتِ: ائْتِ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ أعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّى، فَأتَيْتُ عَليًّا، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبى طالب، فإنه كان يسافر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه حجة أن مسح النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان فى السفرِ، ولو مسح فى الحضَرِ لَعَلِمَتْه، وفى رواية أخرى: " فإنه أعلم بذلك منى، فسألناه فقال: جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلةً للمقيم ". وفيه تضعيف ما روى عن عائشة - رضى الله عنها - وعلى من أنكر المسح على الخفين، وفيه النص على المسح للمقيم والمسافر والتوقيت لهما. وقد اختلف العلماء فى التوقيت فى ذلك، فذهب أبو حنيفة (¬1). والشافعى (¬2) فى أحد قوليه إلى هذا الحديث، وهو قول الثورى وأصحاب الحديث وروى مثله عن مالك، ومشهور مذهبه أنه لا حدَّ له ولا توقيت (¬3)، وهو أحد قولى الشافعى وقول الأوزاعى والليث، وروى عن مالك للمقيم من ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع 1/ 8. (¬2) الأم 1/ 34. (¬3) المنتقى 1/ 78، 79.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمعة إلى الجمعة (¬1)، وتأوله شيوخُنا: أى ينزعَهُما للغسْل، وهذا مبنى على نفى التوقيت، وذهب بعضهم إلى أن حدَّه من الحدث إلى الحدث، وقد اختلف فى رفع هذا الحديث أو إيقافه على علىٍّ، قال أبو عمر: ومن رفَعَه أثبتُ وأحفظ ممن أوقفه (¬2). ¬

_ (¬1) المنتقى 1/ 78، 79. (¬2) الاختلاف وقع فيمن روى عن الأعمش. والذين رووه عنه مرفوعاً هم أبو معاوية الضرير، وعمرو بن عبد الغفار. والذين أوقفوه هم زايدة بن قداسة وعلى بن غراب، وأحمد بن بشير. راجع: العلل 3/ 231.

(25) باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد

(25) باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد 86 - (277) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَات يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ. قَالَ: " عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح: " لقد صنعتَ شيئًا لم تكن تصنعُه ": يدلُ على مثابرة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الوضوء لكل صلاةٍ، وقوله: " عمْدًا فعلته يا عُمَر ": أى قصدًا ليبين للناس الإباحة والرخصة فى ذلك لئلا يقتدوا بفعله، ويظنوا ذلك فرضًا (¬1)، وذهب بعض الناس إلى أن فعله هذا نسخ ما كان قبل من فرض الوضوء لكل صلاةٍ، وهذا يرُدُه حديثُ أنسٍ أن ذلك كان خاصًا بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون أمته، وأنه كان يفعلُه للفضيلة، ولحديث صلاتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصهباء وجَمْعُه بين العصر والمغرب بوضوء واحدٍ، والصَهباءُ بخيبر قبل الفتح، وقد تقدَّم شىء من هذا. ¬

_ (¬1) راجع: الاستذكار 2/ 87.

(26) باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك فى نجاستها فى الإناء قبل غسلها ثلاثا

(26) باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك فى نجاستها فى الإناء قبل غسلها ثلاثًا 87 - (278) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِى الإنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَه ثَلاثًا، فَإنّه لا يَدْرِى أيْنَ بَاتَتْ يَدَهُ ". (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأشجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى رَزِينٍ وَأبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، فِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِى حَدِيثِ وَكِيعٍ قَالَ: يَرْفَعُهُ، بِمِثْلِهِ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أبِى سَلَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا استيقظ أحدُكم من نومه فلا يغمس يده فى الإناء حتى يغسلها ... " الحديث، ذكر الإمام هنا الكلام على غسل اليدين قبل الوضوء وقد نقلناه أول الكتاب. قال القاضى: وقد اختلف العلماء فى غسل اليدين للقائم من النوم قبل إدخالها الإناء، فمذهبنا ومذهب عامة العلماء: أن ذلك على الاستحباب وليس بواجب، وأنه على طريق الاستحباب خلافًا لأحمد بن حنبل (¬1) وبعض أهل الظاهر فى إيجابه ذلك للقائم من نوم الليل لامن نوم النهار، ولداود والطبرى فى إيجابهما ذلك من كل نومٍ وينجُسُ الماءُ إن لم يغسل يدَه قبل إدخالها فيه (¬2). واختلف قول مالك وأصحابه فى إفساده الماء بذلك، وعللها بعض شيوخنا أن ذلك لما ¬

_ (¬1) راجع: المغنى 1/ 140، المنتقى 1/ 48. (¬2) المحلى بالآثار 1/ 206.

88 - (...) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أعْينَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرِغْ عَلَى يَدِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَ يَدهُ فِى إنَائِهِ، فَإِنَّهُ لا يَدْرِى فِيمَ بَاتَتْ يَدُهُ ". (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ مَخْلَدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ ابْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِىُّ وَابْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِى زِيَادٌ؛ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمَعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِى رَوَايَتِهِمْ جَمِيعًا عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بِهَذَا الْحَدِيثِ. كُلُّهُمْ يَقُولُ: " حَتَّى يَغْسِلَهَا ". وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: " ثَلاثًا ". إِلَّا مَا قَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِى سَلَمَةَ، وعَبْدِ اللَّه بْنِ شَقِيقٍ، وَأبِى صَالِحٍ، وَأبِى رَزِينٍ. فَإِنَّ فِى حَدِيثِهِمْ ذِكْرَ الثَّلاثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لعلَّه يتعلق باليد من قذر ما يمسه من الغابن وشبهها من الجسد ولا يسلم من حك بَثرِه ومسحِ عَرَقِه وفضول جسده فاستُحب له تنظيفها لذلك، وقيل: بل لأنهم كانوا يستجمرون بالأحجار فربما نال ذلك بيده حال نومه، وقيل: بل لما يُخشى أن يمسُّه من نجاسةٍ تخرُج منه حال نومه أو غير ذلك مما يتقذَّر منه (¬1)، وفى الحديث نفسه: " فإن أحدهم لا ¬

_ (¬1) المنتقى 1/ 48. وعبارة ابن عبد البر: احتج بعض أصحاب الشافعى لمذهبهم فى الفرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورودها عليه بهذا الحديث. واحتجوا أيضًا بنهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البول فى الماء الدائم، وبحديث ولوغ الكلب فى الإناء، وبنحو ذلك من الآثار مع أمره بالصب على بول الأعرابى. التمهيد 18/ 235. قال: أما لو لم يأت عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الماء غير هذا الحديث لساغ فى الماء بعض هذا التأويل، ولكن قد جاء عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الماء أنه لا ينجسه شىء يريدُ إِلا ما غلب عليه، بدليل الإجماع على ذلك. وهذا الحديث موافق لما وصف الله عز وجل به الماء فى قوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يدرى أين باتت يده "، وهذا تعليلٌ بالشك والاحتياط وهو ينفى الوجوب. واحتج أصحاب الشافعى بهذا الحديث فى تفريقهم بين طُروِّ النجاسة على الماء أو طُروِّ الماء عليها إذ منع من إدخال اليد فى الإناء ولو صَبَّ بعض ما فيه على اليد النجسةِ لطهرَها (¬1). ¬

_ = يعنى لا ينجسه شىء إلا أن يغلب عيه. التمهيد 18/ 234. (¬1) المجموع 1/ 349. قال: وقد أجمع جمهور العلماء على أن الذى يبيت فى سراويله وينام فيها ثم يقوم من نومه ذلك، أنه مندوب إلى غسل يده قبل أن يدخلها فى إناء وضوئه، قال: وفى هذا الحديث من الفقه: إيجاب الوضوء من النوم، وهو أمر مجتمع عليه فى النائم المضطجع الذى قد استثقل نوماً، وقال زيد بن أسلم وغيره فى تأويل قول الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] قال: إذا قمتم من المضاجع، يعنى النوم، وكذلك قال السدى. وعن السدى - أيضًا - والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعى؛ أن الآية عنى بها حال القيام إلى الصلاة على غير طهر، وهذا أمر مجتمع عليه. وقال: هذا أمر من الله لنبيه والمؤمنين، ثم نسخ بالتخفيف، وهذا يشبه مذهب من ذهب إلى أن السنة تنسخ القرآن. ثم ساق إسناده إلى حديث أنس الذى أخرجه أبو داود قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ لكل صلاة، قلت - أى عمرو بن عامر - فأنتم؟ قال: إنا لنجتزئ بوضوء واحد ما لم نحدث. التمهيد 18/ 238، 239، وانظر: السنن لأبى داود 1/ 38.

(27) باب حكم ولوغ الكلب

(27) باب حكم ولوغ الكلب 89 - (279) وحدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرِ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى رَزِينٍ وَأبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى إنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ ليَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ: فَلْيُرِقْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسِله سْبعًا "، قال الإمام: اختلف فى غسل الإناء من ولوغ الكلب، هل هو تعبُّدٌ أو لنجاسةٍ؟ فعندنا أنه تعبُّدٌ، واحتج أصحابنا بتحديد غسْلِه بسبع مراتٍ أنه لو كانت العلة النجاسة لكان المطلوب الإنقاء، وقد يحصُل فى مرةٍ واحدةٍ، واختلف عندنا، هل يغسل الإناء من ولوغ الكلبِ المأذون فى اتخاذه؟ فيصح أن يبنى الخلاف [على الخلاف] (¬1) فى الألف واللام من قوله: " إذا ولغ الكلب "، هل [هى] (¬2) للعهد أو للجنس؟ فإن كانت للعهد اختص ذلك بالمنهى عن اتخاذه، لأنه قد قيل: إنما سببُ الأمر بالغسْلِ التغليظ عليهم لينتهوا عن اتخاذها. وهل يغسل الإناء من ولوغه فى الطعام؟ [فيه] (¬3) أيضًا خلافٌ، ويصح أن يبنى على خلاف أهل الأصول فى تخصيص العموم بالعادة (¬4)، إذ الغالب عندهم وجود الماء لا الطعام. قال القاضى: اختلف فى غسل الإناء من ولوغه، وفى العلة فى ذلك وفى حكم الماء الذى ولغ فيه هل هو نجسٌ أم لا؟ فمذهبنا ما تقدم من طهارته (¬5)، وأن الغسل تعبُّدٌ مستحقُ العدد، وهو مذهب أهل الظاهر (¬6)، لكن يُتنزَّه عنه عندنا مع وجود غيره، وهو قول الأوزاعى، وقال الثورى: من لم يجد غيره توضأ به ثم يتيمم، ووافقنا الشافعى فى ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) من المعلم والإكمال. (¬3) من المعلم. (¬4) تقرير المسألة: هل العادة الواقعة قبل العام تصلح للتخصيص؟ ذهب بعض الشافعية إلى أن ذلك تخصيص إن أقرَّها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن كانت فى زمانه وعلم بها ولم ينكرها، أو الإجماع بأن فعلها الناس من غير إنكار عليهم. قال الإمام فى المحلى: والمخصص فى الحقيقة التقرير أو الإجماع. راجع حاشية البنانى على شرح جمع الجوامع 2/ 34، الإحكام فى أصول الأحكام 2/ 310. (¬5) المدونة الكبرى 1/ 5. (¬6) المحلى لابن حزم 1/ 112، 113.

90 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِى إنَاءِ أحَدِكُمْ فَليَغْسِلهُ سَبع مَرَّاتٍ ". 91 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طُهُورُ إنَاءِ أحَدِكُمْ، إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. أولاهُنَّ بِالتُّرَابِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ العدد وخالف فى نجاسة الكلب فقال: هو نجسٌ، وقد حُكى هذا عن سحنون وعبد الملك وبعض أصحابنا - وطرَدَ بعضُهم أصلَه فى ذلك إذا أدخل يدَه فى الإناء (¬1). ووافقه أبو حنيفة فى نجاستِه وخالف الكل فى العدد وقال: يُغسَلُ حتى ينقى (¬2)، وقد تأوله بعضهم على قول مالك، وتأوَّل عليه - أيضاً - تضعيفَ الغسل جملة لمعارضة الحديث قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم} (¬3) وقوله: " يؤكل صيده " فكيف يُكره لعابه؟ وأنه غير واجب (¬4). وقال أحمد (¬5): يغسل سبعًا، والثامنة بالتراب على ما جاء فى الحديث الذى ذكره مسلم - أيضًا - عن ابن المغفّل فى الكلب، وحجتنا أن التعفير ليس فى سائر الأحاديث، وقد اضُطرِبَ فيه، فقد رُوى عن أبى هريرة: " أولاهن بالتراب " ذكره مسلم فى الأم، ورُوى عنه: " أوَّلُهن وأخراهن بالتراب " وكذلك اختلفوا على تأويل مذهب مالك فى غسله هل هو على الوجوب أو الندب (¬6)؟ وكذلك اختلف مذهبنا متى يُغسل، هل عند استعماله أو عند وقوعه؟ وهو مبنى على الخلاف هل هو لتعبُّدٍ فعند وقوعه أو لتنجُسٍ فعند استعماله؟. وأما تعليل ذلك فقيل: ما تقدم من أذاها الضيف وترويع الغريب المسلم، وقيل: لعدم توقيه الأقذارِ وأكله الأنجاسَ، وكان شيخنا القاضى أبو الوليد بن رُشدٍ يذهب أن ذلك توقيًا وحماية مخافة أن يكون كلبًا فيسْتضِرَّ مستعملُ سؤرة ¬

_ (¬1) و (¬2) المغنى 1/ 73، 74. (¬3) المائدة: 4. (¬4) المدونة الكبرى 1/ 6. (¬5) المغنى 1/ 73. (¬6) ما جاء فى المدونة الكبرى 1/ 6: أن الإمام مالك لم ير بأساً بالوضوء من ماء ولغ فيه الكلب، بل حين سأل عن الذى يتوضأ بماء ولغ فيه الكلب ثم صلى قال: لا أرى عليه إعادة وإن علم فى الوقت، بل إنه اعتبره من البيت وقال: وأراه عظيماً أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيلقى لكلب ولغ فيه، ومعنى هذا أنه يرى أن لا بأس بشرب اللبن أو أكل الطعام وإن ولغ فيه الكلب. وذكر فى المحلى 1/ 113 وقال مالك فى بعض أقواله: يتوضأ بالماء، وتردد فى غسل الإناء سبع مرات، فمرة لم يره، ومرة رآه، وقال فى قول له آخر: يهرق الماء ويغسل الإناء سبع مرات، فإن كان لبناً لم يهرق ولكن يغسل الإناء سبع مرات ويؤكل ما فيه، ومرة قال: يهرق كل ذلك ويغسل الإناء سبع مرات.

92 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طُهُورُ إنَاءِ أحَدِكُمْ، إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ". 93 - (280) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أبِى التَّيَّاحِ، سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ الْمُغَفَّلِ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الكِلابِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الكِلابِ؟ " ثُمَّ رَخَّصَ فِى كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ: " إِذَا وَلَغَ الْكَلب فِى الإنَاءِ فَاغْسلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَعَفرُوهُ الثَّامِنَةَ فِى التُّرَابِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْن الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى رَوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِن الزيَادَةِ: وَرَخَّصَ فِى كَلْبِ الْغَنَم وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ، وَلَيْسَ ذَكَر الزَّرْع فِى الرِّوَايَةِ غَيْرُ يَحْيَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ سؤره بما لعله خالطه من لُعابه المسمومُ (¬1)، قال: وشرع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسل الإناء من ذلك سبعًا يُصحِّح التأويل؛ لأنا وَجَدنا الشرع قد استعمل السبع فيما طريقه التداوى، لا لا سيما بما تعلَّق به سُمٌ كقوله: " من تصبَّح كل يوم سبع تمراتٍ عجوةً لم يُضُرَّه ذلك اليوم سمٌّ "، وقوله فى مرضه: " هَريقوا علىَّ من سبع قِربٍ لم تُخلّلْ أوكيتُهنَّ ". وأما قوله فى الحديث: " فليرُقه " وقوله: " طهورُ إناءِ أحدكم إذا ولغ فيه الكلبُ " فيحتج به من يراه نجساً وغيره يقول بل لتقززه وتقذره، واختلف هل يغسل به الإناء إذا لم يجد غيرَهُ؟ والأولى إِلا يغسِل به وإن لم يجد غَيره. وإن كان عندنا ظاهراً لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فليُرقه " والمتحصِّلُ من مذهبنا فى سؤر الكلب أربعة أقوال: طهارته ونجاسته، والفرق بين سؤر المأذون فى اتخاذه وغيره، وهذه الثلاثة أقوال عن مالك، الرابع: مذهب عبد الملك فى الفرق بين البدوى والحضرى. وقوله فى حديث ابن المغفَّل فى قتل الكلاب: " ثم رخص فى كلب الصيد وكلب الغنم وقال: إذا ولغ الكلبُ ... ": الحديث حجةٌ لأحد القولين فى غسل الإناء من المأذون لأنه جاء بعد الترخيص فى اتخاذه، فدَل أنه نُسخ بهذه العبارة الأخرى، والله أعلم، ¬

_ (¬1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد 1/ 46.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يحتمل أنه راجعٌ فى قتل الكلاب الأخر، وقد اختلف فى غسل الإناء من سؤر الخنزير، هل يُقاسُ على الكلاب لنجاسته - وهو مذهب أبى حنيفة وأحدُ قولى الشافعى (¬1) - أو لتقذرهِ وأكله الأنجاسَ - وهو أحد قولى مالك (¬2) - أو لا يُغسل لأنه لا يستعمَلُ ويقتنى فلا توجَدُ فيه عِلَّةُ الكلب من أذى الناس - وهو أحدُ قولى مالك والشافعى. ¬

_ (¬1) الأم 1/ 6. (¬2) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/ 43.

(28) باب النهى عن البول فى الماء الراكد

(28) باب النهى عن البول فى الماء الراكد 94 - (281) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رَمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ. 95 - (282) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائم ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ". 96 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عنْ همامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَبُلْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِى لا يَجْرِى، ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهيُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بول الرجل فى الماء الراكد [أو الدائم الذى لا يجرى، ثم يغتسِل منه، وهو تفسير الراكد] (¬1) هذا تفسير منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طريق التنزيه والإرشاد إلى مكارم الأخلاق والاحتياط على دين الأمةِ، وهو فى الماء القليل آكد منه فى الكثير لإفساده له، بل ذكر بعضُهم أنه على الوجوب فيه، إذ قد يتغيَّرُ منه ويفسد فيظن من مَرَّ به أن فساده لقراره أو مكثه، وكذلك يكثر تكرار البائلين فى الكثير حتى يعتريه ذلك، فحمى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا العارض فى الماء الذى أصله الطهارة بالنهى عن ذلك، وذكر البول فيه دليلٌ على ما يشابهه من الغائط وغيره، فإن فعل ذلك فى ماء كثير لم يضره، فإن كان فى قليلٍ وغيّره أنجسَه وإن لم يُغَيّره فعلى اختلافهم فى الماء القليل تحله النجاسة القليلةُ، ولم يأخذ أحدٌ بظاهر الحديث إِلا داود (¬2) فقصَرَه على البول فيه دون غيره من صَبِّه فيه، أو التغوُط فيه، أو جريه إليه، كَانَ كثيراً أو قليلاً، والتزم فى ذلك تناقضًا عظيمًا لظاهر الحديث. وقوله: " والذى لا يجرى " دليل أن الجارى بخلافِه؛ لأن البول لا يستقر فيه، ولأن جريه يدفع النجاسةَ وتخلُفُه على التوالى الطهارةُ، ولأن الجارى فى حكم الكثير الغالب ما لم يكن ضعيفاً يغلبُه البول ويُغيّره، ولأن أكثر المياه الموجودة ليست كثيرةً مستبحرةً والناس يتناوبون المياه عند حاجتهم ويقربون منها للتنظيف بها، فلو أطلق لهم البولُ فيها لفسد أكثرها وقطع الانتفاع بها، لا سيما [فيما] (¬3) يقرُب من العُمران ويدخل الوساوس فيما يوجد منها. ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) راجع: المحلى 1/ 153. (¬3) ساقطة من الأصل.

(29) باب النهى عن الاغتسال فى الماء الراكد

(29) باب النهى عن الاغتسال فى الماء الراكد 97 - (283) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، جَمِيعًا عَنِ ابْن وَهْبٍ، قَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ؛ أَنَّ أبَا السَّائِبِ - مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ - حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهْوَ جُنُبٌ " فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يغتسل أحدُكم فى الماء الدائم وهو جُنبٌ " من هذا، يعنى ولم يغسل ما به من أذى. وقول أبى هريرة: " يتناوله تناولاً " يريد لا ينغمس فيه، ولكن يتناوله ويتطهر خارجًا عنه، وهذا فى غير المستبحر، وكذلك يكرهُ له هذا فى القليل وإن غسل ما به من أذىً، لأنه لا يسْلم الجسمُ من درنٍ ووسخ، فقد يغيِّره. ولأنه فى استعماله فى تنقية جسده من باب الماء المستعمل المختلف فيه. وقوله: " ثم يغتسل منه ": تنبيه على إفساده الماء وعلى الحاجة إليه، لا أنه إنما نهى إذا أراد أن يغتسل فيه فقط.

(30) باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت فى المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها

(30) باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت فى المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها 98 - (284) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنسٍ؛ أَنَّ أعْرَابِيًا بَالَ فِى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعُوهُ وَلا تُزْرِمُوهُ " قَالَ: فَلَمَّا فَرغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر فى الحديث أن أعرابيًا بال فى المسجد [فقام إليه بعض القوم] (¬1)، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعوه، لا تَزْرموه " بتقديم الزاى " فلما فرغ دعا بدلو فصبَّه عليه "، وفى الحديث الآخر: " بذنوب "، الذَنوب، بالفتح، الدلو مملوءةً ماءَ. قال الإمام: قوله: " دعوهُ ": يحتمل أن يكون خشى إن قامَ على ذلك الحال نَجَّسَ مواضع كثيرةٍ فى المسجد، ويحتمل أن يكون خشى [إن قطع عليه] (¬2) أن تَضُرَّ به الحقنَة. قال القاضى: جاء فى آخر الحديث فى البخارى: " إنما بُعِثْتُم مُيَسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين " (¬3)، وهذا يُبِّين أن مقصِده الرفقُ بالجاهل، والنهى عن الجفاء والأغلاظ لقوله فى الحديث: " فتناولَه الناسُ " وفى ضمن ذلك ما ذكره من خوف قيامه على تلك الحال، فينجِّس ثيابه ومواضع كثيرة من المسجد غير الأول. وفى قوله: " لا تزرموه " - فى الحديث الآخر - بيان ذلك وخوف الإضرار به. قال الخطابى: وفيه دليل أن الماء على اليُسر والسعَةِ فى إزالة النجاسات به، وأن غُسالة النجاسة طاهرة ما لم تبن به النجاسة، وقد اختلف على الشافعى فى طهارة الغُسالة. قال الهروى فى شرحه الحديث الذى قال فيه: " بال الحسن فأُخِذ من حجره فقال: لا تُزرموا ابنى " يقول: لا تقطعوا عليه بوله، والإزرام القطع، وزرِم البولُ انقطع (¬4). وأما صبُ الدلو على بول الأعرابى فاحتج به أصحابنا على الشافعى (¬5)؛ لقوله: إن الماء اليسير إذا حلَّت فيه النجاسَةُ اليسيرةُ عاد نجسًا وإن لم يتغيّر، وانفصل بعض الشافعية عن ذلك بأن طُروَّ النجاسة على الماء بخلاف طروّ الماء عليها، ونحن لا نُسلِّم لهم التفرقة ¬

_ (¬1) و (¬2) من المعلم. (¬3) البخارى، فى الوضوء، ب صب الماء على البول فى المسجد 1/ 65. (¬4) غريب الحديث 1/ 104. (¬5) الأم 1/ 4.

99 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنِ الدَّرَاوَرْدِىِّ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِىُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ أعْرَابيًّا قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِى الْمَسْجِدِ، فَبَالَ فِيهَا، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعُوهُ "، فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بين ذلك؛ لأن ما خالط نجاسةً فلا فرق فى التحقيق بين طروِّه عليها وطروِّها عليه، ولهم فى الماء القليل تحُلُّ فيه النجاسةُ اليسيرةُ حديث: " إذا جاوز الماء قلتين لم يحمل خبثاً "، وهذا ليس الحجة به من جهة نصّهِ، وإنما هى من جهة دليله، فإن لم نقل بدليل الخطاب سقط احتجاجهم به فيما دون القلتين وإن قلنا بدليل الخطاب قلنا فى مقابلة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلق الله الماء طهورًا " وتفرقة الشافعية (¬1) بين طُروِّ النجاسة على الماء وطرو الماء عليها، ابْتنَى على ذلك عندهم خلاف فيمن غسل نجاسةً عن ثوبه، هل تكون الغسالة التى خالطتها النجاسَةُ الخارجةُ من الثوب نجسةً أم لا؟ فقال بعضهم: تكون طاهرةً لأن الماء طارئ عليها ويحتج بصبِّ الماء على بول الأعرابى، وأنه بعد أن خالطه الماء لم يُنجِسْ بقعةً أخرى يمُرُّ عليها، قال بعض أصحابنا: إن قوله فى المدونة: إن لم يجد إِلا ما حلَّت فيه النجاسةُ اليسيرة وهو قليل فإنه يتيمم، هذا كقول الشافعى، وقال بعض أصحابنا: إنما المراد بقوله: يتيمم، يعنى ويتوضأ، لا أنه يتركه جملةً، وعلى هذا لا يكون موافقًا للشافعى. قال القاضى: المعروف من مذهب مالك (¬2) أنه لا يراعى هذا التفريق جملةً، ولا ذهب إليه أحدٌ من أصحابه، وإنما اختلفت عنه رواياتهم فى طهارته ما لم يتغير أحد أوصافه، قليلاً كان أو كثيراً، وهى رواية المدنيين عنه وأهل المشرق وأصل (¬3) مذهبنا، وهو قول الثورى والأوزاعى فى رواية وبين التفريق بين القليل والكثير، وأن القليل ينجِسه قليل النجاسة وإن لم تغيّره، كقول أبى حنيفة (¬4) والشافعى (¬5)، وإن خالفهما فى تحديد القليل، وهى رواية المصريين والمغاربة وجماعة من أصحابه المدنيين وغيرهم، ثم اختلف أصحابُه فى هذا القليل ما حكمه؟ هل هو نجس حقيقةً؟ أو مشكوك فيه؟ فمن نجَّسه حقيقةً قال: يتيمم من لم يجد سواه، ومنهم من تأول لهذا القليل الاحتياط، ومن شك فيه جمع بينه وبين التيمم على اختلاف لهم كثير واضطرابٍ فى ترتيب ذلك وصفته، وقد حَدَّ بعض متأخرى شيوخنا القليل بإناء الوضوء يقع فيه القطرة من النجاسة، والقصريَّةِ يغتسل ¬

_ (¬1) المجموع 1/ 127. (¬2) المنتقى 1/ 59. (¬3) المجموع 1/ 113. (¬4) بدائع الصنائع 1/ 71. (¬5) المغنى 1/ 2039.

100 - (285) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدثَّنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ، حَدَّثَنِى أنسُ بْنُ مَالِكٍ - وَهُوَ عَمُّ إِسْحَاقَ - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ أعْرَابىٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ "، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: " إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَىْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِىَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاة، وَقِرَاءَةِ الْقُرآنِ "، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها الجُنُبُ ولم يغسل ما به من أذىً، وحدَّ الشافعى (¬1) وفقهاء أصحاب الحديث - وهو مروىٌّ عن بعض الصحابة والتابعين - القليل بما كان دون القلتين، وروى عن بعض السلف أربعين قلَّةً، ثم اختلف القائلون بالقلتين فى تقديرهما، وأكثرهم على أنها خمس قرب، وقيل: سِت، وقال أهل الرأى (¬2): كلُّ ماءٍ إذا حُرِّك اضطرب طرفُه الآخر فهو فى حيز القلة، ينجسه ما وقع فيه وإن لم يُغيره، وهذا إذا كان الاضطراب بالتحريك لا بالتمويج. وأجمعوا أن ما تغيَّر طعمُه أو لونُه أو ريحه بنجاسةٍ أنه نجس لا يجوز استعمالُه. وفى هذا الحديث الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه بغير تعنيفٍ ولا لسَبٍّ، إذا لم يأتِ ذلك استخفافًا وعن علمٍ، بل بيَّن له برفق وعلمه ما للمساجد من حرمةٍ وحقٍّ. وفيه تنزيه المساجد عن جملة الأقذار، وأنه لا يصلح فيها شىء من أمور الدنيا وتجارتها ومكاسبها، والخوض فى غير الذكر وما فى معناه لقوله: " إنما هى لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن "، و " إنما " للحصر ونفى ما لم يُذكر. وقوله فى سند الحديث زهير: حدثنا إسحاق بن أبى طلحة، حدثنى أنس بن مالك. وهو عم إسحاق - وهو عمه أخو أبيه لأمه - وهو إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة. وأم عبد الله هى أم سُليم بنت ملحان، وهى أم أنس بن مالك، تزوجها بعد أبى أنس أبو طلحة. وقوله فى هذا الحديث: " فجاء بدلوٍ من ماءٍ فشَنَّه عليه " يُروى بالسين والشين، أى صبَّه عليه، وفرق بعضُهم بين السَنِّ والشنِّ وقال: السنُّ بالسين المهملة: الصبُ فى سهولة، وبالمعجمة: التفريق فى صبِّه، ومنه حديث عمر: " كان يُسنُّ الماء على وجهه ¬

_ (¬1) المغنى 1/ 36، المجموع 1/ 112. (¬2) المجموع 1/ 113، بدائع الصنائع 1/ 71.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يَشُنُّه ". وفيه حجةٌ أن الأرض النجسة لا يُطهِّرها إِلا الماء خلافًا لمن ذهب أن الشمس والجفوف يُطهِّرها. وفيه أنه ليس من شرط غسل النجاسات كلها العرك، وأنه يكفى فيما كان منها مائعاً وغير لزج صبُّ الماء فقط واتباعها به بخلاف ما يبس منها أو كانت فيه لزوجةٌ. وفيه حجةٌ لطهارة الغساله إذا لم يكن فيها [عين] (¬1) النجاسة، وقد اختلف فيها قول الشافعى (¬2) وأصحابه، ولا يصح القول بنجاستها مع تطهير غيرها، ولو أن الذنوب يتنجَّسُ بما لاقاه فى الأرض من البول لما طهرها. وقوله فى الحديث: " مَهْ مَهْ " كلمة زجرٍ تقال بالإفراد والتثنية، ويقال: بَهْ بَهْ، بالباء أيضًا. ¬

_ (¬1) فى ت: غير. (¬2) المغنى 1/ 79.

(31) باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله

(31) باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله 101 - (286) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وأبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ فَأُتِىَ بِصَبِىٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأتبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. 102 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِىٍّ يَرْضَعُ فَبَالَ فِى حِجْرهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْن إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يؤتى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصبيان فيبَرِّك عليهم ويُحَنِّكهم ": فيه التبرك بأهل الفضل، والتماس دعائهم، والاقتداء بهذا الأدب والسيرة من حمل المولودين إلى الفضلاء عند ولادتهم وعرضهم عليهم ليَدعوا لهم، ومعنى: " يُبَرِّك عليهم ": أى يدعُوا لهم بذلك، وخصَّهم بذلك لما فيها من معنى النماء والزيادة فى جسمه وعقله وفهمه ونباته لكون الطفل فى مبادئ ذلك. وقوله: " ويحنِّكهم " ليكون أول ما يدخل أجوافهم ما أدخله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا سيما بما مزجَه به من ريقِه وتفلِه فى فيه، وفيه ما كان عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حسن العشرةِ ومباشرته (¬1) وتأليفهم لكل فعلٍ جميل. وقوله: " فأُتى بصبىٍّ فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بولَه ولم يغسله "، وفى أخرى: " فنضحه على بوله ولم يغسله " وفى أخرى: " فرشَّه " وذكر فى بعضها: " أن الصبى مرضَعٌ " وفى بعضها: " لم يأكل الطعام "، قال الإمام: اختُلف فى بول الصبى الذى لم يأكل الطعام، هل يُغسَلُ منه الثوبُ؟ فقيل: لا يغسَلُ، [وقيَل: يُغْسَلُ] (¬2)، وقيل: يغسَلُ بول الجارية خاصةً، فوجه غسلِه قياسُه على بول الكبير كما أن الرضيع منه نجسٌ كالكبير، ووجه إِلا يغسل ما فى بعض الأحاديث أنه نضحَه ولم يغسلْهُ، وهذا تأوّل على ¬

_ (¬1) فى الأصل: وشاركه، والمثبت من ت. (¬2) ليست فى المعلم.

103 - (287) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْح بْنِ الْمَهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ؛ أَنَّهَا أتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَأكُلِ الطَّعَامَ، فَوَضَعَتْهُ فِى حِجْرهِ، فَبَالَ. قَالَ: فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ. (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وزهيرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ. 104 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أخبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ أمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ - وكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأوَلِ اللاتِى بَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِىَ أخْتُ عُكَاشَةَ بْنِ محِصَنٍ، أحَدُ بَنِى أسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ - قَالَ: أَخْبَرَتْنِى؛ أَنَّهَا أتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَبلُغْ أَنْ يَأكُلَ الطَّعَامَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَخْبَرَتْنِى أَنَّ ابْنَهَا ذَاكَ بَالَ فِى حِجْرِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبه وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوهٍ فقيل: المرادُ بالنضح هاهنا صبُ الماء عليه من غير عرك، وهو يذهبُ مع الصب خاصةً، وقيل: إن الهاء فى قوله: " بال على ثوبه " عائدةٌ على الطفل أى بال الطفل على ثوب نفسه وهو فى حجره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنضح صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خوفًا أن يكون طار على ثوبه منه شىء، ووجه التفرقة بين الغلام والجارية اتباع ما وقع فى الحديث فلا يُعَدَّى (¬1) به ما ورد فيه، وهذا أحسنُ من التوجيه بغير هذا المعنى مما ذكروا. قال القاضى: الثلاث مقالات فى مذهبنا، فالقول بنجاسة بولهما وغسْلهما مشهور قول مالك (¬2) وأصحابه، وهو قول أبى حنيفة والكوفيين، والقول بطهارة بول الصبى وحده ونضحه ونجاسة بول الجارية قول الشافعى (¬3) وأحمد وجماعة من السلف وأصحاب الحديث وابن وهب من أصحابنا، وحكى عن أبى حنيفة أيضًا، والقول الثالث رواه الوليد بن مسلم عن مالكٍ (¬4) وهو قولُ الحسنِ البَصْرى، وقالَ بعضُ علمائنا: ليْسَ قوله فى الحديث: " لم يأكل الطعام "! علَّةً للحكم وإنما هو وصْفُ حال وحكايةُ قصةٍ، كما قال فى الحديث: " صغيرٌ " وفى الحديث الآخر: " رضيعٌ " واللبنُ طعامٌ وحكمُه حكمُه فى ¬

_ (¬1) فى المعلم: يتعدى. (¬2) المنتقى 1/ 128، المدونة 1/ 24. (¬3) المنتقى 1/ 128. (¬4) وقول الوليد بن مسلم عن مالك فى مختصر ما ليس بالمختصر: لا يغسل بول الجارية ولا الغلام حتى يأكلا الطعام، وهذه رواية شاذة. انظر: المنتقى 1/ 128.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى كل حالٍ، فأى فرق بينه وبين الطعام، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُعلِلْ بهذا ولا أشارَ إليه فنَكِل الحُكم فيه إليه؟ وهذا الحديث أصلٌ فى غسل النجاسة. وقال غيرُه يحتمل قولُه: " لم يأكل الطعام ": أى لم يرضع بَعْدُ، وأن المسلمين كانوا يُوجِّهونَ أبناءهم للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليدعُو لهم ويتفُلُ فى أفواههم ليكون أوَّلَ ما يدخلُ فى أفواههم ريق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيكون قولُه على هذا: " أجلسَه فى حجرِهِ " مجازًا، أى وضعَه فيه، ويحتمل أن يكون الصبىُ بلغ حد الجلوس وأحضِر ليدعوا له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه بَعْدُ لم يُفصل عن الرضاع ولا أكل الطعام. ووقع فى بعض روايات الحديث: " ويُرش على بول الصبى ": وحمله بعضهم على معنى اتباع الرش بعضُه بعضًا حتى يصير كالغُسل، أو يكون لما شك أنه أصابَه منه.

(32) باب حكم المنى

(32) باب حكم المنىّ 105 - (288) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أبِى مَعْشَرٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ؛ أَنَّ رَجُلاً نَزَلَ بِعَائِشَةَ. فَأصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّمَا كَانَ يجْزِئُكَ، إنْ رَأيْتَهُ، أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ تَرَ، نَضَحْتَ حَوْلَهُ، وَلَقَدْ رَأيْتُنِى أفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا. فَيُصَلِّى فِيهِ. 106 - (...) وحدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَد وَهَمَّامٍ، عَنْ عَائِشَةَ فِى الْمَنِىِّ، قَالَتْ: كُنْتُ أفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة فى المنىِّ: " كنتُ أفركُه من ثوب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬1)، قال الإمام: هذا الحديث يحتج [به] (¬2) الشافعيةُ (¬3) على طهارة المنى إذ لم يذكر الغسل، وقال بعض أصحابنا: قيل: إنها بالماء فركتُه، والحجةُ لنا على نجاسته (¬4) الحديث الآخر الذى فيه: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أراد الإحرام للصلاة رأى فى ثوبه منياً فانصرف، ثم خرج إليهم وفى ثوبه بقَعُ الماء" (¬5). وقال بعض أصحابنا: هو نجسٌ لخروجه من موضع البول، وهذا إشارةٌ إلى أنهُ إنما نجَّسَه إضافة النجاسة إليه، فانظر ما الذى ينبغى على هذا التعليل أن يكون حكم مَنىّ ما يؤكل لحمُه من الحيوان إذ بوله طاهِرٌ. قال القاضى: ذكر مسلم قول عائشة للذى غسل الثوب: " إنما كان يُجزيك إن رأيتَه أن تغسل مكانه، وإن لم تره نضحت حَوْلَه، لقد رأيتنى أفركه من ثوب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحديث فيه حجة لنا على نجاسته وإلا فَلِمَ يُغْسَلُ؟ فإن قيل: للتنظيف، قيل: فلِمَ أمرته أن ينضح إذا لم يروا هذا حكم النجاسات. ويصحح أن فرك عائشة له " إنما كان بالماء " لأنه جاء مُتَّصِلاً بهذا الكلام الأول، ويحمل على ما تقدم من قولها وإلا كان الكلامُ مُتناقِضًا، فالحديث بنفسه حجةٌ على المخالف، وإنما أنكرت عائشةُ عليه غَسْلَه كُلَّه وغمسَه فى الماء، وأنها سألته: هل رأيت فيه شيئاً؟ فقال: لا، وجمهورُ العلماء على ¬

_ (¬1) فى المعلم: لقد رأيتنى أفركه. (¬2) ليست فى المعلم. (¬3) الأم 1/ 55. (¬4) المنتقى 1/ 101. (¬5) البخارى، ك الطهارة، ب غسل المنى وفركه (229، 230) بمعناه عن عائشة، والنسائى، ك الطهارة، ب غسل المنى من الثوب 1/ 651 عن عائشة أيضاً بمعناه.

107 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّان. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَرُوبةَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مَعْشَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ مَهْدِىِّ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ الأحْدَب. ح وَحَدَّثَنِى ابْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ وَمُغِيرَةَ، كُلُّ هَؤلاءِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ فِى حَتِّ الْمَنِىِّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ خَالِدٍ عَنْ أَبِى مَعْشَرٍ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. 108 - (289) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْمَنِىِّ يُصِيبُ ثَوْبَ الرَّجُلِ، أيَغْسِلُهُ أمْ يَغْسِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نجاستِه إِلا الشافعى (¬1) وأصحاب الحديث فقالوا بظاهره، وحجتُهم ظاهِرُ فرك عائشة له، وقد فسَّرته بأمرها بالغسل والنضح، وبالخبر الذى ذكره عنها مسلمٌ: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغسِل المنىَّ " وفى الحديث الآخر: " كُنْتُ أغسِلُه من ثوب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، ويتأول الفرك والحك بالظفر الوارد فى الحديث لإزالة العين وتقشير ما يبس منه كما قالت فى الحديث الآخر: " من ثوب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يابسًا بظفرى " (¬2). وفائدته إزالة عينه قبل الغسل لئلا ينتشِر ببلله عد الغسل فى الثوب بدليل الحديث الآخر من قوله للحائض يُصيبُ ثوبَها الدم: " تحتُّه ثُم تقرُضُه بالماءِ "، ولله درُّ مسلم وإدخاله هذا الحديث بأثر أحاديث المنى، فهو كالتفسير للفرك وفائدته، وأما احتجاج المخالف بأنَّ المنىَّ أصلٌ للخلق كالتراب وأن منه تخلَّق الأنبياء، فلا حجة فى هذا، لأن ما يخلق منه الأنبياء لا كلام لنا فيه، وإنما كلامنا فى منىٍّ فاسدٍ حصَل فى ثوب أو جسدٍ يُقطَعُ على أنه لا يخلقُ منه أحدٌ، وأيضًا فليس كل ما هو بدء الخلق طاهِرٌ والمضغةُ والعلقةُ غيرُ طاهر عندنا إذا أسقطت باتفاق، وهى أصل الخلق للأنبياء، وكذلك أيضًا ننازعهم فى فرك عائشة المنى من ثوبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن سلمنا لهم الحجة به، بأن منيهُ وسائِرَ فضوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندهم طاهِرَةٌ على أحد القولين. ¬

_ (¬1) الأم 1/ 55 - 57. (¬2) سيأتى برقم (109) بالباب.

الثَّوْبَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِىِّ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ فِى ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ. (...) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ فَحَدِيثُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ بِشْرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِىَّ، وَأمَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ فَفِى حَدِيثِهِمَا قَالَتْ: كُنْتُ أغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 109 - (290) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِىُّ أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الْخَوْلانِىَّ؛ قَالَ: كُنْتُ نَازِلاً عَلَى عَائِشَةَ، فَاحْتَلَمْتُ فِى ثَوْبَىَّ، فَغَمَسْتُهُمَا فِى الْمَاءِ، فَرَأتْنِى جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ. فَأخْبَرَتْهَا، فَبَعَثَتْ إِلَىَّ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ بِثَوْبَيْكَ قَالَ: قُلْتُ: رَأَيْتُ مَا يَرَى النَّائمُ فِى مَنَامِهِ. قَالَتْ: هَلْ رَأيْتَ فِيهِمَا شَيْئًا؟ قُلْتُ: لا. قَالَتْ: فَلَوْ رَأيْتَ شَيْئًا غَسَلْتَهُ، لَقَدْ رَأيْتُنِى وَإِنِّى لأحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَابِسًا بِظُفُرِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " ثم يخرج إلى الصلاة وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه ": يحتمل لأثر الماء لاستعجاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومبادرته الوقت وأنه لم يكن لهم ثيابٌ يتداولونها، وقيل: يحتمل أنها عَنَتْ أثر المنىِّ بعد غسله. وفيه حجة أن النجاسة إذا غُسِلتْ حتى ذهب عينُها لا يضر بقاء أثرها أو لونها، وكذلك ترجم البخارى على هذا الحديث (¬1)، وقد جاء فيه: " ثمَّ لا يضرُك أثره " ولم يذكر فى هذا خلاف إِلا عن ابن عمر. وفى الحديث خدمة المرأةِ زوجها فى غسل ثيابه وشبهه، وليس هذا باللازم لها، ولكنه من حكم حسن العشرة وجميل الصحبة لا سيما فى حق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

_ (¬1) البخارى، فى الوضوء، ب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره 1/ 67.

(33) باب نجاسة الدم وكيفية غسله

(33) باب نجاسة الدم وكيفية غسله 110 - (291) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ؛ قَالَ: حَدَّثَتْنِى فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ؛ قَالَتْ: جَاءتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: " تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضِحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّى فِيهِ ". (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ وَمَالِكُ بْنُ أنسٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [قوله: جاءت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: أحدنا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به؟ قال: " تَحُته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلى فيه "] (¬1)، وقوله فى الدم: " تحتُّه ثم تقرصُه بالماء ": وتقرصه مخففٌ ومثقلٌ، رويناه بهما جميعًا وهو تقطيعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل ويخرجُ من الثوب. قال الإمام: قال الهروى: اقرصيه بالماء أى قطعيه (¬2)، وحتُ الشىء قشْرُه وحكُه، ومنه الحديث [أنه قال لامرأة فى الدم يصيب الثوب: حتيه بضلع أى حكيه] (¬3) [المذكور] (¬4). وقوله: " ثم لينضحه ": قال الهروى: ومن السُنن العشر الانتضاح بالماء، وهو: أن يأخذ قليلاً من الماء فينضح مذاكيره بعد الوضوء لينفى به الوسواس. قال الإمام: وقال بعض أصحابنا (¬5): هذا الحديث غيرُ معمولٍ به لأنه اعتقد أنه إنما أمرها أن تنضح موضع النجاسة، وتأوله غيرُه على غير ذلك وقال: لعله إنما أمر أن تنضح غير تلك البقعة مما شك فيه هل أصابته النجاسة [أم لا] (¬6)؟ قال القاضى: وقال غيره: المراد بالنضح هنا الغسل على ما فى حديث بول الصبى مما سنذكرُه بعدُ، وهو معروف فى كلام العرب، وكذلك فى حديث المقداد فى المذى، قوله: " وانضح فرجك " وفى الرواية الأخرى: " واغسل ذكرك ". ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) غريب الحديث 2/ 39. (¬3) من المعلم. (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) المنتقى 1/ 121، 122. (¬6) ليست فى المعلم.

(34) باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه

(34) باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه 111 - (292) وحدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: " أمَا إنَّهُمَا لَيُعَذَّبانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا أحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ". قَالَ: فَدَعَا بعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلى هَذَا وَاحِدًا. ثُمَّ قَالَ: " لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا، مَا لَمْ يَبْيَسَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى صاحبى القبر (¬1): " إنهما يُعذَّبان وما يُعذبان بكبيرٍ، أما أحدُهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " وفى رواية أخرى: " لا يستنزه من البول " وفى غير مسلم: " يستبرى " بالياء، قال الإمام: قوله: " وما يعذبان فى كبير " [ثم] (¬2) ذكر النميمة وقد تكون من الكبائر، فيحتمل أن يريد [به] (¬3) فى كبير عليهم تركه وإن كان كبيرًا عند الله، والمنهى عنه على ثلاثة أنحاء، منه ما يشقُ تركُه على الطباع كالملاذِّ المنهىِّ عنها، ومنه ما يؤكده الطبع ويدعو إليه كالنهى عن تناول السموم وإهلاك النفس، ومنه ما لا مشقة على النفس فى تركه فهذا القسم مما يقال [فيه] (¬4): ليس بكبير على الإنسان تركه. قال القاضى: وقيل فى معنى: " وما يعذبان بكبيرٍ ": أى عندكم، إِلا تراه كيف قال: " بلى " فى غير مسلم، أى بلى هو كبير عند الله كما قال: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (¬5)، وهذا أظهرُ فى معنى بلى من رده على غير هذا، كما ذهب إليه بعضُهم، وقيل: " مايعذبان بكبير ": أى بأكبر الكبائر وإن كان كبيرًا. وفى الحديث من الفقه صحة عذاب القبر، ومعنى: " لا يستتر من بوله ": أى لا يجعل بينه وبينه سُترةً ولا يتحفظ منه، وفيه أن القليل من النجاسة وكثيرها غير معفوٍ عنه، وهذا مذهب مالك وعامة الفقهاء إلا ما خففوه فى الدم لغلبته على ما قدمناه أول الكتاب، وعلى الاختلاف فى هل الدماء كلها واحدةً أو مفترقة؟ وجعل أبو حنيفة (¬6) قدر الدرهم من ¬

_ (¬1) فى المعلم: القبرين. (¬2) من المعلم. (¬3) و (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) النور: 15. (¬6) بدائع الصنائع 1/ 79، 80.

(...) حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأزْدِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَكَانَ الآخَرُ لا يَسْتَنْزهُ عَنِ الْبَوْلِ - أَوْ مِنَ الْبَوْلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كل نجاسةٍ معفوًا عنها قياسًا على العفو عن المخرْجِ فى الاستجمار، وقال الثورى: كانوا يُرخِّصون فى القليل من البول، ورخَّص أهل الكوفة فى مثل رؤوس الإبر، وقال مالك والشافعى (¬1) وأبو ثور: يُغسل، وحكى عن إسماعيل القاضى غسل ذلك عند مالك على طريق الاستحسان والتنزه، وهذا هو مذهب الكوفيين خلاف المعروف من مذهبه. قال الإمامُ: واحتج المخالف بهذا الحديث على نجاسة بول ما يؤكل لحمه (¬2)، فأما روايةُ " بولِه " بالإضافة فلا تعلق له بِه؛ لأنه قصَرَه على بول الرجل، وأما الرواية الثانية فقد يتعلق بها طردًا لاسم البول فيقول (¬3): متى وُجِد ما تقع عليه هذه التسميةُ وجب أن يكون نجسًا، واحتج أصحابنا (¬4) بطواف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على البعير ولا يؤمَن أن يبول. وقوله: " يستنزهُ " و " يستترُ من البول ": يُشير ظاهره [إلى] (¬5) أن علة التعذيب أنه لا يتحفظ من النجاسة. قال القاضى: معنى " يستتر من البول ": أى يجعل بينه وبينه سُترةً، ومعنى " يستنزه ": أى يبعد منه، ومنه أخذتْ النزاهةُ عن الشىء أى البعدُ منه. قال الإمام: وأما رواية يستبرئ ففيها زيادة على هذا المعنى؛ لأنه إذا لم يستبرئ فقد يخرج منه بعد الوضوء ما ينقض وضوءه فيصير مصلياً بغير وضوء، فيكون الإثم لأجل الصلاة أيضًا، [وهى كثيرةٌ لا شك فيه، وقد قيل: " يستتر من بولِه ": أى من الناس عند بوله، فيحتج بهذا على وجوب ستر العورة] (¬6). قال القاضى: استدل المخالفُ ومن قال من (¬7) أصحابنا: إن إزالة النجاسة فرضٌ بتعذيب هذا بعدم التنزه عن البول، والوعيد لا يكون إِلا على واجبٍ، والجوابُ لمن يقول: إن سنةٌ ما تقدَّم من رواية " يستبرئ " فكان يُصلى بغير طهارة، أو بترك السترة عمدًا واستخفافًا وتهاونًا، قال ابن القصار: وعندنا أن متعمد ترك السُنن لغير عُذرٍ ولا تأويل آثم. ¬

_ (¬1) الأم 1/ 57. (¬2) الشافعى وأبو حنيفة. بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/ 301. (¬3) فى المعلم: فنقول. (¬4) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/ 103. (¬5) من المعلم. (¬6) ليست فى المعلم. (¬7) راجع: المنتقى 1/ 41.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ولعل معناه فيمن تركها جملةً؛ لأن إقامتها وإحياءها على الجملة واجبٌ وأما على الآحاد أو ترك المرء بعضها فخلاف الواجبات. قال الإمام: وأما جعل الجريدتين على القبر، فلعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوحى إليه أن (¬1) العذاب يُخفُّفُ عنهما ما لم ييبسا، ولا يظهر لذلك وجهٌ إِلا هذا. [قوله فى الحديث: " فدعا بعسيب رطب ": قال الهروى فى تفسير الحديث الذى فيه: " فجعلت أتتبعه - يعنى القرآن - من اللحاف والعُسُب " العسب: جمع عسيب، وهو سعف النخل، وأهل العراق يسمونه الجريد والعراهن، واللحاف حجارة بيض رقاق، قال أبو عبيد فى مصنفه: رقاق عريضة] (¬2). قال القاضى: قد ذكر مسلم فى حديث جابر الطويل آخر الكتاب فى حديث القبرين: " فأحببتُ بشفاعتى أن يُرفع (¬3) ذلك عنهما ما دام القضيبان رَطبين "، فإن كانت القصةُ واحدةً فقد بين أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا لهما وشفع، وإن كانت قصةً أخرى فيكون المعنى فيهما واحدًا، والله أعلم. وذكر بعض أصحاب المعانى أن يكون يحتمل التخفيف عنهما مُدَّة رطوبة الجريدتين لدعاء كان منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك تلك المدة، وقيل: بل المعنى: أنهما ما دامتا رطبتين تسبِّح وليس ذلك لليابس، وقد حكى عن الحسن نحو من هذا فى [مايدة] (¬4)، وسئل: هل تسبح؟ فقال: كان، فأما الآن فلا. واستدل بعض العلماء من هذا - على هذا التأويل - على استحباب تلاوة القرآن على القبور، ولأنه إذا كان يُرجى التخفيف عن الميت بتسبيح الشجر فتلاوة القرآن أعظم رجاءً ونفعًا. قال بعضهم: وقد جاء عمل الناس فى بعض الآفاق ببسط الخوص على قبور الموتى، فلعله استنانٌ بهذا الحديث، قال الخطابىُّ: وليس لما تعاطوه من ذلك وجهٌ. قال القاضى: قد روى عن بريدة الأسلمى أنه أوصى أن يجعل فى قبره جريدتان، فلعله تيمُّنًا بما فعله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لما تقدم، والله أعلم، أو لتشبيه الله تعالى لها بشجرةٍ طيبةٍ وتشبيهها بالمؤمن. ¬

_ (¬1) فى المعلم: بأن. (¬2) من المعلم. (¬3) فى الأصل: يرفه. (¬4) هكذا فى جميع الأصول، ولعلها: فوائده.

3 - كتاب الحيض

بسم الله الرحمن الرحيم 3 - كتاب الحيض (1) باب مباشرة الحائض فوق الإزار 1 - (293) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ إِحْدَانَا، إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، أَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأتَزِرُ بِإِزَارٍ، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. 2 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ إِحْدَانَا، إِذَا كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ [قول عائشة - رضى الله عنها -: " كانت إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأتزر فى فور حيضتها ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يملك إربه "] (¬1). وقوله فى الحائض: " تأتزر ثم يباشرها " وفى الحديث الآخر: " فى فور حيضتها " فور الشىء جأشه واندفاعه وانتشارُه، وفور الحيض مُعْظم صبِّه، ومنه فورُ العين وفور القدر إذا جاشا، قال الله تعالى: {وَفَارَ التَّنُّورُ} (¬2)، ومنه فى الحديث: " فإن شدة الحرِّ من فور جهنم " (¬3)، وفى كتاب أبى داود: " فى فوج حيضها " (¬4)، وكذلك فى البخارى: " من فوج جهنم " و " فيح جهنم " (¬5) والكل بمعنىً واحد. ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) هود: 40. (¬3) جزء حديث أخرجه البخارى فى بدء الخلق، ب صفة النار وأنها مخلوقة (330) بلفظ: " الحمى من فور جهنم ". (¬4) أبو داود، فى الصلاة، ب إتيان الحائض (273). (¬5) البخارى، ك بدء الخلق، ب صفة النار وأنها مخلوقة (330، 331).

حَائِضًا، أَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَأتَزِرَ فِى فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبهُ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأيكم يملك إِربه كما كان رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يملك إرْبَه ": كذا رُويناه فى الأم فيه بكسر الهمزة وسكون الراء، أى لعضوه، والإربُ العضوُ، والآراب الأعضاءُ، كَنَّت به عن شهوة الجماع، والإرْبُ أيضاً الحاجةُ وهى الإربة والمأرُبَةُ - أيضاً - بضم الراء وفتحها، ورواه بعضهم: " لأَرَبه " بفتح الهمزة والراء، وكذا رواه أبو ذر فى كتاب البخارى (¬1)، وعاب الخطابى رواية أصحاب الحديث فيه بالكسر والإسكانِ، وصَوَّب رواية الفتح، وقال: يعنى حاجته، قال: والإربُ [أيضاً] (¬2) الحاجة، قال: والأول أظهر (¬3). قال الإمام: قال الهروى (¬4): " لإرْبِه " أراد الحاجةَ (¬5) يعنى أنه كان غالباً لهواه (¬6)، [قال] (¬7)،: والإربُ والمأربةُ الحاجةَ، قال غيره والأَربُ - أيضاً - بفتح الهمزة والراء، وأما المأرَبةُ فبفتح الراء [فيها] (¬8) وضمها، قال: وقال الهروى فى تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيض} (¬9) قال ابن عرفة: المحيض والحيض اجتماع الدم إلى ذلك المكان، وبه سمى الحوض لاجتماع الماء فيه (¬10)، يقال: حاضت المرأةُ وتحيضت حيضاً ومحاضاً ومحيضاً إذا سال الدمُ منها فى أوقاتٍ معلومة، فإذا سال فى غير أيام معلومات (¬11) من غير عِرق الحيض قيل (¬12): استحيضت فهى مستحاضة، [قال] (¬13): ويقال: حاضت المرأة وتحيضت ودرَسَت وعركَت وَطمِثت. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحيض، ب مباشرة الحائض 1/ 82، 83. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) إصلاح غلط المحدثين. وإنما أنكر الخطابى رواية الكسر من حيث قصرها على العضو وتفسيرها به، إذ أنها بالكسر مشترك بين العضو والحاجة مطلقاً. (¬4) زاد فى المعلم بعدها: فى حديث عائشة: " كان أملككم لإربه " أرادت الحاجة. (¬5) غريب الحديث 3/ 336. (¬6) فقولها على هذا علة فى عدم إلحاق الغير به، ومن يجيز المباشرة يجعل قولها علة فى إلحاق الغير به، أى إذا كان أملك الناس لإربه يباشر هذه المباشرة فكيف لا يتاح لغيره. (¬7) و (¬8) من المعلم. (¬9) البقرة: 232. (¬10) قال الفارسى: لقد زل فيه لفظاً ومعنى، أما لفظاً: فإن الحوض من ذوات الواو، والحيض من ذوات الياء، فلا يشتق أحدهما من الآخر، وأما معنى: فلأن الحوض إنما سمى حوضاً لاجتماع الماء فيه من قولهم: استحوض إذا اجتمع، والحيض هو سيلان الدم. إكمال 2/ 74. (¬11) فى المعلم: معلومة. (¬12) فى المعلم: قلت. (¬13) من المعلم.

3 - (294) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ، وَهُنَّ حُيَّضٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قد قيل فى هذا - أيضاً -: " نفست " بفتح النون، وحكى بعضهم فيه الضم أيضاً، وضَحِكتْ - أيضاً - بمعنى حاضت، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَت} (¬1)، وقيل: سُمى الحيض حيضاً من قولهم: حاضت السَمُرة إذا خرج منها ماء أحمرُ، قال القاضى: ولعل قولهم هذا فى السمرة أصلُه من حيض المرأة. قال الإمام: يحتمل أن يكون إنما أمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأتزر من فور الحيضة خشية أن يناله أذىً حين مضاجعتِه؛ لأن الدمَ حينئذ يُثجُّ، أى يندفع، وليس كذلك الحال (¬2) فى آخر الحيضة. وقولها: " ثم يباشرها ": يحتمل أن يراد به مماسة الجسد؛ لإن إصابة الحائض من تحت الإزار يمنعُه أهل العلم (¬3). قال القاضى: صحح هذا الاحتمال الذى ذكره ورفَع الرَّيبَ فيه قوله: " إنه كان يُباشر نساءه فوق الإزار ". ¬

_ (¬1) هود: 71 (¬2) فى ت: الحامل. (¬3) المنتقى 1/ 117

(2) باب الاضطجاع مع الحائض فى لحاف واحد

(2) باب الاضطجاع مع الحائض فى لحاف واحد 4 - (295) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ ابْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاس؛ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ مَعِى وَأَنَا حَائِضٌ، وَبَيْنِى وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " يضطجع معى وأنا حائض وبينى وبينه ثوبٌ "، فهذا الثوب يرجع إلى الإزار فى الحديث الآخر، وتكون المباشرة حقيقةً لما فوق الإزار ويجتنب ما تحت الإزار، وقال ابن الجهم وابن القصار: حدُّه من السُرَّةِ إلى الركبة؛ لأنه موضع الإزار، ولأنه مفسَّرٌ فى حديث آخر، وهذا مذهب عامة أئمة أهل العلم فى جواز الاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار، ومضاجعتها ومباشرتها فى مئزرٍ بمفهوم هذه الأحاديث، وبقوله فى غير هذا الكتاب: " ثم لك ما فوق الإزار " (¬1)، وقوله: " ثم شأنك بأعلاها " (¬2)، وتعلق بعض من شذَّ بظاهر القرآن إلى اعتزال النساء فى الحيض جملة (¬3)، وقد بيَّنت السنة هذا الاعتزال وفسرته بما تقدم، وبقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد هذا: " اصنعوا كل شىء إِلا النكاح "، وقد يتعلقون بظاهر حديث ميمونة وقولها: " وبينى وبينه ثوب " ولكن قولها فى الرواية الأخرى: " فوق الإزار " يُفسِّرُ أنه الثوب الذى عنَتْهُ، وفى البخارى: " كان إذا أراد أن يباشر أحداً من نسائه أمرها فاتزرت " (¬4). وذهب بعض السلف وبعض أصحابنا إلى أن الممنوع منها الفرج وحده، وأن غيره مما تحت الإزار حمايةً منه مخافة ما يُصيبُه، وروى عن عائشة معناه (¬5)، وحكى ابن المرابط فى شرحه إجماع السلف على جواز ذلك، وقد يحتج باختصاصه الشد ¬

_ (¬1) جزء حديث أخرجه أبو داود فى الطهارة، ب فى المذى من حديث العلاء بن حكيم عن عمه أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يحل لى من امرأتى وهى حائض؟ قال: " لك ما فوق الإزار ". (¬2) مالك فى الموطأ من حديث زيد بن أسلم، أن رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما يحلُّ لى من امرأتى وهى حائض؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِتَشُدَّ عليها إزارَها، ثم شأنك بأعلاها " والحديث من رواية محمد بن الحسن، ص 57. (¬3) وهو قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيض} [البقرة 232]. (¬4) البخارى فى الحيض، ب مباشرة الحائض، وفى الاعتكاف، ب غسل المعتكف، كما أخرجه أبو داود فى الطهارة، ب فى الرجل يصيب منها دون الجماع، والترمذى فى الطهارة، ب ما جاء فى مباشرة الحائض، والنسائى فى الطهارة، ب مباشرة الحائض. (¬5) رواه أيوب عن أبى معشر عن إبراهيم عن مسروق قال: سألتُ عائشة: ما يَحلُّ لى من امرأتى وهى حائض؟ قالت: كلُّ شىء إِلا الفرج. وكذلك قالت لحكيم بن عقال. راجع: الاستذكار 3/ 185، السنن الكبرى 1/ 314.

5 - (296) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْت أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفور حيضتها فى الحديث المتقدم. وكذلك اختلفوا متى يحلُّ وطؤها، بانقطاع الدم؟ وهو مذهب الكوفيين وإن لم تطهر، وإليه نحا بعض أصحابنا البغداديين، وأن الإمسَاك إلى أن تتطهر بالماء استحبابٌ، وتأوله على قول مالكٍ (¬1)، وقال ابن نافع من المدنيين: له وطؤها إذا احتاج وإن لم تتطهر بالماء، واحتجوا بقوله تعالى: {حَتَّى يَطهُرْن} (¬2) فهى الغاية (¬3) ومشهور المذهب وقول عامة السلف والفقهاء أنها لا توطأ حتى تغتسل لقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} فقرن بالغايةِ وصفاً وشرْطاً لا بُدَّ منهُ (¬4)، وقال الأوزاعى وأصحاب الحديث: إذا طهرَت وغسلت فرجها حلَّ وطؤها وإن لم تغتسل، وهو نحو القول الأول، أو لأنهم حملوا التطهر على اللغوى والذى بمعنى التنظيف وغسل الأَذَى، وقال آخرون: المراد به الطهارة الصغرى، فإذا توضأت حل له وطؤها وإن لم تتطهر، كما أمُرِ الجنبُ إِلا ينام حتى يتوضأ، وكذلك اختلفوا، هل على الواطئ فى الحيض كفارةً أم لا؟ فذهب ابن عباس إلى ما جاء فى الحديث: أنه يتصدَّق بدينار أونصف دينارٍ، وهو قول ابن حنبل، وعن ابن عباسٍ - أيضاً - فى أول الدم بدينار وفى آخره بنصفه (¬5)، وقال النخعى وإسحاق والشافعى فى القديم: ونحوه للأوزاعى إِلا أنه جعل النصف لمن وطئها بعد انقطاع الدم (¬6)، وقال الحسن: عليه ما على الواطئ فى رمضان، ونحوه لسعيد بن جبير قال: عتق رقبةٍ، وذهب مالك ¬

_ (¬1) ما جاء فى الموطأ: وذكر مالكٌ أنه بلغه أن سالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار سئلا عن الحائض، هل يصيبها زوجَها إذا رأت الطُّهرَ قبل أن تغتسل؟ فقالا: لا حتى تغتسل. قال أبو عمر: قال مالك: وأكثر أهل المدينة: إذا انقطع عنها الدم لم يجز وطؤها حتى تغتسل، وبه قال الشافعى، والطبرى، ومحمد بن سلمة. المنتقى 1/ 118، بداية المجتهد 1/ 76. (¬2) البقرة: 222. (¬3) يعنى أن ما بعد حتى بخلاف ما قبلها. (¬4) ولأن {تَطَهَّرْن} تفعَّلن، قال أبو عمر: وقد يقع التحريم بالشىء ولا يزول بزواله. كقوله تعالى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَه} [البقرة: 230]، قال: وليس بنكاح الزوج تحل له حتى يطلقها الزوجُ وتعتدَّ منه. الاستذكار 3/ 190. (¬5) الحديث أخرجه أبو داود فى السنن، ك الطهارة، ب فى إتيان الحائض، والترمذى فى الطهارة، ب الكفارة فى إتيان الحائض، والنسائى فى المجتبى ك الطهارة، ب ما يجب على من أتى حليلته فى حال حيضتها، وابن ماجه فى السنن، ك الطهارة، ب فى كفارة من أتى حائضاً، كما أخرجه أحمد فى المسند 1/ 272، 325، والدارمى فى السنن 1/ 254. (¬6) وهو قول فرقة من أهل الحديث. الاستذكار 3/ 188، ونقل عن الأوزاعى أن عليه التصدق بخمسى دينار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والشافعى آخراً والكوفيين والليث ومعظم السلف والفقهاء: أنه لا كفارةَ عليه وليستغفر الله ويتوب إليه، والحديث عندهم مضطرب غير محفوظ (¬1). قال الإمام: واختلف أهل العلم فى أقل الحيض الموجب لترك الصلاة (¬2)، فمذهب مالك (¬3): أن الدَّفعة من الدم حيض، ومذهب الشافعى (¬4): يوم وليلة، فإذا انقطع قبل ذلك فليس بحيض، ومذهب أبى حنيفة كالشافعى، إِلا أنه يجعل حدَّ ذلك ثلاثة أيام (¬5)، ومقتضى مذهبهما أن المرأة إذا رأت الدم كفَّت عن الصلاة، فإن بلغ إلى الحد الذى ذكروه لم يجب عليها قضاء، وإن انقَطع قبل ذلك قضت، وألزمنا المخالف أن يَقُول فى الاستبراء: إن الدَّفعة من الدم تجرى (¬6) فيه كما قلنا: إن ذلك موجب لترك الصلاة. وقال الأبهرى من أصحابنا: القياس أن تكون الدفعةُ من الدم يعتدُ بها فى الاستبراء ويكون قرءاً، ولكن أخذنا بالاحتياط لبراءة الأرحام وصيانة الأنساب، وقد ذكر بعض الناس أَنَّ نساء الأكراد يحضن لمعةً أو دفعةً فقط (¬7). والحيّض ثلاثٌ: مبْتدأةٌ، ومعتادةٌ، ويائسةٌ، فأما المبتدأةُ [إذا رأته] (¬8) فتمادى بها فقيل: تجلس خمسة عشر يوماً، وإن (¬9) زاد على ذلك كانت مستحاضةٌ، وقيل: تترك الصلاةَ قدر أيام لداتِها [و] (¬10) قيل معناه: أترابها. وهل تستظهر على ذلك أم لا (¬11)؟ فيه قولان، وأما المعتادة إذا زاد الدم على أيام حيضتها (¬12)، فقيل: تتم خمسة عشر يوماً، وقيل: تستطهر على أيامها ثم تغتسل وتُصلى. والقول فى الحيض مبسوط فى كتب الفقهاء وليس هذا موضِع بسْطِه. وأما اليائسات إذا رأين دَماً فإنه لا يكون براءةً للأرحام، واختلف هل تترك له الصلاةُ والصيام؟ وسيأتى ¬

_ (¬1) وحجَّتُهم فى ذلك اضطراب الحديث عن ابن عباس مرسلاً، وأن الذِّمم على البراءة لا يجب أن يثبُتَ فيها شىء لمسكن ولا غيره إِلا بدليلٍ لا مدفع فيه. قال ابن عبد البر: وذلك معدوم فى هذه المسألة، السابق. (¬2) لأن الواجب الاحتياط للصلاة، فلا تُتْرك إِلا بيقين لا شكَّ فيه، ولهذا نقل عن مالك وغيره من العلماء: لأن تُصلى المستحاضة وليس عليها ذلك خيرٌ من أن تدع الصلاةَ وهى واجبةُ عليها. (¬3) غير أنها لا تعتدُّ بها من طلاق. قال ابن عبد البر: كان مالك لا يوقِّتُ فى قليل الحيض ولا فى كثيره. الاستذكار 3/ 241. (¬4) وبه قال أحمد بن حنبل، وهو قول عطاء بن أبى رباح والأوزاعى. (¬5) وهو قول محمد بن مسلمة. (¬6) فى المعلم: تجزئ. (¬7) ذكره الأوزاعى، ونقله ابن عبد البر قال: وعندنا امرأةٌ تحيضُ غُدْوةً وتطهرُ عشيَّةً. السابق 3/ 242. (¬8) فى المعلم: إذا رأت الدم. (¬9) فى المعلم: فإن. (¬10) ليست فى المعلم. (¬11) الاستظهار - بالطاء المعجمة - هو أن ترى الحامل الدم فتجلس فى الشهر والشهرين قدر أيامها؛ لأن الحمل لا يظهر فى شهر ولا فى شهرين، وهذا قول مالك الرجوع إليه وهو الراجح فى المذهب. الموسوعة الفقهية 18/ 299. (¬12) فى المعلم: عادتها.

أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْخَمِيلَةِ، إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيابَ حَيْضَتِى. فَقَالَ لِى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنفِسْتِ؟ " قُلتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِى فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِى الْخَمِيلَةِ. قَالَتْ: وَكَانَتْ هِى وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلانِ، فِى الإِنَاءِ الْوَاحِدِ، مِنَ الجَنَابِةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر المستحاضة. قال القاضى: ما ألزمنا المخالف وقاسَه الأبهرىُ هو حقيقة مذهب ابن القاسم على ما ذهب إليه بعض حُذاق شيوخنا، وأن الدفعَةَ متى كان قبلها طهرٌ فاصِلٌ وبعدها طهرٌ فاصِلٌ فهى حيضٌ يعتدُ به فى العِدَد، وعليه حُمِل قول ابن القاسم فى المعتَدَّةِ: فإذا رأت أول قطرةٍ من الحيضِة [الثالثة] (¬1) فقد تم قرؤها، وانقضت الرجعة، وحلَّت للأزواج، وإن قول أشهب خلاف له، وإليه نحا اللخمى، خلاف قول غيرهما: إنه تفسيرٌ ووفاق، ويعضده ما وقع لمالك فى الاستبراء وقوله: يسأل النساء عن ذلك (¬2). وقول أم سلمة: " بينا أنا مضطجعةٌ فى الخميلة [إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنفِسْتِ ...] " (¬3) الحديث، قال القاضى: الخميلة القطيفة، قال ابن دريد، وقال الخليل: الخميلةُ ثوبٌ له خمْلٌ. وقولها: " فأخذت ثياب حِيضتى ": كذا ضبطناه بكسر الحاءِ، وكذا قال الخطابى فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: " إن حيضَتَكِ ليست فى يدك " (¬4)، وإن صوابه بكسر الحاء، يريد الهيئة والحالة كقولهم: القِعْدَة والجلْسَه (¬5)، أى الهيئة والحالة، قال: والمحدثون يقولونها بفتح الحاء، وعندى أن هذا [غير] (¬6) بيِّن فى هذا الوضع، بل الحيضة هنا الدَمُ لقوله: " ليست فى يدكِ " يعنى: أن النجاسة التى يجب تجنُبُها المسجد وأسباب الصلاة وهو دم الحيضة ليست فى يدك، وأن الصواب ما قاله المحدثون هناك بخلاف حديث أم سلمة هذا، ويحتمل الكسر، أى الثياب التى ألبسها فى حال حيضتى، ويحتمل الفتح، أى الثياب التى ألبسها أيام الدم، ولا أتحفظ بها من الحيض، وأنزِّه غيرها من ثياب التجمل والصلاة عن ذلك. وقوله: " أنُفِسْتِ "، قال الإمام: قال الهروى وغيره: نُفِست [المرأة] (¬7) ونَفِسَت إذا ولدت، فإذا حاضت قيل: نَفِست بفتح النون لا غير. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) الاستذكار 3/ 241، وهو منقول أيضاً عن الشافعى. (¬3) من المعلم. (¬4) سيرد إن شاء الله قريباً فى الحديث الحادى عشر. (¬5) معالم السنن 1/ 83. (¬6) ساقطة من الأصل. (¬7) من المعلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: روايتنا فى الأم بضم النون وهى رواية أهل الحديث، وذلك صحيح، وقد قال أبو حاتم عن الأصمعى الوجهان فِي الحيض والولادةِ، وذكر ذلك غير واحدٍ، وأصل ذلك كله من خروج الدم، والدم يُسمَّى نفساً، ومنه قول الشاعر: تسيلُ على حدَّ السيوف نفوسُنا ... وليست على غير السيوف تسيل وفيه نوم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع زوجه فى الخميلة، وكذلك فى حديث عائشة وغيرها، وأن ذلك من سنن أهل الفضل خلاف سيرة [بعض] (¬1) الأعاجم. وقولها: " وكانت هى ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسلان فى الإناء الواحد من الجنابة ": فيه جواز غسل الرجل مع المرأة من إناءٍ واحدٍ ووضوئهما، وهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف من أحمد بن حنبل ومن تبعه فى وضوء الرجُلِ وغسله من فضل وضوئها أو غسلها، وسيأتى هذا مُعيَّناً بعد. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت.

(3) باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء فى حجرها وقراءة القرآن فيه

(3) باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء فى حجرها وقراءة القرآن فيه 6 - (297) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اعْتَكَفَ، يُدْنِى إِلَىَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ. 7 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنْ كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ، والْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلا وَأَنَا مَارَّةٌ، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلَىَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ. إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا. وَقَالَ ابْنُ رُمْحٍ: إِذَا كَانُوا مُعْتِكفِين. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " إن كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُدخِلَ علىَّ رأسَهُ وهو فى المسجد وأنا فى حجرتى فأرجِّلُه، وكان لا يدخل البيت إِلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً " وبيَّن فى الحديث الآخر: " فأرْسِلهُ " وهو بمعنى أرَجِّلُه، وفى آخر: " فأغسِلُهُ وأنا حائض "، وفيه ذكر مناولتها وهى حائض الخمرة والثوب، ووضعُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاه فى موضع شربها وأكلها، فيه كله أَنَّ جَسَد الحائض طاهِرٌ ما لم يُصبْ نجاسةً، وكذلك ريقُها، وأن ما يلمسه من ذلك لا يتنجَّس، وأنها لا تُمنع من المسجد إِلا مخافة ما يكون منها. وإلى هذا نحا محمد بن سلمة من أئمتِنا، وأجاز ذلك للجنب - يعنى إذا لم يكن به أذىً - وهو قول زيد بن أسلم إذا كان عابِر سبيلٍ، وحكاه الخطابى عن مالك والشافعى (¬1) وأحمد، وأهل الظاهر يجيزون للجنب دخوله، إِلا أن أحمد يستحب له الوضوء بدخوله، ومنع سفيان وأصحاب الرأى دخوله المسجد جملة، وهو مشهور قول (¬2) مالك، وذهب بعض المتأخرين (¬3) إلى ¬

_ (¬1) الأم 1/ 54، المغنى 1/ 200. (¬2) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/ 66، المغنى 1/ 200، 201. (¬3) هو اللخمى.

8 - (...) وحدّثنى هَارُون بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ إِلَىَّ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهْوَ مُجَاوِرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جواز ذلك للحائض إذا استقرت بثوب [قال] (¬1) كما جاء فى المستحاضة فى الطواف، وليس هذا عندى بصواب؛ لأنها متى استثفرت وخرج منها فى الذى [استثفرت] (¬2) به شىء، وإن أومن تنجيسه المسجد، فإنها نجاسةٌ فى الثوب يُنزَّه المسجدُ عن كونها فيه، والمستحاضة فى الطواف معذورة من وجهين؛ من الاستحاضة التى لزمتها، ومن تمام عقد العبادة التى دخَلتها، فلم يكن لها بُدٌ من ذلك والحائض فلا ضرورة لها لدخول المسجد جملة. وفيه أن مس المرأة زوجها فى الاعتكاف لغير لذةٍ، وترجيل شعره وغسيله، ومناولته (¬3) الثوب وشبهه له، لا يضر اعتكافه، وأن إخراج المعتكف رأسه من المسجد وغسله شعره وترجيله لا يضره، ولا قص شعره ولا ظفره. وفيه أن من حلف إِلا يدخل بيتاً فأدخل فيه رأسه لا يحنث، لإخراج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من المسجد وهو لا يجوز له الخروج، وإن أدخل ذلك منه من المسجد بيته لقول عائشة: " وأنا فى حجرتى "، وأن المعتكف لا يدخل البيت إِلا لضرورة حاجة الإنسان، وأنه لا يعود مريضاً ولا يشتغل بغير ما هو فيه، وأن سؤاله عن المريض والتسليم على الناس ومكالمتهم وشبه هذا فى مسيره إلى حاجته لا يضره، وهذا قول مالك والأوزاعى والشافعى وأبى حنيفة، وبظاهر هذا أخذ إسحاق وقال: لا يخرج إِلا لبول أو غائط، وقال جماعة من السلف، لكن إسحاق فرق بين التطوع والفرض، فأجاز اشتراط خروجه فى التطوع ولم يُجز أكثرهم الشرط فيه، واختلف فيه قول أحمد، واختلف قول مالك فى خروجه لما يضطر إليه؛ من خروجه لشراء طعامه وشرابه وما يحتاج إليه، وروى عن بعض السلف من الصحابة وغيرهم: جواز خروجه للجُمعة والجنازة وعيادة المريض، وأجاز أصحاب الرأى خروجه للجمعة، ومنعه مالك ورآه يفسد اعتكافه، وأنه لا يعتكف إِلا فى الجامع، وسيأتى هذا مفسراً فى الاعتكاف إن شاء الله تعالى. وقوله: " وهو مجاور ": أى معتكف، والجوارُ والاعتكاف سواء. وذكر قولها: " قال لى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ناولينى الخمرة من المسجد "، قال الإمام: قال الهروى فى تفسير الحديث: " أنه كان يسجُد على الخُمر " يعنى هذه السجادة، وهى مقدار ما يضع عليه الرجلُ حُرَّ وجهه فى سجوده من حصيرٍ أو نسيجة من خوص (¬4). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى ت: تستثفر. (¬3) فى الأصل: ومناولتها، والمثبت من ت. (¬4) غريب الحديث 1/ 277.

فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. 9 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِى إِلَى رَأْسَهُ وَأَنَا فِى حُجْرَتِى، فَأُرَجِّلُ رَأْسَهُ وَأَنَا حَائِضٌ. 10 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ رَأسَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ. 11 - (298) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ القَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَاوِلِينى الْخُمْرَةَ مِنْ المَسْجِدِ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: إِنِّى حَائِضٌ. فَقَالَ: " إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِى يَدِكِ ". 12 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ حَجَّاج وَابْنِ أَبِى غَنِيَّةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَاوِلَهُ الخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ. فَقُلْتُ: إِنِّى حَائِضٌ. فَقَالَ: " تَنَاوَلِيهَا، فَإِنَّ الْحَيْضَةَ لَيْسَتْ فِى يَدِكِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: سميت بذلك لأنّها تخمِّرُ الوجه أي تستُره، وأصل هذا الحرف كله من الستر، ومنه الخمارُ لستره الرأس. وقولها: " من المسجد " معناه: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك لها من المسجد ليناولها إياه من خارج (¬1)، لا أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها أن تُخرجها له من المسجد؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان فى المسجد معتكفاً، ولقوله لها: " إن حيضتك ليست فى يدك "، فإنما حذرت هى من إدخالها يدها فى المسجد لا غير ذلك، ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لذكر اليد معنى (¬2). ¬

_ (¬1) فـ (من المسجد) متعلق بقال. (¬2) ورغم هذا قال القرطبى: وعلق قوم (من المسجد) بـ (ناولينى)، قال: وأجازوا عليه دخول الحائض المسجد لحاجةٍ تعرض، إذا لم تكن على جسدها نجاسة، ومنعها منه إنما هو خوف ما يخرج منها.

13 - (299) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كَامِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنَ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى المَسْجِدِ، فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، نَاولِينِى الثَّوْبَ ". فَقَالَتْ: إِنِّى حَائِضٌ. فَقَالَ: " إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِى يَدِكِ " فَنَاوَلَتْهُ. 14 - (300) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ، عَنِ المِقْدَامِ بْنِ شُرَيْجٍ، عَن أَبِيهِ، عَن عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِىَّ، فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ العَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعَ فِىَّ. وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيْرٌ: فَيَشْرَبُ. 15 - (301) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَكِّىُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِى حِجْرِى وَأَنَا حَائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " أتعرَّقُ العَرْقَ " بفتح العين وسكون الراء، وهو العظم الذى عليه اللحم، وجمعه عُرَاقٌ، ويقال: عرقتُ العظمَ واعترقتُه وتعرَّقتُه إذا أخذتَ عنه اللحم بأسنانِك، وقال أبو عبيدٍ: العَرْقُ القِدْرَةُ من اللحم (¬1)، وقيل: هو العظم عليه بقية اللحم، قال الخليل: والعُراق العظم بلا لحم، قال الهروى: وهو جمع عَرْق نادراً، وقيل إنما قيل: أتعرَّقُه أى أستأصل أكل ما فيه حتى أكل عروقه، أى عُصبَه المتعلقةِ بالعظم، والصواب أن اشتقاق العَرْق من العظم نفسه الذى فسرناه. وقولها: " كان يتكئ فى حجرى وأنا حائض فيقرأ القرآنَ ": كذا لعامة شيوخنا وكافة الرواة، وكذا عند البخارى، ووقع للعذرى: " فى حجرتى " وهو وَهْمٌ، والمعروف الأول. وفيه دليلٌ على طهارة جسد الحائض، إذ لو كان نجساً لنزَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن وتلاوته فى مكان نجس. وقد استدل به بعض العلماء على قراءة الحائض القرآن، وإليه نحا البخارى فى كتابه (¬2)، وكذلك فى حملها المصحف. وقد اختلف العلماء فيها وفى الجُنب، فمنهم ¬

_ (¬1) غريب الحديث: 3/ 268، ولم يذكر أن العرق القدرة من اللحم، وإنما أضاف القرية إلى العرق، أى عرق القرية. (¬2) ك الحيض، ب قراءة الرجل فى حجر امرأته وهى حائض.

16 - (302) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ اليَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ المَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يَؤَاكِلُوهَا. وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِى البُيُوت. فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصْنَعُوا كُلَّ شَىْءٍ إِلا النِّكَاحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ اليَهُودَ فَقَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ من رَخَّص لهما فى حمل المصحف وقراءة القرآن، وهو قول جماعة من السلف وأهل الظاهر، وتأولوا الآية فى قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (¬2) أنها خبرٌ لا نهىٌ، وأن المراد الملائكة وأنها بمعنى الآية الأخرى التى فى عبس: {بِأَيْدِي سَفَرَة كِرَامٍ بَرَرَة} (¬3). وإلى هذا التفسير نحا مالك فى موطئه (¬4)، وعلى هذا يكون منع مسِّه لغير المتطهِر على وجه الندب لا على الإيجاب، وذهب جمهور العلماء ومالك والشافعى وأبو حنيفة إلى أنه لا يمُس القرآنَ إِلا طاهرٌ، وحملوا الآية على ظاهرها، وأن الخبر هنا مقتضاه النهى، كما قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} الآية (¬5)، الصورة خبرٌ ومقتضاه الأمر، ولا يقرؤه ¬

_ (¬1) البقرة: 222. (¬2) الواقعة: 79. (¬3) عبس: 15، 16. (¬4) الموطأ برواية محمد بن الحسن عن عبد الله بن أبى بكر بن حزم مرسلاً، ولفظه: أَنَّ فى الكتاب الذى كتبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم " ألا يمسَّ القرآنُ إِلا طاهر " 1/ 99. قال مالك: ولا يحملُ أحدٌ المصحف بعلاقة، ولا على وسادة إِلا وهو طاهرٌ، ولو جاز ذلك لحُمِل فى خبيئته. ولم يكره ذلك لأن يكون فى يدى الذى يحمله شىء يُدَنَّس به المصحفُ، ولكن إنما كِره ذلك لمن يحمله وهو غيرُ طاهرِ، إكراماً للقرآنِ وتعظيماً له. قال ابن عبد البر: ورواه معمر عن مالك عن عبد الله بن أبى بكرٍ عن أبيه، وذكره ابن المبارك وعبد الرزاق عن معمر. قال: وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسُّه إِلا الطاهر. قال: وهو مالك والشافعى، وأبى حنيفة، وأصحابهم، والثورى، والأوزاعى، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبى ثور، وأبى عبيد. وروى ذلك عن سعد بن أبى وقاص، وعبد الله بن عمر، وطاووس، والحسن، والشعبى، والقاسم بن محمد، وعطاء. قال إسحاق بن راهويه: لا يقرأ أحدٌ فى المصحف إِلا وهو متوضئ، وليس ذلك لقول الله عز وجل: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ولكن لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمسُّ القرآنَ إِلا طاهرٌ ". الاستذكار 8/ 9. وفى إسناد هذا الحديث وقيمة الاستدلال به قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك فى إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد، وقد روى سنداً من وجه صالح، وهو كتابٌ مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة تستغنى بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبهه التواتر فى مجيئه، لتلقى الناس له بالقبول والمعرفة. التمهيد 17/ 338. (¬5) البقرة: 228.

مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ. فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اليَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَلا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَرْسَلَ فِى آثَارِهِمَا، فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنب والحائض (¬1) واختلف فيه عن مالك (¬2) فى قراءة الحائض له عن ظهْرٍ أو نَظَرٍ ولا تمسُ المصحفَ ويُقَلبُ لها، فأباحَهُ مرَّةً لطولِ أمرِها، وأنها لا تقوى على رفع حدثها ومشهور قوله فى الجنب أنه لا يقرؤه لقدرته على رفع حدثِه (¬3)، وروى عنه الرخصةُ له فى ذلك، وخفف هو وأبو حنيفة (¬4) وبعضهم قراءة اليسير منه للتعوّذ وشبهه إِلا أن أبا حنيفة لا يجيزُ آيةً كاملة. واختلف عن الشافعى فى قراءة الحائض وقال: لا يقرأ الجنُب، وعلى هذا منَع المذهبُ من استناد المريض المصلى لحائض أو جُنبٍ تنزيهاً للصلاةِ عن القرب من النجاسة والاعتماد عليها؛ إذ لا تخلو ثيابها من نجاسة، وإذا لا فرق بين الاستناد والجلوس، ورخَّص فى ذلك إذا كانت ثيابُها طاهرة، ومنعه بعضُهم على كل حال لمعونتها المصلى فكأنهما مُصليان بغير طهارةٍ (¬5). قال فى هذا الحديث عند بعض الرواة: " وأنا حائضة ": ¬

_ (¬1) فى وجه أخذ ذلك من الحديث قيل: إن المؤمن وعاء القرآن، فإذا مسته الحائض جاز مسها المصحف، وقد روى عن ابن عباس: أنه قرأ القرآن وهو جنب، فقيل له فى ذلك، فقال: ما فى جوفى أكثر مما أقرأ، قال الأبى: ولم يحل غيره هذا المذهب إِلا عن داود، فقد أجاز للحائض والجنب مس المصحف. (¬2) بالغ ابن العربى فى الإنكار على الفقهاء فى قولهم هذا وقال: إنه قلب للحقائق فلا يجوز. إكمال 2/ 80. (¬3) واسُتدِل لذلك بحديث على بن أبى طالب: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحجبُه عن تلاوة القرآن شىءٌ إِلا الجنابة " الترمذى فى الطهارة، ب فى الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً 1/ 273، وقال؛ " حسن صحيح "، والنسائى فى الطهارة، ب حجب الجنب عن قراءة القرآن 1/ 144، وابن ماجه كذلك، ب ما جاء فى قراءة القرآن على غير طهارة 1/ 195، كما أخرجه أحمد فى المسند 1/ 84، 107، 174، وابن أبى شيبة فى مصنفه 1/ 101، والحميدى فى مسنده 57، والدارقطنى فى سننه 1/ 618، والحاكم فى المستدرك 4/ 107 وصححه ووافقه الذهبى. (¬4) وحجتهم فى ذلك ما أخرجه مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباسٍ فى حديث صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل، والذى فيه: " فاستيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نومه فجلس، ومسح النومَ عن وجهه، ثم قرأ العشرَ الآيات من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنٍّ مُعَلّقةٍ فتوضأ منها " الموطأ، ك صلاة الليل، ب صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الوتر. قال ابن عبد البر: وهذا نصٌّ فى قراءة القرآن طاهِراً على غير وضوء. الاستذكار 8/ 15. (¬5) قال الأبى: ومن تنزيه القرآن عن قراءته فى المحل النجس تنزيهه أن يقرأ فى الأسواق والطرق النجسة، قال: والتعليل بأن ثيابهما لا تخلو من نجاسة هو لابن أبى زيد، ومنعه جملة لإعانتهما هو لعبد الوهاب، وقال اللخمى: وعلى إجازة ابن مسلمة دخولهما المسجد يجوز الاستناد إليهما. إكمال 2/ 80.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا كان عند شيخنا الصدفى والخشنى، والوجهان جائزان، قال الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَة} (¬1) وقال: {وجَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِف} (¬2)، فأما إثبات الهاء فيها فعلى إجرائها على فعل المؤنث حاضت فهى حائضة، وأما قولهم: حائض، فللنحاة فيها وجهان: أحدهما: أن حائض وطالق ومرضع مما لا يشترك فيه المذكَّر، فاستغنى فيه عن علامة التأنيث، والثانى - وهو الصحيح -: أن ذلك على طريق النسب، أى ذات حيض ورضاع وطلاق، كما قال تعالى: {السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِه} (¬3). وفعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الأنصار بَيِّنٌ فى تطييب نُفوسِهما، وزوال الوحشةِ من قلوبهما بسقيهما اللبن، إثرَ ما أظهر من الإنكار لسؤالهما فى وطء الحائض مخالفة لليهود، وتَغَيُّر وجه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك حتى ظُنَّ أن قد وجَد عليهما [فيه] (¬4) من حُسن العشرة والرفق والرأفةِ بالمؤمنين، والرحمة التى جعلها الله من صفات نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا سيما لعظم ما كان يلحقُهما من ظنِّهما بِوَجْد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهما، ولا سيما فيما هو من باب الدين والشريعة. ¬

_ (¬1) الأنبياء: 81. (¬2) يونس: 22. (¬3) المزمل: 18. (¬4) ساقطة من الأصل.

(4) باب المذى

(4) باب المذى 17 - (303) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَهُشيْمٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ يَعْلَى - وَيُكنَى أَبَا يَعْلَى - عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلىٍّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، وَكُنْتُ أَسْتَحِيى أَنْ أَسْأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، وَيَتَوَضَّأُ ". 18 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ قَالَ: سَمِعْتُ مُنْذِرًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ عَلِى؛ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَذْىِ مِنْ أَجْل فَاطِمَةَ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " مِنْهُ الْوُضُوءُ ". 19 - (...) وحدّثنى هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " إن عليًا أمر المقداد أن يسأل له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المذى " وفى إحدى الروايات: " فسأله، فقال: منه الوضوء " ولم يبين فى هذا الحديث على أى وجهٍ وقع سؤاله؟ هل سأله سؤالاً يخصُّ السائل؟ أو يعمَّه وغيره؟، وفى رواية أخرى قال: فأرسلنا المقداد، ثم قال: فسأله عن المذى يخرجُ من الإنسان، ولم يبين على أى صفةٍ أمره علىٌّ أن يسأل [له] (¬1) فإن كان لم يلتفت على أى وجْهٍ وقع سؤاله ففيه دليلٌ على أنه كان يرى أن القضايا على (¬2) الأعيان تتعدَّى، وهى مسألة خلاف بين أهل الأصول؛ لأنه لو كان يقول [بغير] (¬3) ما يتعدَّى لأمره علىٌّ [رضى الله عنه] (¬4) أن يُسَمّيه للنبى (¬5) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا قد يبيح له ما لا يبيح لغيره، إِلا أنه قد ذكر فى إحدى الروايتين [المتقدمتين] (¬6) أن السؤال من المقداد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقع على صفةٍ تعُم (¬7). ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى الأصل وفى المعلم: فى، والمثبت من ت. (¬3) من المعلم. (¬4) كذا فى المعلم وبدون على. (¬5) فى المعلم: له. (¬6) من المعلم. (¬7) قلت: ولفظ أبى داود: كنت ألقى من المذى شدةً، فكنتُ أغتسل منه حتى تشقق ظهرى.

قَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ: أَرْسَلنَا المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَذْىِ يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ، كَيْفَ يَفْعَلُ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَوَضَّأ وَانْضَحْ فَرْجَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقع فى هذا الحديث فى الموطأ (¬1) فى السؤال عن الرجل إذا دنا من أهله وأمذى ماذا عليه؟ وفى هذا فائدةً حسنةً؛ أَنَّ جواب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مثل هذا فى غير المعتاد (¬2) بخلاف المستنكح والذى (¬3) من علةٍ، فحقيقة هذا أنه لا وضوء عليه، وإنما يتوضأ مما جرت العادةُ فى خروجه للذةِ، وعليه حمل بعضُهم قولَ مالك (¬4) إذا خرج منه المرَّةَ بعد المرة أنه يتوضأ. قال الإمام: وفيه - أيضاً - أن علياً كلَّفَ من يسأل له مع القدرةِ على المشافهة، فإن كان أراد أن يكون سؤاله (¬5) الرسولَ بحضرتِه فيسمع منه، وإنما احتشم من مشافهته لكون ابنته عنده فلا اعتراض فى ذلك، وإن لم يُرد ذلك فإنه يقال: كيف يجزئ خبرُ الواحد عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع القدرة على القطع وسمع قوله؟ وهل يكون هذا كالاجتهاد مع القدرة على النص؟ وفى ظاهر الرواية المذكورة فيها أنه قال: " فأرسلنا المقداد " إشارةٌ إلى أنه لم يحضر مجلس السؤال. قال القاضى: قد تفترق عندى هذه المسألة من مسألة الاجتهاد مع وجود النص، فإن الاجتهاد مع القدرة على النص خطأ محضٌ حتى لو كان النص خبر واحد لكان الاجتهاد معه خطأ، إِلا إذا خالف الخبرُ الأصولَ وعارض القياس فبين الأصوليين والفقهاء فيه اختلاف، والأصح تقديم خبر الواحد بدليل عادة الصحابة لامتثال قبوله، والمبادرة للعمل به، وقطع التشاجر ومنازعات الاجتهاد عندى حصوله، وهاهنا إنما طلب النص ووثق بالطريق إليه وبَعُد عنده الخلف فى خبر الواحد الناقل والكذب، لا سيما على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولتزكيته للناقل، ¬

_ (¬1) الموطأ، ك الطهارة، ب الوضوء من المذى 1/ 40. (¬2) قال ابن عبد البر: وأما المذى المعهود المعتاد المتعارف وهو الخارج عند ملاعبة الرجل أهله، لما يجده من اللذة أو لطول عزوبة، فعلى هذا المعنى خرج السؤال فى حديث على هذا، وعليه وقع الجواب، وهو موضع إجماع لا خلاف بين المسلمين فى إيجاب الوضوء منه وإيجاب غسله لنجاسته. التمهيد 21/ 207. (¬3) فى ت: والمذى. (¬4) راجع: المنتقى 1/ 88، التمهيد 21/ 206، وعبارته هناك: هذا حديث مجتمع على صحته، لا يختلف أهل العلم فيه، ولا فى القول به، والمذى عند جميعهم يوجب الوضوء، ما لم يكن خارجاً عن علة أبردة وزمانة، فإن كان كذلك فهو - أيضاً - كالبول عند جميعهم، فإن كان سلساً لا ينقطع فحكمه كحكم سلس البول عند جميعهم أيضاً، إِلا أن طائفة توجب الوضوء على من كانت هذه حاله لكل صلاة، قياساً على الاستحاضة عندهم، وطائفة تستحبه ولا توجبه. التمهيد 21/ 207. (¬5) فى المعلم: سؤال، بدون ضمير الغائب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وثنائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه، وثناء الله فى كتابه عليه، وبعد الوهم والخطأ لقرب (¬1) النازلة وسماع الجواب، وفهم السائل الناقل، فارتفع الأمرُ إلى أعلا درجات غلبة الظن (¬2) ولم يبق إِلا تجويزٌ يبعُد، وقد كان الصحابة ينتابون لسماع العلم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويجزى بعضهم عن بعض، وما علمنا أحداً ولا بلغنا أن أحداً استثبت فيما سمعه [من] (¬3) النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلا فيما مبتدأ الإسلام كحديث ضمام وغيره، وقد قال الله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُم} (¬4)، والأكثر قادر على النفير والسماع بغير واسطة، وقد قال ضمام: " أنا رسول مَنْ ورائى " وقال لوفد عبد القيس: " وأخبروا بهنَّ من ورائكم " ونفذَتْ كتُبُه إلى عُمَّالِه وأمُم المسلمين ورُسُله فوقفوا عندها ولم يترجَّح أحد فى قبولها ولا أعملَ الراحلة فى تحقيقها. قال الإمام: واختلف أصحابنا فى المذى، هل يجزى منه الاستجمار كالبول أو لابد من الماءِ؟ وقال: من فرق بينهما إنَّما رُخِّص فى ذلك فى الأحداث لأنها تعترى الإنسانَ غَلَبةً فى مواضع لا يتفق وجود الماء فيها ويشُق الصبرُ إلى وجوده، وهى - أيضاً - متكررةً، والمذى لا يتكررُ، ويكون غالباً مُكْتَسباً ففارق الحدث. واختلف القائلون بغَسْل الذكر (¬5) من الوضوءِ (¬6)، هل يجزئ أن يغسَل منه ما يُغسَلُ من البول؟ أو لا بد من غسل جميعه؟ والخلاف مبنى على الخلاف فى تعلق (¬7) الحكم بأوّل الاسم أو بآخِره، لأن فى بعض الروايات: " يغسل ذكره "، واسم الذكر ينطلق على البعض والكل. واختُلِفَ - أيضاً - هل يفتقر إلى نيَّةٍ فى غسْل ذكره أم لا؟ قال القاضى: المذىُ هو الماء الرقيق - الذى يخرج عند الإنعاظ والملاعبة، وفيه وجهان؟ مَذْىٌ بالتخفيف ومذىٌّ بالتثقيل، والنضح المذكور فى هذا الحديث الغسلُ؛ بدليل قوله فى الرواية الأخرى: " فاغسل فرجك "، وهكذا رواه أكثر أصحاب الموطأ (¬8). وخرَّج مسلمٌ فى الباب حديث هارون بن سعيد الأيلى وأحمد بن عيسى عن ابن وهب قال: أخبرنى مخرمةُ بن بكير، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباسٍ، وهو ¬

_ (¬1) فى الأصل: لقربه، والمثبت من ت. (¬2) درجات الظن ظن، فالإشكال باق، والجواب يمنع أن علياً اكتفى بالظن، بل إنما عمل بالعلم، لما تقرر أن خبر الواحد المحتف بالقرائن يفيد العلم، وخبر المقداد من ذلك. حكاه الأبى 2/ 82. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬4) التوبة: 122. (¬5) المغنى 1/ 210، 211. (¬6) فى المعلم: المذى. (¬7) فى المعلم: تعليق. (¬8) الموطأ 1/ 41، المنتقى 1/ 88.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مما استدركه الدارقطنى على مسلم وقال: قال حماد بن خالد سألت مخرمة: سمعتَ من أبيك؟ قال: لا (¬1)، وقد خالفه الليث عن بكير فلم يذكر فيه ابن عباس، وتابَعَه مالك عن أبى النضر. قال القاضى: وسليمان بن يسار لم يسمع من على ولا من المقداد (¬2). ¬

_ (¬1) ذهب مالك ومعن بن عيسى أنه سمع من أبيه، قال مالك: قلت له ما حدثت به عن أبيك أسمعته منه؟ فحلف بالله، لقد سمعته منه. قال مالك: وكان مخرمة رجلاً صالحاً. قال النووى: وأيًّا ما كان فالحديث صحيح من الطرق التى ذكرها مسلم قبل هذا الطريق ومن طريق غيره. (¬2) هذا قول ابن عبد البر فى التمهيد، قال: ومولد سليمان بن يسار سنة أربع وثلاثين، وقبل: سنة سبع وعشرين، ولا خلاف أن المقداد توفى سنة ثلاث وثلاثين. التمهيد 21/ 202. وبعد أن ساق إسناد مسلم فى كتابه الاستذكار لهذا الحديث قال: والحديث ثابت عند أهل العلم صحيحٌ، له طرق شتى عن على، وعن المقدادِ، وعن عمَّار أيضاً، كلها صحاح حسان. الاستذكار 3/ 11.

(5) باب غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم

(5) باب غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم (¬1) 20 - (304) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ستأتى الإشارة إليه فى الباب التالى.

(6) باب جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع

(6) باب جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع 21 - (305) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ، للِصَّلاةِ، قَبْلَ أَنْ يَنَامَ. 22 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ وَوَكِيعٌ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَن الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَانَ جُنُبًا، فَأَرَادَ أَنْ يَأكُلَ أَوْ يَنَامَ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وتوضأ وضوءه للصلاةِ ": بيانٌ لنقضه الطهارة لئلا يظن بذكر الوضوء غسل ما به من أذىً، وأن المراد به الوضوء اللُّغوى. وفيه استنابةُ الصحابة بعضهم بعضاً، وتعاونهم فى العلم والتعلم، وحسن التعلم مع الصبر (¬1)، واستعمال الحياء فى مثل هذه الأمور ما لم يقدح فى الدين ويؤدى إلى تضييع ما يلزم. وذكر عن عائشة - رضى الله عنها -: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن ينام وهو جُنبٌ توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام " وفى الحديث الآخر: " إذا كان جنباً وأراد أن يأكل أو ينامَ توضأ وضوءه [للصلاة] (¬2)، وعن عُمَر أنه قال: يا رسول الله، أيرقُد أحدُنا وهو جُنبٌ؟ قال: " نعم إذا توضأ " وعنه أيضاً " تَوَضَّأ واغسل ذكَرَك ثم نم " (¬3)، قال الإمام: ذُكر عن ابن عمر أنه كان يأخذ بذلك فى الأكل، ومحْمل الوضوء عندنا قبل الأكل على غسل اليد، ولعل ذلك لأذىً أصاب اليدَ، وأما وضوء الجنب قبل أن ينام فقد وقع لمالك - رضى الله عنه - أنه قال: هو شىء ألزِمْهُ [الجُنُب ليس] (¬4) من الخوف عليه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: الصهر، والمثبت من ت. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬3) قال ابن عبد البر: وهذا من التقديم والتأخيرِ، أرادَ اغسل ذَكَرك، قال: وكذلك رواه سفيان الثورىّ، وشعبةُ، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، فقالا فيه: يغسِلُ ذكره ويتوضَّأ. الاستذكار 3/ 97. (¬4) ليست فى المعلم.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِى قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ ابْنُ المُثَنَّى فِى حَدِيثِهِ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحدِّثُ. 23 - (306) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة وَابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبِى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ - قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف فى تعليله، فقيل: يبيت على إحدى الطهارتين خشية أن يموت فى منامه، وقيل: بل لعله أن ينشط إلى الغُسْل إذا نال الماءُ أعضاءه. ويجرى الخلاف فى وضوء الحائض قبل أن تنام على الخلاف فى هذا التعليل، فمن عَلل بالمبيت على إحدى الطهارتين جاء منه أنها تتوضأ. قال القاضى: ظاهر مذهب مالكٍ أنه ليس بواجبٍ وإنما هو مُرَغَّبٌ فيه، وابن حبيب يرى وجوبه (¬1)، وهو مذهب داود (¬2)، وقد اختلفت الآثار عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك (¬3)، وقد روى عنه أنه كان ينامُ جُنباً ولا يمس ماءً (¬4)، وحديث عائشةُ: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ¬

_ (¬1) و (¬2) قال فى التمهيد: وأما من أوجبه من أهل الظاهر فلا معنى للاشتغال بقوله لشذوذه؛ ولأن الفرائض لا تثبت إِلا بيقين 17/ 44. (¬3) من هذا حديث الزُّهرى وغيره، أما حديث الزهرى فهو له من طريقين، أحدهما: عن أبى سلمة عن عائشة، والآخر: عن عروة عن عائشة، قال ابن عبد البر: فمن أصحاب الزهرى من يرويه عن أبى سلمة عن عائشة، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن ينام - وهو جنب - توضأ وضوءه للصلاة، وبعضهم يقول فيه عن الزهرى عن أبى سلمة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وإذا أراد أن يأكل أويشرب يغسل يديه ثم يأكل أو يشرب إن شاء. قال: وقال بعضهم عنه فى حديثه عن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يأكل وهو جنب توضأ. وقال بعضهم عنه عن عروة عن عائشة قالت: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل كفيه. ومنه حديث سفيان عن الزهرى عن أبى سلمة عن عائشة: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة. أبو داود فى سننه، ك الطهارة. وعن يونس عن الزهرى فيما أخرجه النسائى عن أبى سلمة عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه. راجع: التمهيد 17/ 38 - 40. (¬4) من ذلك ما رواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام وهو جنب، ولا يمسُّ ماءً. مالك فى الموطأ برواية محمد بن الحسن، وانظر التمهيد 17/ 40. وهذا الحديث وحديث أبى داود عن عمار بن ياسر: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص للجنب إذا أكل أو شَرِب =

قَالَ " نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ ". 24 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ اسْتَفْتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ يَنَامُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ، لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَنَمْ، حَتَّى يَغْتَسِلَ إِذَا شَاءَ ". 25 - (...) وحدّثنى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَوَضَّأ، وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ ". 26 - (307) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتوضأ ولم يأمرها بالتوضؤ، يدل على تخفيف الأمر، وكذلك ترك ابن عمر غسل رجلَيه فى حديث الموطأ (¬1). وقوله فى حديث مالك: " توضأ، واغسل ذكرك ثم نم " قال الداودى: فيه تقديم وتأخيرٌ، معناه: وأغسل ذكرك قبل الوضوء، والواو لا تُرتّبُ. قال القاضى: هذا ليس على وجه اللزومِ، وإن غسل الذكر بعد الوضوء يُفسِده، فقد قال علماؤنا: إن وضوءَ الجُنُبِ لا ينقُضُه حدَثٌ إِلَّا مُعَاودة الوطء (¬2). وقوله فى حديث ابن عباس: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من الليل فقضى حاجته ثم غسل وجْهَهُ ويديه ثم نام " (¬3) يحتمل هنا غسل يديه لما لعله نالهما، ويكون غسلُ وجهه لرفع كسل النوم عنه، وليس هذا الحديث من حديث وضوء الجنب، والمراد بالحاجة هنا - والله أعلم (¬4) - الحدث (¬5). ¬

_ = أو نام أن يتوضأ "، حجةٌ للكوفيين وغيرهم إِلا بأس أن ينام الجنب قبل أن يتوضأ. الاستذكار 3/ 99. (¬1) الموطأ 1/ 48، المنتقى 1/ 98. قال ابن عبد البر: ولم يعجب مالكاً فعلُ ابن عمر، وأظنه أدخَلهُ إعلاماً أن ذلك الوضوء ليس بلازم. الاستذكار 3/ 97. (¬2) وذكر ابن العربى أنه مذهب مالك. إكمال 2/ 83. (¬3) فى المطبوعة تقدم هذا الحديث على أحاديث نوم الجنب. (¬4) فى الأصل: الله، والمثبت من ت. (¬5) قال القرطبى: ويحتمل أن يعنى حاجته إلى أهله وعلم ذلك ابن عباس عمن أخبره من أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، =

اللهِ بْنِ أَبِى قَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِى الجَنَابَةِ؟ أَكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ أَمْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ. قُلْتُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِى جَعَلَ فِى الأَمْرِ سعَةً. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنِيهِ هَارُونُ ابْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، جَمِيعًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن عبد الله بن [أبى] (¬1) قيس قال: سألت عائشة - رضى الله عنها - عن وِترِ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " وذكر الحديث " قلتُ: كيف كان يصنع فى الجنابة؟ أكان يغتَسِلُ قبل أن ينام؟ أم ينامُ قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك كان يفعلُ " هذا نص الحديث كله فى الأم، قال الإمام: يحتمل أن يكون وجه سؤاله عن هذا أن فى بعض الأحاديث أن الجنب لا تقربه الملائكةُ، ومعلومٌ من حاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا يبقى على حالةٍ تبعُد الملائكة عنه، إِلا ترى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتقى أكل الثوْمِ وشبهه، وعلل ذلك بمناجاة الملك، وحديث عائشة - رضى الله عنها - يدلُ أَنَّ لذلك الحديث إن صحَّ تأويلاً، فيحتمل أن يكون فيمن أخَّرَ الغُسلَ عن وقتٍ واجبٍ عليه فيه الاغتسال لحضور الصلاة فيصير حينئذ عاصيًا، ولا تقربُه الملائكة لعصيانه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منَزَّهٌ عن هذه الحال، فيحتمل تأخيره للغسل فى حديث عائشة [على] (¬2) أنه فى زمنٍ يجوز ذلك فيه. قال القاضى: قد يكون تجنّب الملائكة من الجنب تنزيهاً لها من أجل الحدث الذى عليه، كما نُزِّهَتْ عنه عبادات كثيرةٌ من تلاوةِ القرآن ومسِّ المصحف، ونُزِّه المسجدُ عن دخولِه حتى يتطهرَ، ولما كانوا مطهرَين ووصفهم اللهُ بذلك خصَّهُم بالبُعدِ عمن ليس بهذه الصفة - والله أعلم. وقد قال الخطابى: إن الملائكة التى تجتنبُ [الجُنبَ] (¬3)، وجاء أنها لا تدخُلُ بيتاً فيه جُنبٌ - هم الملائكة المنزلة بالرحمة والبركة غير الحفظة الذين لا يفارقونه (¬4). قال القاضى: ذكرُهُ فى هذا الحديث الوتر طرفٌ من حديثٍ فيه فصولٌ اختصرها مسلمٌ - رحِمه اللهُ - وذكر منها حاجتَهُ فى الباب، وقد ذكر الحديث أبو بكر الخوارزمى بكماله فقال: ¬

_ = وقصد بذلك بيان أن الجنب لا يجب عليه أن يتوضأ الوضوء الشرعى. (¬1) ساقطة من ت ومن المعلم. (¬2) من المعلم. (¬3) ساقطة من الأصل والمثبت من ت. (¬4) معالم السنن 1/ 75.

27 - (308) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُود، فَلْيَتَوَضَّأ ". زَادَ أَبُو بَكْرٍ فِى حَدِيثِهِ: بَيْنَهُمَا وُضُوءًا. وَقَالَ: ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ. 28 - (309) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ أَبِى شُعَيْبٍ الْحَرَّانِىُّ. حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ - ـــــــــــــــــــــــــــــ " سألتُ عائشة عن وتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقُلتُ: أكان يوتِرُ من أول الليل أو آخرِهِ؟ قالت: ربما أوتَرَ من أول الليل وربما أوترَ من آخِرِه، قلت: الحمد لله الذى جعل فى الأمر سَعَةً، فقلتُ: وكيف كانت قراءتُه؟ أكان يُسِرُّ بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعلُ، وربما أسَرَّ وربما جَهَر، فقلت: الحمد لله الذى جعل فى الأمر سعَةً. قلتُ: كيف كَانَ يصنَعُ فى الجنابة؟ .. " وذكر بقية ما فى الأم، وَذكرَه - أيضاً - أبو داود فى مُصنَّفه (¬1). وقوله: " إذا أتى أحدُكم أهلَه ثم أراد أن يَعُودَ فليتوضأ ": الوضوء هاهنا محمول عندنا (¬2) على غسل الفرج مما به من أذىً، وأنَّه ليس عليه وضوء الصلاة، وهو قول جماعةٍ من الفقهاء (¬3)، وإنما يَغسل فرجه لأنه إذا عاد وفرجه نجسٌ فهى إدخال نجاسةٍ فى فرج المرأةِ غير مضطرٍ إليها، بخلاف خضْخَضتِه حين الجماع وترداده فيه، مع ما فى غسله من الفائدةِ الطبيَّةِ لتقوية العُضو، ولتتميم اللذةِ بإزالةِ ما تعلق به قبل من [ماء] (¬4) الفرج وانتشر عليه من المنى الخارج منه، وكل ذلك مفسد للذة الجماع المستأنف، ولما فى ذلك من التنظيف وإزالة القذر الذى بنيت عليه الشريعةُ. وقد اختلف العلماءُ فى ماء فرج المرأة ورُطوبتهِ فعندنا: أنها نجسةٌ لكونها مختلطةٌ بالنجاساتِ من الحيض والبول والمذى والمنى ومجرى لهن، ولأصحاب الشافعى فيها وجهان (¬5)، وكذلك غسل ما بيديه وبدنِه من النجاسةِ الأولى. وذهب عُمَرُ وابنه إلى أنه يتوضأ وضوءه للصلاةِ، واستحبه أحمد وغيره، وسواء كان هذا فى امرأةٍ واحدةٍ أو غيرها. ¬

_ (¬1) أبو داود فى الصلاة، ب وقت الوتر (1437). (¬2) المنتقى 1/ 107. (¬3) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/ 59. (¬4) سقطت من الأصل، والمثبت من ت. (¬5) وفى طهارة الجنين يخرج وعليه رطوبة فرج أمه نقل النووى عن بعضهم الإجماع على طهارته، وأنه لا يدخله الخلاف فى رطوبة الفرج.

يَعْنِى ابْنَ بُكَيْرٍ الْحَذَّاءَ - عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوفُ على نسائه بغسلٍ واحدٍ ": يحتمل أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل هذا عند قدومه من سفرٍ، أو عند حالةٍ ابتدأ فيها القسْمَ، أو عند تمام الدَّوران عليهن وابتداء دوران آخرَ، فدار عليهن ليلتَهُ وسوَّى بينهن، ثم ابتدأ القَسْمَ بالليالى والأيام على عادتِه، أو يكون ذلك عن إذن صاحبة اليوم ورضاها، أو يكون ذلك خصُوصاً له (¬1) وإلا فوطء المرأةِ فى يوم صاحبتها ممنوعٌ، وهو وإن كان القسم فى حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير واجب لقوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء} الآية (¬2)، فقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التزمه لهن تطييباً لأنفسهن، ولتقتدى أمته بفعله، وقد كان خُصَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى باب النساء بما لم يُخصَّ به غيرُه من جواز الموهوبة، وأكثر من أربع، وتحريم من حصل عنده على غيره، أو يتبدَّلَ بِهِنَّ، واختلف فى نسخ هذا الحكم عنه لكنه متى كان برضاهُنَّ جاز له جمعهُنَّ فى غسل واحد، وهو قول جماعة السلف والخلف (¬3). واختلفوا فى وضوئه قبل نومه، كما تقدم، وسنبسط الكلام على هذا فى النكاح. وفيه أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يلزم عند القيام للصلاة كالوضوء، كما قال تعالى فى آيةِ الوضوء: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (¬4). ¬

_ (¬1) ومقتضى كونها من خصائصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تلك الساعة التى يطوف فيها من ليل أو نهار لا حقَّ فيها لواحدة منهن ثم يدخل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند التى تكون لها الدورة. ذكره الأبى 2/ 85. قال ابن العربى: وفى الصحيح أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوف عليهن وهن تسع فى ساعة، فلما سئل أنس: أكان يطيقه، فقال: كنا نتحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى قوة ثلاثين فى الجماع. السابق. (¬2) الأحزاب: 51. (¬3) قال النووى: وطوافه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغسل واحد يحتمل أنه كان يتوضأ بينهما، ويحتمل ألا؛ ليدل على الجواز فى ترك الوضوء، وفى أبى داود: " كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف عليهن يغتسل عند هذه وعند هذه، فقيل: ألا تجعله غسلاً واحداً؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا أزكى وأطيب وأطهر ". إكمال 2/ 85. (¬4) المائدة: 6.

(7) باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنى منها

(7) باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنىّ منها 29 - (310) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ قَالَ: جَاءَتْ أُمّ سُلَيْمٍ - وَهِىَ جَدَّةُ إِسْحَاقَ - إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ لَهُ - وَعَائِشَةُ عِنْدَهُ -: يَا رَسُولَ اللهِ، الْمَرْأَةُ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي المَنَامِ، فَتَرَى مِنْ نَفْسِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِهِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، فَضَحْت النِّسَاءَ، تَربَتْ يَمِينُكِ. فَقَالَ لِعَائِشَةَ: " بَلْ أَنْتِ، فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ. نَعَمْ، فَلْتَغْتَسِلْ، يَا أُمُّ سُلَيْمٍ، إِذَا رَأَتْ ذَاكِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أم سليم: " إن الله لا يستحى من الحق ": أى لا يأمر بالحياء فيه ولا يبيحُه ولا يَمتنع من ذكره فيُقتدى به، وأصل الحياء: الامتناع، وقد تقدَّم أول الكتاب معناه فى حق المخلوق والخالق تعالى، وإنما قالت هذا بين يدى سُؤالها لتعتذر به عما دعاها الحقّ والضرورةُ لذكره مما يَسْتحى النساء منه. وقيل: معناه أن سنةَ الله وشرعه (¬1) إِلا يستحيا من الحق. وقول عائشة لأم سُليم: " فضحتِ النساء ": أى كشفت من أسرارِهن وما يكتمن من الحاجة إلى الرجال ورؤية الاحتلام، إذ هو فيهن قليل، ولذلك قالت: " أو تجد ذلك المرأة " لا سيما عائشة لصغر سنها وكونها مع بعلها، وقد يكون ذلك لما صَرَّحت به من ذلك ولم تستح فى الحق فيه. وقولها لها: " تَرِبَتْ يمينك، فقال لعائشة: "بل أنت تربَت يمينُك " وقوله فى الحديث الآخر لأم سلمة: " تربت يداك "، قال الإمام (¬2): تأوله مالك على أنه دعا لهما بالاستغناء لما بَعُدَ فى نفسه أن يدعُوا عليهما بالفقر، وكدلك قال عيسى بن دينار: إن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تربت " بمعنى استغنتْ، قال الهروى فى تفسير قول الله سبحانه: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬3): أى لصق بالتراب من فقرِهِ، يقال: تَرِب الرجُلُ إذا افتقر، وأترب إذا استغنى، قال: وفى الحديث: " عليك بذاتِ الدين تربت يداك " (¬4)، قال ابن عرفة: أراد تربت يداك إن لم تفْعَل ما أمرتُك، قال ابن الأنبارى: معناه: لله درُّك ¬

_ (¬1) فى ت: من شرعه. (¬2) فى ت: القاضى. (¬3) البلد: 16. (¬4) سيرد إن شاء الله فى ك الرضاع، ب استحباب نكاح ذات الدين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [إذا استعملت] (¬1) ما أمَرْتُك بهِ، واتعظت بعظتى. قال الإمام: هذا اللفظ وشبهه يجرى على ألسنة العرب من غير قصد للدعاء، وعلى ذلك يحملُ ما وقَع له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع زوجتيه المذكورتين، وقد وقع فى رسالةٍ للبديع إذ قال: وقد يوحِشُ اللفظ وكله ودٌّ، ويُكرَّه الشىء وليس من فعله بُدٌّ، هذه العربُ تقول: لا أبَ لك للشىء؛ إذا أهم، وقاتَله الله، ولا يريدون الذمَّ، وويلُ أمه للأمر؛ إذا تمَّ، وللألباب فى هذا الباب أن ينظروا إلى القول وقائله، فإن كان ولياً فهو الولاء وإن خَشُنَ، وإن كان عدواً فهو البلاء وإن حَسُن. قال الهروى: وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث خُزيمة: " أنعم صباحاً تربَتْ يداك " يدل على أنه ليس بدعاءٍ عليه، [بل هو دعاء له] (¬2)، وترغيبٌ فى استعمال ما تقدمت الوصاةُ به (¬3)، ألا تراه قال: أنعم صباحاً ثم أعقبها تربت يداك، والعرب تقول: لا أمَّ لك ولا أبَّ لك يريدون لله درُّك، ومنه قول الشاعر هَوَتْ أمُهُ ما يبْعَثُ الصبحُ غادياً ... وماذا يؤدى الصبحُ حين يؤوب وظاهره أهلكه الله، وباطنه لله درَّه. قال القاضى: اختُلِفَ فى معنى تَرِبَتْ يداك على ما ذكره، وقال ابن نافع: معناه: ضعُفَ عقلُك (¬4)، وقال ابن حبيب عن مالك (¬5): معناه: خَسِرْتَ، وقيل: افتقرت يداك من العلم، قيل: أى إذا جهلت مثل هذا، وقال الأصمعى (¬6): معناه: الحض على تعلم مثل هذا، كما يقال: انج ثكلتك أمُّك، وقيل: " تربت يداك ": أصابها التراب، ولم يرد الفقر، وقال الداودى: إنه قيل بالثاء المثلثة، أى استغنت، من الترب وهو الشحم، وهى لغةٌ للِقبْطِ، ثم استعملتها العرب وأبدلت من الثاء تاءً، وهذا ضعيفُ المعنى ولا تساعده الروايةُ، وَالمعروف بالتاء، والأظهر أنه خطابٌ على عادةِ العرب فى استعمال أمثال هذه الألفاظ عند الإنكار للشىء أو التأنيث (¬7) فيه والحض عليه، أو الإعجاب به والاستعظام له ومعناها مُلغىً لا يُقصَدُ، كأنَّ أصله من اللصوق بالتراب أو من الفقر كسائر أصول تلك الألفاظ المستعملة، وليس المرادُ فى شىء منها أصل استعمالها، وقيل فى معنى تفسير من فسَّره استَغْنَتْ: أنه خاطبها بضد مقتضى اللفظ على طريق التعريض كما قال الله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيم} (¬8)، وكما يقال لمن ترك السؤال: أَمَّا أنت فاستغنيتَ عن السؤال. وأما البيت الذى استشهد به الهروى فهو من هذا الباب، ¬

_ (¬1) فى ت: إذا لم تستعمل، وهو خطأ نساخ. (¬2) من المعلم. (¬3) غريب الحديث 2/ 93. (¬4) فهو إذن على الخبر، أى تبيَّن ضعف عقلك وعلمك، وليست دعاءً، لأن ضعف العلم والعقل ضرر فى الدنيا، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزَّهٌ عن أن يدعو به. (¬5) و (¬6) المنتقى 1/ 105. (¬7) فى ت: للتأنيث. (¬8) الدخان: 49.

30 - (311) حدّثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِك حَدَّثهُمْ، أَنَّ أُمَّ سُلِيمٍ حَدَّثَتْ؛ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِى مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ "، ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن قوله ظاهره: أهلكه الله، وباطنه: لله درُّه، ففيه تساهلٌ، والصوابُ ظاهِرهُ هلكت أمُّه، وإنما أهلكه الله تفسير ثكلته أمُّه، وقد قال لى شيخى أبو الحسين - رحمه الله - حين قراءتى عليه هذا الموضوع من كتابه -: أن معنى هوت أمُّه فى البيت على ظاهره، أى هلكت إن شاءت فلم تلد غَيْرَه، إذ قد استغنت بِولادة مثله فى كمالِه عن أن تلِدَ سواه ورأت قُرَّة عينها به فلا تبالى الحياة بعد كما يقالُ لمن صنَع أمراً يحسنُ فيه أثره: مُتِ الآن، أى فعلت ما خَلَّدْت به ذكراً جميلاً وأثراً نافعاً، فلا تبالى عِشتَ بعدُ أو مُت. قال الهروى: وقد قال بعض أهل العلم: إنه دعاءٌ على الحقيقة، ومذهبُ أبى عُبيدٍ أنها على ما تقدَّم من جريان هذه الكلمةِ على ألسنة العرب وهم لا يريدون وقوعها (¬1). قال القاضى: وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: " بل أنت تربت يدَاك ": يحتمل الوجهين إن كانت عائشَة قالت ذلك لأمِّ سُليمٍ على الذمِ والدعاء لما فضحت النساء، فقابلها النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، أى أنت أحق أن يُقال لك هذا، إذا فعلت هى ما يجب عليها من السؤال عن دينها فلم تستوجب الإنكار، واستوجبتيه أنتِ بإنكارك ما لا يجب إنكاره، وقد وقع فى كتاب مسلم من رواية السمرقندى والطبرى قولها: " تربت يمينك خير " كذا هو بالياء باثنتين ساكنة ضد الشر، كأنه فسَّرَ معناهُ، وأنه لم يُرد سَبَّها، وعند بعض رواةِ ابن ماهان " خبر " بباءٍ مفتوحة، وليس بشىء. وقال مسلم: " ثنا عباس بن الوليد ": كذا للعذرى والشنتجالى (¬2) بباء واحدةٍ وسينٍ مهملةٍ، وعند السمرقندى: عيَّاشُ بن الوليد، والأول الصواب، وكلاهما بصريَّان، فأما الأول فهو النرسى، خرَّج عنه البخارى ومسلم، والثانى هو الرقَّام، تفرَّد به البخارى، وذكر فى هذا الحديث فقالت أمُّ سلمة: [فاستحييت من ذلك] (¬3)، قال الإمام: [ذكر مسلم حديث عباس بن الوليد عن يزيد بن زريع قال: ثنا سعيد عن قتادة؛ أن أنس بن مالك حدثه: أن أم سُليم حدَّثت أنها سألت نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة ترى فى منامها ... الحديث. وفيه: فقالت أم سُليم] (¬4). قال بعضُهم: كذا وقع فى أكثر النسخ: [فقالت أم سليم] (¬5)، وَغُيِّر فى بعض ¬

_ (¬1) غريب الحديث 2/ 93 - 95. (¬2) فى ت: والسجستانى. (¬3) ليست فى المعلم. (¬4) و (¬5) من المعلم.

فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: واسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِك. قَالَت: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا؟ فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ، إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ المَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلا، أَوْ سَبَقَ، يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ ". 31 - (312) حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِى مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فِى مَنَامِهِ؟ فَقَالَ: " إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلُ، فَلْتَغْتَسِلْ ". 32 - (313) وحدّثنا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ النسخ فجعل: فقالت أم سلمة مكان أم سُليم، والمحفوظ من طُرِق شتى: " فقالت أم سلَمَة ". قال القاضى: وهو الصوابُ؛ لأن السائلة هى أم سُليم والرادَّةُ [عليها] (¬1) هى أم سلمة فى هذا الحديث أو عائشة في الحديث الآخر، ويحتمل أن عائشة وأم سلمة كلتاهما أنكرتا عليها فأجاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل واحدة بما أجابها، وإن كان أهل الحديث يقولون: إن الصحيح هنا أم سلمة لا عائشة. وقوله: " فمن أين يكون الشبْهَةُ " بالكسر وسكون الباء، وبفتح الشين والباء بمعنى: يريد شبْهَ الابن لأحد أبويه، كما فسَّره فى الحديث نفسه سبق أحد المائين صاحبَه، وبقوله: " فبما يشبهها ولدها "، ومعنى الغلبةِ والعُلو فى قوله: " فإذا علا ماء الرجل ماء المرأةِ " وفى الرواية الأخرى: " غلب "، وهذا يرجعُ إلى سبق الماء والشهوةِ، كما جاء فى الحديث الآخر: " سَبَق "، وجاء فى غير مسلم: " يسبق إلى الرَّحم "، أو تكون الغلبةُ والعُلو هنا عائداً إلى الكثرة والقوة من أحد المائين، وقد ذهب بعضهم إلى أن السبق للأذكار والإناث، والعُلوُّ والغلبةُ بالكثرةِ للِشّبه للأخوال والأعمام، لكنه يُردّ هذا التفسير قوله فى هذا الخبر: " فإذا علا منىُّ الرجُل أذكر، وإذا علا منىُّ المرأةِ أنثا " (¬2). ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) قال الأبى: ووجه الجمع بين أحاديث الباب أن يكون الشبه المذكور فى هذا الحديث يعنى به الشبه الأعم من كونه فى التذكير والتأنيث، وشبه الأعمام والأخوال، والسبق إلى الرحم علة التذكير والتأنيث، والعلو علة شبه الأعمام والأخوال. قال: ويخرج من مجموع ذلك أن الأقسام أربعة. إن سبق ماء الرجل وعلا أذكر وأشبه الولد أعمامه، وإن سبق ماء المرأة وعلا آنث وأشبه الولدُ أخواله، وإن سبق ماء الرجل وعلا ماؤها أذكر وأشبه الولَدُ أخواله، وإن سبق ماء المرأة وعلا ماؤه آنث وأشبه الولد أعمامه. إكمال 2/ 88.

النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْىِ مِنْ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ " فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ: " تَرِبَتْ يَدَاكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاه. وَزَاد: قَالَتْ: قُلْتُ: فَضَحْتِ النِّسَاءَ. (314) وحدّثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَن ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ - أُمَّ بَنِى أَبِى طَلْحَةَ - دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ هِشَامٍ. غَيْرَ أَنَّ فِيهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: أُفٍّ لَكِ؟ أَتَرى الْمَرْأَةُ ذَلِكِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أم سَلمة: " فأيُّها علا أو سبق يكون منه الشبَهُ " فقد سوَّى فى الحديث بين الأمرين. وفيه كله دليل على أن الولد من المائين جميعاً وردٌّ على من ذهب أنه من ماء المرأةِ، وأن ماء الرجل إنما هو له عاقدٌ كالأنفحة للبن (¬1). وقوله: " وإن أمَّ سُليم امرأة أبى طلحة ": كذا لابن الحداد، ولغيره: " أمُّ بنى أبى طلحة "، وكلاهما صحيح، كان أبو طلحة تزوَّجَها بعد مالك بن النضر والِدِ أنسِ ابن مالكٍ، وهى أمُّ أنسٍ، فولدت لأبى طلحة أبا عُمير، مات صغيرًا، وعبد الله الذى دعا له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحنَّكَهُ، وهو والدُ إسحاق بن أبى طلحة الفقيه وإخوته وهم عشرة، كلهم حُمِلَ عنهُم العلمُ، واستجيبت فيهم الدعوة. وقول عائشة فى هذا الحديث: " أفٍّ ": أى استحقاراً لك، وهى كلمة تستعمل فى الاستحقار والاستقذار، قال الله تعالى: {فَلا تَقُل لَّهُمَا أُف} (¬2)، وهى فى الحديث [منها] (¬3) بمعنى الإنكار، قاله الباجى (¬4)، وأصل الأف والتف وسخ الأظافير، وفيه عشر لغات: أُفِّ وأفَّ وأفُّ، كلها بضم الهمزة دون تنوين، وبالتنوين أيضاً على الثلاث، فهذه ستٌّ، وإفَّةٌ وإفَّ بكسر الهمزة وفتح الفاء، وأُفْ بضم الهمزة وتسكين الفاء، وأفَّا بالقصر. ¬

_ (¬1) فكان على هذا ينبغى أن يكون الولد مجبناً. (¬2) الإسراء: 23، وجاءت فى جميع الأصول: " ولا تقل " وهو خطأ. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) المنتقى 1/ 105.

33 - (...) حدّثنا إِبْرَاهِيمُ بْن مُوسَى الرَّازِىُّ وَسَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو كُريْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالَ سَهْلٌ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ مُسَافِعِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأَبْصَرَتِ الْمَاءَ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ ". فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: تَرِبَتْ يَدَاكِ، وَأُلَّت. قَالَت: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعِيهَا وَهَلْ يَكُون الشَّبَهُ إِلا مِنْ قِبَلِ ذَلِك، إِذَا عَلا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالهُ، وإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر: [أَنَّ امرأةً قالت: يا رسول الله، هل تغتسل المرأة إذا احتلمت؟ فقالت لها عائشة] (¬1): " تربت يداك وأُلَّت " بضم الهمزة وتشديد اللام. كذا رويناه، قال الإمام: أى أصابتها الأُلَّةُ وهى الحربَةُ، قال ابن السكيت: الأُلُّ جمعُ أُلّةٍ وهى الحربةُ، ومنه قولهم: [ماله] (¬2) أُلٌّ وغُلٌّ. قال القاضى: كان القاضى الوقشِى يقول: صوابه: وألِلْتِ، وقد يخرج ما فى الكتاب على لغة قوم من بكر بن وائل لا يظهرون التضعيف فى الفعل إذا اتصل به ضمير، فيقولون: ردْتُ، فى رددت وشبهه، فعلى هذا يكون " ألْت " بسكون اللام، ومثل هذا فى كلام العرب دعاء على من لم يقولوا: ماله أُلٌّ وعُلٌّ، وقيل: صوابه: " أللتْ ": أى طعنت يداك، ترجع العلامةُ إلى اليدين، وقال أبو الحسين: قد يكون ألَّت بمعنى افتقرت، يقال: ألَّت وَعلت، تبدل العين همزة ويُتأول فيه ما يتأول فى قوله: " تربت يداك "، وقال لى الأديبُ أبو عبد الله بن سليمان: قد يكون ألّتْ بمعنى دفعت، ومنه قول أم خارجة: مالَهُ ألٌّ وغُلٌّ أى دَفْعٌ، وأخبرونى عن أبى بكر بن مُفَوَّزٍ أنه كان يقول: إنما هو قالت - يعنى عائشة - وبعده: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصُحِّف بما ذكروه. قال القاضى: قد روينا هذا الحرف " قالت " صحيحاً من طريق العذرى والشنتجالى بعد قوله: " وأُلتِ "، ولا يصح أن يكون قالت مرتين. والغسلُ إنما يجبُ على المحتلم كان رجلاً أو امرأة إذا رأى الماء كما ذُكر فى الحديث ليس من مجرد رؤية الفعل، وهذا ما لا خلاف فيه. ¬

_ (¬1) من المعلم (¬2) ساقطة من ت.

(8) باب بيان صفة منى الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما

(8) باب بيان صفة منى الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما 34 - (315) حدّثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ - وَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِع - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلامٍ - عَنْ زَيْدٍ - يَعْنِى أَخَاهُ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِىُّ؛ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ حبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا. فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِى؟ فَقُلْتُ: أَلا تَقُولُ يَا رسُولَ اللهِ؛ فَقَالَ اليَهُودِىُّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِى سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اسْمِى مُحَمَّدٌ الَّذِى سَمَّانِى بِهِ أَهْلِى ". فَقَالَ اليَهُودِىُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيَنْفَعُكَ شَىْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ ". قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَىَّ. فَنَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ مَعَهُ. فَقَالَ: " سَلْ " فَقَالَ اليَهُودِىُّ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هُمْ فِى الظُّلْمَة دُونَ الجِسْرِ ". قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: " فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ ". قَالَ اليَهُودِىُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ؟ قَال: " زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ ". قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا؟ قَالَ: " يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الجَنَّةِ الَّذِى كَانَ يَأكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " جاء حَبْرٌ من أحبار اليهود ": أى عالم من علمائهم، يقال بفتح الحاء وكسْرِها. وقوله: " أين يكون الناسُ يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فى الظلمة دون الجِسْر ": يُريد بالجسر الصراط، والله أعلم، وقد جاء قبل فى الحديث تسميته جسْراً ويقال بفتح [الجيم] (*) وكَسْرها. وقوله: " فما تُحْفَتَهُم؟ قال: زيادة كبد النون " التُّحْفَةُ: ما يُوَجَّهُ إلى الرجُل ويُخصُّ ويلاطف به، قال الحربى: التُّحَفُ طُرَفُ الفاكهة واحدتُها طُرفةٌ (¬1). وقوله: " فما غَدَاؤهم " بفتح المعجمة والدال المهملة، كذا لعامة الرواة، والذى ¬

_ (¬1) فمات: تحفة. (*) قال معد الكتاب للشاملة: ما بين المعقوفين زيادة من المصادر للإيضاح، انظر شرح النووي (1/ 3/ 553)

قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: " مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمّى سَلْسَبِيلاً ". قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَىْءٍ لا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، إِلا نَبِىٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ. قَالَ: " يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ " قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنىَّ. قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ؟ قَالَ: " مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ المَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا، فَعَلا مَنِىُّ الرَّجُلِ مَنِىَّ المَرْأَةِ أَذكَرَا بِإِذْنِ اللهِ، وَإِذَا عَلَا مَنِىُّ المَرْأَةِ مَنِىَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللهِ ". قَالَ اليَهُودِىُّ: لَقَدْ صَدَقْتُ، وَإِنَّكَ لَنَبِىٌّ. ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ سَأَلَنِى هَذَا عَنِ الَّذِى سَأَلَنِى عَنْهُ، وَمَالِى عِلمٌ بِشَىْءٍ مِنْه، حَتَّى أَتَانِىَ اللهُ بِهِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُعَاويَة بْنُ سَلامٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: زَائِدَةُ كَبِدِ النُّونِ. وَقَالَ: أَذَكَرَ وَآنَثَ. وَلَمْ يَقُلْ: أَذكَرَا وَآنَثَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ للسمرقندى: " غِذاؤهم " بكسر الغين وبالذال المعجمة، وليس هذا بشىء، ولا يدل الكلام عليه. وقوله: " كبد النون " هو الحوت، وجاء فى بعض روايات مسلم كبد الثور، وهو تصحيف. وفى هذا الحديث من علامات نبوَّتِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإخباره بالمغيبات واطلاعه على أسرار علوم الناس ومعارف الدنيا والآخرة ما هو غير خفى، وإنما اعترف (¬1) له به العدوُّ واليهودى حين قال له: صدقت، وإنك لنبىٌّ. وفيه أن من قالَ مثل هذا من أهل الكتاب عن غير التزام للشريعةِ فلا يُحسَبُ قوله إيماناً حتى يعتقدهُ ويلتزِمَه. ونكت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَده وبعودٍ معَه، هو ضربُه به الأرض وتأثيرهُ به فيها، فيه جواز استعمال المخاصِر (¬2) عَلى عادةِ العرب وصلة كلامِها بها ونكتِها بها فى الأرض عند التفكر فى الأمر والتدبير له. ¬

_ (¬1) فى ت: اعتز. (¬2) فى ت: المحَاضِر.

(9) باب صفة غسل الجنابة

(9) باب صفة غسل الجنابة 35 - (316) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْه، ثُمَّ يُفْرِغُ بيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضوءهُ للصَّلاةِ، ثُمَّ يَأخُذُ الْمَاءَ، فَيُدْخِل أَصَابِعَهُ فِى أُصُولَ الشَّعَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ، حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمْ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. 36 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيث أَبِى مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ. (...) وحدّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِىَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِهِ للصَّلاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عائشة فى غسل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجنابة: " يبدأ فيغسل يديه، ثم يُفرغُ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ": هذا على ما تقدم من سنة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إن كان قام من نومٍ أو لتقديمهما أول الطهارة على التعبُّد بذلك، أو لبُعدِ عهدِه بالماء على طريق الاستحباب لن لم يرَ ذلك تعبداً، أو لنجاسة مسَّتهُما فيكون واجباً. وإفرادُه هنا غسل اليمين أولاً ثم غسله الشمال مع الفرج إذ لابد من ملاقاتها ما هنالك من نجاسةٍ يغسلها حينئذٍ، ولم يكن لتقديم غسلها ثم تنجيسها بعدُ معنى. وقوله: " ثم توضأ وضوءه للصلاة ": صفة وضوء الصلاة معلوم، وقد تقدم الكلام عليه، ولم يأت فى شىء من وضوء الجنب ذكرُ التكرار، وقال بعض شيوخنا إن التكرار فى الغسل لا فضيلة فيه.

37 - (317) وحدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثنِى عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِم بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: حَدَّثَتْنِى خَالَتِى مَيْمُونَةُ قَالَتْ: أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ، ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشَمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشَمَالِهِ الأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ للصَّلاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " ثم أخذ الماء فأدخل أصابِعه فى أصول شعره ": وذلك لتسهيل دخول الماء إلى أصوله وإلى إمرار اليد على ذلك. وقد احتج بعضهم على وجوب تخليل شعر اللحية فى الطهارة قياساً على تخليل شعر الرأس، وفى المذهب (¬1) عندنا فى تخليل شعر اللحية قولان (¬2)، وأما شعر الرأس فمجتَمعٌ على تخليله، ومنهم من احتج بعموم قوله فى حديث عائشة: " فَيخلِل أصُول شعرِه " ويعيد الهاء على المغتَسِل إذ لم يذكُر فيه الرأس ولا غيرَه. وقولها: " ثم حفن على رأسه ثلاث حفنَاتٍ ": قال القاضى الباجى (¬3): يحتمل أن يكون لما ورَد فى الطهارة من التكرار أو يكون للمبالغة وتمام الطهارةِ، إذ قد لا تكفى الغرفَةُ الواحدةُ فيه. وذكر بعضهم أن الثلاث غرفات فيه مستحبةٌ، وقد ذكرنا قول من قال: إن التكرار غيرَ مشروع فى الغسل، ويكون الثلاث غرفات اثنتان لِشفىَّ (¬4) الرأس والثالثةُ لأعلاه، ويدلّ على صحة تأويلنا قوله فى الحديث [الآخر] (¬5) أخذ بكفه [فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ] (¬6) بكفيه فقال بهما على رأسه، كذا فى حديث عائشة، وفى الحديث الآخر عن ميمونة: " أنه أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفِّه " كذا فى رواية كافتهم، وعند الطبرى: " ملء كفَّيه " وذكر البخارى (¬7) من رواية جُبير بن مطعم: " أما أنا فأفرغ على رأسى ثلاثاً - وأشار بكفيه جميعاً " ولم يذكر مسلم هذه الزيادة، وهى موافقة لرواية الطبرى، وهى مُفَسّرَةٌ [لما لم] (¬8) يُفسَّرْ من ذلك وجاء مجملاً. [وخرَّج مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب قالا: ثنا أبو معاوية - وفى نسخة ابن الحذاء - ثنا يحيى بن أيوب وأبو كريب، والصواب ما تقدم فى الحديث. قالت ميمونة: أدنيت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسله، ثم قالت بعد ذلك: ثم توضأ وضوءه للصلاة، ¬

_ (¬1) راجع: المنتقى 1/ 94. (¬2) فقد روى ابن القاسم عنه أنه ليس ذلك عليه، وروى أشهبُ أنَّ عليه أن يُخلِّلِ لحيتَهُ من الجنابة، وذكر ابنُ عبد الحكم عن مالكٍ قال: هو أحبُّ إلينا. الاستذكار 3/ 62. (¬3) المنتقى 1/ 94. والحفنة: ملء الكف. إكمال 2/ 92. (¬4) فى ت ذكرت بالقاف. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬6) سقط من ت. (¬7) البخارى فى الغسل، ب من أفاض على رأسه ثلاثاً (254) ونص الحديث: " أما أنا فأفيض على رأسى ثلاثاً " بدلاً من " أفرغ ". (¬8) فى الأصل: ما لم.

كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قالت: فغسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيتُه بالمنديل فرده] (¬1). وقولها: " ثم أفاض على سائر جسده "، قال الإمام: هذا ومثله مما يحتج به الشافعى فى أن التدلك فى الطهارة ليس بواجب، والمشهور من مذهبنا وجوبُه، ووقع لبعض أصحاب مالك ما يَدل على أن التدلك مستحبٌّ عندَه (¬2). قال القاضى: وقد تقدم هذا، ولا حجة للمخالف بهذا الحديث لأنا نقطعُ أن فى الجسد مغابنَ لا يصل الماء بإفاضته إليها، فلا بد من توصيله باليد أو غيرها فخرج الحديث عن ظاهره. وقولها: " ثم غسل رجليه " وفى حديث ميمونة: " ثم تنحى عن مقامه فغسل رِجْليه "، قال الإمام: استحبَّ بعض العلماء أن يؤخِّر غسل رجليه إلى آخر غسله من الجنابة ليكون الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء، وأخذ ذلك من حديث ميمونة هذا، وليس فيه تصريح، بل هو محتمل؛ لأن قولها: " توضأ وضوءه للصلاة " الأظهرُ فيه إكمال وضوئه (¬3)، وقولها آخراً: " تنحَّى فغسل رجليه ": يحتمل أن يكون لما نالهما من تلك البقعة. قال القاضى. ظاهر قوله فى الأحاديث إتمامُ الوضوء، وإليه نحا ابن حبيب من أصحابنا، قال: يتوضأ وضوءه كله، وروى علىٌّ عن مالك: ليس العمل على تأخير غسل الرجلين وليتم وضوءه فى أول غسله، فإن أخرهما أعاد عند الفراغ وضوءَه، ورُوى عنه أن تأخيرَهما واسعٌ فى تنحيه لغسل رجليه فى أن التفريق اليسير غير مؤثر فى الطهارة (¬4) وقد تقدم هذا. وقولها: " ثمَّ أتيته بالمنديلِ فردَّه "، قال الإمام: وأمَّا تنشيف الماء عن الأعضاء فى الطهارة، فلا خلاف أنه لا يحرُمُ ولا يستحبُّ، ولكن هل يكره ذلك. فللصحابة - رضى الله عنهم - فيه ثلاثة أقوال: فروى عن أنس بن مالك أنه قال: لا يُكره فى الوضوء و [لا فى] (¬5) الغسل، وبه قال مالك والثورى، وحجتهم ما رواه قيس بن سعد بن عبادة [قال] (¬6): " دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعنا له الغسل فاغتسل، فأتيتُه بملحفة فالتحف، فرأيتُ الماء والورسَ على كتفيه " (¬7). وروى معاذ: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح وجْهَه بطرف ثوبه " (¬8)، ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) الأم 1/ 40، 41. ولفظ الإمام الشافعى فيه: وأحب له أن يغلغل الماء فى أصول شعره حتى يعلم أن الماء قد وصل أصوله وبشرته، فهو هنا يشترط تغلغل الماء حتى يصل أصول الشعر والبشرة، وهذا موافق لحكمة التدلك التى قال بها مشهور مذهب مالك والمنتقى 1/ 94، 95، والمغنى 1/ 290. (¬3) فى المعلم. الوضوء. (¬4) راجع: المنتقى 1/ 93. (¬5) و (¬6) من المعلم. (¬7) ابن ماجه فى السنن، ك الطهارة وسننها، ب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل. (¬8) الترمذى فى الطهارة، ب ما جاء فى التمندل بعد الوضوء (54) وإسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم.

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَالأَشَجُّ، وَإِسْحَاقُ، كُلُّهُمْ عَنْ وَكِيعٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، كِلاهُمَا عَن الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمَا إِفْرَاغُ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ عَلَى الرَأسِ. وَفِى حَدِيثِ وَكِيعٍ وَصْفُ الْوُضُوءِ كُلِّهِ. يَذْكُرُ الْمَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَاقَ فِيهِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ ذِكْرُ الْمِنْدِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فدل ذلك على أنه لا يُكرَه، ورُوى عن ابن عمر أنه كرِهَهُ [فيهما] (¬1) وبه قال ابن أبى ليلى، وإليه مال أصحابُ الشافعى، وحجتهم ظاهر حديث ميمونة، ولأنه أثرُ عبادة فَكُرِه إزالتُهُ (¬2) كدم الشهيد وخُلوف (¬3) فم الصائم، على أصل من نهى عنه، وروى عن ابن عباس أنه يكرهُه فى الوضوء دون الغُسل، وحجتُه ما روى أن أم سَلمةَ ناوَلته الثوبَ ليتنشَّف به فلم يأخذه وقال: " إنى أحبُّ أن يبقى علىَّ [أثر] (¬4) وضوئى " ولم يثبت عندَه فى الغسل دليلٌ قاطع على الكراهة [فأجازه] (¬5). قال القاضى: يحتمل ردُّه للمنديل لشىء رآه فيه أو لاستعجالِه للصلاة أو تواضُعاً، وخلافاً لعادة أهل الثروة، ويكون الحديث الآخر فى أنه كانت له خرقةٌ يتنشف بها عند الضرورة وشدَّةِ البرد ليُزيل برد الماء عن أعضائه. وقوله فى حديث ميمونة بعد هذا: " أتى بمنديل فلم يمسَّهُ وجعل يقول بالماء هكذا. يعنى ينفضه ": ردٌّ على من احتج بتركه المنديل كراهةَ التنشيف، إذ لا فرق بين نفض الماء ومسحه، ولو كان أنه يوزن على ما علل به بعضُهم لكان ما يُنفض مثلَهُ، ولأن وزنه ليس فى الحال بل فى المآل، وفراقه الجسم وهو لابد من فراقِه ونفضه الماء إما لئلا يُبَلُّ ثوبَه أو مخافة ضرر برودَتِهِ، لا سيما إن كان فى زمن البرد. وقولها فى رواية ابن حُجر بعد ذكرها غسل الفرج بالشمال: " ثم صوب بشمالِه الأرض فدلكها دلكاً شديداً ثم توضأ للصلاة ": دلَكها لما عساه تعلق بها من رائحة أذىً أَو لزوجَة نجاسةٍ، وبدايةُ بغسل الفرج قبل الغسل لإزالة ما به، ولتكون طهارةُ الحدث بعد طهارة عين النجاسة، ولا فيه من نقض الطهارة إن غَسَله أثناء غسْله، وغَسْلُهُ إياهُ ووضوؤه للصلاة بعد ثم اغتساله، مفهومُه أنه لم يُعدْ فى اغتساله غُسْل ما غَسَلَ قَبِل ولا أعضاء الوضوء، وهذه (¬6) سنة غسل الجنابة، لكن يجبُ أن ينوىَ عند غسله ما غسَل لإزالة ما به ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى المعلم: قطعه. (¬3) فى المعلم: وكخلوف. (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) من المعلم. (¬6) فى الأصل: وهى.

38 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِىَ بِمنْدِيلٍ، فَلَمْ يَمَسَّهُ، وَجَعَلَ يَقولُ: " بِالْمَاءِ هَكَذَا " يَعْنِى يَنْفُضُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من أذى رفع حدث الجنابة، وكذلك ينوى عند وضوئه، وإن نوى بوضوئه الوضوء للصلاة إجزائه عن الجنابة، وهذا الوضوء قبل الغسل سنة فى تقديمه وفرض فى نفسه لأنه من الغسل؛ إذ ليس فى الغسل ترتيب.

(9 م) باب التطيب بعد الغسل من الجنابة

(9 م) باب التطيب بعد الغسل من الجنابة (¬1) 39 - (318) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنِى أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحَلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، بَدَأَ بِشِقِّ رأسِهِ الأَيْمَن، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَىَ رَأسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مسلم: وثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب، قالا: ثنا أبو معاوية، كلاهما عن الأعمش، قال الإمام: قال بعضهم فى نسخة: ابن الحذاء ثنا يحيى بن أيوب وأبو كريب، والصواب ما تقدم. وقوله: " [كان إذا اغتسل] (¬2) دعا بشىء نحو الحلاب فأخذ بكفه بداءً (¬3) بشق رأسه الأيمن "، قال الإمام: الحلاب هاهنا إناءٌ يحلبُ فيه، وليس كما ظن البخارى أنه نوعٌ من الطيب وأشار فى تبويبه إلى هذا (¬4)، ويقال للحلابِ - أيضًا -: مِحلَبٌ (¬5)، بكسر الميم وفتح اللام، قال الشاعر [فى الحلاب] (¬6): صاح أبصَرْتَ أو سمِعت بِرَاعٍ ... ردّ فى الضَرِع ماثوى (¬7) فى الحلاب قال القاضى: ترجم البخارى على الحديث: من بدأ بالحلاب والطيب (¬8)، وقد وقع لمسلم فى بعض تراجمه من بعض الروايات مثل ترجمة البخارى على هذا الحديث، ونصُّهُ: باب التطييب بعد الغسل من الجنابة، وقال الهروى فى هذا الحديث: " مثل الجُلَّاب " بضم الجيم وتشديد اللام (¬9). قال الأزهرى: أراد بالجُلَّاب ماء الورد، وهو فارسىٌّ مُعَرَّبٌ والله أعلم. قال الهروى: أراهُ الحلابُ وذكر نحو ما ذكره الإمام (¬10)، وبالحاء هو المشهورُ والمعروف فى الرواية، قال الخطابى: هو إناء يَسَعُ قدرَ حلْبَةِ ناقةٍ (¬11)، فأما المَحلبُ بفتح ¬

_ (¬1) هذه الترجمة مما نقلها القاضى عن بعض النسخ لمسلم ولم يلتزمها النووى وغيره. (¬2) ليست فى المعلم. (¬3) فى المعلم: بدأ. (¬4) أغفل كلٌّ من النووى وابن حجر هذا القول للإمام. راجع: نووى 1/ 616، فتح 1/ 440. وليس فى التبويب ما يدل على أن البخارى وهم؛ لأن المحلب يطلق أيضاً على محب الطيب، ثم هل البدء بالطيب ممنوع فى الغسل، ثم هذا المعنى إِلا يؤيده حديث عائشة رضى الله عنها: " كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضح طيباً " فدل ذلك على التطيب قبل الغسل. (¬5) فى المعلم: المحلب. (¬6) من المعلم. (¬7) الذى نقله ابن حجر: مافرى. (¬8) لفظ الباب عند البخارى: باب من بدأ بالحِلابِ أو الطيِّبِ عند الغسل 1/ 439. (¬9) و (¬10) غريب الحديث. (¬11) معالم السنن 1/ 80.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الميم فالحبةُ المعروفة من الطيب المستعمل فى غسل الأيدى، ورواية الجيم تصحح [بإشارة] (¬1) البخارى قبلُ، ويكون مرادُه بالخلاب على هذا التأويل هنا الإناء الذى كان يستعمل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه طيبَهُ. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت.

(10) باب القدر المستحب من الماء فى غسل الجنابة، وغسل الرجل والمرأة فى إناء واحد فى حالة واحدة، وغسل أحدهما بفضل الآخر

(10) باب القدر المستحب من الماء فى غسل الجنابة، وغسل الرجل والمرأة فى إناء واحد فى حالة واحدة، وغسل أحدهما بفضل الآخر 40 - (319) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِل مِنْ إِنَاءٍ - هُوَ الْفَرَقُ - مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: [كان يغتسل من إناءٍ] (¬1) هو الفَرَقُ [من الجنابة] (¬2)، قال الإمام: قال أحمد بن يحيى: الفَرَقُ: اثنا عشر مُداً، قال أبو الهيثم: هو إناءٌ يأخذ ستة عشر رطلاً، وذلك ثلاثةُ آصع، وكذلك فسَّره سفيان فى كتاب مسلم: أنه ثلاثة آصُع، ويروى بإسكان الراء وفتحها. [قال الباجى: فتحُ الراء هو الصوابُ] (¬3). قال القاضى: قد حكى ابن دريد فيه الوجهين: فرْقٌ وفَرَقٌ، وتقديره بثلاثة أصوع هو قول الجمهور وقول كبار أصحاب مالك وأهل الحجاز، وقال الحربى مثله، وحكى عن أبى زيد أنه إناء يسع أربعة أرباع، قال غيره: هو إناء ضخم من مكايل أهل العراق. قال القاضى: وليس هذا الفَرق الذى ذكرت عائشة، وإنما ذكرت مِكْيال أهل المدينة فيه (¬4) وفى كتاب مسلم: " يغتسل فى القدح وهو الفرَق " قال الباجى فى حديث عائشة: الفرق يحتمل أنه قدرُ ما كان يستعمله فى غسله من الماء (¬5)، وأنه كان يغتسل فيه ويفضُلُ له منه، وأخبرت عن جواز الطهر (¬6) بذلك الإناء، وقد روى أنه كان من سنته، ويروى عن ابن عمر كراهة الوضوء فيه ونحا به ناحية الذهب وهو الصُّفرُ الأصفر، وقد روى عنه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ بالمدِّ ويغتسل بالصاع، ولا حَدَّ فى ذلك فى مشهور مذهبنا، إِلَّا أن التقلل من الماء مع الإسباغ من مستحبات الغسل والوضوء (¬7)، وعند ابن شعبان (¬8) أنه لا يجزئ ¬

_ (¬1) ليست فى المعلم. (¬2) من المعلم. (¬3) ليست فى المعلم، ولعلها من كلام القاضى، وانظر المنتقى 1/ 95. (¬4) وهو عندهم ستة عشر رطلاً، ويقارب بمكيال اليوم ثمانية ليترات وربعاً. (¬5) المنتقى 1/ 95. (¬6) زيد بعدها فى ت لفظة " له " ولا وجه لها. (¬7) المنتقى 1/ 95. (¬8) هو ابن القرطبى أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان، كان رأس الفقهاء المالكيين بمصر فى وقته، وأحفظهم لمذهب مالك، وإليه انتهت رياسة المالكيين بمصر، ووافق موته دخول بنى عبيد الروافض، وكان شديد الذمِّ لهم، ويقال: إنه كان يدعو على نفسه بالموت قبل دولتهم ويقول: اللهم أمتنى قبل دخولهم مصر، فكان كذلك. مات لأربع عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. ترتيب المدارك 5/ 274.

الْجَنَابَةِ. 41 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْن حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفيَانُ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ فِى القَدَحِ - وَهُوَ الْفَرَقُ - وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ فِى الإِنَاء الْوَاحِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى ذلك أقل مما روى من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المُدِّ والصاع. قال القاضى: والأظهر عندى فى حديث عائشة أنها لم ترد أن قدر ملء الفرق من الماء هو قدر ماء الغسل وما يكفى منه، بدليل حديثها الآخر: " كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قدَحٍ يقال له الفرَق " فقد ذكرت اغتسالهما معاً منه، والأحاديث الواردةُ فى تطهرهِ بالصّاَع، والفَرق ثلاثةُ آصُع كما تقدم، وأن تكون " مِنْ " لبيان الإناء أو للتبعيض مما فى الفرق. وقوله عن أبى سلمة بن عبد الرحمن: " دخلنا على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة فسألها (¬1) عن غُسل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجنابة، فدعت بإناءٍ نحو الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها سِتْرٌ ووصفَ غُسْلَها ": ظاهر الحديث أنهما رأيا عملها فى رأسها وأعلى جَسَدِها مما يحل لذى المحرم النظر فيه إلى ذاتِ المحرَم، وأحدُهما - كما قال - كان أخوها من الرضاعة، قيل: إن اسمه عبد الله بن يزيد، كان أبو سلمة ابن أختها من الرضاعة أرضعته أم كلثوم بنت أبى بكر، ولولا أنهما شاهدا ذلك ورأياه لم يكن لاستدعائهما الماء وطهرِها معنىً، إذ لو فَعَلتْ ذلك كله فى سِترٍ عنهما لكان عناءً ورجَعَ الحال إلى وصفِها له، ويكون السِّترُ الذى بينها وبينهما عن سائر جسدها وما لا يَحِلُ لهما رؤيتُه كما شوهد غسل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وراء الثوب وطأطأ عن رأسه حتى ظهر لمن أراد رؤيته. وقوله: " وكان أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة ": فى هذا دليلٌ بيِّنٌ على ما قلناه من رؤيتهما ذلك منها، ولا بأس لذى المحرم أن يرى شعر ذات المحرَم منه وما فوق جبينها عند العلماء إِلا ما وقع لابن عباس من كراهة ذلك. وقوله: " يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة ": دليلٌ على جواز تحذيف النساء لشعورهن وجواز اتخاذهنَّ الجُممَ، وقد كانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمَّة، والوفرةُ أشبعُ من اللّمَّةِ، واللِّمةُ ما ألمَّ بالمنكبين من شعر الرأس دون ذلك، قاله الأصمعى، وقال غيرُه: الوَفرةُ أقلها وهى التى لا تجاوز الأذنين، والحُمَّةُ أكبرُ منها، واللِّمةُ ما طال من الشعر. وقال أبو حاتم: الوفرةُ ما غطَّى الأذنين من الشعر، والمعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون والذوائب، ولعل أزواجَ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلن هذا بعد موته لتركهن التزيَّنَ واستغنائهن عن ¬

_ (¬1) فى ت. فسألنا.

وَفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: مِن إِنَاءٍ وَاحِدٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ سُفْيَانُ: وَالْفَرَقُ ثَلاثَةُ آصُعٍ. 42 - (320) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِى قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، أَنَا وَأَخُوهَا منَ الرَّضَاعَةِ، فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْر الصَّاعِ، فَاغْتَسَلَتْ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ، وَأَفْرَغَت عَلَى رَأسِهَا ثَلاثًا. قَال: وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأخُذْنَ مِنْ رُؤُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ. 43 - (321) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ بَدَأَ بيَمِينِهِ، فَصَبَّ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الأَذَى الَّذِى بِهِ، بِيَمِينِهِ، وَغَسَلَ عَنْهُ بِشِمَالِهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَنَحْنُ جُنُبَانِ. 44 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ تطويل الشعور لذلك وتخفيفاً لمؤونة رؤوسهن. وقوله فى هذا الحديث: " إنها اغتسلت بإناء قدر الصاع " وجاء فى الحديث الآخر: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكُّوكٍ " (¬1) وفى الحديث الآخر: " يتوضأ بالمدِّ ويغتسل بالصَّاعِ إلى خمسة أمدادٍ " (¬2) وكل هذا قريبٌ بعضُه من بعضٍ، وكله يدُل أن سُنة الطهارة تقليل الماء مع الإسباغ خلافاً للأباضيَّةِ من الخوارج. وأما ما ذكر مسلم فى حديث حفصة: " عن عائشه أنها كانت تغتسل هى والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى إناء واحدٍ يسع ثلاثة أمدادٍ أو قريباً من ذلك " فلعله بانفرادِ كل واحد منهما لأنه نحو من الصاع، أو يكون المدُّ هاهنا المراد به الصَّاعُ، فيكون موافقاً لحديث الفرق ويكون ذلك مُفسراً له إن لم تكن لفظةُ المدّ هُنا وهماً على ما ذهب إليه بعضُهم، وعلى الوجه الأول لا تأويل ولا إشكال فيه. وقوله: " والفرَق ثلاثةُ آصع " ويُروى أصوع، وكلاهما صحيحان مرويان فى هذه ¬

_ (¬1) جنح الإمام ابن عبد البر فى كتابه التمهيد وغلا فقال: وقد روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يتوضأ بالمدِّ ويغتسل بالصاع، وهى آثار مشهورة، مستعملةٌ عند قومٍ من الفقهاء. قال: وليست أسانيدها بما يحتج به. 8/ 105 فتأمل. (¬2) سيأتى برقم (51) بالباب.

عِرَاكٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ - أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهَا؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى إِنَاءٍ وَاحِدٍ، يَسَعُ ثَلاثَةَ أَمْدَادٍ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. 45 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كُنْتُ اغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ، مِنَ الْجَنَابَةِ. 46 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ، بَيْنِى وَبَيْنَهُ، وَاحِدٍ. فيُبَادِرُنِى حَتَّى أَقُولُ: دَعْ لِى، دَعْ لِى. قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ. 47 - (322) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَن ابْنِ عَبَّاس؛ قَالَ: أَخْبَرَتْنِى مَيْمُونَةُ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ، هِىَ وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى إِنَاءٍ وَاحِدٍ. 48 - (323) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ - أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَكْبَرُ عِلْمِى، وَالَّذِى يَخْطُرُ عَلَى بَالِى؛ أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَنِى؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ. 49 - (324) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَحْمَنِ؛ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ أُمّ سَلَمَةَ حدَّثَتْهَا قَالَتْ: كَانَتْ هِىَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلانِ فِى الإِنَاءِ الْوَاحِدِ مِنَ الْجَنَابَةِ. 50 - (325) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - قًالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمهات، لكن الجارى على العربيَّة أصْوعٍ لا غير، والواحد صاعٌ وصُواع وصَوْعٌ، ويقال: أصْوعٌ بالهمز لثقل الضمة على الواو، وهو مكيال لأهل المدينة معروف، فيه أربعةُ أمداد بمد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

جَبْرٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيك وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: بِخَمْسِ مَكَاكِىَّ. وَقَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ جَبْرٍ. 51 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ ابْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَاعِ، إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ. 52 - (326) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ وَعَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَيْحَانَةَ عَنْ سَفِينَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك " وفى الرواية الأخرى: " بخمس مكاكىَّ " مشدَّد الياء، المَكُّوك، بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومة، مكيال لأهل العراق يسع صاعاً ونصف صاعٍ بالمدنى، ويُجمَع مكاكيك ومكاكى، وهو بمعنى قوله فى الحديث نفسه من الرواية الأخرى: " يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد " (¬1). ذكر مسلمٌ الأحاديث فى اغتسال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أزواجه من إناء واحدٍ وحديثَ ابن عباس: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسلُ بفضل ميمونة " (¬2)، اتفق العلماء على جواز اغتسال الرجل والمرأة وتوضيهما معاً من إناء واحِدٍ لحديث عائشة وميمونة وأم سلمة إِلا شيئاً روىَ فى كراهيته والنهى عنه عن أبى هريرة، والأحاديث الصحيحة ترد هذا. واختلف العلماء بعدُ فى الاغتسال والتوضؤ بفضل المرأة الجنب أو الحائض أو غيرهما، وفى وضوء المرأة بفضل الرجل (¬3)، فجمهور السلف وأئمة الفتوى والعلم على جواز ذلك كله كانا مجتمعين أو مُفترقين، وروى عن ابن المسيب كراهةُ وضوء الرجل بفضل وضوءِ المرأةِ، وذهب أحمد إلى منع الوضوء للرجل بفضل ما توضأت به المرأة [أ] (¬4) واغتسلتَ به مُنْفَرِدةً، ووافق فى جواز وضوء الرجل من فضل الرجل، والمرأة من فضل المرأة والرجُل وأن يتوضآ جميعاً، وروى عن ابن عمر كراهةُ أن يتوضأ الرجلُ بفضل الحائض والجُنب، وكان يبيحُ فضل غيرهما، وذهب الأوزاعى إلى تطُّهر كل واحد منهما بفضل صاحبه ما لم يكن أحدُهما جنباً أو المرأة حائضاً، واتفاق أكثر من خالف على جواز اغتسالِهما من إناءٍ واحدٍ معاً، ووضوئهما ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: وهذه الآثار كلها إنما رويت إنكاراً على الإباضية، وجملتها تدلُّ على إِلا توقيت فيما يكفى من الماء، والدليل على ذلك أنهم أجمعوا أن الماء لا يكال للوضوء ولا للغسل، من قال منهم بحديث المد والصاع، ومن قال بحديث الفرق، لا يختلفون أنه لا يكال الماء لوضوء ولا لغسل. لا أعلم فى ذلك خلافاً. التمهيد 8/ 105. (¬2) سبق برقم (48) بالباب. (¬3) راجع: المغنى 1/ 282، 284. (¬4) ساقطة من الأصل.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ، مِنَ الْمَاءِ، مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَوُضِّئُهُ الْمُدُّ. 53 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِى رَيْحَانَةَ، عَنْ سَفِينَةَ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ حُجْرٍ، أَوْ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ كما جاء فى الأحاديث الصحيحة - يَرُدُّ على من فرق بين الاجتماع والافتراق، إذ فى نفس اغتسالهما ووضوئهما معاً واختلاف أيديهما فيه استعمالُ كل واحدٍ فضل غسل الآخر، ولم يصحح أهل الحديث حديث النهى عن ذلك، وتأوله بعضُهم إن صح على فضل مائها المستعمل فى الطهارة إما على الحظر - على من يراهُ - أو على الندب، ويختص فضْلُ المرأةِ بالتأكيد لأنه لا يَسْلم من إضافةٍ من طيبها وخلوفها ودهن شعرها وعارضيها، وقيل: هو منسوخٌ. بما عارضه مما ذكرناه. وقوله: فيما كان يكفى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الماء فى حديث أبى ريحانة عن سفينة قال أبو بكرٍ صاحِب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بكسر الباء نعتاً لسفينة، وأبو بكر القائل هو ابن أبى شيبة راوى الحديث. وقوله: " وقد كان كَبر وما كنت أثق بحديثهِ ": يعنى بذلك - والله أعلم - سفينة، قال البخارى عند ذكره: وفى إسناده نظرٌ، وإنما ذكره مسلمٌ مستشهداً به لما تقدَّم وفى رواية السمرقندى: " وما كُنتُ أنَقُ بحديثه " بالنون: [أى] (¬1) أعجب به، والأنقُ الإعجابُ بالشىء، ومنظرٌ أنيقٌ أى معجِبٌ. وقال ابن دُريد: كَبِرَ الرجُلُ بكسر الباء آسَن وفى الأفعال كبرَ الصغير وكبُر الشىءَ عظُم، وكبَرَ الرجل أى أسَن. وذكر مسلم: فى هذا الباب حديث شعبة عن عبد الله بن عبد الله بن جبر، [سمعت أنساً، ثم ذكر حديث مِسْعر عن ابن جبر] (¬2) عن أنس، كذا رَويناه عن جميعهم، قال الكنانى: صوابُه جابر. قال القاضى: كلاهما يقال، وهو عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عبيد (¬3)، وقد ذكر البخارى فيه الوجهين، وأن مسعراً وشعبةَ وأبا الغميس وعبد الله بن عيسى يقولون فيه: ابن جبر. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) سقط من ت. (¬3) فى الأصل: عتيك.

(11) باب استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثا

(11) باب استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثاً (¬1) 54 - (327) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ - عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ صُرَدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: تَمَارَوْا فِى الْغُسْلِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَمَّا أَنَا، فَإِنِّى أَغْسِلُ رَأْسِى كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَنَا، فَإِنِّى أُفِيضُ عَلَى رَأْسِى ثَلاثَ أُكُفٍّ ". 55 - (...) وحدّثنا مُحمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: " أَمَّا أَنَا، فَأُفرِغُ عَلَى رَأْسِى ثَلاثًا ". 56 - (328) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ سَأَلُوا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ، فَكَيْفَ بِالْغُسْلِ؟ فَقَالَ: " أَمَّا أَنَا، فَأُفْرِغُ عَلَى رَأْسِى ثَلاثًا ". قَالَ ابْنُ سَالِمٍ فِى رِوَايَتِهِ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، وَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ. 57 - (329) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ - حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ، صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ مِنْ مَاءٍ. فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِنَّ شَعْرِى كَثِيرٌ. قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِى، كَانَ شَعرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ منْ شَعرِكَ وَأَطْيَبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب صفة غسل الجنابة.

(12) باب حكم ضفائر المغتسلة

(12) باب حكم ضفائر المغتسلة 58 - (330) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِع، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَن أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى امْرَاةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِى، فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: " لا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِى عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءِ فَتَطْهُرِينَ ". (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالا: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: فَأَنْقُضُهُ للِحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: " لا ". ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنِ زُرَيْعٍ - عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: أَفأَحُلُّهُ فَأَغْسِلُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ؟ وَلَمْ يَذْكُر الْحَيْضَةَ. 59 - (331) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيَبَةَ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ، إِذَا اغْتَسَلْنَ، أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ. فَقَالَتْ: يَا عَجبًا لابْنِ عَمْرٍو هَذَا! يَأْمُرُ النِّسَاءَ، إِذَا اغْتَسَلْنَ، أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ، أَفَلا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤُوسَهُنَّ! لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَلا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِى ثَلاثَ إِفْرَاغَاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلمٌ: أحاديث فى غسل المرأة رأسها، وإنكارُ عائشة على ابن عمرو بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العاص نقض رؤوسهن. تفسيره فى صفة غسل الحائض رأسها من أنه إنما يجزيها أن تغرف عليه ولا تنقضُه إذا خللت أصولَ شعرها، وَتَدلك رأسها حتى يبلغ شؤونه، وهى مجمعُ عظام الرأس.

(13) باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك فى موضع الدم

(13) باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك فى موضع الدم 60 - (332) حدّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفيَّةَ، عَنْ أُمَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضَتِهَا؟ قَالَ: فَذَكَرَتْ أَنَّهُ عَلَّمَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطهَّرُ بِهَا. قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: " تَطَهَّرِى بِهَا، سُبْحَانَ اللهِ! " وَاسْتَتَرَ - وَأَشَارَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهِ - قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاجْتَذَبْتُهَا إِلَىَّ، وَعَرَفْتُ مَا أَرَادَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ تَتبعِى بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. وَقَالَ ابنُ أَبِى عُمَرَ فِى رِوَايَتِهِ: فَقُلْتُ: تَتَبَّعِى بِهَا آثَارَ الدَّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عائشة: " تأخذ (¬1) فرصةً من مَسْكٍ فتطهرى به " وفى [الحديث الآخر: خذى فرصة ممسكة] (¬2) بكسر الفاء وبالصاد المهملة، ومَسْكٌ بالفتح رويناه عن جمهورهم، ومن طريق الخُشَنى عن الطبرى بكسر الميم، قال بعضُهم: الكسرُ هنا الصوابُ، وأراد به المسكُ الطيب المعلوم، قال: ويُصحِّحه قوله فى بعض رواية هذا الحديث: " فإن لم تجدْ فطيباً، فإن لم تجد فالماء يكفيك " وقد يحتج بقوله فى الحديث الآخر: " مُمَسَّكةً "، وبقوله: " تتبَّعى بها أثرَ الدم "، وهذا كلُّه يدلُّ على الطيب، أى لتُذهِبَ كريه رائحتِهِ، وقال الخطابى: هذا لا يستقيم إِلا أن يُضْمَر فيه فيقول: قطعةً من صوفٍ أو قطنٍ مُطَيَّبةٍ بالمسْك، وفيه بُعْدٌ ولا يصحُ (¬3)، وقال الداودى: يريد خِرقةً فيها مِسْكٌ. قال القاضى: لِمَ لا يَصحُّ أن يكون معناهُ: قطعةً من مسك؟ قال لى أبو الحسين: كل قطعةٍ فِرصة، ويدلُّ على صحةِ هذا رُخْصَتُه فى الحديث الآخر للحَادِّ فى نُبْذة قَسطٍ وأظفارٍ عند غسلها من الحيض ليَقطع بذلك رائحة دَمِه عنها. قال الإمام: قال الهروى فى باب الفاء مع الراء: الفِرصَةُ القطعةُ من القطن أو الصُوفِ [و] (¬4) يقال: فَرِصْتُ الشىءَ قطعتُه بالمفِراص (¬5). ¬

_ (¬1) فى المعلم: تأخذى. (¬2) من المعلم. (¬3) معالم السنن 1/ 97. (¬4) من المعلم. (¬5) غريب الحديث 1/ 62.

(...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهْرِ؟ فَقَالَ: " خُذِى فرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِى بهَا " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ. 61 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ صَفِيَّةَ تُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْل الْمَحِيضِ؟ فَقَالَ: " تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُور، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا ". فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وأنكر ابن قتيبة أن يكون بالفاء والصاد وقال: إنما ذلك " قَرْضَةٌ " بالقاف والضاد المعجمة، أى قطعةَ، وأنكر - أيضاً - على من تأول أن المسك فى هذا الموضع الطيب، وقال: لم يكن للقوم وسعٌ فى المال يستعملون الطيب فى مثل هذا وإنما معناه: الإمساك، فإن قالوا: إنما سُمِع رُباعياً والمصدرُ منه إمساكُ، قيل: قد سُمِع - أيضاً - ثلاثياً فيكون مصدرها (¬1) مسْكاً. قال الإمامُ: وأنكر ابن مكى على الأطباء قولهم: القوة الماسكة، قال: وإنما الصواب: الممسكة؛ لأنه سُمِع رباعيًا، ولعله [لم] (¬2) ير ما حكيناه عن ابن قتيبة. قال القاضى: أما قول ابن قتيبة: إن المسك هنا مصدر، فلا يصح ولا يلتئم الكلام، لقوله: " فرصة من مسك "، والأشبه هنا، على رواية الفتح، أن يكون من جلدٍ، قال الخطابى: تقديره: قطعة من جلدٍ عليه صوف (¬3) قال القتبى: ولا اختصاص هنا للصوف وغيره. وأما قوله: " مُمَسَّكةٌ " فرويناه بفتح السين فى الأم، قال الخطابى: ولهما معنيان: أحدُهما: مُطَيَّبةٌ بالمسك، والثانى: يكون من الإمساك (¬4) أمسكتهُ ومَسَّكْته، قال لى أبو الحسين: بمعنى مجلَّدةٍ، أى قطعةُ صوف لها جِلدٌ وهو المسْك ليكون أضبطَ لها وأمكن لمسح أثر الدم به، وهذا مثل قوله: " فرصة مِسْك " أو تكون مُمَسَّكَة جُعِل لها مِسَاكٌ تُحبَسُ به إما ليكون ذلك أضبط أو لئلا تمتلئ اليدُ، هذا كله على رواية الفتح، وقال فيه بعضهم: ممسِكة بكسر السين، ومعناه: ذاتُ مِسَاك أو ذاتُ جلد بالمعنيين المتقدّمَيْن. وقد يدلُّ على صحة هذا وأنه المرادُ به قوله فى غير هذا الحديث: " أنعتُ (¬5) لكِ الكُرْسُفَ، ¬

_ (¬1) فى المعلم: مصدره. (¬2) من المعلم. (¬3) و (¬4) راجع: معالم السنن 1/ 97. (¬5) فى ت: أبعثُ.

وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ - كَأَنَّهَا تُخْفِى ذَلِكَ - تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلتهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: " تَأْخُذُ مَاء فَتَتَطهَّر، فَتُحْسِن الطُّهُورَ - أَوْ تُبْلغُ الطُّهُورَ - ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ ". فَقَالتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نَسَاءُ الأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فى الدِّين. (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَقَالَ: قَالَ: " سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِى بِهَا " وَاسْتَتَرَ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ إِبْرَاهِيم بْنِ مهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ عَلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ؟ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه يُذهبُ الدمَ، يريد القطن. وذهب القتبى أن معنى مُمَسَّكةُ أى محتملةٌ تحتشى [بها] (¬1)، أى خذى قطعةً من صوفٍ أو قطنٍ أو شبه ذلك فاحتمليها وأمسكيها هناك لتدفَع الدمَ، وكنى بهذا عن التصريح بالاحتشاء والاحتمال. وقوله لها: " يا سُبحان الله تَطهَّرى واستثفرى ": فيه استعمال الحياء عند ذكر العورات، لا سيما [فيما] (¬2) يذكره من ذلك الرجال بحضرة النساء، والنساء بحضرة الرجال، ولا سيما النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففى وصفه أنه لم يكن فحاشاً، ويجب اقتداءُ أهل الفضل والسَّمتِ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند دفع الضرورات لذكر شىء من العَوْراتِ أو الألفاظ المستقبحة بالتعريض بها وتجنُب ذكرها والانقباض والاستحياء عند ذلك وترك التصريح بها. ومُرَادُهُ - والله أعلم - بقوله: " أثر الدم " التعريض بموضِعِ خروجِه، فكنى عنه بذلك إمَّا لتطييب الموضِع أو للاحتشاء والإمساك به كما قال فى الحديث الآخر: " تلجمى واستثفِرى "، والله أعلم. وفيه جواز التسبيح عند إنكار الشىء واستعظامه والتعجب منه، قال الله تعالى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (¬3) وكذلك للتنبيه على الشىء والتذكر له. وقوله فى الحديث الآخر: " تأخذ إحْداهن ماءها وسِدْرَها فتطهَرُ فتُحسِن الطهُور، ثم تصب على رأسها، ثم قال: تصب عليها الماء الطهور " الأوّل من النجاسة وما مسَّها من دم الحيض. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) النور: 16.

(14) باب المستحاضة وغسلها وصلاتها

(14) باب المستحاضة وغسلها وصلاتها 62 - (333) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِى حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أَطهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ فَقَالَ: " لا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِى الصَّلاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنما ذلك عِرْقٌ ": دليل لنا على العراقيين فى أن الدم السائل من الجَسدِ، من فَصْدٍ وغيره، لاينقض الطهارة لقوله: " فاغسلى عنك الدّم وصلى "، وهذا أوضَحُ ما روى فى هذا الحديث، وهو قول عامة الفقهاء (¬1). وقوله فى المستحاضة: " إذا أقبلت الحيْضَةُ فدَعى الصلاة ": اختلفت روايات أحاديث المستحاضةِ وألفاظها، وبيان ذلك يحتاج إلى بَسْط لا يتمكن هاهنا، واختلف أهل العلم فى المرأة إذا تمادى بها الدمُ بعد زمان الحيض، فأما مالك فقال: لا تزال بحكم الطاهر حتى يتغير الدمُ ويرجع إلى حال دَم الحيض فتترك الصلاة حينئذٍ - على تفصيلٍ فى المذهب هو مذكور فى كتب الفِقه. وقال المخالف (¬2): إذا أتت أيام عادتها فى الصحة تركت الصلاة وإن لم يتغير الدم، وتعلق بظاهر هذا الحديث وبحديثٍ آخر هو أظهر منه، وهو قوله فى طريق آخر: " امكُثى قدر ما كانت تحبسُك حيضَتُكِ ثم اغتسلى "، وقال بعضهم: إذا جهلت أيامَ عادتها فى مقدارها ومَحلّها من الشهر فإنها تغتسل لكل صلاة وتصلى؛ لجواز أن تكون تلك الصلاة صادفت انقضاء حيضتها المعتادة، وتصوم رمضانَ وشهراً آخَرَ بعدَهُ؛ لجواز أن تكون فى كل يوم من أيام رمضان صادفت أيام حيضتها المعتادة، وإن كانت حاجَّةٍ طافت للإفاضةِ طوافين بينهما خمسة عشر يوماً. قال القاضى: وقوله: " فإذا أقبلت الحيضَةُ فدعى الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلى الدم عنكِ ثم صلى ": يُريد هُنا بالحيضةِ دَم الحيضة المعتادةِ، المخالف لدم الاستحاضةِ فى اللون ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: ولم يختلف رواةُ مالك فى إسناده ولفظه. قال: وقد رواه حمادُ بن زيد عن هشام بإسنادِهِ، فجوَّد لفظه، قال: فإذا أدبرت الحيضة فاغسلى عنك أثر الدم وتوضَّئى " فقيل لحماد: فالغُسْلُ؟ قال: ومن يَشُكّ أَنَّ فى ذلك غسلاً واحداً بعد الحيضة. قال: وقال حماد: قال أيوبُ: أرأيتَ لو خرَج من جنبها دمٌ أتغتسل؟ الاستذكار 2/ 217. (¬2) بدائع الصنائع 1/ 24 وقد بين آراء الفقهاء فيما خرج من السبيلين فجعل الأحناف دم الاستحاضة موجباً للوضوء وخالفهم فى ذلك مالك والشافعى. المنتقى 1/ 127 وفيه أن المشهور من مذهب المالكية أن المستحاضة لا يجب عليها الوضوء، المغنى 1/ 448 - 450 وفيه آراء: تغتسل المستحاضة لكل صلاة أو تغتسل من ظهر إلى ظهر وهو رأى ابن المسيب وقال مالك. إنى أحسب رأى ابن المسيب من طهر إلى طهر ولكن دخله الوهم أو تتوضأ لكل صلاة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرائحة والثج، فإذا رأت ذلك المستحاضة حسبته حيضةً وكانت مدة جريه بحكم الحائض وعند ارتفاعه بحكم الطاهر، فعلى هذا إذا كانت من أهل التمييز وبانَ لها دمُ الحيض من الاستحاضةِ فإنها تصلى أبداً حتى ترى دمَ الحيْض، وإلى هذا ذهب مالك وعامةُ أهل الفتوى (¬1)، وقيل: يحتمل أن يُريد أنها ممن لا يتمَّيز لها الدَّمانِ، فهذه إذا رأت الدمَ تركت الصلاة قدر أمد أكثر الحيض، ثم تغتسل وتصلى، فيكون الإدبار ها هنا بمعنى تقدير انقضاء أيامها فى الصحة (¬2)، وكذلك رواية مالك فيه: " فإذا ذهب قدرُها فاغسلى الدمَ عنك وصلِّى "، ويكون هذا من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على معنى التعليم لما يلزم من هذه حالُها، ومن أصابها ما أصاب فاطمة بنت أبى حبيش، وعلى هذا يحمل قوله فى الرواية الأخرى: " امكثى قدر ما كانت تحبسُك حيضتِك ثم اغتسلى وصلى "، وبظاهر هذا الحديث أخذ أبو حنيفة ولم يعتبر تغيَّر الدّم (¬3)، والحديث يَردُّه لتمييزه فيه بين دمِ العِرْق وبين الحيضة، وهذا إن حُمِلَ قولها: " إنى لا أطهُرُ " على اتصال دمِها، وأنه لا ينقطع، وإن قيل: إن معناه على المبالغة ومجاز كلام العرب لكثرة تواليه وقرب بعضه من بعض، فيكون إقباله أول ما ثُجَّ عليها وإدبارُه انقضاء مدةِ حيضها الصحيح، ثم إقبالها إذا رأته مرةً أخرى، وهكذا أبداً، فيكون جواباً لفاطمة عن نازلتها، وبنحوه فسَّره مالك فى المبسوطِ، ويعضده الحديث الآخر: " لتنظُر عدَد الأيام والليالى التى كانت تحيضهنَّ من الشهر قبل أن يصيبها ما أصابَها فتترك الصلاة قدر ذلك "، وقد ذهبَ بعضهم إلى أَنَّ الجوابين لسؤالين، فسألته أولاً عما يُصنَعُ الآن، ¬

_ (¬1) جاء فى التمهيد: قال مالك: المستحاضة إذا ميَّزت بين الدمين عملت على التمييز فى إقبال الحيضة وإدبارها، ولم يلتفت إلى عدد الليالى والأيام، وكفت عن الصلاة عند إقبال حيضتها، واغتسلت عند إدبارها. قال: وقال مالك فى المرأة يزيد دمها على أيام عادتها: إنها تمسك عن الصلاة خمسة عشر يوماً، فإن انقطع، وإلا صنعت ما تصنع المستحاضة؛ ثم رجع فقال: تستظهر بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها المعتادة ثم تصلى. قال: وأخذ بقوله الأول المدنيون من أصحابه، وأخذ بقوله الآخر المصريون من أصحابه. قال: وقال الليث فى هذه المسألة كلها مثل قول مالك الأخير. التمهيد 16/ 76. قلت واحتج المالكية للاستظهار بالقياس على المصراة فى اختلاط الدمين ففى المصراة - وهى الشاة يحبس فيها اللبن ليغر بضرعها المشترى - قال أبو هريرة: تستبرأ ثلاثة أيام ليعلم بذلك مقدار لبن التصرية من لبن العادة، فجعلوا كذلك الذى يزيد دمُها على عادتها. راجع: السابق. (¬2) راجع: المنتقى 1/ 122. (¬3) فالعمل عنده وعند أصحابه وكذلك الثورى على الأيام لا على التمييز، وأقصى مدة الحيض عندهم عشرة أيَّام وأقله ثلاثة. ذكر بشر بن الوليد عن أبى يوسف، عن أبى حنيفة فى المبتدأة: ترى الدم ويستمر بها، أن حيضها عشر، وطهرها عشرون. وقال أبو يوسف: تأخذ فى الصلاة بالثلاثة - أقل الحيض - وفى الأزواج بالعشر، ولا تقضى صوماً عليها إِلا بعد العشرة، وتصوم العشرين من رمضان، وتقضى سبعاً. انظر: بدائع الصنائع 1/ 41، التمهيد 16/ 84.

فَاغْسِلِى عَنْكِ الدَّم وَصَلِّى ". (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّاَدُ بْنُ زَيْدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ وَإِسْنَادِهِ. وَفِى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم سألته آخراً عن حكمِه إذا تمادى بها، إذ الحديث فى قِصَّة فاطمة بنت أبى حُبيش. وقوله: " فإذا أدبرت الحيضة فاغسلى عنك الدم وصلى ": لم يختلف الرواة عن مالكٍ فى هذا اللفظ، قد فسّر سفيان الحديث فقال: إذا رأت الدم بعد ما تغتسل تغسِلُ الدم فقط، وقد رواه جماعة فقالوا فيه: فاغسلى عنك الدم ثم اغتسلى. وفى هذا الحديث دليلٌ على أن المستحاضة لا يلزمها غيرُ الغسل لإدبار الحيضة، إذ لو لزمها غسل غيره لأمرها به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه دليلٌ وردٌّ على من رأى عليها لكل صلاةٍ، وهو قول ابن عُليَّة وجماعةٍ من السلف وردٌّ على من رأى أنها إنما تقعد عدد أيام حيضها بعدُ ولا تعتبر تَغيُّرَ الدم وهو قول أبى حنيفة، وعلى من رأى عليها الجمع بين صلاتى النهار بغسل واحدٍ وصلاتى الليل بغُسلٍ واحدٍ وتغتسل للصبح، وروى هذا عن بعض الصحابة، وهو قول على، وفيه الردُّ على من رأى عليها الغسل فى كل يومٍ من ظهر إلى ظهر، وهو مذهب سعيد بن المسيَّب والحسن وعطاء وغيرهم، وقد روى عن سعيد خلافه، واحتج به من أبطل الاستظهار إذ (¬1) لم يذكره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث، وقال بعضهم: بل فيه دليلٌ على الاستظهار لقوله فى زيادة مالك: " إذا ذهب قدرُها وقدرُها يزيد مرةً وينقصُ " فلهذا رأى مالك الاستظهار. وقول مسلم: فى حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره هو قوله: " اغسلى عنك الدمَ وتوضَّئى ": ذكر هذه الزيادة النسائى وغيره (¬2) وأسقطها مسلم لأنها مما انفرد بها حمادٌ، قال النسائى: لا نعلم أحداً قال: " وتوضئى " فى الحديث غير حمادٍ، يعنى - والله أعلم - فى حديث هشام، وقد روى أبو داود وغيره ذكر الوضوء من رواية عدى بن ثابت وحبيب بن أبى ثابتٍ وأيوب بن أبى مسكينٍ، قال أبو داود: وكلها ضعيفةٌ (¬3)، ولم ير مالك عليها الوضوءَ، وليس فى حديثه، ولكن استحبه لها فى قوله الآخر، إمَّا لروايةِ غيرِه له أَوْ لتَدخُلَ الصلاة بطهارةٍ جديدةٍ كما قال فى [سلس] (¬4) البول، وأوجب ¬

_ (¬1) فى الأصل: إذا، وهو خطأ ناسخ. (¬2) النسائى فى الطهارة، ب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة 1/ 124، وابن ماجه فى الطهارة، ب ما جاء فى المستحاضة قد عدت أيام أقرائها (624). (¬3) أبو داود فى الطهارة، ب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر (298 - 300)، والترمذى فى الطهارة، ب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة (126) من رواية عدى بن ثابت. (¬4) فى الأصل: النعلين، ورسمت فوقها علامة استفهام. وانظر فى هذه المسألة: الاستذكار 3/ 226.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوضوء عليها أبو حنيفة والشافعى، وأصحابهما والليث والأوزاعى، ولمالك - أيضاً - نحوه، وكلهم مجمعون على أنه لا غسل عليها غير مرةٍ واحدةٍ عند إدبار حيضتها (¬1)، لكن اختلف فى الغسل إذا انقطع عنها دم الحيضة، واختُلف فيه قول مالك (¬2). وأما قوله فى الحديث الآخر: " امكثى بقدر ما كانت تحبسُكِ حيضَتُكِ ثم اغتسلى وصلى " فقد تقدم الكلام عليه. وفيه حجةٌ لمن قال من أصحابنا: إنها تقعدُ قدر أيَّامها وما ثبت من عادتها لا خمسة عشر يوماً كما قال مالكٌ وبعضهم. وفيه - أيضاً - حجةٌ لمن لم ير الاستظهارَ (¬3) إذ لم يذكره، وقال: " ثم اغتسلى وصلى "، لكن قد قيل: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد يحتمل أنه علم عادةَ هذه وأنها خمسة عشر يوماً، وهو بعيد، والله أعلم. ولا خلاف أن وطء المستحاضة التى تُباح لها الصلاة مباحٌ بين العلماء (¬4) إِلا شىء ¬

_ (¬1) المجموع 1/ 536. (¬2) هذا إنما يكون فى امرأة تعرف دم حيضتها من دم استحاضتها - كما قال ابن عبد البر. الاستذكار 3/ 225. قال: وممن أوجب الوضوء لكل صلاةٍ على المستحاضةِ سفيان الثورى، وأبو حنيفة، وأصحابُه، والليث بن سعدٍ، والشافعىُّ وأصحابُهُ، والأوزاعىُّ، وهؤلاء كلُّهُم - ومالك معهم - لا يرونَ على المستحاضة غُسلاً غيرَ مرةٍ واحدةٍ عند إدبار حيضَتِها، وإقبال استحاضَتِها، ثم تغسل عنها الدَّم وتُصَلِّى ولا تتوضأ إِلَّا عند الحدَثِ عند مالك، وهو قول عكرمة وأيوب السختيانى. (¬3) وهو قول مالك، ومن قال به معمر وعمرو بن دينار وعطاء. قال ابن عبد البر: والاستظهار فقد قال مالك باستظهار ثلاثة أيام، وقال غيره: تستظهر يومين. وحكى عبد الرزاق عن معمر قال: تستظهر يوماً واحداً على حيضتها ثم هى مستحاضة. وذكر عن ابن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار تستظهر بيوم واحد. المصنف 1/ 300. قال أبو عمر: احتج بعض أصحابنا فى الاستظهار بحديثٍ رواه حرام بن عثمان عن أبى جابر عن جابر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حديث لا يصح، وحرام بن عثمان ضعيف متروك الحديث. التمهيد 16/ 82. (¬4) المغنى 1/ 420، والأم 1/ 26. وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن المبارك عن الأجلح عن عكرمة عن ابن عباس قال فى المستحاضة: لا بأس أن يجامعها زوجها. المصنف 1/ 310. ومن طريق إسماعيل بن شروس قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يسأل عن المستحاضة: أيصيبُها زوجها؟ قال: نعم، وإن سال الدم على عقبها. السابق. وله عن الثورى عن سمى، عن ابن المسيب، وعن يونس عن الحسن قالا فى المستحاضة: تصوم وتصلى [و] (*) يجامعها زوجها. ومن طريق الثورى عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير أنه سأله عن المستحاضة أتُجامع؟ فقال: الصلاة أعظم من الجماع. السابق. قال ابن وهب: وقال مالك: أمر أهل الفقه والعلم على ذلك، وإن كان دمُها كثيراً. وقال مالك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما ذلك عرق وليس بالحيضة " وإذا لم تكن حيضة فما يمنعها أن تصيبها وهى تصلى وتصوم. التمهيد 16/ 71. وهذا قول الشافعى وأبى حنيفة وأصحابهم، والثورى والأوزاعى، وإسحاق وأبى ثور. وكان أحمد ابن حنبل يقول: أحبَّ إلىَّ ألا يطأها إِلا أن يطول ذلك بها. السابق. _____ (*) قال معد الكتاب للشاملة: ما بين المعقوفين زيادة من المصادر للإيضاح، انظر مصنف عبد الرزاق (1/ 310)، والتمهيد (16/ 70).

حَدِيثِ قُتيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِى حُبَيْشِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ وَهِىَ امْرَأَةٌ مِنَّا. قَالَ: وَفِى حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ، تَرَكْنَا ذِكْرَهُ. 63 - (334) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتِ: اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّى أُسْتَحَاضُ. فَقَالَ: " إِنَّمَا ذَلِك عِرْقٌ فَاغْتَسَلِى، ثُمَّ صَلِّى ". فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ. قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَر أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ وَلكِنَّهُ شَىْءٌ فَعَلَتْهُ هِىَ. وَقَالَ ابْنُ رُمْحٍ فِى رِوَايَتِهِ: ابْنَةُ جَحْشٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أُمَّ حَبِيبَةَ. 64 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو ابْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - خَتَنةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَاسْتفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ذَلِك. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، وَلكِنَّ هَذَا عِرْقٌ، فَاغْتَسِلى وَصَلِّى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن عائشة وبعض السلف فى منع ذلك (¬1). وقوله [فى باب المستحاضة] (¬2): " جاءت فاطمة بنت أبى حبيش بن عبد المطلب "، قال الإمام: هكذا فى أكثر النسخ، قال بعضُهم: عبد المطلب هاهُنا وهْمٌ، وصوابُه (¬3) ابن المطلبِ بن أسد [بن عبد العُزَّى] (¬4). قال القاضى: هذا هو الصوابُ كما قال، واسم جدها المطلب مشهور ولم يختلف فيه أهل الخبر. وقوله: [وفى هذا الباب حديث عن عائشة رضى الله عنها] (¬5): " إن ابنة جحش كانت تستحاض [سبع سنين] (¬6) "، قال الإمام: وفى بعض النسخ: عن أبى العباس الرازى: ¬

_ (¬1) كإبراهيم النخعى، وسليمان بن يسار، والحكم، وعامر الشعبى، وابن سيرين، والزهرى، وابن علية. قالوا: لا سبيل لزوجها إلى وطئها ما دامت تلك حالها. قالوا لأن كل دمٍ أذى يجب غسلُه من الثوب والبدن، ولا فرق فى المباشرة بين دم الحيض ودم الاستحاضة، لأنه كله رجس، وإن كان التعبدُ منه مختلفاً، كما أن ما خرج من السبيلين سواء فى النجاسة، وإن اختلفت عباداته فى الطهارة. قالوا: وأما الصلاة فرخصة وردت بها السنة، كما يصلى سلس البول. التمهيد 16/ 68. (¬2) من المعلم. (¬3) فى المعلم: والصواب. (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) و (¬6) من المعلم.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِى مِرْكَنٍ فِى حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، حَتَّى تَعْلُو حُمْرَةُ الدَّم الْمَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " أن زينب بنت جحش " قال بعضهم: هو وهم وليست زينب، إنما هى أم حبيبة بنت جحش، قال الدارقطنى عن أبى إسحاق الحربى: الصحيح قول من قال: أم حبيبٍ - بلا هاء - واسمها حبيبة، قال الدارقطنى: قول أبى إسحاق صحيح، وكان أعلم الناس بهذا الشأن، قال غيره: وقد رُوى عن عَمرَةَ عَن عائشة أن أمّ حبيب (¬1) ... الحديث. قال القاضى: اختلف أصحاب الموطأ فيه عن مالكٍ، فأكثرهم يقولون: زينب (¬2) وكثير من الرواة يقولون: عن ابنة جحش، ويُبين الوهم فيه (¬3) رواية مالك وبعضهم: " وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وزينب هى أم المؤمنين لم يتزوجها قط عبد الرحمن، إنما تزوجها أوَّلاً زيد بن حارثة، ثم تزوجها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتى كانت تحت عبد الرحمن هى أم حبيبة، وقد جاء مفسراً على الصواب فى رواية عمرو بن الحارث عن ابن شهاب فى كتاب مسلم: أن أم حبيبة ختنةُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و [كانت] (¬4) تحت عبد الرحمن بن عوف. وقوله - أيضاً -: " أنها كانت تغتسل فى حجرة أختها زينب ": قال أبو عمر: وقيل: إن بنات جحش الثلاث؛ زينب، وأم حبيبة، وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كُنَّ يستحضْنَ كُلُهنَّ، وقيل: إنه لم يستحض منهن إِلا أمُّ حبيبة، وحكى لنا شيخنا أبو إسحاق عن شيخه القاضى أبى الأصبغ بن سهل أن القاضى يونس بن مغيث (¬5) ذكر فى كتابه الموُعِبِ فى شرح الموطأ مثل هذا، وأن اسم كل واحدة منهن زينب، ولقِّبتْ إحداهن بحُمنَة وكنيتْ الأخرى أم حبيبة، وسألت شيخنا أبو الحسن يونُس بن مغيث عما ذكر عن كتاب جدِّه فصَحَّحَه لى عنهُ وإذا كان هذا برَّأ الله مالكاً ممن نسب الوهم إليه فى تسميته أم حبيبة زينبَ، وقد ذكر البخارى من حديث عائشة أن امرأة من أزواجه، وفى رواية أخرى: أن بعض أمهات المؤمنين، وفى أخرى: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف بعض نسائه وهى مستحاضةٌ، ¬

_ (¬1) فى ت والمعلم: حبيبة. قلت: وفى أبى داود ولابن عبد البر: حمنة. راجع: التمهيد 16/ 62. (¬2) جاء فى الموطأ: وحدثنى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبى سلمة أنها رأت زينب بنت جحش التى كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، والمشهور أن زينب بنت جحش هى أم المؤمنين، ولم تتزوج عبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنه 1/ 62. (¬3) فى ت زيدت بعدها: قوله فى. وكانت زيادة لأنها ذكرت فى الأصل ثم ضرب عليها. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬5) هو المعروف بابن الصفار يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث بن محمد بن عبد الله القرطبى المالكى أبو الوليد، فقيه محدث صوفى، عالم فى اللغة والعربية والشعر، تفقه على أبى بكر بن ذرب. توفى فى رجب عام 429 وله إحدى وتسعون سنة. قال فيه الذهبى: كان فقيهاً صالحاً عدلاً حجةً علامة فى اللغة والعربية والشعر فصيحاً مفوهاً كثير المحاسن. راجع سير أعلام النبلاء 11/ 127، العبر 2/ 261، جذوة المقتبس 362، الصلة 622.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَقَالَ: يَرحَمُ اللهُ هِنْدًا، لَوْ سَمِعَتْ بِهَذِهِ الفُتيَا وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَتَبْكِى، لأَنَّهَا كَانَت لا تُصَلِّى. (...) وحدّثنى أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْن زِيَاد، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عاَئِشَةَ؛ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ إِلَى قَوْلِهِ: تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ ابْنَةَ جَحْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ سَبْعَ سِنِينَ، بِنَحْو حَدِيثِهمْ. 65 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّم؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلآنَ دَمًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " امْكُثِى قَدْرَ مَا كَانَت تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثمَّ اغْتَسِلِى وَصَلِّى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كلها بمعنى هذا أنها استحيضتْ، وجاءت مُبَيَّنةً: " أن سوَدة أم المؤمنين كانت تسْتحاض "، ذكره أبو داود وغيره (¬1) وقول أبى بكر بن عبد الرحمن: " يرْحَمُ اللهِ هنداً ... " الحديث، وقولُه: " فكانت (¬2) تغتسل فى مركنٍ فى بيت (¬3) أختها [زينب] (¬4)، قال الإمام: قال أبو عبيد: المركن: الأجَّانةُ، كانت تغسل فيها الثياب (¬5). قال القاضى: وقوله: " ملآن دماً " ويروى ملأى، على معنى تأنيث الآنية أو الأجَّانة، وعُلوّ حمرةِ الدم الماء فيه يعنى - والله أعلم - أنها كانت تجلس فيه للاغتسال فيستنقِع ماءُ غسلها وما يجرى منها فيه؛ لأنها كانت تستعمل الماء منه على تلك الصفة. وقال مسلم فى الباب: حدثنا محمد بن مُثنّى ثنا سفيان عن الزهرى عن عمرة عن عائشة، كذا لجميعهم، وللسمرقندى عن عروة، وقال قبل هذا: ثنا محمد بن سلمة ¬

_ (¬1) البخارى فى الحيض، ب الاعتكاف للمستحاضة 1/ 85، ولم أجد فى أبى داود أو كتب السنن ذكر سودة أم المؤمنين، وغاية ما وجدته عن عائشة: " اعتكف مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من أزواجه " دون تسمية، أبو داود فى الصوم (2476) وابن ماجه فى الصيام، ب المستحاضة تعتكف (1780). (¬2) فى المعلم: إنها كانت. (¬3) فى المعلم: حجرة. (¬4) من المعلم. (¬5) غريب الحديث 4/ 340.

66 - (...) حدّثنى مُوسَى بْنُ قُرَيْشٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنِى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ، الَّتِى كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ، شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّمَ. فَقَالَ لَهَا: " امْكُثِى قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِى "، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المرادى ثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهابٍ عن عروة بن الزبير وعمرة عن عائشة، كذا لهم وكذا قال ابن أبى ذئبٍ عن الزهرى، وقال الأوزاعى عنه عن عُروة عن عمرة، بغير واوٍ، وقد رواه يحيى بن سعيد عن عروة وعمرَة (¬1). وقوله فى حديث ابنة جحش: " وكانت تغتسل لكل صلاةٍ ": كذا عند مسلم (¬2) وفى حديث قتيبة عن الليث عن الزهرى، وفى الموطأ: " فكانت تغتسل وتصلى " (¬3) قال الليث فى كتاب مسلم: لم يقل ابن شهابٍ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقر أمَّ حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شىء فعلته هى، وما فى الموطأ محْتمِلٌ أنها تغتسل عند انقطاع الدم أو عند إدبار دم الحيضةِ ونقاء دم الاستحاضة، أو لكل صلاةٍ (¬4) كما قال فى كتاب مسلم. وقد روى ابن إسحاق هذا الحديث عن الزهرى وفيه: " فأمرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تغتسل لكل صلاةٍ "، ولم يتابع ابن إسحاق أصحابُ الزهرى على هذا، وحكى الطحاوى أنه منسوخ بحديث فاطمة المتقدم (¬5) واحتج لفتوى عائشة بحديث فاطمة بعد وفاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومثل ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: اختلف على الزهرى فى هذا الحديث اختلافاً كثيراً، وأكثر أصحاب ابن شهاب يقولون فيه عن عروة وعمرة عن عائشة، وحديث ابن شهاب فى هذا الباب مضطرب. التمهيد 16/ 65. (¬2) لفظ مسلم: " فكانت تغتسل عند كل صلاة " حديث (63، 66). (¬3) الموطأ 1/ 62 عن زينب بنت أبى سلمة - رضى الله عنها. (¬4) الموطأ 1/ 62. وهذا الاحتمال منشؤه: " فكانت تغتسل وتصلى ". (¬5) انظر التمهيد 16/ 67. قال ابن عبد البر: قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: فى الحيض حديثان والآخر فى نفسى منه شىء، قال: يعنى أن فى الحيض ثلاثة أحاديث هى أصول هذا الباب: أحدها: حديث مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن امرأة كانت تهراق الدماء فى عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لتنظر عدد الليالى والأيام التى كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبَها الذى أصابَها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا أخلفت ذلك فلتغتسِل ثم لتستثفر بثوبٍ ثم لتصلى " قال الحافظ ابن عبد البر: هكذا رواه مالك عن نافع عن سليمان عن أم سلمة، وكذلك رواه أيوب السختيانى عن سليمان بن يسار - كما رواه مالك عن نافع سواء. ورواه الليث بن سعد، وصخر بن جويرية، وعبيد الله بن عمر - على اختلاف عنهم - عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة، فأدخلوا بين سليمان بن يسار وبين أم سلمة رجلاً. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا لا تقوم به حجةٌ (¬1) فى النسخ، وقد ذكرنا اختلاف العلماء قبلُ فى هذا، ومَن أخذ بظاهر حديث ابنة جحشٍ، وقد قال أهل العلم: أصحُّ ما فى هذا الباب حديث هشام فى قِصّة فاطمة. ¬

_ = والثانى: حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قال: وهذا حديث رواه عن هشام جماعة كثيرةٌ منهم حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وأبو حنيفة، ومحمد بن كناسة، وابن عيينة. وزاد بعضهم فيه ألفاظاً لها أحكام. وأما الحديث الذى ذكر أنه الثالث فهو حديث حمنة بنت جحش، ولفظه: كنت أستحاض حيضة كثيرةً شديدةً، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستفتيه وأخبره، فوجدته فى بيت أختى زينب بنت جحش، فقلت يا رسول الله إنى امرأةٌ أستحاض حيضةٌ كثيرة شديدة، فماذا ترى فيها؟ قد منعتنى من الصلاة، فقال: " أنعت لك الكرسف، فإنه يذهبُ الدم "، قلت: هو أكثر من ذلك، قال: " فتلجَّمى "، قلت: هو أكثر من ذلك، قال: " فاتخذى ثوباً " قلت: هو أكثر من ذلك قالت: إنما أثجُّ ثجاً، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سآمرك أمرين، أيُّهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم، إنما هى ركضةٌ من الشيطان، فتحيضى ستة أيام أو سبعةٍ فى علم الله، ثم اغتسلى، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلى أربعاً وعشرين ليلة، أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومى، فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلى كل شهر كما تحيض النساء، وكما يطهرن - ميقات حيضهن وطهرهن - فإن قويتِ على أن تؤخرى الظهر وتعجلى العصر ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلى، ثم تغتسلين مع الفجر فافعلى، وصومى إن قدرت على ذلك " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وهذا أحبُّ الأمرين إلىَّ " قال أبو داود: وما عدا هذه الثلاثة الأحاديث ففيها اختلاف واضطراب. (¬1) فى الأصل: صحة، والمثبت من ت.

(15) باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة

(15) باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة 67 - (335) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ. ح وحَدَّثَنَا حَمَّادٌ عنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ مُعَاذَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَتَقْضِى إِحْدَانَا الصَّلاةَ أَيَّامَ مَحِيضِهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قَدْ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لا تُؤْمَرُ بِقَضَاءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول السائلة لعائشة: " ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت: أحروريَّةٌ أنت؟ "، قال الإمام: قال الهروى الحروريَّةُ منسوبةٌ إلى حروراء: قريةٌ تعاقدوا فيها (¬1). قال القاضى: إنما قالت عائشة لها هذا الكلام لأن طائفةً من الخوارج يَرون على الحائض قضاء الصلاة إذ لم تسقط عنها فى كتاب الله، على أصلِهم فى رد السنةِ على خلافٍ بينهم فى المسألة، وقد أجمع المسلمون على خلافهم، وأنه لا صلاة تلزمُها ولا قضاء عليها، وأنها ليسَتْ مخاطبةً بالصلاةِ، وقد قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإذا أقبلت الحيضةُ فدعى الصلاة " وقال: " أليسَ إذا حاضت لا تصلى؟ " وقالت عائشة: " كُنا نحيض فلا يأمرَنا بهِ " وفى كتاب أبى داود عن سمرة بن جندبٍ: " أنه كان يأمُرُ النساء بقضاء صلاة المحيض وأن أم سلمة أنكرت ذلك "، وكان قوم من قدماء السلف يأمرون الحائض أن تتوضأ عند أوقات الصلوات وتذكُرُ الله وتستقبل القبلة جالسةً. قال مكحول: كان ذلك من هدى نساء المسلمين (¬2) واستحبه (¬3) غيره، قال غيرُه: وهو أمرٌ متروكٌ عند جماعةٍ من العلماء مكروه ممن فَعَله (¬4). ¬

_ (¬1) وهى على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به. (¬2) ذكره عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر بلاغاً، قال: بلغنى أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند وقت كل صلاة 1/ 304. (¬3) فى الأصل: واستحب، والمثبت من ت. (¬4) ذكره ابن عبد البر فى الاستذكار وأسنده إلى دُحيم قال: وحدثنا الوليدُ بن مسلم قال: سألتُ سعيد بن عبد العزيز عن الحائض أنها إذا كان وقتُ صلاةٍ مكتوبةٍ توضأتْ، واستقبلت القبلةَ، فذكرتِ الله فى غير صلاةٍ ولا ركوع ولا سُجُودٍ؟ قال: مانعرِف هذا، ولكنا نكرهه، الاستذكار 2/ 219. وقال معمر: قلت لابن طاووس: أكان أبوك يأمر الحائض عند وقت كل صلاة بطُهْرٍ وذِكرٍ؟ قال: لا. المصنف 1/ 318. وقد أخرج معمر عن الزهرى قال: الحائض تقضى الصَّوْم ولا تقضى الصلاة. قال: قلت عمَّن؟ قال: اجتمع الناسُ عليه، وليس فى كل شىء نجدُ الإسناد. المصنف 1/ 332. ونقل ابن عبد البر عن حذيفة أنه قال: ليكوننَّ قومٌ فى آخر هذه الأمة يكذبون أولاهم ويلعنونهم، ويقولون: جلدوا فى الخمرِ، وليس فى كتاب الله، ورجموا، وليس ذلك فى كتاب الله، ومنعوا =

68 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَةَ؛ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ: أَتَقْضِى الْحَائِضُ الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قَدْ كُنَّ نِسَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحِضْنَ، أَفَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَجْزِينَ؟ قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ: تَعْنِى يَقْضِينَ. 69 - (...) وحدّثنا عدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ؛ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلا تَقْضِى الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّى أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " فأمرهُنَّ أن يجْزينَ؟ ": فسَّرَه غُندَرُ فى الأم بمعنى يقضينَ، وهو صحيح جزى يجزى غير مهموز بمعنى يقضى، وبه فسَّروا قوله تعالى: {لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} (¬1)، وهذا الشىء يجزى عن هذا، أى يقوم مقامَه، ومنه سُمِى يومُ الجزاء، وقد حكى بعضُهم فيه الهمزَ. ¬

_ = الحائض الصلاة، وليس ذلك فى كتاب الله. قال ابن عبد البر: وهذا كله قد قال به قوم من غالية الخوارج، على أنهم اختلفوا فيه أيضًا، وكلهم أهلُ زيغ وضلالٍ، أما أهل السُنَّةِ فلا يختلفون فى شىء من ذلك، والحمدُ لله. الاستذكار 3/ 221. (¬1) البقرة: 48.

(16) باب تستر المغتسل بثوب ونحوه

(16) باب تستر المغتسل بثوب ونحوه (¬1) 70 - (336) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ؛ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَة ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ. 71 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مُوْلَى عَقِيلٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بَنْتَ أَبِى طَالِب حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّهُ لَمَّا كَاَنَ عَامُ الْفَتْحِ، أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ. قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ، فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى. 72 - (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِنْدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: فَسَتَرَتهُ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِ سَجَدَاتٍ، وَذَلِكَ ضُحى. 73 - (337) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ. أَخْبَرَنَا مُوسَى الْقَارِئُ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ؛ قَالَتْ: وَضَعْتُ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً وَسَتَرْتُهُ فَاغْتَسَلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ستأتى الإشارة إليه فى باب الاعتناء بحفظ العورة.

(17) باب تحريم النظر إلى العورات

(17) باب تحريم النظر إلى العورات 74 - (338) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانُ؛ قَالَ أَخْبَرَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلا يُفْضِى الرَّجُلُ إِلى الرَّجُلِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلا تُفْضِى الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأةِ " (¬1)، وفى الحديث الآخر " عُرْية " مكان " عورة "، والمعنى واحد، أى العُرية العامة التى تُبدى العورة، ولا خلاف فى تحريم النظر إلى العورة من الناس بعضُهم إلى بعض وسترها عنهم، إِلا الرجل مع زوجته أو أمه على كراهية بعض العلماء فى ذلك (¬2) ولا خلاف فى تحريم كشفها بمحضر الناس، واختلف فى كشفها فى الانفراد وحيث لا يراه أحد ولا خلاف أن السَّوْأتين من الرجُل والمرأةِ عورةٌ، واختُلِفَ فيما بين الركبةِ إلى السُّرةِ من الرجل هل هى عورةٌ أم لا؟ (¬3) ولا خلاف أن إبداءَه لغير ضرورةٍ قصداً ليس من مكارم الأخلاق، ولا خلاف أن ذلك من المرأة عورة على النساء والرجال، وأن الحرَّةَ ما عدا وجهها وكفيها عورة على غير ذوى المحارم من الرجال وسائر جسدها على المحارم [عورة] (¬4)، ما عدا رأسها وشعرها وذراعيها وما فوق نحرها، وقيل: كفها (¬5) عورةٌ، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: كل شىء منها عورةٌ حتى ظفرها (¬6). واختلف فى حكمها مع النساء، فقيل: ¬

_ (¬1) ترك الشيخان الكلام فيما يتعلق بالباب قبله وهو تستر المغتسل بثوب ونحوه. (¬2) فقد نقل عن الشافعى قوله: وأكره للرجل أن يكشف فخذه بحضرة زوجته. (¬3) حجة من قال أن المرة ليست عورة، ما روى أن أبا هريرة قبل سُرَّة الحسن بن على لما سأله كشف ذلك فكشفه له عن بدنه فقبَّلها وقال: " أُقبِّل منك ما قَبَّل رسولُ الله " قالوا. فلو كانت السُّرة عورةً ما قبَّلها أبو هريرة ولا مكّنه الحسنُ منها. الاستذكار 5/ 439. قال أبو عمر: ومحال أن يقبلها حتى ينظر إليها. التمهيد 6/ 281. ومن حجة من قال: إن الفخذ ليست بعورةٍ، حديث عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جالساً فى بيته كاشفاً عن فخذه، فاستأذن أبو بكر ثم عمر، فأذن لهما وهو على تلك الحال، ثم استأذن عثمان فسوَّى عليه ثيابه ثم أذِن له، فسُئل عن ذلك فقال: " إنى أستحى ممن تستحى منه الملائكه " السابق 5/ 439، وسيأتى إن شاء الله تعالى فى كتاب الفضائل، وكذلك ما أخرجه الشيخان عن أنس بن مالك قال: حسر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فخذه حتى إنى لأرى بياض فخذ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬4) من ت. (¬5) فى ت: كلها. (¬6) قال ابن عبد البر: لا نعلمُهُ قاله غيرُه إِلا أحمد بن حنبل، فإنه جاءت عنه روايةٌ بمثل ذلك. الاستذكار 5/ 444.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ. أَخَبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا - مَكَانَ عَوْرَةِ - عِريَة الرَّجُلِ وَعُرْيَةِ الْمَرْأَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جَسَدُها كله عورة، فلا يرى النساء منها إِلا ما يرى ذَوو المحارم، وقيل: بل حكم النساء مع النساء حكم الرجال مع الرجال، إِلا مع نساء أهل الذمةِ، فقيل: حكمُهنّ فى النظر إلى أجساد المسلمات حكم الرجال لقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِن} (¬1)، على خلاف بين المفسرين فى معناه، وحكم المرأة فيما تراه من الرجل حكم الرجل فيما يراه من ذوى محارمه من النساء، وقد قيل: إن حكم المرأة فيما تراه من الرجل كحكم الرجُل فيما يراه من المرأةِ، والأول أصح، وأما الأمةُ فالعورة منها ما تحت يديها، ولها أن تبدى رأسها ومعصمَيها، وقيل: حكمها حكم الرجال وعورتها من السُّرَّةِ إلى الركبة، وقيل: يكره لها كشف مِعصميها وساقيها وصدرها، وكان عمر (¬2) يضربُ الإماءَ على تغطية رؤوسهن وقال: لا تشبهن بالحرائر (¬3). وحكم الحرائر فى الصلاة ستر جميع أجسادهن إِلا الوجه والكفين، هذا قول مالك والشافعى والأوزاعى وأبى ثور وكافة السلف وأهل العلم (¬4)، وقال أحمد بن حنبل لا يُرى منها شىء ولا ظفرُها، ونحوه قول أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأجمعوا أنها إن صلَّتْ مكشوفةَ الرأس كله أن عليها إعادة الصلاة، واختلفوا فى بعضها، فقال الشافعى - رحمه الله - وأبو ثور: تعيد، وقال أبو حنيفةَ: إن انكشف أقل من ربعه لم تُعِد، وكذلك أقلُّ من ربع بطنها أو فخذها (¬5)، وقال أبو يوسف: لا تعيد فى أقل من النصف (¬6)، وقال مالك: تُعيد فى القليل والكثير من ذلك فى الوقت (¬7)، واختلف عندنا فى الأمة تصلى مكشوفة البطن هل يجزيها وهى كالرجل؟ أو لابد من ¬

_ (¬1) النور: 31. (¬2) فى ت. ابن عمر. (¬3) انظر: القرطبى 6/ 155. (¬4) قال ابن عبد البر. والذى عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطى جسمها كُلَّه بدِرع صفيق سابغ، وتخمِّر رأسها فإنها كلَّها عورةٌ إِلا وجهها وكفَّيها، وأن عليها سترُ ما عَدا وجهها وكفَّيها. واختلفوا فى ظهور قدميها، فقال مالك والليث بن سعد: تستر قدميها فى الصلاة: قال مالك: فإن لم تفعل أعادَتْ ما دامت فى الوقت، وعند الليث تعيد أبداً. وقال الشافعى: ما عدا وجهها وكفَّيها عورةٌ، فإن انكشفت ذلك منها فى الصلاة أعادت. وقال أبو حنيفة والثورى: قدمُ المرأة ليست بعورةٍ، إن صلَّت وقدمُها مكشوفةٌ لم تُعِده. قال: وأجمع العلماء على أنها لا تُصلِّى متنَقِّبةً ولا متبرقعة. الاستذكار 5/ 444، التمهيد 6/ 364. (¬5) راجع فى ذلك أيضاً: المغنى 2/ 326 - 331. (¬6) بدائع الصنائع 1/ 117. (¬7) المنتقى 1/ 252. ولم أجد القول لمالك، وإنما ذكر المصنف " فإن صلت باديةٍ الشعر أو الصدر أو ظهور القدمين استحب لها أن تعيد فى الوقت، وقد أثمت لمخالفتها السنة إن قصدت ذلك "، ورأى إعادة الصلاة من كشف العورة هو لابن القصار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سترها جسدها؟ (¬1). وقوله: " لا يفضى الرجل إلى الرجُل فى ثوبٍ واحدٍ، ولا المرأة إلى المرأةِ فى ثوبٍ واحدٍ " (¬2): أى لا يخلو فإنهما إذا خليا متجردين دون إزار فإنَّ فى مبَاشرةِ أحدهما الآخر لمس عورةِ كل واحدٍ منهما صاحبه، ولمسُها كالنظر إليها (¬3)، وأما إذا كانا مستُورى العورة بحائل بينهُما فذلك من النساء محرم أيضًا، على القول بأن جسد المرأة على المرأة كله عورة، وحكمها على القول الآخر وحكمُ الرجال الكراهةُ عن هذا لعموم النهى عنه. ¬

_ (¬1) المغنى 2/ 332. (¬2) حديث أبى سعيد الخدرى رقم (74) بالباب. (¬3) لمس المرأة بأى عضو من البدن حرام. إكمال 2/ 107.

(18) باب جواز الاغتسال عريانا فى الخلوة

(18) باب جواز الاغتسال عرياناً فى الخلوة 75 - (339) وحدّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأةِ بَعْضٍ، وَكَانَ - مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ - يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالوا: وَاللهِ، مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلا أَنَّهُ آدَرُ ". قَالَ: " فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَىَ حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ " قَالَ: " فَجَمَحَ مُوسَى بِإِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِى حَجَرُ، ثَوْبِى حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سَوْأَةِ مُوسَى، قَالُوا: وَاللهِ، مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، فَقَامَ الْحَجَرُ حَتَّى نُظِرَ إِلَيْهِ ". قَالَ: " فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بَالْحَجَرِ ضَرْبًا ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ، إِنَّهُ بِالْحَجَرِ نَدَبٌ سِتَّةٌ أَوْ سَبعَةٌ، ضَرْبُ مُوسَى بِالْحَجَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث موسى وتطهره عُريانًا، فيه جواز ذلك بحيث يأمن أن ينظره الناس، وأن المستحب على كل حال الاستتار، وفيه تنزيه الأنبياء عن النقائص فى الخَلْق والخُلُق، وأن أذاهم بذلك وإضافته إليهم كفرٌ، قَال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ..} الآية (¬1)، وقال: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} (¬2). وقوله: " إنه لنَدبٌ بالحجر ": الندَبُ، بفتح الدَّال الأثرُ، ويقال لأثر الجُرْح: ندبٌ. وقوله: " فجمح موسى بأثره ": أى جرى أشد الجرى، وجمح الفرس إذا جرى بصاحبه جرياً غلبه. وظاهر الحديث: أن التستُّرَ لم يكن من شرعهم، ولهذا أنكروه على موسى ولم يُرد منه النهىُ عن الانكشاف لهم، وترجم البخارى عليه: " من اغتسل عريانًا وَحْده ومن تستَّر، والتستر أفضل " (¬3). وفيه خرق العادات للأنبياء، وصحة معجزاتهم وآياتهم من فرار الحجر، وبقاء أثر عصاه فيه. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 57. (¬2) الأحزاب: 69. (¬3) كتاب الغسل 1/ 78.

(19) باب الاعتناء بحفظ العورة

(19) باب الاعتناء بحفظ العورة 76 - (340) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنُ مَيْمونٍ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - قَالَ إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْن عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا بُنيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلانِ حِجَارَةً، فَقَالَ الْعَبَّاسُ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ، مِنَ الْحِجَارَةِ، فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: " إِزَارِى، إِزَارِى " فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ. قَالَ ابْنُ رَافِعٍ فِى رِوَايَتِهِ: عَلَى رَقَبَتِكَ. وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى عَاتِقِكَ. 77 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ، عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِى، لَوْ حَلَلْتَ إِزَاركَ، فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبِكَ، دُونَ الْحجَارَةِ. قَالَ: فَحَلَّهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًا عَلَيْه قَالَ: فَمَا رُؤِىَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَانًا. 78 - (341) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ ابْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِىُّ، أَخْبَرَنِى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ؛ قَالَ: أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ، أَحْمِلُهُ، ثَقِيلٍ، وَعَلىَّ إِزَارٌ خَفِيفٌ. قَالَ: فَانْحَلَّ إِزارِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم: " نَزْع [النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إزاره] (¬1) عند بناء الكعبة " فيه تنزيهُ الله تعالى لهُ من صِغره عن القبائح، وحمايتُه له من أخلاق الجاهلية، وقد تقدم الكلام قبل فى عصمته قبل النبوة من الكفر والمعاصى، وليس فى هذا استقرار شرع بستر العورة قبل، ولا أنها انكشفت للناس، إذ لأوَّل انكشافِه سقط إلى الأرض مغشيًا عليه كما ذكر فى الحديث، ولعله قبل أن تقع عين أحدٍ عليه، ويؤكد هذا ما ذُكر عنه فى حديث آخر: " من كرامتى ¬

_ (¬1) فى ت: الإزار.

وَمَعِىَ الْحَجَرُ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَضَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إِلَى مَوْضِعِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْجِعْ إِلَى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ، وَلا تَمْشُوا عُرَاةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ على الله أنى ولدت مختونًا ولم يَطلع لى أحد على عورةٍ " (¬1). وقوله: " طمحت عيناه إلى السماء ": أى ارتفعت وشخصت، وجاء فى بعض الروايات: " أن الملك نزل فشدَّ مئزره عليه "، وذكره الداودى، وفى حديث أم هانئ: " سِتْرُ فاطمةَ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثوبٍ وسترها له عنها وعن الناس " (¬2) فيه جواز ستر الناس بعضهم بعضاً والدنوّ من المتطهرِ، بخلاف المحدثِ والبائل جالساً. ¬

_ (¬1) تحفة الودود فى أحكام المولود ص 159، والحديث ضعيف لضعف سفيان بن محمد المصيصى. وراجع فى هذا بحث فى كتابنا: مع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سيرته وسيره. (¬2) حديث رقم (70) من هذا الكتاب.

(20) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة

(20) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة 79 - (342) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ - وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ سَعْدٍ، مَوْلَى الْحَسَن بْنِ عَلىٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ قَالَ: أَرْدَفَنِى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَىَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ. قَالَ ابْنُ أَسْمَاءَ فِى حَدِيثِهِ: يَعْنِى حَائِطَ نَخْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " هدفٌ أو حائشُ نخلٍ ": الهدف: ما ارتفع من الأرض، وكل مرتفع هدفٌ، وحائش النخل مجتمعه، وهو الحش والحشن أيضاً، ولا واحد للحائش من لفظه.

(21) باب إنما الماء من الماء

(21) باب إنما الماء من الماء 80 - (343) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ويَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ شَرِيكٍ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى نَمِرٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنَ إِلَى قُبَّاءٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِى بَنِى سَالِمٍ وقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابِ عِتْبَانَ، فَصَرَخَ بِهِ. فخَرَجَ يَجُرُّ إِزَارَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْجَلْنَا الرَّجُلَ " فَقَالَ عِتْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعْجَلُ عَنِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُمْنِ، مَاذَا عَلَيْهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله " فى الرجل يُعجَل عن أمرأته " وفى الحديث: " إذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك " وفى الحديث الآخر: " ثم يُكْسِلُ " (¬1)، قال الإمام: استعار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعدم الإنزال [اسم] (¬2) القحط لما كان [القحط] (¬3) عبارة عن عدم المطر، وقال الهروى فى [تفسير] (¬4) حديث: " من جامع فأقحط فلا يغتسل ": معناهُ أن يَفتُرَ ولا (¬5) ينزل مثل الإكسال، يقال: أكسل الرجلُ إذا جامع، ثم أدركه الفتور فلا يُنزل. قال القاضى: قال صاحبُ الأفعال: كسِل الرجل، بكسر السين، فتر. وأكسل فى الجماع: ضعُفَ عن الإنزال، وبالوجهين ضبطنا الحرف عن التميمى عن الجيَّانى فى الجماع فى حديث أبى موسى " يكْسَل " و " يُكسِلُ " ثُلاثى ورباعى، ويقال: أقحط الناسُ وأُقحِطوا، بالضم وبالفتح، وقحطوا وقُحِطوا كذلك إذا لم ينزل مَطرٌ، وقحَطت الأرض والسماء، وقحَطت بالفتح والكسر مع فتح القاف وقُحِطت بضمها على ما لم يُسم فاعله، وأقحط الرجلُ إذا لم ينزل فى جماعه، بالفتح. وقد روى فى الأم هكذا وعلى ما لم يُسم فاعله، وهو (¬6) استعارة من عدم المطر فى باب الجماع، وقحِط المطر إذا ارتفع (¬7). ¬

_ (¬1) سيأتى برقم (84) بالباب. (¬2): (¬4) من المعلم. (¬5) فى المعلم: لم. (¬6) فى ت: وهذا. (¬7) قال ابن عبد البر: وأما حديث الأعمش عن ذكوان بن أبى صالح عن أبى سعيد الخدرى عن النبى عليه السلام قال: " إذا أعجل أحدُكم أو أقحط فلا يغتسل " قال: فليس فيه حجة، لأنه يحتملُ أن يكون جوابًا لن أُعجِل أو أقحطَ عن بلوغ الختانين. قال: وكذلك حديث ابن شهاب عن أبى سلمة عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الماء من الماء " لا حُجَّةَ فيه أيضًا، لأن قوله: " الماء من الماء " لا يدفَع أن يكون الماء من التقاء الختانين. ولا خلاف أن الماءَ - وهو الاغتسال - يكون من الماء الذى هو الإنزال، لأنَّ من أوجب الغسل - من التقاء الختانين - يوجبه من " الماء من الماء ". =

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ ". 81 - (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحَمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ ". 82 - (344) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلاءِ بْنُ الشِّخِّيرِ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسَخُ حَدِيثُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَمَا يَنْسَخُ الْقُرآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنما الماء من الماء "، قال الإمام: هذا الحديث يحتج به من لا يوجب الغسل من التقاء الختانين وإنما الحجة من جهة دليل الخطاب (¬1)، وقد اختلف أهل الأصول بالقول (¬2) به، فمن نفى دليل الخطاب لم يكن عنده فى الحديث حجةً ومن أثبته صح له الانفصالُ عن الحديثِ بوجوهٍ: أحدُها: أنه قد قيل إن ذلك فى أول الإسلام ثم نسخ (¬3)، والثانى: أن يكون محمولاً على المنامِ لأنه (¬4) لا يجبُ الاغتسالُ فيه إِلا من الماء، وأما الحديث الذى فيه أنه: " خرج إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأسُه يقطرُ ماءً فقال [له] (¬5) لعَلنا أعجلناك " فإن لم يحمل على الوطء فى غير الفرج فيحمل على أنه منسوخ. قال القاضى: تأول ابن عباس حديثَ " الماء من الماء " فى الاحتلام، وحملهُ غيرُه من الصحابة على النسخ ونصُّوا أن ذلك كان رخصةً فى أول الإسلام، ثم نهى عن ذلك وأمر بالغسل، وقد ذكر مسلم نسخه فى حديث أبى العلاء بن الشخير، وقد رجَع جماعة من الصحابة ممن روى عنه ذلك إلى الغسل من التقاء الختانين، وقال يعقوب بن شيبة فى حديث عثمان ومن ذكر معه فى ذلك: هذا حديثٌ منسوخ، وقال على بن المدينى: هو شاذٌ، وقال أحمد بن حنبل: فيه علةٌ للخلاف المروى فيه عمن رواه (¬6). قال ابن عبد البر: ¬

_ = قال: والتقاء الختانين زيادة حكم. قال: وقد روى شريك عن أبى الجحَّاف - واسمه داود بن أبى عوف - عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إنما الماءُ من الماء فى الاحتلام، وانما الرواية فى التقاء الختانين عن المهاجرين من الصحابة. الاستذكار 3/ 87. (¬1) هو المسمى بمفهوم المخالفة، وحقيقته: إثبات نقيض الحكم المنطوق به، وهو أقسام: أحدها: مفهوم الصفة نحو: " فى الغنم السائمة الزكاة " مفهوم أنه لا شىء فى المعلوفة، ومفهوم الحصر، وهو الذى فى الحديث. (¬2) فى المعلم: فى القول. (¬3) راجع: ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين: 38 - 50. (¬4) فى المعلم: أنه. (¬5) من المعلم. (¬6) العبارة كما ذكرها ابن عبد البر قال: قال يعقوبُ بن شيبة: سمعتُ على بن المدينى وذكر هذا الحديث فقال: إسناد حسن، ولكنه حديثٌ شاذٌّ غير معروف. وقال يعقوب بن شيبة هو حديث منسوخ. الاستذكار 3/ 83.

83 - (345) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ وَرَأسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ: " لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ أَقْحَطْتَ، فَلا غُسْلَ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ ". وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ أُقْحِطْتَ. 84 - (346) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الرَّجُلِ يُصِيبُ مِنَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يُكْسِلُ؟ فَقَالَ: " يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ هو حديث منكر لا يُعرَف من مذهب عثمان ولا من مذهب على ولا من مذهب المهاجرين، انفرد يحيى بن أبى كثيرٍ ولم يتابَع عليه وأنكِرَ عليه (¬1) على أن البخارى خرَّجه (¬2) وقد خرَّج مالك عن عثمان فى الموطأ خلافَه (¬3)، وقد ذكر مسلم حديث أبى العلاء بن الشخير: " كان زسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينسخ حديثه بعضُه بعضًا " (¬4) وهذا حديثٌ مرسَلٌ استشهد به، فإن العلاء لا تعلم له صحبةٌ، وهو أصغر إخوته واسمه يزيد، قال البخارى عنه: أنا أكبر من الحسن بعشر سنين، ولِد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب. قال ابن القصَّار: أجمع التابعون ومن بعدهم بعد خلاف من تقدَّم على الأخذ بحديث: " إذا التقى الختانان " وإذا صحَّ الإجماعُ بعد الخلاف كان مسقطاً للخلاف (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 3/ 82، وسيأتى الكلام فيه. (¬2) البخارى، ك الغسل، ب إذا التقى الختانان 1/ 80. (¬3) الموطأ فى الطهارة، ب واجب الغسل إذا التقى الختانان 1/ 47 حديث 74. وقال: إن أبى بن كعب نزع عن قوله: " الماء من الماء " قبل أن يموت، وأنه لم يرجع عن ذلك إِلا وقد ثبت عنده نسخ ذلك. (¬4) سبق برقم (82) بالباب. (¬5) إجماع التابعين بعد خلاف الصحابة يطلق عليها مسألة اتفاق العصر الثانى على أحد قولى العصر الأول. وقد اختلف فيها، هل هو إجماع يعتمد عليه ويحتج به؟ أم لا؟ وقول القاضى بعده لا نعلم من قال به من بعد خلاف الصحابة إِلا ما حكى عن الأعمش، ثم داود الأصبهانى. قلت: حكاه غيره عن عطاء وابن مسلمة وهشام بن عروة. وفى حديث يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن فى حديث عثمان. " يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ". قال ابن عبد البر: وهذا حديث منكر، لا يعرف من مذهب عثمان ولا من مذهب على ولا من مذهب المهاجرين، انفرد به يحيى بن أبى كثير، ولم يُتابع عليه. وهو ثقة إِلا أنه جاء =

85 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثنِى أَبِى عَنِ الْمَلِىِّ، عَنِ الْمَلِىِّ - يَعْنِى بِقَوْلِهِ: الْمَلِىِّ عَنِ الْمَلِىِّ، أَبُو أَيُّوبَ - عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ، فِى الرَّجُلِ يَأتِى أَهْلَهُ ثُمَّ لا يُنْزِلُ قَالَ: " يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأَ ". 86 - (347) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانُ بْنَ عَفَّانَ. قَالَ قُلْتُ: أرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: " يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ للصَّلاةِ. وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ ". قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدّثنا عَبْدُ الْوَارِث بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، عَنِ الْحُسَيْنِ. قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: لا نعلَمُ من قال به من بعد خلاف الصحابة، إِلا ما حُكى عن الأعمش، ثم داود الأصبهانى وخالفه كثيرٌ من أصحابه وقالوا بمذهب الجماعة. وقد روى أن عمر حمل الناس على ترك الأخذ بحديث: " الماء من الماء " لما اختلفوا فيه، وسأل أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، ومعنى: " الماء من الماء ": أى إنما يجبُ الغسلُ بالماء لإنزال الماء. ¬

_ = بما شذ فيه، وأنكرَ عليه، ونكارتُه أنه محال أن يكون عثمان سمِع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يُسقِط الغسل من التقاء الختانين ثم يُفتى بإيجاب الغسل منه. قال: ولا أعلم أحداً قال بأن الغسل من التقاء الختانين منسوخٌ، بل قال الجمهور: إنَّ الوضوء منه منسوخٌ بالغُسل. ومن قال بالوضوء منه أجازه وأجاز الغُسلَ، فَلم ينكره. قال: وقد تدبَّرتُ حديثَ عثمان الذى انفرد به يحيى بن أبى كثير، فليس فيه تصريحٌ بمجاوزة الختانُ الختانَ، وإنما فيه جامع ولم يمسَّ. وقد تكونُ مجامعةٌ ولا يمسَّ فيها الختانُ الختانَ؛ لأنه لفظٌ مأخوذٌ من الاجتماع، يكنى به عن الوطءِ. وإذا كان كذلك فلا خِلافَ حينئذٍ فيما قال عثمان أنه يتوضأ. وجائزٌ أن يسمع ذلك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يكون معارِضًا لإيجاب الغُسْلِ بشرط التقاء الختانين. قال: قال أبو بكر الأثرمُ: قلتُ لأحمد بن حنبل: حديث حسين المعلم عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة، عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد قال سألت خمسةً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عثمان، وعلياً، وطلحةَ، والزبير، وأُبىّ بن كعبٍ فقالوا: " الماءُ من الماء " أفيه علةٌ تدفعه بها؟ قال: نعم ما يروى من خلافِه عنهم. قلت: عن علىٍّ وعثمان، وأبى بن كعب؟ قال: نعم. الاستذكار 3/ 82.

(22) باب نسخ " الماء من الماء " ووجوب الغسل بالتقاء الختانين

(22) باب نسخ " الماء من الماء " ووجوب الغسل بالتقاء الختانين 87 - (348) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ. وَمَطَرٌ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إذا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ". وَفِى حَدِيثِ مَطَرٍ: " وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ". قَالَ زهُيْرٌ مِنْ بَيْنِهِمْ: " بَيْنَ أَشْعُبِهَا الأَرْبَعِ ". (...) حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنِى وَهْبُ بْنِ جَرِيرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ: " ثُمَّ اجْتَهَدَ " وَلَمْ يَقُلْ: " وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا جلس بين شعبها الأربع "، قال الإمامُ: قال الهروى: قيل: هى اليدان والرجلان، وقيل: بين رجليها وفخذيها (¬1). قال القاضى: الذى عندنا فى أصل الهروى الذى سمعناه: " بين رجليها وشُفريها "، وهذا كما قال الخطابى، يعنى فخذيها وأُسكتيها. قال القاضى: الأولى فى هذا والأحرى على معنى الحكم أن الشعب نواحى الفرج الأربع، والشعب النواحى، وهذا مثل قوله فى الحديث الآخر: " إذا التقى الختانان وتوارت الحشفةُ ... " لأنها لا تتوارى حتى يغيب بين الشعب الأربع، ومثله قول عائشة: " إذا جاوز الختان الختان " و " إذا مَسَّ الختانُ الختانَ "، وكذلك لا يعتبر التقاء الختانين إِلا بمجاوزتها وبمغيبها هنالك، ولا يلتفت إلى التقائهما على غير هذه الصفة، وقد يتأتى الجلوس بين اليدين والرجلين والفخذين والأشكتين - وهما الشّفران - ولا يَغيبُ الحشفةُ ولا يلتقى الختانان، وقد جاء فى روايةٍ: " إذا التقى الرُّفغانِ "، وهذا لا يكون إِلا مع انتهاء المخالطة، وفى رواية: " إذا التقت المواسِى " [فقد يكون] (¬2) معنى ذلك أمكنةِ المواسى من الخفاض والختان بمعنى الختانين أو أمكنَتهما من الاستحداد فيكون بمعنى حديث ¬

_ (¬1) فى المعلم: وشفريها. (¬2) فى ت: فيكون.

88 - (349) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا حُميْدُ بْنُ هِلالٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى - وَهَذَا حَدِيثُهُ - حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، قَالَ - وَلا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِى بُرْدَةَ - عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: اخْتَلَفَ فِى ذَلِكَ رَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ. فَقَالَ الأَنْصَارِيُونَ: لا يَجِبُ الْغُسْلُ إِلا مِنَ الدَّفْقِ أَوْ مِنَ الْمَاءِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: بَلْ إِذَا خَالَطَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ. قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَنَا أَشْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقُمْتُ فَاسْتأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ. فَأُذِنَ لِى، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ - أَوْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - إِنِّى أُرَيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَىءٍ، وَإِنِّى أَسْتَحْيِيكِ. فَقَالَتْ: لا تَسْتَحْيِى أَنْ تَسْأَلَنِى عَمَّا كُنْتَ سَائِلاً عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِى وَلَدَتْكَ، فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ. قلْتُ: فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ قَالَتْ: عَلَى الْخَبِير سَقَطْتَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ [الرفغتين] (¬1)، وبالجملة فمراد الأحاديث على اختلافها أنه لا اعتبار بالماء، وأن المخالطة توجب، انتهت أولاً .. والله أعلم. وقوله: " ثم جهدها ": قال الخطابى: حفَزَها، قال بعضهم: بلغ مشقَّتها، يقال: جهدْتُه وأجهدتُه بلغتُ مشقتَه. قال القاضى: والأولى هنا أن يكون " جهَد " أى بلغ جَهْدَه فى عمله فيها، والجهدُ الطاقة والاجتهاد منه، وهى إشارة إلى الحركة وتمكن صورة العمل، وهو نحوٌ من قول من قال: حفزها، أى: كدَّها بحركتِه، وإلا فأى مشقةٍ تبلغ بها فى ذلك؟ وقال ابن الأنبارى: جهدت الرجل إذا حملتَه علىَ أن يبلغ مجهودَه، وهى أقصى قوته، فلعله - أيضاً - من هذا، أى طلب منها مثل ما فعل، وهى بمعنى قوله - أيضاً - فى الحديث الآخر: " إذا خالط "، وهى كناية عن مبالغة الجماع ومغيب الحشفة، واختلاط العضوين (¬2)، والخلاط: الجماع، قاله الحربى، وخالطها: جامعها، وقال الخطابى: الجهد من أسماء النكاح، والختانان هما ختان الرجُلِ وختان المرأةِ، ولا يكاد يتماسَّان غالباً إِلا بعد مغيب الحشفة، فكنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتقائهما عما وراءهما من الإيلاج، والشُّعَبُ جمع شُعبةٍ وهى الناحية، وفى رواية زهير: " بين أشعبها " جمع شعْب، والشّعبُ: الاجتماع، وهو على ما قدمناه. ¬

_ (¬1) فى ت: الرفغين. (¬2) إذ ليس شىء منها يستلزم مغيبها؛ لأن ختان المرأة فى أعلى الفرج لا يمسه الذكر فى الجماع، فلو وضعه عليه صدق أنه مسه ولاقاه، وكذلك تصدق عليه بقية الألفاظ ولا يجب الغسل بإجماع.

89 - (350) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، وَهَارُونَ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ، هَلْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ؟ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأَفْعَلُ ذَلِكَ، أَنَا وَهذِهِ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى أفعله أنا وهذه ثم نغتسل (¬1) " غايةٌ فى البيان للسائل بإخباره عن فعل نفسه وأنه مما لا ترخص فيه، وفيه حجةٌ على أن أفعاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الوجوب، ولولا ذلك لم تكن فيه حجةٌ ولا بيانٌ للسائل. وفيه أَنَّ ذكر مثل هذا على جهة الفائدة غير منكر من القول، وإنما ينكر عنه (¬2) الإخبار منه بصورة الفِعل وكشف ما يتستر (¬3) به من ذلك ويحُتشَمُ من ذكره. وقوله فى حديث أبى موسى لعائشة: " ما يُوجب الغُسل؟ " وجوابُها له يدلّ على أنها فهمت أن سؤاله عما يوجبُه من الجماع، ولأنه رجلٌ إنما يسأل عما يَخُصُّه غالباً، وقد يحتمل أنَّ سؤاله كان حين سؤال عمر وغيره من الصحابة لها حين اختلافهم فى المسألة ففهِمت بقرينة الحال مُرَادَه. وقول أبى موسى لعائشة: " لقد شقَّ علىَّ اختلاف أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أمرٍ إنى لأعْظم أن أستقبلك به " تأدب معها لما فيه من ذكر جماع النساء بحضرتها وسؤالها عن حكم ذلك وهو مما يستحيا منه [ويُوقَرُ فيه ذوو الهيئات] (¬4)، ولا سيما ذكر ذلك بين الرجال والنساء الأجانب ومكانها من الحرمة والتوقير مكانَها، ولا سيما أنه يستدعى منها ما مضمونه الإخبار عن حالها فى ذلك. وقولها هى له: " ما كنت سائلاً عنه أُمَّك فسلنى عنه ": بسطة (¬5) له فى السؤال، وتعريفٌ له بحرمتها، وأنَّ ما دعته الضرورةُ إلى سؤال أمه عنه فله سؤالها عنه. وقوله فى حديث أُبىِّ: " يُصيبُ أهله ": كناية عن الجماع. وقوله: " يُكْسِل " بضم الياء وفتحها تقدم ذكره (¬6). وقول عائشة: " إذا جاوز الختانُ الختان " وفى رواية مسلم: " مس الختَانُ الختَان ¬

_ (¬1) فى ت: اغتسل. (¬2) فى ت بين (منه) و (عنه). (¬3) فى ت: يستتر. (¬4) سقط من ت. (¬5) فى الأصل: نشط، والمثبت من ت. (¬6) قال النووى: ضبطناه بضم الياء ويجوز فتحها، يقال: أكسل الرجل وكسل بكسر السين إذا ضعف عن الجماع والأول أفصح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد وجب الغسل ": هو وإن كان من قولها فى الموطأ فهو من جهة المعنى لاحق بالمسند، لإخبارها عن شىء هو من خاصِّ أمرها وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأيضاً فإن أبا موسى سألها عن حُجةٍ تُزيل ما شق عليه من الاختلاف بين الصحابة، فما كانت لتُزِيلها برأيها، ولا يرجع أبو موسى إلى رأيها مجرداً، إذ هى من جملة من كان إذاً يختلف عليه (¬1)، وكيف وقد رواه مسلم وغيرُه، وروى عن مالك فى غير الموطأ وفيه: " قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " الحديث (¬2). وقول هشام فيه: " حدثنى أبى [عن الملىّ عن الملىّ] (¬3) يعنى: أبا أيوب عن أبى ابن كعب، يريد الثقة فى نقله الذى أنت مُعتمدٌ على ما عنده، كما تعتمد على الملىء فى مداينته ومعاملته ويوثق به. وقوله: " فليغسل ذكره، وليغسل ما أصابه من المرأة " حجة فى نجاسة رطوبةِ فرج المرأة، خلافاً لبعض الشافعية، وقد تقدم. ¬

_ (¬1) ثم إنه محالٌ أن يُسلمَ أبو موسى لعائشة قولَها من رأيها فى مسألةٍ قد خالفَها فيها من الصحابة غيرُها برأيه، لأن كل واحدٍ منهم ليس بحجة على صاحِبه عند التنازُع فى الرأى، فلم يبق إِلا أن تسليم أبى موسى لها كان لعلمِه أنَّ مَا احتجَّتْ به كان عن رسول الله. الاستذكار 2/ 91. (¬2) الموطأ، كتاب الطهارة، ب الغسل إذا التقى الختانان 1/ 46. (¬3) سقط من ت.

(23) باب الوضوء مما مست النار

(23) باب الوضوء مما مست النار 90 - (351) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الليْثِ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخبَرَنِى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارَ ". (352) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ وَجَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوْضَّأُ عَلى المَسْجِدِ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَتَوَضَأ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلتُهَا، لأَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَوَضَّؤوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر (¬1) مسلم فى باب الوضوء مما مَسَّتْ النار (¬2): " أخبرنى عبد الملك بن أبى بكر ابن عبد الرحمن "، قال الإمام: قال بعضهم: هكذا عند جميع الرواة للكتاب، وأصلحه ابن الحذاء بيده فأفسده، فجعل مكان عبد الملك عبد الله، والصواب عبد الملك وكذا رواه الزُّبيدى عن الزهرى، عن عبد الملك بن أبى بكر، وهو أخو عبد الله بن أبى بكر. قال القاضى: وقوله فى هذا الحديث: " قال ابن شهاب: أنا عثمان بن عبد العزيز أن عبد الله [بن إبراهيم] (¬3) بن قارظ أخبره ": كذا قال الليث فى الأم هنا وفى الجمعة والبيوع وفضلِ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكره أبو داود فقال: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، وكذا قال النسائى، كلهم عن الزهرى، وكذلك وقع هنا فى الجمعة من رواية ابن جريج، وكذا أسماه ابن أبى حازم، وقاله ابن أبى خيثمة عبد الله بن إبراهيم - كما هنا - وحكى عن خط أبيه فى رُواةِ أبى هريرة إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، وقد ذكر البُخارى الخلاف فيه عن ابن شهاب وغيرِه (¬4). وقوله (¬5): " إنما أتوضأ من أثوارِ أقطٍ أكلتها "، قال الإمام: قال الهروى فى الأثوار: واحدها ثورٌ، وهى قطعةٌ من الأقِط (¬6). ¬

_ (¬1) فى المعلم: خرج. (¬2) بعدها فى المعلم: " قال ابن شهاب أخبرنى ". (¬3) سقط من ت. (¬4) ك الوضوء، ب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق 1/ 63. (¬5) فى المعلم: قول أبى هريرة. (¬6) غريب الحديث 2/ 157.

(353) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَأَنَا أُحَدِّثُهُ هَذَا الحَدِيثَ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَوَضَّؤُوا ممَّا مَسَّتْ النَّارُ " ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: واختلف السلف فى الوضوء مما مسته النار، وكان الخلاف فيه زمن الصحابة، ثم استقر رأى فقهاء الفتوى وإجماع العلماء بعدُ على أنه لا ينقض الطهارة وأن الأحاديث الواردة فى ذلك منسوخةٌ بما ورد بتركه الوضوء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما مسَّتِ النار، وبأنه آخر الفعلين منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1)، وقيل: وضوؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك قضيَّة فى عين لم يأت البيان أَنَّ الوضوء منها، فقد يكون لسبب آخر اقتضاه أو لنقضِ طهارِة أو تجديدها، وقيل: كان أمره بذلك أولاً لما كانت عليه الجاهلية والأعراب من قلة التنظيف فأراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغيير ذلك وعلقَهُ لهم بشريعة الوضوء، فلما رأى استقرار النظافة فيهم والتزامهم له نسخ ذلك بتخفيف الحرج فى لزومه لهم، وذهب بعضهم إلى تأويل ذلك وأمره به بالوضوء اللغوى وهو غسل اليد والفم من دسَمِه وزهومته (¬2)، كما جاء أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمضمض وقال: " إِنَّ له دسماً "، ويكون الأمر بذلك على الاستحباب لا على الوجوب، ولئلا يشغَله ما بقى من ذلك فى فيه من طعمه أو إزالته عنه عن صلاته، أو يعثِّره ما تعلق من ذلك بأسنانه عن إقامة بعض حروف قراءته، أو لما يُحدث بقاؤه وتغيُره فى الفم من رائحةٍ وبخر. ¬

_ (¬1) الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ من الآثار 157. (¬2) قال ابن عبد البر: وهذا لا معنى له عند أهل العلم، ولو كان كما ظن هذا القائل لكان دسم ما لم تمسه النار وودك ما لم تمسه النار لا يتنظف منه، ولا تغسل منه اليد. قال: وهذا لا يصح عند ذى لب، وتأويله هذا يدل على ضعف نظره، وقلة علمه بما جاء عن السلف فى هذه المسألة.

(24) باب نسخ الوضوء مما مست النار

(24) باب نسخ الوضوء مما مست النار 91 - (354) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلى وَلمْ يَتَوَضَّأ. (...) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيد عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِى وَهْبُ بْنُ كِيسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ح وحَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ عَنْ عَلىِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَلىٍّ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عَرْقًا - أَوْ لحْمًا - ثُمَّ صَلى وَلمْ يَتَوَضَّأ وَلمْ يَمَسَّ مَاءً. 92 - (355) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفٍ يَأْكُلُ مِنْهَا، ثُمَّ صَلى وَلمْ يَتَوَضَّأ. 93 - (...) حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلى الصَّلاةِ، فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلى وَلمْ يَتَوَضَّأ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. (356) قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِى بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ - عَنْ مَيْمُونَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلى وَلمْ يَتَوَضَّأْ. (...) قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنِى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ كُرَيْب - مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ - عَنْ مَيْمُونَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يحتزُّ من كتِفٍ وأكل منها ثم قام وطرح السكين ": فيه جواز قطعه بالسكين عند الأكل للحاجة إلى ذلك من شدة اللحم أو كِبَر العضو، وتكره المداومة على استعمال ذلك لأنه من سُنَّة الأعاجم.

94 - (357) قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى غَطَفَانَ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ؛ قَالَ: أَشْهَدُ لَكُنْتُ أَشْوِى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْنَ الشَّاةِ، ثمَّ صَلى وَلمْ يَتَوَضَّأ. 95 - (358) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لبَنًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضْ، وَقَالَ: " إِنَّ لهُ دَسَمًا ". (...) وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِى عَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ الأَوْزَاعِىِّ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى يُونُسُ، كُلهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِإسْنَادِ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، مِثْلهُ. 96 - (359) وَحَدَّثَنِى عَلىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ حَلحَلةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ عَليْهِ ثِيَابَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ، فَأُتَى بِهَدِيَّةٍ خُبْزٍ وَلحْمٍ، فَأَكَلَ ثَلاثَ لقَمٍ، ثُمَّ صَلى بِالنَّاسِ، وَمَا مَسَّ مَاءً. (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ حَلحَلةَ. وَفِيهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ شَهِدَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: صَلَى. وَلمْ يَقُلْ: بِالنَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وبطن الشاة الكبد وما معه من حشوها، وأما مضمضة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اللبن فسُنَّةٌ للقائم إلى الصلاة ومستحبٌ لغيره، وكذلك من سائر الطعام وهو من ناحية السواك، ولا سيما فيما له دَسَمٌ أو له سهولةٌ أو له لزوجةٌ، أو له تعلق بالأسنان أو بقية طعم يشغل المصلى. وقد اختلف اختيار العلماء فى غسل اليد قبل الطعام وبعده، ومذهب مالك ترك ذلك إِلا أن يكون فى اليد قبلُ قذرٌ، وكذلك يأتى إذا كان للطعام رائحةٌ كالسمك (¬1) أو ما فيه زُفورة (¬2) فإن اليد لا تُغسَلُ قبلُ وتُغسَلُ بعدُ. ¬

_ (¬1) فى ت: كالمسْك. (¬2) فى الأصل: دفورة: والمثبت من ت.

(25) باب الوضوء من لحوم الإبل

(25) باب الوضوء من لحوم الإبل 97 - (360) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لحُومِ الغَنَمِ؟ قَالَ: " إِنْ شِئْتَ، فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ، فَلا تَوَضَّأْ ". قَالَ: أَتَوَضَّأْ مِنْ لحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: " نَعَمْ. فَتَوَضَّأْ مِنْ لحُومِ الإِبِلِ ". قَالَ: أُصَلِى فِى مَرَابِضِ الغَنَمِ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: أُصَلِى فِى مَبَارِكِ الإِبِلِ؟ قَالَ: " لا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وتخييره فى الوضوء من لحوم الغنم وأمرُه بالوضوء من لحوم الإبل فى حديث جابر ابن سمُرة، ذكره مسلم يُبيّن هذا، إذ هو فى لحوم الإبل آكد فى الاستحباب والتنظيف، لقوة رائحتها وكثرة زهومتها، وإلى أنَّ ذلك غير واجب على من أكلها ذهب عامَّةُ أهل العلم، وذهب أحمد بن حنبل وعامة أصحاب الحديث إلى وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل (¬1) ولم يذكر البخارى باب الوضوء من لحوم الإبل لاضطرابه (¬2)، وإباحته الصلاة فى مرابض الغنم فى هذا الحديث ومنعها فى مبارك الإبل أيضاً، يدل على ما تقدم، وأنه ليس لمعنى يختص به إِلا الزَّهُومَةُ، وزفر الرائحة، وإلا فالعلماء بين قائلين بنجاسة أثقالهما وأبوالهما، وهو مذهب أبى حنيفة والشافعى، أو طهارة ذلك معاً منهما، وهو مذهب مالك (¬3)، وليس أحدٌ يفرق بينَهما، فلم يبق إِلا التعليل بما قلناه، أو لشدة نفار الإبل، أو لما جاء أنهم كانوا يستترون بها عند الحاجة، أو لما جاء أنها من الشياطين، وهذا كله مما يجب للمُصلى أن يجتنبه لئلا يصيبه ما هناك من أذى، أو تقطع الصلاة عليه [بشدَّة نفارها] (¬4) ويتعلق قلبه لذلك مخافة أن تطأه وتهلكه، أو لتجنب الصلاة مواضع الأقذار ¬

_ (¬1) وممن قال بقول أحمد هذا فى لحم الإبل خاصة إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن يحيى النيسابورى، وأبو خيثمة. التمهيد 3/ 351. (¬2) فالحديثان فيه صحيحان، حديث البراء وحديث جابر بن سمرة. أما حديث البراء فأخرجه أبو بكر بن أبى شيبة من حديث الأعمش عن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: " توضؤوا منها "، وبعد أن ذكر ابن عبد البر من قال بهذا الحديث من الأئمة مع الإمام أحمد قال: وأما قول مالك والشافعى وأبى حنيفة، والثورى، والليث والأوزاعى فكلهم لا يرون فى شىء مسته النار وضوءًا على من أكله، سواء عندهم لحم الإبل فى ذلك وغير الإبل؛ لأن فى الأحاديث الثابتة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل خبزاً، ولحماً، وأكل كتفاً، ونحو هذا كثير، ولم يخص لحم جزور من غيره، وصلى ولم يتوضأ، وهذا ناسخ رافع عندهم. التمهيد 3/ 351. (¬3) بدائع الصنائع 1/ 261، والمنتقى 1/ 43. (¬4) فى ت: شدة نفورها.

(...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ سِمَاكٍ. ح وَحَدَّثَنِى القَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَأَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءَ، كُلهُمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى كَامِلٍ، عَنْ أَبِى عَوَانَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والأرايح الكريهة، والبعد فيها عن [الشيطان وجهاته] (¬1) ما استطاع. ومرابض الغنم حيث تربِضُ للقائلةِ والبيت، ومبارك الإبل معاطنها عند المناهل للشرب والراحة، وحيث تبيت وتقيل. وحكى الخطابى أنه قيل: إن معنى النهى عن الصلاة فى مبارك الإبل: أن المراد بذلك ما سُهل من الأرض لأنها مثوى الإبل إذ لا تألف الحزُونة، ومثل تلك لا تظهر فيها النجاسة لإثارة ترابها وكثرته واختلاطها به فلا يؤمَنُ كونها فيه (¬2)، وهذا بعيد فى الفقه والتأويل. ¬

_ (¬1) فى ت: الشياطين وجهاتها. (¬2) معالم السنن 1/ 149.

(26) باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك فى الحدث فله أن يصلى بطهارته تلك

(26) باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك فى الحدث فله أن يصلى بطهارته تلك 98 - (361) وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ؛ شُكِىَ إلى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ، يُخَيَّلُ إِليْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّىْءَ فِى الصَّلَاةِ، قَالَ: " لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ". قَالَ. أَبُو بَكْر وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ فِى رِوَايَتِهِمَا: هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى الذى شكا إليه أنه يُخَيَّلُ إليه أنه يجدُ الشىء فى الصلاة فلا ينصرف حتى يسمع صَوْتًا أو يَجِدَ ريحاً. هذا حُكم الشاك فى الحدث المستنكح (¬1) بلا خلاف لأنه قال: إنه شكا إليه، وهَذا لا يكون إِلا ممن تكرَّر عليه وكثر فأما غيرُ المستنكِح فالشك مؤثِّرٌ فى طهارته ولا يدخلُ الصلاة إِلا بيقين، وأنه يقتطعُ وإن كان فى صلاة، وروى هذا عن مالكٍ، وذهب بعض العلماء إلى أن حكم هذا حكمُ من كان فى الصلاة بخلاف غيرها، وروى مثله - أيضاً - عن مالك، وخصَّ بعضُهم هذا الشك فى الريح دون غيره من الأحداث، وإليه ذهب ابن حبيب من أصحابنا، وقال بعضهم: بل هذا حكم الشاك فى كل حدث، كان فى صلاةٍ أم لا، إذ لا ينتقل عن اليقين للطهارة بالشك، وروى مثله عن مالك أيضاً، وهو قول أئمة الفتوى (¬2)، وقد يحتج بقوله فى الحديث الآخر: " فلا يخرجنَّ من المسجد حتّى يسمع صوتاً " ولم يذكر أنه فى الصلاة، وقد يحتج به - أيضاً - من يخصُّه بحديث الريح. ¬

_ (¬1) الشك المستنكح هو أحد قسمى الشاك عند المالكية، وهو الذى يعترى صاجه كثيراً، والقسم الثانى هو الشك غير المستنكح، جاء فى المدونة الكبرى: قلت لابن القاسم: أرأيت من توضأ فأيقن بالوضوء ثم شك بعد ذلك فلم يدر أحدث أم لا، وهو شاك فى الحدث؟ قال: إن كان ذلك يستنكحه كثيراً فهو على وضوئه، وإن كان ذلك لا يستنكحه فليعد الوضوء، وهو قول مالك، وكذلك كل مستنكح مبتلى فى الوضوء والصلاة. المدونة الكبرى 1/ 14، وانظر: الموسوعة الفقهية 26/ 188. (¬2) قاعدة (الشك لا يزيل اليقين) أو (اليقين لا يزول بالشك) من أمهات القواعد التى عليها مدار الأحكام الفقهية، حتى إنه قد قيل: إنها تدخل فى جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عنها من عبادات ومعاملات تبلغ ثلاثة أرباع علم الفقه. واعلم أن الشك باعتبار حكم الأصل الذى طرأ عليه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: شك طرأ على أصل حرام، مثل أن يجد المسلم شاةً مذبوحة فى بلد يقطنه مسلمون =

99 - (362) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِى بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَليْهِ، أَخَرجَ مِنْهُ شَىْءُ أَمْ لا، فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى السماع هنا ووجودُ الريح التحقيق، وقد يكون الرجلُ ممن لا يسمع ولا يشم؛ لآفةٍ أو مرضٍ بِه، أو لضعف الخارج مع التحقيق له عن شمِّ الرائحة وسماع الصوت وذهب بعض أصحابنا إلى أن الوضوء لمن يشك فى الحدث إنما هو استحبابٌ، وروى أيضاً عن مالكٍ. وذهب بعض المتأخرين من أصحابنا إلى التفريق بين الشك هل ما (¬1) وجده حدث أم لا؟ فهذا يلغيه لهذا الحديث وبين الشك فى وجود الحدث منه بعد طهارته فنسيه أو لم يجدهُ (¬2)، وأوجب على هذا الوضوء، وهو مقتضى قول ابن حبيب (¬3). ¬

_ = ومجوس، فلا يحل له الأكل منها حتى يعلم أنها ذكاة مسلم؛ لأن الأصل فيها الحرمة ووقع الشك فى الذكاة المطلوبة شرعاً، فلو كان معظم سكان البلد مسلمين جاز الإقدام عليها والأكل منها عملاً بالغالب المفيد للحلية. القسم الثانى: شك طرأ على أصل مباح، كما لو وجد المسلم ماءً متغيراً، فله أن يتطهر منه مع احتمال أن يكون تغير بنجاسة، أو طول مكث، أو كثرة ورود السباع عليه ونحو ذلك، استناداً إلى أن الأصل طهارة المياه، وقد جاء فى الأثر أن عمر بن الخطاب خرج فى ركب فيهم عمرو بن العاص - رضى الله عنهم - حتى وردوا حوضاً، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض، هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا. القسم الثالث: شك لا يعرف أصله، مثل التعامل مع من أكثر ماله حرامٌ دون تمييز بين المالية لاختلاط النوعين اختلاطاً يصعبُ تحديده، فهذا نصُّ الفقهاء على كراهة التعامل معه خوفاً من الوقوع فى الحرام. الموسوعة الفقهية 26/ 186. قلت: وقد ذهب البعض إلى تحريم التعامل معه إعمالاً للقاعدة الفقهية: " إذا اختلط الحرام بالحلال حرم الحلال ". (¬1) فى ت: لما. (¬2) يقول الإمام القرافى: إن الشك فى السبب غيرُ السبب فى الشك، ذلك أن الشارع شرع الأحكام وشرع لها أسباباً، وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشك، فشرعه - حيث شاء - فى صور عديدة، فإذا شك فى الشاة والميتة حرمتا معاً، وسب التحريم هو الشك، وإذا شكَّ فى الأجنبية وأخته من الرضاع حرمتا معاً وسبب التحريم هو الشك، وإذا شكَّ فى عين الصلاة المنسية وجب عليه خمس صلوات، وسبب وجوب الخمس هو الشك، وأذا شكَّ هل تطهَّر أم لا وجب الوضوء، وسبب وجوبه هو الشك. وعلى ذلك فإن الشك فى السبب يمنع التقرب ولا يتقرر معه حكم، أما السبب فى الشك. وهو ما ذكر من النظائر السابقة - فإنه لا يمنع التقرب، وتتقرر معه الأحكام. راجع: الفروق للقرافى 1/ 225، وتهذيب الفروق 1/ 227، إيضاح المسالك إلى قواعد مالك 201، وكذلك الموسوعة الفقهية 26/ 190. (¬3) قال ابن خويزمنداد: اختلفت الرواية عن مالك فيمن توضَّأ ثم شكَّ، هل أحدث أم لا؟ فقال: عليه الوضوءُ، وقال: لا وضوءَ عليه. قال: وهو قول سائر الفقهاء. قال أبو عمر: مذهب الثورى، وأبى حنيفة، والأوزاعى، والشافعى الباء على الأصلِ حدثاً كان أو طهارة. وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبى ثور، وداود، والطبرى، وقد قال مالك: إن عرض له ذلك كثيراً فهو على وضوء. انظر: التمهيد 5/ 27، الاستذكار 4/ 352.

(27) باب طهارة جلود الميتة بالدباغ

(27) باب طهارة جلود الميتة بالدباغ 100 - (363) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ أَبِى عُمَرَ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: تُصُدِّقَ عَلى مَوْلاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ، فَمَاتَتْ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " هَلا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا، فَدَبَغْتُمُوهُ، فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ ". فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ. فَقَالَ: " إِنَّمَا حَرُمَ اَكْلهَا ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ فِى حَدِيثِهِمَا: عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا. 101 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ شَاةً مَيْتَةً، أُعْطِيَتْهَا مَوْلاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلا انْتَفَعْتُمْ بِجِلدِهَا؟ ". قَالُوا: " إِنَّهَا مَيْتَةٌ ". فَقَالَ: " إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلهَا ". (...) حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْن حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. بِنَحْوِ رِوَايَةِ يُونُسَ. 102 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِىُّ - وَاللفْظُ لابْنِ أَبِى عُمَرَ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَطْرُوحَةٍ، أُعْطِيَتْهَا مَوْلاةٌ لِمِيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفِعُوا بِهِ؟ ". 103 - (364) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنَ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ مُنْذُ حِينٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ مَيْمُونَةَ أَخْبَرَتُهُ؛ أَنَّ دَاجِنَةً كَانَتْ لِبَعْضِ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَاتَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث ابن عباس: أن ميمونةَ أخبرته أن داجنةً كانت لبعض نساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فماتت فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلا أخذتم إهابها فاستمتعتم به " [وفى

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث آخر: " فدبغتموه فاستمتعتم به] (¬1) وفى حديث آخر: " إذا دبغ الإهاب فقد طَهرَ "، قال الإمام: قال الهروى: دواجنُ البيوت ما ألفها من الطير والشاء وغيرها، واحدها داجنة، وقد دجن فى بيته إذا لزِمَه، وكلبٌ داجنٌ ألف البيتَ، والمداجَنةُ حسنُ المخالطة، قال الهروى وغيره: والإهابُ يجمعُ على الأُهب، والأهَبُ - يعنى بضم الهمزة والهاء وبفتحهما أيضاً. قال الإمام: ورد فى جلد الميتة أحاديثُ مختلفةٌ، واختلف الناسُ - أيضاً - فى جِلد الميتةِ، فقال أحمد بن حنبل: لا ينتفع به (¬2)، وأجاز ابن شهابٍ الانتفاع بِه، والجُمهور ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) قبل الدباغ وبعده، ذهب إلى هذا الحديث شعبةُ عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن عبد الله بن عُكيم قال: قُرِئ علينا كتابُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأرض جهينة وأنا غلامٌ شابٌ: " ألا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عضب ". أحمد فى المسند 4/ 311، كما أخرجه أبو داود فى اللباس، ب من روى إِلا ينتفع بإهاب الميتة بلفظ: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى جهينة قبل موته بشهر، والنسائى فى الفرع والعتيرة، ب ما يدبغ جلود الميتة، كما أخرجه عبد الرزاق فى المصنف والبيهقى فى السنن والمعرفة والطحاوى فى شرح معانى الآثار 1/ 468، والترمذى وقال فيه: حديث حسن، وليس العملُ على هذا عند أكثر أهل العلم. ثم قال: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه: قبل وفاته بشهرين، وكان يقول: كان هذا آخر أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا فى إسناده. اللباس، ب ما جاء فى جلود الميتة إذا دبغت (1729)، وقال البيهقى فى المعرفة: فى الحديث إرسال، وهو محمول على إهابها قبل الدبغ، جمعًا بين الخبرين. معرفة السنن 1/ 542. وقال الزيلعى. حديث ابن عُكيم أُعِلَّ بأمورٍ ثلاثة: أحدها: الاضطراب فى سنده - إذ أنه خولف فيه شعبة. فرُوى عن الحكم عن رجالٍ من جهينة لم يذكرهم، وكذلك رواه القاسم بن مخيمرة عن مشيخة له عن عبد الله بن عُكيم. الثانى: الاضطرابُ فى متنه، فروى قبل موته بثلاثة أيام، وروى بشهرين، وروى بأربعين يوماً. الثالث: الاختلاف فى صحبة عُكيم، وقد قال البيهقى وغيره: لا صحبة له فهو مرسل. راجع: نصب الراية 1/ 121. قال أبو عمر: وهذا اضطراب كما ترى يوجب التوقف عن العمل بمثل هذا الخبر. وقال داود بن على: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فضعفه، وقال: ليس بشىء، إنما يقول: حدثنى الأشياخ. ثم قال أبو عمر: ولو كان ثابتًا لاحتمل أن يكون مخالفاً للأحاديث من رواية ابن عباس، وعائشة، وسلمة بن المحبق، وغيرهم عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واحتمل ألا يكون مخالفاً، لأنه جائز أن يكون معنى حديث ابن عكيم: ألا ينتفعوا من الميتة بإهاب قبل الدباغ، وإذا احتمل ألا يكون مخالفاً له، فليس لنا أن نجعله مخالفًا، وعلينا أن نستعمل الخبرين ما أمكن استعمالهُما. وحديث عبد الله بن عُكيم، وإن كان قبل موت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشهر كما جاء فى الخبر، فممكن أن تكون قصة ميمونة وسماع ابن عباس منه قوله: " أيما إهاب دُبِغَ فقد طهر " قبل موت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجمعة أو دون جمعة. التمهيد 4/ 164.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على منع الانتفاع به قبل الدباغ (¬1)، ومختلفونَ فى الجلد الذى يؤثر فيه الدباغ، فعند أبى يوسف وداود: [أنه] (¬2) يؤثرُ فى سائر الجلود حتى الخنزير، ومذهبنا ومذهب أبى حنيفة والشافعى هكذا، إِلا أننا وأبا حنيفة والشافعى نستثنى الخنزيرَ ويزيد الشافعى فى استثنائه الكلب (¬3) وألحق الأوزاعىُّ وأبو ثور بهذا الذى استثناه جلد ما لا يؤكل لحمه (¬4)، واتفق كل من رأى الدباغ مؤثراً فى جواز الانتفاع على أنه يؤثر فى إثبات الطهارة الكاملة (¬5) سوى مالك فى إحدى الروايتين عنه، فإنه منع أن يؤثر الطهارة الكاملة (¬6)، وهذا يجب أن يُعبَّر فيه قول الله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (¬7)، فإن سلم أن الجلد حىٌّ دخل فى هذا الطاهر، وكان ما يورد من الأحاديث بتخصيصه تخصيصاً لعموم القرآن بأخبار الآحاد، وفى ذلك اختلاف بين أهل الأصول (¬8)، والخلاف المتقدِّم كله يدور على خبَرين متعارضين ¬

_ (¬1) إذ أنه من المعلوم أن تحريم الميتة قد جمع عَصبَها، وإهابَها، وعظامها مع لحمها. الاستذكار 15/ 336. (¬2) من المعلم. (¬3) فقد روى أشهب عن مالك أنه لا تعمل الذكاة فى السباع، لا للحومها، ولا لجلودها، كما لا تعمل فى الخنزير. قال ابن عبد البر: وإلى هذا ذهب أشهب. الاستذكار 15/ 313. قال أشهب: وسئل مالك: أترى مَا دُبِغَ من جلود الدوابِّ طاهِراً؟ فقال: إنما يُقالُ هذا فى جلود الأنعام، فأما جلودُ ما لا يؤكل لحمُهُ فكيف يكونُ جلدُه طاهراً إذا دُبِغَ، وهو مما لا ذكاةَ فيه، ولا يؤكل لحمُه؟. قال أبو عمر: لا أعلمُ خلافاً أنه لا يُتوضأ فى جلد خنزير، وإن دُبِغَ، فلما كان الخنزيرُ حراماً لا يحلُ أكلهُ وإن ذُكّى، وكانت السباعُ لا يحلُ أكلهَا، وإن ذُكّيتْ، كان حراماً أن يُنتَفع بجلودها وإن دُبِغَتْ قياساً على ما أجمعوا عليه من الخنزير، إذ كانت العلةُ واحدة. السابق 15/ 326. (¬4) قال أبو عمر: ما قاله أبو ثور صحيحٌ فى الذَّكاة: إنها لا تعملُ فيما لا يحلُّ أكُله، إِلا أن قوله عليه السلام: " كلُّ إِهابٍ دُبِغَ فقد طَهُرَ "، وقد دخَلَ فيه كُل جلدٍ، إِلا أن جُمهورَ السلف أجمعوا أن جلد الخنزير لا يدخُل فى ذلك فخرج بإجماعهم. (¬5) وهو قول محمد بن الحكم، وحكاه عن أشهب، قال أبو عمر: وهو ما عليه جمهورُ الفقهاء من أهل النظر والأثر بالحجاز والعراق والشام. قال: وهو الصحيحُ عندى، وهو الذى يُشبِهُ قولَ مالك فى ذلك، ولا يصحُ أن ينقُله غيرُه. (¬6) قال أبو عمر: والذى عليه أكثرُ أهل العلم من التابعين ومن بَعدهُم من أئمة الفتوى أن جلد الميتة دباغهُ طهورٌ كاملٌ له، تجوز بذلك الصلاةُ عليه، والوضوءُ، والاستقاء، والبيعُ، وسائرُ وجوه الانتفاع. قال: وهو قول سفيان الثورى، وأبى حنيفة، والكوفيين، وقول الأوزاعى فى جماعة أهل الشام، وقولُ الشافعِىُّ وأصحابه، وابن المبارك، وإسحاق، وهو قول عُبيد الله بن الحسن، والبصريين، وقولُ داود، والطبرى، وهو قول جمهور أهل المدينة، إِلا أن مالكاً كان يُرخِّصُ فى الانتفاع بها بعد الدِّباغ، ولا يرى الصلاة فيها، ويُكرَهُ بيعَها، وشراءها. قال: وعلى ذلك أصحابُه، إِلا ابن وهب، فإنَّه يذهب إلى أنَّ دبِاغَ الإهاب طهورٌ كاملٌ له فى الصلاة، والوضوء، والبيعُ، وكل شىء. (¬7) المائدة: 3. (¬8) ذهب الشافعى وأبو حنيفة ومالك إلى جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، إذ أنَّ العموم وخبر الواحد دليلان متعارضان، وخبر الواحد أخصَّ من العموم، فوجب تقديمُه على العموم. قال الرازى: وانما قلنا: إنهما دليلان؛ لأن العموم دليلٌ بالاتفاق، وأما خبر الواحد فهو - أيضاً - =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما الذى يُسْتَعْملُ منهُما؟ والمسْتَعملُ منهما ما مقتضاه [من العموم] (¬1)؟ فأخذ [أحمد] (¬2) ابن حنبل بقوله: " لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَبٍ "، وأخذ الجمهور بقوله: " إذا دُبِغَ الإهابُ فقد طَهَرَ "، وهذا الحديث خاصٌ والعَامُّ يُردُّ إلى الخاص، ويكون الخاص بياناً له، وقال بعض هؤلاء: الحديث خرَج على سببٍ وهو شاة ميمونة - رضى الله عنها - والعموم إذا خرج على سبَبٍ قُصِرَ عليه عند بعض أهل الأصول (¬3) وألحق بهذا السبب البقرةُ والبعير وشبه ذلك، للاتفاق على أن حكم ذلك حكم الشاة، وقال بعضُهم: بل يتعدَّى ويَعُمُّ بحكم مقتضى اللفظ، ويجب حمله على العموم فى كل شىء حتى الخنزير، وقال بعضهم: فإن العموم يخصُ بالعادة، ولم يكن من عادتهم اقتناء الخنازير حتى تموت فيدبغوا جلودها. قال بعضهم: ولا الكلبُ أيضاً لم يكن من عادتهم استعمال جلده، وقال بعضهم: بل يخُصُّ هذا العموم بقوله: " دباغ الأديم ذكاتُه " (¬4)، فأحل الذكاة محل ¬

_ = دليلٌ؛ لأن العموم به يتضمَّنُ دفع ضررٍ مظنون، فكان العمل به واجباً، فكان دليلاً. قال: وإذا ثبت ذلك وجب تقديمه على العموم؛ لأن تقديم العموم عليه يُفضى إلى إلغائه بالكلية، أما تقديمه على العموم فلا يُفضى إلى إلغائِه بالكلية، فكان ذلك أولى. قال: وقد أجمعت الصحابة على تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد وبينوه بخمس صور. إحداها: أنَّهم خصصوا قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11]، بما رواه الصديق أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " متفق عليه. ثانيها: خصَّصوا عموم قوله تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] بخبر المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل للجدة السدس، فلو خلفت المتوفاة زوجاً وبنتين وجدة، كان للزوج الربع (ثلاثة) وللبنتين الثلثان (ثمانية)، وللجدة السدس (اثنان) عالت المسألة إلى ثلاثة عشر، وثمانية من ثلاثة عشر أقل من ثلثى التركة. ثالثها: خصَّصوا قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْع} [البقرة: 275] بخبر الشيخين عن أبى سعيد فى المنع من بيع الدرهم بالدرهمين. رابعها: خصصوا قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين} [التوبة: 5] بخبر عبد الرحمن بن عوف فى المجوس: " سُنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب ". خامسها: خصَّصوا قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم} [النساء: 24] بخبر أبو هريرة الذى أخرجه الأربعة: نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها. وقد ذهب قوم آخرون إلى منع ذلك، وتوقف القاضى أبو بكر فى تلك المسألة. انظر: المحصول 1/ 3/ 131. (¬1) سقط من الأصل. (¬2) ليست فى المعلم. (¬3) لأن الحجة عندهم على ذلك فى المحكى لا فى الحكاية، ومع الاحتمال لا يجوز القطع بالعموم. المحصول 1/ 2/ 642. (¬4) الحديث أخرجه النسائى من ثلاثة طرق بنحوه: الأول: من حديث سلمة بن المُحبق ولفظه: أن نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأةٍ، قالت: ما عندى إِلا فى قِرْبَةٍ لى ميْتةٍ، قال: " أليس قد دَبَغْتِهَا؟ " قالتْ: بلى. قال: " فإنَّ دباغَها ذكاتُها ". =

104 - (365) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُليْمَانَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِى سُليْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ لِمَوْلاةٍ لِمَيْمُونَةَ. فَقَالَ: " أَلا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ ". 105 - (366) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ وَعْلةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْن مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، كُلهُمْ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، يَعْنِى حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ الدباغ، فوجب ألا يؤثر الدباغ إِلا فيما تؤثر فيه الذكاة، والذكاة إنما تؤثر عند هؤلاء فيما يستباح لحمه؛ لأن قصد الشرع بها استباحةُ اللحم، فإذا لم يستبح اللحم لم تصح الذكاة وإذا لم تصح الذكاة لم يصح الدباغ المشبَّه به، وقد أشارَ بعض من انتصر لمالك إلى سلوك هذه الطريقة، فرأى أن التحريم يتأكد (¬1) فى الخنزير (¬2)، واختصَّ بنص القرآن عليه؛ فلهذا لم تعمل الذكاة فيه، فلما تقاصر عنه فى التحريم ما سواه لم يُلحَق به فى تأثير الدباغ. وقد سلك هذه الطريقة - أيضاً - أصحاب الشافعى ورأوا أن الكلبَ خُصَّ فى الشرع بتغليظٍ لم يردْ فيما سواه من الحيوان وألحق (¬3) بالخنزير، وأما الأولون الذين ذكرنا مخالفتهم لهؤلاء فى الأخذ بالظاهر فإنهم - أيضاً - يخالفونهم فى المعنى، ويَرَون أن الدباغ أنزل فى الشرع بمنزلة الحياة لمَّا كان يحفظ الجلد من التغيِّير والاستحالة كما تحفظه الحياة، وأما ابن شهاب فتعلق بحديث لم يُشْتَرَطْ فيه الدباغ، وقد رواه مقيَّداً، ولعله نسى ما رواه. ¬

_ = الثانى: من حديث عائشة قالت: سئل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جُلود الميتة فقال: " دباغُها طهورُها ". الثالث: بلفظ " دِباغُها ذكاتُها " ك الفرع والعتيرة، ب جلود الميتة 7/ 174. (¬1) فى المعلم: تأكيد. (¬2) قال أبو عمر: إن جمهورَ العلماء الذين لا يجوز عليهم تحريفُ التأويل، ويلزَمُ منْ شذَّ عنهُم الرجوع إليهم، خَصَّوا جِلدَ الخنزير، وأخرجوه من الجُملة، فلم يُجيزوا فيه الدباغ. فجلدُه مثلُ لحمِه، فلمَّا لم تعملَ فى لحمه ولا فى جلدِه الذكاةُ لم يعمل الدباغَ فى إهابه شيئاً. راجع: الاستذكار 15/ 347 - 349. (¬3) فى المعلم: فألحق.

106 - (...) حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ - أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ؛ أَنَّ أَبَا الخَيْرِ حَدَّثَهُ: قَالَ: رَأَيْتُ عَلى بْنِ وَعْلةَ السَّبَئىَّ فَرْوًا، فَمَسِسْتُهُ. فَقَالَ: مَالكَ تَمَسُّهُ؟ قَدْ سَأَلتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: إِنَّا نَكُونُ بِالمَغْرِبِ، وَمَعَنَا البَرْبَرُ وَالمَجُوسُ، نُؤْتَى بِالكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ، وَنَحنُ لا نَأْكُل ذَبَائِحَهُمْ، وَيَأْتُونَا بِالسِقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الوَدَكَ. فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَدْ سَأَلنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " دِبَاغُهُ طَهُورُهُ ". 107 - (...) وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِى الخَيْرِ، حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وعْلةَ السَّبَئِىُّ قَالَ: سَأَلتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: إِنِّا نَكُونُ بِالمَغْرِبِ، فَيَأَتِينَا المَجُوسُ بِالأَسْقِيَةِ فِيهَا المَاءُ وَالوَدَكُ. فَقَالَ: اشْرَبْ. فَقُلْتُ: أَرَأىٌ تَرَاهُ؟ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " دِبَاغُهُ طَهُورُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله: " يُجملون فيه الودَك ": كذا لبعض الرواة، ولأكثرهم: "يجعلونَ "، ومعنى " يُجملون ": يُذيبون، يقال بضم الياء وفتحها، يقال: جَملتُ الشحم وأجملتُه إذا أذبتَه، ثلاثى ورباعى.

(28) باب التيمم

(28) باب التيمم 108 - (367) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ - أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ - انْقَطَعَ عِقْدٌ لِى فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَليْسُوا عَلىَ مَاءٍ، وَليْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلى أَبِى بَكْرٍ فَقَالوا: أَلا تَرَى إِلى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ مَعَهُ، وَليْسُوا عَلى مَاءٍ، وَليْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلى فَخِذِى قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ، وَليْسُوا عَلى مَاءٍ وليْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالتْ: فَعَاتَبَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه أن عائشة - رضى الله عنها - قالت - حديث التيمم -: " خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " إلى قولها: " أنقطع عِقْدٌ لى فأقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التماسه وأقام الناس معه " الحديث، قال الإمام: قال بعض أصحابنا: يُباحُ السفرُ للتجارة وإن أدى إلى التيمم، ويحتج له بهذا الحديث؛ لأن إقامتهم على التماس العقد ضربٌ من مصلحة المال وتنميته [وذكر فى الحديث نزول آية التيمم] (¬1). قال القاضى: فيه جواز الإقامة بموضع لا ماء فيه لحوائجه ومصالحه، فإنه لا يجبُ عليه الانتقال عنه لأن فرضَه هو ما لزمه فيه من طهارة الماء أو التيمم إن عدمه، ما لم يكن الماء قريباً منه فيلزمُه طلبُه عند كل طهارة. واختُلِف فى حَدِّ قربِهِ، فالمذهب أنه يطلبُهُ فيما لا كبير مشقة عليه فيه، ولم يَر أن يلزمه فى الميلين طلبه. وقال [إسحاق] (¬2): لا يلزمه الطلبُ إِلا فى موضِعِه، وروى نحوه عن ابن عمر أنه يتيمَّمُ والماء على غَلوَتين منه، وهما ¬

_ (¬1) من المعلم. قلت: والذى يظهر هو الإقامة لحفظ المال، إذ أنَّ حفظه واجب بخلاف السفر لتنميته. ذكره الأبى. إكمال 2/ 119. وفى هذا الحديث قال ابن عبد البر: هو أصح حديث عندى روى فى التيمم الاستذكار 3/ 141. والسفر المذكور فيه كان فى غزوة المُريسيع إلى بنى المصطلق بن خزاعة، وذلك كان سنة ست من الهجرة، وقيل: سنة خمس. انظر: الطبقات الكبرى 2/ 63، صحيح البخارى 5/ 115، تاريخ الطبرى 2/ 604، دلائل النبوة للبيهقى 4/ 44، البداية والنهاية 4/ 156. (¬2) هكذا جاء فى الأصل وت، إِلا أنه فى ت جاء عليها ما يشبه الضرب، وكتب أمامها بالهامش: سحنون. وهو ما نراه صواباً، إذ أنه الموافق لما جاء فى المنتقى 1/ 110.

أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِى خَاصِرَتِى، فَلا يَمْنَعُنِى مِنَ التَّحَرُّكِ إِلا مَكَانُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى فَخِذِى. فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ عَلى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّم فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ - وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ -: مَا هِىَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خُمسُ ميْلٍ، فإن الميلَ عَشرُ غلاءٍ، والغلوَةُ منتهى جرى الفرس، وذلك مائتا ذراعٍ. وفى الحديث: خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنسائه للغزو أو بِبَعْضِهنَّ (¬1)، وسيأتى هذا فى موضِعِه من النكاح. والبيْدَاءُ وذات الجيش موضعان قريبان من المدينةِ (¬2). وفيه اتخاذ النساء القلائد، قيل: كانت هذه من جزع، وجاء فى الحديث الآخر أنها قلادةٌ استعارتها من أسماء، فأضافتها إليها مَرَّةً لكونها فى حوزتها (¬3) وقيل: بل قولها: " عقدٌ لى " تقديمٌ وتأخير، أى انقطع لى عقدٌ، ثم بينت أنه لأسماء فى الرواية الأخرى (¬4). وكلُ ما يُعقدُ فى العُنق فهو عِقدٌ وقلادةٌ، وقد نقله فى المُعلم: " انقطع عِقدها "، وليس ذلك فى الحديث إِلا كما تقدم. وفيه جواز عارية الحُلىِّ، وتجُملُّ المرأةِ بحُلىِّ غيرها. وقوله فى الرواية الأخرى: " فهلكتْ ": أى انقطعتْ، كما قال فى الحديث الآخر، وكل فسادٍ هلاك، وتحمل فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا ليكون سُنَّةٌ فى حفظِ الأموال والحَيطة عليها. ودخول أبى بكر - رضى الله عنه - على عائشة ورأسُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حجرها وهو نائمٌ دليلٌ ¬

_ (¬1) قال أبو عمر: وخروج الرجل مع أهله فى السفر من العمل المباح، فإذا كان له نساءٌ حرائر لم يجز له أن يسافر بواحدة منهن حتى يقرع بينهن، فإذا أقرع بينهن ووقعت القرعةُ على من وقعت منهن، خرجت معه، واستأثرت به فى سفرها، فإذا رجع من سفره استأنف القسمة بينهن، ولم يحاسب التى خرجت معه بأيام سفره معها، وكانت مشقتها فى سفرها ونصبها فيه بإزاء نصيبها منه وكونها معه. التمهيد 19/ 266. وفى الاستذكار قال: وخروجهن إلى الجهاد مع ذوى المحارِمِ والأزواج إنما يصح - والله أعلم - فى العسكرِ الكبير الذى الأغلب منه الأمنُ عليهن. الاستذكار 3/ 142. (¬2) البيداء: هى الشرف الذى أمام ذى الحليفة من طريق مكة، وذات الجيش: موضع على مسافة بريد من المدينة، وهو إلى العقيق أقرب. (¬3) فى الأصل: حوزها، والمثبت من ت. (¬4) جاء فى مسند الحميدى من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: " أنها سقطت قلادتها ليلة الأبواء، فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلين من المسلمين فى طلبها، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فلم يدريا كيف يصنعان؟ قال: فنزلت آية التيمم، قال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً، فما نزل بك أمر تكرهينه إِلا جعل الله لك منه مخرجاً، وجعل للمسلمين فيه خيراً ". قال أبو عمر: ليس اختلاف النقلة فى العقد والقلادة ولا فى الموضع الذى سقط ذلك فيه لعائشة، ولا فى قول القاسم عن عائشة عقد لى، وقول هشام: إن القلادة استعارتها من أسماء - ما يقدح فى الحديث. ولا يوهن شيئًا منه؛ لأن المعنى المراد من الحديث والمقصود إليه هو: نزول آية التيمم، ولم يختلفوا فى ذلك. التمهيد 19/ 268.

بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِى بَكْرٍ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الذِى كُنْتُ عَليْهِ، فَوَجَدْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على جواز مثل هذا، وأنه مما لا يُتَسَتَّرُ منه من الأصهار ولا الأجانِبَ، إذ لو كان مُنْكراً لم يدخل أبو بكر عليها فى تلك الهيئة ولا أقامَ حتى يستيقظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عليها، وطعن أبى بكر فى خاصِرَتِها جواز تأديب الرجل ابنته وإن خرجت عنه، وعتبُ أبى بكر لعائشة وشكوى الناس ذلك إلى أبى بكر وقولهم: " وليسوا على ماء وليس معهم ماءٌ " دليلٌ على أن الوضوء كان قبل مشروعاً لهم واجباً عليهم، وإلا فما الذى يعظم عليهم من ذلك؟ وقوله: " فبعثنا البعيرَ الذى كنت عليه فوجدنا العِقدَ تحتَهُ " وفى الحديث الآخر فى البخارى: " فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فوجدَها " (¬1) وفى رواية: " رجلين " وفى أخرى: " ناساً " وهو حديثٌ واحدٌ ولا تناقض فى هذا، وإن كان القاضى إسماعيل حمله على المعارضة، وأما غيرُه فقال: إن المبعوث كان أسيْد بن حضير (¬2)، وأنه وجدها بعد رجوعه من طلبه حين أثار البعير، أو يكون المرادُ فوجدها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا الرجلُ المبعوث. وقوله: " فأنزل الله آية التيمم ": دليلٌ على ما تقدم أن الحكم الزائد عليهم فيها حكم التيمم فأضيفت (¬3) إليه، وإن قيل لها: إنه الوضوء أيضاً، فيحكم أنها التى ذكر الوضوء من القرآن إذا كان أولاً بالسُنةِ على ما تقدم أول الكتاب. قال الإمام: التيمم فى اللغة: القصد، ومنه قوله تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَام} (¬4)، ومنه قول الشاعر: سلِ الربْعَ أنَّى يمَّمتُ أم اسْلما (¬5) ... وهل عادةٌ للربع أن يتكلما وأما الذى يُتَيمَّمُ به فالمشهور (¬6) من مذهب مالك: الأرض، وما تصاعدَ (¬7) عليها، مما لا ينفك عنها غالباً (¬8)، ومذهب الشافعى: أن التيمم بالتراب خاصةً (¬9)، وعندنا قولٌ ¬

_ (¬1) ك التيمم، ب إذا لم يجد ماءً ولا تراباً 1/ 92. (¬2) وهو ما جزم به ابن عبد البر. التمهيد 19/ 268. (¬3) فى ت: فأضيف. قال أبو عمر: ولم يقل: فنزلت آية الوضوء ما يدُلكَ أن الذى طرأ عليهم من العلم فى ذلك الوقت حكم التيمُّم لا حكم الوضوء بالماء، والله أعلم. الاستذكار 3/ 156. (¬4) المائدة: 2. (¬5) فى ت: اسلمتها. (¬6) فى المعلم: المشهور، بدون الفاء. (¬7) فى المعلم: يصعد. (¬8) فيجوز التيمم عنده بالحصاء، والجبل، والرمل. (¬9) وهو اختيار أبى يوسف وداود، قالوا: لا يجزئ التيمم بغير التراب، وقال الإمام الشافعى: لا يقع =

109 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ بِشْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو قول الشافعى. واختلف عندنا فى التيمم على الثلج والحشيش (¬1)، والحجة للقولة المشهورة عن مالك قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬2)، والصعيد ينطلق على [وجه] (¬3) الأرض، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جُعِلت لى الأرض مسجداً وطهوراً " (¬4) ويحتج للشافعى والقولة الشاذة عندنا (¬5) بما وقَع فى أحد طرق هذا الحديث وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وترابها طهور " فذكر التراب. وأما حَدُّ التيمم: ففيه ثلاثة أقوال: قيل: إلى الكوعين (¬6)، وقيل: إلى المرفقين (¬7)، وقال ابن شهاب: إلى الآباط (¬8)، فمن قال: إلى الكوعين، كان بناءً على تعليق الحكم بأول الاسم، ويؤيده بحديثٍ - أيضاً - فيه: " وجهك وكفيك "، ومن قال: إلى الآباط، بناه على تعليق الحكم بآخر الاسم، إذ ذلك أكثر ما ينطلق عليه اسم يدٍ، ويؤكده ما وقع ¬

_ = صعيدٌ إِلا على تراب ذى غبار، فأما الصحراء الغليظة والرقيقة، والكثيب أو الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد، وقال أبو ثور: لا يتيمم إِلا بتراب أو رمل. وقال الأوزاعى: يجوز التيمم على الرمل، وقال الثورى وأحمد بن حنبل: يجوز التيمم بغبار الثوب، واللبد. التمهيد 19/ 289. (¬1) وذلك إذا كان دون الأرض، أما التيمم على الثلج فإن الرواية عن مالك فيه مختلفة، فأجازه مرة، ومنع منه أخرى، ومن حجته فى ذلك قول الله عز وجل: {صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8] يعنى: أرضاً غليظة لا تنبت شيئاً، وقوله تعالى: {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] أى: أرضاً واحدة. (¬2) النساء: 43، المائدة: 6. (¬3) من المعلم. (¬4) صحيح آخرجه مسلم والنسائى وأحمد عن حذيفة. (¬5) بعدها فى ت: ك فى التيمم على الثلج. ولا وجه له، إذ هو من المختلف عليه عند المالكية كما تقدم فى قول القاضى، أما التيمم بالتراب خاصة فهو مجرد قول فى المذهب كما أشار، ثم إنه لا صلة لما ساق من دليل بعد بهذا الزائد. (¬6) وهما الرسغان. وروى ذلك عن على بن أبى طالب، وهو قول عطاء، والشعبى، فى رواية، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وداود بن على، والطبرى. قال ابن عبد البر. وهو أثبت ما روى فى ذلك من حديث عمار. (¬7) وهو قول أبى حنيفة، والثورى، والليث، والشافعى. وبه قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وإليه ذهب إسماعيل بن إسحاق القاضى. (¬8) ولم يقل ذلك أحدٌ غيره، ومستدله على ذلك ما جاء فى أبى داود عن عمار: " فقام المسلمون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط ". سنن أبى داود 1/ 76. قال ابن عبد البر: ثم قد روى عن عمار خلاف ذلك فى التيمم، رواه عنه عبد الرحمن بن أبزى، فاختلف عليه فيه، فقال عنه قوم: " ومسح ذراعيه إلى نصف الساعد "، وقال آخرون: " إلى المرفقين "، وقال أكثرهم عنه فيه: " وجهه وكفيه ". التمهيد 19/ 285.

قِلادَةً، فَهَلكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِى طَلبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاةُ فَصَلوْا بِغَيْرِ وَضُوءٍ، فَلمَّا أَتَوُا النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوا ذَلِكَ إِليْهِ، فَنَزَلتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ ابْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطٌ إِلا جَعَلَ اللهُ لكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ لِلمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً. 110 - (368) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى بعض روايات حديث العِقد أن الراوى قال: " فتيممنا إلى الآباط ". أو قال: " إلى المناكب "، وأما من قال: إلى " المرافق " كأنَّه (¬1) ردَّه إلى الوضوء لمَّا كان (¬2) تستباح الصلاة به كما تستباح بالوضوء، والحكم إذا أطلق فى شىء وقيّدَ فيما بينه وبينه مشابهةٌ اختلف أهل الأصول فى ردِّه إليه كهذه المسألة والعتق فى الكفارة فى الظهار، هل (¬3) يشترط فيه الإيمان ويُرد إلى كفارة القتل؟ (¬4). قال القاضى: وقوله فى الحديث من رواية ابن أبى شيبة: " فصلوا بغير وضوء " حجةً لأحد الأقوال فيمن عُدِم الماء والترابَ من مريضٍ أو محبوسٍ؛ لأن هؤلاء عدموا الماء ولم يُشرع لهم بعد التيمم فصلوا بغير طهارةٍ. وقد اختلف العلماء فى تلك المسألة على أربعةِ أقوال: هل يُصلى ثم لا إعادة عليه لأن عَدَمه عذرٌ كالسلس والاستحاضة، ولأنه ظاهر الحديث (¬5)؟ أو يصلى ثم يعيدُ إذا وجد الطهور على الاحتياط ليأتى أولاً بغايةِ ما يقدر عليه ثم لما وجد الماء لزمته الطهارة والإعادة؟، وقاله الشافعى (¬6)، أو لا يصلى ولا يعيد؛ لأن الخطاب لم يتوجه عليه لعدم الشرط من الطهارة حتى خرج وقتها كالحائض تطهُر، وكمن بلغ وأسلم بعد الوقت (¬7)، أو لا يُصلى، كظاهر الحديث من أكثر الطُرق، لكنه يُعيدُ إذا وجد الماء، كمن غمَره المرض أو غلبه النوم أو النسيان، ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقبل الله صلاةً بغير طهور "؟ وهذه الأقوال كلها عندنا فى المذهب لمالك وأصحابه، ¬

_ (¬1) فى المعلم: فإنه. (¬2) فى المعلم: كانت. (¬3) فى الأصل: وهل، والمثبت من ت. (¬4) راجع: المستصفى 1/ 185. (¬5) وهذا الوجه رواه ابن دينار عن معن بن مالك، وإلى هذه الرواية ذهب ابن خويزمنداد، قال ابن عبد البر: وكأنه قاسه على المغمى عليه، قال: وليس هذا وجه القياس؛ لأن المغمى عليه مغلوب على عقله، وهذا معه عقله. (¬6) وهى إحدى الروايتين عنه، وهى المشهورة، والثانية: لا يصلى حتى يجد طهارة. (¬7) وهو قول أبى حنيفة أيضاً. راجع: بدائع الصنائع 1/ 192.

أَبِى مُعَاوِيَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ؛ قَالَ: كُنْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمروى منها عن مالك: لا صلاة ولا إعادة، وهو قول الثورى والأوزاعى وأصحاب الرأى (¬1). وقوله: " كنا فى السريَّة فأجنبنا " (¬2)، قال الإمام: قال الهروى: قال الفراء: يقال: أجنب الرجلُ وجنب من الجنابة [قال] (¬3): وقال الأزهرى: سُمى [الجنب] (¬4) جنبًا لأنه نُهى أن يقربَ مواضعَ الصلاة ما لم يتطهَّر، فتجنَّبها وأجنبَ عنها [أى تباعد عنها] (¬5)، وقال القتبى (¬6): سمى بذلك لمجانبته الناس وبعده منهم حتى يغتسل والجنابة البعد. قال القاضى: وقال الشافعى: إنما سُمى جُنباً من المخالطة، ومن كلام العرب: أجنب الرجلُ إذا خالط امرأته، وكان هذا ضداً للمعنى الأول، كأنه من القرب منها، وقد قيل فى قوله تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْب} (¬7): أنها الزوجة. ويقال جُنُبٌ للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، قال ابن فارس: وقد قيل فى الجمع: أجنابٌ. وكلام عبد الله وأبى موسى فى تيمم الجنب يدل أن مذهب ابن مسعود كان لا يتيمم ولا يصلى حتى يجد الماءَ، ثم روى أنه رجع بعدُ إلى التيمم. هذان القولان معروفان له، وقد حكى عنه أنه من قوله: لا يغتسل إذا تيمَّمَ، ولكنه إذا أحدث توضأ للصلاة، وهذا لا يصح عنه ولا عن أحدٍ من العلماء، إِلا أبا سلمة بن عبد الرحمن وحدَه، وقيل: بل من قوله: إنه إذا وجد الماء اغتسل وأعاد الصلاة، وهذا القول لا يصح عنه ولا عن غيره إِلا أن بعضهم استحب ذلك، وحُكى عن جماعةٍ من التابعين إعادة المتيمم صلاته إذا وجد الماء فى الوقتِ، وقاله ربيعة وابن شهابٍ، وقاله الأوزاعى استحباباً، قال ابن المنذر: وأجمعوا أنه لا إعادة عليه إذا وجده بعد الوقت، وفقهاء الأمصار على أنه لا إعادة عليه لما صلى وإن وجده فى الوقت (¬8). ومذهبه ومذهب عُمر وعمَّارٍ فى الآية: أنها فى الوضوء دون التيمم؛ لأنه العائدُ عليه والسببُ الذى نزلت فيه الآيةُ، وأن معنى قوله: {أَوْ لامَسْتُم} (¬9) فى غير الجماع، ومذهب أبى موسى وغيره أنها على العموم، وبيَّن ذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ردِّه على عمَّار بقوله: " إنما كان يكفيك هكذا، وذكر مسح الوجه والكفين "، ولما احتج أبو موسى بظاهر الآية على عبد الله وقف وما درى ما يقول، كما جاء فى الحديث لظهور العموم فيها للأحداث، وعطف التيمم على سائرها وتعلق بطرف من الاجتهاد والاحتياط وقطع الذريعة لاحتمال الآية فقال: لو رخَّصنا لهم فى ذلك لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يذهب ويتيمم، فلم ينكر ابن مسعودٍ أن الآية تتناول الجنب بظاهرِها وغيرَه ولو ¬

_ (¬1) راجع. المنتقى 1/ 111، 112. (¬2) لفظ حديث عبد الرحمن بن أبزى: " أما تذكُرُ يا أمير المؤمنين إذا أنا وأنت فى سريَّةٍ، فأجنبنا فلم نجد ماءً؟ ". (¬3): (¬5) من المعلم. (¬6) فى المعلم: القتيبى. (¬7) النساء: 36. (¬8) انظر: المغنى 1/ 320. (¬9) المائدة: 6.

جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِى مُوسَى، فَقَالَ: أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَرَأَيْتَ لوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ فَلمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا، كَيْفَ يَصْنَعُ بَالصَّلاةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِى سُورَةِ المَائِدَةَ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬1) فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ: لوْ رُخِّصَ لهُمْ فِى هَذِهِ الآيَةِ، لأَوْشَكَ، إِذَا بَرَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنكره لردَّ حجة أبى موسى بالآية عليه، وقد أدخل البخارى هذا الحديث تحت ترجمة (إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت)، وذكر حديث عمرو بن العاص فى تيممِه فى ليلةٍ باردة وتلاوته: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُم} (¬2) وأنه ذكر ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يُعنّفهُ، ثم أدخل حديث أبى موسى وعبد الله ليُشعِرَ بالخلاف فى المسألة والله أعلم (¬3). ولا خلاف بين فقهاء الأمصار إذا خاف التلف باستعمال (¬4) الماء أنه يتيمم، إِلا شىء روى عن الحسن: يغتسل وإن مات، فإن خاف دوام المرض أو زيادته أو حدوثه فلمالك فى هذا الأصل قولان، حكاهما ابن القصار، وكذلك للشافعى، والذى فى الأمهات لمالك أنه يتيمم، وأبو حنيفة والثورى يجيزان ذلك، ومنعه الحسنُ وعطاء وأبو يوسُف وصاحبُه فى الحضر وأجازه فى السفر، وذهب بعض أصحاب الحديث أنه يجزئه الوضوء هنا عن الغسل لحديث عمرو بن العاص، وفيه أنه توضأ وصلى بهم (¬5)، وبه قال من أصحابنا أحمد بن صالح المصرى المعروف بابن الطبرى من أصحاب ابن وهب لغلبة الحديث عليه. وفى هذا الحديث عادةُ الصحابة فى المناظرة فى العلم والحجاج بكتاب الله وسنة نبيه، والمقاييس الصحيحة عليها والالتفات فى الاجتهاد لقطعِ الذرائع لما تؤول إليه، وفيه جواز الانتقال من دليلٍ إلى دليلٍ أظهر منه إذ حقيقة المناظرة التعاون على إظهار الحق وبيانه، خلاف ما يذهب إليه أهل الجدل من المتكلمين من منع الانتقال وأنه انقطاع، والأصل فى هذا قصة إبراهيم - عليه السلام - فى انتقاله من الحجة بالإحياء والإماتة إلى الحجة بالإتيان بالشمس من المغرب. ¬

_ (¬1) المائدة: 6. (¬2) النساء: 29. (¬3) ك التيمم، ب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت 1/ 95. (¬4) فى ت: من استعمال. (¬5) راجع: بدائع الصنائع 1/ 48.

عَليْهِمُ المَاءُ، أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللهِ: أَلمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ: بَعَثَنى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِى الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لهُ، فَقَالَ: " إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا " ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلى اليَمِينِ، وَظاهِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُ عمارٍ: " فتمرَّغتُ كما تتمرغُ الدابَّةُ ": هو بمعنى ما جاء فى الرواية الأخرى: " فتمعكتُ فيه " لأنه لم يحمل الآية على عموم الأحداث. وفيه جواز الاجتهاد فى زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الضرورة والبعد منه، كما قال معاذٌ - رضى الله عنه - له: " أجتهد رأيى " (¬1)، واستعمال القياس، لأنه لما رأى آية التيمم فى الوضوء فى بعض الأعضاء - إذ (¬2) كان الوضوء مختصاً ببعض الأعضاء - وكان طُهر الجنابة لعموم الجسد استعمل التيمم بالتراب (¬3) فى جميع الجسد. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما كان يكفيك هكذا - وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما " يحتج به فى نفض اليدين، وقد أجاز مالك النفض الخفيف فى ذلك. وهو قول الكوفيين. وقوله: " فمسح بها وجَهه وكفيه ": فى ظاهره حجةٌ لمن يرى الفرض ضربةً واحدةً، وهو قول بعض أصحابنا، ودليل قول مالكٍ، وأنه لا إعادة على من فعله أو يُعيد فى الوقتِ، وأن الضربة الثانية عنده سنةٌ، وجمهور العلماء على أنه لا يجزيه إِلا ضربتان، وهو قول بعض أصحابنا، وجعله بعضهم قول مالك (¬4)، ويحتج بها - أيضاً - من يقول: التيمم إلى الكوعين، وهو قول جماعة من العلماء وفقهاء أصحاب الحديث وبعض أصحابنا، وتأولوها على رواية ابن القاسم عن مالك فيمن صلى بذلك أنه يعيد فى الوقت، والمعروف من مذهب مالك أن فرضه إلى المرفقين، وهو قول أكثر أئمة الفتوى والسلف (¬5). وقوله فى الرواية الأخرى: " يمسح الشمال على اليمين وظاهِرُ كفّه ": تفسيرٌ لصفة المسح وعمومه. وإنكار عُمَر الخبَرَ على عمّارٍ لأنه حدثه أنه كان حاضراً له عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يذكره، وقول عمارٍ له: " إن شئت لِما جعل اللهُ علىَّ من حقك لم أُحَدِّث به " لما يلزم من طاعة الأئمة والرجوع إلى مذاهبهم، وتقليد من لم يبلغ منزلتهم فى العلم لهم، لا سيما مسألةً وقع فيها الخلاف بين اثنين من نقل قضيَّةٍ أثبتها أحدُهما ونفاها الآخر، ¬

_ (¬1) حديث ضعيف أخرجه أبو داود. (¬2) فى ت: إذ لو. (¬3) فى ت: فى الوضوء، وهو خطأ نساخ. (¬4) المنتقى 1/ 114. والقول بضربة واحدة قول عطاء، أما مالك فقال: يضرب ضربة لوجهه وضربة لليدين ويمسحهما إلى المرفقين، وله قول آخر: بإجزاء ضربة واحدة روى عن ابن القاسم. (¬5) المنتقى 1/ 114.

كَفَّيْهِ، وَوَجْهَهُ؟ فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ: أَوَلمْ تَرَ عُمَرَ لمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟. 111 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللهِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا "، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلى الأَرْضِ، فَنَفَضَ يَدَيْهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فالرجوع فى ذلك إلى ما يفتى به الإمامُ المقلدَ، فكيف إذا كان الإمامُ هو المنكرُ لها، مع أن أداء الحديث والتبليغ ليس بفرض على العين، إِلا لمن لم يكن عند أحدٍ السنة التى رواها سواه فيتحين عليه أداؤها، وآيةُ التيمم فى الجنب أو غيره تُغْنى عن حديث عمَّارٍ، فكيف إذا كان الحديث مما خالف رواية إمام المسلمين وخطَّأه فيه؟ فهو فى سَعَةٍ من ذكره. وفيه من الفقه أَنَّ المتأول المجتهد لا إعادةَ عليه؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر عماراً بالإعادة وإن كان خطأ اجتهاده؛ لأنه إنما ترك هيئة الطهارة وقد جاء بها على غير هيئتها وأكمل مما يلزمه. وقوله: " ألم تر عُمَر لم يقنع بقول عمارٍ "؛ لأنه أخبره خبراً ذكر أنه شاهَدَه ولم يذكره فجوَّز عليه الوهم كما جَوَّز على نفسه النسيانَ له، ثم تركه وما اعتقَدَه وصححه، إذ لم يتَّهمْهُ بقوله: " نُوَليك من ذلك ما تَوَليْتَ "، بخلاف لو قطع على خطئه فيه. وقوله: " فنفض يديه فنفخ فيهما ": حجةً لمن أجاز نفض اليدين من التراب، وهو قول مالك والشافعى، دون استقصاء لما فيهما من التراب، لكن لخشية ما يضر به من ذلك من كثرته بتلويث وجهه، أو مصادفة رُقاق حجرٍ فيه يؤذيه ونحوه، وكان ابن عمر لا ينفُض. وخرَّج مسلم فى الباب (¬1): روى الليث بن سعدٍ، عن جعفر بن ربيعة، عن ابن هرمز، عن عمير مولى ابن عباس؛ أنه سمِعَه يقول: " أقبلتُ أنا وعبد الرحمن بن يسارٍ مولى ميمونة حتى دخلنا على أبى الجهم "، قال الإمام: كذا وقَع عند الجلودى والكسائى وابن ماهان، وهو خطأ، والمحفوظ: " أقبلت أنا وعبد الله بن يسارٍ " وهكذا رواه البخارى عن ابن بكيرٍ عن الليث (¬2)، و [هذا الحديث] (¬3) ذكره مسلم [هنا] (¬4) مقطوعاً وفى كتابه أحاديث يسيرة مقطوعة متفرقة فى أربعة عشر موضعاً، منها هذا الحديث [الذى ذكرناه] (¬5) - وهو أولها -، سننبه على كل شىء منها فى موضعه، إن شاء الله. قال القاضى: روايتنا فيه من طريق السمرقندى، عن الفارسى، عن الجلودى فيما ¬

_ (¬1) فى المعلم: فى باب التيمم. (¬2) البخارى، ك التيمم، ب التيمم فى الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة 1/ 92. (¬3) من المعلم. (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) من المعلم.

112 - (...) حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ القَطَّانَ - عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى الحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّى أَجْنَبْتُ فَلمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ: لا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا، فَلمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِى التُّرَابِ وَصَليْتُ. فَقَالَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بيَدَيْكَ الأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ ". فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ. قَالَ: إِنْ شِئْتَ لمْ أُحَدِّثْ بِهِ. قَالَ الحَكَمُ: وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَ حَدِيثِ ذَرٍّ، قَالَ: وَحَدَّثَنِى سَلمَةَ عَنْ ذَرٍّ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ الذِى ذَكَرَ الحَكَمُ. فَقَالَ عُمَرُ: نُوَليكَ مَا تَوَليْتَ. 113 - (...) وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَرًّا، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ: قَالَ الحَكَمُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّى أَجْنَبْتُ فَلمْ أَجِدْ مَاءً. وَسَاقَ الحَدِيثَ، وَزَادَ فيهِ: قَالَ عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، إِنْ شِئْتَ، لِمَا جَعَلَ اللهُ عَلىَّ مِنْ حَقِّكَ، لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا. وَلمْ يَذْكُرْ: حَدَّثَنِى سَلَمَةُ عَنْ ذَرٍّ. 114 - (369) قَالَ مُسْلِمٌ: وَرَوَى الليْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن هُرْمُزَ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلى مَيْمُونَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَخَلْنَا عَلى أَبِى الجَهْمِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا به أبو بحر عنه عبد الله بن يسارٍ على ما ذكره، وكذلك قاله النسائى وأبو داود وغيرهما من الحفاظ (¬1)، وهو أخو عبد الرحمن هذا الآخر، قال البخارى فى تاريخه: عبد الله بن يسارٍ مولى ميمونة أخو عبد اللك وعطاء (¬2). وقوله فى الحديث: " دخلنا على أبى الجهم ": كذا فى الأم، وكنَّاه مسلم فى كتاب ¬

_ (¬1) أبو داود فى الطهارة، ب التيمم فى الحضر، والنسائى فى الطهارة، ب التيمم فى الحضر 1/ 165. وقال أبو داود: أبو الجهيم، وقال النسائى: أبو جهيم. (¬2) البخارى فى التاريخ الكبير 5/ 233.

الحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِىِّ. فَقَالَ أَبُو الجَهْمِ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلمَ عَليْهِ، فَلمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَليْهِ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلى الجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَليْهِ السَّلامَ. 115 - (370) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلمَ، فَلمْ يَرُدَ عَليْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجال والبخارى فى تاريخه والنسائى وأبو داود: أبو الجُهَمْ (¬1). وقوله فى الحديث: " أقبل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نحو بئر جَمَلٍ ... " وذكر تيمُّمَهُ لِرَدِّ السلام، احتج به البخارى وغيره فى جواز التيمم فى الحضَر لمن خاف فوات الوقت (¬2)، وقد اختلفت الرواية فى جوازه عن مالك، وفى إعادة الصلاة لمن فعله إن وجد الماء في الوقت على القول بإجازته (¬3). وفى استدلال البخارى بهذا الحديث نظر لكنه يؤنس إليه، إذ لم يرَ أن يرُد السلام ولا يذكر الله إِلا على طهارةٍ، وخشى ذهاب الرجل وفوات ردِّ السلام عليه فتيمم. وفيه حجةٌ بجواز التيمم بالتراب المنقول عن وجه الأرض، لتيممه بالجدار وهو ترابٌ مفصول (¬4)، وفيه حجة لسقوط شرط الغبار ونقل التراب فى التيمم لعدم ذلك فى تراب الجدار لتعقده، وجواز التيمم مع وجود غيره، وفيه جواز التيمم للنوافل كالفضائل. قال الطحاوى: وهذا الحديث من باب الأخذ بالفضائل، وقال الطبرى: هو على التأديبَ للمُسلَّم عليه فى حال الحَدثِ التى نهى عن السلام فيها، وليس فى الحديث ما يَدلُ على ما قال؛ لأنه إنما سلم عليه بعد إقباله من قضاء الحدث وليس بموضع النهى، لكن فى الحديث الآخر: " أن رَجُلاً مَرّ عليه وهو يبول فسلَّم عليه فلم يَرُدَّ عليه " (¬5). ¬

_ (¬1) هو أبو جُهيم بن الحارث بن الصمَّة بن عمرو، الخزرجى، الأنصارى، له صحبة وهو ابن أخت أبى بن كعب، قيل: اسمه عبد الله، وقد ذكره الشافعى فى الأم بابن الصِّمَّة. تهذيب الكمال 33/ 209، الأم 1/ 51. (¬2) ك التيمم، ب التيمم فى الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة 1/ 92. (¬3) راجع فى ذلك: المنتقى 1/ 118. وقد قال: والمشهور من مذهب مالك أنه لا يعيد، وقال ابن حبيب ومحمد بن الحكم: يعيد أبداً. (¬4) فى ت. منقول. (¬5) الحديث أخرجه أبو داود فى سننه فى الطهارة، ب فى الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر 1/ 5، والترمذى فى الطهارة، ب فى كراهة رد السلام غيرَ متوضئ 1/ 150، والنسائى، ب السلام على من يبول 1/ 36، وابن ماجة فى الطهارة، ب الرجل يسلم عليه وهو يبول 1/ 127 جميعاً عن ابن عمر، قال أبو داود: وروى عن ابن عمر وغيره أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم، ثم ردَّ على الرجل السلام، وقال الترمذى فى الحديث: هذا حديث حسن صحيح، وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسَّر بعض أهل العلم ذلك، وهذا أحسن شىء رُوى فى هذا الباب.

(29) باب الدليل على أن المسلم لا ينجس

(29) باب الدليل على أن المسلم لا ينجس (371) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعْيدٍ - قَالَ: حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيل، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ لقِيَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، فَتَفَقَدَهُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلمَّا جَاءَهُ قَالَ: " أَيْنَ كُنْتَ؟ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لقِيتَنِى وَأَنَا جُنُبٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ ". 116 - (372) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقِيَهُ وَهُوَ جُنُبٌ، فَحَادَ عَنْهُ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: كُنْتُ جُنُبًا قَالَ: " إِنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى حديث: " إن المؤمن لا ينجُس ": حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، عن ابن عُليَّة، عن حُميد الطويل، عن أبى رافع [عن أبى هريرة؛ أنه لقيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى طريق من طرق المدينة] (¬1)، وهذا منقطع (¬2)، وإنما يرويه حميد، عن بكر بن عبد الله المزنى، عن أبى رافع (¬3)، وهكذا أخرجه البخارى وأبو بكر بن أبى شيبة فى مسنده (¬4). وقوله: " إن المؤمن لا ينجُسُ ": يقال: نجِس الشىء ونجُس، بالكسر والضم، ينجَس، وينجُسُ، بالفتح والضم، ضد طَهَر. وفيه حجةٌ عِلى طهارة الآدمىِّ حيًا ومَيِّتاً، وقد اختلف فيه مسلماً كان أو كافراً، ولقول الله تعالى: {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم} (¬5) الآية. وذهب بعض المتأخرين: أن الحكم للفضيلة إنما يتعلق بالمؤمن ويحتج بهذا الحديث وشبهه، وستأتى المسألة فى الجنائز. وقوله فى الحديث: " فحاد عنه " أى مال عن طريقه ومشيه معَهُ وانصَرف، ومثله فى الرواية الأخرى: " فانسلَّ عنه ": أى خرج من جملته وصحبته برفق من حيث لا يشعُر به. ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) الحديث موصول فى المعلم. (¬3) فى المعلم: عن حميد الطويل عن أبى رافع. (¬4) البخارى، ك الغسل، ب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس 1/ 79، وابن أبى شيبة، ك الطهارات، فى مجالسة، الجنب 1/ 173. (¬5) الإسراء: 70.

(30) باب ذكر الله تعالى فى حال الجنابة وغيرها

(30) باب ذكر الله تعالى فى حال الجنابة وغيرها 117 - (373) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلمَةَ، عَنِ البَهِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلى كُلِّ أَحْيَانِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكُرُ الله على كل أحيانه ". دليلٌ أنه لا يُمنع من على غير طهارةٍ من ذكر الله (¬1)، وإنما اختلف العلماء فى قراءة الجنب والحائض القرآن ظاهراً بالمنع لهما والإباحة لهما، ومُنع الجنب لِملكِه طُهْرَه دون الحائض لأن أمرها يطول، والأقوال الثلاثة لمالك - رحمه الله - ولم يختلف قوله فى قراءة اليسير منه كالآية ونحوها على وجه التعوذ (¬2). وفيه حجة لمن أجاز الذكر على الحدثِ وفى المراحيض على ظاهِره (¬3)، وقيل: معناه: متوضئ وغير متوضئ، وقد تقدم قبل الكلام عليه. ¬

_ (¬1) قلت. أخرج أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه فى كثيرين عن على بن أبى طالب قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحجُبُه عن تلاوة القرآن شىء إِلا الجنابة. وأخرجه الحاكم فى المستدرك وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى 4/ 170، وكذا البيهقى فى السنن الكبرى 1/ 89، وفى المعرفة 1/ 774، وابن أبى شيبة 1/ 101، والدارقطنى فى سننه 1/ 118. (¬2) وذلك من غير مسٍّ. انظر: الاستذكار 8/ 14، المغنى 1/ 199. (¬3) وهو قول شاذ، شذَّ به داود عن الجماعة، كما ذكر ابن عبد البر.

(31) باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة فى ذلك، وأن الوضوء ليس على الفور

(31) باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة فى ذلك، وأن الوضوء ليس على الفور 118 - (374) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ، فَأُتِىَ بَطَعَامٍ، فَذَكَرُوا لهُ الوُضُوءَ فَقَالَ: " أُرِيدُ أَنْ أُصَلىَ فَأَتَوَضَّأ؟ ". 119 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، سَمِعْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ مِنَ الغَائِطِ، وَأُتِىَ بَطَعَامٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: " لِمَ؟ أَأُصَلى فَأَتَوَضَّأ؟ ". 120 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلمٍ الطَّائِفِىُّ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، مَوْلى آلِ السَّائِبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى الغَائِطِ، فَلمَّا جَاءَ، قُدِّمَ لهُ طَعَامٌ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا تَوَضَّأُ؟ قَالَ: " لِمَ؟ أَلِلصَّلاةِ؟ ". 121 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حُوَيْرِثٍ؛ أَنَّهُ سَمِعِ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ الخَلاءِ، فَقُرِّبَ إِليْهِ طَعَامٌ فَأَكَلَ وَلمْ يَمَسَّ مَاءً. قَالَ: وَزَادَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحُوَيْرِثِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لهُ: إِنَّكَ لمْ تَوَضَّأ؟ قَالَ: " مَا أَرَدْتُ صَلاةً فَأَتَوَضَّأَ " وَزَعَمَ عَمْرٌو؛ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الحُوَيْرِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أتى بطعامٍ فذُكر له الوضوء فقال: أريد أن أصلى فأتوضأ؟ ": أخذ مالك بظاهر هذا الحديث، وكره غسل اليد قبل الطعام، وقال: إنه من فعل الأعاجم، وقال مثله الثورى ولم يكن من فعل السلف، وحمله غيره على أنه ليس بواجب، واحتجوا بحديث ذكره أبو داود وغيره عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوضوء قبل الطعام وبعده بركة ".

(32) باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء

(32) باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء 122 - (375) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ يَحْيَى ايْضًا: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، - فِى حَدِيثِ حَمَّادٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الخَلاءَ. وَفِى حَدِيثِ هُشَيْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان إذا دخل الخلاء .. " وفى الحديث الآخر: " الكنيف " وهو بمعناه، وسُمى بذلك للتستر فيه، والكنف (¬1) الستر، فلما كان يستتر فى ذلك الموضع من يأتيه للحدث سُمى به، وكذلك سُمى الخلاء - أيضاً - بالخلوة فيه عن الناس. وقوله: " يقول: أعوذ بك من الخبث والخبائث ": رويناه عن شيوخنا بالوجهين سكون الباء وضمها، وأكثر روايات الشيوخ فيه بالإسكان، وكذا ذكره أبو عُبيد وفسَّره بالشر، وبالضم سمعناه من القاضى الشهيد، وكذا صَوَّبه الخطابى ووهَّم أصحاب الحديث فى روايتهم السكون. قال الإمام: قال الهروى: قال أبو الهيثم: الخبث بالضم (¬2) جمع الخبيث، وهو الذكر من الشياطين، والخبائث جميع الخبيثة وهى الأنثى من الشياطين، وقال أبو بكر [بن الأنبارى] (¬3): الخبث الكفر، والخبائث الشياطين. قال الإمام: والأول أشبه؛ لأن تلك [المواضع] (¬4) مواضع الشياطين. قال القاضى: قال الخطابى فى رواية الضم: استعاذ بالله من مردة الجن ذكورهم وإناثهم، قال ابن الأعرابى: أصل الخبث فى كلام العرب المكروه. قال القاضى: ولا يبعد أن يستعيذَ من الكفرِ ومن الشياطين ومن سائر الأخلاق الخبيثة والأفعال المذمومةِ وهى الخبائث، وجاء بلفظ الخبث لمجانسة الخبائث، والله أعلم؛ ولأنه لما كان الموضع خبيثاً فى نفسه استعاذ من كل ما جاء فى لفظه. وقال الداودى: الخبثُ الشيطان، والخبائث المعاصى، وقال غيره: استعاذ أولاً من الشياطين وخبثها لتضاحكها من عورة الإنسان عند انكشافها للبراز والبول، فإذا ذكر الله واستعاذ به أُعيذَ وولَّت الشياطينُ هاربةً، قال: ثم استعاذ من الخبائث وهى البول والغائط لئلا يناله منهما مكروه. ¬

_ (¬1) فى ت: والكنيف. (¬2) فى المعلم: بضم الباء. (¬3) ليست فى المعلم. (¬4) من المعلم.

الكَنِيفَ - قَالَ: " اللهُمَّ! إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائِثِ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُليَّةَ - عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخُبْثِ والخَبَائِثِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " إذا دخل ": يحتمل أن يكون معناه: إذا أراد الدخول، كما [قال تعالى] (¬1): {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّه} (¬2) الآية [أن] (¬3) معناه: إذا أردت [أن تقرأ] (¬4). قال القاضى: قد ذكر البخارى فى بعض طرق هذا الحديث: (كان إذا أراد أن يدخل) (¬5) ويجمع بين اللفظين بردِّ أحدهما إلى الآخر، ومن جهة المعنى أنه إذا كان متصلاً بالدخول قيل فيه: إذا دخل. وقد اختلف السلف والعلماء فى هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى جواز ذكر الله فى الكنيف وعلى كل حال، ويحتج قائله بهذا وبحديث ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كل أحيانه، وبقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} (¬6) وهو قول النخعى والشعبى وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن سيرين ومالك بن أنس، وروى كراهيةُ ذلك عن ابن عباس وعطاء والشعبى وغيرهم، وكذلك اختلفوا فى دخول الكنيف بالخاتَم فيه ذكر الله (¬7). ¬

_ (¬1) فى المعلم: قيل فى قوله تعالى. (¬2) النحل: 98. قلت: والأمر بالاستعاذة عند الجمهور هو أمر ندب، ليس بواجب، قال الحافظ ابن كثير: والمعنى فى الاستعاذة عند ابتداء القراءة لئلا يلبس على القارئ ويخلط عليه، ويمنعه من التدبر والتفكر، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة، وحكى عن حمزة، وأبى حاتم السجستانى أنها تكون بعد التلاوة، واحتجا بهذه الآية. تفسير القرآن العظيم 4/ 522. (¬3) و (¬4) من المعلم. (¬5) البخارى فى الوضوء، ب ما يقول عند الخلاء 1/ 48. (¬6) فاطر: 10. (¬7) المغنى 1/ 227، 228.

(33) باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء

(33) باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء 123 - (376) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ ابْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجِيٌّ لِرَجُلٍ - وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الوَارِثِ. وَنَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِى الرَّجُلَ - فَمَا قَامَ إِلى الصَّلاةِ حَتَّى نَامَ القَوْمُ. 124 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِى رَجُلاً، فَلمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلى بِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أقيمت الصلاةُ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يناجى رَجُلاً فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابُه [ثم جاء فصلى بهم (¬1)] "، قال الإمام: يحتمل أن تكون مناجاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأخيره المبادرة للصلاة بعد الإقامة إنما كانت لأن (¬2) الذى ناجاه فيه أمرٌ مهمٌ [من أمر الدين] (¬3)، كان تقديمُ النظر فيه أولى من المبادرة إلى العبادة. قال القاضى: وفى الرواية الأخرى: " وهو نجىٌّ لرجلٍ ": أى مسارِرٌ له، وهو لفظٌ يُستعملُ للواحد والاثنين والجميع، قال الله تعالى: {خَلَصُوا نَجِيًّا} (¬4) فى الجميع، وقال: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (¬5) فى الواحد. وفيه مناجاة الاثنين بحضرة الجماعة (¬6)، وجواز الكلام بعد إقامة الصلاة لا سيما فى الأمور المهمة، وأما فى غيرها فيكره، وتقديم الأمور المهمَّة التى يخشى فواتها أو شغل السِرِّ بها [عن] (¬7) الصلاة. وقوله هنا: " حتى نام الصحابةُ ثم صلى بهم " وفى الحديث الآخر: " كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينامون ثم يُصلون ولا يتوضؤون ": فيه دليل أن النوم ليس ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى المعلم: لأجل أن. (¬3) من المعلم. (¬4) يوسف: 80. (¬5) مريم: 52. (¬6) ما دام أمن سلامة قلوب الآخرين. (¬7) فى الأصل: على، والمثبت من ت.

125 - (...) وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - وَهُوَ ابْنُ الحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقولُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ. ثُمَّ يُصَلونَ وَلا يَتَوَضَّؤُونَ قَالَ: قُلتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ: إِى، وَاللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بحدثٍ فى نفسه (¬1)، وأن موجب الوضوء منه المستثقل الذاهب بحسِّ المرء حتى لا يعلم بالحدث إذا خرج منه (¬2)، وأن الخفيف اليسير منه لا يجب منه وضوء خلافاً للمزنى فى إيجابه الوضوء من قليله وكثيره (¬3)، وقد تأوله على المذهب بعض شيوخنا (¬4)، ثم اختلفت أقاويل أئمتنا وغيرهم فى هيئات النائم الذى يحكم له بنقض الطهارة إما لإمكان الاستثقال (¬5) أو لسرعة خروج الحدث كالراكع والقائم والجالس والراكب بما هو مُفَسَّرٌ فى أصولنا، وعلى هذا يحملُ نوم الصحابة - رضى الله عنهم - لأنهم كانوا جلوساً ينتظرون الصلاة، ولأنه قال فيه: " حتى تخفق رؤوسهم "، وهذه أول سنات النوم ومخامرته الحِسَّ، ولم يقل: حتى [يسقطون أو يغطون] (¬6)، وقد كان بعض السلف لا يرى النوم حدثاً على أى وجه كان حتى يُحقق خروج الحدث فيه (¬7)، وكان بعضهم يجعل من يحرُسُه إذا نام (¬8)، وذهب بعض متأخرى الشافعية إلى أن النائم إذا ضم نفسه وزمَّ وركيْه عند نومه ¬

_ (¬1) وهذا القول مروىٌ عن أبى موسى الأشعرى، وحكاه ابن عبد البر، قال: إن النوم عنده ليس بحدث على أىِّ حالٍ كان حتى يحدث النائمُ حدثاً غيرَ النوم؛ لأنه - يعنى أبا موسى الأشعرى - كان ينامُ ويوكِّل من يحرُسهُ. الاستذكار 2/ 74. وقد عقب ابن عبد البر فى التمهيد على ذلك بأنه قول شاذ والناس على خلافه. التمهيد 18/ 247. (¬2) وروى عن عُبيدَة نحو ذلك، قال أبو عمر: وهو يشبه ما نزَع إليه أصحابُ مالك، فإنهم يوجبون الوضوء مع الاستثقال من أجل ما يداخله من الشك. الاستذكار 2/ 74. (¬3) فقد قال: النومُ حدثٌ كسائر الأحداثِ، قليله وكثيرُه يوجب الوضوء. وحجته فى ذلك حديث صفوان بن عسَّال المرادى قال: " كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سفَرٍ، فأمَرنا ألا ننزع خِفافنا من غائطٍ أو بولٍ أو نوم، ولا ننزعهَا إِلا من جنابة "، قال: فلما جعلهن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى معنى الحديث واحداً، استوى الحدث فى جميعهن، مضطجعاً كان أو قاعداً، قال: ولو اختلف حدث النوم لاختلاف حال النائم لاختلف كذلك حدث الغائط والبول، ولأبانه - عليه السلام - كما أبان الآكل فى الصوم - عامداً مفطر، وناسياً غير مفطر. راجع المختصر 1/ 16، وانظر: معرفة السنن والآثار 1/ 928. (¬4) واحتجوا لذلك بحديث على ومعاوية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " وكاء السَّه العينان، فمن نام فليتوضأ ". والسَّه هو الدبر، والوكاء هو الخيط الذى يشد به الوعاء. قال أبو عمر: وهما حديثان ضعيفان، لا حجة فيهما. انظر: التمهيد 18/ 247. (¬5) وعليه حملوا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استيقظ أحدُكُم من نومه فليغسل يَدَه قبل أن يُدخلها فى وَضوئه، فإن أحدَكم لا يدرى أين باتت يدُه ". راجع: الاستذكار 2/ 67 - 78. (¬6) فى الأصل: يُغطوا أو يسقطوا. (¬7) وهو مروى عن ابن عباس وأبى هريرة وأنس بن مالك، وبه قال الحسن وسعيد بن المسيب، فقد جاء عنهم: إذا خالط النومُ قلبَ أحدِكم واستغرق نوماً فليتوضأ. السابق (¬8) هو أبو موسى الأشعرى - رضى الله عنه، وقد سبق.

126 - (...) حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أُقِيمَتْ صَلاةُ العِشَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِى حَاجَةٌ. فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِيهِ، حَتَّى نَامَ القَوْمُ، - أو بَعْضُ القَوْمِ - ثُمَّ صَلوْا. ـــــــــــــــــــــــــــــ زمًّا يأمَنُ معه خروج الحدث أنه لا وضوء عليه، وربما احتج لهذا المذهب بصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد نومه حتى نفخ (¬1)، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف غيره لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن عينى تنامان ولا ينام قلبى " (¬2)، أو يكون هذا النوم خفيفاً فى نفسه وقد يعترى أثناءه النفخ وإن لم يثقل فيسقُط معه. وسيأتى الكلام على هذا فى كتاب الصلاة إن شاء الله. [كمل كتاب الطهارة بحمد الله وعونه، ويتلوه إن شاء الله عز وجل كتاب الصلاة. بسم الله الرحمن الرحيم. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم] (¬3). ¬

_ (¬1) وهو ما أخرجه ابن ماجه وأحمد عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينامُ حتى ينفُخَ، ثم يقومُ فيُصلى ولا يتوضأ. ابن ماجه، ك الطهارة، ب الوضوء من النوم 1/ 160، أحمد فى المسند 6/ 135. قال ابن ماجه: قال الطنافِسىُّ: قال وكيعٌ: تعنىْ وهو ساجد. وقد أخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: كان نومُه ذلك وهو جالسٌ، قال أبو عمر: ليس بنا حاجةٌ إلى هذا فى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه محفوظ مخصوص بأن تنام عينه ولا ينام قلبُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما النوم الموجب للوضوء ما غَلب على القلب أو خالطه. التمهيد 18/ 250، الاستذكار 2/ 76. (¬2) البخارى، ك التهجد، ب قيام النبى فى رمضان وغيره 2/ 67. (¬3) من ت، وعير مذكورة لى الأصل.

4 - كتاب الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم 4 - كتاب الصلاة (1) باب بدء الأَذان 1 - (377) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصلاة اختلف فى اشتقاق اسمِها مِمَّ هو؟ فقيل: من الدعاء الذى تشتمل عليه، وهو قول أكثر أهل العربية والفقهاء، وتسمية الدعاء صلاة معروف فى كلام العرب، وقيل: لأنها ثانية الشهادتين وتاليتهما كالمُصَلى من السابق فى الحلبة (¬1)، وقيل: بل لأنه مُتتبع فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالمُصَلِّى مع السابق، ولعل هذا فى أول شرع الصلاة وائتمامهم فيها بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن هذا يضعف فى تسميتها فى حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو السابق، وقيل: بل هو من الصَّلوَين (¬2)، وهما عِرقان مع الرِّدف، وقيل: عظمان ينحنيان فى الركوع والسجود، قالوا: وبه سُمى المَصلى من الخيل؛ لأن أنفه يأتى مُلاصقاً صِلَوى السابق، قالوا: ومنه كُتب بالواو فى المصحف، وقيل: بل من الرحمة وتسميتها بذلك معروف فى كلام العرب (¬3)، ومنه: صلاة الله على عباده، أى رحمته، وقيل: أصلها الإقبال على الشىء، تقرباً إليه، وقيل: معناها: اللزوم، من قولهم: صَلِيَ بالنار، وقيل: الاستقامة من قولهم: صَليْتُ العودَ على النار إذا قوَّمته (¬4)، والصلاة تقيم العبد على طاعة ربه، قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر} (¬5)، وقيل: لأنها صِلة بين العبد وربه (¬6)، ثم تشعبت مذاهب المتكلمين والنظار من الفقهاء فى هذه الأسماء المستعملة فى الشرعيات كالصلاة والزكاة والصيام والحج وشبهها، هل هى منقولةٌ عن موضوعها فى اللغة رأساً؟ وهذا بعيد ومؤدٍ ¬

_ (¬1) اعترض عليه بأنه اشتقاق من الفروع. (¬2) قالوا: لا يصح؛ لأنه اشتقاق من الجوامد. إكمال 2/ 130. (¬3) حيث قالت فى العظمين السابقين: إنهما لا ينحنيان إِلا لعظيم أو ليتيم، ومن الانحناء لليتيم أخذت معنى الرحمة. (¬4) لا يصحُّ اشتقاقها من هذا؛ لأن صليت من ذوات الياء، والصلاة من ذوات الواو. (¬5) العنكبوت: 45. (¬6) لا يصحُّ اشتقاقها من هذا أيضاً؛ لأن الصلة معتلة الفاء؛ لأنها مصدر وصل، والصلاة معتلة اللام.

مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى أن العَربَ خوطِبت وأُمِرت بغير لغتها، أو هى مُبقَاةٌ على مقتضاها فى أصل اللغة، فالصلاة الدعاء، والصيامُ الإمْسَاكُ، والحج القصدُ، وهكذا فى سائرها وهو المرادُ بها والمفهوم منها، وغير ذلك مما أضيف إليها من أقوالٍ وأفعالٍ غيرُ داخِلٍ تحت الاسم، وهو مذهب القاضى أبو بكر، أو هى واقعةٌ على أصول مُسَمَّياتِها، ثم أطلق على ما انضاف إليها بحكم الاشتمال أو الاستعارة لمشابهة معناها، وهو مذهب الأشياخ والمحققين من متكلمى أهل السنة وغيرهم من الفقهاء (¬1)، وقد أطال المصنفون فى الأصول الكلام فى هذا الباب ومدّوا أطنابه، ومخالفة الجماهير من الموافقين والمخالفين جُرأةٌ تامةٌ وجسارةٌ، وقول المرء لقول قيلَ يعتقد (¬2) الصواب فى خلافه غيرُ بيِّنٍ وخسَارةٌ، فالحق أحق أن يُتبع لا سيما بخلافٍ ليس فى قاعدة دين ومقالة تلوح بالحق اليقين، ولا تخرج عن مراد مشايخنا المحققين، وذلك أنه متى أعطيت هذه الألفاظ من البحث حقها وُجِدَتْ عند المخاطبين بها لأول ورودها من أهل الشريعة معروفة المعنى على ما جاءت به من أفعال مخصوصةٍ وعبارات مُقرَّرةٍ إِلا ما غيَّر الشرع فيها من بدع الجاهلية أو نسخ من شرائع من تقدم من الكتابيَّة، لكن لا يبعد أن أصل استعمال العرب لها فى جاهليتهم قبل ورود الشريعة كان على ما أشار إليه الأشياخ، إما من إيقاعها على المعنى الحقيقى فى اللغة دون اعتبار المزيد فيها، على مذهب القاضى أبى بكرٍ، أو على الجميع بحكم تشابه المعنى والاستعارة على ما ذهب إليه غيره، ثم استُمِرَّ استعمالهُم لهذه الألفاظ عرفاً على جميع العبادة فصارت كاللغة الصحيحة والتسمية الموضوعة، فجاءهم الشرع واستعمالهم لها مفهوم عند جميعهم، فقد حققنا قطعاً بمُطالعة السِّير ومدارسة الأثر واستقراء كلام العرب وأشعارها: أن الصلاة كانت عندهم معلومةً على هيئتها عندنا من أفعالٍ وأقوالٍ ودعاءٍ وخضوعٍ وسجود وركوع، وقد تنصَّرَ كثير منهم وتهوَّد وتمجَّس، وتقربوا بالصلوات والعبادات، وجاوروا أهل الديانات، وداخلوا أهل الملل ووفَد أشرافهُم على ملوكهم، وألفت قريش رحلة الشتاء والصيف إلى بلادهم، وراقبوا ربَّانيِّهِم وأحبارهم، وشاهدوا رهبانيتَهم وشرائعهم، وثابَرَ كثيرٌ منهم على بقايا عندهم من دين إبراهيم، وعرفوا السجود والركوع والصوم والحج والعمرة والاعتكاف، وحجوا كل عام واعتمروا واعتكفوا وحضوا على الصدقة، وصاموا عاشوراء، وفى الحديث: " كان عاشوراء يوماً تصومُه الجاهلية" (¬3). وقال عُمر: " نذرتُ ¬

_ (¬1) الفارق بين النقل والاستعارة: هو أن النقل إخراج اللفظ عن موضوعه لغة، واستعماله فى غير موضوعه لا لعلاقة بين ما نقل عنه وإليه، والاستعارة استعماله فى غير موضوعه لعلاقة بينهما، فالنقل غير مراعى فيه سبق الوضع، بل هو وضع جديد من الشارع، والاستعارة مراعى فيها ذلك. (¬2) فى الأصل: يبعُدُ، والمثبت من ت. (¬3) ابن ماجة، ك الصيام، ب صيام يوم عاشوراء (1737).

عَبْدِ اللهِ - وَاللفْظُ لهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الجاهلية أن أعتكف يوماً فى المسجِد الحرام " (¬1)، وفى إسلام أبى ذرٍ وأنه صلى قبل المبعث بثلاث سنين مع صواحبه، وأنه كان يتوجه عشاءً حيث يوجِّهه الله (¬2). ومن طالع أخبارهم ودرس أشعارهم علم ذلك منهم ضرورة، فجاء الشرع بالأمر بهذه العبادات، وهى عندهم معلومةٌ مفهوم المراد منها، من أنَّ الصوم: إمساك مخصوص على أفعالٍ مخصوصةٍ بالنهار دون الليل، والاعتكاف: لزوم للتعبد والتبرُّز بمكان مخصوص، والحج: قصد مخصوص لبيت الله الحرام يشتمل على وقوف بعرفة وطواف بالبيت ودعاء وذكر وتبرُّر، وأن الصدقة: بذل المال للمحتاج، ثم سميت زكاةً لما فيها من زكاة المال ونمائه، أو زكاة صاحبه وتطهيره، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (¬3)، فإن لم تجد تسمية الزكاة الشرعية قبل معروفةً فالصدقة معروفةٌ، وقد قال الأعشى فى مدحه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: له صدقاتٌ ما تَغِبُّ ونائِلُ ومع هذا التقرير فلا مجال للخلاف مع الإنصاف، وقد طالعت بهذا الرأى أهل التحقيق من شيوخى فما رأيت منهم مُنْصِفاً ردَّه. ثم اختلف الأصوليون والفقهاء من أصحابنا وغيرهم فى ورود هذه الأوامر بهذه الألفاظ الشرعية كقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة} (¬4) و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام} (¬5)، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت} (¬6)، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬7)، فقيل: هى مجملة تحتاج إلى بيان، وقيل: هى عامةٌ تحملُ على العموم إِلا ما خصَّ منها الدليل، وقيل: تحمل على أصل ما يتناوله اللفظ، واستقصاء هذا فى علم الأصول (¬8). ¬

_ (¬1) متفق عليه. سيأتى، ولفظه: " إنى نذرت فى الجاهلية أن أعتكف فى المسجد الحرام فقال: أوف بنذرك "، وانظر كذلك: السنن الكبرى 10/ 76. (¬2) راجع: أسد الغابة 1/ 301، وفيه: وكان يعبد الله تعالى قبل مبعث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين. (¬3) التوبة: 103. (¬4) البقرة: 43. (¬5) البقرة: 183. (¬6) آل عمران: 97. (¬7) البقرة: 275. (¬8) قال الرازى فى المحصول: كون اللفظ مفيداً للمعنى إمَّا أن يكون لذاته، أو بالوضع - جعل اللفظ بإزاء المعنى - سواء كان الوضعُ من الله تعالى أو من الناس، أو بعضه من الله تعالى وبعضه من الناس. راجع: المحصول 1/ 243، حاشية البنانى على جمع الجوامع 1/ 270.

مَوْلى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِيِنَةَ يَجْتَمِعُونَ. فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ، وَليْسَ يُنَادِى بِهَا أَحَدٌ، فَتَكَلَمُوا يَوْمًا فِى ذَلِكَ. فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كانوا يتحينون الصلاة ": أى يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه، لا أنهم كانوا يتحينون وقت جواز صلاتها، فإن ذلك يُعرف ضرورة معرفة أوقاتها، والحينُ: الوقتُ من الزمان، وتشاورهم فيما يتخذون لها علماً يجتمعون إليه يدلُ على ما قلناه، وفى ذلك: التشاور فى الأمور المهمة كانت مما يتعلق بالدين أو بالدنيا. ويستدل به من يجيز اجتهاد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الشرعيات، لكن هذه بالمصالح أشبه؛ لأن المقصد فى ذلك اتفاقهم على شىء يكون علماً لاجتماعهم لئلا يستضرون بالبكور إلى تحصيله قبل وقته وتتعطل بذلك معايشهم أو يتأخرون فتفوتُهم الجماعة (¬1). وذكر فى الخبر أن عمر أشار عليهم بالنداء وقال: " ألا تبعثون رجلاً ينادى بالصلاة "، فظاهره أنه إعلام ليس على صفة الأذان الشرعى، ولكن إعلام بالصلاة كيف كان، كما ¬

_ (¬1) للأصوليين فى اجتهاد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما لا نص فيه مذاهب سبعة: الأول: جواز الاجتهاد مطلقاً شرعاً وعقلاً، سواء أكان فى الأحكام الشرعية أم المعاملات العامة كالأقضية والخصومات من غير تقييد بإنتظار الوحى. وإلى هذا ذهب عامة الأصوليين، ومالك والشافعى فى المشهور عنه، وأحمد بن حنبل، وعامة أهل الحديث، وهو منقول عن أبى يوسف من الحنفية على تفصيل فيه. الثانى: مثل الأول لكن بشرط انتظار الوحى مدة تقدر بخوف فوات الغرض الصحيح، وذلك بأن تعرض عليه الحادثة التى لا وحى ظاهر فيها، فينتظر، فإن لم ينزل عليه وحى بعده كان ذلك دليلاً على أنه مأذون له فى الاجتهاد، بل ومأمور به، حتى لا تترك الحادثة بغير حكم، وإلى هذا ذهب جمهور الحنفية. الثالث: لا يجوز له الاجتهاد مطلقاً، لا عقلاً ولا شرعاً، وهو قول الجبائى وابنه أبو هاشم من المعتزلة. الرابع: يجوز له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاجتهاد عقلاً، لكنه لم يتعبد به شرعاً، بمعنى أن الاجتهاد منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يترتب على فرض وقوعه محال لذاته ولا لغيره، أما عدم تعبده به شرعاً فلقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يوحَى} [النجم: 3، 4]، وقد رد عليه بأن الاجتهاد منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو من قبيل الوحى الباطن، لا من قبيل الرأى وهوى النفس المنفى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الآية. الخامس: أنه يجوز له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاجتهاد فى الحروب والأمور الدنيوية، ولا يجوز له فى الأحكام الشرعية. حكاه السراج الهندى. السادس: أنه يجوز له فى الحروب فقط، ولا يجوز فى غيرها، وهو محكى عن القاضى والجبائى. السابع: التوقف وعدم القطع بشىء من ذلك، وهو منسوب إلى الشافعى، واختاره الغزالى لتعارض المدارك؛ لأن القول بترجيح رأى معين فيه ترجيح لأحد الدليلين المتساويين على الآخر بلا مُرجِّح، والترجيح بلا مرجح باطل. راجع: كشف الأسرار 3/ 924، تيسير التحرير 4/ 184، حاشية البنانى على جمع الجوامع 2/ 404، المحصول 2/ 22، الأحكام للآمدى 3/ 242، المستصفى 2/ 104.

بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى. وَقَالَ: بَعْضُهُمْ: قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ. فَقَالَ: عُمَرُ أَوَ لَا تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِى بِالصَّلاةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا بِلالُ قُمْ. فَنَادِ بِالصَّلاةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء فى الحديث الآخر عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد هممتُ أن أئت رجالاً ينادون المسلمين لحين الصلاة " (¬1)، وفى الأحاديث الصحيحة غيره أنه من رؤيا عبد الله بن زيد وأن عمر ذكر أنه رأى مثل ذلك (¬2)، ¬

_ (¬1) لعله يعنى بذلك ما أخرجه البخارى فى صحيحه وأحمد فى المسند عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم أخالِفَ إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأُحَرِّق عليهم " ك الخصومات، ب إخراج أهل المعاصى والخصوم من البيوت بعد المعرفة 3/ 60. (¬2) يعنى بذلك ما أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجة من حديث محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، ولفظه: حدثنى أبى عبد الله بن زيد قال: لما أَمَرَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناقوسِ يُعملُ، ليضرِبَ به الناس فى الجمع للصلوات، طافَ بى وأنا نائم رجلٌ يحمل ناقوساً فى يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيعُ الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلتُ، ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أَدُلُّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلتُ له: بلى، قال: فقال: تقولُ: الله أكبر الله أكبر، فذكر الأذان مثنى مثنى، قال: ثم استأخر عنى غير بعيد، ثم قال: ثم تقول إذا أقيمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إِلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حىَّ على الصلاة، حىَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إِلا الله. قال: فلما أصبحتُ أتيتُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرتُهُ بما رأيتُ، فقال: " إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلالٍ فألق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك ". فقمتُ مع بلال، فجعلتُ ألقيه عليه، ويؤذن به. قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو فى بيته، فخرج يجُرُّ رداءه يقول: والذى بعثك بالحق يا رسول الله صلى الله عليك، لقد رأيتُ مثل ما رأى. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فله الحمد ". أبو داود فى الصلاة، ب كيف الأذان، الترمذى كذلك، ب ما جاء فى بدء الأذان، بغير ذكر ألفاظ الأذان والإقامة، ابن ماجة، ب بدء الأذان، أحمد فى المسند 4/ 43، كما أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه، جملة أبواب الأذان والإقامة، ب 37 - 1/ 191، وابن حبان فى صحيحه 4/ 573، البخارى فى أفعال العباد جميعاً من طريق ابن إسحاق، وقد صرَّح فى كثير منها بالسماع، فالحديث على ذلك حسن، وقال فيه الترمذى: حديث حسن صحيح. وقد أخرجه أحمد فى المسند 4/ 42، البيهقى فى السنن 1/ 414 من طريق الزهرى عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد، أخرجه عبد الرزاق فى المصنف (1787) عن إبراهيم بن محمد عن أبى جابر البياضى عن ابن المسيب، عن عبد الله بن زيد، وأخرجه أيضاً هو وابن أبى شيبة 1/ 203، الطحاوى فى شرح معانى الآثار 1/ 131، 132، البيهقى فى السنن 1/ 420 من طريق عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال فى الجوهر النقى: وقال ابن حزم: هذا إسناد فى غاية الصحة 1/ 108، وقال الزيلعى فيه: وهذا رجاله رجال الصحيح، وهو متصل على مذهب الجماعة فى عدالة الصحابة 1/ 140. قال فى إعلاء السنن: اعلم أن الأذان قد ثبت فى الشرع برؤيا غير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن مقروناً بتقريره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو وحى حكمى، وما يروى فى ثبوته بالوحى الحقيقى ابتداءً فالأحاديث فيه لا تخلو من جرح 20/ 95.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر أصحاب المسندات أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُلِّم الأذان على صفته ليلة الإسراء (¬1)، وفى حديث آخر ذكره أبو داود فى مراسيله وغيره: أن عُمَر لما رأى الأذان فى المنام أتى يُخبرُ به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد جاء الوحى بذلك فما راعَهُ إِلا بلالٌ يؤذن، فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سبقك بذلك الوحى " (¬2)، وذكر فى غير الأم كراهة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أشاروا به من الناقوس والبوق والنار وتعليل ذلك؛ لأنه فعل غيرهم ممن تقدَّمهم من أهل الملل. وقوله: " قم يا بلال فناد بالصلاة ": حجةٌ لشرع الأذان والقيام له، وأنه لا يجوز أذان القاعد عند العلماءِ إِلا أبا ثورٍ فأجازه، وبه قال أبو الفرج من أصحابنا، وأجاز مالك وغيرُه لعلَّةٍ به إذا أذَّن لنفسه (¬3)، إذ المقصود من الأذان الإعلام وهو معنى الإعلام ولا يتأتى من القاعد. ومضمن الإعلام فيه لثلاثةِ أشياء: لدخول الوقت، والدعاء للجماعة ومكان صلاتها، ولإظهار شعائر الإسلام، وأن الدارَ دار إسلام. وقد يحتج داود والأوزاعى ومن قال قولهما أن الأذان للصلاة فرض بأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلالٍ بالأذان، إذا سلمنا حمل الأوامر على الوجوب، لكن هذا فى الأوامر المطلقة المجردة عن القرائن فهى المختلف فيها، وأمَّا هنا فالقرينة معلومةٌ، وهو تشاورٌ الناس ورغبتهم أن يجعلوا لصلاتِهِم عَلماً، وكونُ هذا عن رأى عمر أو رؤيا، وكل هذا قرائن تُبعِدُ الوجوبَ وتشهد أنه سُنَّة للصلاة، وهو مذهب مالك وجمهورُ الفقهاء (¬4). واختلف المذهب فى أذان الجمُعةِ أهو فرضٌ أم سُنَّةٌ؟ واختلِفَ فى الأذان على الجملة فظاهر قول مالك فى الموطأ أنه على الوجوب فى الجماعات والمساجد، وقال به بعض أصحابنا، وأنه فرض على الكفاية، وهو قول بعض أصحاب الشافعى، وقال الأوزاعى وداود فى آخرين: هو فرض ولم يُفَصِّلوا (¬5)، وروى الطبرىُ عن مالك إن ترك أهلُ مصرٍ الأذانَ عامدين أعادوا الصلاة (¬6)، وذهب بعضهم ومعظَمهُ أصحابنا إلى أنه سُنَّةٌ (¬7). ¬

_ (¬1) لم أقف عليه. (¬2) مراسيل أبى داود 81، ورجاله ثقات. (¬3) أخرج عبد الرزاق عن الثورى عن أبى إسحاق قال: يكره للمؤذن أن يؤذن وهو قاعد. وله عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: هل يؤذن المؤذن غير قائم؟ قال. لا إِلا من وجع، قلت: من نعاس أو كسل؟ قال: لا. المصنف لعبد الرزاق 1/ 479، وراجع: المصنف لابن أبى شيبة 1/ 213. (¬4) راجع فى ذلك الشرح الصغير 1/ 248، مغنى المحتاج 1/ 135، المجموع 3/ 97، اللباب شرح الكتاب 1/ 62، بدائع الصنائع 1/ 147. (¬5) وهو قول عطاء ومجاهد. التمهيد 13/ 278. (¬6) السابق. (¬7) قال ابن عبد البر: واختلف المتأخرون من أصحاب مالك على قولين فى وجوب الأذان، فقال بعضهم: الأذان سنة مؤكدة واجبة على الكفاية وليس بفرض، وقال بعضهم: هو فرض على الكفاية فى المصر خاصة. التمهيد 13/ 277.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأول هو الصحيح، لأن إقامة السنن الظاهرة واجبٌ على الجملة حتى لو تَرك ذلك أهلُ بلدٍ لجُوهدوا حتى يقيمُوها. وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يختلفوا أن الأذان واجبٌ فى الجملة على أهلِ المِصرِ لأنه شعار الإسلام، قال بعضُ شيوخنا: أَمَّا لهذا الوجه ففرض على الكفاية، وهو أكثر مقصود الأذان، إذ كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا غزا فإن سَمِعَ أذاناً أمسَكَ وإلا أغار، فإذا قام به على هذا واحدٌ فى المصرِ وظهر الشعار، سقط الوجوبُ وبقى المعنى الثانى بتعريف الأوقات، وهو المحكىُّ الخلافُ فيه عن الأئمة والذى اختلف لفظ مالك وبعض أصحابه فى إطلاق الوجوب عليه، فقيل: معناه: وجوبُ السُنن المؤكدة - كما جاء فى الجمعة والوتر وغيرهما. وقيل: هو على ظاهره من الوجوب على الكفاية، إذ معرفة الأوقات فرض وليس كل أحدٍ يقدر على مراعاتها، فقام به بعض الناس عن بعض، وتأوَّل هذا قول الآخرين سُنَّةٌ، أى ليس من شرط صحة الصلاة كقولهم فى ستر العورة وإزالة النجاسة (¬1). واختصاصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً وعدوله عن ابن زيد [الذى] (¬2) رأى الرؤيا، وقد كان رغبَ فى أن يؤذنَ هو على ما جاء فى المصنفات للعلة التى ذكرها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قوله: " فإنه أندى منك صوتاً " قيل: أرفع، ويحتمل أن يكون معناه: أحسنُ، وفى بعض الروايات: " إنَّك فظيع الصوت " (¬3)، ففيه أنَّه يختار للأذان أصحاب الأصوات النَّدِية المستحسنة، ويكره من ذلك ما فيها غلظٌ وفظاعةٌ، أو تكلفٌ وزيادةٌ، ولذلك قال عمرُ بن عبد العزيز: " أذِّن أذاناً سمحاً، وإلا فاعتزلنا " (¬4)، وروى عن الأنصار أن عبد الله بن زيد كان يومئذٍ مريضاً، ولولا ذلك لجعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤذناً (¬5)، وهذا منهم تأويل وإلا فقد أبان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِلة، وقد جعل ابنَ زيدٍ يُقيم بقوله: " أقم أنت ... " فى الحديث الآخر، وجاء فى غير الأَمِّ. ¬

_ (¬1) راجع: التمهيد 13/ 276. قال: وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر سراياه بذلك، وقال الله عز وجل: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا ولَعِبًا} [المائدة: 58]، وقال: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَة} [الجمعة: 9]، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا نودى للصلاة أدبر الشيطان " الحديث. (¬2) ساقطة من النسختين، واستدركت بهامش ت استدراكاً سقيماً. (¬3) لفظ عبد الرزاق عن عبد الله بن زيد: فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُمْ فأذِّن "، فقال: يا رسول الله، إنى فظيع الصوت، فقال له: " فَعلِّم بلالاً ما رأيت ". المصنف 1/ 461. (¬4) أخرجه ابن أبى شيبة من حديث سفيان عن عمر بن سعد المكى أن مؤذِّناً أذن فطرب فى أذانه فقال له عمر ... الخبر. وهو معنى ما أخرجه عن إبراهيم قال: الأذان حزم. المصنف 1/ 229. (¬5) أخرجه أبو داود فى سننه عن أبى بشر 1/ 116، وانظر: التمهيد 24/ 21.

(2) باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة

(2) باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة 2 - (378) حَدَّثَنَا خَلفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخَبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، جَمِيعًا عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ. زَادَ يَحْيَى فِى حَدِيثِهِ، عَنْ ابْنِ عُليَّةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَيُّوبَ. فَقَالَ: إِلا الإِقَامَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذان [ويوتر الإقامة] (¬1) ": أى يثنيه، على هذا جمهور أئمة الفتوى والناسُ اليوم فى أقطار الدنيا، وقد روى فيه عن السلف خِلافٌ شاذ فى إفراده وفى تثنيته، والخلاف بين الفقهاء فى الترجيع نذكرُه بعد إن شاء الله تعالى. وقوله: " يُنوِّروا ناراً " وفى الرواية الأخرى: " يوروا ناراً ": هما قريبان، فيوروا بمعنى: يُوقدوا ويُشعلِوا، يقال: أوريتُ النارَ إذا أشعلتها. قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُون} (¬2) ويُنوِّروا بمعنى: يُظهِروا نورَها ويبيِّنوه ليُجتمع إليه. وقوله: " ويوتر الإقامة ": أى يُفردها، قال الإمام: المشهور عن مالك: إفراد الإقامة؛ لأنه المعمول به بالمدينة (¬3)، وعند الشافعى: أنها مثنى، يقول المؤذن: قد قامت الصلاة - مرتين - وهو عمل أهل مكة [عنده] (¬4) و [قد] (¬5) روى عن مالك رواية شاذة مثل قول الشافعى هذا. قال القاضى: ووافق الشافعى مالكاً فى سائر الكلمات إِلا هذه، وقد ذكر مسلم من حديث أيوب فى هذا الحديث قول: " إِلا الإقامة " معناه: ويوتر الإقامة إِلا الإقامة، أى قوله: " قد قامت الصلاة " وهى حجة الشافعى والثورى، والكوفيون يشفعون الإقامة كلها ويجعلون التكبير الأول أربعاً كالأذان وهو قول بعض السلف (¬6) والجمهور على ¬

_ (¬1) من ت فقط. (¬2) الواقعة: 71. (¬3) فى المعلم: فى المدينة. (¬4) و (¬5) من المعلم. (¬6) وحجتهم فى ذلك حديث عبد الرحمن بن أبى ليلى عن بلال ومعاذ وعبد الله بن زيد: الأذان والإقامة مثنى مثنى. أبو داود فى السنن، ك الصلاة، ب كيف الأذان، أحمد فى المسند 5/ 246. قال ابن خزيمة: عبد الرحمن بن أبى ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل، ولا من عبد الله بن زيد، فغير جائز أن يحتج بخبر غير ثابت على أخبار ثابتة. ثم قال البيهقى: وكما لم يسمع منهما لم يسمع من بلال =

3 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوَا وَقْتَ الصَّلاةِ بِشَىءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُنَوِّرُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَترها (¬1)، وورَد تشفيعُها فى حديث أبى محذورة من رواية همام عن عامِرٍ الأحول ومن رواية مُسَدَّد عن الحارث بن عبيد، والمعروف من حديث أبى محذورة، وسائر الأحاديث إفرادُ الإقامة كلها، وزيادة أيوب: " إِلا الإقامة " فقد قيل: هى من قوله لا من الحديث، وقد اخُتلفَ على أيوب فى ذلك أيضاً، فلم يذكر وهيبٌ عنه: " إِلا الإقامة "، وقد رويت - أيضاً - فى حديث عبد الله بن زيد، وإن صَحَّت من حديثه فزيادة الواحد - وإن كان ثقة حافظاً - إذا خالف جماعة الحفاظ مردودةً، لا سيما وعمل أهل المدينة ومكة بالنقل المتواتر - الذى لا يدخله شك - خلفٌ عن سلف، لا يكاد يخفى عن أحدٍ منهم خمس مراتٍ كل يوم بمحضر جماهيرهم، وأنها سُنَةٌ بينهم، ولو غُيِّر ذلك عن حاله لنُقِل تغييره كما نُقل تأخير الخطبة والأذان الثانى وغير ذلك. وحكم الإقامة عند مالكٍ والشافعى وكافة الفقهاء أنها سُنَّةٌ مؤكدةٌ، وأنه لا إعادة على ¬

_ = ولا أدرك أذانه، فإنه ولد لست بقين من خلافة عمر وتوفى بلال سنة عشرين. معرفة السنن 1/ 257، 258. قال: والترجيح بالزيادة إنما يجوز بعد ثبوت الزيادة، وحديث عبد الله بن عمر دلالة على أن الأمر صار إلى إفراد الإقامة - إن كانت مثنى قبل ذلك. وإلى إفراد الإقامة ذهب سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والزهرى، ومالك بن أنس، وأهل الحجاز. وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز، ومكحول، والأوزاعى، وأهل الشام. وإليه ذهب الحسن البصرى، ومحمد بن سيرين، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور ومن تبعهم من العراقيين، وإليه ذهب يحيى بن يحيى، وإسحاق الحنظلى ومن تبعهما من الخراسانيين. السابق 1/ 261. وقال أبو حنيفة والثورى: الإقامة والأذان سواء مثنى مثنى، وذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، والطبرى وداود إلى إجازة القول بكل ما روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، وحملوا ذلك على الإباحة والتخيير، وقالوا: كل ذلك جائز؛ لأنه ثبت جميع ذلك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمل به أصحابه بعده. التمهيد 24/ 31، 18/ 313. (¬1) فقد أخرج أبو داود وابن خزيمة وغيرهما عن عبد الله بن عمر: كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثنى مثنى، والإقامة مرَّة مرَّة، غير أن المؤذِّن إذا قال: قد قامت الصلاة قال مرتين. أبو داود فى السنن، ك الصلاة، ب فى الإقامة 1/ 141، الدارمى 1/ 270، النسائى فى ك الأذان، ب كيفية الإقامة 2/ 21، وابن خزيمة، ك الصلاة، ب جماع أبواب الأذان والإقامة 1/ 193، الدارقطنى فى السنن 1/ 239.

4 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. لمَّا كثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوا. بِمِثْلِ حَدِيثِ الثَّقَفِىِّ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَنْ يُورُوا نَارًا. 5 - (...) وَحَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنِ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيد وَعَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تركها (¬1)، وعند الأوزاعى وعطاء ومجاهد وابن أبى ليلى أنها واجبةٌ وعلى من تركها الإعادة، وبه قال أهل الظاهر، وروى - أيضاً - عندنا إعادةُ الصلاةِ لمن تركها عمداً، فحمله بعض المتأخرين على القول بوجوبها وليس بشىء، إذ لو كانت واجبةً لاستوى فيها العمدُ والنسيان، وكافة شيوخنا قالوا: إنما ذلك لأَنَّ الاستخفاف بالسُنن وتركها عمداً يؤثر فى الصلاة، وفى هذا - أيضاً - نظرٌ لأنها سُنةٌ خارجةٌ عن الصلاة منفصلة غير متصلة. ¬

_ (¬1) قال أبو عمر: وهى عندهم أوكد من الأذان، ومن تركها فهو مسىء، وصلاته مجزئة، ولا إعادة عليه. التمهيد 18/ 318.

(3) باب صفة الأذان

(3) باب صفة الأذان 6 - (379) حَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ أَبُو غَسَّانَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، وَقَالَ إِسْحاَقُ: أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِىِّ، وَحَدَّثَنِى أَبِى عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِى مَحْذُورَةَ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلمَهُ هَذَا الأَذَانَ " اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ. أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى تعليم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأذان لأبى محذورة التكبير أولاً مرتين، كذا فى أكثر الأصول وروايات جماعة شيوخنا، ووقع فى بعض طرق الفارسى " [الأذان] (¬1) أربع مراتٍ "، وكذلك اختلف فى أذان عبد الله بن زيد فروى فيه " التكبير أربع مرات "، وروى ثنتان، وبالتربيع قال الشافعى: وحجته رواية التربيع وعَملِ أهل مكة، وبالتثنية قال مالك: وحجته رواية التثنية، ونقل أهل المدينة المتواترُ خلفٌ عن سلفٍ عن أذان بلالٍ للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو آخر أذانه، والذى توفى عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحجةُ بهذا النقل قطعٌ ضرورىٌ، وقد رجع إليه المخالف عند مشاهدته له وسلمه (¬2). وذكر مسلمٌ الترجيعَ والعودَ إلى الشهادتين مرتين آخرتين (¬3)، وبهذا قال مالك والشافعى (¬4)، وجمهور العلماء على مقتضى حديث أبى محذورة واستمرار عمل أهل المدينة، وتواتر نقلهم عن أذان بلال، وذهب الكوفيون إلى ترك الترجيع على ما جاء فى حديث عبد الله: أن زيد أول أمر الأذان (¬5)، وما استقر عليه العملُ وكان آخر الفعلين من ¬

_ (¬1) جاء فى الأصل هكذا، وعليه ما يشبه الضرب، وأمامه بالهامش كتب: أظنه التكبير. وما ذكره القاضى من أنه مروى عن المالكية فإنى لم أجده إِلا لأهل الظاهر، والأوزاعى وعطاء ومجاهد، قالوا: إنها واجبة، ويرون الإعادة على من تركها أو نسيها. التمهيد 18/ 318. (¬2) المنتقى 1/ 134، المغنى 1/ 56. (¬3) فالترجيع هو رجوع المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إِلا الله مرتين، أشهد أنَّ محمداً رسول الله مرتين فيرجع ويمد صوته جهرة بهما مرتين أخرتين. الاستذكار 4/ 13. (¬4) الخلاف بين مالك والشافعى فى الأذان هو فى التكبير أوَّله، فمالك يقوله مرتين - الله أكبر الله أكبر - والشافعى يقوله أربع مرات. والليث بن سعد مذهبه فى الأذان والإقامة كمذهب مالكٍ سواء، لا يخالفه فى شىء من ذلك. وقال أبو حنيفة وأصحابُه، والثورى: الأذانُ والإقامةُ جميعاً مثنى مثنى، والتكبيرُ عندهم فى أول الأذان وأول الإقامة: الله أكبر أربع مرات، ولا ترجيع عندهم فى الأذان. أما الإقامة فلا خلاف بين الشافعى ومالك إِلا فى قوله: " قد قامت الصلاة " فإن مالكاً يقولها مرة، والشافعى يقولها مرتين. قال أبو عمر: وأكثر العلماء على ما قال الشافعى، وبه جاءت الآثار. الاستذكار 4/ 13. (¬5) وأما البصريون فأذانهم ترجيع التكبير مثل المكيين، ثمَّ الشهادة بـ " أن لا إله إِلا الله " مرةً واحدةً، =

إِلهَ إِلا اللهُ. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ". ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: " أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا الله. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى. وذهب أهل الحديث أحمدُ وإسحاقُ [ابن راهويه] (¬1) والطبرى وداود إلى التخيير فى الفعلين، على أصلهم فى الأحاديث إذا صحت واختَلفَت ولم يُعرَف المتأخِّرُ من المتقدم، أنها للتوسعة والتغيير، وقد ذكر نحوٌ من هذا عن مالك (¬2). ولم يذكر مسلم فى رواية رفع الصوت ولا خَفضِه، وقد اختلفت الرواية فيه عن أبى محذورة فى غير كتاب مسلم فى مصنف أبى داود وغيره من رواية ابنه عبد الملك: " أمره برفع الصوت فى التكبير وخفضه فى التَشَهدَيْنِ (¬3)، ثم يرفَعُه فى الترجيع بالشهادتين "، ومن رواية مُحيَرْيز لم يذكر خفض الصوت ولا رفْعَه ولكن قال فى الترجيع: " ثم ارجع فَمُدَّ من صوتك " (¬4)، فظاهره أن الحال فى التكبير والتشهدين أولاً سواء، وقد اختلف النقلُ عن مالكٍ بالوجهين، والمشهور عنه رفع الصوت بالتكبير، وأن الخفض والقَصْد منه إنما هو فى التشهدين، وبه عَمِل الناسُ، وقذ اختُلِفَ عليه فى تأويل قوله فى المدوَّنة بالوجْهين، ولكن لا ينتهى الخفض لحدٍ يُخرِجُ عنَ الإعلام، وإنما يكون أخفض من غيرهِ (¬5). ولم يذكر مسلم: " الصلاة خير من النوم ". وذكره أبو داود وغيرُه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له حين عَلَّمَه الأذانَ: " فإذا كُنتَ فى صلاة الصبح فقل: الصلاة خير من النوم، مرتين " (¬6)، وهو مشروع فى الصلاة، وبه قال جمهور العلماء إِلا أبا حنيفة. ¬

_ = وبـ " أشهدُ أن محمداً رسولُ الله " مرَّةً، " ثم حىّ على الصلاة " مرةً، " ثُمَّ حى على الفلاح " مَرَّةً، ثُمَّ يرجع المؤذن فيمُد صوته ويقول: " أشهَدُ أن لا إله إِلا الله " الأذان كلهُ مَرَّتين مرَّتين إلى آخِرِه. (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬2) راجع: التمهيد 24/ 31، 18/ 313، المغنى 1/ 56، 57، المنتقى 1/ 135. (¬3) فى الأصل: التشهيدين، والمثبت من ت. (¬4) أبو داود فى الصلاة، ب كيف الأذان، الترمذى فى الصلاة، ب ما جاء فى الترجيع فى الأذان. (¬5) المدونة 1/ 57. (¬6) أبو داود الكتاب والباب السابقين، الترمذى الكتاب السابق، ب ما جاء فى التثويب فى الفجر. وقد أخرج ابن أبى شيبة عن عطاءٍ قال: كان أبو محذورة يُؤذِّنُ لرسول الله ولأبى بكر ولعمر، فكان يقولُ فى أذانه: الصلاة خير من النوم. المصنف 1/ 208، والسنن الكبرى 1/ 421. وله عن بلال وأبى محذورة أنهما كانا يثوِّبان فى صلاة الفجر: الصلاةُ خيرٌ من النوم. وقد أخرج ابن ماجة عن سعيد بن المسيب أنَّ بِلالاً أذَّن ذات ليلة، ثم جاء يُؤذِنُ النبى عليه السلام =

مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. حَىَّ عَلى الصَّلاةِ (مَرَّتَيْنِ)، حَىَّ عَلى الفَلاحِ (مَرَّتَيْنِ) " زَادَ إِسْحَاقُ: " اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. لا إِلهَ إِلا اللهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف فى ذلك قول الشافعى، وحجتُهم: أنه لم يَرِد فى الأحاديث الأخر، والنقل المتواتر أصبح حجةً مع صِحَّةِ الرواية به، ومالك يرى تثنيته كسائر كلمات الأذان، وابن وهب يُفرده، وهو معنى قوله فى الحديث الآخر: " فإذا ثُوبَ بالصلاة أدبر " (¬1) عند كثير من الشارحين. ¬

_ = فنادَى: الصَّلاةُ خيرٌ من النوم، فأُقِرَّت فى صلاة الصبح. ك الأذان، ب السنة فى الأذان 1/ 237، وجاء فى الزوائد: إسناده ثقات، إِلا أن فيه انقطاعاً، سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال. (¬1) سيأتى فى المساجد، ب السهو فى الصلاة والسجود له، وقد أخرجه مالك والبخارى فى الأذان، ب فضل التأذين، وكذلك النسائى 2/ 21.

(4) باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد

(4) باب استحباب اتخاذ مؤذنَين للمسجد الواحد 7 - (380) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: كَانَ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ: بِلالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى. (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرِ. حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤذنان بلال وابن أم مكتوم [الأعمى] (¬1) " يعنى فى وقتٍ واحدٍ، وإلا فقد كان له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرُهما، أذَّن له أبو محذورة بمكة، ورتَّبه لأذانها، وسعدٌ القَرَظِ (¬2) أذن للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقباء ثلاث مرات وقال له: " إذا لم تر بلالاً فأذِّن " [ولكن هذان ملازمان له معاً بالمدينة] (¬3). وفيه جواز اتخاذ مؤذنين فأكثر لصلاةٍ واحدةٍ، يؤذنان مجتمِعَين أو مفترقين، إِلا فى ضيق الوقت فلا بأس بأذانهم مجْتَمِعَين. وفيه جواز أذان الأعمى إذا كان معه ثقةً ممن يُعلِمَهُ بالأوقات (¬4). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬2) جاءت فى الإكمال بالياء، وهو وَهْم، والصواب ما ذكره القاضى، فقد أخرج ابن سعد أن سعد القَرظِ كان يمشى بالعنزة بين يدى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فى العيدين، فيركزها بين أيديهما ويصليَّان إليها. الطبقات الكبرى 3/ 236. (¬3) جاءت فى جميع النسخ مضطربة هكذا: لزما له الأذان له معاً بالمدينة، والتصويب من إكمال الإكمال، وليست به لفظة (معاً) 2/ 135. (¬4) جاءت فى الموطأ: وكان - ابن أم مكتوم - رجلاً أعمى؛ لا ينادى حتى يقال له: أصبحت أصبحت. قال أبو عمر: وفى الحديث دليلٌ على جواز شهادة الأعمى على ما استيقنه من الأصوات، ألا ترى أنه كان إذا قيل له: أصبحت قبل ذلك وشهد عليه وعمل به. التمهيد 10/ 61.

(5) باب جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير

(5) باب جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير (¬1) 8 - (381) حَدَّثَنِى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ الهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ مَخْلدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَعْمَى. (...) وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلمَةَ المُرَادِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(6) باب الإمساك عن الإغارة على قوم فى دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان

(6) باب الإمساك عن الإغارة على قوم فى دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان 9 - (382) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ حَمَّادِ ابْنِ سَلمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلعَ الفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِلا أَغَارَ، فَسَمِعَ رَجلاً يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلى الفِطْرَةِ " ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ "، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِى مِعْزًى (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى سمعه يقول: الله أكبر الله أكبر: " على الفطرة ": أى على الإسلام، إذْ كان الأذانُ شعارَهم، ولهذا كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سَمِعَ أذاناً أمسك وإلا أغارَ؛ لأنه كان فَرْق ما بين بلد الكفر وبلد الإسلام. وقوله: حين سَمِعه قال: لا إله إِلا الله: " خرجت من النار ": يُريدُ بتوحيده وصحة إيمانِه، فإن ذلك منجٍّ من النار. وقوله: " فَإذا هو راعى معزى ": حجةً فى جواز أذان المنفرد البادى، وهو مستحبٌ فى حقه مُرَغبٌ له فى ذلك. ¬

_ (¬1) " معزى ": فى المصباح: المعز اسم جنس لا واحد له من لفظه. وهى ذوات الشعر من الغنم. الواحدة شاة. وتفتح العين وتسكن. وجمع الساكن أمعز ومَعِيز. مثل عبد وأعبُد وعَبيد، والمِعزى ألفها للإلحاق لا للتأنيث. ولهذا ينون فى النكرة. ويصغر على مُعَيْز ولو كانت الألف للتأنيث لم تحذف. والذكر ماعز، والأنثى ماعزة.

(7) باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله له الوسيلة

(7) باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلى على النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسأل الله له الوسيلة 10 - (383) حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الليْثِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدَرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: [قال أبو سعيد الخدرى قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1): " إذا سمعتُم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن "، قال الإمام: اختلف [الناس] (¬2) فى المصلى، هل يحكى المؤذنَ إذا سمِعه وهو فى الصلاة؟ فقيل: يحكيه فى الفريضة والنافلةِ، وقيل: لا يحكيه فيهما، وقيل، يحكيه فى النافلة خاصة، فمن رأى أن الشغل بالصلاة أولى لم يحكهِ، ومن قال: يحكيه فيهما قدَّم الأخذ بعموم الحديث، ومن قال: يحكيه فى النافلة فلأن الأمر فيها أخف من الفريضة. قال القاضى: الثلاث مقالات فى مذهبنا (¬3)، ويمنع ذلك بالجملة أصحابُ أبى حنيفة (¬4)، وأجازه الشافعى فى النافلة، واختلف إذا حكاه فى الصلاة فى جميعه وقال: حى على الصلاة، هل تفسُدُ صلاتُه أم لا؟ والقولان فيهما فى مذهبنا، وبفسادها قال الشافعى فى النافلة والفريضة (¬5)، وحكى الطحاوى أنه اختلف فى حكمه، فقيل: واجبٌ، وقيل: مندوبٌ - وهو الصحيح والذى عليه الجمهور - واختلف هل يلزم هذا عند سماع كل مؤذن؟ أم لأوَّل مؤذن فقط؟ واختُلِفَ فى الحدِ الذى يحكى فيه المؤذن هل إلى التشهدين الأولين؟ أم الآخرين؟ أم لآخر الأذان؟ ونقل القولان عن مالك (¬6)، ولكنه ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) ليست فى المعلم. (¬3) المنتقى 1/ 131، الاستذكار 4/ 22. (¬4) بدائع الصنائع 1/ 155. (¬5) قلت: بل بعدم فسادها قال الشافعى، راجع الأم له 1/ 76، والمجموع 3/ 118. ولعل السبب الحامل على هذا الوهم من القاضى - رحمه الله - أنه اكتفى فيه بالنقل عن ابن خوازبنداذ الذى نقل عنه - أيضاً - أبو عمر هذا القول فى الاستذكار. راجع الاستذكار 4/ 23. (¬6) والحجة لمن ذهب إلى القول فى الترديد إلى أنه إلى آخر الأذان ظاهر الحديث وعمومه، وحديث عبد الله ابن عمرو الذى أخرجه أبو داود: أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما بال المؤذنين يفضلوننا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسَلْ تُعط " وقد صححه ابن حبان. موارد الظمآن 96، =

11 - (384) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلمَةَ المُرَادِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِى أَيُّوبَ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدُ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولوا مِثْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى القول الآخر إذا حيعل المؤذن فيقول السامع: لا حول ولا قوة إِلا بالله، وكذا جاء فى الحديث فى الأم بعد هذا فى فضل الحاكى للمؤذن، ووجه الأول أنه يحكيه فيما فيه ذكرٌ وشهادة لله وثناءٌ عليه، وما بعد ذلك دُعاءٌ وإعلامٌ، وتكرار لما قد حكى وقال مثل قوله فيه، وقال الشافعى بحكايته فى الجميع، وقال بعض أصحابنا: بل إلى ترجيع التشهدين، وقيل: بل لا يلزمه إِلا فى التشهدين، أولاً فقط. [وفى حديث عمر رضى الله عنه إذا قال المؤذن: حى على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إِلا بالله، ثم قال: حى على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إِلا بالله] (¬1). قال الإمامُ: الحيعلةُ ها هنا: الدعاء إلى الصلاة، والأجرُ فى الدعاء يحصُل لمن يسمع [بها] (¬2)، فيصح أن يكون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر من يحكى المؤذنَ أن يجعل الحوقلةَ موضع الحيعلة ليكون له من الأجر نحو ما فاته من أجر الإسماع؛ لأن الذكر الذى أمره أن يحكيَه فى الأذان يحصُل لمعُلِنهِ الأجرُ ولمخفيه الأجر، قال المطرزُ فى كتاب اليواقيت (¬3) وفى غيره: أن الأفعال التى أُخِذَت من أسمائها سبعةً، وهى: بَسمَل الرجلُ، إذا قال: بسم الله، وسبحل، إذا قال: سبحان الله، وحوقل، إذا قال: لا حول ولا قوة إِلا بالله، وحيعل إذا قال: حى على الفلاح، [ويجىء على القياس: الحيصلة، إذا قال: حى على الصلاة - ولم يذكره] (¬4) - وحمْدَل، إذا قال: الحمدُ لله، وهلل، إذا قال: لا إله إِلا الله، وجعفل، ¬

_ = وأبو داود، ب ما يقول إذا سمع المؤذن (524). ومن ذهب إلى أنه يقولُ كما يقول المؤذن فى كل شىء إِلا فى قوله: حى على الصلاة حى على الفلاح. فحجتهم حديث عمر بن الخطاب هنا. وإلى التشهد فلحديث الزهرى عن ابن المسيب عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سمعتم المؤذن يتشهد فقولوا مثل قوله "، وحديث سعد بن أبى وقاص عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إِلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر الله له " أبو داود 1/ 44، والمصنف لابن أبى شيبة 1/ 226، وبحديث عائشة: أن النبى عليه السلام كان إذا سمع الأذان قال: " وأنا أشهدُ، وأنا أشهد ". قال ابن عبد البر: ومن قال بهذا الحديث يقول: لا يلزم من سمِع المؤذن أن يأتى بألفاظه إذا أتى بمعناه من التشهد، والإخلاص، والتوحيد. التمهيد 10/ 141. (¬1) و (¬2) من المعلم، وهو لفظ الحديث. (¬3) فى المعلم: الياقوت له. (¬4) ليست فى المعلم.

مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلوا عَلىَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلى عَلىَّ صَلاةً صَلى اللهُ عَليْهِ بهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلوا اللهَ لِى الوَسِيلةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلةٌ فِى الجَنَّةِ لا تَنْبَغِى إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ. وَأَرجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِى الوَسِيلةَ حَلتْ لهُ الشَّفَاعَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا قال: جُعلتُ فدَاك، زاد الثعالبى: الطبْقَلة، [إذا قال] (¬1): أطال الله بقاءك، والدَمْعَزَةَ، [إِذَا قالَ] (¬2): أدام الله عزك، قال غيره: قال ابن الأنبارى: ومعنى (حىَّ) فى كلام العرب: هَلمَّ وأقبل، والمعنى: هلمُّوا إلى الصلاةِ وأقبلوا، وفتحت الياء من حىَّ لسكونها وسكون الياء التى قبلها، كما قالوا: ليْت، ومنه قول عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه -: " إذا ذكر الصالحون فحىَّ هلاً بِعُمَر " معناه: أقبلوا على ذكر عمر - رضى الله عنه - قال: ومعنى حىَّ على الفلاح هَلمُّوا إلى الفوز، يقال: أفلح الرجلُ إذا فاز وأصاب خيراً، ومن ذلك الحديث الذى يروى " استفْلِحْنى برأيكَ "، معناه: فوَّزنى، قال لبيد: اعْقلى إن كنتِ لما تعقلى ... ولقد أفلحَ من كان عقَلْ معناه: ولقد فاز، وقيل: معنى " حىَّ على الفلاح ": هَلمُّوا إلى البقاء، أى أقبلوا على سبب البقاء فى الجنة، والفلحُ والفلاح عند العرب البقاء، قال الشاعر: لكل همٍّ من الهموم سَعَهْ ... والمُسْىُ والصبح لا فلاح معه أى: لا بقاء ولا خلود. [و] (¬3) قال لبيدٌ: لو كان حىٌّ مُدرِكَ الفلاحِ ... أدركه ملاعِبُ الرِماحِ وقوله عز وجل: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬4) قيل: معناه: الفائزون، وقيل: الباقون فى الجنة، والفلحُ والفلاحُ - أيضاً - عند العرب: السَّحورُ. قال القاضى: قوله: الحيْصَلةُ على قياس الحيعلة غير صحيح، بل الحيعلة تنطلق على " حى على الفلاح "، وعلى " حى على الصلاة "، وكلها حيعلة، ولو كان على قياسه فى الحيصَلة لكان الذى يقال فى " حى على الفلاح ": الحيفلة - بالفاء - وهذا لم يُقَل، وإنما الحيعَلةُ من قوله: حىَّ على كذا، فكيف وهو بابٌ مسموع لا يقاس عليه، وانظر قوله: جعفل، فى: جُعِلتُ فداك، لو كان على قياس الحيعلة، لقال: جعلف، إذ اللام مقدَّمة على الفاء، وَكذلك الطبقلة تكون اللام على القياس قبل الفاء والقاف. وقوله: " سلوا لى الوسيلة "، قال القاضى: فسَّرها فى الحديث أنها منزلةٌ فى الجنة، قال أهل اللغة: الوسيلة: المنزلة عند الملك، وهى مشتقة - والله أعلم - من القرب، توسَّل الرجلُ للرجل بكذا إذا تقَرَّب إليه، وتوسَّل إلى ربه بطاعته تقَرَّب إليه بها. ¬

_ (¬1) و (¬2) فى المعلم: حكاية قول. (¬3) من المعلم. (¬4) البقرة: 5.

12 - (385) حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسَافٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. ثُمَّ قَالَ: حَىَّ عَلى الصَّلاةِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه مع ما فى غيره من الأحاديث الترغيب فى الدعاء والذكر عند أذان المؤذن، وهى أحد مظان الإجابة، وفتح أبواب السماء، كما جاء فى الحديث. وقوله: " فمن سأل لى الوسيلة حلت له الشفاعة ": قيل: معنى " حلت ": غشيته وحلت عليه، قال المهلبُ: والصوابُ أن يكون " حلت " بمعنى: وجبت، كما قال أهل اللغة: حَلَّ يحِلُّ وجب، وحل يحُلُّ نزل، ويحتمل أن هذا مخصوصٌ لمن فعَل ما حضَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه وأتى بذلك على وجهه وفى وقته وبإخلاصٍ وصدق نيَّةٍ، وكان بعض من رأينا من المحققين يقول هذا ومثله فى قوله: " من صلى علىَّ صلاةً صلى الله عليه عشراً " هو والله أعلم لمن صلى عليه مُحتسباً مخلصاً قاضياً حقه بذلك، إجلالاً لمكانه وحُباً فيه، لا لمن قصد بقوله ودعائه ذلك مجرد الثواب، أو رجاء الإجابة لدعائه بصلاته عليه والحظ لنفسه، وهذا فيه عندى نظر. وقوله: " إذا قال المؤذن: الله أكبر، فقال أحَدُكم: الله أكبر ... " الحديث إلى قوله: " فإذا قال: لا إله إِلا اللهُ من قلبه دخل الجنة " لأن فى حكايته لما قال المؤذن من التوحيد والإعظام، والثناء على الله، والاستسلام لطاعته، وتفويض الأمور إليه بقوله عند الحيعلتين: لا حول ولا قوة إِلا بالله العلى العظيم، وإذ هى دعاء وترغيب لمن سمعها، فإجابتها لا تكون بلفظها بل بما يُطابقها من التسليم والانقياد، بخلاف إجابة غيرها من الثناء والتشهيدين بحكايتهما، وإذا حصل هذا للعبد فقد حاز حقيقة الإيمان وجماع الإسلام واستوجب الجنة، وكذلك مضمَّن الحديث الآخر فى القول عند أذان المؤذن: " رضيت بالله رباً ... " الحديث، ومثل هذا من التصريح بحقيقة الإيمان والاعتراف بقواعده. واعلم أن الأذان كلماتٌ جامعةٌ لعقيدة الإيمان ومشتَمِلةٌ على نوعيه من العقليات والسمعيات، فابتدأ بإثبات الذات بقوله: " الله " وما تستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها المضمَّنة تحت قولك: " الله أكبر "، فإن هذه اللفظة على قلة كلمها واختصار صيغتها مشعرةً بما قلناه لمتأمِّله، ثم صَرَّح بإثبات الوحدانية والإلهية ونفى ضِدَّها من الشركة

لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. ثُمَّ قَالَ: حَىَّ عَلى الفَلاحِ. قَالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللهِ. ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهِ. قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهِ، مِنْ قَلبِهِ - دَخَلَ الجَنَّةَ ". 13 - (386) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رمحٍ، أَخْبَرَنَا الليْثُ، عَنِ الحُكَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ القُرَشِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ، عَنِ الحُكَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرِ ابْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوَلهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، غُفِرَ لهُ ذْنبُهُ ". قَالَ ابْنُ رُمْحٍ فِى رِوَايَتِهِ: " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ "، وَلمْ يَذْكُرْ قُتَيْبَة قَوْلهُ: وَأَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ المستحيلة فى حقه، وهذه عُمدةُ الإيمان والتوحيد المقدَّمة على سائر وظائفه، ثم ابتدأ بإثبات النبوة لنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسالته لهداية الخلق ودعائهم إلى الله، إذ هى تاليةُ الشهادتين، وموضعها من الترتيب بعد ما تقدم لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدمات من باب الواجبات، وهنا كَمل تراجم العقائد - العقليات فيما يجبُ ويستحيل ويجوز فى حقه تعالى، ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فصَرَّح بالصلاة ثم رتبها بعد إثبات النبوة، إذ معرفة وجوبها من جهته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا من جهة العقل، ثم الحث والدعاء إلى الفلاح - وهو البقاء فى النعيم. وفيه الإشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء - وهى آخر تراجم العقائد الإسلامية (¬1)، ثم تكرر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشرع فيها للحاضر (¬2) ومن قرُب، وفى طى ذلك تأكيد الإيمان وتكرارُ ذكره عند الشروع فى العبادة بالقلب واللسان، وليدخُل المصلى فيها على بَيِّنَةٍ (¬3) من أمرِه وبصيرة من إيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حق من عَبدَه، وجزيل ثوابِه على عبادته. ¬

_ (¬1) السمعيات. (¬2) فى الأصل: للحاظر. (¬3) فى الأصل: نيَّةٍ، والمثبت من ت.

(8) باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه

(8) باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه 14 - (387) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ؛ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفيَانَ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ يَدْعُوهُ إِلَى الصَّلَاةِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يوْمَ القِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة "، قال الإمام: اختلف فى تأويل هذا، فقيَل: معناه: أكثر الناس تشوفاً إلى رحمة الله؛ لأن المتشوف يطيل عُنقَه لما يتشوف إليه، فكنى عن كثرة ما يرونه من ثوابهم بطول أعناقهم، وقال النضر بن شميل: إذا ألجمَ الناس العرقُ يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا يغشاهم ذلك الكرب، قال يونس بن عبيد: معناه: الدنو من الله، وهذا قريب من الأول الذى ذكرناه، وقيل: معناه: أنهم رؤساء، العرب تصف السادة بطول الأعناق، قال الشاعر: طوال أنضية الأعناق واللَّمَم وقيل: معناه: أكثر [الناس] (¬1) أتباعًا، وقال ابن الأعرابى: معناه: أكثر الناس أعمالاً، وفى الحديث: " يخرج عُنقٌ من النار ": [أى طائفةً] (¬2)، يقال: لفلانٍ عُنق من [الخير] (¬3)، أى قطعةً. ورواه بعضهم: " إعناقًا ": أى إسراعًا إلى الجنة من سير العَنَق، قال الشاعر: ومن سيرها العنَقُ المُسْبَطِر ... والعجَز فيه بَعد الكلال ضربٌ من السير، ومنه الحديث: " كان يسيرُ العنَقَ فإذا وجد فجوَةً نَصَّ " (¬4)، ومنه الحديث [الآخر] (¬5): " لا يَزالُ الرجلُ مُعنِقًا ما لم يُصبْ دمًا " (¬6): يعنى منبسطًا فى سيره يوم القيامة. قال الإمام: قد احتج بهذا الحديث من رأى [أن] (¬7) فضيلة الأذان أكبر (¬8) من ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى الأصل: عنق: أى طائفة، والمثبت من ت. والمذكور جزء حديث أخرجه الترمذى فى أول كتاب صفة جهنم عن أبى هريرة بلفظ: " تخرُج عُنُقٌ من النار يوم القيامة لها عينان تبصُران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقولُ: إنى وُكِّلتُ بثلاثةٍ، بكل جبَّارِ عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين " 4/ 701، وكذا أحمد فى المسند 2/ 336، 3/ 40، 6/ 110. (¬3) فى المعلم. الخيل. (¬4) سيرد إن شاء الله فى الحج، وأخرجه البخارى، فى الحج والجهاد. (¬5) من ت، وليست فى المعلم. (¬6) أبو داود، ك الفتن، ب فى تعظيم قتل المؤمن (4270). (¬7) من المعلم. (¬8) فى المعلم: أكثر.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبِرَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَن طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 15 - (388) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّداءَ بِالصَّلَاةِ، ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوحَاءِ ". قَالَ سُلَيْمَانُ: فَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّوحَاءِ؟ فَقَالَ: هِىَ مِنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَثَلاثُونَ مِيلاً. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 16 - (389) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَاللَّفْظ لِقُتيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّداءَ بِالصَّلَاةِ أَحَالَ لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لا يَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ، فَإِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ ذَهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فضيلة الإمامة، وفى ذلك اختلاف بين العلماء (¬1)، أيهما أفضل المؤذن أم الإمام؟ واحتج من قال: إن الإمامة أفضل: بأنه كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤم ولم يكن يؤذن، وما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقتصر على الأدنى ويترك الأعلى، واعتذر عن ذلك أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الأذان لما يشتمل عليه من الشهادة له بالرسالة والتعظيم لشأنه فترك ذلك إلى غيره، وقيل: إنما ترك ذلك لأن فيه الحيعلة، وهى الأمر بالإتيان إلى الصلاة، فلو أَمَرَ فى كل صلاة بإتيانها لما استخفَّ أحدٌ ممن سمعه التأخر وإن دعته الضرورة إليه، وذلك مما يشق، وقيل أيضًا: لأنه كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شُغلٍ عنه [بأمور المسلمين وعن مراعاة أوقاتِه] (¬2)، وقد قال عمر - رضى الله عنه -: " لو أطقتُ الأذان مع الخُلَّيفى لأذنت " (¬3) والخليفى: الخلافة. قال القاضى: ذهب أبو جعفر الداودى إلى معنى قول عمر فى هذا، أنه فى أذان الجمعة لأن الأذان إنما يكون بين يدى الإمام فيها، والإمامة للخليفة فلا يتفق له الأذان لذلك، وهذا معنى كلامه. وقوله فى الشيطان: "إذا سمع النداء أحالَ وله ضراط " مثل قوله فى الحديث الآخر: " أدبر" يقال: أَحَالَ إلى الشىء إذا أقبَلَ إليه هاربًا، قال يعقوبُ: وأحال عليه: ¬

_ (¬1) فى المعلم: أهل العلم. (¬2) ليست فى المعلم. (¬3) لفظة كما فى المصنف لابن أبى شيبة: " لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت " 1/ 235.

حَتَّى لا يَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ ". 17 - (...) حدّثنى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ اللهِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدَبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أقبل عليه. وقوله: "وله حُصاصٌ " بمعنى قوله فى الحديث الآخر: " وله ضُراطٌ " وقد قيل: الحُصاص شدةُ العَدْوِ، قالهما أبو عبيد (¬1)، وقال عاصم بن أبى النجود: إذا صَرَّ بأذنيه ومصَعَ بذَنَبِه وعدا فذلك الحُصاص (¬2). وهذا يصح حمله على ظاهِرهِ، إذ هو جسم مُتغذ يصح منه خروج الريح، وقيل. يحتمل أنها عبارة واستعارةٌ عن شدة الخوف والنفار كما يعترى الحمارَ. وهروب الشيطان عن النداء لعظيم أمره عِندَه، وذلك - والله أعلم - لما اشتمل عليه من الدعاء بالتوحيد، وإظهار شعار الإسلام، وإعلان أمره كما فَعَل يوم عرفة، لما رأى من اجتماع عباد الله على إظهار الإيمان، وما ينزل عليهم من الرحمة (¬3)، وقيل: إنما يَبْعُد لئلا يسمع تشهد ابن آدم فيشهد له بذلك - كما جاء فى الحديث: " لا يسمع مدى صوته جنٌ ولا أنسٌ ولا شىء إِلا شهد له يوم القيامة " (¬4) وقيل: هذا عمومٌ المراد به الخصوص، وأن ذلك فى المؤمنين من الجن والإنس، وأما الكافِر فلا شهادة له، وهذا لا يُسلَّمُ لقائله لما جاء فى الآثار من خلافِه، وقيل [أيضًا: إن] (¬5) هذا ممن يصحّ منه الشهادة ممن يسمع، وقيل: هى عامةٌ فيمن يسمع وفيمن لا يسمع من جماد، وأن الله تعالى يخلق لها حينئذ ولمن لا يسمع [ممن لا يعقل] (¬6) من الحيوانات إدراكًا لأذانه وعقلاً ومعرفةً لما يشهدُ به، فهو على كل شىء قدير. وإلى معنى هذا ذهب ابنُ عمر لقوله للمؤذن: " يشهد لك كل رطبٍ ويابسٍ " (¬7). ¬

_ (¬1) غريب الحديث 4/ 181. (¬2) فسرت بهامش ت بقوله: ومعنى صَرَّ إذا جمع أذنيه، ومصع ضرب بذنبه. (¬3) يعنى بذلك ما أخرجه مالك فى الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما رؤى إبليس فى يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحَرُ ولا أغيظ منه فى يوم عرفة، وذلك مما يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب، إِلا ما رأى يوم بدر " قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال: " أما إنه رأى جبريل - عليه السلام - يَزَعُ الملائكة "، ك الحج، ب جامع الحج 1/ 422. (¬4) البخارى: فى الأذان، ب رفع الصوت بالنداء، النسائى فى الصلاة، ب رفع الصوت بالأذان، ابن ماجة فى الصلاة، ب فضل الأذان وثواب المؤذنين. (¬5) فى ت. هذا أيضاً. (¬6) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬7) مصنف ابن أبى شيبة 1/ 235، وعن أبى هريرة مثله أيضاً.

18 - (...) حدّثنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِى أَبِى إِلَى بَنِى حَارِثَةَ، قَالَ: وَمَعِى غُلَامٌ لَنَا - أَوْ صَاحِبٌ لَنَا - فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ: قَالَ: وَأَشْرَفَ الَّذِى مَعِى عَلى الحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا. فَذَكَرْتُ ذَلِك لأَبِى فَقَالَ: لَوَ شَعَرْتُ أَنَّكَ تَلْقَى هَذَا لَمْ أُرْسَلْكَ، ولَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنِّى سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحدِّثُ عَنْ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِىَ بِالصَّلَاةِ وَلَّىَ وَلَهُ حُصَاصٌ ". 19 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيَرةُ - يَعْنِى الْحِزامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأذِينَ، فَإِذَا قُضِىَ التَّأذِينُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِىَ التَّثْويبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ لَهُ: اذَكُرْ كَذَا وَاذكُرْ كَذَا. لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِى كَمْ صَلَّى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: بل لما فى ذلك من الدعاءِ للصلاة التى فيها السجود الذى بسبب تركه وعصيانه عنه لُعن الشيطان. قال بعضُهم: وهذا يردُّه ما ذكر فى الحديث أنه: " إذا قُضِى التثويبُ أقبل ... " وذكر وسوستَهُ للمُصلى. وقد لا يلزم هذا الاعتراض، إذ لعل نفارَه إنما كان من سماع الأمر والدعاء بذلك لا برؤيته ليغالط نفسه أنه لم يسمع دعاءً ولا خالف أمرًا. وقيل: بل ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان، وانقطاع طمعه أن يصرف عنه الناس، حتى إذا سكت رجع لحاله التى أقدره الله عليها، من تشغيب خاطره ووسوسة قلبه. وقوله: " حتى إذا ثُوب بالصلاة ": قال الطبرى: ثوب أى صُرخ بالإقامة مرة بعد مرة ورُجِّع، وكل مُردِّدٍ صوْتًا بشىء فهو مثوِّبٌ، ولهذا قيل للمُرجِّع صوته بالأذان بقوله: " الصلاة خيرٌ من النوم ": مُثوِّبٌ، وأصله من ثاب إلى الشىء إذا رجَعَ، قال غيره: وإنما قيل لقوله: " الصلاة خير من النوم " تثويبًا؛ لأنهُ راجعٌ إلى معنى ما تقدَّم من قوله: " حى على الصلاة حى على الفلاح "، وقيل: لتكراره له مرتين. قال الخطابى: التثويب: الإعلام بالشىء ووقوعه، وأصله: أن الرجل إذا جاء فزعًا لوَّح بثوبِه (¬1)، وقال ابن نافع: معناه: إذا نودى لها، وقال الهروى: التثويب - أيضاً - الإقامة، وقال عيسى بن دينار: معناه: أقيمت الصلاة (¬2)، وهذا أصح التفسير بدليل قوله فى الأم فى هذا الحديث من رواية ابن أبى شيبة: " فإذا سمع الإقامة ذهب " (¬3)، ولما جاء فى الحديث الآخر: " إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون " ويروى: " أقيمت الصلاة ". ¬

_ (¬1) معالم السنن 1/ 155. (¬2) المنتقى 1/ 133. (¬3) ابن أبى شيبة فى مصنفه 1/ 229.

20 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِى كَيْفَ صَلَّى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى يخطر بين المرء ونفسه ": قال الباجى: معناه: يمُرُ فيحولُ بين المرء وما يريد من نفسه من إقباله على صلاته وإخلاصِه (¬1) وعلى هذا رواه أكثرهم بضم الطاء، وضبطناه عن أبى بحر بكسرِها، من قولهم: خطر البعير بذَنَبه إذا حركه، وكأنه يريدُ حركته بوسوسة النفس وشغل السر. وقوله: " حتى يظل الرجلُ إنْ يدرى كم صلى ": يعنى يصير، قال الله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} (¬2)، كذا رويناه عن شيوخنا بالظاء، وقيل: " يظل " بمعنى: يبقى ويدوم، وأنشدوا عليه: ظَلِلْتُ ردائى فوق رأسى قاعدا (¬3) وحكى الداودى أنه روى " يَضلُ " بمعنى: ينسى ويذهب وهمُه، قال الله تعالى: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} (¬4). وقوله: " إن يدرى كم صلى ": رويناه بكسر الهمزة عن أكثرهم، ومعناه: ما يدرى، ويُروى: " أن يدرى " بفتحها، وهى رواية أبى عمر بن عبد البر، وقال: هى رواية أكثرهم (¬5)، وقال: ومعناها: لا يدرى، وكذا ضبطها الأصيلى فى كتاب البخارى، ولا يصح تأويل النفى وتقدير لا مع الفتح، وإنما يكون بمعنى ما والنفى مع الكسر. وقد رُوى هذا الحديث فى كتاب مسلم فى رواية قتيبة بالتفسيرين معاً: " لا يدرى، وما يدرى "، وفتحها لا يصح إِلا على رواية من روى: " يَضِل " بالضاد، فيكون " إنْ " مع الفعل بعدها بتأويل المصدر ومفعول ضلَّ، أى يجهل درايته وينسى عدد ركعاته. ¬

_ (¬1) المنتقى 1/ 134. (¬2) النحل: 58. (¬3) بقيته: أعد الحصى ما تنقضى عبراتى. التمهيد 18/ 319. (¬4) البقرة: 282. (¬5) راجع: التمهيد 18/ 305.

(9) باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفى الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود

(9) باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفى الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود 21 - (390) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَسَعِيْدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُوَ بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ - واللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِىَ مَنْكِبَيْهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُهُمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذى منكبيه وقبل أن يركع، وإذا رفع من الركوع ولا يرفعهما بين السجدتين "، قال الإمام: اختلف قول مالكٍ فى الرفع عند الركوع والرفع منه، وإنما قال بإسقاطه مع صحة الرواية [له] (¬1) لما وقع فى [ظواهر أخر] (¬2) يدل على إسقاطِه، ولأن رواية سالم عن أبيه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواية نافعٍ موقوفة على ابن عُمَرَ (¬3). قال القاضى: أما رواية سالم عن أبيه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا مطعن فى اتصالها ورفعها عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا علة فيها عند أهل صنعة الحديث، قال أبو عمر: حديث ابن شهابٍ، عن سالم، عن أبيه، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا، حديث لا مطعن فيه لأَحَدٍ من أهل العلم ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى الأصل: ظاهر آخر، والمثبت من ت. (¬3) وكذلك اختلفت الرواية عن مالك فيه، فحيث جاءت رواية محمد بن الحسن موافقة لرواية مسلم جاءت رواية يحيى بغير ذكر الرفع عند الركوع، وتابعه على ذلك جماعة من الرواة للموطأ عن مالك منهم القعنبى، وأبو مصعب، وابن بكير، وسعيد بن الحكم بن أبى مريم، ومعن بن عيسى، والشافعى، ويحيى بن يحيى النيسابورى، وإسحاق بن الطباع، وروح بن عبادة، وعبد الله بن نافع الزبيرى، وكامل ابن طلحة، وإسحاق بن إبراهيم الحنينى، وأبو حذافة أحمد بن إسماعيل، وابن وهب، فى رواية ابن أخيه عنه، وتابع يحيى فذكر الرفع عند الانحطاط إلى الركوع ابن وهب، وابن القاسم، ويحيى بن سعيد القطان، وابن أبى أويس، وعبد الرحمن بن مهدى، وجويرية بن أسماء، وإبراهيم بن طهمان، وعبد الله بن المبارك، وبشر بن عمر، وعثمان بن عمر، وعبد الله بن يوسف التنيسى، وخالد بن مخلد، ومكى بن إبراهيم، ومحمد بن الحسن الشيبانى، وخارجة بن مصعب، وعبد الملك بن زياد النصيبى وعبد الله بن نافع الصائغ، وأبو قرة موسى بن طارق، ومطرف بن عبد الله، وقتيبة بن سعيد. وإلى هذه الصورة مال ابن عبد البر وقال: وهو الصواب. التمهيد 9/ 210.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحديث (¬1). وقد اختلف العلماء فى الرفع فى الصلاة، والمعروف من عمل الصحابة ومذهب جماعة العلماء بأسرهم - إِلا الكوفيين - الرفع [فى الصلاة] (¬2) عند الافتتاح وعند الركوع والرفع منه، وهى إحدى الروايات المشهورات عن مالكٍ، وعمل بها كثير من أصحابه ورووها عنه، وأنه آخر أقواله (¬3)، وروى عنه لا رفع إِلا فى الافتتاح - وهى أشهر الروايات عنه (¬4) - وهو مذهب الكوفيين على حديث ابن مسعود والبراء: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع يديه عند الإحرام مرةً لا يزيد عليها "، وفى رواية أخرى: " ثم لا يعود " (¬5)، وروى عنه فى المختصر الرفع فى موضعين عند الافتتاح وعند الرفع من الركوع على ما ذكر فى حديث ابن عمر فى موطئه من رواية جماعة من رواة الموطأ لم يذكروا فيه الرفع عند الركوع، وجماعة من الرواة ذكروه، وروى عنه: " لا رفع فى أول الصلاة ولا فى شىء منها "، ذكره ابن شعبان وابن خويزمنداد وابن القصار، وهى أضعف الروايات عنه (¬6)، وتأولها بعضهم على تضعيفه الرفع فى المدونة، وهذا على ظاهر ما جاء فى بعض روايات أحاديث ابن مسعود: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه فى أول الصلاة ثم لم يَعُدْ "، على أن هذا يحتمل عندى ما هو أظهر من الرفع أول الصلاة، ثم لم يَعُد له أثناءها، كما جاء فى الرواية الأخرى مفسرًا، وذهب ابن وهبٍ من أصحابنا إلى الرفع عند القيام من اثنتين، وقد خرَّجه البخارى فى حديث ابن عُمر " وإذا قام من الركعتين رفع يديه " (¬7)، وذكر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك، وذكره أبو داود فى حديث أبى حميد الساعدى فى عشرة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن بعض أهل الحديث الرفع عند السجود والرفع منه، وقد جاءت بذلك آثارٌ لا تثبت. وليس هذا الرفع بواجب ولا شىء منه عند العلماء إِلا داود فأوجبه عند تكبيرة الإحرام، ¬

_ (¬1) السابق 9/ 216، ثم قال: ورواه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما رواه ابن عمر ثلاثة عشر رجلاً من الصحابة، ولم يرو عن أحد من الصحابة ترك الرفع عند كل خفض ورفع من لم يختلف عنه فيه، إِلا عبد الله بن مسعود وحده. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ت. (¬3) قال أبو عمر: قال جماعة من أهل العلم: إن إسقاط ذكر الرفع عند الانحطاط إما أتى من مالك، وهو الذى كان ربما وهم فيه؛ لأن جماعة حفاظًا رووا عنه الوجهين جميعًا. السابق 9/ 212. (¬4) راجع: المدونة الكبرى 1/ 68. (¬5) قلت. وروى الكوفيون عنه - رضى الله عنه - مثل ذلك وبه أحذ أبو حنيفة، والثورى، وروى المدنيون عنه الرفع من حديث عبيد الله بن أبى رافع عنه، وكذلك اختلف عن أبى هريرة، فروى عنه نعيم المجمر، وأبو جعفر القارى أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وروى عنه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه كان يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. قال أبو عمر: ورواية الأعرج مفسرة، ورواية نعيم مجملة محتملة للتأويل. التمهيد 9/ 216. (¬6) قال ابن خويز منداد: اختلفت الرواية عن مالك فى رفع اليدين فى الصلاة، فمرة قال: يرفعُ فى كل خفضٍ ورفع، على حديث ابن عمر، ومرةً قال: لا يرفع إِلا فى تكبيرة الإحرام، ومرة قال: لا يرفع أصلاً. قال. والذى عليه أصحابنا: أن الرفع عند الإحرام لا غير. (¬7) البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب رفع اليدين إذا قام من الركعتين 1/ 188.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخالفه بعض أصحابه فلم يوجبوه، وقال بعضهم: هو واجبٌ كله (¬1)، قال بعض المتكلمين: كان شرع الرفع فى أركان الصَّلاةِ أولاً علامةً للاستسلام (¬2) لقرب عهدهم بالجاهلية والإبائة (¬3) عن الإسلام، فلما أنسوا بذلك واطمأنت قلوبهم خفف عنهم وأبقى فى أول الصلاة علامة على الدخول فيها لمن لا يَسمعُ التكبير. وقوله: " حتى يحاذى منكبيه " (¬4) وفى الحديث الآخر: " حتى يحاذى بهما أذنيه " (¬5) وفى الآخر: " فروع أذنيه " (¬6) وفى غير كتاب مسلم: " فوق أذنيه مَدًّا مع رأسه " (¬7) وفى رواية أخرى: " إلى صدره " (¬8)، وبحسب هذه الأحاديث اختلف العلماء فى الاختيار من فعلها، فذهب عامة أئمة الفتوى على الحديث الأول: " يرفعها حذو منكبيه "، وهو أصح قولى مالك وأشهره، والرواية الأخرى عنه: " إلى صدره "، وذهب ابن حبيب إلى رفعهما حذو أذنيه. وقد يجمع بين الأحاديث وبين الروايتين عن مالك بأن يكون مقابله أعلى صدره، وكفاه حذو منكبيه، وأطراف أصابعهما مع أذنيه، وإلى هذا ذهب بعض مشايخنا (¬9) ونحوه للشافعى إِلا ذكر الصدر (¬10)، وهو صفة ما جاء فى الحديث، وتجتمع الأحاديث إِلا فى زيادة الرواية الأخرى " فوق رأسه "، وقال بعضهم: هو على التوسعة، وذهب الطحاوى إلى أن اختلاف الآثار لاختلاف الحالات. وكما جاءت بها الروايات، فإلى صدره وحذو منكبيه أيام البرد وأيديهم تحت أكسيتهم - كما جاء فى الأثر - (¬11) ومع آذانهم وفوق رؤوسهم عند إخراجها. " وفروع أذنيه ": أى أعاليها، وفرع كل شىء أعلاه، وقد روى عن ابن عمر أنه كان يرفَعُ فى الإحرامِ حذو منكبيه وفى غيره دون ذلك (¬12). ¬

_ (¬1) المحلى 3/ 235. (¬2) وقال أبو عمر: إنه خضوع واستكانة واستسلام وزينة الصلاة، وابتهال وتعظيم لله تعالى، واتباع لسنة رسوله - عليه السلام. قال: وقال عقبة بن عامر: بكل إشارة عشر حسناتٍ، بكل إصبع حسنة. التمهيد 9/ 225، الاستذكار 4/ 97، 98. (¬3) فى الأصل: والإبانة، والمثبت من ت. (¬4) المنكب: هو مجمع عظم العضد والكتف. (¬5) سيأتى برقم (391/ 25) بالباب. (¬6) سيأتى برقم (391/ 26) بالباب. وأخرجه الطبرانى فى الكبير عن طريق حماد بن سلمة عن قتادة 19/ 284. (¬7) غاية ما وقفت عليه فى هذه الرواية هو فيما أخرجه عبد الرزاق فى المصنف عن طاووس أنه قال: التكبيرة الأولى التى للاستفتاح باليدين أرفع مما سواهما من التكبير، قال: حتى يخلف بها الرأس، قال ابن جريج: رأيت أنا ابن طاووس يخلف بيديه رأسه. وعن ابن جريج قال: قد بلغنى عن عثمان أنه كان يخلف بيديه أذنيه 2/ 70. (¬8) و (¬9) المنتقى 1/ 143. (¬10) الأم 1/ 104. (¬11) يعنى به - والله أعلم - ما أخرجه أبو داود عن أبى وائل بن حُجر قال: صلَّيتُ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان إذا كبَّر رفع يديه، قال: ثُمَّ التحفَ، ثم أخذ شمالَه بيمينه، وأدخَل يديه فى ثوبهِ، قال: فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسهُ من السجود - أيضًا - رفع يديه حتى فرغ من صلاته. أبواب تفريع استفتاح الصلاة، ب رفع اليدين فى الصلاة 1/ 166. (¬12) راجع: المصنف لعبد الرزاق 2/ 67.

22 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيُجٍ، حَدَّثَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف أصحابنا فى صفة رفعها، فقيل: قائمتان، كما جاء فى الأحاديث: " يمدُها مدًا "، وهو مذهب العراقيين من أصحابنا، وقيل: منتصبتان بطونهما إلى السماء. وذهب بعضهم إلى نصبهما قائمتين، لكن تكون أطراف الأصابع منحنيةً قليلاً، وقيل غير هذا. ثم اختلفت الرواية فى وقت رفعها من الدخول فى الصلاة، فجاء فى بعضها: " إذا كبَّر رفع يديه "، وفى بعضها. " إذا افتتح الصلاة " و " إذا قام للصلاة رفع يديه ثم يُكبِّر "، وهذا يشعر باستصحابها ومقارنتها، وجاء فى حديث مالك بن الحويرث: " كان إذا صلى كبر ثم رفع يديه "، وكلها يشعِر أن الرفع مع التكبير ومقارن له أو مقارب، حتى قد يمكن تقديم أحدهما أحيانًا على الآخر وقبل كماله لا على ما يفعله العامة من رفع الأيدى كذلك، وهى فى الدعاء والتوجه وتطويل ذلك، فذلك مكروه عند مالك (¬1) وأهل العلم وإن رخص فيه بعضهم عند الدعاء، فعلى غير هذه الصورة وبغير رفع، بل ببسط الأيدى وظهورها إلى السماء للرهب - كما جاء فى الحديث - ورخص بعضهم فى كون بطونها للسماء وقال: هذا الرغب، فيكون هذا وهما منخفضتان، فإذا أخذ فى التكبير رفعهما ثم أرسلهما. ثم اختلف فى معنى الرفع، فقيل: استكانةٌ واستسلام وأنها صورة المستكين المستسلم، وكأن الأسير إذا غُلب مَدَّ يديه علامةً لاستسلامه، وقيل: استهوالٌ لما دخلَ فيه، وقيل: لتمام القيام، وقيل: إشارةٌ لطرح أمور الدنيا وراء ظهره، وإقباله بكليته على صلاتِه، ومناجاة ربه كما تضمنَّ ذلك قوله: الله أكبر، فيطابق فعله قوله، وقيل: إظهارٌ وإعلان بدخوله فى الصلاة عملاً كما أظهرها بالتكبير قولاً، وليراه من لم يسْمعه ممن يأتم به. وهذه المعانى كلها مشاكلة لمن رأى رفعها منتصبةً وإلى أذنيه، وقيل: خُضوعًا ورهبًا، وهذه مطابقةً لصورة من نصبهما أو حنى أطرافهما. وقد قيل فى معناها غير هذا من الأقاويل، وأظهرها ما ذكرناه، وقد جاء فى الحديث من رواية يحيى بن اليمان: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كبَّر للصلاة نشَر أصابِعَه " (¬2)، قال الترمذى: أخطأ فى ذلك يحيى ومن قال. رفع يديه مدًا (¬3). وقوله: " كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ثم كبَّر ": حجة فى تعيين التكبير للإحرام، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلوا كما رأيتمونى أصلى " (¬4)، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى علَّمه ¬

_ (¬1) المدونة 1/ 68. (¬2) الترمذى فى الصلاة، ب ما جاء فى نشر الأصابع عند التكبير، وهو من رواية أبى هريرة رضى الله عنه 2/ 5، وقريباً منه ما ذكره ابن عبد البر عن الحسن البصرى قال. كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفعون أيديهم فى الصلاة إذا ركعوا، وإذا رفعوا كأنها المراوح. الاستذكار 4/ 105. (¬3) السابق 2/ 6. (¬4) البخارى فى الأذان، ب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة 1/ 162.

ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَامَ للصَّلَاةِ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِك، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرّكُوعِ فَعَل مِثْلَ ذلِك، وَلَا يَفعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ. 23 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ - وَهُوَ ابْنُ الْمُثَنَّى - حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُليْمَانَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ للصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ. 24 - (391) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الحُوَيْرِثِ، إِذَا صَلَّى كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ رَفَعَ يَديْهِ، وَحَدَّثَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة: " إذا قمت فكبر " (¬1)، والتحريم واجب عند مالك والثورى والنخعى وربيعة وطاووس وأيوب، وهو قول ابن مسعود وعامة أئمة الفتوى والسلف إِلا ما روى عن الزهرى وابن المسيب والحسن والحكم والأوزاعى وقتادة فى أن التكبير للإحرام سنةً، وأنه يجزئ الدخول فى الصلاة بالنيَّة (¬2)، وقد تأوله بعضهم على مالكٍ فى مسألة ناسى تكبيرة الإحرام والركوع وأنه يعيد احتياطًا (¬3) على خلاف بين أئمتنا فى تأويل المسألة يطول الكلامُ فيه، وعامتهم على اختصاص التحريم بلفظ التكبير إِلا أبا حنيفة وأصحابه عامةً فإنهم يجيزون الدخول بكل لفظٍ فيه تعظيم للهِ (¬4)، وأجاز الشافعى: " الله الأكبر " وأجاز أبو يوسف " الله الكبير "، ومالك لا يجيز إِلا اللفظ المشروع: " الله أكبر " المعهودُ فى عرف اللغة والشرع لا سواه. وقال بعض المتكلمين: الحكمة فى ابتداء الصلاة بالتكبير إظهار شكر الله وحمده والثناء عليه على الهداية لها ولتوحيده وعبادته، وامتثالاً لأمره وحق لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرون} (¬5) ثم طابق ذلك قراءته بعد فى أول ما استفتح به ¬

_ (¬1) البخارى فى الصلاة، ب وجوب القراءة للإمام والمأموم 1/ 192. (¬2) قال أبو بكر الأبهرى: على مذهب مالك: الفرائض فى الصلاة خمس عشرة فريضة: أولها النية، ثم الطهارة، وستر العورة، والقيام إلى الصلاة، ومعرفة دخول الوقت، والتوجه إلى القبلة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة أم القرآن، والركوع، ورفع الرأس منه، والسجود، ورفع الرأس منه، والقعودُ الأخير، والسلام، وقطع الكلام. قال أبو عمر: فلم يذكر الأبهرى من التكبير فى فرائض الصلاة غير تكبيرة الإحرام. الاستذكار 4/ 122. (¬3) المدونة 1/ 63. (¬4) وقال: إن افتتح بلا إله إِلا الله يجزيه، وإن قال: اللهم اغفر لى لم يجزه. (¬5) البقرة: 185.

هَكَذَا. 25 - (...) حدّثنى أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْر بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِىَ بِهِمَا أُذنُيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِىَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ، فَقَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ "، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِك. 26 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبى عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادةَ، بَهذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّهُ رَأَى نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: حَتَّى يُحَاذِىَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ القراءة بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمسْتَقِيم} (¬1)، أى ثبتنا على ذلك. ¬

_ (¬1) الفاتحة: 6.

(10) باب إثبات التكبير فى كل خفض ورفع فى الصلاة، إلا رفعه من الركوع فيقول فيه: سمع الله لمن حمده

(10) باب إثبات التكبير فى كل خفض ورفع فى الصلاة، إِلا رفعه من الركوع فيقول فيه: سمع الله لمن حمده 27 - (392) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصَلِّى لَهُمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: وَاللهِ، إِنِّى لأَشْبَهُكُمْ صَلاةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 28 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يقُولُ: كَان رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حيْن يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " حِيْنَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرّكوُعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: " رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ " ثُمَّ يُكَبِّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يُكَبِّرُ كلما خفضَ ورفَعَ، وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك ": هذا الأمر الثابت من فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذى استقر عليه عمل المسلمون وأطبقوا (¬1) عليه، وقد كان من بعض السلف خلاف أنه لا تكبير فى الصلاة غير تكبيرة الإحرام، وبعضهم يجعل التكبير فى بعض الحركات دون بعض ويرون أنها من جملة الأذكار لا من حقيقة الصلاة، وعلى الخلاف فيه يدل قول أبى هريرة: " إنى لأشبهكمْ صلاةً بصلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وقال بعضهم: ليس بسُنةٍ إِلا للجماعة ليشعر الإمام بحركة من وراءه (¬2)، ومذهب أحمد بن حنبل وجوبُ جميع التكبير فى الصلاة (¬3)، وعامة العلماء على أنه سنةً غير واجب إِلا ¬

_ (¬1) فى الأصل: وأطفقوا، والمثبت من ت. (¬2) ومستندهم فى ذلك ما أخرجه ابن أبى شيبة وابن عبد البر عن عمر بن الخطاب أنه كان لا يتم التكبير، وقد كان عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسعيد بن جبير لا يتمون. المصنف 1/ 240، التمهيد 9/ 168. وقد أخرج أبو داود عن عبد الرحمن بن أبزى أنه صلى خلف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان لا يكبر إذا خفض - يعنى بين السجدتين. وعلى ذلك قال إسحاق بن راهويه: نقصان التكبير هو إذا انحط إلى السجود فقط. قلت: وهذا معارض لحديث الباب وغيره منِ الأحاديث الصحيحة، والتى منها حديث مطرف بن الشخير قال: صلَّيتُ أنا وعمران بن حصين خلف علىَّ بن أبى طالبٍ، فكان إذا سَجَدَ كبَّر، وإذا رَفَعَ رأسه كبَّر، وإذا رَفع من الركعتين كَبَّرَ، فلما قضى الصلاة وانصرفنا أخذ عمران بيدى، فقال لى: أذْكرَنى هذا صلاة محمد عليه السلام. البخارى فى الصلاة، ب إتمام التكبير فى السجود. قال أبو عمر. وهذا كله يدلَّ على أن التكبير فى الخفض. والرفع لم يكن مستعملاً عندهم، ولا ظاهرًا فيهم، ولا مشهورًا من فعلهم فى صلاتهم، ولو كان ذلك ما كان أبو هريرة يفعله ويقول: إنَّه أشبههم صلاةً برسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الاستذكار 4/ 116. (¬3) وكان ابن القاسم يقول: من أسقط من التكبير فى الصلاة ثلاث تكبيرات فما فوقها سجد للسهو قبل السلام، فإن لم يسجد بطلت صلاته. التمهيد 9/ 184.

حِينَ يَهْوِى سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِى الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يقُومُ مِنَ الْمُثْنَّى بَعْدَ الْجُلُوسِ. ثُمَّ يقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنِّى لأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 29 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَان رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يقُومُ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِى هُرَيْرَةَ: إِنِّى أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 30 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عن ابْنِ شِهابٍ، أَخْبَرنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ حِينَ يَسْتَخْلِفُهُ مَرْوَانُ عَلَى الْمَدِينَةِ، إِذَا قَامَ للصَّلاةِ الْمَكْتُوبَة كَبَّرَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيث ابْنِ جَرَيْجٍ. وَفِى حَدِيثِهِ: فَإِذَا قَضَاهَا وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِى بَيَدِهِ، إِنِّى لأَشْبَهُكُمْ صَلاةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بتكبيرة الإحرام (¬1)، ودليلهم تعليمُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابى الصلاة ولم يذكر له فيها تكبير الانتقالات وهو موضع غاية البيان (¬2). وقوله: " يُكبِّر كلما خفض ورفع ": دليل على مقارنة التكبير للحركات وعمارتها بذكرها، وعليه يدل - أيضاً - قوله: " سمع الله لمن حمده " حين يرفع صلبه من الركوع وقوله: " ثم يكبِّرُ حين يهوى ساجدًا " وهو قول عامة العلماء، واستثنى مالك وبعضهم من ذلك التكبير عند القيام من الركعتين فلا يكبِّر حتى يستوى قائمًا، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، قال مالك: وإن كبَّر هنا فى نهوضه فهو فى سَعَةٍ (¬3). ¬

_ (¬1) فى ت: التحريم. (¬2) يشير بذلك إلى حديث رفاعة بن رافع الذى أخرجه الأربعة أنه سمع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا قام أحدُكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمره الله، ثم ليكبر، فإن كان معه شىء من القرآن قرأ به، وإن لم يكن معه شىء من القرآن فليحمد الله وليكبر، ثم ليركع حتى يطمئن راكعًا، ثم ليقم حتى يطمئن قائمًا، ثم يجد حتى يطمئن ساجدًا، ثم ليرفعْ رأسَه وليجلس حتى يطمئن جالسًا، فمن نقص من هذا فإنما يُنقِصُ من صلاته ". أبو داود فى الصلاة، ب صلاة من لا يقيم صلبه من الركوع والسجود 1/ 226، والنسائى كذلك، ب أقل ما يجزئ فى عمل الصلاة 3/ 59، ابن ماجه فى الطهارة، ب ما جاء فى الوضوء على ما أمر الله تعالى 1/ 156. والحديث أخرجه أحمد فى المسند 4/ 340، الحاكم فى المستدرك 1/ 243 وصححه ووافقه الذهبى. (¬3) راجع: المنتقى 1/ 143.

31 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِى الصَّلاةِ كُلَّمَا رَفَعَ وَوَضَعَ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا هَذَا التَّكْبِيرُ؟ قَالَ: إنَّها لصَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 32 - (...) حدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، وَيُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى سلمة لأبى هريرة حين كبَّر كلما خفض ورفع: " ما هذا؟ "، وقول عمران ابن الحصين حين صلى خلف على بن أبى طالب فكبَّر حين سجد ورفع: " لقد صلى بنا صلاة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": يدلُ كلُه على ترك كثير منهم التكبير فى الصدر الأول وكون الأمر عندهم فى سعةٍ. وبحسب هذا اختلف قول مالك فى السجود للسهو منه، هل يسجد لقليله وكثيره؟ أم من كثيره؟ أم لا سجود عليه فيه جملة؟ (¬1). وقوله: " ويكبر حين يقوم من المثنى ": يعنى من الاثنتين، أى بعد ركعتين من الرباعية، قال الله تعالى: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (¬2)، و [قد] (¬3) قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الليل مثنى " (¬4). وقوله فى حديث أبى هريرة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سمع الله لمن حمده " [فى الرفع] (¬5) حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول [وهو قائم] (¬6): " ربنا ولك الحمد"، قال الإمام: إن كان أراد صلاةً كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها إمامًا فذلك حجة للقول الشاذ عن مالك؛ أنه كان يرى أن يقول الإمام اللفظين جميعًا: [" سمع الله لمن حمده "، " ربنا ولك الحمد "] (¬7)، والمشهور عنه أنه يقتصر على قوله: " سمع الله لمن حمده "، وحجته على ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد " ولم يذكر " ربنا ولك الحمد " للإمام، وفى هذا التعلق نظر؛ لأن القصد بالحديث تعليم المأموم ما يقول ومجمل قوله له، ولا يُعتمد على إسقاط ذكر ما يقول الإمام بذلك، لأنه ليس هو الغرض بالحديث، وعلى هذه الطريقة جرى الأمر فى اختلاف قول مالك فى الإمام، هل يقول: " آمين " فى صلاة ¬

_ (¬1) وروى عنه - أيضاً - أن التكبيرة الواحدة لا سهو على من سها عنها. قال ابن عبد البر: وهذا يدل على أن عُظْم التكبير وجملته عنده فرض، وأن اليسير منه متجاوز عنه، وقال أصبغ بن الفرَج وابن عبد الحكم من رواية مالك: ليس على مَنْ لم يكبر فى الصلاة من أولها إلى آخرها شىء، إذا كبر تكبيرة الإحرام، فإن فعله ساهيًا سَجَدَ للسهو، فإن لم يسجد فلا شىء عليه. الاستذكار 4/ 122. (¬2) النساء: 3. (¬3) من ت. (¬4) سيأتى إن شاء الله فى ك صلاة المسافرين، وقد أخرجه البخارى فى صحيحه كذلك عن ابن عمر، ك العيدين، ب ما جاء فى الوتر 2/ 30. (¬5) من المعلم. (¬6) ليست فى المعلم. (¬7) من المعلم.

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. 33 - (393) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهر؟ فقال فى أحد قوليه: لا يقولها؛ لأنه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين " (¬1)، ولم يذكر أن الإمام يؤمِّنُ (¬2)، وقال فى القول الآخر: بل يؤمن؛ لقول ابن شهاب: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " آمين " ولحديث آخر، وفى التعليق - أيضاً - بقوله: " إذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: " آمين " من التعقب ما قدَّمناه، وإنما قدمنا الكلام على حديث التأمين لارتباطه بما كنا فيه. قال القاضى: الأظهر من خبر أبى هريرة عن صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عموم عمله وأكثره لطول صحبته، وأكثر ما شاهد من صلاته إمامًا، ولأنه وصف الصلاة الرباعية وهى من الفرائض وكان لا يصليها إِلا إمامًا، ولأنه لو اختلفت حالته فى صلاةٍ إمامًا أومنفردًا لم يطلق الخبر عن بعض حالاته دون بعضٍ، والقولان عن مالك كما ذكر فى الإمام كما هى عند غيرنا فى المأموم، وقد حكى هو الخلاف فى المأموم، وأنه يقولهما معًا عند ابن نافع وعيسى فى كتابه الكبير، وحكاه الباجى عنهما (¬3)، وعلى فعله اعتمد الشيخ، وعندى أنه تأويل خطأ عليهما مما وقع لهما من قول مجمل، وهو: أن نصَّ قول ابن نافع: يقول الإمام: " سمع الله لمن حمده " ويقول: " ربنا ولك الحمد "، وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} يقول: آمين، ثم قال: فالإمام ومن وراءه فى هاتين المقالين سواء. فظاهره عندى فى قول: " ربنا ولك الحمد " وقول: " آمين " لا فى: " سمع الله لمن حمده " و " ربنا ولك الحمد " - والله أعلم. وهى فى المأموم أشد وأبعدُ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد " وقد حدَّ له ما يقول وما يبتدئ به، وأما الإمام فما يمنعه أن يقول ذلك؟ وما الذى يُفرق بينه وبين الفذِّ؟ وقد روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولهما وزيادة أدعية وأذكار معهما - ذكرها مسلم فى الكتاب. ¬

_ (¬1) سيرد إن شاء الله فى باب التسميع والتحميد والتأمين، وقد أخرجه مالك فى الموطأ فى الصلاة، ب ما جاء فى التأمين خلف الإمام، والبخارى ك الأذان، ب جهر الإمام بالتأمين، وفى التفسير، ب {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}. (¬2) قلت: هى رواية ابن القاسم عن مالك، وهو قول المصريين من أصحاب مالك. قال أبو عمر: وقال جمهور أهل العلم: يقول الإمام: آمين، كما يقولها المنفردُ والمأموم. الاستذكار 4/ 254. (¬3) المنتقى 1/ 164. قلت: وهى رواية المدنيين عن مالك منهم مع من ذكر القاضى ابن الماجشون، ومُطرِّف، وأبو مصعب، وبه قال أبو حنيفة، والشافعى، والثورى، والأوزاعى، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وداود، والطبرى. ومما يقوى من حجتهم فى ذلك ما أخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة ووائل بن حجر وبلال: " يا رسول الله، لا تسبقنى بآمين " المستدرك 1/ 219، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبى. راجع: الاستذكار 4/ 254.

حُصَيْنٍ خَلْفَ عَلىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا انْصَرفْنَا مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: أَخَذَ عِمْرَانُ بَيَدِى ثُمَّ قَالَ: لَقد صَلَّى بِنَا هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِى هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وممن قال بقولهما معًا الإمام الشافعى وأحمد ومحمد بن الحسن وصاحبه، ووافق الليث وأبو حنيفة مالكًا فى مشهور قوله فى اقتصار الإمام على: " سمع الله لمن حمده " والمأموم على: " ربنا ولك الحمد " (¬1)، وسنذكر معنى هذه الأذكار إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) الاستذكار 4/ 111، وراجع: الأم 1/ 112، والمغنى 2/ 186.

(11) باب وجوب قراءة الفاتحة فى كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها

(11) باب وجوب قراءة الفاتحة فى كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها 34 - (394) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنْ الصَّامِتِ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ بِفَاتِحةِ الْكِتَابِ ". 35 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ ابْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا صلاة لمن لا يقرأ بأمِّ القرآن " وفى رواية السمرقندى فى حديث أبى الطاهر: " لمن لم يقترئ القرآن "، والمحفوظ المشهور الرواية الأولى، [قال الإمام: اختلف الناس فى اشتراط قراءة أم القرآن فى صحة الصلاة، والمشهور عندنا اشتراط قراءتها فى جل الصلاة، وأما اشتراط ذلك فى كل ركعة ففيه قولان مشهوران] (¬1). قال الإمام: قوله: " لا صلاة " اختلف أهل الأصول فى مثل هذا اللفظ إذا ورد (¬2) فى الشرع على ماذا يُحَملُ؟ فقال بعضهم: يلحق بالمجملات؛ لأن نصه يقتضى نفى الذاتِ ومعلوم [ثبوتها حسًا] (¬3)، فقد صار المراد مجهولاً، وهذا الذى قالوه خطأ؛ لأن المعلومَ من عادة العرب أنها لا تضع هذا لنفى الذات وإنما تورده مبالغةً، فتذكر الذات ليحصل لها ما أرادت من المبالغةِ، وقال آخرون: بل يحملُ على نفى الذات وسائر أحكامها وتُخص الذاتُ بالدليل على أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكذبُ، وقال آخرون: لم تقصد العربُ قط على نفى الذات، ولكن لنفى أحكامها، ومن أحكامها الكمال والإجزاء فى هذا الحديث، فيحمل اللفظ على العموم فيها، وأنكر هذا [بعض المحققين] (¬4) لأن العموم لا يصح دعواه فيما يتنافى، ولا شك أن نفى الكمال يُشعِرُ بحصول الإجزاء، فإذا قُدِّر الإجزاء منتفيًا بحق العموم قدِّر ثابتًا بحق إشعار نفى الكمال بثبوته، وهذا يتناقض، وما يتناقض لا ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى المعلم: وقع. (¬3) من المعلم، والذى جاءت به نسخ الإكمال هو: بثها جنسًا. (¬4) من المعلم، وجاء فى الإكمال: والمحققون.

36 - (...) حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْد، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَن ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ، الَّذِى مَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى وَجْهِهِ مِنْ بِئْرِهِمْ، أَخْبَرَهُ؛ أَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ أَخْبَرَهُ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأَ بِأُمِّ القُرْآنِ ". 37 - (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِى، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وزَادَ: فَصَاعِدًا. 38 - (395) وحدّثناه إِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلىُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحمل الكلام عليه، وصار المحققون إلى التوقف (¬1) بين نفى الإجزاء ونفى الكمال، وادَّعوا الاحتمال من هذه الجهة لا مما قال الأولون، فعلى هذه المذاهب يخرج قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة ... " الحديث. وقوله: " من صلى صلاةً لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهى خداج ": قال الهروى وغيره: الخداج: النقصان، يقال: خدجت الناقةُ إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج، وإن كان تامّ الخلق، وأَخْدَجَتْه إذا ولدته ناقصًا، [وإن كان لتمام الولادة] (¬2)، ومنه قيل لِذِى الثُديَّةِ: مُخْدَج اليد، أى ناقصها (¬3). قال أبو بكر: فقوله: " [فهى] (¬4) خداج ": أى ذات خداج، فحذف ذات وأقام الخداج مقامه على مذهبهم فى الاختصار، [ويجوز أن يكون المعنى فيه: مخدجة أى ناقصة، فأحل المصدر محل الفعل، كما قالوا عبد الله إقبال وإدبار يريدون: مقبل ومدبر] (¬5). قال الإمام: فإذا بثت أن المراد بقوله: " خداج " أى ناقصة فهذا يستدل به مَن حمل قوله: " لا صلاة " فى الحديث المتقدم على نفى الكمال؛ لأن إثبات النقص المراد به نفى الكمال. قال القاضى: هذا مذهب الخليل وأبى حاتم والأصمعى، فأما الأخفش فعكس وجعل الإخداج قبل الوقت وإن كان تام الخلق، وقال غيره: خدجت وأخدجت إذا ولدت قبل تمام وقتها، وقيل: قبل تمام الخلق. ومعنى تسميتها " أم القرآن ": أى أصله، كما قيل لمكة: أم القرى (¬6)، وكره قومٌ ¬

_ (¬1) فى الإكمال: التوقيف، والمثبت من المعلم. (¬2) فى المعلم بياض. (¬3) غريب الحديث 1/ 65. (¬4) و (¬5) من المعلم. (¬6) وقيل: لأنها أول ما يقرأ فى الصلاة. الاستذكار 4/ 186.

الْقُرْآنِ فَهِىَ خِدَاجُ " ثَلاثًا، غَيْرُ تَمَامِ. فَقِيلَ لأَبِى هُرَيْرَة: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءً الإِمَامِ. فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ تسميتها به ولا وجه لذلك مع صِحَّةِ الحديث بتسمية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها بذلك. وقوله: " إنى أحيانًا أكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها فى نفسك ": حمله بعض أصحابنا وجماعة من العلماء على ما أسرّ فيه الإمام، وحمله آخرون على تذكرِ النفس لما يقرؤه الإمام وتدبُّرِه، وشغل سِرِّه بتلاوته بقلبه بذلك لا بلسانه؛ ليصحَّ له تأمُّلِ معانيه، وحملوا قوله: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " على الإمام والفذ (¬1). وقد اختلف العلماء فى القراءة فى الصلاةِ، فذهب جمهورهم إلى وجوب أم القرآن (¬2) للإمام والفذ فى كل ركعة، وهو مشهور قول مالك (¬3)، وعنه - أيضًا - أنها واجبةٌ فى جُل الصلاة (¬4)، وهو قول إسحاق (¬5) وعنه - أيضًا - إنما يجب فى ركعة، وقاله المغيرة والحسن، وعنه أنها لا تجبُ فى شىء من الصلاة، وهو أشد رواياته، وهو مذهب أبى حنيفة، إِلا أن أبا حنيفة يشترط أن يقرأ غيرها من القرآن فى جُلِّ الصلاة (¬6)، وذهب الأوزاعى إلى أنها تجبُ فى نصف الصلاة - وحكى عن مالك - وذهب الأوزاعى - أيضاً - وأبو ثور وغيرهما إلى أنها تجب على الإمام والفذِّ والمأموم على كل حال - وهو أحد قولى الشافعى (¬7). ثم اختلف بعد ذلك من لم يُعين قراءة أم القرآن فى الصلاة ما يجزيه من غيرها من القرآن؟ بعد إجماعهم على أن لا صلاة إِلا بقراءة فى الركعتين الأولين، إِلا ما قاله ¬

_ (¬1) وقال المغيرة بن عبد الرحمن المخزومى المدنى: إذا قرأ بأم القرآن مرةً واحدةً فى الصلاة أجزته؛ لأنها صلاة قد قرأ فيها بأم القرآن، فهى تمام ليست بخداج. السابق 4/ 199. (¬2) فى الأصل: القراءة، والمثبت من ت. (¬3) وهو ما ذهب إليه ابن القاسم، ورواه عنه فى إلغاء الركعة التى لم يقرأ فيها بها، وكذا ابن خواز بنداذ وإلى وجوب أم القرآن ذهب الشافعى بمصر، وعليه أكثر أصحابه، وهو قول الأوزاعى، والليث بن سعد، وبه قال أبو ثور، وهو قول عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو، وأبن عباس واختلف فيه عن أبى هريرة، وبه قال عروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، ومكحول، والحسن البصرى. راجع: التمهيد 11/ 39، الاستذكار 4/ 145، 234. (¬4) المدونة الكبرى 1/ 65. وقد قال: من لم يقرأ فى نصف صلاته أعاد. الاستذكار 4/ 144. (¬5) فقد قال: إذا قرأ فى ثلاث ركعات إمامًا كان أو منفردًا فصلاته جائزة؛ لما أجمع الناس عليه: أن من أدرك الركوع أدرك الركعة. قال أبو عمر: قاس إسحاق الإمام والمنفرد فى القراءة على المأموم فأخطأ القياس؛ لأن الإمام والمنفرد لا يحمل غيره عنه شيئًا من صلاته، ولا يقلبُ أحدٌ عليه رتبة صلاته ولا يقلبها هُو، فتجزئ عنه. الاستذكار 4/ 198. (¬6) بدائع الصنائع 1/ 160. (¬7) لم يذكر الإمام الشافعى فى الأم إِلا القول بوجوب قراءتها، وهو المعروف لنا. الأم 1/ 107، وقال أبو عمر: إن هذا القول - المنسوب للإمام الشافعى - كان يقوله بالعراق. الاستذكار 4/ 229.

اقْرَأ بِهَا فِى نَفْسِكَ، فَإِنَّى سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاة ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعى فيمن نسى القراءة فى صلاته كلها، يجزيه ويُعذر بالنسيان على ما روى عن عمر ولم يصح عنه (¬1)، وقد أنكره مالك وقال: كيف يصح [وخلفه أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2) لا يذكرونه بذلك؟ وقيل: معنى ما روى عنه من ترك القراءة ترك جهره بها، وقيل: ذلك كان فى بعض صلاته لا فى جميعها، إذ يبعد [إطباقه] (¬3) على تركها فى جميع الصلاة [وإطباق] (¬4) من خلفه على ترك تنبيهه، وروى أن عمر أعاد (¬5)، ثم رجع الشافعى عن هذا، وقال أبو حنيفة: يجزئ أن يقرأ من القرآن آيةً، وقال أصحابه: ثلاثًا أو آيةً طويلة (¬6)، وقال الطبرى: سبع آيات بقدر أم القرآن من آيها وحروفها (¬7)، وذهب أبو حنيفة إلى أن القراءة فى الركعتين الأخيرتين لا تجب، وقاله الثورى والأوزاعى (¬8)، وخالفهم الجمهور فأوجبوها على اختلاف مذاهبهم فيما تقدم، وحكى ابن الموَّان عن أبى سلمة وربيعة وعلى بن أبى طالب أن القراءة فى الصلاة ليست من فروضها (¬9)، وإليه ذهب محمد بن أبى صفرة وتأوله على بعض روايات كتاب محمد (¬10)، وحكى الداودى عن على وابن أبى سلمة وطائفة أن فرض القراءة مع الذكر، وأما الناسى فيجزؤه القيام والركوع والسجود على حديث عمر. وقوله: " قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ... " الحديث، وذكر قراءة أم ¬

_ (¬1) الأم 1/ 109، قال أبو عمر: أظن قول الشافعى القديم دخلت الشبهة فيه عليه بما روى عن عمر أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها، فذكر ذلك له، فقال: كيف الركوع والسجود؟ قيل: حسنٌ. قال: لا بأس إذن. قال أبو عمر: وهذا حديثٌ منكر، وقد ذكره مالك فى الموطأ، وهو عند بعض رواته، ليس عند يحيى وطائفة معه، لأنه رماه مالك من كتابه بأخرَةٍ وقال: ليس عليه العملُ؛ لأن النبى - عليه السلام - قال: " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج ". الاستذكار 4/ 142. (¬2) الذى فى الأصل: وخالفه أصحاب محمد. والعبارة بذلك موهمة، فوق أنها غير واضحة، والمثبت من ت. (¬3) و (¬4) فى الأصل: إصفاقه، والمثبت من ت. (¬5) أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه عن عبد الله بن حنظلة 2/ 123، كما أخرجه البيهقى عن همام بن الحارث فى السنن الكبرى 2/ 382. (¬6) هذا هو قول الصاحبين. (¬7) الاستذكار 4/ 146. (¬8) وقال الثورى: يقرأ فى الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، ويسبِّح فى الأخرتين، وهو قول أبى حنيفة وسائر الكوفيين. الاستذكار 4/ 145. (¬9) وحجتهم فى ذلك حديث زيد بن ثابت: " القراءة سنة ". قال البيهقى: وإنما أراد قراءة القرآن التى أثبتت فى المصحف الذى هو إمام سنة متبعة لا يجوز مخالفتها، وإن كان غيرها سائغًا فى اللغة. معرفة السنن 3/ 329، وانظر: السنن الكبرى 2/ 385. (¬10) قال أبو عمر: ورواه أهل الكوفة عن على، وروى عنه أهل المدينة خلاف ذلك. السابق 4/ 197.

بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِى عَبْدِى. وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَىَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ القرآن وقسمتها، فأطلق اسم الصلاة على قراءة أم القرآن إذا كانت لا تتم إِلا بها، ففيه حجة فى تعيينها فى الصلاة ووجوبها كما قال: " الحج عرفة " (¬1) وأنه لا واجب من القراءة غيرها، وقال الخطابى: أراد القراءة كما قال: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} (¬2) قيل: القراءة (¬3). ومعنى القسمة هاهنا من جهة المعانى؛ لأن نصفها الأول فى حمد الله وتمجيده والثناء عليه وتوحيده، والنصف الثانى فى اعتراف العبد بعجزه وحاجته إليه وسؤاله الله فى تثبيته لهدايته ومعونته على ذلك. وقوله: بـ "نصفين " حجةٌ على أن " بسم الله الرحمن الرحيم " ليس من أم القرآن، إذ جملتها سبع آيات ثلاث منها منفردةٌ بحمد الله والثناء عليه، والثلاث الأخرى فى دعاء العبد الهداية، والآية السابعة وسطاً منقسمةٌ، نصفها إخلاص لله وتوحيدٌ واعتراف له وحده بالعبودية وإقرار بما يجب له تعالى من ذلك وهو قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُد} (¬4)، والنصف الآخر دعاء بالمعونة على ذلك وتفويضٌ لله عز وجل واستسلام له، وهى مختصةٌ بالعبد بما بعدها من الدعاء، وهى آيةً واحدةً باتفاق، فلو كانت بسم الله آية من أم القرآن لم تكن القسمة بنصفين كما نص على ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفى الحديث نفسه أقوى حجةٍ على هذه المسألة؛ لأنه ابتدأ فقال: " يقول العبْدُ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، يقول الله: حمدنى عبدى، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى على عبدى ... " ثم ذكر جميع آى السورة على ما جاء فى الحديث، ولا خلاف أنها سبع آياتٍ ولم يذكر فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم "، وهذا الحديث أبينُ شىء فى الباب، وإن كان قد جاء من بعض الروايات الشاذة: " يقول العبد: بسم الله الرحمن الرحيم، فيذكرنى عبدى، ثم يقول: الحمد لله ... " وذكر الحديث، لكن راوى هذه الزيادة محمد بن سفيان وهو ضعيف (¬5)، وقد انفرد عن العلماء بهذه الزيادة وخالفه الثقات الحفاظ مالك وابن جريج وابن عيينة فلم يذكروها ولا غيرهم. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه أبو داود فى المناسك، ب من لم يدرك عرفة 2/ 196، ابن ماجة كذلك، ب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع 2/ 1003، الدارمى فى المناسك، ب بما يتم الحج 1/ 386، كما أخرجه الترمذى فى التفسير، ب سورة البقرة جميعًا عن عبد الرحمن بن يعمر، إِلا أن رواية الترمذى أتم، وبلفظ: عرفات 5/ 214، وقال فيه سفيان بن عيينة: وهذا أجود حديث رواه الثورى. (¬2) الإسراء 110. (¬3) معالم السنن 1/ 203. (¬4) الفاتحة: 5. (¬5) قلت: غاية أمره أنه حسن الحديث، فقد ذكره ابن حبان فى الثقات، وقال فيه أبو عبيدة الآجُرى: سمعت أبا داود يثنى عليه، وقال ابن حجر فى التقريب: صدوق. راجع: الثقات 9/ 119، والتقريب 2/ 165، وتهذيب التهذيب 9/ 192.

عَبْدِى. وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِى عَبْدِى - وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إلَىَّ عَبْدِى - فإذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هَذَا بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مجدنى عبدى " عند قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}: أى عظَّمنى، والمجد نهاية الشرف. والفرق بين " حمدنى " و " أثنى علىَّ " و " مجدنى " بيِّنٌ؛ لأن " مجَّد " يقتضى الثناء بصفات الجلال، و " حمد " يقتضى الثناء بحميد الفِعال، و " أثنى " يجمع ذلك كله، وينطلق على الوجهين؛ فلهذا جاء جوابًا لقوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لاشتمال هذين الاسمين على صفاته الذاتية من الرحمة، والفعلية من الإنعام على خلقه. واختصاص اسم الرحمن به على قول أئمتنا وعمومه وصفتهِ (¬1) لا يوصف بها غيره، وهذه نهاية العظمة والجلال، والرحيم عائد برحمته على عباده وخلقِه المؤمنين خاصةً على قول بعضهم. وقوله: " وربما قال فوَّض إلىَّ عبدى " ومطابقة هذا لقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لأنه تعالى المنفرد ذلك اليوم بالملك وبجزاء العباد ومحاسبتهم فيه. والدين: الحسابُ، وقيل: الجزاء، فهو المَلِكُ فيه دون دعوى غيره، وإن كان منفرداً على الحقيقة به فى الدنيا والآخرة لا مالك ولا ملك سواه، والكلُّ مربوبٌ له، عبد مسخر، وذلك اليوم لا ندَّعِى للملك [غيره] (¬2) كما قال: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّه} (¬3). وفى هذا الاعتراف من التعظيم والتمجيد ما لا يخفى، ومن تفويض أمور الدنيا والآخرة إليه ما هو الحق الذى لا مرية فيه. وقوله: " فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ...} إلى آخر السورة، فهذا لعبدى ": كذا فى الأم، وعند غيره من رواية مالك وغيره: " فهؤلاء لعبدى " (¬4)، فيه دليل أنها آيات، وأن قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم} (¬5) آية، وهو عند البصريين والشاميين ¬

_ (¬1) فى الأصل: وصفه. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬3) غافر: 16. (¬4) أبو داود فى سننه، ك الصلاة، ب من ترك القراءة فى صلاته بفاتحة الكتاب 1/ 188. ولفظ الترمذى: " فيقول: مالك يوم الدين، فيقول: مجّدنى عبدى، وهذا لى، وبينى وبين عبدى إياك نعبدُ وإياك نستعين، وآخر السورة لعبدى ولعبدى ما سأل، يقول: اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين "، ك تفسير القرآن، ب ومن سورة فاتحة الكتاب 5/ 201، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن. (¬5) الفاتحة: 6.

قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنِى بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ [عَبْدِ] الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فِى بيْتِهِ، فَسَأَلْتُهُ أَنَا عَنْهُ. 39 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِك بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 40 - (...) ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ؛ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى بَنِى عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامِ ابْنِ زُهْرَةَ، أَخْبَرَهُ؛ أَنَّه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى صَلَاةً فَلَمْ يَقْرَأَ فيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ " بِمْثِلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ. وَفِى حَدِيثِهِمَا: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاة بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِى وَنِصْفُهَا لِعَبْدِى ". 41 - (...) حدّثنى أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ الْمَعْقِرِىُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أبُوَ أُوَيْسٍ، أَخْبَرَنِى الْعَلَاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِى وَمِنْ أَبِى السَّائِبِ، وَكَانَا جَليَسىْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَا: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَهِىَ خِدَاجٌ " يَقُولُهَا ثَلَاثًا. بِمِثْلِ حَدِيثهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمدنيين، وعلى هذا تصح (¬1) القسمة [أولاً ثلاث آيات أولى] (¬2) لله وحده، وآيةٌ منقسمةٌ بينَه وبين عبده، وثلاث آيات أخرى للعبد، ولو كانت على عدد الكوفيين والمكيين وأن {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم} إلى آخر السورة، آيةٌ واحدة وجعلوا السابعة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أولها لجاءت القسمة غير مطابقةٍ، أربعةٌ أولاً لله، وواحدةٌ مشتركةٌ، واثنتان للعبد آخرًا. ووقع فى رواية السمرقندى فى آخر السورة: " هذا بينى وبين عبدى "، وهُوَ وهمٌ وخطأ. وقوله: " اقرأ بها فى نفسك ": هذا حكم من قرأ بها مع الإمام على تأويلهم وتأويلنا المتقدم ألَّا تجهر عليه بالقراءة، وقراءة النفس هنا بتحريك الشفتين بالقراءة وإن لم يُسْمِعْ نفسه، وإسماع نفسِه أحسَنُ وأحبُّ للعلماء فى صلاة السر. ¬

_ (¬1) فى الاصل: يصح، والمثبت من ت. (¬2) عبارة الأصل: ثلاث آيات أولاً.

42 - (396) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا صَلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلف العلماء فى قراءة المأموم خلف الإمام، فمالك وعامَّةُ أصحابه وابن المسيّب فى جماعة من التابعين وغيرهم وفقهاء [الأمصار] (¬1) أهل الحجاز والشام والحديث على أنه لا يقرأ معه فيما جَهَر به وإن لم يسمعه ويقرأ فيما أسَرَّ الإمام [وقاله الشافعى مرةً] (¬2)، ووافقهم أحمد إِلَّا أنه يجعله يقرأ إذا لم يسْمعه فى الجهر، وروى عن بعض التابعين (¬3). وحجةُ هؤلاء كلهم قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} (¬4). وقول أبى هريرة: " فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه الإمام " وبقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قرأ الإمام فأنصتوا له " (¬5)، وذهب أكثر هؤلاء أن القراءة خلف الإمام غير واجبةٍ إِلا داود (¬6) وأحمد وأصحاب الحديث، فجعلوا قراءة أم القرآن للمأموم فيما أسر فيه إمامُه فرضًا، واختلف النقل عن المذهب فيها بالسُنَّةِ والاستحباب (¬7)، وذهب الكوفيون إلى ترك قراءة المأموم خلفَ الإمام فى كل حالٍ، وهو قول أشهب وابن وهب من أصحابنا، وذهب جماعة ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬2) سقط من الاصل، والمثبت من ت. (¬3) المدونة الكبرى 1/ 65. وقد روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سُئل: هل يقرأ أحدٌ خلف الإمام قال: " إذا صلى أحدُكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلَّى وحده فليقرأ " الموطأ 1/ 86، وانظر: سنن البيهقى 2/ 161. (¬4) الأعراف: 204. (¬5) جزء حديث أخرجه أبو داود فى السنن، ك الصلاة، ب الإمام يصلى من قعود 1/ 142، النسائى فى المجتبى، ك الافتتاح، ب تأويل قوله عز وجل: {وإِذَا قُرِئَ الْقُرآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} 2/ 142، أحمد فى المسند 2/ 420، ولفظتها: " وإذا قرأ فأنصتوا ". وفيها يقول أبو داود: ليست بمحفوظة، وانظر: التمهيد 11/ 33. (¬6) ومن أصحاب داود من قال: لا يقرأ فيما قرأ إمامه وجهر. الاستذكار 4/ 228. (¬7) قال أبو عمر: ولا تجوز القراءة عند أصحاب مالك خلف الإمام إذا جهر بالقراءة، وسواء سمع المأموم قراءته أو لم يسمع؛ لأنها صلاة جهر فيها الإمام بالقراءة، فلا يجوز فيها لمن خلفه القراءة؛ لأن الحكم فيها واحد كالخطبة يوم الجمعة لا يجوز لمن لم يسمعها وشهدها أن يتكلم، كما لا يجوز أن يتكلم من سمعها سواء. التمهيد 11/ 37. ثم قال: وقال بعض أصحاب مالك: لا بأس أن يتكلم يوم الجمعة من لا يسمع الخطيب بما شاء من الخير وما به الحاجة إليه، وكره مالك له ذلك. السابق 11/ 38. وقال احمد بن حنبل: من لم يسمع قراءة الإمام جاز له أن يقرأ وكان عليه إذا لم يسمع أن يقرأ ولو بأم القرآن؛ لأن المأمور بالإنصات والاستماع هو من سمع دون من لم يسمع. قال أبو عمر: وقال بقوله طائفة من أهل العلم قبله وبعده. السابق 11/ 38.

إِلَّا بِقِرَاءةٍ ". قَالَ أَبُو هَرَيْرَةَ: فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَنَّاهُ لَكُمْ، وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من الصحابة والتابعين إلى أن المأموم لا يترك قراءة أم القرآن على كل حالٍ، وإليه رجع الشافعى (¬1) وقاله أكثر أصحابه (¬2)، وحجتهم حديث أبى هريرة هذا، وظواهر عموم الأحاديث غيره. وقوله: " فما أعلن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلنَّاهُ لكم، وما أخفاه أخفيناه عنكم ": لا خلاف أن الصبح والركعتين الأوليين من العتمة والمغرب تقرأ جهرًا، وما عدا ذلك سِرًّا من الفرائض، وعندنا أن العيدين والاستسقاء والوتر جهرًا وما عداها من السنن سِرًّا. وقد اختلف العلماء فى الجهر فى الاستسقاء والعيدين، وأما صلاة النوافل بالليل والنهار فمن شاء جهر ومن شاء أسرَّ، لكنه يُستحب عندنا الجهرُ بالليل والإسْرَار بالنهار (¬3)، واختلف أصحابنا فى السر والجهر هل هو من سُنة الصلاة أو هيآتها؟ (¬4) وقد تأوَّل فى المسألة بإعادة المتعمّد وجوبها (¬5). وفى هذا الحديث بالجملة لزوم القراءة لصلاة الجهر والسر بكل حالٍ. وقد زعم بعض أصحاب المعانى أن الحكمة (¬6) فى صلاة الليل جهرًا والنهار سِرًّا: أن فى الليل يطرد ¬

_ (¬1) وممن قال به الأوزاعى والليث بن سعد، وأبو ثور، وروى ذلك عن عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو ابن العاص، وعبد الله بن عباس، وهو قول عروة بن الزبير، وسعيد بن جبير ومكحول، والحسن البصرى. قال أبو عمر: واختلف فيه عن أبى هريرة. السابق 11/ 39. (¬2) منهم المزنى، والبويطى. (¬3) قلت: أخرج ابن أبى شيبة عن عبد الكريم قال: صلى رجلٌ إلى جنب أبى عبيدة فجهر بالقراءة فقال له: إن صلاة النهار عجماء وصلاة الليل تسمع أذنيك. وله عن إبراهيم قال: لا بأس أن يجهر بالنهار فى التطوع إذا كان لا يؤذى أحداً. المصنف 1/ 364. (¬4) عبَّر الدردير عن حاصل المذهب المالكى فى المسألة بقوله: إن من ترك الجهر فيما يجهر فيه وأتى بدله بالسر فقد حصل منه نقص، لكن لا سجود عليه إِلا إذا اقتصر على حركة اللسان، وأن من ترك السر فيما يسر فيه وأتى بدله بالجهر فقد حصل منه زيادة لكن لا سجود عليه بعد السلام، إِلا إذا رفع صوته فوق سماع نفسه ومن يلاصقه، بأن كان يسمعه من بعد عنه بنحو صف فأكثر. الموسوعة الفقهية 16/ 189. (¬5) يرى الحنفية أنه لو جهر الإمام فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر به تلزمه سجدة السهو؛ لأن الجهر فى موضعه والمخافتة فى موضعها من الواجبات، لمواظبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهما، فبتركهما يلزم سجود السهو. السابق، وانظر: فتح القدير 1/ 360. أما الشافعية فإنهم ذهبوا إلى أن من جهر فى موضع الإسرار أو أسر فى موضع الجهر لم تبطل صلاته، ولا سجود عليه، ولكنه ارتكب مكروهاً. وبقولهم قال الأوزاعى وبما ذهبوا إليه ذهب الحنابلة. هذا إن ترك الجهر والإخفات فى موضعهما عمداً. فإن كان المتروك سهواً ففى مشروعية السجود من أجله روايتان عن أحمد: إحداهما: لا يشرع، كما هو مذهب الشافعى والأوزاعى، والثانية: يشرع. راجع: المجموع 3/ 390، والمغنى 2/ 31. (¬6) فى الأصل: الحكم، والمثبت من ت.

43 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - واللَّفْظُ لِعَمْرو - قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا ابْنَ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ؛ قَالَ: قَالَ أَبُو هرَيْرَةَ: فِى كُلِّ الصَّلَاةَ يَقْرأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْناكُمْ، وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَا مِنْكُمْ، فقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنْ لَمْ أَزِدْ عَلَى أُمِّ القُرْآنِ؟ فَقَالَ: إِنْ زِدْتَ عَلَيْهَا فَهُوْ خَيْرٌ، وَإِنِ انْتَهَيْتَ إِلَيْهَا أَجْزَأَتْ عَنْكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيطان ويوقظ الوسْنان، كما قال عمر - رضى الله عنه - فالمغرب والعشاء وقت انتشار الشياطين وتسلُّطُهم، وقد أخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك وأمر بكف الصبيان حينئذ (¬1)، والصبح حين تسلُّط الشيطان على النائمين وعقد عُقَدِه بالنوم على قوافيهم (¬2)، فكان الجهر بالقراءة فى هذه المواطنِ إبعادًا له وطردًا عن المصلِّين وعن قُوَّام الليل، وأخْلى لِسِرِّهم من وسوسته وشغلهم أسماعهم وقلوبهم بالقراءة، وأمر الإمام فيها بالجهر والناس بالإنصات له؛ لفراغ بالهم، وانقضاء أشغالهم؛ ليتدبَّروا ما يتلى عليهم، ثم فى الجهر بالقراءة - أيضًا - إيقاظ لمن عساه يسمع قراءتهم من قُوام الليل، أو ممن له عادةٌ بالقيام فيقوم لذلك وينشط للصلاةِ؛ ولأن فى رفع الصوت بالقراءة طرد النوم عن المصلى نفسِهِ، أو من يُصلى بصلاته، أو من غلبته عينه قبل أداء فرضه، أو لانتظار جماعة، وأمِن هذان الوجهان بالنهار لكون الناس مستيقظين، مراعين أوقات صلواتهم، متأهبين لها، وأنه ليس حين انتشار الشياطين، فاقتصر فيها على قراءة السِرِّ فى وقتها - وستأتى بقيةُ هذا الباب فى موضعه. قال: وجُهِرَ فى الجُمعةِ والأعيادِ والاستسقاء من صلاة النهار لأنها أعيادٌ ومجامعٌ يُنجلبُ إليها من الجهات، وفيهم الأعراب والجهَلةُ فجُهِر لهم بالقراءة ليُتلى عليهم القرآن، ويسمعوا مواعظه، ويتعلموا أحكامه. ولما كانت صلاة النهار تأتى والناس فى أشغالهم، ومعايشهم، واشتغال بالهم بذلك، كانت القراءة [لجميعهم] (¬3) أولى لحفظ صلاتهم، وشغلهم بها، وتفريغ بالهم لتدبّرها، لتشويش خواطِرِهم بأشغالهم التى هم فيها عن الإنصات لقراءة الإمام وتدبُّرِ ما يتلو، ولم يكن لجهر الإمام بالقراءة معنىً فألزم جميعهم قراءة السرِّ. وقوله للذى قال له: لم أزد على أم القرآن: " إن زدت عليها فهو خير لك، وإن انتهيت إليها أجزأت عنك ": أما القراءة فى الصبح والجمعة والأولين من سائر الصلوات فسورة بعد أم القرآن أو ببعض سورة، ولا خلاف فى شرع ذلك أعلمه، ثم اختلف فى حكمها عندنا، هل قراءتها سنةً أو مستحبٌ؟ وخَرج قول ثالثٌ الوجوبُ، وأما قراءتها فى ¬

_ (¬1) سيرد إن شاء الله فى ك الأشربة، وهو حديث: " إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ "، وأخرجه البخارى، ك بدء الخلق، ب خير مال المسلم 4/ 155. (¬2) حديث: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد "، سيأتى إن شاء الله فى ك صلاة المسافرين. (¬3) ساقطة من الأصل.

44 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فِى كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءةٌ، فَمَا أَسْمَعَنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَاهُ مِنْكُمْ، وَمَنْ قَرَأ بِأُمِّ الْكِتَابِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ. 45 - (397) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَردَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ. قَالَ: " ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ". فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَعَلَيْكَ السَّلامُ " ثُمَّ قَالَ: " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، عَلِّمْنِى. قَالَ: " إِذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمئِنَّ رَاكِعًا، ثُمّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِى صَلَاتِكَ كُلِّهَا ". 46 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى نَاحِيَةٍ: وَسَاقَا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَزَادَا فِيهِ: " إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ باقى الركعات فكره مالك ذلك، وذهب الشافعى إلى قراءة السورة بعد أم القرآن فى الركعات كُلها (¬1)، وخيَّره أصحابُ الرأى بين القراءة فيها والتسبيح والسكوت وفى الحديث تعيين أم القرآن ولزومها للمصلى. وقوله للذى علمه الصلاة: " إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر ثم اقرأ بما تيسَّرَ معك من القرآن ": حجةٌ أن الإقامة ليست بواجبةٍ وأن القراءة فى الصلاة واجبةٌ، وحجةً فى وجوب التكبير للإحرام، وقد تقدم الكلام فى هذا كله. وقوله: فى الرواية الأخرى: " أسْبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ": دليلٌ أنه إنما قصد ذكر فرائض الصلاة، وأن جميع ما ذكره فيها فرضٌ، وما لم يذكره ليس من فرائضها، إذا لم يذكر الاستفتاح والتوجه ولا التشهد، وقد جاء فى المصنفات فى بعض طرق هذا الحديث: " وأقم " فيحتج به من يرى الإقامة واجبة. ¬

_ (¬1) الأم 1/ 109.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ... " الحديث] (¬1)، قال الإمام: [قوله: " اقرأ ما تيسر معك من القرآن "] (¬2) تعلق به أصحاب أبى حنيفةَ في أن القرآن (¬3) لا يتعيَّن، ولا تجب قراءة أم القرآن بعينها؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاله على ما تيسر، وظاهر هذا إسقاط تعيين [قراءة] (¬4) أم القرآن، ومن أوجب قراءتها يرى هذه الإحالة إنما وقعت على ما زاد على أمِّ القرآن، فإن ذلك لا يتعين إجماعًا، ويُستَدل على ذلك بالأحاديث الدالة على وجوب قراءةِ أم القرآن. قال القاضى: احتج أئمتنا والشافعى بقوله هذا: أن تكبيرة الإحرام من الصلاة (¬5) خلافًا للكرخى فى قوله: ليس من الصلاة (¬6)، وجعلوا قوله - عليه السلام -: " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " تفسير لمجمل قوله: " اقرأ بما تيسر معك من القرآن "، وقد ذكر أبو داود في بعض روايات هذا الحديث: " فكبر ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله أن تقرأه " (¬7) فرفع الإشكال. قال الإمام: وقوله: " ثم اركع حتى تطمئن راكعاً " وقال مثله في السجود، فعندنا قولان في ذلك، أحدهما: نفى إيجاب الطمأنينة تعلقًا بقوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (¬8)، ¬

_ (¬1) و (¬2) من المعلم. (¬3) فى المعلم: القراءة. (¬4) من المعلم. (¬5) وكذا أبو حنيفة وأصحابه. والحجة لهم حديث أبى هريرة السابق: " إذا أردت الصلاة فأسبغ الوضوء، واستقبل القبلة، ثم كبِّر .... " الحديث، فعلَّمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان من الصلاة واجبًا وسكت له عن كل ما كان منه مسنونًا ومُسْتحبًا، مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما أخرجه أبو داود والترمذى وأحمد عن على بن أبى طالب وأبى سعيد الخدرى -: " تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم "، قال الترمذى: هذا الحديث أصح شىء فى هذا الباب وأحسن 1/ 8. قال أبو عمر: وقال عبد الرحمن بن مهدى: لو افتتح الرجلُ الصلاة بسبعين اسمًا من أسماء الله ولم يكبِّر تكبيرة الإحرام لم يُجزه، وإن أحدَثَ قبل أن يسلِّم لم يجزه. قال: وهذا تصحيحٌ من عبد الرحمن بن مهدى لحديث: " تحريمها التكبير " وتديُّن منه به، وهو إمام في علم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه، وحسبُك به. الاستذكار 4/ 126. (¬6) وكذا نقل عن الزهرى والأوزاعى وطائفة. السابق. وروى عن الحكم بن عتبة أنه إذا ذكر الله مكان التكبير أجزأه. وقال أبو حنيفة: إن افتتح بلا إله إِلا الله يجزيه، وإن قال: اللهم اغفر لى لم يجزه. ولا يجزى عند مالك إِلا: الله أكبر، لا غير، وكذا قال الشافعى وزاد: ويجزى الله الأكبر، ولا يجزى عند المالكيين: الله الأكبر، وقال أصحاب مالك والشافعى وأصحابه وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، من أحسن العربية لم يجزه أن يكبِّر بالفارسية، خلافًا لأبى حنيفة. راجع: الاستذكار 4/ 132. (¬7) أبو داود في الصلاة، ب صلاة من لا يقيم صُلبه في الركوع والسجود، من حديث رفاعة بن رافع، ولفظه: " وبما شاء الله أن تقرأ " 1/ 198. (¬8) الحج: 77.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يأمرنا بزيادة على ما سمى ركوعًا وسجودًا، والثانى: إيجابها تعلقًا بهذا الحديث، وقد خرج مخرج التعليم فوجب إثبات الوجوب لكل ما ورد فيه، إِلا ما خرج منه بدليل (¬1). قال القاضى: وقوله: " ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا "، وقوله: " ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا " حجة في وجوب الاعتدال في القيام من الركعة (¬2) وفى الجلوس بين السجدتين، ولا خلاف أن الفصل بين السجدتين واجب، وإلا فكانت سجدة واحدة، ولكن الاعتدال في الجلوس فيما بينهما، وفي رفع الرأس من الركوع والاعتدال منه مختلف في وجوبه عندنا، وهل هو مستحق لذاته فلابد منه أو للفصل فيحصل الفصل بما حصل منه وتمامه سنة. وقوله: " ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ": دليل على وجوب القراءة في جميع الركعات على مشهور مذهبنا، إذ أمره أولاً بالقراءة. وقوله: " ثم ارفع " ظاهره أنه من الرفع ببن السجدتين كما تقدم، وهو يبين قوله في الرواية الأخرى في المصنفات: " ثم اجلس حتى تطمئن جالسًا "، وقد يحتج به من يرى وجوب الجلوس كله، والحجة فيه ضعيفة لقوله ذلك بعد ذكره السجود، ولقوله بعد هذا " وافعل ذلك في صلاتك كلها " (¬3). وفى هذا الحديث: أن أفعال الجاهل في العبادات على غير علم لا يتقرب بها ولا تجزى؛ لقوله: " فإنك لم تصل "، وفى هذا الحديث: الرفق في الأمر بالمعروف وحسن ¬

_ (¬1) الطمأنينة: هى استقرار الأعضاء زمناً ما، وقد ذهب الشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية وابن الحاجب من المالكية إلى أنها ركنٌ من أركان الصلاة، لحديث المسىء صلاته السابق، ومحلها عندهم في الركوع والسجود، والاعتدال من الركوع، والجلوس بين السجدتين. وذهت الحنفية - عدا أبا يوسف - إلى أنها واجبة وليست بفرض، ويسمونها " تعديل الأركان " وأوجب ابن عابدين سجود السهو بتركه. وعند المالكية على ما ذكر الإمام، قال الدسوقى: القول بفرضيتها صححه ابن الحاجب، والمشهور من المذهب أنها سنة. راجع: الموسوعة الفقهية 29/ 89. (¬2) فى ت: الركعتين. (¬3) أخرج الترمذى عن أنس أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا بنى، إذا سجدت فأمكِن كفَّيك وجبهتك من الأرض، ولا تنقُر نقْرَ الديكِ، ولا تُقع إقعاء الكلب، ولا تلتفت التفات الثعلب " ك الصلاة، ب ما ذكر في الالتفات فى الصلاة 2/ 484، وقال: حديث حسن غريب. وقد ذهب فريق من العلماء إلى أن الطمأنينة هيئة عمل، وهيئة العمل لا يُعدم معها العمل، ومن أوجب الطمأنينة أوجبها على أنها ركن. وقد أخرج مالك عن صدقة بن يسار عن المغيرة بن حكيم: أنه رأى ابن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه، فلمَّا انصرَف ذكر ذلك له، فقال له: إنها ليست سُنَّةَ الصلاة، وإنما أفعل هذا من أجل أنى أشتكى. الموطأ، ك الصلاة، ب العمل في الجلوس فى الصلاة 1/ 88. قال ابن عبد البر: فيه أن ابن عمر قال في انصراف المصلى بين السجدتين على صدور قدميه: إنها ليست سُنَّة الصَّلاة، قال: والسنة إذا أطلقت فهى سنة رسول الله حتى تضاف إلى غيره، كما قيل: سُنة العُمَرين ونحو هذا. الاستذكار 4/ 267.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعاشرة، ألا ترى أنه إنما أمره أولاً، ولم يوبخه ولا زجره، فلما أخبره أنه لا يحسن علَّمه. وفيه: رد السلام على المسلم وإن تكرر ذلك منه، وَقرُبَ لفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه ذلك ثلاث مرات، كما ذكر في الحديث، وجواب قوله في الرد: " وعليك السلام ". وذكر مسلم سند هذا الحديث أولاً عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله (¬1)، حدثنى سعيد (¬2) بن أبى سعيد، عن أبيه، عن أبى هريرة، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الدارقطنى في هذا الحديث: خالف يحيى بن سعيد فيه أصحاب عبيد الله كلهم، يقول عن سعيد عن أبى هريرة، لم يذكروا أباه (¬3)، ورواه معمر عنه عن سعيد مرسلاً (¬4)، قال: ويحيى حافظ. ¬

_ (¬1) في ت: عبد الله، وهو خطأ. (¬2) في ت: سعد، وهو خطأ. (¬3) عبارة الدارقطنى: يرويه عبيد الله بن عمر، واختلف عنه، فرواه يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد عن أبيه عن أبى هريرة، قال ذلك عنه مسدد، وعلى بن المدينى، وأحمد بن حنبل، والمقدمى، وعمرو بن على. وخالفهم بُنْدار، فرواه عن يحيى القطان عن عبيد الله، عن سعيد عن أبى هريرة، لم يقل عن أبيه. قال: ورواه عيسى بن يونس، وابن نُمير، وأبو أسامة، وعبد الرحيم بن سليمان، وعبد الأعلى ابن عبد الأعلى، وأبو ضمرة، وعبد الوهاب الثقفى، ومحمد بن فليح بن سليمان، ويحيى بن سعيد الأموى عن عبيد الله عن سعيد عن أبى هريرة. وكذلك رواه عبد الله بن عمر أخو عبيد الله عن سعيد عن أبى هريرة. قال: وهو المحفوظ. راجع العلل 10/ 361، السنن الكبرى للبيهقى 2/ 373. (¬4) قلت: الذى وقفت عليه هو لابن أبى شيبة، راجع: المصنف له 1/ 287، وانظر: مصنف عبد الرزاق، ك الصلاة، ب الرجل يصلى صلاة لا يكملها 2/ 370.

(12) باب نهى المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه

(12) باب نهى المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه (47) - (398) حَدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهِر - أو الْعَصْرِ - فَقَالَ: " أَيُّكُمْ قَرَأ خَلْفِى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبَّكَ الأَعْلَى} (¬1)؟ "، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " قَدْ عَلِمْتُ أنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجْنِيهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الظهر أو العصر فقال: " أيكم قرأ خلفى بسبح اسم ربك الأعلى " الحديث، وقوله: " قد علمت أن بعضكم خالجنيها "، قال الإمام: معناه: نازعنى القرآن، كأنه ينزع ذلك من لسانه، فهو مثل حديثه الآخر: " مالى أنازع القرآن ". قال القاضى: في هذا الحديث القراءة في صلاة الظهر والعصر، وقد جاء في هذا الحديث من أكثر الطرق " صلاة الظهر " بغير شك، وقد يحتج به من يمنع القراءة جملة خلف الإمام، ولا حجة له فيه لأنه لم ينه عنه. وإنما أنكر مجاذبته للسورة، فقال: " قد علمت أن بعضكم خالجنيها "، ولم ينههم عن القراءة كما نهاهم في صلاة الجهر، وأمرهم بالإنصات، وإنما ينصت لما يسمع، بل فى هذا الحديث حجة أنهم كانوا يقرؤون خلفه، ولعل إنكار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لجهر الآخر عليه فيها أو ببعضها حين خلط عليه لقوله: " خالجنيها ". وقد اختلفت الآثار في قراءة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهما، والصحيح والأكثر قراءته فيهما وهو قول الجمهور من السلف والعلماء، وإنما روى تركه القراءة عن ابن عباس، وقد روى عنه خلافه وقد تقدم هذا المعنى. وفيه قراءة المأموم فيما أسرَّ فيه إمامه (¬2)، وأنَّ نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هو لمنازعته (¬3) ¬

_ (¬1) الأعلى: 1. (¬2) وقد أخرج عبد الرزاق عن سالم؛ أن ابن عمر كان ينصتُ للإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة فى الصلاة لا يقرأ معه. قال أبو عمر: وهذا يَدلُ على أنه كان يقرأ معه فيما أسرَّ فيه. الاستذكار 4/ 224، المصنف 2/ 139. (¬3) المنازعة هى: المجاذبة، وقال الخطابى: وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة والمناوبة. وخطاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا خرج مخرج التثريب واللوم لمن فعل هذا.

48 - (...) حدّثنا مُحمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنُ حُصَيْنٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، فَلَمَّا انْصَرفَ قَالَ: " أَيُّكُمْ قَرَأَ " أَوْ " أَيُّكُمُ الْقَارِئُ " فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. فَقَالَ: " قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجنِيهَا ". 49 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبةَ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ، وَقَالَ: " قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنيهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ السورة التى قرأ بها لقوله: " خالجنيها "، وأن نهيه أن يقرأ معه إنما كان فيما جهر فيه، كما جاء في الحديث مفسرًا، وفيه حجة لتطويل القراءة في الظهر وأنما لا يقرأ فيها بقصار المفصل (¬1)، وسيأتى الكلام على هذا الفصل في موضعه من الكتاب. ¬

_ (¬1) قصار المفصل عند المالكية، والشافعية، والحنابلة، هى من الضحى إلى آخر القرآن، وعند الحنفية من البينة إلى آخر القرآن.

(13) باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة

(13) باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة 50 - (399) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شَعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " صليت مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وعمر وعثمان فلم أرَ أحدًا منهم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم "، قال الإمام: تعلق أصحابنا بهذا في أن " بسم الله الرحمن الرحيم " ليست من أم القرآن، خلافًا للشافعى فى قوله: إنها آية من أم القرآن، والإجماع على أنها بعض آية من سورة النمل في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} (¬1). وقد أشبع القاضى أبو بكر الرد فى " كتاب الانتصار " على من قال: إنها من القرآن فى غير هذا الموضع، وبسط من ذلك ما فيه كفاية، وإنما عرضنا هاهنا الكلام على ما تعلق بالحديث. قال القاضى: أدخل مسلم هذا الحديث والحديث الآخر: " كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم "، ثم أدخل بعد ذلك في حديث أنس فى الحوض وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنزلت على سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكوْثَر} (¬2) (¬3) ": تنبيه على حجة المخالف، وقد اختلف أصحاب الشافعى في قوله: لا أدرى آية من أم القرآن أم لا (¬4)؟ أهو شك؟ هل هى منها أم شك في أنها آية؟ أو بعضها مع قطعه على أنها من أم القرآن تلاوة وحكمًا؟ وقيل عنه: إنها عنده من أم القرآن حكمًا لا قطعًا (¬5). واختلف الفقهاء بعد ذلك ممن جعلها آية وممن لم يجعلها في قراءتها فى الصلاة أو تركها. والجهر بها أو الإسرار فمشهور مذهبنا: أنه لا يقرؤها فى الفرائض ¬

_ (¬1) النمل: 30. (¬2) الكوثر: 1. (¬3) سيأتى برقم (53) من نفس الكتاب. (¬4) المحفوظ عن الإمام الشافعى في تلك المسألة وعن أصحابه قولان: أحدهما. أنها آية من فاتحة الكتاب دون غيرها من السور التى أثبتت في أوائلها، والقول الآخر: هى آية فى أول كل سورة. وما ذكره القاضى منسوبًا إلى الإمام الشافعى إنما هو لأصحاب أبى حنيفة عن أبى حنيفة. راجع: التمهيد 20/ 207. (¬5) لأن الدليل لها دليل ظنى؛ فإن الذين أثبتوها قالوا: إن المصحف لم يثبت الصحابة فيه ما ليس من القرآن؛ لأنه محال أن يضيفوا إلى كتاب الله ما ليس منه، ويكتبوه بالمداد كما كتبوا القرآن، هذا ما لا يجوز أن يضيفه أحدٌ إليهم. معرفة السنن والآثار 2/ 364. كما احتجوا بحديث ابن عباس الذى أخرجه أبو داود قال: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه " بسم الله الرحمن الرحيم "، وكذا أخرجه النسائى عن أنس السابق 2/ 210، وانظر: سنن أبى داود، ك الصلاة، ب من جهر بها 1/ 209، النسائى فى الصلاة، ب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم وكذا المستدرك 1/ 231.

صَلَّيْتُ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِى بَكْرٍ، وَعْمَرَ، وَعْثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. 51 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فى هَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: أَسَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، نَحْنُ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ. 52 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ عَبْدَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِك، تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ. وَعنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: صَلّيْتُ خَلْفَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا يَذْكُرُون بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فِى أَوَّلِ قِرَاءَةٍ، وَلَا فِى آخِرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاز ذلك فى النوافل، والحجة ظاهر الحديث المتقدم، وعنه رواية أخرى أنها تقرأ أول السور (¬1) فى النوافل (¬2)، ولا يقرأ أول أم القرآن؛ وروى عنه ابن نافع: ابتدأ القراءة بها فى الصلاة [الفرض والنفل] (¬3)، ولا تترك بحال، والشافعى يرى الجهر بها فى صلاة الجهر من الفرائض، وأهل الرأى يرون الإسرار بها، ويوافقون الشافعى فى كونها من أم القرآن، ويتأولون الحديث المتقدم بالاستفتاح بالحمد [لله رب العالمين] (¬4) أى بالسورة التى تعرف بهذا، وأنه كان لا يجهر بها، ويرد عليهم [قوله فى الرواية الأخرى: " لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم "، ويحتجون هم] (¬5) بقوله فى الرواية الأخرى التى لم يذكرها مسلم: " لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ". وقد اضطربت [الروايات] (¬6) فى ذلك والألفاظ فى الحديث بما لا يقوم به حجة لمن أثبت قراءتها مع أم القرآن، وكذلك ذهب الشافعى فى أحد قوليه ومن قال بقوله إلى أنها من أول كل سورة من القرآن، وداودُ يقول: هى آية فى كل موضع وقعت فيه، ولا أجعلها من السور، ونحوه لأبى حنيفة، وخالفه غيره، وحجته إثباتها فى المصحف [بخط المصحف] (¬7)، وحجة المالكية فى الباب كله النقل المتواتر بالمدينة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء والأئمة بترك قراءتها فى الصلاة أول أم القرآن والسور وإن القرآن ما لم يختلف فيه، ولا يثبت قرآن مختلف فيه (¬8). وقوله: " كانوا يستفتحون الصلاة (¬9) بالحمد لله رب العالمين "، وقوله فى الحديث ¬

_ (¬1) فى ت: السورة. (¬2) قال ذلك فى حق من يعرض القرآن عرضاً. (¬3) فى ت: الفرائض. (¬4) سقط من ت. (¬5) سقط من ت. (¬6) فى ت: الرواية. (¬7) سقط من ت. (¬8) يعنى بذلك البسملة. (¬9) فى ت: القراءة.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، أَخْبَرَنِى إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلحَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكرُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الذى قبله: " كبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن "، ومثله من الأحاديث دليل على مشهور المذهب، وحجة له أنه لا شىء بعد تكبيرة الافتتاح إِلا القراءة. وقد ذهب الشافعى، وفقهاء أصحاب الحديث إلى افتتاح الصلاة بدعاء التوجه على اختلافهم فى الاختيار فيه بحسب اختلاف الآثار فى ذلك (¬1)، وعن مالك رواية أخرى فى فعله، وقد جاء فى المصنفات فى حديث الأعرابى ثم يكبر ويحمد الله ويثنى عليه، ثم يقرأ ففيه لهذا القول حجة، وقد ذكر مسلم ما كان يقوله عمر من ذلك، ووصل به حديث أنس المتقدم ليقيم الحجة أن ذلك غير لازم وذكر أيضاً بعد هذا ما كان يقوله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث نبه عليه (¬2). قال الإمام: خرج مسلم فى باب استفتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين (¬3): حدثنا ابن مهران (¬4)، عن الوليد، عن الأوزاعى، عن عَبَدة؛ أن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - كان يجهر بهؤلاء الكلمات: " سبحانك اللهم " الحديث، قال بعضهم: هكذا أتى إسناده عنده أن عمر مرسلاً، وفى نسخة ابن الحذاء عن [عَبدَة] (¬5) أن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - وهو وَهْم، والصواب أن عمر، وكذلك فى نسخة أبى زكريا الأشعرى عن ابن ماهان، وكذلك روى عن الجلودى، ثم ذكر مسلم بعد هذا عن الأوزاعى عن قتادة عن أنس، قال: " صليت خلف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الحديث، وهذا هو المقصود من الباب، وهو حديث متصل. قال القاضى: أتقن (¬6) الحافظ أبو على فيما ذكره هنا - وهو بعضهم الذى نقل الإمام عنه ما نقل - ولفظه فى كتاب مسلم بعد قوله فى الحديث من قول عمر: " ولا إله غيرك " (¬7)، وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس أنه حدثه الحديث، فعطف قوله: " وعن قتادة " على قوله فى المسند الأول، ثنا الأوزاعى عن عبدة، فلما أكمل ذلك الحديث المرسل، قال: وعن قتادة، يعنى أن الأوزاعى الذى قال أولاً: عن عبدة، قال - أيضًا -: وعن قتادة، فجاء به كالحديث الواحد كما سمعه ابن مهران من الوليد، ولم يفصله مما قبله والمراد هذا الآخر مع ما فى الأول من التنبيه على مذهب من رأى ذلك وإن كان مرسلاً موقوفًا، فليس على مسلم فيه دَرَكَ، إذ هو بعض حديث شرطه فى باقيه، فأكمل بعض الفائدة بذكره على نصه دون تعقب عليه، ثم جاء بعد ذلك - أيضاً - بحديث الأوزاعى عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس مثله. ¬

_ (¬1) وسيرد له إن شاء الله رواية أخرى فى باب الدعاء فى صلاة الليل وقيامه. (¬2) اختلفت الآثار فى صفة دعاء التوجه. راجع: المصنف لعبد الرزاق 2/ 57، والمصنف لابن أبى شيبة 1/ 230، ومعرفة السنن والآثار 2/ 342. (¬3) فى النسخ المطبوعة: باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة. (¬4) فى ت: ماهان، وهو خطأ. (¬5) فى ت: عبد الله، وهو خطأ. (¬6) فى ت: اتفق، وهو خطأ. (¬7) فى النسخ: غيره، والمثبت هو ما جاءت به الرواية.

(14) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة، سوى براءة

(14) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كلّ سورة، سوى براءة 53 - (400) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُخْتَارُ بْنُ فُلفُلٍ عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؛ إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ متَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " أُنْزِلَتْ عَلَىَّ آنِفًا سُوَرةٌ ". فَقَرَأَ: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئكَ هَوَ الأَبْتَرُ " ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ " فَقُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّهُ نَهَرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّى عَزَّ وجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هَوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَة، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ. فَأَقُولُ: رَبِّ، إنَّهُ مِنْ أُمَّتِى. فَيَقُولُ: مَا تَدْرِى مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ ". زَادَ ابْنُ حُجرٍ فِى حَدِيثِه: بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِى الْمَسْجِدِ. وَقَالَ: " مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ ". (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فَضَيْلٍ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَغْفَى رُسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِغْفَاءَةً. بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ فِى الْجَنَّةِ، عَلَيْهِ حَوْضٌ " وَلَمْ يَذْكُرْ: " آنِيَتُه عَدَدُ النُّجُومِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لقد أنزلت علىَّ آنفاً ": أى حديثاً وقريباً. وقوله: " الكوثر ": جاء تفسيرها هنا نهر فى الجنة، وفى غير هذا الحديث [هو] (¬1) الخير الكثير، قال: وذلك النهر منه. وقوله: " هو حوض ترد عليه أمتى ": الإيمان بالحوض حق، وهو مذهب جماعة أهل السنة وقد صحت الأخبار به، وسيأتى آخر الكتاب الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وقوله: " فيختلج العبد منهم ": أى يستخرج وينتزع، وقد تقدم الكلام على هذا الفصل من هذا الحديث فى كتاب الطهارة. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت.

(15) باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره فوق سرته، ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه

(15) باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره فوق سرته، ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه 54 - (401) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، وَمَوْلى لَهُمْ؛ أَنَّهُمَا حَدَّثَنَاهُ عَنْ أَبِيهِ، وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ؛ أَنَّهُ رَأَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعِ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِى الصَّلَاةِ، كَبَّرَ - وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنيْهِ - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر [فى] (¬1) الحديث وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة، ذهب جمهور العلماء وأئمة الفتوى إلى أخذ الشمال باليمين فى الصلاة، وأنه من سنتها وتمام خشوعها وضبطها عن الحركة والعبث، وهو أحد القولين لمالك فى الفرض والنفل (¬2)، ورأت طائفة إرسال اليدين فى الصلاة، منهم الليث، وهو القول الآخر لمالك، وكراهة الوجه الأول (¬3)، قيل: مخافة أن يعد من لوازمها وواجبات سنتها؛ ولئلا يظهر من خشوع ظاهره أكثر من باطنه، وخيرت طائفة منهم الأوزاعى فى الوجهين، وتأول بعض شيوخنا أن كراهية مالك له إنما هو لمن فعله عن طريق الاعتماد، ولهذا قال مرة: ولا بأس به فى النوافل لطول الصلاة، فأما من فعله تسنناً ولغير الاعتماد فلا يكرهه. واختلف فى حد وضع اليدين من الجسد، فقيل: على الصدر، وهو المروى عنه - عليه السلام. وقيل: على النحر، وهو قريب من القول الأول، وقيل: حيثما وضعهما جاز له، وقيل: فوق السُرَّة، وهو مذهبنا، وقيل: تحتها، والآثار بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك والحض عليه صحيحة، والاتفاق على أنه ليس بواجب، وعن على - رضى الله عنه - فى قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (¬4) أن معناه: وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة، يعنى على الصدر عند النحر، وقيل، فى معنى ذلك غير هذا من نحر الأضحية وصلاة العيد، وقيل: نحر البدن. ثم اختلف فى صفة وضعها، واختلفت فيه ألفاظ الحديث، وذكر مسلم أنه وضع يده اليمنى بمنى وصلاة الصبح بجمع على اليسرى من حديث وائل بن حجر. وجاء فى حديث سهل بن سعد أنه يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، واختيار شيوخنا على الجمع بين ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ت لفظة: هذا. وهو وَهْم، إذ أن الكلام هنا يتعلق بباب جديد. (¬2) وذكره الشافعى فى القديم، وفى رواية الزعفرانى عنه، وحكاه المُزَنى فى المختصر. وقد أخرج البخارى فى صحيحه عن سهل بن سعد أنه قال: " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يَدَه اليمنى على ذراعه اليسرى فى الصلاة " ك الأذان، ب وضع اليمنى على اليسرى. وانظر: معرفة السنن 2/ 239. (¬3) المتأول على مالك. (¬4) الكوثر: 2.

أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " رَفَعَ يَدَيْهِ. فَلَمَّا سَجَدَ، سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديثين: أن يقبض بكفه اليمنى على رُسْغ اليسرى، واختار غيرهم أن يكون مع ذلك السبابة والوسطى ممتدة على الذراع، لكن لا يتهيأ مثل هذا فى وضعها على النحر، وإنما يتهيأ مثل هذا، ومثل القبض على الرُسْغ إذا وضعت على الرُسغ فأسفل منه. وقوله: " فلما سجد سجد بين كفيه ": حجة على مباشرة الأرض باليدين وهو المستحب عند جميعهم (¬1)، وكرهوا السجود واليدان فى الثياب، وإن كان روى عن بعض السلف فى ذلك رخصة، فلعله فى كثرة البرد أو الحر (¬2)، ولا خلاف فى وجوب السجود على الوجه واليدين، وفى كشف الوجه فى السجود، واسْتخف ما ستر (¬3) الجبين أو بعضه مما خف كطاقات العمامة. واختلف هل يتعين مماسته الجبين والأنف معًا أو يتعين بالجبهة وحدها؟ ويستحب فى الأنف، والجمهور على أن السجود على ما عدا الوجه من الأعضاء مستحب، وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك، وسيأتى الحديث فى ذلك. " أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ". ¬

_ (¬1) وقد أخرج عبد الرزاق فى المصنف عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر: أن اليدين تسجدان كما يسجُدُ الوجهُ، فإذا وَضَعَ أحدُكم وجهَه فليضَعْ يديه، وإذا رفعه فليرْفعُهما 2/ 172. (¬2) فقد أخرج أبو داود فى المراسيل عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن صالح بن حيوان السبائى: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يسجُدُ على عمامتة فحَسَر رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبهته. قال عبد الحق. صالح بن حيوان لا يحتج به. وقد أخرج البخارى عن أنس بن مالك قال: " كنا نصلى مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شدة الحر فإذا لم يستطِعْ أحدُنا أن يُمكن جبهته من الأرض بسط ثوبَه فسجَد عليه. ك الصلاة، ب السجود على الثوب فى شدة الحر. (¬3) فى إكمال الإكمال: ستر.

(16) باب التشهد فى الصلاة

(16) باب التشهد فى الصلاة (55) - (402) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ منْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كُنَّا نَقُولُ فِى الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّلَامُ عَلَى اللهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث عبد الله بن مسعود فى التشهد، وبه قال جمهور الفقهاء وأصحاب الحديث وبعض شيوخ مذهبنا الأندلسيين، واختار الشافعى تشهد ابن عباس، وقد خرجه مسلم - أيضاً - واختار مالك تشهد عمر بن الخطاب الذى ذكره فى موطئه (¬1)، وهو وإن كان غير مسند إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيلحق بمعنى المسند ويقوى قوته، ويترجح على غيره من المسانيد لتعليم عمر له الناس على المنبر، كما روى بجمع ملئهم وجمهورهم، ولم ينكر ذلك عليه أحد، ولا قالوا له: عدلت عما اختاره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلمه الناس إلى رأيك، وهو ممن لا يقرّ على خطأ، فدل سكوتهم له واستمرار عمر على تعليمه الناس، أن ذلك عندهم معلوم، وأن الأمر فى التشهد غير مقصور [على غيره] (¬2)، وكذلك تأول هذا أحمد بن نصر الداودى (¬3)، وقال: هذا من مالك استحباب، والأمر عنده فى غيره على التوسعة. ثم هو غير واجب عند مالك والجمهور، وذهب فقهاء أصحاب الحديث إلى وجوب التشهدين لأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به، وذهب الشافعى إلى وجوبه فى الآخرة، وروى عن مالك مثله. ومعنى " التشهد ": مأخوذ من لفظ الشهادتين بالواحدانية والرسالة التى فيه، " والتحيات ": جمع تحية وهى الملك، وقيل: البقاء، وقيل: السلام، وقيل: العظمة، وقيل: الحياة، وقيل: التحيات: الممالك لله، أى التحيات التى تحيى بها الملوك الله المستحق لها. ¬

_ (¬1) وهو كما حكاه مالكُ عن ابن شهاب عن عُروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارىِّ؛ أنه سمع عمر ابن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: " قولوا: التحيات لله، الزاكيات له، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إِلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله " ك الصلاة، ب التشهد فى الصلاة 1/ 90، وهى رواية محمد بن الحسن. والحديث رواه الشافعى فى الرسالة 738، وقال فيه الزيلعى: إسناده صحيح. نصب الراية 1/ 422. (¬2) فى ت. على رواته غيره. (¬3) أبو جعفر، من أئمة المالكية بالمغرب، له كتاب النَّامى فى شرح الموطأ، والنصيحة فى شرح البخارى. توفى بتلمسان سنة ثنتين وأربعمائة. الديباج المذهب 1/ 166.

فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ يَوْمٍ: " إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِى الصَّلاةِ فَليَقُلِ: التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ للهِ صَالِحٍ، فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ ". 56 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذِا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، وَلَم يَذْكُرْ: " ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ ". 57 - (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِىُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. وَذَكَرَ فِى الْحَدِيثِ: " ثُمَّ ليَتَخَيَّرْ بعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ - أَوْ مَا أَحَبَّ ". 58 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ قَالَ: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الصَّلَاةِ، بِمِثِلِ حَدِيثِ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: " ثُمَّ يَتَخَيَّرُ، بَعْدُ، مِنَ الدُّعَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والزاكيات - الواردة فى حديث عمر -: بمعنى المباركات فى حديث ابن عباس، والبركة: النماء والزيادة، وكذلك الزكاة، أى الصلوات والأعمال الزاكيات الصالحات لله، ومعنى " الطيبات لله ": أى الكلمات الطيبات، أى يراد بهذا كله وجه الله، ولا يجب العمل والتقرب بها إِلا إلى الله، ولا يصلح شىء من ذلك لغيره من تحية وتعظيم وثناء جميل، وقول طيب وإخلاص لعبادة وعمل صالح وصلاة متقرب بها. وقيل: المراد بالصلوات هنا: الرحمة، أى الله المتفضل بها والوصف الجميل ببذلها له، وقد يكون بمعنى الدعوات والتضرع والرغبة لله تعالى. وقوله: " الله هو السلام ": السلام [هو] (¬1) اسم من أسمائه تعالى، وقيل فى معناه: السالم من النقائص وسمات الحدث، وقيل: المسلم عباده، وقيل: المسلم عليهم فى الجنة لقوله تعالى: {سَلام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} (¬2) ومعناه فى قوله - عليه السلام -: " السلام عليك أيها النبى ورحمة الله " وفى سلام الصلاة، قيل: معناه: التعويذ باسم الله الذى هو السلام، كما تقول: الله معك، أى الله متولٍ لك، وكفيل بك، وقيل: معناه: ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) الزمر: 73.

59 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ، قَالَ: سَمعتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: عَلَّمَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ، كفِّى بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِى السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، وَاقْتَصَّ التَّشَهُّدَ بِمِثْلِ مَا اَقْتَصُّوا. 60 - (403) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبى الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبَيْرٍ وَعَنْ طَاوسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّد، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّوَرَةَ مِنَ القُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: " التَّحِيَاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ للهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحَمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحْمَّدًا رَسُولُ اللهِ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: كَمَا يُعَلِّمُنَا القُرْآنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ السلامة والنجاة لكم، يكون [هنا] (¬1) مصدرًا كاللذاذ واللذاذة، كما قال: {فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} (¬2)، وقيل: السلام: الانقياد لك، كما قال فى حق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} إلى قوله: {تَسْلِيمًا} (¬3)؛ ولهذا المعنى - والله أعلم - صرفهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قولهم فى هذا الحديث: السلام على الله من عباده. وقال: إن الله هو السلام. وقوله فى سند هذا الحديث: ثنا أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا أبو نعيم، ثنا سيف بن أبى سليمان، سمعت مجاهدًا وذكره، [كذا قال أبو نعيم: سيف بن أبى سليمان] (¬4) وتابعه ابن المبارك وأبو عاصم، وقال وكيع: سيف أبو سليمان، وقال القطان وغيره: سيف بن سليمان، وذكر الأقوال الثلاثة البخارى فى تاريخه الكبير، وهو مكى مولى بنى مخزوم (¬5). وقوله: " ثم ليتخير بعد من المسألة أو الدعاء ما أحب وشاء من حوائج الدنيا والآخرة "، خلافًا لأبى حنيفة فى اقتصاره من ذلك بما جاء فى القرآن وما فى معناه، وهذه الأحاديث وأدعية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأثورة الصحيحة فى الصلاة حجة عليه، وفى هذا حجة للجماعة على الشافعى فى إيجابه الصلاة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى كل صلاة، وإن لم يفعل ذلك بطلت صلاته، وهو قول لم يقل قبله، وقد علمهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التشهد إلى آخره، ثم أباح لهم ما أحبوا من الدعاء بعده، ولم يذكر الصلاة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومذهب الجماعة وجوبه ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) الواقعة: 91. (¬3) النساء: 65. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك فى هامشه بسهم. (¬5) التاريخ الكبير 2/ 2/ 171.

61 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبة، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ حَمَيْدٍ، حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّوَرَةَ مِنَ القُرْآنِ. 62 - (404) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِى وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِىُّ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كَامِلٍ - قَالُوَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْن جُبَيْرٍ، عَنْ حطانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِىِّ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ صَلَاةً، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ قَالَ رجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أُقرَّتِ الصَّلَاةُ بِالْبِرِّ والزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُوسَىَ الصَّلَاةَ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ فَقَالَ: أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَال: فَأَرَمَّ الْقَوْمُ. ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ القَائِلْ كَلِمَة كَذَا وَكَذَا؟ فَأَرَمَّ القَوْم. فَقَالَ: لعَلَّكَ يَا حِطَّانَ قُلْتَهَا قَالَ: مَا قُلْتَهَا، وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِى بِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا قُلْتُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ على الجملة، واستحبابه فى الصلاة، وقد روى فى حديث ابن مسعود زيادة: " فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك "، وليس فيها ذكر الصلاة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد خالف الشافعى فى المسألة كثيرٌ من أصحابه (¬1)، ووافقه إسحاق وغيره عليها، وحكى بعض البغداديين عن المذهب فى المسألة ثلاثة أقوال: الوجوب، والسنة، والفضيلة. وقد حمل بعض شيوخنا البغداديين مذهب محمد بن الموّاز على الوجوب فى الصلاة كمذهب الشافعى، وكلامه محتمل الوجوب على الجملة، كما قالت الجماعة. وقوله: " كبّر، ثم قال: ثم التحف بثوبه ": وفيه أن يسير العمل فى الصلاة من غير جنسها لا يفسدها كالإشارة للرجل بالحاجة وإصلاح الثوب، وحك الجسد وشبه هذا وإن كان على جهة العمد، وهذا المشهور من مذهبنا ومذهب العلماء كافة (¬2)، وحكى أبو يعلى العبدى من متأخرى أئمتنا العراقيين (¬3) أن العمل عمد مفسد للصلاة قال: ويستوى فى ذلك قليله وكثيره. وقوله: " أقرت الصلاة بالبر والزكاة؟ ": قال بعضهم: لعله: قرنت، وسألت عن ¬

_ (¬1) قال الإمام الشافعى: فرض الله جلَّ ثناؤه الصلاة على رسوله، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] قال: فلم يكن فرض الصلاة عليه فى موضع أولى منه فى الصلاة. معرفة السنن والآثار 3/ 67، وانظر: الأم 1/ 117. (¬2) وقد أخرج أبو داود والترمذى والنسائى واللفظ له عن عبد الله بن عمر قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجد بنى عمرو بن عوف، فكان يصلى، ودخلتْ عليه رجالٌ من الأنصار يُسلِّمون عليه، فسألت صهيباً: كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عليهم؟ قال: كان يشير إليهم. أبو داود فى الصلاة، ب رد السلام فى الصلاة، والترمذى كذلك، ب ما جاء فى الإشارة فى الصلاة، وقال: حسن صحيح، النسائى فى الصلاة أيضًا، ب رد السلام بالإشارة فى الصلاة. (¬3) هو إمام المالكية بالبصرة، أحمد بن محمد العبدى، توفى سنة تسع وثمانين وأربعمائة. ترتيب المدارك 8/ 99، العبر 3/ 228، الديباج 1/ 175.

وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا الخَيْرَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ تَقُولُونَ فِى صَلَاتِكُمْ؟ إِنَّ رَسُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك شيخى أبا الحسين الحافظ اللغوى، فقال: هو أقِرت كما رُوى، والباء فى الحديث بمعنى " مع "، أى أقُرِت مع البر والزكاة فصارت معهما مستوية وأحكامها واحدة، فهو بمعنى: قرنت. وقوله: " فأرم القوم ": كذا رويناه بفتح الراء وتشديد الميم وهوالمعروف. قال الإمام: أى سكتوا ولم يجيبوا، يقال: أرمَّ القوم فهم مرمون، ويروى: فأزم ومعناه: يرجع إلى الأول وهو الإمساك عن الكلام أيضًا، ومنه: سميت الحمى أرماً. وقوله: " لقد خفت أن تَبْكَعنى بها ": قال: معناه: أن تستقبلنى بها، يقال: بكعت الرجل بكعًا إذا استقبله بما يكره، وهو نحو (¬1) التبكيت. قال القاضى: قال ابن الأعرابى: البكع: التبكيت فى الوجه، وهكذا روينا هذا الحرف عن جمهور شيوخنا، وكذا كان فى كتبهم وعند ابن ماهان: تنكتنى، بنون أولى وبعد الكاف المضمومة تاء باثنتين فوقها مضمومة بعدها نون ثانية. قال بعضهم: لعله تبكتنى [بها] (¬2) بالباء بمعنى الأول، وقوله: " رهبت ": أى خفت، والرهب: الخوف. وقوله: " أقيموا صفوفكم ": أمر بإقامة الصفوف وهى من سنن الصلاة بلا خلاف. وقوله: " فإذا كبر فكبروا ": يقتضى أن تكبير المأموم لا يكون إِلا بعد تكبير الإمام لأنه جاء بفاء التعقيب وهو مذهب كافة العلماء ولا خلاف أنه لا يسبقه المأموم بالتكبير والسلام إِلا عند الشافعى (¬3) ومن لا يرى ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، وأن الصواب فعل المأموم ذلك بعد، واختلفوا إذا فَعَلَهُ معه معًا، ولأصحابنا فيه قولان: الإجزاء وعدمه، وكذلك اتفقوا على أنه لا يسابقه بأفعاله وسائر أقواله فى الصلاة، ولا يفعلها معه معًا [و] (¬4) أن السنة اتباعه فيها، واختلفوا فى إتباع المأموم الإمام فى أفعاله، هل يكون معه (¬5)، فإذا شرع الإمام فى الركوع ركع بإثره ولم ينتظر تمام ركوعه، أم يكون بعده ولا يركع (¬6) حتى يركع الإمام، ولا يرفع حتى يرفع، وهكذا فى سائر الأفعال، كما جاء فى هذا الحديث: " فإذا كبَّر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم ". وعن مالك فى ذلك ثلاثة أقوال: هذان القولان، والقول الثالث: التفريق بين الاتباع فى القيام [من الركعتين] (¬7) وبين سائر أفعال الصلاة، فيعمل معه سائر الأفعال ¬

_ (¬1) فى ت: معنى. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) الثابت عن الإمام الشافعى فى ذلك ما حكاه البويطى عنه قال: ولا يتبين لى أنَّ عليه الإعادة لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل إمامه أن يجعل الله رأسه رأس حمار ". قال: فكرهت ذلك له من هذه الجهة، ولم آمره بإعادةٍ. معرفة 3/ 7. (¬4) زيادة أقتضاها السياق. (¬5) زيد بعدها فى ت: فإذا شرع الإمام فى أفعاله شرع معه. (¬6) فى جميع النسخ: ولا يرفع، والمثبت هو الصواب. (¬7) فى ت: بركعتين.

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: " إِذَا صَلَّيْتُم فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ ليَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فَقُولُوا: آمِينَ. يُجبِكُمُ اللهُ، فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ " فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إِلا القيام من الركعتين فلا يقوم حتى يستوى الإمام قائمًا ويكبر، وعلى القول الآخر يقوم بقيامه ولا ينتظر تكبيرة ولابد فى هذه الأقاويل من اقتدائه بالإمام وسبق الإمام له بأوَّل الفعل والقول. وقوله: " فتلك (¬1) بتلك " إشارة إلى تحقيق ما تقدم من ترجيح أحد الأقوال وبيان الحكم [فيها] (¬2) من أنه لا يركع المأموم ولا يسجد ولا يرفع حتى يفعل ذلك إمامُه، وتنبيه على أن الشىء الذى سبقه به إمامه من الركعة أو السجدة لم يفته مقدارها؛ لفعله هو إياه مدة انتظاره - أيضًا - برفع الإمام رأسه واعتداله، فقامت مقام ما سبقه به إمامه، وجاءت أفعاله بقدر أفعاله وسبقه له مطابقاً لتأنيه هو بعده، فتلك بتلك، وقيل: [معناه] (¬3): فتلك الحالة من صلاتكم وأعمالكم إنما تصح بتلك الحالة من اتباعكم له واقتدائكم به، وقيل: هو راجع إلى قوله: " آمين " بعد قوله: " ولا الضالين "، و " ربنا ولك الحمد " بعد قوله: " سمع الله لمن حَمِدَه " أى تلك الكلمة أو الدعوة التى فى السورة معلقة بـ " آمين "، أو بـ " ربنا ولك الحمد " بتلك الأخرى لارتباط أحدهما (¬4) بمعنى الأخرى. وقوله: " وإذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين، يُجْبكم الله ": قد تقدم للإمام أبى عبد الله عليه كلام قبل هذا، من اختلاف قول مالك فيها فى صلاة الجهر، ولم يختلف قوله ولا قول أصحابِه أنه يقولها فى صلاة السر، وسيأتى الكلام عليها بعد هذا حيث تجب، ومعنى قوله: " آمين ": استجب لنا، وقيل: معناه: كذلك نسأل الله لنا، والمعروف فيها المد وتخفيف الميم، وحكى ثعلب فيها القصر، وأنكره غيره، وقال: إنما جاء مقصورًا فى ضرورة الشعر، وقيل: هى كلمة عبرانية، عُربَت مبنية على الفتح، وقيل: بل هو اسم من أسماء الله، وقيل: معناه (¬5): يآمين استجب لنا، والمدة مدة النداء عوض الياء، وحكى الداودى تشديد الميم مع المد، وقال: هى لغة شاذة ولم يعرفها غيرُه، وقد خطأ ثعلب قائلها. وقوله: " فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم فإن الله قال على لسان نبيه: " سمع الله لمن حَمِدَه ": قد تقدم للإمام أبى عبد الله كلام على هذا، ومعنى " سمع الله لكم ": أى يستجيب دعاكم، " وسمع الله لمن ¬

_ (¬1) فى الأصل: فإن تلك، والمثبت من ت، وهو ما جاءت به الرواية. (¬2) من ت. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) فى ت: إحداهما. (¬5) فى الأصل: معنى.

فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، يَسْمَعُ الله لَكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمُ: التَّحِيَاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَواتُ للهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". 63 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنْ أَبِى شَيْبَة، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا سَعَيدُ بْنُ أَبِى عَرُوَبةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامِ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ حمده ": أى أجاب الله دعاء من حمده، وقيل: أراد به الحث على التحميد، وسياق هذا الحديث يدل على أنه إعلام بذلك، وهو بمعنى الحث الذى قيل، وقوله: " ربنا ولك الحمد " اختلفت الآثار فيه بإثبات الواو وحذفها، واختلف اختيار مالك وغيره من العلماء بين اللفظين وفى إثبات الواو زيادة (¬1)؛ لأن قوله: " ربنا " إجابة قوله: " سمع الله لمن حَمِده "، أى ربنا استجب دُعَانا، واسمع حمْدنا، ولك الحمد على هدايتنا لذلك، وإلهًا من إله، وبحذف الواو ليس فيها غير امتثال قول الحمد. ويظهر لى أن اختلاف قول مالك وترددهُ فى الاختيار بين اللفظين إما لاختلاف الآثار فى ذلك وترجيح أحدهما مرة على الآخر من جهة (¬2) الصحة، أو الشهرة والعمل، أو لمطابقة المعنيين المتقدمين فى " سمع الله لمن حمده "، فإذا جعلنا " سمع الله لمن حمده " معنى الحث على الحمد، كان الوجه فى الجواب: ربنا لك الحمد، دون واو؛ لأنه مطابق لما حُث عليه وامتثال لما نُدِبَ إليه، وعلى التأويل الآخر الأولى إثبات الواو؛ لأنه يتضمن تأكيد الدعاء الأول وتكراره لقوله: " ربنا "، أى استجب لنا أو اسمع حمدنا، ثم نأتى بالعبادة التى دُعِىَ بالاستجابة لقائلها، وهو الحمد فيقول: ولك الحمد، ومعنى " سمع الله " هنا: أجاب وتقبل، وقوله فى الرواية الأخرى: " فإن الله قضى على لسان نبيه: سمع الله لمن حمدَه ": أى حكم [سابق قول] (¬3) قضائه بإجابة دعاء من حمده وثوابه على من حمده، وحتم ذلك وأمضاه. وقوله: " فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات " الحديث: دليل على كراهة العلماء الدعاء قبل التشهد. ¬

_ (¬1) رواية إثبات الواو أخرجها مالك فى الموطأ، ك صلاة الجماعة، ب صلاة الإمام وهو جالس 1/ 135، ومن طريقه أخرجه الشافعى فى الأم 1/ 171. (¬2) فى الأصول: الجهة. (¬3) سقط فى الأصل، واستدرك بالهامش.

إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. وَفِى حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، مِنَ الزِّيَادَةِ: " وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا "، وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَحَد مِنْهُمْ: " فَإِنَّ اللهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " إِلَّا فِى رِوَايَةِ أَبِى كَامَلٍ وَحْدَهُ عَن أَبِى عَوَانَةَ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْنِ أُخْتِ أَبِى النَّضْرِ فِى هَذَا الحَدِيثِ: فَقَالَ مُسْلِمٌ: تُرِيدُ أَحْفَظ منْ سُلَيْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَحَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ، يَعْنِى: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِى صَحِيحٌ. فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَضَعْهُ هاهُنَا؟ قَالَ: لَيْسَ كُلُّ شَىءٍ عِنْدِى، صَحِيحٍ وَضَعْتُهُ هَاهُنَا. إِنَّمَا وَضَعْتُ هَاهُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. 64 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: " فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَضَى عَلَى لِسَانِ نَبِيَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قوله: " فإذا قرأ فأنصتوا " حجة لمالك ومن قال بقوله [ألَّا] (¬1) يُقرأ معه فيما يجهر به، وقد تقدم الكلام فيه. قال الدارقطنى: هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمى فيها عن قتادة وخالفه الحفاظ فلم يذكروها، قال: وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه. قال القاضى: وقد ذكر ابن سفيان عن مسلم فى رواية الجلودى بإثر هذا الحديث ما يدل على تصحيح مسلم لهذه الزيادة من قوله: " وقال أبو بكر ابن أخت أبى النضر فى هذا الحديث " أى طَعَنَ فيه ورد مسلم عليه [وقوله تريد] (¬2) أحفظ من سليمان وذكره صحتها فى حديث أبى هريرة، وهى حجة لمن لا يقرأ خلف الإمام فى الجهر، ولم يذكر فى هذا الحديث السلام، وقد يحتج به المخالف لمذهبه من لا يرى السَّلام من الصلاة وقد ذكر هنا جميع ما يفعل الإمام والمأموم وهو موضع تعليم، وسيأتى الكلام على مسألة السلام إن شاء الله تعالى. [تم الجزء الأول والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا نبيه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ويتلوه الجزء الثانى: وقوله فى الحديث: أمرنا الله أن نصلى عليك، فكيف نصلى عليك؟ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليمًا دائمًا] (¬3). ¬

_ (¬1) فى ت: لا. (¬2) فى ت: بقوله نريد. (¬3) سقط من ت.

(17) باب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

(17) باب الصلاة على النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد التشهد 65 - (405) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِر؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِىَّ - وَعَبْدُ اللهِ بْن زَيْدٍ هُوَ الَّذِى كَانَ أُرِىَ النِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ - أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ؛ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحنُ فِى مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيِرُ ئنُ سَعْدٍ: أَمَرَنا اللهُ تَعَالَى أَنْ نُصَلِّىَ ـــــــــــــــــــــــــــــ [بسم الله الرحمن الرَّحيم] (¬1). صلى على سيدنا محمد وآلهِ. وقوله فى الحديث: " أمرنا الله أن نصلى عليك فكيف نصلى عليك؟ ": حكم من خوطب بأمر يحتمل لوجهين، أو مُجْملٍ (¬2) لا يفهم مراده، أو عام يحتمل الخصوص، أن يسأل ويبحث إذا أمكنه ذلك واتسع له الوقت للسؤال، إذ لفظ " الصلاة " الواردة فى القرآن بقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْه} (¬3) محتمل لأقسام معانى لفظ الصلاة من الرحمة، والدعاء، [والثناء] (¬4) فقد قيل: صلاة الله عليه: ثناؤه عليه عند الملائكة، ومن الملائكة دعاء، وقيل: هى من الله رحمة، ومن الملائكة رقة ودعاء بالرحمة. وقيل: هى من الله لغير النبى رحمة، وللنبى تشريف وزيادة تكرمة، وقيل: هى من الله وملائكته تبريك، ومعنى " يصلون ": يباركون. فيحتمل أن الصحابة سألوا عن المراد بالصلاة لاشتراك هذه اللفظة (¬5)، وإلى هذا ذهب بعض المشايخ فى معنى سؤالهم فى هذا الحديث، وقد اختلف الأصوليون فى الألفاظ المشتركة إذا وردت مطلقة، فقيل: تحمل على عموم مقتضاها من جميع معانيها ما لم يمنع مانع (¬6)، وقيل: تحمل على الحقيقة دون ما تجِوّز به (¬7) وإليه نحا القاضى أبو بكر، وذهب بعض المشايخ (¬8) إلى أن سؤالهم عن صفة الصلاة لا عن جنسها؛ لأنهم لم يؤمروا بالرحمة ولا هى لهم، فإن ظاهر أمرهم بالدعاء، وإليه ¬

_ (¬1) من هامش د. (¬2) المجمل: ما لم تتضح دلالته، وغاية الخطاب به أن يتأخر البيان فيه إلى وقت الحاجة. (¬3) الأحزاب: 56. (¬4) ساقطة من ت. (¬5) اللفظ المشترك هو: اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر، وضعًا أوَّلاً من حيث هو كذلك. المحصول 1/ 359. (¬6) وهو منقول عن الشافعى والقاضى أبى بكر. السابق 1/ 380. (¬7) الحقيقة: ما أفيد بها ما وضعت له فى أصل الاصطلاح الذى وقع التخاطبُ به، والمجاز: ما أفيد به معنى مصطلح عليه، غير ما اصطلح عليه فى أصل تلك المواضعة التى وقع التخاطب بها لعلاقة بينه وبين الأول. السابق 397/ 1. (¬8) فى ت: الشيوخ.

عَلَيْكَ يَا رَسُولُ الله، فَكَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تمَنَيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلَهُ، ثُمَّ قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ، صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلى مُحَمَّدِ وعَلَى آلِ مُحَمَّدِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم، فِى الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلمْتُمْ ". 66 - (406) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - واللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَن الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعتُ ابْنَ أَبِى لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِى لَكَ هَدِيَّةً؟ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ نحا الباجى. قال القاضى: وهو أظهر فى اللفظ، وإن كانت الصلاة كما قدمنا مشتركة اللفظ. والخلاف فى معنى الصلاة من الله والملائكة موجود، ويعضده السؤال فيه بكيف الشىء يقتضى الصفة لا الجنس الذى [ينقل عنه بها] (¬1)، وسؤالهم هنا عن الصلاة يحتمل أن يراد به الصلاة فى غير الصلاة أو فى الصلاة وهو الأظهر لقوله: " والسلام كما [قد] (¬2) علمتم ". وقولُهُ: " قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد " (¬3)، ولم يذكر فى حديث ابن مسعود غير الآل، وكذلك فى حديث كعب بن عُجرة، وفى حديث أبى حميد الساعدى: " وعلى أزواجه وذريته " مكان " آل محمد "، وقد اختلفت الآثار فى هذا، أوكلها ترجع إلى معنى واحد (¬4) وقد اختُلفَ فى الآل من هم؟ قيل: أتباعه، وقيل: أمته، كما قال (¬5): {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب} (¬6) وقيل: آل بيته، وقيل: أتباعه عن رهطه وعشيرته، وقيل: [آل] (¬7) الرَجل: نفسُه؛ ولهذا كان الحسن يقول: اللهم ¬

_ (¬1) فى ق: يسأل عنه، وما أثبتناه هو الصواب، والضمير فى " بها " عائد إلى الكيف. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬3) جاء أمامها فى هامش ت عبارة: أمر ثان من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أمر الله تعالى. (¬4) قال الإمام الشافعى: وقد روى عن عمر وعن على وعن عائشة وعن ابن عمر، عن كل واحدٍ منهم تشهدٌ بخلاف تشهد صاحبه، ولا أحسبُ اختلافهم فى روايتها إِلا أن اللفظ قد يختلف إذا تُعلِّم بالحفظ، فيحفظ الرجلُ الكلمةَ على المعنى دون لفظ المُعلم، ويحفظ الآخر على المعنى واللفظ، ويسقط الآخر الكلمة، فلعل هذا أن يكون كان منهم فى عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجازه لهم؛ لأنَّه ذِكرٌ كله لا يختلف فى المعنى، قال البيهقى: ثم جعل مثال ذلك إجازته لهم قراءة القرآن على سبعة أحرف. معرفة السنن 3/ 60، 61، الأم 1/ 118، الرسالة 270. (¬5) فى ق: قيل. (¬6) غافر: 46. (¬7) ساقطة من الأصل.

مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيِمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ ". 67 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ وَمِسْعَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ وَليْسَ فِى حَدِيثِ مِسْعَرٍ: أَلَا أُهْدِى لَكَ هَدِيَّةً. 68 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَعَنْ مِسْعَرٍ، وَعَنْ مَالِكِ بْنُ مِغْوَلٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الْحَكَمِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ " وَلَمْ يَقُلِ: اللَّهُمَّ. 69 - (407) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِىُّ؛ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرَّيِّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَاركْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرَّيِّتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلِّ على آل محمد، وكذلك فى الحديث: " كما صليت على آل إبراهيم "، ويروى " على إبراهيم "، ومعنى البركة هنا: الزيادة من الخير والكرامة والتكثير منهما، (¬1) ويكون بمعنى الثبات على ذلك من قولهم: بركت الإبل، وتكون البركة هاهنا بمعنى: التطهير والتزكية من المعايب، كما قال تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت} (¬2)، وكما قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (¬3)، وهو أحد التأويلات فى قولهم: تبارك الله، ثم اختلف أرباب المعانى فى فائدة قوله: " كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم " على تأويلات كثيرة أظهرها أن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل ذلك لنفسه وأهل بيته؛ ليتم النعمة عليهم والبركة كما أتمها على إبراهيم وآله، وقيل: بل سأل ذلك لأمته ليثابوا على ذلك، وقيل: بل ليبقى له ذلك دائمًا إلى يوم الدين، ويجعل له به لسان صدق فى الآخرين، كما جعله (¬4) لإبراهيم، وقيل: بل سأل ذلك له ولأمته، وقيل: كان ذلك قبل أن يعرف - عليه السلام - بأنه أفضل ولد آدم، ويطلع على علو منزلته، وقيل: بل سأل أن يصلى عليه صلاة يتخذه بها خليلاً، كما اتخذ إبراهيم [خليلاً] (¬5)، وقد قال - عليه السلام - فى الصحيح آخر أمره: " لكن صاحبكم خليل ¬

_ (¬1) فى ق: منه. (¬2) هود: 73. (¬3) الأحزاب: 33. (¬4) فى ق: جعلت. (¬5) من ق.

كَمَا بَارَكْتَ عَلى آلِ إِبْرَاهِيم، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ". 70 - (408) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوْ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الرحمن " (¬1)، وقد جاء [أيضًا] (¬2) أنه حبيب الرحمن، وقال أيضًا: " أنا حبيب الله ولا فخر " ذكره الترمذى (¬3). فهو الخليل و [هو] (¬4) الحبيب [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬5)، وقد اختلف العلماء أيهما أشرف أو هما سواء بمعنى وفضل أكثرهم رتبة المحبة، وقد بسطنا الكلام فى هذا الفصل فى كتاب الشفاء بحول الله [تعالى] (¬6). ولم يجئ فى حديث من هذه ذكر الرحمة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد وقع لنا فى بعض الأحاديث الغريبة؛ ولهذا ما اختلف شيوخنا فى جواز الدعاء للنبى [عليه السلام] (¬7)، وذهب بعضهم وهو اختيار أبى عمر بن عبد البر (¬8) أنه لا يقال ذلك فى حقه، وإنما حقه هو الصلاة والتسليم وحق غيره الدعاء، وقد أجاز ذلك غيره وهو مذهب أبى محمد بن أبى زيد (¬9)، وقد جاء فى بعض طرق تشهد على: " اللهم اغفر لمحمد وتقبل شفاعته "، وهو بمعنى: ارحمه، وفى صفة السلام: " السلام عليك أيها النبى ورحمة الله " وأن معنى الصلاة والرحمة سواء، وحجة الأكثر تعليم النبى - عليه السلام - الصلاة عليه، وليس فيها ذكر الرحمة، فهو مما لا يختص به الأنبياء، وكما كره من كره منهم الصلاة على غير الأنبياء؛ لأنه مما اختصوا به، كذا لا يدعى لهم بما (¬10) يدعى به لغيرهم، وقد قال الله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} (¬11). وهذا وإن ورد فى المخاطبة فالحجة لهم فى هذا الباب بينة. ¬

_ (¬1) اللفظ المذكور جزء حديث. أخرجه الترمذى فى ك المناقب، ب مناقب أبى بكر الصديق، ابن ماجة فى المقدمة، ب فضل أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - وقال فيه الترمذى: هذا حديث حسن صحيح، وسيأتى. (¬2) من ت. (¬3) الترمذى ك المناقب، ب فضائل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال فيه: هذا حديث غريب. (¬4): (¬6) من ت. (¬7) فى ت: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬8) أحفظ أهل المغرب. سبق. (¬9) هو عبد الله بن عبد الرحمن، كان إمام المالكية فى وقته وقدوتهم، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله، وكان يعرف بمالك الصغير. توفى سنة ست وثمانين وثلاثمائة. ترتيب المدارك 6/ 215. (¬10) فى الأصل: بل، والمثبت من ت. (¬11) النور: 63.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " صلِّ على محمد وآل محمد " يحتج به من يجيز الصلاة على غير الأنبياء، وقد اختلف فى ذلك، وروى عن مالك كراهته (¬1)؛ ولأنه لم يكن من عمل من مضى بل ذكر عن مالك رواية شاذة؛ أنه لا يصلى على أحد من الأنبياء سوى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعنى قوله هذا عندى يرجع إلى الأول، أى من أمته وأصحابه، أو يكون المعنى: أنَّا لم نُتَعَبَّد بالصلاة على غيره، وحجة هؤلاء تخصيص الأنبياء بهذا النوع من الدعاء، كما قال تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2) كما خُصَ اللهُ عند ذكره بالتقديس والتعظيم والتسبيح كذلك يُخصُّ الأنبياء بالصلاة والتسليم، ويخص غيرهم من المؤمنين بالدعاء بالرضا والمغفرة والرحمة وكذا ذكرهم الله تعالى فقال: {رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (¬3) و {رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِين} (¬4). و {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} (¬5). و {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} (¬6) و {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (¬7) ولأن مثل هذا هو المعروف من عمل الصحابة والصدر الأول، وذهبت طائفة إلى جواز ذلك للمؤمنين لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} (¬8)، ولقوله - عليه السلام -: " اللهم صلِّ على آل أبى أوفى " (¬9)، وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم ولقوله: " صلِّ على محمد وآل محمد وعلى أزواجه وذريته "، وحجته [الآخر] (¬10) عليهم فى هذا أن ما كان من الله تعالى والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا فبخلاف ما كان من غيرهما، ولأنه منهما مجرى الدعاء والرحمة والمواجهة، وليس فيهما معنى التعظيم والتوقير الذى يكون منا (¬11)، وإذا كان من غيرهما جاء تسوية منه بينهم وبين النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصلاة على الآل والذرية والأزواج إنما جاء بحكم التبع والإضافة إليه لا على التخصيص. وقوله: " والسلام كما [قد] (¬12) علمتم "، ورويناه أيضًا: " عُلّمْتُمْ " وهو راجع إلى ما علموه وعلمهم فى التشهد، كما كان يعلمهم السورة من القرآن، وقيل: راجع إلى ما علموه وعلمهم من السلام من الصلاة. قال الإمام: [وقع فى باب الصلاة حديث مقطوع الإسناد وهو الثانى من الأحاديث ¬

_ (¬1) الخلاف فى الصلاة على غير الأنبياء إنما هى فى الاستقلال، نحو: اللهم صلِّ على فلان، أما وهى تابعة نحو: اللهم صل على محمد وأزواجه وذرية، فجائزة، وعلى الجواز فإنما يقصد بها الدعاء؛ لأنها بمعنى التعظيم خاصة بالأنبياء - عليهم السلام - كخصوص (عز وجل) بالله تعالى. الأبى 2/ 164. (¬2) الأحزاب: 56. (¬3) البينة: 8. (¬4) الفتح: 18. (¬5) الحشر 10. (¬6) البقرة: 286. (¬7) غافر: 7. (¬8) الأحزاب: 43. (¬9) سيأتى إن شاء الله فى كتاب الزكاة، ب الدعاء لمن أتى بصدقته، وقد أخرجه البخارى كذلك فى الزكاة، ب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة. (¬10) فى ت: الآخرين. (¬11) فى ت: منهما. (¬12) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأربعة عشر التى تقدم ذكرها على الجملة] (¬1). قال مسلم: ثنا صاحبُ لنا [قال] (¬2): ثنا إسماعيل [بن زكريا] (¬3)، عن الأعمش. وذكر حديث كعب بن عجرة عن إبراهيم عن مسلم ثنا محمد بن بكار ثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش هكذا سماه وجوّده [وهذا فى رواية ابن ماهان أحد الأحاديث المقطوعة الإسناد] (¬4). قال القاضى - رحمه الله -: هذا قول (¬5) الجبائى، وهو مذهب الحاكم أبى عبد الله، والصواب ألّا يعد هذا فى المقطوع، وإنما يعد فى المقطوع ما ترك فيه اسم رجل قبل التابعى وأرسل قبله على عرف أهل الصنعة، وإلا فكله مرسل، والمنقطع نوع من المرسل على ما بيناه فى هذا الكتاب، والأوْلى بمثل هذا الحديث أن يعد فى المجهول الراوى؛ لأنه لم ينقطع له سند، وإنما جهل اسم راويه كما لو جهل حاله، وهو قول أئمة هذا الشأن. وقَوْلُه: " من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرًا " معنى صلاة الله عليه ": رحمته له وتضعيف أجره على الصلاة عشرًا، كما قال تعالى: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬6) وقد يكون على وجهها، وظاهرها تشريفًا له بين ملائكته، كما قال فى الحديث الآخر: " وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم " (¬7)، وقد تقدم الكلام على هذا. ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) زائدة فى ع. (¬3) سقط من ع (¬4) سقط من ع. (¬5) فى ت: مذهب. (¬6) الأنعام: 160 (¬7) سيأتى إن شاء الله فى الذكر والدعاء، ب الحث على ذكر الله تعالى. وقد أخرجه البخارى فى ك التوحيد، ب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28].

(18) باب التسميع والتحميد والتأمين

(18) باب التسميع والتحميد والتأمين 71 - (409) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: [اللهم] (¬1) ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ": كذا جاء عن مالك عن سُمى، عن أبى صالح (¬2) عن أبى هريرة فى مسلم والموطأ هذا الحديث، وجاء سنده - أيضًا - بعينه فى الموطأ (¬3) بعده: " إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له " الحديث، وذكر مسلم هذا الحديث بنص سند مالك معنى هذا اللفظ الآخر، وذكر حديث مالك الآخر عن الزهرى، عن سعيد وأبى سلمة، عن أبى هريرة: " إذا أمن الإمام فأمنوا " الحديث (¬4)، وذكر الحديث الآخر: " إذا قال أحدكم فى الصلاة: آمين، والملائكة فى السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه " (¬5)، فيحتج بقوله: " إذا قال الإمام: {وَلا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمين " من لا يرى للإمام قولها، وإنه إنما يقولها المأموم، ويحتج بقوله: " إذا أمّن الإمام فأمِّنوا " من يرى أنه يؤمّن، ومن يرى جهره بالتأمين؛ لأنه لو لم يجهر لم يسمع قوله لذلك. وقد اختلفت الآثار فى جهره - عليه السلام -[بها وسره] (¬6) وقيل: كان هذا أول الإسلام وليعلمهم ذلك - عليه السلام - ويسمعهم كيف يقولونه؛ ولذلك قال بعض الصحابة: وكان يقول: آمين رافعًا بها صوته كالمُعلم لنا، وقول ابن شهاب: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: آمين، تفسير لقول: " إذا أَمّنَ الإمام فأمنوا " ورفع للاحتمال، ويقول من قال معناه إذا دعا بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (¬7) إلى آخرها، قالوا: والداعى يسمّى مؤمنًا كما يقال للمؤمن: داعيًا، وقد يكون - أيضًا - على هذا المذهب معنى قوله: " إذا أمَّن " أى بلغ موضع التأمين وهو تمام السورة يكون بمعنى قوله: " وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} " كما يقال: أَنْجَدَ الرجل، أى بلغ نَجْدًا من الأرض، وأحرم؛ إذا دخل فى الحرم وبلغه. وقد اختلف العلماء فى هذه المسألة مع اتفاقهم على أن الفَذ يؤمِّن، والمأموم والإمام ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) أبو صالح: ذكوان مولى جويرية بنت الأحمش الغطفانى. (¬3): (¬5) الموطأ، ك الصلاة، ب ما جاء فى التأمين خلف الإمام 1/ 88. (¬6) من ت. (¬7) الفاتحة: 6.

فَقُولُوا: اللَّهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَديِثِ سُمَىٍّ. 72 - (410) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأمِينُهُ تَأمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " آمِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فيما يُسر فيه يؤمنان، وكل ذلك سواء [إِلا طائفة شذت فقالت (¬1): إنه يفسد الصلاة؛ لأنه كلام] (¬2) فمذهب جمهور العلماء وأئمة الفتوى والحديث: إلى أن الإمام يقولها أيضًا فى الجهر، وهى إحدى الروايتين عن مالك (¬3)، وذهبت فرقة قليلة إلى أنه لا يقولها، وهى الرواية الثانية عن مالك (¬4)، ثم الشافعى (¬5)، وفقهاء أهل الحديث يرون الجهر بها [للإمام والمأموم] (¬6)، والكوفيون يرون الإسرار بها (¬7)، وهى الرواية عن مالك وقال: لا يسر فى الجهر بها المأموم. ومعنى قوله: " من وافق قوله قول الملائكة ": قيل: يعنى فى وقت تأمينهم ومشاركتهم فى الدعاء والتأمين، ويفسره قوله فى الحديث الآخر: " وقالت الملائكة فى ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ت: التأمين. (¬2) من ت. ومعنى " آمين ": الاستجابة، أى اللهم استجب لنا، واسمع دُعاءنا، واهدنا سبيل من أنعمت عليه ورضيت عنه، وقيل: معناها: أشهد لله. الاستذكار 4/ 231. (¬3) قال ابن عبد البر: وفى حديث ابن شهاب، وهو أصَحُّ حديث يُروى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الباب دليل على أن الإمام يَجهرُ بآمين، ويقولها من خلفه إذا قالها. ولولا جهرُ الإمام بِها ما قيل لهم: " إذا أمَّنَ الإمام فأمنوا ". السابق 4/ 252. (¬4) رواها عنه ابن القاسم، وهى قول المصريين من أصحاب مالك. (¬5) راجع: الأم 1/ 109، ب التأمين عد الفراغ من قراءة أم القرآن. وبه قال أبو حنيفة، والثورى، والأوزاعى، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثورٍ، وداود، والطبرى. وحجَّتُهم أن ذلك ثابتٌ عن النبى - عليه السلام - من حديث أبى هريرة وحديث وائل بن حجر وحديث بلال: " يا رسول الله، لا تسبقنى بآمين "، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبى. (¬6) من ت. (¬7) وهو قول بعض المدنيين والطبرى أيضاً. راجع: الاستذكار 4/ 255، التمهيد 7/ 8.

73 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثِلِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ. 74 - (...) حدّثنى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِى الصَّلَاةِ: آمِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ فِى السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ السماء: آمين " (¬1) وإليه ذهب الداودى والباجى، وعلى هذا يظهر قول الخطابى: أن الفاء هنا [ليست] (¬2) للتعقيب وأنها للمشاركة، إذْ علق الغفران بالموافقة فى القول على هذا التأويل، وقيل: من وافق تأمينه تأمين الملائكة فى الصفة والخشوع والإخلاص، وعلى هذا يحمل قوله فى مثل هذا الحديث الذى فيه: " إذا قال: سمع الله لمن حمده " الحديث، وقيل: من وافق دعاءه دعاء الملائكة، وقيل: المراد بالملائكة هنا: الحفظة المتعاقبون بالليل والنهار، يشهدون الصلاة مع المؤمنين ويؤمنون معهم. ولكن قيل: يرد هذا قوله: " فى السماء "، وقيل: لا يرده، بل إذا قالها الحاضرون قالها من فوقهم، حتى ينتهى إلى ملائكة السماء، وقيل معناه: من وافق استجابة دعاءه كما يستجاب للملائكة، وقيل: من وافق دعاءه دعاء الملائكة الذين يستغفرون لمن فى الأرض؛ لأن فى قوله: [أهدنا] (¬3) دعاء له ولأهل ملته، ثم قال: " آمين " تأكيدًا لإجابة الدعاء لجميعهم كما تفعل الملائكة، والوجه الأول أظهر وقد جاء فيه حديث مفسِّر بيّن لا يحتاج إلى تأويل، وكما أن الله تعالى جعل من ملائكته مستغفرين لمن فى الأرض ومصلين على من صلى على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وداعين لمن ينتظر الصلاة، وكذلك يختص منهم من يؤمّن عند تأمين المؤمنين أو عند دعائهم، كما جعل منهم لعّانين لقوم من أهل المعاصى، وما منهم إِلا له مقام معلوم. وفى قوله: " إذا قال الإمام: {وَلا الضَّالِّينَ} " حجة لقراءة أم القرآن (¬4) وكونها ملتزمة للصلاة وغير منفصلة منها، وحجة لمن لا يرى السكتة للإمام ولا قراءة للمأموم خلفه فيما جهر فيه؛ لأنه ذكر ما يفعل الإمام والمأموم، فذكر التكبير للإمام، ثم ذكر بعده تكبير المأموم، ثم ذكر قراءة الإمام ولم يذكر [للمأموم قراءة] (¬5)، ولو كانت السكتة من حكم ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: وهذا دليلٌ على أنه لم يرد الملائكة الحافظين، ولا المتعاقبين؛ لأنهم حاضرون معهم فى الأرض لا فى السماء. التمهيد 7/ 17. (¬2) من ت. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬4) فى ت: المؤمنين. (¬5) فى ت: قراءة للمأموم.

75 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِى الزِنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ فِى السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 76 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَالَ الْقَارِئُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهَمْ وَلا الضَّالِّينَ}. فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ: آمِينَ، فَوَافَقَ قَولُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة لقال: فإذا سكت فاقرؤوا، كما قال: " فإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين " وهو موضع تعليم وبيان. وقد اختلف العلماء فى هذه السكتة للإمام: فذهب الشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق ومن وافقهم إلى أن على الإمام ثلاث سكتات؛ بعد التكبيرة لدعاء الاستفتاح، وبعد تمام أم القرآن (¬1)، وبعد القراءة ليقرأ من خلفه فيها (¬2)، وذهب مالك [رحمه الله] (¬3) إلى إنكار جميعها، وذهب أبو حنيفة وجمهور السلف والعلماء إلى إنكار ذلك فى السكتتين الأخريين، وقد رويت فى ذلك أحاديث لا يتفق عليها عند أهل الحديث (¬4)، قد ذكر مسلم منها ما يأتى الكلام عليه بعد هذا، إن شاء الله تعالى، والله المستعان. ¬

_ (¬1) فى الأصل: القراءة، والمثبت من ت. (¬2) قالوا: فإن لم يفعل الإمام فاقرأ معه بفاتحة الكتاب على كل حال. الاستذكار 4/ 238. (¬3) من ت. (¬4) منها حديث محمد بن إسحاق الذى رواه الأوزاعى عن مكحول عن رجاء بن حيوة عن عبد الله بن عمرو قال: صلينا مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انصرف قال لنا: " هل تقرؤون القرآن إذا كنتم معى فى الصلاة؟ " قلنا: نعم، قال: " فلا تفعلوا إِلا بأم القرآن ". قال ابن عبد البر: ورواه زيد بن خالد عن مكحول عن نافع ابن محمود عن عبادة، ونافع هذا مجهول. انظر: التمهيد 11/ 46.

(19) باب ائتمام المأموم بالإمام

(19) باب ائتمام المأموم بالإمام 77 - (411) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَقَطَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتَ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قَعُودًا. فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةُ قَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا سَجَدَ فاسْجُدُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا، أَجْمَعُونَ ". 78 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: خَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سقط النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فرس فجحش شقه الأيمن " الجحش [هنا] (¬1) مثل الخدش، وقيل: فوقه، وقد يكون ما أصاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا السقوط مع الخدش رضٌّ فى الأعضاء وتوجع، فلذلك منعه القيام للصلاة. وقوله: " فصلى جالسًا وصلينا وراءه جلوسًا " وفى الحديث الآخر: " فأشار إليهم أن اجلسوا " إلى قوله: " فإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون " (¬2)، قال الإمام: تعلق بعض الناس بهذا الحديث ورأى أن الإمام إذا صلى جالسًا لعذرٍ أن من ائتم به يجلس بجلوسه، وأكثر الفقهاء على خلاف هذا، وأنهم لا يجلسون ولا يُسقطون فرض القيام مع قدرتهم عليه لغرض الموافقة للإمام، وعندنا قولان فى صحة إمامة الجالس [لعذر] (¬3) بالقيام، أحدهما [إجازة] (¬4) ذلك، تعلقًا بإمامة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس فى مرضه الذى مات فيه على أحد التأويلين أنه الإمام دون الصّديق. (¬5) والثانى: منع ذلك، تعلقًا بقوله عليه السلام: " لا يَؤمّن أحد بعدى جالسًا " (¬6). ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) سيأتى برقم (82) بالباب. (¬3) زائدة فى ع. (¬4) فى ع: جواز. (¬5) قال ابن عبد البر: أكثر الآثار الصحاح المسندة فى هذا الباب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان المقدم، وأن أبا بكر كان يصلى بصلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائمًا، والناس يصلون بصلاة أبى بكر، وهو الذى أقره مالك - رحمه الله - فى الموطأ وقرئ عليه إلى أن مات. التمهيد 6/ 145. (¬6) الحديث رواه عبد الرزاق فى المصنف 2/ 463، وأخرجه الدارقطنى فى سننه 1/ 398، وكذا البيهقى فى =

فَجُحِشَ، فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. 79 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنَ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرِعَ عَنْ فَرَسٍ، فَجُحِش شِقُّه الأَيمَنُ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا. وَزَادَ: " فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيامًا ". 80 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحشَ شِقُّهُ الأَيَمنُ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. وَفِيِه: " إِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قيَامًا ". 81 - (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَنَسٌ؛ أَنَّ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ مِنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ظاهر هذا الحديث أن فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا كان فى الفريضة، ويدل عليه قوله: " فحضرت الصلاة " وهذا يفهم منه المعهودة وهى الفريضة، وقد أشار ابن القاسم إلى أنه كان فى النافلة، وقيل: [نسخت] (¬1) صلاة الإمام قاعدًا بالناس قعودًا بصلاته قاعدًا وهم قيام، فى حديث إمامة أبى بكر وسنذكره، وإلى هذا نحا الحميدى (¬2) بقوله آخر الحديث: وإنما يؤخذ بالآخر من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا (¬3): نسخت إمامة القاعد جملة بقوله: " لا يؤمن أحد بعدى قاعدًا " وبفعل الخلفاء بعده وأنه لم يؤم أحد منهم قاعدًا، وإن كان النسخ لا يمكن بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمثابرتهم على ذلك يشهد بصحة نهيه عن إمامة القاعد بعده وتقوى [لين ذلك] (¬4) الحديث، وقيل: هذا خصوصى للنبى عليه السلام، [وقيل: بل الأولى غير منسوخة محكمة فعلها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬5)؛ لئلا تختلف حالة الإمام والمأمومين، وللعلة الأخرى التى نبه عليها فى الحديث بقوله: " كدتم تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود "، وقيل: لئلا يستره بعضهم عن بعض بقيامهم حتى لايرون أفعاله، ولذلك لما تركهم فى القصة الأخرى قِيامًا ترك أبا بكر [رضى ¬

_ = الكبرى 3/ 80 وقالا فيه: لم يروه غير جابر الجعفى عن الشعبى، وهو متروك الحديث، والحديث مرسلٌ لا تقوم به حجة، وكذا قال ابن عبد البر. انظر: نصب الراية 2/ 49، التمهيد 6/ 143. (¬1) وردت فى الأصول: يستحب، وقيد أمامها بهامش من الأصل: نسخت، وهو الصواب. (¬2) أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدى، منسوب إلى الحميدات، تتلمذ على سفيان بن عيينة، روى عنه البخارى، مات سنة تسع عشرة ومائتين بمكة. الأنساب 4/ 231. (¬3) جاءت بعدها: لم، ولا وجه لها. (¬4) غير واضحة فى ت. (¬5) سقط من ت.

وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ يُونُسَ وَمَالِكٍ. 82 - (412) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودَونَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ قِيامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: أَنِ اجْلِسُوا، فَجَلَسُوا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِه، فإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا ". 83 - (...) حدّثنا أَبُو الرَّبِيع الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عنه] (¬1) عَلَمًا لهم لذلك يقتدون به، وقيل: بل صلاته الثانية على الأصل، وكان أبو بكر فيها الإمام، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مأمومًا، وسيأتى تمام الكلام على هذا. وقوله: " إنما جعل الإمام ليؤتم به ": حجة لمالك وعامة الفقهاء فى ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، وترك مخالفته له فى نية الصلاة وغير ذلك، لاسيما مع الزيادة الثانية من قوله فيه: " ولا تختلفوا عليه " ولا خلاف أشد من اختلاف النيات فى صلاتين فرضين، أو فرض ونفل. وخالف فى ذلك الشافعى وفقهاء أصحاب الحديث، وأجازوا اقتداء المفترض بالمتنفّل، ومصلى الظهر خلف مصلى العصر، وحجتهم حديث معاذ. ولا حجة لهم فيه، وسيأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى (¬2)، وتأوّلوا الاقتداء المذكور فى هذا الحديث والنهى عن الاختلاف على الأفعال الظاهرة. وقوله: " [إنما] (¬3) الإمام جنّة ": أى ساتر لمن خلفه ومانع من مفسدات صلاتهم، من سهو يحمله عنهم، ومارٍ يقطعها عليهم، فهو لهم كالمجن، والجنة، وهى الترس الذى يستر من وراءه ويدفع عنه ما يكرهه. وقوله: " فإذا ركع فاركعوا " الحديث، وقوله: " لا تبادروا الإمام ": كله يدل (¬4) على أن فعل المأموم بعد الإمام، وقد تقدم الكلام عليه وسيأتى تمامه بعدُ فى موضعه. وقوله: " وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا " ظاهره ما تقدم من اتباعه فى عذره، وتأويل من تأول لأنه يحتمل أنه فى اتباعه فى وقت جلوسه فى الصلاة بعيدٌ جدًا يخرج ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) وذلك فى باب القراءة فى العشاء. (¬3) زيد بعدها فى ت لفظة: جعل، وهو وهم. (¬4) فى ت. دليل.

84 - (413) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عن ظاهره ومفهومه، وقد علله [فى كتاب] (¬1) مسلم بموافقة الأعاجم فى قيامهم على ملوكهم وهم قعود، وهذا رفع للإشكال، ولم يرد أنهم فعلوا ذلك فى حين جلوسه لكن فى حديث أبى هريرة الذى ذكره مسلم بغير سبب المرض قد يحتمل هذا الاحتمال إن لم يجعل حديثًا واحدًا، وقد اخُتِلفَ بعد ما تقدم فى إمامة الجالس لعذرٍ بمثله من أهل الأعذار جلوسًا، فالمعروف جوازه، وهو مشهور مذهبنا (¬2)، ونقل فيه قول آخر: لا يجوز، وقيل: هذه الرواية وهُمٌ، وهو كما قيل، ولا وجه له، وإنما وَهمَ فيها من سمع، انتهى عن إمامة الجالس. فأخذ بعموم اللفظ فيه وجاء فى كل حال. وقوله: [" اشتكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلينا وراءه وهو قاعد] (¬3) وأبو بكر يُسْمع الناس تكبيره "، وفى طريق آخر: " وأبو بكر خلفه فإذا كبّر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر أبو بكر ليسمعنا "، قال الإمام: واختلف الناس، هل كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الإمام فى الصلاة؟ وفائدة الخلاف [فى ذلك] (¬4) جواز إمامة الجالس فى الصلاة وقد تقدم الخلاف فيه (¬5). قال القاضى: جاء هذا الحديث الذى ذكر مسلم أولاً أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشار إليهم أن اجلسوا فى حديث سقوطه، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كان فيه الإمام بغير خلاف وأن أبا بكر هنا صلى خلفه وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬6) كان إذا كبر هو يسمع الناس، وأن هذه الصلاة كانت فى منزل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال فى الأم: " دخلنا نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدًا " وفى حديث مالك [فيه] (¬7): " صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو شاكٍ فى بيته " (¬8) وذكر الحديث وليس بحديث إمامة أبى بكر فى مرضه الذى توفى فيه، فإن الناس صلوا فى ذلك قيامًا. والحديث الذى اختلف الناس فيه إنما هو ذاك لا هذا إلا على قول من يقول: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان الإمام. وسيأتى الكلام عليه بعد. وقوله: وأبو بكر يسمع الناس [تكبيره. قال الإمام: فيه حجة لمن أجاز [من أصحابنا] (¬9) الصلاة] (¬10) بالمُسْمِع، وقد اختلف فى ذلك شيوخنا فقال بعضهم: لا تصلح الصلاة به لأن المقتدى به اقتدى بغير إمام، وقال بعضهم: يصح لأن [المعلم] (¬11) المسمع (¬12) علم على الإمام فكان مقتديًا بالإمام، وقال بعضهم: إن أذن الإمام للمسمع ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) قال الأبى: هذا وهم من القاضى، ولا خلاف فى منعها فى المذهب 2/ 172. (¬3) من ع. وجاء بدلها فى أصول الإكمال: فى الحديث الآخر. (¬4) من ع. (¬5) زيد بعدها فى ع: ووجه. (¬6) من هامش ت. (¬7) ساقطة من ت. (¬8) مالك فى الموطأ، ك الصلاة، ب صلاة الإمام وهو جالس 1/ 135 بدون " فى بيته "، كما أخرجه الشافعى فى الرسالة 252، م 2، وفى المسند له، ك الصلاة، ب فى الجماعة وأحكام الإمامة 1/ 111. (¬9) سقط من ع. (¬10) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬11) من ع. (¬12) فى ع: بالمسمح.

وَهُوَ قَاعِدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَه، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيامًا، فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الإسماع صح الاقتداء به لأنه يصير حينئذ من اقتدى به اقتدى بالإمام [لأنه عن إذنه] (¬1). وحَديث [أبى بكر من الطريقين الذى ذكرنا] (¬2) حجة لمن أجازه، وقد ذكر مسلم بعد هذا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فى حديث آخر لأصحابه: " تقدموا فأتموا بى وليأتم بكم من بعدكم " (¬3) الحديث، فأجاز الائتمام بمن ائتم به، ولا فرق بين الاقتداء بالفاعل والقائل. وقد بوّب النسائى (¬4) على هذا الحديث والائتمام بمن ائتم بالإمام كما بوب البخارى (¬5) أيضاً على هذا الحديث الذى قدمناه: باب من أسمع الناس [تكبير الإمام] (¬6). قال القاضى: وكذلك اختلفوا فى صلاة المكبر نفسه هل تصح أو تعضد أو يحتاج فيها إلى إذن الإمام، وقيل: إنما يجوز هذا فى مثل الأعياد والجنائز وغير الفرائض التى يجتمع لها الناس، وقيل: يجوز هذا وفى الجمعات لضرورات كثرة الجموع، وقيل: إنما يجوز إذا كان ذلك بصوت وطى غير متكلف، فإن تكلف أفسد على نفسه وعلى من ائتم به. وفى هذا الحديث إمامته بهم - عليه السلام - فى بيته كما تقدم، وجواز صلاة الفرض فى جماعة فى المنازل، وذلك أنه لم يستطع الخروج لعذر ولا يمكن التقدم عليه، فصلى بهم وصلى الناس وراءه فى منزله، والظاهر أن من فى المسجد صلى بصلاته لكون منزله فى المسجد. وفيه جواز صلاة الإمام أرْفَع مما عليه أصحابه إذا كانت معه جماعة هناك؛ لقوله فى بعض طرق هذا الحديث: " فى مشربة له " وهى الغرفة (¬7)، وقد روى عن مالك، وحمله شيوخنا على تفسير ما وقع له من الكراهة مجملاً، وإن منعه من ذلك [إنما هو لمن يفعله] (¬8) تكبرًا، وهو ضد ما وضعت له الصلاة من التواضع والسكينة؛ ولذلك قال: لأن هؤلاء يعبثون. وقوله: " فالتفت إلينا فرآنا قِيامًا فأشار إلينا فقعدنا (¬9) ": فيه أن الالتفات فى الصلاة غير مفسد لها وإن كان مكروهًا فيها، واختلاسًا من الشيطان منها، كما جاء فى الحديث. ¬

_ (¬1) فى ع: لما كان عن إذنه. (¬2) فى ق: وحديث أبى بكر الذى ذكر من الطريقتين. (¬3) سيأتى فى باب تسوية الصفوف عن أبى سعيد الخدرى. (¬4) ك الصلاة، ب الائتمام بمن يأتم بالإمام. (¬5) ك الأذان، ب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، ولذكر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتموا بى، وليأتم بكم من بعدكم ". (¬6) فى ع: تكبيرة الإحرام. (¬7) ما وقفنا عليه هو ما أخرجه أبو داود عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: " صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حُجْرتِه والناس يأتمون به من وراء الحجرة " ك الصلاة، ب الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار 1/ 257. (¬8) سقط من ت. (¬9) فى ت: فعندنا.

فَصَلَّيْنَا بصَلَاتِهِ قُعُودًا. فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: " إنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ، يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهْم وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا، ائْتَمُّوا بِأَئمَّتِكُمْ، إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا ". 85 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ، فَإِذَا كَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ لِيُسْمِعَنَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيْثِ. 86 - (414) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ ولعل التفاته - عليه السلام - هنا إنما كان قاصدًا ليعرف عملهم فى الصلاة وراءه؛ ليبين لهم سنّة ذلك، كما كان إذْ كانت حاله اختلفت ولم يتقدم منه لهم فيها بيان، فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرى هل اقتدوا به وامتثلوا قوله: " صلوا كما رأيتمونى أصلى " (¬1) وحملوه على عموم الأحوال، أو اجتهدوا وأوَّلوا أن ذلك ما لم يكن لعذر، فبين لهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اتباعهم فى كل حال والإشارة والالتفات من العمل اليسير لإصلاح الصلاة غير مفسد لها ولا مكروه فيها، وقد ذكرنا من هذا قبل والخلاف فيه. وقوله: " إن كدتم تفعلون فعل فارس والروم؛ يقومون على ملوكهم وهم قعود ": بيان لِعلّة أمرهم بالجلوس، ودليل على كراهية هذا لهذه الأمة، وعليه يحمل ما جاء فى النهى عن القيام والوعيد لمن سرّه أن يتمثل له الناس قيامًا، يعنى وهو قاعد، وقد قال عمر ابن عبد العزيز - رحمه الله - وقد قاموا له: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، فهو إنما كره القيام على القاعد، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بقيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفر (¬2) وعكرمة (¬3) وأسامة (¬4) وغيرهم وتلقيهم وقد قال للأنصار: " قوموا لسيدكم " (¬5) وهو أولى ما حمل الحديث عليه، وجاء مثله عن جماعة من العلماء والسلف. وحمل بعضهم الباب ¬

_ (¬1) البخارى فى الأذان، ب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة، الدارقطنى، ك الصلاة، ب فى ذكر الأمر بالأذان والإقامة وأحقهما 1/ 272. كما أخرجه البيهقى فى ك الصلاة، ب من سها فترك ركناً عاد إلى ما ترك حتى يأتى بالصلاة على الترتيب 2/ 345. (¬2) انظر: مصنف ابن أبى شيبة، ك الفضائل، ب ما ذكر فى جعفر بن أبى طالب - رضى الله عنه - (12254)، البيهقى فى السنن الكبرى، ك النكاح، ب ما جاء فى قبلة ما بين العينين 7/ 101، وقال فيه: مرسل. (¬3) أسد الغابة 4/ 5. (¬4) الذى جاء به الحديث فى ذلك زيد بن حارثة، وقد أخرجه الترمذى من حديث عائشة، ك الاستئذان، ب ما جاء فى المعانقة والقبلة، وقال: هذا حديث حسن غريب (2732). (¬5) جزء حديث أخرجه الشيخان، البخارى، ك الاستئذان، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوموا إلى سيدكم " =

الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا الإِمَامُ لِيُؤْتمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، أَجْمَعُونَ ". (...) حدّثنا مُحمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على كراهية القيام على الجملة [على] (¬1) أى حال كان، إذا كان على جهة الإعظام والإكبار، وعليه يدل مذهب مالك - وفى هذا من كراهته - عليه السلام - أن يفعلوا فعل فارس والروم فى الصلاة حجة لقول مالك فى فساد صلاة الناس إذا صلى بهم إمامهم أرفَع مما عليه أصحابه، وقوله لأن هؤلاء يعبثون، وتعليل من علله أنهم إذا فعلوا ذلك كبرًا وتعظيمًا لأنفسهم من مساواة المؤمنين معهم، كما كره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهؤلاء التشبه بكبر فارس والروم (¬2). ¬

_ = ومسلم، ك الجهاد والسير، ب جواز قتال من نقض العهد، كما أخرجه أبو داود فى ك الأدب، ب ما جاء فى القيام، النسائى فى الكبرى، ك المناقب، ب سعد بن معاذ سيد الأوس - رضى الله عنه. (¬1) ساقطة من ت. (¬2) أما إذا كان لغير ذلك كعذر أو تعليم فجائز. فقد أخرج البيهقى من طريق الشافعى قال: أخبرنا ابن عيينة قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن همام قال: صلى لنا حذيفة على دُكان مرتفع، فسجد عليه، فجبذه أبو مسعود فتابعه حذيفة، فلما قضى الصلاة قال أبو مسعود: أليس قد نهى عن هذا؟ فقال له حذيفة: ألم ترنى قد تابعتك. قال الشافعى: وأختار للإمام الذى يعلم من خلفه أن يصلى على الشىء المرتفع ليراه من وراءه فيقتدوا بركوعه وسجوده ... وإذا كان الإمام علَّم الناس مرة أحببت أن يصلى مستويًا مع المأمومين؛ لأنه لم يرو عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى على المنبر إِلا مرة واحدة. معرفة السنن 4/ 188.

(20) باب النهى عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره

(20) باب النهى عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره (¬1) 87 - (415) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وابْنُ خَشْرَمٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا، يَقُولُ: " لا تُبَادِرُوا الإِمَامَ، إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {وَلا الضَّالِّينَ}، فَقُولُوا: آمِينَ. وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا. وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ". (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. إِلَّا قَوْلَهُ: " {وَلا الضَّالِّينَ}، فَقُولُوا: آمِينَ " وَزَادَ: " وَلَا تَرْفَعُوا قَبْلَهُ ". 88 - (416) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - واللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى - وَهُوَ ابْنُ عَطاءٍ - سَمِعَ أَبَا عَلقَمَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعودًا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ أَهْلِ الأَرْضِ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". 89 - (417) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ - مَوْلَى أَبِى هُرَيْرَةَ - حَدَّثَهُ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا، أَجْمَعونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(21) باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلى بالناس، وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه، ونسخ القعود خلف القاعد فى حق من قدر على القيام

(21) باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلى بالناس، وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه، ونسخ القعود خلف القاعد فى حق من قدر على القيام 90 - (418) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَائَدةُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَة، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا: أَلَا تُحَدَّثِينِى عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بَلَى. ثَقُلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". قُلْنَا: لا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " ضَعُوا لِى مَاءً فِى الْمِخْضَبِ ". فَفَعَلْنَا. فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لَيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ. فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ " قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، يَا رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ: " ضَعُوا لِى مَاءً فِى الْمِخْضَبِ ". فَفَعَلْنَا. فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ. فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". قُلْنَا: لا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ضعوا لى ماء فى المخضب " وهو مثل الإجانة والمرْكَنِ. وقوله: " ذهب لينوء ": يقوم [وينهض] (¬1). وقوله: " والناس عكوف " (¬2) [أى] (¬3) ملتزمون مجتمعون " فأغمى عليه ثم أفاق، ثم قال: ضعوا لى ماء فى المخضب فاغتسل "، ثم ذكر تكرار الحال مرة أخرى، دليل على أن الإغماء ينقض الطهارة، ويكون المراد هنا بالغسل الوضوء، والله أعلم. وإرساله إلى أبى بكر - رضى الله عنه - للصلاة واستخلافه لها وحده ألا يكون سواه أجمل (¬4) دليل على فضيلة أبى بكر - رضى الله عنه - وتقدمه، وتنبيه على أنه أولى بخلافته كما قال الصحابة - رضى الله عنهم -: " رضينا لدُنيانا من رضيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لديننا "؛ ولأن الصلاة للخليفة؛ ولهذا قال عمر - رضى الله عنه - من تطيب [منكم] (¬5) نفسه أن يؤخره عن مقام أقامه فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6). ¬

_ (¬1) فى ت: ينهض، بدون الواو. (¬2) زاد بعدها فى ق: له. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬4) فى ت: أحسن. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬6) الحاكم فى المستدرك، ك معرفة الصحابة، خلافة أبى بكر بتأييد عمر بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عبد الله - رضى الله عنه - وقال فيه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبى 3/ 67.

يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: " ضَعُوا لِىَ مَاءً فِى المِخضْب " فَفَعَلْنَا. فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ. فَقَالَ: " أَصلى النَّاسَ؟ " فَقُلْنَا: لا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فى الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ. قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ، أَنَّ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاه الَرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّىَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقًا -: يَا عُمَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكان أبو بكر رجلاً رقيقًا ": أى رقيق القلب كثير الخشية سريع الدمعة، كما فسر فى الحديث بعد هذا من قوله: " وكان إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه " وهو بمعنى قوله: " رجل أسيف " فى الرواية الأخرى، والأسيف. قال الإمام: قال الهروى وغيره: يعنى سريع الحزن والبكاء (¬1)، وهو الأسوف أيضًا، والأسيف فى غير هذا العبد، والأسف الغضبان، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} (¬2). قال القاضى: وقول أبى بكر لعمر: " صل بالناس " بعد أمره له - عليه السلام - لهذه العلة، أو على طريق التواضع، وقول عمر: " أنت أحق بالأمر ": دليل على تقديم الصحابة [له] (¬3) وشهادتهم بسبقه. وفيه: أن للمقدم وللمستخلف أن يستخلف غيره، وفيه: دفع الفضلاء هذه الأمور الخطيرة عن أنفسهم إلى غيرهم. وقوله: " فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين رجلين " وفى الرواية الأخرى: " يتهادى بين اثنين ": أى يمشى بينهما متكئًا عليهما، والتهادى: المشى الثقيل مع التمايل يمينًا وشمالاً. وقوله: " تخط رجلاه فى الأرض " إخبار عن مبلغ ضعف قواه، وأن رجليه لم تُقِلَّه، بل كان يجرهم بالأرض ولا يعتمد عليهما. وقوله: " اشتد به الوجع ": أى المرض، والعرب تسمى كل مرض وجعًا. وقوله: " أحدهما العباس " كذا فى حديث [عائشة] (¬4) وذكر مثله من حديث عُقَيل (¬5) عن الزهرى، عن عبيد الله فى رواية الجلودى والنسائى (¬6) وسائر رواة مسلم وكذلك رواه البخارى (¬7) بهذا السند والذى قبله، ووقع عند ابن ماهان وحده بين الفضل بن ¬

_ (¬1) غريب الحديث 1/ 159، وانظر: النهاية لابن الأثير 1/ 48، وغريب الحديث لابن الجوزى 1/ 26. (¬2) الأعراف: 150. (¬3) من ت. (¬4) فى ق: به عائشة، وفى الأصل: ابن أبى عائشة، والصواب هو ما جاءت به الرواية. (¬5) عقيل بن خالد الأيلى، مولى عثمان، روى عن أبيه ونافع والزهرى، وغيرهم، وعنه الليث بن سعد، وسعيد بن أبى أيوب وغيرهم، توفى سنة واحد وأربعين ومائة. تهذيب التهذيب 7/ 255. (¬6) النسائى فى الصلاة، ب الائتمام بمن يأتم بالإمام 2/ 84. (¬7) ك الأذان، ب إنما جعل الإمام ليؤتم به.

صَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةَ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ - أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ - لِصَلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس (¬1) وكذا ذكره مسلم فى الباب من رواية عبد الرازق، عن معمر، عن الزهرى، وقد فسر فى الحديث أن الآخر على بن أبى طالب، ووقع فى الباب فى حديث يحيى بن يحيى: حدثنا حميد بن عبد الرحمن [الرُؤاسى] (¬2)، كذا رواه بضم الراء وواو مهموزة، وعد العذرى: الرقاشى، وهو خطأ (¬3). وقد اختلف العلماء فى صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه وأبى بكر، ومن كان فيها الإمام منهما، ونقل عن عائشة وغيرها الوجهان فى ذلك، فقيل: هى ناسخة لصلاته حين جُحِش وأمرهم بالصلاة قعودًا، وأن حكم المأموم إذا كان صحيحًا ألا يسقط عنه مرض إمامه فرض القيام فى صلاته، وعليه أن يصلى وراءه قائمًا. وهو قول أكثر الفقهاء والمحدِّثين وإحدى الروايتين عن مالك. وقيل: إن فعله الأول ليس بمنسوخ، وأن حكم الإمام إذا صلى جالسًا أن يصلى من وراءه جلوسًا بنص الحديث، وأنها سنة، وإليه ذهب أحمد، وزعم أنَّ صلاة أبى بكر هذه آخرًا كان فيها إمامًا على الأصل الأول والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها مأموم، وقيل: إن الحكمين منسوخان، نسخ آخرهما الأول ثم نسخ الآخر لقوله: " لا يَؤُمَنَّ أحد بعدى جالسًا " وقيل: بل أمرهم بالجلوس فى الحديث الأول قبل دخولهم فى الصلاة، وفى الآخر وجدهم يصلون وقد لزمهم القيام فلم يأمرهم بالجلوس، وقيل: بل كان هذا كله خالصًا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يصح لأحد أن يؤمَّ جالسًا بعده، وأن حكم المصلى قاعدًا لعذر ألا يصلى وراءه من يطيق القيام قاعدًا، وهو مشهور (¬4) قول مالك وجماعة أصحابه (¬5)، وهذا أولى الأقاويل، لأنه - عليه السلام - لا يصح التقدم بين يديه فى الصلاة ولا غيرها، لا لعذر ولا لغيره، وقد نهى الله الذين آمنوا عن ذلك، ولا أن يكون أحدًا شافعًا له وقد قال: " أئمتكم شفعاؤكم " (¬6)، ولذلك قال أبو بكر: ما كان لابن أبى قحافة أن يتقدم ¬

_ (¬1) فى ت: عياض. (¬2) فى ت: ثنا. والذى جاءت به النسخ المطبوعة لصحيح مسلم تكنية حميد بن عبد الرحمن بأبى معاوية، والصواب هو أبو عوف المكى أو أبو على. راجع: نووى على مسلم 2/ 62، صحيح مسلم ت: محمد فؤاد عبد الباقى 2/ 313، وانظر: تهذيب الكمال 7/ 375. (¬3) راجع. تهذيب الكمال 7/ 375. (¬4) زيد بعدها فى ت: مذهب. (¬5) قال أبو عمر: والدليل على أن حديث هذا الباب منسوخ بما كان منه فى مرضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إجماع العلماء على أن حكم القيام فى الصلاة على الإيجاب لا على التخيير، ولما أجمعوا على أن القيام فى الصلاة لم يكن فرضه قط على التخيير وجب طلب الدليل على النسخ فى ذلك، وقد صحَّ أن صلاة أبى بكر والناس خلفه قيامًا وهو قاعدًا فى مرضه الذى توفى فيه متأخر من صلاته فى حين سقوطه عن فرسه، بان بذلك أنه ناسخ لذلك. التمهيد 6/ 141. (¬6) إتحاف السادة المتقين 3/ 175. ولا يكاد يثبت.

الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلَّى بِالنَّاسِ. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لَيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأ إِلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: " أَجْلِسَانِى إِلَى جَنْبِهِ "، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبٍ أَبِى بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى وَهُوْ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِى بَكْرٍ، وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: هَاتِ. فَعَرَضْتُ حَدِيثَهَا عَلَيْهِ فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِى كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: هُوَ عَلِىٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بين يدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وغيره إذا أصابه عذر قدم غيره ولم يكن لتقدمه مع نقص صلاته وهو يجد العوض وجه، لكن إمامة عبد الرحمن بن عوف له تعارض هذا. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال حين أراد تأخيره: " دعه " وصلاته خلفه ما أدرك، وقد يقال فى قصة عبد الرحمن: إنها مختصة عن هذا الأصل لبيان حكم القضاء بفعله - عليه السلام - لمن فاته من الصلاة شىء، وأن تقدم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا من باب الأولى لا من باب الواجب، [وفى حديث عبد الرحمن من باب الجائز] (¬1)، وفيه عظيم قدر أمر صلاة الجماعة وتأكيدها لتكلف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخروج إليها بتلك الحال. وقوله: " أجلسانى إلى جنبه " وإيمائه إلى أبى بكر ألا يتأخر استدل به من قال: إن أبى بكر كان الإمام، إذ لم يتقدمه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستدل من قال: إنه كان مأمومًا بما قاله مسلم عن الأسود (¬2) عن عائشة " فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن يسار أبى بكر "، وهذا مقعد الإمام لا مقعد المأموم. وحكى الداودى (¬3) عن ابن المسيب أن مقام المأموم من يسار الإمام لهذا الحديث، واستدلوا أيضًا بقولها فى الحديث " ويقتدى أبو بكر بصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقتدى الناس بصلاة أبى بكر " وبقولها: " فجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بالناس وأبو بكر يسمع الناس (¬4) " ومثله من الألفاظ التى ذكرها مسلم وغيره ىن عائشة، وقد روى عنها خلافه، وذكر الآخرون أن ذكر صلاته عن يسار أبى بكر لم يقله غير أبى معاوية عن الأعمش عن إبراهيم ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) ابن يزيد النخعى، مات سنة خمس وسبعين. رجال صحيح مسلم 1/ 80. (¬3) يغلب على الظن أنه ابن المغلس، الإمام العلامة فقيه العراق أبو الحسن عبد الله، ابن المحدِّث أحمد بن محمد المغلَّس البغدادى الداودى الظاهرى. وقد أخذ عنه أبو المفصِّل الشيبانى ونحوه، وعنه انتشر مذهب الظاهرية فى البلاد. مات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. سير 15/ 77، 78. (¬4) فى ت: التكبير.

91 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَأَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الأسود، وسائر رواة هذا الحديث ممن هو أحفظ من أبى معاوية من أصحاب الأعمش وأصحاب الزهرى وهشام لم يذكروا عن يساره، وقالوا: قد روى ابن إسحاق عن الزهرى هذا الحديث، وفيه: فصلى عن يمين أبى بكر. وقال المهلب: إن صححنا الروايتين فقد يحتمل أن جلوسه أولاً كان عن يساره كما قال فى رواية أبى معاوية: لأنه أقرب إلى خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيته من الجهة اليسرى من المسجد وأرفق به لمرضه. ثم يحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدار أبا بكر إلى يمينه كما فعل بابن (¬1) عباس، إما قبل إحرامه من أمامه أو بعده من خلفه، لا سيما ولم يذكر أبو معاوية غير جلوسه أول صلاته عن يساره، وابن شهاب قد بين فقال: " قد صلى يومئذٍ عن يمين أبى بكر "، فأخبر عن الصلاة كلها فى ظاهر قوله، فتجمع الروايتان على هذا ولا تطرح، إحداهما الأخرى قال: ومعنى قوله: " عندى يقتدى أبو بكر بصلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر كان الإمام ": مراعاته أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاته وما تيسر عليه لمرضه، ورغبة فى التخفيف عنه فى مقدار ركوعه وسجوده وقراءته، فإذا رآه أكمل قراءته ركع هو، وإذا رآه تهيأ للرفع أو السجود بادر إليه واتبعه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى فعله إذ كان إلى جنبه، ولا تخفى عليه أمور صلاته كل ذلك لئلا يشق عليه بتطويل القيام والركوع والسجود، وفيما قاله نظر لمتأمله، والله أعلم. وقال بعضهم: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استخلف أبا بكر على الصلاة مدة مرضه وصلى بالناس صلوات كثيرة وقد قال أنس فى البخارى: " إن أبا بكر كان يصلى بهم فى وجع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كان يوم الإثنين " (¬2)، وذكر الحديث. وقالت عائشة: " فصلى أبو بكر تلك الأيام " فهذا يدل على أنها لم تكن صلاة واحدة، قيل: صلى اثنى عشر يومًا، إلا أن يجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفة فى بعضها ويطيق الصلاة قائمًا، فيخرج فيصلى على ما جاء فى [بعض] (¬3) الروايات عن عائشة، وقد جاء فى حديث أنس فى الأم: أنه خرج عليهم آخر يوم [وأنه] (¬4) لم يصل معهم، وقال: " أتموا صلاتكم، ثم أرخى الستر " فهذا حديث آخر وخروج ثان غير حديث عائشة وقصتها، فلا يبعد أن يكون فى إحداهما إمامًا وفى بعضها مأمومًا، ليجمع بين الأحاديث الواردة فى ذلك، وإلا فالصحيح والأشهر والأكثر أنه كان هو الإمام، وهذا صحيح لأنه جاء فى هذا الحديث: أن أول صلاة صلاها أبو بكر بالناس العشاء الآخرة، وقد وقع من رواية مالك فى غير الموطأ عن ربيعة أن أبا بكر كان الإمام، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بصلاته، وقال: " ما مات نبى حتى يؤمّه رجل من أمته " (¬5). ¬

_ (¬1) فى الأصل: ابن، وهو خطأ. (¬2) ك الأذان، ب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬4) ساقطة من ق. (¬5) جاءت فى الأبى: ماهان نبى، وهو تصحيف، والحديث ذكره ابن عبد البر عن سحنون. التمهيد 6/ 144.

عُتْبَةَ؛ أَنَّ عائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالتْ: أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِى بَيْتِهَا، وَأَذِنَّ لَهُ. قَالَتْ: فَخَرَجَ وَيَدٌ لَهُ عَلَى الْفضْل بْنِ عَبَّاس، وَيَدٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ. وَهُوْ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ فِى الأَرْضِ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَتَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ هُوَ عَلِىٌّ. 92 - (...) حدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بِنْ عَبْدُ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِى بَيْتِى، فَأَذِنَّ لَهُ. فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِى الأَرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدِ اللهِ بِالَّذِى قَالَتْ عَائِشَةَ. فَقَالَ لِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَلِىٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذا الحديث حجة لمن ائتم فى الصلاة بمأموم على القول أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان الإمام، وفى المذهب عندنا فيه قولان: الصحة والفساد، على هذا أيضًا فيه جواز الائتمام فى صلاة واحدة بإمامين واحدًا بعد آخر وهو أصل فى الاستخلاف وجوازه، وحجة على داود والشافعى فى منعه ذلك (¬1) وعلى أن الصلاة لا تصح بإمامين لغير عذر، مذهب الجمهور وأجازها الطبرى والبخارى وبعض الشافعية، استدلالاً بهذا الحديث، وعندنا العذر فى هذا التقدم بين يدى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنهى عنه، وأن هذا خصوصًا له، وقد وقع لابن القاسم من أئمتنا فى إمام أحدث فاستخلف ثم انصرف، أنه يجوز للمستخلف أن يتأخر له ويتم الأول بهم الصلاة، كأنه أخذ بظاهر هذا الحديث وهو غير جار على أصولنا. وقوله: فى الحديث فى استئذانه - عليه السلام - أن يمرّض فى بيت عائشة، هذا منه - عليه السلام - على تطيب نفوسهن، وحكم الزوج إذا مرض معهن ولم يقدر على الدوران عليهن مختلف فيه، هل هو اختصاص كونه عند إحداهن على أختياره، أو هو حق لجميعهن فيقرع بينهن فى ذلك، ولم يكن القسم فى حقه - عليه السلام - واجبًا، لكن كان - عليه السلام - يلزمه نفسه لتطييب نفوسهن، وليحسن صحبتهن، وليقتدى به أمته قال الله تعالى: {تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} الآية (¬2). ¬

_ (¬1) هذا فى القديم، قال البيهقى: وقوله الجديد فى جواز الاستخلاف أصح القولين، معرفة السنن 4/ 197. (¬2) الأحزاب: 51.

93 - (...) حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شَعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى عُبِيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِى عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِى قَلْبِى أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَإِلَّا أَنِّى كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِى بَكْرٍ. 94 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - واللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَ عَبْدُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَأَخْبَرَنِى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِى، قَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ اللهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبِى بَكْرٍ! قَالَتْ: وَاللهِ، مَا بِى إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَوَّلَ مَنْ يَقُومُ فِى مَقَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: " لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُف ". 95 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَد، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَا ثَقُل رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ. فَقَالَ: " مُرُو أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسَيفُ، وإِنَّهُ مَتَى يَقُم مَقَامَكَ لَا يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " قَالتْ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِى لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وإِنّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَتْ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعه "، وقوله فى الحديث الآخر: " لا يستطيع يسمع الناس من البكاء ": دليل على أن البكاء فى الصلاة جائز فيها وغير مفسد لها، وقد قال الله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (¬1). ¬

_ (¬1) مريم: 58.

صَواحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصِلِّ بِالنَّاسِ " قَالَتْ: فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلّى بِالنَّاسِ. قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ فِى الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِى الأَرْضِ، قَالتْ: فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسَجِدَ سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ، ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ مَكَانَكَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِى بَكْرٍ. قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ قَائمًا، يَقْتَدِى أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقْتَدِى النَّاسُ بِصَلَاة أَبِى بَكْرٍ. 96 - (...) حدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الحَارِثِ التَّمِيِمِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عِنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفى حَدِيثِهِمَا: لَمَّا مَرِضَ رَسُولٌ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيه. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ: فَأُتِى بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُجْلِسَ إِلَى جَنْبِهِ، وَكَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمُ التَّكْبِير. وَفِى حَدِيثِ عِيسَى: فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ. 97 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَأَلْفَاظُهم مُتَقَارِبةٌ - قَال: حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ فِى مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّى بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَىْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رسُولُ اللهِ حِذَاءَ أَبِى بَكْرِ إِلى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أَبِى بَكْرٍ. 98 - (419) حدّثنى عُمْرٌو النَّاقِدُ وحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنِ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى - وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - وَحَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بن مَالِكٍ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّى لَهُمْ فِى وَجَعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الإِثْنَيْنِ، وَهُمْ صُفُوفٌ فِى الصَّلَاةِ،

كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ. ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا. قَالَ: فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِى الصَّلَاةِ، مِنْ فَرَحِ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ للصَّلَاةِ، فَأشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْخَى السِّتْرَ. قَالَ: فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. 99 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُها إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، بِهَذَهِ الْقِصَّةِ. وَحَدِيثُ صَالِحٍ أَتَمُّ وَأَشْبَعُ. (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الإثْنيْنِ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا. 100 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَهَارُونُ بْنُ عَبد اللهِ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ، فَرَفَعَهُ، فَلَمَّا وَضَحَ لَنَا وَجْهُ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظرًا قَطُّ كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كأن وجهه ورقة مصحف " عبارة عن الجمال وحسن البشرة وماء الوجه كما قال فى الحديث الآخر: " كان وجهه مذهبة " (¬1). وقوله: " فلما وضح لنا وجهه ": أى ظهر، يقال: وضح الشىء إذا بان، وأوضحته أبنته، فوضح، ومنه: الوضح (¬2) للصبح لبيانه. وقوله: " فهممنا نفتتن " (¬3): أى نذهل عن صلاتنا من الفرح لما ظهر من استقلاله وبُرْهِ لهم وخروجه للصلاة، فنتكلم أو نقطعها ونلقاه، ونحو هذا مما يفسد الصلاة كما قال: " لقد أصابنى فى مالى فتنة " حين شغله النظر إليه عن صلاته حتى سها فيها. وذهب ¬

_ (¬1) التشبيه بالشىء إنما يكون فيما اختص به ذلك الشىء، فالتشبيه بالقمر إنما هو فى النور والإضاءة، وبالغزال إنما هو فى الجيد، وببقرة الوحش إنما هو فى العين، والتشبيه بورقة المصحف من هذا القبيل رقة الجلد وصفائه من الدم لشدة المرض. ذكره الأبى والسنوسى 2/ 175. (¬2) فى ت: وضح. (¬3) لفظ المطبوعة: فبُهتنا.

حِينَ وَضَحَ لَنَا. قَالَ: فَأَوْمَأَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِى بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. 101 - (420) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائدَة، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ مَرَضَهُ. فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ". فَقَالتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لا يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ: " مُرِى أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ". قَالَ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ حَيَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم (¬1) أن قوله: " فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنه فرح بما رأى من اجتماعهم فى مغيبه على إمامهم وإقامتهم شريعتهم، وأنه لذلك استنار وجهه سرورًا على عادته، وقيل (¬2): إن خروجه هذا وقيامه عليهم إنما كان ليطلع على ذلك إذ لم يصل بهم، وقال: " أتموا صلاتكم "، والأظهر أنه - عليه السلام - تبسم وضحك لهم تأنيسًا وحسن عشرة، على عادته، وليريهم تماثل حاله الظاهرة يومئذ لجميعهم، وقد يحتمل أن خروجه لهم كان ليصلى معهم (¬3) كما فعل فى الحديث الآخر فرأى من نفسه ضعفة عن ذلك، والله أعلم. وقوله: " وأرخى الحجاب "، " وقال بالحجاب فرفعه " هو مثل قوله فى الرواية الأخرى: " الستر والستارة ". ¬

_ (¬1) قيد بعدها فى ت: إلى. (¬2) فى الأصل: وقال. (¬3) فى الأصل: لهم، والمثبت هو الصواب من ت وق.

(22) باب تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم

(22) باب تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم 102 - (421) حدّثنى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ليُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّى بِالنَّاسِ فَأُقِيم؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِى الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِى الصَّفِّ، فَصفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لا يَلْتَفِتُ فِى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ امْكُثُ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَديْهِ، فَحَمِدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أَمرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِى الصَّفِّ، وَتقَدَّمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى الحديث الآخر: " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم ": وفيه: نظر الإمام فى الصلح بين المسلمين، وخروجه بنفسه فى ذلك عند إشكال أمرٍ أو تفاقم فساد، والعمل بمبادرة الصلاة لأول وقتها، كما فعلوه فى غير موطن، ولم ينتظروه - عليه السلام - لغلبة ظنهم أنه يصلى فى بنى عمرو، وفيه: تقديم الصحابة لأبى بكر، وكونه أفضلهم وأعلمهم، وفيه: سنة اتصال الإقامة بالصلاة، وكونها من وظائفها، لقول بلال: " أتصلي فأقيم "، وفيه: أن بلال كان المؤذن والمقيم، وعلى هذا - أيضًا - دليل أحاديث أخر. ولا خلاف فى [أن] (¬1) من أذن فله أن يقيم، وإنما اختلف فى أذان رجل وإقامة آخر. فأجازه جل العلماء، وجاء فى الحديث: " أن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم " (¬2) وله قال الثورى وأحمد، وفيه: خرق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصفوف حين أتى وتخلص حتى وقف فى الصف، فإن مثل هذا جائز للإمام إذا احتاج إليه لخروجه للرعاف ورجوعه، ومن اضطر إليه من المأمومين عند الخروج لعذر وعند الدخول إذا ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش، وزيد بعدها فى ت: بهم. (¬2) أبو داود فى الصلاة، ب فى الرجل يؤذن ويقيم آخر، الترمذى كذلك، ب ما جاء أن من أذن فهو يقيم، وقال: وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقى، والإفريقى هو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقى، لكن قوى أمره محمد بن إسماعيل البخارى، فقال: هو مقارب الحديث. وكذا أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه، ك الأذان والإقامة، ب فى الرجل يؤذن ويقيم غيره 1/ 216.

مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُت إِذْ أَمَرْتُكَ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لابْنِ أَبِى قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّىَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَالِى رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ نَابَهُ شَىْءٌ فِى صَلَاتِهِ فَلْيُسبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ للِنِّسَاءِ ". 103 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى حَازِمٍ - وَقَالَ قُتيْبَةُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىُّ - كِلَاهُمَا عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَفِى حَدِيثِهِمَا: فَرفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ، حَتَّى قَامَ فِى الصَّفِّ. 104 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ؛ قَالَ: ذَهَبَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِم. وَزَادَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَقَ الصُّفُوفَ، حَتَّى قَامَ عِنْدَ الصَفِّ الْمُقَدَّمِ. وَفِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ الْقَهْقَرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ رأى (¬1) فرجة [أمامه] (¬2)، أو كان ممن يستخلفه الإمام أو من ذوى الأحلام والنهى الذين يصلون خلفه ويلونه، وفيه وفى الأحاديث قبله حجة أن الإمام سترة لمن خلفه، ولخروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأحاديث المتقدمة فى مرضه مع حامليه أمام الناس راجلاً سهم له إلى جانب أبى بكر، وفى جميعها جواز الإشارة فى الصلاة والالتفات والعمل اليسير، لا سيما ما يختص بالصلاة، كالتفات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى من خلفه، والتفات أبى بكر حين صُفِحَ له، وقد تقدم هذا، وفيها مما يختص به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون غيره تأخير الإمام وتقديم آخر مكانه لغير عذر، وتأخر أبى بكر عن الإمامة فى حقه - عليه السلام - كالعذر الطارئ، ألا ترى قوله: " ما كان لابن أبى قحافة أن يتقدم بين يدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وإقرار النبى أولاً له فيه دليل على [جواز] (¬3) تقدم المفضول بالفاضل، ودليل على جواز تقدمه، بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإذنه وإقراره كما فعل عبد الرحمن بن عوف فى الحديث المتقدم، على أن بعضهم قد قال يحتمل أن يكون إشارته له أن يمكث مأمومًا فى مكانه ويتقدمه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمامًا، ولو أن إمامًا خرج عن إمامته لغير عذر أفسد على نفسه وعلى من وراءه على رأى بعض شيوخنا، ورأى ذلك مختصًا بالنبى - عليه السلام - ويصح على قول غيره اقتداء بفعل أبى بكر مع النبى - عليه السلام - واستدل به بعض الشافعية على جواز سبق المأموم إمامه، ورفع أبى ¬

_ (¬1) فى ت: وجد. (¬2) و (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

105 - (274) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ وَحَسَنُ بْنُ عَلىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ أَخبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الغَائِطِ، فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَىَّ أَخَذْتُ أُهِريقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِى الجُبَّةِ، حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الجُبَّةِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ تَوَضأَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ. قَالَ الْمُغِيرةُ: فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أقْبَلَ عَلَيهِمْ ثُمَّ قَالَ: " أَحْسَنْتُمْ "، أَوْ قَالَ: " قَدْ أَصَبْتُمْ " يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَالحُلْوَانِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سعْدٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، نَحْوَ حَدِيثِ عَبَّادٍ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَأرَدْتُ تَأخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر يديه حامدًا الله إذ رآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلاً لأن يؤمه، فيه (¬1): رفع اليدين عند حمد الله وذلك للرّهب والتواضع، قيل (¬2): وفيه جواز رفع اليدين عند الدعاء فى الصلاة، وقد روى إجازته عن مالك فى الدعاء ورويت عنه كراهته أيضًا. ¬

_ (¬1) فى جميع النسخ: وفيه، وما أثبتناه هو الموافق للسياق. (¬2) فى ت: قال.

(23) باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شىء فى الصلاة

(23) باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شىء فى الصلاة 106 - (422) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعْمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُمَا سَمعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله عليه السلام: " إنما التصفيق للنساء " وروى: " التصفيح "، قال الإمام: قيل: [معناه: أنه] (¬1) أراد ذم التصفيق فى الصلاة؛ لأنه من فعل النساء فى [غيرها] (¬2)، وقيل: [بل] (¬3) معناه: تخصيص النساء بالتصفيق فى ذلك (¬4) فى الصلاة، وأن ذلك مما يجوز لهن لا لكم. قال القاضى: القول الأول هو مشهور مذهب مالك، ويروى أن قوله: " من نابه شىء فى صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التُفِتَ إليه " ناسخ لفعلهم أو نهى عنه، وهذا عام فى الرجال والنساء، وبالقول الثانى قال الشافعى والأوزاعى (¬5) فى جماعة، وحكى عن مالك - أيضًا - اتباعًا لظاهر الحديث، وقوله فى الحديث الآخر: " فليسبح الرجال وليصفق النساء " (¬6) ولا خلاف أن سنة الرجال التسبيح، وعللوا اختصاص النساء بالتصفيق لأن أصواتهن عورة (¬7)، كما منعهن من الأذان ومن الجهر بالإقامة والقراءة، وقد يحتجون بحديث أبى هريرة الذى ذكره مسلم فى الباب " التسبيح للرجال والتصفيق للنساء "، وفيه حجة للفتح على الإمام بالقرآن إذا تعايا (¬8)؛ لأنه إذا جوز له التسبيح عند السهو [والغفلة] (¬9) والتنبيه بذكر الله فتنبيهه بالقرآن لسهوه فيه أولى، وهو قول مالك والشافعى وكافة العلماء، خلافًا لأبى حنيفة فى منع ذلك، ولأصحابه فيها قولان. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) فى ع: غير الصلاة. (¬3) من ت. (¬4) فى ق: بل، وهو خطأ. (¬5) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعى إمام الشام فى الفقه، توفى سنة ثمان وخمسين ومائة. تهذيب التهذيب 6/ 238، شذرات الذهب 1/ 241. (¬6) الذى فى المطبوعة: " التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ". (¬7) ليس لهذا القول دليل ناهض. (¬8) قال الأبى: روى ابن حبيب أن الفتح إنما يكون إذا انتظره الإمام، أو خلط آية رحمة بآية عذاب أو إيمان بكفر، فإن لم يفتح عليه حذف تلك الآية، فإن تعذر ركع. ولابن القاسم فى القارئ يلقن فلا يتلقن يخير بين أن يركع أو يبتدئ سورة أخرى 2/ 177. (¬9) من ت.

زَادَ حَرْمَلَةُ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسَبِّحُونَ وَيُشِيرُونَ. 107 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْن يُونُسَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى " التصفيح " فى رواية من رواه بمعنى " التصفيق "، قاله أبو على البغدادى، وصفته [هنا] (¬1) بالحاء الضرب بأصبعين من اليد اليمنى فى باطن الكف اليسرى وهو صفحها، وصفح كل شىء جانبه، وصفحتا السيف جانباه. وقيل: التصفيح: الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى، والتصفيق: الضرب بباطن إحداهما على باطن الأخرى، قال الداودى: ويحتمل أن يكونوا ضربوا بأكفهم على أفخاذهم، قال غيره: التصفيح بأصبعين للإنذار والتنبيه، وبالقاف بالجميع للهو واللعب. وقد يحتج الداودى بتأويله بما جاء فى حديث معاوية بن الحكم (¬2) بعد هذا: " فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكتوه " وقد جاء فى الحديث مفسرًا. [وقوله] (¬3): " كانوا يصيحون يسبحون ويشيرون ": هذا حكم التنبيه لإصلاح الصلاة بالإشارة إذا رآه الإمام، وبالتسبيح إذا لم يمكنه تنبيهه بالإشارة أو بَعُدَ منه. وقوله: فى أبى بكر: " ورجع القهقرى ورآه حتى قام فى الصف " مثل قوله فى الحديث الآخر: " نكص على عقبية ليصل الصف " ومثل قوله فى الرواية الأخرى، وكله الرجوع إلى خلف، هذا حكم من رجع فى الصلاة لشىء أن يكون كذلك، ووجهه إلى القبلة، لا يستدبرها ولا يشرق ولا يغرب، وهذه هى صفة القهقرى والنكوص على العقب، على أن حديث أنس محتمل أن يكون أبو بكر لم يحرم بَعْدُ، بدليل قوله: " فذهب أبو بكر ليتقدم فقال نبى الله بالحجاب ". وقوله: " فأومأ إلى أبى بكر ليتقدم " وقد قيل: يحتمل قوله أن يتقدم إلى مكانه الذى تأخر عنه، وفى رواية الزهرى فى هذا الحديث: " وهم صفوف فى الصلاة " فظاهره أنهم قد دخلوا فيها مع قوله: " فأشار إليهم أن أتموا صلاتكم "، فهذا أيضًا يدل أنهم قد كانوا عقدوا الإحرام، ولكن قيل: يحتمل أن معنى فى " الصلاة ": للصلاة، ويكون قوله: " أتمو صلاتكم ": أى على ما نويتموها من الائتمام بأبى بكر. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) السلمى، له صحبة، يعد من أهل الحجاز. وسيأتى قريباً إن شاء الله. (¬3) من ت.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنكن لأنتن صواحب يوسف ": يعنى فى التظاهر على ما يردن، وكثرة تردادهن بالإغراء، وإلحاحهن على حاجاتهن وما يملْنَ إليه، كتظاهر امرأة العزيز ونسائها على يوسف ليصرفنه عن رأيه فى الاستعصام. وفيه جواز مراجعة الإمام فى الأمر يأمر به أولاً على غير المناقضة، بل باللطف وحسن القول وإظهار الحجة لخلافه، إذا كان لغرض صحيح، كما فعلت عائشة وحفصة واعتذارهن بأن أبا بكر أسيف، وفيه أن التوبيخ من الإمام أو العقوبة إنما تكون لمن رأى خلافه فى هذا إنما تكون إذا كرّر عليه ذلك لأول مرة، إذ ظاهره فى أول مرة نصيحة وفى الثانية بعد التذكار مكابرة، كما أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما شدد لها فى القول بعد التكرار وبعد أن سمع قولها وحجتها فلم يلتفت إليها، فلم يكن بعدُ لتكرار الكلام عليه معنى، فلما أعاد عليه القول قال: " إنكن صواحب يوسف "، وهذا ما لم يكن أمرًا لازمًا من تنبيهه على غلط أو خطأ، فإن ذلك لازم تكراره حتى ينتبه له كما كان فى حديث ذى اليدين (¬1)، وقوله بعدُ: " قد كان ذلك برسول الله " (¬2) وفيه جواز التعريض بالأمر والملاطفة فيه بحجة صحيحة لغرض آخر كفعل عائشة باحتجاجها [بأنه أسيف وقد بينت غرضها فى الحديث [الآخر] (¬3) إنما كان لئلا يتشائم به الناس] (¬4) لقيامه مقام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مرضه، وقد جاء فيها أيضًا: أنها فهمت منه التنبيه على الخلافة، قالت: " فظننت أن أبى لا يستطيع القيام بأمر الناس " (¬5). وفى الحديث الثانى (¬6) من الفقه: أنه لا يتقدم أحد بجماعة إِلا برضى منهم لقول أبى بكر: " إن شئتم " فى بعض الروايات، وفى بعض روايات الحديث: " إن شئت " قال بعضهم: قاله لبلال؛ لأنه المؤذن، وحافظ الوقت، وداعى النبى - عليه السلام - له [فصار كالمستخلف له، وفيه قول بلال يا أبا بكر، وهو معتقه، وفيه ما كان عليه السلف من التواضع] (¬7)، وفيه جواز صلاة أحد المأمومين بجانب الإمام أو متميزًا عنه لعلّةِ كما كان أبو بكر، إن قلنا إن النبى - عليه السلام - الإمام ليسمع الناس صوت النبى - عليه السلام - ويؤدى عنه ما خفى عليهم من حركات صلاته للضعف الذى أصابه. وفى هذه الأحاديث صحة ما يبتلى به الأنبياء من مصايب الدنيا من السقوط والجراح والمرض، ليعظم بذلك أجرهم، ثم الموت، وأن ذلك غير قادح فى رتبتهم، بل زيادة فى بيان أمرهم، وكونهم بشرًا رسلاً من الله، إذ لو لم يصبهم ما يصيب البشر ما ظهر ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى ك المساجد ومواضع الصلاة، ب السهو فى الصلاة والسجود له. (¬2) لعلها وردت فى بعض روايات الحديث. (¬3) من ت. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬5) غير مذكورة فى نسخ الصحيح التى بين أيدينا. (¬6) فى ت: الآخر. (¬7) سقط من ت.

أَبى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ، وزَادَ: " فِى الصَّلَاةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ على أيديهم من خوارق العادات، [و] (¬1) لضل بهم كثير من الناس كما ضلت النصارى بعيسى. وحديث المغيرة فى صلاة عبد الرحمن بن عوف تقدم الكلام عليه فى كتاب الوضوء. وقوله [فيه] (¬2): " أحسنتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها "، وفيه وفى نفس الحديث وتقديم الصحابة لعبد الرحمن ما تقدم فى حديث أبى بكر من فضل المبادرة للصلاة أول الوقت، وأنه أفضل أوقاتها، وأنه لا ينتظر فى ذلك الوقت الإمام إذا عرف تغيبه، وبعده، أو عذره، وهذا مثل قوله فى مرضه: " أصلى الناس "، وفيه فضل عبد الرحمن ابن عوف، وتقديم الصحابة له لإمامتهم، لا سيما وحيث يظن أنه يصلى فى الموضع الذى هو فيه، وقول المغيرة: " فأردت تأخير عبد الرحمن فقال لى: دعه " دليل على (¬3) جواز إمامة المفضول بالفاضل، ولعل ترك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا لعبد الرحمن ليستن لهم سنة العمل فيمن فاته شىء من صلاة الإمام كما فعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان قبل بينها لهم بقوله فلعلّهُ هنا أراد بيانها بفعله. وفى قوله: " أحسنتم " تأنيس لهم لما رأى من فزعهم للصلاة عنه. ¬

_ (¬1) يقتضيها السياق. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) زيد بعدها فى ت: أن.

(24) باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها

(24) باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها 108 - (423) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ - يَعْنِى ابْنَ كَثِيرٍ - حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: " يَا فُلَانُ، أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّى إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّى؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّى لِنَفْسِهِ، إِنِّى وَاللهِ لأُبْصر مِنْ وَرَائى كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنَ يَدَىَّ ". 109 - (424) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِى هَهُنَا؟ فَوَاللهِ، مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما يخفى [علىَّ] (¬1) ركوعكم ولا سجودكم إنى لأراكم من وراء ظهرى " وقوله: " إنى لأبصر من ورائى كما أبصر من بين يدى "، قال الإمام: قال بعض المتكلمين: يمكن أن يكون [البارى تعالى خلق له] (¬2) إدراكًا فى قفاه أبصر به من وراءه، وقد انخرقت العادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بأكثر من هذا] (¬3) فلا يستنكر هذا، وإنما تنكر هذا المعتزلة لأنها تشترط فى خلق الإدراك بينة مخصوصة، والرد عليهم مستقصى فى كتب الكلام (¬4). قال القاضى: اشتراط هذا من المتكلمين أن يكون الإدراك فى قفاه ارتباطًا بذلك المذهب الاعتزالى (¬5) الذى أنكره، لأن فى ضمنه اشتراط المقابلة للمرئى ونحن لا نشترطه، وقد تقدم من هذا فى كتاب الإيمان والقدر، وقد قالت عائشة فى هذا: " زيادة زادها الله إياها فى [محبته] (¬6) " وقال بقى بن مخلد (¬7): كان - عليه السلام - يرى فى الظلمة كما يرى ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) فى ع: خلق له البارى جلت قدرته. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬4) عند أهل السنة: الإدراك معنى يخلقه الله عز وجل عند فتح العين، والعين - وهى البينة - والمقابلة شروط عادية يجوز أن تنخرق. الأبى 2/ 178. (¬5) يعنى بذلك أن قائل هذا هرب من الاعتزال فى شرط البينة فوقع فيه لاقتضائه شرط المقابلة. (¬6) ليست فى المطبوعة من صحيح مسلم، وجاءت عند الأبى (حجته) وليست بشىء 1/ 179. (¬7) الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبد الرحمن، الأندلسى القرطبى، قال فيه الذهبى: صاحب " التفسير والمسند " اللذين لا نظير لهما، وعنى بالرواية عناية لا مزيد عليها، وأدخل جزيرة الأندلس علمًا جمًا، وبه وبمحمد بن وضاح صارت تلك الناحية دار حديث، وكان من كبار المجاهدين فى سبيل الله، يقال: إنه شهد سبعين غزوة. مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين. سير 13/ 285.

يَخْفَى عَلَىَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا سُجُودُكُمْ، إِنِّى لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِى ". 110 - (425) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللهِ، إِنِّى لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِى - وَرُبَّمَا قَالَ: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِى - إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ ". 111 - (...) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمَسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِى ابْنَ هِشَامِ - حَدَّثَنِى أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. فَوَاللهِ، إِنِّى لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِى، إِذَا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ ". وَفِى حَدِيثِ سَعِيدٍ: " إِذَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا سَجَدْتُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الضوء، وذهب أحمد بن حنبل وجمهور العلماء: أن هذه رؤية عين حقيقية، قال بعضهم: خاصية له - عليه السلام - وذهب بعضهم بردها إلى العلم، وتظاهر الظواهر يخالفه ولا يحيله عقل على مذاهب أهل الحق فى الرؤية. وقال الداودى: قوله: " أراكم ": أى أخبركم أو أقتدى بما أرى على ما وراء ظهرى، قال: وقوله فى الرواية الأخرى: " من بعدى " يحتمل أن يريد من بعد وفاته، وهذا بعيد من سياق الحديث وقد قال بعضهم: معناه: أنه كان يلتفت التفاتًا يسيرًا لا يلوى فيه عنقه، وهذا قد أنكره أحمد بن حنبل على قائله، ولا يحتاج إلى هذا كله مع ما قدمناه فى خواصه وآياته - عليه السلام - ولا يعطيه ظاهر اللفظ، وقد قيل: معنى هذا فى قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ} (¬1) قال مجاهد: كان - عليه السلام - يرى من خلفه كما يرى من بين يديه. وفيه حجة لمن لا يوجب الطمأنينة؛ لأن النبى - عليه السلام - أنكر عليهم ترك إقامة ركوعهم وسجودهم ولم يأمرهم بالإعادة، وقد يحتمل أن إنكاره إنما كان لترك اعتدال الظهر فى الركوع وتجافيه فى السجود، ونحو هذا من سنن ذلك وهيئاته وفضائله، لا فى فرائضه، فلذلك لم يأمرهم بإعادة، بدليل قوله فيه: " ألا تحسن صلاتك "، وقد فسر الإحسان فى حديث جبريل بقوله: " أن تعبد الله كأنك تراه " (¬2). وقوله: " قائمًا يصلى لنفسه " (¬3) كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} (¬4). ¬

_ (¬1) الشعراء: 219. (¬2) أحمد فى المسند 1/ 51، أبو داود ك السنة، ب فى القدر، الترمذى ك الإيمان، ب ما جاء فى وصف جبريل للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان والإسلام، ابن ماجه فى المقدمة، ب فى الإيمان. (¬3) لعلها من رواية أخرى للحديث. (¬4) فصلت: 46، الجاثية: 15.

(25) باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما

(25) باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما 112 - (426) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: أَخَبَرَنَا. وقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ - عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّى إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِى بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالانْصِرَافِ، فَإِنِّى أَرَاكُمْ أَمَامِى وَمِنْ خَلْفِى "، ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كثِيرًا ". قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ". 113 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيِرٌ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، جَمِيعًا عَنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إنى إمامكم فلا تسبقونى بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف ": نهى عن مسابقة المأموم إمامه، وأن حقيقة الإمامة التقدم والسبق، وأن يكون متَّبَعًا والمأموم متِبع له فى جميع الصلاة. وفى هذا الحديث وغيره من الأحاديث [مثله] (¬1) تغليظ شديد على المأموم فى مسابقة إمامه، ولا خلاف أن اتباعه من سنن الصلاة، وقد تقدم الاختلاف فى الاختيار فى كيفية الاتباع. ثم اعلم أن الصلاة على قسمين: أفعال وأقوال، وكل قسم على قسمين: فقسم الأفعال ينقسم إلى المقصود فى نفسه كالقيام والقعود والركوع والسجود، وكالشروع للفصل لغيره كرفع الرأس من الركوع والجلوس بين السجدتين، فأما المراد لنفسه فإذا اتفقت فيه السابقة فى ابتدائه وانتهائه حتى لم توافق الإمام فيه بمقدار أقل مما يجزئ من ذلك، مثل أن يركع أو يسجد قبله ويرفع قبل ركوع الإمام أو سجوده، فهذا لا يجزئه، ويرجع فيركع أو يسجد معه إن أدركه، أو بعضه إن لم يدركه ويجزئه السجود قولاً واحدًا وفى إجزاء الركوع إن كاد غافلاً [فى فعله] (¬2) أو مزاحمًا ونحوه فى فعله خلاف لمالك ثلاثة أقوال: أحدها: اتباعه فى أية ركعة كانت، الثانى: منع اتباعه وإلغاء تلك الركعة أية ركعة كانت، ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) من ق.

وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ جَرير: " وَلَا بِالانْصِرَافِ ". 114 - (427) حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا يَخْشَى الَّذِى يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأسَ حِمَارٍ؟ ". 115 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَأمَنُ الَّذِى يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِى صلَاتِهِ قَبْلَ الإِمَامِ، أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ صُورَتَهُ فِى صُورَةِ حِمَارٍ ". 116 - (...) حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِىُّ وَعَبْدُ الرَحْمَنِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ، جَمِيعًا عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمةَ، كُلُّهُمْ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: إن كان فاته هذا وقد [عقد] (¬1) معه ركعة اتبعه فيما بعد وإن لم يعقد فلا يتبعه ثم إلى متى يتبعه؟ اختلف قوله، هل ذلك ما لم يرفع الإمام رأسه من سجوده [هذه] (¬2) الركعة أو حتى يركع الثانية، أو حتى يرفع منها. وإن كان هذا فى سبقه متعمدًا لفعله ولم يوافق الإمام فى فعله وركع ورفع قبل ركوع الإمام - فهذا مفسد لصلاته وهو قول الحسين بن حىّ (¬3)، وقال غيره: لا يفسدها لأنه جاء بفرضه واتباعه للإمام سنة (¬4)، وأما إن سابق الإمام بالركوع أو السجود والرفع منهما فركع قبل ركوع الإمام ورفع قبل رفعه - فمتى توافق مع الإمام فيما يجزئ من ركوع أو سجود أجزأه لأنه صار مؤتمًا به فى هذا الركن وقد أثبتنا فى المسابقة والمخالفة وأثم، وإن كان موافقته فى ذلك حين رفع هو من الركوع وانحطاط الإمام له فى هيئةٍ لو اقتصر فيها على الركوع لإجزائها لاحتمل أن يقال: ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بهامش ت. (¬2) فى ت: تلك. (¬3) ذكره ونقل عنه ابن عبد البر فى الاستذكار بالحسن فقال: وقال الحسن بن حى: لا ينبغى لأحد صلى مع الإمام أن يسبق الإمام فى ركوع ولا سجود، فإن فعل فأدركه الإمام راكعًا أو ساجدًا ثم رفع الإمام ورفع برفعه من الركوع والسجود ووافقه فى ذلك أجزأه، وإن ركع أو سجد قبل الإمام ثم رفع من ركوعه أو سجوده قبل أن يركع الإمام أو يسجد لم يعتد بذلك ولم يجزه. وذكره الأبى وقيده بابن جنى، ولم أقف عليه. راجع: الاستذكار 4/ 307. (¬4) قالوا: لأنَّه لو شاء أن ينفرد قبل إمامة الصلاة كلها أجزأت عنه وبئس ما فعل فى تركه الجماعة. السابق.

مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بهذَا. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ: " أَنْ يَجعَلَ اللهُ وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إن ذلك لا يجزئ لأنه ليس مؤتمًا به ولعدم الطمأنينة، وقد يقال على طرح اشتراط فرض الطمأنينة أن يجزئ لموافقتهما فى ذلك الفعل. واختلف العلماء إذا تنبه للسابقة وهو راكع أو ساجد مع الإمام هل يرفع ثم يركع أو يسجد حتى يكون ركوعه وسجوده بعده أم لا ويثبت معه؟ وقول مالك والشافعى يثبت ويجزئه وقد أساء، قال سفيان: يرفع ثم يسجد أو يركع، وقال ابن مسعود: يعود فيمكث بقدر ما رفع ثم يتبع إمامه، يعنى يرجع إلى الإمام إن لم يكن رفع، ويمكث بعده بقدر ما رفع قبله وفعله سحنون، حكاه ابنه عنه وإنما الأفعال المراد بها الفصل بين الأركان، وإذا سبق المأموم الإمام بها فرفع رأسه من ركوعه أو سجوده وأمكنه الرجوع إلى الركوع أو السجود مع الإمام حتى يتبعه فى بقية الركن (¬1) ثم يرفع بعده [فعل] (¬2)، وبهذا قال مالك وعامة العلماء، وإن فاته ذلك ولم يتنبه حتى رفع الإمام بعده أجزأه رفعه ولا يلزمه إعادة الرفع ولو لم يوافق فيه الإمام، مثل أن يرفع ثم يسجد قبل رفع الإمام ولم يتنبه حتى يسجد الإمام، فلا يفسد ذلك صلاته، بخلاف غير ذلك من الأركان، وقد قيل: إنه يرجع إلى السجود الذى رفع منه قبل الإمام، وإن كان قد رفع الإمام حتى يسجد مقدار ما خالفه فيه، وقاله ابن المسيب، وسحنون، واختاره بعض شيوخنا وقال: إنه اتبع الحديث. وأما الأقوال فهى قسمان: فرائض وسواها، فالفرائض الإحرام والسلام، وقد تقدم فى حكم اتباع الإمام فيها وكونها، بعد قوله، والخلاف فى عملها معه وما عداها فسنّة قولُه بعد قوله ويجزئ فعلهما معه ويكره قبله ولا تفسد بذلك الصلاة، وحكى أصحاب الخلاف عن ابن عمر وأهل الظاهر: أن صلاة من سابق (¬3) الإمام وسابقه فاسدة، ونهيهم عن سبقه بالانصراف يحتج به للحسن فى قوله: إنه لا ينصرف الناس حتى يقوم الإمام، وعن الزهرى مثله، وجماعة الناس على خلافهما؛ لأن الاقتداء بالإمام قد تم بتمام الصلاة، ويكون هذا خصًا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه كان يكلم الناس فى الأمور بإثر الصلاة لاجتماعهم فيها، فيكون إمساكهم فيها حتى ينصرف كما منعوا من الذهاب عنه إذا كانوا معه على أمر جامع حتى يستأذنوه، والجمع للصلاة من ذلك، ولأنه خص النهى لما سبقته خاصة فى ذلك دون غيره. ¬

_ (¬1) فى ت: الركوع. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) فى ت: خالف.

(26) باب النهى عن رفع البصر إلى السماء فى الصلاة

(26) باب النهى عن رفع البصر إلى السماء فى الصلاة 117 - (428) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيَنْتَهِينَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِى الصَّلَاةِ، أَوْ لا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ ". 118 - (429) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثنِى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى الحديث النهى عن رفع البصر إلى السماء فى الدعاء فى الصلاة والوعيد فى ذلك، وهذا بخلاف الدعاء فى غير الصلاة؛ لأن حكم الصلاة استقبال القبلة والانتصاب إليها وترك الالتفات والنظر إلى جهة، وفى رفع البصر إلى السماء إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة، وقد حكى بعض العلماء الإجماع على النهى عن ذلك فى الصلاة [وقد حكى الطبرى كراهة رفع البصر فى الدعاء إلى السماء] (¬1) فى غير الصلاة، وحكى عن شريح (¬2) أنه قال لمن رآه فعله: اكفف يديك، واخفض بصرك، فإنك لن تراه ولن تناله، وقال غيره ممن أجازه - وهم الأكثرون -: إن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، فلا ينكر رفع [الأبصار والأيدى] (¬3)، إلى جهتها، قال الله تعالى: {وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدونَ} (¬4). وقوله: " أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار " وفى الرواية الأخرى: " وجهه " وفى الأخرى: " صورته " (¬5) وكل بمعنى؛ لأن الوجه فى الرأس ومعظم الصورة فى الوجه، فيه وعيدٌ وتحذير من أخذ الله تعالى له ومسخه إياه، وقلبه صورته بصورة الحمار الذى هو غاية فى البلادة، وإليه تنتهى ضرب المثل فى الجهل والبلادة، وهذا لما عكس حكم الصلاة ومعنى الإمامة والتقديم والاقتداء، وصير نفسه بذاته إمامًا جاء بغاية المناقضة والمضادة التى لا يفعلها إِلا المنتهى فى الجهالة كالحمار، فيخشى أن الله يقلبه فى الصورة التى اتصف بمعناها. ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) شريح بن الحارث بن قيس الكوفى القاضى، ولى القضاء فى عهد عمر. روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وعن عمر، وعلى، وابن مسعود، وعنه الشعبى وابن سيرين، ومجاهد، وغيرهم. مات سنة ثمان وسبعين. تهذيب التهذيب 4/ 326. (¬3) فى ت: الأيدى والأبصار. (¬4) الذاريات: 22. (¬5) سبق بالباب السابق برقم (115).

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ، عِنْدَ الدُّعَاءِ فِى الصَّلَاةِ، إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله فى الحديث الآخر: " فإنما ناصيته بيد شيطان " فبين المعنى فى أن الذى يحمله على ما يفعله ويصرفه [إنما هو] (¬1) الشيطان؛ بإغوائه ونزغه وتزيين ذلك له لجهله، وكالذى يقود غيره ويسوقه بناصيته إلى ما شاءه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: هو.

(27) باب الأمر بالسكون فى الصلاة، والنهى عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام، وإتمام الصفوف الأول والتراص فيها والأمر بالاجتماع

(27) باب الأمر بالسكون فى الصلاة، والنهى عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام، وإتمام الصفوف الأول والتراصّ فيها والأمر بالاجتماع 119 - (430) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَالِى أَرَاكُمْ رَافِعِى أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ؟ اسْكُنُوا فِى الصَّلَاةِ ". قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حِلَقَا، فَقَالَ: " مَالِى أَرَاكُمْ عِزِين؟ " قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " أَلَا تُصَفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: " يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِى الصَّفِّ ". (...) وحدّثنى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 120 - (431) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مسْعَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ - واللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْن الْقِبِطيَّةِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرحْمَةُ اللهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ. فَقالَ رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله حين رآهم يشيرون بأيديهم إذا سلموا من الصلاة إلى الجانبين: " ما لكم رافعى أيديكم كأنها أذناب خيل شمسٍ؟ أسكنوا فى الصلاة " (¬1)، وفى الحديث الآخر: " [أما يكفى] (¬2) أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على نفسه ثم عن يمينه وشماله " (¬3) هذا فى السلام من الصلاة وصفة السلام والرد على من صلى معه فى جماعته والإشارة إليه بالتفاته بوجهه لا بيده، والشمس - بسكون الميم وضمها معًا من الدواب كل ما لا يستقر ¬

_ (¬1) لفظة الرواية فى المطبوعة: مالى أراكم. (¬2) الذى فى المطبوعة: إنما يكفى. (¬3) لفظ المطبوعة: " ثم يُسلِّمُ على أخيه من على يمينه وشِمالِه ".

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَامَ تُومِئُونَ بأَيْدِيكُمْ كأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ؟ إِنَّما يَكْفِى أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ". 121 - (...) وحدّثنا الْقَاسِم بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ فُرَات يَعْنِى الْقَزَّازَ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكنَّا إِذَا سَلّمْنَا، قُلْنَا بِأَيْدِينَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا شَأنُكُمْ؟ تُشِيرُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ؟ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إِلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُومِئْ بِيَدِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إذَا نخس. واحدها شموس وشمس، وقد ذكر ابن القصّار هذا الحديث حجة فى النهى عن رفع الأيدى فى الصلاة على رواية المنع من ذلك جملة، وذكر أن فى ذلك نزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاة} (¬1)، والمفسرون فى سبب نزول الآية على غير هذا. وقوله: " إنا حلقًا فقال: مالى أراكم عِزين " (¬2) أى جماعة جماعة متفرقين، الواحدة عِزَة، وخفف الزاى. أمرهم بالائتلاف والاجتماع وحذرهم من الفرقة، وقد يحتمل أنه نهاهم عن هذا فى الصلاة وأمرهم بوصل الصفوف، ألا تراه كيف قال: ثم خرج فقال: " ألا تصافون " (¬3)، وفى هذا وفى الأحاديث الأخر فى الأمر بالصفوف وتسويتها وإقامتها والوعيد على ترك ذلك مما قد ذكره مسلم وغيره (¬4)، مما لا يختلف فيه أنه من سنن وجماعات الصلاة وهديها، وحسن هيأتهم، وإكمال الصف الأول فالأول والتراصّ فيه (¬5)، ليتم استقامته واعتداله، ولئلا يتخلله الشياطين، كما جاء فى الحديث، وتشبهًا بالملائكة فى صفوفها، ولما فى ذلك من جمال هيئة الجماعة للصلاة وحسنها، وتأتى صلاتهم فى صفوفهم دون أن يضيق بعضهم على بعض، ولا يتمكن بعضهم من تمام صلاته وسجوده إذا كانوا غير صفوف، ولأن فى ذلك مع مراعاةِ تمكنهم من صلاتهم من تكثير جمعهم أكثر مما يكون مع الاختلاط، ولئلا يشغل بعضهم بعضًا النظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلطين، وفى الصفوف غابتْ وجوه بعضهم عن بعض وكثير من حركاتهم، وإنما يلى بعضهم من بعض صفحات ظهورهم. ¬

_ (¬1) النساء: 77. (¬2) لفظ المطبوعة: فرآنا حِلَقًا. (¬3) لفظ المطبوعة: ألا تصفون. (¬4) أحمد فى المسند 3/ 177، 254، البخارى، ك الأذان، ب إقامة الصف من تمام الصلاة، أبو داود فى السنن، ك الصلاة، ب تسوية الصفوف، وكذا ابن ماجة، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب إقامة الصفوف، جميعًا من حديث أنس بن مالك - رضى الله عنه. (¬5) وكيفية ابتداء الصف أن يبدأ بمن خلف الإمام، ثم بيمينه ثم بشماله. ذكره ابن حبيب.

(28) باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام

(28) باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام 122 - (432) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِى الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: " اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، ليَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ". قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح قَالَ: وحَدَّثَنَا ابْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 123 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ وَصَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيِدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنِى خَالِد الْحَذَّاء، عَنْ أَبِى مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - ثَلَاثًا - وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ ". 124 - (433) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ ". 125 - (434) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتِمُّوا الصُّفُوفَ، فَإِنِّى أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِى ". 126 - (435) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَر أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

" أَقِيمُوا الصَّفَّ فِى الصَّلَاةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ ". 127 - (436) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِى الْجَعْدِ الْغَطَفَانِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وَجُوهِكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أو ليخالفن الله بين وجوهكم ": يحتمل أنه [يكون] (¬1) كقوله: " أن يحوّل الله صورته صورة حمار " (¬2)، فيخالف بصفتهم إلى غيرها من المنسوخ، أو يخالف بوجه من لم يقم صفّه ويغير صورته عن وجه من أقامه، أو يخالف باختلاف صورها فى المسخ والتغيير (¬3)، ومعنى " يمسح مناكبنا ": أى يعدّلنا ويسوّينا، كما قاله مفسرًا فى الحديث الآخر. وقع فى سند هذا الحديث: ثنا (¬4) القاسم بن زكريا (¬5) ثنا عبيد الله بن موسى (¬6)، عن إسرائيل (¬7) عن فرات - يعنى القزاز (¬8) - عن عبد الله، عن جابر، وهو وهْم، والصواب عبيد الله (¬9) وهو ابن القبطية المذكور فى السند الآخر فى حديث أبى كريب (¬10) قبله. وقوله: " إن تسوية الصفوف من تمام الصلاة "، وفى آخر: " من حسن الصلاة " دليل على أن تعديل الصفوف غير واجب، وأنه سنة مستحبة. وقوله: " لِيَلَنِى منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم "، الأحلام والنهى بمعنى وهى العقول، واحدها نهية؛ لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل، وكذلك العقول تعقله ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) سبق فى الباب قبل السابق برقم (115). (¬3) وقيل: المراد به العداوة لأن اختلاف الصفوف اختلاف فى الظاهر واختلاف الظاهر سبب فى اختلاف الباطن. والقداح - فى قوله فى حديث النعمان: " كأنما يسوى بها القداح " - هى خشب السهام حين تنحت واحدها قدح بكسر القاف - والمعنى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبالغ فى تسويتها حتى تصير كأنها السهام لشدة استوائها. (¬4) فى الأصل: فيه. (¬5) هو القاسم بن زكريا بن دينار القرشى، من أهل الكوفة. روى عنه مسلم والترمذى، والنسائى وابن ماجه. مات سنة خمسين ومائتين. التهذيب 6/ 314. (¬6) ابن باذام العبسى مولاهم، الكوفى توفى سنة ثلاث عشرة ومائتين. السابق. (¬7) إسرائيل بن يونس. (¬8) و (¬9) ورد فى المطبوعة على الصواب، بغير إشارة إلى أصلها كما فعل القاضى. (¬10) فى الأصل: الأشج، وفى ت: قريب - بالقاف - وهو وهم، والصواب ما أثبتناه، وهو الذى ورد فى الصحيح. فهو محمد بن العلاء بين كريب أبو كريب الهمدانى، من أهل الكوفة. مات سنة ثمان وأربعين ومائتين. رجال مسلم 2/ 197.

128 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوّى صُفُوفَنَا، حَتَّى كَأَنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها مأخوذة من عقال البعير، وكذلك الحكمة مأخوذه من حكمة الدابة، وهى حديدة لجامها التى تمنعها عن العدول عن الاستقامة، وسمى الحكيم بالحكمة لذلك؛ لأ [نها] (¬1) تمنعه عن الرذائل والنقائص (¬2) خص - عليه السلام - لِيَلِيه فى الصلاة ذوو العقول والمعرفة [بقوله] (¬3) وكذلك فى غيرها وهو حاكمهم، ليقربوا منه (¬4) لاستخلافه إن احتاج إليهم، وللتبليغ لما سمعوه منه، والضبط لما يحدث عنه، والتنبيه على سهو إن اتفق منه، ووجدهم عن قرب لما يحتاجهم له، ولأنهم أحق بالتقدم على من سواهم (¬5) وليقتدى بهم من بعدهم، ويتوصل بهم إليه فى مهمات الأمور، وكذلك ينبغى لسائر الأئمة الاقتداء بسيرته فى ذلك فى كل حال، من جموع الصلاةِ، ومجالس العلم، ومشاهد الذكر، ونواد التشاور، والرأى، ومعارك القتال، والحرب، وأن يكون الناس فى كل الأمور على طبقاتهم من المعرفة، والعلم، والدين، والعقل، والشرف، والسن، وقد تقدم [أول] (¬6) الكتاب حديث عائشة: " أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننزل الناس منازلهم ". وقوله: " وإياكم وهيشات الأسواق "، قال الإمام: قال أبو عبيد: وهوشات، والهوشة: الفتنة والهيج والاختلاط، يقال: هوش القوم إذا اختلطوا [وهو] (¬7) من قريب من هذا المعنى ما وقع من (¬8) خبر آخر: " من أصاب مالاً من مهاوش " (¬9)، قال أبو عبيد: هو كل مال من غير حلٍّ وهو شبيه بما ذكرنا، من الهوشات. وقال بعض أهل العلم: الصواب من تهاوش بالتاء، أى من تخاليط. وقوله: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسوى صفوفنا كما يسوى القداح "، قال القاضى: وهى خشب السهام حين تنحت وتبرى، واحدها قدح. وهذه سنة، وقد عمل بها الخلفاء بعده، ووكلوا من يقيم الصفوف، وشددوا فى ذلك، حتى إذا استوت كبّروا. وقد اختلف ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) وتحتمل النهية أنها من الانتهاء، وهو الوقوف عند الغاية وعدم التجاوز، وهى آنئذ تكون من النهى - بكسر النون وفتحها - وهو المكان الذى يستقر الماء عنده، وقال الفارسى: يحتمل أنه مصدر كالهدى، لا جمع نهية. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) فى جميع النسخ: منهم، والمثبت هو المناسب للسياق. (¬5) فى جميع النسخ: سواه، والمثبت هو المناسب للسياق. (¬6) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬7) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬8) فى ت: فى. (¬9) عزاه السيوطى فى الجامع الصغير إلى ابن النجار عن أبى سلمة الحمصى ورمز له بأنه ضعيف. وقد جاء فى الكنز بلفظ: " نهاوش "، وتمام الحديث: " من أصاب مالاً من نهاوش أذهبه الله فى نهابر " الكنز 4/ 13.

يُسَوِّى بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رَجُلاً بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: " عِبَادَ اللهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُم ". (...) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوصِ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 129 - (437) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ، مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلَ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ متى يقوم الناس فى الصلاة، ومتى يكبروا بما سيأتى فى موضعه بعد هذا إن شاء الله. وقوله: " حتى كاد يُكَبِّر فرأى رجلاً بادياً صدره، فقال: عباد الله لتسوّنَ صفوفكم " الحديث دليل على مذهب الجماعة فى جواز الكلام بين الإقامة والصلاة للإمام، أو للحاجة تنزل به من أمر الصلاة وغيرها بعد تمام الإقامة، خلافًا لأبى حنيفة فى أنَّه يجب عليه التكبير إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. وقد اختلف العلماء فى جواز الكلام حينئذٍ أو كراهته. وقوله: " لو يعلم الناس ما فى النداء والصف الأول لاستهموا عليه "، قال الإمام فى هذا الحديث إثبات القرعة مع تساوى الحقوق (¬1) وأما تشاحّهم فى الصف الأول فَبَيِّن وجهه، إذ قد لا يحملهم أجمعين، وأما تشاحّهم فى النداء مع جواز أذان الجماعة فى زمن واحد، فيمكن أن يكون أراد أن يؤذن واحدٌ بعد واحد لئلا يخفى [بعضهم صوت بعض فيَتشاحَّوا] (¬2) فى التقدمة، فكانت القرعة. قال القاضى: نحا الداودى إلى أن هذا فى أذان الجمعة، أى لو علموا ما فيه لتسابقوا إليه ولم يبق من يقم مع الإمام الجمعة؛ ولهذا قال عمر: لولا الخليفى لأذنت، والأمير لا يكون فيها مؤذنًا؛ لأن الأذان بين يديه، وظاهر الكلام أن الاستهام فى الصف والأذان جميعًا، وعليه حمله الباجى وغيره قالوا: وقد اختصم قوم بالقادسية فأسهم بينهم سعد بن أبى وقاص. قيل: وهذا يكون إذا استووا فى معرفة الوقت والتقدمة للاقتداء، فيقع الاستهام بينهم إذا تشاحوا فى الابتداء. فأما سائر من يؤذن بعد فلا، وكذلك لو كان مقدَّم لمراعاة الوقت كان أحق من غيره بولايته، وإن ساواه فى معرفته، كما أن السابق إلى الصف أحق به، وإنما يصح الاستهام إذا قدرناه إذا كان وصولهم إليه فى حالةٍ وهو لا يَسَع ¬

_ (¬1) إِلا أن يقال: خرج مخرج الحضِّ. (¬2) عبارة المعلم: بعضهم صوت لبعض ويتشاحوا.

يَعْلَمُونَ مَا فِى التَّهْجِيرِ، لَاسْتَبَقُوا إِليْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ جميعهم وهم متساوون فى حالهم، ومنهم أهل (¬1) العلم والأحلام والنهى فهم أحق بالقرب من الإمام بمن سبق إليه منهم دون استهام. وذهب أبو عمر الحافظ إلى أن المراد بذلك الصف الأول وحده، وقال: هذا وجه الكلام، ورد الضمير إلى أقرب مذكور وقال: بذلك جاءت الآثار [له] (¬2) مخصصة بالقرعة (¬3). قال القاضى: وقد ذكر مسلم ذلك فى حديث أبى هريرة، والذى عندى فى معنى الحديث الذى جمعهما: أنه ليس ذكر الاستهام فيه على الحقيقة، وإنما هو على المجاز والتمثيل؛ لأنه لو كان لهما جميعًا حقيقة - كما قال غير واحد - لكان الحديث: ثم لم يجدوا إِلا أن يستهموا عليهما، لأنا نحتاج إلى ضمير الاثنين، وضمير الواحد لا يصلح لهما، وإن كان للواحد كما قال أبو عمر بقى النداء بلا جواب، وجاء الكلام [مختلاً] (¬4) ولم يفهم المراد بقوله: " لو يعلم الناس ما فى النداء " ولا ما فائدة علمهم بقوله هذا؟ فلم يبق إِلا أن الضمير للأجر والثواب المضمر أو على الفعل المضمر، أى لو يعلم الناس ثواب الدعاء (¬5) والصف الأول ثم لم يجدوا الوصول إليه إِلا بالاستهام عليه أو على فعل ما يوجبه هذا الثواب - والاستهام هنا على وجه التمثيل والاستعارة لتحصيله السبق إليه لو كان مما لا يقدر عليه إِلا بالسهم - لوجب ذلك، وعلى هذا يسقط الإشكال فى كيفية الاستهام فى الأذان وتكلف وجه له، ومثل هذا فى كلام العرب وفصيحه موجود كثير. وفى الحديث حجة لتفضل الصف الأول، وقد اختلف فيه أهو الصف المقدم فيكون هذا الفضل لمن صلى فيه وإن جاء آخرًا؟ أم هو السبق إلى المسجد وإن صلى آخره؟ أم هما فى الأجر سواء وكلاهما صف أول فى المعنى هذا بصورته وهذا بسبقه؟ والأول أظهر وأصح، وقد جاء مبينًا فى أحاديث ذكرها مسلم، منها قوله: " لو يعلمون ما فى الصف المقدم " (¬6)، وقوله: " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها " (¬7)، وقوله: " لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله " (¬8)، ولأنه قد ذكر فى الحديث نفسه التهجير والمسابقة فدل أنه غير الصف الأول. وقوله: " ولو يعلمون ما فى التهجير لاستبقوا إليه ": قيل: التهجير: السعى بالهاجرة، وهو النهار وهذا يختص بالجمعة. قال الخليل فى كتاب العين يقال: هجَّر القوم وأهجروا [إذا] (¬9) صاروا فى الهاجرة. وقال الهروى: التهجير: التبكير لكل صلاة، وحكى عن الخليل التهجير للجمعة: التبكير لها، وسيأتى الكلام على هذا فى باب الجمعة إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) فى ت: ذووا. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) كحديث أبى هريرة الذى معنا. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬5) فى ت: النداء. (¬6) سيأتى برقم (131) بالباب. (¬7) سيأتى برقم (132) بالباب. (¬8) سيأتى برقم (130) بالباب. (¬9) من ت.

130 - (438) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَب عَنْ أَبِى نَضْرَة الْعبْدِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِى أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: " تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِى، وَلْيَأتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ ". (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا فِى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 131 - (439) حدّثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاسِطِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَن، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَوْ تَعْلَمُونَ - أَوْ يَعْلَمُونَ - مَا فِى الْصَّفِّ الْمُقَدَّمُ، لَكَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لو يعلمون ما فى العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا " تحضيض على شهود هاتين الصلاتين فى الجماعة وعظم الأجر فيهما لشدتهما على النفس، وأنه طرفا أو أن نومها وغلبة سنات أجفانها وراحة بدنها، ومخالفة لمن يثقل ذلك عليه من المنافقين وأشباههم من البطلة المتهاونين والمحبين للدَّعة من المبادرة للنوم والراحة من تعب كدح اليوم الأول ليلهم، واستلذاذ الدفء وإغفاءة الفجر آخره، وقد جاء مبينًا فى صحيح البخارى فى المنافقين (¬1) هذا الحديث بعينه فى العتمة والصبح. وتسميتها هنا عتمة. وقد نهى فى الحديث الآخر عن هذا لرفع الإشكال واشتراك هذه اللفظة لقولهم: العشاءان، لها وللمغرب (¬2)، والأصل فى ذلك هذه فغلبت على المغرب، كما قالوا: القمران. قال الأصمعى: ومن المحال قول العامة: العشاء الآخرة [أفليس ثم عشاء أولى و] (¬3) إنما يقال: صلاة العشاء لا غير وصلاة المغرب. قال القاضى: قد جاء فى الصحيح من رواية عبد الله المزنى: أن النبى - عليه السلام - قال: " لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب تقول: هى العشاء " (¬4). وقيل: خاطبهم بذلك إذ كانت أشهر أسمائها عندهم. وفيه أن النهى عنها نهى كراهة، واستحسان الامتثال لما سماها الله به فى القرآن من العشاء (¬5). ¬

_ (¬1) ك مواقيت الصلاة، ب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعًا. (¬2) فقد كانت العرب تسمى المغرب عشاءً، فلو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو يعلم الناس ما فى العشاء والصبح، لاحتمل حملها على المغرب فيلتبس المعنى ويفوت المطلوب. (¬3) من إكمال الإكمال 2/ 189. (¬4) البخارى، ك مواقيت الصلاة، ب من كره أن يقال للمغرب العشاء. (¬5) يعنى به قوله تعالى. {وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء} [النور: 58].

قُرْعَةً ". وَقَالَ ابْنُ حَرْبٍ: " الصَّفِّ الأَوَّلِ مَا كَانَتْ إِلَّا قُرْعَةً ". 132 - (440) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوف النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا ". (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وشر صفوف الرجال آخرها ": أىْ أقلها أجرًا، فهو بالإضافة إلى الأول ناقص، وقد يكون سماه شرًا لمخالفة أمره فيها - عليه السلام - وتحذيرًا من فعل المنافقين بتأخرهم عنه وعن سماع ما يأتى به، ويكون شر صفوف النساء أولها لقربهن من الرجال وتحضيضًا على بعد أنفاسهن من أنفاسهم؛ ولهذا صار آخرها خيرها، ولما فى ذلك من سترهن بمن تقدمهن. وقوله: " تقدموا فأتموا بى وليأتم بكم من بعدكم ": وقد يحتج بظاهره الشعبى من جواز الائتمام بالمأموم، وإن كل صف منهم إمام لمن وراءه حتى لو دخل داخل والإمام قد رفع رأسه من الركعة، والناس معه، فإن كان الصف الذى يلى الداخل لم يرفعوا رؤوسهم حتى ركع هذا أدرك الركعة بأن بعضهم أئمة بعض، وعامة الفقهاء لا يقولون بهذا. وهذا الحديث إنما جاء فى ذم التآخر وأنهم إذا تأخروا لم يعلموا ما حدث فى الصلاة، ولا يتنبّه بعضهم لفعل الإمام بفعل بعض، [وقد] (¬1) يحتمل أن يكون قوله: " تقدموا فائتموا بى ": يريد أهل وقته، ويأتم بكم من بعدكم فيما أخذتم به من سنتى، وتعَلَّمَتُموه عنى، فحضهم على التقدم ليحققوا الاقتداء به فى جميع أفعاله وأقواله ومشاهدة هيئاته فى الصلاة وآدابه، وذلك لا يصح مع المؤخر. وقوله: " لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ": قيل: هذا فى المنافقين، ويحتمل أن يكون [المعنى] (¬2) تأخرهم فى العلم وفى السبق والمنزلة عنده. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) من ت.

(29) باب أمر النساء المصليات وراء الرجال إلا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال

(29) باب أمر النساء المصليات وراء الرجال إِلا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال 133 - (441) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الرِّجَالَ عَاقِدِى أُزُرِهِمْ فِى أَعْنَاقِهِمْ، مِثْلَ الصِّبْيَانِ، مِنْ ضِيقِ الأُزُرِ، خَلْفَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا مَعْشرَ النِّسَاءِ، لا تَرْفَعْنَ رُؤُوسَكُنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رأيت الرجال عاقدى أزرهم فى أعناقهم مثل الصبيان من ضيق الأزر " هذا حكم الضرورة وحالهم أول الإسلام [لضيق الحال] (¬1) وعدم الثياب. وعقدها [حياطة] (¬2) لئلا تنفلت فينكشف؛ ولهذا ما احتاط فأمر النساء بألا يرفعن رؤوسهن حتى يرفع الرجال لئلا يكون عند حركة الرجل انفلات من ثوبه أو انكشاف من بعضه عنه لضيقه فيطلع النساء على عورته من ورائه. وفيه أن ما كان من مثل هذا فى الصلاة من غير قصد ولا تعمد لا يضر المنكشف ولا الناظر من غير عمد فى صلاته. ¬

_ (¬1) إكمال الإكمال 1/ 189. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

(30) باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة

(30) باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة 134 - (442) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ. سَمِعَ سَالِمًا يحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا اسْتَأذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا ". 135 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَر قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأذَنَّكُمْ إِلَيْهَا ". قَالَ: فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ، لَنَمْنَعُهُنَّ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ فَسَبَّهُ سَبًا سَيِّئًا، مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلهُ قَطُّ، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتقُولُ: وَاللهِ، لَنَمْنَعُهُنَّ! 136 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءِ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ ". 137 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا اسْتَأذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأذَنُوا لَهُنَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وما جانسه من الأحاديث حض الرجال على هذا. وفيه دليل على أن للرجل منع امرأته من الخروج إِلا بإذنه، وأن خروج النساء للمساجد مباح لهن ولكن على شروط كما جاء الحديث. وقاله العلماء: ألا يخرجن متطيبات ولا متزينات ولا مزاحمات للرجال، وأن يكون [ذلك] (¬1) بالليل، ومنع من ذلك الشابة منهن التى تخشى فتنتها. ¬

_ (¬1) من ع.

138 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنَ الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ ". فَقَالَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: لَا نَدَعُهُنَّ يَخْرُجْنَ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلاً. قَالَ فَزَبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتَقُولُ: لَا نَدَعَهُنَّ! (...) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 139 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائْذَنُوا للِنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ " فَقَالَ ابْنٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ وَاقِدٌ: إِذَنْ يَتَّخِذْنَهُ دَغَلاً. قَالَ: فَضَرَبَ فِى صَدْرِهِ وَقَالَ: أُحَدِّثِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُ: لا! 140 - (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ - يَعْنِى ابْنَ أَبى أَيُّوبَ - حَدَّثَنَا كَعْبُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ بِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِذَا اسْتَأذَنُوكُمْ ". فَقَالَ بِلَالٌ: وَاللهِ، لَنَمْنَعُهُنَّ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُ أَنْتَ: لَنَمْنَعُهُنَّ! ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن ابن عبد الله بن عمر قال له: لا تدعهن [يخرجن] (¬1) فيتخذنه دغلاً "، قال الإمام: قال (¬2) الهروى فى حديث آخر: " اتخذوا دين الله دغلاً ": أى يخدعون الناس، وأصل الدغل: الشجر الملتف الذى يكون فيه أهل الفساد، وقال الليث: معناه: أدغلوا فى التفسير، يقال: أدغلت فى الأمر إذا أدخلت فيه ما يخالفه، قال: وإذا دخل الرجل مدخلاً مريباً قيل: دغل فيه. وقوله: " فزبره ابن عمر " معناه: انتهره، قال صاحب الأفعال: [يقال] (¬3) زبرت الكتاب [إذا] (¬4) كتبته، والشىء قطعته، والرجل انتهرته، والبئر طويتها بالحجارة. قال القاضى: وانتهار عبد الله لابنه وضربه فى صدره وسبه [له] (¬5) - كما جاء فى ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) فى ع: ذكر. (¬3) و (¬4) من ع. (¬5) ساقطة من ت.

141 - (443) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ كَانَتْ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ، فَلا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ". 142 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِى بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسّ طِيبًا ". 143 - (444) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى فَرْوَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيَرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيَّمَا امْرَأةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا، فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ ". 144 - (445) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ يَحْيَى - وهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ، كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث - فيه تأديب المعترض على السنن برأيه، وعلى العالم بهواه، وجواز التأديب باليد وبالسبِّ وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرًا فى تغيير المنكر، وتأديب العالم من يتعلم عنده أو يتكلم بما لا يُحب بين يديه. ونهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء عن الخروج إلى المساجد إذا تطيبن أو تبخَّرن؛ لأجل فتنة الرجال بطيب ريحهن وتحريك قلوبهم وشهواتهم بذلك، وذلك لغير المساجد أحرى، وفى معنى الطيب ظهور الزينة وحسن الثياب وصوت الخلاخيل والحلى، وكل ذلك يجب منع النساء منه إذا خرجن بحيث يراهن الرجال، وقد قال محمد بن سلمة (¬1): يمنع الخروج إلى المسجد الجميلة المشهورة لما يخشى من فتنتها. وقول عائشة: لو رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أحدث النساء لمنعهن المسجد قيل: من حسن الملابس والزينة والطيب، وقيل: يحتمل ما اتسعن فيه من حسن الثياب، وإنما كن أولاً فى المروط والشمائل والأكسية. ¬

_ (¬1) يغلب على الظن أنه يعنى الإمام المحدّث المفتى أبا عبد الله الحرَّانى المتوفى سنة إحدى وتسعين ومائة وحديثه فى الكتب سوى صحيح البخارى. سير 9/ 49.

مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِى إِسْرَائِيلَ. قَالَ: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِى إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالتْ: نَعَمْ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم فى الحديث الرد على عبد الله بن عمر مرة لابنه بلال، ومرة لابنه واقد، وهما صحيحان، بلال وواقد ابنا عبد الله بن عمر بن الخطاب.

(31) باب التوسط فى القراءة فى الصلاة الجهرية بين الجهر والإسرار إذا خاف من الجهر مفسدة

(31) باب التوسط فى القراءة فى الصلاة الجهرية بين الجهر والإسرار إذا خاف من الجهر مفسدة 145 - (446) حدّثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ ابْنَ الصَّبَّاحِ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيد بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِى قَوْلهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} (¬1) قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ. فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فَيَسْمَعَ المُشْرِكُونَ قِرَاءَتَكَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ، أَسْمِعْهُمُ الْقُرْآنَ، وَلَا تَجْهَرْ ذَلِكَ الْجَهْرَ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً. يَقُولُ: بَيْنَ الجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. 146 - (447) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَريَّاءَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فى قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} " قال الإمام: [خرج مسلم فى هذا الباب الآية] (¬2) [قيل] (¬3) معناه: أى بقراءتك، فسمى القراءة [صلاة] (¬4) كما سمى الصلاة قرآنًا، فى قوله تعالى: {قُرْآنَ الْفَجْر} (¬5) [الآية] (¬6). وقالت عائشة - رضى الله عنها - فى كتاب مسلم: " أنزلت هذه فى الدعاء ". قال القاضى فى مسلم - أيضًا -: القول الأول عن ابن عباس مفسرٌ مبين، وذكر سبب نزولها أن المشركين كانوا إذا سمعوا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى بأصحابه وجهر بالقرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فأمر ألا يجهر بذلك ولا يخافت عن أصحابه وأن يبتغى بين ذلك سبيلاً بين الجهر والمخافتة، وقد روى عن ابن عباس مثل قول عائشة (¬7) وروى عن عائشة أن ذلك فى التشهد (¬8)، وقيل: بل نزلت فى أبى بكر وعمر - رضى الله ¬

_ (¬1) الإسراء: 110. (¬2) من المعلم. (¬3) ساقطة من ع. (¬4) ساقطة من ع. (¬5) الإسراء: 78. (¬6) ساقطة من ع. (¬7) راجع: ابن جرير الطبرى فى التفسير 15/ 122، وابن كثير كذلك 4/ 360. وقد عزاه ابن حجر فى المطالب العالية لابن منيع، وقال البوصيرى: إسناده حسن. المطالب العالية 3/ 349. (¬8) الحاكم فى المستدرك، ك الصلاة وصححه، ووافقه الذهبى 1/ 230.

أُنْزِلَ هَذَا فِى الدُّعَاءِ. (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَوَكِيعٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما - كان أبو بكر يسرّ ويقول: أناجى ربى، وعمر يجهر ويقول: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، وأرضى الرحمن، فنزلت الآية، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبى بكر: " ارفع شيئًا " ولعمر: " اخفض شيئًا " (¬1) وقيل: الآية منسوخة بقوله: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِك} الآية (¬2)، وهذا يصلح على القول: أن المراد الدعاء، وقيل: المراد بذلك الصلاة نفسها، أى لا تظهر تحسينها فى العلانية مرائيًا ولا تشينها فى السريرة، وقيل: لا تصل جهارًا وتتركها سرًا، ويكون الخطاب على هذا لغير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومعنى " تخافت ": تخفى، والأظهر عند الطبرى أنها فى الدعاء، لأنه المذكور أول الآية فى قوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّه} (¬3). قال القاضى: وحجة أيضًا من قال - القراءة -: إنها المذكورة قبل بقوله أول الكلام {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاة لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} الآيات (¬4). ¬

_ (¬1) ابن جرير الطبرى 15/ 124. (¬2) الأعراف: 205. (¬3) ابن جرير 15/ 125، والآية 110 من سورة الإسراء. (¬4) الإسراء: 106.

(32) باب الاستماع للقراءة

(32) باب الاستماع للقراءة 147 - (448) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كُلُّهُمْ عَنْ جَرِير، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبِيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَك} قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْوَحِى، كَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} أَخْذَهُ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِى صَدْرِكَ {وَقُرْآنَهُ} فَتَقْرَؤُهُ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ: أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ لَهُ {إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (¬1) أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيِلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر فى الحديث سبب نزول قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (¬2)، وأن ذلك كان تحريك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شفتيه ولسانه وأنه أمر ألا يعجل به ليأخذه وضمن له حفظه، وإنه معنى قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} (¬3) أى فى صدرك وقرآنه على لسانك أى قراءتك له، وقيل: تأليفه. وقوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} (¬4): أى قرأه جبريل عليك، وفى هذا إضافة ما يكون عن أمره تعالى إليه، وقد يحتج به فى حديث التنزل وغيره من الظواهر المشكلات المضافة إليه تعالى (¬5). وفسّر فى الأم قوله: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (¬6) وقيل: لا تحرك به لسانك بالتكلم به حتى يُقضى إليك وحيه. وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (¬7) قال فى الأم: أى بلسانك، وقيل: بيان ما فيه من حلال وحرام. وقد اختلف اختيار السلف والخلف فى الهذّ أو الترتيل، فمن رأى الهذّ أراد استكثار الأجر وحوز الحسنات بعدد الكلمات، ومن رأى الترتيل ذهب إلى تفهم معانيه، ¬

_ (¬1) القيامة: 16 - 19. (¬2) القيامة: 16. (¬3) القيامة: 17. (¬4) القيامة: 18. (¬5) لعله يشير بذلك إلى ما أخرجه الجماعة عن أبى هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثُلثُ الليل الآخرُ فيقول: من يدعونى فأستجيب له، من يسألنى فأعطيه، من يستغفرنى فأغفر له " يعنى بذلك ينزل أمر ربنا. (¬6) القيامة: 18. (¬7) القيامة: 19.

148 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فى قَوْلِهِ: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا أُحَرِّكُّهُمَا كَمَا كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحَرِّكُّهُمَا. فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُّهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُّهُمَا، فَحَرِّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ جَمْعَهُ فِى صَدْرِكَ ثُمَّ تَقْرَأُهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ: فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْريِلُ، قَرَأَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَقْرَأَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والوقوف عند حدوده، وتدبر آياته، وتحسين تلاوته، كما أمر الله تعالى نبيه - عليه السلام - وقد قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} (¬1)، هو اختيار الأكثر، ولا خلاف أن الهَذّ المنتهى إلى لفّ كلماته وترك إقامة حروفه غير مستحسن ولا جائز، وقال مالك - رحمه الله -: من الناس من إذا هذ [كان] (¬2) أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومنهم من لا يحسن الهذَّ، والناس فى ذلك على قدر حالاتهم وما يخف عليهم، وكلٌّ واسِعٌ، وما قاله مالك - رحمه الله - وغيره ممن أجاز الهذَّ، فإنما هو لمن لم يكن حظه غير مجرد التلاوة، وفضل القراءة، فأما من فتح الله عليه بعلمه وتلاه بالتفكر والاعتبار وتفهم معانيه واستثارة حكمه، فلا مرية أن تلاوة هذا على مكث - وإن قل ما يتلوه - أفضل من ختمات لغيره، وقد جاء للعلماء فى ذلك أخبار واختيار معلوم. وقوله: " كان مما يحرك به لسانه وشفتيه " بمعنى: كثيراً ما كان يفعل هذا، قال ثابت فى هذه الكلمة: كأنه يقول هذا من شأنه ودأبه فجعل " ما " كناية عن ذلك، يريد ثم أدغم النون من " مَن " فى ميم " ما " فقالوا: مما، وقال غيره: معناها: رُبَّما، وهو قريبٌ من الأول؛ لأن " ربما " قد تأتى للتكثير. وقوله: يعالج من التنزيل شدة [ويُشد عليه] (¬3) أى يلاقى ذلك ويصارعه، والمعالجة: المصارعة والمحاولة للشىء، والشدة هنا لعظم ما يلاقيه من هيبة الملك وما يأخذ عنه، كما جاء عن الملائكة وخصائصها لذلك. ¬

_ (¬1) المزمل: 4. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) ليست فى المطبوعة.

(33) باب الجهر بالقراءة فى الصبح والقراءة على الجن

(33) باب الجهر بالقراءة فى الصبح والقراءة على الجنِّ 149 - (449) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَمَا رَآهُمْ، انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ. فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالُوا: مَاذَاكَ إِلَّا مِنْ شَىءٍ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِى حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَمَرَّ النَّفَرُ الَّذِينَ أخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ - وَهُوَ بِنَخلٍ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظِ، وَهُوَ يُصَلِّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ - فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، وَقَالُوا: هَذَا الَّذِى حَالَ بَيْنَنَا وَبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَرَجَعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث إسلام الجن: " وهو بنخل " كذا لجميعهم بالخاء المعجمة، وعند الطبرىَ " بنجل " بالجيم (¬1). والنجل: بقية الماء المستنقع. وصوابه. بنجلة، ونجلة: موضع معروف (¬2)، وكذا ذكره البخارى: نجلة، من رواية مسدّد (¬3) وأبى سلمة (¬4) عن أبى عوانة (¬5). قال الإمام: ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن، ولابد لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة الإعجاز، وشروط (¬6) المعجزة وبعد ذلك يقع العلم له بصدق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإما أن يكون الجن علموا بذلك أو علموا من كتب الرسل المتقدمة ما دلهم على أنه [هو] (¬7) النبى الصادق المبشَّر به. ¬

_ (¬1) جاء فى المطبوعة على الصواب. راجع: تفسير الطبرى 26/ 20. (¬2) مكانها الآن الوادى الذى تقع فيه بلدة الحناكية شرق المدينة المنورة على مائة كيلو. المعالم الجغرافية: 317. (¬3) ك التفسير، ب سورة " قل أوحى إلى " وهو من رواية موسى بن إسماعيل أبو سلمة عن أبى عوانة. أما رواية مسدد فقد قال ابن حجر فى الفتح: إنها من رواية أبى نعيم فى المستخرج عن الطبرانى عن معاذ بن المثنى عن مسدد شيخ البخارى. فتح البارى 8/ 670. (¬4) أبو سلمة هو: موسى بن إسماعيل التبوذكى روى عنه البخارى وأبو داود مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين. (¬5) أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكرى، روى عنه شعبة والطيالسيان وعبد الرحمن بن مهدى. وثقه ابن حبان، وقال ابن معين: جائز الحديث. تهذيب 11/ 116. (¬6) فى ع: وشرائط. (¬7) ساقطة من ع.

إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: ياَ قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (¬1). 150 - (450) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ: هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: فَقَالَ عَلْقَمَةُ: أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ. فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّا كُنَّا مَع رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِى الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ. فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ. قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ. قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُوَلَ اللهِ، فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " استطير أو اغتيل "، قال القاضى: أى طارت به الجن، أو قيل: سحرًا. والغيلة، بكسر الغين القتل غيلة وفى خفية. وقول ابن مسعود: " إنه لم يكن منهم أحد مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن " يرد الحديث الآخر المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وذكر فيه حضوره معه (¬2)، وهذا الحديث أثبت. قال الدارقطنى: انتهى حديث ابن مسعود عند ¬

_ (¬1) الجن: 1. (¬2) يعنى بذلك ما أخرجه أحمد والطبرانى وأبو نعيم عن ابن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة وهو فى نفر من أصحابه إذ قال: " ليقم معى رجلٌ منكم ولا يقوَمنَّ معى رجلٌ فى قلبه من الغش مثقال ذرة "، قال: فقمت معه، وأخذت إداوة، ولا أحسَبُها إِلا ماءً، فخرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا كنا بأعلى مكة رأيت أسودَةَ مجتمعة، قال: فخط لى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطا ثم قال: " قم ههنا حتى آتيك " قال: فقمت، ومضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، فرأيتهم يتثورون إليه. قال: فسمر معهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلاً طويلاً، حتى جاءنى مع الفجر، فقال لى: " ما زلت قائمًا يا ابن مسعود؟ " قال: فقلت له: يا رسول الله، أو لم تقل لى: " قم حتى آتيك " قال: ثم قال لى: " هل معك من وضوء؟ " قال: فقلت: نعم، ففتحت الإداوة فإذا هو نبيذ. قال: فقلت له: يا رسول الله، والله لقد أخذت الإداوة ولا أحسبُها إِلا ماءً، فإذا هو نبيذ. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثمرةٌ طيبة وماءٌ طهور "، قال: ثم توضأ منها، فلما قام يصلى أدركه شخصان منهم، قالا له: يا رسول الله، إنا نحب أن تؤمَّنا فى صلاتنا. قال: فصفّهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، ثم صلى بنا، فلما انصرفا قلت له: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: " هؤلاء جن نصيبين، جاؤوا يختصمون إلىَّ فى أمورٍ كانت بينهم، وقد سألونى الزاد فزوَّدتهم ". قال: فقلت له: وهل عندك يا رسول الله من شىء تزودهم إياه؟ قال: فقال: " قد زوَّدتهم ". فقلت: وما زودتهم قال: " الرجعة، وما وجدوا من روث وجدوه شعيرًا، وما وجدوه من عظم وجدوء كاسيًا " قال: وعند ذلك نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أن يستطاب بالروث والعظم. أحمد فى المسند 1/ 458 واللفظ له، والطبرانى فى الأوسط والكبير من حديث الزبير بن العوام =

لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ. فَقَالَ: " أَتَانِى دَاعِى الْجِنِّ. فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَأتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ". قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وآثَار نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ. فَقَالَ: " لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم " (¬1)، وما بقى من الحديث من قول الشعبى كذا قال أصحاب داود (¬2) ابن علية (¬3) وابن زريع (¬4) وابن أبى زائدة (¬5) وابن إدريس (¬6) وغيرهم. ¬

_ = بألفاظ مختلفة. كما أخرجه الحاكم بنحوه وسكت عنه. وقال فيه الذهبى: هو صحيح عند جماعة، وقال الهيثمى فى حديث أحمد والطبرانى: إسناده حسن. مجمع الزوائد 1/ 209. (¬1) الإلزامات والتتبع: 300. (¬2) داود بن أبى هند، ولأنه جاء فى الأصول بغير فاصل بينه وبين ما بعده فقد نقله بعض الشراح الأسبقين على أنه داود بن علية، راجع: الأبى 2/ 193. ولقد احتاط النووى للأمر فقال: كذا رواه أصحاب داود الراوى عن الشعبى، وابن علية وابن زريع وابن أبى زائدة وابن إدريس وغيرهم. ثم قال: هكذا قاله الدارقطنى. راجع نووى 2/ 91. قلت: لفظ الدارقطنى: وأخرج مسلم حديث عبد الأعلى - يعنى ابن عبد الأعلى - عن داود عن الشعبى عن علقمة عن عبد الله حديث ليلة الجن بطوله، وآخر الحديث إنما هو من قول الشعبى مرسل عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأخرج حديث ابن مسعود فأرانا آثار نيرانهم وما بعده إلى آخر الحديث وهو قوله: " وسألوه الزاد " إلى آخره، وكذلك رواه ابن عليّة، ويزيد بن زريع وابن إدريس وأبن أبى زائدة وغيرهم عن داود وقد رواه حفص عن داود عن الشعبى عن علقمة عن عبد الله، وأتى بآخره مسنداً ووهم فيه حفص والله أعلم. قلت: رواية حفص أخرجها الترمذى من حديث هنَّاد مختصرًا سندًا، ثم قال: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم وغيره عن داود بن أبى هند عن الشعبى، وكأنَّ رواية إسماعيل أصحَّ من رواية حفص بن غياثٍ. ك الطهارة، ب ما جاء فى كراهية ما يستنجى به 1/ 39، وك التفسير، ب فى تفسير سورة الأحقاف 2/ 219. وقد خَطَّأ الشيخ أحمد شاكر صنيع الترمذى فقال: إنه غير جيِّد فإن حفص بن غياث، ثقةٌ حافظ، والراوى قد يصل الحديث وقد يرسله، ولم ينفرد حفص بوصل هذا النهى فيما رواه عن داود فقد تابعه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة. السابق 1/ 30 هامش. وكأنه لم يطلع على كلام الدارقطنى فى العلل ولا فى الإلزامات. جاء فى العلل: وسئل - أى الدارقطنى - عن حديث علقمة عن عبد الله: " هل كان أحدٌ منكم مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن " فقال: يرويه داود بن أبى هند عن الشعبى عن علقمة عن عبد الله، رواه عنه جماعة من الكوفيين والبصريين، فأما البصريون فجعلوا قوله: " وسألوه الزاد ... " إلى آخر الحديث، من قول الشعبى مرسلاً، وأما يحيى بن أبى زائدة وغيره من الكوفيين فأدرجوه فى حديث ابن مسعود عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: والصحيح قول من فصله، فإنه من كلام الشعبى مرسلاً. العلل 5/ 132. (¬3) إسماعيل بن علية. وقد أخرجه مع الإمام مسلم أبو داود، والترمذى وابن أبى شيبة فى المصنف 1/ 156، وأبو يعلى فى المسند. (¬4) يزيد بن زريع وهو بصرى، وأخرجه من طريقه الطيالسى والبزار فى مسنديهما. الطيالسى 37، والبزار 1/ 166. (¬5) هو يحيى بن أبى زائدة - وهو كوفى. وروايته فى الترمذى وابن أبى شيبة. (¬6) هو عبد الله بن إدريس، وحديثه فى أبى داود فى الطهارة والترمذى فى التفسير. تحفة الأشراف 7/ 112.

اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِى أَيْدِيكُمْ، أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَلىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. (...) قَالَ الشَّعْبِىُّ: وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ، إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِىِّ، مُفَصَّلاً مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ. 151 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ دَاوُدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشعبى: وسألوه الزاد. وكذا ذكره مسلم عن إسماعيل (¬1) عن داود فقال: " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه " إلى آخر الحديث، وقد أسند الكلام كله حفص عن داود ووهم، قال بعضهم: هذا لمؤمنى الجن، ولغيرهم جاء الحديث الآخر: طعامهم ما لم يذكر اسم الله عليه (¬2). وقوله فى حديث ابن عباس: " ما قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجن ولا رآهم " وذكر خروجه إلى عكاظ واستماعهم له، وقوله فى حديث ابن مسعود: " أتانى داعى الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن "، يجمع بين الحديثين بأن يكونا قِصَّتين حديث ابن عباس فى شأن " قل أوحى إلىَّ " وأول بحث الجن عن خبره، وقد اختلف المفسرون هل علم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهم حين أوحى إليه باستماعهم له، أو لم يعلم إِلَّا بعد ذلك؟ وحديث ابن مسعود فى حين أتوه ليقرأ عليهم القرآن فيكون وفدًا آخر، والجمع أولى من المعارضة والاختلاف ولا تنافى فى هذا. وقوله فى حديث ابن عباس: " وقد حيل بين الشياطين وبين السماء (¬3) وأرسلت عليهم الشهب " ظاهر فى أن هذا لم يكن قبل مبعثه - عليه السلام - لإنكار الشياطين له وطلبهم سببه؛ ولهذا كانت الكهانة فاشية فى العرب ومرجوعًا إليها فى حكمهم، وسر علمهم، حتى قطع سببها بأن حيل بين الشياطين وبين استراق السمع، كما قال تعالى فى سورة الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْع} الآية (¬4)، وقوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} (¬5)، وقوله: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا ¬

_ (¬1) ابن إبراهيم بن سهم بن مِقْسم البصرى. (¬2) يعنى بذكر قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الشيطان يستحل الطعام ألا يُذكر اسم الله عليه "، وسيأتى إن شاء الله فى الأطعمة. (¬3) الذى فى المطبوعة من نسخ الصحيح. خبر السماء. (¬4) الجن: 8، 9. (¬5) الشعراء: 212.

عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النِّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى قَوْلِهِ: وآثَارَ نِيَرَانِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 152 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ مَعَهُ. 153 - (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِىُّ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مَعْنٍ؛ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنَ آذَنَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لِّلشَّيَاطِينِ} (¬1) وقوله: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ. لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِّن كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا} الآيات (¬2). وقد جاءت الأخبار عن العرب باستغراب رميها وإنكاره، إذ لم يعهدوه قبل مبعثه - عليه السلام - (¬3) وكان أحد دلائل نبوته وعلامات مبعثه. وما ذكر فى الحديث من إنكار الشياطين لها يدل عليه، وقد جاء أيضًا رمى الشهب فى أشعارها، وقال بعضهم: لم تزل الشهب منذ كانت الدنيا، واحتجوا بما جاء فى أشعار العرب من ذلك، وهذا (¬4) مروى عن ابن عباس والزهرى، رفع فيه ابن عباس حديثاً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5). قال الزهرى: وقد اعترض عليه بقوله: {فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (¬6)، قال: غُلِّظ أمْرُها وشُدِّد، والمفسرون قد قالوا نحواً من ذلك، وذكروا أن الرمى بها وحراسة السماء كانت معلومة قبل مبعثه - عليه السلام - ولكن إنما كانت تكون عند حدوث أمر عظيم، من عذاب ينزل بأهل الأرض، أو بإرسال رسول إليهم، وعليه تأولوا قوله تعالى: {وَأَنَّا لا نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الأَرْض} الآية (¬7)، وقيل بل كانت الشهب قبل مَرْئيَّةً ومعلومة، لكن ¬

_ (¬1) الملك: 5. (¬2) الصافات: 6 - 9. (¬3) من ذلك قولهم: ألم تر الجنِّ وإبلاسِها ... ويأسِها بعد وإبلاسها وإياسِها من إمساكها ... ولحوقها بالقلاص وأحلاسها وانظر قصة هذا فى: الدلائل 2/ 244. (¬4) فى ت: وهو. (¬5) سيأتى إن شاء الله فى كتاب السلام، ب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، وقد أخرجه أحمد فى المسند 1/ 218، البيهقى فى القسامة، ب ما جاء فى النهى عن الكهانة وإتيان الكهان 8/ 138، وانظر: دلائل النبوة 2/ 234. (¬6) الجن: 9. (¬7) الجن: 10.

بِالجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِى أَبُوكَ - يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ - أَنَّهُ آذَنَتْهُ بِهمْ شَجَرَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ حَرْق الشياطين بها لم يكن إِلا عند بعثه - عليه السلام - وكذلك ذكر أهل التفسير الخلاف فى معنى قوله: {رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} (¬1) وفى إعرابه، هل هو مصدر فيكون الكواكب هى الراجمة المحرقة بشهبها لا بأنفسها؟ أو اسمٌ فتكون هى بنفسها التى يرجم بها، ويكون رجومٌ جمع رجم؟ قاله مكى (¬2). ¬

_ (¬1) الملك: 5. (¬2) هو مكى بن أبى طالب حموش بن محمد بن مختار الأندلسى، عالم بالتفسير واللغة، وهو صاحب مشكل إعراب القرآن. مات عام سبع وثلاثين وأربعمائة.

(34) باب القراءة فى الظهر والعصر

(34) باب القراءة فى الظهر والعصر 154 - (451) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنِ الْحَجَّاج - يَعْنِى الصَّوَّافَ - عَنْ يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَة؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى بِنَا، فَيَقْرَأُ فِى الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِى الْرَّكْعَتَيْنِ الأُوَلَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُسْمعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الأُولَى مِنَ الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ الثَّانِيةَ، وَكَذَلِكَ فِى الصُّبْحِ. 155 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيِدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ وَأَبَانُ ابْنُ يَزِيِدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُوَلَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيُسْمِعْنُا الآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم قراءته فى صلاته - عليه السلام - فى الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة (¬1) يطول فى الأولى منهما وفى الأخريين بفاتحة الكتاب، وهذا يبين أنه لم يقرأ فى الركعتين الأخريين السورتين، ونحوه قول سعد: وأحذف فى الأخريين. ويبينه قراءته فى صلاة العصر بقدر خمس عشرة آية فى الركعتين الأوليين وفى الأخريين قدر النصف، وهذا قدر أم القرآن فى حدِّها، وكل هذا حجة لاختيار مالك - رحمه الله - وقد تقدم ما كان من الخلاف للعلماء فى ذلك، وفيها حجة على قراءة أم القرآن فى كل ركعة. وقوله: " يسمعنا الآية أحيانًا " دليل على أن قراءة السر ليس من شرطها إِلا يُستمع منهما شىء بل كما فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون جهر، وأنَّ الجهرَ الخفيف فى بعض السورة فيما يسرّ فيه لا شىء فيه، لكن ما ورد فى أن قراءته كانت فى الركعتين الآخرتين من الظهر على النصف من الأوليين وذكر - أيضاً - فى العصر نحوه [يحتج به الشافعى] (¬2) ومن يرى قراءة السورة فى كل ركعة، وأحاديثنا المتقدمة فى البيان أولى، لنصِّه على أم القرآن، وهذا على التقدير والحدس (¬3)، وقد يمكن تطويل ترتيل أم القرآن كما جاء عنه - ¬

_ (¬1) الذى فى نسخ المطبوعة: وسورتين. (¬2) فى ت: وبه يحتج الشافعى. (¬3) فى ت: الحديثين.

156 - (452) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْوَلِيد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِى الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ قَالَ: كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُوَلَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ {آلم. تَنْزِيلُ} السَّجْدَةِ. وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِى الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأوَلَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِى الأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَفِى الأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ. ولَمْ يَذْكُرْ أَبُو بَكْر فِى رِوَايَتِهِ: {آلم. تَنْزِيلُ}. وَقَالَ: قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةَ. 157 - (...) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ أَبِى الصِّدِّيقِ النَّاجِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى صَلَاةِ الظُّهْرِ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأولَيَيْنِ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِى الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيةً. أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ. وَفِى الْعَصْرِ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِى الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ. 158 - (453) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخَبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا سَعْدًا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرُوا منْ صَلَاتِهِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ لَهُ مَا عَابُوهُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: إِنِّى ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام - فى غير هذا الحديث: " يقرأ بالسورة فيطولها (¬1) حتى تكون أطول من أطول منها " ولاختلاف فعله - عليه السلام - فى ذلك كان الأمر عند أهل العلم فى ذلك واسعًا (¬2) ولم ير مالك على من قرأ السورة فى الركعتين الأخريين سجودًا. [قال الإمام] (¬3): [وما ورد فى كتاب مسلم من أحاديث إطالته - عليه السلام - فى بعض الصلوات فإنه قد ورد ما يعارضه وهو قوله عليه السلام: " إن منكم منفرين، فأيكم أمّ الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة " (¬4) وهذا أمر منه - ¬

_ (¬1) فى الأصل: فيرتلها. (¬2) فى الأصل: واسع، وهو خطأ. (¬3) سقط من ع. (¬4) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب تخفيف الإمام فى القيام وإتمام الركوع والسجود، وب من شكا إمامه إذا طوَّل، وفى ك العلم، ب الغضب فى الموعظة والتعليم، وابن ماجه، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب من أمَّ قوماً فليخفف، والدارمى فى الصلاة، البيهقى كذلك، ب ما على الإمام من التخفيف 3/ 115، أحمد فى المسند 4/ 118، جميعًا عن أبى مسعود الأنصارى.

لأُصَلِّى بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، إِنِّى لأَرْكُدُ بِهِمْ فِى الأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِى الأُخْرَيَيْنِ. فَقَالَ: ذَاكَ الظَّنُ بِكَ، أَبَا إِسْحَاقَ. (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 159 - (...) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عَوْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنِ سَمُرَةَ. قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: قَدْ شَكَوْكَ فِى كُلِّ شَىءٍ حَتَّى فِى الصَّلَاةِ. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِى الأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِى الأُخْرَيَيْنِ، وَمَا آلُو مَا اقْتَديْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ - أَوْ ذَاكَ ظَنِّى بِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام - للتخفيف، وإشارة للتعليل فيبطل تطرق لاحتمال إليه وما نقل من أفعاله - عليه السلام - التى ظاهرها الإطالة [فقد] (¬1) تحمل على أنه كان منه فى بعض الأوقات ليبين للناس جواز الإطالة، وعلى أنه - عليه السلام - علم من حال من وراءه فى تلك الصلوات أنه لا يشق عليهم ذلك، وأوحى إليه أنه لا يدخل عليه من تشق عليه الإطالة] (¬2). قال القاضى: واختلاف فعله - عليه السلام - والروايات عنه فى قراءته فى الصلوات من الرواية فى تطويله أحياناً القراءة فى المغرب وتخفيفها أحيانًا فى العشاء والظهر، واختلافها فى الصلوات - دليل على سعة الأمر، وأنه لأحد فى قراءة لصلاة من الصلوات لا يتعدى، وأنه كان - عليه السلام - يفعل فى كل ذلك بحسب حال من وراءه من القوة والضعف. وبحسب وقته من ابتداء الصلاة أول الوقت، أو تمكنه، أو الأعذار الحادثة فيه، فما روى من قراءته فى العشاء بالتين والزيتون أنه كان فى السفر وهو موضع التخفيف لمشقة السفر ونظر المسافر حينئذ لما يحتاج إليه. وقول من روى: " إنه قرأ فى صلاة المغرب بالمرسلات وبالطور أو بطولى الطوليين " (¬3) أى ببعض هذه السور، وليس فيها نص أنه أتمهما وهذا يرو تأويل من قال: إنه فى قراءته ¬

_ (¬1) زائدة فى ع. (¬2) جاءت هذه العبارة فى العلم بعد عبارة: " قال الإمام: اختلف الناس فى صحة صلاة المفترض ... " ص 94/ ب من الإكمال، أى حدث تقديم من القاضى. (¬3) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب القراءة فى المغرب، أبو داود، ك الصلاة، ب قدر القراءة فى المغرب، النسائى كذلك، ب القراءة فى المغرب، البيهقى أيضاً، ب من لم يضيق القراءة فيها بكثر مما ذكرنا 2/ 392. عن زيد بن ثابت. وقوله: " طولى الطوليين ": تثنية الطولى، ومذكرها الأطول، أى أنه وإن يقرأ فيها بأطول السورتين الطويلتين وهما الأنعام والأعراف.

160 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبِى عَوْنٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ: فَقَالَ: تُعَلِّمُنِى الأَعْرَابُ بِالصَّلَاةِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ لهذه السورة فى الغرب دليلاً على سعة وقتها، للاحتمال الذى ذكرنا، وأيضًا فمن يقول: إن لها وقتًا واحدًا لا يحدده بقدر سورة، وأن مذهبه أنها لا تؤخر عن أوله ثم تطويلها لا يمنعه مانع، وبدليل ما روى فى الحديث " أنهم كانوا ينتصلون بعد صلاة المغرب " (¬1) ولو طولت بقدر قراءة تلك السورة مع عادة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الترتيل، لم يروا مواقع نبلهم، أو يكون هذا منه - عليه السلام - على حال دون حال، وفى وقت لم يكن وراءه من هو صائم ولا مُتَعجِّل وقد روى عنه ابن عمر: " أنه كان يقرأ فيها بـ " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ " (¬2)، وعن أبى هريرة: " أنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل " (¬3) لكن أكثر الروايات متفقة على التطويل فى الصبح، وذلك بحسب تغليسه - عليه السلام - بها وامتداد وقتها، وليدرك الصلاة معه من فاته التغليس بها من ذوى الأعذار، فهاهنا تحمل الروايات فى التطويل الكثير الذى جاء فى الأم أنه كان يقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة وبـ " المؤمنون "، ثم دون ذلك فى غالب حاله، وهو ما روى من قراءته فيها بقاف. ¬

_ (¬1) معنى حديث أخرجه النسائى عن رجل من أسلم من أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنهم كانوا يُصلُونَ مع نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المغرب ثم يرجعون إلى أهاليهم إلى أقصى المدينة يرمون ويُبصِرون مواقِع سهامهم، ك الصلاة، ب تعجيل المغرب 1/ 259. (¬2) المصنف لابن أبى شيبة، ك الصلوات، ب ما يقرأ به فى المغرب 1/ 358، وهو عن عبد الله بن يزيد وليس ابن عمر. والآية رقم 1 من سورة التين. (¬3) النسائى فى الكبرى، ك صفة الصلاة، ب القراءة فى المغرب بقصار المفصل 1/ 338، البيهقى كذلك، ب قدر القراءة فى المغرب 2/ 391. وفى تحديد السور من حيث طوالها وقصرها وأوساطها نقول: ذهب الشافعية إلى أن طوال المفصل من الحجرات إلى النبأ، وأوساطه من النبأ إلى الضحى، وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن الكريم. أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أن طوال المفصل من سورة الحجرات إلى آخر البروج، وأوساطه من الطارق إلى أول البينة، وقصاره من البينة إلى آخر القرآن الكريم. وقال المالكية: إن طوال المفصل كذلك من الحجرات لكنها إلى سورة النازعات، وأوساط المفصل من عبس إلى سورة " والليل "، وقصاره من " الضحى " إلى آخر القرآن. أما الحنابلة فقد ذهبوا إلى أن أول المفصل هو سورة " ق " وقيل فى المذهب: " الحجرات "، وأوساطه من " عم " إلى سورة " الضحى "، وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن، الدر المختار 1/ 504، الشرح الكبير 1/ 247، كشاف القناع 1/ 399.

161 - (454) حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ سَعِيدٍ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخدْرِىِّ؛ قَالَ: لَقَدْ كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأتِى وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الرَّكْعَةِ الأُولى، مِمَّا يُطَوِّلُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحمل ما ورد من قراءته فيها بـ {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس} (¬1) فى بعض الأوقات عند إسفاره بها، وفى مثل تعليمه آخر وقت صلاتها، وفى إسفاره، وكذلك يحمل قراءته فى صلاة الظهر بـ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (¬2)، وهى رواية الطبرى: {إِذَا عَسْعَس}، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (¬3) عند إرادته التخفيف، وقراءته فيها وتطويل الركعة الأولى حتى يذهب الذاهب إلى البقيع فيقضى حاجته، ثم يرجع ويتوضأ ويدرك الصلاة معه، [دليل] (¬4) على صلاتها أول الوقت وانتظار الجماعة للاجتماع ومعرفة من يصلى وراءه؛ لأن هذه الصلاة تأتى والناس فى قائلتهم وأشغالهم؛ ولهذا مما استحب تأخير صلاتها فى الجماعة عن أول الوقت إلى فىء الفىء ذراعًا ليستجمع الناس لها، وقد ذكر أبو داود هذا المعنى فى الحديث عن أبى قتادة قال: " فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى" (¬5)، وعن ابن أبى أوفى أنه - عليه السلام - كان يقوم فى الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم (¬6) يعنى حتى يتكامل الناس ويجتمعوا لها. وقراءته - عليه السلام - فيها بـ الَم السجدة (¬7) ونحوها غالب الأوقات (¬8) وتساوى الأحوال، وهذا (¬9) اختيار مالك - رحمه الله. وعلماء الأمة استحبابُ التطويل فى الصبح والظهر بحسب حال المصلى والجماعة، وترخيص التخفيف وتقصير القراءة فيها فى السفر وعند الحاجة والضرورة، والقراءة فيهما بما قرأه - عليه السلام - فى حديث جابر بن سَمُرَة بقاف ونحو ذلك من طوال المفصل، وليس فى حديث جابر المذكور فى قوله: " وكانت (¬10) صلاته بعد تخفيفًا ": أى بعد هذه المدة التى قرأ فيها بقاف بل ظاهره أن هذه هى من التخفيف، وإنما أراد بـ " بعد " آخِرَ حاله، خلاف أوله، والله أعلم. وبدليل قوله فى الرواية الأخرى: " كان تخفيف ¬

_ (¬1) التكوير: 17. (¬2) الليل: 1. (¬3) الأعلى: 1. (¬4) من ت. (¬5) ك الصلاة، ب ما جاء فى القراءة فى الظهر (800). (¬6) المصنف لابن أبى شيبة، ك الصلوات، ب ما يُقْرَأ فى صلاة الفجر 1/ 353. (¬7) يعنى قدر الم السجدة، كما جاءت به الرواية (156). (¬8) أبو داود، ك الصلاة، ب قدر القراءة فى صلاة الظهر والعصر (807). (¬9) فى ت: وهو. (¬10) لفظ المطبوعة: وكان.

162 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ابْنِ صَالِحٍ عَنْ رَبِيَعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى قَزْعَةُ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ وَهُوْ مَكْثُورٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة " ثم قال: " كان يقرأ فى الفجر بقاف " ونحوها. واختلف أصحابنا: هل هما سواء؟ أو كون الصبح أطول؟ وهو أكثر ما جاء فى الحديث من أنها أطول قراءة من الظهر وذلك بحسب امتداد وقتها، وتفرغ الناس من الأشغال لها، وكون القراءة فى العصر والمغرب بقصار المفصل، كما جاء من أكثر الروايات (¬1) فى قراءته - عليه السلام - فيهما، لأن العصر آخر النهار وتمادى الصلاة فيها والتطويل يوقعها فى الوقت المكروه الصلاة فيه، وعند إعياء أكثر الناس من خدمتهم وكلالهم من تصرفاتهم ومهنتهم، والمغرب كذلك ويكون وقتها مضيقًا، ولحاجة الصائم إلى المبادرة للإفطار، وأكثر الناس للعشاء، وأنه لو طولت القراءة فيها لاتصلت بالعشاء الآخرة، لتقارب وقتيهما، واتصاله، فيضيق تناول العشاء لمن احتاجه، ويضرُّ به إن أخَّره حتى يصلى العشاء الآخرة، ولم يكن للعشاء الآخرة هذه الضرورة فى التخفيف، وكان وقت نوم الناس وراحتهم، فلم يحتمل كثير التطويل، وكانت نحو المغرب والعصر فى القراءة وفوق ذلك قليلاً، وقد جاء أن النبى - عليه السلام - قرأ فيها {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} (¬2) {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون} (¬3) (¬4) وقال لمعاذ: " اقرأ فيها بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (¬5) و {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬6) و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (¬7)، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (¬8) " (¬9) وكتب عمر أن يقرأ فيها بوسط المفصل (¬10) واختاره أشهب (¬11). وكان ترتيب الشرع بحكمته القراءة فى هذه الصلوات هذا الترتيب العجيب، وعلى هذا الذى اختاره مالك عامة العلماء وهو الذى روى من عمل الخلفاء والسلف المرضى، وإن كان قد روى عن بعضهم فى ذلك خلاف، فقد روى عن بعضهم أن العصر كالظهر، وقال بعضهم على النصف منها، وقال بعضهم على الربع منها، وبالجملة فقوله - عليه السلام -: " إذا أمّ أحدكم فليخفف، فإن فيهم الضعيف وذا الحاجة " الحديث. وقول ¬

_ (¬1) انظر فى هذا المصنف لابن أبى شيبة، ك الصلوات، ب فى العصر قدر كم يقام فيه 1/ 357. (¬2) الانشقاق: 1. (¬3) التين: 1. (¬4) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب الجهر فى العشاء، عن أبى رافع وعن البراء، وب القراءة فى العشاء بالسجدة عن أبى رافع، ب القراءة فى العشاء عن البراء. (¬5) الأعلى: 1. (¬6) العلق: 1. (¬7) الليل: 1. (¬8) الشمس: 1. (¬9) السابق، ك الأذان، ب من شكا إمامه إذا طوَّل. (¬10) المصنف لابن أبى شيبة، ك الصلوات، ب ما يقرؤون به فى العشاء الآخرة 1/ 359. (¬11) أشهب بن عبد العزيز بن داود الفقيه المالكى المصرى، تلميذ الإمام مالك، مات سنة أربع ومائتين بعد الشافعى بشهر. وفيات الأعيان 1/ 238.

عَلَيْهِ فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، قُلْتُ: إِنِّى لا أَسْأَلُكَ عَمَّا يَسْأَلُكَ هَؤلاَء عَنْهُ. قُلْتُ: أَسْأَلُكَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَالَكَ فِى ذَاَك مِنْ خَيْرٍ. فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهرِ تُقَامُ، فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَأتِى أَهْلَهُ فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الرَّكْعَةِ الأُولَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ جابر بن سمرة: " وكانت صلاته بعد تخفيفًا " وحديث أنس بنحوه، يقضى على جميع مختلف الآثار وأنه الذى يشرعه - عليه السلام - للأئمة وهو موضع البيان، وما خالفه من فعله فيحسب زوال العلة، [بل] (¬1) قد كان يخفف الصلاة لسماع بكاء الصبى، وأيضًا فكان - عليه السلام - مأمور بتبليغ القرآن وقراءته على الناس فحاله فى ذلك كان بخلاف حال غيره، وقد يكون اختصاصه بقراءة بعض السور فى صلاته وتطويله فيها أحيانًا بالقراءة لذلك، ولمطابقة حالٍ من الناس لما يتلوه عليهم ويذكرهم به. وأما اختصاصه الركعة الأولى بالتطويل أكثر من غيرها فلما ذكرنا من مبادرته بالصلاة أوائل الوقت، وحرصًا على أن يدركه فيها من لم يمكنه الدخول معه أولاً لعذره أو شغله، وقد يحتج بهذا على أحد القولين عندنا فى الإمام الراكع يسمع حسّ الداخل أنه ينتظره ولا يرفع، وقد ينفصل من يقول لا ينتظره أن تطويل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا لغير معيّن ولا مخصوص، بل للجماعة التى ينتظر استيفاؤها، وفى الراكع مراعاة حقوق الراكعين معه أولى من الواحد الداخل. واختلف أئمة العلم على القولين معًا، وشدد الكراهة بعضهم فى ذلك جدًا ورآه من اشتراك العمل لغير الله، ولم يقل شيئًا، بل كله لله، وليحوز أجر مدرك الركعة معه ويضاعف أجر صلاته بعقله لها وراءه، وفيه الاستحباب بامتثال فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكون الركعة الأولى للمصلى أطول من الثانية، وأن يكون قراءته فى السور على ترتيبها فى المصحف، ولا ينكّس فيبدأ فى المتأخر على المتقدم وأن يكون قراءته بسورة تامة فى الركعة فى الفرض مفردة، ولا يبعضها، ولا بسورتين وهذا كله اختيار مالك - رحمه الله - وغيره من أهل العلم على ما جاءت به أكثر هذه الأحاديث، وقد أجاز غير مالك ابتداء القراءة ببعض سورة وروى مثله عنه، والأمر فى جميع ما ذكرناه واسع إن شاء الله تعالى. وقول أبى سعيد للذى سأله عن صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مالك فى ذلك من خير " يعنى أنك لا تقدر على الإتيان بمثل صلاته مما ذكر من طولها وإن تكلفت فى ذلك يشق عليك. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت.

(35) باب القراءة فى الصبح

(35) باب القراءة فى الصبح 163 - (455) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيجٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْعَابِدِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ [قال الإمام] (¬1): وذكر (¬2) مسلم القراءة فى صلاة الصبح: نا (¬3) هارون، نا حجاج عن ابن جريج، ونا (¬4) ابن رافع، [نا عبد الرزاق] (¬5)، أنا (¬6) ابن جريج قال: سمعت محمد بن عباد يقول: أخبرنى أبو سلمة [بنُ سفيان] (¬7) وعبد الله بن عمرو بن العاص وكذا فى إسناده فى حديث حجاج عن ابن جريج قال: فيه عبد الله بن عمرو بن العاص، وفى حديث عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو ولم يقل ابن العاص، قال بعضهم: هو الصواب، وعبد الله بن عمرو (¬8) المذكور فى هذا الحديث ليس بابن العاص، وإنما هو رجل آخر من أهل الحجاز، وقد روى عنه محمد بن عبّاد (¬9). قال القاضى: وقوله فى هذا السند: " وعبد الله بن المسيب العابدى " (¬10) وهو بالبا بواحدة ودال مهملة، وقول سعد: " أصلى بكم (¬11) صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أخْرِم ¬

_ (¬1) سقط من ع. (¬2) فى ع: خرج. (¬3) فى ع: قال: وفى المطبوعة: وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حجاج. (¬4) فى الصحيحة المطبوعة: وحدثنى محمد بن رافع. (¬5) فى الصحيحة المطبوعة: حدثنا عبد الرزاق. (¬6) فى المطبوعة: أخبرنا. (¬7) سقط من ت. (¬8) هو عبد الله بن عمرو المخزومى القرشى، روى له مسلم وأبو داود هذا الحديث الواحد. قال المزِّى: ووقع فى بعض طرق مسلم فيه: " عن عبد الله بن عمرو بن العاص " وهو وَهْم، وقال بعضهم: عن عبد الله بن عبدٍ القارىِّ. تهذيب الكمال 15/ 376. (¬9) محمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة المكى، روى عن جده لأمه عبد الله بن السائب، وأبى هريرة، وعائشة، وغيرهم، وعنه الزهرى، والأوزاعى وابن جريج وابن مهران، وثقه ابن معين وابن سعد. تهذيب التهذيب 9/ 243، تهذيب الكمال 25/ 433. (¬10) هو ابن أبى السائب بن صيفى بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. روى عن عبد الله بن السائب وعن عمر وابن عمر، وعنه محمد بن عباد وابن أبى مليكة، ذكره ابن حبان فى الثقات. مات أيام ابن الزبير. التهذيب 6/ 33. (¬11) لفظ الصحيحة المطبوعة: " إنى لأصلى بهم ". انظر: الرواية: 158.

السَّائِبِ، قَالَ: صَلَّى لَنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ، فَاسْتَفْتَحَ سُوَرَةَ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ، أَوْ ذِكْرُ عِيسَى - مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ يَشُكُّ أَوِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ - أَخَذَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةُ، فَرَكَعَ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ السَّائِبِ حَاضِرٌ ذَلِكَ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: فَحَذَفَ، فَرَكَعَ. وَفِى حَدِيثِهِ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو. وَلَمْ يَقُلِ: ابْنِ الْعَاصِ. 164 - (456) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْر عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى الْوَلِيدُ بْنُ سَرِيعٍ عَنْ عَمْرو بْنِ حُرَيْثٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرأُ فِى الْفَجْرِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس} (¬1). 165 - (457) حدّثنى أَبُو كَامِل الْجَحْدَرِىُّ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ وَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَرَأَ: {ق والْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (¬2). حَتَّى قَرَأَ: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} (¬3) قَالَ: فَجَعَلْتُ أُرَدِدْهَا وَلا أَدْرِى مَا قَالَ. 166 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ. سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِى الْفَجْرِ: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها ": أى ما أنقصُ بفتح الهمزة ثلاثى، والخرم فى الشعر نقص حرف من أوَّل البيت، وقيل: معناه: لا أترك ولا أذهب عنها وأصله العدول عن الطريق ومخارم الطريق. وقوله: " [إنى لأركد فى الأوليين أو أسكن] (¬4) وأقِلُ الحركة والانتقال وأديم القيام ": والمراد أطيل القيام، كما قال فى الرواية الأخرى: " أمد فى الأوليين "، والركود: الدوام، والماء الراكد: الدائم الذى لا يجرى، وكذلك قوله: " وأحذف فى الأخريين " أى أقصر، وأصل الحذف الطرح وكل شىء بعضته فقد حذفته. ¬

_ (¬1) التكوير: 17. (¬2) ق: 1. (¬3) ق: 10. (¬4) لفظ المطبوعة: " إنى لأَرْكُدُ بهم فى الأوليَيْن وأَحْذِفُ فى الأخريين "

167 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ عَمِّهِ؛ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِى أَوَّلِ رَكْعَةٍ. {وَالنَّخْلَ بَاسِقَات لُّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} وَرُبَّمَا قَالَ: {ق}. 168 - (458) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائدَةَ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى الْفَجْرِ بـ {ق وَاَلْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}. وَكَانَ صَلَاتُهُ بَعْدُ، تَخْفِيفًا. 169 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُخَفِّفُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُصَلِّى صَلَاةَ هَؤُلَاءِ. قَالَ: وَأَنْبَانِى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى الْفَجْرِ بِـ {ق وَالْقُرْآنِ} وَنَحْوِهَا. 170 - (459) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِى الظُّهْرِ بـ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (¬1) وَفِى الْعَصْرِ، نَحْوَ ذَلِكَ. وَفِى الصُّبْحِ، أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ. 171 - (460) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِىُّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (¬2) وفِى الصُّبْحِ، بِأَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ. 172 - (461) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ التيْمِىِّ، عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِى بَرْزَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنَ السَّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِى بَرزْةَ الأَسْلَمِىِّ؛ قَالَ: كَان رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِى الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السَّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ آيَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) الليل: 1. (¬2) الأعلى: 1.

173 - (462) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ وَهْوَ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} (¬1) فَقَالَتْ: يَا بُنَىَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِى بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّوَرَةَ. إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِى الْمَغْرِبِ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ صَالِحٍ: ثُمَّ مَا صَلَّى بَعْدُ. حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. 174 - (463) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ، فِى الْمَغْرِبِ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عِن الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله حين قرأ بـ " المؤمنون ": " [فلما بلغ] (¬2) ذكر موسى أو عيسى أخذته سَعْلَةٌ فركع ": السعلة - بفتح السين - من السعال، تفسير للحديث الآخر الذى لم يذكر فيه السعلة، وأنها كانت سبب قطعه السورة. وفيه حجة على جواز قطع القراءة، والقراءة ببعض سورة، ولا خلاف فى ذلك للضرورة لمثل هذا، وأجاز غير واحد من العلماء القراءة ببعض سورة ابتداء، وروى عن مالك مثله، وكره ذلك فى المشهور عنه. ¬

_ (¬1) المرسلات: 1. (¬2) لفظ المطبوعة: حتى جاء.

(36) باب القراءة فى العشاء

(36) باب القراءة فى العشاء 175 - (464) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَراءَ يحَدِّثُ عنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ فِى سَفَرٍ. فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ. فَقَرَأَ فِى إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون} (¬1). 176 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى - وهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ. فَقَرَأَ بـ {التِّينِ وَالزَّيْتُون}. 177 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مِسْعرٌ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرأَ فِى الْعِشَاءِ بـ {التِّينِ وَالزَّيْتُون} فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ. 178 - (465) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَأتِى فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان معاذ يصلى مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " [وفى رواية] (¬2): " العشاء الآخرة، ثم [يأتى فيؤم قومه "، وفى رواية] (¬3): " فيصلى بهم تلك الصلاة "، قال الإمام: اختلف الناس فى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، واحتج من أجازها بحديث معاذ هذا أنه كان يصلى بقومه بعد صلاته مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن منع (¬4) [ذلك قال] (¬5): يحتمل أن يكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم فعل معاذ هذا ولو علمه لأنكره، ويحتمل أن يكون اعتقد فى صلاته خلف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التنفل وصلى بقومه، واعتقد أنه فرضه، فلا يكون فيه (¬6) حجة مع الاحتمال، ووقع فى بعض طرقه أن الرجل لما شكاه إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: إن معاذًا صلى معك العشاء، ثم أتانا فافتتح بسورة البقرة، وهذه الزيادة تنفى قول من قال: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم بفعل [معاذ لأنه] (¬7) هاهنا أعلم به، ولم ينقل أنه أنكره، والظاهر ¬

_ (¬1) التين: 1. (¬2) سقط من ع. (¬3) فى ع العبارة هكذا: يرجع إلى قومه. (¬4) بعدها فى المعلم: جواز صلاة المفترض وراء المتنفل. (¬5) فى ع: يقول، وسقطت " ذلك ". (¬6) فى ع: فى فعله. (¬7) فى ع: هذا مع أنه.

أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ. ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وانْصَرَفَ. فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟! قَالَ: لَا. وَاللهِ، وَلآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلأُخْبِرَنَّهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا أصْحَابُ نَوَاضِحَ، نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى فَافْتَتحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ. فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه لو كان لنُقل، وأما قطع الرجل الصلاة لإطالة الإمام فإن الإمام إذا طال حتى خرج عن العادة وتعدى فى الإطالة، وخشى المأموم تلف بعض ماله إن أتمَّ معه الصلاة، أو فوت ما يلحقه منه ضرر شديد أشد من المال، فإنه يسوغ له الخروج من إمامته؛ لأنه قد جاء من الإمام خلاف ما دخل عليه (¬1) وهذا موضع الاجتهاد، ولعل الرجل تأوّل فى القطع هذا. قال القاضى: واختلف العلماء فى صلاة المفترض خلف المتنفل، فأجازها الشافعى وأحمد فى طائفة من السلف؛ أخذًا بظاهر هذا الحديث (¬2)، ومنعت ذلك طائفة، وهو قول مالك وربيعة والكوفيين، وحجتهم قوله - عليه السلام -: " إنما جعل الإمام ليؤتم به " (¬3) فلا يختلفوا عليه، ولا خلاف أشد من اختلاف النيات وزعم أولئك أن هذا فيما يظهر فيه الخلاف من الأفعال لا فيما يظن (¬4)، وألزمهم هؤلاء الاتفاق على اتباعه فى السهو وإن لم يسهوا معه، واختلف أصحابنا إذا نزل ذلك، فأكثرهم يرون إعادة المأموم أبدًا، وسحنون يرى إعادته إذا ذكر فى اليومين والثلاثة وإذا تعد لم يعد، وأجاب أصحاب مالك ومن وافقه (¬5) عن حديث معاذ بما ذكره الإمام أبو عبد الله، وقال الطحاوى: لعل هذا كان فى بدء الإسلام؛ حيث كان جائزاً أن نصلى الفريضة مرتين حتى نهاهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) فى ع: معه. (¬2) وكذا بما جاء فى الصحيح عن جابر وأبى بكرة: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى بالناس صلاة الظهر فى الخوف ببطن نخلة فصلى بطائفة ركعتين، ثم سلم، ثم جاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم. وكذا أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف 2/ 464، ابن خزيمة (1353)، الدارقطنى 2/ 60، البيهقى فى السنن الكبرى 3/ 259. قال الإمام الشافعى فى هذا: والآخرة من هاتين للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نافلة وللآخرين فريضة. الأم، ب اختلاف نية الإمام والمأموم 1/ 173، معرفة السنن 4/ 156. (¬3) سبق، وانظر البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب الصلاة فى السطوح والمنبر (378)، والموطأ، ك صلاة الجماعة، ب صلاة الإمام وهو جالس 1/ 135. (¬4) وقد أجمع مالك وأصحابه على أن من صلَّى فى بيته وحده أنَّه لا يؤم فى الإعادة غيرَه؛ لأن الأولى صلاته، وحجتهم فى ذلك ما رواه الأربعة عن جابر: " إذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ". وانظر: التمهيد 4/ 258، الاستذكار 5/ 358. (¬5) فى ت: معه. (¬6) شرح معانى الآثار 1/ 410.

" يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأ بِكَذَا. وَاقْرَأ بِكَذَا ". قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: " اقْرَأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (¬1)، {وَالضُّحَى} (¬2)، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (¬3) و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (¬4) ". فَقَالَ عَمْرٌو: نَحْوَ هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الأصيلى: إذا ثبت أن معاذًا صلى مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء ثم صلاها بقومه ولم ينكر ذلك - عليه السلام - وجب أن يقال: إن صلاة الخوف نزلت بعد برهة من مقدم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، ومعاذ من أول من أسلم، فيكون فعله متروكًا لذلك، مع أن أصحاب عمرو ابن دينار يختلفون عليه فى أن يكون صلاته مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هى التى صلى بقومه (¬5)، وأصحاب جابر غير عمرو لا يذكرون صلاته مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) وإذا لم يبح الله لرسوله فى صلاة الخوف أن يصلى بالناس صلاتين لم ينبغ أن يسوغ ذلك لغيره. وقال المهلب (¬7): إنما كان ذلك أول الإسلام لعدم القراء، وإنه لم يكن للقوم عوضٌ من معاذ ولم يكن لمعاذ عوض من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان هؤلاء ذهبوا إلى نسخ القصة، وكذلك اختلفوا فى المأموم هل له أن يخرج (¬8) اختيارًا عن إمامة إمامه فيتم منفردًا؟ فأباح ذلك الشافعى لعذر أو غير عذر، وحجته هذا الحديث، ومنعه أبو حنيفة، وهو معروف مذهبنا، وترجح فيه ابن القصار على تخريجها على الوجهين فى المذهب من الإجزاء [أو] (¬9) عدم الإجزاء، وفى حديث معاذ عند مسلم أن الرجل سلم ثم صلى وحده (¬10) وهذا ابتداء ممنوع لغير عذر، فإن كان لعذر جاز له كما قال الإمام أبو عبد الله، إِلا أنه يكره أن يصلى مع الإمام فى موضع واحد لنهيه - عليه السلام - عن صلاتين معًا، وليصلى خارجًا عن المسجد، فإن صلى أجزأ عنه وأساء. وقوله: " أفتان أنت يا معاذ " أى تفتن الناس وتصرفهم عن دينهم، أصل الفتنة: الامتحان والاختبار، لكن عُرفها فى اختبار كشف ما يكره. ¬

_ (¬1) الشمس: 1. (¬2) الضحى: 1. (¬3) الليل: 1. (¬4) الأعلى: 1. (¬5) يعنى صلاة العشاء وذلك فيما أخرجه الطحاوى بسنده عن ابن جريج عن عمرو قال: أخبرنى جابر - رضى الله عنه - أن معاذاً كان يصلى مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء ثم ينصرف إلى قومه فيصليها بهم، هى له تطوع، ولهم فريضة. (¬6) راجع رواية الليث عن أبى الزبير، رقم (179). (¬7) هو ابن أبى صُفرة، الأسدى، الأندلسى، المُربى، مصنف " شرح صحيح البخارى "، كان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء، أخذ عن أبى محمد الأصيلى، وأبى الحسن القابسى، وعلى بن بندار القزوينى، وأبى ذر الحافظ. توفى سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. جذوة المقتبس 352، ترتيب المدارك 4/ 751، الصلة 2/ 626، الديباج 2/ 346. (¬8) فى الأصل. خرج، والمثبت من ت. (¬9) زيد بعدها فى ت: فى. (¬10) لفظ رواية المطبوعة: فانصرف رجلٌ منا فصلى.

179 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ رمحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الأَنْصَارِىُّ لأَصَحَابِهِ الْعِشَاءَ. فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ. فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا. فَصَلَّى. فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ. فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافقٌ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ مُعَاذٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُريدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأ بـ {الشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ". 180 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ الَآخِرَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّى بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ. 181 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ؛ قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَأتِى مَسْجدَ قَوْمِهِ فَيُصَلّى بِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنا أصحاب نواضح "، والنواضح: الإبل التى يُسقى عليها وأراد إنا أصحاب عمل وتعب.

(37) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة فى تمام

(37) باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة فى تمام 182 - (466) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ؛ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. فَمَا رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِى مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَّدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيْرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ وَوَكِيعٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله. " فما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب فى موعظة قط أشد مما غضب فقال: أيها الناس، إن منكم منفرين ... " الحديث: فيه الغضب لما ينكر فى الدين، وكذلك ترجم عليه البخارى والغضب فى الموعظة (¬1)، وترجم عليه أيضًا هل يقضى الحاكم وهو غضبان؟ والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف غيره لأنه - عليه السلام - لا يستفزُّه غضب، ولا يقول فى الغضب والرضى ولا يحكم إِلا بالحق، وفيه أن الخلاف على الأئمة شديد ونفاق (¬2) لقوله: " أنافقت "، وإن قائل هذا لأخيه على وجه التأويل لا يكفَّر، وقد ترجم عليه البخارى كذلك (¬3). [وقال القاضى] (¬4): خرج مسلم فى هذا الباب: حدثنا قتيبة بن سعيد (¬5) وأبو الربيع الزهرانى (¬6)، قال أبو الربيع: ثنا حماد بن زيد، ثنا أيوب (¬7)، عن عمرو ¬

_ (¬1) ك الأدب، ب ما يجوز من الغصب والشدة فى أمر الله. (¬2) إذا كان لغير داع شرعى. (¬3) كتاب الأدب، ب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً. (¬4) فى ت: قال الإمام. (¬5) ابن جميل بن طريف، روى عن مالك والليث وحماد بن زيد وغيرهم، وروى عنه الجماعة سوى ابن ماجه. مات سنة أربعين ومائتين. (¬6) هو سليمان بن داود العتكى البصرى، روى - أيضًا - عن مالك وحماد بن زيد وإسماعيل بن جعفر وغيرهم، وعنه البخارى ومسلم وأبو داود، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. (¬7) أيوب بن أبى تميمة كيسان السختيانى. مات سنة إحدى وثلاثين ومائة.

183 - (467) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - وَهْوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىُّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخفِّفْ، فَإِنَّ فِيهمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ ". 184 - (...) حدّثنا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنِّبِهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُريْرةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَا قَامَ أَحَدكُمْ للِنَّاسِ فَلْيُخَفِّفِ الصَّلَاةَ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَفِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِذَا قَامَ وَحْدَهُ فَلْيُطِلْ صَلَاتُهُ مَا شَاءَ ". 185 - (...) وحدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ للِنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِى النَّاسِ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ ". (...) وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ " غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ - بَدَلَ السَّقيمَ -: الْكَبِيرَ. 186 - (468) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنَ عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنِى عُثْمَانُ بْنُ أَبِى الْعَاصِ الثَّقَفِىُّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " أُمَّ قَوْمَكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أجدُ فى نَفْسِى شَيْئًا. قَالَ " ادْنُهْ "، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن دينار (¬1) عن جابر بن عبد الله. قال بعضهم: قال أبو مسعود الدمشقى (¬2): قتيبة يقول فى حديثه: عن حماد عن عمرو، ولم يذكر فيه أيوب ولا بَيَّنه مسلم وأهمله، وجاء ¬

_ (¬1) القرشى، الأثرم، المكى، روى عن سالم بن عبد الله بن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وغيرهم، وعنه سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وابن جريج. مات سنة ست وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب 8/ 28 - 30، رجال مسلم 2/ 68، 69. (¬2) هو أبو مسعود الدمشقى الحافظ المجوِّدُ البارع إبراهيم بن محمد بن عبيد، مصنف كتاب: " أطراف الصحيحين ". قال فيه الذهبى: جمع فأوعى، وأحد من برز فى هذا الشأن، ولكنه مات فى الكهولة قبل أن ينفق ما عنده. مات سنة إحدى وأربعمائة. سير 17/ 227.

فَجَلَّسَنِى بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ فِى صَدْرِى بَيْنَ ثَدْيَىَّ، ثُمَّ قَالَ: " تَحَوَّلْ " فَوَضَعَهَا فِى ظَهْرِى بَيْنَ كَتِفَىَّ، ثُمَّ قَالَ: " أُمَّ قَوْمَكَ، فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فيهِمُ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ ". 187 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيْدُ بْنَ الْمُسْيَّبِ قَالَ: حَدَّثَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِى الْعَاصِ قَالَ: آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَمَمْتَ قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ ". 188 - (469) وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزَ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوجِزُ فِى الصَّلَاةِ وَيُتِمُّ. 189 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَخَفِّ النَّاسِ صَلَاةً، فِى تَمَامٍ. 190 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلىُّ ابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 191 - (470) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ به مبينًا عن الزهرانى. وقوله للآخر: " أُمّ قومَك " فقال: إنى أجد فى نفسى فذكر. وضع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفه بين ثدييه وكتفيه، لعله خشى ما يقع فى نفسه من الكبر والعُجب بالتقدم على قومه أو الخجل والضعف عند ذلك والأول أظهر معانى (¬1) هذه اللفظة، أو يكون غير ذلك من المعانى، فصنع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما صنع ليذهب الله تعالى ذلك عنه ببركة يده ودعائه. وقوله: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمع بكاء الصبى مع أمه وهو فى الصلاة فيقرأ ¬

_ (¬1) فى ت: أظهر فى معانى.

الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَس؛ قَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ مَعَ أُمِّهِ، وَهُوَ فِى الصَّلَاةِ فَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ الَخْفِيفَةِ أَوْ بِالسُّورَةِ الْقَصِيرَةِ. 192 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِى عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأَدْخُلُ الصَّلَاةَ أُرِيْدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِى، فَأُخَفِّفُ، مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسورة الخفيفة " (¬1)، وفى بعض طرقه: " إنى لأدخل فى الصلاة وأريد (¬2) إطالتها، فأسمع بكاء الصبى، فأُخَفِّفُ من وجد (¬3) أمه به ": أى من حبها له، أو حزنها لبكائه وشغل سِرِّها لذلك، يقال: وجَدَ وجدًا إذا حزن وإذا أحبَّ. قال الإمام: قال بعض الناس: فى هذا الحديث إشارة إلى صحة أحد القولين عندنا، فمن افتتح الصلاة النافلة قائمًا وأراد أن يجلس فيها لأن الإطالة كما رجع عنها ولم تكن إرادته لها توجيهًا عليه، فكذلك إرادة هذا للقيام لا توجيه عليه. قال القاضى: واستدل بعضهم بهذا على جواز إطالة الإمام الركوع إذا أحس بداخلٍ للصلاة، وقال: إذا جاز له التقصير مراعاة لبعض من وراءه، فكذلك يجوز له التطويل لمثل ذلك. ودليل الحديث على أن الصبى مع أمه فى المسجد، ولعله ممن أمن منه أن يخرج منه قذرٌ فى المسجد، ولا يجوز إدخال ذلك فى المسجد. وفيه ما كان عليه - عليه السلام - من الرفق بأمته، والرأفة بهم، كما وصفه الله عز وجل به لقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (¬4) وفيه التيسير فى أمور الدين وغيرها، كما قال - عليه السلام -: " يسروا ولا تنفروا " (¬5). ¬

_ (¬1) غير مذكور فى المطبوعة. (¬2) فى المطبوعة: إنى لأدخل الصلاة أريد. (¬3) المطبوعة: من شدّةِ وجد. (¬4) التوبة: 128. (¬5) البخارى، ك الجهاد، ب ما يكره من التنازع والاختلاف فى الحرب، أبو داود، ك الأدب، ب فى كراهية المراء، عن أبى موسى.

(38) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها فى تمام

(38) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها فى تمام 193 - (471) وحدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ البَكْرَاوِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، قَالَ حَامدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِى حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فرَكْعَتَهُ، فَاعْتدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيَمِ وَالانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. 194 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث البراء من رواية أبى عوانة فى وصف صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وجدْت (¬1) قيامَه فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته فَجَلْسَته بين السجدتين فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَه ما بين التسليم والانصراف قريبًا من السواء ": فيه دليل على تخفيف القراءة والتشهد، وتمكين الأركان والطمأنينة فيها، ونحو هذا من حديث أنس، وهو معنى قوله فى حديثه: " ما صليت خلف أحدٍ أو جز (¬2) صلاة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى تمام، [كانت صلاته] (¬3) متقاربة "، وقوله هذا، وقول البراء: " قريبًا من السواء " يدل أن بعضها أكمل من بعض، وأنه لم يكن فى بعض أركانها طول عن غيره متباين جدًا، وهذا - والله أعلم - فى آخر عمله فى الصلاة وعلى حديث جابر بن سَمُرَة: " ثم كانت صلاته بعد ذلك تخفيفًا " (¬4)، ولم يكن ذلك حين كان يقرأ بالستين إلى المائة وحتى (¬5) يذهب الذاهب إلى البقيع فيقضى حاجته ثم يرجع، فجَمعْ (¬6) الأحاديث على هذا وعلى ما قدمناه قبل. وهذا على تصحيح قوله: " قيامه "، وقد ذكر البخارى ومسلم هذا الحديث عن البراء ولم يذكرا فيه القيام أولاً وقال: " كان ركوع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وذكر الحديث وزاد البخارى فيه: " ما خلا القيام والقعود " (¬7)، وهذا - والله أعلم - أصَحَّ وأقرب إلى ما تقرر من صفة صلاته - عليه السلام - وأن التقارب الذى ذكر كان فى غير هذين الركنين، ودليل أنه لم يذكر فى الحديث جلوس التشهد، فيكون ذكر القيام فيه أولاً، وهمًا ممن رواه، والله أعلم. وقوله: " فَجَلْسَته ما بين التسليم والانصراف ": دليل على مكث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمصلاه ¬

_ (¬1) لفظ المطبوعة: فوجدت. (¬2) زيد بعدها فى ت: ولا أتم. (¬3) لفظ المطبوعة: كانت صلاة رسول الله. (¬4) سبق فى باب القراءة فى الصحيح حديث رقم (458/ 168). (¬5) فى الأصل: وحين. (¬6) فى ت: فتجتمع. (¬7) ك الأذان، ب حد إتمام الركوع والاعتدال فيه والطمأنينة.

الْحَكَمِ، قَالَ: غَلَبَ عَلَى الكُوفَةِ رَجُلٌ - قَدْ سَمَّاهُ - زَمَنَ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَأَمَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ أَنْ يُصَلِّى بِالنَّاسِ فَكَاَنَ يُصَلِىِّ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ قَدْرَ مَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. مِلءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلءُ الأَرْضِ. وَمِلءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ. أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. قَالَ الْحَكَمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى. فَقَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَركُوعُهُ، وَإِذَا رَفَعَ رأسَهُ مِنَ الرُّكُوعٍ، وَسُجُودُهُ، وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُهُ لِعَمْرِو بْنِ مُرّةَ فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ ابْنُ أَبِى لَيْلَى، فَلمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ هَكَذَا. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ؛ أَنَّ مَطَرَ بْنَ نَاجِيَةَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى الْكُوفَةِ، أَمَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. 195 - (472) حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: إِنِّى لا آلُو أَنْ أُصَلِّىَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى بِنَا. قَالَ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنْعُ شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ انْتَصَبَ قَائمًا، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِى، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ مَكْثَ، حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد التسليم شيئًا، وأنه لم يكن يبادر القيام بإثر التسليم ولا يطيل المكث، وقد جاء مبينًا فى حديث ابن مسعود (¬1)، وأنه - عليه السلام - لم يقعد إِلا بمقدار ما يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام " (¬2)، وقد روى أبو هريرة عنه - عليه السلام -: " لا يتطوع الإمام فى مكانه " (¬3). قال البخارى: ولم يصح رفعه، ¬

_ (¬1) ليس معنا عنه سوى حديث الجن. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى ك المساجد، ب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته. (¬3) ك الأذان، ب مكث الإمام فى مصلاه بعد السلام.

يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِىَ. 196 - (473) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ خَلفَ أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلَاةً مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فى تَمَامٍ. كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَارِبَةً، وَكَانَتْ صَلَاةُ أَبى بَكْرٍ مُتَقَارِبةً، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ مَدَّ فِى صَلَاةِ الْفَجْرِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " قَامَ، حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ، ثُمَّ يَسْجُدُ، وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فالرجل الذى سمى أنه غلب على أهل الكوفة فى حديث ابن معاذ قد سماه بعد فى حديث ابن مثنى وابن بشار، وهو مطر بن ناجية. وأبو عبيدة المقدم للصلاة هو ابن عبد الله بن مسعود.

(39) باب متابعة الإمام والعمل بعده

(39) باب متابعة الإمام والعمل بعده 197 - (474) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنُ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ. قَالَ: حَدَّثَنِى الْبَرَاءُ - وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ - أنَهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ منَ الرُّكُوعِ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَحْنِى ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يَخِرُّ مَنْ وَرَاءَهُ سُجَّدًا. 198 - (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أبى إسحاق: " [ثنا عبد الله بن يزيد] (¬1)، حدثنى البراء وهو غير كذوب ": قال ابن معين: قائل هذا أبو إسحاق فى عبد الله بن يزيد لا فى البراء؛ لأن مثل البراء لا يحتاج أن يزكى فيقال فيه مثل هذا ولا يتمثل هذا فى الصحابة. قال القاضى الوقشى: والظاهر أنه فى البراء. قال القاضى: عجبى من القاضى أبى الوليد على كثرة بحثه وتقديسه واقتصاره من الرد على ابن معين بهذا القدر، والأولى أن يقال: إن هذا لا وصم فيه على صاحب ولم يرد به التعديل وإنما أراد الراوى به قوة الحديث وتوثيقه إذ حدث به عن البراء وهو غير المتهم، ومثل هذا قول أبى مسلم الخولانى فى هذا الكتاب: حدثنى الحبيب الأمين عوف بن مالك الأشجعى عن النبى - عليه السلام. وأين هذا من قول عبد الله بن مسعود عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حدثنا أبو القاسم وهو الصادق المصدوق [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2)، وعن أبى هريرة مثله، كل هذا قالوه تنبيهًا على صحة الحديث والثقة به لا أنه قصد به تعديل قائله أو راويه أيضًا فتنزيه ابن معين البراء لصحته من التعديل ولم ينزه عنه عبد الله بن يزيد لا وجه له، فإن عبد الله ابن يزيد - أيضًا - معدود فى الصحابة، وقد ذكر البخارى وغيره أنه رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكره البخارى فى الصحيح عن ابن إسحاق السبيعى (¬3). وقوله فى هذا الحديث: " كان - عليه السلام - إذا رفع رأسه من الركوع لم أرَ أحدًا ¬

_ (¬1) رواية المطبوعة: عن عبد الله بن يزيد. وهو عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين بن عمرو بن الحارث بن خَطْمَة. مختلف فى صحبته. راجع: تهذيب الكمال 16/ 301. وأبو إسحاق هو: السبيعى. (¬2) من ت. (¬3) قيد النووى هذا التعليق بغير عزو 2/ 111، وانظر: التاريخ الكبير للبخارى 5 ترجمة 21، والصغير 1/ 165، والمراسيل لابن أبى حاتم 102.

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى أَبُو إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِى الْبَرَاءُ - وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ. 199 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الأَنْطَاكِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِىُّ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِىِّ عَنْ مُحَارِبِ بْن دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ، عَلَى الْمِنْبَرِ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، انَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَكَعَ رَكَعوا، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " لَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ وَضَع وَجْهَهُ فِى الأَرْضِ، ثُمَّ نتَّبِعُهُ. 200 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ؛ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لا يَحْنُو أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى نَرَاهُ قَدْ سَجَدَ. فَقاَلَ زُهَيْر: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الكَوفِيُّونَ: أَبَانٌ وَغَيْرَهُ قَالَ: حَتَّىَ نَرَاهُ يَسْجُدُ. 201 - (475) حدّثنا مُحْرِزُ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَبِى عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ الأَشْجَعِىُّ أَبُو أَحْمَدَ، عَنِ الْوَلِيد بْنِ سَرِيعٍ، مَوْلَى آلِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَمْرُو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ. فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} (¬1) وَكَانَ لا يَحْنِى رَجُلٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَسْتَتِمَّ سَاجِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ يَحْنَى ظهره حتى يضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبهته على الأرض " حُجَّته لأحد القولين فى صورة اتباع المأموم إمامه، وقد تقدم الكلام عليه، وذكر الحديث الذى بعد هذا بنفسه عن أبان عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن البراء. قال الدارقطنى: الحديث محفوظ لعبد الله ابن يزيد عن البراء، ولم يقل أحد: ابن أبى ليلى، غير (¬2) أبان بن تغلب عن الحكم، وقد خالفه ابن عرعرة فقال: عن الحكم عن عبد الله بن يزيد، وغير أبان أحفظ منه. ¬

_ (¬1) التكوير: 15، 16. (¬2) فى ت: عن.

(40) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

(40) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع 202 - (476) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكيِعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِى أَوْفَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَفَعَ ظهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: " سَمِعِ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. اللَّهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مَلْءَ السَّمَاواتِ ومِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ ". 203 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبَيْد بْنِ الْحَسَنِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ " اللَّهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءِ الأَرْضِ، وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىءٍ بَعْدُ ". 204 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَحْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أن النبى - عليه السلام - إذا رفع رأسه من الركوع يقول: ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض " إلى بقية الدعاء والذكر، فيه كله جواز الدعاء والذكر عند ذلك، ووجوب الاعتدال والطمأنينة، وحجة لأحد القولين ى ذلك، ولقوله - عليه السلام -: " صلوا كما رأيتمونى أصلى " (¬1)، وعلى هذا المعنى احتجت الصحابة بهذه الأحاديث على من لا يعتدل فى ذلك. وقوله: " أهل الثناء والمجد " كذا لهم، ولابن ماهان: " أهل الثناء والحمد "، والحمد أعم من الثناء، والمجد على ما بيناه فى الفرق بين مَجدنى عبدى، وحمدنى عبدى، وأثنى علىّ عبدى. والمجد نهاية الشرف، وكأن لفظة " الحمد " هنا أليق بالكلام؛ لقوله أولاً: " لك الحمد "، ومعنى " ملء السماوات والأرض ": قال الخطابى: هو تمثيل وتقريب، والمراد به: تكثير العدد، حتى لو قدّر ذلك وكان جسمًا ملأ ذلك، وقيل: قد يكون المراد بذلك أجرها وثوابها، وقد يحتمل أن يراد بذلك تعظيم الكلمة، كما يقال: هذه كلمة تملأ طباق الأرض. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأذان، ب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة.

يحَدِّثُ عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ، لَكَ الْحَمْدُ، مِلءَ السَّمَاءِ وَمِلءَ الأَرْضِ؛ وَمِلءَ مَا شئِتَ مِن شَىءٍ بَعْدُ. اللَّهُمَّ، طَهِّرْنِى بِالثَّلْجِ وَالبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ. اللَّهُمَّ، طَهِّرْنِى مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الْوَسَخِ ". (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح قَالَ وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُون، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِى رِوايَةِ مُعَاذٍ: " كَمَا يُنَّقَى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّرَنِ ". وَفِى رِوايَةِ يَزِيدَ: " مِنَ الدَّنَسِ ". 205 - (477) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مَرَوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِىُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: " رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلءَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَمِلءَ مَا شئِتَ مِنْ شَىءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلَّنَا لَكَ عَبْدٌ: اللَّهُمَّ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ". 206 - (478) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بِنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بِنُ بَشِيرٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بِنُ حَسَّانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " طهرنى بالثلج والبرد " والماء البارد (¬1) استعارة للمبالغة فى التنظيف من الذنوب. وقوله: " وماء البارد ": من إضافة الشىء إلى نفسه، كقولك: مسجد الجامع، والدّرن والوسخ والدنس بمعنى متقارب. وقوله: " ولا ينفع ذا الجد منك الجد ": أى البخت والسعدُ، إذا كان بالفتح، وقيل: الجد: الغنى، والجد - أيضًا - العظمة والسلطان، ومنه: {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} (¬2) ومن رواه بالكسر فالمراد الاجتهاد والحرص، وأكثر روايتنا فيه: بالفتح، قال أبو جعفر الطبرى: الجد، بالفتح، فى الحرفين معناه: لا ينفع ذا الحظ منك فى الدنيا من المال والولد فى حظه منها فى الآخرة، إنما ينفعه العمل الصالح كما قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: وماء البارد. (¬2) الجن: 3.

مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: " اللَّهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الْحْمْدُ، مِلءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلءَ الأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ". (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى قَوْلِهِ: " وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىءٍ بَعْدُ " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} الآية (¬1)، وحكى عن الشيبانى فى الحرفين كسر الجيم، قال: ومعناه: الاجتهاد، أى لا ينفع ذا الاجتهاد فى العمل منك اجتهاده، قال الطبرى: وهو خلاف ما عرفه أهل النقل، ولا يعلم من قاله غيره، وضعفه. قال القاضى: فوجه قوله هذا على أنه لا ينفع الاجتهاد لمن لم يسبق له سابقة الخير والسعادة عندك، وأن العمل لا ينجى بنفسه، وإنما النجاة بفضل الله تعالى ورحمته، كما جاء فى الحديث: " لا يدخل أحد الجنة بعمله " (¬2). وقد يكون الاجتهاد ها هنا راجعًا إلى الحرص على الدنيا وغير ذلك، أو الاجتهاد من الوقوع فى المكاره، وأنه لا ينفع منه إِلا ما قدره الله تعالى ولا يصل العبد إِلا لما أعطى ولا ينجو إِلا مما وقى فهو [المنجى] (¬3) المعطى والمانع، لا اجتهاد العبد وحرصه، وهذا أسعدُ بلفظ الحديث، وهو أهل فى التسليم والتوكل وإثبات القدر والتفويض إلى الله، وترجم عليه البخارى هذا وأدخله فى كتاب القدر (¬4). ¬

_ (¬1) الكهف: 46. (¬2) البخارى، ك الرقاق، ب القصد والمداومة على العمل. (¬3) من ت. (¬4) باب لا مانع لما أعطى.

(41) باب النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود

(41) باب النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود 207 - (479) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ. فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّى نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِى الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ". 208 - (...) قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنَ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنْ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتْرَ، وَرَأسَهُ مَعْصُوبٌ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ " ثَلاثَ مَرَّاتٍ " إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا، يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ. 209 - (480) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَة قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ قَالَ: نَهَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا " الحديث، وفى الحديث الآخر عن على بن أبى طالب: " نهانى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقرأ راكعًا وساجدًا، ولا أقول: نهاكم " (¬1) إلى أن النهى عن القراءة فى الركوع والسجود مذهب فقهاء الأمصار، وأباح ذلك بعض السلف، وحجة الجمهور هذه الأحاديث فى قوله: " نهيت أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب " حجة لمن ذهب من أهل الأصول إلى أن خطاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

_ (¬1) عبارة: " ولا أقول: نهاكم " هى فى رواية: " نهانى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القراءة فى الركوع والسجود " التى جاءت فى المطبوعة، أما رواية: " راكعًا أو ساجدًا "، فليست بها. " ولا أقول: نهاكم ".

210 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ - يَعْنِى ابْنْ كَثِيرٍ - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالبٍ يَقُولُ: نَهَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ. 211 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: نَهَانِى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُوَدِ، وَلَا أَقُولُ: نَهَاكُمْ. 212 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ، قَالَا: أَخْبَرنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلىٍّ؛ قَالَ: نَهَانِى حِبِّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ خصوصًا يتناول أمته، وإن اقتضى من طريق اللغة تخصيصه، وذلك للأمر بالاقتداء به إِلا ما دل دليل على تخصيصه به، والذى نصره المحققون أنه يختص به إذا ورد بصيغة الاختصاص له حتى يدل على دخول غيره فيه دليل، وها هنا قد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلوا كما رأيتمونى أصلى ". وفى قول على: " نهانى ولا أقول نهاكم " حجة لمن لا يعدى خطاب المواجهة من الأصوليين [والفقهاء] (¬1) وإليه نزغ على - رضى الله عنه - بهذا القول، ولا يُعدى قضايا العين ويقصرها على الأشخاص المواجهة بها والمعينة فيها، وهو مذهب المحققين من الأصوليين والفقهاء وأنها لا تعدى إِلا بدليل، وذهب بعضهم إلى تعديها قياسًا على تعدية خطاب الله لأهل عصر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعديته إجماعًا إلى من بعده، والفرق بين [المسألتين] (¬2) الإجماع على هذا (¬3) فهو حجة تعديته. وذكر مسلم حديث على هذا والخلاف فيه على إبراهيم بن حنين فى ذكر ابن عباس فيه بين عبد الله بن حنين وعلى، قال الدارقطنى: من أسقط ابن عباس أكثر وأحفظ وأعلى إسنادًا. وقوله: " أما الركوع فعظموا فيه الرب [عزَّ وجل] (¬4)، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فقمن أن يستجاب لكم " قَمَن بفتح القاف والميم، ومعناه: حقيق وجدير، ¬

_ (¬1) ساقطة من ق. (¬2) من ت. (¬3) يعنى المقيس عليه، ولو أنه قال: " والفرق بيَّن للإجماع على هذا " لكان أليق. (¬4) من المطبوعة.

213 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. ح وَحَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِىُّ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. ح قَالَ: وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - أَخْبَرَنِى مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ عَمْرو. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، كُلُّ هَؤلاءِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلىٍّ - إِلَّا الضَّحَّاكَ وَابْنَ عَجْلَانَ فَإِنَّهُمَا زَادَا: عَنِ ابْنِ عَبَّاس عَنْ عَلىٍّ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ قَالُوا: نَهَانِى عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقال: قَمِنَ، بكسر الميم، وقمَين، بالفتح، مصدر وغيره نعت، يثنى ويجمع. اختلف الناس فى هذا، فذهب مالك - رحمه الله - للأخذ بهذه الأحاديث، وكره القراءة فى الركوع والسجود، وكره الدعاء فى الركوع، وأباحه فى السجود، اتباعًا للحديث (¬1)، وذهب طائفة من العلماء إلى جواز الدعاء فيهما، وفى مختصر أبى مصعب نحوه: وقال الشافعى والكوفيون: يسبح فى الركوع والسجود، ففى الركوع: " سبحان ربى العظيم "، وفى السجود: " سبحان ربى الأعلى " [اتباعًا] (¬2) لحديث عقبة بن عامر الجهنى (¬3)، ولا يوجب أحد من هؤلاء ذلك فى الصلاة ولكن يستحبونه، وذهب بعضهم إلى وجوب قول: ¬

_ (¬1) نقل ابن القاسم عن مالك: إنَّه لم يَعرِف قول الناس فى الركوع: " سبحان ربى العظيم "، وفى السجود: " سبحان ربى الأعلى "، وأَنكَرَه، ولم يَحُدَّ فى الركوع دُعَاءً مؤقتًا ولا تسبيحًا مؤقتًا. وقال: إذا أمكن المُصلِّى يديه من ركبتيه فى الركوع، وجبهته من الأرض فى السجود فقد أجزأ عنه. قال أبو عمر: إنما قال ذلك - والله أعلم - فِرارًا من إيجاب التسبيح فى الركوع والسجود، ومن الاقتصار على " سبحان ربى العظيم " فى الركوع، وعلى " سبحان ربى الأعلى " فى السجود، كما اقتصر عليه غيره من العلماء دون غيره من الذكر. قال: والحجة له هذا الحديث: " فعظموا الرب، وإذا سجدتم فاجتهدوا فى الدعاء ". فلم يخُصَّ ذكرًا من ذكر، وأنه - عليه السلام - قد جاء عنه فى ذلك ضروبٌ وأنواع تنفى الاقتصارَ على شىء بعينه من التسبيح والذكر. منها بالإضافة إِلا ما سيأتى ما أخرجه أبو داود وغيره عن عوف بن مالك أنه سمع النبى - عليه السلام - يقول فى ركوعه وسجوده: " سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " راجع: التمهيد 16/ 118، الاستذكار 4/ 155. (¬2) ساقطة من ق. (¬3) أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد ولفظه: لما نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74، 96] قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجعلوها فى ركوعكم "، فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال: " اجعلوها فى سجودكم ".

وَلَمْ يَذْكُرُوا فِى رِوَايَتِهِمُ النَّهْىَ عَنْهَا فِى السُّجُودِ. كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِىُّ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ. (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ عَلِىٍّ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى السُّجُودِ. 214 - (481) وحدّثنى عَمْرُو بْنُ عَلىٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ وَأَنَا رَاكِعٌ. لا يَذْكُرُ فِى الإِسْنَادِ عَلِيًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــ " سبحان ربى العظيم " فى ذلك (¬1)، وذهب إسحاق وأهل الظاهر إلى وجوب الذكر فيها دون تعيين، وأنه يعيد الصلاة من تركه. وقد ذكر إسحاق بن يحيى فى مبسوطه عن يحيى ابن يحيى وعيسى بن دينار من أئمتنا فيمن ركع وسجد ولم يذكر الله فى ركوعه ولا سجوده: أنه يعيد الصلاة أبدًا، وكان شيخنا القاضى [أبو عبد الله] (¬2) التميمى يذهب أن معنى هذا أنه ترك الطمأنينة حتى لم يمكنه ذكر الله تعالى فى ذلك استعجالاً وتخفيفًا، فيكون تاركًا لفرض من فروض (¬3) الصلاة على القول إنها فرض، وكان شيخنا القاضى أبو الوليد بن رشد (¬4) أنه لم يذكر الله تعالى بتكبير ولا غيره فى ذلك، فيكون كتارك السن عمدًا على القول بإعادة الصلاة من ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) لأنه أقل التمام والكمال للأمر المذكور. (¬2) سقط من ت. (¬3) فى ت: فرائض. (¬4) الإمام العلامة شيخ المالكية، محمد بن أحمد بن رشد القرطبى. قال فيه ابن بشكوال: كان فقيهًا عالمًا حافظًا للفقه، مقدمًا فيه على جميع أهل عصره، عارفاً بالفتوى، بصيرًا بأقوال أئمة المالكية. مات سنة عشرين وخمسمائة. الصلة 2/ 577، سير 19/ 501. (¬5) انظر: التمهيد 16/ 118.

(42) باب ما يقال فى الركوع والسجود

(42) باب ما يقال فى الركوع والسجود 215 - (482) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ". 216 - (483) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِى سُجُودِهِ: " اللهُمَّ، اغْفِرْ لِى ذَنْبِى كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ ". 217 - (484) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِى رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: " سُبْحَانَكَ اللهُمَّ، رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ. اللهُمَّ، اغْفِرْ لِى " يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء ": القرب هاهنا من الله معناه: من رحمة ربه وفضله، ولذلك [حضه] (¬1) على السؤال والطلب. وقوله فى الحديث: " سبحانك ": قال أهل العربية: هو نصب على المصدر، سبحت الله تسبيحًا وسبحانًا، ومعناه: براءةً وتنزيهًا لك، ويقال: إن التسبيح مأخوذ من قولهم: سبح الرجل [فى الأرض] (¬2) إذا ذهب [فيها] (¬3)، ومنه قيل للفرس الجواد: سابح، قال الله: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون} (¬4)، فكان التسبيح على هذا المعنى بمعنى التعجب، من المبالغة فى الجلال والعظمة والبعد عن النقائص، قال الأعشى: سبحان مِنْ علقمة الفاخر (¬5) ¬

_ (¬1) فى الأصول بزيادة " ما " قبلها، وفى الإكمال: ولذا حضه. (¬2) سقط من ت. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) يس: 40. (¬5) عجز بيت، وشطره الأول: أقولُ لما جاءنى فَخْرُه =

218 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ: " سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، اسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ". قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِى أَرَاكَ أَحْدَثْتَهَا تَقُولُهَا؟ قَالَ: " جُعِلَتْ لِى عَلَامَةٌ فِى أُمَّتِى إِذَا رَأَيْتُهَا قُلْتُهَا، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ (¬1). 219 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ نَزَلَ عَلَيْهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح}، يُصَلِّى صَلَاةً إِلَّا دَعَا، أَوْ قَالَ فِيهَا: " سُبْحَانَكَ رَبِّى وَبِحَمْدِكَ. اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِى ". 220 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: " سُبْحَانَ اللهِ وَبِحْمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أى تعجبًا من فخره، وقد يكون على هذا جمع سِباحٍ، كحسابٍ وحسبان، يقال: سَبَح يسْبَح سَبْحًا وسِباحًا، أو جمع سَبِيح (¬2) للمبالغة من التسبيح، مثل خبير وعليم، ويجمع سبحان كقضيب وقضبان، وقال المازنى: معنى " سبحانك ": سبحتك، [قالوا: وقوله: " وبحمدك ": أى بحمدك] (¬3) سبحتك ومعنى هذا: أى بفضلك وهدايتك لذلك التى توجب حمدك سبحتُك واستعملتنى [لذلك لا بحولى وقوتى] (¬4). وقوله: " سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك، [اللهم اغفر لى] (¬5) يتأول القرآن " جاء مفسرًا فى الحديث الآخر فيما أمر به (¬6) من قوله فى سورة الفتح: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (¬7). وفيه حجة لمن أجاز الدعاء فى الركوع ¬

_ = وقد جاء فى المفردات للأصبهانى بلفظ: الفاجر. ثم قال إنه على سبيل التهكم، فزاد فيه (من) رداً إلى أصله، وقال: وقيل: أراد سبحان الله من أجل علقمة، فحذف المضاف إليه. وانظر: الجامع لأحكام القرآن 10/ 204. (¬1) سورة النصر. (¬2) فى ت: سباح. (¬3) سقط من ق. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش، وفى ت: لا بحولى وقوتى. (¬5) سقط من ت. ولفظ الحديث فى المطبوعة: " سبحانك اللهم ربَّنا وبحمدك " بغير ذكر: " أستغفرك ". (¬6) جاءت فى الإكمال: أى يمتثل ما أمر به فى سورة الإخلاص 2/ 208. (¬7) النصر: 3.

" سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهِ وَأَتُوبُ إِلَيْه؟ " فَقَالَ: " خَبَّرَنِى رَبِّى أَنِّى سَأَرَى عَلَامَةً فِى أُمَّتِى، فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ منْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ الله وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح} فَتْحُ مَكَّةَ {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا} (¬1) ". 221 - (485) وحدّثنى حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ فِى الرُّكُوعِ؟ قَالَ: أَمَّا سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، فَأَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتِ: افْتَقَدْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَظَننْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ نِسَائهِ، فَتَحَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ يَقُولُ: " سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَا أَنْتَ ". فَقُلْتُ: بِأَبِى أَنْتَ وَأَمِّى، إِنِّى لَفِى شَأنٍ وَإِنَّكَ لَفِى آخَرَ. 222 - (486) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ [إذ] (¬2) قال فيه: " اللهم اغفر لى ". وقوله: " اغفر لى ذنبى كلَّه دِقِّه وجِلِّه " بكسر الدال والجيم، أى صغيره وكبيره، [قال الإمام] (¬3): وقول عائشة: " فقدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة فى (¬4) الفراش فالتمسته [فوضعت] (¬5) يدى على بطن (¬6) قدمه [فى السجود] (¬7) " [الحديث] (¬8) [قال الإمام] (¬9): اختلف الناس فى لمس النساء هل ينقض الوضوء؟ فقال بعضهم: لا ينقضه أصلاً وحمل قوله: {أَوْ لمَسْتُمُ النِّسَاءَ} (¬10) على معنى جامعتم النساء، وقال: وفى القراءة الأخرى: " أو لامستم النساء "، وهذا يؤكد ما قلناه؛ لأن المفاعلة لا تكون إِلا من اثنين غالبًا. وقال آخرون: ينقض الوضوء، وحملوا قوله تعالى على مس اليد، واختلف هؤلاء هل ينقض اللمس الوضوء على الإطلاق؟ فقال الشافعى: ينقضه على الإطلاق [التذ أم لا] (¬11) وتعلق (¬12) بعموم الآية [من اللامس، واختلف قوله فى الملموس، وحجته فى ¬

_ (¬1) سورة النصر. (¬2) فى المخطوطة: إذا، وما ذكرناه هو الأليق بالسياق. (¬3) سقط من ع. (¬4) لفظ المطبوعة: من. (¬5) الذى فى المطبوعة. فوقعت، وهو أدق. (¬6) فى ع: بعض. (¬7) من الحديث وع. (¬8) ساقطة من ع. (¬9) من ع. (¬10) النساء: 43. (¬11) سقط من ع. (¬12) فى ع: وتعلقا.

فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِى عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوْ فِى الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ، أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أن لا وضوء عليه هذا الحديث] (¬1)، وقال مالك وأبو حنيفة: لا ينقضه إِلا مقيدًا، واختلف هؤلاء - أيضًا - فى التقييد ما هو؟ فقال مالك: حصول اللذة، وسواء عنده اللامس والملموس، وقال أبو حنيفة: حصول الانتشار، ورد هؤلاء على الشافعى بحديث عائشة [هذا] (¬2) ولم يذكر فيه أنه قطع صلاته لانتقاض وضوئه بمسِّها وينفصل عنه الشافعى (¬3) بأنه يقول: يحتمل أن تكون مسته من فوق حائل؛ ولهذا لم يقطع صلاته - عليه السلام. قال القاضى: وقولها: " على باطن قدميه وهما منصوبتان " بيِّنٌ فى هيئة الرجلين فى السجود أن تكونا منصوبتين، ويبعد انفصال الشافعى بما قاله من وقوع يدها عليهما فوق ثوب مع هذا اللفظ، وظاهره يخالفه. وقولها: " وهو يقول أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك ": قال الخطابى: فى هذا معنى لطيف، وذلك أنه استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضى والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمؤاخذة، بالعقوبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له - وهو الله سبحانه - أستعاذ به منه لا غير (¬4) ومعنى ذلك: الاستغفار من التقصير فى بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه. وقوله: " لا أحصى ثناء عليك ": أى لا أطيقه ولا أبلغه ولا أنتهى غايته، وقيل: لا أحيط بذلك: وفيه إضافة الخير والشر إلى الله تعالى. وقال مالك: أى لا أحصى نعمتك وإحسانك [علىّ] (¬5) والثناء بها عليك وإن اجتهدت فى الثناء عليك. قال القاضى - رضى الله عنه -: " أو سخطه ومعافاته وعقوبته "، من صفات أفعاله، فاستعاذ من المكروه منها إلى المحبوب، ومن الشر إلى الخير. وقوله: " أنت كما أثنيت على نفسك ": اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنه كما قال لا يحصيه وردّ ثنائه إلى الجملة دون تفصيل [وإحصاء] (¬6) وتعيين، فوكل ذلك إلى المحيط بكل شىء جملة وتفصيلاً (¬7)، وكما أنه تعالى لا نهاية لسلطانه وعظمته ومجده ¬

_ (¬1) سقط من ع. (¬2) من ع. (¬3) فى ع: وينفصل الشافعى عن هذا. (¬4) كل هذا أثبته النووى بغير عزو إلى القاضى. (¬5) من ت. (¬6) من ت. (¬7) نقله النووى بتمامه دون عزو. انظر: 2/ 124.

223 - (487) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوَبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ نَبَّأَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِى رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ". 224 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ؛ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنِى هِشَامٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وعزته وجليل أوصافه فكذلك لا نهاية للثناء عليه، إذا الثناء تابع للمثنى عليه، فكل ثناء أثنى عليه به وإن كثر وطال وبولغ فيه، فقدره تعالى أعظم، وسلطانه أعز، وأوصافه أكبر، وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع، وأسبغ. وقوله: " سُبَّوحٌ قدوس " بضم السين والقاف فيهما وفتحهما أيضًا (¬1)، فسبوح من البراءة من النقائص والشريك: وما لا يليق بالإلهية والتنزيه عن ذلك، وقدوس من التطهير عما لا يليق به، ومنه الأرض المقدسة، وهو بمعنى سُبّوح. قال الهروى: وجاء فى التفسير: القدوس: المباركَ، وقد قيل فيه: سُبوحًا قدوسًا، نصب على إضمار فعل، أى أسبح سبوحًا أو أذكر أو أعبد أو أعظم. ¬

_ (¬1) والضم أفصح.

(43) باب فضل السجود والحث عليه

(43) باب فضل السجود والحث عليه 225 - (488) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِىَّ قَالَ: حَدَّثَنِى الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُعَيْطِىُّ، حَدَّثَنِى مَعْدَانُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ الْيَعْمَرِىُّ، قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ أعْمَلُهُ يُدْخِلُنِى الله بِهِ الْجَنَّةَ - أَوْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ - فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً ". قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ لِى مِثْلَ مَا قَالَ لِى ثَوْبَانُ. 226 - (489) حدّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هِقْلُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِىَّ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَة، حَدَّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِىُّ؛ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْتهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِى: " سَلْ " فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِى الْجَنَّةِ - قَالَ: " أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ ". قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: " فَأَعْنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للذى قال [له] (¬1): " سَلْ " فسأله مرافقته فى الجنة فقال له: " أو غير ذلك؟ ": قيل: لعله - عليه السلام - فهم منه المساواة معه فى درجته وذلك ما لا ينبغى لغيره، فلذلك قال له: " أو غير ذلك " أى سل غير هذا، فلما قال له الرجل: هو ذاك، قال [له] (¬2): " أعنى على ذلك بكثرة السجود " ليزداد من القرب ورفعه الدرجات حتى يقرب من منزلته وإن [لم] (¬3) يساوه فيها، فإن السجود معارج القرب، ومدارج رفعة الدرجات، قال الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬4)، وقال - عليه السلام - فى الحديث الآخر فى [الأم] (¬5): " لا تسجدُ لله سجدة إِلا رفعك الله بها درجة " ولأن السجود غايته التواضع لله، والعبودية له، وتمكين أعز عضو فى الإنسان وأرفعه وهو وجهه من أدنى الأشياء [وأخسها] (¬6) وهو التراب، والأرض المدوسة بالأرجل والنعال، وأصله فى اللغة: الميْل. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) و (¬3) من ت. (¬4) العلق: 19. (¬5) ساقطة من ت. وهذا الحديث فى المطبوعة مقدم على سابقه هنا. (¬6) من ت.

(44) باب أعضاء السجود والنهى عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس فى الصلاة

(44) باب أعضاء السجود والنهى عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس فى الصلاة 227 - (490) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: أُمِرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ، وَنُهِىَ أَنْ يَكُفَّ شَعَرَهُ وَثِيَابَهُ. هَذَا حَدِيثُ يَحْيَى. وَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَنُهِىَ أَنْ يَكُفَّ شَعَرْهُ وَثِيَابَهُ، الْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالْجَبْهَةِ. 228 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: " وقوله - عليه السلام - يسجد معه سبعة آراب ": قال الهروى: الأراب: الأعضاء، واحدها إرْب (¬1). قال القاضى: لم تقع هذه اللفظة فى كتاب مسلم عند شيوخنا، ولا فى النسخ التى رأينا، وهى صحيحة فى غيره، والذى فى كتاب مسلم: " سبعة أعظم "، ويسمى كل عضو منها عظمًا لمجتمعه، وإن كان فيه عظام كثيرة. قال الإمام: ذكر فى هذا الحديث السجود على الجبهة والأنف، وقد اختلف المذهب عندنا فى الاقتصار على أحدهما، فالمشهور فى الاقتصار على الجبهة إجزاء الصلاة، وفى الاقتصار على الأنف أنها لا تجزئ. قال القاضى: قد تقدم لنا كلام فى هذه المسألة، وحكمها على ما جاء فى الحديث حكم العضو الواحد، وهو السابع، كما ذكر فى الحديث الكفين والركبتين والقدمين، والجبهة فمرةً اقتصر على ذكرها، ومرةً قال: الجبهة والأنف، ولو كانا بمعنى العضوين لكانا ثمانية، ولم يطابق قوله: " سبعة "، ومرة قال: الجبهة، وأشار بيده على أنفه، وهذا يدل [على] (¬2) أنه بحكم التبع والتمام على مشهور مذهبنا [وأنه لا يجزى السجود ¬

_ (¬1) هذه العبارة جاءت فى ع عقب قول الإمام: " اختلف الناس فى هيئة الجلوس "، وهى عند القاضى مؤخرة، وهذا الحديث فى المطبوعة مقدمٌ على سابقه هنا. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُمِرتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا ". 229 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أُمِرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ. وَنَهِىَ أَنْ يَكْفِتَ الشَّعْرَ وَالثِّيَابَ. 230 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وَهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُمِرْتُ انْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَة أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ - وَأَشَار بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ ". 231 - (...) حدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ، وَلَا أَكْفِتَ الشَّعَرَ وَلَا الثِّيَابَ: الْجَبْهَةِ، والأَنْفِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ ". (491) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ - وَهُوَ ابْنُ مُضَر - عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على الأنف دون الجبهة وقاله أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعى وأحد قولى أبى حنيفة] (¬1)، وقد يحتج بذكرهما فى الحديث وتعيينهما أحمد بن حنبل وابن حبيب من أصحابنا، ومن قال من السلف بوجوب السجود عليهما جميعًا، وقد يحتج - أيضًا - بذلك من يجعلهما كالعضو الواحد، وأنَّ أحدهما يجزئ عن الأخر كما يجزئ وضع بعض الجبهة ولا يلزم استيعابها، وهو قول أبى حنيفة فى رواية عنه، وحكى عن ابن القاسم من أئمتنا. وقوله: " ونهى أن يكفت الشعر والثياب " (¬2) مثل قوله فى الرواية الأخرى " يكف " والكفت: الضم والجمع، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (¬3) أى تجمع وتضم الناس فى حياتهم وموتهم، والكف بمعناه، ومنه كافة الناس أى جماعتهم وهو كله مثل قوله: " معقوص الشعر " وهو ضمه فى الصلاة، فنهى عن ذلك - عليه ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى المطبوعة: ونُهِى أن يَكُفَّ شَعرَه وثيابه. (¬3) المرسلات: 25، 26.

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ أَطْرَافٍ: وَجْهُهُ، وَكَفَّاهُ، وَرُكُبَتَاهُ، وَقَدَمَاهُ ". 232 - (492) حدّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّى، وَرَأسَهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَالَكَ وَرَأسِى؟ فَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِى يُصَلِّى وَهُوَ مَكْتُوفٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام - فى الثياب والشعر، ظاهره الكراهة بكل حال إِلا للضرورة، وذهب الداودى إلى أن ذلك لمن فعله للصلاة ودليل الآثار وفعل الصحابة يخالفه، قال الطبرى: فمن صلى كذلك من عقص شعر، أو تشمير ثوب فى الصلاة فلا إعادة عليه لإجماع الأمة على ذلك وقد أساء و [قد] (¬1) حكى ابن المنذر فيه الإعادة عن الحسن البصرى وحده، وذلك - والله أعلم - لما جاء أن الشعر يسجد معه [ولهذا مثَّله بعد بالذى يصلى وهو مكتوف] (¬2). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) من ت.

(45) باب الاعتدال فى السجود، ووضع الكفين على الأرض، ورفع المرفقين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين فى السجود

(45) باب الاعتدال فى السجود، ووضع الكفين على الأرض، ورفع المرفقين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين فى السجود 233 - (493) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعْتَدِلُوا فِى السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح قَالَ وَحَدَّثَنِيه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ: " وَلَا يَتَبَسَّطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ ". 234 - (494) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِيَادٍ، عَنْ إِيَادٍ، عَنِ الْبَرَاءِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث فى النهى عن بسط الذراعين، وأنه " كان - عليه السلام - إذا سجد يُجنِّح " وتفسيره قوله فى الحديث الآخر: " وفرّج يديه عن إبطيه " (¬1)، وقوله فى الآخر: " وخوّى بيديه " (¬2) و " جافا " (¬3) كله بمعنى، وعليه جماعة السلف والعلماء أنه من هيئات الصلاة، إِلا شىء روى عن ابن عمر، وقد روى عنه مثل ما للجماعة، وهو بمعنى ما فى الحديث الآخر: " نهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع " (¬4)، وفى الحديث الآخر: " انبساط الكلب " يعنى على الأرض، والحكمة فيه أنه إذا جنح كان اعتماده على يديه فخف اعتماده حينئذٍ عن وجهه ولم يتأذّ بما يلاقيه من الأرض، ولا أثّر فى جبهته وأنفه، وكان أشبه بهيئات الصلاة، واستعمال كل عضو فيها بأدبه، بخلاف بسط ذراعيه وضم عضديه لجنبيه إذ هى صفات الكاسل والمتراخى المتهاون بحاله، مع ما فيها من التشبيه بالسباع والكلاب، كما نهى عن التشبيه بها فى الإقعاء، ووقع فى رواية السمرقندى " فجنح " مخففاً، ولا وجه له هنا. ¬

_ (¬1) سيأتى فى الباب القادم برقم (235). (¬2) سيأتى فى الباب القادم برقم (238). (¬3) فى ت: وحاء. (¬4) سيأتى فى الباب القادم برقم (240).

(46) باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به. وصفة الركوع والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفى التشهد الأول

(46) باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به. وصفة الركوع والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفى التشهد الأول 235 - (495) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ - وَهُوَ ابْنُ مُضَرَ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبيِعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيهِ. 236 - (...) حدّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ جعْفَرِ بْنِ رَبِيِعَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ، يُجَنِّحُ فِى سُجُودِهِ، حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ. وَفِى رِوَايَةِ اللَّيْثِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَجَدَ، فَرَّجَ يَدَيْهِ عَنْ إِبْطَيْهِ، حَتَّى إِنِّى لأَرَى بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. 237 - (496) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ، لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى يرى وضح إبطيه ": معناه قوله فى الحديث الآخر: " بياض إبطيه " وكذلك فسره وكيع فى الأم. وقوله: " كان - عليه السلام - إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه "، قال الإمام: قال أبو عبيد فى مصنفه: البَهْمَة: أولاد الغنم، يقال ذلك للذكر والأنثى، وجمعها بُهمْ، وقال ابن خالويه: وجمع البهم بهام. ذكر مسلم فى سند هذا الحديث: " أنا سفيان ابن عيينة، عن عبيد الله بن عبد الله الأصم، عن عمّه يزيد " كذا فى الأصول، وعند شيوخنا بغير خلاف. ثم قال مسلم: عن الفزارى وعن عبد الواحد بن زياد، ثنا عبيد

238 - (497) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلىُّ، أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بيَدَيْهِ - يَعْنِى جَنَّحَ - حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ، وَإِذَا قَعَدَ اطْمَأَنَّ عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى. 239 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيم - وَاللَّفْظ لِعَمْرٍو - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ، جَافَى حَتَّى يَرَى مَنْ خَلْفَهُ وَضَحَ إِبْطَيْهِ. قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِى بَيَاضَهُمَا. 240 - (498) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ - يَعْنِى الأَحْمَرَ - عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِى الْجَوْزَاءِ؛ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ، بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله بن عبد الله بن الأصم عن عمه يزيد كذا فى رواية العُذرى، والذى عنه رواه الفارسى، ثنا عبد الله بن عبد الله فى الموضعين وكلاهما صحيح هما أخوان عبد الله وعبيد الله، رويا عن عمهما، ذكر ذلك البخارى فى تاريخه، وذكر الخلاف فى هذا الحديث عنهما (¬1). وقوله: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين "، قال القاضى: فيه حجة على الحنفى فى تعيين تكبيرة الإحرام دون ما فى معناها، وحجة عليه وعلى الشافعى فى قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (¬2). وقوله: " وكان إذا ركع لم يُشخِصْ رأسه ولم يصوّبه ": يعنى لم يرفعه، وقد نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا وأمر بالاعتدال فى الركوع. ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 3/ 1/ 128، 387. قلت: وفى الثقات: يروى عن عمه يزيد بن الأصم أى الفزارى. (¬2) وجواب الشافعى ومن معه من القائلين بأنها آية من الفاتحة: أن معنى الحديث: أنه يبتدئ القرآن بسورة الحمد لله رب العالمين، لا بسورة أخرى، فالمراد بيان السورة التى يبتدأ بها. نووى 2/ 133.

رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِى قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِىَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِى كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوى جالسًا ": حجة فى لزوم الاعتدال فيما بين السجدتين. وقوله: " كان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وينهى عن عقبة الشيطان " (¬1)، وفى الحديث الآخر: " كان إذا قعد (¬2) اطمأن على فخذه اليسرى " (¬3): فى ظاهر هذا حجة لأبى حنيفة فى هيئة الجلوس فى الصلاة. قال الإمام: اختلف فى هيئة الجلوس فى التشهدين، فقال أبو حنيفة: يجلس على قدمه اليسرى فيهما، وقال مالك: يثنى اليسرى وينصب اليمنى (¬4)، ووافقه الشافعى على هذا فى الجلسة الآخرة، ووافقه أبا حنيفة فى الجلسة الأولى (¬5)، وقال أصحاب الشافعى: فى التفرقة فائدتان: إحداهما: أن الإمام يتذكر [بهيئة] (¬6) جلوسه هل هو فى الأولى أم فى الآخرة؟ ويرجع لذلك إذا نسى، والثانية: أن يكون من دخل وهو جالس يعلم هل انقضت صلاته أم لا؟ قال القاضى: جلسات الصلاة أربع: الآخرة: وهى متفق على وجوبها إِلا ابن علية، والواجب منها عند مالك مقدار ارتفاع السلام، وعند أحمد والشافعى مقدار التشهد، وصفتها كما تقدم فى الحديث، وما ذكر فيها من الخلاف. والثانية: الجلسة الوسطى وهى سنة عند جمهور العلماء إِلا أحمد فى طائفة من أصحاب الحديث، فهى على قولهم واجبة، لأن تشهدها عندهم واجب، وإلى نحو هذا مال أحمد بن نصر الداودى من أصحابنا، واختلف فى صفتها كما تقدم، وأحمد يوافق الشافعى إِلا أنه يجعل جلسة الصبح كالجلسة الوسطى (¬7). والثالثة: الجلسة بين السجدتين، واختلف فيها هل هى فرض أو سنة؟ ولا خلاف فى مقدار ما يقع به الفصل بين السجدتين أنه فرض، وصفتها عند مالك كالجلستين المتقدمتين عندنا، وأبو حنيفة يسّوى بين الجلوس كله على ما تقدم وقد ذهبت جماعة من ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: وكان ينهى عن عُقْبَة الشيطان. (¬2) فى المطبوعة: وإذا قعد، بغير (كان). (¬3) سبق فى الباب برقم (238). (¬4) ويفضى بإليتيه إلى الأرض، وهذا كله عنده فى كل جلوس فى الصلاة هكذا، والمرأة والرجل فى ذلك كله عنده سواء. التمهيد 19/ 265. (¬5) وتمام مذهب أبى حنيفة فيه أنه ينصب اليمنى ويقعد على اليسرى، وهو قول الثورى. والمرأة عندهم تقعد كأيسر ما يكون لها، وقال الثورى: تسدل رجليها من جانب واحد، وقال الشعبى: تقعد كيف تيسر لها. قال أبو عمر: وكان عبد الله بن عمر يأمر نساءه أن يجلسن فى الركعتين والأربع متربعات. السابق 19/ 248. (¬6) ساقطة من ع. (¬7) لأنه عنده كالجلوس فى ثنتين، وهو قول داود.

الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ السلف إلى الرجوع فيما بين السجدتين على صدور قدميه ويمسّ بإليتيه عقبيه، وأجازوا الإقعاء على ما جاء من قول ابن عباس: هى السنة، وقد ذكره مسلم بعد هذا، وكره الإقعاء كسائر أئمة الفتوى. وقول عائشة فى هذا الحديث: " وكان ينهى عن عَقِبِ الشيطان "، ويروى: " عُقبة الشيطان ": حجة للجماعة، وفسَّره أبو عبيد بالإقعاء بين السجدتين، وسيأتى تفسير الإقعاء فى موضعه بعد هذا وما اتفق على المنع فيه، وما اختلف إن شاء الله. ورويناه من طريق الطبرى عُقَب بضم العين، وإنما يقوله أهل اللغة عَقب كما تقدم أولاً. والجلسة الرابعة: التى بعد السجدتين لمن قام الركعة أو ثلاث قبل قيامه، فذهب الشافعى إلى القول بها لحديث مالك بن الحويرث: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يفعل ذلك " (¬1) ولم يقل بها سائر الفقهاء لحديث أبى حميد الساعدى: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقوم ولا يتورك " (¬2)، وسيأتى الكلام على هذا الفصل بعده، وذهب الطبرى وطائفة من أهل العلم إلى تخيير المصلى فى هيئات الجلسات المذكورة فى الصلاة (¬3). والنساء فى ذلك عند مالك وغيره كالرجال، إِلا أنه يستحب لهن الانضمام والاجتماع، وخيرهن الكوفى والشافعى فيما يُسن من ذلك من الانضمام والاجتماع، وذهب بعض السلف أن سنتهن التربع (¬4). وحكم الفرائض والنوافل فى هذا سواء، وحكى عن بعض السلف جواز التربع فى جلوس الصلاة فى النوافل (¬5). وقوله: " [فقرأ فى] (¬6) كل ركعتين التحية ": وقد تقدم الكلام فى صفة التشهد والذى عليه كافة فقهاء (¬7) الأمصار: أن التشهدين سنتان وليسا بواجبتين، إِلا أحمد بن حنبل فى فقهاء أصحاب الحديث، فرأوهما واجبتين، ووافقهم الشافعى فى الآخر، وحكى ¬

_ (¬1) أبو داود فى السنن، ك الصلاة، ب النهوض فى الفرد. (¬2) السابق، ب من ذكر التورك فى الرابعة. (¬3) فقد جاء عنه: إن فعل هذا فحسن، وإن فعل هذا فحسن؛ لأن ذلك كله قد ثبت عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬4) زيد بعدها فى ت: بعد. (¬5) وهذا القول روى عن ابن عباس، وأنس، ومجاهد، وأبى جعفر محمد بن على، وسالم، وابن سيرين وبكر المزنى. قال ابن عبد البر: وهذا عند أهل العلم على أنهم كانوا يصلون جلوسًا عند عدم القوة على القيام أو كانوا متنفلين لأنهم قد روى عنهم أن التربع فى الجلوس للصلاة لا يجوز إِلا لمن اشتكى أو تنفل. التمهيد 19/ 245. (¬6) لفظ المطبوعة: وكان يقول. (¬7) فى ت: علماء.

وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِى خَالِدٍ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نحوه أبو مصعب عن مالك وغيره من علماء المدينة. وحجة أحمد تشهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهما، وقد قال: " صلوا كما رأيتمونى أصلى " (¬1)، وفى الحديث: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن " (¬2). ولقوله: " إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله " (¬3) وأمره على الوجوب. وحجة الجماعة سجود النبى - عليه السلام - عند سهوه لترك التشهد الأول، ولا يجزى سجود السهو لترك الفريضة، ولا فرق بين التشهدين، ولأنه - عليه السلام - لم يذكر ذلك للأعرابى الذى علمه الصلاة. وقوله: " وكان يختم الصلاة بالتسليم ": السلام عند عامة العلماء والسلف من فروض الصلاة، وشرط فى صحتها، لا يجوز الخروج منها بغيره، خلافًا لأبى حنيفة والأوزاعى والثورى فى أنه سنة، وحجة الجماعة قوله: " وتحليلها التسليم " (¬4)، وعندنا رواية شاذة عن ابن القاسم تنحو إلى مذهب أبى حنيفة فى ذلك، ولها عند بعض شيوخنا تأويل، وهى بالجملة منكرة غير جارية على أصولنا. ثم اختلفوا فى عدده، فروى عن جماعة من الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار تسليمة واحدة، وهو مشهور قول مالك فى الفذ والإمام، وذهبت طائفة منهم - أيضًا - إلى التسليم للإمام والفذ والمأموم، وهو قول أبى حنيفة والشافعى وفقهاء أصحاب الحديث وأهل الظاهر، والرواية الأخرى عن مالك، وكلهم مجمع على أن الثانية غير واجبة إِلا بعض أهل الظاهر فيراهما واجبتين. ثم اختلف فى صفة السلام، فذهب مالك والجمهور إلى تعريفه بالألف واللام، وذهب الشافعى فى (¬5) أصحابه إلى جواز التنكير فيه، ونحا إليه ابن شعبان، وحجة الجماعة قوله - عليه السلام -: " والسلام كما قد علمتم " (¬6) وفى الحديث الآخر: " ثم قال: السلام عليكم ". ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأذان، ب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة (631)، الدارمى، ك الصلاة، ب من أحق بالإمامة 1/ 318، أحمد 5/ 53. (¬2) سبق فى باب التشهد فى الصلاة برقم (60). (¬3) سبق فى باب التشهد فى الصلاة برقم (55). (¬4) أبو داود، ك الطهارة، ب فرض الوضوء، الترمذى، ك الطهارة، ب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، ابن ماجه، ك الطهارة وسننها، ب مفتاح الصلاة الطهور، الدارمى، ك الوضوء، ب مفتاح الصلاة الطهور 1/ 175، أحمد فى المسند 1/ 123، 129، جميعا عن على - رضى الله عنه. (¬5) فى ت: و. (¬6) سبق فى باب الصلاة على النبى -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد برقم (65).

(47) باب سترة المصلى

(47) باب سترة المصلى 241 - (499) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ - عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُبَالِ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ ". 242 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِىُّ - عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا نُصَلى وَالدَّوَابُّ تَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِينَا. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ تَكُونَ بَيْنَ يَدَىْ أَحَدِكُمْ، ثُمَّ لا يَضُّرهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ". وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: " فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ". 243 - (500) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيِدَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَت: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا وضع أحدكم بين يديه مِثلَ مُؤْخِرَةِ الرحل فليصل [ولا يبالى من يمرُّ بين يديه] " (¬1) مؤخرة الرحل وآخرة [الرحل] (¬2) أيضًا وهو العود الذى فى آخر الرحل بضم الميم وكسر الخاء، كذا قاله أبو عبيد، وحكى ثابت فيه فتح الخاء، وأنكره ابن قتيبة وأنكر ابن مكى أن يقال: مقدِّم أو مؤخِّر بالكسر إِلا فى العين خاصة، وغيره بالفتح، ورواه بعض الرواة مُوخِّرة (¬3) بفتح الواو وشد الخاء، وهذا الحدُّ وما يقرب منه فى مقدار السترة، وفيه أنها سنة الصلاة، وأقل ما يجزى فى ذلك قدر عظم الذراع (¬4) فى غلَظِ الرمح (¬5)، وعند مالك، وهو التفات إلى صلاته - عليه السلام - لمؤخرة الرحل فى ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: بروايات ثلاث غير تلك، الأولى: " ولا يبال من مَرَّ وراء ذلك "، الثانية: " مثلُ ومُؤخِرَة الرّحل، تكون بين يدى أحَدِكم، ثُمَّ لا يَضرُّه ما مَرَّ بين يديه "، الثالثة: " فلا يَضُرَّه من مَرَّ بين يديه ". (¬2) من ت. (¬3) فى ت: مُؤخَّر. (¬4) هو على نحو ثلثى ذراع. نووى 2/ 135. (¬5) أو ما يستلزم ذلك، لقول مالك: يجوز إلى القلنسوة والوسادة ذواتى الارتفاع، وأجازها ابن حبيب بدون عظم الذراع ودون غلظ الرمح، قال: وإنما يكره ما رقَّ جداً.

سُتْرَةِ الْمُصَلِّى؟ فَقَالَ: " مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ". 244 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةَ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ مُحمَّدِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ، فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ، عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّى؟ فَقَالَ: " كَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ". 245 - (501) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ، أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْن يَدَيْهِ، فَيُصَلِّى إِلَيْهَا، وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِى السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ. 246 - (...) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْكُزُ - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَغْرِزُ - الْعَنَزَةَ وَيُصَلِّى إِلَيْهَا. زَادَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَهىَ الْحَرْبَةُ. 247 - (502) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلتَهُ وَهُوَ يُصَلِّى إِلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الارتفاع، وللعنزة فى الغلظ، والسترة عندنا من فضائل الصلاة ومستحباتها وحكمتها كف البصر والخاطر عما وراءها، وتقييده بقدرها كما جعلت القبلة ضبطًا لذلك، ثم فيها كفٌّ عن دنو ما يشغله من خاطر وما تصرف منه ويشوش عليه صلاته، وفى ذكره - عليه السلام - هذا القدر ظاهره أنه أدنى ما يجزى ويبطل القول بالخط، وإن كان جاء به حديث وأخذ به أحمد بن حنبل فهو ضعيف (¬1)، وقد اختلف فيه، فقيل: مُقوَّسًا كهيئة المحراب، وقيل: قائمًا من بين يدى المصلى إلى قبلته، وقيل: من جهة يمينه إلى شماله ولم يره مالك ولا عامة الفقهاء. والعنزة المذكورة فى الحديث هى الحربة المذكورة فى الحديث الآخر، وكما فسرها فيه لكنها إنما تقال: عنزة إذا كانت قصيرة. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه وأحمد عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلَّى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجد فلينصِبْ عصا، فإن لم يَجدْ فليَخُطَّ خطاً، ثم لا يضُرُّه ما مَرَّ بين يديه "، ابن ماجه، ك إقامة الصلاة، ب ما يستر المصلى 1/ 303، أحمد فى المسند 2/ 249، 255، 266. وأخرجه عبد الرزاق عن سعيد بن جبير، المصنف 2/ 14.

248 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى إِلَى رَاحِلَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: إِن النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَعِيرٍ. 249 - (503) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ زهُيْرٌ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْن أَبِى جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ بِالأَبْطَحِ، فِى قبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ. قَالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوَضُوئِهِ، فَمِنْ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ. قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حُلَّةُ حَمْرَاءُ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ. قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلَالٌ. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا - يَقُولُ: يَمِينًا وَشِمَالاً - يَقُولُ: حَىَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ: ثُمَّ رُكُزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يعرض راحلته ثم يصلى إليها " (¬1) وأنه صلى إلى بعيره، فيه جواز الصلاة إلى ما يَثْبُتْ من الحيوان، ويؤمن تحركه أو إصابة بوله إذا كان بوله نجسًا، وجواز الصلاة إلى الإبل، ولا يعارضه كراهة الصلاة فى معاطنها والنهى عنها؛ لأن ذلك يختص بالمعاطن، وهذا يدل أن نفس العلة القذر الذى هناك، وأنهم كانوا يستترون بها أو لخوف نفارها، وأنه لو كان من أجل ما جاء فى الحديث أنها خلقت من الشياطين كما علَّلَ به بعضهم لاستوى حكم الواحد والجماعة فى ذلك، لكن يكون معنى ما جاء فى الحديث من ذلك إشارة إلى شدة نفارها وفعلها فعل الشياطين فى ذلك، من قطع الصلاة وشغل المصلى بها. وقوله: " فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح ": أى من مدرك أخذ شىء من فضل وضوءه - عليه السلام - أو ممن نضح عليه غيره منه، أى رش، كل هذا تبرك بوضوئه - عليه السلام - وهذا كقوله فى الحديث الآخر: " فمن لم يصب أخذ (¬2) من بلل يد صاحبه "، وإن كان قد جاء ذكر وضوئه بعد هذا فهو على غير الترتيب فى الكلام والتقديم والتأخير، وقد بين هذا فى الحديث الآخر بقوله: " فرأيت (¬3) الناسُ يأخذون من فضل وضوءه "، وقال فى الحديث الآخر: " ورأيت بلالاً أخرج وضوءًا " كذا فى الأم على التنكير، وقد تقدم فى الأول بوضوئه، وذكره البخارى: " أخذ وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬4) ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " وهو يصلى إليها ". ولا يصح الاستدلال بها هنا ما لم يكن يعرض بضم الياء وتشديد الراء، وهى إحدى الروايات الصحيحة لها، كما ذكره النووى 2/ 136. (¬2) الذى فى المطبوعة. ومن لم يُصِبْ منه أخذ. (¬3) الذى فى المطبوعة: " فَجَعَل ". (¬4) ك الصلاة، ب الصلاة فى الثوب الأحمر.

الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، لَا يُمْنَعُ. ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِيِنَةِ. 250 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا عَوْن بْنُ أَبِى جُحَيْفَةَ؛ أَنَّ أَبَاهُ رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالاً أَخْرَجَ وَضُوءًا، فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ أَخَذَ مِن بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالاً أَخْرَجَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمًّرًا، فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوابَّ يَمُرُّون بَيْنَ يَدَىِ الْعَنَزَةِ. 251 - (...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا أَبُو عُمَيْسٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَعُمَرَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ - يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ - وَفِى ـــــــــــــــــــــــــــــ فبينه. وقوله: " نادى بلال، فجعلت أتتبع فاه هاهنا يمينًا وشمالاً يقول: حى على الصلاة، حى على الفلاح، [فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا] (¬1) " حجة على جواز استدارة المؤذن فى أذانه للإسماع، وأن ذلك حين دعاء الناس بالحيعلتين فقط، ويكون مستقبلاً القبلة بقدميه، وهذا اختيار الشافعى، وأجاز مالك دورانه للإسماع (¬2). وقوله: " فصلى الظهر ركعتين ": الحديث يأتى بيانه فى صلاة السفر. وقوله: " يمر بين يديه الحمار والكلب ولا (¬3) يُمنع ": يريد أمام العنزة كما قال فى الحديث الآخر: " ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدى العنزة "، وفى الحديث الآخر: " فيمر (¬4) من ورائها المرأة والحمار " وهذا بين الاحتمال ويرفع الإشكال. وتأويل من تأول ¬

_ (¬1) غير مذكورة فى المطبوعة وق. (¬2) وعند الحنفية وبعض المالكية إذا لم يتم الإعلام بتحويل وجهه عند الحيعلتين فقط مع ثبات قدميه فإنه يستدير بجسمه فى المئذنة، فيحوِّل وجهه فقط دون استدارة جسمه يمينًا ويقول: حى على الصلاة - مرتين - ثم يحول وجهه شمالاً وهو يقول: حى على الفلاح - مرتين. بدائع الصنائع 1/ 149، المجموع 3/ 106، ابن عابدين 1/ 259. (¬3) فى المطبوعة: لا. (¬4) فى المطبوعة: وكان يمر.

حَدِيِثٍ مَالِكٍ بنِ مِغْوَلٍ: فَلَمَّا كَانَ بِالْهَاجِرَةِ خَرَجَ بِلَالٌ فَنَادى بِالصَّلَاةِ. 252 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطحَاءِ فَتَوَضَّأَ فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. قَالَ شُعْبَةُ: وَزَادَ فِيهِ عَوْنُ عَنْ أَبِيهِ أَبِى جُحَيْفَةَ: وَكَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ. 253 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ الْحَكَمِ: فَجَعَلَ النَّاسُ يَأخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ. 254 - (504) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه مر بينه وبين العنزة، فقد روى عن ابن عباس فيه: " لا يحول بيننا وبينه شىء " وما هاهنا أثبت وأصح ويأتى الكلام على المرأة والحمار بعد. وقوله: " أقبلتُ على أتان " (¬1): هى أنثى الحمر، وقد جاء فى الحديث الآخر: " على حمار " أراد به الجنس ولم يرد الذكورية، كما يقال: إنسان، للذكر والأنثى. وقد قال فى البخارى: " على حمار أتان " (¬2). وقوله: " ناهزت الاحتلام " يصحح قول الواقدى: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفى وابن عباس ابن ثلاث عشرة سنة، وقول الزبير بن بكار: إنه ولد بالشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وما روى عن سعيد بن جبير توفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن خمس عشرة سنة. قال ابن حنبل: وهذا الصواب (¬3)، وهو يرد رواية من روى عنه: توفى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن عشر سنين (¬4)، وقد يتأول - إن صح هذا - أن معناه راجع إلى ما بعده، وهو قوله: " وقد قرأت المحكم ". قال الإمام: وقوله: " وقد (¬5) ناهزت الاحتلام ": أى قاربته. وقوله: " فأرسلت الأتان ترتع "، قال القاضى: أى ترعى، يقال: رتعت الإبل، وقال الشاعر: ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: أقبلت راكبًا على أتان. (¬2) ك الصلاة، ب سترة الإمام سترة من خلفه. (¬3) أحمد فى المسند 1/ 373. (¬4) أحمد فى المسند 1/ 253. (¬5) فى المطبوعة: وأنا قد.

الاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ بِمِنًى، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ، فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِى الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٌ. 255 - (...) حدّثنا حَرْمَلَةَ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ أَقْبَل يَسِيِرُ عَلَى حِمَارٍ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائمٌ يُصَلِّى بِمِنًى، فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، يُصَلِّى بِالنَّاسِ، قَالَ: فَسَارَ الْحِمَارُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ، فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ. 256 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَة، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى بِعَرَفَةَ. 257 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنىً وَلَا عَرَفَةَ. وَقَالَ: فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا يخلو له لحمى رَتَعْ أى أكله (¬1)، وفى الحديث حجة على أن الإمام سترة لمن خلفه، لقوله: " فلم ينكر ذلك عَلىَّ أحد " (¬2) ولأن إقرار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له إن كان رآه حجة فى جواز ذلك وهو الظاهر لقوله: " بين يدى العنزة " وإن كان بموضع لم يره فقد رآه جملة أصحابه فلم ينكروه عليه، ولا أحد منهم، فدل أنه ليس عندهم بمنكرٍ، ولا خلاف فى جواز هذا، ولا خلاف أن السترة للمصلى مشروعة إذا كان فى موضع لا يأمن من المرور بين يديه، واختلف حيث يأمن، وعندنا فيها لأصحابنا قولان: اللزوم والسقوط. وتكلم العلماء هل سترة الإمام نفسها سترة لمن وراءه أو هى سترة له خاصة والإمام سترتهم (¬3). ¬

_ (¬1) وأصل الرتع أكل البهائم، ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير. راجع: مفردات غريب القرآن. (¬2) وذلك بعد قوله: " فمَررْتُ بين يدى الصف فنزلتُ ". (¬3) العبارة الأولى لمالك فى المدونة، قال فيها: ولا بأس بالمرور بين الصفوف لأن الإمام سترة لهم، والثانية لعبد الوهاب، والخلاف بينهما أنه على الأولى يمتنع المرور بين الإمام وبينهم وعلى الثانية يجوز. السابق.

(48) باب منع المار بين يدى المصلى

(48) باب منع المار بين يدى المصلى 258 - (505) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ زَيْد بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّى فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبى فَلْيُقَاتِلْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا كان أحدكم يصلى فلا يدع أحدًا يمر بين يديه ": حمله العلماء على الإباحة (¬1) للمصلى لمدافعته، والأمر برده لا على الوجوب. وقوله: فليدرأه (¬2) ما استطاع: أى ليدفعه ويمنعه عن ذلك ولا يسامحه فى المرور، وهو معنى قوله: " ما استطاع " وأجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا ما يؤدى إلى هلاكه، فإن درأه بما يجب فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق، وهل فيه دية أو هو هدرٌ؟ فيه للعلماء قولان، وهما فى مذهبنا أيضًا. وكذلك اتفقوا أن هذا كله لمن لم يُعزر بصلاته (¬3) واحتاط لها وصلى إلى سترة، أو فى مكان يأمن المرور بين يديه، ويدل عليه قوله فى حديث أبى سعيد هذا: " إذا صلى أحدكم إلى [سترة] (¬4) " فإذا فعل هذا كان الإثم على المار، وإن كان إلى غير سترة أثما جميعًا، إِلا أن يكون المصلى صلى على طريق الناس، حيث تدعوهم الضرورة إلى الاجتياز ولا يجدون مندوحة فيأثم هو دون المارين، إِلا أن يكون المصلى صلى إلى غير سترة، حيث يأمن فى الغالب ألا يمر بين يديه أحد، فلا إثم عليه على رأى بعضهم. وكذلك اتفقوا على أنه لا يجوز له الشى من مقامه إلى رده والعمل الكثير فى مدافعته؛ لأن ذلك فى صلاته أشد من مروره عليه، والذى أبيح له من هذا هو قدر ما تناله يده من مصلاه دون الشى إليه، وإعمال الخطى، وهذا حدٌّ فى مقدار القرب من السترة لهذه الفائدة، وسنذكره بعد، وليكن رده هاهنا بالإشارة والتسبيح. وكذلك اتفقوا على أنه إن مر فلا يرده لأنه مرور ثانٍ (¬5) إِلا شىءٌ روى عن بعض السلف فى رده وتأوله بعضهم على قول أشهب بِرَدِّه بالإشارة وظاهر قول أشهب أنه فى ابتداء المرور. وقوله: " فإن أبى فليقاتله ": أى إن أبى بالإشارة ولطيف المنع فليمانعه ويدافعه بيده ¬

_ (¬1) يعنى بالإباحة الجواز الأعم، لا المباح حقيقة الذى يستوى فيه الفعل والترك وذلك لأن الدفع مندوب إليه، قال الأبى: ولو قيل بوجوبه إن لم يكن ثمَّ إجماع ما بعد. الإكمال 2/ 219. (¬2) ما فى المطبوعة: وليدرأه. (¬3) فى ق: به. (¬4) لفظ المطبوعة. شىء يسْتره. (¬5) نقلها النووى هكذا: لئلا يصير مرورًا ثانيًا. ثم عقب عيه بقوله: هذا آخر كلام القاضى - رحمه الله - وهو كلام نفيس 2/ 142.

فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ". 259 - (...) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ هِلَالٍ - يَعْنِى حُمَيْدًا - قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَصَاحِبٌ لِى نَتَذَاكَرُ حَدِيثًا، إِذْ قَالَ أَبُوَ صَالِحٍ السَّمَّاَنُ: أَنَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ منْ أَبى سَعِيدٍ، وَرَأَيْتُ مِنْهُ. قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِى سَعِيدٍ يُصَلِّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَىءٍ يَسْترُهُ مَنَ النَّاسِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ شَابٌ مِنْ بَنِى أَبِى مُعِيطٍ. أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ فِى نَحْرِهِ. فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدُ مُسَاغًا إِلا بَيْنَ يَدى أَبِى سَعِيدٍ. فَعَادَ، فَدَفَعَ فِى نَحْرِهِ أَشَدَّ مِنَ الدَّفْعَةِ الأُولَى، فَمَثَلِ قَائِمًا، فَنَالَ مِنْ أَبِى سَعِيدٍ. ثُمَّ زَاَحَمَ النَّاسَ، فَخَرَجَ، فَدَخَلَ عَلَىَ مَرْوانَ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِىَ. قَالَ: وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَالَكَ وَلابْنِ أَخِيك؟ جَاءَ يَشْكُوكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَىْء يَسْتُرُهُ منَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْ فِى نَحْرِهِ، فَإِنْ أَبى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطانٌ ". 260 - (506) حدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن المرور، ويعنف عليه فى رده. قال أبو عمر: هذا اللفظ جاء على وجه التغليظ والمبالغة. وقال الباجى: يحتمل أن يكون بمعنى فليلعنه، فالمقاتلة بمعنى اللعن موجودة، قال الله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} (¬1)، قال: ويحتمل أن يكون بمعنى فَلْيُعَنِّفه على فعله [ذلك] (¬2) ويؤاخذه، وخرج من ذلك معنى المقاتلة المعلومة بالإجماع (¬3). وقوله: " فإنما هو شيطان " قيل: معناه: فإنما حمله على فعله ذلك وإبائه من الرجوع الشيطان، وقيل: فإنه يفعل فعل الشيطان، فإن معنى الشيطان بعيد من الخير، والائتمار للسنة، من قولهم: نوىٌ شطون، أى بعيدة، ومنه سمى الشيطان لبعده من رحمة الله، فسماه شيطانًا لاتصافه بوصفه كما يقال: فلان الأسد، أى يبطش ويقوى كبطشةُ الأسد وقوته، وقيل: المراد بالشيطان هنا قرين الإنسان اللازم له، كما قال فى الرواية الأخرى: " فإن معه القرين "، ويكون هذا من معنى قوله فى الحديث الآخر: " فإن الشيطان يحول بينكم وبينها "، فيكون على هذا يمنع الإنسان الجواز بين يدى المصلى من أجل الشيطان اللازم له لكونه خبيثًا نجسًا، ويكون الله تعالى يمنعه من التسلط على المشى ¬

_ (¬1) الذاريات: 10. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬3) ومما يقوى هذا رواية عبد الرزاق عن أبى سعيد قال: قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اردده، فإن أبى فجاهده " 2/ 22.

إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثمَانَ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصْلِّى فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ ". (...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، بِمِثْلِهِ. 261 - (507) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِى جُهَيْمٍ، يَسْأَلُهُ: مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْمَارِّ بَيْنَ يَدَى الْمُصَلِّى؟ قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّى مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفِ أَرْبعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ". قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لا أَدْرِى، قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً؟ (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ أَرْسَلَ إِلَى أَبِى جُهَيْمٍ الأَنْصَارِىِّ: مَا سَمِعْتَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ؟ فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أمام المصلى وقطع صلاته، إذا اجتهد العبد فى الدنو من قبلته، وامتثل ما أمر به، ولم يجعل له سبيلاً إليه، بخلافه إذا لم يدن من السترة. وقوله: " لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه " الحديث، أى لاختار وقوفه هذه المدة على ما عليه من الإثم. وقد ذكر ابن أبى شيبة فى هذا الحديث: " لكان أن يقف مائة عام خيرًا له " (¬1)، وكل هذا تغليظ وتشديد فى النهى على ما عليه من الإثم. وإرسال زيد بن خالد إلى أبى جهم يسأله عما سمع من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فى هذا الحديث دليل على أخذ العلماء بعضهم عن بعض، وقبول خبر الواحد عن الواحد. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه بالمصنف.

(49) باب دنو المصلى من السترة

(49) باب دنو المصلى من السترة 262 - (508) حدّثنى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ؛ قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ. 263 - (509) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى - وَاللَّفْظِ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعدَةَ - عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى عُبَيْدٍ - عَنْ سَلَمَةَ - وَهُوَ ابْنُ الأَكْوَعِ - أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى مَوْضِعَ مَكَانِ الْمُصْحَفِ يُسَبِّحُ فِيهِ. وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ، وَكَانَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان بين مصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين الجدار ممر الشاة ": هذا تحديد فى قدر القرب من السترة، وهو الذى قال به ناس وقدروه بقدر الشبر. وجاء فى حديث صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الكعبة: " جعل بينه وبين الجدار قدر ثلاثة أذرع " (¬1)، هذا استحباب جماعة من العلماء وقدر المباح من التأخر عن القبلة، وهذا القدر هو الذى يمكن المصلى أن يدرأ أن يمر بين يديه وتناله يده. ولم يَحُدَّ مالك فيه حدّا، وذهب بعض السلف فيه إلى ستة أذرع، وكان بعض [متأخرى] (¬2) شيوخنا يستعمل الحديثين، فيجعل الثلاثة الأذرع فى ركوعه وسجوده، وقدر ممر الشاة عند قيامه. وقوله: " إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتحرى الصلاة عندها يعنى الإسطوانة ": لا خلاف فى جواز الصلاة إلى الأساطين، واستحب أهل العلم على ما جاء فى الحديث ألا يصمدها صمدًا، بل يجعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولعل وجه هذا كان أول الإسلام، وحيث كان قرب الناس بعبادة الحجارة والأصنام، وأما الصلاة بين الأساطين عرضًا فاختلف العلماء فى ذلك، واختلف قول مالك فى إجازته وكراهته إِلا عند الضرورة، وعلة ذلك أن ¬

_ (¬1) البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب الصلاة بين السوارى فى غير جماعة، أبو داود، ك المناسك، ب فى دخول الكعبة، النسائى، ك القبلة، ب مقدار ذلك، جميعاً من حديث ابن عمر - رضى الله عنه. (¬2) ساقطة من ت.

264 - (...) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مَكِّىٌّ، قَالَ: يَزِيدُ أَخْبَرَنَا، قَالَ: كَانَ سَلَمَةَ يَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِى عِنْدَ الْمُصْحَفِ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْد هذِهِ الأُسْطُوَانَةِ. قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ المصلى بينهما إن كان فدّا صلى إلى غير سترة؛ ولأن الصفوف منقطعة بالأساطين، ولأنه روى أنه مصلى مؤمنى الجن.

(50) باب قدر ما يستر المصلى

(50) باب قدر ما يستر المصلى 265 - (510) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّى، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مثْلُ آخِرَةٍ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ ". قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الأَحْمَرِ منَ الْكَلْبِ الأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِى، سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِى فَقَالَ: " الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ ". (...) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يقطع الصلاة (¬1) الحمار والمرأة والكلب الأسود "، قال الإمام: اختلف الناس فى مرورها بين يدى المصلى، فقال مالك وأكثر الفقهاء: لا يقطعون الصلاة، فإن قيل: إن كان هذا تعلقًا بظاهر قوله: إنه لا يقطع الصلاة شىء ولم يستثن منه، فهذا مقيد يجب أن يقضى به على المطلق. قيل: وقد ورد ما يعارض هذا التقييد وهو حديث عائشة فى اعتراضها بين يدى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا يعارض استثناء المرأة فى الحديث الأول. وقال ابن حنبل: يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفى قلبى من الحمار والمرأة شىء، ووجه قوله ما وقع فى التقييد بالأسود فى بعض طرق مسلم، ولم يوجد ما يعارض هذا، ووجد التعارض عنده فيما سواه فأشكل عليه. قال القاضى: ويكون بمعنى يقطع على قول الكافة؛ مبالغة فى الخوف على فسادها بالشغل بهم، كما قال للمادح: " قطعت عنق أخيك " (¬2)، أى فعلت به فعلاً يخاف عليه هلاكه منه كمن قطع عنقه وعند الآخرين أنه على وجهه من قطع اتصالها وفسادها [وهو قول أحمد وابن خزيمة، وروى عن ابن عباس وأنس والحسن] (¬3)، [وكذلك] (¬4) يقول من الأول من يقول: إنه منسوخ. وقوله: " الكلب الأسود شيطان ": يؤكد أن العلة فى قطع صلاة المار صحبة ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: صلاته (¬2) سيأتى فى ك الزهد، ب النهى عن المدح ... إلخ برقم (65). (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬4) من ق.

ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَ بْنَ أَبِى الذَّيَّالِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى يُوسُفُ ابْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِىُّ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ الْبَكَّائِىُّ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، كُلُّ هَؤْلَاءِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، بِإِسْنَادِ يُونُسَ، كَنَحْوِ حَدِيثِهِ. 266 - (511) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيطان له، وهو القرين المذكور فى الحديث، ولقوله: " فإن الشيطان يحول بينكم وبينها "، وقد جاء أن الكلب الأسود شيطان، وأن الشياطين كثيرًا ما جاء أنها تتصور فى صور الكلاب، وأن الملائكة لا تحضر موضعه، وجاء - أيضًا - من اختصاص الشيطان بالحمار فى قصة نوح فى السفينة وتعلقه به ما جاء، وأن نُهاقه عند رؤيته، وقد يقال فى المرأة من هذا المعنى أيضًا، لأنها تقبل فى صورة شيطان، وتدبر فى صورة شيطان، وأنها من مصائد الشيطان وحبائله، ويؤكد هذا التأويل ويشهد له قوله: " لا تصلوا فى مبارك الإبل فإنها من الشياطين " (¬1)، وقد يقال: إن هذا كله للخبث والنجاسة المختصة بالشيطان، فإنه - عليه السلام - قال: " إنه خبيث مخبث رجس نجس " (¬2) وشبهه بالكلب إما لنجاسته عند من رأى ذلك، أو أنه لا يتوقاها. والمرأة لأجل طريان الحيض ونجاسته عليها، وكذا جاء فى حديث ابن عباس، والحائض مكان المرأة، وهو قوله: وقول عطاء فى الحائض خصوصًا من النساء، ويختص الحمار على هذا بتحريم لحمه أو شدة كراهته ونجاسة بوله وروثه، وقد أشار الطحاوى أن هذا كله منسوخ بأحاديث صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أزواجه فى قبلته عائشة، وميمونة، وأم سلمة، وبقوله - عليه السلام -: " لا ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب النهى عن الصلاة فى مبارك الإبل، أحمد فى المسند 4/ 288. ومعنى أنها من الشياطين: قال الإمام الشافعى: إنها خلقت من جن وذلك لما رواه عبد الله بن مغفَّل عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أدركتكم الصلاة وأنتم بأمراح الغنم فصلوا فيها، فإنها سكينةٌ وبركة، وإذا أدركتكم الصلاة وأنتم فى أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلوا، فإنها جنٌّ من جنٍّ خلقتا، ألا ترونها إذا نَفَرت كيف تشمخُ بأنفِها ". معرفة السنن والآثار 3/ 407، والحديث أخرجه ابن ماجه فى الصلاة، ب الصلاة فى أعطان الإبل ومراح الغنم 1/ 253. (¬2) وذلك فيما أخرجه ابن ماجه عن أبى أمامة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يَعجزْ أحدُكم إذا دخل مِرْفَقه أن يقول: اللهم إنى أعوذ بك من الرجِسِ النَّجِس، الخبيث المُخْبَثْ، الشيطان الرجيم " ك الطهارة، ب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء 1/ 109 وفى الزوائد: إسناده ضعيف.

هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، وَيَقِى ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يقطع الصلاة شىء "، وبأمره - عليه السلام - بدرء المار ولم يخص، أو لأن ذلك على الكراهة والتغليظ لا على الفساد للصلاة، أو يكون " تقطع الصلاة " بمعنى تقطع الإقبال عليها والشغل بها، فالشيطان بوسوسته ونزغه، والمرأة بفتنتها والنظر إليها، والكلب والحمار بقبح أصواتهما وكثرتها وعلوها، قال الله تعالى: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (¬1)، وقال: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْركْهُ يَلْهَث} الآية (¬2)، ولنفور النفس من الكلب، لا سيما الأسود، وكراهة لونه وخوف عاديته، والحمار للجاجته وقلة تأتيه عند دفعه ومخالفته. ¬

_ (¬1) لقمان: 19. (¬2) الأعراف: 176.

(51) باب الاعتراض بين يدى المصلى

(51) باب الاعتراض بين يدى المصلى 267 - (512) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، كَاعْتِرَاضِ الْجَنَازَةِ. 268 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ - عز وجل - يُصَلِّى صَلَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ، كُلُّهَا، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِى فَأَوْتَرْتُ. 269 - (...) وحدّثنى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ قَالَ: قَالتْ عَائِشَةُ: مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ. فَقَالَتْ: إِنَّ المَرْأَةَ لَدَابَّةُ سَوْءٍ، لَقَدْ رَأَيْتُنِى بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَرِضَةً، كَاعْتِرَاضِ الْجَنَازَةِ، وَهُوَ يُصَلِّى. 270 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو سَعِيد الأَشَجُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِى مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ. وَذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى وهى معترضة أمامه " حجة على ما تقدم من أن المرأة لا تقطع الصلاة، ولا تفسد صلاة من صلى إليها، وكراهة مالك وغيره من العلماء أن تجعل المرأة سترة ذلك لخوف الفتنة بها والتذكر فى الصلاة بها، والشغل بالنظر إليها، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف هذا فى ملك أَرَبه وقمع شهوته، وأيضًا فإن هذا كان فى الليل، وحيث لا يرى شخصها، وقد قالت: " والبيوت يومئذ (¬1) ليس فيها مصابيح ". ¬

_ (¬1) المراد بقولها: " يومئذ ": حينئذ؛ لأن اليوم يطلق على النهار المعهود، والنهار ليس بوقت للمصابيح. قال ابن عبد البر: وفيه دليل على أنها إذ حدَّثت بهذا الحديث كانت بيوتهم فيها المصابيح، وذلك أن الله عزَّ وجل فتح عليهم من الدنيا بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوسَّعُوا على أنفسهم إذ وسَّع الله عليهم. الاستذكار 5/ 204.

الصَّلَاةَ؛ الْكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحَمِيرِ وَالْكِلَابِ. وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى وَإِنِّى عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِى الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجِلْسَ فَأُوذِىَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رجْلَيْهِ. 271 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: عَدَلْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِى مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ. فَيَجِىءُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ. فَيُصَلِّى. فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْنِحَهُ. فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلَ رِجْلَىِ السَّرِيرِ، حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِى. 272 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَىْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرِجْلَاىَ فِى قِبْلَتِهِ. فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِى فَقَبَضْتُ رِجْلَىَّ، وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ، وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. 273 - (513) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، جَمِيعًا عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ ابْنِ الْهَادِ قَالَ: حَدَّثَتْنِى مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِى ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ. 274 - (514) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " فإذا سجد غمزنى ": تعنى بيده، ولهذا اعتذرت عن هذا بعدم المصابيح التى بها كانت تعلم سجوده من قيامه فلا يحتاج إلى غمزها، وفيه دليل على أن اللمس من فوق الثوب أو تحته لغير لَذَّةٍ غير مؤثر فى الطهارة، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة. والأغلب فى هذا الحال أن الغمز من فوق الثوب لأنها فى فراشها، وأما إن كان للذة والثوب غير كثيف فينقض الطهارة. وفى حديثها وحديث صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جنب غيرها من أزواجه، دليل على جواز الصلاة إلى النيام، وإنما كرهه من كرهه تنزيهاً للصلاة لما يخرج منه وهو فى قبلته. وفيه دليل على أن محاذاة المرأة فى الصلاة للمصلى لا تفسد صلاته كانت فى صلاة معه أم لا، خلافًا لأبى حنيفة فى أن صلاة المحاذى لها من الرجال فى الصلاة تفسد، وحجته نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة الرجل إلى جانب المرأة والمرأة إلى

وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُهُ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا إِلَى جَنْبِه، وَأَنَا حَائِضٌ، وَعَلَىَّ مِرْطٌ، وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ إِلَى جَنْبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جانب الرجل، وقوله: " أخِّروهن حيث أخرهن الله " (¬1) وكل هذا عندنا محمول على التحضيض والندب لا على الإيجاب، ولأنهم فرقوا بين الرجل والمرأة فى فساد صلاتهما، فأجازوا صلاتها هى، والنهى فيهما سواء والمعنى واحد. وقولها: " فأكره أن أسنحه " معناه: أظهر له، كما جاء فى الرواية الأخرى: " فأكره أن أجلس فأوذيه "، يقال: سنح لى الشىء إذا أعترض لى، ومنه السانح من الطير وغيره فى العيافة عند العرب، ومنه جواز الصلاة فى شُعُرِ النساء وفُرشهن إذا لم تعلم فيها نجاسة، وفى حديث ميمونة جواز الصلاة إلى جنب الحائض، وقد تقدم معناه فى كتاب الطهارة، وإن جسدها وثوبها إذا لم تكن عليه نجاسة حكمها حكم الطهارة (¬2). وقوله: " يُسِّبح فيه ": أى يصلى سبحته وهى نافلة صلاته، وفيه أن ثوب المصلى إذا سقط طرفه على النجاسة الجافة لم يضر ذلك المصلى إذا لم يسجد هو على ذلك أو يقف أو يجلس أو تكون بين يديه فى سجوده أو أمامه فى مصلاه، وفيه دليل على أن الصلاة إلى النُوام والمستيقظين جائزة، وإنما النهى فى المرور خاصة، وكره عامة العلماء استقبال وجهه (¬3). وقوله: " يتحرى مكان المُصْحف " فيه جواز الصلاة إلى المصحف إذا كان مَوضِعُه، ولم يجعل هناك ليصلى إليه، ولم يكن تحرِّيه هنا لأجل المصحف، وإنما تحرى الموضع لصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، وفيه جواز إيطان موضعٍ فى المسجد للرجل يلازمه، وللسلف فى ذلك خلاف، ويستحب ذلك للعالم والفتى ومن يحتاج إليه فيه ليعرف موضعه (¬4). وقوله عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فرأيته يصلى على حصير يسجد عليه ": لا خلاف فى إباحة الصلاة على الحصر وأشباهها مما تنبته الأرض دون كراهة، ولا خلاف فى جواز الصلاة على غير ذلك من كل طاهر من الثياب والبسط واللبود مع أن غيرها من الأرض أو ما تنبته أفضل، إِلا أنه يكره ذلك لغير برد ولا حر، أو لطريق الترفه، هذا قول عامة العلماء، وأجاز ذلك بعض العلماء على الجملة كما أنه ما فعل من ذلك لطريق الرفاهة والترف أنه مكروه لأن الصلاة سرها التواضع والخضوع (¬5). ¬

_ (¬1) عبد الرزاق فى المصنف، ك الصلاة، ب شهود النساء الجماعة 3/ 149. والكراهة فى هذا عندهم كراهة تحريمية. قال الإمام الشافعى فى هذا الحديث: فإن كانت لا تقطع الصلاة وليست فيها لم تقطعها وهى فيها، وما تكون أبدًا خيرًا منها حين تصلى، ولا أقرب إلى الله. معرفة السنن 3/ 232. (¬2) فى ت: الطاهرة. (¬3) و (¬4) سبقا فى باب دنو المصلى من السترة برقم (263). (¬5) سيأتى فى باب الصلاة فى ثوب واحد برقم (284).

(52) باب الصلاة فى ثوب واحد وصفة لبسه

(52) باب الصلاة فى ثوب واحد وصفة لبسه 275 - (515) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ سَائِلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؟ فَقَالَ: " أَوَلِكُلِكُّمْ ثَوْبَانِ؟ ". (...) حدّثنى حرَمْلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللِّيْثِ، وَحَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 276 - (...) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: نَادَى رَجُلٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُصَلِّى أَحَدُنَا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: " أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم أحاديث الصلاة فى الثوب الواحد وقوله - عليه السلام -: " أو كلكم يجد ثوبين؟ ": الصلاة فى الثوب الواحد جائزة بغير خلاف بين العلماء، إِلا شىء روى عن ابن مسعود كما إنه لا خلاف أن الصلاة فى الثوبين، وجمع الثياب أفضل وهو معنى ما روى عن ابن عمر فى ذلك وغيره لا [على] (¬1) أنه لا يجزى. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أولكلكم ثوبان؟ " " أو يجد ثوبين " صيغته صيغة الاستفهام، ومعناه التقرير والإخبار عن معهود حالهم، وضِمْنه دليل على الرخصة فى الواحد وتنبيه على أن الثوبين أفضل وأتم، وهو المفهوم منه عند أكثر العلماء وبينه حديث جابر فى الموطأ عنه - عليه السلام: " من لم يجد ثوبين فليصلى فى ثوب واحد ملتحفًا به، فإن كان قصيرًا فليتزر به " (¬2)، وذهب الطحاوى والباجى إلى أن مفهومه التسوية من الصلاة فى الثوب الواحد مع وجود غيره أو عدمه فى الإجزاء، وصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة فى الثوب الواحد مع إمكان غيره ليدل على الرخصة والسعة (¬3)، وكذلك معنى فعل الصحابة كما قال جابر: " ليرانى ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) ك صلاة الجماعة، ب الرخصة فى الثوب الواحد 1/ 141. (¬3) قال ابن عبد البر: وقد روى أنس أن آخر صلاة صلاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ثوب واحدٍ متوشحًا به خلف أبى بكر. الاستذكار 4/ 436.

277 - (516) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يُصَلِّى أَحَدُكُمْ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَىْءٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهال مثلكم " (¬1). ونهيه أن يصلى به وليس على عاتقه منه شىء، قيل: لأنه إذا لم يكن كذلك لم يأمن من النظر إلى عورته، والأولى عندى أن يكون لئلا يسقط عنه؛ لأنه إذا لم يصل به متوشحًا واضعًا طرفيه على عاتقيه كما كان يفعل - عليه السلام - لم يؤمن سقوطه عنه وتكشفه، وإن تكلف ضبطه بيديه شغلهما بذلك، واشتغل به عن صلاته، فإذا احتاج إلى استعمال يديه فى الركوع والسجود والرفع وغير ذلك، ربما انفلت ثوبه فينكشف، وأيضًا فإن فيه إذا لم يجعل منه على عاتقه شيئًا تعرى بعض الجسم والأعالى من الثياب فى الصلاة والخروج عن ذلك فى الزينة المأمور بها فيهما، كما جاء فى النهى عن الصلاة فى السراويل (¬2) وحده، ويشبه الصلاة فى المئزر وحده، وقد روى عن بعض السلف الأخذ بظاهر هذا الحديث وأنه لا يجزى صلاة من صلى فى ثوب واحد مؤتزرًا به ليس على عاتقه منه شىء إِلا أن لا يقدر على غيره، وكذلك اختلفوا فى السدل فى الصلاة وهو إرسال ردائه عليه من كتفيه إذا كان عليه مئزر، وإن لم يكن عليه قميص وإن انكشف بطنه، فأجازه عبد الله بن الحسن ومالك وأصحابه (¬3)، وكرهه النخعى وآخرون (¬4)، إِلا أن يكون عليه قميص يستر جسده، وقد نحا إلى هذا بعض أصحابنا وهو أبو الفرج (¬5) من أن ستر جميع ¬

_ (¬1) غير ثابت فى المطبوعة، ولم نقف عليه فيما تيسر لنا. (¬2) وذلك لما أخرجه أبو داود والحاكم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلى فى سراويل ليس عليها رداء. قال أبو عمر فى هذا الحديث: وهذا خبر لا يحتج به لضعفه، ولو صبح كان معناه الندب لمن قدر. التمهيد 6/ 374. (¬3) فقد روى عن جابر وابن عمر الرخصة فيه، وجاء عن مكحول والزهرى أنهم فعلوه، وقال ابن المنذر: لا أعلم فيه حديثًا يثبت. المغنى 2/ 297. وعبيد الله بن الحسن هو ابن الحصين العنبرى، القاضى. من فقهاء التابعين بالبصرة، توفى سنة ثمان وستين ومائة. تهذيب التهذيب 7/ 9. (¬4) هم الثورى والشافعى ومجاهدٌ وعطاء، وهو قول ابن مسعود. المغنى 2/ 297. والسدل: هو أن يلقى طرف الرداء من الجانبين ولا يَرُدَّ أحَدَ طرفيه على الكتِفِ الأخرى، ولا يضمُّ الطرفين بيديه. (¬5) هو عمر بن محمد بن المالكى الليثى، نشأ ببغداد وأصله من البصرة له كتاب الحاوى فى مذهب مالك وكتاب اللمع فى أصول الفقه. مات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة. ترتيب المدارك 5/ 22، الديباج المذهب 2/ 127.

278 - (517) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ؛ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّىَ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمَلاً بِهِ، فِى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. (...) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: مُتَوَشِّحًا. وَلَمْ يَقُلْ: مُشْتَمِلاً. 279 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ؛ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى فِى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِى ثَوْبٍ، قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ. 280 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عُمرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ؛ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُلْتَحِفًا، مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجسد فى الصلاة لازم (¬1)، وأكثرهم على جوازه على قميص وقد كرهه بعضهم بكل (¬2) حال كأنَّه عنده من جر الإزار، وهو مذهب الشافعى وهذا بعيد لأنه فى الصلاة ثابت غير جار له بخلاف الماشى، ومن المعنى الأول اختلف العلماء فى صلاة الرجل محلول الإزار وليس عليه إزار، فمنعه أحمد (¬3) والشافعى لعلة النظر إلى عورته، وربما بدا ذلك، لمن يقابله، وأجاز ذلك مالك وأبو حنيفة وأبو ثور وكافة أصحاب الرأى ندباً إذا تكلف ذلك، ¬

_ (¬1) ودليله ودليلهم قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، قالوا: المراد بها الثياب الساترة للعورة؛ لأن الآية نزلت من أجل الذين كانوا يطوفون بالبيت عُراة. قال ابن عبد البر: وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء. الاستذكار 5/ 437. (¬2) فى ت: على كل. (¬3) نص أحمد فى رواية حنبل أنه يُجزئه أن يأتزر بالثوب الواحد، ليس على عاتقه منه شىء من التطوع؛ لأن النافِلة مبناها على التخفيف، ولذلك يسامح فيه بترك القيام والاستقبال فى حال سيره، فسومح من يترك القيام بهذا المقدار. أما فى الفريضة: فقد جاء عن الأثرم أنه سئل أحمد عن الرجل يصلى فى القميص الواحد غير مزرور عليه؟ قال: ينبغى أن يزرَّه. قل له: فإن كانت لحيته تغطيه، ولم يكن متسع الجيب؟ قال: إن كان يسيراً فجائز. ودليل ذلك لهم حديث سلمة بن الأكوع أنه قال للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصَلِّى فى القميص الواحد؟ قال: " نعم وأزرُرْه ولو بشوكة " أبو داود، ك الصلاة، ب فى الرجل يصلى فى قميص واحد 1/ 147، وانظر: المغنى 2/ 284، عارضة الأحوذى 2/ 135.

زَادَ عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ فِى رِوَايَتِهِ، قَالَ: عَلَى مَنْكِبَيْهِ. 281 - (518) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: رَأَيْتُ النَبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُتَوَشِّحًا بِهِ. 282 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، جَمِيعًا بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 283 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ الْمَكِّىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ رَأَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُصَلِّى فِى ثوْبٍ، مُتَوَشِّحًا بِهِ، وَعِنْدَهُ ثِيَابُهُ. وَقَالَ جَابِرٌ: إِنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ. 284 - (519) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالَ: حَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّى عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُتَوَشِّحًا بِهِ. 285 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ: وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. وَرِوَايَةُ أَبِى بَكْرٍ وَسُوَيْدٍ: مُتَوَشِّحًا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ورؤيته [لذلك] (¬1) كرؤيته من أسفل الإزار وبين الرجلين، وذلك لا يلزم. والتوشح: قال ابن السكيت: هو أن يأخذ طرف الثوب الذى ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ طرفه الذى ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقدهما على صدره. ¬

_ (¬1) من الإكمال، وهو لازم للعبارة.

5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة 1 - (520) حدّثنى أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُريْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: " المَسْجِدُ الحَرامُ ". قُلْتُ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: " المَسْجِدُ الأَقْصَى ". قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: " أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ ". وَفِى حَدِيثِ أَبِى كَامِلٍ: " ثُمَّ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ ". 2 - (...) حَدّثنى عَلىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، أَخْبَرَنَا عَلِى بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِىِّ، قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ، عَلَى أَبِي، الْقُرْآنَ فِى السُدَّةِ، فَإِذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ، فَقُلْتُ لهُ: يَا أَبَتِ، أَتَسْجُدُ فِى الطَّرِيقِ؟ قَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ؟ قَالَ: " المَسْجِدُ الحَرَامُ ". قُلْتُ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: " المَسْجِدُ الأَقْصَى ". قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَامًا، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله عن إبراهيم التيمى فى حديث على بن حُجْرٍ: " كنت أقرأ على أبى القرآن فى السدَّةِ، فإذا قرأت السجدة سجد فقلت: [يا أبه] (¬1) أتسجد فى الطريق؟ الحديث، كذا فى سائر النسخ، ورواه النسائى " فى السكك " (¬2) وهذا مطابق لقوله: " يا أبه أتسجد على الطريق " وفى حديث آخر: " كنت أقرأ على أبى فى بعض السكك " وكل هذا بمعنى متقارب، وذلك أن السُدَّةَ التى عَنَى هى سدة الجامع، وهى الظلال التى حوله، ومنه سمى إسماعيل السدى (¬3) بذلك؛ لأنه كان يبيع الحُمَر (¬4) فى سدة الجامع وهذا يدل أنها ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: له يا أبت. (¬2) ك المساجد، ب ذكر أى مسجد وضع أولاً (690). (¬3) هو السُّدِّى الكبير صاحب التفسير إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة السُّدِّى، الكوفى الأعور، أصله حجازى، سكن الكوفة، روى عن أنس بن مالك وعطاء بن أبى رباح، وعكرمة مولى ابن عباس ومصعب بن سعد بن أبى وقاص، ورأى الحسن بن على بن أبى طالب، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبا سعيد الخدرى، وأبا هريرة. مات سنة تسع وعشرين ومائة. تهذيب الكمال 3/ 132، الجرح والتعديل 1/ 1/ 185. (¬4) جاءت فى الأصل بالحاء المهملة مع رسم حرف الحاء تحتها، وفى ت جاءت بالمعجمة.

الأَرْضُ لكَ مَسْجِدٌ، فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ ". 3 - (521) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ يَزِيدَ الفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِى، كَانَ كُلُّ نَبِىٍّ يُبْعَثُ إِلى قَوْمِهِ خَاصَةً، وَبُعِثْتُ إِلى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلتْ لِىَ الغَنَائِمُ، وَلمْ تُحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى، وَجُعِلتْ لِىَ الأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ صَلَى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرَّعْبِ بَيْنَ يَدَىْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الفَقِيرُ، أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 4 - (522) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ رِبْعِى، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فُضِلنَا عَلى النَّاسِ بِثَلاثٍ: جُعِلتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ المَلائِكَةِ، وَجُعِلتْ لنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلتْ تُرْبَتُهَا لنَا طَهُورًا، إِذَا لمْ نَجِدِ المَاءَ ". وَذَكَرَ خَصْلةً أُخْرَى. (...) حَدَّثَنَا أَبُو كَرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَخْبَرنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ سَعِدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ طرق وأقبية مطروقة وليس لها حكم الجامع لأنها من خارجه، ولهذا جاز البيع والشراء فيها، وكان التيمى يجلس فيها ويقرئ، فإذا جاءت السجدة سجد هناك، واحتج فى الحديث بقوله - عليه السلام -: " الأرض لك مسجد، فحيثما أدركت الصلاة فصلِّ " (¬1). وكره مالك الصلاة فى قارعة الطريق للنهى الوارد فى ذلك، ولعلة أنها لا تسلم من النجاسات من أبوال الدواب وأرواثها، ولذلك أنكر إبراهيم على أبيه السجود فيها، والأشبه أن هذه السُدد سالمة من ذلك إن شاء الله أو يكون سجوده على حائل بينه وبين الأرض. وفيه سجود من قرئ عليه القرآن من معلم وشبهه، وقد اختلف العلماء فى ذلك، فقيل: يلزمه لأول مرة ثم لا يلزمه التكرار، وكذلك المتعلم، وقيل: لا يلزمهما ذلك بخلاف غيرهما من قارئ ومستمع (¬2). ¬

_ (¬1) البخارى، ك الصلاة، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا " (438). (¬2) أصل هدا الباب عند العلماء قوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وقوله تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107].

طَارِقٍ، حَدَّثَنِى رِبْعِىُّ بْنُ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 5 - (523) وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُضِّلتُ عَلى الأَنْبِيَاء بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلتْ لِىَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلتُ إِلى الخَلقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيَونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " فضلت على الأنبياء بست " الحديث، وفيه: " جعلت لى الأرض مسجداً وطهوراً " (¬1)، قد تقدم من قولنا: إن مالكاً يحتج بجواز التيمم على سوى التراب من الأرض بهذا الحديث، وأن الشافعى احتج بالحديث الثانى الذى فيه: " وترابها طهوراً "، ورأى أنه مفسر للحديث الأول. وقوله: " مسجداً ": قيل: إن [من] (¬2) كان قبله من الأنبياء إنما أبيح لهم الصلوات فى مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس. وقوله: " وأحلت لى الغنائم ": وهو من خصائصه - عليه السلام - وكان من قبله لا تحل لهم الغنائم بل كانت تجمع، ثم تأتى نار من السماء فتأكلها. قال القاضى: قوله فى هذا الحديث: " جعلت لى الأرض طيبة طهوراً ومسجداً ": فيه دليلان ظاهران لأصحابنا المالكية ومن وافقهم: أحدهما: فى أن تأويل قوله تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬3) أى طاهراً خلاف قول الشافعى ومن وافقه أن معناه: مُنْبِتًا (¬4) وعلى هذا اختلفوا [هم] (¬5) وغيرهم فى التيمم على السباخ والصفا وما لا يُنبت وما سوى التراب على ما تقدم فى كتاب الطهارة، ووصف النبى - عليه السلام - ها هنا الأرض بهذا لا يصح فيه إِلا الطهارة، وكانت بمعنى الآية ومفسرة لها. والثانى: للمالكية والشافعية ومن وافقهم فى اختصاص الطهارة بالماء دون سائر ¬

_ (¬1) الذى فى الصحيح المطبوع: " وجعلت لى الأرض طهوراً ومسجداً ". (¬2) من هامش ت. (¬3) المائدة: 6. (¬4) الذى وجدناه للإمام الشافعى فى الآية قوله فى الأم: وكل ما وقع عليه اسم صعيد لم تخالطه نجاسة فهو صعيد طيب يتيمم به، وكل ما حال عن اسم صعيد لم يتيمم به، ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذى غبار .... ولا يتيمم بشىء من الصعيد علم المتيمم أنه أصابه نجاسة بحال حتى يعلم أن قد طهر بالماء. الأم 1/ 43. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المائعات، وإن معنى قوله تعالى {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (¬1) أى: مطهراً، خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة ومن وافقه، وأن معناه طاهراً (¬2) وأن طهوراً غير معدى، وقوله - عليه السلام - هنا فى الحديث فى الأرض: " طيبة طهوراً " أى: طاهرة ولا يمكن أن يفهم من قوله: " طهوراً " غير التطهير لغيرها، إذ قد وصفها بالطيب والطهارة فى نفسها، ثم جعلها مطهرة من الحدث ومسجداً للصلاة. وقوله: " أعطيت خمساً لم يعطهن نبى قبلى " (¬3) وذكر فيها الشفاعة، هى العامة فى المحشر، التى يلجأ إليها الخلق أجمعون، إذ قد جعلت الشفاعة فى الخاصة لغيره، وقيل: شفاعة لا ترد فى أحد، وقد تكون شفاعة لخروج من [فى] (¬4) قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار إذ لم يأت شفاعة لغيره إِلا قبل هذا، وأما هذه فمختصة [به] (¬5)، كما اختصت به شفاعة المحشر العامة للخلائق، وأما اختصاصه بكون الأرض له مسجداً وطهوراً، فيدل أن التيمم لم يشرع لغيره قبله، وأما كونها مسجداً فقيل: إن من كان قبله من الأنبياء كانوا لا يصلون إِلا فيما أيقنوا طهارته من الأرض، وخص نبينا وأمته بجواز الصلاة على الأرض إِلا ما تيقنت نجاسته منها. وقوله فى الحديث الآخر: " فضلنا على الناس ثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء " (¬6) وذكر خصلة أخرى، ظاهره أنه ذكر ثلاث خصال، وإنما هى اثنتان كما ذكر؛ لأن قضية الأرض كلها خصلة واحدة، والثالثة التى لم تذكر بيَّنها النسائى من رواية أبى مالك بسنده هنا، وقال: " وأتيت هذه الآيات من خواتم البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن أحد قبلى ولا يعطهن أحد بعدى " (¬7). وقوله ها هنا: " وترابها لى طهوراً " (¬8) وتخصيصه بذلك بعد قوله: " جعلت لى الأرض كلها مسجداً " (¬9) مما يحتج به المخالف علينا ويقضى بتخصيصه بين سائر أجواء ¬

_ (¬1) الفرقان: 48. (¬2) أى فلا يفتقر التطهر به إلى نية. (¬3) لفظ الصحيح فى المطبوعة: لم يعطهن أحدٌ قبلى. والمراد بالنفى هنا نفى الكلية لا الكل، أى لم يعط واحدة منهن. ذكره الأبى 2/ 226. (¬4) و (¬5) سقطتا من الأصل، واستدركتا بالهامش بسهم. (¬6) سبق برقم (4) بالباب. (¬7) النسائى فى الكبرى، ك فضائل القرآن. ولفظه: " فضلنا على الناس بثلاث: جُعِلت الأرض كلها لنا مسجداً، وجعلت تُربتُها لنا طهوراً، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وأوتيت هؤلاء الآيات آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعط أحدٌ منه قبلى ولا يعطى منه أحدٌ بعدى " 5/ 15. (¬8) رواية أبى مالك الأشجعى: " وتربتها لنا طهوراً ". (¬9) رواية أبى مالك: " لنا الأرض كلها مسجداً ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض على اختصاصه بهذه العبادة (¬1)، ولشيوخنا القائلين بدليل الخطاب (¬2) وتسليمه عن هذا أجوبة، فأما من لم يقل به فلا يحتج عليهم به منها أن هذه الزيادة انفرد بها [أبو مالك] (¬3) الأشجعى والجمهور يخالفه، ومنها: أن السبخة تسمى تراباً، وكل أرض على صفة مخالفة كأرض الزرنيخ والزاج والشب فذلك ترابها، قالوا: ولأنه نص على أعم ما يوجد فى الأرض وهو التراب، ولأن التراب بعض ما اشتمل عليه الحديث العام وغير مناف له، ونحن نقول بهما جميعاً لا سيما مع قوله - عليه السلام -: " فحيثما أدركتكم الصلاة فصلوا " فهو بَيِّنٌ فى إجزائه فيهما معاً (¬4) وتسويته بين الصلاة والطهارة فى الأرض؛ لأن الحكم إذا تعلق باسم مجرد دون صفة ضعف التعلق بالاستدلال باختصاصه عما عداه (¬5) بخلافه (¬6) إذا تعلق بالصفة. وقوله: " أعطيت جوامع الكلم "، قال الهروى: يعنى [القرآن، جمع الله فى الألفاظ اليسيرة منه معانٍ كثيرة ومنه فى وصفه عليه السلام: " كان يتكلم بجوامع الكلم " يعنى] (¬7): أنه كان كثير المعانى قليل الألفاظ. وقوله: " وبعثت إلى الأحمر والأسود "، قيل: هم كافة الناس، كنَّى بالحمران عن البيض من العجم، وبالسود عن العرب لغلبة الأُدمة عليهم وغيرهم من السودان، وقد يقال: إن الأسود: السودان، والحمر من عداهم من العرب وغيرهم، وقيل: الأحمر: الإنس، والأسود: الجن. وفى الحديث من أعلام نبوته ما أنذر به من فتح خزائن الأرض كما قال. وقوله مرة فيما اختص به ثلاث، ومرة خمس ومرة ست، ليس بمتخالف؛ لأنه أخبر مرة عن عدد، ثم أخبر عن أكثر منه، وليس فى قوله: " ثلاث " دليل على أنه لم يعط غيرها، فقد يقول الرجل: أعطانى فلان عبداً، وهو قد أعطاه العبد وغيره، ثم يخبر بعد ذلك بجملة ما أعطاه، وقد يكون أخبر [أولاً] (¬8) بما أعلمه الله به أولاً، ثم زيد فأخبر بما زيد والله أعلم. ¬

_ (¬1) يعنى بذلك تخصيص التراب من الأرض فى التيمم به، وقصر التيمم على التراب دون الأرض. (¬2) دليل الخطاب ويسمى مفهوم المخالفة وهو ما كان المسكوت عنه مخالفاً فى الحكم للمنطوق. (¬3) من ت. (¬4) زيد بعدها فى ت: لا سيما مع قوله فى تسويته. (¬5) يعنى مفهوم اللقب. (¬6) فى الأصل: بخلاف. (¬7) من هامش ت. والقول جزء حديث، أخرجه الترمذى فى سننه وشمائله، البيهقى فى دلائل النبوة عن الحسن بن على بن أبى طالب بنحوه الترمذى، ك المناقب، ب ما جاء فى صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 5/ 598 وقال فيه: هذا حديث حسن غريب، ليس إسناده بمتصل. (¬8) من هامش ت.

6 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّب، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَىَّ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلونَهَا. (...) وَحَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ الزُّبَيْدِىِّ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ المُسَيّبِ وَأَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِثْلَ حَدِيثِ يُونسَ. (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيّبِ وَأَبِى سَلمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 7 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِى يُونُسَ مَوْلى أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلى العَدُوِّ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِى يَدَىَّ ". 8 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وأنتم تنتثلونها "، أى تَستخرجون ما فيها، يعنى خزائن الله وما فتح عليهم من الدنيا. يقال: نثل ما فى كنانته إذا صبها بمرة، ومنه فى الحديث: " تؤتى مشربته فينتثل ما فيها " (¬1) أى يستخرج. ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى ك اللقطة، ب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها، وقد أخرجه أبو داود ك الجهاد، ب فيمن قال: لا يحلب، ابن ماجه ك التجارات، ب النهى أن يصيب منها شيئًا إِلا بإذن صاحبها، أحمد فى المسند 4/ 6 ولفظها: " أيحب أحدُكم أن تؤتى مشربته فيكسر باب خزانته فينتثل طعامه؟ ".

(1) باب ابتناء مسجد النبى صلى الله عليه وسلم

(1) باب ابتناء مسجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 9 - (524) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ الضُّبَعِىِّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدِينَةَ، فَنَزَلَ فِى عُلوِ المَدِينَةِ، فِى حَىٍّ يُقَالُ لهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ليْلةً، ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى مَلأ بَنِى النَّجَارِ، فَجَاؤُوا مُتَقَلدِينَ بِسُيُوفِهِمْ. قَالَ: فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى رَاحِلتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أرسل إلى ملأ بنى النجار ": أى رؤسائهم وأشرافهم، قيل: سموا بذلك لأنهم أملياء بالرأى والغنى. وقوله: " يا بنى النجار، ثامنونى بحائطكم " أى بايعونى بالثمن. قال الخطابى: فيه دليل أن رب السلعة أحق بالسوم. قال الإمام: يؤخذ من هذا الحديث: أَنَّ المشترى يبدأ بذكر الثمن، وفى هذا نظر؛ لأنه لم ينص - عليه السلام - على ثمن مُقَدّرٍ بذله لهم فى الحائط، وإنما ذكر الثمن مُجملاً، فإن كان أراد القائل أَنَّ فيه التبدئة بذكر الثمن مقدراً فليس كما قال؛ لما بَيَّناه. قال القاضى: ذكر فى الأم أن بنى النجار قالوا: [لا] (¬1) والله ما نطلب ثمنه [إِلا لله] (¬2). وذكر محمد بن سعد فى تاريخه الكبير عن الواقدى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشتراه من ابنى عفراء بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر الصديق - رضى الله عنه (¬3) - وذلك - والله أعلم - أنه لما كان لليتيمين لم يقبله من بنى النجار إِلا بالثمن. وفى الحديث لزوم إقامة المساجد وذلك فرض على كل جماعة استوطنوا موضعاً؛ لأن إقامة الجمعة فرضٌ، وشرطها الجامع على المشهور من المذهب، وإقامة الجماعات سنة، ومن سننها المسجد، وإقامتها بالجملة على أهل المصر واجب؛ لأن إحياء السنن الظاهرة وإقامتها ابتداءً واجب، وإنما هى سنن فى حق الآحاد إذ لو لم تقم لماتت ودرست. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) لفظه فى المطبوعة: إِلا إلى الله. (¬3) الطبقات الكبرى 1/ 239.

النَّجَارِ حَوْلهُ، حَتَّى ألقِى بِفَنَاءِ أَبِى أَيُّوبَ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ، وَيُصَلى فِى مَرَابِضِ الغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالمَسْجِدِ. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلى مَلأِ بَنِى النَّجَّارِ فَجَاؤُوا. فَقَالَ: " يَا بَنِى النَّجَّارِ، ثَامِنُونِى بِحَائِطِكُمْ هَذَا ". قَالُوا: لا، وَاللهِ لا نَطْلبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلى اللهِ. قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ: كَانَ فِيهِ نَخْلٌ وَقُبُورُ المُشْرِكِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكانت (¬1) فيه نخل وقبور المشركين وخَرِب " رويناه بفتح الخاء وكسر الراء، جمع خربة، مثل: كلم وكلمة، وبكسر الخاء وفتح الراء جمع خرْبة بسكون الراء، وكلاهما ما تخرَّب من البناء، والثانية: لغة تميم وحدها. قال الخطابى: لعل الصواب: خُرب، بالضم، جمع خُربة بالضم، وهى الخروق فى الأرض، إِلا أنهم يقولونها فى كل ثقبة مستديرة، أو لعلها جُرف جمع جرفة وهى جمع جرف، وأبين منه إن ساعدته الرواية: جدبٌ، جمع جَدَبة، وتعنى ما ارتفع من الأرض لقوله: " فَسُوِّيَتْ "؛ لأنه إنما يُسوَّى المكان المجدوب أو ما فيه خرق فى الأرض وأما الخرب فتبنى وتعمر. قال القاضى: لا أدرى ما اضطره إلى هذا؟ وكما قطع - عليه السلام - النخل المثمر كذلك سوى بقايا الخرب وإطلال حيطانها، وأذهب رسومها كما فعل بالقبور، والرواية صحيحة اللفظ والمعنى، لا يحتاج إلى تغييرها ولا إلى تكلف شىء فى تأويلها. وقوله: " وأمر بالنخل فَقُطِعَ "، فيه جواز قطع الثمار المثمرة للمنافع [لمثل هذا] (¬2) وللحاجة إلى بناء مواضعها، أو اتخاذ خشبها عند عدم غيره والحاجة إليه، أو لدفع المضار لقطعها فى بلاد العدو، الذى لا يرتجى السلمون عمارته وسكناه، قطعاً للمرافق عنهم وغيظاً للكفار، أو لخوف سقوطها على بناء، أو ميلها على حائط من لا يملكها، وانتشارها على ملكه وإضرارها به (¬3). وقوله: " وبقبور المشركين فَنُبِشَتْ "، قال الإمام: أما نبش القبور وإزالة الموتى فيمكن أن يقال: لعله أن أصحاب الحائط لم يُملكوهم تلك البقعة على التأبيد، أو لعله تحبيسٌ (¬4) وقع منهم فى حال الكفر، والكافر لا يلزمه القُرب كما قالوا: إذا أعتق عبداً وهما كافران أنَّ له أن يرده فى الرق قبل إسلامهما ما لم يخرج من يده، ولم يُقَدِّرْ أن أيدى أصحاب الحوائط زالت عن القبور لأجل من دفن فيها. ¬

_ (¬1) فى المطبوعة وكان (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬3) كسريان عروقها فى أرض الغير. (¬4) أى وقف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: لا يحتاج فى تحبيس أهل الكفر بقاء أيديهم أو زوالها، إذ القرب لا تصح منهم، وعقودهم فيها غير لازمة، فلهم عند أشياخنا - بلا خلاف علمته - الرجوع فى أحباسهم، ومنعها، والتصرف فيها كيف شاؤوا، ويفترق (¬1) من العتق الذى شرط فى إمضائه شيوخنا خروجه من يده إذا صار ذلك حقاً للمعتق يرفع يده عنه، وتسريحه إياه، وتملكه نفسه، فأشبه عقود هباتهم وأعطياتهم اللازمة. وفيه جواز نبش قبور المشركين عند الحاجة إلى موضعها؛ إذ لا حرمة لهم إذا لم يكن فى أملاكهم (¬2)، ولأن نبش هذه إنما كانت بعد ملك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها. وفيه جواز الصلاة فى مقابرهم الداثرة بعد نبشها وإخراجهم منها، وبناء المساجد مكانها؛ لأن هذه قد اتخذ عليها مسجد وكانت داثرة، وبعد نبشها، وإخراج ما فيها من أصداءٍ وعظام، وقد [كره] (¬3) العلماء الصلاة فى قبور المشركين بكل حال وعليه تأوَّل أكثرهم النهى عن الصلاة فى المقبرة، [قالوا: لأنها حفرة من حفر النار وقد اختلف فى الصلاة فى المقبرة] (¬4) على الجملة، فأجازه مالك وأكثر أصحابه وإن كان القبر بين يديه، وهو مذهب الحسن البصرى وآخرين، وقاله الشافعى، وروى عن مالك - أيضاً - كراهة ذلك، وقاله جماعة من السلف، وبه قال أحمد وإسحاق، وحكى عبد الوهاب كراهته فى الجديدة، قال: ويكره فى مقابر المشركين جملة، وقال الشافعى: إذا كانت المقبرة (¬5) مختلطة بلحوم الموتى وصديدهم لم يجز، ولا يختلف فى هذا على الجملة، وكره بعضهم الصلاة إليها، وسيأتى الكلام عليها فى الجنائز إن شاء الله. قال الخطابى: وفيه دليل على أنَّ الأرض التى دفن فيها الميت باقية على مِلك أوليائه، وكذلك كفنه؛ ولذلك قطعنا النباش لأنه سرق من حرز من مِلك مالك ولولا هذا لم يجز نبشها واستباحتها بغير إذن مالكها. قال القاضى: مذهبنا أن مواضع القبور أحباس لا يجوز بيعها لحوز الميت إياها عن غيره، وهذه لا جاز نبشها وإخراجهم منها دل أن لا حق لهم فيها لما تقدم، وليس علة قطع النباش كون الأرض ملكاً للأولياء، لأنا نقطع على ما لم يستقر عليه ملك إذا كان فى حرز، كقطعنا من سرق آلات المساجد، وأموال أحباس الطرقات وكذلك لما لم يستقر عليه ملك معين كمن سرق من المغانم، وأما الكفن فملك للميت، وحق له ما دام محتاجاً إليه، ولهذا قال بعض شيوخنا البغداديين: لو أكلت الميت السباع لرجع الكفن لورثته، قال الخطابى: وفيه دليل على أن من لا حرمة له فى حياته لا حُرمة له فى مماته، وقد قال - ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى هامش ت: الجواب. (¬2) فى ت: أيديهم. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬5) فى ت: القبور.

وَخربٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، وَبِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ. قَالَ: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلةً، وَجَعَلوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً. قَالَ: فَكَانُوا يَرْتَجَزُونَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ. وَهُمْ يَقُولونَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام -: " كسر عظم المسلم ميتاً ككسره حياً " (¬1)، قال غيره: وفيه دليل على نبش قبورهم لطلب المال. وقد اختلف العلماء والسلف فى ذلك وكرهه مالك وأجازه أصحابه، واختلف فى علة كراهة من كرهه فقيل: ذلك مخافة نزول سخط (¬2) وعذاب عليهم؛ لأنها مواضع العذاب والسخط، وقد نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن دخول ديار المعذبين خشية أن يصيب الداخل ما أصابهم، أو لأنه - عليه السلام - قد قال: " إِلا أن تكونوا باكين " (¬3)، فمن دخلها لطلب الدنيا فهو ضد ذلك، أو مخافة أن يصادف قبر نبى أو رجل صالح بينهم، وحجة من أجاز ذلك: نبش أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أبى رغال، واستخراجهم منه قضيب الذهب الذى أعلمهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مدفون معه (¬4). وقوله: " وكانوا (¬5) يرتجزون ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم ". فيه جواز قول الأشعار والأرجاز، والاستعانة بها وأمثالها من الكلام الموزون والمزدَوَج (¬6) عند التعاون على الأعمال وتحريك الهمم، وتشبجيع النفوس، والقوى وتسليتها عند معاناة الأمور الصعبة والكُلف الشاقة، كما جاء هنا وفى غير حديث وقصة، واستدلال بعضهم بهذا وشبهه بما روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قاله، أو شُيِّعَ فيه وسمعه، أو حكاه من كلام غيره، أن الرجز ليس بشعرٍ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه} (¬7). وقد اختلف أصحاب العروض وعلم الشعر فى أعاريض الرجز، هل هى من الشعر أم لا؟ ¬

_ (¬1) لفظ أحمد: " كسر عظم المؤمن " 6/ 58، 264. وأخرجه أبو داود فى الجنائز، ب فى الحفار يجد العظم، هل يتنكب ذلك المكان، ومالك فى الموطأ كذلك، ب ما جاء فى الاختفاء 1/ 238، وابن ماجه فى النهى عن كسر عظام الميت بدون لفظ " المؤمن ". (¬2) فى الأصل: السخط. (¬3) البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب الصلاة فى مواضع الخسف والعذاب، وسيأتى إن شاء الله فى ك الزهد والرقائق، ب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إِلا أن تكونوا باكين. وانظر: أحمد فى المسند 2/ 9. (¬4) الحديث أخرجه أبو داود فى السنن، ك الخراج والإمارة والفىء، ب نبش القبور. ولفظه: " هذا قبر أبى رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان فدُفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصنٌ من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه " فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن. (¬5) فى المطبوعة: فكانوا. (¬6) ازدوج الكلام وتزاوج: أشبه بعضه بعضاً فى السجع أو الوزن، أو كان لإحدى القضيتين تعلُقٌ بالأخرى. راجع: لسان العرب، مادة: " زوج ". (¬7) يس: 69.

اللهُمَّ! إِنَّهُ لا خَيْرَ إِلا خَيْرُ الآخِرَه ... فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَه 10 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ. حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلى فِى مَرَابِضِ الغَنَمِ، قَبْلَ أَنْ يُبْنَى المَسْجِدُ. (...) وَحَدثنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا خَالدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يصلى فى مرابض الغنم ": فيه حجة على طهارة أبوالها وأرواثها، ومرابض الغنم حيث تبيت. وربوضها: طرح أجسادها على الأرض وطىُّ قوائمها للنوم أو الراحة. قال ابن دريد: ويقال ذلك أيضاً لكل دابة من ذوات الحوافر والسباع، وتقدم فى كتاب الطهارة.

(2) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

(2) باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة 11 - (525) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحَوْصِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ قَالَ: صَليْتُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، حَتَّى نَزَلتْ الآيَةُ التِى فِى البَقَرَةِ: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} (¬1) فَنَزَلتْ بَعْدَ مَا صَلى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلقَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَحَدَّثَهُمْ، فَوَلَّوْا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ البَيْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث تحويل القبلة: " فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار وهم يصلون فحدثهم [بالحديث] (¬2)، فولَّوا وجوههم قِبَل البيت "، قال الإمام: اختلف أهل الأصول فى النسخ إذا ورد متى يتحقق حكمه على المكلف ويحتج لأحد القولين (¬3) بهذا الحديث؛ لأنه ذكر أنهم تحولوا إلى القبلة وهم فى الصلاة، ولم يعيدوا ما مضى، وهذا دليل على أن الحكم إنما يستقر بالبلوغ، فإن قيل: كيف استداروا (¬4) إلى القبلة بخبره، والنسخ فى هذا بخبر واحدٍ؟ قيل: قد قالوا: إن النسخ بالواحد كان جائزاً فى زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما منع بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: إنما تلا عليهم الآيات التى فيها ذكر النسخ فتحولوا عند سماع القرآن، ولم يقع النسخ بخبره، وإنما وقع النسخ عندهم بما سمعوا من القرآن. قال القاضى: أشد جواب فى هذا أن يقال: إن العمل بخبر الواحد مقطوع به، كما أن العمل بالحكم المقطوع بصحته من الكتاب والسنة المتواترة مقطوع به؛ ولأن الدليل الموجب لثبوت الحكم أولاً غير الدليل الموجب لنفيه وثبوت غيره، وإلى جواز النسخ بخبر الواحد، مال القاضى أبو بكر وغيره من المحققين. وفى هذا الخبر بالجملة قبول خبر الواحد، وعادة الصحابة بامتثاله والعمل به والوقوف عنده واعتداد بعضهم بنقل بعض، وأنهم لم يحتاجوا إلى التوقف حين سمعوا ذلك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5). قال الإمام: وقد ردوا إلى مسألة النسخ المتقدمة [مسألة] (¬6) الخلاف فى الوكيل إذا تصرف بعد العزل ولم يعلم؛ فقالوا على القول بأن حكم النسخ لازم حين الورود، ينبغى ¬

_ (¬1) البقرة: 144. (¬2) ليست فى المطبوعة. (¬3) القول الأول أن النسخ يلزم النزول، والثانى أنه يلزم بالوصول، كما سيأتى. (¬4) فى ت: استدلوا. (¬5) قال الأبى: لا يلزم من قبول هذا الخبر لما احتفت به من القرائن قبولُ غيره، والخلاف الذى فيه إنما هو عند تجرده من القرائن 2/ 231. (¬6) من هامش ت.

12 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى، قَالَ ابْنُ المُثَنّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى أَبُو إِسْحَاقَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ يَقُولُ: صَليْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الكَعْبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا تمضى أفعاله بعد العزل وإن لم يبلغه ذلك. وعلى القول الثانى تكون أفعاله ماضية بعد العزلة ما لم تبلغه العزلة. قال القاضى: ضعَّفَ المحققون من الأصوليين هذه المسألة إلى هذا الأصل؛ إذ حقيقة الخطاب بالتكليف إنما يتعلق بالبلاغ عند المحققين من أئمتنا، فإن النسخ إذا ورد فمن لم يبلغه باقٍ على المخاطبة بالعبارة الأولى، وليس فى حقه نسخ حتى يبلغه، ومنهم من يثبت النسخ فى حقه، لكن بشرط أن يبلغه، فهو اختلاف فى عبارة وكلهم مجمعون على بقائه على الحكم الأول، وإجزائه (¬1) إذ الجاهل لا يثبت التكليف فى حقه بما جهله ولم يبلغه، وهذا من المستحيل، وإنما ذهب إلى النسخ فى حقه طائفة من الفقهاء والمتكلمين الذين لم يقووا فى الأصول وما قدمناه يرد قولهم ومسألة الوكيل تعلق بها حق للغير على المُوَكَّلِ فلهذا توجه الخلاف فيها، ولم يختلف المذهب عندنا فى أحكام من أعتق ولم يعلم بعتقه أنها أحكام حر فيما بينه وبين الناس، فأما ما بينه وبين الله فجائزة. ولم يختلفوا فى [عبادة] (¬2) المُعْتَقَةِ أنها لا تُعِيد مَا صَلتْ بغير ستر، وإنما اختلفوا فيمن طرأ عليه موجب يُغيّر حكم عبادته وهو فيها بناء على هذه المسألة وفعل الأنصار فى الصلاة كمسألة الأمة تعتق فتصلى فلا تعلم بذلك إِلا فى الصلاة هل تبطل صلاتها؟ وهو قول أصبغ أم تصحُّ؟ وهو ظاهر قول ابن القاسم، وكذلك إذا عُتِقَتْ فى نفس الصلاة وهى مكشوفة الرأس، فإنها لا تقطع الصلاة وتتمادى فيها، لكن متى أمكنها حينئذ من تناولها ما تستر به رأسها أو قرب منها تناوله تَعَيَّن فعل ذلك عليها، وهذا قول أكثر أصحابنا، وهو قول الشافعى والكوفيين، وجمهور العلماء. ومنه - أيضاً - المسافر ينوى الإقامة وهو فى الصلاة، أو إمام الجمعة يقدم والٍ بعزله بعد عقده ركعة، فالأكثر على التمادى فى هذه المسائل والإجزاء؛ لأنه دخل فى الصلاة وتعينت عليه على تلك الحالة الأولى، وقيل: يقطعون. ومنه - أيضاً - التيمم إذا طلع عليه رجل بماء فى الصلاة أو نزل عليه مطر، فإنه يتمادى ولا يقطع، ولا يقال فى هذا: إنه إن أمكنه الماء توضأ؛ لأنه عمل كثير منافٍ للصلاة، ولا يصح مع التمادى فيها، ¬

_ (¬1) محل الإجماع عند العلماء إذا كان الناسخ مع جبريل - عليه السلام - ولم ينزل به إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يثبت له حكم فى حق المكلفين، بل هم فى التكليف بالحكم الأول على ما كانوا عليه قبل إلقاء الناسخ إلى جبريل. (¬2) من ت.

13 - (526) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللفْظُ لهُ - عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِى صَلاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَليْهِ الليْلةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبلُوهَا. وَكَانَتْ وجُوهُهُمْ إِلىَ الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلى الْكَعْبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا قول مالك والشافعى والجمهور، خلافاً للكوفيين والأوزاعى فى رجوعهما للطهارة بالماء. واحتجوا - أيضاً - بهذا الحديث على نسخ السنة بالقرآن (¬1)؛ لأن صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاً لبيت المقدس على قول أكثرهم سنة (¬2)، وهى مسألة اختلف فيها الأصوليون، فأجازه جمهورهم؛ لأن سنة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم من الله على لسان نبيه مثل حكمه، كما بينه فى كتابه، وقال بعضهم: لا يجوز ذلك؛ لأن السنة مبينة للكتاب وبعيد قضاء المبَيِّن ونسخه وحكمه على المبَيَّن (¬3). وقالوا فى قصة القبلة: إنما هى نسخ قرآن بقرآن، وأن الأمر أولاً [كان] (¬4) بتخيير المصلى أن يولى وجهه حيث شاء بقوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} (¬5)، ثم نسخ باستقباله القبلة. وقيل: بل صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيت المقدس كان بعد وروده [إلى] (¬6) المدينة بأمر الله تعالى، ففرحت بذلك اليهود ثم صُرِف إلى الكعبة. ¬

_ (¬1) وهو مذهب الجمهور من الأشاعرة والمعتزلة والفقهاء، فقد قالوا بجوازه عقلاً ووقوعه شرعاً، واحتجوا لذلك بقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] قالوا: غير أن الكتاب متلوٌّ، والسنة غير متلوَّة، ونسخ حكم أحد الوجهين بالآخر غير ممتنع عقلاً، قالوا: فإنا لو فرضنا خطاب الشارع بجعل القرآن ناسخاً للسنة لما لزم عنه لذاته محال. الأحكام للآمدى 3/ 213. (¬2) قولهم: إنها لم تعرف إِلا من السنة. السابق. ومن أدلتهم التى ساقوها مصالحة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل مكة عام الحديبية على أن من جاءه مُسْلماً ردّهُ، حتى إنه ردَّ أبا جندل وجماعة من الرجال، فجاءت امرأة، فأنزل الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار} [الممتحنة: 10]. قالوا: وهذا قرآن نسخ ما صالح عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو من السنة. السابق 3/ 213. (¬3) ورُدَّ عليهم بأن المراد بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاس} [النحل: 44] إنما هو التبليغ، وذلك يعمُّ بتبليغ الناس من القرآن وغيره، وليس فيه ما يدل على امتناع كون القرآن ناسخاً للسنة. (¬4) ساقطة من ت. (¬5) البقرة: 115. وقد رُدَّ عليه بأن قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} تخييرٌ بين القدس وغيره من الجهات، والمنسوخ إنما هو وجوبُ التوجه إليه عيناً، وذلك غير معلوم من القرآن. إحكام الأحكام 3/ 213. (¬6) من ت.

14 - (...) حَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابُنِ عُمَرَ؛ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِى صَلاةِ الغَدَاةِ، إِذْ جَاءَهُمْ رَجُلٌ، بِمْثِلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكما اختلفوا هنا كذلك اختلفوا فى نقيضه، وهو نسخ القرآن بالسنة، فذهب الأكثر إلى جوازه عقلاً وسمعاً وأجازه بعضهم عقلاً (¬1) وقال: لم يوجد شرعاً، ومنعه بعضهم عقلاً (¬2). وفى هذه القصة دليل على صحة نسخ الأحكام وهو مما أجمع عليه كافة المسلمين إِلا طائفة من المبتدعة (¬3) لا يعبأ بها لم تقل به، ووافقت القنَّائية من اليهود فيه (¬4). وقوله: " وقد أُمر أن يَستقبل القبلة فاستقبلوها " روى بفتح الباء على الخبر وبكسرها على الأمر، قال الطحاوى: وفى هذا دليل على أنه من لم يعلم بفرض الله ولم تبلغه الدعوة، ولا أمكنه استعلام ذلك من غيره، فالفرض غير لازم له، والحجة غير قائمة عليه، وقد اختلف العلماء فيمن أسلم فى دار الحرب أو أطراف بلاد الإسلام حيث لا يجد من يستعلمه عن شرائع الإسلام، ولا علم أن الله فرض شيئاً فيها، ثم علم بعد ذلك، هل يلزمه قضاء ما مر عليه من صيام أو صلاة لم يعلمها؟ فذهب مالك والشافعى وآخرون إلى إلزامه ذلك [وأنه قادر على الاستعلام والخروج إلى ذلك] (¬5)، وذهب أبو حنيفة إلى أن ذلك يلزمه إن أمكنه من يستعلم ذلك منه فى بلاد المسلمين وبلاد الحرب فلم يستعلم وفرط، وإن كان لا يحضره من يستعلمه فلا شىء عليه، وكيف يكون لله فرض على من لم يعلم بفرضه؟ وقد قدمنا من هذا قبل، وأن تكليف الجاهل بالشىء يفعله مع جهله به محال؛ إذ لا يثبت حكم إِلا بدليل. وإذا لم يتمكن المكلف من التوصل إلى ما كلفه كان من تكليف المحال. وفيه دليل على جواز تنبيه من ليس فى الصلاة لمن فى الصلاة وأن يفتح عليه، وفيه دليل على جواز الاجتهاد فى القبلة، ومراعاة السَّمْتِ لميلهم إلى جهة الكعبة لأول وهلة فى الصلاة قبل قطعهم على موضع عينها، ولا خلاف أن المطلوب عينها مع المشاهدة، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته - عليه السلام - وهى مسألة اختلف فيها، وفيه دليل على وجوب ¬

_ (¬1) لاشتراك السنة مع القرآن فى مسمى الوحى. (¬2) قطع بالمنع الإمام الشافعى وأكثر أصحابه. إحكام الأحكام 3/ 217. (¬3) يعنى الرافضة. السابق. (¬4) منعوا من النسخ لخفاء الفرق بين البداء والنسخ عليهم. السابق. (¬5) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

15 - (527) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَنَزَلتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام} (1) فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِى صَلاةِ الفَجْرِ، وَقَدْ صَلوا رَكْعَةً. فَنَادَى: أَلا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلتْ، فَمَالوا كَمَا هُمْ نَحْوَ القِبْلةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة إلى القبلة والإجماع على أنها الكعبة. وقوله فى حديث البراء: " صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً " وفى الرواية الأُخرى: " سبعة عشر شهراً ". وهذا هو الأصح، وهو قول مالك وابن إسحاق، وابن المسيب، وقيل: حولت القبلة بعد ثمانية عشر شهراً، وروى بعد سنتين، وروى بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر، وهذان شاذان.

(3) باب النهى عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهى عن اتخاذ القبور مساجد

(3) باب النهى عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها والنهى عن اتخاذ القبور مساجد 16 - (528) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاوِيرُ، لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أُولئِكَ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَمَاتَ، بَنَوْا عَلى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ الصُّوَرَ، أُولئِكِ شِرَارُ الخَلقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ". 17 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَرَضِهِ، فَذَكَرَتْ أُمُّ سَلمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَنِيسَةً. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. 18 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: ذَكَرْنَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، يُقَالُ لهَا: مَارِيَةُ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وتغليظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى النهى عن اتخاذ قبره مسجداً؛ لما خشيه من تفاقم الأمر وخروجه عن حدِّ المبرَّة إلى المنكر، وقطعاً للذريعة، وقد نبه عليه - عليه السلام - فى قوله: " لا تتخذوا قبرى وثناً يعبد " (¬1)، ولأن هذا كان أصل عبادة الأصنام، فيما يذكر، كانوا قديماً إذا مات فيهم نبى أو رجل صالح صوروا صورته وبنوا عليه مسجداً ليأنسوا برؤية صورته، ويتعظوا (¬2) لمصيره ويعبدوا (¬3) الله عنده، فمضت على ذلك أزمانٌ، وجاء بعدهم خلف رأوا أفعالهم وعباداتهم عند تلك الصور ولم يفهموا أغراضهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم، وألقى إليهم أنهم كانوا يعبدونها فعبدوها، وقد نبه - عليه السلام - فى الحديث على بعض هذا، ويدل على صحة هذا المعنى قوله فى الحديث الآخر: " اللهم لا تجعل ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك قصر الصلاة فى السفر، ب جامع الصلاة 1/ 172، مرسلاً عن عطاء بن يسار، أحمد فى المسند 2/ 216 عن أبى هريرة بلفظ: " اللهم لا تجعل قبرى وثناً يعبد ". (¬2) و (¬3) فى الأصل بإثبات نون الرفع فى كليهما، وهو خطأ.

19 - (529) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِى حُمَيْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَرَضِهِ الذِى لمْ يَقُمْ مَنْهُ: " لعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهمْ مَسَاجِدَ ". قَالتْ: فَلوْلا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِىَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ: وَلوْلا ذَاكَ. لمْ يَذْكُرْ: قَالتْ. 20 - (530) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخبَرَنِى يُونُسُ وَمَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ المُسَيّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ". 21 - (...) وَحَدَّثَنِى قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الفَزَارِىُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ". 22 - (531) وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَحَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى - قَالَ حَرْمَلةُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالا: لمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَفِقَ يَطْرَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبرى وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (¬1)؛ ولهذا لما احتاج المسلمون إلى الزيادة فى مسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتكاثرهم بالمدينة، وامتدت الزيادة إلى أن أدخل فيها بيوت أزواجه، ومنها بيت عائشة الذى دفن فيه - عليه السلام - وذلك أيام عثمان، بنى على قبره حيطاناً أحدقت به؛ لئلا يظهر فى المسجد فيقع الناس فيما نهاهم عنه من اتخاذ قبره مسجداً، ثم إنَّ أئمة المسلمين حذروا أن يتخذ موضع قبره قبلة، إذ كان مستقبل المصلين فتتصوَّرُ الصلاةُ إليه صورة العبادة له، ويحذر أن يقع فى نفوس الجهلة من ذلك شىء، فرأوا بناء جدارين من ركنى القبر الشماليين حرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من [ناحية] (¬2) الشمال حتى لا يمكن أحد استقبال موضع القبر عند صلاته؛ ولهذا ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، وأحمد فى المسند كما سبق. (¬2) فى ت: جهة.

خَمِيصَةً لهُ عَلى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: " لعْنَةُ اللهِ عَلى اليَهُودِ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا. 23 - (532) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - واللفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ النجْرَانِىِّ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى جنْدُبٌ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يُقُولُ: " إِنِّى أَبْرَأُ إِلى اللهِ أَنْ يَكُونَ لِى مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى قَدِ اتَّخَذَنِى خَلِيلاً، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال فى الحديث: " ولولا ذلك أبرز قبره - عليه السلام - غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً ". وقوله: " قاتل الله اليهود " معناه: لعن، كما جاء فى الرواية الأخرى، وقيل: معناه: قتلهم وأهلكهم وقد جاء فاعل بمعنى فَعَلَ فى ألفاظ كقولهم: طارقت النعل (¬1) وسافرت. وقوله: " إنى (¬2) أبرأ إلى الله أن يكون لى منكم خليل " أى أبعد عن هذا. وأنقطع عنه ولا أتصل به، والعلة لذلك ما نذكره [بعد] (¬3). وقوله: " لو كنت متخذاً من أمتى خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ". قال الإمام: قال ابن النحاس: الخليل المختص بشىء دون غيره، ولا يجوز أن يختص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً بشىء من أمور الديانة دون غيره قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّك} الآية (¬4). قال الإمام: وقيل: الخليل اشتق من الخَلَّةِ بفتح الحاء، وهى الحاجة. وقيل: من الخُلة بضمها وهى تخلل المودة فى القلب، وقيل، من الخُلَّة بالضم أيضًا، وهو نبت تستحليه الإبل. قال ابن قتيبة وغيره: الحمض ما ملح من النبت والخلة ما حلا منه، تقول العرب: الخلة خبز الإبل والحمض فاكهتها. قال القاضى: وقيل: اشتق من الاستصفاء، وقيل: صفاء المودة، فنفى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تكون حاجته خلته إلى أحد من المخلوقين بل إلى ربه تعالى، كما قال فى الحديث ¬

_ (¬1) جاء فى لسان العرب: طارق الرجل بين نعلين وثوبين لبس أحدهما على الآخر، وطارق نعلين خصف إحداهما فوق الأخرى. (¬2) فى الأصل: أنا، وهو خطأ. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) المائدة: 67.

وَلوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِى خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّى أَنْهَكُمْ عَنْ ذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر: " لكن صاحبكم خليل الله " (¬1). وقيل: إنما سمى إبراهيم بذلك لقوله لجبريل وهو فى المنجنيق ليرمى به فى النار، وقد قال له: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: " أَمَّا إليك فلا " (¬2) [أو يكون بينها] (¬3) بالخُلَّة لغاية استصفائهما (¬4) وفراغ قلوبهما عمن سواه، ولهذا قال بعضهم فى معنى هذا الحديث: الخليل من لا يتسع قلبه لسواه، وسيأتى الكلام عليه فى الفضائل. وفى سند هذا الحديث: ثنا زكرياء بن عدى عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبى أنيسة، عن عمرو بن مُرَّةَ، عن عبد الله بن الحارث النجرانى قال: حدثنى جندب، هذا ما استدركه الدارقطنى على مسلم وقال: خالف عبيد الله فيه أبو عبد الرحيم فقال: عن جميل النجرانى، عن جندب. وجميل مجهول والحديث محفوظ عن أبى سعيد وابن مسعود (¬5)، قال غيره: وقد ذكر النسائى الحديث من رواية [عبيد الله] (¬6) بن عمرو، ثم ذكر رواية أبى عبد الرحيم (¬7) عن زيد، عن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن جميل النجرانى عن جندب. ¬

(¬1) الترمذى، ك المناقب، ب مناقب أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - وهو جزء حديث عن أبى هريرة - رضى الله عنه - وقال فيه الترمذى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. (¬2) قول مرسل بغير إسناد، وقد ذكره ابن كثير فى التفسير وعزاه إلى بعض السلف. تفسير القرآن العظيم 5/ 345. (¬3) فى ت: وقيل: سُمِّيًا. (¬4) فى ت: استقصائهما. (¬5) عبارة الدارقطنى: خالفه أبو عبد الرحيم، قال فيه عن حميد النجرانى عن حريث: رجلٌ مجهول، والحديث صحيح من رواية أبى سعيد وابن مسعود. قلت: قوله: " حميد " تصحيف فى التتبع غفل عنه محققه، فقد قال الحافظ ابن حجر فى النكت الظراف قال: ذكر البرقانى أن أبا عبد الرحيم رواه عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبى أنيسة فقال: عن عمرو بن مرة عن جميل النجرانى عن جندب، قال البرقانى -: وذكرت ذلك للدارقطنى فقال: رواية عبيد الله بن عمرو عن زيد أشبه بالصواب 2/ 443. وقال ابن أبى حاتم فى العلل: سألت أبى عن حديث رواه إسماعيل بن عبيد بن أبى كريمة قال: قرأت فى كتاب أبى عبد الرحيم بخطه وأخبرنى محمد بن مسلمة أنه خط ابن عبد الرحيم عن زيد بن أبى أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث قال: حدثنى جميل النجرانى قال: سمعت جندب بن عبد الله البجلى وذكر الحديث. ثم قال: قال أبى: رواه عبيد الله بن عمرو، عن زيد، عن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، قال: حدثنا جندب، وهو أشبه، وهو عندى عبد الله بن الحارث المكتب الكوفى، وقد أدرك جندباً 20/ 388. قلت: وأبو عبد الرحيم: هو خالد بن أبى يزيد بن زياد بن رستم، وقد سقط من نسخة الإلزامات المحققة لفظة (عن) فى عمرو بن مرة فجاءت هكذا: عن زيد عمرو بن مرة. ولم ينتبه لها المحقق. (¬6) فى ت: عبد الله. (¬7) فى ت: الرحمن.

(4) باب فضل بناء المساجد والحث عليها

(4) باب فضل بناء المساجد والحث عليها (¬1) 24 - (533) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَاصِمَ بِنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ الخَوْلانِىَّ يَذْكُرُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانُ بْنَ عَفَّانَ، عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ تَعَالى - قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللهِ - بَنَى اللهُ لهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ ". وَقَالَ ابْنُ عِيسَى: فِى رِوَايَتِهِ: " مِثْله فِى الْجَنَّةِ ". 25 - (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى - وَاللفْظ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لبِيدٍ؛ أَنَّ عُثْمَانُ بْنَ عَفَّانَ أَرَادَ بِنَاءَ المَسْجِدِ، فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلى هَيْئَتِهِ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ بَنَى اللهُ لهُ فِى الْجَنَّةِ مِثْلهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يرد للقاضى ولا للإمام كلام فى هذا الباب. ومما ينبغى قوله هنا: أنَّ التنكير للمسجد أنه للتقليل كما ذكر الأبى ليطابق ما فى بعض الروايات " ولو كمفحص قطاة ". وقوله: " مثله فى الجنة " أى فى الاسم لا فى القدر والصفة، قال الأبى: ويحتمل أن يكون معناه أن فضله عن بيوت الجنة كفضل المسجد عن بيوت الدنيا.

(5) باب الندب إلى وضع الأيدى على الركب فى الركوع، ونسخ التطبيق

(5) باب الندب إلى وضع الأيدى على الركب فى الركوع، ونسخ التطبيق 26 - (534) حَدَّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ العَلاءِ الهَمَدَانِىُّ، أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَعَلقَمَةَ. قَالا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِى دَارِه. فَقَالَ: أَصَلَّى هَؤُلاءِ خَلفَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لا. قَالَ: فَقُومُوا فَصَلُّوا، فَلمْ يَأمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ. قَالَ: وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلفَهُ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ابن مسعود: " أصلى هؤلاء خلفكم، فقلنا: لا. فقال: قوموا فصلوا ": أراد بهؤلاء الأمراء، وعاب عليهم تأخيرهم عن وقتها المستحب، ويدل عليه آخر الحديث، ومعنى " خلفكم " هنا إشارة إلى موضعهم أنه كان من ورائهم. وقوله: " فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة ": فيه جواز صلاة المرء الفريضة فى بيته، وأن الجماعة ليست بفرض على الأعيان خلافاً لأهل الظاهر، وفيه صلاتها فى البيت فى جماعة، وقوله: " فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة " اختلف الناس فيمن صلى وحده أو فى بيته هل يجزئه إقامة أهل المصر وأذانهم؟ فذهب بعض السلف من أصحاب ابن مسعود وغيرهم إلى أن له أن يصلى بغير أذان ولا إقامة. وذهب عامة فقهاء الأمصار إلى أنه يقيم ولا يجزئه إقامة أهل المصر ولا يؤذن، واستحب ابن المنذر أن يؤذن ويقيم. وذهب ابن سيرين والنخعى إلى الإقامة إِلا صلاة الفجر فإنه يؤذن ويقيم لها خاصة. وقوله: " فذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله [وقال: إنها صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "] (¬1)، قال الإمام: إذا كان مع الإمام ثلاثة رجال قاموا وراءه بغير خلاف، وإن كان واحداً قام عن يمينه. واختلف إذا كان اثنين، فذهب ابن مسعود إلى ما ذكر فى الحديث، والفقهاء سواه يرون أن يقوما وراء الإمام. قال القاضى: ما ذكره [أولاً] (¬2) هو قول الكافة فى الواحد، وحكى عن ابن المسيب فيه: أنه إنما يقوم عن شماله لحديث صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر فى مرضه المتقدم، وما ذكر فى صلاة ابن مسعود من تشبيك اليدين وتطبيقهما بين الفخذين فى الركوع به قال ابن ¬

_ (¬1) هذه العبارة ساقطة من جميع نسخ الصحيح المطبوعة ولم ينبه إليها أحدٌ من شراح مسلم على ضرورتها، إذ بها يستقيم معنى الحديث ويتأكد أن الحديث مرفوع، وهو ما توحى به جميع عباراته، فقوله: " فلكأنى أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هو عندى من كلام ابن مسعود لا من كلام علقمة وعلى ذلك ففى هذا الحديث سقط آخر. (¬2) ساقطة من ت.

عَنْ شِمَالِهِ. قَالَ: فَلمَّا رَكَعَ وَضَعْنَا أَيْدِينَا عَلى ركُبِنَا. قَالَ: فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ عَليْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا، وَيَخْنُقُونَهَا إِلى شَرَقِ المَوْتَى، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلوا ذَلِكَ، فَصَلوا الصَّلاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلوا صَلاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً، وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَصَلوا جَمِيعًا، وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَليَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، وَإِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَليُفْرِشْ ذرَاعَيْهِ عَلى فَخذَيْهِ، وَليَجْنَأ، وَليُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَلكَأَنِّى انْظُرُ إِلى اخْتِلافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود وأصحابه. وقد ثبت نسخ ذلك فيما ذكره مسلم فى كتابه بوضع اليدين على الركب، وبهذا قال جماعة السلف وفقهاء الأمصار، ولعل ابن مسعود لم يبلغه نسخ ذلك. قال الإمام: وقوله: " سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة ويخنقونها إلى شرق الموتى ": قال أبو عبيد: سئل الحسن بن محمد بن الحنفية عن هذا الحديث، فقال: ألم تر إلى الشمس إذا ارتفعت عن الحيطان وصارت بين القبور كأنها لجة، فذلك (¬1) شرق الموتى، وقال الهروى: فى تفسير قوله - عليه الصلاة والسلام - حين ذكر الدنيا إنما بقى منها كشرق الموتى (¬2)، وقال ابن العربى: فيه معنيان: أحدهما: أن الشمس فى ذلك الوقت إنما تثبت ساعة ثم تغيب، فشبه ما بقى من الدنيا ببقاء تلك الساعة، والثانى: شرق الميت بريقه، فشبه قلة ما بقى من الدنيا بما بقى من حياة من شرق بريقه حتى تخرج نفسه. [قال القاضى] (¬3): وقيل: شرق الموتى: إذا ارتفعت الشمس عن الطلوع، يقال: تلك ساعة الموتى، قيل: شرق الموتى اصفرار الشمس عند غروبها. وقوله: " يَخْنُقُونها " أى يُضَيِّقُون وقتها ويتركون أداءها إلى ذلك الحين، يقال: هم فى خناق من كذا، أى فى (¬4) ضيق. [وقوله: " فَصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سُبْحَةً " أى نافلة، ومعنى هذا لئلا تتأذى بتخلفك عنه إذا خفته، ولما يخشى من المخالفة عليهم] (¬5). وقوله فى صفة الركوع: " وليحن " كذا رواية أكثر شيوخنا بالحاء المهملة وكسر النون، وعند الطبرى: فليجنأ (¬6) بالجيم وفتح النون وبهمز آخره وكلاهما صحيح المعنى وهو ¬

_ (¬1) فى ت: فكذلك. (¬2) النهاية فى غريب الحديث والأثر 2/ 465. (¬3) فى ت: قال الإمام، وهو خطأ. (¬4) فى الأصل: من، والمثبت من ت. (¬5) فى ت: جاءت بالهامش. (¬6) الذى فى المطبوعة: وليجنأ.

27 - (...) وحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، كُلهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ؛ أَنَّهُمَا دَخَلا عَلى عَبْدِ اللهِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. وفِى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَجَرِيرٍ: فَلكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَاكِعٌ. 28 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالَأَسْوَدِ؛ أَنَّهُمَا دَخَلا عَلى عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: أَصَلى مَنْ خَلفَكُمْ؟ قَالا: نَعَمْ. فَقَامَ بَيْنَهُمَا. وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ رَكَعْنَا، فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلى رُكَبِنَا، فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا، ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَعَلهُمَا بَيْنَ فَخذَيْهِ. فَلمَّا صَلى قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 29 - (535) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ - وَاللفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى يَعْفُورٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: صَليْتُ إِلى جَنْبِ أَبِى. قَالَ: وَجَعَلتُ يَدَىَّ بَيْنَ رُكْبَتَىَّ. فَقَالَ لِى أَبِى: اضْرِبْ بِكَفَّيْكَ عَلى رُكْبَتَيْكَ. قَالَ: ثُمَّ فَعَلتُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَضَرَبَ يَدَىَّ وَقَالَ: إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضْرِبَ بِالأَكُفِّ عَلى الرُّكَبِ. (...) حَدَّثَنَا خَلفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَن أَبِى يَعْفُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. إِلى قَوْلِهِ: فَنُهِينَا عَنْهُ، وَلمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ. 30 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الانعطاف والانحناء فى الركوع وهو [تعفف] (¬1) الصلب، يقال: جنى على الشىء يجنا جنواً يجنى أجْنَا، ووقع هذا الحرف عند العذرى " وليحنُ " بضم النون، وهو بمعناه، يقال: حنوت [العود] (¬2) وحنيته إذا أعطفته، وأصل الركوع فى لغة العرب: الخضوع ¬

_ (¬1) فى ت: تعقب. (¬2) جاء عند الأبى: الحوت، وهو خطأ.

عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ، عَنْ مُصْعبِ بْنِ سَعْدٍ؛ قَالَ: رَكَعْتُ فَقُلْتُ بِيَدَىَّ هَكَذَا - يَعْنِى طَبَّقَ بِهِمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ - فَقَالَ أَبِى: قَدْ كنَّا نَفْعَلُ هَذَا، ثُمَّ أُمِرْنَا بِالرُّكُبِ. 31 - (...) حَدَّثَنِى الحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ؛ قَالَ: صَليْتُ إِلى جَنْبِ أَبِى، فَلمَّا رَكَعْتُ شَبَّكْتُ أَصَابِعِى وَجَعَلتُهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَىَّ، فَضَرَبَ يَدَىَّ، فَلمَّا صَلى قَالَ: قَدْ كُنَّا نفْعَلُ هَذَا، ثُمَّ أُمِرْنَا أَنْ نَرْفَعَ إِلى الرُّكَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والذلة، قال شاعرهم: ولا تعادى الفقير علك أن تر ... كع يوماً والدهر قد رفعه وهذه صفة الخاضع الذليل الملقى بيده المستسلم، بل قيل: هى صورة الممكن نفسه لضرب عنقه، وتلك غاية صور الاستسلام، لا سيما ما كان عليه أول الشرع من التطبيق وحبس اليدين بين الفخذين كالمكتوف.

(6) باب جواز الإقعاء على العقبين

(6) باب جواز الإقعاء على العقبين 32 - (536) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَسَنُ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - وَتَقَارَبَا فِى اللفْظِ - قَالا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: قُلْنَا لابْنِ عَبَّاسٍ فِى الإِقْعَاءِ عَلى القَدَمَيْنِ. فَقَالَ: هِىَ السُّنَّةُ. فَقُلْنَا لهُ: إِنَّا لنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ هِى سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم قول ابن عباس فى الإقعاء على القدمين: [هى السنة] (¬1)، قال الإمام: لعل ابن عباس لم يعلم ما ورد من الأحاديث الناسخة التى فيها النهى عن الإقعاء، قال الهروى فى تفسير: " نهى أن يقعى الرجل فى الصلاة ": قال أبو عبيد: هو أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض، كما يفعل الكلب، قال: وتفسير الفقهاء أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، والقول هو الأول، وقد روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه [قال لكل] (¬2): " مقعيًا "، قال ابن شميل: الإقعاء: أن يجلس [الرجل] (¬3) على وركيه وهو الاحتفاز والاستيفاذ، وحكى عن الثعالبى أنه قال فى إشكال الجلوس عن الأئمة: إن الإنسان إذا ألصق عقبيه بأليتيه قيل: أقعى، وإذا استوفز فى جلوسه كأنه يريد أن يثور للقيام قيل: احتفز [واقعنفز] (¬4)، وقعد القعفزى، فإذا ألصق أليتيه بالأرض وتوسد ساقيه قيل: قرطش. قال القاضى: الذى قرأته فى كتاب الثعالبى فى هذا الحرف: " فرشط " بالفاء، وتقديم الشين المعجمة على الطاء، وكذا ذكره أبو عبيد فى المصنف فى هيئة هذه الجلسة المذكورة، وأرى ما وقع فى المعلم من ذلك تغيرٌ من النقلة أو ممن شاء الله، والأشبه عندى فى تأويل الإقعاء الذى قال ابن عباس: إنه من السنة؛ الذى فسر به الفقهاء من وضع الأليتين بين السجدتين على العقبين وليس بالمنهى عنه، فقد روى عن جماعة من الصحابة، والسلف أنهم كانوا يفعلونه، وكذا جاء مفسراً من ابن عباس: " من السنة أن تُمِسَّ عقبيك أليتيك " (¬5)، ¬

_ (¬1) لفظ المطبوعة: بل هى سنة نبيك. (¬2) فى ت: كان. (¬3) من ت. (¬4) من ت، والذى فى الأصل: اقتعفز، وهو تصحيف، جاء فى اللسان: قعفز جلس القعفَزَى، وهى جلسة المستوفز، وقد اقعنفز. (¬5) التمهيد 16/ 274، وقد وردت هكذا بلفظ التثنية، بيد أن محقق الاستذكار أتى بها على الإفراد مرفوعة. 4/ 271. قال ابن عبد البر، بعد أن ساق هذا القول وقول طاوس: رأيت العبادلة يفعلونه ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير. لا أدرى كيف هذا الإقعاء، ويمكن أن يكون الإقعاء من ابن الزبير أيضاً لعذر - مثل عذر ابن عمر - فقد فدع اليهودُ يديه ورجليه بخيبر. فلم تعد كما كانت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يقل بذلك عامة فقهاء الأمصار، وسموه إقعاء (¬1)، وأجروا الجلوس فيها مجرى الجلوس فى التشهد على اختلافهم فيه وقد تقدم، ووافق الشافعى مالكاً فى كراهة ذلك فى السجدتين (¬2) وخالفه فى استعمال ذلك عند الرفع من السجدة الثانية للقيام، فرأى الشافعى فى جماعة من أصحاب الحديث (¬3) أنه يرجع جالساً على قدميه يسيراً ثم ينهض للقيام، قال: وليس ذلك بإقعاء (¬4). وحجتهم ما جاء فى حديث مالك بن الحويرث أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان فى وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوى قاعداً (¬5)، وقال مالك فى كافة الفقهاء سفيان وأحمد وأصحاب الرأى: لا يجلس ولكن ينهض كما هو، وحملوا حديث ابن الحويرث أنه كان مرة من قوله - عليه السلام - ليدل على جواز ذلك أو الشكوى به، قال الداودى: فمن هذا رأى مالك أن لا سجود على من جلس فى وتر الركعات ما لم يطل. قال القاضى: وحكى غيره من شيوخنا فيها قولين: السجود وتركه، وكل هذا لمن فعله ناسياً، فأما عامداً فلا سجود اتفاقاً، ثم اختلفوا فى الاعتماد على اليدين عند النهوض إلى القيام، فقال مالك وجمهورهم: يعتمد وهو أقرب إلى السكينة، وقال الثورى فى آخرين: لا يعيد إِلا أن يكون شيخاً، وخيَّره مالك مَرَّةً ورأى أن يفعل ما هو أرفق به. وقوله: " إنا لنراه جَفَاءً بالرجُل فقال ابن عباس: [بل] (¬6) هى السنة " (¬7): كذا رويناه فى الأم، الرجل بفتح الراء وضم الجيم، وكذا قيدناه عن شيوخنا وقيدناه فى (¬8) كتاب أبى داود على الفقيه أبى الوليد هشام بن أحمد عن الغسانى شيخنا عن أبى عمر بن عبد البر: بالرِجْل، بكسر الراء وسكون الجيم، يريد الجارحة وكذا ألفيته أيضاً فى أصل أبى عمر بن عبد البر (¬9) وبه عارضت، وقال أبو على: كذا كان يقول أبو عمر فيه، ويقول: من قال بِالرَجُلِ فقد صحفه [ولا معنى له] (¬10)، قال أبو على: ولم أسمعه أنا قط إِلا ¬

_ (¬1) الإقعاء عند أصحاب الحديث: أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين. التمهيد 16/ 273. (¬2) وكذا أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو عبيد، والإقعاء المكروه عندهم هو جلوس الرجل على أليتيه ناصباً فخذيه، فإن الكلب إنما يقعدُ على أليتيه، ورجلاه من كل ناحية، السابق. (¬3) كطاووس ومعمر وعبد الرزاق. راجع: المصنف 2/ 91. (¬4) وهذا هو الذى يتحسن ابن عباس، ويقول: إنه سنة، قال أبو عمر: فصار ابن عمر مخالفاً لابن عباس فى ذلك، على أن الإقعاء قد فسَّره أهل اللغة على غير المعنى الذى تنازع فيه هؤلاء، وهذا كله يشهد لقول ابن عباس. التمهيد 16/ 278. (¬5) البخارى، ك الأذان، ب من استوى قاعداً فى وتر من صلاته ثم نهض، وأبو داودك الصلاة، ب النهوض فى الفرد 1/ 264، والترمذى ك أبواب الصلاة، ب ما جاء كيف النهوض من السجود (287) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائى، ك التطبيق، ب الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين. (¬6) ساقطة من ت. (¬7) فى المطبوعة: بل هى سنَّةُ نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬8) فى ت: وفى. (¬9) جاءت بالتمهيد غير مضبوطة، وفى أبى داود وردت على وفق رواية مسلم. انظر: التمهيد 16/ 276، والسنن، ك الصلاة، ب الإقعاء بين السجدتين 1/ 194. (¬10) فى ت: ولا له وجه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالرجُلِ، وكذا قيده أبو على فى أصله، وبه عارضت أيضاً. قال القاضى: والأوجه عندى هو قول من يروى بالرَّجُلِ، كما قال أبو على، ويدل عليه إضافة الجَفا إليه فى جلسته تلك المكروهة عند العلماء، وأما الرِجْلُ فلا وجه له.

(7) باب تحريم الكلام فى الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته

(7) باب تحريم الكلام فى الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته 33 - (537) حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَتَقَارَبَا فِى لفْظِ الحَدِيثِ - قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلمِىِّ؛ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ. فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَرَمَانِى القَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ. فَقُلْتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرونَ إِلىَّ. فَجَعَلوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلى أَفْخَاذِهِمْ، فَلمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى، لكِنِّى سَكَتُّ. فَلما صَلى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِى هُوَ وَأُمِّى، مَا رَأَيْتُ مُعَلمًا قَبْلهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ. فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِى وَلا ضَرَبَنِى وَلا شَتَمَنِى، قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله [فى] (¬1) خبر معاوية بن الحكم: " فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم " يعنى ليُسْكِتُوه، ويحتمل أنه كان قبل نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التصفيق فى الصلاة والأمر بالتسبيح، وقد يحتمل أن هذا تفسير التصفيق فى حديث أبى بكر على ما أشار إليه بعضهم مما ذكرناه قبل. وقوله: " فبأبى هو وأمى ما رأيت قبله ولا بعده [معلماً] (¬2) أحسن تعليماً منه " (¬3) فيه سيرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فى التعليم من الرفق بالجاهل] (¬4) وترك الغضب عليه إذا لم يقصد مخالفةً. وقوله: " فوالله ما كهرنى "، قال الإمام: قال أبو عبيد: الكهر: الانتهار، وفى قراءة عبد الله: " فأما اليتيم فلا تكهر ". قال القاضى: وقيل: الكهر: العبوس فى وجه من تلقاه. وقوله: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شىء من كلام الناس ": فيه منع الكلام فى الصلاة، وإنكار تشميت العاطس فيها؛ إذ هو الذى فعله معاوية وأنكره عليه الصحابة وأفتاه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى النازلة بهذا الكلام، ثم حصر ذكر الصلاة فقال: " إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ". ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) الذى فى المطبوعة: ما رأيت معلماً قبله ولا بعده. (¬4) فى ت: من الرفق بالتعليم بالجاهل.

النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ ". أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى حَدِيثُ عَهْدٍ بجَاهِليَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالإِسْلامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأْتُونَ الكُهَّانَ. قَالَ: " فَلا تَأْتِهِمْ ". قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ. قَالَ: " ذَاكَ شَىْءٌ يَجِدُونَهُ فِى صُدُورِهِمْ، فَلا يَصُدَّنَّهُمْ - قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: فَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: إن قيل: ما وجه إنكارهم عليه وقوله: " يرحمك الله " دعاء، والدعاء للغير جائز فى الصلاة؟ قيل: يحتمل أن يكون إنكارهم عليه؛ لأنه قصد مخاطبة الغير بذلك فكان كالمتكلم، وقد قال ابن شعبان وابن نصر الداودى [من أصحابنا] (¬1): إذا قال فى صلاته: " اللهم افعل بفلان "؛ جاز، وإن قال: " يا فلان، فعل الله بك " كان الكلام، وهذا نحو مما ذكرناه من أنه بالقصد يخرج إلى الكلام، وقد اختلف عندنا على قولين فى المصلى إذا تعايا من ليس معه فى صلاته فى قراءته فرد عليه المصلى، هل تفسد صلاته؟ فجعله فى أحد القولين بِردِّه عليه كالمتكلم، وإن كان إنما قرأ قرآناً، قال: ولم يذكر فى الحديث أمره بإعادة الصلاة لما وقع منه ذلك على جهة الجهل، وهذا حجةٌ على المخالف فى قوله: إن كان المتكلم ناسياً فى الصلاة تفسد صلاته؛ لأنه إذا لم يفسدها بالجهل فأحرى ألا يفسدها (¬2) بالنسيان. قال القاضى: الجهل فى هذا كالعمد عند مالك، إِلا ما حكاه الخطابى عن مالك: أنه يبنى فى الجهل كالنسيان هنا وهذا مذهب الشافعى والأوزاعى والشعبى، وليس تركه لذكر الإعادة دليلاً على أنه لم يأمر بها، ولا أن الصلاة أجزأته، ولا أنه لم يعدها، وبإفساد الصلاة بالكلام على أى وجه كان من سهوٍ أو [عمد] (¬3) أو جهل، قال الكوفيون: وقد اختلف الناس فى تحميد العاطس فى الصلاة، فقيل: يحمد الله ويجهر به، وروى مثله عن ابن عمر والنخعى وأحمد، ومذهب مالك والشافعى أن يحمد ولكن يستحب له أن يكون فى نفسه. وقوله: " إن مِنَّا رجالاً يأتون الكهان قال: فلا تأتهم " (¬4)، قال الإمام: نهيه عن ذلك؛ لأنه يجرهم إلى تغيير الشرائع بما يلبسون عليهم، والكاهن يخبر عن غيب من طريق غير موثق به. ومعنى قوله - لما قال: ومنا رجال يتطيرون -: " ذلك شىء يجدونه فى صدورهم ": أى يجدون ذلك ضرورةً فلا ملام عليهم، ولكن إنما يكون اللوم على ¬

_ (¬1) فى هامش ت. (¬2) فى ت: تفسُد. (¬3) فى ت: غفلة. (¬4) فى ت: تأتوهم.

يَصُدَّنَّكُمْ - " قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ. قَالَ: " كَانَ نَبِىُّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ ". قَالَ: وَكَانَتْ لِى جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِى قِبَلَ أُحُدٍ وَالجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّى صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلىَّ. قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ توقفكم عن إمضاء حوائجكم لأجل ذلك وهو المكتسب فنهاهم أن يصدهم ذلك عما أرادوا فعله. وقوله حين قال: ومنا رجال يخطُّون (¬1): " كان نبى من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك ": أى أصاب، وقال ابن عباس فى تفسير هذا الحديث (¬2): هو الخط الذى يخطه الحازى (¬3) وهو علم قد تركه الناس. قال: يأتى صاحب الحاجة إلى الحازى فيعطيه حلواناً، فيقول: اقعد حتَّى أخط لك وبين يدى الحازى غلام معه ميل، ثم يأتى إلى أرض رخوة فيخط الأستاذ خطوطاً معجلةً لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو على مهل خطين خطين، فإن بقى خطان فهو علامة النجح وإن بقى خط فهو علامة الخيبة، والعرب تسميه: الأسحم وهو مشؤوم عندهم. قال القاضى: وجدت فى المعلم فى هذا الموضع اختلالاً أصلحته من الأصول التى كان النقل فيه منها لا شك من الخطابى والهروى وحكى مكى فى تفسيره أنه روى أن هذا النبى كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى (¬4) فى الرمل، ثم يزجر قال: وقوله: " فمن وافق خطه فذاك " يحتمل الزجر عن هذا إذ كان ذلك علماً لنبوته، وقد انقطعت فذهبنا عن التعاطى لذلك. قال القاضى: الأظهر من اللفظ خلاف هذا، وتصويب خط من وافق خطه، وذلك الذى يجدون إصابته، لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم، وعليه يدل ظاهر قول ابن عباس، ويحتمل أن هذا نُسخ فى شرعنا. وقوله: " قبل أحد والجوانية " بفتح الجيم وشدّ الواو وتخفيف الياء ضبطنا الحرف عن الأسدى وعن الخشنى بتشديدها، كذا ذكرها أبو عبيد البكرى، قال: كأنها نسبت إلى جوان، والجوانية أرض من عمل الفُروع من جهة المدينة (¬5). وقوله: " آسف كما يأسفون ": أى أغضب كما يغضبون. قال الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا} (¬6)، وقال: {غَضْبَانَ أَسِفًا} (¬7)، وصككتها: لطمتها. ¬

_ (¬1) بعدها فى المطبوعة: قال. (¬2) فى ت: الخط. (¬3) الحازى: هو الذى ينظر فى الأعضاء وفى خيلان الوجه يتكهَّن ويقدر الأشياء بظنه. لسان العرب. (¬4) قيل: إنه إدريس - عليه السلام. (¬5) وإليها ينسب بنو الجوَّانىِّ العلويون. معجم البلدان. (¬6) الزخرف: 55. (¬7) الأعراف: 150.

يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: " ائْتِنى بِهَا "، فَأَتَيْتُهُ بِهَا. فَقَالَ لهَا: " أَيْنَ اللهُ؟ " قَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للجارية: " أين الله؟ "، قال الإمام: إنما أراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطلب دليلاً على أنها موحدة، فخاطبها بما يفهم قصده، إذ علامة الموحدين التوجه إلى الله إلى السماء عند الدعاء وطلب الحوائج؛ لأن العرب التى تعبد الأصنام، وتطلب حوائجها من الأصنام، والعجم من النيران، فأراد - عليه السلام - الكشف عن معتقدها هل هى ممن آمن؟ فأشارت إلى السماء، وهى الجهة المقصودة عند الموحدين كما ذكرنا. وقيل: إنما السؤال بأين هاهنا سؤال عما تعتقده من جلالة البارى سبحانه وعظمته. وإشاراتها إلى السماء إخبار عن جلالته تعالى فى نفسها، والسماء قِبْلةُ الداعين، كما أن الكعبةَ قبْلةُ المصلين، كما لم يدل استقبال القبلة على أن الله تعالى فيها، كذلك لم يدل التوجه إِلى السماء والإشارة [إلى السماء] (¬1) على أن الله سبحانه فيها. قال القاضى: لا خلاف بين المسلمين قاطبة - محدِّثِهم وفقيههم ومتكلمهم ومقلدهم ونُظَّارِهم - أَنَّ الظواهر الواردة بذكر الله فى السماء كقوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} (¬2)، أنها ليست على ظاهرها، وأنها متأولة عند جميعهم، أما من قال منهم بإثبات جهة فوق لله تعالى من غير تحديد ولا تكييف من دهماء المحدثين والفقهاء، وبعض المتكلمين [منهم، فتأول فى السماء بمعنى على، وأما دهماء النظار والمتكلمين] (¬3) وأصحاب الإثبات والتنزيه المحيلين، أن يختص بجهة أو يحيط به حد، فلهم فيها تأويلات بحسب مقتضاها، منها ما تقدم ذكره فى كلام الإمام أبى عبد الله. والمسألة بالجملة - وإن تساهل فى الكلام فيها بعض الأشياخ المُقتدى بهم من الطائفتين - فهى من مَعُوصاتٍ مسائل التوحيد، وياليت شعرى ما الذى جمع آراء كافة أهل السنة والحق على تصويب القول بوجوب الوقوف عن التفكر فى الذات كما أُمروا، وسكتوا لحيرة العقل هناك وسلموا، وأطبقوا على تحريم التكييف والتخييل والتشكيل، وأن ذلك من وقوفهم وحيرتهم - غير شك فى الوجود أو جهل بالموجود، وغير قادح فى التوحيد، بل هو حقيقة عندهم ثم يُسامح بعضُهم فى فصل منه بالكلام فى إثبات جهة تخصه أو يشار إليه بحيِّز يحاذيه، وهل بين التكييف من فرقٍ أو بين التحديد فى الذات والجهات بونٌ؟! لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه {الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه} (¬4)، وأنه استوى على ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) الملك: 17. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬4) الأنعام: 18، 61.

فِى السَّمَاءِ. قَالَ: " مَنْ أَنَا؟ " قَالتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قَال: " أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ". (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 34 - (538) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ عرشه (¬1) مع التمثيل بالآية الجامعة للتنزيه الكلى الذى لا يصح فى معقول سواه من قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬2) عصمة لمن وفقه الله وهداه. وقوله: " أعتقها فإنها مؤمنة ": فيه مع سؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبحثه عن حالها دليلٌ على أن عتق المؤمن أفضل وأولى من عتق الكافر ولا خلاف فى جواز عتق الكافر فى التطوع، وأنه لا يجزى فى كفارة القتل لنص الله تعالى فيها على {مُّؤْمِنَة} (¬3). واختلف فى كفارة اليمين والظهار وتعمد الفطر فى رمضان (¬4)، فمالك والشافعى وعامتهم لا يجزى فى ذلك عندهم إِلا مؤمنة لتقييد الله تعالى ذلك بالأيمان فى كفارة القتل، فيحمل المطلق على المقيد (¬5)، ولأنَّه فى رواية مالك فى هذا الحديث: " وعلىَّ رقبةٌ " (¬6) فقال: " أعتقها فإنها مؤمنة "، فدلَّ أن غير المؤمنة لا تجزى، وذهب الكوفيون إلى أن الإيمان لا يشترط إِلا فى القتل حيث نصَّ عليه. ¬

_ (¬1) فى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]. (¬2) الشورى: 11. (¬3) فى قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه} [النساء: 92]. (¬4) كفارة الإفطار لا ذكر لها فى الكتاب العزيز، وإنما عرف وجوبها بالسنة، وهو فيما روى أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: يا رسول الله، هلكت وأهلكتُ، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ماذا صنعت؟ " فقال: واقعت امرأتى فى شهر رمضان متعمداً، فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعتق رقبة " الحديث، وانظر: بدائع الصنائع 6/ 2895. (¬5) لأن المطلق فى معنى المجمل، والمقيد فى معنى المفسَّر، والمجمل الذى لم تتضح دلالته يحملُ على المُفَسَّر، ويصير النصَّانِ فى معنى النص الواحد. (¬6) الموطأ رواية يحيى، ك العتق والولاء، ب ما يجوز فى العتق فى الرقاب الواجبة 2/ 776، وكذا رواية أبى مصعب (2730)، كلاهما عن عمر بن الحكم، وكذا رواه الشافعى فى الرسالة (243) ثم قال: وهو معاوية بن الحكم، وكذلك رواه غير مالك، وأظن مالكاً لم يحفظ اسمه. قال أبو عمر بن عبد البر: وهكذا رواه جماعة رواة الموطأ عن مالك كلهم قال فيه: " عن عمر بن الحكم " وهو غلطٌ، ووهم منه، وليس فى الصحابة رجلٌ يقال له: عمرُ بن الحكم، وإنما هو معاوية بن الحكم السلمى، والحديث له محفوظ، ويمكن أن يكون الغلط فى اسمه جاء من قبل هلال، شيخ مالك، لا من مالك. الاستذكار 23/ 165، 166.

سَعِيدٍ الأَشَجُّ - وَأَلفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضِيلٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى الصَّلاةِ، فَيَرُدُّ عَليْنَا، فَلمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِى، سَلمْنَا عَليْهِ فَلمْ يَرُدَّ عَليْنَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كُنَا نُسَلِّمُ عَليْكَ فِى الصَّلاةِ فَتَرُدُّ عَليْنَا. فَقَالَ: " إِنَّ فِى الصَّلاةِ شُغُلاً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذا الحديث دليلٌ على أن الإيمان لا يتم إِلا بالإيمان بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أنا؟ " قالت: رسول الله، وأنه لم يرها مؤمنة حتى أقرت عنده بالوحدانية والرسالة. وفيه دليل على الاكتفاء فى ذلك عند بعضهم بصريح الشهادتين وصحة العقيدة، وإن لم يكن عن برهان ونظر واستدلال؛ إذ لم يسألها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أين علمت ذلك؟ وقيل: إنما كان هذا؛ لأنها كانت متيقنة الإسلام، ولذلك اكتفى بما دل من إشارتها، ولو كان فى ابتداء إسلامها لم تنتقل عن حال الكفر إلى الإيمان إِلا بالجلاء والتصريح والنطق بالشهادتين والبيان التام. وفيه حجة لأحد القولين عندنا فى منع عتق الأعجمى عن الواجبات حتى يجيب إلى الإسلام (¬1). وقول ابن مسعود: " كنا نسلم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فى الصلاة فيرد علينا، [فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك] (¬2) فى الصلاة فتَرُدَّ علينا، فقال: " إن فى الصلاة شُغُلاً "، قال الإمام: من الناس من قال: يرد المصلى السلام نطقاً وإن كان فى الصلاة، ومنهم من قال: لا يرد ما دام فى الصلاة لا نطقاً ولا إشارةً، وقيل: يرد بالإشارة، فأما القائل يرد نطقاً فيحتمل أن يكون لم يعلم أن ذلك نُسخ، ويحتج - أيضاً - أن ذلك نوعٌ مما يباح فى الصلاة، ووجه القول أنه لا يرد نطقاً ولا إشارة الحديث المتقدم، ووجه القول بأنه يرد إشارة ما جاء فى حديث آخر - أيضاً - من إنه كان يرد إشارة (¬3). ¬

_ (¬1) فقد نقل عنه أبو عمر: أن الرقاب الواجبة التى ذكر الله فى الكتاب فإنه لا يعتق فيها إِلا رقبة مؤمنة، قال: وكذلك فى إطعام المساكين فى الكفارات، لا ينبغى أن يُطعَمَ فيها إِلا المسلمون، ولا يُطعم فيها أحدٌ على غير دين الإسلام. الاستذكار 23/ 178. (¬2) ساقط من ق، والذى فى المطبوعة: فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا عليه. (¬3) وذلك فيما أخرجه أصحاب السنن وغيرهم عن ابن عمر قال: دخل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجد بنى عمرو بن عوف - يعنى مسجد قباء - فدخل رجالٌ من الأنصار يُسلمون عليه، قال ابن عمر: فسألتُ صهيباً - وكان معه -: =

(...) حَدَّثَنِى ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِىُّ، حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 35 - (539) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِى عَمْرٍو الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ؛ قَالَ: كُنَّا نَتَكلَّمُ فِى الصَّلاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلى جَنْبِهِ فِى الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ثم اختلف من لم ير ردَّه، هل يرد إذا سَلم أم لا؟ بالرد بعد السلام من الصلاة قال الثورى وعطاء والنخعى ويترك الرد قولاً وإشارة بكل حال قال أبو حنيفة، وبالردِّ إشارةً قال مالك وأصحابه وهو مذهب ابن عمر وجماعة من العلماء وبالرد نطقاً قال أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة وإسحاق، وقيل: يَرُدُّ فى نفسه، هذا حكمه هو فى الردِّ، وأما ابتداء السلام عليه فاختلف فيه العلماء، وعن مالك فيه الجواز، ورويت عنه الكراهة (¬1). قال الإمام: وقال مسلم فى هذا الباب: ثنا ابن نمير، ثنا إسحاق بن منصور السلولى، روى فى بعض النسخ: ثنا ابن مثنى مكان ابن نمير، وفى بعضها ابن كثير بدل ذلك قال بعضهم: والأبدالان خطأ، والحديث إنما يرويه محمد بن عبد الله بن نمير عن إسحاق، وكذلك أخرجه البخارى فى الجامع (¬2). وقوله: " كنا نتكلم فى الصلاة " وقوله: " حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} (¬3)، قال القاضى: القنوت فى كتاب الله تعالى وحديث نبيه المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولسان العرب لفظة ¬

_ = كيف كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلُ إذا كان يُسلم عليه وهو يُصلى؟ فقال: كان يُشِيرُ بيده. أبو داود، ك الصلاة، ب ردّ السلام فى الصلاة، والترمذى كذلك، ب ما جاء فى الإشارة فى الصلاة وقال فيه: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائى فى السهو، ب رد السلام بالإشارة فى الصلاة، وابن ماجه فى الإقامة، ب المصلى يُسلم عليه كيف يردُّ. وانظر: شرح معانى الآثار 1/ 454، والسنن الكبرى للبيهقى 2/ 259. قال ابن عبد البر: وقد أجمع العلماء على أن من سُلمَ عليه وهو يُصلى فردَّ إشارة أنه لا شىء عليه، وأكثرهم يجيزون ردَّ السلام إشارةً باليد للمُصلى. الاستذكار 6/ 244. وأجمعوا على أن من سُلمَ عليه وهو يصلى لا يردَّ كلاماً. التمهيد 21/ 109. (¬1) راجع: التمهيد 21/ 109. (¬2) كتاب العمل فى الصلاة، ب ما ينهى من الكلام فى الصلاة 2/ 78، وقد أخرجه أبو داود كذلك عن ابن نمير ثنا ابن فضيل. ك الصلاة، ب رد السلام فى الصلاة 1/ 211. (¬3) البقرة: 238.

قَانِتِين} (¬1) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الكَلامِ. (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَوَكِيعٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كُلهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوهُ. 36 - (540) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا الليْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِى لِحَاجَةٍ، ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَسِيرُ - قَالَ قُتَيْبَةُ: يُصَلى - فَسَلمْتُ عَليْهِ، فَأَشَارَ إِلىَّ، فَلمَّا فَرَغَ دَعَانِى ـــــــــــــــــــــــــــــ منصرفة تكون بمعنى الطاعة، وبمعنى السكوت وقيل: هذان فى الآية، والحديث يشهد للسكوت، وقيل: القنوت طول القيام، وقيل ذلك فى قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْل} (¬2). وفى الحديث: " أفضل الصلاة طول القنوت " (¬3)، وقيل: الخشوع، وقيل: الدعاء، وقيل: الإقرار بالعبودية، وقيل: الإخلاص، وقيل: أصله الدوام على الشىء، وإذا كان هذا أصله فَمُديم الطاعة قانت، وكذلك الداعى والقائم فى الصلاة والمخلص فيها والساكت فيها كلهم فاعلون للقنوت، وفى الحديث: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت شهراً يدعو على قبائل من العرب " (¬4)، أى أدام الدعاء [عليهم] (¬5) والقيام له. وقوله: " نهينا عن الكلام " دليلٌ على منعه فى الصلاة، وتركه فيها، فرض عندنا على أصح القولين؛ لهذا النهى، وقيل: سنة، والاختلاف فى ذلك مبنى على الاختلاف فى أوامره - عليه السلام - المجردة، هل تحمل على الفرض أو على الندب؟ وقول أكثر أئمتنا أنها محمولة على الوجوب (¬6)، وأجمع أهل العلم على أن الكلام فيها عامداً لغير ¬

_ (¬1) البقرة: 238. (¬2) الزمر: 9. (¬3) سيرد إن شاء الله فى ك صلاة المسافرين وقصرها، ب أفضل الصلاة طول القنوت، وأخرجه أحمد فى المسند 3/ 302. (¬4) الحديث متفق عليه، أخرجه البخارى فى ك الوتر، ب القنوت قبل الركوع وبعده، وسيرد إن شاء الله فى باب استحباب القنوت من ك المساجد. (¬5) من ت. (¬6) والذى ذهب إلى التفريق بين أمر الله وأمر رسوله هو الإمام الأبهرى محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمى، شيخ المالكية فى العراق، المتوفى سنة 375 هـ، وقد حكاه عنه القيروانى أبو القاسم المالكى فى " المستوعب "، وهذا بناءً على أن صيغة " أفعل " ترد لمعان كثيرة وذلك لانضمام قرائن تدل عليها. راجع: نهاية السول 2/ 14، التمهيد فى تخريج الفروع على الأصول 268.

فَقَالَ: " إِنَّكَ سَلمْتَ آنِفاً وَأَنَا أُصَلى " وَهُوَ مُوَجِّهٌ حِينَئِذٍ قِبَلَ المَشْرِقِ. 37 - (...) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: أَرْسَلنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلى بَنِى المُصْطَلِقِ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلى عَلى بَعِيرِهِ، فَكَلمْتُهُ. فَقَالَ: لِى بِيَدِهِ هَكَذَا - وَأَوْمَأَ زُهَيْرٌ بِيَدِهِ - ثُمَّ كَلمْتُهُ فَقَالَ: لِى هَكَذَا - فَأَوْمَأَ زُهَيْرٌ أَيْضًا بِيَدِهِ نَحْوَ الأَرْضِ - وَأَنَا أَسْمَعُهُ يَقْرَأْ، يُومِئُ برَأْسِهِ، فَلمَّا فَرَغَ قَالَ: " مَا فَعَلتَ فِى الذِى أَرْسَلتُكَ لهُ؟ فَإِنَّهُ لمْ يَمْنَعْنِى أَنْ أُكَلمَكَ إِلا أَنِّى كُنْتُ أُصَلى ". قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَبُو الزُّبَيْرِ جَالِسٌ مُسْتَقْبِلَ الكَعْبَةِ، فَقَالَ: بِيَدِهِ أَبُو الزُّبَيْرِ إِلى بَنِى المُصْطَلِقِ. فَقَالَ: بِيَدِهِ إِلى غَيْرِ الكَعْبَةِ. 38 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَنِى فِى حَاجَةٍ، فَرَجَعْتُ وَهُوَ يُصَلِى عَلى رَاحِلَتِهِ، وَوَجْهُهُ عَلى غَيْرِ القِبْلةِ، فَسَلمْتُ عَليْهِ فَلمْ يَرُدَّ عَلىَّ، فَلمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " إِنَّهُ لمْ يَمْنَعْنِى أَنْ أَرُدَّ عَليْكَ إِلا أَنِّى كُنْتُ أُصَلى ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَلى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَاجَةٍ، بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إصلاحها أو لاستنقاذ هالك وشبهه أنه مفسرها، واختلفوا فى فعله ذلك لما ذكرناه، فجمهورهم على منعه وإفساد صلاته، وذهب الأوزاعى فى طائفة إلى جواز ذلك له، وعندنا فى المذهب فى الكلام لإصلاحها وجهان، وحجة الجواز حديث ذى اليدين، وسيأتى الكلام عليه، وأما الكلام فيها ناسياً فعير مفسدٍ لها عند جمهورهم ما لم يكثر جداً، وذهب الكوفيون إلى [فساد] (¬1) الصلاة به. وقول جابر فى رد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إشارة فى الصلاة [وقوله: " إنك سلمت وأنا أصلى " حجة لجواز الإشارة فى الصلاة] (¬2) ومنع الكلام. وقوله: " فأومأ يده " حجة لجواز الإشارة فى الحاجة والعمل الخفيف فى الصلاة، ويأتى فى الكلام على الصلاة على الراحلة بعد هذا. ¬

_ (¬1) فى الأصل: إفساد، والمثبت من ت. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

(8) باب جواز لعن الشيطان فى أثناء الصلاة، والتعوذ منه وجواز العمل القليل فى الصلاة

(8) باب جواز لعن الشيطان فى أثناء الصلاة، والتعوذ منه وجواز العمل القليل فى الصلاة 39 - (541) حَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ ابْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ جَعَلَ يَفْتِكُ عَلىَّ البَارِحَةَ، ليَقْطَعَ عَلىَّ الصَّلاةَ، وَإِنَّ اللهَ أَمْكَنَنِىَ مِنْهُ فَذَعَتُّهُ، فَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلى جَنْبِ سَارِيةٍ مَنْ سَوَارِى المَسْجِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إِنَّ عفريتًا [من الجن] (¬1) جعل يفتك على البارحة ليقطع على الصلاة ": كذا الرواية فيه فى جميع النسخ، وكذا سمعناه من أشياخنا فى كتاب مسلم، وذكره البخارى: " تفلت على البارحة " (¬2) [وكأنَّ] (¬3) بعضهم أشار إلى ترجيح هذه الرواية، وهما عندى صحيحان وما فى الكتاب هنا بيِّنٌ، وأصل الفتك مجىء الإنسان إلى آخر على غرةٍ وغفلةٍ فيقتله، ومنه قوله - عليه السلام -: " قيد الإيمان الفتك " (¬4)، وهذه صفة مجىء الشيطان للنبى - عليه السلام - وقد قال فى الرواية الأخرى فى الأم: " جاء إبليس بشهاب من نار ليجعله فى وجهى فقلت: أعوذ بالله منك " (¬5)، وهو من معنى التفلت أيضاً، أى جاء على غفلة وتعرض لى فجاءة، ومنه قيل لمن مات فجأةً: افتُلت نفسهُ، ومنه افتلتَ الكلام إذا ارتجله، والفلتة الأمر يؤتى [عجلة] (¬6) وعلى غير روِيَّة، والفلتة آخر ليلة من رجب، كانت فتاك العرب تفتك فيها وتُحِله وتقولُ: هو من شعبان والشهر قبله ناقص، تخادع بذلك الناس، وكله بمعنى ما قدمناه، والعفريت: المارد من الجن. وقوله: " فذعته ": بالذال المعجمة، أى خنقته، قال الهروى والخطابى: فى رواية ابن أبى شيبة بالدال المهملة، وهما بمعنى. قال ابن دريد: ذعته يذعته ذعتاً: غمزه غمزاً شديداً، والذعت مهملة: الدفع الشديد، ويقال بالذال المعجمة أيضاً، وأنكر الخطابى ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب الأسير أو الغريم يربط فى المسجد (461). (¬3) فى ت: وذكر. (¬4) أحمد فى المسند 1/ 166، وأبو داود فى ك الجهاد، ب فى العدو يؤتى على غِرَّة ويتشبه بهم (2769). (¬5) ولفظها فى المطبوعة: " إن عدو الله إبليس جاء بشهابٍ من نار ". (¬6) فى ت: غفلة، وما أثبتناه من الأصل هو الأصوب.

حَتَّى تُصْبِحُوا تَنْظُرُونَ إِليْهِ أَجْمَعُونَ - أَوْ كُلُّكُمْ - ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِى سُليْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُّلْكًا لَّا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي} (¬1)، فَرَدَّهُ اللهُ خَاسِئًا ". وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ. (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - ح قَالَ: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. وَليْسَ فِى حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ قَوْلهُ: فَذَعَتُّهُ. وَأَمَّا ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فَقَالَ فِى رِوَايَتِهِ: فَدَعَتُّهُ. 40 - (542) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلمَةَ المُرَادِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الخَوْلانِىِّ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ؛ قَالَ: قَامِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: " أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ " ثُمَّ قَالَ: " أَلعَنُكَ بِلعْنَةِ اللهِ " ثَلاثًا. وبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا. فَلمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ سَمعْنَاكَ تَقُولُ فِى الصَّلاةِ شَيْئًا لمْ نَسْمَعْكَ تَقُولهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَرَأَيْنَاَكَ بَسَطْتَ يَدَكَ. قَالَ: " إِنَّ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعلهُ فِى وَجْهِى، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قُلْتُ: أَلعنُكَ بِلعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ، فَلمْ يَسْتَأْخِرْ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَرَدْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية من روى الحرف بالمهملة، ولأنه لا يصح أن يكون من الدفع لأن أصله يكون على هذا دفعته ولأنه لا يصح إدغام العين فى التاء؛ لأن الحرف إنما يدغم فى مثله، قال الهروى: ويقال: الذعت - يريد بالمعجمة -: التمريغ فى التراب والذعط، بالطاء -: الذبح، وقد رأيت بعض الشارحين على جلالته خلط فى تفسير هذا الحرف [تخليطاً تركه أولى] (¬2) من ذكره، وإذ بنفس الوقوف عليه يبين قبح الغلط فيه. وفى خنق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له فى الصلاة دليل على جواز العمل الخفيف فيها لا سيما لإصلاحها، وهو مثل مدافعة من يقطع عليه الصلاة. وأما قوله: " لقد هممت أن أربطه إلى سارية من سوارى المسجد " (¬3) فمن هذا الباب. ويحتمل أن يكون ربطه له بعد تمامه من الصلاة. وقوله: " ألعنك بلعنة الله التامة ": يحتمل قوله: " تامة " وجهين؛ أحدهما: أىِ لا نقص فيه [أو] (¬4) الواجبة له المستحقة عليه مما قال: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} (¬5): أى حقت ووجبت، أو الموجبة عليه العذاب السرمد. وقوله: " ولولا دعوة ¬

_ (¬1) ص: 35. (¬2) فى ق: خليطاً أولى من يتركه. (¬3) لفظها فى المطبوعة: " فلقد هممت أن أربطه إلى جنب ساريةٍ من سوارى المسجد ". (¬4) ساقطة من ق. (¬5) الأنعام: 115.

أَخْذَهُ. وَاللهِ، لوْلا دَعْوَةُ أَخِينَا سُليْمَانَ لأصْبَحَ مُوثَقًا يَلعبُ بِهِ وِلدَانُ أَهْلِ المَدِينَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أخى سليمان لأصبح موثقًا يلعب به ولدان أهل المدينة ". قال الإمام: الجن أجسام روحانية، فيحتمل هذا أنه تشكل على صورة يمكن ذلك فيها على العادة، ثم يمنع من أن يعود إلى ما كان عليه حتى يتأتى اللعب به، وإن خرقت العادة أمكن غير ذلك. قال القاضى: وأما قوله: " ولولا دعوة [أخى] (¬1) سليمان " وقوله: " ثم تذكرت (¬2) قول أخى سليمان " يفهم منه أن مثل هذا مما خُصَّ به سليمان دون غيره من الأنبياء واستجيبت دعوته فى ذلك، ولذلك امتنع نبينا - عليه السلام - من أخذه، إما إنه لم يقدر عليه [لذلك أو لما تذكر ذلك لم يتعاط ذلك لظنه أنه لا يقدر عليه] (¬3)، أو تواضعاً وتأدباً وتسليماً لرغبة سليمان. وفيه رؤية بنى آدم الجن، وقد جاءت بذلك عن السلف والصالحين أخبار كثيرة، ومجمل قوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم} (¬4) على الأغلب والأعم، ولو كانت رؤيتهم محالاً لما أخبر النبى - عليه السلام - بما أخبر وأراده حتى تَذكر خبر سليمان، وقيل: هذا الحديث دليل على رؤية أصحاب سليمان لهم، وليس ببين عندى، إنما دليله قدرة سليمان عليهم وتسخيرهم له، كما نص الله تعالى عليه، وقد قيل: إِنَّ رؤيتهم على خلقِهم وظهورهم ممتنعة؛ لظاهر الآية إِلا الأنبياء ومن خرقت له العادة، وإنما يراهم بنو آدم فى صور غير صورهم كما جاء فى الآثار من ذلك. وقوله للشيطان فى الصلاة: " ألعنك بلعنة الله وأعوذ بالله منك " (¬5) وهو فى الصلاة دليل على جواز الدعاء لغيره بصيغة المخاطبة كما كانت الاستعاذة هنا فى صيغة المخاطبة، خلافاً لما ذهب إليه ابن شعبان من إفساد الصلاة بذلك، وهذا مثل قوله فى التشهد: " السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ". ¬

_ (¬1) ساقطة من ت، وفى المطبوعة: أخينا. (¬2) فى المطبوعة: ذكرت (¬3) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬4) الأعراف: 27. (¬5) " وأعوذ بالله منك " غير مذكورة فى المطبوعة.

(9) باب جواز حمل الصبيان فى الصلاة

(9) باب جواز حمل الصبيان فى الصلاة 41 - (543) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُليْمٍ الزُّرَقِىِّ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلى وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَبِى العَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَإِذَا قَامَ حَمَلهَا وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا؟ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر (¬1) حمل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُمامة بنت زينب (¬2)، وهو يؤم الناس، الحديث، قال الإمام: حمل ذلك أصحابنا على أنه فى النافلة، وظاهره أنه كان فى الفريضة فإن إمامته بالناس فى النافلة ليست معلومةً. قال القاضى: اختلفت الرواية عن مالك فى تأويله فروى عنه ابن القاسم ما ذكره من أنه فى النافلة، وروى عنه أشهب وابن نافع أن هذا للضرورة وإذا لم يجد من يكفيه، وأما لحب الولد فلا. فظاهر هذا إجازته فى الفريضة والنافلة لهذه العلة (¬3)، وروى عنه التنيسى أن الحديث منسوخ (¬4)، وظاهر الحديث يدل أنه فى الفريضة لقوله: " بينا نحن ننتظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الظهر أو العصر [حتى] (¬5) خرج علينا حاملاً أمامة على عنقه (¬6)، وذكر الحديث. وقد يقال على هذا: إن صلاته بها كان فى تنفله قبل صلاته الفريضة بهم، ¬

_ (¬1) فى ت: وقوله. (¬2) هى السيدة أمامة بنت أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد مناف، القرشية، العبشمية، أمها زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولدت على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما كبرت أمامة تزوجها على بن أبى طالب - رضى الله عنهما - بعد موت فاطمة - رضى الله عنها - وكانت فاطمة وصَّت عليًّا بذلك، فلما توفيت فاطمة تزوجها على - رضى الله عنه - زوجها منه الزبير بن العوام، ولما جُرِح علىٌّ خاف أن يتزوجها معاوية فطلب إلى المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن يتزوجها بعده، فلما توفى علىٌّ وقضت العدة تزوجها المغيرة فولدت له يحيى، وبه كان يكنى، فماتت - رضى الله عنها - عند المغيرة. (¬3) قال ابن عبد البر: وحسبُك بتأويل مالك في ذلك بهذا الدالِّ على صِحَّةِ قوله هذا، أنِّى لا أعلم خِلافاً أن مثل هذا العمل فى الصلاة المكتوبة مكروهاً. الاستذكار 6/ 314. (¬4) ورد بأن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فى الصلاة لشُغْلاً " كان قبل بدر عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة، وأن قدوم زينب وبنتها إلى المدينة كان بعد ذلك. عمدة القارى 4/ 303. (¬5) من ت. (¬6) هذه رواية أبى داود ك الصلاة، ب العمل فى الصلاة 1/ 210، 211.

42 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبى سُليْمَانَ وابْنِ عَجْلانَ، سَمِعَا عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُليْمٍ الزُّرَقِىِّ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ؛ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِى العَاصِ وَهِىَ ابْنَةَ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن المعلوم منه - عليه السلام - أنه كان يخرج عند إقامة الصلاة ولا يتنفل قبلها فى المسجد، وإنما كان تنفله فى بيته. وروى الزبير بن بكار فى كتاب النسب عن عمرو بن سليم الزُرَقى فى ذلك: كان فى صلاة الصبح (¬1)، وقد قيل: هذا خصوص للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ لا يؤمن من الطفل البول وغير ذلك على حامله، فقد يعصم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه ويعلم بسلامته من ذلك مدة حبسه، وقد قال أبو عمر: لعل هذا النسخ بتحريم العمل والاشتغال فى الصلاة بغيرها وهو نحو مما روى عن مالك (¬2)، وقال أبو سليمان [الخطابى] (¬3): يشبه أن هذا كان منه - عليه السلام - عن غير قصد وتعمد للصلاة، لكن الصبية لتعلقها به وطول إلفها له لملابسته فى غير الصلاة تعلقت به فى الصلاة، فلم يدفعها عن نفسه ولا أبعدها فإذا أراد أن يسجد وهى على عاتقه وضعها حتى يكمل سجوده، ثم تعود الصبيَّة إلى حالها من التعلق به فلا يدفعها، فإذا قام بقيت معه محمولة، قال: ولا يكاد يتوهم عليه حملها متعمداً. ووضعها وإمساكها مرة بعد أخرى؛ لأنه عمل يكثر، وإذا كان عَلم الخميصة لشغله حتى استبدل به، فكيف لا يشغله هذا؟! وقد يحتج لتأويل هذا بما ورد من ركوب الحسن والحسين عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سجوده (¬4) والحديث مشهور، لكن يبعده قوله فى الحديث: خرج علينا حاملاً أُمامة على عنقه فصلى. وقال الباجى: إن كان حمل الطفل فى الصلاة على معنى الكفاية لأمه لشغلها [بغير] (¬5) ذلك لا يصح إِلا فى النافلة لطول أمر النافلة، وإن كان لما يخشى منه على الطفل، وأنه لا يجد من يمسكه، فيجوز فى الفريضة، ويكون حبس الطفل على هذا على العاتق أو معلقاً فى ثوب لا يشغل المصلى، وإلا فحمله على غير هذا الوجه من الشغل الكثير المتصل فى الصلاة الذى يمنع صحتها (¬6)، قال غيره: وقد يكون حمله لها؛ لأنه لو تركها بكت ¬

_ (¬1) وقد نقل من رواية أبى داود أنها كانت فى صلاة الظهر أو العصر. (¬2) راجع: الاستذكار 6/ 315. (¬3) من ق. (¬4) وذلك فيما أخرجه الحاكم فى المستدرك بسند صحيح عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: " كنا نصلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء، فكان يصلى، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا أعاد عادا "، ك معرفة الصحابة 3/ 167. (¬5) فى ت: بغيره. (¬6) المنتقى 1/ 304.

43 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ (¬1)، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُليْمٍ الزُّرَقِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ الأَنْصَارِىَّ يَقُولُ: رَأَيْتُ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِى لِلنَّاسِ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِى العَاصِ عَلى عُنُقِهِ. فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا. (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، جَمِيعًا عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِىِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُليْمٍ الزُّرَقِىِّ، سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ فِى المَسْجِدِ جُلوسٌ. خَرَجَ عَليْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. غَيْرَ أَنَّهُ لمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَمَّ النَّاسَ فِى تِلكَ الصَّلاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وشغلت سرَّه فى صلاته أكثر من شغله بحملها. قيل: وفيه من الفقه: أن ثياب الأطفال وأجسادهم طاهرة ما لم تعلم نجاسته وأن لمس صغار الصبايا غير مؤثر فى الطهارة، وأن حكم من لا يُشتهى منهن فى هذا الباب كله بخلاف [حكم] (¬2) غيرهن، وقال بعضهم: فيه دليل على أن لمس ذوى المحارم لا ينقض الطهارة، وليس هذا بشىء؛ لأن ممن فى هذا السن من غير ذوى المحارم لا اعتبار للمسه. وفيه تواضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشفقته على آله ورحمة الولدان الصغار، وجواز خفيف العمل وحمل ما لا يشغل فى الصلاة. ذكر مسلم فى هذا الحديث من رواية مالك أمامة بنت زينب، ولأبى العاص بن ربيعة كذا للسمرقندى ولغيره: ابن ربيع (¬3)، وهو قول غير مالك وقول أهل النسب، وقال الأصيلى: وهو ابن الربيع بن ربيعة، نسبه مالك إلى جده، وهذا الذى قاله غير معلوم، ونسبه عند أهل النسب والخبر [بغير خلاف] (¬4): أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس بن عبد مناف، [واسم أبى العاص: لقيط، وقيل: مهشم] (¬5). ¬

_ (¬1) قال أبو داود: لم يسمع مخرمة من أبيه إِلا حديثاً واحداً. السنن 1/ 211. (¬2) من ت. (¬3) بعدها فى ت: أكثر رواة الموطأ يقولون: ربيعة، ورواه بعضهم: ربيع. (¬4) سقط من ت. (¬5) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

(10) باب جواز الخطوة والخطوتين فى الصلاة

(10) باب جواز الخطوة والخطوتين فى الصلاة 44 - (544) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ نَفَراً جَاؤُوا إِلى سَهْلِ بْن سَعْدٍ، قَدْ تَمَارَوا فِى المِنْبَر (¬1)، مِنْ أَىِّ عُودٍ هُوَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ، إِنِّى لأَعْرِفُ مِنْ أَىِّ عُودٍ هُوَ، وَمَنْ عَمِلهُ، وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ يَوْمٍ جَلسَ عَليْهِ. قَالَ: فَقُلْتُ لهُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، فَحَدِّثنَا. قَالَ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى امْرَأَةٍ - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: إِنَّهُ ليُسَمِّيها يَوْمَئِذٍ -: " انْظُرِى غُلامَكِ النَّجَّارَ، يَعْمَلْ لِى أَعْوَادًا أُكُلمُ النَّاسَ عَليْهَا ". فَعمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوُضعَتْ هَذَا المَوْضِعَ. فَهِىَ مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ (¬2)، وَلقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَليْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، وَهُوَ عَلى المِنْبَرِ. ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ القَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِى أَصْلِ المِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلى النَّاسِ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّى صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِى، وَلِتَعْلمُوا صَلَاتِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وذكر مسلم الحديث: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على المنبر وترك القهقرى حتى سجد فى أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر الصلاة (¬3) " قال: وأهل العلم ينهون أن يصلى الإمام على أرفع مما عليه أصحابه (¬4)، وفعله هذا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتمل أن يكون؛ لأن الارتفاع كان يسيراً، ويصلح أن يقال: إنما منع هذا فى أئمتنا؛ لأنه ضرب من الكبر والتراؤس، وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوم من هذا والأشبه ما علل به - عليه السلام - فى الحديث، من أنه إنما فعله ليعلمهم الصلاة، ونزوله - عليه السلام - القهقرى لئلا يستدبر القبلة فى الصلاة من غير ضرورة، وأما نزوله وصعوده - وإن كان عملاً فى الصلاة - فإنه لمصلحة [الصلاة] (¬5) فلم يكن له تأثير، وقد أجاز أهل العلم المشى لغسيل دم الرعاف وإن كان فى الصلاة. قال القاضى: قال أحمد بن حنبل: لا بأس أن يكون الإمام أعلا مما عليه أصحابه لهذا الحديث، ومالك يمنعه، [وما تقدم من هذا وما يجوز منه وما يمنع. وفى هذا الحديث ¬

_ (¬1) المنبر مشتق من النبر، وهو الارتفاع. (¬2) طرفاء الغابة: الطرفاء شجر، وهى أربعة أصناف: منها الأثل، الواحدة طرفاءة، والغابة: غيضة ذات شجر كثير من عوالى المدينة. (¬3) الذى فى المطبوعة: صلاته. (¬4) دفعاً للغرور. (¬5) من ت.

45 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدٍ القَارِىُّ القُرَشِىُّ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ؛ أَنَّ رِجَالاً أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ. قَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ؛ قَالَ: أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَسَأَلوهُ: مِنْ أَىِّ شَىْءٍ مَنْبَرُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَسَاقُوا الحَدِيثَ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِى حَازِمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ اتخاذ المنبر وسنته] (¬1) للخطبة، وسنذكر ذلك فى موضعه من صلاة الجمعة، وفى صلاته - عليه السلام - بهم، تمام تعليمه بالفعل والعمل - عليه السلام - إذ كان لا يرى ذلك من عمله إِلا من اكتنفه فى الصلاة، قيل: فلما صعد المنبر لم يخفْ على أحد ممن خلفه شىء من هيآته وآدابه فى الصلاة. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

(11) باب كراهة الاختصار فى الصلاة

(11) باب كراهة الاختصار فى الصلاة 46 - (545) وَحَدَّثَنِى الحَكَمُ بْنُ مُوسَى القَنْطَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُصَلى الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا. وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهيه - عليه السلام - أن يصلى الرجل مختصراً، قال الإمام: قال الهروى: قيل: هو أن يأخذ بيده عصاً يتوكأ عليها (¬1)، وقيل: هو أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين ولا يقرؤها فى فرضه بكمالها، كذا رواه ابن سيرين عن أبى هريرة، ورواه غيره: " متخصِّراً " (¬2)، ومعناه: أن يصلى ويضع يده على خصره (¬3)، ومنه الحديث: " الاختصار راحة أهل النار " (¬4)، " ونهى عن اختصار السجدة " (¬5)، ويفسر على وجهين: أحدهما: أن يختصر الآيات التى فيها السجدة ويسجد فيها، والثانى: أن يقرأ سورة فإذا انتهى إلى السجدة جاوزها ولم يسجد لها، ومنه أخذ مختصرات الطرق. قال القاضى - رحمه الله - وقيل: كره الاختصار فى الصلاة " لأنه فعل اليهود (¬6)، وقيل: إن هذا هو معنى ما جاء فى الحديث " أنها راحة أهل النار " (¬7) يعنى: راحة اليهود، وهم أهل النار (¬8)، وإلا فليس لأهل النار راحة، وقيل: لأن الشيطان يحضر (¬9) ذلك (¬10)، ¬

_ (¬1) ويرده ما جاء فى الحديث عن عطاء قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوكؤون على العِصىِّ فى الصلاة. السنن الكبرى للبيهقى 2/ 289. (¬2) بهذا اللفظ والإسناد نفسه أخرجه ابن أبى شيبة 2/ 48. (¬3) فى ت: خاصرته والأولى والأدق خاصرتيه، هكذا جاءت رواية ابن أبى شيبة. (¬4) أخرجه البيهقى عن ابن سيرين عن أبى هريرة 2/ 287، والطبرانى فى الأوسط، وأخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه موقوفاً على مجاهد بلفظ: " وضع اليدين على الحقو استراحة أهل النار " 2/ 47، وأخرجه كذلك عبد الرزاق فى ك الصلاة، ب وضع الرجل يده فى خاصرته فى الصلاة (3342)، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد: رواه الطبرانى فى الأوسط، وفيه عبد الله بن الأزور، ضعفه الأزدى وذكر له هذا الحديث وضعفه به. مجمع 2/ 85. (¬5) لم أقف عليه. (¬6) أخرجه ابن أبى شيبة عن مسروق عن عائشة أنها كرهت الاختصار فى الصلاة وقالت: لا تشبهوا باليهود. 2/ 48، وكذا عبد الرزاق 3338. (¬7) فى ابن أبى شيبة عن مجاهد: استراحة 2/ 47. (¬8) عن خالد بن معدان عن عائشة أنها رأت رجلاً واضعاً يده على خاصرته فقالت: هكذا أهل النار فى النار. المصنف 2/ 47. (¬9) فى ت: يختصر وهو خطأ. (¬10) هو قول ابن عباس فيما أخرجه ابن أبى شيبة من طريقه عنه 2/ 47.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لأن إبليس هبط كذلك (¬1)، وقيل: بل هو فعل أهل الكبر والصلاة موضع تذلل وخضوع، وفى البخارى - أيضاً - نهى عن الخصر فى الصلاة (¬2) وهو مثله، وقيل: الاختصار فى الصلاة المنهى عنه حذفُها، وألا يتم ركوعها وسجودها، وحدودها. وذكر فى الحديث الآخر: " المختصرون يوم القيامة على وجوههم النور " (¬3) قال: هم الذين يصلون بالليل ويضعون أيديهم على خواصرهم من التعب، وقيل: يأتون يوم القيامة معهم أعمال يتكئون عليها، مأخوذ من المِخْصَرَة. ¬

_ (¬1) هو قول حميد بن هلال. فيما أخرجه ابن أبى شيبة من طريق عنه 2/ 47. (¬2) كتاب العمل فى الصلاة، ب الخصر فى الصلاة، من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه. (¬3) النهاية فى غريب الحديث 2/ 36.

(12) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب فى الصلاة

(12) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب فى الصلاة 47 - (546) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِىُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ، عَنْ مُعَيْقِيبٍ؛ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسْحَ فِى المَسْجِدِ، يَعْنِى الحَصَى، قَالَ: " إِنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلاً، فَوَاحِدَةً ". 48 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ، عَنْ مُعَيْقِيبٍ؛ أَنَّهُمْ سَأَلوا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المَسْحِ فِى الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: " وَاحِدَةٌ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنِى مُعَيْقِيبٌ. ح. 49 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم المسح " فى المسجد " وفى الحديث الآخر: " فى الصلاة "، وهو معناه، يعنى مسح الحصى، فقال: " إن كنت لابد فاعلاً فواحدة "، مسحه: تسويته كما جاء فى الحديث الآخر مفسراً؛ وذلك لئلا يتأذى به، وقيل: [بل مَسْحَه ومسْحُ الغبار عنه لئلا يتعلق منه شىء بوجهه، وهذا كله ينافى] (¬1) معنى الصلاة والتواضع فيها وترك الشغل بغيرها، فأبيح من ذلك المرة الواحدة (¬2) ليدفع مضرَّة ذلك عن وجهه، وقد جاء: " تركها خيرٌ من حمر النعم " (¬3)؛ لكثرة الأجر فى تقرَّبه الوجه (¬4)، والتواضع لله، والإقبال على صلاته بجميعه، وكذلك جاء النهى عن النفخ فى سجوده للتراب (¬5) لذلك وكرهه السلف، ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬2) فدلَّ ذلك على رجحان الترك. قال الأبى: وإنما يكون الترك راجحاً إذا لم يكن عدمه مشوشاً 2/ 248. (¬3) أخرج أحمد فى المسند عن جابر بن عبد الله قال: سألت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مسح الحصى فقال: " واحدة، ولئن تمسك عنها خير لك من مائة بدنة كلها سود الحدقة " 3/ 300. (¬4) فى ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود والدارمى عن أبى ذرٍّ، يرويه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قام أحدُكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى " المسند 5/ 163، وأبو داود، ك الصلاة، ب فى مسح الحصى فى الصلاة 1/ 217، والدارمى كذلك 1/ 110. (¬5) الترمذى فى أبواب الصلاة، ب ما جاء فى كراهية النفخ فى الصلاة (381).

عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلمَةَ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى مُعَيْقِيبٌ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِى الرَّجُلِ يُسَوِّى التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: " إِنْ كُنْتَ فَاعِلاً، فَوَاحِدَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكرهوا مسح الجبهة فى الصلاة وقبل الانصراف مما يتعلق بها من الأرض، وحكى أبو سليمان عن مالك جواز مسح الحصا مرةً وثانيةً فى الصلاة، والمعروف عنه ما عليه الجمهور.

(13) باب النهى عن البصاق فى المسجد، فى الصلاة وغيرها

(13) باب النهى عن البصاق فى المسجد، فى الصلاة وغيرها 50 - (547) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأَى بُصَاقًا فِى جِدَارِ القِبْلةِ، فَحَكَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلى النَّاسِ فَقَالَ: " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلى فَلا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلى ". 51 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ الليْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُليَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قوله: " إذا كان أحدكم يصلى فلا يبصق قبل وجهه ": هذا [مما] (¬1) يتأول على ما ذكرنا فى حديث السوداء وكأن تلك الجهة علامة على أن قاصدها موحد، وأنها علم على التوحيد، ولها حرمة؛ لكون المصلى مقترناً [بتوجهه] (¬2) إليها إلى الله سبحانه، فيجرى ما وقع فى الحديث إشارة إلى هذا المعنى، ففى بعضها: " نخامة "، وفى بعضها: " بصاقاً "، وفى بعضها: " مخاطاً "، واختلاف هذه التسمية باختلاف مخارج هذه الأشياء، فالمخاط من الأنف، والبصاق من الفم، والنخامة من الصدر، يقال: تنخم الرجل، وكذا تنخع، وهى النخامة والنخاعة. قال القاضى: وقد يكون معنى قوله: " فإن الله قبل وجهه " على حذف المضاف، [أى] (¬3) أن قبلة الله المكرمة قبل وجهه [وبيته الحرام، وما عظم الله قبل وجهه] (¬4) أو ثوابه وفضله، وإذا كان ذلك فلا يقابل بضدها مما جرت العادة إِلا يُفعل إِلا بما يهان ويستحقر؛ ولهذا قال: " أيحب أحدكم أن يُسْتقبَل فيتنخع فى وجهه " قيل: ويحتمل أن [يريد] (¬5) أن عظمة الله وجلاله قبل وجهه، أى ذلك الذى يجب للمصلى أن يشعره ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى ت: بوجهه. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش، وأيضاً فى ت. (¬5) ساقطة من ت.

ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ رَأَى نُخَامَةً فِى قِبْلةِ المَسْجِدِ. إِلا الضَّحَّاكَ فَإِنَّ فِى حَدِيثِهِ: نخَامَةً فِى القِبْلةِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. 52 - (548) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِى قِبْلةِ المَسْجِدِ، فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ أَمَامَهُ، وَلكِنْ يَبْزُقُ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى. (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَاهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. (549) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَليْهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بنفسه حتى لا يشغلها بغيره، ويجعل ذلك نصب عينيه وتلقاء فكره، فلا يبصق لجهة ذلك. ونهيه عن أن يبصق عن يمينه، وقوله: " ولكن ليبصق عن يساره أو تحت قدمه " (¬1) تنزيه أيضاً لجهة اليمين عن الأقذار كما نزهت تصريف (¬2) الميامن فيها، أو تنزيه للملائكة وثوابهم، فقد ذكر البخارى فى هذا الحديث زيادةً: " فإن عن يمينه ملكاً " (¬3)، وهذا مع إمكان البصاق لغير اليمين من على اليسار وتحت القدم كما جاء فى الحديث، فأما مع تعذر هذه الجهات لكون من يصلى على يساره؛ فله أن يبصُقَ عن يمينه ويدفنه، لكن الأولى تنزيه اليمين عن ذلك ما قدر؛ لما ذكرناه. وجاء فى بعض الطرق: " ولكن عن شماله تحت قدمه "، وهذا فى غير المُحَصَّبِ، فيدلكه بقدمه أو بنعله كما جاء فى الحديث، ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: ولكن يبزُق. (¬2) فى ت: تصرف. (¬3) ك الصلاة، ب دفن النخامة فى المسجد.

عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِى جِدَارِ القِبْلةِ أَوْ مُخَاطًا أَوْ نُخَامَةً، فَحَكَّهُ. 53 - (550) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُليَّةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِى رَافِع، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِى قِبْلةِ المَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلى النَّاسِ فَقَالَ: " مَا بَالُ أَحَدُكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ؟ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِى وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَليَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ، تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لمْ يَجِدْ فَليَقُلْ هَكَذَا " وَوَصَفَ القَاسِمُ، فَتَفَلَ فِى ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ. (...) وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُليَّةَ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ هُشَيْمٍ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ ثَوْبَهُ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ. 54 - (551) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِى الصَّلاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِى رَبَّهُ، فَلا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلا عَنْ يَمِينِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وخص اليسرى؛ لما قدمناه من تنزيه اليمنى عن إزالة الأقذار وتناولها، قال بعضهم: فيه دليل على أن المصلى لا يكون عن يساره ملك؛ لأنه لا يجد مما يكتب لكونه فى طاعة؛ لأنه علل منع البصاق على اليمين لكون الملك هناك وأباحه على اليسار. وقوله: " فإن لم يجد فليفعل (¬1) هكذا، وتفل فى ثوبه ومسح بعضه على بعض ": دليل على طهارة البصاق، ولا خلاف فيه إِلا شيئاً روى عن سليمان والنخعى. الناس كلهم على خلافه (¬2)، وصحيح الآثار يشهد بضده، وفيه دليل على جواز البصاق فى الصلاة لمن احتاج إليه، والنفخ اليسير لمن لم يصنعه عبثاً، إذ لا يسلم منه البصاق، وكذلك يجب أن يكون التنخم والتنحنح لمن اضطر إليهما، وهو أحد قولى مالك أن ذلك كله لا يفسد ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: فليقُل، وما ها هنا هو الأليق بالسياق. (¬2) لأن الأصل فى ماء فم الإنسان طهوريته ما لم ينجسه نجس. راجع: الموسوعة الفقهية 8/ 96.

وَلكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ ". 55 - (552) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البُزَاقُ فِى المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا ". 56 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلتُ قَتَادَةَ عَنِ التَّفْلِ فِى المَسْجِدِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " التَّفْلُ فِى المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة، وبه قال الشافعى، وقال مالك أيضاً: ذلك يفسدها وهو قول أبى حنيفة. وقوله: " يناجى ربه ": عبارة عن إخلاص القلب، وتفريغ السر لذكره وتمجيده، وتلاوة كتابه فى صلاته. وقوله: " التفل فى المسجد خطيئةٌ " بفتح التاء باثنتين وسكون الفاء هو البزاق، كما جاء بهذا اللفظ فى الحديث الآخر [قال ابن مكى] (¬1) فى تثقيف اللسان: قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأى أحدكم ما يكره فليتفل عن يساره ثلاث " (¬2)، وقوله: " التفل فى المسجد خطيئة " هذا مما يغلط فيه الناس فيجعلونه بالثاء، ويضمُّون الفعل فى المستقبل يقولونه: ثفل الرجل إذا بصق، والصواب: تفل - بالتاء - يتفل بالكسر فى المستقبل لا غير، وأما النفث - بالثاء المثلثة - فهو كالتفل إِلا أن التفل نفخ لا بصاق معه، والنفث لا بد أن يكون معه شىء من الريق هذا قول أبى عبيد فى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن رُوحَ القدس نفث فى روعى " الحديث (¬3). قال الإمام: قال ابن السُّكيت فى باب فَعُل وفَعَل باختلاف المعنى: التفل إذا بصق، والتفل ترك التطيب. قال القاضى: قال الثعالبى: المجُّ: الرمى بالريق، والتفل أقل منه، والنفث أقل منه، وهذا عكس ما قاله ابن مكى. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى ك الرؤيا برقم (5). (¬3) أبو نعيم فى الحلية، وابن عبد البر فى التمهيد من حديث أبى أمامة - رضى الله عنه -: " إن روح القدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حرم ". الحلية 10/ 27، التمهيد 1/ 284.

57 - (553) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضبَعِىُّ وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالا: حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلى أَبِى عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقيْلٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ الدِّبلِىِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عُرِضَتْ عَلىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِى، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِى مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِى مَسَاوى أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِى المَسْجِدِ لا تُدْفَنُ ". 58 - (554) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: صَليْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ تَنَخَّعَ، فَدَلكَهَا بِنَعْلِهِ. 59 - (...) وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنِ الجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى العَلاءِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ صَلى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: فَتَنَخَّعَ فَدَلكَهَا بِنَعْلِهِ اليُسْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكونه خطيئة إنما هو لمن تفل فيه ولم يدْفن؛ لأنه يُقَذِّرُ المسجد، ويتأذى به من يَعلق به أو رآه، كما جاء فى الحديث الآخر: " لئلا تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه " (¬1). فأما من اضطر إلى ذلك فدفن وفعل ما أمر به فلم يأت خطيئة، فكأن بدفنه لها أزال عنه الخطيئة وكفرها، لو قدرنا بصاقه فيه ولم يدفنه. وأصل التكفير التغطية، فكأن دفنها غطاء لما يتصور عليه من الذم والإثم لو لم يفعل، وهذا كما سميت تَحِلَّة اليمين كفارة، وليست اليمين بمأثم فتكفره، ولكن لما جعلها الله فسحة لعباده فى حل ما عقده من أيمانهم ورفعاً لحكمها سماها كفارة؛ ولهذا جاز إخراجها قبل الحنث، وسقوط حكم اليمين بها عندنا وعند جماعة من العلماء على الأصح من القولين، هذا هو تأويل لفظها الأعلى قول من أثبتها خطيئة وإن اضطر إليها، لكن يكفرها التغطية. ¬

_ (¬1) المصنف لابن أبى شيبة، ك الصلاة، ب من قال: احفر لبزقتك، من حديث سعيد بن أبى وقاص - رضى الله عنه 2/ 367.

(14) باب جواز الصلاة فى النعلين

(14) باب جواز الصلاة فى النعلين 60 - (555) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ أَبِى مَسْلمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلى فِى النَّعْليْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ. (...) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ العَوَّامِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو مَسْلمَةَ، قَالَ: سَأَلتُ أَنَسًا. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنه - عليه السلام - يصلى فى النعلين ": الصلاة فى النعلين والخفين رخصة مباحة، فعلها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه [وروى عن أنس: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربما صلى فى نعليه وربما نزعهما " قال بعض علمائنا: ويكره للرجل أن ينتعل إذا قام إلى الصلاة] (¬1) ما لم يتيقن لابسها بنجاستها وإن جوز دوسه فى الطرق لها، فإذا تحقق ذلك لم يجز الصلاة فيها إِلا بعد طهارتها، فإذا كانت النجاسة مجمعاً عليها كالدم والقذرة والبول من بنى آدم، لم يطهرها إِلا الغسل بالماء عندنا وعند كافة العلماء، وإن كانت من النجاسة المختلف فيها كبول الدواب وأرواثها، ففى تطهيرها بالدلك بالتراب عندنا قولان: الإجزاء والمنع، وبالإجزاء قال [أبو] (¬2) إسحاق، وأطلق الإجزاء بمسح ذلك بالتراب من غير تفصيل الأوزاعى وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: يزيل إذا يبس الحك أو الفرك، ولا يزيل رطبه إِلا الغسل، ما عدا البول فلا يجزى عنده فيه إِلا الغسل، وقال الشافعى: لا يطهر شيئاً من ذلك كله إِلا الماء (¬3). واختلف إذا أصاب الرجل ما اختلف فيه من النجاسة، هل يطهرها الدلك بالأرض كالخف؟ وهو قول الثورى، أم لا يجزى إِلا غسلها بالماء؟ وهو قول أبى يوسف، والوجهان عندنا فى المذهب، وفى الصلاة فى النعلين على الجملة حملُ الجلود على الطهارة ما لم يتيقن أنها ميتة أو خنزير، ويختلف العلماء فيهما [إذا] (¬4) كانا مدبوغين وسيأتى ذكر ذلك. وفيه أن الأرض كلها وترابها محمول على الطهارة وكذلك الطرقات، حتى تتبين فيها النجاسة. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ق ثم هامش ت. غير أنها فى ت عن أبى، والحديث محفوظ عن أنس. انظر: البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب الصلاة فى النعال 1/ 108، المجتبى فى ك الصلاة، ب الصلاة فى النعلين 2/ 58، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه الذى أخرجه ابن ماجه: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلم حافياً ومنتعلاً. ك الإقامة، ب الصلاة فى النعال 1/ 330. (¬2) من ت. (¬3) قبلها فى الأصل: الغسل. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

(15) باب كراهة الصلاة فى ثوب له أعلام

(15) باب كراهة الصلاة فى ثوب له أَعلام 61 - (556) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزهُيِرُ بْنُ حَرْبٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى فِى خَمِيصة لهَا أَعْلامٌ، وَقَالَ: " شَغَلتْنِى أَعْلامُ هَذِهِ، فَاذهَبُوا بِهَا إِلى أَبِى جَهْمٍ وَائْتُونِى بِأَنْبِجَانِيَّهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قوله: " اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبى جهم وائتونى بأنْبجانِيَّه فإنها ألهتنى آنفاً فى الصلاة " (¬1): يؤخذ من هذا الحديث كراهة التزويق فى القبلة واتخاذ الأشياء الملهية فيها؛ لأنه علل إزالة الخميصة بشغلها له فى الصلاة، فدلَّ هذا على تجنُب ما يوقع فى ذلك. قال القاضى: قوله: " ألهتنى " هو بمعنى قوله فى الرواية الأخرى: " أخاف أن تفتنى " (¬2) أى تشغلنى عن صلاتى بالنظر إليها واستحسانها، وقد فسرنا الفتنة، وقوله: " آنفاً " قبل هذا. والخميصة - بفتح الخاء -: كساء مربع من صوف، والأنبجانيه رويناه بفتح الهمزة وكسرها وبفتح الباء، ورويناه - أيضاً - فى غير الأم، وبالوجهين ذكرها ثعلب، ورويناه بتشديد الباء آخراً وتخفيفها معاً فى غير مسلم، إذ هو فى مسلم فى إحدى الروايات: " بأنبجانىّ " مشدد الياء مكسور عنى الإضافة إلى أبى جهم على التذكير، كما قال فى الحديث الآخر: " كساء له أنبجانيّة "، والكساء مذكر فوصفه مذكر وتأنيثها على تقدير الخميصة (¬3). قال ثعلب: هو كل ما كثف والتف (¬4)، قال غيره: هو كساء غليظ ولا علمَ له، فإذا كان للكساء علم فهو الخميصة، وإن لم يكن له علم فهو الأنبجانية. وقال الداودى: هو كساء غليظ بين الكساء والعباءة. وقال القاضى أبو عبد الله فى شرحه: الخميصة: كساء صوف مصبوغ عليه حرير، والأنبجانية: كساء سداه قطن أو كتان، وطُعمُه صوف. وقال ابن قتيبة: إنما هو منبجانى ولا يقال: أنبجانى، منسوب إلى منبج ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: فى صلاتى. وكذا فى البخارى ك اللباس، ب الأكسية والخمائص 7/ 190. (¬2) لفظ البخارى فى ك الصلاة، ب إذا صلى فى ثوب له أعلام ونظر إلى علمها من حديث هشام قال: " كنت أنظر إلى علمها وأنا فى الصلاة، فأخافُ أن تفتنى " 1/ 105، كما أخرجها مالك عن علقمة بن أبى علقمة من أمه مرجانة بلفظ: " فكاد يفتنى " 97، 98. (¬3) أو شملة. (¬4) وقالوا: شاة أنبجانيَّة، أى كثيرة الصوف مُلْتَفَّتُهُ. الاستذكار 4/ 389.

62 - (...) حَدَّثَنَا حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلى فِى خَمِيصَةٍ ذَاتِ أَعْلامٍ، فَنَظَرَ إِلى عَلمِهَا، فَلمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ: " اذْهَبُوا بِهَذِهِ الخَمِيصَةِ إِلى أَبِى جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، وَائْتُونِى بِأَنْبِجَانِيَّهِ، فَإِنَّهَا أَلهَتْنِى آنِفًا فِى صَلاتِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفتحت الباء فى النسب؛ لأنه خرج مخرج مخبرانى (¬1)، وهو قول الأصمعى. قال الباجى: ما قاله ثعلب أظهر والنسب إلى منبج منبجى. قال القاضى: النسب مسموع وقد شذ منه كثير عن القياس فلا ينكر ما قاله ابن قتيبة، وقد قال بعضهم: كانت أكسية تصنع بحلب فتحمل إلى جسر منبج (¬2). فيه جواز لباس الثياب ذوات الأعلام وإن كانت من حرير إن كان علمها كما تقدم، وسنذكره فى اللباس، وفيه التحفظ من كل ما يشغل فى الصلاة النظر إليه، ويستفاد من هذا كراهة التزويق والنقوش فى المساجد وأن يصلى المصلى إلى ما هذا سبيله، وإلى ما يشغل خاطره أو فيه قربة (¬3)، وأن الشغل اليسير والذهول القليل عن الصلاة لا يبطلها، وكذلك الاستثبات فى الكتابة (¬4) اليسيرة وتفهمها ما لم يكثر ذلك كله. وفيه قبول الهدايا من الأصحاب وجواز ردها لعلة، وجواز ذلك للواهب (¬5)، وأنه ليس من باب الرجوع فى الصدقة. وطلب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنبجانيَّة أبى جهم (¬6) تطييباً لنفسه لرد هديته عليه، وليعلم أنه لم يكن من أجل مجرد هديته، وفعل [مثل] (¬7) هذا من استدعاء مال الغير جائز، ممن يعلم سروره بذلك وطيب نفسه به (¬8). قال الإمام: وبعثه إلى أبى جهم فلعله علم منه أنه يبيحها له كما فعل. ¬

_ (¬1) حسن المخبر. (¬2) بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وفى آخره جيم، بلدة من كور قنسرين بناها بعض الأكاسرة الذى غلب على الشام، وسماها منبه، وهى من ضواحى حلب الآن. (¬3) فى الأصل: أو قربة. (¬4) فى ت: الكلمة. (¬5) يعنى أن الواهب والمهدى إذا رُدَّت عليه عطية من غير أن يكون هو الذى يرجعُ فيها فإن له أن يقبلها، وأن ذلك خارج عن تحريم الرجوع فى الهدية والصدقة والذى سيرد إن شاء الله فى كتاب الهبات عن ابن عمر وابن عباس: " فإن مثل العائد فى الصدقة كمثل الكلب يعود فى قيئه ". (¬6) اسم أبى جهم عبيد بن حذيفة بن غانم القرشى العدوى، أسلم عام الفتح، وصحب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان مقدماً فى قريش معظماً، قال الزبير فيه: إنه كان أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ منهم علم النسب، وأحد الأربعة الذين دفنوا عثمان بن عفان وهم حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم، ونيار بن مكرم. الاستيعاب 4/ 1623. (¬7) ساقطة من ت. (¬8) قلت: أخرج ابن عبد البر فى الاستيعاب عن الزبير قال: حدثنى عمر بن أبى بكر المؤملى عن سعيد بن عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أبيه عن جده قال: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى بخميصتين سوداوين، فلبس إحداهما، وبعث الأخرى إلى أبى جهم بن حذيفة، ثم إنه أرسل إلى =

63 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لهُ خَمِيصَةٌ لهَا عَلمٌ، فَكَانَ يَتَشَاغَلُ بِهَا فِى الصَّلاةِ، فَأَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ، وَأَخَذَ كِسَاءً لهُ أَنْبِجَانِيًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويؤخذ من هذا الحديث إِلا (¬1) يصلى بالحقنة ولا (¬2) بشىء يشغل عن استيفاء الصلاة. قال القاضى: واستدل به بعضهم على هجر كل ما صد عن [ذكر] (¬3) الله وشغل عنه، وكان سبب عصيانه، كما هجر أبو لبابة دار قومه التى أصاب فيها الذنب (¬4) وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالارتحال عن الوادى الذى نام في عن الصلاة (¬5) لردِّ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخميصة؛ لأنها شغلته فى صلاته. ¬

_ = أبى جهم فى تلك الخميصة، وبعث إليه التى لبسها هو، ولبس التى كانت عند أبى جهم بعد أن لبسها أبو جهم لبسات. الاستيعاب 4/ 1624. (¬1) فى ق: إنما. (¬2) زيد بعدها فى ت: بكل. (¬3) من ق. (¬4) هو أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصارى، قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: اسمه بشر بن عبد المنذر، كان نقيباً، شهد العقبة وبدراً، مات فى خلافة على - رضى الله عنه. (¬5) أخرج مالك فى الموطأ قال: وقال نُعيم بن حماد عن سفيان بن عيينة: إنما ردَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخميصة إلى أبى جهم؛ لأنه كرهها. إذ كانت سبب غفلة وشُغل عن ذكر الله، كما قال: " اخرجوا عن هذا الوادى الذى أصابتكم فيه الغفلة، فإنه واد به شيطان ". الموطأ 14، وانظر: الاستذكار 4/ 391.

(16) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذى يريد أكله فى الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين

(16) باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذى يريد أكله فى الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين 64 - (557) أَخْبَرَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبى شَيْبَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ ". (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنَّ تُصَلُّوا صَلاةَ الْمَغْرِبِ، وَلا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ ". 65 - (558) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَحَفْصٌ وَوَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ. 66 - (559) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُم وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ، وَلا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِىُّ، حَدَّثَنِى أَنَسٌ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ذكر مسلم فى باب " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة " من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حضر عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء " (¬1) أخرجه من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر، ثم ¬

_ (¬1) حذفت فى المطبوعة، وأشير إليها بقوله: بنحوه.

67 - (560) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ؛ قَالَ: تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ - رضى اللهُ عَنْهَا - حَدِيثًا، وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلاً لَحّانَةً، وَكَانَ لأُمِّ وَلَدٍ. فَقاَلَتْ لَهُ عَائِشَةُ: مَالَكَ لا تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِى هَذَا؟ أَمَا إِنِّى قَدْ عَلِمْتُ منْ أَيْنَ أُتِيتَ. هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ. قَالَ: فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وَأَضَبَّ عَلَيْهَا. فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِىَ بِهَا قَامَ. قاَلَتْ: أَيْنَ؟ قَالَ: أُصَلِّى. قَالَتِ: اجْلِسْ. قَالَ: إِنِّى أُصَلِّى. قَالَتِ: اجْلِسْ غُدَرُ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلا هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثاَنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أردف ذلك فقال: ثنا (¬1) الصلت بن مسعود، نا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2)، هكذا فى نسخة أبى العلاء بن ماهان: سفيان عن أيوب غير منسوبين وفى رواية السجزى عن الجلودى: نا سفيان بن موسى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر. قال بعضهم: سفيان بن موسى هذا رجل من أهل البصرة يروى عن أيوب ثقة، وكذلك نسبه أبو مسعود الدمشقى فى كتاب الأطراف عن مسلم عن الصلت عن مسعود عن سفيان ابن موسى عن أيوب، وذكر الحاكم أن مسلماً أنفرد بالرواية لسفيان بن موسى عن أيوب، قال: سمعت الدارقطنى يقول: ذكر لبعض أصحابنا ممن يدعى الحفظ ونحن بمصر حديث لسفيان بن موسى عن أيوب فقال: هذا خطأ، إنما هو [عن] (¬3) سفيان بن عيينة عن أيوب، قال: ولم يعرف سفيان بن موسى البصرى وهو ثقه مأمون، قال بعضهم: وقد غير هذا الإسناد فى بعض النسخ من كتاب مسلم: ورد عن سفيان عن أيوب بن موسى، وهو خطأ. قال القاضى: أرى أن الناقل عن بعض الرواة غلط فى تخريج نسب سفيان المذكور بعد اسمه حين إلحاقه، فخرجه بعد أيوب فوقع الوهم فيه. قال الإمام: وقوله: " لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان ": قال الهروى وغيره: يعنى الغائط والبول، قال الإمام: وقوله هنا: " بحضرة الطعام " هو ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: وحدثنا. (¬2) بعدها فى المطبوعة: بنحوه، والاختلاف بينه رواية ابن ماهان التى قيدها القاضى، وهو فى قوله: " إذا حضر عشاء أحدكم ". (¬3) من ت.

(...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - أَخْبَرَنِى أَبُو حَزْرَةَ الْقَاصُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى الْحَدِيثِ قِصَّةَ الْقَاسِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله [أيضاً] (¬1): " إذا قُرِّبَ العشاء وحضرت الصلاة، فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب " معناه: أن به من الشهوة إلى الطعام ما يشغله عن صلاته، فصار ذلك بمنزله (¬2) الحقن الذى أمره بإزالته قبل الصلاة. قال القاضى: قد وقع فى هذا الحديث نفسه فى غير كتاب مسلم فى رواية موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن الزهرى زيادة حسنة تفسَّر المعنى، وقد أخرج مسلم الحديث عن ابن وهب عن عمرو عن الزهرى ولم يذكر فيه هذه الزيادة. قال الدارقطنى: روى هذا الحديث عن عمرو بن الحرث ثقتان حافظان: ابن وهب وموسى بن أعين، ولموسى فيه زيادة حسنة، فأخرج مسلم الحديث الناقص وترك التام، إِلا أن يكون لم يبلغه وهو قوله: " إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدؤوا به قبل أن تصلوا ". وقد اختلف العلماء فى معنى هذا الحديث، فذهب الشافعى (¬3) إلى ما تقدم من معناه، وذكر نحوه ابن حبيب، وحكى ابن المنذر عن مالك: أنه يبدأ بالصلاة إِلا أن يكون طعاماً خفيفاً، وذهب الثورى وإسحاق وأحمد، وأهل الظاهر إلى الأخذ بظاهر الحديث وتقديم الطعام، وروى مثله عن عمر بن الخطاب وابنه، زاد أهل الظاهر: فإن صلى فصلاته باطلة. فى الحديث حجة على توسعة وقت المغرب (¬4) وسيأتى هذا فى الأوقات. وفيه حجة أن صلاة الجماعة ليست بفرض على الأعيان فى كل حال؛ لقوله: " وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ". ومنعه عن الصلاة وهو يدافعه الأخبثان - يعنى البول والغائط - مثل النهى عن صلاة الحاقن وذلك لشغله بها، وقد اختلف العلماء فى ذلك، فذهب مالك وغيره إلى أن ذلك مؤثر فى الصلاة بشرط شغله عنها، واستحب الإعادة فى الوقت وبعده فى ذلك، قال: والذى يعجل صلاته من أجله هو الذى يشغله، وتأوله بعض أصحابنا ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) فى ت: بمعنى. (¬3) راجع: المسند له 1/ 125، مصنف ابن أبى شيبة 2/ 420، عبد الرزاق 2183، أحمد فى المسند 3/ 110، 161. (¬4) راجع: التمهيد 8/ 83، الاستذكار 27/ 216.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه إن شغله حتى لا يدرى كيف صلى فهو الذى يعيد قبل وبعد، وأما إن شغله شغلاً لم يمنعه من إقامة حدودها وصلى ضاماً بين وركيه فهذا يعيد فى الوقت، وذهب الشافعى والحنفى فى مثل هذا إلى أنه لا إعادة عليه، وظاهر قول مالك فى هذا استحباب الإعادة، وكلهم مجمعون أن من بلغ به ما لا يعقل به (¬1) صلاته ولا يضبط حدودها أنه لا تجزئه، ولا يحل له الدخول كذلك فى الصلاة، وأنه يقطع الصلاة إن أصابه ذلك فيها. وذكر حديث ابن أبى عتيق مع القاسم عند عائشة: قوله: " وكان القاسم رجلاً لحانة " كذا للسمرقندى، وهذا اللفظ استعملته العرب للمبالغة، قالوا: لحَّانة للكثير اللَّحن، وعلامة للكثير العلم، ووقع للعذرى وابن أبى جعفر: لحْنة بسكون الحاء وضم اللام وهو بمعناه، أى يلحن فى كلامه وَيُلَحِّنُه الناس، وباب فُعْلة بضم الفاء وسكون العين للذى يرى الناس منه ذلك، كخُديعة للذى يُخْدع، وهُزأة للذى يهزأ به، وباب فُعَلة بفتح العين بضده ممن يفعل ذلك بغيره، كَصُرَعة للذى يصرع الناس، وهُزأةً إذا كان يهزأ بهم، وخُدَعة إذا كان يخدعهم. وابن أبى عتيق هذا هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، والقاسم هذا هو ابن محمد بن أبى بكر الصديق وكانت أمه أم ولد، كما ذكر فى الحديث. وقوله: " فغضب وأضبَّ عليها ": أى حَقَد، والضب: الحِقد، وقولها - لما رأته [حين] (¬2) جاءت مائدتها قام يصلى -: " اجلس غُدَرُ " وذكر الحديث، يدل أن مذهبها الأخذ بظاهره، وإنما سمته غدر؛ لما أظهر من أنَّ تركه طعامها من أجل قيامه للصلاة لا لأجل حقده عليها مما قالت له وعيرته به من لحنه وتأديب أمه له (¬3). ¬

_ (¬1) بعدها فى ت: فى، ولا وجه لها. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) فى قولها - رضى الله عنها له -: " من أين أتيت " تعنى: من أين ذهبت. ولما كان مأموراً باحترامها؛ لأنها أم المؤمنين ثم عمته، ثم إنها أكبر منه، وناصحة له ومؤدبة فحقها أن تحتمل ولا يغضب عليها. والغدر هنا يعنى: ترك الوفاء، وأكثر ما يستعمل فى النداء بالشتم.

(17) باب نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها

(17) باب نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوها 68 - (561) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْد اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فِى غَزْوَةِ خَيْبَرَ: " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِى الثُّومَ - فَلا يَأتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ ". قَالَ زُهَيْرٌ: فِى غَزْوَةٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ خَيْبَرَ. 69 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَكَلَ مَنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا، حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا " يَعْنِى الثُّومَ. 70 - (562) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنِ الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبَنَّا، وَلا يُصَلِّى مَعَنَا ". 71 - (563) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، وَلا يُؤْذِيَنَا بِرِيحِ الثُّومِ ". 72 - (564) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِىِّ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا، فَقَالَ: " مَنْ أَكَلَ مَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: الأحاديث التى فيها النهى عن دخول المسجد لمن أكل الثوم وشبهه قال أهل العلم: يؤخذ منها منع أصحاب الصنايع المنتنة كالحواتين (¬1) والجزارين من المسجد. ¬

_ (¬1) لعله يقصد السَّماكين.

يَقْرَبنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ ". 73 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عن ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله قَالَ - وَفِى رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ: وَزَعَمَ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ ". وَأَنَّهُ أُتِىَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ؛ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ: " قَرِّبُوهَا " إِلَى بَعْضِ أَصحَابهِ. فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اختلف العلماء فى معنى هذا الحديث والأخذ به، فذهب عامة العلماء وجمهور الفتوى والسلف إلى إباحة أكل هذه الخضر؛ الثوم والبصل والكراث وشبهها، وأن النهى عن حضور المساجد لمن أكلها ليس بتحريم لها وبدليل إباحة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها لمن حضره من أصحابه، وتخصيصه نفسه بالعله التى ذكرها من قوله: " فإنى أناجى من لا تناجى "، وبقوله: " ليس لى (¬1) تحريم ما أحل الله، [ولكنى أكرهها] (¬2) "، وكذلك حكم أكل الفجل لمن يتجشى به أو غير ذلك مما تستقبح رائحته ويتأذى به، وقد ذكر أبو عبد الله بن المرابط فى شرحه: أن حكم من به داء البخر فى فيه، أو به جرح به رائحة هذا حكم. وفيه دليل على أن إتيان الجماعات للأحاد على الدوام ليس بفرض، وإن كانت إقامتها بالجملة متعينةً؛ لأن إحياء السنن الظاهرة فرض على الجملة، خلافاً لأهل الظاهر فى تحريم أكل الثوم لأجل منعه من حضور الجماعة، التى يعتقدون فرضها على الأعيان، وجمهور العلماء أن النهى عن دخول المساجد لأجلها نهى عام فى كل مسجد، وذهب بعضهم أن هذا خاص فى مسجد المدينة لأجل ملائكة الوحى وتأذيهم بذلك، ويحتج بقوله: " فلا يقرب مسجدنا "، وحجة الجماعة قوله: " فلا يقرب المساجد "، وذكر الروايتين مسلم، وقاسوا على هذا مجامع الصلاة فى غير المساجد، كمصلى العيدين والجنائز ونحوها من مجامع العبادات، وقد ذكر بعض فقهائنا: أن حكم مجامع المسلمين فيها هذا الحكم كمجالس العلم والولائم وحلق الذكر. قال الإمام: وقع فى بعض هذه الأحاديث جواز أكل هذه البقول مطبوخة، ووقع فى كتاب مسلم " أنه - عليه السلام - أتى بقِدْر فيه خِضراتٌ من بقولٍ، فوجد فيها (¬3) ريحاً، ¬

_ (¬1) ما فى المطبوعة: بى (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬3) فى المطبوعة: لها.

أَكْلَهَا، قَالَ: " كُلْ، فَإِنِّى أُنَاجِى مَنْ لا تُنَاجِى ". 74 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " مَنْ أَكَلَ مَنْ هَذهِ الْبَقْلَة - الثُّومِ - وَقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ". 75 - وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يُرِيدُ الثُّومَ - فَلا يَغْشَنَا فِى مَسْجِدِنَا " وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ. 76 - (565) وحدّثنى عَمْرٌو النّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ، فَوَقَعْنَا، أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فسأل، فأخبر بما فيها من البقول فقال: " قَرِّبوها " إلى بعض أصحابه - فلما رآه كره أكلها قال: " كل، فإنى أناجى من لا تناجى " فظاهر هذا أن الكراهة باقية مع النضج، وهذا خلاف الأول [قال] (¬1)، ولعل قولهم: " قدر " تصحيف من الرواة، وذلك أن فى كتاب أبى داود " أنه - عليه السلام - أُتِىَ ببدر " (¬2) والبدر هنا هو: الطبق، شبه بذلك؛ لاستدارته كاستدارة البدر، فإذا كان كذلك لم يكن هذا مناقضاً لحديث الطبخ؛ لاحتمال أن تكون كانت نيِّئة. قال القاضى: الصواب " ببدر "، أى طبق، كما قال، وكذا ذكره البخارى عن أحمد بن صالح عن وهب فى هذا الحديث، وقال: " أتى ببدر "، وقال ابن وهب: يعنى طبقاً، وذكر أن ابن عفير رواه عنه بقدر (¬3). ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) وكذا البخارى، ك الأذان، ب ما جاء فى الثوم النيئ والبصل والكراث. قال: وقال أحمد بن صالح عن ابن وهبٍ: أُتِىَ بِبَدْرٍ، قال ابن وهب: يعنى طبقًا فيه خِضرات، كما أخرجه - أيضاً - بلفظ مسلم ومن طريقه من حديث سعيد بن عُفِير 1/ 216، وانظر: أبا داود، ك الأطعمة، ب فى أكل الثوم (3822). (¬3) راجع التعليق السابق.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى تِلْكَ البَقْلَةِ، الثُّومِ، وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلاً شَدِيداً، ثُمَّ رُحْنَا إِلى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ. فَقَالَ: " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا فَلا يَقْرَبَنَا فِى الْمَسْجِدِ ". فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمتْ، حُرِّمتْ. فَبَلَغَ ذَاكَ، النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَيْسَ بِى تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِى، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا ". 77 - (566) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنِ ابْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى زَرَّاعَةِ بَصَلٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَنَزَلَ نَاسٌ مِنْهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَأكُلْ آخَرُونَ، فَرُحْنَا إِلَيْهِ، فَدَعَا الَّذِينَ لَمْ يَأكُلُوا البْصَلَ، وَأَخَّرَ الآخَرِينَ حَتَّى ذَهَبَ رِيحُهَا. 78 - (567) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَذَكَرَ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِى ثَلاثَ نَقَرَاتٍ، وَإِنِّى لا أُرَاهُ إِلا حُضُورَ أَجَلِى، وَإِنَّ أَقْوَاماً يَأْمُرُونَنِى أَنْ أَسْتَخْلِفَ، وَإِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " إنى أناجى من لا تناجى ": يدل على أن الملائكة تُنَزَّه عن هذه الروائح، وفى بعض الأحاديث: " أنها تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم " (¬1)، قالوا: وعلى هذا منع الدخول بهذه الروائح إلى المسجد وإن كان خالياً؛ لأنه محل الملائكة. قال القاضى: قال [أبو] (¬2) القاسم بن أبى صفرة: فيه دليل على تفضيل الملائكة على بنى آدم، ولا دليل فى ذلك، لا سيما مع قوله: " فإن الملائكة تتأذى بما يتأذى به الإنس "، فقد سوَّاهم، ومع قوله: " فلا يؤذينا " قالوا: وفى اختصاصه النهى عن دخول المساجد إباحة دخول الأسواق وغيرها بها، وذلك لأنه ليس فيها حرمة المساجد، ولا هى محل الملائكة، لأنه إن نادى به أحد فى سوقه تنحى عنه إلى غيره، وجالس سواه، ولا يمكنه ذلك فى المسجد لانتظار الصلاة، وإن خرج فاتته [الصلاة] (¬3). وذكر مسلم حديث عمر بن الخطاب فى هذا الباب من رواية قتادة عن سالم بن أبى الجعد عن معدان بن أبى طلحة؛ أن عمر بن الخطاب ... الحديث، وقد استدركه الدارقطنى عليه، وقال: خالف قتادة فى هذا الحديث ثلاثة حفاظ (¬4) رووه عن سالم عن عمر مرسلاً ¬

_ (¬1) أحمد فى المسند 3/ 12. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) عبارة الدارقطنى: ثقات. التتبع 492.

الله لمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ، وَلا خِلافَتَهُ، وَلا الذِى بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ عَجِلَ بِى أَمْرٌ فَالخِلافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلاءِ السِّتَّةِ، الذِينَ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَإِنِّى قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَاماً يَطْعَنُونَ فِى هَذَا الأَمْرِ، أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِى هَذِهِ عَلى الإِسْلامِ، فَإِنْ فَعَلوُا ذَلِكَ فَأُولئِكَ أَعْدَاءُ اللهِ، الكَفَرَةُ الضُّلالُ. ثُمَّ إِنِّى لَا أَدَعُ بَعْدِى شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِى مِنَ الكَلالةِ، مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى شىء مَا رَاجَعْتُهُ فِى الكَلالةِ، وَمَا أَغْلظَ لِى فِى شَىْءٍ مَا أَغْلظَ لِى فِيهِ، حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِى صَدْرِى. فَقَالَ: " يَا عُمَرُ، أَلا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ التِى فِى آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟ "، وَإِنِّى إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ، يَقْضِى بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ. ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ، إِنِّى أُشْهِدُكَ عَلى أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ، وَإِنِّى إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَليْهِمْ لِيَعْدِلوا عَليْهِمْ، وَليُعَلمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ فَيْئَهُمْ، وَيَرْفَعُوا إِلىَّ مَا أَشْكَلَ عَليْهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ. ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، تَأْكُلونَ شَجَرَتَيْنِ لا أَرَاهُمَا إِلا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا البَصَلَ وَالثُّوْمَ. لقَدْ رَأَيْتُ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِى المَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلى البَقِيعِ فَمَنْ أَكَلهُمَا فَليُمِتْهُمَا طَبْخاً. (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يذكروا فيه معداناً وهم منصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وعمرو بن مرة (¬1)، وقتادة وإن كان ثقة فهو مدلس، ولم يذكر [فيه] (¬2) سماعه من سالم، [فالأشبه أنه بلغه عن سالم] (¬3) فرواه عنه. وقوله فيه: " لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وجد ريحهما من الرجل فى المسجد أمر به فأُخْرِجَ إلى البقيع ": دليل على إخراج من وجدت رائحتهما منه من المسجد، وإخراجه إلى البقيع، إبعاد له عن المسجد وزحا به، إذ حكمهما فى أذى المصلين فيها حكم المسجد. وقوله: " فليمتهما طبخاً ": أى ليذهب رائحتهما وكسر قوة كل شىء إماتته، ومثله: قتلت الخمر إذا مزجته بالماء فكسرتها، ويدل أن النهى [من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬4) فى النىِّ؛ لأن الطبخ يذهب ريحها. وقوله: " هذه الشجرة الخبيثة " هو مثل قوله فى الرواية الأخرى: " المنتنة "، والعرب تطلق الخبيث على كل مذموم ومكروه من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شخص. ¬

_ (¬1) بعدها: ورواه عن منصور جرير بن عبد الحميد، ورواه عن حصين جماعة منهم أبو الأحوص، وجرير، وابن فضيل، وابن عيينة، ورواه عن عمرو بن مرة عمران البرجمى. (¬2) من التتبع. (¬3) لفظ الدارقطنى: فاشتبه أن يكون بلغه عنه. (¬4) من ت.

عَرُوبَةَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كِلاهُمَا عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الخطابى: وقد عد قوم أن أكل الثوم من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجماعة لهذه الأحاديث، ولا حجة فى هذا؛ لأن الحديث إنما ورد مورد التوبيخ والعقوبة لأكلها لما حَرَمَتْه من فضل الجماعة، قال: وسماها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شجرة " والعامة إنما تسمى الشجرة ما له ساق تحمل أغصانه دون غيره، وعند العرب أن كل ما بقيت له أرومة فى الأرض تخلف ما قطع منه فهو شجرةٌ وما ليس كذلك فهو نجم، والذى حكاه عن العامة هو قول الهروى وهو المروى عن ابن عباس وابن جبير وقوله: " على زراعة بصل " معناه: الأرض التى تزرع. وقوله: فى ذكر الكلالة ومراجعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فيها] (¬1) وإغلاظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له وطعنه بإصبعه فى صدره، فيه حجة للإلحاح فى سؤال العالم ومباحثته وجواز تأديب المعلم للمتعلم إذا رآه أسرف فى ذلك، وسيأتى ذكر الكلالة فى موضعه من الكتاب. وقوله فيمن بلغه أنه طعن فى الخلافة: " أولئك الكفرة الضلال " على طريق التغليظ بوصفهم بالكفر؛ لفعلهم فعل من كفر فارتد بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الطعن على الخلافة والإباءة منها، وضلالهم عن طريق الحق، وفيه من ذكر الاستخلاف. وقوله: " إن الله لا يضيع دينه ولا خلافته " (¬2): حجة لما وقع عليه إجماع المسلمين من إقامة خليفة لهم، وسيأتى الكلام على هذا فى كتاب الإمارة إن شاء الله (¬3). ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى المطبوعة: إن الله لم يكن ليُضيِّع دينه ولا خلافته. (¬3) وقوله: " ألا تكفيك آية الصيف " يعنى الآية التى نزلت فى الصيف: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَة} [النساء: 176].

(18) باب النهى عن نشد الضالة فى المسجد وما يقوله من سمع الناشد

(18) باب النهى عن نشد الضالة فى المسجد وما يقوله من سمع الناشد 79 - (568) حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرو، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى عَبْدِ اللهِ مَوْلى شَدَّادِ بْنِ الهَادِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالةً فِى المَسْجِدِ، فَليَقُلْ: لا رَدَّهَا اللهُ عَليْكَ، فَإِنَّ المَسَاجِدَ لمْ تُبْنَ لِهَذَا ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الأَسْوَدِ يَقُولُ: حَدَثَّنِى أَبُو عَبْدِ اللهِ مَوْلى شَدَّادٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بِمِثْلِهِ. 80 - (569) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ بُريْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلاً نَشَدَ فِى المَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى ناشد الضالة فى المسجد، وإنكاره عليه ذلك، قال الإمام: يؤخذ منه منع السُّؤال من الطواف فى المسجد، ونشدت الضالة بمعنى طلبتها، وأنشدتها إذا عرَّفتها، قاله يعقوب وغيره، ومنه قول الشاعر: إصاخة الناشد للمنشد والإصاخة بمعنى الاستماع، ومنه قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من دابة إِلا وهى مُصِيخَةً يوم الجمعة " (¬1). قال القاضى: ذهب مالك فى جماعة من أهل العلم إلى كراهة رفع الصوت فى المسجد فى العلم وغيره، وقال: ما للعلم ترفع فيه الأصوات، وأجاز أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن مسلمة من أصحابنا رفع الصوت فيه فى الخصومة والعلم وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس؛ لأنه مجتمعهم ولابد لهم منه. ¬

_ (¬1) جرء حديث أخرجه مالك فى الموطأ، ك الجمعة، ب ما جاء فى الساعة التى فى يوم الجمعة 1/ 108، وأبو داود، ك الصلاة، ب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة (1046)، والنسائى، ك الجمعة، ب ذكر الساعة التى يستجاب فيها الدعاء (1430)، وأحمد فى المسند 2/ 486 عن أبى هريرة.

دَعَا إِلى الجَمَلِ الأَحْمَرِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ المَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لهُ ". 81 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِى سِنَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ ابْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا صَلى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلى الجَمَلِ الأَحْمَرِ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ المَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لهُ ". (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ بَعْدَمَا صَلى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الفَجْرِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ مِنْ بَابِ المَسْجِدَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. قَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ شَيْبَةُ بْنُ نَعَامَةَ، أَبُو نَعَامَةَ. رَوَى عَنْهُ مِسْعَرٌ وَهُشَيْمٌ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُهُمْ، مِنَ الكُوفِيِّينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأدخل رأسه من باب المسجد ": دليل على أن حكم هذا حكم الداخل فى المسجد؛ لأن صوته فيه وُقوعه، ومن ذلك من حلف ألا يدخل داراً فأدخل رأسه فيها لم يحنث، ولو أدخل رجله حنث؛ لأن الاعتماد فى الدخول على الرجل، ولهذا فرق [بعض] (¬1) أصحابنا أن يكون اعتماده عليها أم لا؟ قال الإمام: وقوله فى الحديث: " إنما بنيت المساجد لما بنيت له ": يدل على منع عمل الصنايع فيه، كالخياطة وشبهها، وقد منع بعض أهل العلم تعليم الصبيان فى المساجد، فإن كان (¬2) منعوا ذلك لأجل أخذ الإجارة على ذلك التعليم، فيكون ضرباً من البيع فى المسجد، وتجرى ذلك أيضاً فى غير الصبيان إذا كان بإجارة، وإن كان لمضرة المسجد بالصبيان لم يشركهم فى ذلك إِلا من شاركهم فى هذا العلة. قال القاضى: قال بعض شيوخنا: إنما يمنع فى (¬3) المساجد من عمل الصنايع ما يخص نفعه آحاد الناس مما يَكْتَسِبُ به، فلا يتخذ المسجدُ متجراً، فأما إن كانت لما (¬4) يشمل [منفعة] (¬5) المسلمين فى دينهم، مثل المثاقفة وإصلاح آلات الجهاد مما لا مهنة فى عمله للمسجد، فلا بأس به. وحكى بعضهم اختلافاً فى تعليم الصبيان فيها. وقوله: للناشد: " لا وجدت "، وأمره بقول مثل ذلك، عقوبة له على مخالفته وعصيانه وفعله ما نهى عنه من ذلك. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) فى ت: كانوا. (¬3) فى ت: من. (¬4) فى ت: مما. (¬5) ساقطة من الأصل.

(19) باب السهو فى الصلاة والسجود له

(19) باب السهو فى الصلاة والسجود له 82 - (389) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: أحاديث السهو كثيرة، والثابت منها عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة أحاديث؛ حديث أبى هريرة وحديث أبى سعيد الخدرى، وهما جميعاً فيمن شك كم صلى؟ وذكر فى حديث أبى هريرة: أنه سجد سجدتين، ولم يذكر موضعهما، وفى حديث أبى سعيد: أنه سجد قبل السلام، وقد طعن فى سند حديث أبى سعيد أن مالكاً أرسله، وأسند غيره من المحدثين وهذا غير قادح فيه؛ لأنه قد عُلم من عادة مالك وتحصيله أنه يرسل الأحاديث المسندة ثقة بأنه قد علم من عادته، وأن ذلك لا يوقع فى النفوس منه استرابة. ومن الخمسة أيضاً حديث ابن مسعود، وفيه القيام إلى خامسة والسجود بعد السلام، وحديث ذى اليدين، وفيه السلام من اثنتين والسجود [بعد السلام، وحديث ابن بحينة، وفيه القيام من اثنتين والسجود] (¬1) قبل السلام. وقد اختلف الناس فى طريق الأخذ بهذه الأحاديث، فأما داود فلم يقس عليها، وقال: إنما يستعمل ذلك فيما ورد فيه من الصلوات على حسب الترتيب فى مواضع السجود المذكورة، وقال ابن حنبل كقول داود فى هذه الصلوات خاصة، وخالفه فى غيرها، وقال: ما وقع فيها من سهو، فإن السجود كله قبل السلام، واختلف من قاس [عليها] (¬2) من الفقهاء سواهما عليها (¬3)، فبعضهم قال: إنما تفيد هذه الأحاديث التخيير، وللمكلف أن يفعل أىَّ ذلك شاء من السجود، قبل أو بعد، فى نقص أو زيادة. وقال أبو حنيفة: الأصل فيه السجود بعد السلام، ورد بقية الأحاديث إليه. [وقال الشافعى: الأصل فيه السجود قبل، ولا بقية الأحاديث إليه] (¬4)، ورأى مالك أن ما فيه النقص يكون السجود فيه قبل السلام، وأن ما فيه الزيادة يكون فيه السجود بعد. فإن تلك الزيادة إشارة إلى أن العلة هى الزيادة، فاما الشافعى فطريقه فى البناء أن يقول: ذكر فى حديث أبى سعيد الخدرى أنه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن كانت خامسة شفعها "، ونص فيه على السجود قبل، مع تقدير الزيادة وجوازها، والمقدر حكمه كالموجود، ويتأول بحديث ابن مسعود الذى فيه السجود بعد السلام، على أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أُعلم بسهوه بعد أن سلم، ولو اتفق أن يعلم ذلك قبل أن يسلم ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) فى الأصل فيها، والمثبت من ت. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

أَبِى سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلى جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلبَسَ عَليْهِ، حَتَّى لا يَدْرِى كَمْ صَلى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ، فَليَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ". (...) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ الليْثِ بْنِ سَعْدٍ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 83 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَن أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا نُودِىَ بِالأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، لهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لا يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِىَ الأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِىَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ يَخْطُرُ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِى كَمْ صَلَّى، فَإِذَا لمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلى فَلَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لسجد حينئذ. وأما حديث ذى اليدين فلأصحاب الشافعى فيه تأويلان: أحدهما: أن قول الراوى: " سجد بعد السلام " يعنى به السلام الذى فى التشهد، وهو قوله: " السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته "، والثانى: أنها كانت صلاة جرى الأمر فيها على السهو، فلعله سهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسجد قبل السلام، فوقع منه السجود بعد أن سلم. قال القاضى: أما حديث أبى هريرة: " إن أحدكم إذا قام يصلى جاءه الشيطان فلبَّس عليه حتى لا يدرى كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس "، ولم يذكر فيها ما يفعل فى شكه سوى هذا، فذهب بعضهم أن هذا فى المستنكح، وروى هذا عن مالك والليث، قالوا: ولأن هذا من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعليم، ولو كان فى غير المستنكح لبين ما يلزمه؛ إذ هو موضع بيان، وهذا ينعكس عليه إذ لم يبين أنه فى المستنكح، مع أن هذا لا يسلم له، وليس هذا حكم المستنكح فى كل نازلة فى الصلاة، وإذا لم يدر هل صلى واحدة أو أكثر أنه يسجد ويجزيه، وإنما يجزيه سجود السهو بمجرده إذا كان أولاً فى يقينه أنه أكمل صلاته، ثم طرأ له الشك بعد، فهذا المستنكح هو الذى يسجد سجود السهو، ويجزيه، ولمالك قول آخر: أنه لا سجود عليه، وأما من لم يدركهم صلى ولا

84 - (...) حَدَّثَنِى حَرْمَلةَ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلهُ ضُرَاطٌ ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَزَادَ: " فَهَنَّاهُ وَمَنَّاهُ. وَذَكَّرَهُ مِنْ حَاجَاتِهِ مَا لمْ يَكُنْ يَذْكُرُ ". 85 - (570) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنَةَ؛ قَالَ: صَلى لنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلمْ يَجْلِسْ. فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلمَّا قَضَى صَلاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ. 86 - (...) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا الليْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِىِّ، حَلِيفِ بَنِى عَبْدِ المُطَّلبِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِى صَلاةِ الظُّهْرَ وَعَليْهِ جُلوسٌ، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِى كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِىَ مِنَ الجُلوسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدَّم له بيقين فى إكمال صلاته، فليبن على ما تيقن، ويكمل صلاته كما يفعل غير المستنكح، وأيضاً فإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذا لكل من نابه فى صلاته لأول مرة بقوله: " فإذا وجد ذلك أحدكم "، فدل أنه بعد غَير مستنكح، وقد ذهب الحسن فى طائفة من السلف إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، وقالوا: ليس على من لم يَدْرِ كَمْ صلى، ولا يدرى زاد أو نقص غير سجدتين وهو جالس كما جاء فى الحديث، وذكر عن الشعبى والأوزاعى وجماعة كثيرة من السلف: أن من لم يدر كم صلى أعاد أبدًا حتى يتيقن، وقال بعضهم: يعيد ثلاثاً، فإذا شك فى الرابعة لم يعد، والأولى أن يرد حديث أبى هريرة إلى حديث أبى سعيد المفسر ما يفعل بقوله: " إذا شك فليطرح الشك وليَبْنِ على اليقين، ثم يسجد "، ويجعل حديث أبى سعيد مفسرًا له، وأنه حفظ ما لم يحفظ غيره أو فسر ما اختصره وأجمله سواه، وإلى هذا ذهب الأكثر. وفيه حجة أن الشك غير مؤثر فى اليقين، وأن البناء على اليقين، ولا تأثير للشك فيه، خلاف ما ذهب إليه بعض المتأخرين، وعلى ما قلناه تأتى أصول الشرع فيمن شك فى الحديث، وقد مرَّ هذا، وما روى من اختلاف الناس والمذهب فيه وعليه إجماع المسلمين فى التوريث فى اليقين وقطعه بالشك.

87 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ بنِ بُحَيْنَةَ الأَزْدِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِى الشَّفْعِ الذِى يُرِيدُ أَنْ يَجْلِسَ فِى صَلاتِهِ، فَمَضَى فِىَ صَلاتِهِ، فَلمَّا كَانَ فِى آخِرِ الصَّلاةِ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. 88 - (571) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلفٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سُليْمَان بْنُ بِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فى صَلاتِهِ فَلمْ يَدْرِ كَمْ صَلَى؟ ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَليَطْرَحِ الشَّكَّ وَليَبْنِ عَلى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلى خَمْسًا، شَفَعْنَ لهُ صَلاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ، كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ". (...) حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عَمِّى عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنِى دَاوُدُ ابْنُ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى مَعْنَاهُ قَالَ: " يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلامِ "، كَمَا قَالَ سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث أبى سعيد: " يسجد سجدتين من قبل أن يسلم " مما يحتج به الشافعى فى أن السجود فى الزيادة قبل، وذلك أن الزيادة فى حديث أبى سعيد مقدرة، وحكم المقدر حكم المحقق فى هذا، وقد أعتل أصحابنا لهذا الحديث فاحتجوا فيه للمذهب بما أشار إليه الإمام من إرسال مالك له، واختلاف أقرانه فى متابعته فى الإرسال وفى إسناده، واختلاف أصحابه عنه فى إرساله وإسناده، وجعلوا هذا اضطراباً فى هذا الحديث، فوجب ترجيح غيره عليه لذلك، ولأنهم أحفظ وأثبت من عطاء، ولكثرة الرواة هنالك وانفراد عطاء بهذا اللفظ، وذهب ابن لبابة الأصغر - من أصحابنا - إلى الأخذ بهذا الحديث فى موضعه، وخالف أصل مذهبه هنا، وقال: إذا كان فى الشك، وحيث تكون الزيادة مقدرة فالسجود قبل لهذا الحديث، فإذا انتفت الزيادة فالسجود بعد. وقال الداودى: اختلف قول مالك فى الذى لا يدرى ثلاثاً صلى أم أربعاً، فقال: يسجد قبل السلام، وقال: بعد السلام. قال: ويحمل قوله قبل أن يكون شكه فى إحدى الأوليين فيكون معه زيادة ونقص قراءة السورة، وقوله بعد إذا كان شكه فى الأخيرتين (¬1) لأنها زيادة محضة. قال القاضى: [وقد] (¬2) يتصور فى شكه فى الأوليين نقص الجلسة الوسطى. ¬

_ (¬1) فى ت: الأخرتين. (¬2) ساقطة من الأصل واستدركت بالهامش بسهم.

89 - (572) وحَدثنِى عُثْمَانُ وَأَبُو بَكْرِ ابْنَا أَبِى شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ؛ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِبْرَاهِيمُ: زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلمَّا سَلمَ قِيلَ لهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحَدَثَ فِى الصَّلاةِ شَىْءٌ؟ قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ " قَالوُا: صَليْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَثَنَى رَجْليْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلةَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَليْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: " إِنَّهُ لوْ حَدَثَ فِى الصَّلاةِ شَىْءٌ أَنْبَأتُكُمْ بِهِ، وَلكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِى، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِى صَلاتِهِ فَليَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَليُتِمَّ عَليْهِ، ثُمَّ ليَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ ". 90 - (...) حَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، كِلاهُمَا عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ: " فَليَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ لِلصَّوَابِ ". وَفِى رِوَايةِ وَكِيعٍ: " فَليَتَحَرَّ الصَّوَابَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: فى حديث ابن مسعود: " فليتحرَّ الصواب، فليتم عليه ثم يسجد سجدتين ": فهذا التحرى عندنا وعند كافة العلماء هو البناء على اليقين المفسر فى الأحاديث الأخر، وقصد اليقين، قال الله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} (¬1)، وذهب أهل الرأى من أهل الكوفة وغيرهم: أن التحرى هنا البناء على غلبة الظن ثم اختلفوا، فقال أبو حنيفة منهم: ذلك لمن اعتراه مَرَّةً بعد مرة، فأما لأَوَّل ما ينوبه فليبن على اليقين. وقوله: فى حديث ابن مسعود: " إذا زاد أحدكم (¬2) أو نقص فليسجد سجدتين ": مما يحتج به الحنفيَّة فى كون السجود أبداً بعد، وليس فيه بيان، لكن ظاهره فى الزيادة؛ لأن النقص إذا شك فيه فلابد من جبره والبناء على اليقين، فوقع الشك فى الزيادة محضاً، وحديث ابن بُحَيْنَة يُفَسِّرُ حكم النقص، وقد يحتج - أيضًا - بحديث ابن مسعود الطبرى، ومن قال بقوله فى التخيير، واستعمال جميع الأحاديث على هذا من السجود كيف شاء فى الزيادة والنقص قبل أو بعد. وفى المجموعة عن مالك نحوه ولا خلاف بين هذه الطوائف كلها المختلفة فى سجود السهو وأنه إن سَجَد بعد لما يراه قبل، أو سجد قبلُ لما يراه بعد، أن ذلك يجزيه ولا يفسد صلاته. ¬

_ (¬1) الجن: 14. (¬2) الذى فى المطبوعة: إذا زاد الرجل.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ مَنْصُورٌ: " فَليَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ لِلصَّوَابِ ". (...) حَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " فَليَتَحَرَّ الصَّوَابَ ". (...) حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " فَليَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلى الصَّوَابِ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " فَليَتَحَرَّ الذِى يُرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِإِسْنَادِ هَؤُلاءِ. وَقَالَ: " فَليَتَحَرَّ الصَّوَابَ ". 91 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى الظُّهرَ خَمْسًا، فَلمَّا سَلمَ قِيلَ لهُ: أَزيدَ فِى الصَّلاةِ؟ قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا صَليْتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما فى قيامه - عليه السلام - فى حديث ابن مسعود للخامسة وسجوده بعد السلام إذْ أُعْلم بذلك، فقد أخذ به عامة العلماء، وأن من زاد فى صلاته ركعةً أو بعضها ثم علم فليرجع مكانه ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتى السهو بعد السلام، وتقدم الخلاف فى هذا الموضع. وقال أهل الكوفة: إذا زاد ركعةً ساهياً أعاد صلاته (¬1)، وقال أبو حنيفة: إن كان تشهد فى الرابعة ثم زاد خامسة أضاف إليها سادسة وكانت نفلاً، وإن لم يكن تشهد بطلت. وهذا [الحديث] (¬2) يبطل مذهبه رأساً؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعد ولم [يأت] (¬3) بسادسة، وسجوده - عليه السلام - بعد، ولا خلاف عندنا فيمن زاد فى صلاته أقل من نصفها أنه يجبره سجود السهو، واختلف فى زيادة النصف فأكثر على ثلاثة أقوال، فقيل: النصف كثير، تعاد منه الصلاة من الصبح وغيرها، وهو قول مُطرِّف وابن القاسم، ¬

_ (¬1) فى ت: الصلاة. (¬2) و (¬3) سقطتا من الأصل، واستدركتا بالهامش بسهم.

92 - (...) وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ؛ أَنَّهُ صَلى بِهِمْ خَمْسًا. (...) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ؛ قَالَ: صَلى بِنَا عَلْقَمَةُ الظُّهْرَ خَمْسًا، فَلمَّا سَلمَ قَالَ القَوْمُ: يَا أَبَا شِبْلٍ، قَدْ صَليْتَ خَمْسًا. قَالَ: كَلا. مَا فَعْلتُ. قَالوا: بَلى. قَالَ: وَكُنْتُ فِى نَاحِيَةِ القَوْمِ، وَأَنَا غُلامٌ. فَقُلْتُ: بَلى، قَدْ صَليْتَ خَمْسًا. قَالَ لِى: وَأَنْتَ أَيْضًا، يَا أَعْوَرُ، تَقُولُ ذَاكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلمَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا، فَلمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ القَوْمُ بَيْنَهُمْ. فَقَالَ: " مَا شَأْنُكُمْ؟ " قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ زِيدَ فِى الصَّلاةِ؟ قَالَ: " لا " قَالوا: فَإِنَّكَ قَدْ صَليْتَ خَمْسًا. فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلمَ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ". وَزَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِى حَدِيثِهِ: " فَإِذَا نَسِىَ أَحَدُكُمْ فَليَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إنما تفسد بزيادة ركعتين وليست ركعة بطولٍ فى الصبح ولا غيرها، وهو قول عبد الملك وغيره، وروى عبد الملك ومطرف عن مالك - فى الجحدريَّة - أنَّ من صلى الظهر ثمانىَ رَكعات يجزيه سجود السهو، حكاه أبو بكر البغَّالى هنا. وفى رجوع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تذكير من ذكره فى هذا الحديث، وفى حديث ذى اليدين حجة لرجوع الإمام إلى قول من خلفه. ولا خلاف عندنا أنه يرجع إليهم فى شكه ويتم ما نقص من صلاته؛ لأن قولهم نَبَّههُ على سهوه، فشك فى ذلك بعد يقينه، وهو لو تنبه من عند نفسه للزمه البناء على اليقين فكيف بتنبيههم؟ واختلف فى عمله إذا ثبت على يقينه أنه أكمل صلاته وسبَّحوا له أو نبهوه، هل يرجع إليهم أم لا؟ فذكر ابن القصَّار عن مالك فى ذلك قولين، وذهب ابن مسلمة إلى الرجوع إلى قولهم: إن كثروا، ولا يرجع إن قلوا، وينصرف ويتموا هم لأنفسهم. وقوله: " لو حدث فى الصلاة شىء أنبأتكم [به] (¬1) "، إنكار منه لقول: " أزيد فى الصلاة " (¬2). وفيه حجة أن تأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة. وقوله فى هذا الحديث فى سجدتى السهو: " كانتا ترغيمًا (¬3) للشيطان ": أى إغاظة ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. وعبارة المطبوعة: إنَّه لو حدَث فى الصلاة شىء. (¬2) وكذا: " أحدَث فى الصلاة شىء ". (¬3) فى ت: ترغيم.

93 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ عَوْنُ بْنُ سَلامٍ الكُوفِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلىُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَزِيدَ فِى الصَّلاةِ؟ قَالَ " وَمَا ذَاكَ؟ " قَالوا: صَليْتَ خَمْسًا. قَالَ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلكُمْ، أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ". ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتِى السَّهْوِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ له وإذلال، مأخوذ من الرغام وهو التراب، ومنه أرغم الله أنفه، والمعنى يشكرُ الله تعالى بها على جبر صلاته، وتلافى ما لبَّس عليه الشيطان فيها بكيده، ووسوسته والمبادرة إليها لرغم أنفه ورده خاسئاً عن مراده، وامتثال ما عصى هو اللهَ به من تركها حين أُمِر بها، فأبى ولقوله - عليه السلام -: " إذا سجد ابن آدم اعتزل الشيطان يبكى " (¬1) [الحديث] (¬2)، وهذه كلها نهاية الإغاظة والإذلال له، والحمد لله رب العالمين، وقد تقدم تفسير ثَوَّب وَيَخْطُر، ويظل إنْ (¬3) يدْرى، والكلام على بقية الحديث. وقوله: فى حديث ابن بحينة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد لترك الجلسة الوسطى، حجةٌ لنا أن الجلسة الوسطى، ليست بفرض ولا ركنٍ من أركان الصلاة؛ إذ لا تجبر الأركان بسجود السهو، وقد تقدم الكلام فى الجلوس، وليس فى الحديث نصٌّ يدل متى تنبه - عليه السلام - لسهوه، أقَبْل الركوع أم بعده؟ لكن قوله: قام من اثنتين فلم يجلس، دلَّ بمجىء فاء التعقيب بعد ذكره القيام أنه لم يرجع إلى الجلوس بعد التنبيه له، وقد جاء فى حديث المغيرة بن شعبة أنهم سبحوا به - عليه السلام - ولم ينصرف وتمادى فى الصلاة (¬4)، ومثله فى حديث سعد بن أبى وقاص (¬5) وفيها: " أنه اعتدل قائماً "، وقد اختلف العلماء فى ¬

_ (¬1) سبق فى ك الإيمان، ب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، وأخرجه أحمد فى المسند 2/ 443، وابن ماجه فى ك إقامة الصلاة، ب سجود القرآن (1052) جميعاً من حديث أبى هريرة. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) إن فى الحديث نافية بمعنى (ما). (¬4) حديث المغيرة بن شعبة أخرجه الترمذى من طريقين: أحدهما صحيح، ولفظه: عن زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرةُ بن شعبة، فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس، فسبَّح به من خلفَه، فأشار إليهم أن قومُوا، فلما فرَغ من صلاته سلم وسجدَ سجدتى السهو وسلم، وقال: هكذا صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال الترمذى: هذا حديث حسنٌ صحيح. ومع هذا فإن الإمام ابن عبد البر رماه بالضعف فقال: وعارضوا حديث ابن بحينة بحديث المغيرة بن شعبة، وزعموا أنَّه أولى؛ لأن فيه زيادة التسليم والسجود بعده، وهذا ليس بشىء؛ لأن حديث ابن بحينة ثابتٌ بنقل الأئمة، وحديث المغيرة ضعيف الإسناد ليس مثله بحجة. الاستذكار 4/ 357. (¬5) أشار إليه الترمذى فى تخريجه لحديث المغيرة بإسناده الضعيف الذى فيه ابن أبى ليلى عن الشعبى. ثم قال: وفى الباب عن عقبة بن عامر، وسعد، وعبد الله بن بحينة، وقد تكلم بعض أهل العلم فى ابن أبى ليلى من قبل حفظه، فقال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبى ليلى، وقال محمد بن إسماعيل: ابن أبى ليلى هو صدوق. ولا أروى عنه؛ لأنه لا يدرى صحيح حديثه من سقيمه. 2/ 199. قلت: وهذا هو الطريق الذى عناه ابن عبد البر آنفاً.

94 - (...) وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: صَلى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَادَ أَوْ نَقَصَ - قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَالوَهْمُ مِنِّى - فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَزِيدَ فِى الصَّلاةِ شَىْءٌ؟ فَقَالَ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِىَ أَحَدُكُمْ فَليَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ ". ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. 95 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح قَالَ: وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَىِ السَّهْوِ، بَعْدَ السَّلامِ وَالكَلامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، فذهبت طائفة إلى أنه متى استقل عن الأرض وفارقها لم يرجع إلى الجلوس، وهو قول مالك فى آخرين، ثم اختلف هؤلاء فى حد مفارقة (¬1) الأرض، فقيل: مفارقة أليتيه الأرض، وقيل: تجافى ركبتيه عنها، وهذا عندى على الاختلاف فى هيئة القيام ومن قال: يُقعى قال بمفارقة الأليتين ومن [قال] (¬2) تعتمد قال بمفارقة الركبتين، وعلى هذا يأتى مذهب مالك وإن كان المحكى عن مذهبه مفارقة الأليتين، وهذا لا يأتى على اختياره فى القيام، وقيل: يرجع ما لم يعتدل قائمه، وهو قول جماعة من أئمة العلماء وابن حبيب من أصحابنا، وقيل: يرجع ما لم يقرأ، وهو قول النخعى، وقيل: ما لم يركع وهو قول الحسن، والرد على هؤلاء ما جاء فى الحديث من مضى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صلاته بعد التسبيح به، وما جاء فى حديث المغيرة أيضاً عنه - عليه السلام -: " إذا قام الإمام فى الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوى قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتى السهو " (¬3) ذكره أبو داود، إِلا أن راويه جابر الجعفى (¬4)، لكن مطابقته لمعنى الحديث المتقدم فى مسلم والآثار الآخر تشدُّه (¬5)، ولم يختلف المذهب عندنا أنه لا يرجع ¬

_ (¬1) فى ت: مفارقته. (¬2) من هامش ت. (¬3) ك الصلاة، ب من نسى أن يتشهد وهو جالس (1036). (¬4) هو جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث بن كعب بن الحارث بن معاوية بن وائل بن مَرَئى بن جُعْفَى الجُعْفِىُّ. قال فيه يحيى بن معين: لا يكتبُ حديثه ولا كرامة، وقال أبو يحيى الحِمَّانى عن أبى حنيفة: ما لقيتُ فيمن لقيتُ أكذبُ من جابر الجُعفى، ما أتيته بشىء من رأيى إِلا جاءنى فيه بأثر. وقال أبو حاتم الرازى عن أحمد بن حنبل: تركه يحيى وعبد الرحمن. وقال النسائى: متروك الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث. لم يرو له أبو داود سوى هذا الحديث. انظر: تهذيب الكمال 4/ 465 - 471. (¬5) هذا على مذهب ابن عدىٍّ فيه، فقد قال فيه: إنه أقرب إلى الضَّعف منه إلى الصدق.

96 - (...) وَحَدَّثَنِى القَاسِمُ بْنُ زَكَرِياءَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلىٍّ الجُعْفِىُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُليْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: صَليْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد استوائه، واختلف إذا فعل ورجع جالساً، هل تفسد صلاته أو تصح [وإذا صحت متى يسجد] (¬1)، أقبْلُ لنقصه المتقدم، أم بعدُ للزيادة. وقوله فيه: " فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبَّر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ": نص وحجة بيِّنةٌ على أبى حنيفة فى سجود السهو للنقص قبل السلام، وأن المراد هنا السلام من الصلاة، لا من سجدتى السهو على ما تعسف فيه بعضهم. وفيه سنة التكبير لسجود السهو، ولم يختلف فى ذلك، وقد اختلف العلماء هل لهما إحرام وسلام وتشهد أم لا شىء لهما من ذلك؟ أم السلام وحده؟ أم التشهد وحده؟ فمذهب مالك أنه إذا كانتا بعد السلام فيتشهد لهما ثم يسلم، ثم اختُلف عنه هل يجهر بسلامهما الإمام كسائر الصلوات أم يُسِرَّ ولا يجهر؟ واختلف عنه هل يتشهد لهما إذا كانتا قبل؟ واختلف عنه هل لهما تكبيرة إحرام أم لا؟ وقد ذكر مسلم فى حديث ابن بحينة وذى اليدين التكبير لهما، وفى حديث ذى اليدين التسليم منهما ولم يَذكر ذلك فى غيره مما ذكر فيه سجودهما بعد السلام، ولم يأت التشهد لهما مفسراً فى حديث صحيح، لكنه يحتمل أنه تشهد إذ لم يأت - أيضاً - أنه لم يتشهد، والطهارة لهما مشترطة إذا كانتا قبل السلام؛ لأنهما داخل الصلاة إجماعاً، وكذلك فى ابتدائهما بعد السلام، ثم هل تشترط فى التشهد بعدهما [و] (¬2) السلام فيهما، فقيل: مذهب مالك أن ذلك شرط فى الجميع، وأنه إن أحدث بعد سجودهما أعادهما بعد الوضوء، واختلف على تأويل قول ابن القاسم فى المدونة، فإن لم يعدهما أجزأتا عنه، قيل: إنه لا يشترط فى السلام منهما الطهارة، وإن استحب؛ للخلاف فى السلام من الفريضة هل هو من الصلاة أم لا؟ وقيل: معناه: أجزأت عنه صلاته ولم تفسد صلاته بسبب الحديث بعد سجودهما، لكن لا بد له من إعادة الطهارة لها وسجودهما، ومعظم العلماء على أن السجود فى سهو صلاة التطوع كالسجود فى صلاة الفرض، إِلا ابن سيرين وقتادة، فإنهما قالا: لا سجود لسهو التطوع. وقوله - عليه السلام - فى حديث ابن مسعود: " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون " وقوله بعد حديث ذى اليدين: " أم نسيت ": حجة لجواز النسيان على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما طريقه البلاغ من الأفعال وأحكام الشرع، وهو مذهب عامة العلماء والأئمة والنظار وظاهر القرآن والأحاديث، لكن شرط الأئمة - رضوان الله عليهم - أنه ينبهه الله تعالى ولا يقره عليه، ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) ساقطة فى ت.

زَادَ أَوْ نَقَصَ - قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَايْمُ اللهِ! مَا جَاءَ ذَاكَ إِلا مِنْ قِبَلِى - قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحَدَثَ فِى الصَّلاةِ شَىْءٌ؟ فَقَالَ: " لا " قَالَ: فَقُلْنَا لهُ الذِى صَنَعَ. فَقَالَ: " إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَليَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ ". قَالَ: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختلفوا هل من شرط التنبيه الاتصال بالحادثة وبالفور ولا يجوز فيها التأخير؟ وهذا مذهب الأكثرين، وإليه نحى القاضى أبو بكر، أو يجوز فيها التراخى ما لم يتخرم عمره وينقطع تبليغه؟ وإليه نحى أبو المعالى ومنعت (¬1) طائفة من العلماء والنظار السهو عليه فى الأفعال البلاغية والعبادات الشرعية كما منعوه اتفاقاً فى الأقوال البلاغية، واعتذروا عن الظواهر الواردة فى ذلك باعتذارات، وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق، وشذت الباطنية وطائفة من أرباب علم (¬2) القلوب، فقالوا: النسيان لا يجوز عليه جملة، وإنما ينسى قصداً ويتعمد صورة النسيان ليَسُنَّ ونحى إلى قولهم عظيم من أئمة التحقيق وهو أبو المظفر الإسفرايينى فى كتاب (¬3) الأوسط، وهذا منحى، غير سديد، وجمع الضد مع ضده مستحيل بعيد، والقول الأول هو الصحيح؛ فإن السهو فى الأفعال غير مناقضٍ للنبوة، ولا موجبٍ للتشكيك فى الرسالة، ولا قادح فى الشريعة، بل هو سبب لتقرير شرع وإفادة حكم كما قال - عليه السلام -: " إنى لأنسى أو أُنَسَّى "، وكذلك (¬4) اختلفوا فيما ليس طريقه البلاغ، ولأن (¬5) بيان الأحكام من أفعاله الشرعية، وما يختص به من عاداته وأذكار قلبه، والأكثر على تجويز الغفلة هنا والسهو إذ لم يؤمر بتبليغها. وأما طروء ذلك عليه فى الأقوال فممتنع بإجماع فيما طريقه البلاغ كما امتنع فى ذلك التعمد إجماعاً، وأما طروؤه عليه فى الأقوال الدنيوية، وفيما ليس سبيله البلاغ من الأخبار التى لا مستند للأحكام إليها ولا أخبار المعاد، ولا تُضاف إلى وحى، فقد جوز قوم السهو والغفلة فى هذا الباب، إذ ليس من باب التبليغ الذى يُتطرق به إلى القدح فى الشريعة، والحق الذى لا مرية فيه ترجيح قول من لم يجوز ذلك على الأنبياء فى خبر من الأخبار، كما لم يجوزوا عليهم فيها العمد، وأنه لا يجوز عليهم خلف (¬6) فى خبر من الأخبار لا عن قصد ولا سهو، ولا فى صحة ولا مرضٍ، ولا رضى ولا غضب، وحسبك أن سيره وآثاره وكلامه وأفعاله مجموعة معتنى بها على مر الزمان يتداول نقلها الموافق والمخالف، ويرويها الموقن والمرتاب، فلم يأت فى شىء منها استدراك غلط فى قول ولا اعتراف بوهم فى كلمة، ولو كان لنُقِل كما نقل سهوه فى الصلاة ونومه عنها، واستدراكه رأيه فى تلقيح النخل، ¬

_ (¬1) فى ت: ومنعه. (¬2) فى ت: علوم. (¬3) فى ت: كتابه. (¬4) فى الأصل: ولذلك، والمثبت من ت. (¬5) فى ت: ولا. (¬6) فى ت: الخلف.

97 - (573) حَدَّثَنِى عَمْروٌ النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ عَمْروٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاتَىِ العَشِىِّ - إِمَّا الظُّهْرَ وَإِمَّا العَصْرَ - فَسَلمَ فِى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِى قِبْلةِ المَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إِليْهَا مُغْضَبًا - وَفِى القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - فَهَابَا أَنْ يَتَكَلمَا، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، قُصِرَتِ الصَّلاةُ، فَقَامَ ذُو اليَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقُصِرَتِ الصَّلاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَنَظَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا وَشِمَالاً. فَقَالَ: " مَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ؟ ". قَالوا: صَدَقَ، لمْ تُصَلِّ إِلا رَكْعَتَيْنِ. فَصَلى رَكْعَتَيْنِ وَسلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ، ثَمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ. قَالَ: وَأُخْبِرْتُ عِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى نزوله بأدنى مياه بدر، وفى مصالحة عيينة بن بدر، ولقوله: " والله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيراً منها، إِلا فعلت الذى حلفت عليه وكفرت " (¬1) وغير ذلك، وأما جواز السهو عليه فى الاعتقادات فى أمور الدنيا فغير نكير. وأما [ما] (¬2) يتعلق من ذلك بالعلم بالله وصفاته والإيمان به فلا يصح فيه طروء سهو، ولا غلطٌ ولا ما يضادُّه عليه؛ لأن ضد ذلك كله كفر، وهو محال فى حقه - عليه السلام - بل منعت طائفة [من] (¬3) أهل علم الباطن من ذلك الغفلات والفترات وإحالتها بكل حال. وأما حديث ذى اليدين، فقد ذكر مسلم فى حديث عمران بن حصين أن اسمه الخِرْباق، وكان فى يديه طول، وفى الرواية الأخرى بسيط اليدين، وفى حديث أبى هريرة رجل من بنى سليم، ووقع للعذرى سُلم وهو خطأ، وقد جاء فى حديث عبيد بن عمير مفسراً، فقال فيه: ذو اليدين أخو بنى سليم، وفى رواية ابن شهاب: ذو الشمالين رجل من بنى زهرة، وبسبب هذه الكلمة ذهب الحنفيون إلى أن حديث ذى اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود، قالوا: لأن ذا الشمالين قُتل يوم بدر فيما ذكره أهل السير، وهو من بنى سُليم، فهو ذو اليدين المذكور فى الحديث. وهذا لا يصح لهم، وإن كان قتل ذو الشمالين يوم بدر فليس هو بالخرباق، هو رجل آخر حليف لبنى زهرة اسمه عُمِير بن ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى ك الأيمان، ب ندب من حلف يميناً فرأى غيرَها خيراً منها ... إلخ برقم (7)، وقد أخرجه البخارى كذلك فى ك الأيمان، ب قول الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وأحمد فى المسند 4/ 398. (¬2) و (¬3) ساقطة من الأصل والمثبت من ت.

98 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاتَىِ العَشِىِّ. بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد عمرو من خزاعة؛ بدليل رواية أبى هريرة حديث ذى اليدين ومشاهدته خبره. ولقوله: " صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وذكر الحديث، وإسلام أبى هريرة بخيبر بعد يوم بدر بسنين فهو غير ذى الشمالين المستشهد يوم بدر، وقد عدوا قول ابن شهاب فيه هذا من وهمه، وقد عدها بعضهم حديثين فى نازلتين وهو الصحيح ولاختلاف صفتهما؛ لأن فى حديث [الخرباق] (¬1) ذى الشمالين أنه سلم من ثلاث، وفى حديث ذى اليدين من اثنتين، وفى حديث الخرباق أنها العصر، وحديث ذى اليدين الظهر بغير شك عند بعضهم، وقد ذكر مسلم ذلك كله. قال الإمام - رحمه الله -: اختلف أصحاب مالك فيمن وقع منه هذا الفعل المذكور فى قصة ذى اليدين، فعند بعضهم لا يؤخذ به؛ لأن النسخ حينئذ كان مجوزاً فعذر بذلك المتكلم، ولما استقر الأمر الآن لم يعذر، والرد على هذا القائل بأنهم تكلموا بعد أن أعلمهم أن لا نسخ، وانفصل عن هذا بأنه - عليه السلام - سألهم فلابد من مجاوبته للزوم طاعته، فكان ذلك جائزاً فى الكلام الذى لا يلزم فى الشرع. وقد يُجاب (¬2) عن هذا - أيضاً - أن يقال هكذا: إن تجاوبه إشارة إذ لم يكن استدعى منهم النطق: وفى كتاب أبى داود يشير إلى هذا (¬3)؛ لأنه ذكر أن أبا بكر وعمر أشارا أن يقوم، ولعل من روى أنهما قالا: نعم، أى أشارا، فسمى الإشارة قولاً، واختلف أصحابنا - أيضاً - القائلون بأن هذا الحديث يعمل به إذا سلم من اثنين، هل يعمل به إذا سلم من ثلاث؟ والأظهر أن لا فرق، وفى بعض طرق أحاديث ذى اليدين أن ذلك كان فى الثالثة (¬4). قال القاضى: المشهور عن مالك وأصحابه الأخذ بحديث ذى اليدين، وروى عنه ترك الأخذ به وأنه كان يستحب أن يعيد ولا يبنى، قال: وأنما تكلم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتكلم أصحابه؛ لأنهم ظنوا أن الصلاة قصرت، ولا يجوز ذلك لأحدنا اليوم، ورواه عنه [أبو] (¬5) قرة وقاله ابن نافع وابن وهب وابن كنانة وقال الحارث بن مسلمة من أصحاب مالك، كلهم على خلاف ما قال ابن القاسم، قالوا: كان هذا أول الإسلام، وأما الآن فمن تكلم فيها أعادها، وقد اختلف قول مالك، وأصحابه فى التعمد فى الكلام (¬6) لإصلاح الصلاة ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) فى الأصل: يجاوب. (¬3) أبو داود، ك الصلاة، ب السهو فى السجدتين عن أبى هريرة (231). (¬4) وهو حديث عمران بن حصين هنا. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬6) فى ت: بالكلام.

99 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَيْنِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ مَوْلى ابْنِ أَبِى أَحْمَدَ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلى لنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ العَصْرِ، فَسَلمَ فِى رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو اليَدَيْنِ فَقَالَ: أَقُصِرَتِ الصَّلاةُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ ذَلِكَ لمْ يَكُنْ ". فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى النَّاسِ فَقَالَ: " أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ " فَقَالوا: نَعَمْ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِىَ مِنَ الصَّلاةِ. ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ - وَهُوَ جَالِسٌ - بَعْدَ التَّسْلِيَمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من المأموم والإمام، ومنع ذلك بالجملة أبو حنيفة والشافعى وأحمد وأهل الظاهر، وجعلوه مفسداً للصلاة إِلا أن أحمد أباح ذلك للإمام وحده (¬1) وسوى أبو حنيفة بين العمد والسهو، وحجة من أجاز حديث ذى اليدين، وحجة من منع فى العمد ما تقدم من أن ذلك كان أول الإسلام، وأما وأن النبى - عليه السلام - إنما تكلم على تيقن (¬2) عنده من تمام الصلاة، وأن ذا اليدين ظنَّ قصرها وتمامها، وأن غيره إنما أجابوه لوجوب إجابة دعوته أو على تأويل ذى اليدين، ولعلهم لم يسمعوا جواب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما أبو حنيفة فذهب إلى نسخة لحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم بالنهى عن الكلام فى الصلاة، ولا يصح لهم؛ لأن حديث ابن مسعوِد متقدم، وقد روى أنه كان بمكة، لكن يعارض هذا قوله: " فنزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬3) فنهينا عن الكلام [فى الصلاة] (¬4) " البقرة مدنية، وأبو هريرة ينص على مشاهدته إياه، وهو إنما أسلم بخيبر. قال الإمام: وأما قوله فى حديث ذى اليدين: " كل ذلك لم يكن "، فقد اعتذر فيه العلماء باعتذارين: أحدهما: أن المراد لم يكن القصر والنسيان معاً، وكان الأمر كذلك وهذا اعتذار ضعيف، والثانى: أن المراد الإخبار عن اعتقاد قلبه وظنه فكأنه مُقَدَّر النطق به وإن كان محذوفاً، فلو قال: كل ذلك لم يكن فى ظنى، ثم كشف الغيب أنه كان لم يكن كاذباً، فكذلك إذا قدَّر ذلك محذوفاً مراداً. قال القاضى: قَدَّرنا أن الخلف والإخبار على ما ليس به فى حق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محال، لا على سبيل القصد ولا سبيل السهو والنسيان، وقد جاء هذا الحديث وظاهره الإخبار أنه لم ينس وقد نسى، ولأئمتنا أجوبة: منها ما تقدم، وقيل: قوله: " لم أنس " راجع إلى ¬

_ (¬1) استدلالاً بما جاء فى بعض طرق حديث أبى هريرة والتى أخرجها أبو داود وفيها " فأومؤوا " بدلاً من " نعم "، وقد قال أبو داود عقبه: وكلُّ من روى هذا الحديث لم يقل فيه: " فأومؤوا " إِلا حمادُ بن زيد. (¬2) فى ت: يقين. (¬3) البقرة: 238. (¬4) سقط من ت.

(...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الخَزَّازِ، حَدَّثَنَا عَلىٌّ - وَهُوَ ابْنُ المُبَارَكِ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سُليْمٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقُصِرَتِ الصَّلاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ وَسَاقَ الحَدِيثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام، أى لم أنسه فى السلام، بل سلمت قصداً، ولم أسْه فى نفس السلام، وإنما سهوت عن العدد، وهذا بعيد أيضاً. وقيل: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسهو ولا ينسى؛ لذلك نفى عن نفسه النسيان؛ لأنه غفلة ولم يغفل عنها وكان شغله عن حركات الصلاة ما فى الصلاة شغلاً بها لا غفلةٌ عنها، وهذا إن تحقق على هذا المعنى كان نفيه لنسيان الغفلة صحيحاً أحرى، وقد ظهر لى فيه ما هو أقرب وجهاً وأحسن تأويلاً، إنه إنما أنكر - عليه السلام - لفظة: " نسيت " المضافة إليه، وهو الذى نهى عنه فى قوله: " بئس ما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كذا، ولكنه نُسِّى " (¬1)، وقد روى: " أنى لا أنسى " على النفى ولكنى أُنَسَّى، وقد شك الراوى على رأى بعضهم فى الرواية الأخرى هل قال: " أنْسَى " أو " أُنَسَّى "، وأنَّ " أو " هنا للشك، وقيل: بل للتقسيم، [وأن هذا يكون] (¬2) منه مرة من قبل شغله وسهوه، ومرة يغلب على ذلك وَيجبر عليه ليَسُنَّ، فلما سأله السائل بذلك اللفظ أنكره وقال له: " كل ذلك لم يكن "، وفى الرواية الأخرى: " لم أنس ولم تقصر "، أَمَّا القصر فبين، وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسى وغفلتى عن صلاتى، ولكن الله نَسَّانى لأَسُنَّ. وقوله: " جاءه الشيطان فلبَّس عليه ": أى شكَّكَه وغلطه قال الله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُون} (¬3)، وقوله: " فهنَّاه ومنَّاه ": أى أعطاه من الأمانى والهنوء والعطية، ومنَّاه: ذكَّره الأمانى. وقوله: " توشوش القوم ": كذا لأبى بحر بالمعجمة و (¬4) لغيره بالمهملة، وكلاهما بمعنى الحركة، أى تحركوا. قال ابن دُريد: وسوسَةُ الشىء مهملاً حَرَكَتُه، وتوشوش القوم تَحرَّكوا وهمسوا بعضهم إلى بعض. قال القاضى: ونحوه الوسوسة، ومنه وسواس الحلى، وهو صوته عند تحريكه، ومنه وسوسة الشيطان، وهى همسه بإغوائه فى القلوب، قال الخليل: الوسوسة صوت فى اختلاط. وقوله: " خرج سَرَعان الناس ": كذا رويناه بفتح السين والراء عن متقنى شيوخنا، ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى كتاب صلاة المسافرين وقصرها، ب فضائل القرآن وما يتعلق به، وقد أخرجه البخارى - أيضاً - فى كتاب فضائل القرآن، ب نسيان القرآن وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا، وأحمد فى المسند 1/ 417. (¬2) فى ت: وأن يكون هذا. (¬3) الأنعام: 9. (¬4) فى ت: أو.

100 - (...) وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الظُّهْرِ، سَلمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سُليْمٍ، وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا قول الكَسَائى وغيره يسكن الراء، أى أَخفاؤهم المسارعون إلى الخروج منهم، وذكر الخطابى أن من الرواة من رواه " سِرعان " بالكسر، قال: وهو خطأ رويناه فى البخارى (¬1) من طريق الأصيلى " سُرعان " بضم السين، وكذا وجدته بخطه فى أصله ووجهه، جمع سريع، كقفيز وقفزان (¬2)، وكثيب وكثبان. وقوله: " وأنت أيضاً يا أعور (¬3) تقول ذلك ": دليل على أن ذكر هذا المن لا يتأذى به ومن عُرِفَ به ولا حرج فيه، وإنما الحرج لمن قاله على سبيل التنقص (¬4) والعيب، وإذا كان المقول له يكره قوله " وإبراهيم الأعور المذكور فى الحديث هو إبراهيم بن سويد النخعى الكوفى وإبراهيم (¬5) بن النخعى (¬6) هو آخر، وزعم الداودى أنه إبراهيم بن يزيد التيمى، ووهم فإنه ليس بأعور، وثلاثتهم كوفيون فضلاء. قال البخارى: إبراهيم بن ميمونة النخعى الأعور والكوفى سمع علقمة (¬7)، وذكر الباجى إبراهيم بن يزيد النخعى الكوفى الفقيه، وقال فيه الأعور، ولم يقل البخارى فيه الأعور، ولا رأيت من ذكره و [قد] (¬8) قال ابن قتيبة فى العور: إبراهيم النخعى يحتمل أنه ابن سويد كما قال البخارى وإبراهيم بن يزيد النخعى. وقوله فى حديث ذى اليدين وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلم قائل ذلك ابن سيرين، وهذا نص فى السلام من سجدتى السهو. وفى الحديث النصُّ أنها بعد السلام من الصلاة؛ لقوله: " فصلى ركعتين فسلم ثم كَبَّر ثم سجد " (¬9) الحديث وفى الرواية ¬

_ (¬1) ك الصلاة، ب تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره (482). (¬2) فى ت: كفقير وفقران. (¬3) فى الأصل: يا عور. (¬4) فى ت: التنقيص. (¬5) زيد بعدها فى ت: ابن سويد، وهو خطأ. (¬6) فى ت والأصل بعدها: الأعور، وهو خطأ كذلك، إذ أنه هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن النّخع بن النّخعى، أبو عمران الكوفى، فقيه أهل الكوفة، لم يُحدِّث عن أحد من أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أدرك منهم جماعة، وكان مفتى أهل الكوفة هو والشعبى فى زمانهما، مات وهو مختف من الحجاج. تهذيب الكمال 2/ 233. أما إبراهيم بن سويد النخعى الكوفى الأعور - وهو المراد - فقد روى عن الأسود بن يزيد، وأخيه عبد الرحمن بن يزيد وعمهما عن علقمة بن قيس النخعيين. قال فيه النسائى: إنه ثقة، وقد روى له الجماعة سوى البخارى. (¬7) التاريخ الكبير 1/ 333. (¬8) من ق. (¬9) فى المطبوعة: فصلى ركعتين وسلم.

101 - (574) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُليَّةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَبِى المُهَلبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى العَصْرَ فَسَلمَ فِى ثَلاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلهُ، فَقَامَ إِليْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لهُ: الخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِى يَدَيْهِ طُولٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَكَرَ لهُ صَنِيعَهُ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلى النَّاسِ، فَقَالَ: " أَصَدَقَ هَذَا ". قَالوا: نَعَمْ. فَصَلى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخرى: " سجد سجدتين بعد التسليم " وهذا البيان يدفع تأويل المخالف: إنه أراد بقوله: سجد بعد السلام، أى الذى فى التشهد؛ لأن لفظ السلام إن حمل على العهد فهو الذى للتحلل لا الذى فى التشهد، وإن حمل على العموم فيجب أن يكون بعد كل سلام فى الصلاة وآخره سلام التحلل. فى حديث ذى اليدين وما ذكر فيه من خروجه - عليه السلام - ومجيئه السارية مغضباً ودخوله منزله فى الرواية الأخرى، حجة أن كثرة السهو لا يفسد الصلاة، وحجة لمن يقول بالبناء وإن طال ما لم ينتقض وضوؤه، وقد اختلف عن مالك فى ذلك، فمشهور قوله: أنه يبنى فيما قرب، وربيعة يقول: يبنى ما لم ينتقض وضوؤه، ولمالك نحوه فى الباب، ولم يأت أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى حديث ذى اليدين - رجع إلى الجلوس ثم قام، وقد كان - عليه السلام - نهض عن موضعه. وقد اختلف أئمتنا فى السلام ساهياً من الصلاة، هل يخرج منها وله فى ذلك تأثير أم لا حكم له، وأنه كالكلام؟ وعلى هذا جاء اختلافهم فى الرجوع بإحرام أم لا؟ وفى الرجوع إن كان قام إلى الجلوس ليأتى بما فاته من النهضة أو لا يلزمه ذلك؛ لأنه كان فى صلاته فنهضته محسوبة له من صلاته، ومتى يكبر على هذا؟ وهو قائم أو حتى يجلس؟ وفرق بعضهم بين أن يكون سهى فى السلام ولم يقصد به التحلل، فقال: هذا لا يلزمه إحرام لأنه كالمتكلم ساهياً، وبين أن يسهوَ على العدد فيسلم قصداً ثم يتذكر، فهذا يحتاج إلى إحرام، واستحب بعضهم له التكبير لإشعار رجوعه للصلاة لا للإحرام؛ لأن فائدة التكبير الإشعار بحركة المصلى، ويجب على قوله هذا اختصاصه بالإمام، وذهب بعضهم إلى التفريق، فلا يكبر إن لم يقم ويكبر إن فارق الأرض وكل هذا على أنه غير تكبيرة الإحرام، فإما أن يكون للإشعار بالرجوع للصلاة، أو يكون تكبيرة للقيام من اثنتين، إن كان السهو فيهما، وقد احتج بعضهم بحديث ذى اليدين لمذهب مالك؛ فى أن الحاكم إذا

102 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، وَهُوَ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَبِى المُهَلبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الحُصيْنِ؛ قَالَ: سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ثَلاثِ رَكَعَاتٍ، مِنَ العَصْرِ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الحُجْرَةَ. فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ اليَدَيْنِ، فَقَالَ: أَقُصِرَتِ الصَّلاةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا، فَصَلى الرَّكْعَةَ التِى كَانَ تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَى السَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نسى حكمه فشهد عنده شاهدان بحكمه أنه يمضيه [خلاف] (¬1) قول أبى حنيفة والشافعى فى أنه لا يمضيه حتى يتذكره، وأنه لا يقبل الشهادة إلا على غيره لا على نفسه، والنبى - عليه السلام - قد رجع عما قطع عليه أنه لم يكن، إِلا أنه كان لما شهد به عنده من خلفه، لكن قد اختلف الناس فى هذا، فذهب بعضهم إلى هذا وهو ظاهر الحديث، وقيل: بل كان رجوعه - عليه السلام - إلى ما تيقنه من الأمر. وفى كتاب أبى داود: فلم يرجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يقنه الله (¬2)، وعلى هذا ترتب الخلاف المتقدم فى رجوع الإمام فى يقينه إلى شهادة المأمومين، والله أعلم. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) أبو داود، ك الصلاة، ب السهو فى السجدتين (1012).

(20) باب سجود التلاوة

(20) باب سجود التلاوة 103 - (575) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ، فَيَسْجُدُ. وَنَسْجُدُ مَعَهُ، حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ. 104 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: رُبَّمَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَيَمُرُّ بِالسَّجْدَةِ فَيَسْجُدُ بِنَا، حَتَّى ازْدَحَمْنَا عِنْدَهُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِيَسْجُدَ فِيهِ فِى غَيْرِ صَلاةٍ. 105 - (576) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ. قَالَ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ يْحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَرَأَ: {وَالنَّجْمِ} (¬1) فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخاً أَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قول عبد الله بن مسعود: " قرأ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَالنَّجْمِ} فسجد فيها "، قال الإمام أبو عبد الله: اختلف فى عدد سجود القرآن؟ فقيل: إحدى عشرة سجدة ليس فى المفصل منها شىء، وقيل: أربع عشرة، ثلاث فى المفصل زيادة على الإحدى عشرة المذكورة، وقيل: بل خمس عشرة وزاد صاحب هذا القول الآخرة من الحج، وذكر مواضع هذه السجدات فى كتب الفقهاء. قال القاضى: هذه الأقاويل الثلاثة عندنا فى المذهب، والأول هو مشهور والمعروف عند مالك - رحمه الله - وبه قال جمهور أصحابه وروى عن ابن عباس وابن عمر، والقول الثانى لمالك أنها أربع عشرة، وهو قول ابن وهب من أصحابنا، وزاد ثلاث سجدات المُفصَّل وهو قول أبى حنيفة وأهل الرأى، ووافق الشافعى فى العدد وأبو ثور، وخالفا فى التعيين، فأثبت الشافعى سجدتين فى الحج وأسقط سجدة ص، وأثبت أبو ثور سجدة ص، وسجدتى الحج، وأسقط سجدة النجم، وأما القول الثالث عندنا لمالك: أنها خمس عشرة، فهو قول ابن حبيب وابن وهب فى رواية عنه، وهو قول إسحاق، وفيها عندنا لمالك قول رابع: أن سجود المفصل على التخيير، وفيها قول خامسٌ عن على وابن ¬

_ (¬1) سورة النجم.

كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِى هَذَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: لقَدْ رَأَيْتُهُ، بَعْدُ، قُتِلَ كَافِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود وابن عباس - أيضاً - أنها: " أربع: الم تنزيل، وحم تنزيل، والنجم، والعلق "؛ لأنه أمر والباقى خبر، وفيها قول سادس، [و] (¬1) ذكر عن ابن عباس - أيضاً -: أنها عشرة أسقط آخر الحج والمفصل وص. قال الإمام: والأصل فى إثبات السجود فى المفصل الأحاديث الواردة [فيها] (¬2). قال القاضى: قد ذكر مسلم اختلاف الأحاديث فى ذلك وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسجد فى {وَالنَّجْمِ} من حديث زيد بن ثابت، وأنه سجد فيها من حديث ابن مسعود وفى حديث أبى هريرة - أيضاً - سجوده فى سجود بقية سجود المفصل، وقد روى عن ابن عباس: " لم يسجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مند تحول إلى المدينة "، وذهب بعضهم إلى نسخ السجود بتركه؛ لحديث ابن عباس وزيد بن أسلم، ولأن حديث ابن مسعود كان بمكة، ورد هذا بعضهم إذ النسخ يحتاج إلى تحقيق، وقد روى أبو هريرة السجود فى المُفَصَّل، وأنه سجدها مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإسلامه متأخر يوم خيبر، وذهب بعضهم إلى أن الخلاف فى ذلك دالٌ على التوسعة، وقال بعضهم: إن حديث زيد بن ثابت إنما هو: قرأت على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَالنَّجْم} فلم يسجد، قالوا: إنما لم يسجد، لأن القارئ لم يسجد وإنما يسجد السامع إذا سجد القارئ، ويأتى بعدُ الكلام فيه، ورجح بعضهم وجه الخمس عشرة بأنها المضمنة ذم من لم يسجد أو مدح من سجد أو أمر بالسجود، ورجح بعضهم وجه الإحدى عشر بأن ما يسجد فيه منها إنما هو ما جاء على طريق الخبر، وما عداها فإنما جاء الأمر بالسجود، وهو محمول على سجود الصلاة أو الصلاة نفسها، وقد اعترض عليه بسجدة " انشقت " وهى خبر، ولا يدخل فى عدده سجدة " حم " وهى أمر، وهى عنده داخلة، وأجاب عن هذا بما لا مقنع فيه، ورجح القول فى السجود فى " حم " عند {يَسْأَمُونَ} (¬3) ليصح له الخبر. قال الإمام: وأما حكم السجود فمذهب أبى حنيفة فيه أنه واجب وليس بفرض على أصله فى التفرقة بينهما، ومذهبنا أنه ليس بواجب، والظاهر أن بين أصحابنا خلافاً، هل هو سنة أو فضيلة؟ فعده القاضى عبد الوهاب فى تلقينه من فضائل الصلاة، وقال غيره من الشيوخ: إنه سنة، وقالوا - أيضاً: يُستقرأ من تشبيهه إياه فى المدونة بصلاة الجنائز فى الوقت، وأقل أحوالها عندنا أنها سنة، أما الوقت الذى يباح فيه سجوده فقيل: يسجد فى سائر الأوقات ما لم يُسفِر بعد الصبح أو تَصفر الشمس بعد العصر، وقيل: لا يسجد بعد العصر، وقيل: يسجد بعد الصبح ما لم يسفر ولا يسجد بعد العصر. قال القاضى: لا خلاف أن سجود القرآن يحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة من طهارة ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) من ق. (¬3) فصلت: 38.

106 - (577) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ جسد وثوب، ونية، واستقبال قبلة، ووقت مباح للصلاة على ما تقدم، واختلف هل يحتاج إلى تحريم ورفع يدين عنده وتكبير وتسليم، وعن مالك التكبير لها فى الصلاة فى الخفض والرفع وهذا معلوم مذهبه ومذهب أصحابه، وحكى مكى فى هدايته عنه: لا يكبر فى الخفض فى الصلاة، ويكبر فى الرفع، ولا تكبير فيهما فى غير الصلاة، ولم يحك عنه غيره والخلاف عنه فى التكبير لها فى غير الصلاة مشهور، وخيَّر ابن القاسم فى ذلك، وبالتكبير لذلك قال عامة العلماء، وذكر أبو محمد فى رسالته: أنه يكبر لها وفى الرفع منها سعة، وهذا قول آخر خلاف المعلوم، وما ذكر فى الأمهات وذكره هو فى مختصره، وذهب الشافعى وابن حنبل إلى رفع اليدين عند التكبير لها إذا سجد، وذهب جماعة من السلف وابن راهويه إلى أنه يسلم منها، والجمهور على أنه لا سلام لها. وقوله: " كان - عليه السلام - يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما (¬1) يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته ": وقال فى الحديث الآخر: " فى غير صلاة ": لا خلاف أن الإمام إذا قرأ سجدة من العزائم فى الصلاة أنه يلزمه أن يسجد، ويلزم من وراءه السجود معه، ويكره للمصلى قراءتها إذا كان إماماً على الجملة فى صلاة السر، أو إذا كان وراءه جماعة كبيرة فى صلاة الجهر؛ [لأنه خلط] (¬2) على من وراءه، فإن فعل وقرأ بها خَطْرَفها (¬3)، فإن قرأها سجد، وينبغى له أن يجهر فيها جهراً يبين (¬4) لمن وراءه أنها سجدة، واختلف المذهب هل يفعل إذا كانت الصلاة جهرًا والجماعة قليلة، بحيث لا يخفى ذلك عليهم، بالإجازة والمنع وكذلك اختلف فى ذلك للفذِّ، وأما إن قرأها فى غير صلاة فيسجد من جلس إليه للاستماع، على سبيل التعليم إذا سجد. واختلف إذا لم يسجد، هل يلزم المستمع سجود، وكذلك اختلف إذا جلس إليه مستمعاً للثواب لا للتعليم إذا سجد القارئ ولا يسجد إن لم يسجد، وقيل: يسجد، وهذا كله إذا كان القارئ ممن تصح إمامته، واختلف فى المعلم والمقرئ، فقيل: عليهما وعلى القارئ عليهما السجود أوَّل مرة، ثم لا يلزمهما بعد فيما تكرر، وقيل: لا شىء عليهما، وقيل: يسجد فيما تكرر من غير ما سجد فيه، ولا سجود على من جلس لقارئ السجدة ليسجد معه، ولا على من سمِع قراءة رجل [حتى سجود المستمع للتلاوة] (¬5) حتى يسجد فيها و [إن] (¬6) لمن يجلس إليه، وقيل: يسجد معه، والأصل فى سجود المستمع قوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى ¬

_ (¬1) فى ت: لا. (¬2) فى ت: لما يخلطه. (¬3) يعنى توسَّع فيها. (¬4) فى ت: يتبين. (¬5) من هامش ت، وسقطت من جميع النسخ. (¬6) زيادة يقتضيها السياق.

عَن القرَاءَةِ مَعَ الإِمَامِ؟ فَقَالَ: لا قِرَاءةَ مَعَ الإِمَامِ فِى شَىْءٍ. وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فَلمْ يَسْجُدْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (¬1)، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} (¬2). وقوله: " حتى ما يجد أحدنا موضعاً لكان جبهته " (¬3): قال الداودى: مالك يرى لمن نزل به مثل هذا أن يسجد إذا رفع غيره، وكان عمر يرى أن يسجد الرجل على ظهر أخيه. واختلف فى الخطيب يوم الجمعة يقرأ السجدة فى خطبته، فقال مالك: يستمر فى خطبته ولا يسجد، وقال الشافعى: ينزل فيسجد وإن لم يفعل أجزأه، وقد روى الوجهين عن عمر بن الخطاب فى الموطأ (¬4) وعن النبى - عليه السلام - فى المصنفات: " أنه يسجد " (¬5). وقوله: " قرأ {وَالنَّجْمِ} فسجد فيها، وسجد من كان معه غير أَنَّ شيخاً أخذ كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال: يكفينى هذا، فلقد رأيته قتل بعد كافراً ": هذا الشيخ هو أمية بن خلف، قتل يوم بدر ولم يكن أسلم، وإنما سجد؛ لأنه روى أنه سجد حينئذ مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمون والمشركون والجن والإنس، قاله ابن عباس حتى شاع أن أهل مكة أسلموا، وانصرف من كان هاجر إلى الحبشة لذلك، وكان سبب سجودهم - فيما قال ابن مسعود - أنها كانت أول سورة نزلت فيها سجدة، وروى أصحاب الأخبار والمفسرون أن سبب ذلك ما جاء على لسان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذكر الثناء على آلهة المشركين فى سورة النجم، ولا يصح هذا فى شىء من طريق النقل، ولا من طريق العقل؛ لأن مدح آلهة غير الله كفر، [ولا يصح أن يُنزل على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفر] (¬6)؛ ولا أن يقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك من قبل نفسه مداراة لهم؛ ولا أن تقوَّله الشيطان على لسانه؛ إذ لا يصح أن يقول - عليه السلام - شيئاً خلاف ما هويه، فكيف فى طريق القرآن وما هو كفر، ولا يسلط الشيطان على ذلك؛ لأنه داعية إلى الشك فى المعجزة وصِدْق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكل هذا لا يصح. وقد أشبعنا الكلام فى هذا الفصل فى القسم الثالث من كتاب الشفا، بما لا مزيد عليه، وذكرنا تخريج التأويلات فى القصة لو صح نقلها وهو لم يصح، ولا نقل فيه من طريق صحيح ولا مسندٍ متصلٍ، فليطلب بسطه هناك. وقوله: " لا قراءة مع الإمام فى شىء ": تقدم الكلام فى هذا، وقوله: " وزعم أنه ¬

_ (¬1) مريم: 58. (¬2) الإسراء: 107. (¬3) فى المطبوعة: حتى ما يجد بعضنا. ولفظة: " أحدنا " فى الطريق الآخر، وليس فيه ذكر الجبهة: " حتى ما يجد أحدُنا مكاناً ليسجد فيه فى غير صلاة ". (¬4) ك القرآن، ب ما جاء فى سجود القرآن 1/ 206. (¬5) المصنف لابن أبى شيبة، ك الصلوات، ب السجدة تقرأ على المنبر ما يفعل صاحبها 2/ 18، عبد الرزاق فى ك فضائل القرآن، ب كم فى القرآن من سجدة 2/ 337. (¬6) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

107 - (578) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هرَيْرَةَ قَرَأَ لهُمْ: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتَ}. فَسَجَدَ فِيهَا. فَلمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا. (...) وَحَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمَ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ هِشَامٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 108 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت} (¬1) وَ {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّك} (¬2). ـــــــــــــــــــــــــــــ قرأ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أى أخبر، والزعم يقع على الحق وعلى الباطل، ومنه: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِم} (¬3)، أى بقولهم الباطل فى الحق و {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا} (¬4) وقال الشاعر " فى الحق ": على الله أرزاق العباد كما زعم قال الهروى: " زعم " هنا بمعنى أخبر وعندى أنه أولى أن يكون هنا بمعنى ضمِنَ كما قال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (¬5) ومنه الحديث: " الزعيم غارم " (¬6)، ويقال: زُعْمٌ وزَعْمٌ وزِعْمٌ، وقد يقع الزَعْمُ لما لا [يُدرى] (¬7) أحقٌ هو أم باطل، ومنه الحديث: " بئس مطية الرجل زعموا " (¬8). وقوله فى حديث أبى هريرة: " السجود فى {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت} و {اقْرأ}: صفوان بن سليم عن عبد الرحمن الأعرج مولى بنى مخزوم عن أبى هريرة، المعروف فى ¬

_ (¬1) سورة الانشقاق. (¬2) سورة العلق. (¬3) الأنعام: 136. (¬4) التغابن: 7. (¬5) هود: 6. (¬6) أبو داود، ك البيوع، ب فى تضمين العارية (3565)، الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى أن العارية مؤداة (1265)، كذلك ابن ماجه فى الصدقات، ب الكفالة (2405)، أحمد فى المسند 5/ 267، جميعاً من حديث أبى أمامة الباهلى - رضى الله عنه. (¬7) فى ت: مجزومة. (¬8) أبو داود فى الأدب، ب قول الرجل زعموا (4972)، أحمد فى المسند 4/ 119، من حديث أبى مسعود - رضى الله عنه.

109 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا الليْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُليْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ مَوْلى بَنِى مَخْزُومٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت} و {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّك}. (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 110 - (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالا: حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ صَلاةَ العَتَمَةِ، فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت}، فَسَجَدَ فِيهَا. فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ؟ فَقَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِى القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى: فَلا أَزَالُ أَسْجُدُهَا. (...) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ. ح قَالَ: وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا سُليْمُ بْنُ أَخْضَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولاء الأعرج عبد الرحمن بن هرمز صاحب أبى الزناد أنه مولى محمد بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب بن هاشم، وهو فى حديث ذكرَه البخارى فى الجمعة، فقال: مولى ربيعة ابن الحارث (¬1)، وهذا مما لم يُخْتلف فى ولائه، وقال الدارقطنى: الأعرج هذا عبد الرحمن ابن سعد وليس بعبد الرحمن الأعرج صاحب أبى الزناد، وهما أعرجان. رويا جميعاً عن أبى هريرة، وقد بين نسبه فى الحديث؛ مرة أنه عبد الرحمن، فرواه عن الزهرى وصفوان ابن سليم عن عبد الرحمن بن سعد عن أبى هريرة، وأما أبو مسعود الدمشقى فجعله صاحب أبى الزناد، قال شيخنا أبو على الجبائى: قول الدارقطنى أولى بالصواب (¬2). ¬

_ (¬1) البخارى ك الجمعة، ب فرض الجمعة (876). (¬2) قد حدَّده بقوله: إنه يكنى أبا حميد، قال: وليس بعبد الرحمن الأعرج صاحب أبى الزناد؛ لأن ذلك هو عبد الرحمن بن هرمز، ويكنى أبا داود وأما عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فإنما يروى هذا الحديث عن أبى هريرة أن عمر سجد فى {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت}، قال: روى ذلك عنه مالك ويونس وغيرهم عن الزهرى، حدث به عمر بن شبة عن أبى عاصم عن مالك عن الزهرى عن الأعرج عن أبى هريرة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد فى {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت} قال: ووهم فيه عمر بن شبة وهماً قبيحاً، والصواب عن مالك ما رواه الثقات عنه عن الزهرى عن الأعرج عن أبى هريرة أن عمر سجد. العلل 8/ 225.

كُلُّهُمْ عَنِ التَّيْمِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أنَّهُمْ لمْ يَقُولوا: خَلفَ أَبِى القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 111 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ؛ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْجُدُ فِى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّت}. فَقُلْتُ: تَسْجُدُ فِيهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. رَأَيْتُ خَلِيلى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِيهَا، فَلا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلقَاهُ. قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ: النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر البخارى فى تاريخه: عبد الرحمن بن سعد عن أبى هريرة روى عنه عبد الرحمن ابن مهران حديثه فى أهل المدينة (¬1)، ثم قال: وعبد الرحمن بن سعد المؤذن سمع عبد الرحمن بن محمد، وعمارة مولى بنى مخزوم القرشى [فيه نظر] (¬2). ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 5/ 287. (¬2) السابق. وقد جاء فى جامع الأصول: وفيه نظر. وما أثبتناه هو ما جاء فى التاريخ الكبير.

(21) باب صفة الجلوس فى الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين

(21) باب صفة الجلوس فى الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين 112 - (579) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِىٍّ الْقَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِىُّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَعَدَ فِى الصَّلاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَىَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان عليه السلام إذا قعد فى الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ": كذا رواية شيوخنا أجمع فى هذا الحديث، وهى حجة لنا فى صفة الجلوس فى الصلاة، وقد تقدم الكلام على ذلك، وقال لنا بعض شيوخنا - وهو أبو محمد الخشنى الفقيه - صوابه: " وفرش قدمه اليسرى " قال القاضى: وكذا جاء فى غير هذا الحديث، ولأن المعروف فى اليمنى أنها منصوبة، وكذا جاء فى حديث ابن عمر: تنصب رجلك اليمنى وتثنى اليسرى (¬1) وفى الحديث الآخر كان - عليه السلام - إذا جلس فى الصلاة افترش رجله اليسرى، ذكره أبو داود (¬2)، ولكن قد ذكرنا هنا ما فعل باليسرى، فتكرار ذكرها ليس من وجه الكلام فكيف يفترشها وهو قد جعلها بين ساقه وفخذه ومن يقول بافتراشها معناه عنده: يقعد عليها، ولعله نصب اليمنى، وقد تكون الرواية صحيحة فى اليمنى إن شاء الله، ومعنى فرش اليمنى هنا لا ينصبها على أطراف أصابعه فى هذه المرة ولا فتح فيها أصابعه كما كان يفعل والله أعلم (¬3) وقوله فى ¬

_ (¬1) وذلك فيما أخرجه البخارى ومالك فى الموطأ والنسائى عن عبد الله بن عمر، قال لابنه عبد الله: " سنة الصلاةِ أن تنصب رجلك اليمنى وتثنى رجلك اليسرى " البخارى ك الأذان، ب سنة الجلوس فى التشهد، وكذلك مالك فى الموطأ ك الصلاة، ب العمل فى الجلوس فى الصلاة 1/ 88، والنسائى، ك الافتتاح، ب الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة عند التشهد 2/ 236. (¬2) أبو داود، ك الصلاة، ب كيف الجلوس فى التشهد (962). (¬3) بعدها فى ق: وسيأتى الكلام على جلسات الصلاة وهيئاتها. قلت: وقد أخرج الترمذى واللفظُ له، والنسائى عن وائل بن حُجرٍ قال: " قدمت المدينة، فقلت: لانظُرنَّ إلى صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى، ووضع يَدَه اليسرى - يعنى - على فخِذِه اليسرى، ونصب رجله اليمنى " أبواب الصلاة ب ما جاء كيف الجلوس فى التشهد 2/ 286، النسائى ك الافتتاح، ب موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول 2/ 236. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وهو قول سفيان الثورى وأهل الكوفة، وابن المبارك.

113 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - واللَّفْظ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَىَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الوُسْطَى، وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ. 114 - (580) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخَبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِى الصَّلاةِ، وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الْيُمْنَى الَّتِى تَلِى الإِبْهَامَ، فَدَعَا بِهَا، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، بَاسِطُهَا عَلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث ابن الزبير: " وأشار بإصبعه السبابة ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى "، وذكر فى حديث ابن عمر أنه " عقَد ثلاثًا وخمسين وأشار بالسبابة " ظاهر الروايتين الخلاف؛ إذ ليس فى عقد ثلاث وخمسين وضع إبهام على الوسطى، إِلا أن يُريد على حرف إصبعه الوسطى فتتفق الروايتان، وفى كتاب أبى داود من حديث وائل بن حجر: " وقبض ثنتين وحلق حلقة " (¬1). اختلف العلماء فى هذه الهيئة فرأى بعضهم التحليق اتباعاً لحديث وائل ابن حُجر، وأنكره بعض علماء المدينة وأخذ بحديث ابن عمر وذهب بعضهم أن يُحَلِّقَ فيضعَ أنملة الوسطى بين عقدتى الإبهام، وأجاز الخطّابى التحليق برؤوس أنامل الوسطى والإبهام، حتى تكون كالحلقة لا يفصل بين جوانبها شىء. وقوله: " وأشار بإصبعه السبابة " وهو كقوله الذى فى الحديث الآخر: " التى تلى الإبهام " (¬2)، واختلف العلماء فى الإشارة بالإصبع وفى صفتها بحسب اختلاف الآثار فى ذلك وفى علة ذلك، فجاء فى الحديث: " لأنها مذَبَّة الشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه " (¬3)، وقيل: [معناه] (¬4): يتذكر بذلك أنه فى الصلاة، وقيل: لأنها ¬

_ (¬1) فى باب كيف الجلوس فى التشهد (957). (¬2) وقد ساق ابن عبد البر حديثه بإسناده إلى مسلم بن أبى مريم بمثل حديث مسلم هنا بلفظ: " فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وضم أصابعه الثلاثة ونصب السّبابة، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وبسطها. قال سفيان: وكان يحيى بن سعيد قد حدثنا عنه أولاً، ثم لقيته فسمعته منه، وزاد فيه مسلم وقال: هى مذبة الشيطان، لا يسهو أحدُكم ما دام يشير بإصبعه ويقول هكذا " التمهيد 13/ 196. والمعاوى منسوب إلى بنى معاوية، فخذ من الأنصار. (¬3) فى طريق ابن عبد البر السابق، وأخرجه عبد الرزاق فى المصنف 2/ 195. (¬4) ساقطة من ت.

115 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا قَعَدَ فِى التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَعَقَدَ ثَلاثَةً وَخَمْسِينَ، وَأَشَارَ بِالسَّبابَةِ. 116 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَاوىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: رَآنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصَى فِى الصَّلاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِى. فَقَالَ: اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. فَقُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا جَلَسَ فِى الصَّلاةِ، وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِى تَلِى الإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى. (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَاوِىِّ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ: قَالَ سُفْيَانُ: فَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بِهِ عَنْ مُسْلِمٍ، ثُمَّ حَدَّثَنِيهِ مُسْلِمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من التذلل والخضوع، وقيل: بل المراد بها الإشارة للتوحيد، وقيل: إشارة إلى صورة المحاسبة ومحاكاة المناجاة، ومنع بعض العراقيين فى تحريكها جملة، واختلف المذهب عندنا فى صفة تحريكها ووقته، وقيل: تمد من غير تحريك، وقيل: تحرك عند الشهادة، وهما بمعنى، وهذا يكون معنى مدها عند الشهادة، وهو تحريكهما، ومن ذهب إلى أنها مقمعة ومذبَّةٌ للشيطان وليتذكر بها وصَلَ تحريكها، وقد روى عن مالك أنه كان يحركها ويُلِحَّ بها، وأَحاديث مسلم إنما فى جميعها: " وأشار بإصبعه ". وقوله: " ويُلقم [كفَّهُ] (¬1) اليسرى [ركبته] (¬2) " هو وضعها عليها مُبَدَّدةُ الأصابع، وهو معنى قوله فى الحديث الآخر: " باسطها عليها " وفى ضبط اليدين على هذه الهيئة فى الصلاة شَغْلُها عن العبث. ولهذا أورد ابن عمر الحديث على الذى رآه يعبث بالحصى ونهاه عن ذلك، كما شرع وضع اليمنى على اليسرى حين القيام (¬3). ¬

_ (¬1) ساقطة من ق، ت. (¬2) فى ت: بركبته، وهو وَهْمٌ. (¬3) قال ابن عبد البر: وفى هذا الحديث أيضًا دليلٌ على أن لليدين عملاً فى الصلاة تشتغلان به فيها. وذلك ما وصف ابن عمر فى الجلوس وهيأته. التمهيد 13/ 197.

(22) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها، وكيفيته

(22) باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها، وكيفيته 117 - (581) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ؛ أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَنَّى عَلِقَهَا؟ قَالَ الْحَكَمُ فِى حَدِيثِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ. 118 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ شُعْبَةُ - رَفَعَهُ مَرَّةً -: أَنَّ أَمِيرًا أَوْ رَجُلاً سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَنَّى عَلِقَهَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن مسعود فى الذى رآه يسلم تسليمتين: " أنّى علِقها؟ " أى من أين أخذ هذه السنة واستفادها (¬1)، من علِق الرجلُ بالشىء وعلق الصيد بالحبالة. واختلف العلماء فى السلام من الصلاة، واختلفت الآثار عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى تسليمه من الصلاة واحدة واثنتين، وأحاديث الواحدة معلولة وقد ذكر مسلم حديث تسليمتين من رواية عبد الله بن مسعود، وذكر من حديث عامر بن سعد عن أبيه: " كنت أرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده " واللفظ محتمل أن تكون ذلك بواحدة كما قال الثورى وباثنتين كما قال غيره، واختلف الصحابة والخلف بعدهم والعلماء بحسبِ ذلك للإمام والفذّ والمأموم، واختلفت الرواية عن مالك فى ذلك [أيضاً] (¬2) فى الفذ والإمام، وأما المأموم فعلى القولين جميعاً عنده يُسلِّمُ تسليمتين يرد بالثانية، على الإمام وإن كان عن يساره أحدٌ سلَّم عليه ثالثة، واختلف عنه بما يبدأُ بعد الأولى بالإمام أو بمن على يساره؟ وقيل: هو مُخَيَّر، ولابن القاسم التفريق بين الإمام والفذ فيسلم الإمام عنده واحدة والفذ اثنتين، وذهب الثورى إلى أن الإمام والمأموم يسلمان واحدة [والفذائيين] (¬3) على أيمانهما وأيسارهما. ولا يجزئ من السلام عندنا إِلا لفظه المعلوم لا يجزى فيه تنكير ولا تنوين على مشهور المذهب، وذهب ¬

_ (¬1) كأنه - رضى الله عنه - يتعجب من علمه بها. (¬2) ساقطة من ق. وليس للإمام مالك فى الموطأ كلام فى السلام ولا تخريج له. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت، وما جاء عن الثورى يؤكدها، ويكون عود الضمير هنا على التسليمتين. قال أبو عمر: وقال الثورى: إذا كنت إمامًا فسلِّم عن يمينك وعن يسارك: السلام عليكم ورحمة الله، وإذا كنت غير إمام فإذا سَلَّمَ الإمامُ فسلم عن يمينك وعن يسارِك تنوى به الملائكة ومن معك من المسلمين. الاستذكار 4/ 297.

119 - (582) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعى إلى جواز التنكير (¬1)، وقال ابن شعبان من شيوخنا: والسلام عند جمهور الفقهاء من فروض الصلاة الذى لا يصح التحلل منها إِلا به، والفرض منه عندنا وعند الشافعى تسليمة واحدة، وذهب أحمد بن حنبل وبعض الظاهرية إلى أَنَّ الفرض اثنتان، وذهب أبو حنيفة والثورى والأوزاعى إلى أنه ليس من فروضها، وأنه سنة، وأنه يتحلل منها بكل فعل وقول ينافيها، وذهب الطبرى إلى التخيِّر فى ذلك، قال الداودى: وأجمع العلماء أن من سلَّم واحدة فقد تمت صلاته. وقوله: " يسلم عن يمينه وشماله (¬2) " صفة هيئة السلام للإمام والفذ واحدة، وهو قبالة وجهه، [ويتيامن قليلاً على القول بتسليمة وعلى القول بتسليمتين، يشير عن يمينه واحدة وعن يساره أخرى، وأما المأموم فاختلف تأويلُ شيوخ المذهب على ظاهر قوله: " يسلم عن يمينه " هل يبدأ من اليمين أو يسلم قبالة وجهه] (¬3)، ويتيامن كالفذ والإمام، ولم ير مالك فى السلام من الصلاة زيادة قوله: " ورحمة الله وبركاته "، ورآه الشافعى والثورى وأبو حنيفة وغيرهم (¬4). ¬

_ (¬1) وقال: نَأمُرُ كل مصلٍ أن يُسَلِّم عن يمينه وعن يسارِه إماماً كان أو منفرداً أو مأموماً، ويقول فى كل واحدةٍ منها: السلام عليكم ورحمة الله، وينوى بالأولى من عن يمينه وبالثانية من عن يساره، وينوى الإمام بالتسليمة التى إلى ناحيته فى اليمين أو فى اليسار. الاستذكار 4/ 297. (¬2) فى المطبوعة: وعن يساره. (¬3) سقط من ق. (¬4) قلت: بل الثابت الوارد عنهم بغير ذكره (وبركاته). ولم أجد تلك الزيادة إِلا للأسود. راجع: مصنف ابن أبى شيبة 1/ 300، الأم للشافعى 1/ 106، شرح معانى الآثار 1/ 266.

(23) باب التكبير بعد انقضاء الصلاة

(23) باب التكبير بعد انقضاء الصلاة (¬1) 120 - (583) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنِى بِذَا أَبُو مَعْبَدٍ - ثُمَّ أَنْكَرَهُ بَعْدُ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ. 121 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْن عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ انقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا بِالتَّكْبِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ذكر مسلم فى باب التكبير بعد انقضاء الصلاة: حدثنا زهير، عن ابن عيينة، عن عمرٍو، وأخبرنى (¬2) بذا أبو مَعْبد (¬3) عن ابن عباس الحديث، وفى نسخة ابن ماهان: ابن عيينة، عن عمرو، أخبرنى جدى أبو معبد، هكذا فى نسخة الأشعرى وابن الحذَّاء عن ابن ماهان وقوله: " جدى " تصحيف، وإنما صوابه أخبرنى بذا يريد بهذا وليس لعمرو بن دينار جدٌّ يروى عنه، وأبو معبد هذا هو نافذ مولى ابن عباس (¬4) وعمرو ابن دينار هذا هو أبو محمد مولى ابن بادام (¬5) كان من الأنبار من فرس اليمن. قال القاضى: روايتنا فيه عن جميع شيوخنا (بذا) على الصواب كما ذكر، إِلا من ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة. باب الذكر بعد الصلاة. (¬2) فى المطبوعة: قال: أخبرنى. (¬3) بعده فى المطبوعة: ثم أنكره بعدُ. (¬4) قال فيه عمرو بن دينار: وكان من خيار موالى ابن عباس وأصدقهم. مات سنة أربع ومائة فى خلافةِ يزيد ابن عبد الملك، روى له الجماعة. تهذيب الكمال 29/ 270. (¬5) ويقال: باذان، عامل كسرى على اليمن، قال على بن المدينى عن عبد الرحمن بن مهدى: قال لى شعبة: لم أر مثل عمرو بن دينار، لا الحكم، ولا قتادة - يعنى فى التثبت. وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن عيينة يذكر عن ابن نجيح: قال: ما كان عندنا أحدٌ أفقه ولا أعلم من عمرو بن دينار، ولا عطاء، ولا مجاهد ولا طاووس. وقال الحميدى عن سفيان: قلتُ لِمسْعر: من رأيت أشدَّ إتقانًا للحديث؟ قال: القاسم بن عبد الرحمن، وعمرو بن دينار. وقال عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان عن ابن عيينة: حدثنا عمرو بن دينار، وكان ثقة ثقة ثقة، وحديث أسمعه من عمرو أحبُّ إلىّ من عشرين من غيره. وقال خالد بن نزار: عن سفيان بن عيينة: كان عمرو بن دينار أعلم أهل مكة. روى له الجماعة. مات سنة خمس وعشرين ومائة. تهذيب الكمال 22/ 5. قلت: وفى الرواية عمرو بن دينار البصرى أبو يحيى الأعور، قال فيه الترمذى: ليس بالقوى، وعمرو بن دينار الكوفى أبو خَلْدَة، شويخ لا يعرف.

قَالَ عَمْرٌو: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِى مَعْبَدٍ فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: لَمْ أُحَدِّثْكَ بِهَذَا. قَالَ عَمْرٌو: وَقَدْ أَخْبَرَنِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ. 122 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى اسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَفْعَ الصَّوتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ، كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ، إِذَا انْصَرَفُوا، بِذَلِكَ، إِذَا سَمِعْتُه. ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق ابن ماهان، وبينه قوله فى الحديث بعد هذا من رواية ابن أبى عمر، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبى معبد مولى ابن عباس، وذكر الحديث، وذكره الخطابى من حديث ابن جُريج كذلك. قوله فى حديث ابن عباس هذا: " كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتكبير " وفى الرواية الأخرى: " أنَّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت أعرف (¬1) إذا انصرفوا بذلك ": قال الطبرى: فيه الإبانة عن صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء يكبر بعد صلاته ويكبر مَنْ وراءه، قال غيره: ولم أجد أحداً من الفقهاء من قال بهذا إِلا ما ذكره ابن حبيب فى الواضحة: كانوا يستحبون التكبير فى العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء، تكبيراً عالياً ثلاث مرات، وهو قديم من شأن الناس، وعن مالك أنه محدث. قيل: وذكر ابن عباس له يدل على ترك ذلك فى وقته، وإلا فليس كان يكون لقوله معنى. وأما قوله: " كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتكبير " (¬2) فظاهره أنه لم يكن [بحضرة] (¬3) الجماعة معه، وكان يعلمها بمشاهدة ذلك، ولأنه كان صغيراً ممن لا يواظب على صلاة الجماعة، ولا يلزمه ذلك. وقول عمرو بن دينار فى هذا الحديث: " فذكرت ذلك لأبى معبد فأنكره وقال: لم أحدثك به (¬4) قال عمرو: "وقد أخبرنيه (¬5) قبل ذلك "، وإدخال مسلم له - دليلٌ على ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: أعلم. (¬2) الذى فى المطبوعة: " كنت أعلمُ إذا انصرفوا بذلك إذا سمعتهُ " هذا حديث ابن جريج، وحديث سفيان: " كنا نعرِفُ صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتكبير ". (¬3) فى ت: تحضره. (¬4) الذى فى المطبوعة: بهذا. (¬5) فى ت: أخبرنى به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله بصحة الحديث على هذا الوجه مع إنكار المحدث عنه إذا حدث عنه به ثقة، وهذا إذا أنكره لاسترابة أو تشككٍ (¬1) أنه لم يروه، فالذى عليه معظم العلماء وأئمة الحديث [والأصوليون] (¬2) إعماله، وذهب الكرخى إلى إبطاله، وأما إنكاره إنكار قطع وتكذيب أنه لم يروه قط فيجب رده عند جميعهم، وذلك لتقابل العدالتين وليس إحداهما بأولى بالعمل من الأخرى، فيسقط الحديث. ¬

_ (¬1) فى ت: تشكيك. (¬2) فى الأصل بالجرِّ.

(24) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر

(24) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر 123 - (584) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - قَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِى امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَهِىَ تَقُولُ: هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِى الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: فَارْتَاعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " إِنَّمَا تُفْتَنُ يَهُودُ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَبِثْنَا لَيَالِىَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَل شَعَرْتِ أَنَّهُ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِى الْقُبُورِ؟ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدُ، يَسْتَعِيذ مِنْ عَذَاب الْقَبْرِ. 124 - (585) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ - قَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ ذَلِكَ، يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. 125 - (586) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلىَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَتَا: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِى قُبُورِهِمْ. قَالَتْ: فَكَذَّبْتهُمَا، وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقْهُمَا، فَخَرَجَتَا، وَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث التعوِّذِ من عذاب القبر فى الصلاة، وهو صحيح ومذهب أهل الحق القول به واعتقاد صحته، وصحة فتنته وهو - والله أعلم - يعنى " فتنة المحيا والممات " التى استعاذ منهما النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة} (¬1) أو تكون معنى " فتنة الممات ": أى حين الموت والاحتضار، وسيأتى الكلام عليه فى الجنائز وفى آخر الكتاب [إن شاء الله] (¬2). وقولها: " ولم أُنْعم أَنْ أُصَدِّقْهُمَا ": أى لم تطب نفسى بذلك، ومنه أنعم الله عليه، ¬

_ (¬1) إبراهيم: 27. (¬2) من ت.

لَهُ: يَارَسُولُ اللهِ، إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَىَّ، فَزَعَمَتَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِى قُبُورِهِمْ. فَقَالَ: " صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ ". قَالَتْ: فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِى صَلاةٍ إِلا يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. 126 - (...) حدّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَفِيهِ: قَالَتْ: وَمَا صَلَّى صَلاةً، بَعْدَ ذَلِكَ، إِلا سَمِعْتُهُ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أى قرَّها بما تسرّ به، ومنه قولهم: نعم، أى [هو كما قلت صدقًا] (¬1) وذكر الاستعاذة من فتنة الدجال وقد مضى شىء من الكلام عليه، ويأتى آخر الكتاب. وفى تعليم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم الدعاء آخر الصلاة، وحضهم عليه، وفعله له - ما يدل على - عظيم موقع الدعاء، وفضله، وأن من مواطنه المرغب فيها إثر الصلوات. ¬

_ (¬1) فى ت: صدقت فيما قلت.

(25) باب ما يستعاذ منه فى الصلاة

(25) باب ما يستعاذ منه فى الصلاة 127 - (587) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَالَ: أَخَبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتعِيذُ فِى صَلَاتِهِ، مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. 128 - (588) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ". 129 - (589) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِى الصَّلاةِ: " اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِن الْمَأْثَم وَالْمَغْرَمِ ". قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذ مِنَ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ ". 130 - (588) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِى الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَائِشَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُدِ الآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى ذكر دعائه - عليه السلام - بما ذكر فى الصلاة جواز الدعاء فى الصلاة بما ليس

مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ". وَحَدَّثَنِيهِ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِقْلُ بْنُ زِيَادٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - جَمِيعًا عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُدِ " وَلَمْ يَذْكُرِ " الآخِرِ ". 131 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَاب النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ". 132 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو، عَنْ طَاوُسٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُوذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ، عُوذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، عُوذوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، عُوذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 133 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَاب الْقَبْرِ، وَعَذَابِ جَهَنَّمَ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ. 134 - (590) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرئَ عَلَيْهِ - عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من القرآن خلاف قول أبى حنيفة، وقد تقدم الكلام عليه، وقول طاووس (¬1) لابنه إذ لم يتعوَّذ، كما (¬2) علمهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك: " أعد صلاتك "، وفى رواية: أن رسول ¬

_ (¬1) فى ت: أبو طاووس، وهو خطأ. (¬2) فى ت: بما.

أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. يَقُولُ: " قُولُوا: اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ". قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: بَلَغَنِى أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لابْنِهِ: أَدَعَوْتَ بِهَا فِى صَلاتِكَ؟ فَقَالَ: لا. قَالَ: أَعِدْ صَلاتَكَ؛ لأَنَ طَاوُسًا رَوَاهُ عَنْ ثَلاثَةِ أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ كَمَا قَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [" كان يعلمهم ذلك كما كان يعلمهم السورة من القرآن "] (¬1) يدل أنه حمل أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، وبقوله: " عوذوا بالله " الحديث على الوجوب. ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن.

(26) باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته

(26) باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته 135 - (591) حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنْ أَبِى عَمَّارٍ - اسْمُهُ شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاتِهِ، اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا، وَقَالَ: " اللهُمَّ، أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ". قَالَ الْوَلِيدِ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِىِّ: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهِ، أَسْتَغْفِرُ الله. 136 - (592) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا سَلَّمَ، لَمْ يَقْعُدْ إِلا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: " اللهُمَّ، أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ: " يَاذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ". (...) وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ - يَعْنِى الأَحْمَرَ - عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ". (...) وحدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمدِ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، وَخَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ كِلاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ". 137 - (593) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ ابْنِ رَافِعٍ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ قَالَ: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا فَرغَ مِنَ الصَّلاةِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اللهم أنت السلام ومنك السلام ": السلام: اسم من أسماء الله تعالى، وقد مضى الكلام عليه قبل. وجاء دعاؤه - عليه السلام - فى هذه الأحاديث وغيرها جملة كقوله: " فتنة المحيا والمات "، فقد دخل فيه جماع دعاء الدنيا والآخرة، وجاء تفصيلاً كقوله: " أعوذ بك من المأثم والمغرم، وفتنة الغنى والفقر، والكسل والهم والبخل وكذا

لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ. اللهُمَّ، لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُريْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ وَرَّادٍ مَولَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ فِى رِوَايَتِهِمَا: قَالَ: فَأَمْلاهَا علَىَّ الْمُغِيرَةُ، وَكَتَبْتُ بِهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدَةُ بْنُ أَبِى لُبَابَةَ؛ أَنَّ وَرَّادًا مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنِ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ - كَتَبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ لَهُ وَرَّادٌ - إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، حِينَ سَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. إِلا قَوْلَهُ: " وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ " فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ. (...) وحدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ الْمُفَضَّلِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى أَزْهَرُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا " وهو داخل فى فتنة المحيا، وجاء [دعاؤه بالتعوذ] (¬1) من عذاب القبر، وعذاب النار، وفتنة القبر، وهو داخل فى فتنة الممات، فدل على جواز الدعاء بالوجهين. وقد جاءت الأحاديث بالأمر بالدعاء إلى الله فى كل شىء، وإن كان قد روى عن بعض السلف استحباب الدعاء بالجوامع، كما تقدم من الاستعاذة من فتنة المحيا والممات، وسؤال العفو والعافية فى الدنيا والآخرة ولكل مقام مقال. ودعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستعاذته من بعض هذه الأمور التى قد علم أنه عوفى منها وعصم ليلزم نفسه خوف الله وإعظامه، والافتقار إليه، ولتقتدى به أمته، وليَسُنَّ لهم سُنَّته فى الدعاء والضراعة، وهى حقيقه العبودية. قال الإمام: وقوله: " [و] (¬2) لا ينفع ذا الجد منك الجد " أى لا ينفع ذا الغنى منك غناه، والجد: الغنى والحظ من الرزق، وفى الأمثال " جَدَّك لا كَدَّك ". قال القاضى: وقد تقدم الكلام عليه قبل هذا والاختلاف فى ضبطه. ¬

_ (¬1) فى ت: تعوَّذه. (¬2) ساقطة من الأصل.

138 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبى عُمَرَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ لُبَابَةَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، سَمِعَا وَرَّادًا كَاتِبَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يَقُولُ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَى بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - إِذَا قَضَى الصَّلاةَ -: " لا إلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. اللهُمَّ، لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ". 139 - (594) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ؛ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ، حِينَ يُسلِّمُ: " لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ". وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ. 140 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ مَوْلَى لَهُمْ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يُهَلِّلُ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. وَقَالَ فِى آخِرِهِ: ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ. (...) وحدّثنى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، إِذَا سَلَّمَ، فِى دُبُرِ الصَّلاةِ أَوِ الصَّلَوَاتِ. فَذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى سند هذا الحديث: ابن عون، عن أبى سعيد، عن وَرَّادٍ كاتب المغيرة، قال الإمام: كذا وقع أبو سعيد غير مسمى، وسماه البخارى فى التاريخ الكبير: عبد ربه (¬1)، وتابعه على ذلك ابن الجارود و [قد] (¬2) ذكر البخارى عن إسحاق عن خالد عن الجريرى عن عبد ربه عن ورَّادٍ، قال الدارقطنى: لعله [اسم] (¬3) أبى سعيد. قال البخارى: ¬

_ (¬1) التاريخ 6/ 80. (¬2) و (¬3) من ت.

141 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرَادِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ الْمَكَىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَقُولُ، فِى إثْرِ الصَّلاةِ إِذَا سَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. وَقَالَ فِى آخِرِهِ: وَكَانَ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 142 - (595) حدّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، كِلاهُمَا عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - وَهَذَا حَدِيثُ قتَيْبَةَ - أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى والنعيم الْمُقِيمِ. فَقَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِه مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبقُونَ بِه مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ". قَالُوا: بَلَى: يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " تُسبِّحُونَ وَتُكبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ، ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً ". قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاء ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال عثمان بن عمر، عن ابن عون، عن أبى سعيد الشامى، عن ورَّاد، وقال ابن السَّكن فى مصنفه: أبو سعيد عن ورَّاد هو ابن أخى عائشة من الرضاعة، ووهم فى هذا؛ لأن أبا سعيد رضيع عائشة [و] (¬1) اسمه كثير بن عبيد (¬2) مشهور بذلك يعد فى الكوفيين، وذلك رجل شامى (¬3)، وأرى دخول الوهْم على ابن السكن (¬4) من قبل أن عبد الله بن عون يروى عنهما جميعاً، وقد حكى ابن عبد البر أن أبا سعيد فى هذا الإسناد هو الحسن البصرى وليس هذا بشىء، وقول البخارى ومن تابعه أولى. وذكر مسلم حديث أبى هريرة: أن فقراء المهاجرين أتوا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) كثير بن عبيد القُرشى التيمىُّ، والد أبى العنبس سعيد بن كثير، وجد عنبسة بن سعيد الحاسب، روى له البخارى فى الأدب، وأبو داود. تهذيب الكمال 24/ 143. (¬3) قال الحاكم أبو أحمد: هو عمرو بن سعيد الثقفى، وقال غيره: اسمه عبد ربه، وقيل: لا يعرف اسمه، وقال الذهبى فى الميزان: فيه جهالة. تهذيب الكمال 33/ 357. (¬4) وبمثل ما قال ابن السكن قال أبو عوانة الإسفرايينى. السابق.

وزاد غَيْرُ قُتيْبَةَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ: قَالَ سُمَىٌّ: فَحَدَّثْتُ بَعْضَ أَهْلِى هَذَا الْحَدِيثَ. فَقَالَ: وَهِمْتَ. إِنَّمَا قَالَ: " تُسَبِّحُ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتَحْمَدُ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتُكبِّرُ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ "، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِى صَالِحٍ فَقُلْتُ لَهُ ذَلِكَ. فَأَخَذَ بِيَدِى فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ. اللهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللهُ وَالْحَمْدُ للهِ. حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلاثَةً وَثَلاثِينَ. قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ رَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ. فَحَدَّثَنِى بِمِثْلِهِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 143 - (...) وحدّثنى أُميَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ " ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى " الحديث فى فضل التسبيح والتكبير والتحميد إثر الصلاة، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ". قال القاضى: قال أبو القاسم بن أبى صفره: فيه نص على فضل الغنى نصًا لا تأويلاً إذا استوت أعمالهم بما فرض الله عليهم، فللغنى حينئذ (¬1) فضل أعمال البر المتعلقة بالأموال بما لا سبيل للفقير إليها، وإنما يفضل الفقر والغنى إذا فُضِل صاحبه بالعمل، فهذا ظاهر معنى قوله: {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} (¬2)، إنها الأشياء الزائدة على ما يقدر عليه الفقراء من أعمال البر المالية، ورأيت بعض المتكلمين ومن يحتج لتفضيل الفقر على الغنى أغرق فى تأويله، وخالف ظاهره، وذهب أن هذا الفضل راجع إلى ثواب الفقراء على الأغنياء، وأنهم يختصون (¬3) بما خاطبهم به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعلمهم من فضل ذكرهم وسبقهم به من بعدهم ودرك من سبقهم، وإن هذا الفضل لهم دون غيرهم من الأغنياء [و] (¬4) إن قالوه، والفضائل ليست بقياس والأجور بفضل الله يؤتيها من يشاء، وهذا خلاف ظاهر الكلام ومفهومه، وقد قال فى الحديث الآخر: " لا يكون أحد أفضل منكم إِلا من صنع ما صنعتم " ولم يقل: " منكم " مطلقاً، وجعل [الفضل لقائله] (¬5) كائناً من كان. قال الإمام: قال الهروى: واحد الدثور دثر وهو المال الكثير، ومنه حديثه الآخر حين دعا لطهفة: " وابعث راعيها فى الدثر" (¬6) يقال: مال دثر ومالان دثره. قال الإمام: وكذا الدبر بالباء وكسر الدال، معناه أيضاً ومعنى الدثر واحد. قال ابن ¬

_ (¬1) فى ت: يومئذ. (¬2) الجمعة: 4. (¬3) فى ت: مختصون. (¬4) من ت. (¬5) فى ت: الفضائل لقائليها. (¬6) النهاية 2/ 100.

ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ، إِلا أَنَّهُ أَدْرَجَ، فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَوْلَ أَبِى صَالِحٍ: ثُمَّ رَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِى الْحَدِيثِ: يَقُولُ سُهَيْلٌ: إِحْدَى عَشَرَةَ إِحْدَى عَشَرَةَ. فَجَمِيعُ ذَلِكَ كُلُّهُ ثَلاثَةٌ وَثَلاثُونَ. 144 - (596) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ ابْنِ عُجْرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مُعَقِّبَاتٌ لا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً ". 145 - (...) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ السِّكيت: الدبر المال الكثير، يقال: مال دبر وأموال دبر. قال القاضى: قال ابن دريد فى الجمهرة: جاء بمال دثر أى كثير، ورويناه فى كتاب ابن إسحاق فى خبر النجاشى: دبر من ذهب، بفتح الدال، وقال ابن هشام: ويقال: دبر، قال: وهو الجبل بلغة الحبشة. وقال ابن دريد فى الجمهرة - أيضاً -: الدثر قطعة تجسّر (¬1) فى البحر كالجزيزة (*)، وحكى أبو عمر المطرز أن الدثر - بالثاء - تثنى وتجمع، خلاف ما حكاه الهروى. ذكر مسلم: الخلاف فى أعداد الذكر فى هذا الحديث وغيره بعد الصلاة، وقول أبى صالح: إن جميعها ثلاث وثلاثون وتفصيل سهيل لها " إحدى عشرة إحدى عشرة " وقول كعب بن عجرة: " ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة " وحديث عطاء عن أبى هريرة بمثله، وذكر فى التكبير ثلاثًا وثلاثين تمام المائة: لا إله إِلا الله - الحديث، وقد ذكر مثل هذا مالك فى موطئه عن أبى هريرة موقوفاً (¬2)، وقال: وهذا أولى من تأويل أبى صالح: أن ثلاثاً وثلاثين من جميعهن، إذ قد فسر ذلك أبو هريرة فى هذا الحديث. وقوله: " معقبات لا يخيب قائلهن ": قال الهروى: قال مشمر: أراد تسبيحات تخلف بأعقاب الصلوات، وقال أبو الهيثم. سميت بذلك؛ لأنها عادت مرة بعد مرة، ¬

_ (¬1) فى ت: تحبس. (¬2) ك القرآن، ب ما جاء فى ذكر الله تبارك وتعالى 1/ 210. (*) قال معد الكتاب للشاملة: في جمهرة اللغة لابن دريد (1/ 243): [والدبر: قِطْعَة تغلظ فِي الْبَحْر كالجزيرة] يعلوها المَاء وينضب عَنْهَا.

الزَّيَّاتُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مُعَقِّبَاتٌ لا يَخِيبُ قَائلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً، فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ". (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلائِىُّ عَنِ الْحَكَمِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 146 - (597) حدّثنى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِىُّ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ الْمَذْحِجِىِّ - قَالَ مُسْلِمٌ: أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىَّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٍ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكل من عمل عملاً ثم عاد إليه فقد عقَّبَ. وقوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْه} (¬1): أى ملائكة يعقب بعضهم بعضاً، وقال الدارقطنى فى حديث كعب بن عجرة: رفع هذا الحديث جماعة، واختلف فى رفعه، على شعبة ومنصور، والصواب وقفة؛ لأن من رفعه لا يقارن منصوراً أو شعبة. قال الإمام: وذكر مسلم حديث سهيل [ابن] (¬2) أبى صالح، عن أبى عُبَيَد الْمَذحجِى، عن عطاء بن يزيد الليثى، عن أبى هريرة [عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬3): " من سَبَّح (¬4) فى دبر كل صلاةٍ " الحديث، ثم خرجه بعد ذلك عن محمد بن الصباح: ثنا إسماعيل ابن زكرياء، عن سُهيل، عن أبى عُبَيْدٍ عن عطاءٍ، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثله (¬5)، فَذكر عطاء غير منسوب. قال أبو مسعود الدمشقى: يُذكر أنَّ محمد بن ¬

_ (¬1) الرعد: 11. (¬2) فى ت: عن. (¬3) من ق. (¬4) فى المطبوعة: سبَّح الله. (¬5) الذى فى المطبوعة: بمثله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصباح (¬1) نسبه فقال: عطاء بن يسار، وأخطأ فيه، فإن كان هذا فإن مسلماً أسقط الخطأ من الإسناد ليقرب من الصواب، وقد روى مالك هذا الحديث عن أبى عبيد مولى سليمان عن عطاء [ابن] (¬2) يزيد عن أبى هريرة موقوفاً (¬3). ¬

_ (¬1) الدّولابى، الإمام الحافظ الحجة، البزَّار، مصنِّف السنن، حدَّث عنه أحمد بن حنبل، وابنه عبد الله، والبخارى، ومسلم، وأبو داود، وإبراهيم الحربى، وأبو حاتم، قال فيه يعقوب بن شيبة: ثقة صاحب حديث، مات بالكرخ سنة سبع وعشرين ومائتين. سير 10/ 671. (¬2) ساقطة من ت، ق. (¬3) الموطأ، ك القرآن، ب ما جاء فى ذكر الله تبارك وتعالى 1/ 210 عن عطاء بن يزيد الليثى.

(27) باب ما يقال بين التكبير والقراءة

(27) باب ما يقال بين التكبير والقراءة 147 - (598) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَن أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَبَّرَ فِى الصَّلاةِ سَكَتَ هُنيّةٍ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: " أَقُولُ: اللهُمَّ، بَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللهُمَّ، نَقِّنِى مِنْ خَطَايَاىَ كَمَا يُنقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ. اللهُمَّ، اغْسِلْنِى مِنْ خَطَايَاىَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - كِلاهُمَا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 148 - (599) قَالَ مُسْلِمٌ: وَحُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ وُيونُسَ الْمُؤَدِّبِ وَغَيْرِهِمَا، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان إذا كبر سكت هنية " (¬1) كذا (¬2) روايتنا فيه عن جملتهم، وعند الطبرى: " هنيهة " تصغير هَنَة، والهنة والهن كناية عن كل شىء وتلحق الهاء أحياناً فيه إذا صُغِّر، وسكوته هنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بين أنه لدعاء التوجه، وليست السكتة التى يسكتها الإمام لقراءة من خلفه - على من رأى ذلك - بدليل قول أبى هريرة فى الحديث الذى بعده: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالين ولم يسكت "، وقد تقدم الكلامُ فى سكتات الصلاة قبل، وفى التوجه والاختلاف فيه. وقوله: " دبر كل صلاة ": أو فى آخرها وإثر فراغها وحكى أبو عمر فى اليواقيت: دَبْر كل شىء - بِفتح الدال - آخر أوقات الشىء، الصلاة وغيرها، قال: وهذا المعروف فى اللغة، قال، فأما الجارحة فبالضم، وقال الداودى عن ابن الأعرابى: دَبْر كل شىء ودبُرُهُ بالوجهين: آخر أوقات الشىء، والدِّبارُ جمعه، ودابر الشىء آخره أيضًا. قال الإمام: وخرج مسلم فى باب ما يقال بين التكبير والقراءة (¬3): حُدِّثت (¬4) عن ¬

_ (¬1) لفظ المطبوعة: كان إذا كبَّر فى الصلاة. (¬2) فى ت: هكذا. (¬3) الذى فى المطبوعة. باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة. (¬4) فى ت: حديثا.

قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَهَضَ منَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1). وَلَم يَسْكُتْ. 149 - (600) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ وَثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ. فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ: " أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟ ". فَأَرَمَّ الْقَوْمُ. فَقَالَ: " أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأسًا " فَقَالَ رَجُلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى بن حسان (¬2) ويونس المؤدب (¬3) وغَيرِهما قالوا: ثنا (¬4) عبد الواحد عن عمارة، الحديث. هذا حديث مقطوع من الأحاديث الأربعة عشر المقطوعة فى هذا الكتاب. قال القاضى: وذكر مسلم حديث أنسٍ " أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النَّفَسُ فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه " الحديث، فيه فضل هذا القول، وهو بعد قوله: " ربنا ولك الحمد " كذا جاء مفسراً فى حديث آخر فى الموطأ (¬5) والبخارى، وترجم عليه: " فضل: اللهم ربنا ولك الحمد " (¬6) وذكر " بضعة وثلاثين ملكاً " مكان " اثنى عشر ملكاً "، فى كتاب مسلم: " يَبْتَدِرُونَها أَيُّهُم يرفعها "، وعند مالك والبخارى: " أيهما يكتبها أولاً "، وترجم عليه فى حاشيته [كتاب] (¬7) مسلم على ظاهر الحديث " فضل الذكر حين دخول الصلاة "، والتراجم ليست من عمل مسلم ولا هى فى كل النسخ، وما روى عن مالك من كراهية هذا القول المذكور فى الحديث فسبيل " أن تجعل سنة، أو من أذكار الصلاة المشروعة، وفيه أن غير الحفظة قد تكتب أعمال العباد وطاعاتهم وترفعها وتتنافسَ فى ذلك وترغب فيه. وقوله: " حَفَزَهُ النَّفَسُ " أى كدَّه بسرعة سيره لدرك الصلاة مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: " فأرَم القوم " بفتح الراء وتشديد الميم، أى سكتوا، مأخوذة من المِرمَّة، وهى الشَفة، أى أطبقوها، وقيل: وقد رواه بعضهم - أيضاً - فى غير الأم: " فأزَم القوم " بالزاى مفتوحة، وميم مخففة، بمعنى الأول، أى سكتوا وأمسكوا عن الكلام، ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة. (¬2) يحيى بن حسَّان بن حيَّان التِّنيسى البكرى، أبو زكريا البصرى، سكن تِّنيس فنسب إليها، وأصله من دمشق كما ذكر ابن حبَّان توفى بمصر فى رجب سنة ثمان ومائتين. (¬3) يونس المؤدب هو أبو محمد بن محمد بن مسلم البغدادى، ذكره ابنُ حبان فى الثقاتِ وقال: مات لتسع خلون من صفر سنة سبع ومائتين. تهذيب الكمال. (¬4) الذى فى المطبوعة: حدثنا. (¬5) ك القرآن، ب ما جاء فى ذكر الله تبارك وتعالى. (¬6) ك الأذان، ب فضل اللهم ربنا لك الحمد برقم (796). (¬7) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِى النَّفَسُ فَقُلْتُهَا. فَقَالَ: " لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَىْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا ". 150 - (601) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنِى الْحَجَّاجُ ابْنُ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّى مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ الْقَائِلُ كَلَمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ ". قَالَ رَجُلٌ منَ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ". قَالَ ابْنُ عَمَرَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوُل ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مأخوذ من الأزم [وهو بمعناه، أى أمسكوا عن الكلام] (¬1) وأصله شدّ الأسنان بعضها على بعض. وقوله: " الله أكبر كبيراً " قيل: هو على إضمار فعل، أى: كَبَّرتُ كبيراً، وقيل: على القطع، وقيل: على التمييز (¬2). ¬

_ (¬1) سقط من ق، وهى فى ت: وهو بمعنى امسكوا. (¬2) وقيل: حال مؤكدة لمضمون الجملة، وقوله: إنه منصوب على القطع بمعنى إنشاء المدح، أمدح كبيراً غير مُسَلَّم؛ لأن النصب على القطع إنما يكون فيما يصِح أن يكون صفة، ولا تصح الصفِة هنا؛ لوجود أفعل التفضيل وكذلك قوله: إنها تمييز، يرد عليه بأن تمييز أفعل التفضيل شرطه أن يكون مغايراً للفظها نحو: {أَحْسَنَ عَمَلا} [الكهف: 30] فتعين إضمار الفعل أو الحال المؤكدة.

(28) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهى عن إتيانها سعيا

(28) باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهى عن إتيانها سعيا 151 - (602) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَالَلَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا أَقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوَا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تَسْعون " الحديث: أمر بأخذ الوقار والسكينة فى السير إلى الصلاة؛ لأن الماشى إليها عامل بعض ما يتوصل إليها به، فهو فى عملها وطاعتها وانتظار عملها فهو كمن هو فى صلاة، كما جاء فى الحديث: " فإن أحدكم فى صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة " (¬1)، فيجب أن يلتزم حينئذٍ ما يلتزمه المصلى، وهذا مذهب مالك واختياره، وفسر قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه} (¬2) بالمشى والعمل لا بالجرى والاشتداد، وأيضًا فإنه إذا اشتد وجرى دخل فى الصلاة مبهوراً، فلم يتمكن من قراءة ولاخشوع. وقد رخص جماعة من السلف فى الهرولة والإسراع إليها إذا خاف فواتها، وروى عن ابن عمر، واختلف عن ابن مسعود فى ذلك، وقال إسحاق: يسرع إذا خاف فوات الركعة، وروى عن مالك نحوه وقال: لا بأس من كان على فرس أن يحرك الفرس، وتأوَّله بعضهم على الفرق بين الراكب والماشى؛ لأن الراكب لا يَبْهرُ كبَهْرِ الراجل. والقول الأول أظهر؛ لظاهر الحديث ولقوله: " عليكم السكينة "، وذكر الوقار والسكينة [هنا و] (¬3) هما بمعنى "، قيل: على طريق التأكيد، وهو من التسَمُّتِ والسكون والاستقرار والتثاقل عن الخفة والعجلة. وقوله: " فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " قوله هذا، وقوله فى الحديث الآخر: ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " فإن أحدَكم إذا كان يعمدُ إلى الصلاةِ فهو فى صلاة ". (¬2) الجمعة: 9. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ت.

152 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا ثُوِّبَ للِصَّلاةِ فَلا تَأتُوهَا وَأَنْتمْ تَسْعَوْنَ، وَأَتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا، فإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاةِ فَهُوَ فِى صَلاةٍ ". 153 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا نودِىَ بِالصَّلاةِ فَأتوا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِيَنَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ". 154 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ - عَنْ هِشَامٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ " فصل (¬1) ما أدركت واقض ما سبقك " اختلف العلماء، هل ما أدرك أوَّل صلاته لقوله: " وما فاتكم فأتموا؟ " وهو قول جمهور العلماء والسلف، أو ما أدرك آخر صلاته لقوله: " واقض ما سبقك "؟ وهو قول جماعة من السلف وأبى حنيفة، وكلا القولين عن مالك - رحمه الله - وكبراء أصحابه، ثم القائلون (¬2) بأن ما أدرك أول صلاته جمهورهم على أنه لا يخالف بها الإمام فى قراءة ولا عمل لكنها أوَّلُ صلاته وابتداؤها حقيقة، ثم يتم ما فاته منها على نحو ما فاته، ومما أدرك تكبيرة الإحرام ولا تكون إِلا فى أول الصلاة، ويسلم بعد القضاء وهو فى آخر الصلاة، وذهب بعضهم إلى قراءته لنفسه ورآه فيما أدرك بما كان يقرأ فى أول صلاته، ويتمّها بعد سلام الإمام على أنها آخر صلاته، يقرأ بأم القرآن فقط على معنى قوله: " فأتموا "، وإلى هذا ذهب إسحاق والمزنى وأهل الظاهر، ومعنى " اقضوا " عند هؤلاء و " أتموا " واحد، فالعرب تستعمل القضاء على غير معنى إعادة ما مضى، قال الله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات} (¬3): أى صنعهن وأوجدهن، وقالوا: قضى فلان حقَّ فلان، وقال الله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاة} (¬4) وقوله: " وما فاتكم " دليل على جواز قول: فاتتنا الصلاة خلاف ما كره ابن سيرين من ذلك، وأنه إنما يَقول: لم ندركها. قال مسلم فى الباب: [ثنا] (¬5) إسحاق بن ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: صَلِّ. (¬2) فى ت: القائلين. (¬3) فصلت: 12. (¬4) الجمعة: 10. (¬5) الذى فى المطبوعة: حدثنى.

هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَلا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ. صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ ". 155 - (603) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصُّورِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ؛ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ جَلَبَةً. فَقَالَ: " مَا شَأْنُكُمْ؟ ". قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاةِ. قَالَ: " فَلا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ منصور [نا] (¬1) محمد بن المبارك الصورى [قال: ثنا] (¬2) معاوية بن سلام عن يحيى ابن أبى كثير، بسنده المتقدم؛ لأن شيبان (¬3) من طبقة معاوية بن سلام. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: أخبرنا. (¬2) الذى فى المطبوعة: حدثنا. (¬3) شيبان بن عبد الرحمن التميمى النحوى المؤدب البصرى، كنيته أبو معاوية. والقاضى يقصد من عبارته أن شيبان حدث معاوية بن هشام بهذا الإسناد، وقال النووى: وكان ينبغى لمسلم أن يقول: عن يحيى؛ لأن شيبان لم يتقدم له ذكر، وعادة مسلم وغيره فى مثل هذا أن يذكروا فى الطريق الثانى رجلاً ممن سبق فى الطريق الأول، ويقولوا بهذا الإسناد حتى يعرف. وكأن مسلماً - رحمه الله تعالى - اقتصر على شيبان للعلم به بأنه فى درجة معاوية بن سلام، وأنه يروى عن يحيى بن أبى كثير. والله أعلم.

(29) باب متى يقوم الناس للصلاة؟

(29) باب متى يقوم الناس للصلاة؟ 156 - (604) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أبَى سَلَمَةَ وَعبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِى ". وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: " إِذَا أُقِيمَتْ أَوْ نُودِىَ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حَجَّاج بْنِ أَبِى عُثْمَانَ. ح قَالَ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ شَيْبَانَ، كُلُّهُمُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَزاَدَ إِسْحَاقُ فِى رِوَايَتِهِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَشَيْبَانَ: " حَتَّى تَرَوْنِى قَدْ خَرَجْتُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أبى قَتَادةَ: " إِذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى ترونى ": قيل ذلك؛ لئلا يطرأ عليه عارض يُمسكه عن الإسراع للخروج فيشق على الناس انتظاره قياماً، وفيه جواز الإقامة والإمام فى منزله إذا كان يسمعها، وفيه أن القيام للصلاة لا يلتزم بالإقامة، أو قوله: قد قامت الصلاة أو حىّ على الفلاح، على ما نذكره من اختلاف العلماء، وإنما يلزم بخروج الإمام. وفى الحديث الآخر عن بلال: " أنه كان لا يقيم حتى يخرج النبى - عليه السلام - فإذا خرج أقام حين يراه " (¬1)، وفى حديث أبى هريرة: " أقيمت الصلاة فقمنا فعدَّلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام مقامه " (¬2)، وفى حديثه (¬3) الآخرِ: " كانت تقام الصلاة فيأخذ الناس (¬4) مصافَّهم قبل أن يقوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقامه ": يجمع بين مختلف هذه الأحاديث بأن بلالاً كان يراقب ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " كان بلالٌ يؤذنُ إذا دَحَضَتْ، فلا يقيمُ حتى يخرُج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا خرَج أقام الصلاة حين يراه " ومعنى " دحضت ": أى زالت الشمس. (¬2) بعدها فى ق: فصلى. والذى فى المطبوعة " فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا قامَ فى مُصَلَّاهُ قبل أن يُكَبِّر، ذكر فانصَرَفَ، وقال لنا: " مكانكُم " فلم نَزَلْ قياماً ننتظِرُه حتى خَرَجَ إلينا، وقدِ اغتسَل ينطِفُ رأسه ماءً فكبَّر، فصلَّى بنا ". (¬3) فى ت: الحديث. (¬4) فى ق: القوم، والحديث فى المطبوعة: أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... الحديث.

157 - (605) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وحَرْمَلَهُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَا: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِى مُصَلاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا: " مَكَانَكُمْ " فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا ننْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا، وَقَدِ اغْتَسَلَ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا. 158 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو - يَعْنِى الأَوْزَاعِىَّ - حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ مَقَامَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهَمْ بِيَدِهِ، أَنْ: " مَكَانَكُمْ " فَخَرَجَ وَقَدِ اغْتَسَلَ ورَأْسُهُ يَنْطِفُ الْمَاءَ، فَصَلَّى بِهِمْ. 159 - (...) وحدّثنى إِبْرَاهِيمَ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ، قَبْلَ أَنْ يَقُومَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حيث لا يراه غيره أو إِلا القليل، فلأول خروجه أقام هو: ثم لا يقوم الناس حتى يظهر للناس ويروه، ثم لا يقوم مقامه حتى يُعدِّلوا صفوفهم، وأن الرواية الأخرى عن أبى هريرة: " وأخذ الناس مصافهم قبل خروجه " (¬1) كانت مرةً أو لعذرٍ، ولعل نهيه فى حديث أبى قتادة كان بعدها بدليل طول انتظارهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها وللأمر (¬2) الذى شغله عنهم، وقد اختلف السلف والعلماء متى يقوم الناس فى الصلاة ومتى يُكَبِّر الإمام؟ ومذهب مالك وجمهور العلماء أنه ليس لقيام الناس حد عند الإقامة لكن استحب عامتهم قيامهم إذا أخذ المؤذن فى الإقامة وروى عن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن: " قد قامت الصلاة "، وذهب الكوفيون إلى أنهم يقومون فى الصف إذا قال: " حىَّ على الفلاح "، فإذا قال: " قد قامت الصلاة " كبَّر الإمام فإن لم يكن معهم كره لهم القيام فى الصف وهو غائب، ووافق الشافعى وأصحاب الحديث فى هذا الموضع إذا لم يحضر الإمام، وحكى عن سعيد ابن المسيب [أنه] (¬3) إذا قال المؤذن: " الله أكبر"، وجب القيام فإذا قال: " حى الصلاة "، اعتدلت الصفوف، فإذا قال: " لا إله إِلا الله "، كبر الإمام، ونحوه عن عمر بن عبد العزيز ومذهب عامة أئمة المسلمين لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: قبل أن يقوم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقامه. (¬2) فى الأصل. والأمر، والمثبت من ت. (¬3) من ت.

160 - (606) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: كَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ إِذَا دَحَضَتْ، فَلا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ الصَّلاةَ حِينَ يَرَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان بلال يؤذن إذا دحضَتْ [ولا يقيم حتى يجىء] (¬1) النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": أى إذا زالت، قال الهروى: وذلك إذا انحطت للغروب. قال القاضى: يعنى - والله أعلم فى [غير] (¬2) هذا الحديث، وإلا فقد جاءت بمعنى الزوال نفسه بعد هذا مفسراً بقوله: " كان يصلى الظهر إذا دحضت الشمس "، وجاء هذا الحديث الأول غير معين، فهو محتمل للصلاتين، فمن يجعله المغرب فكأن معناها هنا غربت، وأصله الزلق وهو الدحض، شبه سرعة انحدارها للغروب بالزلق. وقوله: ينطف رأسه ماءً (¬3): يقطر، والنطفة: القطرة من الماء. وقوله: أشار إلينا مكانكم فلم نزل ننتظره قياماً حتى خرج وقد اغتسل فكبر وصلى بنا (¬4)، بين فى هذه الرواية أن انتظارهم له كان وهم قيام فى مصارفهم ولم يذكر أنه أعاد الإقامة، ولعل هذا لقرب رجوعه وسرعة ظهوره بدليل قوله لهم: " مكانكم " وبقائهم قياماً، وبهذا قال مالك: إن من انصرف من صلاته أو قطعها لعذرٍ أنه إن كان لم يطل فإنه يعود إليها بالإقامة الأولى، وإن كان قد طالت صلاته أو عمله فيبتدأ إقامة أخرى. وتأول بعض المشايخ على قوله فى المدونة فى المصلى بثوب نجس يقطع الصلاة ويستأنفها بإقامة جديدة، وكذلك قوله فى القهقهة فى الصلاة يقطع ويستأنف ويعيد الإقامة: أنَّ مذهبه متى كان قاطعاً لصلاته لأمرٍ أوجبه أن يعيد الإقامة فى القرب والبعد؛ إذ الإقامة المتقدمة لصلاة قد قطعها بخلاف إذا طرأ له العذر قبل دخوله فى الصلاة أو أخَّر الدخولَ فيها فهذا تجزيه إقامته بالقرب؛ لأنه لذلك العمل أقام، ولم يفرق غيره بين الوجهين، وتأول المسألتين أنه أطال الصلاة وبعد من الإقامة الأولى. وقوله فى الحديث: " قبل أن يُكَبِّر " دليل بين أنه لم يكن دخل فى الصلاة، وفى البخارى: " وانتطرنا تكبيره (¬5)، وقد ذكر أبو داود الحديث (¬6). وفيه أنه كان إذا دخل فى ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: فلا يقيم حتى يخرج، وما فى الإكمال أدق وأليق بالسياق. (¬2) يقتضيها السياق. (¬3) فى المطبوعة: ورأسُه ينطفُ الماءَ. (¬4) الذى فى المطبوعة: " وقال لنا: " مكانكم "، فلم نزل قياماً ننتظِرُه حتى خرَج إلينا وقد اغتسل ينطِفُ رأسه ماءً، فكبَّر فصلَّى بنا ". (¬5) ك الأذان، ب هل يخرج من المسجد لعلة (639). (¬6) ك الطهارة، ب فى الجنب يصلى بالقوم وهو ناس (234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة فأومأ بيده أن مكانكم، واستدل منه على جواز صلاة من صلى خلف الجنب، ويجب أن يجمع بين الأحاديث، وأن معنى دخوله فى الصلاة أى للصلاة، كما قال فى الرواية الأخرى فى الأم: " حتى إذا قام فى مصلاه "، " وقام مَقَامه " فى الأخرى، ثم بيَّن وفسر بقوله: " قبل أن يكبر "، فأثبت وزاد ما أغفله غيره ونسيه أو ترك بيانه، وقد يحتج به من يرى أن إقامة أهل المسجد تجزى لكل من يصلى فيه بعده، وهو قول الحسن وأبى حنيفة.

(30) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

(30) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة 161 - (607) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ ". 162 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ مَعَ الإِمَامِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ": لا خلاف أن اللفظ ليس على ظاهره، وأن هذه الركعة تجزيه من الصلاة دون غيرها، وإنما ذلك راجع إلى حكم الصلاة، وقيل: معناه: فضل الجماعة، وهو ظاهر حديث أبى هريرة، هذا فى رواية ابن وهب عن يونس عن الزهرى وزيادته قوله: " مع الإمام " وليس هذه الزيادة فى حديث مالك عنه، ولا فى حديث الأوزاعى وعبيد الله بن عمر ومعمر، واختلف فيه عن يونس عنه، وعليه يدل إفراد مالك له فى التبويب فى الموطأ (¬1)، وقد رواه بعضهم عن مالك مفسراً: " فقد أدرك الفضل "، ورواه [أيضاً] (¬2) بعضهم عن ابن شهاب، وهذا الفضل لمن تمت له الركعة كما قال، وفى مضمونه أنه لا يحصل بكماله لمن لم تتحصل له الركعة، وقد روى عن أبى هريرة وغيره من السلف أنه وإن انتهى إلى القوم وهم قعود فى صلاتهم أنه يدخل فى التضعيف، وكذلك إن وجدهم سلموا، ولا يصح أن أجر من أدرك جميع الصلاة كأجر من لم يُدرك منها إِلا بعضها؛ لقوله: " ومن فاته أم القرآن فقد فاته خير كثير " لكن تضعيف الأجر حاصل له بفضل الله وفاته خير كثير، وكذلك تكون معنى ما ذهب إليه السلف فيمن لم يدرك ركعة أن له بنيته أجراً من التضعيف والسعى إليه والله أعلم. وذهب داود وأصحابه فى آخرين أن الحديث فى إدراك الوقت، فجعلوه بمعنى الحديث الآخر: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " وهما حديثان فى سُنَّتين لهما حكمان، وفيهما دليل على أن من لم يدرك ركعة فليس بمدرك لفضل تلك الصلاة ولا حكمها، مما لزم إمامه من سجود سهو، أو انتقال فرضه من اثنتين إلى أربع فى الجمعة أو ¬

_ (¬1) ك الصلاة، ب ما جاء فى النداء للصلاة 1/ 68. (¬2) ساقطة من ت.

(...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ وَالأَوْزَاعِىِّ وَمَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ وَيُونُسَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح قَالَ: وحَدَّثَنَا اْبْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: " مَعَ الإِمَامِ ". وَفِى حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: " فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ كُلَّهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ انتقاله إلى حكم نفسه إن اختلف حالهما من السفر والإقامة، وهذا قول مالك والشافعى فى أحد قوليه، وعامة فقهاء الفتيا وأئمة الحديث، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف وأصحابهما والشافعى - أيضاً - أنه بالإحرام يكون مدركًا لحكم الصلاة واتفق هؤلاء على إدراكهم العصر بتكبيرة قبل غروب الشمس. واختلفوا فى الظهر؛ فعند الشافعى فى أحد قوليه: هو مدرك بالتكبيرة لهما لاشتراكهما فى الوقت، وعنه أنه بتمام القامة للظهر يكون قاضياً لها بعد، وهذا الإدراك يكون لمعنيين: أحدهما: أن يكون لمن أخَّر الصلاة فهو مدرك للأداء بإدراك ركعة، وليس يكون قاضياً بصلاته بعضها بعد وقتها كمدرك ركعة من صلاة الإمام، فله فى جميعها حكم الإمام. ولا يدل هذا على إباحته للتأخير إلى هذا الحد، بدليل النهى عن تأخير الصلاة إلى هذا الوقت، ووصفها بصلاة المنافقين، وقد يحمل الحديث على من كان بصفة المكلفين فى هذا الحين فأدركه وجوب الصلاة، أو حكم من أحكامها فى هذا الوقت، فهو مدرك له، وهذا قول مالك وأصحابه فى معنى الحديث، وهم الذين عبروا عنهم بأصحاب الأعذار، وذلك الكافر يسلم، والصغير يبلغ، والحائض تطهر، والمغمى عليه يفيق، والمسافر يقدم أو يرحل. وهذه الركعة التى يكون فيها مدركاً للأداء. والوجوب فى الوقت هو قدر ما يكبر فيه للإحرام وقراءة أم القرآن بقراءة معتدلة، ويركع ويرفع ويسجد سجدتين يفصل بينهما، ويطمئن فى كل ذلك، على من أوجبَ الطمأنينة، فهذا أول ما يكون به مُدركًا، وعلى [قول] (¬1) من لا يوجب أم القرآن فى كل ركعة تكفيه تكبيرة الإحرام والوقوف لها، وأشهب لا يراعى إدراك السجود بعد الركعة [أخذاً لظاهر الحديث، وأما الركعة] (¬2) التى يدرك لها فضيلة الجماعة فأن يكبر لإحرامه (¬3) قائماً ثم يركع، ويمكن يديه من ركبتيه ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، وقيدت بهامش ت. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬3) فى ت: للإحرام.

163 - (608) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنِ الأَعْرَجِ، حَدَّثُوهُ عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْركَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ ". (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. 164 - (609) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل رفع الإمام رأسه. هذا مذهب مالك وأصحابه، وجمهور الفقهاء من أهل الحديث والرأى، وجماعة من الصحابة والسلف. وروى عن أبى هريرة أنه لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الإمام قائماً قبل أن يركعها معه، وروى نحوه عن أشهب من أصحابنا، وروى عن جماعة من السلف أنه متى أحرم والإمام راكع أجزأه، وإن لم يدرك الركوع وركع بعد الإمام كالنَّاعِس، واعتد بالركعة، وقيل: يجزئه وإن رفع الإمام ما لم يرفع الناس، وقيل: أجزأه إن أحرم قبل سجود الإمام. وقوله: " من أدرك ركعةً من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد اْدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ": حجة بينة للجماعة فى تسوية الصلاتين، وأن من أدرك منها ركعة فطلعت عليه الشمس أو غربت، فصلى بقية صلاته، كان مدركاً لأدائها أو حكمها، خلافاً لقول أبى حنيفة فى تفريقه بين الصبح والعصر، فجعله يُتم فى العصر؛ لأنه دخل عليه وقت [تجوز فيه الصلاة، ولا يتم فى الصبح لأنه دخل عليه وقت] (¬1) تمنع فيه الصلاة ونهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة فيه، فيفسد عليه عنده الصبح إذا صلى منها ركعة، ثم يصليها بعد ارتفاع الشمس، وعند الجماعة أنه يصلى عند الطلوع والغروب كل فرض ذكره من صلاته (¬2) ومنع من الصلاة حينئذ جملة إِلا عصر يومه فقط، وقد جاء فى الأم من رواية الليث: " أن عمر أخَّر الصلاة شيئاً ". قال ابن أبى صفرة: فهذا يدل أنه إنما أخَّرها عن الوقت المستحب، ويدل أيضاً من قوله فى الرواية المعروفة: " يوماً " أنه كان نادراً من فعله ولم تكن عادته. وقوله: " من أدرك من العصر سجدة " فى حديث حرملة، فسَّره فى الأم بأنها الركعة، ¬

_ (¬1) من هامش ت. (¬2) فى ت: صلواته.

وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنُ وَهْبٍ - وَالسِّياقُ لِحَرْمَلَةَ - قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا " وَالسَّجْدَةُ إِنَّمَا هِىَ الرَّكْعَةُ. 165 - (608) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَدْرَكَ منَ الْعَصْرَ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ ". (...) وحدّثناه عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ؛ قَالَ: سَمِعْتُ مَعْمَرًا، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك أنه قد يعبر بكل واحد منهما على الآخر، واحتج بهذا الحنفى والشافعى فى أحد قوليه فى أنَّ مدرك تكبيرة الإحرام مدرك، وأن تعبيره مرة بالسجدة (¬1) ومرة بالركعة عبارة عن بعض الصلاة وإدراك شىء منها، وأنه لم يرد بالسجدة الركعة على ظاهره، ولا أراد بالركعة الحد أنه لا يجزئ ما هو أقل منها لذكره السجود. ¬

_ (¬1) فى ت: بالسجود.

(31) باب أوقات الصلوات الخمس

(31) باب أوقات الصلوات الخمس 166 - (610) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ، فَصَلَّى إِمَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ. فَقَالَ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِى مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِى، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ". يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَواتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث الأوقات قال الإمام: قوله فى حديث بشير بن مسعود: " أما علمت أن جبريل نزل فصلى " (¬1) الحديث ليس هذا بحجة مستقلة، إذا لم يُسَّمِ له فى أى وقت صلى به جبريل - عليه السلام - والمفهوم منه أنه إنما أحاله على أمر علمه عمر، فبهذا يكون حجةً عليه. وقوله: " فنزل (¬2) فصلى، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": إذا اتبع فيه حقيقة اللفظ أعطى أن صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت بعد فراغ صلاة جبريل، لكن مفهوم هذا الحديث والمنصوص فى غيره، أن جبريل أمَّ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيحمل قوله: " صلى فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬3) على أن جبريل كلما فعل جزءاً من الصلاة فعله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده، حتى تكاملت صلاتهما. واحتج بهذا الحديث من يقول بجواز صلاة المفترض خلف المتنفل، فقال: صلاة جبريل كانت نافلة واعتقدوا برواية من روى فى حديث جبريل " بهذا أُمْرتَ " بالنصب، والجواب عن ذلك أن تقول: إن كنتم أخذتم ذلك من مقتضى الحديث لأجل إخباره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مأمور بذلك فلا حجة فيه، إذ ليس فى إخباره أنه أمر بذلك دليل على جبريل لم يؤمر بذلك، بل يصح أن يكون أمر أيضاً، وإن كنتم أخذتم ذلك من أن جبريل لا يكلَّفُ ما كلِّفناه من شريعتنا قيل: ولا يبعُدُ - أيضاً - فى جهة التنفل، فيكون فى حقِّه نافِلَةً، ويصح أن يقال - أيضاً - إنما يتم ما احتججتُم به إذا سلم لكم أن تلك الصلاة كانت واجبةً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو قيل: إنما استقر عليه وجوبها بعد بيان ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: أما إن جبريل قد نَزَل فصلَّى. (¬2) الذى فى المطبوعة: نزل، بغير الفاء. (¬3) الذى فى المطبوعة: فصلى فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

167 - (...) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْمًا - وَهُوَ بِالْكُوفَةِ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىُّ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُ. فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: انْظُرْ مَا تُحَدَّثُ يَا عُرْوَةُ! أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِى مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جبريل له فى اليومين جميعًا ولا تكون واجبةً فى حقه حين صلاها مع جبريل، لم يكن فى الحديث تعلق فى هذا، وأما رواية من روى: " بهذا أُمِرْتُ " بالرفع، فهى حجةٌ على من يرى المأمور به هو الواجب (¬1)، فيقول: لا يخلو أن يكون جبريل أُمِر بتبليغ ذلك قولاً أو فعلاً أو خُيِّر فيما شاء منهما، فلا يقال: إنه أمر أن يبلغ قولاً فخالف، إذ لا يليق به ذلك، فإذا كان أُمر أن يبلغه فعلاً أَو خُيِّرَ فاختار الفعلَ صار بيانه واجبًا (¬2)، وكان المؤتم به ائتم بمن وجبت عليه الصلاة وأما على رأى من يرى أن المأمور به ينطلق على غير الواجب، فيكون الجوابُ على ما قدَّمناهُ قبل هذا. قال القاضى: وقد استدل بهذا الحديث - أيضاً - على جواز صلاة المُعلم بالمتعلم، وفى هذا الحديث دخول العلماء على الأمراء وقول الحق عندهم، وإنكار ما لا يجب فعله عليهم، وملاطفتهم فى الإنكار، وهذا حكم إنكار المنكر، قال الله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا} (¬3)؛ لأنه أقربُ إلى القبول، وقد تقدم هذا فى أول الكتاب، وفيه ما عرف من فعل السلف، فى قبول خبر الواحد والعمل به فى الديانات، وفيه الحجة بالمرسل عن الثقات لقول عروة فى حديث الليث: [أما علمت] (¬4) أن جبريل نزل فصلى، وأما فى رواية مالك فأرسله عن أبى مسعود، ثم لما راجعه واستفهمه عنه عمر وقال له: اعلم ما تحدث به، حضًا على تثبيته فيه لا اتهاماً له، قوَّى حجته بإسناده الحديث وتسمية من حدثه (¬5) به، فقال: " كذلك كان بشير بن أبى مسعود يحدِّث عن أبيه " ثم قواه بحديثه عن عائشة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى نازلتهم لأنها كانت صلاة العصر، وأثبت عليه الحجة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التى لا ¬

_ (¬1) دون المندوب. (¬2) من حيث إن الفعل الواقع بياناً واجبٌ. (¬3) طه: 44. (¬4) الذى فى المطبوعة: أليس قد علمت، وفى الأصل: أما، والمثبت من ت. (¬5) فى ت: حدَّث.

168 - (611) قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعارض باجتهاد، ولأن عمر لم يؤخر ولا المغيرة هذه الصلاة عمداً، إذ كانا أجل من ذلك، ولا لضرورةٍ إذا لم يعتذرا عنه، وإنما ظنا الجواز فى ذلك وأنه وقتها، وأن التأخير إلى حينئذ غيرُ ضيق، وإن ذلك لم يكن عادة لها بقوله: " أخَّر الصلاة يوماً " وهذا إنما يورد فى غير المعهود، وقد تفسر فى الأحاديث أن الصلاة كانت فى حديث عمر وحديث المغيرة صلاة العصر، وأنهما إنما خفى على عمر على ظاهر الحديث نزولُ جبريل بتحديد الأوقات. وقد قيل: يحتمل هذا التأخير أن يكون عن الوقت المستحب إلى آخر وقت الاختيار، فأنكر عليهما ذلك للجماعة التى سُنَّتُها إقامتها أوائل الأوقات، لا سيما من الأئمة المقتدى بهم، وقد يدل على هذا قوله فى رواية الليث: " أخَّر العصر "، وهذا يدل أنها لم تخرج عن وقت الاختيار أو يكونا أخراها عن وقت الاختيار جملة إما لظَنِّهما أن الكل وقت اختيار [أو يكون ذلك مذهبهُما، وهو مذهب إسحاق وداود وأهل الظاهر] (¬1) فى وقت العصر، أن يدرك منها ركعة قبل الغروب لذى عذر أو لذى رفاهية أو يكون قد خفى عليهما السنة فى ذلك كما خفى على غيرهما بعض السنن؛ إذ الإحاطة على البشر ممتنعة، وإن كان قول أبى مسعود الأنصارى للمغيرة: [" أليس قد علمت أن جبريل " (¬2) الحديث يدل ظاهره على علم المغيرة] (¬3) بذلك، وقد يكون هذا على ظن أبى مسعود به ذلك، ولصحبة المغيرة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما صحبه، والاحتجاج عليهما بهذا الخبر إن كانا أخراها عن الوقت المختار بيِّن، فإن كانا أخراها عن المستحب إلى آخر الوقت المختار فلما فيه من التغرير بفواتها، وخوف الوقوع فى الوقت المحظور وبعد خروج وقتها، وحين صلاة المنافقين (¬4). ثم ذكر مسلم فى حديث جبريل هذا وصلاته بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه يحسب بأصابعه خمس صلوات وكذلك فى أكثر الروايات عن ابن شهاب، وكذلك ظاهر حديث مالك فى الموطأ (¬5)، وليس فيه تكرار الصلوات فى وقتين، وقد رويت فى إمامة جبريل بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى به عشر صلوات، كل صلاة فى وقتين أوله وآخره من رواية أبى بكر بن حزم وابن جريج عن ابن شهاب عن عروة، ومن رواية ابن عباس، إِلا أن أكثرهم يقول فى المغرب: إنه صلاها لوقت واحد فى اليومين. وقد احتج بعض الشيوخ على تصحيح رواية مالك ومن تابعه بأن صلاة جبريل كانت خمساً فى يوم واحد باحتجاج عروة على عمر وأبى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬2) هذا ما يؤكد أن سياقة القاضى لها ص 566 كان بالمعنى. (¬3) سقط من ت، واستدرك بهامشها. (¬4) يعنى بذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تلك صلاة المنافق، يؤخر حتى تكون الشمس بين قرنى شيطان .... " الحديث. (¬5) ك وقوت الصلاة، ب وقوت الصلاة 1/ 3.

كَان يُصَلى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِى حُجْرَتِهَا، قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِى حُجْرَتِى، لَمْ يَفِئِ الْفَىْءُ بَعْدُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَظْهَرِ الْفَىْءُ بَعْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود على المغيرة لصلاة جبريل، ولو كانا فى وقتين لاحتجَّا عليهما بتأخيرها فى اليوم الثانى وقد يُرَد على هذا بأن التأخير كان عن الوقت المختار على ما تأوله بعضهم وقد جاء من طريق ابن شهاب وغيره: أنَّ الناس صلوا خلف النبى - عليه الصلاة والسلام - بصلاة جبريل، وفى مصنف أبى داود وغيره عن ابن عباس عنه - عليه السلام -: " أتانى جبريل فصلى بى عند البيت مرتين " (¬1) وذكر حديث الوقتين. وقوله: " كان يصلى العصر والشمس فى حجرتها قبل أن تظهَر "، قال الإمام: فيه حجةٌ على عمر؛ لأن فيه دليلاً (¬2) على تعجيل العصر، وهى الصلاة التى وجده قد أخرها، وإنما كان فيه دليل على التعجيل من جهة أن [الحجة] إذا كانت ضيقة أسرع ارتفاع الشمس منها ولم تكن موجودةً فيها إِلا والشمس مرتفعةٌ فى الأفق. (*) كذا قال الهروى. وقوله: " لم تظهر ": أى لم تعلو السطح، ومنه قوله تعالى: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُون} (¬3)، ومنه الحديث الآخر: " لا يزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق " (¬4): أى عالين. قال الجعدى: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنَّا لنبغى فوق ذلك مظهرا أى [علواً] (¬5). قال القاضى: قيل: تظهر على الجدر، وقيل: يرتفع ظلها عن الحجرة، وقيل: تظهر بمعنى تزول عنها كما قيل: وتلك شكاة ظاهر عنك عارُها وكله راجع إلى معنى وهو مفسر فى الأم فى قوله: " والشمس واقعة فى حجرتى " وفى رواية: " طالعة لم يظهر الفىء بعد "، وفى رواية: " [لم ترتفع من حجرتها] (¬6) " ¬

_ (¬1) ك الصلاة، ب فى المواقيت (393)، وكذا الترمذى فى أبواب الصلاة، ب ما جاء فى مواقيت الصلاة (149)، أحمد فى المسند 1/ 333. (¬2) فى ت: دليل. (¬3) الزخرف: 33. (¬4) سيأتى إن شاء الله فى كتاب الإمارة، وقد أخرجه البخارى، ك الاعتصام، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق، وهم أهل العلم " (7311). (¬5) ساقطة من ق. (¬6) الذى فى المطبوعة: لم يظهر الفىء فى حُجرتها. (*) قال معد الكتاب للشاملة: في المعلم للإمام المازري (1/ 427): وقوله في هذا الحديث: "ولَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائشةُ - رضي الله عنها - ... قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ" حجّة له على عمر رحمه الله لأن فيه دليلاً على تعجيل العصر وهى الصلاة التى وجده قد أخرها. وإنما كان فيه دليل على التعجيل من جهة أن [الحجرة] إذا كانت ضيقة أسرع ارتفاع الشمس منها ولم تكن موجودةً فيها إِلا والشمس مرتفعةٌ فى الأفق جدا.

169 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زُوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِى حُجْرَتِهَا، لَمْ يَظْهَرِ الْفَىْءُ فِى حُجْرَتِهَا. 170 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ وَاقِعَةٌ فِى حُجْرَتِى. 171 - (612) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ نبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الأَوَّلُ، ثُمَّ إِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْعَصْرُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنَّ تَصْفَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى البخارى: " والشمس لم تخرج من حجرتها " (¬1)، وكله بمعنى ما تقدم، قيل: إنها فى صحن الحجرة لم تزل عنها ولم يفئ فيؤها ولا ارتفع فى جَدْرِها وعلى سقفها، وكل هذا إنما يتأتى فى أول وقت العصر مع ضيق السَّاحةِ وقصر البناء، وأما مع ارتفاعه أو سعته فيختلف. والحجرة الدار، وكل ما حجر وأحيط به البناء فهو حجرة، ذهب القاضى أبو عبد الله أن فيه دليلاً على فضل الملائكة على بنى آدم لإمامته بالنبى - عليه السلام - وليس بظاهر؛ لأن الله بعثه له هنا معلمًا. قال: وفيه حجةٌ أن قول الصاحب: أُمْرِنا بكذا وَنُهينا عن كذا: أنَّه من المسند، لقول جبريل بهذا، وهذا - أيضًا - غير ظاهر فى الحجة؛ لأنه هنا لا آمر لجبريل [ولا] (¬2) محمد بالصلاة إِلا الله تعالى، وقول الصاحب: أُمِرْنَا ونُهينا عن كذا يحتمل عوده على الخلفاء، أو على تأويله على الله، أو على الرسول - عليه السلام - لكن كافة المحدثين وأكثر الأصوليين يحملونه محمل المسند، بظاهره أنه أمر الرسول، وجماعة من الأصوليين يأبون إسناده للاحتمال، ومحققو الأصوليين يميلون إلى هذا إِلا أن تصحبه قرينة تدل على أن الآمر، الرسولُ. وذكر مسلم أحاديث الوقتين من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص، وبريدة، وأبى موسى ولا خلاف أن الوقت من فروض الصلاة وشروط صحتها، إِلا شيئاً روى عن أبى موسى وبعض السلف، ولم يصح عنهم، ثم انعقد الإجماع على خلافه، ولا خلاف فى ¬

_ (¬1) ك مواقيت الصلاة، ب وقت العصر. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت.

الشَّمْسُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ، فَإِذَا صَليْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ". 172 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ - وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ الأَزْدِىُّ وَيُقَالُ: الْمَرَاغِىُّ. وَالْمَرَاغُ: حَىٌّ مِنَ الأَزْدِ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَر الشَّمْسُ، وَوقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أوائل أوقات الصلوات على ما تكرر عن جماعة المسلمين إِلا فى أول وقت العصر والعشاء الآخرة، فأبو حنيفة يقول: أول وقتها بعد القامتين بعد طرح ظل الزوال، وخالفه فى ذلك الناسُ وأصحابه، وكذلك خالف فى أول وقت العشاء الآخرة، مع اتفاقهم أنها بعد مغيب الشفق، لكن اختلفوا فى الشفق فجمهورهم على أنه الحمرة، وأبو حنيفة والمزنى يقولان: هو البياض. ثم اختلفوا فى تحديد أواخر هذه الأوقات، فأما الصبح فجاء فى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من رواية بعضهم: " إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول " ومن رواية غيره: " ما لم تطلع الشمس " وفى حديث أبى موسى فى الوقتين: " أنه صلاها فى اليوم التالى "، والقائل يقول: " قد طلعت الشمس أو كادت " وفى حديث بريدة: " فأسفر بها " وفى الرواية الأخرى: " فنور " وفى الموطأ: " بعد ما أسفر " (¬1) وهو مثل قوله: فأسفر، مأخوذ من النور، وكافة العلماء وأئمة الفتوى أنَّ آخر وقتها طلوع الشمس، هو مشهور قول مالك، وروى ابن القاسم وابن عبد الحكم عنه أن آخر وقتها الأسفار، وقال مثله الإصطخرى من أصحاب أبى حنيفة، وتأويل ما وقع لأصحابنا فى ذلك أنه آخر وقت الاختيار وما بعده إلى طلوع الشمس وقت ضرورة، وقد ذكر أن لمالك قولين فى هل لها وقت ضرورة أم لا؟ واختلفت أجوبته فى مسائله على هذا الأصل. قال الإمام: قوله: " إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول " حجة على الإصطخرى فى قوله: آخر وقتها الإسفار البيِّن، وقوله: " قرن الشمس الأول " أى طرفها الذى هو أول ما يبدو منها، ولم يقيده بالأول إِلا لئلا يظن (¬2) السامع أنه يريد آخر ما يطلع منها، وللإصطخرى ما وقع فى حديث الوقتين أنه صلى فى اليوم التالى عند ¬

_ (¬1) ك وقوت الصلاة 1/ 4 (3). (¬2) فى الأصل: ليظن، وهو تصحيف.

(...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العقَدِىُّ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيْرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمَا: قَالَ شُعْبَةُ: رَفَعَهُ مَرَّة، وَلَمْ يَرْفَعْهُ مَرَّتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر الإسفار، وقال: " ما بين هذين وقت ". قال القاضى: قوله: " عند آخر الإسفار " أتى به - رحمه الله - على المعنى وليس فى لفظ الحديث، وإنما لفظه كما تقدم، ولا حجة فيه للإصطخرى؛ لأن الصلاة إذا كانت بعد الإسفار البيِّن أو بعد آخره فليس وراءه إِلا طلوع الشمس، ولأن قوله: " ما بين هذين وقت ": يعنى بين صلاته فى الإسفار إلى صلاته أول طلوع الفجر (¬1)، فجاء الإسفار من جملة وقت الصلاة وداخل فيها، وأما آخر صلاة الظهر فقال فى الأم فى حديث عبد الله ابن عمرو: " ما لم تحضر العصر "، وقال فى حديث بريدة فى صلاته بها اليوم التالى: " فأدبر بها " وفى حديث أبى موسى: " أخَّر الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمس " وفى حديث جبريل فى رواية من ذكر فيه الوقتين الذى لم يذكره مسلم: " ثم أتاه حين كان ظل كل شىء مثله من الغد، فقال: يا محمد، صل الظهر " لم يخرج، وأما آخر صلاة العصر ففى حديث عبد الله بن عمرو فى الأم: " إلى أن تصَفر الشمس ويسقط قرنها الأول "، وفى حديث بريدة فى الوقتين: " أنه صلاها فى اليوم التالى والشمس مرتفعة "، وفى الرواية الأخرى: " بيضاء نقية لم تخالطها صفرة "، وفى حديث أبى موسى: " وانصرف منها والقائل يقول: " قد احمرت الشمس " ومثله فى حديث جبريل، وفى الأحاديث الأُخر: " من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها "، وقوله فى الحديث الآخر: " فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرنى شيطان " قد يحتج به أبو حنيفة وأهل الرأى فى منعه الصلاة حينئذ بكل وجه من فرض ونفل، ونقول: إنه لو طلعت الشمس وقد صلى ركعة من الصبح فسدت عليه بخلاف قول كافة المسلمين. قدمنا الكلام عليه [قبل] (¬2) ومحموله قوله: " أمسك عما لا يحق عليك صلاته "، بنص ¬

_ (¬1) واعلم أن أول وقت الصبح هو طلوع الفجر، وهو البياض المنتشر فى الأفق من القبلة إلى الشمال لا المنتشر من المشرق إلى المغرب؛ لأن ذلك هو الفجر الكاذب. قال الأبى: فإن قلت: القياس أن يكون انتشار الضوء من المشرق إلى المغرب؛ لأن الفجر هو البياض السابق بين يدى طلوع الشمس، وهى إنما تطلع من المشرق صاعدة إلى المغرب، فقياس فجرها أن يكون كذلك. قلت: الفجر الصادق هو البياض السابق بين يدى طلوعها، وهو - أيضًا - إنما يطلع من المشرق صاعداً إلى المغرب، لكن لاتساع دائرته يتوهم أنه من القبلة إلى الشمال؛ لأن الدوائر ثلاثة: دائرة قرص الشمس، ودائرة الحمرة المحيطة بها، ودائرة البياض المحدق بالحمرة، وهو السابق بين يدى طلوع الشمس المسمى بالفجر. (¬2) من ق.

173 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضَرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَر الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ منْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّها تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " من نام عن صلاة أو نسيها " لم يخرج الحديث فبناء الحديثين عندنا على هذا الوجه، وعند كافه العلماء أولى من إطراح أحدها، ويأتى الكلام على هذا فى حديث الوادى (¬1) أيضاً، ومعنى قوله: " بين قرنى الشيطان " بعد هذا. قال الإمام: وأما الظهر فقد اختلفت الأحاديث فى آخر وقتها. ففى حديث: القامة، وفى حديث آخر: " ما لم يحضر وقت العصر "، ووجه البناء أن نقول: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند العامة محمول على أن آخر الصلاة تنقضى بانقضاء القامة، فيكون هذا موافقاً لقوله: " ما لم يحضر وقت (¬2) العصر " لأن مبتدأ العصر فى أول القامة الثانية، وهذا البناء يُضَعِّفُ أحدَ القولين أن آخر القامة وقت الظهر والعصر معاً، وأما الأحاديث المتعارضة فى آخر وقت العصر فيدخل البناء فيها فى موضعين؛ أحدهما: بناء قوله: " القامتين مع الاصفرار "، فيقال: يحتمل أن يكون تحديده للقامتين فى حديثٍ هو الاصفرار الذى حدَّ به فى حديث آخر، فذكر الاصفرار مرة لأنه عَلَمٌ بادٍ للعيان، تعرفه الخاصة والعامة، وذكر القامتين - أيضاً - ليكون علامةً لمن يعلم ذلك ممن ينظر فى الإظلال والموضع الثانى الذى يحتاج إلى البناء: قوله فى بعض [الأحاديث] (¬3): " آخر وقت العصر الاصفرار " وفى بعضها: " آخر وقتها الغروب "، ويتجه فى البناء طريقان: أحدهما على طريقة من يقول بالتأثيم فى تأخيرها إلى بعد الاصفرار فيكون صفة البناء أن يقال: قوله: " إلى الاصفرار " فى حق من لا عذر له، ويكون آثماً فى التأخير بعد ذلك. وقوله: " إلى الغروب " فى حق أصحاب الضرورات والأعذار والإجزاء على طريق من لا يقول بالتأثيم، ويرى أن الخطاب يعم أصحاب الضرورات وغيرهم، ويكون صفة البناء أن يحمل قوله: " إلى الاصفرار " على آخر الوقت المستحب، وقوله: " إلى الغروب " آخر وقت الوجوب. ويكون ما بين الاصفرار والغروب وقت كراهة. ¬

_ (¬1) سيأتى من رواية أبى قتادة حين أتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالميضأة. (¬2) الذى فى المطبوعة بغير لفظة " وقت ". (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ولو قال قائل: مقتضى الأحاديث (¬1) أن الظهر لا حظ لها فى القامة الثانية وأن التأثيم يتعلق بتأخيرها بعد القامة إِلا أن يمنع من ذلك دليل فيصار إليه؛ لأنَّ الأحاديث الواردة فى وقتها ليس فيها دليل على أن لها بعد القامة وقتاً، ولم تعارض هذه الأحاديث بشىء (¬2) [سوى ما وقع] (¬3) فى بعض أحاديث الجمع بين الصلاتين، ويحمل ذلك على أنه كان لضرورة، وإنما كلامنا على غير وقت الضرورة لكان للنظر فى قوله مجال. وأما العصر فلو قال قائل أيضاً فى بناء أحاديثها بعد قوله: " الاصفرار " وهو كقوله: " إلى الغروب " فى حديث آخر، وأراد الاصفرار المقارب للغروب وحدَّ به حماية للذريعة لئلا يوقعها بعد الغروب، فيستظهر بإمساك جزء قبل الغروب، كما يفعل الصائم فى استظهاره بإمساك جزء من الليل قبل الفجر، وإن كان الأكل يباح له: فى الحقيقة إلى الفجر، إِلا أنه لا يقدر على تحصيل ذلك إِلا بإمساك جزء من الليل. ويؤيد هذا البناء قوله فى الحديث فى كتاب مسلم: " وقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول "، فقد جمع بين الاصفرار والمغيب لكان لذلك (¬4) فى النظر مجال أيضاً، لكن يقدح فى هذا البناء حديث القامتين، فإن الظاهر أن ذلك بعيد عن الغروب. والأحاديث الواردة فى آخر وقت المغرب يحمل اختلافها على تأكيد الفضل فى التعجيل على التأخير، وإن كان الكل وقت فضيلة على هذه الطريقة، ولكن أفضله أوله، وأما أحاديث العتمة فإنما وقع فيها ثلث الليل ونصف الليل، فيبنى على أنه متقارب فى الفضل، والذى وقع فيه: " إلى الفجر " يحمل على أنه آخر وقت الوجوب. قال القاضى: يحسب [اختلاف] (¬5) ألفاظ هذه الأحاديث فى الظهر والعصر، اختلف العلماء والمذهب، فمشهور قول مالك، ومذهبه: أن آخر وقت الظهر تمام القامة، وهو أول وقت العصر بلا فضل، وأن تمام القامة وقت لهما جميعاً، وهو قول ابن المبارك وإسحاق فى أخريين، وحجتهم قوله فى حديث جبريل: إنه " صلى [به فى اليوم الثانى فى الظهر حين صار ظل كل شىء مثلَه " وفى رواية: " فى الوقت الذى صلى فيه العصر بالأمس " ونحوه فى حديث جابر، وذكر فى صلاته به فى اليوم التالى] (¬6) العصر مثله، ويكون معنى ذلك على هذا الرأى: أن انتهاء صلاة الظهر فى اليوم الثانى فيه كان ابتداء صلاة العصر فى اليوم الأول، وقال الشافعى وأبو ثور وداود مثله، إِلا أن بين وقت الظهر والعصر فاصلةٌ وهى زيادة الظل أدنى شىء على القامة ونحو هذا قول فقهاء أصحاب الحديث ¬

_ (¬1) بعدها فى المعلم: النظر. (¬2) فى المعلم: شىء. (¬3) فى الأصل: سواها ووقع، والمثبت من المعلم وت. (¬4) فى الأصل: ذلك، والمثبت من المعلم وت. (¬5) من ق. (¬6) سقط من ت، واستدرك بهامشها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد وإسحاق والطبرى، وقاله محمد بن الحسن وأبو يوسف، ونحوه قول ابن حبيب من أصحابنا ومحمد بن المواز، وأنه لا مشاركة بين الصلاتين، وأن تمام القامة وانتهائها خرج وقت الظهر ثم دخل وقت العصر، وحكاه الخطابى عن مالك [وابن المبارك] (¬1) لكن لا يشترط أصحابنا فاصلاً بينهما كما شرطه غيرهم [ويكون معنى حديث صلاة جبريل عند هؤلاء: أن انتهاء صلاة الظهر فى اليوم الأول كان ابتداء صلاة العصر فى اليوم الثانى، وفى تأول قول ابن حبيب على غير هذا بعض شيوخنا] (¬2) وقال أبو حنيفة: آخر وقت الظهر القامتان، وهو أول وقت العصر، وحكى عنه آخر وقت الظهر القامة ثم لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شىء مثليه، وهذا الوقت بينهما لا يصلح لأحدهما، حكاه عنه الطحاوى، وحكى عن الشافعى أيضاً، وكلا القولين لا أصل له، منكر عند العلماء وعند أصحابهما، ذهب أشهب من أصحابنا إلى أن مقدار إيقاع الصلاة بعد القامة وقت لهما جميعاً، هذا قوله فى مدونته. وقد يحتج بظاهر حديث جبريل المتقدم [أيضاً] (¬3) لقوله: " صلى الظهر فى الوقت الذى صلى فيه العصر بالأمس ". واختلف قول مالك فى آخر وقت العصر المختار، أهو القامتان أم الاصفرار؟ وبالاصفرار قال جمهور أئمة الفتوى، وآخر وقت الظهر والعصر عنده لأهل الضرورات غروب الشمس. وقال إسحاق وداود: آخر وقتها إدراك ركعة منها على ظاهر الحديث لكل معذور وذى رفاهية. وأما آخر وقت المغرب فقد ذكر فى أحاديث الوقتين كلها أنه [صلاها فى اليوم التالى فى غير الوقت الأول. فى حديث بريدة: أنه صلاها] (¬4) قبل أن يغيب الشفق، [وفى حديث أبى موسى عند سقوط الشفق، وفى الرواية الأخرى: قبل أن يغيب الشفق] (¬5)، وفى حديث عبد الله بن عمرو: " وقتها إلى أن يسقط الشفق "، وجاء فى حديث جبريل: " صلى به إياها فى اليومين حين غابت الشمس " وبِحسب هذا ما اختلف العلماء والمذهب: هل لها وقت واحد، وهو قدر إيقاعها عند مغيب الشمس، وهو مشهور قول مالك والشافعى والأوزاعى وعمل الأمة فى أقطار الأرض، ومثابرتهم على صلاتها حينئذ دون تأخير. وقيل: لها وقت اختيار ممتد إلى مغيب الشفق، وهو مذهب مالك فى الموطأ (¬6)، وأحد قولى الشافعى والثورى وأصحاب الرأى وفقهاء أصحاب الحديث على الاختلاف فى الشفق ما هو، [هل] (¬7) البياض؟ أو الحمرة؟ كما قدمناه ونذكره. وأما آخر وقت العشاء الآخرة، ففى [حديث] (¬8) عمرو بن العاص: " وقتها إلى نصف الليل الأوسط " وفى حديث بريدة: " أنه صلى فى اليوم الثانى بعد ما ذهب - وفى ¬

_ (¬1) من هامش ت، وفى ق: لكن وابن المبارك. (¬2) من هامش ت. (¬3) من ق. (¬4) و (¬5) سقط من الأصل، واستدرك بهامشه بسهم. (¬6) ك وقوت الصلاة 1/ 6. (¬7) من ت. (¬8) ساقطة من الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية عنه - " عندما ذهب ثلث الليل "، ومثله فى حديث أبى موسى: " حتى كان ثلث الليل "، وفى حديث جبريل: " حين ذهبت ساعة من الليل "، وفى رواية ابن عباس: " إلى ثلث الليل "، وفى حديث أبى برزة بعد هذا: " إلى نصف الليل أو ثلثه "، وقال مرة: " إلى نصف الليل " ومرة: " إلى ثلث الليل "، وفى حديث أنس بعد هذا: " شطره "، وفى حديث ابن عمر: " حين ذهب ثلثه ". واختلف فى الحديث عن جابر فى غير الأم، فقيل: " إلى شطره "، وقيل: " إلى ثلثه " وجاء فى الأم بعد هذا عنه: " إذا اجتمعوا عجّلَ، وإذا أبطؤوا أخَّرَ "، واختلف العلماء بحسب هذا، وبالثلث قال مالك والشافعى: آخراً، وبالنصف - أيضاً - قال أصحاب الرأى وأصحاب الحديث والشافعى أولاً وابن حبيب من أصحابنا، وعن النخعى الربع، وهو نحو من قوله فى الحديث بعد: " ساعة من الليل "، وقيل: وقتها إلى طلوع الفجر، وهو قول داود، وهذا عند مالك وقت الضرورة لها. واختلف فى وقت الوجوب وتعيين الخطاب على المصلى فى أوقات هذه الصلوات: فمذهب المالكية: أن الوجوب يتعلق بأول الوقت، وأن الجميع وقتٌ موسع للوجوب. وحكى ابن القصار هذا عن الشافعى، واختار بعض أصحابنا أن وقت الوجوب فيه متعين، وإنما يعينه المكلَّف بفعله، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز التأخير عن أول الوقت إِلا ببدلٍ وهو العزم، وأجاز غيره تركها لغير بدل لتوسعة وقتها إلى أن يبقى من الوقت مقدار ما يفعل فيه فيتعين. وذهب الشافعى إلى [أن] (¬1) وقت الوجوب أوله، وإنما ضرب آخره فصلاً بين الأداء والقضاء. ويعارض هؤلاء بأن التأثيم متعلق بترك الواجب، ولا يؤثمُ أحدٌ تارك [الصلاة] (¬2) لأول الوقت. وذهب الحنفية إلى أن الوجوب متعلق بآخِرِهِ، ويعارَض هؤلاء بالإجماع على جواز الصلاة لأول الوقت وسقوطها عمن صلاها حينئذ، ولو كانت لم تجب بعد لم تجز كما لا تجزئ قبل الوقت، واضطربت أقوالهم فى صلاته قبل آخر الوقت، هل هى نفل أو فرض يترقب ببقاء المكلف إلى آخر الوقت؟ وفعل المسلمين بالمبادرة إلى أوائل الأوقات يبطل قولهم. وقوله: " ما لم يسقط نور الشفق ": قال الخطابى: هو ثوران حمرته واندفاعها، ويروى فور بالفاء فى غير الأم، وهو بمعناه، أى سطوعه وظهوره، من فار الماء إذا اندفع وظهر، وقد تقدم اختلاف الفقهاء فى الشفق، وكذلك اختلف فيه السلف وأهل اللغة، من قائل: الحمرة، وقائل: البياض. وقال مالك فيه بالقولين، وقال: البياض أبين على جهة الاحتياط، ومشهور قوله: الحمرة، وهو قول الشافعى وفقهاء أصحاب الحديث وأهل الكوفة، وغيرهم إِلا أبا حنيفة والأوزاعى، وقال بعض أهل اللغة: إنه ينطلق على البياض وعلى الحمرة، وحكى الخطابى: أنه إنما ينطلق فى أحمر ليس بقانى وأبيض ليس بناصع. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

174 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ طَهْمَانَ - عَنِ الْحَجَّاجِ - وَهُوَ ابْنُ حَجَّاج - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقَتِ الصَّلَوَاتِ؟ فَقَالَ: " وَقْتُ صَلاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْعَصْرِ، مَا لَمْ تَصْفَر الشَّمْسُ وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ". 175 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: لا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ. 176 - (613) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنِ الأَزْرَقِ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ لَهُ: " صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ " - يَعْنِى الْيَوْمَيْنِ - فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامِ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَام الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقرن الشمس هنا طرفها. قال الإمام: حديث السائل عن الأوقات وإحالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلى معه، قالوا: يدل على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهى مسألة اختلاف من الأصوليين، وقد انفصل عن هذا بأن البيان الذى وقع فيه الخلاف إنما هو أول بيان يكون، ولعله - عليه السلام - إنما أخر إخبار هذا لأنه قد تقدم بيانه لغيره وإشاعة هذا الحكم، وإنما يكون هذا انفصالاً إذا علمنا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُلْزَم البيان إِلا أول مرة، ولم يتحقق عندى الآن ما كُلف - عليه السلام - من هذا؛ لأنه يجوز أن يُتعبَّد (¬1) بالبيان لكل من سأله. قال القاضى: قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلّ معنا هذين اليومين " رفع الإشكال فى تأخيره، وفسر ما أجمله فى غيره من الحديث [فى] (¬2) سكوت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجواب، كما ذكر فى الموطأ (¬3)، وأن معنى سكوته هناك سكوته عن الجواب إن كان الحديث واحداً، ¬

_ (¬1) فى الأصل: يتعمد. (¬2) من ق. (¬3) ك وقوت الصلاة، ب وقوت الصلاة.

الْفَجْرُ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِى أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ، فَأَبْرَدَ بِهَا، فَأَنْعَمَ أَنْ يُبَرِدَ بِهَا، وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِى كَانَ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُلُثُ الليْلِ، وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا. ثُمَّ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ ". فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " وَقْتُ صَلاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ ". 177 - (...) وحدثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِىُّ، حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَهُ عَنْ مُوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: " اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلاةَ " فَأَمَرَ بلالاً فَأَذنَ بِغَلَسٍ، فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بَالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنه رأى البيان بالفعل له أبلغ وأشمل له ولغيره ممن يصلى معه من المسلمين، إذ القول لا يبلغ مبلغ الفعل، وإذ القول يسمعه البعض، والفعل يعلمه كل من صلى مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الباجى: وليس هذا من تأخير البيان الذى تكلم شيوخنا فى جواز تأخيره عن وقت الخطاب بالعبادة إلى وقت الحاجة، وهو مذهب الباقلانى والجمهور، ومنعه الأبهرى وغيره؛ لأن الخطاب هنا بالصلاة وبيان أحكامها، وقد تقدم قبل هذا للسائل فلم يسأل إِلا عما ثبت بيانه، وعرف حكمه، ولا خلاف أن للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤخر جواب السائل له عن وقت سؤاله وألا يجيبه أصلاً، وقد فعل ذلك فى مسائل كثيرة، ولا خلاف أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى الفعل. وتكلم الشيوخ فى وجه تأخيره - عليه السلام - مع جواز موته (¬1) قبل التعليم، فقيل: يحتمل أنه أوحى إليه بأن ذلك لا يكون، وقيل: هذا لا يلزم؛ لأن العادة غالباً فى مثل هذا، وظاهر الأمر حياته هذين اليومين، واستصحاب حال السلامة، وقد يقال: إن هذا سؤال لا يلزم [فى حق السائل] (¬2)؛ لأنه إن اختُرم قبل علمه ما سأل عنه من دينه فلم يضره جهله به، إذ لم تأت عليه عبادة يحتاج إليها فيه لموته قبلها. وقوله - عليه السلام -: " أين السائل؟ " تهمم منه بأمره. وقوله: " ما بين هذين وقت " وفى الرواية الأخرى: " وقت صلاتكم بين ما رأيتم ": قصد للبيان له ولغيره من المسلمين، وحجة للتأويل المتقدم فى قصده بالبيان فى الفعل ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ت: أو موت السائل، ولا وجه لها هنا، فإن القاضى يتناول احتمالها بعد قليل. (¬2) من ت.

أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ الْغَدَ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلثِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ - شَكَّ حَرَمِىٌّ - فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ ". 178 - (614) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى مُوسَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا. قَالَ: فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لا يَكَادُ يَعْرِفُ بعْضُهُم بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُول: قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْل الأَوَّلُ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ: " الْوَقتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ للسائل وغيره، إشارة إلى أن صلاتيه، وما بين أول أولاهما [وآخِر] (¬1) أخراهما وقت، وقيل: هو من مفهوم الخطاب؛ لقوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} (¬2) أى من يعمل أكثر منه يراه، وقيل: أبان بفعله وصلاته الوقتين وبقوله: " وما بينهما "، واكتفى بقوله فى الرواية الواحدة: " وقت "؛ لأن السائل إنما سأل عن وقت الصلاة، فكيف وقد جاء فى تلك الرواية الأخرى: " وقت صلاتكم "؟! وذكر مسلم عند ذكره أحاديث الوقوت، وذكره فيها ما لم يذكر غيره من أصحاب الحديث: ثنا يحيى بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الله بن يحيى بن أبى كثير، قال: سمعت أبى يقول: " لا يستطاع العلم براحة الجسم ": فكثيرٌ من يسألُ عن ذكره هذا الخبر فى هذا الموضع وليس منه، ولا هو من حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا من شرط الكتاب، فقال لنا بعض شيوخنا: إن مسلماً - رحمه الله - أعجبه ما ذكر فى الباب وعرف مقدار ما تعب فى تحصيله وجمعه من ذلك فأدخل [بينها] (¬3) الخبر [تنبيهاً] (¬4) على هذا، وأنه لم يحصِّل ما ذكر ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) الزلزلة: 7. (¬3) من ت. (¬4) ساقطة من ت.

بَيْنَ هَذَيْنِ ". 179 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى مُوسَى، سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ سَائِلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنُ نُمَيْرٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، فِى الْيَوْمِ الثَّانِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ إِلا بعد مشقة وتعب فى الطلب، وهوَ بيِّنٌ والله أعلم. وفى سند حديث السائل: ثنا (¬1) زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد كلاهما عن الأزرق، كذا لهم، وعند السمرقندى: وعبد الله بن سعيد، وهو وَهْم، والصواب الأول، وهو عبيد الله بن سعيد بن يحيى بن بُرد، أبو قدامة اليشكرى وذكر فى حديث بريد: حدثنى إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامى (¬2)، كذا لعامة شيوخنا ولسائر الرواة بالسين المهملة، وأخبرنا به الأسدى عن السمرقندى بالشين المعجمة، وهو وهم، والأول الصحيح. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: حدثنى. (¬2) قيدت فى الأصل هكذا: البيامى، وضبطها البجاوى فى تحقيقه لمشتبه الشبه بالشين المعجمة. وفى الميزان للذهبى: السيامى. قلت: وهو إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البِرِنْد بن النعمان بن علَجَة بن الأقفع بن كُزْمان بن الحارث بن حارثة بن مالك بن سعد بن عَبيدة بن الحارث بن سامة بن لؤى بن غالب، القرشى السامىُّ، أبو إسحاق البصرىُّ، نزيل بغداد. فنسبه على ما ذكر القاضى - رحمه الله. انظر: تهذيب الكمال 2/ 178.

(32) باب استحباب الإبراد بالظهر فى شدة الحر لمن يمضى إلى جماعة ويناله الحر فى طريقه

(32) باب استحباب الإبراد بالظهر فى شدة الحرّ لمن يمضى إلى جماعة ويناله الحرّ فى طريقه 180 - (615) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَّيبِ وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرةَ؛ أَنَّه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". (...) وحدّثنى حَرْمَلَهُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّب؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ، سَوَاءً. 181 - (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، وَعَمْرُو بْنُ سوَّادٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى - قَالَ عَمْرُو: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - قَالَ: أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَسَلْمَانَ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْحَارُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِى أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قوله: " إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة " (¬1)، فأمر (¬2) بالإبراد - بالتأخير - وذكر فى الكتاب (¬3) عن خبابٍ: " أتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نشكو (¬4) إليه حَرَّ الرمضاء فلم يُشكنا، قلت لأبى إسحاق: أفى الظهر؟ قال: نعم، قلتُ: فى (¬5) تعجيلها. قال: نعم " فهذا معارض للأول، والأشبه فى بيانهما أنه إنما لم يشكهم؛ لأنهم أرادوا أن يؤخروا إلى بعد الوقت الذى حدّ لهم فى الحديث الآخر، وأمرهم بالإبراد له، ويزيدون ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: فأبردوا بالصلاة. (¬2) فى ت: أمر. (¬3) فى الباب التالى برقم (189). (¬4) فى المطبوعة: فشكونا. (¬5) فى المطبوعة: أفى.

قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَن أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ ذَلِكَ. 182 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ هَذَا الْحَرَّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ ". 183 - (...) حدّثنا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْرِدُوا عَنِ الْحَرِّ فِى الصَّلاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مَنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". 184 - (616) حدّثِنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُهَاجِرًا أَبَا الْحَسَنِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْرِدْ أَبْرِدْ ". أَوْ قَالَ: " انْتَظِرْ انْتَظِرْ "، وَقَالَ: " إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ على القدر الذى رخص لهم فيه. قال القاضى: ذهب قوم من أهل العلم إلى أن حديث الإبراد ناسخ لما جاء بخلافه من صلاة الظهر بالهاجرة وما فى معناه (¬1)، وقال بعضهم: ليس بناسخ وإنما هى رخصة لمن لم يرد الأخذ بالأفضل (¬2)، ومعنى الإبراد: التأخير بها عن الحر وشدته إلى أن يبرد النهار وتهب الأرواح، وتفى الأفياء. وقوله فى الحديث: " فأنعم أن يُبرد بها ": أى بالغ فى الإبراد وأحسن، ونَعَم الشىءُ حَسن، وقيل: أبردوا، أى أدخلوا بها وقت البرد وهو آخر النهار؛ لأن حال ذلك ¬

_ (¬1) فى ت: معناها. (¬2) والذى يترجح لى - والله أعلم - أن هذا الحديث إنما جاء فى معرض شكاية المسلمين من أذى قريش، وأن معنى " لم يُشكنا ": أى لم يدع لنا ويتعجل رفع البلاء عنا. قال الإمام ابن كثير بعد أن ساق روايات هذا الحديث وعقب عليها بقوله: " إنهم شكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يلقون من المشركين من التعذيب بحرِّ الرَّمضَاء وأنهم يسحبونهم على وجوههم فيتقون بأكفهم، وغير ذلك من أنواع العذاب فلم ينجزه لهم فى الحالة الراهنة، وأخبرهم عمن كان قبلهم أنهم كانوا يلقون من العذاب ما هو أشد مما أصابهم ولا يصرفهم ذلك عن دينهم " ثم قال: " فمن استدل بهذا الحديث على عدم الإبراد أو على وجوب مباشرة المصلى بالكف - كما هو أحد قولى الشافعى - ففيه نظر، والله أعلم ". البداية والنهاية 3/ 58.

قَالَ أَبو ذَرٍّ: حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ. 185 - (617) وحدّثنى عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظ لِحَرْمَلَةَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ الوقت بالإضافة إلى حر الهاجرة بردٌ يقال: أَبْرَدَ الرجل: صار فى برد النهار، وأبرد الرجل كذا: فعله فيه. وقوله: " أبردوا عن الصلاة " كما جاء فى بعص الروايات، معناه: بالصلاة، كما جاء فى الرواية الأخرى: " وعن " تأتى بمعنى الباء، كما قيل: رميت عن القوس أى به، كما تأتى الباء لمعنى " عن " وقيل فى قوله تعالى: {فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا} (¬1): أى عنه، وقد تكون " عن " هنا زائدة، أى أبردوا للصلاة، يقال: أبرد الرجل كذا إذا فعله فى برد النهار، وأما الرواية الأخرى: " أبردوا عن الحر فى الصلاة " فبين المعنى أى افعلوه فى الصلاة (¬2) وأبعدوا بها عن الحر، وقد قال بعض أهل اللغة: [فيه] (¬3) حجةٌ لمن لا يرى الإبراد معناه: صلوها لأول وقتها، وبرد النهار أوله، حكاه الهروى، برد النهار طرفاه وهما الأبْرَدان أيضًا، وبقية الحديث يرد قول هذا. [و] (¬4) اختلف العلماء فى مقتضى الأحاديث الواردة فى الفضل فى مبادرة أوقات الصلوات. فذهب مالك إلى أن المبادرة إليها فِى أوائل أوقاتها أفضل فى جميعها، وهو قوله عند ابن الموّان والقاضِى إسماعيل وأبِى الفرج فى غير مَوْضِع، إِلا الظهر فيبرد بها فى شدة الحر، وهذا قول أهل الرأى، وقال الشافعى بتقديم الصلاة للفذ والجماعة فى الشتاء والصيف، إِلا للإمام الذى ينتابُ إليه الناس من بُعد فيبردُها فى الصيف دون غيره، ولمالك فى المدونة: استحباب أن يصلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة بعد تمكن الوقت وذهاب بعضه وتأوله أشياخنا على أهل الجماعات، وأما المنفرد فأول الوقت أولى له، وتأوله بعضهم أن ذلك للفذ - أيضاً - ولم يختلف قوله فى المبادرة بالمغرب لأول وقتها ولا قول غيره ممن تقول لها وقت أو وقتان، ولا اختلف قوله بالتغليس بالصبح، وهو مذهب كافة العلماء، وقال أبو حنيفة: تأخير الصبح والظهر [والعصر] (¬5) والعشاء الآخرة إلى آخر وقتها المختار أفضل، وقد رُوى ذلك عن مالك فِى العشاء [وأنكره الشافعى] (¬6): تصلى الصلوات كلها أول الوقت فى الشتاء والصيف، ظهراً كانت [أو عصراً] (¬7) أو غيرها، أخذاً بتلك الأحاديث الأُخر، وذهب أهل الظاهر إلى أن أول الوقت وآخره فى الفضل سواء، وقال به بعض المالكية، وتأوله بعضهم على مالك فى المدونة من إنكاره حديث يحيى بن سعيد وهو بعيدٌ جداً، ¬

_ (¬1) الفرقان: 59. (¬2) فى ق: البرد. (¬3) من هامش ت. (¬4) يقتضيها السياق. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) سقط من الأصل، والمثبت من ت، ق. (¬7) من ق.

أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا. فَقَالَتْ: يَارَبِّ أَكَلَ بَعْضِى بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِى الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِى الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ". 186 - (...) وحدَّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا مَعْنُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوبانَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". وَذَكَرَ: " أَنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا، فَأَذِنَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وحجتهم: " ما بين هذين وقت " فسوى. قيل: والفضل فى الصلاة لأول وقتها مبادرة أوامر الله، وخوف قواطع من الموت وغيره عن تحصيلها فى حسناته، إذ ركعةٌ من الصلاة خير من الدنيا وما فيها. قال الإمام: وقوله: " فإن شدة الحر من فيح جهنم ": قال الليث: الفيح: سطوع الحر، يقال: فاحت القِدر تفيح إذا غلت. وقوله: " من حر أو حرور " [قال الهروى] (¬1) الحرور: استيقاد الحر ووهجه بالليل والنهار، فأما السموم فلا يكون إِلا بالنهار. قال القاضى: يحتمل أن أحد اللفظين من الحر أو الحرور هو الذى قاله - عليه السلام - فشك الراوى فى ذلك، ويحتمل أنه كرر اللفظين؛ لأن أحدهما أكثر من الآخر، وتكون - أو - للتقسيم، وكذلك قوله: " ما وجدتم من برد أو زمهرير "، والزمهرير: شدة البرد، قيل: أخبر أنها إذا تنفست فى الصيف قوَّى لهب تنفسها حر الشمس، وإذا تنفست فى الشتاء [قوَّى نفسها] (¬2) شدَّة البرد إلى الأرض، فهو الزمهرير. [و] (¬3) أختلف فى معنى قوله: " اشتكت النار إلى ربها ... " الحديث، وقوله: " فإن شدة الحر من فيح جهنم "، فحمله بعضهم على ظاهره، وقال: شكواها حقيقة أن شدة الحر من وهج جهنم حقيقة على ما جاء فى الحديث، وأن الله أذن لها بنفسين؛ نفس فى الصيف، ونفس فى الشتاء، وذكر أنه أشد ما يوجد من الحر والبرد؛ وقيل: إنه كلام خرج مخرج التشبيه والتقريب، أى كأنه نار جهنم فى الحرِّ فاحذروه واجتنبوا ضرره، ¬

_ (¬1) من ق. (¬2) فى الأصل: دفع حرَّها، والمثبت من ت. (¬3) من ت.

فِى كُلِّ عَامٍ بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِى الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِى الصَّيفِ ". 187 - (...) وحدثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِى بَعْضًا، فَأذَنْ لِى أَتَنَفَّسْ. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَس فِى الشّتَاءِ وَنَفَسٍ فِى الصَّيْفِ. فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفسِ جَهَنَّمَ. وَمَا وَجَدتُمْ مَنْ حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قال: شكى إلى جملى طول السرى، وهذا يسمى التعبير بلسان الحال، وكلا الوجهين ظاهر، والأول أظهر وحمله على الحقيقة أولى، لا سيما على قول أهل السنة بأن النار موجودة مخلوقة الآن، فالله قادر على خلق الحياة، بجزء منها حتى تتكلم، أو يكون يُتكلم على لسانها خازنها أو من شاء الله عنها، أو يخلق لها كلاماً يسمعه من شاء من خلقه، وقد تقدم قول جمهور العلماء بالإبراد فى الظهر، وهو زايد على ربع القامة إلى وسط الوقت، ومخالفة من خالف فى ذلك، وتخصيص الشافعى بذلك الإمام الذى ينتاب إليه الناس من بُعْدٍ دون المنفرد، والقوم [مجمعون] (¬1) فى موضعهم، ولم يقل أحد بالإبراد فى غير صلاة الظهر إِلا أشهب فقال به فى العصر، وقال: تؤخر ربع القامة، وأحمد بن حنبل رأى تأخير العشاء الأخيرة فى الصيف بالليل كَما يؤخر للظهر [بالنهار] (¬2) وعكس ابن حبيب ورأى تأخيرها فى الشتاء لطول الليل، وتعجيلها فى الصيف لقصره. وقوله. " حتى نرى فىء التلول " (¬3): هى جمع تلٍّ وهى الروابى، وظلها لا يظهر إِلا بعد تمكن الفىء واستطالته جداً بخلاف الأشياء المنتصبة التى يظهر ظلها سريعًا فى أسفلها لاعتدال أعلاها وأسفلها. والزمهرير: شدة البرد هاهنا. ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) من ت، وعبارتها فيها: الظهر بالنهار. (¬3) حديث رقم (184) بالباب.

(33) باب استحباب تقديم الظهر فى أول الوقت فى غير شدة الحر

(33) باب استحباب تقديم الظهر فى أول الوقت فى غير شدة الحرّ 188 - (618) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَابْنِ مَهْدِىٍّ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدثُّنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ. 189 - (619) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ خَبَّابٍ؛ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ فِى الرَّمْضَاءِ، فَلَمْ يُشْكِنَا. 190 - (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَعَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ - قَالَ عَوْنٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ خَبَّابٍ؛ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ، فَلَمْ يُشْكِنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يصلى الظهر إذا دحضت الشمس " معناه: زالت وزلقت عن كبد السماء، وأصل الدحض الزلق. قال الإمام: وقوله: " شكونا إليه الرمضاء فلم يشكنا " (¬1): يريد أنهم شكوا إليه حَرَّ الشمس وما يصيب أقدامهم منه فى صلاة الظهر، ومعنى " لم يشكهم " لم يجبهم إلى ذلك، يقال: أشكيت (¬2) فلاناً إذا ألجأت (¬3) إلى الشكاية، وأشكيته أيضاً إذا نزعت عنه (¬4) شكايته. قال القاضى: هذه الأحاديث مع ما ذكره مسلم بعدها من قوله: " كنا نصلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: حَرَّ الرمضاء. (¬2) فى ت: اشتكيت. (¬3) فى الأصل: ألجأه. (¬4) فى ت: عن.

قَالَ زُهَيْرٌ: قلتُ لأَبِى إِسْحَاقَ: أَفِى الظُّهْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَفِى تَعْجِيلِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. 191 - (620) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى شِدِّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَستَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فسجد عليه ": دليل على صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للظهر أول وقتها، فإما أن يكون حديث الإبراد نسخه على ما تقدم، أو يكون على الرخصة (¬1)، وقد قال ثعلب فى تأويل قوله: " فلم يشكنا ": أى لم يُحْوِجنا إلى الشكوى ورخص لنا فى الإبراد، حكاه عنه القاضى أبو الفرج. وقوله: " إذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من (¬2) الأرض بسط ثوبه فسجد عليه ": جواز السجود على الثياب، لا سيَّما عند الضرورة، من الحَرِّ أو البرد أو الشوك أو الطين، وفيه أن العرف والسنه مباشرة الأرض بالجبهة والعمل به إِلا عند الضرورة، [وفيه جواز السجود على ما خف من طاقات العمامة وإن كانت المباشرة بالجبهة أفضل، وأما على كورها وما كثر، من طاقتها فمكروه عند مالك ولم يأمره بالإعادة إن فعل، وأوجبها عليه ابن حبيب فى الوقت، ومنع منه الشافعى وأجازه الحنفيون] (¬3). والرمضاء: شدة الحر، والرمضاء: الرمل الحار، وقرن الشمس الأول يعنى جانبها الأعلى، وقرنا الرأس جانباه، ويدُلّ أَنَّ المراد بالأول الأعلى، [على] (¬4) ذكره عند الطلوع فى الصبح، إذ بطلوع أدنى شىء من الشمس انقضاء (¬5) وقت الصبح وذكره عند الغروب فى العصر أو ما يبق منها شىء لم يَغْرُب فهو بقية من وقت العصر، حتى إذا غاب جانبها (¬6) الأعلى غاب جميعها وانقضى وقت العصر وحلت صلاة المغرب. ¬

_ (¬1) أو يكون فى غير الموضوع كما ذكرنا قبل. (¬2) فى الأصل: فى، والمثبت من ت والمطبوعة. (¬3) من هامش ت وق، والأبى. (¬4) من ت. (¬5) فى الأصل: انقضى، والمثبت من ت. (¬6) فى ت: جنبها.

(34) باب استحباب التبكير بالعصر

(34) باب استحباب التبكير بالعصر 192 - (621) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهَبُ إِلَى الْعَوَالِى، فَيَأتِى الْعَوَالِىَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيْبَةُ: فَيَأتِى الْعَوَالِىَ. (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو عنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ، بِمِثْلِهِ، سَوَاءً. 193 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّى الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءٍ، فَيَأتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يصلى (¬1) العصر والشمس مرتفعة حيَّةٌ ": قَال الخطابِى: حياتها: صفاء لونها قبل أن يَصْفَرَّ أَوْ يَتغير، هذا مثل قوله: " بيضاء نقية "، وقال هو - أيضاً - وغيره: حياتها: وجود حرها. وقوله: " فيذهب الذاهب إلى العوالى فيأتيها (¬2) والشمس مرتفعة " فسّر مالك العوالى بثلاثة أميال من المدينة، قال غيره: وهى مفترقة، فأدناها ميلان، وأبعدها ثمانية أميال، والذى فسّر به مالك هو معنى ما ورد فى هذا الحديث، والمراد به صلاة العصر أوَّل وقتها؛ لأنه لا يتفق [هذا] (¬3) - لمن يصليها ثم يذهب ميلين أو ثلاثة والشمس مرتفعة لم تتغير - إِلا لمن فعل ذلك أول الوقت ولا يمكن هذا - أيضاً - إِلا فى طول الأيام. وقوله في حديث مالك: " ثم يذهب الذاهب إلى قباء " [كذا] (¬4) قال: رواه الموطأ (¬5) عنه، قال الدارقطنى: هذا مما اعتُدَّ على مالك، ولم يُتابع عليه؛ لأنه أوقفه وقال: " إلى قباء "، وخالفه فيه عدد كثير فقالوا: " العوالى ". قال غيره: مالك أعلم ببلدته وأمكنتها من غيره، وهو أثبت فى ابن شهاب ممن سواه، وقد رواه بعضهم عن مالك إلى العوالى كما قالت الجماعة، ورواه ابن أبى ذئب عن الزهرى فقال: " إلى قباء " كما قال مالك. ¬

_ (¬1) فى ت: فصلى، والصواب ما أثبتناه من الأصل ومن الرواية. (¬2) الذى فى المطبوعة: فيأتى العوالى. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) من ت. (¬5) ك وقوت الصلاة، ب وقوت الصلاة 1/ 9.

194 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّى الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ. 195 - (622) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَقُتيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِى دَارِه بِالبَصْرَةِ، حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ. فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ. قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ. فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، فَلَما انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَى الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كنا نصلى العصر ثم يخرج الإنسان إلى بنى عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر و [هم] (¬1) على ثلثى فرسخ من المدينة " وهذا يدل على تعجيل صلاتهم بالمدينة وصلاة أولئك وسط الوقت وقبل خروجه وضيقه، ولولا ذلك لم يكن فيه حجة. ولعلهم لما كانوا عمال حوائطهم كانت صلاتهم حينئذ عند فراغهم من عملهم واجتماعهم للصلاة وتأهبهم لها. وهذه الأحاديث كلها فى تبكير صلاة العصر مع ما ذكر من غيرها مسلم حجة للجماعة فى أن وقتها القامة، وأن صلاتها لأول وقتها أفضل، وردٌّ على من خالفهم؛ إذ لو كانت القامتان - كما قال أبو حنيفة - لما اتفق أن يجدوا بنى عمرو يصلون إِلا فى الاصفرار، ولا وصلوا إلى قباء والعوالى إِلا بعد سقوط الشمس ونزولها وتغيرها، ولما صح ما جاء فى الحديث الآخر من نحر الجزور وقسمتها والفراغ منها وطبخها وأكلها نضيجاً قبل المغرب، والجزور لا تكون إِلا من الإبل والجزرة من غيرها. وقوله: " تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان " (¬2): الحديث ذم لفاعل هذا أو حجةٌ لمن يرى التأثيم بهذا التأخير، وردٌ على من أجاز تأخيرها لغير عذر إلى ذلك الوقت. ومعنى " قرنى الشيطان " هنا: يحتمل الحقيقة والمجاز، وإلى الحقيقة ذهب الداودى وغيره، ولا بُعد فيه، وقد جاءت آثارٌ مصرِّحةٌ بغروبها على قرنى الشيطان، وأنها تريد عند الغروب السجود لله فيأتى شيطان يصدها فتغرب بين قرنيه ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) لفظ ما فى المطبوعة: " تلك صلاة المنافق، يجلس يَرْقب الشَّمسَ ... " الحديث.

196 - (623) وحدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ يَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّى الْعَصْرَ. فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَا هَذِهِ الصَّلاةُ الَّتِى صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ، وهَذِهِ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِى كُنَّا نُصَلِّى مَعَهُ. 197 - (624) حدّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ العَامِرِىُّ وَمُحَمَّد بْن سَلَمَةَ المُرَادِىُّ وَأَحْمَدُ ابْنُ عِيسَى - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ؛ أَنَّ مُوسَى بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِىَّ حَدَّثَهُ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا، وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا. قَالَ: " نَعَمْ "، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ، فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قُطِّعَتْ، ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا، ثُمَّ أَكَلْنَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ. وَقَالَ الْمُرَادِىُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، فِى هَذَا الْحَدِيث. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحرقه الله تعالى، وقد قيل: إن الشيطان حينئذ يجعلها بين قرنيه ليغالط نفسه فيمن يعبدها، ويسجد لها عند طلوعها وغروبها، وأنهم إنما يسجدون له، وقيل: قرنه: علوه وارتفاعه لهذا، وقيل: معناه المجاز والاتساع، وأن قرنى الشيطان أو قرنه الأمة التى تعبد الشمس وتطيعه فى الكفر بالله، وأنها لما كانت تسجد لها ويصلى من يعبدها من الكفار حينئذ نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التشبيه بهم. ويعضد هذا التأول قوله فى بعض طرق الحديث: " فإنها تطلع على قرن الشيطان ويصلى لها الكفار " (¬1) وفى رواية: " [و] (¬2) يسجد لها الكفار " (¬3)، [وقيل: قرنه قوته وسلطانه وهو عبادة من عبدها حينئذ ممن أطاعه، وقال الحربى فيه: قرنا الشيطان ناحيتا رأسه، قال: وهذا مثل، أى حين تسلط الشيطان] (¬4) وقيل: قرنه مقارنته، قال الخطابى: وقيل: هو تمثيل، أى أن تأخيرها لهم ودفعها عن ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة (1277). (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) سيأتى إن شاء الله فى ك صلاة المسافرين، ب إسلام عمرو بن عبسة، وأخرجه أحمد فى المسند 4/ 111، 112. (¬4) سقط من ت، واستدرك بهامشها.

198 - (625) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ عَنْ أَبِى النَّجَاشِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَّا نُصَلِّى الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تُنْحَرُ الْجَزُورُ، فَتُقْسَمُ عَشَرَ قِسَمٍ، ثُمَّ تُطْبَخُ، فَنَأَكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيب الشَّمْسِ. 199 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَنْحَرُ الْجَزُورَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَقُلْ: كُنَّا نُصَلِّى مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقتها بتزيين الشيطان كدفع ذوات القرون لما يدفعه. وقوله: " تلك صلاة المنافقين " (¬1) ذم لفعلهم وتحذير من التشبه بهم بتأخير الصلاة لغير عذر إلى حينئذ، من اصفرار الشمس، وأن تعجيل الصلاة هو المشروع، وتأخيرها مذموم ممنوع. وقوله: " فنقر (¬2) أربعًا لا يذكر الله فيها إِلا قليلاً ": ذمٌ لمن صلى هذه الصلاة ولم يخشع، ولا اطمأن فيها. وعبّر بنقره لها عن سرعة حركاته فى الصلاة فى ركوعه وسجوده؛ تشبيهًا لنقر الطائر فى الشىء بسرعة دون توان، وقد يكون قلة ذكره فيها بلسانه لسرعتها أو بقلبه لقلة خشوعه. وفى صلاة أنس العصر حين انصرافهم من صلاة الظهر مع عمر بن عبد العزيز ما يدل أن معنى حديث عروة معه تأخير عمر الصلوات إلى آخر أوقاتها المختارة وهى كانت عادة بنى أمية، ويحتمل أن هذا كان منه على غير مداومة إما لما شغله من أمور المسلمين أو غير ذلك، وعليه يدل قوله: " أخّر الصلاة يومًا "، وفيه حجة على توسعة الأمر على هذه الأمة ألا ترى أن أنسًا لم ينكر ذلك الفعل، وإنما احتج على أن المبادرة بأول الوقت أولى وذم من صلى بعد خروجه. ¬

_ (¬1) تكرارها يؤكد لنا أنها رواية باللفظ عن النسخة الأم، والتى تفارق المطبوعة. (¬2) لفظها فى المطبوعة: فنقرها.

(35) باب التغليظ فى تفويت صلاة العصر

(35) باب التغليظ فى تفويت صلاة العصر 200 - (626) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الَّذِى تفُوتُهُ صَلاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ عَمْرٌو: يَبْلُغُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَفَعَهُ. 201 - (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ - واللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شَهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " الذى تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله ": أى نقص، يقال: وترتُه: أى نقصته، قال أبو بكر: وفيه قول آخر، وهو: أن الوِتر أصله الجناية التى يجنيها الرجل على الرجل من قتل حميمه وأخذ ماله. قال القاضى: روى عن مالك أن معناه: انُتزعوا منه، وعلى هذا التفسير يكون أهله وماله مرفوعين على ما لم يسم فاعله، وعلى التفاسير الأُخر منصوبين على المفعول الثانِى وهو الذى ضبطناه عن جماعة شيوخنا. قال الخطابى: أى نقص وسلب فبقى وتراً بلا أهل ولا مالٍ فليحذر من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله، وقال أبو عمرو: معناه عند أهل الفقه واللغة: الذى يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وتراً تجمع عليه غم المصايب وغم مقاساة طلب الوتر، وقال الداودى: معناه: يجب عليه من الاسترجاع ما يجب على من وتر أهله وماله؛ لأنه أتى كبيرة يجب عليه الندم والأسف عليها، وهذا يأتى على تركها عامدًا. وقيل: فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف عليه ما يلحق من وتر أهله وماله، قال الباجى: ويحتمل أن يريد وتر دون ثواب يُدَّخَر له، فيكون ما فات هذا من ثواب الصلاة كما فات هذا الموتور. وقد اختلف فى معنى الفوات فى هذا الحديث، فذهب ابن وهب وغيره إلى أنه لمن لم يصلها فى الوقت المختار، وقاله الداودى، وقيل: فواتها بغروب الشمس، وإليه نحا سحنون، وقاله الأصيلى، وقيل: حتى تصفرَّ، وقد ورد مفسرًا من رواية الأوزاعى فى

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ". 202 - (627) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِىٍّ؛ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَاب قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا وَشَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، قال فيه: وفواتها أن يدخل الشمسَ صفرةٌ وروى عن مسلم (¬1): ذلك فى الناسى، وعلى قول الداودى: ذلك فى العامد، قال أبو عمر: يحتمل أن جوابه فيه على سؤال سائل، فعلى هذا يكون حكم من فاتته الصبح حتى طلعت الشمس والعشاء حتى طلع الفجر مثله، وخصّ صلاة العصر لهذه القضية لكونها مشهودة، ومعهدًا لتعاقب ملائكة الليل والنهار، وحض على المثابرة عليها، لأنها فى وقت جهد الناس فى أعمالهم وحرصهم على قضاء أغراضهم وتسويفهم لصلاتها إلى تمام انشغالهم. وفى حديث البخارى: " من ترك صلاة العصر حبط عمله " (¬2). قال محمد بن أبى صفرة: ذكره لصلاة العصر بما تقدم فى الحديث يتناول (¬3) من فاتته صلاة الفجر لكونها مشهودتين، ولحض النبى - عليه السلام - عليهما خصوصًا. وقال الداودى: نصه بالحبط لعمل تارك العصر غير تخصيص لها بل ذلك بحُكم غيرها من الصلوات، ويأتى الكلام على معنى " حبط " إن شاء اللَّه. ¬

_ (¬1) فى ت: سالم، ولعله الصواب. (¬2) ك مواقيت الصلاة، ب من ترك العصر. (¬3) فى ت: شامل.

(36) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هى صلاة العصر

(36) باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هى صلاة العصر 203 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى حَسَّانَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الأَحْزَابِ: " شَغَلُونَا عَنْ صَلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى آبَتِ الشَّمْسُ، مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ نَارًا - أَوْ بَيُوتَهُمْ أَوْ بُطُونَهُمْ " شَكَّ شُعْبَةُ فِى الْبُيُوتِ وَالْبُطُونِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس " وفى الرواية الأخرى: " حتى غابت " ومعناه: سارت للغروب، والتأويب سير النهار، ويكون " آبت " بمعنى بعدت، وهو فى هذا الموضع رجوع إلى مكانها بالليل، قاله الحربى. قال الإمام: هذا فيه حجةٌ لمن يقول: إنها العصر، وقد اختلف الناس فى قوله تعالى: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (¬1) ما المراد به؟ فقيل: الجمعة، وقيل: بل الصلوات الخمس كلها، وقال آخرون: بل الوسطى صلاة من الخمس. واختلفوا فى عينها، فقال مالك: هى الصبح، ووافقه ابن عباس (¬2) وقال زيد بن ثابت: هى الظهر، وقال أبو حنيفة والشافعى: هى العصر، ووافقهما على بن أبى طالب (¬3) - رضى الله عنه - وقال قبيصة ابن ذؤيب: هى المغرب، وقال غيره: هى العتمة. وأما من قال: هى الجمعة، فإنه ضعيف؛ لأن المفهوم أن الإيصاء المحافظة عليها للمشقة، والجمعة صلاة واحدة فى سبعة أيام فلا يلحق فى حضورها مشقة فى الغالب، وكذلك يضعف قول من قال: إن ذلك جميع الصلوات؛ لأن أهل الفصاحة لا يذكرون شيئاً مفصلاً ثم يشيرون إليه مجملاً، وقد قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} فصرح بذكرها، وإنما يجمل الفصحاء الشىء ثم يصرحون به بعد ذلك. وأما وجه الأقوال الأخر فإنا نقول: ذِكْر الوسطى إما أن يراد به التوسط فى الركوع والسجود، أو فى العدد، أو فى الزمان، فأما الركوع والسجود فإن حكم الصلوات فيهما واحد، فهذا القسم لا يراعى الاتفاق عليه، وأما القسمان الآخران فإن راعينا منهما العدد أدى إلى مذهب قبيصة بن ذؤيب، فى أنها المغرب؛ لأن (¬4) أكثر أعداد الصلوات أربع ركعات وأقلها اثنتان وأوسطها ¬

_ (¬1) البقرة: 238. (¬2) لو قال: ووافق فى ذلك ابن عباس كان أليق. (¬3) كذلك فإن الأليق والأدق هنا أن نقول: إن أبا حنيفة والشافعى وافقا عليًا - رضى الله عنه. (¬4) فى ت: لكن.

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَاَدَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ " وَلَمْ يَشُكَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثه، فهى المغرب التى قال، وإن راعينا (¬1) الأوسط من الأزمان كان الأبين [أن الصحيح أحد القولين إما الصبح أو العصر، فأما الصبح فإنا إذا قلنا] (¬2): إن ما بين الفجر إلى طلوع الشمس ليس من النهار ولا من الليل كانت هى الوسطى؛ لأن الظهر والعصر من النهار قطعًا، والمغرب والعشاء من الليل قطعًا، وبقى وقت الصبح مشتركًا، فهو وسط بين الوقتين. وعلى القول بأن ذلك الزمان من النهار يكون الأظهر أن الوسطى العصر؛ لأن الصبح والظهر سابقتان للعصر والمغرب والعشاء متأخران عن العصر، فهى إذاً وسط بينهما، وقد احتج أصحابنا للقول بأنها الصبح بالمشقة اللاحقة إتيانها، وأنه زمن يصعب على الإنسان القيام فيه من النوم فى الشتاء بالدِّثار، والصيف من طيب الهواء، وقال من ذهب إلى أنها العصر: فإنها كانت أيضاً تأتى فى وقت أسواقهم واشتغالهم بمعايشهم، وكان إتيانها أيضًا يشق عليهم، وكذا أمرها لئلا يشتغل عنها، وقد نبه الله سبحانه على أن البيع من أعظم ما يشغل عن الصلاة فقال جل وعز: {وَذَرُوا الْبَيْع} (¬3)، واحتجوا أيضًا لكونها العصر بالحديث [المبدوء به] (¬4) وهو قوله - عليه السلام -: " شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس "، وهذا يدل أنها العصر. فإن قيل: ففى الكتاب فى حديث شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: نزلت هذا الآية: " حافظوا على الصلوات وصلاة العصر " فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله عز وجل، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}، فقال رجل: هى إذن صلاة العصرِ، فقال له البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله سبحانه والله أعلم. فهذا القول قد أخبر فيه بنسخ أنها العصر، فإنما يحتمل أن يكون إنما نسخ النطق بلفظة العصر، ألا ترى إشارة البراء إلى الاحتمال قوله: " والله أعلم "، ويؤيد ما قلناه - من أن أرجح الأقوال قول من زعم أنها الصبح أو العصر - قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث الآخر: " من صلى البَرْدَين دخل الجنة " (¬5) قيل: المراد بهما الصبح والعصر قال يعقوب: البردان الغذاة والعشى، وهما الأبردان والقرتان، والكرَّتان والعَصْران، والصَّرعان، والرِدفان والفيتَّان (¬6). قال القاضى: القرتان بفتح القاف كذا ضبطنا هذا فى كتاب يعقوب عن مشايخنا فى هذا الباب وزاد البردان أيضًا، وسُمِّيا بذلك لبرد هوائهما، بخلاف ما بينهما من النهار، ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ت: فيها العدد أدى. (¬2) مستدركة فى هامش ت. (¬3) الجمعة: 9. (¬4) فى ت: المبدَّأ به. (¬5) سيأتى فى الباب القادم برقم (215). (¬6) فى ت: والفتيان.

204 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلِىٍّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى، سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فُرْضَةٍ مِنْ فُرَضِ الْخَنْدَقِ: " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ - أَوْ قَالَ: قُبُورَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجاء فى كتاب مسلم فى حديث مُرَّة عن عبد الله: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " مُبَيَّنًا، وأما ما جاء فى رواية البراء فلم يروه إِلا " حافظوا على الصلوات وصلاة العصر " بإثبات الواو. قال الإمام أبو القاسم الطبرى قوله: " الصلوات " يدل على المعهودات وذكره الوسطى يدل على تأكيدها ولا تبين [الوسطى] (¬1) إِلا إذا بانت الأولى والأخرى، قال: وذكره هنا الوسطى يقتضى إخراج الوتر من الواجبات، فإن الوسطى إنما تدور (¬2) فى عدد الوتر فإذا أخذتها بقيت أربعة، اثنان قبل واثنان بعد، ولو كانت الوتر واجبة كانت ستًا ولا تكون واحدة منها وسطى فى الإيجاب (¬3). وقوله فى الحديث: " على فُرْضةٍ من فُرَض الخندق " بضم الفاء، وهى الداخل إليه وأصلها المشارع إلى المياه. وقوله فى رواية أبى حسان: عن عَبيدة بفتح العين (¬4) عن علىٍّ: " شغلونا عن صلاة الوسطى " على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه: أى عن صلاة الصلاة الوسطى، فصلاة هنا مصدر أو تكون اسمًا مضافة إلى نفسها (¬5) على رأى الكوفيين من النحاة، وفى سنده: حدثنا ابن أبى شيبة، ثنا أبو أسامة عن هشام، عن محمد عن عبيدة، كذا لهم. ومحمد هو ابن سيرين وعند ابن أبى جعفر عن محمد بن عُبيدة وهو وَهْم، وهو عَبيدة السليمانى بفتح العين. وقوله فى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا: " حتى غابت الشمس " وفى حديث عمر (¬6): " ما كدت أن أصلى العصر حتى كاد أن تغرب الشمس " (¬7) ليس فيه ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) فى ت: تتعذَّر. (¬3) هذا إن كانت الوسطى من التوسط: وإن كانت من الوسط الذى هو الخيار فلا يسقطه. راجع: الأبى 2/ 309. (¬4) هو عبيدة بن عمرو، ويقال: ابن قيس السَّلْمانِىُّ المُرادى، أبو عمرو الكوفى، أسلم قبل وفاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، ولم يلقه. كان من أصحاب على وعبد الله، وكان يوازى شريحاً فى القضاء، مات سنة أربع وسبعين. طبقات ابن سعد 6/ 93، تاريخ خليفة 155، تهذيب الكمال 19/ 266. (¬5) يقول السنوسى: لم يزل هذا يتكرر منه، وإضافة الشىء إلى نفسه يمنعه الفريقان، وإنما اختلفا فى إضافة الموصوف إلى الصفة نحو (جانب الغربى) فالكوفيون يجيزونها، والبصريون يمنعونها، ويؤولون ما جاء منها من أنه على حذف الموصوف، أى بجانب المكان الغربى، والحديث من ذلك، لا من إضافة الشىء إلى نفسه، وتأويله قوله: فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه 2/ 390. (¬6) فى ت: على، وهو وهم. (¬7) ولفظه فى المطبوعة: حتى كادت أن تغرب.

وَبُطُونَهُمْ - نَارًا ". 205 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ عَلِىٍّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ، مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا " ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. 206 - (628) وحدّثنا عَوْنُ بْنُ سَلامٍ الْكُوفِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ الْيَامِىُّ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاةِ الْعَصْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف؛ لأن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له حينئذ: " فوالله إن صليتها " ثم ذكر أنه توضأ وصلى [بعد ما] (¬1) غربت فجاء أن صلاة عمر كانت قبل المغيب وقد كادت، وظاهر إعلامه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه بعد المغيب؛ لأنه أخبره عن حال القضاء بقوله: " حتى كادت "، وحينئذ تذكرها النبى - عليه السلام - فصلاها بعد الغروب كما جاء مفسراً، وقسمه هنا - عليه السلام - أنه ما صلاها قيل: لِفَرَطِ أَسَفِه على تركها حينئذ. وقوله: " شغلونا ": ظاهره أنه أُنسيها لشغله بالعدو، أو يكون أخَّرها للشغل بذلك قصداً، وأن صلاة الخوف ناسخٌ لهذا (¬2)، وقيل: إن الذى أخر أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء (¬3)، وفى الموطأ: الظهر والعصر (¬4)، وأنه أُنسى ذكرها بالتحرر عن العدو والشغل به، وظاهره أن صلاة الخوف لم تكن شُرعت بعد على ظاهر هذا الحديث وإنما أمر بها وشُرعت فى غزوة ذات الرقاع على ما نذكره، وذهب مكحول والشاميون إلى تأخير صلاة الخوف إذا لم يتمكن أداؤها معه إلى وقت الأمن (¬5)، ¬

_ (¬1) فى ت: بعد أن. (¬2) و (¬3) فقد أخرج الشافعى وأحمد والنسائى وغيرهم عن أبى سعيد الخدرى قال: حُبْسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان هوىٌّ من الليل حتى كفينا، وذلك قول الله عز وجل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قُوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]. قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً فأقام فصلَّى الظهر كما كان يُصلِّيها فى وقتها، ثم أقام العصرَ فصلاها كذلك، ثم أقام المغربَ فصلاها كذلك، ثم أقام العشاءَ فصلاها كذلك، وذلك قبلَ أن ينزل فى صلاة الخوفِ: {فَرِجالاً أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]. السنن المأثورة. أحمد فى المسند 3/ 67، النسائى، ك الأذان، ب الأذان للفائت من الصلاة 2/ 17، وأخرجه ابن حبان فى صحيحه بغير لفظ العشاء (2890). (¬4) وذلك مرسل من حديث سعيد بن المسيب، فقد قال: " ما صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر والعصر يوم الخندق حتى غربت الشمس ". قال أبو عمر بن عبد البر: فالله أعلم أىُّ ذلك كان. وقد يحتمل أن يكون ذلك كلُّه صحيحاً؛ لأنهم حوصروا فى الخندق وشغلوا بالأحزاب أياماً. الاستذكار 7/ 85. (¬5) وقد حكم ابن عبد البر على هذا القول بالشذوذ والفساد. السابق 7/ 82.

حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوِ اصْفَرَّت، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ، مَلأَ اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقبُورَهُمْ نَارًا " أَوْ قَالَ: " حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقبُورَهُمْ نَارًا ". 207 - (629) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلِى مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِى يُوُنسَ مَوْلَى عَائِشَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِى عَائِشَةُ أَنْ أُكْتبَ لَهَا مُصْحَفًا. وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الآيَةَ فآذِنِّى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (¬1) فَلَمَّا بَلغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَىَّ: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ الْعَصْرِ، وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ " قَالتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 208 - (630) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْن مَرْزُوقٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِه الآيَةُ: " حَافِظُوا عَلِى الصَّلَوَاتِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ "، فَقَرَأنَاهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللهُ. فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الْوُسْطَى} فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقٍ لَهُ: هِىَ إِذَنْ صَلاةُ الْعَصْرِ. فَقَالَ الْبَرَاءُ: قُدْ أَخْبَرْتكَ كَيْفَ نَزَلَتْ وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. قَالَ مُسْلِمٌ: وَرَوَاهُ الأَشْجَعِىُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ شَقِيقِ ابْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَالَ: قَرَأنَاهَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا. بِمِثْلِ حَدِيثِ فُضَيْلِ ابْنِ مَرْزُوقٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح والذى عليه الجمهور: صلاتها على سنتها إذا أمكن، فإن لم يستطع فبحسب قدرته، ولا يؤخرها، وسيأتى بيان ذلك والخلاف فيه فى بابه. وقيل: فيه وجه آخر: أن يكونوا على غير وضوء فلم يمكنهم ترك ما هم فيه للوضوء أو التيمم، ولا الصلاة دون طهارة وقد مرت هذه المسألة فى الوضوء. وظاهر قوله: " فتوضأنا وصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬2) أنه صلاها فى جماعة ولا خلاف بين العلماء فى جواز التجميع للفوائت، إِلا ما روى عن الليث من منع ذلك. وقوله: " ثم صلى بعدها المغرب ": أصل فى هذا الباب، وأجمع العلماء على الاستدلال به فيمن فاتته صلوات وأيقن أنه يقضيها ويُصلى التى حضرت قبل فوات وقتها، أنه يبدأ بالمنسيّة، واختلفوا إذا خشى فواتها، فذهب الحسن وابن المسيب وفقهاء أصحاب الحديث وأصحاب الرأى والشافعى إلى أنه يبدأ بما حضر، وقال مالك والليث والزهرى ¬

_ (¬1) البقرة: 238. (¬2) لفظ المطبوعة: فتوضَّأ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوضَّأنا.

209 - (631) وحدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ أَبُو غَسَّانَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: حَدثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّىَ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَوَاللهِ، إِنْ صَلَّيْتُهَا " فَنَزَلْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَضَّأنَا. فَصَلَّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ - عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى آخرين: يبدأ بما ذكر، ولا خلاف عند جميعهم فيما كثر جداً أنه يبدأ بما حضر، واختلف هؤلاء فى خمس صلوات ونحوها، هل حكمها حكم الصلاة الواحدة والاثنتين؟ أم حكم الكثير؟ ومالك يرى ما دون الخمس قليل (¬1)، وما فوق الخمس كثيرٌ (¬2)، واختلف عنه فى الخمس لكونها صلاة يوم، هل هى من القليل أو الكثير؟ وفى حديث محمد بن المثنى: ثنا ابن أبى عدى، عن سعيد عن قتادة كذا ضبطناه عن الصدفى والأسدى، وكذا فى أكثر النسخ، وضبطناه عن ابن أبى جعفر عن شعبة عن قتادة ووقعا معًا فى كثير من الأصول، وكلاهما إن شاء الله صحيح، أما شعبة عن قتادة فقد ذكره مسلم قبل هذا فى الحديث نفسه، وأما سعيد فهو ابن أبى عروبة، وكلاهما من أصحاب قتادة، وجاء من المشكل فى هذا الموضع يحيى بن الجزار بالجيم وتقديم الزاى (¬3) وشُتير بضم الشين المعجمة وفتح التاء، باثنتين من فوقها ابن شكل، بفتح الشين المعجمة وفتح الكاف، ومسلم بن صُبَيح، بضم الصاد، وبُطحان، بضم الباء وسكون الطاء، كذا ضبطناه فى الأم، وهو واد بالمدينة. وكذا يقوله المحدثون، وقيدوه فى التاريخ بطحان، بفتح الباء وكسر الطاء، وهو صوابه عند أهل اللغة، قال البكرى: ولا يجوز غيره. ¬

_ (¬1) فى ت: قليلاً. (¬2) فى ت: كثيراً. (¬3) وكان من المشكل لأنهُ يقال فيه: يحيى بن زيَّان، أيضاً. قال محمود بن غيلان عن شَبابَة بن سوَّار عن شعبة: لم يسمع يحيى بن الجزَّار من على إِلا ثلاثة أحاديث، هذا المذكور، والآخر أن عليًا سُئل عن يوم الحج الأكبر، ونسى محمود الثالث. روى له الجماعة سوى البخارى. قلت: لعلّ ترك البخارى له كان لإفراطه فى التشيع. راجع: تهذيب الكمال 31/ 251.

(37) باب فضل صلاتى الصبح والعصر والمحافظة عليهما

(37) باب فضل صلاتى الصبح والعصر والمحافظة عليهما 210 - (632) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ باللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالْمَلائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ " بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى الزِّنَادِ. 211 - (633) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ، أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار ": الحديث، فيه حجة لمن صحح إظهار ضمير الجمع والتثنية من النحاة فى الفعل إذا تقدم، وحكوا فيها قول من قال من العرب - وهم بنو الحارث: أكلونى البراغيث، وعليه حمل الأخفش قوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِين ظَلَمُوا} (¬1)، وأكثر النحاة يأتون هذا من إظهار الضمير وهو مذهب سيبويه، ويتأولون هذا ومثله، ويجعلون الاسم بعد بدلاً من الضمير ولا يرفعونه بالفعل كأنه لما [قال] (¬2): {وَأَسَرُّوا}: قال: من هم؟ قال: {الَّذِينَ ظَلَمُوا} ومعنى " يتعاقبون ": أى يأتى طائفة بعد أخرى، ومنه: تعقيب الجيوش، وهو أن يُبعثَ قومٌ ويأتى آخرون، وسؤال الله لهم على ظاهره، والله أعلم بهم، تعبد منه تعالى للملائكة، كما أمرهم أن يكتبوا أعمالهم وهو أعلم بالجميع، ويحتمل أن يكون هؤلاء [هم] (¬3) الحفظة الكُتّاب، وأن ذلك مما يخص كل إنسان، وعليه حمله الأكثرون، وهو الأظهر، وقيل: يحتمل أن يكون من جملة الملائكة لجملة الناس. ¬

_ (¬1) الأنبياء: 3. قلت: الأخفش لا يجعل الواو ضميراً بل علامة على أن الفاعل مجموع أو مثنى، والفرق بين العلامة والضمير أن العلامة حرف والضمير اسم، والأخفش بصرى، والبصريون لا يجيزون عود الضمير على ما بعده، وقد حكى ابن أبى الربيع فى الواو فى مثل هذا - ثلاثة أقوال: الأول: أنها ضمير، والثانى: أنها علامة، والثالث: أنها ضميرٌ إن تقدم الاسم نحو: الزيدون قاموا، وحرف إن تقدم الفعل نحو: قاموا الزيدون. (¬2) و (¬3) ساقطة من ت.

إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَبى حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ يَقُولُ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيَلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: " أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لا تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ ألا تُغْلَبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " يَعْنِى الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ. ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ: {وَسَبِّح بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُروُبِهَا} (¬1). 212 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَوَكِيعٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " أَمَا إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ " وَقَالَ: ثُمَّ قَرَأَ. وَلَمْ يَقُلْ: جَرِيرٌ. 213 - (634) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِى خَالِدٍ ومِسْعَرٍ وَالْبَخْتَرِىِّ بْنِ الْمُخْتَارِ، سَمِعُوهُ منْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يجتمعون (¬2) فى صلاة الفجر وصلاة العصر " لطف من الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم، أن جعل اجتماعهم عندهم وورودهم عليهم ومفارقتهم لهم فى أوقات عباداتهم، ليكون شهادتهُم لهم بأحسن الشهادة (¬3) وثناؤهم عليهم أطيب ثناء، وقد زاد هؤلاء فى هذا الحديث على من روى الاجتماع فى صلاة الصبح فقط، وعضده بقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (¬4)، فقد تبين فى هذا الحديث أن الاجتماع فى وقتين واختصاصهم بالشهادة لهم بالصلاة التى وجدوهم عليها من دون سائر أعمال الإيمان دليل على فضل الصلاة على سائر الأعمال والقُرب. وقوله: " لا تُضامُّونَ فى رؤيته " تقدم الكلام عليه. وقوله: " فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ": يعنى العصر والفجر ثم قرأ (¬5): {وَسبّح بِحمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُروُبِهَا} كذا ¬

_ (¬1) طه: 130. (¬2) الذى فى المطبوعة: ويجتمعون بإثبات الواو. (¬3) فى ت: الشهادات. (¬4) الإسراء: 78، والقاضى يشير بهذا إلى ما أخرجه البخارى فى صحيحه وأحمد فى مسنده عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلاة الفجر "، ويقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} البخارى، ك التفسير، ب تفسير سورة بنى إسرائيل 6/ 108، أحمد فى المسند 2/ 474. (¬5) جريرٌ.

يَقُولُ: " لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الرَّجُلُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنِّى سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى. 214 - (...) وحدّثنى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، عَنْ أبيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَلِجُ النَّارَ مَنْ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البصْرَةِ، فَقَالَ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا منَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. أَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، لَقَدْ سَمِعْت النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ بِالْمَكَانِ الَّذِى سَمِعْتَهُ مِنْهُ. 215 - (635) وحدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِى أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِىُّ عَنْ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ". (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَنَسَبَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالا: ابْنُ أَبِى مُوسَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقعت مفسرة فى هذا الحديث من رواية جرير بن عبد الله وكذلك ذكر أيضاً (¬1) معناه من رواية عمارة بن رؤيبة وقال: " لَنْ يلجَ النارَ من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " (¬2) يعنى: الفجر والعصر، وهو معنى الحديث الآخر عنه: " من صلى البَرْدين دخل الجنة " قال المُهَلِّبُ (¬3): "ومعنى لا تُغلبوا ": أى على شهودها فى الجماعة. ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ت لفظة: عنده. (¬2) الذى فى المطبوعة لهذه الرواية: " لن يلِجَ النَّارَ أحد صلى " الحديث، وهو من طريق وكيع، والمذكور هنا هو من طريق يحيى بن أبى بكير، لكنه فى المطبوعة بغير هذا التفسير. (¬3) المهلِّب بن أحمد بن أبى صُفرة، الأسدى، الأندلسى المَرِيِيُّ (*)، مصنف " شرح صحيح البخارى "، كان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء، أخذ عن أبى محمد الأصيلى، وأبى الحسن القابسى، وأبى ذرٍّ الحافظ، توفى سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. جذوة المقتبس 352، ترتيب المدارك 4/ 751، سير 17/ 579. / (*) قا معد الكتاب للشاملة: تصحفت في المطبوع إلى "المُربى"، وانظر السير (17/ 579)

(38) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس

(38) باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس 216 - (636) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. 217 - (637) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى أَبُو النَّجَاشِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَديجٍ يَقُولُ: كُنَّا نُصَلى الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِىُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى أَبُو النَّجَاشِىِّ، حَدَّثَنِى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّى الْمَغْرِبَ، بِنَحْوِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى صلاة المغرب: " إذا توارت بالحجاب " (¬1) الحجاب الستر، وكل ما ستر فهو حجاب. وقيل: حجاب الشمس: ضوؤها، فيكون على هذا تواريها بجملة قرصها وشعاعها، وهذا وما ذكره من الآثار تدل على مثابرته - عليه السلام - وأمره بالمبادرة إليها، وقد تقدم الكلام في هذا، وما ذكره من تأخير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعشاء فيه حجة للحنفية ولأحد القولين فى أَنَّ الأفضل تأخيرها، وإنما يُحمل على أنه كان فى بعض الأوقات، وهو ظاهر الحديث، لقوله: " ليلة من الليالى [أو] (¬2) ذات ليلة، فدل أنها لم تكن عادته، بل لأمرٍ، كما قال ابن عمر فى الحديث: " ولا أدرى أشىء شغله فى أهله أو غير ذلك "، وقول أبى موسى: " وله بعض الشغل فى أمره " وفى بعض الحديث: " أنه جهز جيشاً " (¬3)، وفى مسلم: " فخرج ورأسه يقطر ماء " ولعله - عليه السلام - أخَّرَها قصدًا ليبين لهم بالفعل جواز ذلك " لأنه (¬4) الأفضل أو لنوم غلبه، أو لشغل من شغل المسلمين، وكان الغسل قد لزمه قبل ذلك أو قبل دخول وقتها لا أنه أخرها بسبب موجبه مجرداً، وإنما كان تأخيره لها المعهود ما قال فى حديث جابر: " وكان يؤخر العتمة بعد صلاتكم شيئاً " (7). ¬

_ (¬1) لفظها فى المطبوعة: " إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب " (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ت. (¬3) أحمد فى المسند عن جابر 3/ 367. (¬4) لعله: لا أنه.

(39) باب وقت العشاء وتأخيرها

(39) باب وقت العشاء وتأخيرها 218 - (638) وحدّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِى بِصَلاةِ الْعِشَاءِ، وَهِىَ الَّتِى تُدْعَى الْعَتَمَةَ، فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لأَهلِ الْمَسْجِدِ حِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ: " مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ "، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلامُ فِى النَّاسِ. زَادَ حَرْمَلَةُ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَذُكِرَ لِى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تَنْزُرُوا رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلاةِ " وَذَاكَ حِينَ صَاحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. (...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الزُّهْرِىِّ: وَذُكِرَ لِى، وَمَا بَعْدهُ. 219 - (...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَرٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: "وما كان لكم أن تبرزوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصلاة (¬1) " كذا للرازى بالباء وتقديم الراء وضم الباء أولاً (¬2)، وعند ابن سعيد وابن الحذاء والطبرى: " تنزروا " بالنون وتقديم الزاى وفتح التَاء أولاً، وهو الصحيح إن شاء الله، ومعناه: الإلحاح عليه فى الخروج: للصلاة ويدل عليه قوله فى الحديث بعد هذا: " وذلك (¬3) حين صاح عمر ابن الخطاب " وفى الحديث الآخر: " فقال عمر: الصلاة "، وتذكير عمر له ظن أنه بما شُغل به سها عن وقتها ولم يعذره لشغله فذكَّره به، ويدل أنه لم يؤخرها عن وقت الاختيار قوله فى الحديث من رواية أنس: " إلى شطر الليل أو كاد يذهب شطر الليل "، هو مثل قول ابن عمر فى الحديث: "حين ذهب ثلث الليل " (¬4)، وهو تفسير قول عائشة فى حديثها: " حتى ذهب عامة الليل ". ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: على الصلاة. (¬2) فى الأبى بعدها: وهو الإخراج. (¬3) الذى فى المطبوعة: وذاك. (¬4) أو بعده.

جَمِيعًا: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: " إِنَّهُ لَوَقْتُهَا، لَولا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى " وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: " لَوْلا أَنَّ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى ". 220 - (639) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصَلاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلا نَدْرِى أَشَىْءٌ شَغَلَهُ فِى أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: " إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ، وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِى لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ "، ثمَّ أَمَرَ المُؤَّذنَ فَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَلَّى. 221 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ؛ أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا، حَتَّى رَقَدْنَا فِى الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا. ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتى ": دليل على جواز صلاتها قبل ذلك، وأن صلاته - عليه السلام - فى الغالب كانت على خلاف هذا من أنه لا يؤخرها، كما قال فى الباب فى حديث جابر بن سمرة: " وكان يؤخر العتمة بعد صلاتكم شيئاً ". قال الخطابى: إنما اختار لهم التأخير ليقل حظُّ النوم وتطول مدة انتظار الصلاة، فيكثر أجرهم لقوله: " إنَّ أَحدَكم فى صلاة ما دام ينتظر الصلاة " (¬1) قال غيره من الحكماء: إن أكثر النوم المحمود مقدار ثمانى ساعات بين اليوم والليلة. ¬

_ (¬1) معنى حديث سيرد إن شاء الله فى فضل الصلاة المكتوبة فى جماعة، وأخرجه البخارى كذلك فى صحيحه عن أبى هريرة بلفظ: " إن أحدَكم فى صلاة ما دامَتِ الصلاة تحبِسُه "، ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدُكم: آمين 4/ 139، كما أخرجه البخارى وعن أبى سعيد بلفظ: " ولا يزال أحدُكم فى صلاةٍ ما انتظر الصلاة " البخارى، ك الأذان، ب فضل صلاة الجماعة 1/ 166، وفى المواقيت عن أنس بلفظ: " أما إنكم فى صلاة ما انتظرتموها " 1/ 150، ولأبى داود عن أبى سعيد وابن ماجه وأحمد عن أنس: " وأنكم لن تزالوا فى صلاة ما انتظرتم الصلاة "، ك الصلاة، ب فى وقت العشاء الآخرة 1/ 100، ابن ماجه، ك الصلاة، ب وقت صلاة العشاء1/ 226، أحمد فى المسند 3/ 182، وعن جابر: " وأنتم لم تزالوا فى صلاة ما انتظرتم الصلاة " 3/ 348.

ثُمَّ قَالَ: " لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اللَّيْلَةَ، يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ غَيْرُكُمْ ". 222 - (640) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ؛ أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنَسًا عَنْ خَاتَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ كَادَ يَذْهَبُ شَطْرُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: " إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِى صَلاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ ". قَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ مِنْ فِضَّةٍ. وَرَفَعَ إِصَبعَهُ الْيُسْرَى بِالْخِنْصْرِ. 223 - (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: نَظَرْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، حَتَّى كَانَ قَرِيبٌ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ، فِى يَدِهِ مِنْ فِضَّةٍ. (...) وحدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. 224 - (641) وحدّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى؛ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِى، الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِى فِى السَّفِينَةِ، نُزُولاً فِى بَقِيعِ بُطْحَانَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَتَنَاوَبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ، كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَصْحَابِى؛ وَلَهُ بَعْضُ الشُّغُلِ فِى أَمْرِهِ، حَتَّى أَعْتَمَ بِالصَّلاةِ، حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رقدوا ثم استيقظوا " (¬1): معناه والله أعلم: نوم الجالس المحتبى وخطرات السنات لا نوم الاستغراق، بدليل أنهم لم يروا أنهم توضؤوا، وقد احتج بهذا الحديث ومثله من لم ير النوم فى نفسه حدثاً يوجب وضوءاً، وقد ذكر الطبرى - فى هذا الحديث: " ثم يقومون، فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ "، فدل أن التوضؤ لمن استغرق والله أعلم. ووبيص الخاتم: بريقه. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: رقدنا ثم استيقطنا.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ: " عَلَى رِسْلِكمْ، أُعْلِمُكُمْ، وَأَبْشِرُوا، أَنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ، يُصَلِّى هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ " أَوْ قَالَ: " مَا صَلَّى، هَذِهِ السَّاعَةَ، أَحَدٌ غَيْرُكُمْ " - لا نَدْرِى أَىَّ الْكَلِمَتَيْنَ قَالَ - قَالَ أَبُو مُوسَى: فَرَجَعْنَا فَرحِينَ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 225 - (642) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَىُّ حِينٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ أُصَلِّىَ الْعِشَاءَ، الَّتِى يَقُولُهَا النَّاسُ الْعَتَمَةَ، إِمَامًا وَخِلْوًا؟ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَعْتَمَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ الْعِشَاءَ. قَالَ: حَتَّى رَقَدَ نَاسٌ وَاسْتَيْقَظوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا. فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من فضة ": دليل على جواز اتخاذ الرجل خواتم الفضة، وسيأتى الكلام على هذا فى موضعه. وقوله: " كان يتناوب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرقة منهم كل ليلة " (¬1): أى يأتون عن بُعد إليه نوباً وأوقاتاً متفرقين غير مجتمعين وأصل النوْب: البعد ليس بالكثير، والانتياب مثله، وذلك فيما يكون على فرسخين أو ثلاثة، وقيل: يتناوب: يتداول، وفى الباب: ثنا (¬2) عبد الله بن الصباح العطار، وحدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفى كذا لهم، وعند ابن أبى جعفر لابن ماهان ابن عبد الحميد، وهو وَهْم والأول الصواب، وهو مشهور، بصرى، كنيته أبو على (¬3). قال الإمام: وقوله: " ابهارّ الليل ": أى انتصف، وبُهرة كل شىء، وسطه. قال أبو سعيد الضرير: ابهرار الليل: أى (¬4) نجومه إذا تتامت؛ لأن الليل إذا أقبل أقبلت فحمته، وإذا استنارت النجوم ذهبت تلك الفحمة. قال القاضى: وقيل: ابهار الليل: ذهب عامته، وبقى نحوٌ من ثلثه. وابهَّار الليل: طال، وقال أبو سعيد الضرير: وذلك قبل أن ينتصف، والباهر الممتلئ نوراً، قال سيبويه: ولا يتكلم بإبهار إِلا مزيداً، وقد صحفه بعض الشارحين تصحيفًا قبيحًا فقاله بالنون، قال: ومنه قوله تعالى: {فَانْهَارَ بِهِ نَارِ جَهَنَّمَ} (¬5) عصمنا الله برحمته وتوفيقه. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: كل ليلةٍ نفرٌ منهم. (¬2) الذى فى المطبوعة: وحدثنا. (¬3) روى له الجماعة، مات سنة تسع ومائتين، وقد تصحف على العقيلى كلام ابن معين فيه: " ليس به بأس " إلى: ليس بشىء، وتابعه الذهبى فى الضعفاء. راجع: التاريخ الكبير للبخارى 5/ 1257، الجرح والتعديل 5/ 1541، تهذيب الكمال 19/ 104. (¬4) زيد بعدها فى الأصل: انتصف طلوع. (¬5) التوبة: 109.

فَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنَ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ، يَقْطُرُ رَأسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى شِقِّ رَأسِهِ، قَالَ: " لَولا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا كَذَلِكَ ". قَالَ: فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وَضَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى رَأسِهِ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَبَدَّدَ لِى عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ، ثُمَّ وَضَعَ أَطرَافَ أَصَابِعِهِ عَلى قَرْنِ الرَّأسِ. ثُمَّ صَبَّهَا، يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأسِ، حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِى الْوَجْهَ، ثُمَّ عَلَى الصُّدْغِ وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ، لا يُقَصرُ وَلا يَبْطِشُ بشَىءٍ إِلا كَذَلِكَ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: كَمْ ذُكِرَ لَكَ أَخَّرَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ؟ قَالَ: لا أَدْرِى. قَالَ عَطَاءٌ: أَحَبُّ إِلَىَّ أَنْ أُصَلَّيَهَا، إمَامًا وَخِلْوًا، مُؤَخَّرَةً، كَمَا صَلاهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْكَ ذَلِكَ خِلْوًا أَوْ عَلَى النَّاسِ فِى الْجَمَاعَةِ، وَأَنْتَ إِمَامُهُمْ فَصَلِّهَا وَسَطًا، لا مُعَجَّلَةً وَلا مُؤَخَّرَةً. 226 - (643) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أعتم بالصلاة " (¬1): أى أبطأ وأخَّرها حتى كانت عتمة الليل، وهى ظلمته، وبه سُميت العشاء الآخرة عتمة. وقوله: " على رِسْلكم " بكسر الراء، ويقال: بفتحها، أى على لين من قولكم وتمهل وقلة عجلة، والرِسل الترسل والترسيل اللين من القول. وقوله: " فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنى أنظر إليه يقطر رأسه [ماء] (¬2) " بيّن أنه إنما أخرَّها لعذر طرأ عليه، ووصفه وضع أطراف أصابعه على قرن رأسه فقال: " ثم صبَّها [يمرها كذلك على الرأس] (¬3) " الحديث صفة عصر الماء من الشعر باليد، كذا روايتنا هنا فيه لكافتهم وعند العُذرى: [ثم] (¬4) قلبها، ورواه البخارى (¬5) ضمها، والأول الصواب بدليل لفظ الحديث. وقوله: " ثُمَّ على الصُّدْغِ وناحية اللحية لا يُعصر ولا يَبْطُش "، وفى البخارى: " لا يعْصِرُ ولا يبطش " (¬6)، فقوله: " لا يعصر " لا يُضادِ ما تقدم، ولعله أراد لا يعصرُه، أى يجمع شعره فى يده بل يشد أصابعه عليه لا غير، وقال بعضهم: معناه: " لا يبطئ " مقابلة لقوله: " ولا يبطش "، وقول مسلم: " لا يُقَصِّر ": أى عن فعله ذلك من إمرار ¬

_ (¬1) فى ت: أعتم بالعتمة. (¬2) ساقطة من ت، والعبارة فى المطبوعة: فخرج نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنى أنظُرُ إليه الآن، يقطرُ رأسه ماءً. (¬3) فى ت: يمرها على الرأس كذلك قال. (¬4) من ت. (¬5) ك مواقيت الصلاة، ب النوم قبل العشاء لمن غُلِب 1/ 149. (¬6) وأثبت محقق النسخة الروايتين.

يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ - عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ صَلاةَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ. 227 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِر بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الصَّلَوَاتِ نَحْوًا مِنْ صَلاتِكُمْ. وَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعَتَمَةَ بَعْدَ صَلاتِكُمْ شَيْئًا، وَكَانَ يُخِفُّ الصَّلاةَ. وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كَامِلٍ: يُخَفِّفُ. 228 - (644) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَ زهُيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِى لَبِيد، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَغْلبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاتِكُمْ، أَلا إِنَّها الْعِشَاءُ، وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالإِبِلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أصابعه عليه ممهلاً دون بطش، وقد يصح رواية: " ثم قلبها ": أى أمالها إلى جهة الوجه واللحية بمعنى صبها، لا (¬1) أنه قلب ظهرها لبطنها. واحتجاج عطاء بالحديث فى استحباب صلاتها إماماً وخلْواً مؤخرة ما لم يشق أخذاً بظاهر الحديث، ولكن أمره - عليه السلام - الأمة بالتخفيف يقضى على هذا الاختيار، وإن كان عطاء علقه بالمشقة، ولما حكى فى هذا الحديث من رواية الطبرى: " لولا ضعف الضعيف وبكاء الصغير " ومعنى " خِلْواً ": منفرداً بكسر الخاء، ونهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اتباع الأعراب فى تسمية العشاء العتمة لما بينه فى الحديث بقوله: " فإنها فى كتاب الله العشاء " فتسميتها بما سماها الله فى قوله: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء} (¬2) أحسن وأولى مما تسميها به جهلة الأعراب، وقد جاء فى الحديث الآخر: " لو يعلمون ما فى العتمة والصبح [لأتوهما ولو حبواً] (¬3) " فقوله هذا يدل أن نهيه ليس نهى تحريم، وإنما هو نهى أدب وفضيلة، ويحتمل أن تسميته لها - عليه السلام - بهذا ليعم بفهمه من يسميها عتمة وغيرهم، إذ مقصده البيان والعموم، فلذلك عدل هنا عن اللفظ الأفضل والأولى عنده. وقد اختلف السلف فى هذا فأباح تسميتها بذلك أبو بكر الصديق وابن عباس وقد مرّ فى باب الأذان من هذا وفى تسمية المغرب عشاء وما فيه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: إِلا. (¬2) النور: 58. (¬3) من ت، والحديث سبق فى ك الصلاة، ب تسوية الصفوف عن أبى هريرة.

229 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبِى لَبِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " لا تَغْلِبَنكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاتِكُمُ الْعِشَاءِ فَإِنَّهَا فِى كِتَابِ اللهِ الْعِشَاءُ، وِإِنَّهَا تُعْتِمُ بِحِلابِ الإِبِلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم " وفى الرواية الأخرى: " يصلى هذه الساعة " وفى البخارى: " هذه الصلاة " (¬1) يفسر هذا كله قوله فى الحديث الآخر فى الأم: " ما ينتظرها أهل دين غيركم " وقوله فى البخارى: " ولا يصلى يومئذ إِلا بالمدينة " (¬2) وهذا يرد قول من قال: إنما أراد من يصليها جماعة غيركم. وقوله: " إنكم فى صلاة ما انتظرتموها " (¬3): أى فى عمل تثابون عليه كما يثاب المصلى؛ لأن انتظارها والنيَّة لعملها وترك ملاذ النفوس لذلك كمن هو فى صلاة. وقوله: " نام النساء والصبيان " يحتمل ممن حضر المسجد لانتظار الصلاة فغلبه النوم، ويحتمل أنه يريد: ناموا فى منازلهم ولم يمكنهم انتظار رجالهم لبطئهم، ولعلهم ناموا دون عشاءٍ لذلك. ¬

_ (¬1) ك مواقيت الصلاة، ب فضل العشاء. (¬2) ك مواقيت الصلاة، ب النوم قبل العشاء لمن غلب. (¬3) لفظها فى النسخة المطبوعة: " وإنكم لم تزالوا فى صلاةٍ ما انتظرتُم الصلاة ".

(40) باب استحباب التبكير بالصبح فى أول وقتها وهو التغليس. وبيان قدر القراءة فيها

(40) باب استحباب التبكير بالصبح فى أول وقتها وهو التغليس. وبيان قدر القراءة فيها 230 - (645) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُييْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ كُنَّ يُصَلِّينَ الصُّبْحَ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، لا يَعْرِفِهُنَّ أَحَدٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أن نساء المؤمنات كن يصلين الصبح ": الحديث على إضافة الشىء إلى نفسه (¬1)، وقيل: إن " نساء " هنا بمعنى فاضلات النساء المؤمنات، كما يقال: رجال القوم، أى مقدموهم وفضلاؤهم، وقيل: معناه: نساء الأنفس المؤمنات، وقيل: نساء الجماعات المؤمنات، وكله بمعنى. وقوله: " متلفعاتٍ بمروطهن "، قال الإمام: معناه: مُتَجَلّلاتٍ بأكسيتهن، واحد المروط، مِرط بكسر الميم (¬2). قال القاضى: ذكر مسلم من رواية الأنصارى عن معن (¬3) عن مالك، وقد وقع لبعض رواة الموطأ يحيى وغيره: " متلففات " (¬4) بفائين وأكثرهم بالفاء والعين، والمعنى متقارب، إِلا أن التلفع مختص بتغطية الرأس، وكذا ذكره مسلم من رواية الجهضمى عن معن، ومن رواية غير مالك عن الزهرى. واستدل بعضهم فيه على جواز صلاة المرأة مخمرة فمها وأنفها، ولا حجة فيه؛ لأنه مما أخبر بتلفعهن فى الانصراف لا فِى الصلاة. ¬

_ (¬1) يعنى: نساء المؤمنات. (¬2) فى النهاية: اللفاع ثوب يجلل به الجسد كله، كساء كان أو غيره، وتلفع بالثوب إذا اشتمل به. وقال عبد الملك بن حبيب فى شرح الموطأ: التلفع أن يلقى الثوب على رأسه ثم يلتف به. لا يكون الالتفاع إِلا بتغطية الرأس، وأخطأ من قال: إنه مثل الاشتمال. انظر: الموطأ 1/ 5. وقول عائشة: " إن كان " " إن " هنا هى المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، واللام فى " ليصلى " هى الفارقة بين المخففة والنافية، والكوفيون يجعلونها بمعنى " إِلا "، وإن على هذا عندهم نافية. (¬3) فى الأصل: معمر، وهو وهم، ومعن هو: ابن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعى، أبو يحيى المدنى، قال فيه أبو حاتم: إنه أثبت أصحاب مالك وأوثقهم، وفيه يقول إسحاق بن موسى الأنصارى: سمعتُ معناً يقول: كان مالك لا يجيبُ العراقيين فى شىء من الحديث حتى أكون أنا أسأله عنه. مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين ومائة. تهذيب الكمال 28/ 339. (¬4) وهى التى خرجها الترمذى من حديث قتيبة عن مالك، ك الصلاة، ب ما جاء فى التغليس بالفجر 1/ 287.

231 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُس؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ نِسَاءٌ مِنَ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ الفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ وَمَا يُعْرَفْنَ مِنْ تَغْلِيسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاةِ. 232 - (...) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا مَعْنٌ عَن مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّى الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ. وَقَالَ الأَنْصَارِىُّ فِى رِوَايَتِهِ: مُتَلَفِّفاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يُعرفن من تغليس (¬1) ": هو بقايا ظلمة الليل يخالطها بياض الفجر، قاله الأزهرى، والخطابى قال: فالغبش بالباء والشين المعجمة، قبل (¬2) الغبس، بالسين المهملة، وبعد الغلس، باللام، وهى كلها فى آخر الليل ويكون الغبش أول الليل. وقوله: " ما يعرفن ": قال الداودى: ما يُعرفن أنهن نساء أم رجال، وقال غيره: يحتمل أنه لا تعرف أعيانهن وإن عُرفن أنهن نساء وإن كن مكشفات الوجوه. وفى حديث أبى برزة بعد هذا فى صلاته - عليه السلام -: " فينصرِف فينظر الرجلُ إلى وجه جليسه الذى يعرف فيعْرفه "، ولعل هذا مع التأمل له والله أعلم، أو فى حالٍ دون حال، ولا يعارض قوله فى النساء: " ما يُعرفن من الغلس " إذا قيل: وُجوههن وإن كانت بادية لتغطية رؤوسهن وبُعدهن عند الرجال وقال: هذا يعرف وجه جليسه الذى يعرف، وهذا كله للتبكير بصلاة الصبح. وقيل: فيه دليل على خروج النساء للمساجد، ومبادرة خروجهن قبل الرجال عند تمام الصلاة لئلا يزاحمن الرجال أو ليستترن منهم، ولاغتنام ظلمة الغلس، أو لمبادرتهن لمراعاة بيوتهن، ويدل عليه فاء التعقيب التى لا تقتضى المهلة فى قوله: " فينصرف النساء " وفيه وفى الأحاديث غيره فى الباب أن أكثر شأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصلاته للصبح التغليس بها وصلاتها أول وقتها، وهذا يدل على أن ذلك أفضل إذا كان - عليه السلام - يثابر على الأفضل والأولى وإلى [هذا] (¬3) ذهب مالك ¬

_ (¬1) فى ق: الغلس، وكلاهما صحيح. (¬2) فى الأصل: قيل، والمثبت من ت، وهو الموافق لما جاء فى المشارق. فقد جاء فيه: والغبش بالمعجمة قبل الغبس، والغلس باللام بعد الغبس، وهى كلها فى آخر الليل، ويجوز الغبش بالمعجمة فى أول الليل. مشارق الأنوار 2/ 128. (¬3) ساقطة من ت.

233 - (646) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ؛ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْحَجَّاجُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ، وَالعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ، كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَؤُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ، كَانُوا - أَوْ قَالَ -: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والشافعى وعامة العلماء، وذهب الكوفيون إلى أن آخر وقتها أفضل وقد تقدم هذا. وقراءته فيها بالستين إلى المائة دليل على تبكيرها مع قوله: " وينصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض ": كله دليل على (¬1) التغليس بها؛ لأن هذا لا يكون بعد طول القراءة إِلا مع التغليس. ومثابرته - عليه السلام - وفعل الخلفاء بذلك يقتضى على تأويلهم فى حديثهم: " أسفروا بالفجر " (¬2) ومعناه: عند الكافة: صلوها بعد تبيين وقتها وظهور الفجر الصادق. وقوله: " كان يصلى الظهر بالهاجرة ": هى شدة الحر على ما تقدم من صلاته - عليه السلام (¬3) - لها أول وقتها، وحجةٌ لنا فى المبادرة بالصلاة أول الأوقات. إِلا ما جاء فى الإبراد، وقد تقدم الكلام على هذا. قال صاحب العين: الهجر والهجير والهاجرة نصف النهار، قيل: سُميت هاجرة من الهجْر، وهو الانقطاع والزوال؛ لأن كل شىء يفر من حرّها ويزول. وقوله: " والمغرب إذا وجبت ": أى سقطت الشمس للمغيب، ولم يذكر الشمس للعلم بالمراد، والوجوب: السقوط. وقوله فى حديث أبى برزة: " والعشاء أحياناً يؤخرها وأحياناً يعجل، كان إذا اجتمعوا عجل وإذا أبطؤوا أخّر " (¬4): دليل على أن الفضل لأول الوقت على ما تقدم، وإنما أخَّر لعلة تأخير اجتماع القوم، وفيه مراعاة فضل الجماعة، وترجيحها على فضل أول الوقت، وهو أصل مختلف فيه أيهما يرجح على صاحبه. ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ت: التبكير. ولا وجه لها. (¬2) سبق فى باب أوقات الصلوات الخمس برقم (176) بنحوه. (¬3) زيد بعدها فى ت: وفعل الخلفاء بعده؛ ولا ضرورة لها؛ إذ فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده كافٍ فى الحجية. (¬4) لفظها فى المطبوعة: كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجَّلَ، وإذا رآهم قد أبطؤوا أخَّرَ.

234 - (...) وحدّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ قَالَ: كَانَ الْحَجَّاجُ يُؤَخِّرُ الصَّلَوَاتِ، فَسَأَلْنَا جَابِر بْنَ عَبْدِ اللهِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ. 235 - (647) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى سَيَّارُ بْنُ سَلامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَسْأَلُ أَبَا بَرْزَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: كَأَنَّمَا أَسْمَعُكَ السَّاعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَسْأَلُهُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ لا يُبَالِى بَعْضَ تَأخِيرِهَا - قَالَ: يَعْنِى العِشَاءَ - إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَلا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا. قَالَ: شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ، بَعْدُ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: وَكَانَ يُصَلِّى الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالعَصْرَ، يَذْهَبَ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى المَدِينَةِ؛ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. قَالَ: وَالمَغْرِبَ، لا أَدْرِى أَىَّ حِينٍ ذَكَرَ. قَالَ: ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدُ، فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: وَكَانَ يُصَلِّى الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِى يَعْرِفُ فَيَعْرِفُهُ، قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بَالسِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ. 236 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكان لا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها ": قيل كراهة النوم قبلها لئلا يذهب بصاحبه ويستغرق نوماً (¬1) فتفوته أو يفوته فضل وقتها المستحب، أو يترخّص فى ذلك الناس فيناموا (¬2) عن إقامة جماعتها. وكرهه جماعة من السلف وأغلظوا فيه، منهم ابن عمر وعمر وابن عباسٍ وغيرهم، وهو مذهب مالك، ورخص فيه بعضهم منهم: علىّ وأبو موسى وغيرهما، وهو مذهب الكوفيين، وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها (¬3) وروى عن ابن عمر مثله. وإليه ذهب الطحاوى، وأما كراهة الحديث بعدها فلما يؤدى إلى السهر ومخافة غلبة النوم؛ لذلك أخر الليل، وفوت (¬4) صلاة الصبح فى الجماعة أو فى وقتها، أو النوم عن قيام الليل وذكر الله فيه؛ ولأن الحديث والسهر بالليل يوجب الكسل بالنهار عما تجب الحقوق فيه من الطاعات ومصالح الدنيا والدين، وقد جعل ¬

_ (¬1) فى ت: نومُه. (¬2) فى ت: فينامون. (¬3) فى ت: لصلاته. (¬4) فى ت: فوات.

سَلامَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُبَالِى بَعْضَ تَأخِيرِ صَلاةِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَكَانَ لا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلَا الحَدِيثَ بَعْدَهَا. قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرَةً أُخْرَى فَقَالَ: أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ. 237 - (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرو الكَلبِىُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ أَبِى المِنْهَالِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ الأَسْلَمِىَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَيَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِى صَلاةِ الفَجْرِ مِنَ المِائَةِ إِلَى السِّتِّين، وَكَانَ يَنْصَرِفُ حِينَ يَعْرِفُ بَعْضُنَا وَجْهَ بَعْضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الله الليل سكناً كما قال تعالى: {لِبَاسًا} (¬1) أى سكناً، وكما قال: {لِتَسْكُنُوا فِيه} (¬2) وأبيح الحديث والسهر فيه لما فيه مصلحة، أو طريق مبرة وخير كالمسافر والعروس، ومع الضيف ومدارسة العلم، ونحو هذا من سُبُل الخير. ¬

_ (¬1) الفرقان: 47، النبأ: 10. (¬2) يونس: 67، القصص: 73، غافر: 61.

(41) باب كراهيته تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام

(41) باب كراهيته تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام 238 - (648) حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الجَوْنِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ عَن وَقْتِهَا؟ " قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأمُرُنِى؟ قَالَ: " صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ ". وَلَمْ يَذْكُرْ خَلَفٌ: عَنْ وَقْتِهَا. 239 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَن أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِى أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ، فَصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ صَلَيْتَ لِوَقْتِهَا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً، وَإِلا كُنْتَ قَدْ أَحرَزْتَ صَلاتَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يكون (¬1) بعدى أمراء يميتون الصلاة ": أى يصلونها بعد خروج وقتها فكانت كالميت الذى تخرج روحه، وأمره - عليه السلام - أبا ذرٍّ بالصلاة لوقتها، ثم الصلاة معهم، احتياط لوقت الصلاة ومراعاة لفضل الألفة ولزوم الجماعات، وترك الخلاف، وافتراق الكلمة؛ لأن أمر الأئمة هو الذى يجمعها ويفرقها، وقد قال فى الحديث نفسه: " أوصانى أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدَّع (¬2) الأطراف "، والمجدع: المقطع ولا يكون بهذه الصفة من العبيد إِلا أدناهم وأكثرهم امتهاناً فى شأن الخدمة حتى تنال ذلك أطرافه من كثرة الشقاء والنصب، وقيل: هى إشارة إلى ما علمه - عليه السلام - من الغيب، وحال أبى ذرٍّ بعده، فقد قيل: إنه حين خرج إلى الربذة كان عاملاً عليها عبد (¬3) حبشى. وقوله: " قد أحرزت صلاتك ": أى صحت لك فى وقتها، وعلى ما يجب أداؤها. وفيه جواز الصلاة مرتين [إذا كان ذلك لسبب، وإنما جاء النهى عن أن يصلى صلاة ¬

_ (¬1) لفظها فى المطبوعة: " سيكون " (¬2) فى ت: مجذع. (¬3) فى الأصل: عند، وهو وَهم.

240 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: إِنَّ خَلِيلِى أَوْصَانِى أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجدَّعَ الأَطرَافِ، وَأَنْ أُصَلِّى الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا: " فَإِنْ أَدْرَكْتَ القَوْمَ وَقَدْ صَلَّوْا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلاتَكَ، وَإِلا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً ". 241 - (...) وحدّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُدَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا العَالِيَةِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَرَبَ فَخْذِى: " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِى قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ " قَالَ: قَالَ: مَا تَأمُرُ؟ قَالَ: " صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ اذْهَبْ لِحَاجَتِكَ، فَإِن أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَأَنْتَ فِى الْمَسْجِدِ، فَصَلِّ ". 242 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى العَالِيَةِ البَرَّاءِ؛ قَالَ: أَخَّرَ ابْنُ زِيَادٍ الصَّلاةَ، فَجَاءَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّامِتِ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ كُرْسِيًّا، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، فَذَكَرْتُ لَهُ صَنِيعَ ابْنِ زِيَادٍ، فَعَضَّ عَلَى شَفَتِهِ وَضَرَبَ فَخِذِى، قَالَ: إِنِّى سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ كَمَا سَأَلْتَنِى، فَضَرَبَ فَخِذِى كَمَا ضَرَبْتُ فَخذِكَ، وَقَالَ: إِنِّى سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِى، فَضَرَبَ فَخِذِى كَمَا ضَرَبْتُ فَخذِكَ وَقَالَ: " صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ مَعهُمْ فَصَلِّ، وَلا تَقل: إِنِّى قَدْ صَلَّيْتُ فَلا أُصَلِّى ". 243 - (...) وحدّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى نَعَامَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: قَالَ: " كَيْفَ أَنْتُمْ " أَوْ قَالَ: " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِى قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا. فَصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ إِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلِّ مَعَهُمْ. فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة مرتين] (¬1) فى يوم إذا لم يكن لهما سبب، وفيه: أن الفرض هو صلاته الأولى، وقد يقال: ليس فيه حجة لكل صلاة مُعادة؛ لأن هذه الآخرة خرج بها عن سببها. وقد اختلف فيمن صلَّى فَذاً ثم أعاد فى جماعة أيتها فرضه؟ الأولى أو الثانية؟، فأبو حنيفة ¬

_ (¬1) فى ت بهامش الصحيفة.

244 - (...) وحدّثنى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ مَطَرٍ، عَنْ أَبِى العَالِيَةِ البَرَّاءِ؛ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ: نُصَلِّى يَوْمَ الجُمْعَةِ خَلْفَ أُمَرَاءَ، فَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ: قَالَ: فَضَرَبَ فَخِذِى ضَرْبَةً أَوْجَعَتْنِى، وَقَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ عَنْ ذَلِكَ، فَضَرَبَ فَخِذِى، وَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: " صَلُّوا الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً ". قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: ذُكِرَ لِى أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فَخِذِ أَبِى ذَرٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يجعل الفرض الأولى، وظاهر مذهبنا أن الفرض الآخِرَة، وعلى هذا أتينا بالخلاف فى إعادة الصبح والعصر إذ لا تنفل بعدهما، وضربه على فخذه على طريق التنبيه.

(42) باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد فى التخلف عنها

(42) باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد فى التخلف عنها 245 - (649) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا ". 246 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَفْضُلُ صَلاةٌ فِى الجَمِيعِ عَلَى صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " قَالَ: " وَتَجْتَمِعُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ فِى صَلاةِ الفَجْرِ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (¬1). (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدٌ وَأَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: " بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمسة وعشرين جزءًا (¬2) " وفى حديث آخر أنها تفضلها " بسبع وعشرين درجة (¬3) "، قال الإمام: اختلف فى بناء هذه الأحاديث، فقيل: الدرجة أصغر من الجزء فكان الخمسة وعشرين جزءاً إذا جُزئت درجات كانت سبعاً وعشرين درجة، وقيل: بل يُحمل على أن البارى تبارك وتعالى كتب فيها أنها أفضل بخمسة وعشرين، ثم تفضل بزيادة درجتين، ويؤيد هذا التأويل [أنَّ] (¬4) ¬

_ (¬1) الإسراء: 78. (¬2) فى ت: درجة، وعلى كل حال فليس هذا اللفظ فى شىء من المطبوعة لمسلم، وأقرب رواية إليها فيها عن ابن عمر: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، والمذكور هو لفظ البخارى عنه بِضَميمة الثانية للأولى: " صلاة الجماعة تفضلُ صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " ك الأذان، ب فضل صلاة الجماعة 1/ 166. وقد أخرجه الطحاوى من حديث ابن وهب من هذا الطريق بلفظ: " تفضل على صلاة الفذ "، مشكل الآثار 2/ 29. (¬3) فى ت: جزءاً. (¬4) من ت.

247 - (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ سَلْمَانَ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ صَلاةِ الفَذِّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فى بعض الأحاديث: " خمساً وعشرين درجة ". قال: والأشبه عندى أن يكون محمل قوله: " بخمسة وعشرين ". و " سبع وعشرين " راجعاً لأحوال المصلى وحال الجماعة، فإذا كانت جماعة متوافرة وكان المصلى على غاية من الحفظ وإكمال الطهارة، كان هو الموعود بسبع وعشرين، وإذا كان على دون تلك الحال، كان هو الموعود بخمسة وعشرين، والله أعلم. قال فى بعض طرق هذه الأحاديث: " تفضل صلاة أحدكم فى سوقه " (¬1) وحمله بعض شيوخنا على أنه لو كانت جماعة فى السوق لكانت كالفذ فى غير السوق، وعلى هذا يكون فى ذكر السوق زيادة فائدة على ذكر الصلاة فى البيت، ويصح أن تكون [الصلاة] (¬2) فى السوق أخفض منزلة؛ لأن فى بعض الأحاديث: أنها مواضع الشياطين، وقد ترك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة فى الوادى الذى ناموا فيه وقال: " إِنَّ به شيطاناً " (¬3)، وقد يؤخذ من هذا الحديث الرد على داود فى قوله: إن من صلى فذاً وترك الجماعة أنها لا تجزيه تلك الصلاة؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فى بعض هذه الأحاديث: " أفضل من صلاة أحدكم وحده " فأتى بلفظة المبالغة والتفضيل بين صلاة الفذ والجماعة، وأثبت فيها فضلاً، ولو لم تكن مجزية لم تكن جزءاً من الفرض الكامل ولا يتوجه هاهنا له أن يقول: إن لفظة " أفضل " قد ترد لإثبات صفةٍ فى أحد الجهتين ونفيهما عن الأخرى، ولعل صلاة الفذ كذلك لا فضل فيها؛ لأن ذلك إنما يرد فيما أتى مطلقاً؛ لقوله تعالى: {أَحْسَنُ الْخَالِقِين} (¬4) وشبه ذلك، وهو هاهنا قد خصَّ ذلك بعددٍ فجعلها جزءاً من الفرض الكامل الفضل، وحقيقة التجزئة: أن يكون فى الجزء جزء من الفضل الذى فى الكل. ¬

_ (¬1) من حديث أبى هريرة، أخرجه البخارى، ك الصلاة، ب الصلاة فى مسجد السوق، وأبو داود كذلك فى الصلاة، ب ما جاء فى فضل المشى إلى الصلاة، وابن ماجه، ك المساجد، ب فضل الصلاة فى جماعة، وأخرجه أحمد فى المسند 2/ 252. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) جزء حديث أخرجه مالك فى الموطأ مرسلاً، ولفظ الحديث عن زيد بن أسلم أنه قال: عرَّس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلةً بطريق مكَّة، وَوكَّل بلالاً أن يوقظهُم للصلاة، فرَقَدَ بلالٌ، ورقدوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القومُ، وقد فَزِعوا، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادى. وقال: " إنَّ هذا وادٍ به شيطانٌ " ك وقوت الصلاة، ب النوم عن الصلاة 1/ 14. (¬4) المؤمنون: 14.

248 - (...) حدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِى الخُوَارِ؛ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ نَافِعِ بْنِ جُبَيْر بْنِ مُطْعِمٍ، إِذْ مَرَّ بِهِمْ أَبُو عَبْدِ اللهِ، خَتَنُ زَيْدِ بْنِ زَبَّانٍ، مَوْلَى الجُهَنِيِّينَ، فَدَعَاهُ نَافِعٌ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلاةٌ مَعَ الإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلاةً يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: مقتضى الأحاديث: أن صلاة المصلى فى جماعة تعدل ثمانية وعشرين أو ستة وعشرين صلاة من صلاة الفذ؛ لأنها تفضلها بسبع وعشرين أو خمس وعشرين، وتساويها فى درجة، لكن جاء فى رواية سلمان الأغر: " تعدل خمساً وعشرين " فيكون التأويل فى هذا كالتأويل فيما بين خمس وعشرين وسبع وعشرين المتقدم (¬1). وفيه حجة ظاهرة على صحة صلاة الفذ وإجزائها، لا سيما على نص حديث ابن عمر بقوله: " تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين " والزيادة إنما تكون على شىء ثابت، وكذلك فى بعض طرق أبى هريرة: " يضاعف على صلاته فى بيته " (¬2)، وهو مذهب عامة الفقهاء، خلافاً لداود فى قوله بعدم إجزاء صلاة الفذ إذا ترك الجماعة من غير عذر. وفيه جواز الصلاة فى السوق، وقد استدل قوم من أهل العلم بظاهر هذه الأحاديث على أنه لا فضل لكثرة الجماعة يتضاعف بتكثيرها وإذ لا مدخل للقياس فى الفضائل، ولما عليه عامة العلماء من أنه من صلى مع آخر أو فى جماعة قليلة فلا يُعيد فى جماعة أكثر منها، إِلا ما روى لمالك وغيره (¬3) من إعادتها فى المساجد الثلاثة فى جماعة (¬4)، وقد جاءت آثار بتضعيف الأجر بقدر العدد فى الجماعة وليست بالثابتة (¬5)، وإلى ذلك ذهب ابن حبيب من أصحابنا، وبإعادتها فى جماعة أكثر من الأولى، قال أبو حنيفة والشافعى، وقد جاء بعد هذا فى حديث أبى بكر بن أبى شيبة قال فيه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الرجل ¬

_ (¬1) يعنى راجعاً لأحوال المصلى وحال الجماعة. (¬2) الحديث أخرجه البخارى بلفظ: " صلاة الرجل فى الجماعة تضَعَّفُ على صلاته فى بيته وفى سوقه خمساً وعشرين ضعفاً " ك الأذان، ب فضل صلاة الجماعة 1/ 166. (¬3) ك صلاة الجماعة، ب إعادة الصلاة مع الإمام 1/ 132، وقد أخرجه النسائى أيضاً، ك الإمامة، ب إعادة الصلاة مع الجماعة بعد صلاة الرجل لنفسه من حديث محجن. (¬4) قال ابن عبد البر: وبقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثنان فما فوقهما جماعة " مع أحاديث الباب استدل قوم بها على الأفضل لكثير الجماعة على قليلها، وبما عليه أكثر العلماء فيمن صلى فى جماعةٍ اثنين فما فوقها ألا يُعيدَ فى جماعةٍ أخرى بأكثر منها. الاستذكار 5/ 316. (¬5) منها حديث أبى بن كعب: " صلاة الرجل مع الرجلين أفضل من صلاته وحده، وصلاته مع الثلاثة أفضل من صلاته مع الرجلين ".

249 - (650) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فى جماعة تزيد على صلاته فى بيته، وصلاته فى سوقه بضعاً وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا ينهزه إِلا الصلاة - أو لا يريد إِلا الصلاة - لم يخط خطوة إِلا رُفعت له بها درجة وحُطت عنه بها خطيئة، حتى إذا دخل المسجد كان فى الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام فى مجلسه الذى صلى فيه " الحديث (¬1)، ظاهر هذا المساق الإشارة إلى أن هذه المعانى أسباب الدرجات وتضعيف عدد هذه الصلوات، قال بعضهم: فهذه أربع درجات فى حديث أبى هريرة مفسرة، منها قوله: " ثم يخرج إلى المسجد لا تُخرجه إِلا الصلاة " فهذه درجة، وقوله: " لم يخط خطوة إِلا رُفعت له بها درجة وحُطت عنه سيئة " فهذه ثانية، وقال الداودى: إن كانت له ذنوب حُطت عنه وإلا رُفعت درجات. قال القاضى: والأظهر عندى فى هذا أنها درجتان لا واحدة وهو بين؛ لأن حط السيئة فضل، ورفع الدرجة فضل آخر، محتمل أن يكون بالباء لقوله فى الحديث الآخر: " كتب الله بكل خطوة حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة "، قال: وصلاة الملائكة عليه فى مصلاه درجة، وكونه فى الصلاة ما انتظر الصلاة درجة، فهذه خمسة فى حديث أبى هريرة، ثم إذا كثُرت الخُطا حصل بكل خطوة ثلاث درجات، ثم حضوره لفضل العتمة والصبح وتنبيه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما فى ذلك من أجر درجة، وشهادة الملائكة له بذلك درجة، وكذلك إجابته الداعى درجة، وما ورد من الفضل فى الدعاء فى طريقه إلى المسجد [فدرجة، وأجره - عليه السلام - على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدعاء المأثور عند الدخول فى المسجد] (¬2)، وعند خروجه درجتان، وسلامه على أهل المسجد أو على عباد الله الصالحين إن لم يجد فيه أحدًا وتحية المسجد درجة، وإقامة الصفوف درجة، والإنصات للإمام درجة، وإجابته: " ربنا ولك الحمد " درجة، وامتثال أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى اتباع الإمام درجة، وتسليمه على الإمام [درجة] (¬3)، وعلى من يليه درجة، وقيل: يحتمل أن التضعيف بمجرد الجماعة، وهذه كلها زيادة على الدرجات. وقد قيل: [إنه] (¬4) يحتمل أن يختص بهذه الأعداد بعض الصلوات دون بعض، ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة حديث (272)، وقد أخرجه البخارى، ك الأذان، ب فضل صلاة الجماعة بلفظ: لا يخرجه إِلا الصلاة 1/ 166. (¬2) سقط من ت، واستدرك بهامشه. (¬3) و (¬4) ساقطة من ت.

250 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاةُ الرَّجُلِ فِى الجَمَاَعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ وَحْدَه سَبْعًا وَعِشْرِينَ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: " بِضْعًا وَعِشْرِينَ " وَقَالَ أَبُو بَكْر فِى رِوَايَتِهِ: " سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة ". (...) وحدّثناه ابْنُ رَافِعٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بِضْعًا وَعِشْرِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فذكر بعضهم أن السبعة [والعشرين] (¬1) لصلاة العصر والصبح، والخمسة والعشرين لما عداهما، واستدل بقوله فى حديث أبى هريرة بعد ذكره " خمساً وعشرين درجة " قال: " ويجتمع ملائكة الليل والنهار فى صلاة الفجر "، فجاء بفضل مستأنف لصلاة الصبح، وقد جاء مثله فى صلاة العصر، وقيل: بل يكون السبعة والعشرون لصلاة العشاء أو الصبح؛ لما جاء أن " من صلى العشاء فى جماعة فكأنما قام نصف ليلة، ومن صلى الصبح فى جماعة فكأنما قام ليلة " (¬2) ولقوله - عليه السلام -: " ولو (¬3) يعلمون ما فى العتمة والصبح " فتحمل الزيادة لهذه الصلوات المخصوصة، قيل: ويحتمل أن يكون بتضعيف سبعة وعشرين للجماعة فى المسجد على الفذ فى غيره، وبخمسة وعشرين على الفذ فى المسجد. وابن أبى الخوار (¬4)، بضم الخاء المعجمة، وأبو عبد الله ختن زيد بن زيان (¬5) مولى الجُهنيين هو أبو عبد الله الأغر (¬6). واختلفت الرواية عندنا فى حديث أبى هريرة، فعند العُذرى: " خمس وعشرون جزءًا "، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى باب فضل صلاة العشاء والصبح فى جماعة. حديث رقم (260). (¬3) فى الأصل: لو. (¬4) هو عمر بن عطاء بن أبى الخوار. (¬5) فى ت: زياد. (¬6) يعنى أيضاً سلمان الأغر، أصله من أصبهان، فعن أحمد بن حنبل: الأغر وسلمان واحد. تهذيب الكمال 11/ 257.

251 - (651) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِى بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا، فَآمُرَ بِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند غيره: " خمسة " على الوجه المعروف، وعند العذرى فى الحديث الآخر: " خمساً وعشرين درجة "، وعند غيره: " خمسة " والوجه حذف التاء مع الدرجة المؤنثة وإثباتها مع الجزء المذكّر، لكن يحتمل الوجه الآخر، وكل كلمة على تقدير الكلمة الأخرى، والمراد بالدرجة الجزء وبالجزء الدرجة، كما قال: ثلاث شخوص لما كن نساء (¬1). وقوله - عليه السلام -: " لقد هممت أن آمر رجلاً يصلى بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها، فآمر بهم فيحرقوا (¬2) عليهم [بحزم الحطب] (¬3) بيوتهم "، قال الإمام: يحتج به داود على أن صلاة الجماعة فرض على الأعيان، ويحمل هذا عندنا على أنهم منافقون لقوله - عليه السلام -: " لو يعلم أحدهم (¬4) أن يجد عظماً سميناً " الحديث، ومعاذ الله أن تكون هذه صفات المؤمنين والصحابة على فضلهم، ومذهب غيره من الفقهاء أنها فرض على الكفاية، وعلى طريقة القاضى فى أنه لو تمالأ أهل بلد على ترك الأذان لقوتلوا، ينبغى أن تكون صلاة الجماعة كذلك ". قال القاضى: اختلف فى التمالى على ترك ظاهر السنن، هل يقاتل عليها تاركوها إلى أن يجيؤوا لفعلها أم لا؟ والصحيح قتالهم وإكراههم على ذلك؛ لأن فى التمالى عليها إماتتها، بخلاف ما لا يجاهر به منها كالوتر ونحوها، وقد أطلق بعض شيوخنا [القتال] (¬5) على المواطأة على ترك السنن من غير تفصيل والأول أبين. وقد اختلف فى هذه الصلاة التى همّ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمعاقبة فيها، فقيل: العشاء، وقيل: الجمعة، وكلا القولين مفسّر فى أحاديث مسلم، وفى بعض روايات الحديث: هى العشاء والفجر، وداود وأصحابه يقولون: هو فى كل صلاة، على أصلهم. ويتخرج من جملة الأحاديث أنها فى التخلف عن الجماعة فى جمعة أو غيرها وبوجوب حضور الجماعة قال عطاء وأحمد وأبو ثور، والحديث حجة على داود لا له؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ همّ ولم يفعل، ولأنه لم يخبرهم أن من تخلف عن الجماعة فصلاته غير مُجزيَة، وهو موضع البيان، لكن فى تغليظه ذلك وتشديده وإبعاده دليل على تأكيد أمر الجماعة. ¬

_ (¬1) فى ت: نسوة. (¬2) فى ت: فتُحرَّق، وهو تصحيف. (¬3) سقط من ت. (¬4) الذى فى المطبوعة: " ولو علم أحدُهم ". (¬5) من ت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلف أئمتنا فى ذلك، فقيل: إنها واجبة على الكفاية من أجل أن إقامة السنن وإحياءها واجب على الكفاية، إذ تركها مؤدٍّ إلى إماتتها، وقاله بعض الشافعية، والأكثر عندنا وعندهم وعند عامة العلماء: أنها سنة مؤكدة، كما جاء فى الحديث، وإذا كان هذا النهى للمتخلف عن الجمعة كما جاء فى حديث عبد الله فى الأم فلا حجة فيه لداود جملة، إذ شهود الجمعة فرض. وقد قيل: إن هذا فى المؤمنين، وأما المنافقون فقد كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعرضاً عنهم عالماً بطويّاتهم، كما أنه لم يعترضهم فى التخلف، ولا عاقبهم معاقبة كعب وصاحبيه من المؤمنين (¬1). لكن المعلوم من حال الصحابة التجميع مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدم التخلف عنه، ويشهد أن المراد به المنافقون قوله فى بعض الأحاديث فى الأم: " ثم أحرق بيوتاً على من فيها " (¬2). قال الإمام: وفى حديث تحريق البيوت إثبات العقوبة فى المال. قال القاضى: قال الباجى: ويحتمل أن يكون تشبيه عقوبتهم بعقوبة أهل الكفر فى تحريق بيوتهم وتخريب ديارهم (¬3). وقد ذكر غيره (¬4) الإجماع على منع العقوبة بتحريق البيوت إِلا فى المتخلف عن الصلاة، ومن غلّ فى المغانم ففيه اختلافٌ للعلماء، لكن ظاهر قوله: " ثم يُحرّق بيوتاً على من فيها " أنَّ العقوبة ليست قاصرةً على المال، ففيه دليل على قتل تارك الصلاة متهاوناً، وفيه الإعذار قبل العقوبة بالتهديد بالقول والوعيد، وجواز أخذ أهل الجنايات والجرائم على غرّة، والمخالفة إلى منازلهم وبيوتهم. ومعنى " أخالف " هنا: أى أتخلف عن الصلاة بعد إقامتها لعقوبتهم، وجاء خالف بمعنى تخلَّف. ومنه: " وخالف عنا علىٌّ والزبير "، أى تخلَّفا (¬5)، ويكون - أيضاً - أخالف بمعنى آتيهم من خلفهم وآخذهم على غرة، ويكون " أخالف " يعنى الذى أظهرت من إقامة الصلاة فأتركها وأسير إليهم لأحرقهم وأخالف ظنَّهم، أى فى الصلاة بقصدى إليهم. واستدل البخارى به على إخراج أهل المعاصى من بيوتهم (¬6)، وترجم بذلك عليه، يريد أن من اختفى منهم وطُلب أخرِج [من بيته بما يُقدر عليه، كما أراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إخراج] (¬7) هؤلاء بإلقاء النار عليهم فى بيوتهم، وذلك فيمن عُرِفَ واشتهر بذلك منهم. ¬

_ (¬1) يعنى بذلك الثلاثة الذين خلفوا فى جيش العسرة عن الاعتذار بما اعتذر به المنافقون وذلك فى غزوة تبوك، والثلاثة هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العامرى، وهلال بن أمية الواقفى، وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين عن كلامهم دون بقية المتخلفين، وكانوا قد بلغوا بضعة وثمانين رجلاً، فاجتنبهم الناس خمسين ليلة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحُبَت وضاقت عليهم أنفسهم حتى أذن الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتوبته عليهم. وسيأتى إن شاء الله فى التوبة، وقد أخرجه البخارى، ك المغازى، ب غزوة تبوك 6/ 3، وانظر: المسند 3/ 456، وتفسير الطبرى 14/ 544. (¬2) قريب منها حديث عبد الله: " ثم أُحَرِّق على رجالٍ يتخلفون عن الجمعة بيوتهم ". (¬3) زيد بعدها فى ت: حكم، ولا وجه لها. (¬4) المنتقى 1/ 230. (¬5) فى ت: تخلف. (¬6) ك الخصومات، ب إخراج أهل المعاصى والخصوم من البيوت بعد المعرفة. قال: وقد أخرج عمر أخت أبى بكر حين ناحت. راجع: الفتح 5/ 74. (¬7) سقط من أصل ت، واستدرك بهامشه.

فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ، بِحُزَمِ الْحَطَبِ، بُيُوتَهُمْ، وَلَوْ عَلم أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهدِهَا " يَعْنِى: صَلاةَ العِشَاء. 252 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابِنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ وَصَلاةُ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَام، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّىَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِى بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ". 253 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَانِى أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِى بِحُزَمٍ مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ تُحَرَّقُ بُيُوتٌ عَلَى مَنْ فِيهَا ". (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. 254 - (652) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ عَبْد اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولو يعلم (¬1) أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها " تحقيق لما يؤثرها عليها المتخلف عنها. وقوله: " يعنى العشاء " (¬2): ففيه كله بيان أنها فى المنافقين، بدليل قوله فى الحديث الآخر فيهم: " لا يستطيعونه " يعنى العتمة والصبح. ¬

_ (¬1) لفظه فى المطبوعة: " ولو علم ". (¬2) الذى فى المطبوعة: يعنى صلاة العشاء.

(43) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء

(43) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء 255 - (653) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ مَرْوَانَ الفَزَارِىِّ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا الفَزَارِىُّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ الأَصَمِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِى قَائِدٌ يَقُودُنِى إِلَى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّى فِى بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: " هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ " فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَأَجِبْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للأعمى الذى ذكر له أنه لا قائد له وسأله أن يرخص له فيصلى فى بيته، فرخص له ثم قال لما ولَّى: " أتسمع النداء؟ " قال: نعم، قال: " فأجِبْ " تأكيد فى التزام أمر الجماعة، وفيه حجة لعطاء ومن قال بقوله فى وجوبها على من سمع النداء، ولأبى ثور وداود والأوزاعى وجوب حضور الجماعة وحجة للجمهور فى وجوب الجمعة من حيث يسمع النداء، وفى تأكيد حضور الجماعة، وليس فى قوله: " فأجب " بعد ترخيصه له مطلقاً حجة بيّنة على الوجوب، لكن جاء فى رواية: " لا أجد لك رخصة " (¬1)، فهذا أقوى من رواية مسلم، لكن فى ذلك الحديث: "ولى قائد لا يلائمنى " (¬2) فقيل: لعله كان ممن يتصرف فى أمور دنياه دون قائد ككثير من العميان، وقيل: يحتمل أنه كان ذلك فى الجمعة لا فى الجماعة، وقيل: كان فى أول الإسلام، وحين الترغيب على (¬3) الجماعة، وسد الباب على المنافقين فى ترك حضورها، للإجماع على سقوط حضور الجماعة عن ذوى الأعذار. وحديث عتبان (¬4) حجة لذوى الأعذار. وقد ذكر أبو داود وأبو الحسن والدارقطنى هذا الحديث، وسمى الأعمى فيه أنه ابن أم مكتوم (¬5). ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب التشديد فى ترك الجماعة 1/ 130، وابن ماجه، ك المساجد والجماعات، ب التغليظ فى التخلف عن الجماعة، وأحمد فى المسند 3/ 423، والحاكم فى المستدرك، ك الصلاة 1/ 247 عن ابن أم مكتوم. (¬2) السابق، وفيه: إنى رجلٌ ضرير البصر شاسع الدار، ولى قائد لا يلائمنى، فهل لى رخصةً أن أصلى فى بيتى؟ قال: " وهل تسمع النداء؟ " الحديث. (¬3) فى ت: إلى. (¬4) سيأتى إن شاء الله بعد قريب فى باب الرخصة فى التخلف عن الجماعة بعذر. (¬5) الدارقطنى، ك الصلاة، ب الحث على صلاة الجماعة والأمر بها 1/ 381.

(44) باب صلاة الجماعة من سنن الهدى

(44) باب صلاة الجماعة من سنن الهدى 256 - (654) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِياءُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلاةِ إِلا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ. إِنْ كَانَ المَرِيضُ لَيَمْشِى بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأتِىَ الصَّلاةَ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمنَا سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلاةَ فِى المَسْجِدِ الَّذِى يُؤَذَّنُ فِيهِ. 257 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَن أَبِى العُمَيْسِ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا المُتَخَلِّفُ فِى بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَّهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عبد الله بن مسعود: " لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إِلا منافق أو مريض " (¬1): دليل على أن الحديث المتقدم فى المنافقين. وقوله: " إن (¬2) كان الرجل ليمشى بين الرجلين حتى يأتى الصلاة ": هو تفسير لقوله: " يُهَادى بين الرجلين " فى الرواية الأخرى، أى يحملانه بينهما ويمسكانه بعضديه عوناً له على المشى؛ لضعفه ومرضه، وكله [دليل] (¬3) [على تأكيد] (¬4) أمر الجماعة. وسَنن الهُدى: طريقه ومنهجه، بفتح السين، وقد روينا سُنن - أيضاً - جمع سنة، وهى الطريقة بمعنى متقارب. وقوله: " إنكم لو صليتم (¬5) فى بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف فى بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم " وفى بعض الروايات: " لكفرتم " تحذير وتنبيه على إقامة الجماعة والاحتفال بها لئلا يتطرق المتخلف عنها إلى تركها وتشديد فى ترك السنن. ¬

_ (¬1) لفظها فى المطبوعة: " إِلا منافق قد عُلِم نِفاقُه أو مريض ". (¬2) فى الأصل: وإن، والمثبت من ت والمطبوعة. (¬3) ساقطة من ت. (¬4) فى ت: تأكيد على. (¬5) لفظها فى المطبوعة: " ولو أنكم صليتم ".

فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ المَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكِلِّ خَطْوَةٍ يَخْطوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ، مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِى الصَّفِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لضللتم ": لكفرتم، أى أن تركها داع إلى التهاون بالشريعة حتى يضل عنها وينسى مؤكدات السنن ويجهل، أو داع إلى ترك غيرها حتى ينسلخ من شرائع الإيمان [والإسلام] (¬1)، ويتساهل فى قواعده، فيؤول إلى الضلال البين والكفر. ¬

_ (¬1) من ت.

(45) باب النهى عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن

(45) باب النهى عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن 258 - (655) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُهَاجِرِ، عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ؛ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِى المَسْجِدِ مَعِ أَبِى هُرَيْرَةَ، فَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ المَسْجِدِ يَمْشِى، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ المَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 259 - (...) وحدّثنا ابْنُ عُمَرَ المَكَىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَان - هَوَ ابْنُ عيَيْنَةَ - عَنْ عُمَرَ ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِىِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَرَأَى رَجلاً يَجْتَازُ المَسْجِدَ خَارِجًا، بَعْدَ الأَذَانِ، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للذى خرج بعد النداء: " أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم " تشديد فى الخروج من المسجد بعد النداء لغير ضرورة من تجديد طهر أو غيره.

(46) باب فضل صلاة العشاء والصبح فى جماعة

(46) باب فضل صلاة العشاء والصبح فى جماعة 260 - (656) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا المُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ المَخْزُومِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبِى عَمْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ المَسْجِدَ بَعْدَ صَلاةِ المَغْرِبِ، فَقَعَدَ وَحْدَهُ، فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِى، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِى جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِى جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِىُّ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِىَ سَهْلٍ عُثْمَانُ بْنِ حَكِيمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 261 - (657) وحدّثنى نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِى ذِمَّةِ الله، فَلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ فَيدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من صلى العشاء (¬1) فى جماعَة فكأنما قام نصف ليلةٍ (¬2)، ومن صلى الصبح فى جماعة، فكأنما صلى الليل كله " بيان اختصاص بعض الصلوات من الفضل بما لا يختص [به] (¬3) غيرها، ومعنى هذا: فكأنما قامَ نصفَ ليلة أو ليلةٍ لم يصل فيها العتمة أو الصبح [فى جماعة] (¬4)، إذ لو صلى ذلك فى جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام ذلك عليه. وقوله: " سمعت جندباً القَسْرى [يقول] (¬5) " كذا للجلودى، وسقط لغيره، وهو غير معروف فى نسبه، وإنما هو بجلى علقى (¬6) [وعلق] (¬7) بطن من بجيلة له. كذا قال ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى الأصل: الآخرة. (¬2) الذى فى المطبوعة: " نصف الليل ". (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) سقط من ت. (¬5) من ت، ق والمطبوعة. (¬6) فى ت بعدها: من. (¬7) من التاريخ الكبير.

262 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ. سَمِعْتُ جُنْدَبًا القَسْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهوَ فِى ذِمَّةِ اللهِ، فَلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَن دَاوُدَ بْنِ أبى هِنْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا. وَلَمْ يَذْكُر: " فَيَكُبَّهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ البخارى (¬1)، وقال أبو نصر الحافظ: هو علقة بن عبقر بن بجيلة، وقسر بن عبقر من بجيلة (¬2). قال القاضى: ولعل لجندب حِلفًا فى قَسْر أو سكن وجوار فنسب إليها لذلك، أو لعل بنى علقة ينسبون إلى عمهم قسر كغير واحد من القبائل نسبت بأخوة [أبيها] (¬3)، إما لكثرتهم أو شهرتهم (¬4). وقوله: " من صلى الصُّبْحَ فهو فى ذمة الله ": الذمة: الضمان، وقيل: الأمان (¬5). ¬

_ (¬1) فى باب جندب: قال: كان بالكوفة ثم صار إلى البصرة، ثم خرج منها. التاريخ الكبير 1/ 2/ 221. (¬2) قال: وأما قَسر بفتح القاف وسكون السين المهملة فهو قسر بن عبقر بن أنمار قبيلٌ من بجيلة ينسب إليها يزيد ابن أسد صاحب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ولد خالد بن عبد الله القسرى أمير العراق. الإكمال 7/ 119. (¬3) من ت، ق. (¬4) قلت: وهو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلى، ثم العلقى، قال المزى: وعلقة حى من بجيلة، يكنى أبا عبد الله، له صحبة، ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده، ويقال: جندب بن خالد بن سفيان. تهذيب الكمال 5/ 138. (¬5) وعلى هذا فمعنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلا يطلبنَّكم الله فى ذمته بشىء ". هو نهى للناس من أن يتعرضوا له بشىء، فإن فعلوا فإن الله يتهددهم. فهو من باب لا أرينك هاهنا. والضمير فى (ذمته) يصح أن يرجع إلى " الله " أو إلى " من "، وقيل: يحتمل أن يريد بالذمة الصلاة المقتضية الأمان، والمعنى على ذلك يكون: لا تتركوا صلاة الصبح فينتقض العهد الذى بينكم وبين الله عز وجل ويطلبكم به. وإنما خص الصبح بالذكر لما فيه من المشقة. إكمال الإكمال 2/ 325.

(47) باب الرخصة فى التخلف عن الجماعة بعذر

(47) باب الرخصة فى التخلف عن الجماعة بعذر 263 - (33) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُس عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، منْ الأَنْصَارِ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِى، وَأَنَا أُصَلِّى لِقَوْمِى. وَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِى الَّذِى بَيْنِى وبَيْنَهُمْ، وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِىَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّى لَهُمْ. وَدِدْتُ أَنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَأْتِى فَتُصَلِّى فِى مُصَلَّى، فَأتخذهُ مُصَلى قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَأَفْعَلُ، إِنْ شَاءَ اللهُ ". قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: " أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّىَ مِنْ بَيْتِكَ؟ " قَالَ: فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ البَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عتبان بن مالك: " فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ". كما رويناه - ثم قال: " أين تُحبُّ أن أصلى فى بيتك؟ ": كذا عند جماعة شيوخنا وفى سائر النسخ قال بعضهم: [صوابه] (¬1): " فلم يجلس حين دخل البيت ". قال القاضى: هذا عندى تَعسُّف، بل صواب الكلام حتى دخل البيت، كما رويناه، أى لم يجلس فى الدار حتى [بادر إلى قضاء حاجته] (¬2) التى جاء لها من الصلاة فى بيته، فدخل وسأله: أين نُصلى منه؟ فيه التبرك بالفضلاء، ومشاهد الأنبياء وأهل الخير ومواطنهم، ومواضع صلاتهم، وإجابة أهل الفضل لما رغب إليهم فيه من ذلك، تعاوناً على طاعة الله، وتنشيطاً على عبادته، وفيه إباحة التخلف عن الجماعة لضعف البصر والمطر وشبهه، وقال بعضهم: وفيه جواز صلاة الزائر برب البيت، إذا كان عن إذنه، فلا يعارض بالحديث الآخر بالنهى عن ذلك (¬3). وعندى أن هذا لا حجة فيه؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحق بالإمامة حيث كان، وقد قال علماؤنا: إن الأمير إذا حضر أحق بالصلاة، فكيف بالنبى - عليه السلام - والأمر كله إليه، لكنه حق لصاحب المنزل مع غير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا قدر غيره جاز. ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) فى ت: حتى قضى حاجته. (¬3) سيأتى إن شاء الله قريباً: " لا يؤمَّنَّ الرجُل الرجل فى سلطانه ".

فَقُمْنَا وَرَاءَهُ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ لَهُ. قَالَ: فَثَابَ رِجِالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ حَوْلَنَا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِى البَيْتِ رِجَالٌ ذَوُو عَدَدٍ. فَقَالَ قائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ، أَلا تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ؟ " قَالَ: قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّمَا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ لِلْمُنَافِقِينَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه اتخاذ المساجد فى البيوت، وفيه جواز إمامة الأعمى لقوله: " أنكرت بصرى وأنا أصلى لقومى "، وفى الموطأ كان يؤم قومه وهو أعمى (¬1)، وهو مذهب كافة السلف وعامة العلماء، إِلا شيئاً روى عن ابن عباس وجابر، وقد تقدم الكلام أول الكتاب عليه. وقوله: " فحبسناه على خزيرٍ صنعناه له " وفى رواية: " خزيرة " (¬2) بهاء آخره، قال الإمام: قال ابن قتيبة: الخزيرة: لحم يقطع صغاراً ثم يصب عليه ماءٌ كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيه لحم فعصيدة، وقال أبو الهيثم: إذا كان من دقيق فهى حريرة (¬3)، وإذا كان من نخالة فهى خزيرة (¬4). قال يعقوب بن السكيت: الخريرة (¬5) اللفيتة (¬6) من لبن أو ماء أو دقيق بتوسع به. قال القاضى: وقد جاء فى هذا الحديث نفسه: " على جشيشة صنعناها له "، وهى بمعناها، قال شمَر: هو أدق تطحن الحنطة جليلاً، ثم يلقى فيها لحم أو تمر فيطبخ فيه، وفى كتاب البخارى: قال النضر: الخزيرة من النخالة والحريرة من اللبن. وقوله: " فثاب رجال ": أى اجتمعوا، المثابة: المجمع، والمثابة: المرجع، وسرواتهم ساداتهم. وبقية خبر ابن الدخشم تقدم الكلام عليه صدر الكتاب فى الإيمان، وكذلك [على] (¬7) قوله: " إن الله حرم على النار من قال: لا إله إِلا الله ". ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك قصر الصلاة، ب جامع الصلاة 1/ 172. (¬2) وفى أخرى: جشيشة صنعناها له. (¬3) بالحاء المهملة والراء المكررة. (¬4) بالخاء المعجمة والزاى والراء. (¬5) بالخاء المعجمة. (¬6) فى الأبى والسنوسى: التلبينة، وهو وهم. (¬7) ساقطة من ت.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِىَّ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِى سَالِمٍ، وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ، عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ. فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ. 264 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ. قَالَ: حَدَّثَنِى مَحْمُودُ بْنُ رَبِيِعٍ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ أَوِ الدُّخِيْشِنِ؟ وَزَادَ فِى الحَدِيثِ: قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الحَدِيثِ نَفَرًا، فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ، فَقَالَ: مَا أَظُنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا قُلْتَ. قَالَ: فَحَلَفْتُ، إِنْ رَجَعْتُ إِلَى عِتْبَانَ، أَنْ أَسْأَلَهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَهُوَ إِمَامُ قَوْمِهِ. فَجَلسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أوَلَ مَرَّةٍ. قَالَ الزُّهْرِىُّ: ثُمَّ نَزَلتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَائِضُ وَأُمُورٌ نُرَى أَنَّ الأَمْرَ انْتَهَى إِليْهَا، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَلا يَغْتَرَّ فَلا يَغْتَرَّ. 265 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ. قَالَ: إِنِّى لأَعْقِلُ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دَلْوٍ فِى دَارِنَا قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثَنِى عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن شهاب آخر الحديث: " ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نُرى [أن] (¬1) الأمر انتهى إليها، فمن استطاع ألا يغتر فلا يغتر "، بيّنا مذهبه فى نسخ هذا الحكم ومذهب غيره والصواب من ذلك هناك. والمجُّ: طرحُ الماء من الفم، وفى مج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الماء فى وجه محمود بن الربيع جوازه على طريق المباسطة والتأنيس وممازحة الصغار وبرِّ آبائهم بذلك، وجواز المزح، وفيه ما كان - عليه السلام - من حسن العشرة، كما مازح - عليه السلام - أبا عمير (¬2)، ولعل قوله هذا به ليعقل هذا الفعل منه لصغره فيحصل له بذلك [تأكيد فى فضيلة] (¬3) الصحبة، ¬

_ (¬1) من المطبوعة. (¬2) فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما فعل النغير أبا عمير ". (¬3) فى ق: فضيلة فى تأكيد.

بَصَرِي قَدْ سَاءَ، وَسَاقَ الحَديث إلَى قَوْلِهِ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، وَحَبَسْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَشِيشَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ، مِنْ زِيَادَةِ يُونُسَ وَمَعَمَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما كان، وكان محمودٌ إذ ذاك ابن أربع سنين، وقيل: ابن خمس، وبخبر محمود هذا احتج على جواز سماع الصغير إذا عقل، وجعل بعضهم هذا السن حجة في صحة السماع، وليس كما قال، بل لا يصح ذلك إلا بما عقله من سماعه كما عقل محمود مجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه.

(48) باب جواز الجماعة فى النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات

(48) باب جواز الجماعة فى النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات 266 - (658) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ؛ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: " قُومُوا فَأُصَلِّى لَكُمْ ". قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ. فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْتُ أَنَا وَاليَتِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس: " أن جدته مليكة ": الضمير فى " جدته " عائدٌ على إسحاق بن عبد الله، وهى أم أبيه عبد الله بن أبى طلحة ومالك هو القائل: " أن جدته "، قاله أبو عمر، وغلَّط غيره هذا القول وقال: بل مليكة جدة أنس أم أمه، وعليه يعود الضمير وهو القائل: " أن جدته وهى مُليكة " بضم الميم وفتح اللام، كذا ضبطناها فى الأم وغيره، وكذا ذكره الناس، وحكى ابن عتاب عن الأصيلى: أنها مليكة بفتح الميم وكسر اللام. فى هذا الحديث وما قبله ما كان - عليه السلام - عليه من حسن الخلق [وحسن العشرة] (¬1) والتواضع، وإجابة المحتاجين والانبساط مع الضعفاء، وحسن العشرة مع [الصغير والكبير] (¬2)، وفيه إجابة أهل الفضل للطعام لغير الوليمة، وذلك إذا كان لوجه حسن من تطيب نفس، أو لمن يختص بالرجل، أو يتَبرَّك به، وكره مالك - رحمه الله - إجابة أهل الفضل لكل من دعاهم إِلا فى الوليمة، وفيه إجابة المرأة الصالحة والمرأة المتجالَّة (¬3). وقوله: " قوموا [فلأصلى بكم] (¬4) ": فيه حض الرجل الصالح الناس على الخير والتجميع للنوافل وصلاة الضحى، وفى بابها أدخله مالك قى الموطأ، قيل: يحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد بذلك لتنالهم بركة الصلاة معه أو لتشاهد المرأة صلاته وتتعلمها منه وتقتدى به فى ذلك معاينة ودون واسطة. وقوله: " فقمنا إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس، فنضحْتُه بماء، فقام عليه ¬

_ (¬1) من ت. (¬2) فى ت: الكبير والصغير. (¬3) يعنى: المسنَّة. (¬4) فى ت: " قوموا فأصلى بكم "، وفى الأصل: " فلأصلى لكم "، والذى فى المطبوعة: " فأصلى لكم "، وفى أخرى: " فلأصلى بكم ".

وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. 267 - (659) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فيه جواز الصلاة على الحصير وعلى ما تُنبِت الأرض، ولا خلاف فى هذا، وما روى عن عمر بن عبد العزيز من خلاف هذا إنما هو؛ لأن مباشرة الأرض أبلغ فى التواضع، وقد بين فى الحديث الآخر أنه كان من جريد، وفيه حجة أن الافتراش لبسٌ وأن المفترش والمتوطأ والمتكأ عليه كله ملبوس، وأن من حلف ألا يلبس ثوباً ولم يكن له نيةٌ معينة فافترشه أنه حانث، وفيه حجة أن افتراش الحرير حرام؛ إذ هو من جملة اللباس المنهى عنه، على أن فى الحديث الصحيح النص على النهى عن الجلوس عليه (¬1)، وهو مشهور مذهب مالك وكافة العلماء، خلافاً لعبد الملك بن الماجشون ومن قال بقوله فى إجازة الافتراش على ما نذكره بعد فى موضعه. واسوداد الحصير إما لقدمه أو لما يناله من وضَرِ الدوس والأقدام والاستعمال. ونضحه له، قال إسماعيل القاضى (¬2) وغيره: إنما نضحه ليلين ويتوطأ للصلاة، والأظهر قول غيره: أن ذلك إما لنجاسة متيقنة فيكون النضح هنا غسلٌ أو متوقعة لامتهانه بطول افتراشه فيكون رشاً لزوال الشك، وتطييب النفس، لا سيما وكان عندهم أبو عمير أخو أنس طفلاً صغيراً حينئذ. وقد جاء فى غير مسلم هذا الحديث مبيناً ذكر أبى عمير فيه، فيكون نضحه لأجل جلوس الطفل الذى لا يتوقى النجاسة ولا يبعد منه وتصرفه عليه. وقوله: " فصففتُ أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا ": حجة لكافة أهل العلم فى أن هذا حكم الاثنين خلف الإمام، خلافاً لأبى حنيفة والكوفيين فى قولهم: يكونان عن يمينه ويساره، وقد تقدم هذا. وقوله: " والعجوز من ورائنا " حكم قيام المرأة خلف الإمام، ولا خلاف فى هذا، وفيه حجة على أن المرأة لا تؤم الرجال؛ لأنه إذا كان مقامها فى الأيتام غير مساوٍ للرجل فتتأخر عنه، فاحرى ألا تتقدمه، وهو قول الجمهور، خلافاً للطبرى وأبى ثور فى إجازتهما إمامة الرجال والنساء جملة، وحكى عنهما إجازة ذلك لها فى التراويح إذا لم يوجد قارئ غيرها. واختلف فى إمامتها النساء، فذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة من ¬

_ (¬1) أخرج البخارى فى صحيحه عن حذيفة - رضى الله عنه - قال: " نهانا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشرب فى آنية الذهب والفضةِ وأن نأكل فيها، وعن لُبسِ الحرير والديباج وأن نجلس عليه " ك اللباس، ب افتراش الحرير 7/ 194. (¬2) الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل ابن محدث البصرة حماد ابن زيد. قال فيه أبو بكر الخطيب: كان عالماً متقناً فقيهاً، شرح المذهب واحتج له، وصنف المسند، وصنف علوم القرآن، وجمع حديث أيوب وحديث مالك، ثم صنّف الموطأ ونشر مذهب مالك بالعراق. توفى سنة اثنتين وثمانين ومائتين. سير 13/ 339.

قَالَ شَيْبَانُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ عَن أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، فَرُبَّمَا تَحْضُرُ الصَّلاةُ وَهُوَ فِى بَيْتنَا فَيَأَمُرُ بِالبِسَاطِ الَّذِى تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ، ثُمَّ يُنْضَحُ، ثُمَّ يَؤُمُّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا، وَكَانَ بِسَاطُهُمْ مِن جَرِيد النَّخْلِ. 268 - (660) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِم، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَمَا هُوَ إِلا أَنَا وَأُمِّى وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِى، فَقَالَ: " قُومُوا فَلأُصَلِّى بِكُمْ " - فِى غَيْرِ وَقْتِ صَلاةٍ - فَصَلَّى بِنَا. فَقَالَ رَجُلٌ لِثَابِتٍ: أَيْنَ جَعَلَ أَنَسًا مِنْهُ؟ قَالَ: جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ. ثُمَّ دَعَا لَنَا أَهْلَ البَيْتِ، بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَقَالَتْ أُمِّى: يَا رَسُولَ اللهِ، خُويْدِمُكَ، ادْعُ اللهَ لَهُ. قَالَ: فَدَعَا لِى بِكُلِّ خَيْرٍ. وكَانَ فِى آخِرِ مَا دَعَا لِى بِهِ أَنْ قَالَ: " اللَّهُمَّ، أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ ". 269 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلماء إلى منع إمامتها للنساء أيضاً، وأجاز ذلك الشافعى، وفيه رواية شاذة عن مالك مثله (¬1)، واختاره بعض شيوخنا. وقد احتج بعضهم على أحمد وأبى ثور ومن قال بقولهم فى أنَّ صلاة المنفرد خلف الصف لا تجزى. ولا حجة عليهم فيه؛ إذ يوافقونا فى المرأة. وفيه حجة على أن من يعقل [الصلاة] (¬2) من الصبيان حكمهم فى القيام خلف الإمام فى حضور الجماعات حكم الرجال، وهو مذهب الجمهور، وقد روى عن أحمد كراهة ذلك فى الفرائض والمساجد، وقال: لا يقوم مع الناس إِلا من احتلم أو أنبت أو بلغ خمس عشرة سنة، وروى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - أنه كان إذا أبصر صبياً فى الصف أخرجه، ونحوه عن بعض السلف، وتأول بعضهم هذا على من لا يعقل الصلاة ولا يكف عن العبث فيها، وهو قول الكافة. وفى الحديث الآخر عن أنس: صلاته - عليه السلام - به وبأمه وخالته، وجعله أنساً عن يمينه، وهذه سنة هذه الصورة، وقد تقدم الكلام عليها، وفيه دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم، وظهور استجابة دعائه لأنس فى تكثير ماله وولده، والترغيب فى دعاء أهل الخير، وإجابة الله هذه الدعوة فيه. وقوله: " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه ": والبركة، تمت الدعوة وخلصه الله ¬

_ (¬1) هى رواية ابن أيمن عنه، وقيَّدها اللخمى بما إذا لم يوجد رجل. الأبى 2/ 328. (¬2) ساقطة من ت.

المُخْتَارِ، سَمِعَ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ. قَالَ: فَأَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ المَرْأَةَ خَلْفَنَا. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 270 - (513) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ العَوَّامِ، كِلاهُمَا عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِى مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِى ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ، وَكَانَ يُصَلِّى عَلَى خُمْرَةٍ. 271 - (661) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، جَمِيعًا عَن الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرَىُّ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَوَجَدَهُ يُصَلِّى عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من الفتنة إن شاء الله (¬1)، وصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذاء ميمونة وصلاته على الخمرة، وقد تقدم فى كتاب الطهارة. ¬

_ (¬1) يعنى بذلك فتنة الجمل وصفين. فهو - رضى الله عنه - من جملة من تخلف عنها مع سعد بن أبى وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة، وابن عمر، وأسامة بن زيد، وأبو أيوب الأنصارى. قال ابن تيمية: " والذى عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفين لم يكن من القتال المأمور به، وأن تركه أفضل من الدخول فيه. وعلى هذا جمهور أهل الحديث، وجمهور أئمة الفقهاء، وكذلك مذهب أعيان فقهاء المدينة والشام والبصرة، وأعيان فقهاء الحديث كمالك، وأيوب، والأوزاعى، وأحمد، وغيرهم ". منهاج السنة النبوية 8/ 522، وانظر: الطبقات الكبرى 4/ 105، والتمهيد للباقلانى 232، منهج السنة فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم 145.

(49) باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة

(49) باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة 272 - (649) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ أَبُو كَرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلاةُ الرَّجُلِ فى جَمَاعَةٍ أَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ فِى بَيْتِهِ وَصَلاتِهِ قِى سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ، لَا يَنْهَزُهُ إِلا الصَّلاةَ لا يُرِيُدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ كَانَ فِى الصَّلاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِى تَحْبِسُهُ، وَالمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَىَ أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ الَّذِى صَلَّى فِيهِ. يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ، ارْحَمْهُ. اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لَهُ. اللَّهُمَّ، تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يَحْدِثْ فِيهِ ". (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ ابْنِ الرَّيَّانِ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ شُعْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. 273 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، عَنِ ابْنِ سِيرينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ المَلائِكَةَ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ، اغِفِرْ لَهُ. اللَّهُمَّ، ارْحَمْهُ. مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَأَحَدُكُمْ فِى صَلاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ ". 274 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَزَالُ العَبْدُ فِى صَلاةٍ مَا كَانَ فِى مُصَلاهُ، يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، وَتَقُولُ المَلائِكَةُ: اللَّهُم، اغْفِرْ لَهُ. اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ ". قُلْتُ: مَا يُحْدِثُ؟ قَالَ. يَفْسُو أَوْ يَضْرِطُ. 275 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يَنْهَزُه إِلا الصلاة ": أى لا يحركه، وهو معنى قوله فى الحديث: " لا

الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِى صَلاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلا الصَّلاةُ ". 276 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرَادِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَحَدُكُمْ مَا قَعَدَ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، فِى صَلاةٍ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَدْعُو لَهُ المَلائِكَةُ: اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لَهُ. اللَّهُمَّ، ارحَمْهُ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد إِلا الصلاة "، وقد تقدم الكلام على حديث أبى هريرة، ومعنى قوله: " ما لم يحدث " والخلاف فيه، وفى الحديث نفسه تفسيره.

(50) باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد

(50) باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد 277 - (662) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِى الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَمْشًى، فَأَبْعَدُهُمْ، وَالَّذِى يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِى يُصَلِّيهَا ثمَّ يَنَامُ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ: " حَتَّى يُصَلِّيهَا مَعَ الإِمَامِ فِى جَمَاعَةٍ ". 278 - (663) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانُ النَهْدِىِّ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ؛ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ، لا أَعْلَمُ رَجُلاً أَبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِى الظَّلْمَاءِ وَفِى الرَّمْضَاءِ. قَالَ: مَا يَسُرُّنِى أَنَّ مَنْزِلِى إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ، إِنِّى أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِى مَمْشَاىَ إِلَى الَمَسْجِدِ، وَرُجُوعِى إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِىَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ. حِ وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كِلاهُمَا عَنِ التَّيْمِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِنحْوِهِ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ المُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ؛ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بَيْتُهُ أَقْصَى بَيْتٍ فِى المَدِينَةِ، فَكَانَ لا تُخْطِئُهُ الصَّلاةُ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَتَوَجَّعْنَا لَهُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا يَقِيكَ مِنَ الرَّمْضَاءِ وَيَقِيكَ مِنْ هَوَامِّ الأَرْضِ. قَالَ: أَمَ وَاللهِ، مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِى مُطَنَّبٌ بِبَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلاً حَتَّى أَتَيْتُ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث الأنصارى فى كثرة الخطا: " والله ما أُحِبُّ أن بيتى مُطَنَّبٌ ببيت محمد ": أى مشدود بالأطناب، وهى حبال البيوت، أى لا أحب أن يكون ملصقاً فلا تكون لى خُطىً إلى المساجد أحتسبها. وقول أُبىّ: " فحملتُ منه حِملاً ": أى أكبر كلامه وعظُم عليه وثقل حتى أخبر به

فَأَخْبَرُتهُ. قَالَ: فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ يَرْجُو فِى أَثَرِهِ الأَجْرَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ ". (...) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَزْهَرَ الوَاسِطِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أَبِى، كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (279) - (664) وحدّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ. قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَتْ دِيَارُنَا نَائِيَةً عَنِ المَسْجِدِ، فَأرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ بُيُوتَنَا فَنَقْتَرِبَ مِنَ المَسْجِدِ. فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " إِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ خَطْوَةٍ دَرَجَةً ". 280 - (665) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ، قَالَ: حَدَّثَنِى الجُرَيْرِىُّ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: خَلَتِ البِقَاعُ حَوْلَ المَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: " إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ ". قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: " يَا بَنِى سَلمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى - عليه السلام - فصوَّبه بقوله: " لك أجر ما احتسبت " (¬1) ويدلّ (¬2) على فضل هذا العمل على جِوارِ المسجد نهى النبى - عليه السلام - الذين أرادوا بيع بيوتهم ليتقربوا من المسجد، وقال: " لكم بكل خطوة درجة ". وقوله لبنى سلِمة (¬3) حين أرادوا الانتقال إلى جوار المسجد: " ديارَكم تكتبُ آثارُكم " (¬4) الزموا دياركم، ومعنى " نائية ": أى بعيدة، زاد فى كتاب البخارى وكره أن ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: إِنَّ لك ما احتسبت. (¬2) فى الأصل: ودَلّ، والمثبت من ت. (¬3) هى بكسر اللام، وليس فى العرب بنو سلمة على هذا الضبط غيرهم. (¬4) وفى هذه الصيغة منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغبيط لمن بعدت داره عن المسجد، وقوله: " تكتَبْ " تروى بالجزم على =

281 - (...) حدّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ كَهْمَسًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ. قَالَ: وَالبِقَاعُ خَالِيَةٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا بَنِى سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ". فَقَالُوا: مَا كَانَ يَسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ تعرى المدينة (¬1)، فهذه علة أخرى فى حضهم على المقام لئلا يخلو ما حول المدينة فتترك عراءً، وهو الفضاء من الأرض، قال الله تعالى: {فَنَبذْنَاهُ بِالْعَرَاء} (¬2)، قيل: ذلك لئلا تخلو ناحيتهم من حُراسها والله أعلم (¬3). واختلف السلف على هذا فى التخطى إلى الأبعد عن الأقرب لكثرة الخُطى فروى عن أنس أنه كان يجاوز المساجد المحدثة إلى القديمة، وروى نحوه عن غيره، وروى عن إبراهيم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً " (¬4) وكره الحسن وغيره هذا، وقال: لا يدع مسجد قومه ويأتى غيره، وهو مذهبنا، وفى المذهب عندنا فى تخطى مسجده إلى الجامع الأعظم قولان (¬5). ¬

_ = جواب الأمر وبالرفع على الاستئناف، وأثر الشىء بقاء ما يدل على وجوده، والمراد بكتبها: كتبها فى صحائف الأعمال أو فى سير الصالحين لتكون سبباً فى اجتهاد الناس فى حضور الجماعة. انظر: الأبى 2/ 330. (¬1) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب احتساب الآثار ولفظه: " فكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُعروا منازلهم " 1/ 167. (¬2) الصافات: 145. (¬3) وعندى - والله أعلم - لئلا يكثر الناس بالعاصمة كثرة تؤدى إلى ما تعانيه عواصم العالم المتحضرة الآن. فانظر كيف عالج الإسلام أمراض الحضارة وكيف عجزت دول العالم قاطبة على الوصول إلى شىء من رحمته. (¬4) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب فضل صلاة الفجر فى جماعة عن أبى موسى، أبو داود فى السنن عن أبى هريرة، ك الصلاة، ب ما جاء فى فضل المشى إلى الصلاة، وكذا ابن ماجه فى المساجد، ب الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً. (¬5) ومن كراهية الأنصارى شراء الحمار أخذ البعض أن فضيلة المشى إلى المساجد لا تثبت للراكب. انظر: الأبى 2/ 329.

(51) باب المشى إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

(51) باب المشى إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات 282 - (666) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ عَمْرٍو - عَنْ زيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَطَهَّرَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، ليَقْضِى فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً ". 283 - (667) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَقَالَ قُتيبَةُ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ - كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. وَفِى حَدِيثِ بَكْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ؟ " قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شىْءٌ. قَالَ: " فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتَ الخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا ". 284 - (668) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ". قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: وَمَا يُبْقِى ذَلِكَ مِنَ الدَّرَنِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مثلُ الصلواتِ الخمس كمثل نهرٍ جارٍ غَمْرٍ على باب أحدكم ": الغمر، بالفتح وسكون الميم، الكثير من كل شىء، وفى الموطأ: " عذبٍ غَمرٍ " (¬1) وذلك أن الماء العذب أبلغ فى الإنقاءِ من غيره، كما أَنَّ الماءَ الكثير أبلغُ من القليل. وقوله: " على باب أحدكم ": تنبيه على قرب تناوله وسهولة تأتى استعماله. ¬

_ (¬1) من حديث سعد بن أبى وقاص ولفظه: " إنما مثل الصلاة كمثل نهْرٍ غَمْرٍ عَذْبٍ " ك قصر الصلاة فى السفر، ب جامع الصلاة 1/ 174.

285 - (669) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ ابْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أو رَاحَ، اعَدَّ اللهُ لَهُ فِى الجَنَّةِ نُزُلاً، كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " هل يبقى من دَرَنه " على معنى التقدير لا على الاستفهام. والدرن: الوسخ، ضربه مثلاً لمحو الصلوات الخطايا كما نصَّه فى الحديث نفسه.

(52) باب فضل الجلوس فى مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد

(52) باب فضل الجلوس فى مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد 286 - (670) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ. ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. كَثِيرًا، كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلاهُ الَّذِى يُصَلِّى فِيهِ الصُّبْحَ أَوِ الغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأخُذُونَ فِى أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ. 287 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ، كِلاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَن النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الفَجْرَ جَلَسَ فِى مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا. (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عَنْ سِمَاك، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَقولا: حَسَنًا. 288 - (671) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ قالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان لا يقوم من مصلاه الذى يصلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس " (¬1)، وفى الحديث الآخر: " حَسَنًا ": أى ترتفع ويظهر طلوعها وتتمكن وتباح الصلاة، وعند بعضهم: " حيناً " ومعناه - إن صحت - قريب من الأول، أى تبقى بعد طلوعها وقتاً من الزمان حتى تتمكن وترتفع، وهذا من المستحبات والفضائل لزوم موضع صلاة الفجر والإقبال على الذكر والدعاء إلى وقت إباحة الصلاة وكراهية الحديث حينئذٍ. وقوله: " وكانوا يتحدثون فيأخذون فى أمر الجاهلية ": دليلٌ على جواز التحدث بأخبار الزمان وأمور الأمم، وليس المعنى أنهم كانوا يتحدثون فى ذلك الوقت فإنه وقت الذكر والدعاء، وإنما هو فصل آخر وسيرة أخرى فى وقت آخر وصلهما بالحديث الأول. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " الذى يُصَلى فيه الصبح أو الغدَاة ".

حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ - حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى ذُبَابٍ، فِى رِوَايَةِ هَارُونَ - وَفِى حَدِيثِ الأَنْصَارِىِّ، حَدَّثَنِى الحَارِثُ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ مَوْلَى أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَحَبُّ البِلادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ البِلادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أحب البلاد (¬1) إلى الله مساجِدُها "؛ لأنها بيوت خصت بالذكر، وبقع أسست للتقوى (¬2) والعمل الصالح. وقوله: " وأبغض البلاد إلى الله أسواقها "؛ لأنها مخصوصة بطلب الدنيا ومخادعة العباد والإعراض عن ذكر الله، ومظانِّ الأيمان الفاجرة، وإذا كان معنى الحبِّ من الله والبغض عائداً إلى إرادته الخير أو الشر أو فعله دلك بمن أسعده الله وأشقاه، استبان لك أن المساجد مواضع نزول رحمة الله وفضله، والأسواق على الضد منها. ¬

_ (¬1) فى الأصل: البقاع، والمثبت من ت، ق، والمطبوعة. (¬2) فى ت: على التقوى.

(53) باب من أحق بالإمامة؟

(53) باب من أحق بالإمامة؟ 289 - (672) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهوَ ابْنُ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، ح وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، جَمِيعًا عَنِ الجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 290 - (673) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى خَالِدٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُوَدٍ الأَنْصَارِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِى القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فى السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِى الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِى سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ ". قَالَ الأَشَجُّ فِى رِوَايَتِهِ مَكَانَ "سِلْمًا ": سِنًّا. (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 291 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ

ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ، قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ وَأَقْدَمُهُمْ قرَاءَةً فَإِنْ كَانَت قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمَهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِى الهِجْرَةَ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمُ أَكْبَرَهُمْ سِنًّا، وَلا تَؤُمَّنَّ الرَّجُلَ فِى أَهْلِهِ وَلا فِى سُلْطَانِهِ، وَلا تَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ، فِى بَيْتِهِ إِلا أَنْ يَأَذَنَ لَكَ - أَوْ بِإِذْنِهِ ". 292 - (674) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ؛ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ. فَقَالَ: " ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهُمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ ليَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قوله: " وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " (¬1): دلالة على أن الجماعة مأمورون بالأذان وإن لم يكونوا فى مسجد. قال القاضى: واستدل بعضهم فيه على استحباب الأذان فى السفر، وقد يحتمل أنه أراد فعل ذلك فى قومهم؛ لقوله: " ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم "، ثم قال: " فإذا حضرت الصلاة " وهذا أظهر، والأول يحتمل أن يريد إذا حضرت من فراقكم لى. قال الإمام: وفيه دلالة على أن ليس الأذان ليس بمستحق للأفضل، ويحتمل أن يكون الفرق بين الأذان والإمامة أن القصد من الأذان الإسماع، وذلك مُتَأتٍّ من غير الأفضل كتأتيه من الأفضل، بل ربما كان الأنقص فضلاً أرفع صوتاً، وقد قال - عليه السلام - فى حديث آخر: " فاطلبوا لى أنداكم صوتاً " وهو هنا [بمعنى] (¬2) أبلغ فى الإسماع، قال الشاعر: فقلت أدعى وأدعو إنَّ أندى ... لصوت أن يُنادى داعيان قال القاضى: وقد يكون " أندى " من باب ألين وأسلس، ويدل عليه قوله فى بعض الروايات لعبد الله بن زيد - وقد أراد أن يؤذن -: " إنك فظيع الصوت، فألقه على بلال ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " ثم ليؤمَّكُم أكبرُكم " حديث مالك بن الحويرث. (¬2) ساقطة من ب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه أندى منك صوتاً "، فمقابلة أندى بفظيع تشعر بما ذكرناه، مع قول عمر بن عبد العزيز: " أذن أذاناً سمحاً [أو اعتزلنا] (¬1) ". وقوله: " وليؤمكم أكبركم " (¬2)، وفى الحديث الآخر: " وأحقهم بالإمامة أقرؤهم "، وفى الحديث الآخر: " أكبرهم "، قال الإمام: [وأما] (¬3) أمره بأن يؤم الأكبر، فحمله على [تساويهم فيما عدا] (¬4) السن من الفضائل المعتبرة فى الإمامة، بدليل قوله فى الحديث الآخر: " يؤمُّ القوم أفقههم " (¬5)، وتقديم [الأفضل] (¬6) عندنا هو [الأفقه] (¬7). ثم القارئ بعده ثم بعد ذلك فضيلة السن (¬8)، وعند أبى حنيفة: القارئ أولى من الأفقه (¬9)، وحجتنا عليه قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفقههم " (¬10)؛ ولأن الحاجة تمس إلى الفقه فى الصلاة أكثر من الحاجة إلى معرفة وجوه القراءة، فإن احتج بقوله - عليه السلام -[فى حديث ¬

_ (¬1) سقط من ع، والخبر سبق، أخرجه ابن أبى شيبة، ك الأذان والإقامة، ب التطريب فى الأذان 1/ 229. (¬2) رواية المطبوعة: " ثم ليؤمكم " كما دكرنا قبل. (¬3) من ع. (¬4) فى ع: إنهم متساوون فيما سوى. (¬5) " أفقههم " لم ترد فى طريق من طرق الحديث، وإنما هى من كلام الأوزاعى. راجع: الاستذكار 6/ 326. (¬6) من المعلم، والذى فى نسخ الإكمال: الأفقه، وما أثبتناه من المعلم هو الصواب. (¬7) الذى فى الإكمال: أولى، والمثبت من المعلم. (¬8) ودليل هذا لهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدَّم أبا بكر للصلاة بجماعة أصحابه. قال ابن عبد البر: ومعلومٌ أنه كان منهم من هو أقرأ منه، ولا سيَّما أبىُّ بنُ كعب، وسالِمٌ مولى أبى حذيفة وابن مسعود وزيدٌ. وقد قال مالك: يؤم القومَ أعلَمُهم إذا كانت حالَتُه حسنَةً، وللمُسِنِّ حقٌّ، ولما قيل له: فأكثرهم قرآناً؟ قال: لا، قد يقرأ القرآن من لا يكونُ فيه خيْرٌ. (¬9) عند أبى حنيفة: التقدمة للقارئ والأعلم بالسنة، قال: فإن استوَوا فى العلم والقراءة فأكثرهم سِنًّا، فإن استوَوا فى السن والقراءة والفقه فأورعهم. وقريب منه قول الشافعى حيث قال: يؤمُّهم أقرؤهم وأفقههم، فإن لم يجتمع ذلك قُدِّم أفقهُهُم إذا كان يقرأُ ما يكتفى به فى صلاته، وإن قُدِّم أقرؤهم إذا كان يعلمُ ما يلزمُ فيم الصلاة فحسِنٌ. وقال الليث بن سعد: يؤمَّهُم أفضَلُهمْ وخيْرُهُم، ثم أقرؤهُم، ثم أسنُّهم إذا استوَوا. وقال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: رجلان أحدُهما أفضَلُ من صاحبه والآخرُ أقرأ منه؟ فقال: حديث أبى مسعود يؤم القوْمَ أقرؤهُم، ثم قالَ: ألا ترى أن سالمًا موْلى أبى حذيفة كان مع خيار أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم عمر وأبو سلمة بن عبد الأسد، فكان يؤمهم لأنه جمع القرآن. قال: فقلت له: حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مُروا أبا بكر فليُصَلِّ بالناس " هُوَ خلاف حديث أبى مسعودٍ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يؤم القومَ أقرؤهم "؟ قال: إنما قوله - عليه السلام -: " مروا أبا بكر فليُصَلِّ بالناس " أراد الخلافة، وكان لأبى بكرٍ فضلٌ بيِّنٌ على غيره، وإنما الأمرُ فى الإمامة إلى القراءة. راجع: فتح القدير 1/ 245، بدائع الصنائع 1/ 157، المغنى 2/ 181، المهذب 1/ 98، الشرح الصغير 1/ 454، الاستذكار 6/ 324. (¬10) لم ترد فى طريق من طرق الحديث المعتبرة.

(...) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ لِى أَبُو قِلابَةَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى نَاسٍ، وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، وَاقْتَصَّا جَمِيعًا الحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. 293 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ؛ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَصَاحِبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر] (¬1): " يؤم القومَ أقرؤهم " (¬2)، قلنا: فإن أصحابنا تأوّلُوه (¬3) عن أن الأقرأ هاهنا هو الأفقه؛ لأن الصحابة - رضى الله عنهم - كانوا يتفقهون فى القرآن فأكثرهم قرآناً أكثرهم فقهاً (¬4). قال القاضى: [وقال بعض علمائنا: إنما هذا الترجيح إذا تشاحوا، وإلا فمتى كان كل واحد منهم يصلح للأمة فلا يحتاج إلى هذا، فمن تقدم منهم لم يكره فى حقه وجاز له ذلك ولم يكن مسيئاً] (¬5). وقوله: " شببةٌ ": أى أحداثٌ، جمع شاب. وقوله: " متقاربون ": أى فى الأسنان، وقيل: فى العلم والقراءة. وقوله فى حديث أبى مسعود من رواية الأعمش: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا فى القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة " يُقَوِّى قول المخالف، فإنه قد فصَل القراءة من السنة، ولم تأت هذه الزيادة فى رواية غير الأعمش، ومجملها عندنا وعند الشافعى - والله أعلم - فيمن كان فى أول الإسلام، وعند عدم الثقة، وكان المقدم القارئ، حتى وإن كان صبيّا على ما جاء فى حديث عمرو بن سلمة (¬6)، فلما تفقه الناس فى القرآن والسنة قُدِّم ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) وهو ما عليه الأحاديث الصحيحة. (¬3) فى الأصل: يتأولوه، وهو خطأ. (¬4) وإلى هذا ذهب محمد بن الحسن من الحنفية، قال: إنما قيل فى الحديث: " أقرؤهم "، لأنهم أسلموا رجالاً فتفقَّهوا فيما علموا من الكتاب والسُنَّةِ، وأما اليوم فيعلمون القرآن وهم صِبيانٌ لا فِقه لهم. الاستذكار 6/ 326. (¬5) من ت، ق. (¬6) الذى أخرجه أحمد فى المسند قال: لما كان يوم الفتح جعل الناس يمرون علينا قد جاؤوا من عند رسول =

لِى، فَلَمَّا أَرَدْنَا الإقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا: " إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا ". (...) وحدّثناه أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَالَ الحَذَّاءُ: وَكَانَا مُتَقَارِبَيْنِ فِى القِرَاءَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الفقيه؛ بدليل تقديم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر لخلافته فى الصلاة (¬1)، وقد نص - عليه السلام - أن غيره أقرأ منه (¬2)، وقيل: قدم التفقه فى كتاب الله؛ لأنه أصل الفقه والعلم أولاً، ثم الزيادة بعلم سنة رسوله من باب تقديم الأفقه على من دونه فى الفقه. وفى قوله: " يؤم القوم أقرؤهم " حجة لنا فى منع إمامة المرأة؛ لأن القوم ينطلق على الذكور دون الإناث، قال الله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْم}، ثم قال: {وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاء} (¬3)، قال الشاعر: أقوم آل حصن أم نساء ففصل بين النساء والقوم. وهذا فى إمامتها بالرجال، وقد تقدم الكلام فى ذلك. وقوله: " فإن كانوا فى السُنَّة سواءً فأقدمهم هجرة " لزيادة فضلها. وقوله: " فإن استووا فى الهجرة فأقدمهم سِلماً (¬4) " وفى الرواية الأخرى: " سنًّا " وفى الحديث الآخر: " فأكبرهم سنًّا " والسلم هنا: الإسلام، وقد روى " إسلاماً " (¬5). وقِدَمُ الإسلام زيادة فضيلة لا شك مع الاستواء فيما دونها، كما أن كبر السن زيادة فضيلة مع الاستواء فيما دونها، وقد روى عن الزهرى فى هذا الحديث: فإن استووا فى القراءة ¬

_ = الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكنت أقرأ وأنا غلام، فجاء أبى بإسلام قومه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يؤمكُمْ أكثركم قرآناً " فنظروا، فكنتُ أكثرهم قرآناً. الحديث 5/ 71. (¬1) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، والترمذى، ك المناقب، ب فى مناقب أبى بكر وعمر - رضى الله عنهما. (¬2) يشير بذلك إلى ما أخرجه الترمذى - واللفظ له - وأحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرحمُ أمتى بأمتى أبو بكر، وأشدُّهم فى أمر الله عمر، وأصدقُهم حياءً عثمانُ، وأعلمُهمْ بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبىٌّ، ولكل أمة أمينٌ وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرَّاح " الترمذى، ك المناقب، ب مناقب معاذ وزيد بن ثابت 5/ 664، وابن ماجه فى المقدمة، وأحمد فى المسند 3/ 184، 281، وقال فيه الترمذى - هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث قتادة إِلا من هذا الوجه وقد رواه أبو قلابة عن أنس نحوه، والمشهور حديث أبى قلابة، ثم ساق حديثه بإسناد حسن صحيح. (¬3) الحجرات: 11. (¬4) فى ت: إسلاماً. (¬5) أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير من حديث أوس بن ضمعج 17/ 221.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأفقههم فى دين الله فإن كانوا فى الفقه سواءً فأكبرهم سناً، فإن كانوا فى السن سواء فأصبحهم وأحسنهم وجهاً، فإن كانوا فى الصباحةِ والحُسن سواء فأكبرهم حسباً. قال الخطابى: وإن كانت الهجرة اليوم قد انقطعت مراعاتها ففضيلتها باقية على أبنائهم، فمن كان من أبناء المهاجرين أو كان فى آبائه وأسلافه من له سابقة وقدَمٌ فى الإسلام فهو مقدّم على غيره، ممن ليس له مثل ذلك، أو هو حديث عهد بإسلامٍ؛ ولهذا قُدِّم ذو السنِّ؛ لأنه أقدم إسلاماً، فصار بمنزلة القديم الهجرة. قال بعض المتكلمين: رتب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأئمة هذا الترتيب؛ لأنها خلافة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ هو إمام الناس فى الدنيا والآخرة، فهى بعده للأقرب إليه منزلة، والأشبه به مرتبة، ثم بسط الكلام فى أن هذه الصفات والأخلاق من العلم بالقرآن والسنة وقدم الإسلام وحصافة العقل وهيبة (¬1) القدر - الذى هى معنى السن وجلالة النسب وحسن الصورة وحسن الأخلاق - هى صفات النبى - عليه السلام - وهو المتصف بها حقيقة على الكمال، فمن اتصف بها كان أشبه بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأولى بخلافته، ومن اتصف ببعضها كان من اتصف بجميعها أولى منه، وكان - عليه السلام - خلقه القرآن (¬2)، وقال: " من قرأ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه " (¬3)، وكان علمه وعلم السنن إليه ومنه أقتبس، وكان من جمال الصورة وحسن الخلق على ما عُرِف، وقال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬4). قيل: [قد] (¬5) تكون العبارة بصباحة الوجه وحسنه هنا عن بشره وطلاقته فيه، والقلوب إلى الصفات الحسنة أحب والنفوس (¬6) إلى الأخلاق الحسنة (¬7) والوجوه البسيطة أميل، وبالتقديم لها فى أمورها وحوائجها أرضى، وقد قال - عليه السلام -: " أقربكم منى مجلساً أحاسنكم أخلاقاً " (¬8) وكذلك الحسيب يقرب إليه بمشاركة شرف حسبه وكرم ¬

_ (¬1) فى ت: وهيئة. (¬2) أبو داود فى السنن، ك الصلاة، ب فى صلاة الليل (342)، والنسائى فى الكبرى، ك التفسير 1/ 11350، وأحمد فى المسند 6/ 188، والحاكم فى المستدرك، ك التفسير، تفسير سورة المؤمنون 2/ 392، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى، جميعاً عن عائشة - رضى الله عنها. (¬3) الحاكم فى المستدرك، ك فضائل القرآن 1/ 552، وقال. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى، وقال الهيثمى فى المجمع: رواه الطبرانى، وفيه إسماعيل بن رافع وهو متروك 7/ 162. قلت: بل مختلف فيه، فعن ابن المبارك: ليس به بأس، ولكنَّه يحمل عن هذا وهذا، وقال الترمذىُّ: ضعَّفه بعض أهل العلم، وسمعت محمد بن إسماعيل - يعنى البخارى - يقول: هو ثقة، مقارب الحديث. تهذيب الكمال 3/ 88. والقول بالترك هو للنسائى والدارقطنى. وقال يعقوب بن سفيان: إسماعيل بن رافع، وصالح بن أبى الأخضر، وطلحة بن عمرو، ليسوا بمتروكين، ولا يقومُ حديثهم مقام الحجة. السابق. (¬4) القلم: 4. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) فى الأصل: والنفس. (¬7) فى ت: الرضية. (¬8) الترمذى، ك البر والصلة، ب ما جاء فى معالى الأخلاق (2018).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فخاره، مع أن أهل الحسب (¬1) أنزه بهممهم عما يشين، وكذلك الكبير السن أتم عقلاً، وأقدم إيماناً، وقد قال - عليه السلام -: " لِيَلينِّى منكم أولو الأحلام والنهى " (¬2) فمن جمع هذه الخصال صلح لخلافته الكبرى فكيف الصغرى؟ وأما قوله فى الحديث الآخر: " وليؤمكم (¬3) أكبركُمُ " فذلك - والله أعلم - فيما قيل لعلمه باستوائهم فى القراءة والفقه، لوفودهم معاً وتعلمهم عنده عشرين يوماً معاً وقد جاء مفسراً فى الحديث نفسه من الرواية الأخرى. قال: وكانوا متقاربين فى القراءة كذلك. وأما قوله فى الحديث الآخر: " وليؤمكم أكبركُم " ووجه الجمع بين هاتين الروايتين من قول مالك بن الحويرث فى الحديث الأول: " وفدنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ناس [ونحن] (¬4) شببة متقاربون " وفى الآخر: " وفدت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وصاحب لى " أن يكونا حديثين فى وفادتين - والله أعلم. وقوله: " ولا يؤمن الرجل فى سلطانه ولا يقعد على تكرمته إِلا بإذنه " جاء فى الحديث تفسير " تكرمته ": فراشه. وفيه حجة على أن الإمام من السلطان أو من جُعل له الصلاة أحق بالتقدم حيث كان من غيره. قال الخطابى: وهذا فى الجمعات والأعياد، لتعلقها بالسلاطين، فأما فى الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم. قال القاضى: هذا ما لا يوافق عليه، والصلاة لصاحب السلطنة حقٌّ من حقه وإن حضر [من هو] (¬5) أفضلُ منه وأفقه (¬6)، وقد تقدم الأمر من عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن بعدهم على من تحت أيديهم وفيهم الأفضل. وقد ذكر شيوخنا: أن الإمام على الجملة أولى بالصلاة دون تفضيلٍ فى وجهٍ، وحكى الماوردى قولين فى الأحق هو أو رب المنزل إذا اجتمعا؟ ثم صاحب المنزل أحق من زائره؛ لأنه سلطانه، وموضع تدبيره، ولا خلاف يُعلمُ فى هذا، مع نص الحديث فيه، إِلا أن يأذن صاحب المنزل للزائر. ويستحب له إن حضر من هو أفضل منه أن يُقَدِّمه. قال الخطابى: وكذلك إمام مسجد قومه وقبيلته. ¬

_ (¬1) فى ت: الحسيب. (¬2) أبو داود فى السنن، ك الصلاة، ب من يستحب أن يلى الإمام فى الصف وكراهيته التأخير 1/ 156، وابن ماجه فى الإقامة، ب من يستحب أن يلى الإمام (976)، والنسائى، ك الإمامة، ب من يلى الإمام ثم الذى يليه (807)، وأحمد فى المسند 4/ 122 جميعاً عن أبى مسعود. (¬3) ما فى المطبوعة: " ثم ليؤمكم " كما سبق. وفى طريق آخر: " وليؤمكما أكبركما ". (¬4) ساقطة من الأصل واستدركت بالهامش. (¬5) من ت. (¬6) حيث إن الإمامة والملك والسلطان فى المسلمين قربة وعبادة، والإمام فى الأمة والسلطان والحاكم قائم مقام رسولها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويقودهم إلى المكرمات. راجع: منهج السنة فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم: 301.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما (¬1) " فى رواية الترمذى: " إذا سافرتما فأذِّنا وأقيما " (¬2) فيه حجة الأذان فى السفر، ومذهب مالك وأئمة الفتوى وأكثر العلماء على استحبابه وجوازه، وترك وجوبه، إِلا ما روى عن عطاء: أنه يعيد إذا لم يؤذِّن ويقم، احتمالاً على ظاهر الأمر فى الحديث، ومثله فى الإمامة عن مجاهد، وبوجوبه قال داود وأصحابه، ومحمول الحديث عندنا وعند الجمهور على الندب والفضل. وحكى الطبرى عن مالك: إن ترك المسافر الأذان عمداً فعليه إعادة الصلاة، وهذا نحو قول المخالف. وقوله: " فلما أردنا الإقفال " أى الرجوع، يقال: قفل الجيش إذا رجع، وأقفلهم الأميرُ، ويقال: قفلهم - أيضاً - كأنه قال: فلما أردنا أن يؤذن لنا فى الرجوع. ¬

_ (¬1) لفظها فى المطبوعة: " ثم أقيما ". (¬2) ك أبواب الصلاة، باب ما جاء فى الأذان فى السفر (205).

(54) باب استحباب القنوت فى جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة

(54) باب استحباب القنوت فى جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة 294 - (675) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ صَلاةِ الفَجْرِ مِنَ القِرَاءَةِ، وَيُكَبِّرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ " ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَاَئِمٌ: " اللَّهُمَّ، أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ، اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِى يُوسُفَ. اللَّهُمَّ، الْعَنْ لْحْيَانَ وَرِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ " ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أُنزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنِّهُمْ ظَالِمُون} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث القنوت ذكر مسلم عن أبى هريرة قنوت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاة الفجر بعد الركوع ودعائه لقوم وعلى آخرين ثم ترك ذلك، وفى رواية عنه: " بينا هو يصلى العشاء " وعند العذرى: " العشىّ " وفى رواية عنه: " أنه قنت فى الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح " (¬2)، وعن أنس أنه: " دعا على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحاً "، وعنه: " قنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاة الصبح بعد الركوع يسيراً " (¬3) كذا لهم، وكذا فى البخارى (¬4) وعند بعضهم: " شهراً " (¬5). قيل: هو أصوب كما جاء فى الحديث الآخر ثلاثين ليلة، ولعل " يسيراً " تصحيف منه، وقد يكون صواباً [كما جاء] (¬6) لتقليل المدة، وعنه: " أن ¬

_ (¬1) آل عمران: 128. (¬2) حديث أبى هريرة، لكنه بلفظ: " فكان أبو هريرة يقنُتُ فى الظهرِ والعشاء الآخرة وصلاة الصبح " وذلك بعد قوله: " والله لأقرِّبَنَّ بكم صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الحديث. (¬3) فى جوابه لمحمد بن سيرين. (¬4) ك الوتر، ب القنوت قبل الركوع وبعده. (¬5) وهو ما جاءت به رواية عبيد الله بن معاذ العنبرى. (¬6) من ت.

(...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ: " وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِّى يُوسُفَ " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 295 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ، فِى صَلاةٍ، شَهْرًا، إِذَا قَالَ: " سَمِعِ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " يَقُولُ فِى قُنُوتِهِ: " اللَّهُمَّ، أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدَ. اللَّهُمَّ، نَجِّ سَلَمَةَ بْن هِشَامٍ. اللَّهُمَّ، نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قنت قبل الركوع، وأنكر بعد الركوع " (¬1). وقال: " إنما قنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الركوع شهراً " زاد فى البخارى: " ثم تركه " (¬2) ولم يذكر مسلم قوله: " بعد الركوع "، وذكره البخارى. وعن البراء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت فى الصبح والمغرب، وعن خُفافِ الغفارى أنه قنت بعد الركوع، وفى كتاب أبى داود عن ابن عباس أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت فى الصلوات الخمس وسماها (¬3)، وفى الموطأ عن الأعرج: " ما أدركت الناس إِلا وهم يلعنون الكفرة فى رمضان " (¬4). قال القاضى: اختلف العلماء فى القنوت فى صلاة الفجر وفى الوتر فى رمضان، وغيره، وما عدا ذلك، فلم يعملوا به إِلا أن ينزل نازلة، كما نزلت بأصحاب بئر معونة أو يحتاج إلى الدعاء فى أمر مهم، فقد أرخص بعضهم أن يقنتوا فى سائر الصلوات ويدعو فى ذلك، وقاله الشافعى والطبرى، وأنكر هذا الطحاوى [وقال: لم يقله أحدٌ قبل الشافعى] (¬5)، وروى عن بعض السلف فعله، وأنكر الشعبى القنوت فى الفجر وغيره، واختلف فى فعله عن الخلفاء الأربعة وغيرهم [من الصحابة رضى الله عنهم] (¬6)، ورآه بعضهم بدعةً، فروى عن ابن عمر وعنه خلافه، وذهب مالك والشافعى وأحمد وداود فى جماعةٍ إلى العمل بالقنوت [فى الفجر] (¬7)، ولم يقل به الكوفيون والليث ويحيى بن يحيى من المالكية. ¬

_ (¬1) أخرجه البخارى فى ك الوتر، ب القنوت قبل الركوع وبعده. (¬2) قلت: جاءت بها المطبوعة، ولم ترد فى البخارى ولعله وهمٌ. (¬3) ك الصلوات، ب القنوت فى الصلوات (1443). (¬4) ك الصلاة فى رمضان، ب ما جاء قيام رمضان 1/ 115. (¬5) من ق وت. (¬6) من هامش ت، وزيد بعدها: ورواه الواقدى عن مالك والثورى عن الصحابة. (¬7) من ت وس.

رَبِيعَةَ. اللَّهُمَّ، نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ، اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ. اللَّهُمَّ، اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الدُّعَاءَ بَعْدُ. فَقُلْتُ: أُرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ. قَالَ: فَقِيلَ: وَمَا تَرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختلف القائلون فى حكمه، فالمعروف من قول مالك وغيره أنه من المستحبات والمرغب فيها، وذهب الحسن وابن سحنون [والشافعى] (¬1) أنه سنةٌ، وهو مقتضى رواية على عن مالك بإعادة تاركه الصلاة عمداً، وقد حكى الطبرى الإجماع على أن تركه غيرُ مفسد للصلاة، وعن الحسن فى تركه سجود السهو، ثم اختلفوا فى موضعه فالمشهور عن مالك [استحبابه] (¬2) قبل الركوع، وهو قول إسحاق وابن أبى ليلى وعمر بن عبد العزيز، وروى عن عمر وعلىٍّ وابن مسعود [وابن عباس] (¬3) وجماعة من الصحابة والتابعين وأصحاب الرأى [وذهبت طائفة إلى التخيير فى ذلك والتوسعة قبل الركوع، وإليه ذهب أحمد، وروى عن أنس، وهو قول مالك، لكنه استحب ما تقدم] (¬4) وحكى الخطابى عن مالك بعد الركوع وهو قول ابن حبيب [وابن وهب] (¬5) والشافعى وأحمد، وحكى عن إسحاق أيضاً، وروى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم. ثم اختلفوا هل يكبر له؟ وهل يرفع يديه إذا دعى فيه؟ ومالك لا يرى شيئاً من ذلك. ثم اختلف القائلون بالقنوت فى صلاة الفجر، هل يقنت فى الوتر فى رمضان أو غيره؟ فروى عن على وأبى وابن عمر وجماعة من السلف [و] (¬6) الفقهاء القنوت فى الوتر فى النصف الآخر من رمضان من ليلة ست عشرة، وقيل: خمس عشرة، وهو قول الشافعى وأحمد وإسحاق، ورواية ابن وهب والمدنيين عن مالك. وقالت طائفة: لا يقنت فى الوتر جملة وروى عن ابن عمر وطاوس، وهى رواية [ابن نافع] (¬7) والمصريين عن مالك، وعن أبى حنيفة: أنه لا يقنت إِلا فى وتر رمضان فقط، فيستحب فى جميعها، وقاله النخعى، وحكى عن إسحاق، وقيل: يقنت فى وتر السنة كلها، وهو قول ابن مسعود [والحسن] (¬8) والنخعى وإسحاق وأبى ثور، وقال قتادة: يقنت فى السنة كلها إِلا فى النصف الأول من رمضان، وروى - أيضاً - عن الحسن. ثم اتفقوا على أنه لا يتعين فى القنوت دعاء مؤقت، إِلا ما روى عن بعض أهل الحديث فى تخصيصها بقنوت مصحف أبى بن كعب المروى؛ أن جبريل - عليه السلام - ¬

_ (¬1) و (¬2) من ت. (¬3): (¬7) من ت، وزيد بعدها: التخيير. (¬4) من ت. (¬8) ساقطة من ت.

(...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّى العِشَاءَ إِذْ قَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: " اللَّهُمَّ، نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الأَوْزَاعِىِّ. إِلَى قَوْلِهِ: " كَسِنِى يُوسُفَ " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ علمه النبىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو: " اللهم إنا نستعينك ونستغفرك " إلى آخره (¬1) وأنه لا يصلى خلف من لا يقنت بذلك، لكنه يستحب عند مالك والكوفيين القنوت بذلك، واستحب الشافعى القنوت بالدعاء المروى عن الحسن بن على عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنه كان يقنت به: " اللهم اهدنى فيمن هديت " إلى آخره (¬2)، وقد اختار بعض شيوخنا البغداديين الجمع بين الدعائين فى القنوت، وذكر ذلك القاضى ابن نصر، وهو قول إسحاق والحسن بن حى. قيل فى معنى قول أنس: " قنت شهراً ثم تركه ": أى ترك الدعاء على هذه القبائل وفى الصلوات الأربع، ولم يتركه فى صلاة الصبح، [ويدل حديث أنس على استدامته - عليه السلام - القنوت فى صلاة الصبح] (¬3)، وأن الاختلاف عنه فى قنوته وتركه على هذا، وكذلك الاختلاف عنه فى [ذلك] (¬4) قبل الركوع وبعده، لاختلاف القنوتين، فقيل: فى الفجر وبعده فى الدعاء على الكفار. [واختلف فى رفع الأيدى فى القنوت، فقيل: لا يرفع، حكاه ابن سفيان وقاله الأوزاعى ويزيد بن أبى مريم، وهو مشهور مذهبنا، وروى ابن أبى وأنس عن مالك أنهما من المواضع التى رأى رفع الأيدى فيها كما ترفع فى الصلاة] (¬5)، وفى دعائه - عليه السلام - على من دعا عليه فى الحديث من الكفار ولعنهم: جواز لعن الكفرة والدعاء عليهم، وتعيين من تعيَّن منهم، ولا خلاف فى الدعاء على الكفرة. واختلف فى الدعاء على أهل المعاصى، فأجازه بعضهم وأباه آخرون، وقالوا: يُدْعى لهم بالتوبة لا عليهم إِلا أن يكونوا منتهكين لحرمة الدين وأهله، وقيل: إنما يجب الدعاء على أهل الانتهاك فى حين فعلهم ذلك وإقبالهم، وأما فى إدبارهم فيدعى لهم بالتوبة. وحديث زهير بن حرب عن حسين بن محمد: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت بعد الركعة فى صلاته شهراً " لم يقع هذا الحديث عند العذرى ولا عند الفارسى، ولا عند ابن ماهان (¬6)، وهو ثابت فى نسخة ابن ¬

_ (¬1) المصنف لأبن أبى شيبة، ك الصلوات، ب ما يدعو به فى قنوت الفجر، عن ميمون بن مهران 2/ 314، ولم يذكر تعليم جبريل - عليه السلام - للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬2) البيهقى فى السنن، ك الصلاة، ب دعاء القنوت 2/ 209، وكذلك معرفة السنن والآثار، ك الصلاة، ب دعاء القنوت. (¬3) سقط من ت. (¬4) ساقطة من ق. (¬5) من ق وس. (¬6) وهو ما جاءت عليه المطبوعة.

296 - (676) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبِدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: وَاللهِ، لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِى الظُّهْرِ، وَالعِشَاءِ الآخِرَةِ، وَصَلاةِ الصُّبْحِ. وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الكُفَّارَ. 297 - (677) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ، ثَلاثِينَ صَبَاحًا. يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ: قَالَ أَنَسٌ: أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ: أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِىَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ. 298 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى صَلاةِ الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ. بَعْد الرُّكُوعِ يَسِيرًا. 299 - (...) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى - وَاللفْظُ لابْنِ مُعَاذٍ - حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبى مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ فِى صَلاةِ الصُّبْحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عيسى وبعض الشيوخ (¬1) وَحُوِّق عليه فى كتاب الجيانى، ثم جاء السند بعينه بعده فى حديث: " بينا (¬2) النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى العشاء " عند جميعهم بغير خلاف، ووقع هنا عند القاضى الصدفى: " يصلى العشى " فإن صح فمعناه إحدى صلاتى العشى. وقوله: " لأُقرِّبَنَّ لكم صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": أى لأصلى صلاةً تقرب من صفتها، كما قال فى حديثه الآخر: " إنى لأقربكم شبهاً بصلاته "، وقال بعضهم: صوابه لأقتربن أى لأتبعن، وهذا تعسف. وقال مسلم: " حدثنى عبيد الله بن معاذ العنبرى، وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن عبد الأعلى واللفظ لابن معاذ " كذا لجميعهم، وفى كتاب العذرى ومحمد بن ¬

_ (¬1) فى الأصل: النسخ، والمثبت من ت. (¬2) فى المطبوعة: بينما.

يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَيَقُولُ: " عُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ ". 300 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا، بَعْدَ الرُّكُوعِ فِى صَلاةِ الفَجْرِ، يَدْعُو عَلَى بَنِى عُصَيَّةَ. 301 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ القُنُوتِ، قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. فَقَالَ: إِنَّمَا قَنَتَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، يُقَالُ لَهُم: القُرَّاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله مكان عبد الأعلى، وهو خطأ، والصواب ابن عبد الأعلى، وهو الصنعانى خرج له النسائى - أيضاً - أحاديث النوم عن الصلاة. قال الإمام: إن قيل: ما معنى قوله فى الحديث [الآخر] (¬1): " إن عينى تنامان ولا ينام قلبى " (¬2) وقد نام [فى حديث الوادى] (¬3) حتى طلعت الشمس، [قلنا] (¬4): إن من أهل العلم من تأوَّل [أن] (¬5) قوله - عليه السلام -: " إن عينىَّ تنامان ولا ينام قلبى " على أن ذلك غالب أحواله (¬6)، وقد ينام نادراً، بدليل حديث الوادى، ومنهم من تأول [قوله: " ولا ينام قلبى " على] (¬7) أنه لا يستغرقه [آفة] (¬8) النوم حتى يكون منه الحدث [ولا يشعر] (¬9)، والأولى عندى أن يقال: ما بين الحديثين تناقضٌ؛ لأنه ذكر فى الحديث أن عينى تنامان [ولا ينام قلبى] (¬10)، وكذلك كان يوم الوادى إنما نامت عيناه فلم ير طلوع الشمس وطلوعها إنما يدرك بالعين دون (¬11) القلب. قال القاضى: قيل: لا ينام قلبه من أجل أنه يُوحى إليه، ويدل أن الاستغراق لا ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) معنى حديث، ولفظه فيما أخرجه البخارى - واللفظ له - وأبو داود وابن حبان وأحمد عن عائشة - رضى الله عنها - قال: " تنام عينى ولا ينامُ قلبى " ك المناقب، ب صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4/ 232، وأبو داود، ك الطهارة، ب فى الوضوء من النوم 1/ 46، وابن حبان 2124، وأحمد فى المسند 2/ 251، 438. (¬3) فى ع: هاهنا. (¬4) من المعلم، والذى فى الإكمال: قيل. (¬5) من ت. (¬6) فى الأصل: حاله، والمثبت من المعلم وق. (¬7) من المعلم، والذى فى الإكمال: ذلك. (¬8) من الإكمال. (¬9) من المعلم وق. (¬10) من ت. (¬11) فى ع: لا.

302 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى سَرِيَّةٍ مَا وَجَدَ عَلَى السَّبْعِينَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَئْرِ مَعُونَةَ، كَانُوا يُدْعَوْنَ القُرَّاءَ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَدعُو عَلَى قَتَلَتِهِمْ. (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَابْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الحَدِيثِ. يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. 303 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا. يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ. وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ. (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنَحْوِهِ. 304 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهرًا، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ. 305 - (678) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز عليه جملةً أو غالباً؛ أنه كان محروساً من الحدث كما جاء فى الحديث (¬1)، وأنه " كان ينام حتى ينفخ " (¬2)، " ويسمع غطيطه ثم يصلى ولا يتوضأ " (¬3): وقد تكون هذه الغلبة هنا ¬

_ (¬1) لعله يقصد قول ابن عباس فيما أخرجه البخارى: " كان ينام ولا يتوضأ "، ك الوضوء ب التخفيف فى الوضوء 1/ 47، وانظر: السنن الكبرى 7/ 62، وقد نقل عن الشيخ أبى حامد الغزالى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له نومان، نوم القلب والعين جميعاً، وهو نومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الوادى، ونوم العين دون القلب. اللفظ المكرم، لوحة 25، وانظر: مقدمات النبوة للمؤلف 1/ 256. (¬2) ابن ماجه فى الطهارة، ب الوضوء من النوم عن عائشة 1/ 160، وقال الطَّنافِسِىُّ: قال وكيعٌ: نعنى وهو ساجد، كما أخرجه - أيضاً - عن عبد الله، قال محققه: فى الزوائد: هَذَا إسنادٌ رجاله ثقات إِلا أن فيه حجاجاً، وهو ابن أرطأة، كان يدلِّس. وعن ابن عباس قال: كان نومه ذلك وهو جالس، السابق، وفى إسناده ضعف، وانظر: الاستذكار 2/ 76. (¬3) أخرجه أحمد فى المسند عن ابن عباس بلفظ: " حتى سمع له غطيط فقام فصلى ولم يتوضأ ". فقال عكرمة: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محفوظاً " 1/ 244، وقد أخرجه البخارى عنه بلفظ: " عطيطه أو خطيطه "، ك العلم، ب السمر فى العلم 1/ 40.

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِى الصُّبْحِ وَالمَغْرِبِ. 306 - (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنِ البَرَاءِ. قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الفَجْرِ وَالمَغْرِبِ. 307 - (679) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ سَرْحٍ المِصْرِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِى أَنَسٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ خُفَافِ ابْنِ إِيمَاءٍ الغِفَارِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى صَلاةٍ: " اللَّهُمَّ، الْعَنْ بَنِى لِحْيَانَ وَرِعْلاً وذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ ". 308 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ: قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو - عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ خُفَافٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ خُفَافُ بْنُ إِيمَاءٍ: رَكَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: " غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالِمَهَا اللهُ وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ. اللَّهُمَّ، الْعَنْ بَنِى لِحْيَانَ، وَالْعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ " ثُمَّ وَقَعَ سَاجِدًا. قَالَ خُفَافٌ: فَجُعِلَتْ لَعْنَةُ الكَفَرَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِىِّ بْنِ الأَسْقَعِ، عَنْ خُفَافِ بْنِ إيمَاءٍ، بِمِثْلِهِ، إِلا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: فَجُعِلَتْ لَعْنَةُ الكَفَرَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ للنوم والخروج عن عادته فيه لما أراد الله من بيان سنة النائم عن الصلاة كما قال فى الحديث الآخر: " لو يشاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم " (¬1). ¬

_ (¬1) طريق مالك فى الموطأ، ولفظه: " يا أيها الناس، إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردَّهَا إلينا فى حينٍ غير هذا ".

(55) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها

(55) باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها 309 - (680) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيِّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، سَارَ لَيْلَهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الكَرَى عَرَّس، وَقَالَ لِبِلالٍ: " اكْلَأ لَنَا اللَّيْلَ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث من رواية الزهرى عن سعيد عن أبى هريرة: " حين قفل من غزوة خيبر "، قال الأصيلى: هو غلط، وإنما هو: حين قفل من حنين، ولم [يعترض] (¬1) ذلك النبى - عليه السلام - إِلا مرةً حين قفل من حنين إلى مكة، وقال الباجى وابن عبد البر: إن قول ابن شهاب: " حين قفل من خيبر (¬2) " أصح، وهو قول أهل السيرة، وفى حديث ابن مسعود أن نومه ذلك كان عام الحديبية، وذلك فى زمن خيبر (¬3). قال الباجى: وعليه يدلُّ حديثُ أبى قتادة، قال غيره: وكذلك قوله بطريق مكة: هو ¬

_ (¬1) من المنتقى، وفى جميع النسخ: يعر. (¬2) فى المنتقى: حنين، وهو خطأ. وفى الجمع بين الحديبية والخندق قال ابن عبد البر: هو زمن واحد، فى عام واحد؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصرفه من الحديبية مضى إلى خيبر من عامه ذلك، ففتحها الله عليه، وفى الحديبية نزلت: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَة} [الفتح: 20] يعنى خيبر، وكذلك قسمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل الحديبية. (¬3) حديث قفوله من خيبر أخرجه أبو داود، ك الصلاة، ب من نام عن صلاة أو نسيها 1/ 103، والترمذى فى التفسير، ب من سورة طه 5/ 319 وقال الترمذى: هذا حديثٌ غير محفوظ، رواه غيرُ واحدٍ من الحفاظ عن الزهرىِّ عن سعيد بن المسيَّب أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكروا فيه عن أبى هريرة. قلت: وكذا مالك فى الموطأ من رواية يحيى وابن القاسم وابن بكير والقعنبى وغيرهم. وقال السيوطى بعد أن ساق إسناداً لأبى أحمد: الحاكم لهذا الحديث: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسرى به نام حتى طلعت الشمس فصلى وقال: " من نام عن صلاة أو نسيها "، قال: ورأيت بخط الشيخ ولى الدين العراقى فى بعض مجاميعه وقد أورد هذا الحديث مع نصِّه: أخرجه أبو أحمد الحاكم فى مجلس من أماليه، وقال: غريب من حديث معمر عن الزهرى عن سعيد عن أبى هريرة مسنداً، لا أعلم أحداً حدَّث به غير خلف بن أيوب العامرى من هذه الرواية، قال الشيخ ولى الدين: ويحسن أن يكون جواباً عن السؤال المشهور، وهو: لِمَ لم يقع فى بيان جبريل إِلا فى الظهر وقت قد فرضت الصلاة بالليل؟ فيقال: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائماً وقت الصبح، والنائم ليس بمكلف. قال: وهذه فائدة جليلة، والحديث إسناده صحيح. قال السيوطى معقباً: وليس كما قال، فإن المراد من هذا الحديث ليلة أسرى فى السفر ونام عن صلاة الصبح، لا ليلة أسرى إلى السماء، فالتبس عليه لفظ أسرى. اللمع 138.

فَصَلَّى بِلالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ، وَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمَّا تَقَارَبَ الفَجْرُ اسْتَنَدَ بِلالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق لمكة لمن شاء (¬1)، قال أبو عمر: فى هذه الأخبار ما يدل أَنَّ نومه كان (¬2) مرةً واحدةً، ويحتمل أن يكون مرتين، لأن فى حديث ابن مسعود: " أنا أوقظكم " (¬3)، وقد يمكن أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجبه إلى ذلك وأمر بلالاً. قال القاضى: أما حديث أبى قتادة فلا مريةَ أنه غير حديث أبى هريرة، وكذلك حديثُ عمران بن حصين، يدل أنها فى موطنين ونبين (¬4) ذلك (¬5) آخر الباب. والكرى: النوم. وقوله: " عرّس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": التعريس: نزول آخر الليل [للنوم] (¬6) والراحة، قاله الخليل وغيره (¬7). وقال أبو زيد: التعريس النزول أى وقت كان من ليل أو نهار. وفى الحديث: " [معرسين] (¬8) فى نحر الظهيرة " (¬9) وهذا حجة له، واستحب أهل العلم أن يكون متنحياً على الطريق متنكِّباً عنه للحديث الوارد فى ذلك، ولقوله: " لأنه مأوى الهوام وطرق الدواب بالليل "؛ ولقوله فى حديث أبى قتادة: " فمال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الطريق فوضع رأسه ". وقوله لبلال: " اكلأ لنا الليل " وفى الموطأ: " الصبح " قيل: وفيه دليل على صحة قبول خبر الواحد والعمل به، وقد يعترض على هذا بأن الأمر يرجع فى خبر بلال بعد إلى العمل باليقين من المشاهدة والضرورة برؤية الفجر بعد تنبيه بلال عليه. وفى الحديث دليل على جواز النوم قبل وقت الصلاة وإنه خشى استغراقه حتى يخرج وقتها، [إذ] (¬10) لم يتوجه عليه الخطاب بها بعد؛ ولأن هذا قد يعترى النائم أول الليل، وإن كان الأغلب على النائم آخره الغلبة والاستغراق، لا سيما للمسافر والتعب (¬11). وفيه الترفق (¬12) بالمسلمين، وقد جاء فى البخارى أنهم طلبوا التعريس منه فقال: ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: هذا ليس بمخالف؛ لأن طريق خيبر وطريق مكة من المدينة يشبه أن يكون واحداً، وربما جعلته القوافلُ واحداً. التمهيد 5/ 205. (¬2) تمام عبارته: وأظنها قصةً، لم تعرض له إِلا مرة واحدة فيما تدل عليه الآثار. السابق. (¬3) لأنه لم يقل له: أيقظنا، قال أبو عمر بعد سياقها: ويحتمل ألا يجيبُه إلى ذلك ويأمر بلالاً. (¬4) فى ت: وننبه. (¬5) فى ت: فى. (¬6) ساقطة من س. (¬7) وقال أبو عمر: لا خلاف علمته بين أهل اللغة أن التعريس نزول المسافرين فى آخر الليل. (¬8) من ت وق وساقطة من س. (¬9) البخارى، ك الشهادات، ب تعديل النساء بعضهن بعضاً 3/ 228 من حديث عائشة، وكذا جاءت فى ك المغازى، ب حديث الإفك، لكن بلفظ: " موغرين فى نحر الظهيرة " 5/ 149، وسيأتى إن شاء الله فى ك التوبة فى حديث الإفك وقبول توبة القاذف، وانظر: أحمد فى المسند 6/ 195. (¬10) من ت، والذى فى الأصل: إذا. (¬11) فى ت: التعب. (¬12) فى ق وس: الرفق.

إِلَى رَاحلَتِهِ مُوَاجِهَ الفَجْرِ، فَغَلَبَتْ بِلالاً عَيْنَاهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحلَتِهِ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِلالٌ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَكَان رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمْ اسْتِيْقَاظًا، فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَىْ بِلالُ ". فَقَالَ بِلالٌ: أَخَذَ بِنَفْسِى ـــــــــــــــــــــــــــــ " أخاف أن تناموا " فقال بلال: " أنا أوقظكم " (¬1)، فكأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب إلى الأخذ بالاحتياط لهم (¬2)، فلما رأى حاجتهم واعتمد على إيقاظ بلال وكلائته أباح ذلك لهم. وفيه استعمال الرجل خادمه فى مثل هذا وراحته بتعبه ما لم يجحف به، فكيف وقد روى أن بلالاً قال ذلك ابتداء كما تقدم. وقوله: " فلم يستيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ": أى أصابهم شعاعها وحرها على ما جاء فى الحديث [الآخر] (¬3). وقوله: " ففزع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وفى الحديث [الآخر] (¬4): " فقمنا فزعين ": قال الأصيلى: وذلك لأجل عدوهم خوفاً أن يكون اتبعهم فيجدهم بتلك الحال من النوم والغِرَّة، وقال غيره: بل ذلك لما فاتهم من أمر الصلاة، وأنه لم يكن عنده ولا عندهم حكم من نابه ذلك، وحذروا المأثم والمؤاخذة بذلك، حتى أعلمهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لا إثم عليهم، بدليل قولهم فى الحديث الآخر: " ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا؟ " فقال: " أمَا لَكُم فىَّ أسوة؟ " ثم قال: [أما] (¬5) إنه " ليس فى النوم تفريط "، وهذا بيِّنٌ فى حقِّهم هم، وقد يكون ذلك حكمها هو، بدليل قوله: " أما لكم فىّ أسوةٌ؟ "، ثم أوحى إليه بزوال الحرج، ألا تراه كيف قال، ثم قال: " إنه ليس فى النوم تفريط " ثم يقتضى المهلة وقد قيل: ففزعهم بمعنى مبادرتهم للصلاة، كما قال: " فافزعوا للصلاة " (¬6) أى بادروا إليها، وكأنه من معنى الاستغاثة بها من تخويف الله عباده بذلك، وقد يكون فزع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬7) هنا إجابته ¬

_ (¬1) ك مواقيت الصلاة، ب الأذان بعد ذهاب الوقت عن أبى قتادة 2/ 66. (¬2) لأن نومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك الوقت عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس أمر خارج عن عادته وطباعه، وطباع الأنبياء قبله، قاله أبو عمر، ثم قال: وإنما كان نومه ذلك ليكون سنة والله أعلم، وليعلم المؤمنون كيف حكمُ من نام عن الصلاة أو نسيها حتى يخرج وقتها، وهو من باب قوله - عليه السلام - فيما أخرجه مالك فى الموطأ -: " إنى لأنسى أو أُنسَّى لأسُنَّ "، وعلى هذا التأويل جماعة أهل الفقه والاثر. التمهيد 5/ 208. (¬3) ساقطة من س. (¬4) من ت، ق. (¬5) من ت. (¬6) جزء حدث للشيخين واللفظ لمسلم وسيأتى إن شاء الله فى ك الكسوف، ب صلاة الكسوف من حديث عائشة - رضى الله عنها - 2/ 619. كما أخرجه أحمد بهذا اللفظ فى المسند 6/ 87، 168، وانظر: البخارى فى صحيحه، الكسوف، ب هل يقول: كفت الشمس أو خسفت 2/ 44، ك بدء الخلق، ب فى صفة الشمس والقمر بحسبان 4/ 132. (¬7) زيد بعدها فى س: هنا هبوبه لأول استيقاظه من نومه، قال الخطابى: معناه: انتبه، يقال: أفزعت =

الَّذِى أَخَذَ - بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللهِ - بِنَفْسِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الفزعين من أصحابه وإغاثتهم لما نزل بهم. يقال: فزِعتُ: استغثت، وفزَعْتُ: أغثتُ. وقوله: " أى بلال ": كذا عند الشنتجالى وابن أبى جعفر، وعند العذرى والسمرقندى: [أين بلال] (¬1). وقول بلال: " أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك " على طريق العذر مما كان قد تكفل بضمانه، لا سيما على ما ذكره البخارى فى حديث أبى قتادة من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أخافُ أن تناموا "، فقال بلال: " أنا أوقظكم ". وقد اختلف الناس فى النفس ما هى؟ وفى الروح على مقالات كثيرةٍ، ومذهب أئمتنا: أنهما (¬2) بمعنى واحد، وأنها الحياة، ويدل عليه قوله فى الرواية الأخرى: " إن الله قبض أرواحَنا "، وقوله: {اللَّهُ يتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (¬3)، وقد ذكَّرت العربُ الروح وأنثته بمعنى النفس. وقال أبو القاسم القشيرى (¬4): وقيل الروح: أعيان مودعةٌ فى الأجساد لطيفة، أجرى الله العادة بخلق الحياة فى الجسد ما دامت فيه تلك الأجساد اللطيفة، فالإنسان حىٌّ بالحياة والإنسان مجموع الجسد [والروح] (¬5)، وجملة ذلك هو المعاقب والمثاب، وعلى هذا تدل الآثار، وأما النفس فذات الشىء ووجوده، وقد يحتمل أن يكون النفس لطيفة مودَعةٌ فى الجسم محلاً للأخلاق المعلولة. كما أن الروح محلٌّ للأخلاق المحمودة، والإنسان ينطلق على ذلك كله، قال غيره: ولها اسم ثالث، وهى النسمة. وقد قيل: إن الروح والنَّفْس هو النَفَس المتردد فى الجسد، وهذا غير صحيح، لا لغةً ولا معنى. وقيل: النفس الدمُ، ولكن لا يصح به تفسير هذا الحديث، وقد يمكن تسميته به. وقيل: هو أمر مجهول لا تعرف ماهيته، كما قال تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (¬6)، وسيأتى الكلام عليه بعد هذا حيث ذكر منه صاحب المعلم إن شاء الله. ¬

_ = الرجل يفزع، أى كلمته فانتبه، قال الهروى: فى الحديث: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام مفزع وهو يضحك إن هب من نومه، وقد يكون فزع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬1) فى ت: أن بلالاً. (¬2) فى الأصل: أنها. (¬3) الزمر: 42. (¬4) هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيرى، عالم فى الفقه والأصول والأدب. واللغة، فارس ومحارب. توفى عام خمس وستين وأربعمائة عن تسعين سنة. طبقات الشافعية 2/ 157، الأنساب 10/ 156. (¬5) ساقطة من ت. (¬6) الإسراء: 85.

قَالَ: " اقْتَادُوا " فَاقْتَادُوا رَوَاحِلهُمْ شَيْئًا. ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِلالاً فَأَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اقتادوا، فاقتادوا رواحلهم شيئاً " وفى الحديث الآخر: " ارتحلوا " وفى حديث زيد بن أسلم: " فأمرهم أن يركبوا فركبوا " (¬1) ومثله فى حديث أبى قتادة، وقيل: " فركبوا " محمله أن بعضهم ركِب وبعضهم اقتاد، وهذا على من جعل الأحاديث فى هذه واحدة (¬2) وأما إن كانت فى مواطن فلا تعارض فى ذلك (¬3) وسنذكر هذا بعد. وأمره - عليه السلام - لهم بهذا مع وجوب المبادرة للصلاة، قال الإمام: اختلف فى علته، فقيل: لأن الشمس كانت طالعة [حينئذ] (¬4)، وإنما أمرهم باقتياد رواحلهم حتى ارتفعت [الشمس] (¬5)، وقيل: إنما ذلك لما ذكر بعد من قوله: " إن هذا منزلٌ حضرنا فيه شيطان " وهذا هو الأظهر (¬6)، ومذهب أبى حنيفة أن المنسياتِ لا تقضى عند (¬7) طلوع الشمس، ويحتج بتأخير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة حتى خرج من الوادى. وهذا لا حجة له به (¬8)؛ لأنه كان فى صلاة ذلك اليوم وهو يوافق على أن صلاة ذلك اليوم تقضى عند طلوع الشمس، والحجة عليه - أيضاً - قوله - عليه السلام -: " فليصلها إذا ذكرها "، فعمَّ سائر الأوقات. قال القاضى: لا حجة لأبى حنيفة كما قال من الحديث؛ لما ورد فى الحديث الآخر نفسه: " فما أيقظنا إِلا حرُّ الشمس "، وقوله فى [الحديث الآخر] (¬9): " فضربتنا الشمس "، وهذا [كله] (¬10) لا يكون إِلا بعد ارتفاعها، وجواز الصلاة حينئذ، وقد قيل فى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاقتياد وجوه أُخر، منها: أن أمره بذلك ليقوم جميع الناس بحركة الرحيل ويتنبَّه لذلك من غمره النوم وينبه غيره ممن قاربه ويأخذ من قام أهبة الصلاة أثناء ذلك، وقيل: بل كراهة للموضع الذى أصابتهم فيه الغفلة وتشاؤمًا به كما نهى عن الوضوء من ماء ثمود لعصيانهم ونزول العذاب بمكانهم، وكما قال أبو لبابة: " لا أرى فى بلد خنت الله فيه ورسوله " وكما قال: " أهجرُ دار قومى التى أصبت فيها الذنب "، ¬

_ (¬1) أخرجه مالك فى الموطأ، وقال فيه ابن عبد البر: هذا الحديث فى الموطآت لم يسنده عن زيد أحد من رواة الموطأ. الموطأ، ك وقوت الصلاة، ب النوم عن الصلاة 1/ 13. (¬2) وهو اختيار ابن عبد البر. التمهيد 5/ 204. (¬3) ودليلهم على ذلك ما أخرجه أحمد فى المسند: قال عبد الله: فقلت: أنا، حتى عاد مراراً، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: " فأنت إذا "، قال: فحرسهم حتى إذا كان وجه الصبح أدركنى قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنك تنام " فنمت، فما أيقظنا إِلا حرّ الشمس فى ظهورنا. أحمد فى المسند 1/ 391. (¬4) و (¬5) من ع. (¬6) فى ت: الظاهر. (¬7) فى س: بعد. (¬8) فى ت: فيه. (¬9) فى ت: الأحاديث الأخر. (¬10) ساقطة من ق.

الصَّلاةَ، فَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ. فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: " مَنْ نَسِى الصَّلاةَ فَليُصَلَّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} " (¬1). قَالَ يُونُسُ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَؤهُا: لِلذِّكْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولنهيه عن الصلاة بأرض بابل لأنها ملعونة، وقيل: بل الأمر بذلك منسوخ بقوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} وقوله - عليه السلام -: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها "، لكن قد اعترض على هذا بأن الآية مكية وهذه القصة بعد الهجرة بأعوام، ولا يصح النسخ قبل وروده والأمر به بغير خلاف. وأما الحديث فإنه مستند إلى الآية مأخوذ منها لقوله - عليه السلام - فإن الله تعالى يقول: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}، وأيضاً النسخ يحتاج إلى توقيف أو عند عدم الجمع. وقوله: " فأمر بلالاً فأقام الصلاة " وفى حديث أبى قتادة: " ثم أذن بلال بالصلاة " وأكثر رواة الموطأ فى هذا الحديث على " أقام " وبعضهم قال: " فأذن " أو أقام الصلاة، وكذلك جاء على الشك فى حديث زيد بن أسلم فى الموطأ ورواية اليقين بالإقامة حجةٌ أنه لا يؤذن للفوائت ويقام لها، وهو مذهب مالك، ويحمل قوله: " فأذن بلال " أى أعلم الناس، وقد يختص هذا الموضع بالأذان لتنبيه الناس، وإيقاظ النيام أو لطرد الشيطان الذى أعلم - عليه السلام - أنه بالوادى، وعلى هذا يجمع بين الأحاديث الواردة فى ذلك، ولا يتخالف. وقد اختلف العلماء فى الأذان والإقامة للفوائت، فذهب الأوزاعى والشافعى كقول مالك المتقدم، وذهب أهل الرأى [وأحمد وأبو ثور] (¬2) إلى أنه يؤذِّن لها ويقيم، وقاله الشافعى مرة، وذهب الثورى إلى أنه لا يؤذن ولا يقيم. وقوله: " فصلى بهم الصبح " حجة للتجميع للفوائت. وقوله: " من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها "، فإن الله تعالى يقول: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}، وكان ابن شهاب يقرؤها: " للذكرى ". وفى الحديث الآخر: " من نسى صلاة أو نام عنها " وفى الآخر: " أو غفل " قال بعضهم: فيه تنبيه على ثبوت هذا الحكم، وأخذه من الآية التى تضمنت الأمر لموسى - عليه السلام - وأنه مما يلزمنا اتباعه. وقد يحتج به من يقول بأن شرع من قبلنا لازم لنا، قيل: وفيه تنبيه أن هذا حكم من نزلت به هذه النازلة وأن الشغل بالرحيل وغيره دونها غير مباح، ولا يقاس على ما جرى فى قصته - ¬

_ (¬1) طه: 14، وانظر: أبا داود، ك الصلاة، ب من نام عن صلاة أو نسيها 1/ 103. (¬2) سقط من الأصل.

310 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى، قَالَ ابْن حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام - إذ كان ذلك خاصة للعلل المذكورة فى الحديث والمستفادة منه الموجبة للانتقال عن الوادى، كما لو تذكر الصلاة وهو فى أرض نجسة لوجب عليه الانتقال إلى موضع طاهر. واختلف فى معنى قوله: {لِذِكْرِي} فقيل: لتذكرنى فيها، وقيل: لأذكرك بالمدح، وقيل: إذا ذكرتنى، وقيل: إذا ذكرتها، أى لتذكيرى لك إياها، وهو أولى بسياق الحديث والاحتجاج بها، ويعضده قراءة: " للذكرى " وهو قول أكثر العلماء والمفسرين. وقوله: " لا كفارة لها إِلا ذلك ": فيه وجهان: أحدهما: أنه لا يُكفِّرُها غير قضائها، ولا يجوز تركها إلى بدل آخر، والثانى: أنه لا يلزمه فى نسيانه شىء ولا كفارة لها من مال ولا غيره وإنما يلزمه أداؤها. قال الإمام: الاتفاق على [أن] (¬1) الناسى يقضى، وقد شذ بعض الناس فقال: من زاد على خمس صلوات لم يلزمه قضاؤها، ويصح أن يكون وجه هذا القول أن القضاءَ يسقط فى الكثير للمشقة ولا يسقط فيما لا يشق، كما أن الحائض يسقط عنها قضاء الصلاة، وعلله بعض أهل العلم بالمشقة لكثرة ذلك وتكرر الحيض ولم يسقط الصوم، إذ ليس ذلك موجوداً فيه، وأما من ترك الصلاة متعمداً حتى خرجت أوقاتها، فالمعروف من مذهب الفقهاء أنه يقضى، وشذ بعض الناس فقال: لا يقضى، ويحتج له بدليل الخطاب فى قوله: " من نسى صلاة أو نام عنها فليصلها " (¬2)، ودليله أن العامد بخلاف ذلك، فإن لم نقل بدليل الخطاب سقط احتجاجه. وإن قلنا بإثباته قلنا: ليس هذا هاهنا فى الحديث من دليل الخطاب، باى هو من التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا وجب القضاء على الناسى مع سقوط الإثم فأحرى أن يجب على العامد، فالخلاف فى القضاء فى العمد كالخلاف فى الكفارة فى قتل العمد، والخلاف فيها انبنى على الخلاف على ما فى هذا الحديث المتقدم، والآية المتقدمة من دليل الخطاب أو من مفهوم الخطاب. قال القاضى: سمعت بعض شيوخنا يحكى أنه بلغه عن مالك قولةٌ شاذةٌ فى المفرط كقول داود، ولا يصح عنه ولا عن أحد من الأئمة [ولا] (¬3) من يعتزى إلى علم سوى داود وأبى عبد الرحمن والشافعى، وقد اختلف الأصوليون فى الأمر بالشىء المؤقت، هل ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) فى ت: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها ". (¬3) ساقطة من ق.

فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيَأخُذْ كُلُّ رَجُل بِرَأسِ رَاحِلتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ " قَالَ: فَفَعَلْنَا. ثُمَّ دَعَا بِالمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ - وَقَالَ يَعْقُوبُ: ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ - ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى الغَدَاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يتناول قضاؤه إذا خرج وقته أو يحتاج إلى أمر ثان؟ وقال بعض المشايخ: إن قضاء العامد مستفاد من قوله - عليه السلام -: " فليصلها إذا ذكرها "؛ لأنه بغفلته عنها بجهله وعمده كالناسى، ومتى ذكر تركه لها لزمه قضاؤها، واحتج - أيضاً - بعضهم بقوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (¬1) على أحد التأويلين، وبقوله فى الحديث: " لا كفارة لها إِلا ذلك "، والكفارة إنما تكون من الذنب، والنائم والناسى لا ذنب له، وإنما الذنب للعامد. وقوله فى رواية أبى حازم عن أبى هريرة: " ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة " وكذلك فى حديث أبى قتادة: " فصلى ركعتين ثم صلى الغداة " ولم يذكر ذلك فى حديث ابن شهاب ولا فى حديث عمران بن حصين. وقد اختلف العلماء فيمن فاتته صلاة الصبح، هل يصلى قبلها ركعتى الفجر؟ فذهب أبو حنيفة والشافعى وأحمد وداود إلى الأخذ بزيادة من زاد صلاة ركعتى الفجر فى هذه الأحاديث. وهو قول أشهب، وعلى بن زياد من أصحابنا. ومشهور مذهب مالك: أنه لا يصليها قبل الصبح الفائتة، وهو قول الثورى والليث " أخذاً بحديث ابن شهاب ومن وافقه؛ ولأنها تزاد بصلاة ما ليس بفرض فواتاً، واختلف بعد فيمن نابَه مثل هذا فى وادٍ، وأدركته فيه الصلاة، فذهب بعض العلماء إلى الأخذ بظاهر الحديث، وأنَّ على كل منتبه فى سفرٍ من نوم عن صلاة فاتته بسبب نومه أن يزول عن موضعه، وإن كان واديًا خرج عنه، لأنه موضع مشؤوم ملعون، ولنهيه - عليه السلام - عن الصلاة بأرض بابل فإنها ملعونة (¬2). ¬

_ (¬1) طه: 14. (¬2) أبو داود، ك الصلاة، ب فى المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة، عن على بلفظ - " ونهانى أن أصلى فى أرض بابل فإنها ملعونة " 1/ 114. قال الخطابى: فى إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحداً من العلماء حَرَّم الصلاة فى أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصح منه، وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعلت لى الأرض مسجداً وطهوراً "، ويشبه أن يكون معناه إن ثبت أنه نهاه أن تتخذ أرض بابل وطناً ودارًا للإقامة فتكون صلاته فيها إذا كانت إقامته بها، أو خرج مخرج النهى فيه على الخصوص، ألا تراه يقول: نهانى، ولعل ذلك منه إنذار له بما أصابه من المحنة بالكوفة، وهى أرض بابل، ولم ينتقل أحدٌ من الخلفاء الراشدين قبله من المدينة. بذل المجهود 3/ 338. وقال: وأما كونها ملعونة فلعله لأجل أنه خسف بها أهلها وقد ذكره البخارى ترجمة لباب الصلاة فى مواضع الخسف والعذاب وقال: ويذكر أن عليًا - رضى الله عنه - كره الصلاة بخسف بابل. قلت: وهو قول الخطابى: فى إسناده مقال، يعنى: سعيد بن عبد الرحمن، قال ابن يونس: روايتُه عن على مرسلة، وما أظنه سمع منه، وقال العجلى: مصرى تابعى ثقة، وذكره ابن حبان فى الثقات. قال الحافظ فى الفتح: ذكر أهل التفسير والأخبار أن النمرود بن كنعان بنى ببابل بنياناً عظيماً، يقال: إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع، فخسف الله بهم 1/ 631، وانظر: عمدة القارئ 4/ 198.

311 - (681) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ المُغِيرَة - حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ؛ قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ، وَتَأتُونَ المَاءَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، غَدًا "، فَانْطَلَقَ النَّاس لا يَلْوِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ. قَالَ: فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ، حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ. قَالَ: فَدَعَمْتُهُ مِنْ غيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ، حَتَّىَ اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً، هِىَ أَشَدُّ منَ المَيْلَتَيْنِ الأُوَلَيَيْنِ، حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ، فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ " قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ: " مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّى؟ " قُلْتُ: مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِى مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَال: " حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ " ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ؟ " ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ " قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ. ثُمَّ قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى وادى ثمود: " ملعون " (¬1)، وقال آخرون: إنما يلزم هذا فى ذلك الوادى بعينه إن علم ونزلت فيه تلك النازلة، فيجب الخروج منه، كما فعل - عليه السلام - وقال الجمهور وهو الصواب: إن هذا غير مراعى، وعلى من استيقظ عن صلاة ويذكرها أن يصليها بموضعه، بطن وادٍ كان أو غيره؛ لقوله - عليه السلام -: " فأينما أدركتنى الصلاة صليت " (¬2). ثم اختلفوا لو علم ذلك الوادى وتعيَّن؟ فقال بعضهم: لا يصلى فيه، لقوله - عليه السلام -: " إن هذا وادٍ به شيطان " وإليه ذهب الداودى من شيوخنا، وغيره يرى جوازها فيه؛ لأنا لا ندرى أبقى فيه ذلك الشيطان أم لا؟ وأيضاً فإنه - عليه السلام - قال فى الرواية الأخرى: " حضرنا به شيطان " وليس يدل هذا أنه فيه لازم، وأيضاً لا نقطع أن الاقتياد لأجل الشيطان، لاحتمال المعانى الأخر التى ذكرناها، وأن قوله هذا ذمٌّ للموضع والحال لا علة لترك الصلاة فيه. وفى حديث أبى قتادة من الفقه زائداً: سنة تخفيف الوضوء لقوله: " فتوضأ وضوءاً دون وضوئه "، وهذا معناه [عندى، ووجدت فى كتب بعض شيوخى أن معناه] (¬3): وضوءاً دون استنجاء، وأنه اكتفى بالاستجمار، وهو محتمل، والأول عندى أظهر. ¬

_ (¬1) انظر: البخارى، ك الصلاة، ب الصلاة فى مواضع الخسف والعذاب. (¬2) لم نقف عليه بهذا اللفظ، وهو معنى ما تقدّم. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

آخَرُ، حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ. قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: " احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاتَنَا ". فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِى ظَهْرِهِ. قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ: " ارْكَبُوا " فَرَكِبْنَا، فَسِرْنَا، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيْضَأَةٍ كَانَتْ مَعِى فِيهَا شَىْءٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ: فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ. قَالَ: وَبَقى فِيهَا شَىْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لأَبِى قَتَادَةَ: " احْفَظَ عَلَيْنَا مِيْضَأَتَكَ. فَسَيَكُونُ لَهَا نَبأ " ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: وَرَكبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْنَا مَعهُ. قَال: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ: مَا كفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِى صَلاتِنَا؟ ثُمَّ قَال: " أَمَا لَكُمْ فِىَّ أُسْوَةٌ؟ " ثُمَّ قَالَ: " أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِى النَّوْمِ تَفْرِيَط، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ حَتَّى يَجِىءَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَليُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه من الفقه: النوم على الدابة، وفيه أن ساقى القوم آخرهم شرباً، كما قال - عليه السلام - فى هذا الحديث. وقوله: " إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجىء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلِّها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها ": [قال الخطابى: لا أعلم أحداً قال بهذا وجوباً، ويشبه أن يكون الأمر به استحباباً ليُحْرِزَ فضيلةَ الوقت] (¬1) فى القضاء ثانياً. قال الإمام: يحتمل أن يكون - عليه السلام - لم يرد إعادة تلك الصلاة المنسية حتى يصليها مرتين، وإنما أراد أن هذه الصلاة وإن انتقل وقتها بالنسيان إلى وقت الذكر، فإنها باقية على وقتها فيما بعد مع الذكر، لئلا يظن ظان أن وقتها تغيَّر. قال القاضى: قد جاء فى كتاب أبى داود وغيره: " من أدرك منكم صلاة الغداة من غدٍ فليقض معها مثلها " (¬2). وهذا يدفع الاحتمال المتقدم، ويعضد توجيه الخطابى، ولكن يعارض هذا كله الحديث الآخر أنه لما صلاها بهم قالوا: ألا نقضها لوقتها من الغد؟ قال: " أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم " (¬3)، وقد يحتج على داود بظاهر الحديث على قضاء الصلاة لمن تركها عامداً ومفرِّطاً، وهو أظهر فيه، لمساقه بإثر كلامه فى المُفَرِّط. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬2) أبو داود، ك الصلاة، ب من نام عن صلاة أو نسيها، وهو جزء حديث عن أبى قتادة، بلفظ: " فمن نام ... " 1/ 104. (¬3) جزء من حديث لأحمد فى المسند بلفظ: ألا نعيدها فى وقتها من الغد؟ قال: " أينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم " 4/ 441 عن عمران بن حصين.

كَانَ الغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا " ثُمَّ قَالَ: " مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا؟ ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُكُمْ، لَمْ يَكُنْ لِيُخلِّفَكُمْ. وَقَالَ النَّاسُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فمن فعل ذلك " ولا يقال مثل هذا فيمن نام عن صلاته بغير تفريط، ويكون على هذا معنى قوله: " فليصلها حين يتنبه لها " أى ينتبه لما عليه فى ذلك. قال الإمام: وقوله (¬1): " احفظ علينا مِيضأتك (¬2)، فسيكون لها نبأ "، ثم ذكر بعد ذلك أنهم عطشوا وذكر سقيهم منها حتى رووا كلهم. فيه للنبى - عليه السلام - معجزتان؛ قولية وفعلية، فالقولية إخباره بالغيب، وأنه سيكون لها نبأ، والفعلية تكثير الماء القليل. قال القاضى: فى حديث أبى قتادة ثلاث معجزات غيبية أخرى غير هذه: أولها: قوله فى أول الحديث: " إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غداً " وذكر آخر الحديث: أنه كان ذلك، ويدل أنه لم يكن عند أحدٍ من ذلك علم. وقوله: " فانطلق الناسُ لا يلوى أحد على أحد ": أى لا يعطف عليه، ولا ينتظره، ولو كان عندهم أو عند أحد منهم علم لبادروا إليه قبل إعلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم بذلك. والثانية: قوله: " ما ترى الناس صنعوا " (¬3)، ثم قال: " أصبح الناس فقدوا نبيَّهم "، فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدكم لم يكن ليُخَلِّفكم، وقال الناس: " رسول بين أيديكم " (¬4) فأخبر عما قاله الناس فى مغيبه عنهم، كذا صحيح الرواية: " لِيُخَلِّفَكُمْ " وعند بعض الرواة فيه تغيير لا معنى له. والثالثة: قوله: إذا قالوا هلكنا: " لا هلك عليكم ". وقوله: " كلكم سيروى " [فكان كذلك] (¬5). وقوله: " حتى ابهارَّ الليل " تقدم شرحه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: بقوله، والمثبت من ت. (¬2) فى ت: ميضتنا. (¬3) الذى فى المطبوعة: ما ترون الناس صنعوا. (¬4) الذى فى المطبوعة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أيديكم. (¬5) سقط من س. وقد تعقبه الأبى: معجزته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الإخبار عن المغيبات أوضح من أن تؤخذ من قوله: " إنكم تسيرون ليلتكم "؛ لأن هذا قد يكون باعتبار المألوف من خبرة الأرض 2/ 340.

قَالَ: فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِىَ كُلُّ شَىْءٍ، وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكنَا، عَطِشْنَا. فَقَالَ: " لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ " ثُمَّ قَالَ: " أَطْلِقُوا لِى غُمَرِى " قَالَ: وَدَعَا بِالمِيَضَأَةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ، فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِى المِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحْسِنُوا المَلأَ، كُلُّكُمْ سَيَرْوَى " قَالَ: فَفَعَلُوا. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ، حَتَّى مَا بَقِىَ غَيْرِى وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ صَبَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِى: " اشْربْ " فَقُلْتُ: لا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " إِنَّ سَاقِىَ القَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا ". قَالَ: فَشَرِبْتُ، وَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأَتَى النَّاسُ المَاءَ جَامِّينَ رِوَاءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " [سار] (¬1) حتى تهوّر الليل "، قال الإمام: قال الهروى: معناه: حتى ذهب أكثره وانهدم كما يتهوَّرُ البناءُ، يقال: تهوَّر الليل وتوهَّر. وقوله: " حتى كاد ينجفلُ ": أى ينقلبُ. وقوله - عليه السلام - " أطلقوا (¬2) لى غُمَرِى ": قال أبو عبيد: يقال للقعب الصغير: غُمَر، وتغمَّرتْ، أى شربت قليلاً قليلاً، قال [أعشى] (¬3) باهلة [يرثى أخاه المنتشر بن وهب الباهلى] (¬4): يكفيه حُزَّة فلذٍ إن ألمَّ بها ... من الشِّواءِ ويُرْوى شُرْبَه الغُمَرُ وقوله - عليه السلام -: " أحسنوا الملأ " أى الخلق، قال الفراء: [يقال] (¬5): أحسنوا ملأكم، أى عونكم من قولك: ملأت فلاناً، أى أعنته. قال القاضى: وفى حديث أبى قتادة من الغريب غير ما ذكر قوله: " فدعمته حتى اعتدل " أى أقمت ميله من النوم، وصرت تحته كالدِّعَامة لما فوقها، وتقدم تفسير الميضأة. وقوله: " فجعل بعضنا يهمس [إلى بعض] (¬6) ": هو الكلام الخفى. وقوله: " فأتى الناسُ الماء جَامِّينَ رواءً " معناه: نشاطاً، والجمام: ذهاب الإعياء، والإجمام: ترفيه النفس لمدة حتى يذهب عنها التعب وتنشط، وكذلك فى الدابة. ورواء ضد عطاش. ¬

_ (¬1) من ع والمطبوعة. (¬2) فى ع: انطلقوا. (¬3) فى ت: الشاعر (¬4) من ق، ع. والحُزَّة: القطعة من الكبد خاصة. والمنتشر بن وهب بن عَجْلان بن سلامة بن كراثة، الفاتك المشهور، قتلته بنو حارث بن كعب. راجع: جمهرة أنساب العرب 246. (¬5) من ع. (¬6) سقط من ق، س.

قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ: إِنَّى لأُحَدِّثُ هَذَا الحَدِيثَ فِى مَسْجِدِ الجَامِعِ، إِذْ قَالَ عمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: انْظُرْ أَيُّهَا الفَتَى كَيْفَ تُحَدِّثُ، فَإِنِّى أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ. فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قلتُ: مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: حَدِّثْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِكُمْ. قَالَ: فَحَدَّثْتُ القَوْمَ. فَقَالَ عِمْرَانُ: لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حَفِظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ. 312 - (682) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنْ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ العُطَارِدِىُّ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العُطَارِدِىَّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَسِيرٍ لَهُ، فَأَدْلَجْنَا لَيْلَتَنَا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِى وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسْنَا، فَغَلَبَتْنَا أَعْيُنُنَا حَتَّى بَزَغَتِ الشَّمْسُ. قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَّا أَبُو بَكْرٍ، وَكُنَّا لا نُوقِظ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنَامِهِ إِذَا نَامَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَامَ عِنْدَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا ضير ": أى لا يضركم ذلك عند الله، ولا يؤاخذكم به الضُرَّ، والضَر، والضِّرار، والضرر والضير، بمعنى. وقوله فى حديث عمران بن حصين: " [فسار] (¬1) حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى "، [وفى الحديث الآخر: " فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل ثم صلى] (¬2) ": مما يحتج به الحنفى أن رحيله إنما كان لكون الشمس طالعة، وأنه ليس بوقت صلاة الفوائت، ويدل أنه قد تبين تأثير العلة بزوال الحكم بارتفاعها بابيضاض الشمس، ولا حجة له لما قدمناه من العلل الأخر، أو لأن الغاية (¬3) بالابيضاض والارتفاع إنما كان لتمام رحيلهم من الوادى وفراغهم من أخذ أهبتهم للصلاة، وطهورهم لها، كما جاء عند البخارى فى هذا الحديث: " فقضوا حوائجهم وتوضؤوا إلى أن طلعت الشمس وابيضت، فقام ثم صلى " (¬4). وقد جاء من رواية عطاء أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ركع ركعتين فى معرسهم ثم سار، ثم صلى ¬

_ (¬1) ساقطة من س، ولفظها فى المطبوعة: فسار بنا. (¬2) سقط من ت، والحديث حديث أبى قتادة، ولفظه فى المطبوعة: نزل ثم دعا بميضأةٍ. (¬3) فى ت: العلة، والمثبت من الأصل، وهو الصواب. (¬4) ك التوحيد، ب فى المشيئة والإرادة (7471).

فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَأَى الشَّمْسَ قَدْ بَزَغَتْ قَالَ: " ارْتَحِلُوا " فَسَارَ بِنَا. حَتَّى إِذَا ابْيَضَّتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبح " (¬1) ففيه دليل واضح (¬2) أنَّ حركته عن الموضع لم تكن لامتناع الصلاة لطلوع الشمس، لصلاته هو الركعتين، وقد تقدم قول من قال من العلماء: إِنَّ نومه - عليه السلام - إنما كان مرة، وطلبة تلفيق الأحاديث [وتحميل من حملها] (¬3) مرتين، ولا مرية عندى أنها فى مواطن بدليل الآثار المعتبرة التى ذكر مسلم وغيره، فأما حديث أبى قتادة فغير حديث أبى هريرة فى قصة بلال؛ لأنه ذكر فى خبر أبى هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أخبر أبا بكر] (¬4) كان أولهم استيقاظاً، وفى حديث الموطأ: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أبا بكر بحال بلال فى نومه وسؤال أبى بكر بلالاً عن (¬5) ذلك (¬6)، وفى خبر أبى قتادة أن القصة لم يحضرها أبو بكر ولا عمر، ولا عامة الجيش، وإنما اقتُطِع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سبعة من الناس مع أبى قتادة كما قال: وإنهم هم الذين نزلت بهم النازلة دون أهل الجيش وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرهم حينئذ عن مقال أبى بكر وعمر فى مغيب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم، وأنهم اجتمعوا بهم من الغد، فهو حديث آخر لا شك فيه وافقه حديث عمران بن حصين من رواية عبد الله بن رباح (¬7) عنه. وأما حديث عمران بن حصين من رواية أبى رجاء العطاردى فهو غير حديثه من رواية عبد الله بن رباح الأول، فإن فى هذا حضور أبى بكر بنحو ما فى حديث أبى هريرة، وإن أول مستيقظ أبو بكر ثم عمر، وانه رفع صوته بالتكبير (¬8) حتى استيقظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس فيه خبر الميضأة، وفيه قصة المزادتين، فهو أوفق لحديث أبى هريرة، فيحتمل أن عمران روى الحديثين والقصتين، وروى كل واحد منهما عنه قصةً دون الأخرى، أو تكون هذه القصة غير قصة أبى قتادة، وغير قصة أبى هريرة وبلال؛ لقوله: " ونحن أربعون "، وظاهر الخبر أنهم كانوا جملة من حضر القصة، على أنه لا يعلم مخرجاً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج فيه فى هذا العدد، فلعل قوله فى الحديث: فشربنا (¬9) ونحن أربعون رجلاً عطاشاً (¬10) يعنى الركب الذين عجَّلهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه لطلب الماء الذين وجدوا المرأة، وأنهم استسقوا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الناس فشربوا، ثم شرب الناس بعدهم. ¬

_ (¬1) لم نقف عليه. (¬2) هذا إن ثبت أو عرف. (¬3) فى ت: وتجهيل من جعلها. (¬4) سقط من ت، ق، س. (¬5) فى ت: فى. (¬6) الموطأ: من حديث زيد بن أسلم، ك وقوت الصلاة، ب النوم عن الصلاة 1/ 14. (¬7) فى قوله: إنى لأحدِّث هذا الحديث فى مسجد الجامع. (¬8) يعنى عمر - رضى الله عنهم أجمعين. (¬9) فى ت: فسرنا. (¬10) فى المطبوعة: عطاش بالرفع.

الشَّمْسُ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا الغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا فُلانُ، مَا مَنعَكَ أَنْ تُصَلىَ مَعَنَا؟ " قَالَ: يَا نَبِىَ اللهِ، أَصَابَتنِى جَنَابَةٌ، فَأَمَرُهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، فَصَلَّى، ثُمَّ عَجَّلَنِى، فِى رَكْبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، نَطْلُبُ المَاءَ، وَقَدْ عَطشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا. فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ. فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ المَاءُ؟ قَالَتْ: أَيْهَاهْ، أَيْهَاهْ، لا مَاءَ لَكُمْ. قُلْنَا: فَكَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ المَاءِ؟ قَالَتْ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قُلْنَا: انْطَلِقِى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عمران: " أدلجنا ليلتنا " (¬1): هو سير الليل كله بسكون الدال، والإدِّلاج بكسره وتشديده: سير آخره. وقد تقدم الخلاف فيه وتسوية من سوى بينهما، وتفرقة من فرَّق. وقوله: " حين بزغت الشمس " (¬2): أى حين طلعت، وبزوغها ابتداء طلوعها ومثله بزغت (*) أيضاً. وقوله: " وكنا لا نوقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نومه (¬3) " وذلك لأنه كان يوحى إليه فيه. وفى حديثه تيمم الجنب بالصعيد عند عدم الماء، وقد تقدم الكلام عليه، وقد جاء فى حديث أبى هريرة وأبى قتادة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ، وفى غيره: " وأنهم توضؤوا " (¬4) فإن كان هذا فى ذلك الموطن فلعله لم يبق لهم من الماء ما يغسلوا هذا به، ألا ترى كيف أمر برفع ما بقى من الميضأة، ووصفه بالقلة؟ وإن كان حديث عمران بن حصين هذا غير حديث أبى قتادة، أو لم يكن عندهم من الماء فى هذا الموطن إِلا ما توضأ به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتيمم غيره، أو لم يكن عندهم ماء جملة إذ لم يذكر فى حديث عمران هذا من رواية العطاردى وضوءاً جملة. وقوله: " فإذا نحن (¬5) بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين " كذا عندهم، أى مرسلة مدلية رجليها بينهما، وللعذرى: " سابلةً " والأول الصواب؛ لأنه لا يقال: سبلت إنما يقال: أسبلت (¬6)، والمزادتان القربتان، وقيل: المزادة القربة الكبيرة التى تُحملُ على الدابة، سميت بذلك لأنه يزاد فيها جلد من غيرها لتكبر به، مفعلة من ذلك. ¬

_ (¬1) لفظها فى المطبوعة: فأدلجنا. (¬2) فى المطبوعة: " حتى بزغت الشمس " وهو الأليق بالسياق. (¬3) فى المطبوعة: من منامه. (¬4) رواية أبى داود والنسائى، أبو داود، ك الصلاة، ب من نام عن صلاة أو نسيها 1/ 101، عن أبى قتادة، والنسائى، ك الإمامة والجماعة، ب الجماعة للفائت من الصلاة 1/ 296، عن أبى قتادة عن أبيه، وفى أحمد عن جبير بن مطعم ثم بلفظ: " ثم توضؤوا " 4/ 81. (¬5) الذى فى المطبوعة: " إذا نحن ... ". (¬6) فاسم الفاعل منها مسبلة. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعلها بزقت "بالقاف"، انظر مشارق الأنوار (1/ 87).

وَمَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا حَتَّى انْطَلَقْنَا بِهَا، فَاسْتَقْبَلْنَا بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ مِثْلَ الَّذِى أَخْبَرَتْنَا، وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا مُوتَمِةٌ، لَهَا صِبْيَانٌ أَيْتَامٌ، فَأَمَرَ بِرَاوِيَتِهَا، فَأُنِيخَتْ، فَمَجَّ فِى العَزلاوَيْنِ العُلْيَاوَيْنِ، ثُمَّ بَعَثَ بِرَاوِيتِهَا، فَشَرِبْنَا، وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ رَجُلاً عِطَاشٌ، حَتَّى رَوِينَا، وَمَلأنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا. غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا، وَهِىَ تَكَادُ تَنْضَرِجُ مِنْ المَاءِ - يَعْنِى المَزَادَتَيْنِ - ثُمَّ قَالَ: " هَاتُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ " فَجَمَعْنَا لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها لما سألوها عن الماء: " أيْهَاه (¬1) أيْهَاه " كذا رويناه (¬2) هنا بالهمز وبالهاء آخره وبالتاء آخره أيضاً، وفى غير هذا الكتاب بالهاء فى أوله، قال الله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُون} (¬3)، يقال: هيهات، بالكسر والضم والفتح والسكون، وأيهات وأيهات، ومن وقف وقف عليها بالهاء، ومن الناس من يكسر تاءها فى الوصل (¬4)، ويقف عليها بالتاء من فتحها فى الوصل، ومعناه: البعد للمطلوب واليأس منه، كما قانت بإثر هذا الكلام: " لا ماء لكم " أى حاضر قريب. وقوله: " وأخبرته أنها مؤتِمة " بكسر التاء، أى ذات أيتام، فسّره فى الحديث. وقوله: " فأمر براويتها فأنيخت " أى الجمل الذى كانت عليه، وعند السمرقندى: " رَاوِيَتْهَا " فها هنا هى المزادتان اللتان للماء، والراوية: القربة الكبيرة التى تروى. قال أبو عبيد: وهى المزادة، وقال يعقوب: لا يقال: راوية إِلا للجمل الذى يستقى عليه، وإنما يقال: مزادة. وقوله: " أنيخت " معناها على هذه الرواية - إن صحت -: أى الراحلة بهما، وسميا بذلك؛ لأن الذى يكون عما تحمله هذه عليها وهذه فيها. وقوله: " فمجَّ فى العزلاوين " [أى طرح من فيه ماءً فيهما. قال الإمام: قوله: " فى العزلاوين العلْياوين "] (¬5) قال ابن ولَّاد: العزلاء بالمدِّ [عزلا] (¬6) المزادة، وهو موضع يخرج الماء منه، وقال الهروى: هو فمها الأسفل، والذى فى كتاب مسلم ما ذكره ابن ولاد. قال القاضى: وقوله: " فشربنا ونحن أربعون وغسَّلنا صاحبنا " بالتشديد، أى أعطيناه غَسْلاً. وقوله: " وملأنا كل قربة وإداوة وهى تكاد تَنْضَجُ بالماء "، [وعند ابن ماهان: " من ¬

_ (¬1) فى ت: أيهاء. (¬2) بعدها فى ت: روايتنا. (¬3) المؤمنون: 36. (¬4) فى الأصل: الأصل، والمثبت من ت، س. (¬5) سقط من ع. (¬6) ساقطة من ع.

مِنْ كِسَرٍ وَتَمْرٍ، وَصَرَّ لَهَا صُرَّةً، فَقَالَ لَهَا: " اذْهَبِى فَأَطْعِمِى هَذَا عِيَالَكِ، وَاعْلَمِى أَنَّا لَمْ نَزْرَأ مِنْ مَائِكِ "، فَلَمَّا أَتَتْ أَهْلَهَا قَالَتْ: لَقَدْ لَقِيتُ أَسْحَرَ البَشَرِ، أَوْ إِنَّهُ لَنَبِىٌّ كَمَا زَعَمَ. كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ذَيْتَ وَذَيْتَ، فَهَدَى اللهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ المَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَوْفُ ابْنُ أَبِى جَمِيلَةَ الأَعْرَابِىُّ عَنْ أَبِى رَجَاءٍ العُطَارِدِىِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الحُصَيْنِ؛ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَسَرَيْنَا لَيْلَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قُبَيْلَ الصُّبْحِ، وَقَعْنَا تلْكَ الوَقْعَةَ الَّتِى لا وَقْعَةَ عِنْدَ المُسَافِرِ أَحْلَى مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلا حَرُّ الشَّمْسِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ. وَزَادَ وَنَقَصَ. وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ ابْنُ الخَطَّابِ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ أَجْوَفَ جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِير، حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِشِدَّةِ صَوْتِهِ، بِالتَّكْبِيرِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِى أَصَابَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا ضَيْرَ، ارْتَحِلُوا " وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الملاء "، وهما راجعان إلى معنى واحد؛ لأن امتلاءها من الماء] (¬1)، كذا لعامة شيوخنا بالنون، وعند ابن أبى جعفر: تضرُج، وكلاهما صحيح، ومعناه: تنشق من الماء والامتلاء منه، ووقع بين رواة البخارى فيه اختلاف (¬2)، وكله خطأ، وكذلك من رواه فى مسلم بالحاء خطأ. قال الإمام: قوله: " فهدى الله ذلك الصرم (¬3) ". قال يعقوب: الصِّرم، هو بكسر الصاد، أبيات مجتمعة. قال القاضى: فى هذا الحديث معجزة عظيمة فى تكثير القليل من الماء من نحو معجزة الميضأة. وقوله عن عمر: " وكان أجوف جليداً " أى بعيد الصوت، [كان] (¬4) إذا صاح ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) ففى ك المناقب، ب علامات النبوة فى الإسلام من حديث عمران: " تنصّ "، وذكرها ابن التين: " تبض "، وقال الحافظ فى الفتح: ورأيت فى رواية أبى ذر عن الكشميهنى: " تنصب " ومن عجب أن يقول: وحكى عياض عن بعض الرواة بالصاد المهملة " تبص " من البصيص وهو اللمعان، ثم قال: ومعناه مستبعد هنا 6/ 676. (¬3) الذى فى المطبوعة: ذاك القدم. (¬4) من ت.

313 - (683) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِى سَفَرٍ، فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ، اضْطَجَعَ عَلَى يَمينِهِ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ. 314 - (684) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ نَسِىَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ ". قَالَ قَتَادَةُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (¬1). (...) وحَدَّثناهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَسَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " لا كفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ ". 315 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قُتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ نَسِىَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيهَا إِذَا ذَكَرَهَا ". 316 - (...) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا المُثَنَّى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} ". ـــــــــــــــــــــــــــــ خرج صوته من جوفه، وجوف كل شىء داخله، والجليد: القوى. وقوله: " وكان من أمره ذيت وذيت ": أى كذا وكذا. ¬

_ (¬1) طه: 14.

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المعلِم بفَوَائِدِ مُسْلِم لِلإِمَام الحَافظ أبى الفضل عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض اليَحْصَبِى ت 544 هـ تحْقِيق الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل الجزءُ الثّالِث

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المعلِم بفَوَائِدِ مُسْلِم

حقوق الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - ج. م. ع - المنصورة الإدارة: ش الإمام محمد عبده المواجه لكلية الآداب ص. ب. 230 ت: 342721/ 356220/ 356230 فاكس 359778 المكتبة: أمام كلية الطب ت 347423

6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها

بسم الله الرحمن الرحيم 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1) باب صلاة المسافرين وقصرها 1 - (685) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْن رَكْعَتَيْنِ، فِى الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِى صَلاةِ الْحَضَرِ. 2 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قال: حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ، حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا فِى الحَضَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث قصر الصلاة قال الإمام: قول عائشة - رضى الله عنها -: " فرضت الصلاة ركعتين " الحديث، اختلف فى القصر فى السفر، فقال إسماعيل القاضى: هو فرض، وقال ابن سحنون: القياس فيمن أتم فى السفر أن يعيد أبداً، وقال غيرهما من الفقهاء: الغرض التخيير بين القصر والإتمام، واختلف هؤلاء أيهما أفضل؟ فقال بعضهم: القصر أفضل، وهو قول الأَبْهرِىَّ من أصحابنا (¬1)، وبلَّغَه غيره من أصحابنا فى الفضل إلى رتبة السنن. وقال الشافعى: الإتمام أفضل، ويحتج من قال: إن القصر فرض (¬2)، بحديث عائشة المتقدم، ويصح الانفصال عنه بأن يقال: يحتمل أن [يريد] (¬3) بقولها: " فرضت الصلاة ركعتين " أى: قدرت، ثم تركت صلاة السفر على هيئتها فى المقدار لا فى الإيجاب. والفرض فى اللغة يكون بمعنى التقدير، ويحتج من قال إنه ليس بفرض: بقول الله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} (¬4). [ولا] (¬5) يقال فى الواجب (¬6): لا جناح عليكم أن تفعلوا ذلك. قال القاضى: ذكر مسلم حديث إتمام عائشة، وإتمام عثمان، واختلف الناس فى تأويل فعلهما، وقد قال عروة: تأولت عائشة [ما] (¬7) تأوَّل عثمان، وأشبه ما يقال فى ¬

_ (¬1) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمى الأبهرى، المالكى، نزيل بغداد وعالمها، حدَّث عنه الدارقطنى وأثنى عليه فقال: هو إمام المالكية، إليه الرحلة من أقطار الدنيا، ثقة، مأمون، زاهد، ورع، توفى سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. ترتيب المدارك 4/ 466، سير 16/ 332. (¬2) فى جميع نسخ الإكمال: فضل، والمثبت من ع. (¬3) من ع. (¬4) النساء: 101. (¬5) فى ت: وليس. (¬6) فى ت: الفرض. (¬7) من ت.

عَلَى الفَرِيضَةِ الأُولَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ فعل عثمان وفى فعلها أنهما تأولا أن القصر رخصةٌ غير واجبة، وأخذا بالأتم والأكمل، ومن تأول أنها اعتقدت أنها أم المؤمنين وعثمان أنه إمامهم، فحيث حلَّا فكأنهما فى منازلهما، يردُّه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أولى بذلك ولم يتم، وما روى عن عثمان أنه تأهل بمكة (¬1) يرده سفر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزوجاته، وقد قصر، وما روى أنه فعل ذلك لأجل الأعراب وخوفاً أن يظنوا أن فرض الصلاة أبداً ركعتين (¬2)، يرده أيضاً صلاةُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم ركعتين وهو القدوة للأعراب وغيرهم، وأمر الصلاة حينئذ أشهر من أن يخفى عددها، وقد كان فى زمن النبى - عليه السلام - الأعراب، وما روى أن عثمان أزمع على المقام بمكة بعد الحج (¬3) يرده تحريم المقام للمهاجر بمكة أكثر من ثلاث (¬4)، وقيل: بل كان لعثمان بمنى أرض ومال، فرأى أنه كالمقيم، وذكر فى إتمام عائشة أيضاً أنها كانت لا ترى القصر فى السفر إلا فى الخوف، والتأويل الآخر فى سفر عائشة (¬5) أبعد فهى أتقى لله أن تخرج فى سفر لا يرضاه، وإنما خرجت مجتهدة [فى سفرها] (¬6) محتسبة فى خروجها للدين، أصابت أو أخطأت، وأولى ما يتأول فى ذلك ما قدَّمناه (¬7). وقد ذكر الطحاوى وابن عبد البر وغيرهم عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قصر وأتم (¬8)، وروى ¬

_ (¬1) ذكره الأثرم عن أحمد بن حنبل. انظر: التمهيد 11/ 169، وساقه البيهقى فى المعرفة وقال عقبه: منقطع، وفيه عكرمة بن إبراهيم ضعيف. المعرفة 4/ 263. (¬2) وذلك فيما نقله ابن عبد البر عن ابن جريج فى قوله: وبلغنى أنه إنما أوفاها عثمان أربعًا بمنى فقط من أجل أن أعرابيًا ناداه فى مسجد الخيف بمنى فقال: يا أمير المؤمنين، ما زلت أصليهما ركعتين منذ رأيتك عام الأول، فحشى عثمان أن يظن جُهَّال الناس أنما الصلاة ركعتان. قال ابن جريج: وإنما أوفاها بمنى. السابق 2/ 518. (¬3) وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق بسنده إلى ابن عمر قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى ركعتين، ومع أبى بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدراً من خلافته ثم صلاها أربعًا. قال الزهرى: فبلغنى أن عثمان إنما صلاها أربعاً؛ لأنه أزمع أن يقيم بعد الحج. المصنف لعبد الرزاق 2/ 516، وانظر: معرفة السنن والآثار 4/ 262. (¬4) البخارى فى صحيحه عن العلاء الحضرمى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثٌ للمهاجر بعد الصدر "، ك مناقب الأنصار، ب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه 5/ 87، وأحمد فى المسند 5/ 52. (¬5) لعله يعنى خروجها - رضى الله عنها - فى واقعة الجمل. (¬6) من هامش ت. (¬7) قال ابن عبد البر: وأحسن ما قيل فى قصر عائشة وإتمامها أنها أخذت برخصة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتُرى الناس أن الإتمام ليس فيه حرج وإن كان غيره أفضل، " فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحبُّ أن تؤتى عزائمه "، ولعلها كانت تذهب إلى أن القصر فى السفر رخصةٌ وإباحة، وأن الإتمام أفضل، فكانت تفعل ذلك، وهى التى روت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يُخيَّر بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فلعلها ذهبت إلى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يختر القصر فى أسفاره إلا توسعةً على أمته وأخذاً بأيسر أمر الله. التمهيد 11/ 172. (¬8) انظر: شرح معانى الآثار 1/ 415، والتمهيد 11/ 173.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجهان عن جماعة من الصحابة والسلف، وحكى ابن الجهم أن أشهب روى عن مالك أن القصر فرض، وهو قول الكوفيين، وعمر بن عبد العزيز والمشهور من مذهب مالك وأكثر أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة، وهى رواية أبى مصعب (¬1) عنه ومقتضى رواية ابن القاسم عنه بإعادته إذا أتم فى الوقت (¬2)، وهو قول الشافعى (¬3) ومذهب عامة البغداديين من أصحابنا أَنَّ الفرض التخيير، وهو قول أصحاب الشافعى، وقد أجمع العلماء مع هذا الخلاف على جواز التقصير فى سفر الحج والعمرة والغزو، إلا شيئاً روى عن عائشة أيضًا، وبعضهم أن لا قصر إلا فى الخوف، واختلفوا فى غير ذلك: فذهبت عامتهم إلى جوازه فى كل سفر مباح، ومنعه فى سفر المعصية، وهو قول مالك والشافعى والطبرى وأصحابهم، وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثورى إلى جوازه فى كل سفرٍ، طاعة كان أو معصية، وفيه رواية شاذة عن مالك أخذاً بعموم الآية، وذهب داود إلى أنه لا يجوز إلا فى الحج والعمرة والغزو لا فى غيرهما (¬4)، وروى مثله عن ابن مسعود، واختلف أصحاب داود، فمنهم من قال بقوله، ومنهم من قال بقول الكوفيين، واختلف عن ابن حنبل، فمرة قال بقول مالك، ومرة قال: لا يقصر إلا فى حج أو عمرة. وقال عطاء: لا يقصر إلا فى سبيل من سبل الله، وكره مالك [التقصير] (¬5) للمتصيد للهو، وحكى الإمام أبو القاسم الكيا عنه المنع فيه وفى سفر النزهة. ثم اختلفوا فى مدة السفر الذى يقصر فيه. قال الإمام: [فبعض] (¬6) الناس لم يحدده (¬7)، واحتج بقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} (¬8) [الآية] (¬9) وأكثر الناس على تحديده، وكأنهم فهموا إنما خفف عن المسافر للمشقة، ولم يكن عندهم القصر إلا فى سفر تلحق فيه المشقةُ، واختلفوا فى تقديره، واختلافهم مذكور فى كتب الفقهاء. قال القاضى: اختلفت الآثار واختلف السلف وأئمة الفتوى فى ذلك، فمذهب مالك والشافعى وأصحابهما والليث والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث: أنها لا تقصر إلا فى اليوم التام، [وقد قال بعضهم: يوماً وليلة، وروى عن مالك، وهو راجع معى إلى اليوم التام] (¬10)، وهو قول ابن عباس وابن عمر، وقدره مالك بأربعة برد وثمانية وأربعون ميلاً، وقال ¬

_ (¬1) هو أحمد بن أبى بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، أحد رواة مالك، مات سنة اثنين وأربعين ومائتين. رجال مسلم 1/ 32. (¬2) يعنى به قول مصعب، قال ابن عبد البر: ولم يختلف قوله فيه، وذلك استحباب عند من فهم، لا إيجاب. التمهيد 11/ 175. (¬3) فعن الربيع بن سليمان عنه قال: القصر فى الخوف مع السفر بالقرآن والسنة، والقصر فى السفر من غير خوف بالسنة. السابق. قال ابن عبد البر: قول الشافعى فى هذا الباب أعدل الأقاويل إن شاء الله، وقول مالك قريب منه نحوه؛ لأن أمره بالإعادة فى الوقت استحباب. التمهيد 11/ 177. (¬4) فى قصير السفر وطويله. (¬5) فى ق: القصر. (¬6) فى ع: فإن بعض. (¬7) فى ع: يجيزه. (¬8) النساء: 101. (¬9) ساقطة من ع. (¬10) سقط من ت.

3 - (...) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَن عَائِشَةَ؛ أَنَّ الصَّلاةَ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاةُ الْحَضَرِ. قَالَ الزُّهْرِىُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِى السَّفَرِ؟ قَالَ إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ. 4 - (686) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ - عَنِ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعى والطبرى: ستة وأربعون ميلاً، وهو أمر متقارب. والتفت هؤلاء إلى ما يسمى سفراً، وقد سمى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا سفراً فقال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة " (¬1)؛ ولأن مسيرة يوم وليلة أو مسيرة اليوم التام لا يمكن لخارج من منزله الرجوع إليه ويبيت ضرورة عنه فخرج عن القرار إلى السفر وهو قول ابن عمر وابن عباس، وقال الكوفيون: لا يقصر فى أقل من مسيرة ثلاثة أيام، وهو قول عثمان وابن مسعود وحذيفة، وقال الحسن وابن شهاب: يقصر فى مسيرة يومين، وحكاه الخطابى، وتأوله على مالك والشافعى وأحمد وإسحاق، وهذا قريب من القول الأول باليوم التام، وباليوم والليلة، وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر فى كل سفر قصير أو طويل، ولو كان ثلاثة أميال، وهو قول داود فى سفر الطاعة. وقول عائشة: " فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر ". فقد خالف عائشة غيرها من الصحابة فى هذا اللفظ منهم عمر، وابن عباس، وجبير بن مطعم. وأن الفرض فى الحضر أربع وفى السفر ركعتان، وقد ذكره [مسلم] (¬2) عن ابن عباس، وقد يجمع بين الحديثين على أن هذا الذى استقر عليه الفرضان، وحديث عائشة على أول الأمر. وقولها: " فأتمت صلاة الحضر " وفى الرواية الأخرى: " وزيد فى صلاة الحضر " قال الطبرى: يحتمل قول عائشة أن المسافر إن اختار القصر فهو فرضه، وإن اختار التمام فهو فرضه. قال الباجى: يحتمل النسخ؛ لأن زيادة الركعتين فيها يمنع إجزاء الركعتين. وقولها: " فأقرت صلاة السفر ": أى بقيت على ما كانت قبل النسخ من وجوبها ركعتين وهذا على قول من يقول: إن القصر هو الفرض، وأما من جعله سنة فمعناه: أنها أقل ما يجزئ، لا بمعنى الوجوب، فيكون الوجوب قط فى السفر منسوخ، والقصر فى الحضر منسوخاً وجوبه وجوازه، وهذا على قول من يرى أن الوجوب إذا نسخ بقى الأمرُ على الجواز. ¬

_ (¬1) مسلم، ك الحج، ب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (1339/ 421). (¬2) فى الأصل: لمسلم.

جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَابَيْه، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ؛ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬1) فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَال: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْه، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِك، فَقَالَ: " صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ". (...) وحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَابَيْهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ؛ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وهذه مسألة اختلف فيها أهل الأصول، وكذا اختلفوا فى الزيادة على النص هل هو نسخ أم لا؟ وقوله فى حديث عمر فى قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاة} (¬2): وسألت (¬3) رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فقال: " صدقة تصدَّق الله بها عليكم " [تفسير من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوقيف أن الآية متضمنة لقصر الصلاة فى السفر مع الخوف، ومع غير (¬4) الخوف، ورخصة من الله، وتوسعة، وأن المراد القصر فى الركعات لا فى الصفات، ومعارض لقول عائشة وأقوى فى الحجة منه؛ لأنه أخبر به نصاً عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وقد] (¬5) ويحتمل قول عائشة أنه من استنباطها وفقهها وتأويلها، لاسيما وقد خالفت ظاهره بما روى عنها من الإتمام، ومثله فى حديث على أنها نزلت، فيمن سأل النبى عن الصلاة فى السفر إلى قوله: {أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاة}، فلما كان بعد حول وغزا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشركين وطلبوا غرته وقت الصلاة أنزل الله {إنْ خِفْتُمْ} (¬6) فالآية فى قصتين وحكمين، قال بعضهم: وقوله: {إِنْ خِفْتُمْ} ابتداء كلام للقصة الأخرى. وقوله: {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاة} (¬7) وروى عن ابن عباس [وغيره] (¬8) أنها فى صلاة الخوف فقط بظاهر مساق الآية وتعليق الكلام بعضه على بعض (¬9)، وأن التقصير المذكور ¬

_ (¬1) و (¬2) النساء: 101. (¬3) الذى فى المطبوعة: فسألت. (¬4) فى ت: عدم. (¬5) من ت. (¬6) الحديث أخرجه ابن جرير 9/ 126 عن على رضى الله عنه. قال أبو جعفر بعد سياقه له بإسناده: وهذا تأويل للآية حسن، لو لم يكن فى الكلام " إذا "، و" إذا " تؤذن بانقطاع ما بعدها عن معنى ما قبلها. قال ابن كثير: وهذا سياق غريب جداً، ولكن لبعضه شاهد من رواية أبى عياش الزرقى. تفسير القرآن العظيم 3/ 354. قلت: أبوه عياش مختلف فى صحبته، وقد قال محقق الطبرى الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله -: ورد أبى جعفر دالٌّ على تضعيفه هذا الحديث. (¬7) النساء: 102. (¬8) ساقطة من س. (¬9) ويترجح بمروياته - رضى الله عنه - هنا أن صلاة الخوف ركعةً للمأمومين وركعتين فى الرباعية للإمام، وقد أخرجها بالإضافة إلى مسلم أبو داود، ك الصلاة، ب من قال: يصلى بكل طائفةٍ ركعةً ولا يقضون 1/ 287، والنسائى، ك صلاة الخوف 3/ 169، وانظر: بحثنا فى موضوع: " مرويات صلاة الخوف عند أهل الرواية والدراية " بحولية أصول الدين، القاهرة، العدد العاشر.

5 - (687) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُّمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِى السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِى الْخَوْفِ رَكْعَةً. 6 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِىُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ الطَّائِىُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الصفات وحدود الصلاة ونقلها إلى الإتمام لأجل الخوف، وقيل: بل [فى] (¬1) تخفيفها وترك التطويل فيها لأجل الخوف، وقيل: بل قصرها إلى ركعة أو ركعتين لأجل الخوف، وقيل: بل المراد قصرها إلى ركعتين للمأمومين، وصلاة الإمام أربعاً، ركعتان لكل طائفة على ما جاء فى الحديث (¬2)، وإليه ذهب الطبرى واختاره أبو بكر الرازى ورجَّحه لأنه قال: {لا جُنَاح}، وفريضة المسافر ركعتين، ولا يقال فى الفرض: لا جناح، وقد يُتَخَلَّصُ عن هذا بشرع فرض الإتمام للحاضر أو عمومه فيها على القول الآخر، ويبقى القصر رخصة. وقول عمر: " فقد أمن الناس " (¬3): دليل على أنها القصر فى الركعات. وقوله: " وفى الخوف ركعة ": يحتمل أنه يعنى فى الشدة هو مذهب جماعة من السلف أن تجزى فى صلاة الخوف ركعة واحدة يومئ بها إيماء، وهو قول إسحاق، قال: أما عند الشدة فركعة، فإن لم يقدر فسجدة، فإن لم يقدر فتكبيرة. وقال الضحاك: إن لم يقدر على ركعة فتكبيرتان. وقال الأوزاعى: لا تجزيه التكبيرة، ويحتمل أنه زيد فى حكم المأمومين على ما جاء فى بعض الروايات فى صلاة الخوف، وكانت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتان وللقوم ركعة (¬4)، وبهذا أخذ إسحاق - أيضًا - فى صلاة الخوف مع الإمام، وأما قوله فى هذا الحديث: " إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعاً، والخوف ركعة (¬5) " مما يحتج به من يقول: إن ركعتين فرض المسافر، ¬

_ (¬1) ساقطة من ت. (¬2) سيأتى إن شاء الله آخر الكتاب، ب صلاة الخوف (841/ 309) من حديث عبيد الله بن معاذ العنبرى. (¬3) القائل هو يعلى بن أمية وليس عمر. (¬4) رواية ابن عباس رقم 6 في هذا الكتاب، وقد أخرجها أبو داود فى سننه، ك الصلاة، ب من قال: يصلى بكل طائفةٍ ركعةً ولا يقضون 1/ 287، والنسائى، ك صلاة الخوف 3/ 169. قال ابن عبد البر: وزعم بعض من قال هذا الوجه من الفقهاء أن للقصر فى الخوف خصوصًا ليس في غير الخوف. ثم قال: فينبغى أن تكون الصلاة فى السفر بشرط الخوف خلاف الصلاة فى السفر فى حال الأمن. التمهيد 15/ 271. (¬5) فى المطبوعة: وفى الخوف ركعة.

الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: إِنَّ اللهَ فَرَضَ الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ، وَعَلى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، وفِى الْخَوْفِ رَكْعَةً. 7 - (688) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ الْهُذَلِى؛ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَيْفَ أُصَلِّىِ إِذَا كُنْتُ بِمَكَّة، إِذَا لَمْ أُصَلِّ مَعَ الإِمَامِ؛ فَقَالَ: رَكْعَتَيْنِ، سُنَّةَ أَبِى الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عُرُوَبةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكون هذا الترتيب على ما استقرت عليه أحكام هذه الصلوات لا فى ابتداء الأمر وورود فرض الصلاة، ولقول عائشة: " فرضت الصلاة ركعتين فزيد فى صلاة الحضر "، وإنما بين ذلك كله - عليه السلام - ولعل قوله أيضاً: " وفى الخوف ركعة " يعنى مع الإمام، فلا يكون مخالفاً لغيره من الأحاديث الصحيحة، وسيأتى الكلام على هذا الباب فى صلاة الخوف إن شاء الله تعالى. وقوله: " كيف أصلى إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ قال (¬1): ركعتين سنة أبى القاسم ": مفهومه أن الإمام إذا أتم أنه يتم معه، وقد جاء فى الأم بعده مبينًا (¬2) وهو قول كافة العلماء. واختلفوا بما يلزمه الإتمام معه؟ فمالك يراه يعقد ركعة تامة معه، وأبو حنيفة وصاحباه والشافعى لا يراعون الركعة ويلزمه التمام بالدخول معه. واختلف بالقولين على الأوزاعى، وذكر أبو القاسم الطبرى الشافعى عن مذهبهم أنه ينظر إلى نية الداخل، فإن نوى الإتمام وراءه لزمه، وفى هذا كله حجة أن الركعتين ليستا فرضاً على المسافر، إذ لو كان ذلك لم يصح اتباعُ إمامه فى غير فرضه كما لا يصح له اتباعه لو صلى الظهر خمساً. وعبد الله بن بابيه: كذا ضبطناه هنا، ويقال فيه: باباه، ويقال فيه: ابن بابا، قاله: ابن عبد البر (¬3)، وقال يحيى بن معين: عبد الله بن بابى يروى عنه ابن إسحاق، ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: فقال. (¬2) يعنى ما جاء فى حديث أبى بكر بن أبى شيبة عن نافع: " فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين ". (¬3) الذى قال به ابن عبد البر هو القول الأول فقط. التمهيد 11/ 166. وضبطه الطحاوى: باباه. شرح معانى الآثار 1/ 415، وكذا البيهقى، معرفة السنن 4/ 240، قال: ورواه أبو عاصم فى إحدى الروايتين عنه عن ابن جريح فقال: عبد الله بن بابى، ورواه الليث عن عبد الله بن وهب عن ابن جريج، فقال: عبد الله بن باباه، وكان يحيى بن معين يقول: هم ثلاثة: عبد الله بن باباه يروى عنه حبيب بن أبى ثابت، وعبد الله بن بابى الذى يروى عنه ابن إسحاق، وعبد الله بن بابيه الذى يروى عنه ابن أبى عمار، قال يحيى: وهؤلاء ثلاثة مختلفون. معرفة السنن 4/ 241، وانظر: التاريخ ليحيى 2/ 297. =

8 - (689) وحدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِى طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ. حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا. فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ. قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلاتِى. يَا ابْنَ أَخِى، إِنِّى صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى السَّفَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الله بن بابيه يروى عنه ابن أبى عمار، وعبد الله بن باباه يروى عنه حبيب بن أبى ثابت، قال: فهؤلاء ثلاثة مختلفون. قال الإمام: وقول ابن عمر: " لو كنت مسبحًا لأتممت صلاتى ": يحتمل أن يكون لأن الصلاة إنما قصرت للتخفيف، فإذا عاد هؤلاء يتنفلون فإن الإتمام كان أولى، [ومعنى قوله: " مسبحاً متنفلاً "] (¬1) والمسبح: المتنفِّل، والسُّبحة: صلاة النافلة، وجاء فى الحديث الآخر: " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسبح على الراحلة ويوتر عليها ولا يصلى عليها المكتوبة " (¬2). قال الهروى: تسمى الصلاة تسبيحًا، قال الله تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (¬3) أى من المصلين. قال القاضى: اختلف العلماء فى التنفل فى السفر، فمذهب ابن عمر منعه بالنهار جملة، وجوازه بالليل فى الأرض وعلى الراحلة، ومذهب عامة السلف وأئمة الفتوى على جوازه بالليل والنهار على الراحلة وبالأرض، وهذا المروى من فعل النبى - عليه السلام - فى السفر فى آثار كثيرة خلاف ما جاء فى حديث ابن عمر، فظاهر مذهب ابن عمر وتعليله إنما منع التنفل بالنهار وبالليل قبل الصلاة وبعدها إلا لمن يصلى صلاة الليل فى جوفه لقوة أمرها، وكونها أولاً فرضًا وهكذا نقل أهل [الخلاف] (¬4) مذهبه، وعلى هذا يدل فعله بعد هذا فى الحديث الآخر: " أنه كان يصلى بمنى ركعتين ثم يأتى فراشه " (¬5). وقول حفص بن عاصم له: " أى عمى: لو صليت بعدها ركعتين، قال: لو فعلت لأتممت صلاتى " (¬6). فقد فرق بين الصلاة بإثرها وبين الصلاة جوف الليل، لأن الفراش غالباً إنما هو بالليل، وعلى هذا التنزيل من فعل ابن عمر وروايته عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع روايته تنفله على راحلته تجتمع الأخبار ولا تتضاد، وقد تأول بعضهم أن كراهة ابن عمر إنما هو التنفل بالنهار على الأرض. ¬

_ = قال البيهقى: وكلام البخارى - رحمه الله - فى التاريخ يدل على أنهم واحد. قلت: بل يؤكد كلام ابن معين، إذ قال: عبد الله بن باباه مولى آل حجير بن أبى إهاب المكى، ويقال: ابن بابى، سمع جبير بن مطعم روى عنه أبو الزبير. 3/ 1/ 48، وانظر: المعرفة والتاريخ 2/ 207، وابن حبان فى الثقات 5/ 13. (¬1) من ع. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى باب جواز صلاة النافلة على الدابة فى السفر حيث توجهت. (¬3) الصافات: 143. (¬4) فى س: الحديث. (¬5) حديث (694/ 18) ب قصر الصلاة بمنى. (¬6) الذى فى المطبوعة: لأتممتُ الصلاة.

فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1). 9 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَفْص بْنِ عَاصِمٍ؛ قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا، فَجَاءُ ابْنُ عُمَرَ يَعُودُنِى. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ السُّبْحَةِ فِى السَّفَرِ؛ فَقَال: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى السَّفَرِ، فَمَا رَأَيْتُهُ يُسَبِّح، وَلَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْت، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَىَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة}. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله "، وقد جاء عنه فى الحديث الآخر: " مع عثمان صدراً من خلافته ثم أتمها " (¬2)، وقوله فى الآخر: " ثمانى سنين أو ست سنين " (¬3)، وهذا هو المعروف عنه، وإن عثمان أتم بعد سبع من خلافته، فلعل ابن عمر فى هذه الرواية أراد إتمام عثمان فى سائر [أسفاره فى غير منى؛ لأن إتمام عثمان إنما كان بمنى على ما فسره عمران بن حصين فى حديثه وهو ظاهر سائر] (¬4) الأحاديث، وكذا قال ابن حبيب: إتمام عثمان بمنى خاصة، ويكون قول ابن عمر فى [غير] (¬5) هذا الحديث صدراً من خلافته، وقول غيره راجع إلى الإتمام بمنى. وقد ذكر مسلم فى حديث حرملة عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن عمر؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ركعتين بمنى وغيره، ثم ذكر عن عثمان فى الحديث أنه أتمها أربعاً، فليس فيه بيان إتمام عثمان فى غير منى، ولم يتابع حرملة على قوله وغيره، وهذا يدل على أنه اجتهاد من عثمان، وأخذ بالأفضل، لا أنه اعتقده (¬6) واجباً وفرضاً. قال عمران ابن حصين: حججت مع عثمان سبعاً من إمارته لا يصلى إلا ركعتين ثم صلى بمنى أربعاً (¬7) ولا خلاف أن هذا حكم الحاج من غير أهل مكة بمنى وعرفة، يقصرون. وكذلك عند مالك حكم الحاج من أهل مكة، يقصرون بعرفة وبمنى كتقصيرهم مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك أهل عرفة ومنى بمكة، ولخطبة عمر أهل مكة بالتمام دونهم، وذهب أبو حنيفة ¬

_ (¬1) الأحزاب: 21. (¬2) هى رواية بالمعنى، أما لفظها كما فى (17)، عبد الرزاق، والتمهيد: " ثم صلاها أربعاً ". انظر: المصنف 2/ 518، والتمهيد 11/ 169. (¬3) حديث رقم (694/ 18)، ب قصر الصلاة بمنى. (¬4) سقط من س. (¬5) ساقطة من س. (¬6) فى الأصل: اعتقد، والمثبت من ت، س. (¬7) الحديث أخرجه أحمد فى المسند 4/ 430 بنحوه، وابن أبى شيبة فى المصنف 2/ 450 بأتم منه وألفاظه متقاربة. وفيه على بن زيد، يكتب حديثه ولا يحتجُّ به.

10 - (690) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَاِنِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ويَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِى الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. 11 - (...) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَان، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِى الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. 12 - (691) وحدَّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، كِلاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الهُنَائِىِّ؛ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ، مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والشافعى وجماعة من العلماء إلى أن أهل مكة بمنى وعرفة وأهل عرفة ومنى بمكة يتمون كغير الحاج منهم، إذ ليس فى المسافة مدة قصر الصلاة، وحجتنا ما تقدم من السنة والاتباع؛ ولأن فى تكراره بمشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التى يجوز فيها قصر الصلاة عند الجميع. وقوله: " صلى الظهر بالمدينة أربعاً، وبذى الحليفة ركعتين ": بين ذى الحليفة والمدينة ستة أميال، ويقال: سبعة، احتج بظاهره بعض من لم يحصل من الظاهرية ممن يرى التقصير فى قصير السفر وطويله، ولا حجة فيه؛ لأن هذا إنما كان فى حجته - عليه السلام - وهو مفسر فى الأحاديث الصحيحة فى تمام هذا الحديث عن أنس وغيره، فإنما قصر فى سفر طويل. وقوله فى الحديث الآخر: " كان إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين " (¬1) هذا - أيضاً - مما قد يحتج به أولئك، ولكن التَنَفُّلَ فيه يضعف الحجة به، ولعله أراد ابتداء القصر فى السفر الطويل وعليه يحمل قوله فى الأم عن ابن عمر: " أنه صلى بذى الحليفة ركعتين "، وعن شرحبيل بن السِّمط - ويقال ابن السَّمط -: " أنه قصر على سبعة عشر ميلاً أو ثمانية عشر " (¬2)، وقد اختلف العلماء متى يبدأ المسافر الذى، يباح له القصر بالتقصير؛ فذهب جمهور السلف والعلماء: أنه إذا خرج من بيوت المدينة ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى ت: قصر الصلاة. (¬2) حديث رقم 13 بهذا الباب.

13 - (692) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِىٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ جُبَيْرٍ بْنِ نُفَيْرٍ؛ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إِلَى قَرْيَةٍ، عَلَى رَأسِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيةَ عَشَرَ مِيلاً. فَصلَّى رَكْعَتَيْنِ. فَقُلْتُ لَهُ. فَقَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ صَلَّى بِذِى الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. فَقُلْتُ لَهُ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ. 14 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: عَنِ ابْنِ السِّمْطِ، وَلَمْ يُسَمِّ شُرَحْبِيلَ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا: دُوْمِين مِنْ حِمْص، عَلَى رَأسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً. 15 - (693) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىّ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قصر، وإذا دخلها راجعاً من سفره أتم، وهو قول أئمة الفتوى، ومحصول مذهب مالك ومشهوره، وروى عنه أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال إن كانت القرية مما يجمع فيها، فإذا انصرف أتم من هناك، وروى عن عطاء وغيره وجماعة من أصحاب عبد الله: إذا أراد السفر قصر قبل خروجه، وروى عن مجاهد: لا تقصر إذا خرجت يومك إلى الليل، فلم يوافقه أحد على هذا. وقوله فى هذا الحديث عن شرحبيل: " رأيت ابن عمر صلى بذى الحليفة ركعتين "، قال الإمام: كذا فى نسخة ابن الحذاء: ابن عمر، والصواب: رأيت. عمر، كذا رواه الجلودى: رأيت عمر، وهو محفوظ لعمر، وكذا (¬1) خرَّجه ابن أبى شيبة والبزار وغيرهما عن عمر (¬2). قال القاضى: وقع فى أول هذا الكلام فى بعض النسخ: " فقلت له فقال: لعله [قال] (¬3): رأيت عمر "، وفى بعضها: " لعله قال: رأيت عمر " وسقط هذا الحرف عند أكثر شيوخنا، [وعندى أنه لفظ ألحقه بعض الشيوخ لإصلاح وهم الرواية فى ابن عمر، فقال: لعله قال: رأيت عمر] (¬4)، ولم يفهم الكلام لبعضهم فضبطه لعلة، وليس بشىء. وقوله: " أرضاً يقال لها دُومِين " (¬5) ضبطناه عن الشهيد وغيره بالضم، وعن الأسدى والطبرى بالفتح فى الدال، وكذا رويناه عن البزار. ¬

_ (¬1) فى س: وكذلك. (¬2) راجع: المصنف، ك الصلاة، ب فى مسيرة كم يقصر الصلاة 2/ 445. (¬3) من ت. (¬4) سقط من ق. (¬5) انظر: مراصد الاطلاع 2/ 543، وفيها قال: على ستة فراسخ من حمص.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعَ. قُلْتُ: كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا. (...) وحدَّثناه قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشراً "، قال الإمام: اختلف الناس فى الإقامة التى إذا نواها المسافر صار (¬1) فى حكم المستوطن، ما هى؟ فقال ربيعة: يوم وليلة، وقيل: أربعة أيام بلياليها، وهو مذهب مالك وغيره، وقيل: اثنا عشر [يوماً] (¬2)، وقيل خمسة عشر [يوماً] (¬3)، وقيل: سبعة عشر، فوجه قول ربيعة: أنه لما كان ذلك الأمر حداً للسفر المبيح للقصر والفطر كان حدّاً للإقامة وللاستيطان، ووجه القول الأول بالأربعة: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أباح للمهاجر أن يقيم بمكة بعد [قضاء] (¬4) نسكه ثلاثاً، والمهاجرون لا يستوطنون مكة، فدل على أن الثلاثَ حكمها حكم السفر، لا الاستيطان، والخلاف الذى هو بقية الأقوال انبنى على الخلاف فى مدة مقامه - عليه السلام - بمكة عام الفتح، ومقامه فى حصاد الطائف. قال القاضى: بقول مالك قال جماعة من العلماء، الشافعى وأبو ثور ومحمد بن على ابن حنين (¬5) والحسن بن صالح (¬6)، على خلاف عن هذين، وروى مثله عن عطاء وسعيد بن المسيب، واختلف عن سعيد فى ذلك، فروى عنه إذا أقام خمسة عشر [يوماً] (¬7) أتم، وهو قول الكوفيين، وروى عن ابن عمر وابن عباس، وروى عن سعيد [أنه] (¬8) إذا أقام ثلاثة أتم، وقال الليث: إذا زاد على خمسة عشر أتم، ويقصُر فى خمسة عشر، وقال الأوزاعى: إذا أقام ثلاثة عشر أتم، وروى عن ابن عمر: إذا أقام اثنى عشر أتم. وذهب أحمد وداود إلى أنه يتم فيما زاد على أربعة أيام، ويقصر فى الأربعة فدونه، وروى عن أحمد يقصر إذا نوى إدامة إحدى وعشرين صلاة، ويتم فيما زاد، اعتماداً على ¬

_ (¬1) فى ع: كان. (¬2) و (¬3) من ع. (¬4) ساقطة من ت. (¬5) كذا فى الأصل، وفى ت: حين، ولعله محمد بن على بن حين المخزومى بن الحسينى، كان من فقهاء قرطبة، مات سنة عشر وأربعمائة. ترتيب المدارك 8/ 22. (¬6) ابن صالح، الإمام الكبير، أحدُ الأعلام، أبو عبد الله الهمدانى الكوفى، أحد أئمة الإسلام، وإن كان الثورى سيئَ الرأى فيه لقوله بترك الجمعة والجهاد خلف أئمة الجور، وقال أبو نعيم: ما كان دون الثورى فى الورع والقوَّة، وقال فيه الذهبى: كان من أئمة الاجتهاد. مات سنة تسع وستين ومائة. التاريخ الكبير 2/ 295، ميزان 1/ 496، سير 7/ 361. (¬7) من س. (¬8) من ت.

(...) وحدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى ابْنُ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: خَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْحَجِّ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، جَمِيعاً عَنِ الثَّوْرِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَجَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إقامة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة، حتى خرج صبيحة الثامن يوم التروية، وحددها داود بعشرين صلاة، فإذا زاد أتمَّ. ونحو هذا لابن الماجشون عندنا، وقال على: إذا أقام عشرة أيَّامٍ، ونحوه عن ابن عباس، [وعن ابن عباس] (¬1) - أيضاً - يتم إذا زاد على تسعة عشر يوماً ويقصر فى تسعة (¬2) عشر، وروى عنه: يتم فيما زاد على سبعة عشر، وروى عنه الحسن أنه يقصر أبداً إلا أن يقدم مصراً من الأمصار وتقدم قول ربيعة، وأكثر اختلافهم فى هذا مبنى على مدة إقامة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقصيره فى حجته وفتحه مكة والطائف. وقوله فى الكتاب (¬3): " أقام عشراً " هذا فى حجته، فإنه دخل مكة صبيحة رابعة من ذى الحجة، وخرج صبيحة أربعة عشر على ما تظاهرت به الروايات، لكن بعض شيوخنا قال: كان شارف مكة اليوم الثالث فقصر عنها وبات بذى طُوى حتى صلى الصبح ثم دخل نهاراً، والنهار لا اعتداد به عند العرب إذا انقضت ليلته، فأقام بها اليوم الخامس والسادس والسابع وخرج بعد تمام ثلاث كما شرع، فلم يقم بمكة أكثر من ثلاث، وخرج إلى منى للنظر فى حجه، وهو فيه فى حكم المسافر حتى أكمله، ثم عاد إلى المدينة، فجاء جميع هذا موافقاً - أيضاً - لمذهبنا فى أن ثلاثة أيام ليس بإقامةٍ، بل يقصر فيها. واختلف فى إقامته فى الفتح، فروى عن ابن عباس خمس عشرة، وسبع عشرة، وتسع عشرة، وعن عمران بن حصين ثمانى عشرة، قال أهل الصنعة: هو حديث لا يقوم به حجةٌ لمن خالف لكثرة اضطرابه، ولأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحد فى ذلك حداً يوقف عنده، بل قال: " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " (¬4) ولأنه فى حجه لم ينو الإقامة ولا هى له بدار مقام، إذ ليس للمهاجر المقام بها، ولأنه عازم على الخروج يوم التروية منها قبل كمال أربعة بعد قدومه، ثم يعمل فى حجه حتى يقضيه وينصرف، وإقامته - أيضاً - فى الفتح حكم الإقامة ببلد الحرب والخوف من أهلها ومن تحولهم (¬5)، وليس فى نيته أولاً إقامة تلك ¬

_ (¬1) من ت، س، ق. (¬2) فى ت: سبعة، وهو خطأ. (¬3) يعنى به كتاب صلاة المسافرين وقصرها. (¬4) جزء حديث، أخرجه أبو داود، ك الصلاة، ب متى يتم المسافر 1/ 280، أحمد فى المسند 4/ 430 - 432، المصنف لابن أبى شيبة 2/ 453 جميعاً عن ابن عباس، وكذا عبد الرزاق 2/ 522 عن ابن مسعود. (¬5) فى ت: حولهم، وكذا فى ق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المدة، بل كان مقامهُ بحسب ما حبسه الحال، حتى توطدت أمورها وخرج إلى هوازن. وأما إقامته بالطائف فلا حجة فيه؛ لأنه لم ينو الإقامة بها تلك المدة: بل كان كل حين يعتقد فتحها وينصرف، وعلى هذا جاء ما روى أنه أقام بتبوك عشرين ليلة (¬1) يقصر وهذا حكم الجيوش فى بلاد الحرب يقصرون لأنهم لا ينوون إقامة متعينة، ولا يعلم متى يأتى ما يزعجهم. وقد ذهب بعض شيوخنا إلى أن الجيش الكبير الذى يأمن من يزعجه إذا نوى الإقامة أتم. وبقول مالك فى تقصير الجيش قال الشافعى وأبو حنيفة. وللشافعى قول آخر: إنه يقصر فى سبعة عشر فى دار الحرب، ويتم فيما زاد. واسترجاع أبى مسعود إذ رأى عثمان أتمَّ لكراهية خلاف ما عهد من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وعمر وعثمان قبلُ، وصلاته فيها خلف عثمان على ما جاء فى غير كتاب مسلم، دليل على [أن] (¬2) إنكاره ليس أنه رآه خالف الفرض، وإنما خالف الفضل، إذ لو اعتقد أن فرضه ركعتان لم يستبح أن يصليها خلفه، ولقوله: " الخلاف شر " (¬3) كما لو رآه صلاها ركعةً أو خمساً لما رأى اتباعه، ولو كان عنده الإتمام بدعةً لكان شراً، ولم يكن خلافه شراً بل خيراً. ¬

_ (¬1) فى ت: يوماً. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) أبو داود، ك المناسك، ب الصلاة بمنى (1960).

(2) باب قصر الصلاة بمنى

(2) باب قصر الصلاة بمنى 16 - (694) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ صَلَّى صَلاةَ الْمُسَافِرِ بِمِنىً وَغَيْرِهِ رَكْعَتَيْنِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَكْعَتَيْنِ، صَدْرًا مِنْ خِلافَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا. (...) وحدّثناه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: بِمِنًى. وَلَمْ يَقُلْ: وَغَيْرِهِ. 17 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِى بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلافَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا. فَكَانَ ابْنُ عَمَرَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. (...) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوهُ. 18 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ عَن ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ صَلَّى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى صَلاةَ الْمُسَافِرِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ثَمَانِىَ سِنِينَ. أَوْ قَالَ: سِتَّ سِنِينَ. قَالَ حَفْصٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّى بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَأْتِى فِرَاشَهُ. فَقُلْتُ: أَىْ عَمِّ، لَوْ صَلَّيْتَ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لأَتْمَمْتُ الصَّلاةَ. (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الصَّمَدِ قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، ولَمْ يَقُولا فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْحَدِيثِ: بِمِنًى. وَلكنْ قَالا: صَلَّى فِى السَّفَرِ. 19 - (695) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّى مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ وَابْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فليت حظى من أربع ركعتان " (¬1) يدل على هذا؛ لأن الأربع لو لم تكن مشروعةً ولا مباحةً فى السفر لم تكن فيها حظ جملة ولا تبعيض، وإنما أشار إلى الرخصة والتخفيف واتباع سنة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك. قال الداودى: خشى أن لا تجزيه الأربع. قال القاضى: وفيه بُعْدٌ ولا خلاف بين المسلمين أنَّ القصر في الصلوات الثلاث الرباعية، وأن الصبح والمغرب لا يُقْصران، أما الصبح فإنها الركعتان اللتان عليهما زيدت فى صلاة الحضر على قول عائشة، أو التى رُدَّت لمثلها صلاة القصر على حديث عمر، فلم يمكن نقصها بعد هذا، ولأنها شفع فلو قصرت عادت وِتراً [وصلاة] (¬2) المغرب وتر صلاة النهار، فلو قصرت لقصرت الركعتين فعادت شفعاً، وتغيرت الصلاتان عن حالهما بخلاف الرباعيات الثابتة على وصفها من الشفع بعد القصر. وقد خرَّج البخارى حديث ابن عمر: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، يعنى فى السفر (¬3)، وذكر القاضى أبو عبد الله أنه لا خلاف بين العلماء، أن المغرب والصبح فرضتا على حسبهما، وأنه لا قصر فيهما. وقال محمد بن أبى صفرة فى المغرب: أنها فرضت ثلاثًا ولم تفرض ركعتين نحو ما قال، وهذا لا أعلم حجة تعينه، ولن يقدُم على مثل هذا إلا بحجة. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: من أربع ركعات ركعتان. (¬2) ساقطة من ت. (¬3) البخارى، ك تقصير الصلاة، ب يصلى المغرب ثلاثاً فى السفر (1092).

20 - (696) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ - عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى، آمَنَ مَا كَانَ النَّاسُ وَأَكْثَرَهُ، رَكْعَتَيْنِ. 21 - (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِى حَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الْخُزَاعِىُّ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى، وَالنَّاسُ أَكْثَرُ مَا كَانُوا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (قَالَ مُسْلِمٌ): حَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الْخُزَاعِىُّ، هُوَ أَخُو عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، لأُمِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول مسلم: حارثة بن وهب الخزاعى وهو أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه (¬1)، كذا فى أكثر النسخ وعند عامة شيوخنا، والذى عند القاضى أبى على: أخو عبد الله، والصواب أخو عبيد الله بالتصغير، كذا ذكره البخارى (¬2) وابن عبد البر وغيره تزوج أمه مليكة بنت جرول الخزاعى عمر بن الخطاب فولدت له عبيد الله، وأما عبد الله فأمه أم حفصة زينب بنت مظعون (¬3). ¬

_ (¬1) أمه - رضى الله عنه - أم كلثوم بنت جرول بن مالك الخزاعية، له فى الصحيحين ثلاثة أحاديث سوى هذا الحديث، اتفق عليها الشيخان، وروى له الجماعة، له صحبة، يُعدُّ فى الكوفيين. الاستيعاب 1/ 308، الإصابة 1/ 619، طبقات ابن سعد 6/ 26، طبقات خليفة 108، تحفة الأشراف 3/ 10، تهذيب الكمال 5/ 318. (¬2) التاريخ الكبير 3 الترجمة (324)، وانظر أيضاً: المعرفة ليعقوب 2/ 630. (¬3) ابن حبيب الجمحية أخت عثمان بن مظعون، أم عبد الله وحفصة وعبد الرحمن الأكبر بنى عمر بن الخطاب، كانت من المهاجرات. الاستيعاب 3/ 1857، الإصابة 7/ 680.

(3) باب الصلاة فى الرحال فى المطر

(3) باب الصلاة فى الرحال فى المطر 22 - (697) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلاةِ فِى لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، فَقَالَ: أَلا صَلُّوا فِى الرِّحَالِ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ، يَقُولُ: " أَلا صَلُّوا فِى الرِّحَالِ ". 23 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلاةِ فِى لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ، فَقَالَ فِى آخِرِ نِدَائِهِ: أَلا صَلُّوا فِى رِحَالِكُمْ، أَلا صَلُّوَا فِى الرِّحَالِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فى السَّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: " أَلا صَلُّوَا فِى رِحَالِكُمْ ". 24 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلاةِ بِضَجْنَانَ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: أَلا صَلُّوا فِى رِحَالِكُمْ. وَلَمْ يُعِدْ، ثَانِيةً: أَلا صَلُّوا فِى الرِّحَالِ، مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم أحاديث الصلاة فى الرحال، وأن ابن عمر أَذَّنَ بذلك فى ليلة ذات برد وريح، وذكر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقوله إذا كانت ليلةٌ باردةٌ ذاتُ مطر فى السفر. وفى هذه الآثار حجةٌ للمتخلِّف (¬1) عن الجماعة لعذر المطر والبرد. وفيه الأذان فى السفر وقد تقدم. وقوله: " فقال فى آخر أذانه: ألا صلوا فى الرحال " (¬2): فهذا يبين أنه بعد تمام الأذان، وجاء فى حديث ابن عباس أنه قال لمؤذنه: " إذا قلت: أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حى على الصلاة، قل: صلوا فى بيوتكم " وقد استدل بهذا من أجاز الكلام فى الأذان، وهو مذهب أحمد بن حنبل، وروى عن الحسن وعروة [وعطاء وقتادة] (¬3) وعبد العزيز بن أبى سلمة وابن أبى حازم من المالكية، ومذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة وعامة الفقهاء كراهته، ولا حجة لأولئك بهذه الأحاديث، أما حديث ابن عمر فقد بين أنه فى آخر أذانه، وظاهره أنه بعد تمامه؟ وأما حديث ابن عباس فلم يسلك به مسلك الأذان، ألا تراه [كيف] (¬4) قال: " لا تقُل حىَّ على الصلاة "؟ فإنما أراد بذلك إشعار الناس كما صنع فى التثويب للأمراء. ¬

_ (¬1) فى الأصل: للتخلف، والمثبت من ت. (¬2) الذى فى المطبوعة: فى آخر ندائه. (¬3) فى ت، ق: وقتادة وعطاء. (¬4) من ق، س.

25 - (698) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْر حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: خَرَجْنَا معَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَمُطِرْنَا. فَقَالَ: " لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِى رَحْلِهِ ". 26 - (699) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَن عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيادِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ لمُؤَذِّنِهِ فى يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلا تَقُلْ: حَىَّ عَلَى الصَّلاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِى بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ. فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّى كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ، فتَمْشُوا فِى الطِّيْنِ وَالدَّحْضِ. 27 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فِى يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم: حديث ابن عباس وأمره مؤذنه يمثل ذلك فى يوم جمعة مطير (¬1) وقال: " قد فعله خير منى " يعنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقياس الأمرين فى السفر والحضر واحدٌ وللجماعة وللجمعة (¬2) إذا كانت المشقة لكن حضور الجماعة فضيلة وسنة، وحضور الجمعة فريضة وحتم. وقد اختلف العلماء فى ذلك، فذهب أحمد إلى التخلف عنها للمطر الوابل، ولم ير ذلك مالك عذراً يوجب التخلف (¬3) وروى عنه كقول (¬4) أحمد [ومحمل اختلافه فى مجمله] (¬5). وقوله: " [خطبنا ابن عباس] (¬6) فى يوم ذى ردغ " قال الإمام: وقع فى كتاب مسلم " رذغ " بالذال المعجمة، وشرحه الهروى فى باب [الراء مع] (¬7) الزاى، وقال عند أبى عبيد الرزغ [هو] (¬8) الطين فى الرطوبة، وقد أرزغت السماء فهى مرزغة. قال القاضى: [لم يقع عندنا فى الأم لجميع شيوخنا إلا بالدال المهملة، ووقع لنا] (¬9) من رواية أبى الفتح السمرقندى " رزغ " كما قال الهروى، وضبطه بفتح الزاى، وكلاهما ¬

_ (¬1) فى ت: مطيرة. (¬2) من ت، والذى فى الأصل: والجمعة. (¬3) وقد قال ابن عبد البر: إذا كان هذا فى السفر، فلا معنى لذكر يوم الجمعة. التمهيد 13/ 271. (¬4) فى الأصل: يقول، والمثبت من ت. (¬5) فى الأصل: واختلافه ومجمله، والمثبت من هامش ت. (¬6) و (¬7) من ع. (¬8) ساقطة من س. (¬9) سقط من الأصل، واستدرك بسهم فى هامشه.

ذِى رَدْغٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثَ ابْنِ عُلَيَّةَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمُعَةَ. وَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى، يَعْنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، بِنَحْوِهِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ - هُوَ الزَّهْرَانِىُّ - حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِهِ: يَعْنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 28 - (...) وحدَّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ فِى يَوْمٍ مَطِيرٍ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. وَقَالَ: وَكَرِهْتُ أَنْ تَمْشُوا فِى الْدَّحْضِ وَالزَّلَلِ. 29 - (...) وحدّثناهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلاهُمَا عَن عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ مُؤَذِّنهُ، فِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ، فِى يَوْمِ جُمُعَةٍ فِى يَوْمٍ مَطِيرٍ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. وَذَكَرَ فِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى. يَعْنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح بمعنى، وأما الذال المعجمة فقد وقع فى بعض النسخ ولا وجه له، والرَّدَغ والرَّدْغ بفتح الدال المهملة وسكونها الطين، والرزغ كذلك الماء القليل، قال صاحب العين: الرزغة أشد من الردغة، وتفسيره فى الحديث. وقيل: الردْغة بالدال أشد من الرزغة بالزاى. [وقال ابن الأعرابى: الردْغ والردغة الطين] (¬1). وقال الداودى: اليوم الرزغ: المغيم البارد. وقوله: " كرهت أن يمشوا فى الدحض والزَّلل " (¬2)، ومعنى الدحض: الزلق، من معنى الزلل. وقوله: " كرهت أن أُحْرِجكم ": كذا رويناه هنا، بالحاء المهملة أى أشق عليكم وأضيق، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} (¬3) وقوله: فى سنده: " حدثنى أبو الربيع العَتَكِىُّ، هو الزهرانى": كذا وقع فى الأم هنا مجتمعين، ومرَّة يقول فيه: " العتكى " ومرة " الزهرانى "، ولا يجتمع العتك وزهرانُ إلا ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) الذى فى المطبوعة: فكرهت أن تمشوا. (¬3) الحج: 78.

30 - (...) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِىُّ، حَدَّثَنَا وَهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ - قَالَ وَهَيْبٌ: لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ - قَالَ: أَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُؤَذِّنَهُ فِى يَوْمِ جُمُعَةٍ، فِى يَوْمٍ مَطِيرٍ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى جدهما، هما أبناء عم، وليس أحدهما فصيلةً من صاحبه، زهران ابن الحجر بن عمران بن عمرو [من بقيا] (¬1) والعتكُ (¬2) بن الأسد بن عمرو، وقد تقدم تنبيهنا عليه، فلعله صليبةٌ فى النسب الواحد، وكان خليفًا للآخر وجارًا. ¬

_ (¬1) سقط من ت. (¬2) فى ت: والعتيك.

(4) باب جواز صلاة النافلة على الدابة فى السفر حيث توجهت

(4) باب جواز صلاة النافلة على الدابة فى السفر حيث توجهت 31 - (700) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى سُبْحَتَهُ، حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ نَاقَتُهُ. 32 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ. 33 - (...) وحدَّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْن أَبِى سُلَيْمَانَ؛ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِيَنَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} (¬1). 34 - (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْن أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَه. وفِى حَدِيثِ ابْنِ مُبَارَكٍ وَابْنِ أَبِى زَائِدَةَ: ثُمَّ تَلا ابْنُ عَمَر: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه}. وقَالَ: فِى هَذَا نَزَلَتْ. 35 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر؛ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يصلى سُبْحَتَهُ حيث توجهت به ناقته " (¬2) بيِّنٌ معناه فى الرواية الأخرى (¬3)، وأزال الاحتمال بقوله حيث (¬4) كان وجهُه، [وبما] (¬5) فى حديث أنس ووجهه عن يسار القبلة. ¬

_ (¬1) البقرة: 115. (¬2) فى ت: راحلته. (¬3) لعله يقصد حديث حرملة: " يُسَبِّح على الراحلةِ قِبَل أَىِّ وجْهٍ توَجَّه ". وحديث عمرو بعده: " على ظهر راحلته حيث توجَّهت ". (¬4) الذى فى المطبوعة: حيثما. (¬5) من ق، س.

36 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْن عُمَرَ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. قَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ. فَقَالَ لِى ابْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: خَشِيتُ الْفَجْرَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ؟ فَقُلْتُ. بَلَى، وَاللهِ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ. 37 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنَ دِينَارٍ: كَانَ ابْنِ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. 38 - (...) وحدَّثنى عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ المِصْرِىُّ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " [لولا أنى] (¬1) رأيتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله (¬2) ما فعلته ": ولا خلاف فى هذا بين العلماء فى جواز تنفُّل المسافر حيث توجهت به راحلته كان إلى القبلة أَوْ لا، واختلفوا فى ابتداء صلاته، فذهب مالك وغيره إلى أن الابتداء أو غيره سواء، وذهب الشافعى وأحمد وأبو ثور أنه (¬3) يفتتح إلى القبلة استحساناً، ثم يصلى بعدُ [كيف شاء و] (¬4) أمكنه. [ثم] (¬5) اختلفوا فى أى سفر يباح هذا؟ فمالك لا يراه إلا فى سفرٍ يجوز فيه قصر الصلاة، وعامتهم على أنه يجوز فى كل سفر طال أو قصر، وأبو يوسف يجيزه فى الحضر، ونحوه عن أنس: " كان يومئ على حمار فى أزقة المدينة "، وحكاه بعض الشافعية عن مذهبهم. وقوله: " كان يوتر على راحلته ": أصلٌ فى جواز الوتر عليها كيف توجهت به، وهو قول مالك والشافعى وأحمد [وإسحاق] (¬6) وعطاء، خلافاً لأصحاب الرأى. وقوله: " غير أنه لا يصلى عليها المكتوبة " إجماعٌ من أهل العلم أنه لا يصلى على ¬

_ (¬1) فى الأصل: إنى، والمثبت من ت، والمطبوعة. (¬2) فى الأصل: فعله، والمثبت من ت، والمطبوعة. (¬3) فى الأصل: أن، والمثبت من ت. (¬4) من ت. (¬5) فى الأصل: و. (¬6) من ت.

39 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةَ قِبَلَ أَىِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّى عَلَيْهَا المَكْتُوبَةَ. 40 - (701) وحدّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلَ فِى السَّفَرِ، عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ تَوَجَّهَتْ. 41 - (702) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرينَ؛ قَالَ: تَلَقَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ فَتَلَقَّيْنَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّى عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ ذَلِكَ الجَانِبَ - وَأَوْمَأَ هَمَّامٌ عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ - فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةَ. قَالَ: لَوْلا أَنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ لَمْ أَفْعَلْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الدابة فريضةً لغير عذر من خوفٍ أو مرض. واختلف فى المرض، واختلف فيه قول مالك إذا استوت حالته فى الصلاة فى الأرض وعليها، واختلف قول مالك هل حكم السفينة [فى التنفل] (¬1) حيث توجهت به حكم الدابة أو خلافها؟ وقوله فى حديث عمرو بن يحيى فى الباب: " رأيت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى على حمارٍ " وهم الدارقطنى وغيره [عمرًا] (¬2) فى قوله: " على حمار "، والمعروف فى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على راحلته وعلى البعير، والصواب أنه من فعل أنس، كما حكاه مسلم بعد هذا، ولم يخرج البخارى حديث عمرو. وقوله: " وهو موَّجه (¬3) إلى خيبر ": أى متوجه، يقال: وجَّه هاهنا، أى توجه، وقد يقال: إن معناه: قاصدٌ، يقال: هذا وجهى إليه، أى قصدى، وقد يقال: معناه: أى مقابل بوجهه إليها. ولم يذكر فى كتاب مسلم صفة صلاته على الدابة، وقد وقع مفسراً فى الموطأ من فعل أنس قال: إيماءً (¬4) وقال مالك: وتلك سنة الصلاة على الدابة، قال: " ولا يسجد على القربوس ". ¬

_ (¬1) من ت، ق. (¬2) فى ت: عمرٍو. (¬3) فى س: متوجه. (¬4) فى س: إنما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلقينا أنساً حين قدم الشام " (¬1): كذا وقع فى جميع النسخ لمسلم، قيل: هو وهم، وصوابه: من الشام وكذا أخرجه [البخارى] (¬2)، وذلك أنهم خرجوا من البصرة للقائه حين قدم [من] (¬3) الشام. ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: تلقينا أنس بن مالك حين قدم الشام. (¬2) من ت. وانظر البخارى فى صحيحه، ك تقصير الصلاة، ب صلاة التطوع على الحمار (1100). (¬3) من ت. وقد جاء فى ت بعد كلمة (الشام) ما يلى: كمُل الجزءُ الأول من الإكمال، والحمد لله ذى الجلال، وصلى الله على سيدنا محمد المنعوت بأحمد الخلال، وعلى آله وأصحابه أولى الفضل والإفضال. ويتلوه إن شاء الله تعالى فى أول الثانى أحاديث الجمع بين الصلاتين. كتبه بخطه لنفسه العبد الفقير إلى رحمة مولاه، الغنى عمن سواه، الراجى عفو ربه البارى أبو الحسين بن على بن يوسف التونسى الأنصارى، عفا الله عنه، وأتاه مغفرة من لدنه. وهذه النسخة تجزية أربعة أجزاء، وهذا الجزء أولها، وهو الربع من الشرح المعَلق.

(5) باب جواز الجمع بين الصلاتين فى السفر

(5) باب جواز الجمع بين الصلاتين فى السفر 42 - (703) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ، جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث الجمع بين الصلاتين قال الإمام: الجمع بين الصلوات المشتركة الأوقات يكون تارة سنةً، وتارةً رخصةً، فالسنة الجمع بعرفة والمزدلفة، [ولا خلاف فى ذلك] (¬1)، وأما الرخصة فالجمع فى المرض والسفر والمطر، فمن تمسك بحديث صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع جبريل - عليه السلام - وقدَّمه لم ير الجمع فى ذلك، ومن خصَّه أثبت جواز الجمع فى السفر بالأحاديث الواردة فيه، وقاس المرض عليه، فيقول: إذا أبيح للمسافر الجمع لمشقة السفر، فأحرى أن يباح للمريض، وقد قرن الله المريض بالمسافر فى الترخيص له فى الفطر والتيمم، وأما الجمع فى المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته فى المغرب والعشاء، وعنه قولة شاذة: أنه لا يجمع إلا فى مسجد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فى المطر واحتج القائلون بالجمع بالحديث الذى فيه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالمدينة ثمانياً وسبعاً (¬2). قال مالك أرى ذلك فى المطر، وهذا المعنى قاله (¬3) غيره، فقال بالجمع (¬4) بين الظهر والعصر على ما جاء فى الحديث، ولم يقل بذلك مالك فى صلاة النهار وخص الحديث بضربٍ من القياس، وذلك أن الجمع للمشقة اللاحقة فى حضور الجماعة، وتلك المشقة إنما تدرك النَّاسَ [فى الليل] (¬5)؛ لأنهم يحتاجون إلى الخروج من منازلهم إلى المساجد، وفى النهار هم منصرفون فى حوائجهم، فلا مشقة تدركهم فى حضور الجماعة (¬6)، وتأويل الحديث، على أنه كان فى مطر، يضعّفه ما فى أحد طرق هذا الحديث، وهو قول ابن عباس: " جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فى المدينة فى غير خوف ولا مطر "، فقد نص ابن عباس على أنه لم يكن فى مطر، قال: وقيل فى تأويله: أن ذلك كان فى الغيم، فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الظهر ثم انكشف له فى الحال أنه وقت العصر فصلاها، وهذا يضعفه جمعه فى الليل؛ لأنه لا يخفى دخول الليل ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) الذى فى المطبوعة: ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً. (¬3) فى ع: تأوَّله. (¬4) فى ع: بل يجمع. (¬5) فى ع: بالليل. (¬6) فى ع: الصلاة.

43 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. 44 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَة، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ. 45 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِى السَّفَرِ، يُؤَخِّرُ صَلاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى يلتبس دخول (¬1) المغرب مع وقت العشاء ولو كان الغيم، قال ويشبه (¬2) أن يكون فعل ذلك فى المرض، والذى ينبغى أن يحمل عليه [ما] (¬3) أعنى يتلوه أو تأويله من أحاديث الجمع عند من لا يقول به: إنه أوقع الصلاة الأولى فى آخر وقتها والثانية فى أول وقتها. قال القاضى: ذكر مسلم فى هذا الباب فى السفر حديث ابن عمر: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عجل به السيرُ جمع بين المغرب والعشاء " وفى بعض طرقه: " يؤخر المغرب (¬4) حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء "، وإنما خص ابن عمر جمع صلاتى الليل هنا لأنه أورد الحديث حجة لنازلته. وذلك أنه استصرخ على زوجه صفية بنت أبى عبيد (¬5)، فاستعجل السير وجمع بين المغرب والعشاء. ذكر مسلم " بعد أن غاب الشفق " (¬6) وفى غيره: " صلى المغرب قبل مغيب الشفق (¬7) ¬

_ (¬1) فى ع: وقت. (¬2) فى ع: والأشبه. (¬3) من ع. (¬4) الذى في المطبوعة: يؤخِّرُ صلاة المغرب. (¬5) الثقفية، أمها عليلة بنت أبى العاص، أخت عتَّاب أمير مكة: قال ابن منده: أدركت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروت عن عائشة وحفصة، ولا يصحُّ لها سماعٌ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى عنها نافع مولى ابن عمر، الاستيعاب 4/ 1873، الإصابة 7/ 750. واستصراخ عبد الله عليها - رضى الله عنهما - أخرجه البخارى فى، ك التقصير، ب يصلى المغرب ثلاثاً فى السفر 2/ 55، وكذا فى ك الحج، ب المسافِرُ إذا جَدَّ به السيرُ يُعجِّلُ إلى أهله 3/ 10. (¬6) و (¬7) فى المطبوعة: حين يغيب الشفق.

46 - (704) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ - يَعْنِى ابْنَ فَضَالَةَ - عَنْ عُقَيْلٍ. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. 47 - (...) وحدَّثنى عُمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّار الْمَدَايِنِىُّ، حَدَّثَنَا لَيثُ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِى السَّفَرِ، أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. 48 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ العَصْرِ، فَيجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم انتظر حتى غاب فصلى العشاء " (¬1) ثم احتج على نازلته بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك ولم يتعرض لذكر فعله فى صلاة النهار، فلا حجة فيه أنه كان لا يجمع بالنهار، على أن أبا داود (¬2) قد رواه: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جد به السير صَنع مثل ما صنعت " من غير تعيين صلاة. وذكر مسلم فى الباب حديث أنس: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّرَ الظهر حتى يدخل وقت العصر، ثم ينزل فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق، فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب (¬3). ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب الجمع بين الصلاتين من حديث نافع وابن واقد 1/ 277، وأخرجه النسائى، ك المواقيت، ب أول وقت العشاء من حديث جابر 1/ 211، وانظر: أحمد فى المسند 3/ 351. (¬2) أبو داود الكتاب والباب السابقين. (¬3) أدخل الإمام هنا ثلاثة طرق فى بعضها، الأول: قتيبة بن سعيد، والثانى: عمرو الناقد، والثالث: أبو الطاهر وعمرو بن سواد.

(6) باب الجمع بين الصلاتين فى الحضر

(6) باب الجمع بين الصلاتين فى الحضر 49 - (705) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر حديث ابن عباس ومعاذ فى جمع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة تبوك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقالا: " أراد ألا يحرِج أمته " ولم يفسرا صورة الجمع، وقد فسره فى حديث معاذ فى كتاب أبى داود " قال: كان إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ أَخَّرَ الظهر حتى ينزل للعصر وفى المغرب والعشاء مثله " (¬1) وفى هذا الباب أحاديث الجمع بعرفة والمزدلفة يجمع بين الظهر والعصر بعرفة حين زالت الشمس وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة بعد مغيب الشفق (¬2) وفى الموطأ من حديث على بن حسين أن النبى - عليه السلام - كان إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر، وإذا أراد أن يسير ليلته جمع بين المغرب والعشاء (¬3)، وفى الموطأ من حديث معاذ فى غزوة تبوك أنه أخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً (¬4)، فأفادت ألفاظ هذه الأحاديث معانى متفرقة من الفقه تنبنى وتلتئم إن شاء الله تعالى ولا تتنافر. ففى حديث معاذ هذا جمعه بين هذه الصلوات وهو نازل دون سير ولا كونه على ظهر لقوله: " ثم دخل ثم خرج " وهذا هو ظاهر الكلام، وقد قيل: يحتمل أن يكون خرج عن الطريق للصلاة ثم دخل فيها للسير، وهذا بعيد، وقيل: لعله كان هذا مع المطر. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب الجمع بين الصلاتين بلفظ قريب، وفيه بعد حتى ينزل للعصر: " وفى المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أَخَّرَ المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما " 1/ 276. (¬2) راجع البخارى فى صحيحه، ك الحج، ب الجمع بين الصلاتين بعرفة، حديث سالم 2/ 199. وهو الذى صرَّح بالجمع بعرفة، ثم مسلم، ك الحج، ب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتى المغرب والعشاء جميعًا بالمزدلفة فى هذه الليلة 2/ 934، ولم يذكر سوى الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، والحديث أخرجه أبو داود، ك المناسك، ب صفة حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جعفر بن محمد عن أبيه 1/ 443، وأحمد فى المسند 1/ 129، ومالك فى الموطأ، ك قصر الصلاة فى السفر، ب الجمع بين الصلاتين فى الحضر والسفر 1/ 145. (¬3) الكتاب والباب السابقين، وقال محققه: قال ابن عبد البر فى التقصِّى: هذا الحديث يتصل من رواية مالك من حديث معاذ بن جبل وابن عمر معناه، وهو عند جماعة من الصحابة مسنداً. (¬4) السابق 1/ 143.

50 - (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَعَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ، جَمِيعًا عَنْ زُهَيْرٍ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى حديث ابن عمر وعلى بن حسين أن الجمع مقتضاه مع ارتفاع جد السير، لقوله: " إذا عجل به السير "، " إذا أراد أن يسير يومه "، " وإذا أراد أن يسير ليله ". وأفاد حديث ابن عباس ومعاذ فى الكتاب الرخصة، ورفع الحرج وهو يدل على جواز ما فعل من ذلك. وأفاد حديث أنس فى الكتاب صلاة الأولى فى وقت الأخرى لمشقة النزول لحلول وقت الأولى، وأنه إن رحل بعد حلول وقت الأولى صلاها وترك الصلاة الأخرى لنزوله فيصليهما جميعاً لوقتهما، وظاهره أن نزوله فى وقت الآخرة. وأفاد حديث معاذ فى كتاب أبى داود بيان صورة الجمع واختلاف أحواله ومضمونه ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى وصلاته كل واحدة فى وقت الأخرى (¬1)، وهذه هى حقيقة الرخصة والتخفيف. وموضع خلاف العلماء، على أنه لا وجه للخلاف ولا يجوز مع صحة الآثار بذلك وتظاهرها وهو مضمون حديث ابن عمر وفعله فى كتاب مسلم، واحتجاجه بأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله، وأنه كان يؤخر المغرب حتى يصليها مع العشاء. وأفادت أحاديث الجمع بعرفة عند الزوال أن الرحيل إذا كان عند دخول وقت الصلاة الأولى، وكان السير مستمراً والنزول بعد خروج وقت الآخرة أن يكون الجمع فى وقت الأولى [إذ لا نزول لهم فى وقت الآخرة] (¬2). وأفاد جمع مزدلفة أن الصلاة الأولى إذا حانت والمسافر على ظهر ونزوله قبل خروج وقت الآخرة أن يكون الجمع فى وقت الآخرة؛ لأن الشمس تغيب عليهم وهم ركبان عاملين (¬3) عملهم ونزولهم قبل، وهو من معنى حديث أنس ومعاذ فنزَّل بعض شيوخنا مسألة الجمع على مفهوم هذه الأحاديث، فإذا زالت الشمس وهو فى المنهل ويعلم أنه إذا رحل لم ينزل إلا بعد الغروب جمع فى أول وقت الظهر على ظاهر حديث معاذ، وإن كان نزوله قبل الاصفرار لم يجمع وصلى الأولى وأخر الآخرة حتى ينزل، على ظاهر حديث أنس، وإن زالت الشمس وهو على ظهر وكان نزوله قبل الاصفرار أخرهما حتى ينزل وجمعهما على مقتضى حديث معاذ. واختلف إذا كان نزوله بعد الاصفرار وقبل الغروب، وإن كان نزوله بعد الغروب ¬

_ (¬1) وذلك فيما أخرجه عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّرَ الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل يجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلَّى الظهر ثم ركب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ك الصلاة، ب الجمع بين الصلاتين 1/ 278. (¬2) من هامش الأصل، س، ولعلها تفسيرية. (¬3) فى س: عاملون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع وصلى الأولى فى آخر وقتها والثانية فى أول وقتها، وعليه مجمل قول مالك فى المدونة إذ لابد من نزول لصلاتهما وجمعهما، فكونه فى وقت يمكن أن يصليهما فيه فى وقتهما المختار أولى وهذا نص فعل ابن عمر، وقد قال: " صنعت مثل ما صنع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وهى كانت سنة نازلة ابن عمر؛ لأنه قطع فى ليلته تلك مسيرة ثلاث، فلم يأخذ وقت صلاة فيهما وهو نازل فنزل لهما نزولاً واحداً، ويحمل ما جاء فى كتاب مسلم فى فعله هذا، وقول نافع بعد مغيب الشفق [فى الآخرة منهما لبيان الرواية الأولى من صلاته للمغرب قبل مغيب الشفق] (¬1). وقوله فى رواية سالم [فى مسلم] (¬2): " أخَّرَ المغرب حتى جمع بينها وبين العشاء " ولم يقل فى وقت العشاء، وكذلك حكم المغرب والعشاء فى هذه الأحوال، وهذا على مذهب من نظر الحِيطَة للوقت مع الأخذ بالرخصة، وأما غيره فأخذ بمجرد الرخصة ولم يتلفت إلى هذا، وقال أبو الفرج عن مالك: من أراد الجمع بين الصلاتين فى السفر جمع بينهما إن شاء فى آخر وقت الأولى، أو فى أول وقت الآخرة، وإن شاء أخر الأولى فصلاها فى آخر وقتها، وذلك لجواز الصلاة بعرفة والمزدلفة، وهذا قول الشافعى وجمهور العلماء. قال أبو الفرج: وهو أصل هذا الباب، فرأى من قال هذا أن فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك توسعة ورخصه، وأن تقديمه العصر بعرفة كتأخير المغرب بالمزدلفة، وكذلك اختلاف ذلك فى الجمع فى السفر، وقد اختلف العلماء فى الجمع للمسافر على ما تقدم، مع اتفاقهم على الجمع بعرفة ومزدلفة واتفاقهم على منع الجمع بين الصلوات التى لا اشتراك بينها (¬3) من العصر والمغرب [والعشاء والصبح] (¬4) والصبح والظهر، فرأى الجمع للمسافر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء جماعة السلف والشافعى وفقهاء أصحاب الحديث، وهو معروف مذهب مالك. واختلف عنه مع القول بالجمع هل ذلك بمجرد السفر أو حتى يجد به السير، أو يخاف فوات أمر؟ وباشتراط جد السير قال الليث والثورى، وباشتراط العذر قال الأوزاعى، وبمجرد السفر قال جمهور السلف وعلماء الحجاز وفقهاء أصحاب الحديث والظاهر، وأنه يجمع أى وقت شاء من الأولى أو الآخرة، وأبى أبو حنيفة وحده الجمع للمسافر، وحكى كراهته عن الحسن وابن سيرين، وروى عن مالك مثله، وروى عنه كراهته للرجال دون النساء، قال أبو حنيفة: إلا أن للمسافر أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها فيصليها، ويؤخر قليلاً ثم يصلى العصر أول وقتها، فلا صلاة فى وقت أخرى تجوز لمسافِر ولا حاضرٍ إلا بعرفة ومزدلفة. وأما ما ذكره مسلم من أحاديث الجمع فى غير السفر، فحديث ابن عباس وقال فيه: " جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا سفر " وفى الأخرى: " ولا مطر كان ولا سفر " (¬5). ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من س. (¬3) فى س بينهما. (¬4) سقط من س. (¬5) حديث فى غير خوف ولا سفر لفظه فى المطبوعة: صلى.

قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيداً: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِى، فَقَالَ: أَرَادَ أَلا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ. 51 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاةِ فِى سَفْرَةٍ سَافَرَهَا، فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الجمع بين صلاتين على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأويل مالك الحديث على أنه كان فى المطر، وقد تأوله غيره من أهل العلم، وقول ابن عباس فى ذلك: " أراد ألا يُحرِجَ أمته " (¬1) فقد تقدم كلام الإمام أبى عبد الله عليه وبالجمع فى المطر [بين] (¬2) العشائين كما قال مالك قال الشافعى وأحمد وإسحاق وجمهور السلف، ولم ير ذلك مالك فى الظهر والعصر، وقال بالجمع فى المطر الوابل: الشافعى وأبو ثور والطبرى، وهو ظاهر قول مالك فى الموطأ، والطين والظلمة عند مالك كالمطر، وقد جاء عنه ذكر الطين مجرداً، وأبى من الجمع للمطر ليلاً ونهاراً: الليث وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر، وذهب كافة العلماء إلى منع الجمع بين الصلاتين فى الحضر لغير عذر إلا شذوذاً منهم من السلف ابن سيرين، ومن أصاحبنا أشهب، فأجازوا ذلك للحاجة والعذر ما لم تتخذ عادة، ونحوه لعبد الملك فى الظهر والعصر، وحجتهم فى ذلك حديث ابن عباس، وقوله: " أراد ألا يحرج أمته " وتأول ذلك على تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية لأول وقتها، على ما تأوَّله أبو الشعثاء وعمرو بن دينار فى كتاب مسلم، وبه [علَّا] (¬3) أشهب الحديث قال: لأنه يصلى فى آخِرِ الوقتين اللذين وقَّت جبريل - عليه السلام - فى حديث ابن عباس، وإذا كان هذا لم يكن خلافاً، وظاهر حديث ابن عباس يحتمل الوجهين. وقوله: " أراد ألا يحرج أمته ": أى أنَّ لهم جواز تأخير الصلاةِ إلى آخر وقتها، وليس فى ظاهره ما يدل أنه يجمعهما فى الحضر فى أول وقت الأولى أو يؤخرها لوقت الآخرة. وكذلك الجمع للمريض الذى يخاف أن يُغلب على عقله جائز أول الوقت عند مالك، ومنعه الشافعى وسحنون من أصحابنا، فأما الذى الجمع أرفق به فعند مالك يجمع فى آخر وقت الأولى وأول وقت الثانية، وكذلك لا يجمع المريض الأولى عند الحنفى على أصله، وعند سحنون وغيره ممن لم ير لهم الجمعَ. ¬

_ (¬1) فى الأصل: بالبناء لما لم يسم فاعله، وفى المطبوعة وس بالبناء للمعلوم كما جاءت أيضاً فى المطبوعة: " أن لا يُحرج أحداً من أمته ". (¬2) فى س: و. (¬3) فى س: علل.

قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَلا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. 52 - (706) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ عَامِرٍ عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةِ تَبوكَ، فَكَانَ يُصَلِّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. 53 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْن حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا قُرَّةُ ابْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ أَبُو الطُّفَيْلِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرجَ أُمَّتَهُ. 54 - (705) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالمَدِينَةِ، فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ. (فِى حَدِيثِ وَكِيعٍ) قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَىْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ، قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. 55 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِياً جَمِيْعاً، وَسَبْعاً جَمِيْعاً. قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ، أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ. قَالَ: وَأَنَا أَظُّنُ ذَاكَ. 56 - (...) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. 57 - (...) وحدَّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الصَّلاةَ، الصَّلاةَ. قَالَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ، لا يَفْتُرُ وَلا يَنْثَنِى: الصَّلاةَ، الصَّلاةَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُتُعَلِّمُنِى بِالسُّنَّةِ؟ لا أُمَّ لَكَ؟ ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالْعِشَاءَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَقِيقٍ: فَحَاكَ فِى صَدْرِى مِنْ ذَلِكَ شَىْءٌ. فَأَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَصَدَّقَ مَقَالَتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فحاك فى صدرى " (¬1) أى أخذ به، قال الليث: الحيك أخذ القول بالقلب، وقيل: معناه: تحرك، وقال شمِر: الحايك: الراسخ فى قلبك مما يهمك، وقال الحربى: هو ما يقع فى خَلَدِك ولا ينشرح له صدرك، وخِفْتَ الإثم فيه، فقال بعضهم: وصوابه: حكَّ، ولم يقل شيئاً، قال أهل اللغة: يقال حاك يحيك، حَكّ يُحِكّ، واحتكَّ وأحاكَ لغةٌ حكاها الخليل وأنكرها ابن دريد، وفى أحاديث جمع المغرب إلى العشاء وتأخير ابن عباس لها دليل على أن لها وقتين، وفعل ابن عباس يدل على أنه رأى الترخيص فى الجمع فى الحضر كما روى. قال الإمام: [ذكر مسلم فى الباب] (¬2): حدثنى أبو الطاهر (¬3) وعمرو بن سواد (¬4)، أنبأنا (¬5) ابن وهب (¬6)، حدثنى جابر بن إسماعيل عن عُقيل [عن ابن شهاب] (¬7) حديث أنس، هكذا روى هذا الإسناد مجوَّداً، ووقع فى نسخة ابن ماهان، أنبأنا ابن وهب قال: حدثنى إسماعيل عن عُقيلٍ، وهذا وَهْم، وإنما هو جابر بن إسماعيل: شيخ لابن وهب، مصرى، ووقع فى بعض النسخ أيضاً: ابن وهب عن حاتم بن إسماعيل (¬8) وليس بشىء. قال القاضى: كان فى النسخة الواصلة إلينا من المعلم خلل فى آخر هذا الكلام، وصوابه، ما أثبتناه عليه إذ نَقْلُهُ ما نُقِل من كتاب الجيانى فحققناه وأصلحناه منه، وروايتنا ¬

_ (¬1) القائل: عبد الله بن شقيق. (¬2) فى ع: خرَّج مسلم فى هذا الباب. (¬3) هو أحمد بن عمر بن عبد الله بن السرح الأموى، أبو الطاهر المصرى، توفى سنة تسعة وأربعين ومائتين. (¬4) ابن الأسود: أبو محمد المصرى. (¬5) فى المطبوعة: أخبرنا. (¬6) هو عبد الله بن وهب بن مسلم مولى ابن رمانة. (¬7) من ع والمطبوعة. (¬8) يعنى بدل جابر، وحاتم هو ابن إسماعيل المدنى، أبو إسماعيل الحارثى، روى عن يحيى بن سعيد وهشام بن عروة، وأبى واقِد، وعنه ابن مهدى، وابن أبى شيبة، وقتيبة، وغيرهم، مات سنة ست وثمانين ومائة.

58 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عِمْرَانَ بْنُ حُدَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ: الصَّلاةَ. فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ: الصَّلَاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه من طريق الجلودى: حاتم بن إسماعيل، ومن طريق ابن ماهان: إسماعيل، كذا عند جميع شيوخنا عن العذري، والسمرقندى وابن الحذَّاء وسائر رواة الجلودى، وابن ماهان، إلا أنه كان فى كتاب شيخنا القاضى التميمى رواية ابن الحذَّاء بخط ابن العسال عن جابِر بن إسماعيل بغير خلاف على الصواب، وفى كتاب شيخنا أبى محمد الخشنى: حدثنا (¬1) ابن إسماعيل، دون اسم، فطرح الاسم لأجل الوهم وأبقى النسب الصحيح ليسلم من الوهم فى اسم ابن إسماعيل، والصواب: جابر، كما حكى الشيخ، وكذا صوَّبه الجيَّانى وأبو على الحافظ، وكذا ذكره الدمشقى (¬2) وأبو داود والنسائى (¬3) فى حديث ابن شهاب. وقال البخارى: جابر بن إسماعيل يُعد فى المصريين عن عقيل، روى عنه ابن وهب (¬4). قال الإمام: وخرَّج مسلم فى هذا الباب حديث قرَّة (¬5) بن خالد [قال: ثنا] (¬6) أبو الزبير المكى (¬7) عن عمرو بن واثلة أبو الطفيل قال: [ثنا] (¬8) معاذ بن جبل [قال: جمع رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة تبوك الحديث] (¬9)، هكذا أتى [فى] (¬10) هذا الإسناد أبو الطفيل عمرو بن واثلة، والمشهور المحفوظ فى اسم أبى الطفيل [عامر] (¬11) لا عمرو، ¬

_ (¬1) فى ق، س: نا. (¬2) صاحب الأطراف، أبو مسعود. الحافظ المجوّد، إبراهيم بن محمد بن عُبيد، حدث عنه أبو ذر الهروى، وحمزة بن يوسف السَّهمى، مات سنة أربعمائة. سير 17/ 223. (¬3) أبو داود، ك الصلاة، ب الجمع بين الصلاتين 1/ 278، والنسائى فى المجتبى، ك المواقيت، ب الوقت الذى يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء1/ 231، كما أن النسائى أخرج لحاتم بن إسماعيل فى غير هذا الباب من غير هذا الطريق 1/ 234، ب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة. (¬4) التاريخ الكبير 2/ 1/ 203، وانظر: تهذيب الكمال 4/ 434. (¬5) وقُرَّة: هو ابن خالد السدوسى البصرى، روى عن الحسن البصرى، وعمرو بن دينار المكى، ومحمد بن سيرين ومعاوية بن قُرَّة المُزَنى وأبى الزبير المكى، وغيرهم، وعنه الطيالسى، ووكيع، وشعبة - وهو من أقرانه - وعبد الرحمن بن مهدى، ويحيى بن سعيد القطان، وآخرون. قال البخارى عن على بن المدينى: له نحو مائة حديث، وقال فيه يحى بن سعيد: كان قرة عندنا من أثبت شيوخنا. مات سنة نيف وسبعين - أو أربع وخمسين - ومائة. روى له الجماعة. تهذيب الكمال 23/ 577. (¬6) من ع. (¬7) هو محمد بن مسلم بن تدرس، روى عن العبادلة الأربعة، وعائشة، وجابر، وابن جبير، وعكرمة وغيرهم، وعنه عطاء، والزهرى، والأعمش. التهذيب 9/ 440. (¬8): (¬10) من ع. (¬11) أتت فى س على وفق ما صحح القاضى.

فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ: الصَّلاةَ. فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ: لا أُمَّ لَكَ؛ أَتُعَلِّمنا بِالصَّلاةِ؟ وَكُنَّا نَجْمَعُ بيْنَ الصَّلاتَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما أتى هذا من قبل الراوى عن أبى الزبير (¬1) قال بعضهم هو عامر بن واثلة الليثى المكى ابن ليث بن بكر بن عبد مناة، ومن قال أبو الطفيل البكرى ينسبه إلى ابن عبد مناة، وليس ابن بكر بن وائل، وقد نبه عليه البخارى فى تاريخه الكبير فقال: اسمه عامر، [وقال بعضهم: عمرو (¬2)، وقال فى الأوسط (¬3): اسم أبى الطفيل عامر] (¬4) ونحوه فى كتاب التمييز لمسلم (¬5). قال القاضى: عامر على المشهور وقعت روايتنا فيه عن عامة شيوخنا فى الكتاب من طريقى مسلم، إلا أن أبا بحر حدثنا عن أبى الفتح الشاشى به فقال: عمرو، وما حكاه الجيانى من روايته عمرو، وقد ذكر مسلم فى الأم عن زهير عن أبى الزبير وسماه " عامرًا " بغير خلاف. ¬

_ (¬1) يعنى قرة، قلت: وقد أتت فى المطبوعة على التصويب، ومع هذا فقد قال النووى: هكذا ضبطناه عامر بن واثلة، وكذا هو فى بعض نسخ بلادنا، وكذا نقله القاضى عياض عن جمهور رواة صحيح مسلم، ووقع لبعضهم: عمرو بن واثلة، وكذا وقع فى كثير من أصول بلادنا 5/ 219. قلت: عُرِف - رضى الله عنه - بالاسمين، قال ابن عبد البر: والأول -يعنى عامر- أكثر وأشهر، ولد عام أحد، وأدرك من حياة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمان سنين، توفى عام مائة. الاستيعاب 2/ 798، 4/ 1696. (¬2) انظر: التاريخ الكبير جـ 6 الترجمة رقم (2947). (¬3) وفى الصغير كذلك 1/ 251. (¬4) سقط من ق. (¬5) انظر: الكنى والأسماء، لوحة 145.

(7) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

(7) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال 59 - (707) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنِ الأَسُوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: لا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ للِشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا، لا يَرَى إِلا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَلا يَنْصَرِفَ إِلا عَنْ يَمِينِهِ، أَكْثَرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ. (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ عَلِىُّ ابْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 60 - (708) وحدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَن السُّدِّىِّ، قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا: كَيْفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلَّيْتُ؟ عَنْ يَمِينِى أَوْ عَنْ يَسَارِى؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ. 61 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّىِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِه. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم عن عبد الله التغليظ فيمن يرى ألا ينصرف إلا عن اليمين، فقال: " أكثر ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينصرف عن شماله، وذكر عن أنس [مثله] (¬1) [ضدّه] (¬2) عامة العلماء والسلف على أنه ليس فى هذا الباب سنة، وأنه سواء الانصراف من حيث شاء، وهو مقتضى الحديثين، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعلهما معاً، وأخبر كل واحد بما شاهده وعقله من أكثر فعله. وقوله: " لايجعلَنَّ أحدُكم للشيطان من نفسه جزءاً "، وفى البخارى: " شيئاً من صلاته لا يرى أن عليه حقاً ألا ينصرف إلا عن يمينه " (¬3) ظاهر أن فعل ذلك عنده بدعةٌ ومن عمل الشيطان، وذهب الحسن إلى استحباب الانصراف عن اليمين (¬4) وقال ابن عمر فى الموطأ: " إن قائلاً يقول: انصرف عن يمينك " (¬5)، فدلَّ أن الخلاف كان مقولاً حينئذ، ولذلك أنكره ابن عمر. ¬

_ (¬1) ساقطة من ق، س. (¬2) ساقطة من س. (¬3) البخارى، ك الأذان، ب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال (852). (¬4) أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف 1/ 305. (¬5) ك قصر الصلاة فى السفر، ب العمل الجامع فى الصلاة 1/ 169، وقد أخرجه ابن ماجة بنحوه، ك الإقامة، ب الانصراف من الصلاة 1/ 300.

(8) باب استحباب يمين الإمام

(8) باب استحباب يمين الإمام 62 - (709) وحدّثنا أَبُو كرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْبَرَاءِ، عَنِ الْبَرَاءِ؛ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. قَالَ: فَسَمعْتُهُ يَقُولُ: " رَبِّ، قِنِى عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ - أَوْ تَجْمَعُ - عِبَادَكَ ". (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى الباب حديث البراء: " كنا إذا صلينا خلف رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كلنا] (¬1) عن يمينه، يقبل علينا بوجهه " (¬2) وهو يُحتمل لهذا، ويحتمل للتيامن عند التسليم، وهو أظهر من الأول، وإلا فإذا انصرف عن يمينه أو شماله فقد كانت عادته - عليه السلام - أن يستقبل جميعهم بوجهه على ما جاء فى حديث سمرة وأنس وغيرهما (¬3). وإقبال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتمل أن يكون بعد قيامه من مصلاه، أو يكون ينفتل دون قيام، وقد جاء فى بعضها: " إذا انصرف أقبل علينا بوجهه " (¬4) فيه أن الإمام لا يبقى على حالته فى مصلاه، فإما أن يقوم أو ينحرف عن موضعه وينفتل بوجهه لئلا يخلط على الناس، ويظن الداخل أنه فى الصلاة بعد، ولأنه تقدمه لأجل الصلاة انتقض بتمامها، ومقامه هناك من باب التمييز بمكانه (¬5) عن غيره، وفيه شىء من العجب والكبر كما كره له الصلاة أرفع مما عليه أصحابه، وإن أمن ذلك فى حق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونُزِّه عنه (¬6)، فهو يشير بما تقتدى به بعده (¬7). ¬

_ (¬1) فى المطبوعة، س: أحببنا أن نكون. (¬2) والحديث أخرجه أبو داود فى الصلاة، ب الإمام ينحرف بعد التسليم 1/ 144. (¬3) أما حديث سمرة فسيأتى إن شاء الله فى ك الرؤيا، ب رؤيا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. برقم (2275)، وقد أخرجه البخارى فى أكثر من موضع، فى الأذان، ب يتقبل الإمام الناس إذا سَلَّمَ 1/ 214، وفى الجنائز 2/ 125، أما رواية أنس فقد سبقت فى ك المساجد، ب وقت العشاء وتأخيرها، وقد أخرجه البخارى بنحوه فى الكتاب والباب السابقين من حديث زيد بن خالد الجهنى 1/ 214. (¬4) من حديث أنس. (¬5) فى س: بمكانهم. (¬6) قال الشافعى: لا اختيار فى ذلك أعلمه، لما روى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينصرف عن يمينه وعن يساره، وإن لم يكن له حاجة فى ناحية أحببت أن يكون توجهه عن يمينه، لما كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب التيامن، غير مضيق عليه فى شىء من ذلك. الأم 1/ 128. (¬7) فى س: فيه.

(9) باب كراهة الشروع فى نافلة بعد شروع المؤذن

(9) باب كراهة الشروع فى نافلة بعد شروع المؤذن 63 - (710) وحدَّثنى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دينَارٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ ". وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 64 - (...) وحدَّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: عَنْ أَبِى هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا أقيمت الصلاةُ فلا صلاة إلا المكتوبةُ ": أخذ قوم بظاهر هذا الحديث، وهو قول أبى هريرة، وروى عن عمر أنه كان يضرب على صلاة الركعتين بعد الإقامة، وإليه ذهب بعض الظاهرية، رأوا أنه يقطع صلاته إذا أقيمت عليه [الصلاة] (¬1) وكلهم يقولون: لا يبتدئ نافلةً بعد الإقامة لنهيه - عليه السلام - المتقدم. وذهب مالك إلى أنه إذا أقيمت عليه وهو فى نافلة، فإن كان ممن يخف عليه ويقيمها بقراءة أم القرآن وحدها قبل أن يركع الإمام أتمها، وإلا قطع، وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يتمها. واختلفوا فى صلاة ركعتى الفجر إذا أقيمت الصبح، فذهب جمهور السلف والعلماء إلى أنه لا يصليها فى المسجد، ثم اختلفوا: هل يخرج لها ويصلى خارجه أم لا؟ وهو قول جماعة من السلف جملة، ويدخل فى المكتوبة، وهو قول مالك والشافعى وأحمد والطبرى إذا أقيمت عليه وقد دخل المسجد، وقول ابن سيرين: متى أقيمت عليه، دون تفصيل. واختلف من أباح له الخروج لصلاتها، هل ذلك ما لم يخش فوات الركعة الأولى، فإذا خشيها دخل مع الإمام ولم يخرج؟ وهذا قول مالك والثورى: إذا أقيمت قبل أن يدخل المسجد، وقيل: بل إنما يُراعى فواتُ الآخرةِ. قد روى هذا - أيضاً - عن مالك، أن يصليها وإن فاتته صلاة الإمام إذا كان الوقت واسعاً، قاله ابن الجَلَّابُ (¬2) وذهبت طائفة ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: جلاد، وهو خطأ، والجلاب هو أبو القاسم عبيد الله بن الحسن - أو الحسين - بصرى، تفقَّه بالأبهرى، له كتاب فى مسائل الخلاف، وكتاب التفريع فى المذهب، كان من أحفظ أصحاب الأبهرى، وأنبلهم. توفى عام ثمان وسبعين وثلاثمائة. راجع: الديباج 1/ 461، ترتيب المدارك 7/ 76، شجرة النور الزكية 1/ 92، وقال الذهبى: كان أفقه المالكية فى زمانه بعد الأبهرى. سير 16/ 383.

(...) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. (...) وحدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. قَالَ حَمَّادٌ: ثُمَّ لَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِى بِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ. 65 - (711) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْن عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ بُحَيْنَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّى، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَىءٍ، لا نَدْرِى مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ لِى: " يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّى أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا ". قَالَ الْقَعْنَبِىُّ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مَالِك بْنُ بُحَيْنَةَ عَنْ أَبِيهِ. (قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمٌ): وَقَوْلُهُ: عَنْ أَبِيهِ، فِى هَذَا الْحَدِيثِ، خَطأ. 66 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَفْصِ بْن عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ؛ قَالَ: أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ. فَرَأَى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يُصَلِّى، وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ. فَقَالَ: " أَتُصَلِّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من السلف والفقهاء إلى أنه يُصليها فى المسجد والإمام يصلى، وروى هذا عن ابن مسعود. ثم اختلف هؤلاء: هل يركعهما فى المسجد ما لم يخش فوات الركعة الأولى، فإن خشيها دخل مع الإمام؟ وهذا قول الثورى، وقيل: يركعهما ما لم يخش فوات الركعة الثانية، وهو قول الأوزاعى وأبى حنيفة وأصحابه، وقد حكى عن أبى حنيفة أنه يركعهما عند باب المسجد. وقد ذكر مسلم الاختلاف على عمرو بن دينار فى رفع الحديث ووقفه على أبى هريرة وبسبب هذا الاختلاف لم يُخرِّجه البخارى. قال الترمذى: ورفعه أصح (¬1). قال الإمام: وقوله - عليه السلام - للرجل الذى رآه يصلى والمؤذن يقيم: " أتصلى الصبح أربعًا؟ " وفى حديث آخر: " يوشك أن يصلى أحدكم (¬2) الصبح أربعًا ": هذه ¬

_ (¬1) وقال: حديث أبى هريرة حديثٌ حسن، ثم قال محققه تعليقاً على قول الترمذى: إن المرفوع أصحُّ، قال: لأن الرفع زيادة ثقة، فهى مقبولة 2/ 283. (¬2) فى ع: يوشك أحدُكم أن يُصلى.

67 - (712) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ؛ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى صَلاةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِى جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَما سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا فُلانُ، بِأَىِّ الصَّلاتِيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ أَبِصَلاتِكَ وَحْدَكَ، أَمْ بِصَلاتِكَ مَعَنَا؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إشارة إلى [أن] (¬1) علة المنع حماية للذرِيعة؛ لئلا يطول الأمر ويكثر ذلك فيظن الظانُّ أن الفرض قد تغيَّر، وهذا يقرب من المعنى الذى ذكرناه عن ابن عمر فى إنكاره على المتنفل فى السفر (¬2)، [وبنحو] (¬3) ما وجهنا به منع الركوع عند صلاة الصبح اعتُذر عن عثمان - رضى الله عنه - في إتمامه الصلاة بمنىً، وإنما ذلك خيفة أن يغتر الجهال إذا صلوا ركعتين، ويظنوا أن الصلاة غيِّرتْ، وقد شذ بعض الناس، فأجاز أن يركع للفجر فى المسجد والإمام فى الصلاة، ولعله لم تبلغه هذه الأحاديث، [أ] (¬4) وتأوَّل ذلك على أنه فيمن أخذ يصلى الصبح وحده قبل صلاة الإمام، ثم يعيدها معه وقد ذكر فى بعض [طرق] (¬5) هذا الحديث أنه قال له: " بأى الصلاتين اعتددت، أبصلاتِك وحدَك أم بصلاتك معنا؟ " (¬6). وقد اختلف فى ركعتى الفجر: هل هما سنة أو فضيلة (¬7)؟ وهذا الخلاف إنما هو راجع إلى زيادة الأجر وتأكيد فعلها؛ لأن هذه الأقسام كلها لا يأثم من ترك شيئاً منها وإنما يتفاضل أجره فى فعلها، وأعلاها أجراً هذا المسمى بالسنة. قال القاضى: فى هذا الحديث رأى رجلاً يصلى الصبح والمؤذن يقيم فبين أنه صلى الفرض. وقوله فى الحديث الآخر فى الذى دخل المسجد فصلى ركعتين فى باب (¬8) المسجد، ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) يعنى حديث: " لو كنت مُسبِّحاً لأتممتُ ". والذريعة ما يكون طريقاً لمحلل أو محرم، وأصلها عند العرب ما تألفه الناقة الشاردة من الحيوان لتضبط به. وفارقت الحيلة فى عدم القصد عند الفاعل غالباً. راجع: تهذيب الفروق 3/ 274، أصول الفقه لأبى زهرة 227. (¬3) من المعلم، والذى فى الإكمال: وهو. (¬4) و (¬5) من المعلم. (¬6) حديث أبى كامل الجحدرى. (¬7) السنة: ما يتناول كل ما علم وجوبه أو ندبيته بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بإدامته فعله؛ لأن السنة - كما ذكر الرازى - مأخوذة من الإدامة، وهى عند المالكية ما واظب النبى على فعله مظهراً له، والنافلة عندهم أول مرتبة من الفضيلة التى هى أنزل رتبة من السنة، وعند جمهور الأصوليين وأكثر الشافعية: السنة ما واظب عليه النبى، والمستحب ما فعله مرةً أو مرتين، والتطوع ما ينشئه الإنسان باختياره ولم يرد فيه نقل. راجع: المحصول 1/ 129، والإبهاج 1/ 36. (¬8) الذى فى المطبوعة: جانب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم دَخل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما سلم قال له: " بأى الصلاتين اعتددت أبصلاتِك وحدك أم بصلاتِك معنا؟ " إشارةً إلى علة أخرى فى المسألة بيِّنةٍ، وهو الاختلاف على الأئمة، وحماية الباب وقطع الذريعة لتطرق أهل البدع والشقاق لترك الصلاة خلفهم حتى حمى ذلك فى الجمع فى المسجد مرتين، وفيه ردٌّ على من يجيز صلاة ركعتى الفجر فى المسجد والإمام يصلى الصبح وإن أدركها معه؛ لأن هذا قد صلى مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد، ألا تراه قال له: " أو التى صليت معنا " (¬1) وقد جاء فى حديث ابن بحينة (¬2) من رواية قتيبة: " أقيمت صلاة الصبح، فرأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يصلى [الصبح] (¬3) " وذكر الحديث. وقوله: " أيُصلى أربعاً ": فسر هنا أنها صلاة الصبح، وعليه يأتى قوله: " بأى الصلاتين اعتددت؟ "، وفى إنكار النبى - عليه السلام - ذلك (¬4) عليه وتوبيخه دليل على أنه لا يجوز أن يقطع ما كان فيه، ويدخل فى صلاة الإمام، إلا أن يمكنه تشفيعها قبل أن يصلى الإمام ركعة. واختلف المذهب فى المغرب، هل يقطع على كل حال إذ لا تنفل قبلها؟ أو ينصرف من شفع كغيرها من الصلوات؟ وقول مسلم فى الحديث من روايته، عن القعنبى (¬5) بسنده، عن عبد الله بن مالك ابن بحينة، عن النبى - عليه السلام - وما ذكر عن القعنبى من زيادته عن أبيه وأنه خطأ، وأن بحينة أم عبد الله، كله صحيح (¬6): ولذلك أسقطها من سند القعنبى مسلم ونبَّه عليها ¬

_ (¬1) اللفظ أخرجه أبو داود، ك الصلاة، ب إدراك الإمام ولم يصلِّ ركعتى الفجر، من طريق حماد بن زيد عن عاصم 1/ 291، وكذا عبد الرزاق فى المصنف 2/ 440، وأحمد فى المسند 5/ 82 ولكن بلفظ: " أو صلاتك التى صليتَ معنا ". (¬2) ابن بحينة هو: عبد الله بن مالك بن بحينة الأسدى، وبحينة أمه، له صحبة، توفى آخر أيام معاوية. تهذيب 15/ 508. (¬3) ليست فى المطبوعة. (¬4) فى الأصل: ذليك، والمثبت من س. (¬5) فى ق: القعفلى، وهو تصحيف. والقعنبى هو عبد الله بن مسلمة بن قعنَب القعنبى، الحارثى، نزيل البصرة، قرأ على مالك بن أنس كتبه، وقال العجلى: قرأ مالك بن أنس عليه نصف الموطأ وقرأ هو على مالك النصف الباقى، وقال أبو زرعة: ما كتبت عن أحدٍ أجلُّ فى عينىَّ منه. قال البخارى: مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. التاريخ الصغير 2/ 345، الطبقات لابن سعد 7/ 302، التاريخ الكبير 5 الترجمة (680)، تهذيب الكمال 16/ 136. (¬6) قال المزى فى التهذيب: سُمى فى روايته مالك بن بحينة، وقال ابن حجر: واختلف فيه على حفص، ففى رواية شعبة وأبى عوانة وحماد بن سلمة كلهم عن سعد بن إبراهيم عن حفص بن عاصم: مالك بن بحينة، وقال النسائى: قول من قال مالك بن بحينة: خطأ، والصواب عبد الله بن مالك بن بحينة قاله بغير إحالة. تهذيب التهذيب 5/ 381. وإبراهيم بن سعد هو الزهرى أبو إسحاق المدنى ممن روى عنه شعبة وأبو داود الطيالسى، والقعنبى، والليث بن سعد، وعلى بن الجعد، قال فيه أحمد بن حنبل: أحاديثه مستقيمة، وقال البخارى: قال لى إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث فى الأحكام سوى المغازى، وإبراهيم بن سعد من أكثر أهل المدينة حديثاً فى زمانه. تهذيب الكمال 2/ 188.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آخراً. قال الدارقطنى: الصوابُ من لم يقل: عن أبيه. قال ابن معين: ليس يروى أبوه عن النبى - عليه السلام - وإنما قال: عن أبيه إبراهيم بن سعد وهذا خطأ (¬1)، وكما ذكره مسلم ذكره البخارى فى الجامع ثم أتبعه بقول من قال: عن رجل من الأزد يقال له: مالك بن بحينة (¬2). [قال الجيانى: فجعله لمالك والد عبد الله، وهذا قول أصحاب شعبة] (¬3) قال الجيانى: وروايةَ الأوسى أصح. قال أبو مسعود الدمشقى: أهل العراق يقولون: عن مالك بن بحينة وأهل الحجاز قالوا فى نسبه: عبد الله بن مالك بن بحينة [الأسدى] (¬4) [وهو الأصح، قال البخارى فى تاريخه: عبد الله بن مالك بن بجينة الأسدى] (¬5) قال على: هو ابن مالك بن القشب من أزد شنوءة، وأمه بحينة بنت الحارث من المطلب، قال: وقال بعضهم مالك بن بجينة، والأول أصح (¬6). [وقال أبو عمر ابن عبد البر: [وقد] (¬7) قيل: إن بحينة أم أبيه مالك والأول أصح] (¬8) وذكر أباه مالكاً وأثبت صحبته وصحبة أبيه (¬9). وقوله: " فلما انصرفنا ": كذا عند بعضهم، وأكثرهم انصرفنا (¬10) وهما قريبا المعنى. ¬

_ (¬1) راجع: التاريخ ليحيى بن معين 2/ 327. (¬2) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة 1/ 169. (¬3) سقط من ق. (¬4) من ق. (¬5) سقط من ق. (¬6) التاريخ الكبير 5/ 10 ترجمة 17. (¬7) من الاستيعاب 3/ 982. (¬8) سقط من ق. (¬9) الاستيعاب 3/ 1348. وهو وهم على الصحيح، ومن عجب قول الحافظ ابن حجر: ولم يذكر أحدٌ مالكاً فى الصحابة إلا بعض ممن تلقَّاهُ من هذا الإسناد ممن لا تميز له. الفتح 2/ 167. (¬10) هكذا فى جميع النسخ، ولعلها: انحرفنا.

(10) باب ما يقول إذا دخل المسجد

(10) باب ما يقول إذا دخل المسجد (¬1) 68 - (713) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ - أَوْ عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ، افْتَحْ لِى أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ. وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ". (قَالَ مُسْلِمٌ): سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى يَقُولُ: كَتَبْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ كَتَابِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ. قَالَ: بَلَغَنِى أَنَّ يَحْيَى الْحِمَّانِىَّ يَقُولُ: وَأَبِى أُسَيْدٍ. (...) وحدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(11) باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة فى جميع الأوقات

(11) باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة فى جميع الأوقات 69 - (714) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِىِّ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ": هذا على الندب والترغيب باتفاقٍ من أهل العلم، إلا داود وأصحابه فرأوه على الوجوب، وعدها بعضُ أصحابنا فى السنن، وهذا إذا كان فى وقتٍ يجوز فيه التنفل مطلقاً، فإن كان فى وقت يُمنع فيه التنفل مطلقاً لم يجز له صلاتها، خلافاً لبعض أهل الظاهر فى صلاتها كل وقت، وخلافاً للشافعى فى جواز صلاتها بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم تصفر؛ إذ هى عنده من النوافل التى لها سبب، وإنما يُمنع فى هذه الأوقات ما لا سبب له ويقصد ابتداءً لقوله - عليه السلام -: " لا تتحروا لصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها " (¬1) وإن كان فى وقت الضرورة للنوافل كما بعد طلوع الفجر إلى صلاة الصبح، فاختلف فيه الفقهاء واختلف فيه مالك فيمن ركع ركعتى الفجر وخرَّجوا الخلاف من قوله فيمن لم يركعهما [على مذهب مالك] (¬2)، وبالجواز قال الشافعى وأحمد وداود، وبالمنع قال أبو حنيفة والليث والأوزاعى، وهذا فيمن أراد الجلوس فى المسجد، أو أتاه للصلاة، فأما من أراد الابتداء بغرضه فذلك أسيغ (¬3) له أن يترك ركعتى التحية ويبدأ بفرضه أو يصليهما ثم يصلى فرضه، إلا أن يضيق الوقت للفرض فيبدأ به، وأما إن كان لم يدخل المسجد للصلاة بل مجتازاً، فقد اختلف فيه اختيار السلف وحققه أكثرهم، ولم يوجبوا عليه الركوع، وهو قول مالك، واختلف قوله فى تحية المسجد فى صلاة العيد إذا صليت فيه، ورأى فى مسجد مكة تقديم الطواف على التحية، وفى مسجد المدينة يقدم التحية على السلام ¬

_ (¬1) سيرد إن شاء الله فى ب الأوقات التى نهى عن الصلاة فيها، وقد أخرجه البخارى فى ك المواقيت، ب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس (582)، وكذا أحمد فى المسند 2/ 19، 33، 106، والنسائى كذلك، ب النهى عن الصلاة بعد العصر 1/ 279، ومالك فى الموطأ، ك القرآن، ب النهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر 1/ 221. (¬2) من ق، س. (¬3) فى س: واسع.

70 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىّ عَنْ زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمِ بْنِ خَلْدَةَ الأَنْصَارِىُّ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانِى النَّاسِ. قَالَ: فَجَلَسْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟ " قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُكَ جَالِسًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، قَالَ: " فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ ". 71 - (715) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِىُّ أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِىُّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: كَانَ لِى عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ، فَقَضَانِى وَزَادَنِى، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ لِىَ: " صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووسَّع فى ذلك أيضاً. قال الإمام: اختلف [الناس] (¬1) فيمن أتى المسجد بعد الفجر وقد ركع ركعتى الفجر، هل يُحَيى المسجد بركعتين؟ وسبب الخلاف يعارضه عموم [هذا] (¬2) الحديث الآخر، الذى فيه النهى عن الصلاة بعد الفجر إلا ركعتى الفجر، [وقد] (¬3) قال بعض أصحابنا: إن من تكرر دخوله إلى المسجد فإنه يسقط عنه تحية المسجد، كما أن المختلفين إلى مكة والمترددين إليها من الحطابين وأهل الفاكهة يسقط عنهم الدخول بالإحرام، وكذلك يسقط سجود التلاوة عن القراء والمقرئين، والوضوء لمسِّ المصحف عن المعلمين. ¬

_ (¬1) و (¬2) من ع. (¬3) ساقطة من ع.

(12) باب استحباب الركعتين فى المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه

(12) باب استحباب الركعتين فى المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه 72 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: اشْتَرَى مِنِّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيراً، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِى أَنْ آتِى الْمَسْجِدَ، فَأُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ. 73 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَاةٍ، فَأَبْطَأَ بِى جَمَلِى وَأَعْيى، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلِى، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. قَالَ: " الآنَ حِينَ قَدِمْتَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَدَعْ جَمَلَكَ. وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ". قَالَ: فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ. 74 - (716) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى أَبَا عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنِى مَحمُودُ بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْب أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، وعَنْ عَمَّهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلا نَهَارًا فِى الضُّحَى. فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وذكر مسلم أحاديث صلاة القادم من سفر ركعتين، هى - أيضاً - من الرغائب ونوافل الصلوات، وذكر فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها ومواظبته عليها وأمره بها، وهى طريقة السنن عند بعضهم وتمييزها من سائر النوافل، إذ كل ما زاد على الفريضة فهو نافلة، وهو أيضاً من جهة فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أمره سنة، لكن اختصت تسمية السنة عند العلماء بما تقدم من الوصف لما واظب على فعله، أو أمر به، أو قدّره بمقدار عند بعضهم، كالوتر، وركعتى الفجر، وزكاة الفطر، أو ما صلاه فى جماعة عند بعضهم كصلاة العيدين والاستسقاء.

(13) باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمانى ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها

(13) باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمانى ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها 75 - (717) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ؛ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الضُّحَى؟ قَالَتْ: لا، إِلا أَنْ يَجِىءَ مِنْ مَغِيبِهِ. 76 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَيْسِىُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الضُّحَى؟ قَالَتْ: لا، إِلا أَنْ يَجِىءَ مِنْ مَغِيبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم الأحاديث فى صلاة الضحى وإنكار عائشة صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها إلا أن يجىء من مغيبه، وقولها فى الرواية الأخرى: " ما رأيت " (¬1) وفى حديثها الآخر: " أنه صلاها أربع ركعات ويزيد ما شاء الله " وفى حديث أم هانئ: " ثمانى ركعات " وفى حديث أبى ذر وأبى هريرة: " ركعتان ". وقد اختلفت الآثار فى حكمها وعددها، واختلف العلماء فى ذلك، فمعظمهم على أنها مشروعة من نوافل الخير، لما روى من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها، وإظهاره فعلها وأمره بها، وقد قيل عن ابن عباس: إنها المراد بقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَال} (¬2)، وعنه: هى المراد بقوله: {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِى وَالإِشْرَاق} (¬3)، وروى عن ابن عمر فى الصحيح أنه كان لا يصليها، وحكى ذلك عن أبى بكر وعمر، وقال نحوه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4) وروى عنه - يعنى ابن عمر - أنه رأى الناس يصلونها فى المسجد فسأل، فقال: بدعة (¬5)، وعن أنس مثل حديث أم هانئ، وعن ابن مسعود أنه كان لا يصليها، وتأولوا حديث أم هانئ أنها صلاة الفتح، وأنها من ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬2) النور: 36، والمنقول عن ابن عباس فيها قال: يعنى بالغدو: صلاة الغداة، وبالآصال صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة، فأحب أن يذكرهما وأن يذكر بهما عباده. تفسير القرآن العظيم 6/ 71. (¬3) ص: 18، وجاءت فى الأصل: الأبكار، وهو وهم. (¬4) البخارى فى صحيحه، ك التهجد، ب صلاة الضحى فى السفر من حديث مُوَرِّق 2/ 73. (¬5) سيأتى إن شاء الله فى كتاب الحج، ب بيان عدد عمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزمانهن، وقد أخرجه البخارى فى أبواب العمرة، ب كم اعتمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3/ 3.

77 - (718) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السنن ثمانى ركعات، وقد صلاها خالد بن الوليد (¬1) واحتجوا بقولها - أيضاً - فى الرواية: " إلا أن يجىء من مغيبه ". وقد روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأحاديث فى صلاة الضحى وتسميتها ما لا ينكر من قول وفعل، وفى صلاتها من العدد ما تقدم، وروى عنه ست ركعات، واثنتا عشرة، وروى الطبرى أنه صلاها - عليه السلام - ركعتين، ثم أربعاً، ثم ستاً، ثم ثمانياً (¬2) واختار جماعة من السلف صلاتها ثمانياً على حديث أم هانئ، وجماعة أخرى صلتها أربعاً على حديث عائشة وجاء فى فضل من صلاها عشراً ومن صلاها اثنتى عشرة (¬3) ما جاء، وتنزيل الأحاديث أولاً فى حكمها أن مجمل قول عائشة " ما صلاها ". وقولها (¬4): " وما رأيته صلاها قط " مع قولها: " إنه صلاها " إما على أنها أخبرت فى الإنكار عن روايتها لذلك ومشاهدتها كما نصت عليه فى الحديث الآخر، وعلمت الأخر بغير المشاهدة من خبره أو خبر غيره عنه، وقيل: قد يكون إنكارها المواظبة على فعلها لا صلاتها بالجملة، وقد صح عنها أنها كانت تصليها وتقول: " لو نشر لى أبواى ما تركتهن " (¬5). وقولها: " قط " على المشاهدة منها لا على الصلاة، والأشبه عندى فى الجمع بين حديثيها أن يكون إنما أنكرت صلاة الضحى المعهودة حينئذ عند الناس، على الذى اختاره جماعة من السلف من صلاتها ثمانى ركعات، وإنه إنما كان يصليها أربعاً كما قالت، ثم يزيد ما شاء، وعلى هذا - أيضاً - يجمع بين الأحاديث المختلفة فى صلاتها، أن أقل ما يكون ركعتين؛ إذ هى أقل أعداد النوافل والفرائض، ثم كان - عليه السلام - يزيد فيها أحياناً ما شاء الله كما قالت عائشة، فيصليها مرة أربعاً، ومرة ستاً، ومرة ثمانياً، كما جاء فى الحديث الآخر، ثم بين فضيلة الزيادة فيها إلى اثنتى عشرة [ركعة] (¬6)، كما ¬

_ (¬1) فى الحيرة لما فتح الحيرة. نقلها ابن حجر عن الطبرى 3/ 66. (¬2) قال الحافظ فى الفتح: ست ركعات، الطبرانى فى الأوسط من حديث جابر 3/ 65. (¬3) حديث اثنتى عشرة ركعة: أخرجه الترمذى فى الصلاة، ب ما جاء فى صلاة الضحى 2/ 337، وابن ماجه، ك الصلاة، ب صلاة الضحى 1/ 439 ولفظه كما فى الترمذى عن أنس: " من صلى الضحى ثنتى عشرة ركعة بنى الله له قصراً من ذهب فى الجنة " وقال فيه: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ثم قال: وفى الباب عن أم هانئ وأبى هريرة ونعيم بن عمار، وأبى ذر وعائشة، وأبى أمامة، وعتبة بن عبد السلمى، وابن عباس. (¬4) فى الأصل: وقوله. (¬5) مالك فى الموطأ، ك قصر الصلاة فى السفر، ب صلاة الضحى 1/ 153، كما أخرجه عبد الرزاق بلفظ: لو نشر لى أبى. وجاءت فى الأصل: " ما تركتها " والمراد بالنشر - والله أعلم - البعث ثانية. (¬6) ساقطة من ق، س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء عن أبى ذر، وإن كل أحد أخبر بما رأى وشاهد من ذلك دون ما لم يشاهد، ومن علم فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للجميع حدَّث به، كما جاء فى حديث مجاهد (¬1)، ومحمل من لم يصلها من السلف على ما تقدم إن لم يجعلها مشهورة مقصورة على ذلك العدد والمواظبة لئلا تُلحق بالفرائض. وقد روى فى إنكار ابن مسعود عنه نحو هذا (¬2). وقول ابن عمر: " إنها بدعة " أى ملازمتها وإظهارها فى المساجد، مما لم يكن بعد، لاسيما وقد روى عنه: " بدعة ونعمت البدعة " (¬3) وروى عنه: " ما ابتدع المسلمون بدعة أفضل من صلاة الضحى " (¬4) كما قال عمر فى صلاة التروايح (¬5)، لا على أنها بِدْعة مخالفة للسنة، وكذلك روى عن ابن مسعود لما أنكرها على هذا الوجه، وقال: " إن كان لابد ففى بيوتكم، لِمَ تُحمِّلون عباد الله ما لم يُحمِّلهُم الله " كل ذلك خيفة أن يحسبها الجاهل من الفرائض، ولهذا ما رأى جماعة ممن رأى صلاتها فى بعض الأيام دون بعض ليخالف بينها وبين الفرائض (¬6)، واحتجوا بما روى عن أبى سعيد أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصليها حتى نقول: لا يدعها، ويدعها حتى نقول: لا يصليها (¬7). قال الإمام: وقول عائشة - رضى الله عنها -: " ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى سبحة الضحى [الحديث] (¬8) [وقول النبى] (¬9) فى قيام رمضان: " ما منعنى من الخروج إليكم إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم " (¬10) الحديث مجمله أنه - عليه السلام - أوحى إليه بذلك وأعلمه الله أنه متى واظب على فعل مثل هذا فُرِض على أمته فأشفق - عليه السلام - على أمته، وكان عليه السلام - كما قال الله تعالى -: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (¬11). ¬

_ (¬1) لعله يعنى ما أخرجه عبد الرزاق عنه وسعيد بن جبير قالا: " من صلى الضحى ثمانى ركعات كتب من الأوابين " 3/ 81. (¬2) يعنى بذلك ما أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه بإسناده عنه قال: " عباد الله، لم تحملوا عباد الله ما لم يُحمِّلهم الله، إن كنتم لابد فاعلين ففى بيوتكم " 2/ 406، وانظر: المصنف لعبد الرزاق 3/ 80. (¬3) جاءت بهذا الإسناد فى ابن أبى شيبة دون قوله: " ونعمت البدعة " 2/ 406، وقد وهم الحافظ ابن حجر فى الفتح فنقلها هكذا بتمامها وعزاها لابن أبى شيبة 3/ 63، والرواية بتمامها فى ابن أبى شيبة من حديث الحكم بن الأعرج قال: " سألت محمداً " الحديث 2/ 405. (¬4) لم نقف عليه. (¬5) البخارى فى صحيحه، ك الصيام، ب فضل من قام رمضان 3/ 58. (¬6) راجع: المصنف لابن أبى شيبة 2/ 407، وعبد الرزاق 3/ 79. وفيها: كان ابن عباس يصليها اليوم ويدعها العشر. (¬7) الترمذى فى السنن، ك الصلاة، ب ما جاء فى صلاة الضحى (477)، وأحمد فى المسند 3/ 21. (¬8) من ع. (¬9) فى الأصل: مع قوله، والمثبت من ع. (¬10) البخارى، ك الصيام، ب فضل من قام رمضان 3/ 59 بنحوه. قال ابن عبد البر فى قول عائشة: " ما سبَّح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَة الضحى قط ": إن من علم السنن علماً خاصاً يوجد عند بعض أهل العلم دون بعض وليس أحدٌ من الصحابة إلا وقد فاته من الحديث ما أحصاه غيره، والإحاطة ممتنعة، وإنما حصل المتأخرون على علم ذلك منذ صار العلم فى الكتب، لكنهم بذلك دخلت عليهم الدواخل فى حفظهم، فليسوا فى الحفظ كالمتقدمين، والله ينور بالعلم قلب من يشاء. التمهيد 8/ 135. (¬11) التوبة: 128.

وَإِنِّى لأُسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ. 78 - (719) حدّثنا شَيْبَان بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى الرِّشْكَ - حَدَّثَتْنِى مُعَاذَةُ؛ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا: كَمْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى صَلاةَ الضُّحَى؟ قَالَتْ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، وَقَالَ يَزِيدُ: مَا شَاءَ اللهُ. 79 - (...) وحدَّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةَ حَدَّثَتْهُمْ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قد قيل فى قوله: " خشية أن تُفْرَض عليكم " ما قدَّمناه أن يحسبَها من يأتى بعد للمواظبة عليها من الفرائض وسيأتى الكلام على هذا الحديث بعده. وقول عائشة: " سُبْحة الضحى "، وقولها: " وإنى لأسبِّحها " وقول عبد الله بن الحارث نحوه وقول أم هانئ: " فلم أره يُسبِّحها قبل، ولا بعدُ " (¬1) أى صلاة الضحى (¬2)، والصلاة تُسمى تسبيحاً، [وقد] (¬3) قيل هذا فى قوله تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِين} (¬4) أى المصلين، وفى قوله: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُون} (¬5) لكنها أكثر ما تستعمل فى النافلة بدليل قوله: " يصلون بسبحتهم " فى الحديث الآخر. وقوله: " اجعلوا صلاتكم معهم سبحة " (¬6) أى نافلة، ومن رواه: " وإنى لأستحبُّها " من الاستحباب، واحتج الحنفى ومن لا يرى الفضل فيها ولا فى صلاة النهار، وأنه لا عدد محصور فى صلاتها، بل تصلى ستاً وثمانياً وأقل وأكثر بتسليمة واحدة لحديث أم هانئ، وقولها: " صلى ثمانى ركعات " ولم تذكر فصلاً، ولا حجة لهم فى هذا؛ لأنها لم تقصد الفصل كما لم تذكر الإحرام ولا القراءة، وإنما أرادت إثبات سنة الصلاة وعدد الركعات، وأطلقت ما سوى ذلك على معهود الصلاة، وقد قال - عليه السلام -: " صلاة ¬

_ (¬1) جاء حديث أم هانئ فى المطبوعة بلفظ: " سبَّحها ". (¬2) زيد بعدها فى الأصل: وإنى لأصليها، وهو وهم ناسخ وسبق قلم. (¬3) من س. (¬4) الصافات: 143. (¬5) الروم: 17 (¬6) سبق فى باب الندب إلى وضع الأيدى على الركب فى الركوع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الليل والنهار مثنى مثنى " (¬1) فكيف وقد جاء الحديث من رواية ابن وهب، وفيه: " يُسَلِّم من كل ركعتين " (¬2)، فقطع بالمتأولين والمتعسفين. قال الإمام: واختلف فى العدد الذى يجمع بين الركعات فى صلاة النافلة من غير فصل، فقال مالك: لا يُجمع أكثر من ركعتين، وقال أبو حنيفة: يُصلى اثنتين إن شاء، أو أربعاً، أو ستاً أو ثمانياً، ولا يزيد على الثمانِ، واعتمد مالك على حديث مثنى مثنى، وعلى حديث ابن عباس حين بات عند خالته ميمونة (¬3) وقدم ذلك على غيره من الأحاديث لما ترجح به عنده من مصاحبة العمل. وغير ذلك، واحتج المخالف للاثنين بهذه الأحاديث، وللأربع بما وقع فى حديث عائشة [- رضى الله عنها - أنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى الضحى أربعاً] (¬4) ربما فى صلاته - عليه السلام - فى الليل [وكذلك حديث أم هانئ فى الثمان، ومالك قد يحمل ذلك على أنه كان يسلم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كل ركعتين ليس فى الأحاديث التصريح بأنه لم يسلم، ويحتج - أيضاً - المخالف فى نفيه المذكور بما فى حديث عائشة - رضى الله عنها - الذى فى الكتاب من صلاته - عليه السلام - فى] (¬5) الليل سبعاً ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب فى صلاة النهار 1/ 297، والترمذى، أبواب الصلاة، ب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى 2/ 491، وابن ماجة، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فى صلاة الليل والنهار مثنى مثنى 1/ 419، وكذلك أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه، ك الصلاة، ب التسليم فى كل ركعتين من صلاة التطوع 2/ 214، كما أخرجه أحمد فى المسند 2/ 26، 51؛ جميعاً عن ابن عمر، قال أبو عيسى: اختلف أصحابُ شعبة فى حديث ابن عمر، فرفعه بعضهم وأوقفه بعضهم، والصحيح ما روى عن ابن عمر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة الليل مثنى مثنى ". وقد أخرج ابن عبد البر من حديث مضر بن محمد قال: سألت يحيى بن معين عن صلاة الليل والنهار فقال: صلاة النهار أربعاً لا يفصل بينهن، وصلاة الليل ركعتين، فقلت له: أن أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، فقال: بأى حديث؟ فقلت: بحديث شعبة عن يعلى بن عطاء عن على الأزدى عن ابن عمر: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " فقال: ومن على الأزدى حتى أقبل منه هذا؟ أدَعُ يَحيى بن سعيد الأنصارى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوَّع بالنهار أربعاً لا يفصل بينهن، وآخذ بحديث الأزدى، لو كان حديث الأزدى صحيحاً لن يخالفه ابن عمر. قال يحيى: وقد كان شعبة ينفى هذا الحديث، وربما لم يرفعه. وقال ابن عبد البر: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الليل مثنى مثنى " كلام خرج على جواب السائل كأنه قال له: يا رسول الله، كيف تصلى بالليل؟ فقال: " مثنى مثنى "، ولو قال له بالنهار جاز أن يقول كذلك أيضاً مثنى مثنى، وما خرج على جواب السائل فليس فيه دليل على ما عداه وسكت عنه؛ لأنه جائز أن يكون مثله، وجائز أن يكون بخلافه. التمهيد 13/ 246. (¬2) يقصد القاضى ابن وهب فى موطئه، وذلك فيما أخرجه فيه عن عمرو بن الحارث ويونس بن يزيد وابن أبى ذئب عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدِع الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين، ويوتر بواحدة، ويمكث فى سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه. راجع التمهيد 8/ 123. (¬3) سيرد ان شاء الله فى باب الدعاء، وقد أخرجه البخارى فى أكثر من موضع. (¬4) و (¬5) من المعلم، وحديث صلاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعاً: أخرجه البخارى، ك التهجد، ب كيف كان صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكم كان النبى يصلى من الليل 2/ 64، وحديث صلاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعاً وثمانياً: أخرجه البخارى كذلك، ك المواقيت، ب وقت المغرب 1/ 147، والتهجد، ب من لم يتطوع بعد المكتوبة 2/ 73، والنسائى، ك المواقيت، ب الوقت الذى يجمع فيه المقيم 1/ 340، ب الجمع بين الصلاتين فى الحضر 1/ 234.

(...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 80 - (336) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ عَمْرِو بْن مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، قَالَ: مَا أَخْبَرَنِى أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الضُّحَى إِلا أُمُّ هَانِئٍ، فَإِنَّهَا حَدَّثَتْ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ، مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ بَشَّارٍ، فِى حَدِيثِهِ، قَوْلَهُ: قَطُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وثمانياً، يرجح المخالف مذهبه بأنه يستعمل جميع الأحاديث ولا يسقط منها شيئاً ويقول [فى المذهب] (¬1) الذى يؤدى إلى استعمال الأحاديث أرجح من الذى يسقط بعضها. قال القاضى: وقوله عن ابن أبى ليلى عن أم هانئ: " أن صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضحى ثمانى ركعات يوم الفتح كان فى بيتها "، وهكذا ذكره - أيضاً - مسلم عن أبى مرة (¬2) من غير طريق مالك وذكر حديث مالك وهو فى الموطأ عنه: " ذهبت إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح فوجدته يغتسل " الحديث (¬3)، وهذا أصح؛ لأن نزول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان بالأبطح وقد وقع مفسراً فى حديث سعيد بن أبى سعيد (¬4) عن أبى مرة بمثل حديث مالك وفيه: " وهو فى قبته بالأبطح "؛ لأن طلب التأمين وقتل المشركين إنما كان قبل دخول النبى - عليه السلام - بنفسه مكة وتأمينه سائرهم بنفسه. ¬

_ (¬1) فى الإكمال: لمذهبهم، والمثبت من المعلم. (¬2) وأبو مرة قيل: اسمه يزيد، ويقال: هو مولى أم هانئ. قال أبو عمر: والصحيح أنه مولى عقيل بن أبى طالب. التمهيد 13/ 184. مشهور بكنيته، رأى الزبير بن العوام. روى عن عقيل وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وأبى الدرداء، وأبى هريرة، وأبى واقد الليثى، وأم هانئ. قال الواقدى: إنما هو مولى أم هانئ، ولكنه كان يلزم عقيلاً فنُسب إلى ولائه. تهذيب التهذيب: 11/ 374. (¬3) الموطأ، ك قصر الصلاة فى السفر، ب صلاة الضحى 1/ 152. (¬4) المقبرُى، المدنى، والمقبرُى نسبة إلى مقبرة المدينة كان مجاوراً لها، روى عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وجبير بن مطعم، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعروة بن الزبير، وعنه شعبة والضحاك، ويحيى بن سعيد الأنصارى، مات سنة خمس وعشرين ومائة. تهذيب الكمال 10/ 466. والحديث أخرجه أحمد فى المسند 6/ 341، والحميدى فى مسنده 1/ 185، وابن عبد البر فى التمهيد 21/ 189، كما أخرجه ابن إسحاق من حديث سعيد بن أبى هانئ 2/ 411، وعبد الرزاق من حديث عطاء عن أم هانئ مختصراً 3/ 75.

81 - (...) وحدَّثنى حَرْملَةُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِىُّ قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَل قَالَ: سَأَلْتُ وَحَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَجِدَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يُخْبِرُنِى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُحَدِّثُنِى ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَتْنِى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى، بَعْدَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأُتِى بِثَوْبٍ فَسُتِرَ عَلَيْهِ، فَاغْتَسَلَ. ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ، لا أَدْرِى أَقِيَامُهُ فِيهَا أَطْوَلُ أَمْ رُكُوعُهُ أَمْ سُجُودُهُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ مُتَقَارِبٌ. قَالَتْ: فَلَمْ أَرَهُ سَبَّحَهَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ. قَالَ الْمُرَادِىُّ: عَنْ يُونُسَ. وَلَمْ يَقُلْ: أَخْبَرَنِى. 82 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ؛ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمَّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ. قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ: " مَنْ هَذِهِ؟ " قُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِى طَالِبٍ. قَالَ: " مَرْحَبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ واحتج من لم يجز شهادة الأعمى ولا على الصوت بقوله: " هذه؟ "، ولَمْ يُعَوِّل على صوتها، ولم يعرفه، إذ لم يرها، وهذا لا حجة فيه [جملة] (¬1)؛ لأن من يجيز الشهادة على الصوت إنما ذلك فيما حقق صاحب الصوت عليه فأما مع عدم تحقيقه فلا، والنبى - عليه السلام - لم يحقق صوتها لبعد عهده بها، وقد تختلف الأصوات بعوارض وعلل وطول الزمان، وقيل: إن قوله هذا وقد عرفها من نوع اللطف والتودد (¬2)، وفيه تكنية النساء ومبرتهن، وملاطفة الأهل والمعارف بالقول، والتبشير عند اللقاء. وقوله: " مرحباً " مما يستدل له على جواز هذا القول وبر الزائر، والغريب ولقائه، ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى شهادة الأعمى راجع التمهيد 1/ 288، 17/ 418. فقد أخرج مالك من حديث أنس بن مالك فى قول أبى طلحة لأم سليم: " لقد سمعت صوت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضعيفاً أعرف فيه الجوع ... " الحديث ومن حديث أبى يونس مولى عائشة أن رجلاً قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو واقف على الباب قالت عائشة: وأنا أسمع ... ففى الأول قال أبو عمر: احتج أصحابنا بهذا الحديث فى جواز شهادة الأعمى على الصوت، وقال: لم يمنع أبا طلحة ضعفُ صوت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تمييزه لعلمه به، فكذلك الأعمى، إذا عرف الصوت. قال: وعارضه بعض من لا يرى شهادة الأعمى جائزة على الكلام بأن أبا طلحة قد تغير عنده صوت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع علمه بصوته، ولولا رؤيته له لاشتبه عليه. وفى الثانى قال: فى الحديث الرواية والشهادة على السماع وإن لم ير المشهد أو المحدث، إذا كان المعنى المسموع مستوفى قد استوقن وأحيط به علماً.

بِأُمِّ هَانِئٍ "، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ. مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّى عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً أَجَرْتُهُ، فُلانُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ". قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ بجميل القول، ومعنى " مرحباً ": أى صادفت رحباً وسعة. نصبت " مرحباً " على المصدر. وفيه جواز السلام على المغتسل، ومثله المتوضئ بخلاف البائل والمتغوِّط، وفيه ستر ذات المحرم (¬1) محرمها عند الغسل، وقربها منه، والسترة عليها وعليه، وفيه جواز كلام المغتسل. وقد كره العلماء كلامه على وضوئه وغسله ولا حجة فى هذا الحديث على إباحته أو الكراهة، إنما هو فى كلام المغتسل غسلاً شرعياً [والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما اغتسل هنا تنظفاً من الغبار] (¬2) واغتساله - عليه السلام - هذا إنما كان لما ناله من قترة الجيش ووهج الغبرة، وقد جاء مفسراً فى الحديث: " فجاء وعلى وجهه وهج الغبار، فأمر فاطمة أن تسكب له غسلاً ". وقوله: " ملتحفاً فى ثوب " لكنه فى الرواية الأخرى بقوله: " قد خالف بين طرفيه " وهذا الاضطباع، فيه جواز الصلاة فى الثوب الواحد، وهذه اللبسةُ، وقد تقدم الكلام فى هذا. وفى قولها: " زعم ابن أمى علىٌّ " إخبار بأخص النسب وتأكيد الحرمة والقربى، لكونه شقيقاً مشاركاً فى جواز الرحم من الأم وأم هانئ هذه شقيقة على، أمهما فاطمة بنت أسد ابن هاشم، وهى أول هاشمية ولدت لهاشمى، واسم أم هانئ ماختة، وهو الأكثر، وقيل هند. وقوله: " قد أجرنا من أجرت [يا أم هانئ] (¬3)، قال الإمام: هذا يحتمل أن يريد به الخبر [عن] (¬4) أن حكم الله من إجارته مجاز، ويحتمل أن يكون رأياً رآه فى إنفاذ جوارها، وحكم ابتدأه [قبل نفسه] (¬5) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقضى به فى تلك النازلة، وعلى أن المراد هذا اللفظ جرى الخلاف ممن أجاره أحد من المسلمين، هل يمضى ذلك على الإمام ولا يكون له نقضه؟ أم لا؟ (¬6) ومن هذا النمط قوله - عليه السلام -: " من قتل قتيلاً فله ¬

_ (¬1) فى س: المحارم. (¬2) سقط من س. (¬3) من ع. (¬4) فى ع: على. (¬5) فى ع: قبله. (¬6) من هذا الحديث ذهب فريق من العلماء إلى أن أمان المرأة جائز على كل حال بإذن الإمام وبغير إذنه وأكدوا ما ذهبوا إليه بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم وهم يدٌ على من سواهم " أبو داود وابن ماجة من حديث ابن عمرو. قالوا: فلما قال: " أدناهم " جاز بذلك أمان العبد، وكانت المرأة الحرة أحرى بذلك. وذهب آخرون إلى أن أمانها موقوف على جواز الإمام، فإن أجازه جاز، وإن ردَّه رد. وقالوا: إن أمان أم هانئ لو كان جائزاً على كل حال دون إذن الإمام ما كان علىٌّ ليريد قتل من لا يجوز قتله لأمان من يجوز أمانه. وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد أجرنا من أجرت " دليل على ذلك لأنه لو كان أمان المرأة غيرَ محتاج إلى إجازة الإمام لقال لها: " من أمنته أنت أو غيرك فلا سبيل إلى قتله "، وهو آمن، ولما قال لها: " قد أمنَّا من أمنت، وأجرنا من أجرت "، وكان ذلك دليلاً على أن أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام. قالوا: وهذا هو الظاهر فى معنى هذا الحديث والله أعلم. التمهيد 21/ 187، 188. قلت: وعلى القولين فليس بمعنى بذل الأمان للكافر تركه بعد الأمان على كفره، بل يدعى بعده إلى الإسلام. قال ابن عبد البر: وهذا ما لا خلاف فيه على هذا الوجه، ولا سيَّما إذا طمع بإسلامه. التمهيد 12/ 34.

وَذَلِكَ ضُحىً. 83 - (...) وحدَّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَد، حَدَّثَنَا وهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِى بَيْتِهَا عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ، فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ سلبه " (¬1) هل هو إخبار عن الحكم أو ابتداء الحكم فى هذه القضية، وعلى هذا جرى الخلافُ بيننا وبين الشافعى فى القاتل، هل يستحق السلب [حكماً] (¬2) أو حتى يُنَفِّلَه إياه الإمام (¬3) [إن شاء] (¬4). قال القاضى: الاستدلال بهذا الحديث على جواز أمان المرأة قال [به] (¬5) جمهور علماء الأمة، وخالف فيه ابن الماجشون، إذ ليست ممن تقاتل، والدليل من نفس الحديث على جواز ذلك، إذ فى قوله: " أجرنا من أجرت " احتمال للوجهين، كما تقدم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر عليها الجوار، وهو موضع بيان فدل على جوازه، وعلى التأويلين، ففى قوله: " أجرنا من أجرت " من حسن العشرة وتطييب النفس وجميل المخاطبة ما فيه؛ ¬

_ (¬1) سيرد إن شاء الله فى ك الجهاد والسير، ب استحقاق القاتل سلب القتيل (1751/ 41). وقد أخرجه أيضاً البخارى، ك فرض الخمس، ب من لم يخمس الأسلاب، وأحمد فى المسند 5/ 12، 306، وأبو داود فى الجهاد، ب فى السلب يعطى القاتل (2717)، والترمذى، ك السير، ب ما جاء فى من قتل قتيلاً فله سلبه، وابن ماجة كذلك، ب المبارزة والسلب (2838)، ومالك فى الموطأ، ب ما جاء فى السلب فى النفل 2/ 454. (¬2) من س، ع. (¬3) لأنه لم يحفظ على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث فى غير يوم حنين، ولم يبلغ مالك أن فعله الخليفتين بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس السلب للقاتل حتى يقول ذلك الإمام، والاجتهاد فى ذلك إلى الإمام. وقال ابن أبى زيد: ظاهر حديث أبى قتادة هذا يدل على أن ذلك حكم فيما مضى، إذ جاء فيه عن قتادة بن ربعى أنه قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه، فضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل على فضمَّنى ضمَّةً وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلنى، فلقيت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قتيلاً له عليه بيِّنةٌ فله سلبه " الحديث. انظر التخريج السابق. فلم يُرد به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون أمراً لازماً فى المستقبل، وقال الأوزاعى، والليث، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد: السلب للقاتل على كل حال، قال ذلك الأمير أو لم يقله، إلا أن الشافعى قال: إنما يكون السلبُ للقاتل إذا قتل قتيله مقبلاً عليه، وأما إذا قتله وهو مدبر عنه فلا سلب له. السابق 23/ 285 - 287. (¬4) من ع. (¬5) ساقطة من س، ق.

84 - (720) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ - وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ - حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِى عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ الدُّؤَلِىِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُم صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكَبِيَرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنْهىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وُيجْزِئ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه إن كان حكم الله ذلك فقوله لها هذا يبين ما ذكرناه، وإن كان ابتداء حكم فى إمضاء جوارها فهو بيِّنٌ فى الباب. ولا خلاف فى أمان الرجل المقاتل أنه نافذ، واختلف عمن عداه، وسنذكر ذلك وتحقيق المذهب فيه فى الجهاد إن شاء الله تعالى. وقولها: " فلان ابن هبيرة " وفى غير هذا الحديث " فسرَّ إلىَّ رجلان من أحمائى " قال ابن هشام: وهما الحارث بن هشام المخزومى وزهير بن أبى أمية بن المغيرة المخزومى (¬1)، وكانت (¬2) عند هبيرة بن أبى وهب المخزومى، ولم أجد من سمى هذا فلان ابن هبيرة ولا من نسبه وإنما زوجها هبيرة، وقيل: إن الذى ذكرته زوجها هبيرة (¬3). وقولها: " وذلك ضحى ": به استدلوا على أنها كانت صلاة الضحى (¬4) وليس بظاهر، وإنما أخبرت عن وقت قصَّتها وصلاته فيها اتفاقاً، وقيل: إنما كانت صلاته تلك شكر الله على نصره وفتح مكة، وقيل: إنما كانت قضاءً لما شغل عنه تلك الليلة بالفتح عن حزبه فيها، وقد تقدم الكلام فى هذا. وقوله: " يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة " الحديث: أصل السلامى، بضم السين، عظام الأصابع والأكف والأرجل، ثم استعمل فى سائر عظام الجسد ومفاصله، وقد جاء فى هذا الحديث: " خلق الإنسان على ستين وثلثمائة مفصل، ففى كل مفصل صدقةً " الحديث (¬5)، وسيأتى فى كتاب الزكاة. ¬

_ (¬1) راجع: سيرة ابن هشام 2/ 411، وقد أخرجه الحميدى فى مسنده 1/ 158، وابن عبد البر فى التمهيد 21/ 189. (¬2) يعنى أم هانئ - رضى الله عنها - فالرجلان المذكوران في حديث الحميدى وابن هشام حمو لها. (¬3) وقيل: إنه جعدة بن هبيرة. ورد بأن جعدة ابنها لا حموها، ولم تكن - رضى الله عنها - تحتاج إلى إجارة ابنها، ولا كانت مثل تلك المخاطبة تجرى بينها وبين أخيها على - رضى الله عنه - فى ابنها، قال: ولم يذكر أهل النسب - فيما علمت - لهبيرة ابناً يكنى جعدة من غير أم هانئ، ولا ذكروا له بنين من غير أم هانئ. التمهيد 21/ 189. (¬4) زيد بعدها فى س، ق: وقد تقدم الكلام فى هذا. وهى مثبتة هنا ستأتى بعد قليل. (¬5) سيرِدُ إن شاء الله فى ك الزكاة، ب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، وأخرجه أبو داود، ك الأدب، ب فى إماطة الأذى عن الطريق (5243)، وأحمد فى المسند 5/ 354.

85 - (721) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، حَدَّثَنِى أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِىُّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: أَوْصَانِى خَلِيلِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ: بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَى الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِىِّ وَأَبِى شِمْرٍ الضُّبَعِىِّ، قَالا: سَمِعْنَا أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. (...) وحدَّثنى سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ. قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَانِى خَلِيَلِى أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ. فَذَكرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. 86 - (722) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِى مُرَّةَ موْلَى أُمَّ هَانِئ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ؛ قَالَ: أَوْصَانِى حَبِيبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عشْتُ: بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ويُجزئُ من ذلك ركعتان من الضحى " (¬1): أى يكفى من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء، إذ الصلاة عملٌ (¬2) لجميع أعضاء الجسد، ففيه بيان عظيم فى فضل صلاة الضحى، وجسيم أجرها، وسيأتى الكلام على قوله: " وأن أوتر قبل أن أرقد ". قال الإمام: وذكر مسلم فى الباب: [ثنا] (¬3) الضحاك بن عثمان، عن عبد الله ابن حنين (¬4)، عن أبى مرة مولى أم هانئ، عن أبى الدرداء، هكذا فى هذا الحديث عن أبى الدرداء قال بعضهم: وفى نسخة [أبى العلاء] (¬5) ابن ماهان عن أم الدرداء، مكان أبى الدرداء، والصواب: عن أبى الدرداء كما فى نسخة أبى أحمد الجلودى. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: يركعهما من الضحى. (¬2) فى ق: على. (¬3) فى ق: حديثاً عن. (¬4) فى ق: بن عبد الله بن تميم. (¬5) من ق.

(14) باب استحباب ركعتى سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما

(14) باب استحباب ركعتى سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وذكر صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتى الفجر، وأنه لم يكن على شىء من النوافل أشد معاهدة منه عليها [كما] (¬1) استدل به من قال: إنها سنة، وهو قول كافة العلماء وكبراء أصحاب مالك، [وروى عن بعضهم أنها من الرغائب وحكوه عن مالك] (¬2) واحتجَّ بعضهم على ذلك بقوله: من النوافل، ولم يقل: من السنن، لكن كل ما عدا الفرائض ينطلق عليه النفل، والتطوع، والندب، ثم تتنوع درجاته ما بين سنة وفضيلة ومستحب ومرغب فيه، وسنذكره مبيناً إن شاء الله. وقد مضى منه وذهب الحسن إلى وجوبها (¬3) وما روى من صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما يوم الوادى قبل صلاة الصبح يدل على تأكيد أمرهما، وقد جاء فى الحديث أنهما المراد بقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُود} (¬4) ومن سنتهما التخفيف كما جاء فى الحديث، والقراءة فيهما [سراً] (¬5) لقولها: " حتى إنِّى لأقولُ أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا؟ " (¬6) وهو قول كافة العلماء، وذهب بعضُهم إلى الجهر بها، وفى هذا دليلٌ أنه كان مستقراً عندهم أن لابد من قراءة أم القرآن فى الصلاة ولذلك خُصَّت هاهنا بالذكر وأنها لا تُصلى إلا بعد الفجر إلى أن يُصلى الصبح، وهو وقتها المختص بها من دون سائر النوافل على الاختيار دون الاضطرار عندنا وظاهر حديث ¬

_ (¬1) من ق، س. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بهامشه. قال ابن عبد البر: واختلف العلماء فى الأوكد منهما - ركعتى الفجر أم صلاة الوتر - فقالت طائفة: الوتر أوكد، وكلاهما سنة، ومن أصحابنا من يقول: ركعتا الفجر ليستا بسنة، وهما من الرغائب، والوتر سنة مؤكدة، وقال آخرون: ركعتا الفجر سنة مؤكدة كالوتر، وقال آخرون: هما أوكد من الوتر؛ لأن الوتر ليس بسنة إلا على أهل القرآن. ثم قال: إن ركعتى الفجر فاتتا عبد الله بن أبى ربيعة فأعتق رقبة. التمهيد 8/ 127. وفيمن قال إنها من الرغائب قال: وهذا قول ضعيف. التمهيد 15/ 311. (¬3) وقد أخرج عبد الرزاق فى مصنفه بإسناده إليه: " صلِّ بعد طلوع الفجر ما شئت " 3/ 53. (¬4) ق: 40. ولعل القاضى يعنى هنا ما أخرجه ابن أبى حاتم بإسناده عن ابن عباس قال: بتُّ ليلةً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى ركعتين خفيفتين، اللتين قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة فقال: " يا ابن عباس، ركعتين قبل صلاة الفجر إدبار النجوم، وركعتين بعد المغرب إدبار السجود ". قال الحافظ ابن كثير: ورواه الترمذى عن أبى هشام الرفاعى، وقال غريب، لا نعرفه من هذا الوجه 8/ 388، ولم أقف عليه بالترمذى. (¬5) من س، وفى الأصل هذّا، والأول أصوب، لقوله بعدها: وذهب بعضهم إلى الجهر بها والهذَّ والهذَذُ: سرعة القطع وسرعة القراءة. (¬6) لفظها فى المطبوعة: حتى إنى أقولُ

87 - (723) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينِ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الأَذَانِ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، وَبَدَا الصُّبْحُ، رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاةُ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة الاقتصار فيها على أم القرآن وهو استحباب مالك وفعله واختيار جمهور أصحابه وقد روى عنه استحسان قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرون}، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيهما على ما جاء فى حديث أبى هريرة وهو قول الشافعى وأحمد وذهب الثورى والحسن وأبو حنيفة إلى أنه يجوز لمن فاته حزبه من الليل أن يقرأه فيهما وإن طوَّل (¬1)، وقد جاء فى حديث ابن عباس فى الأم أنه كان يقرأ فى الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية، وفى الآخرة: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء} الآية. وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ فيهما جملة، حكاه الطحاوى، وذهب النخعى إلى جواز إطالة القراءة فيهما. واختاره الطحاوى (¬2). وقوله: " كان إذا اسكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح ركع ركعتين خفيفتين "، وكذلك قوله: " كان يصلى ركعتى الفجر إذا سمع الأذان " يحتج من لا يجيز الأذان للصبح قبل الفجر، وهو قول الكوفيين، ولا حجة فيه (¬3)، لأنه يحتمل أن يريد به ¬

_ (¬1) فقد أسند الطحاوى عن الحسن بن زياد قال: سمعت أبا حنيفة - رحمه الله - يقول: ربما قرأت فى ركعتى الفجر جزأين من القرآن. شرح معانى الآثار 1/ 300. (¬2) شرح معانى الآثار 1/ 298، ولم أجد له كلاماً فى ترك القراءة فيهما، بل إنه قال بعد سياقه للأحاديث: فقد ثبت بما وصفنا أن تخفيفه ذلك كان تخفيفاً معه قراءة، وثبت أنهما كسائر التطوع، ولم نجد شيئاً من صلوات التطوع لا يقرأ فيه بشىء ويقرأ فيه بفاتحة الكتاب خاصة. (¬3) قال أبو حنيفة والثورى ومحمد بن الحسن: لا يجوز الأذان لصلاة الفجر حتى يطلع الفجر، ومن أذَّن لها قبل الفجر لزمه إعادة الأذان. وحجَّتهم: ما رواه وكيع عن جعفر بن برقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تؤذِّن حتى يتبيَّن لك الفجر " هكذا، ومدَّ يده عرضاً. وبما رواه حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالاً أذَّن قبل طلوع الفجر، فأمره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرجع فينادى: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام، فرجع فقالها. والحديث الأول أخرجه عبد الرزاق فى المصنف 1/ 490. وقال فيه ابن عبد البر: إنه لا تقوم به حجة ولا بمثله لضعفه وانقطاعه. التمهيد 10/ 59. قلت: فيه شداد مولى عياض بن عامر بن الأسلع، ذكره ابن حبان فى الثقات، وقال فيه الذهبى: لا يعرف. ميزان الاعتدال 2/ 266. وفى الثانى قال: إنه حديث انفرد به حماد بن سلمة دون أصحاب أيوب، وأنكروه عليه، وخطؤوه فيه؛ لأن سائر أصحاب أيوب يروونه عن أيوب قال: أذن بلال مرة بليل، فذكره مقطوعاً وهكذا ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال: أذن بلال مرة بليل، فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أخرج فناد: إن =

88 - (...) وحدَّثنى أَحْمَدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، لا يُصَلِّى إِلا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 89 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَخْبَرَتْنِى حَفْصَةُ؛ أَن النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَضاءَ لَهُ الفَجْر، صَلّى رَكْعَتَيْنِ. 90 - (724) حَدَّثَنَا عَمْرُو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤذن الثانى، ولأن حديث: " إن بلالاً ينادى بليل " يرفع الاحتمال مع أهل المدينة، ولها رجع أبو يوسف عن قول أصحابه (¬1) إلى قول مالك حين دخل المدينة، وناظر فى هذه المسائل مالكاً (¬2). ¬

_ = العبد نام "، فخرج وهو يقول: ليت بلالاً ثكلته أمه، وابتلَّ من نضح دم جبينه، ثم نادى: ألا إن العبد نام. وقد أخرج عبد الرزاق من حديث إبراهيم قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل، أتوه فقالوا له اتق الله، وأعد أذانك. قال أبو عمر: واحتجوا - أيضاً - بما رواه شريك عن محلل عن إبراهيم قال: شيعنا علقمة إلى مكة فخرج بليل، فسمع مؤذناً يؤذن بليل، فقال: أما هذا فقد خالف أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لو كان نائماً كان خيراً له، فإذا طلع الفجر أذن. قال: ومحلل ليس بالقوى. قال: واحتجوا - أيضاً - بما رواه عبد العزيز بن أبى روّاد عن نافع عن مؤذن لعمر يقال له: " مسروح "، أذن الصبح، فأمره عمر أن يرجع ينادى: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام. قال: وهذا إسناد غير متصل؛ لأن نافعاً لم يلق عمر، ولكن الدراوردى وحماد بن زيد قد رويا هذا الخبر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله، إلا أن الدراوردى قال: يقال له: " مسعود "، وهذا هو الصحيح - والله أعلم - أن عمر قال ذلك لمؤذنه، لا ما ذكر أيوب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله لبلال. وإذا كان حديث ابن عمر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيحاً - قوله: " إن بلالاً يؤذن بليل " - فلا حجة فى قول أحد مع السنة، ولو لم يجز الأذان قبل الفجر لنهى رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً عن ذلك، ونحن لا نعلم أن عمر قال ما روى عنه فى هذا الباب إلا بخبر واحد عن واحد. وكذلك خبر ابن عمر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالمصير إلى المسند أولى من طريق الحجّة، والذى أحبه أن يكون مؤذِّن آخر بعد الفجر. التمهيد 10/ 60. (¬1) فى س: أبى حنيفة. (¬2) جاء فى بدائع الصنائع: وقت الأذان والإقامة ما هو وقت الصلوات المكتوبات، حتى لو أذن قبل دخول الوقت لا يجزئه ويعيده إذا دخل الوقت فى الصلوات كلها فى قول أبى حنيفة ومحمد، وقد قال أبو يوسف أخيراً: لا بأس بأن يؤذن للفجر فى النصف الأخير من الليل، وهو قول الشافعى 1/ 421، ولأبى حنيفة - إضافة لما سبق - أن الأذان شرع للإعلام بدخول الوقت، والإعلام بالدخول قبل الدخول كذب، وكذا - هو من باب الخيانة فى الأمانة، والمؤذن مؤتمن على لسان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قبل السابق.

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى رَكْعَتَى الْفَجْرِ إِذَا سَمِعَ الأَذَانَ، وَيُخَفِّفُهُمَا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِىٌّ - يَعْنِى ابْنَ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ: إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ. 91 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ. 92 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى ابْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَةَ تُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا كَانَت تَقُولُ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ، فَيُخَفِّفُ حَتَّى إِنِّى أَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ! 93 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِىِّ، سَمِعَ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنَ، أَقُولُ: هَلْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِفَاَتِحَةِ الْكِتَابِ! 94 - (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَىْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ، أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ. 95 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى شَىْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ، أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا طلع الفجر لا يصلى إلا ركعتين " حجة فى منع التنفل بعد طلوع الفجر بعد الركعتين للفجر وهو قول مالك والجمهور، إلا أن مالكاً ومن وافقه يجعله وقت ضرورة لصلاة الليل لمن ترك الوتر حتى أصبح، على خلاف

96 - (725) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَن عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". 97 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: قَالَ أَبِى: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَن سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَن عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ - فِى شَأنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ -: " لَهُمَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا ". 98 - (726) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا مُرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدَ - هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون} (¬1)، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬2). 99 - (727) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْفَزَارِىُّ - يَعْنِى مَرْوَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ - عَنْ عُثَمْانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ: فِى الأَولَى مِنْهَمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} (¬3) الآيَةَ الَّتِى فِى البَقَرَةِ. وَفِى الآخِرَةِ مِنْهُمَا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون} (¬4). 100 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ عُثْمَانَ بْن حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِى رَكْعَتَى الْفَجْرِ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} وَالَّتِى فِى آلِ عِمْرَانَ: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (¬5). (...) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَرْوَانَ الْفَزَارِىِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه فى ذلك سنذكره، ولمن نام عن حزبه من الليل، وقد جاء عنه وعن غيره من أصحابه أنه لا بأس أن يصلى بعد الفجر ست ركعات، قالوا: وما خف، وإنما يكره من ذلك ما كثر حماية، لئلا يؤخر صلاة الصبح بسبب تطويل النفل وتكفيره حينئذ، وأجاز غيره التنفل حينئذٍ ما لم يصل الصبح. ¬

_ (¬1) الكافرون: 1. (¬2) الأخلاص: 1. (¬3) البقرة: 136. (¬4) آل عمران: 52. (¬5) آل عمران: 64.

(15) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن

(15) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن 101 - (728) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ - يَعْنِى سُلَيْمَانَ ابْنَ حَيَّانَ - عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ، بِحَدِيثٍ يَتَسَارُّ إِلَيْهِ. قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ صلَّى اثْنَتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِىَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِى الْجَنَّة ". قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ. وَقَالَ عَمْرو بن أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [وذكر مسلم الأحاديث] (¬1) فى فضل من صلى اثنتى عشرة ركعة فى يوم وليلة تطوعاً، وفى بعضها اثنتى عشرة سجدة، وهما بمعنى واحد وذكر حديث عائشة فى تفسير تنفل النبى أنه - عليه السلام - " كان يصلى أَربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء وإذا طلع الفجر صلى ركعتين "، وهذه اثنتا عشرة ركعة (¬2)، وعن ابن عمر: " سجدتان قبل الظهر، وسجدتان بعدها، وسجدتان بعد المغرب، وسجدتان بعد العشاء، وسجدتان بعد الجمعة "، وزاد فى البخارى فى حديثه: " وسجدتان بعد طلوع الفجر " (¬3)، ولم يذكر فى هذين الحديثين التنفل قبل العصر، وقد جاء فى المصنفات فى حديث ابن عمر: " حضَّ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أربع ركعات قبل العصر " (¬4)، وفى حديث على: " ركعتين " (¬5) وروى " أربع " (¬6)، وفى حديث أم حبيبة: " أربع قبل ¬

_ (¬1) ساقط من س. (¬2) عدا ما جاء أثناء الحديث من صلاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل تسع ركعات. (¬3) وأخرجه البخارى، ك التهجد، ب الركعتين قبل الظهر (1180). (¬4) الترمذى أبواب الصلاة، ب ما جاء فى الأربع قبل العصر (430)، وأبو داود، ك الصلاة، ب الصلاة قبل العصر (1231)، كما أخرجه أحمد فى المسند 2/ 117. (¬5) أبو داود فى الكتاب والباب السابقين. وبمثله عن عامر أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف 2/ 205. (¬6) الترمذى كما سبق، وقال: حديث علىٍّ حديث حسن، والنسائى، ك الإمامة، ب الصلاة قبل العصر (874)، وابن ماجة، ك إقامة الصلاة، ب ما جاء فيما يستحب من التطوع بالنهار (1161)، وأحمد فى المسند 1/ 85.

وَقَالَ النُّعْمَان بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. 102 - (...) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: " مَنْ صَلَّى فِى يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ سَجْدَةً تَطَوُّعًا، بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ ". 103 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةَ - أَوْ إِلا بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ ". قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الظهر وأربع بعدها " (¬1) وفى حديث عائشة " أربع بعد العشاء " (¬2). اختلف العلماء فى الاختيار فى الأخذ بهذه الأحاديث، فرأى جلَّهُم الأخذ بها والعمل بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره بذلك، وكونها سنة مع صلوات الفرائض (¬3)، قال بعضهم: ولأن تلك الأوقات أوقات تفتح فيها أبواب السماء ويستجاب فيها الدعاء ويرغب فى تكثير العمل الصالح فيها، واختلاف الأحاديث باختلاف فعله - عليه السلام - ليُرى سعة الأمر، وأنه ليس فيه حدّ لازم والله أعلم. واختلاف اختيارهم الأربع قبل الظهر وبعدها أو الاثنين على اختلاف الآثار. واختلفوا فى اختيار تطوع الراتبة قبل العصر أيضًا فى ركعتين أو أربع، وكل هذا قد اختلف فيه اختيار شيوخ مذهبنا، وذهب بعض السلف إلى أنه لا راتبة قبل العصر جملةً (¬4)، وروى عن ابن المسيب والحسن والنخعى وحكاه العبدى من شيوخنا ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب الأربع في الظهر وبعدها (1269) والترمذى فى الصلاة (427) وابن ماجة، ك إقامه الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فيمن صلى الظهر أربعاً (1160). (¬2) أبو داود، ك الصلاة، ب الصلاة بعد العشاء (1303)، وفى السنن الكبرى للنسائى عنها - رضى الله عنها -: " أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر " أبواب التطوع 1/ 458. (¬3) هى عندهم سنة مسنونة، ويسمونها صلاة السنة - أعنى الاثنتى عشرة ركعة، فإن العلماء ذهبوا إلى صلاتها فى المسجد دون سائر التطوع، وما عداها من التطوع كلها فهو فى البيت أفضل. التمهيد 14/ 170. (¬4) الركعتين قبل العصر محفوظة من حديث على بن أبى طالب وغيره فى موضع الركعتين بعد العشاء. التمهيد 14/ 186.

وَقَالَ عَمْرٌو: مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ. (...) وحدَّثنى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ أَخْبَرَنِى، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ تَوَضَّأَ فَأَسْبغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى للهِ كُلَّ يَوْمٍ " فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 104 - (729) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العراقيين عن المذهب. وقول عائشة فى الحديث عن صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الركعات فى بيتها، وقول ابن عمر ذلك فى رواية: " صلاة الليل والجمعة " مما اختلف الناس - أيضاً - فى اختياره، فذهب بعضهم إلى ترك التنفل بعد الفرائض فى المسجد جملة، وإليه ذهب النخعى وعبيدة، واعتل من رأى هذا لئلا يختلط أمرها على الجهال فيعدوها من (¬1) الفرائض، ولئلا تخلوا بيوتهم من الصلاة، واقتداءً بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك (¬2) ولقوله: " أفضل الصلاة صلاتكم فى بيوتكم إلا المكتوبة " (¬3)، وذهب بعضهم إلى كونها فى المسجد أجمع، وذهب مالك والثورى إلى كونها فى النهار فى المسجد وبالليل فى البيوت، وكأن هؤلاء اتبعوا حديث ابن عمر، وقوله ذلك فى الجمعة أفضل، وهو اختيار مالك وأصحابه للإمام أن لا يتنفل بإثرها فى المسجد، ووسَّع فى ذلك للمأموم، واختيار الشافعى والكوفيون الركوع بعد الجمعة ستاً ¬

_ (¬1) فى ق: فى. (¬2) فى ق، س: فى ذلك. (¬3) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب صلاة الليل (731)، وأبو داود، ك الصلاة، ب صلاة الرجل التطوع فى بيته (1044)، والترمذى، ك الصلاة، ب ما جاء فى فضل صلاة التطوع فى البيت (450)، والنسائى، ك قيام الليل، ب الحث على الصلاة فى البيوت والفضل فى ذلك (1599)، ومالك فى الموطأ، ك صلاة الجماعة، ب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ 1/ 130. قال ابن عبد البر: وهذا حديث ثابت مرفوع صحيح، وإذا كانت صلاة النافلة فى البيت أفضل منها فى مسجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه عليه خرج هذا الخبر. فما ظنك بها فى غير هذا البلد؟ ولهذا قال بعض الحكماء: إخفاء العمل نجاة، وإخفاء العلم هلكة، والمأمور بستره من أعمال البر النوافل دون المكتوبات. التمهيد 21/ 149.

الْعِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ سَجْدَتَيْنِ، فَأَمَّا المَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ، فَصَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَيْتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أو أربعاً، وقال الشافعى ما كثر فهو أحب إلىَّ والكلام فى الركعتين بعد العصر وقبل المغرب يأتى فى موضعه بعد هذا. قال بعض المتكلمين ووجه الحكمة فى تقديم هذه النوافل على الفرائض لتوطين النفس فيها وامتحانها بالإقبال على عبادة الله، وإخلاء سرِّه مما كان قبل فيه من أمور الدنيا حتى لا يدخل فى فريضته إلا ونفسه مرتاضةٌ بذلك، وظاهره وباطنه جميعٌ لأدائها على وجهها، وليصحبها من النوافل قبلها وبعدها ما يجده لجبر نقص فرضه مما يدخله من (¬1) وهم أو سهوٍ، على ما جاء فى الحديث من جبر نقص فرائض العبد بنوافله (¬2). وقوله فى هذا الحديث: " حدَّثنى عبد الله بحديثٍ يُتسارُّ إلىَّ فيه ": قيل: هو من السرور، أي يُظهر السرورَ بما جاء فيه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: فى، والمثبت من ق، س. (¬2) الترمذى أبواب الصلاة، ب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، وذلك من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - وقال الترمذى: حديث أبى هريرة حديثٌ حسن غريب، وانظر ابن ماجه، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فى أول ما يحاسب به العبد الصلاة (1425)، والنسائى فى الكبرى، ك الصلاة، ب المحاسبة على ترك الصلاة 1/ 144.

(16) باب جواز النافلة قائما وقاعدا، وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا

(16) باب جواز النافلة قائماً وقاعداً، وفعل بعض الركعة قائماً وبعضها قاعداً 105 - (730) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّى فِى بَيْتِى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا. ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّى بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِى فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ. فِيهِنَّ الوِتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّى لَيْلاً طَوِيلاً قَائِمًا، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِدًا، وكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. 106/ 107 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ بُدَيْلٍ وَأَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى لَيْلاً طَوِيلاً، فإِذَا صَلَّى قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا. 108 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ شَاكِيًا بِفَارِسَ، فَكُنْتُ أُصَلِّى قَاعِدًا، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَائِشَةَ؟ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى لَيْلاً طَويلاً قَائِمًا، فَذَكَرَ الْحَديِثَ. 109 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " كان يصلى ليلاً طويلاً قاعداً وليلاً طويلاً قائماً، وإنه كان إذا قرأ قاعداً ركع قاعداً " (¬1) فيه جواز تنفل القاعد بغير عذر، مانع بالكلية، وركوعه إنما [هو] (¬2) لطلب التخفيف وزوال الكلفة والمشقة. وقولها: " بعد ما حطمه البأس " (¬3). قال الإمام: قال الهروى: يقال حطم فلاناً أهلُه، أى كَبُرَ فيهم، كأنه لما حمله من أثقالهم صيَّره شيخاً محطوماً، والحطم كسرك الشىء اليابس. ¬

_ (¬1) فى المطبوعة بتقديم القيام على القعود. (¬2) من س. (¬3) الذى فى المطبوعة: (الناس) بالنون، وكذا فى سنن أبى داود، ك الصلاة، ب فى صلاة القاعد 1/ 219.

عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِىِّ؛ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّى لَيْلاً طَوِيلاً قَائِمًا، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِدًا، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا. 110 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِىِّ، قَالَ: سَأَلْنَا عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الصَّلاةَ قَائِمًا وَقَاعِدًا، فَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا، وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا. 111 - (731) وحدَّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِى شَىْء مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا، حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا، حَتَّى إِذَا بَقِىَ عَلَيْهِ منَ السُّورَةِ ثَلاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً، قَامَ فَقَرَأَهُنَّ، ثُمَّ رَكَعَ. 112 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِى النَّضْرِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَن عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِىَ مِنْ قَرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ يَفْعَلُ فِى الرَّكْعَةِ الثَّانِيةِ مِثْلَ ذَلِكَ. 113 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَهِيمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِى هِشَامٍ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وهُوَ قَاعِدٌ، فإذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأ إِنْسَانٌ أَرْبَعِينَ آيَةً. 114 - (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمْرٍو، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ؛ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ وهُوَ جَالِسٌ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ. 115 - (732) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ؛ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بَعْدِ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ. (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ. فَذَكَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 116 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى عُثْمَانُ بْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ. 117 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ زَيْدٍ، قَالَ حَسَنٌ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِى الضَّحَّاك بْنُ عُثْمَان، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ، كَانَ أَكْثَرُ صَلاتِهِ جَالِسًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " لما بَدَّنَ وثقل كان أكثر صلاته جالساً ": قال أبو عبيد بَدَّنَ الرجلُ تبديناً إذا أسنّ. وأنشد: وكنتُ خلتُ الشيبَ والتبدينا ... والهمَّ مما يُذهِلُ القرينا (¬1) قال: فمن رواه " بدُن " فليس له معنىً فى هذا لأنه خلاف صفته - عليه السلام - ومعناه: كثر لحمه، يقال: بدن يَبْدُنُ بدانةً، وأنكر أبو عبيد ضمَّ الدال. وقد جاء فى كتاب مسلم قول عائشة: " فلما أسنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذه اللحمَ أَوْتَرَ بسبع " (¬2). قال القاضى: روايتنا فى مسلم عن جمهورهم " بَدُن " كما ذُكر عن أصحاب الحديث، ¬

_ (¬1) جاء فى التمهيد: والنأى. بدلاً من الهمِّ. والبيت لحميد الأرقط، وقبله: قامت تريك بدناً مكنونا ... كعرقى البيض استمان لينا راجع: اللسان، مادة " بدن "، وانظر كذلك: التمهيد 6/ 225. (¬2) باب جامع صلاة الليل، وفيه: " سنّ " بغير همز. وفى جميع الأصول: " وأخذ اللحم " بغير هاء الضمير، والمثبت من المطبوعة: وفى أبى داود والنسائى وابن ماجة وأحمد: أيضاً " وأخذ اللحم " بغير هاء.

118 - (733) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيد، عَنْ الْمُطَّلِب بْنِ أَبِى وَدَاعَة السَّهْمِىِّ عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى فى سُبْحَتِهِ قَاعِداً، حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، فَكَانَ يُصَلِّى فِى سُبْحَتِهِ قَاعِدًا، وَكَانَ يَقْرأ بِالسُّورَةِ فَيْرَتِّلُهَا، حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا. (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالا: بِعَامٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ. 119 - (734) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَسَنِ ابْنِ صَالِحٍ عَنْ سِمَاكٍ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ سَمرُةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى صَلَّى قَاعِدًا. 120 - (735) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِى يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ ". قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّى جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِى عَلَى رَأسِهِ. فَقَالَ: مَالَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو؟ قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قلْتَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وللقاضى الصدفى عن العذرى: " بَدَّنَ "، وأراه إصلاحاً، ولا ينكر اللفظان فى حقه - عليه السلام - فقد جاء ما ذكر قبل قول عائشة: " وأخذه اللحم "، وقولها: " بدُن وثقل " (¬1)، وفى الحديث الآخر: " ولحم " (¬2)، وفى الآخر: " أسنّ وكثر لحمه " (¬3)، وقولها فى الحديث الآخر: " بدُن فى آخر زمانه " (¬4) وقول ابن أبى هالة فى وصفه: " بادِنٌ متماسك ". وقوله: " صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة " معناه: فى الأجر وفيه تنشيط على القيام للصلاة، وحمله بعضهم أنه فى المصلى قاعداً فرضه لغير عذر والمصلى نفله لعذر وغير عذر. وهذا اختيار الباجى (¬5)، وحمله الثورى وابن الماجشون فى غير أصحاب ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد فى المسند 5/ 269، 6/ 46، 97، 227، 257. (¬2) أبو داود، ك الصلاة، ب فى صلاة الليل 1/ 311، وهو جزء حديث " حتى أسنَّ ولحُم ". (¬3) فى النسائى وابن ماجة: " فلما أسنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذ اللحم أوتر بسبع "، ب قيام الليل 3/ 163، وابن ماجة، ك إقامة الصلاة، ب ما جاء فى الوتر 1/ 376. (¬4) فى أحمد وعبد الرزاق: " دخَلَ فى السنِّ وثقُل من اللحم " المسند 6/ 169، المصنف 2/ 465. (¬5) عبارة الباجى فى غير هذا، قال: وقد ثبت بحديث عائشة جواز الجلوس فى التنفل مع القدرة على القيام، وثبت بهذا مع قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] أن صلاة =

" صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ " وَأَنْتَ تُصَلى قَاعِدًا! قَالَ: " أَجَلْ، وَلكِنِّى لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعذار والمصلى جالساً على الاختيار، وأن أجر صاحب العذر غير ناقص، وحمله ابن شعبان على النفل دون الفرض (¬1) وحمله بعضهم على من رُخص له فى الصلاة جالساً من أصحاب الأعذار لكنه لو كلف نفسه القيام لقدر عليه بمشقة (¬2)، وهذا يطرد فى الفرض والنفل، وهذا مذهب مالك فيمن يشق عليه القيام فى الفريضة، وهو قول أحمد وإسحاق أنه يصلى قاعداً ومنع من ذلك الشافعى إلا مع عدم القدرة على القيام واحتمال مشقة ذلك، وأما فى النفل فيجوز عند جميعهم مع القدرة. وجاء عنه - عليه السلام - أنه كان يصلى فى سُبْحَتهِ قاعداً، وكان - عليه السلام - لا يترك الأفضل، وإنما ذلك للمشقة التى لحقته أخر عمره من السن، وحطم البأس، وكثرة اللحم كما قالت عائشة، وقد عللهُ فى حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص: " إنى لست كأحد منكم " (¬3) فيكون هذا مما خص به - عليه السلام - وجُعلت صلاته قاعداً فى الفضل كصلاته قائماً، ولعله أشار بقوله: " لستُ كأحد منكم " أى ممن لا عذر له، ومن قلت له ذلك القول، وإنما [أراد] (¬4): أنا ذو عذر لهذا الذى ذُكر. وقد اختلف العلماء فى هذا مع اتفاقهم أنه ليس ذلك فى الفريضة مع عدم العذر، وأنه من صلى جالساً فى موضع القيام فى الفريضة لغير عذر أن صلاته لا تجزئه، لفرض القيام عليه إلا ما تقدم من الاختلاف فى صلاة المأموم خلف الإمام الجالس لعذر، وفى قيامه ¬

_ = القاعد إنما تكون على النصف من صلاة القائم فى موضعين: أحدهما: عن صلى الفريضة غير مستطيع القيام، والثانية: من صلى النافلة مستطيعاً أو غير مستطيع. ثم قال: وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون: أنهم كانوا يستطيعون أن يصلوا قياماً إلا أن القعود كان أرفق بهم، فأما من أقعده المرض والضعف فى مكتوبة أو نافلة فإن صلاته قاعداً فى الثواب مثل صلاته قائماً. المنتقى 1/ 241. (¬1) لأنها ليست بواجبة، قال الباجى: وهذا التخصيص يحتاج إلى دليل. السابق. (¬2) هو لابن الماجشون. ولعل فيما أخرجه عبد الرزاق وأحمد ما يقوى هذا الاستنباط، فلهما عن أنسٍ قال: لما قدِم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وهى مُحَمَّةٌ، فَحُمَّ النَّاسُ، فدخل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد والناس قعود يصلون، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة القاعد نصف صلاة القائم " فتجشَّمَ الناس الصلاة قياماً. أحمد 3/ 136، والمصنف 2/ 472. (¬3) الذى فى المطبوعة " ولكنى لستُ كأحدٍ منكم "، وهو لفظ أحمد فى المسند 2/ 162. (¬4) ساقطة من ق، س.

مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الركوع جواز القيام والجلوس فى الصلاة الواحدة فى النفل خلافاً لمن منعه، وعلى جوازه جمهور العلماء إذا كان الابتداء بالجلوس، وأما إن كان الابتداء فيها بالقيام ثم أراد التخفيف على نفسه بالجلوس، فمذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة وعامة العلماء جواز تمام صلاته جالساً وكره ذلك محمد بن الحسن وأبو يوسف فى آخرين، واختلف كبراء أصحاب مالك إذا نوى القيام فيها كلها، هل له أن يجلس؟ فأجازه ابن القاسم ومنعه أشهب، وقد اختلف أشياخنا فى تأويل قول أشهب هل هو بمجرد النية وبإلزامه ذلك نفسه كالنذر؟ ثم اختلف فى صفه جلوسه فى حال القيام والركوع، فقيل متربعاً، وهو قول مالك والثورى والليث وأحمد وإسحاق وأحد قولى الشافعى، ووافق أبو يوسف، إلا أنه يثنى رجليه عند الركوع كالتشهد وقيل جلوسه كهيئة جلوسه فى التشهد، قاله ابن المنكدر (¬1)، وهو قول ابن أبى حاتم ومحمد بن عبد الحكم، وأحد قولى الشافعى وربيعة. وخرَّج البخارى فى الباب حديث عمران بن حصين: " فمن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد " (¬2) كذا رواية الأصيلى وبعضهم، وكذا روى الحديث أبو داود والترمذى (¬3)، وفى رواية النسائى (¬4): " مضطجعاً " وروى هذا بعضهم من تفسير البخارى لقوله: " نائماً "، وفى رواته القابسى وبعضهم إيماء، والأول أصح. ففيه أولاً أن الحديث كله فى المتطوع لقوله: " أفضل "، وإنه مع القدرة على القيام، وبالاختيار، وأما صلاته مضطجعاً فى النفل ففى مذهبنا فيه ثلاثة وجوه: جوازه مع الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض، لظاهر الحديث، ومنعه جملة لهما، إذ ليس من هيئات [الصلاة] (¬5) وإجازته لضرورة المرض فقط، وإما فى الفريضة لمن لم يقدر إلا على ذلك فجائز قولاً واحداً. ¬

_ (¬1) هو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن هدير التميمى، روى عن أبيه، وعمه ربيعة، وأبى هريرة، وعائشة، وغيرهم، وعنه: عمرو بن دينار، والزهرى، وأيوب، وغيرهم. توفى سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقد بلغ ستاً وسبعين سنة. (¬2) البخارى، ك تقصير الصلاة، ب صلاة القاعد (1115، 1116). (¬3) أبو داود، ك الصلاة، ب فى صلاة القاعد (951)، والترمذى أبواب الصلاة، ب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (371)، وقال: حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح. (¬4) النسائى، ك قيام الليل وتطوع النهار، ب فضل صلاة القاعد على صلاة النائم (1660) غير أن لفظه هناك: " نائماً " وليس: " مضطجعاً ". (¬5) من س، ق.

سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى رِوَايَةِ شُعْبَةَ: عَنْ أَبِى يَحْيَى الأَعْرَجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختلف عندنا، واختلف العلماء فى ذلك أيضاً، بم يبتدأ، هل بالظَّهْرِ؟ وقاله أبو ثور وأصحاب الرأى، أو بالجنب الأيمن ثم الظهر؟ أو بالجنبين قبل الظهر؟ وهو قول الشافعى وأما على رواية من رواه إيماءً فلا خلاف فى جوازه للمضطر فى كل حال، ومحتمل أنه يريد به للمضطجع وللجالس، واختلف عندنا للمتنفل جالسًا، هل يجوز إيماؤه للسجود مع القدرة عليه؟ على قولين. وقولها فى الحديث الآخر: " ما رأيته صلى من صلاة الليل جالساً حتى كبر " (¬1) غير مخالف للحديث الأول (¬2)، وأن حاله فى الصلاة قاعداً وجالساً لما كان بعد كبره وبعد ما حطمه البأس، كما قالت، وبعد أن بدَّن، وقبل وفاته بعام، كما جاء فى الحديث. وقولها: " كان يصلى جالساً [يقرأ وهو جالس] (¬3)، فإذا بقى من قراءته [قدر ما يكون] (¬4) [ثلاثين أو أربعين] (¬5) آية، فقام [فقرأ، ثم ركع] (¬6) ": إخبارٌ عن اختلاف أحواله، [وأنه كان إخبار عن اختلاف أحواله] (*)، وأنه كان مرة يقوم ليركع من قيام، ومرةٌ يركع إيماءً من جلوس. وقول عبد الله بن شقيق (¬7): كنت شاكياً بفارس، فكنت أصلى قاعداً فسألت عن ذلك عائشة .. الحديث كذا لجميعهم، ولم نجد فيه خلافاً فى سائر النسخ، وقد نبه بعض المتعقبين عليه، وقال: عائشة لم تدخل قط بلاد فارس، وإنما هو تصحيف، وصوابه: " شاكياً نقارس " بالنون والقاف، وهى وجع المفاصل والسبب الذى أوجب صلاته قاعداً - والله أعلم - وليس يقتضى ضرورة الكلام أنه سألها بفارس حيث أصابه ذلك، ولعله إنما سألها عن منازلته بفارس بعد وصوله المدينة، أو حيث لقيها، وهل أصاب فى صلاته قاعداً؟ وهو وجه سؤاله، وظاهره؛ لأنه إنما سألها عما انقضى لا عن أمرٍ كيف يفعله، لقوله: " وكنت أصلى قاعداً ". ¬

_ (¬1) لفظها فى المطبوعة: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ فى شىء من صلاة الليل جالساً حتى إذا كَبَر قرأ جالساً. (¬2) يعنى به كان يصلى ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً. (¬3) من س، وهى فى المطبوعة: فيقرأ وهو جالس. (¬4) من س، ق. (¬5) فى الأصل ثلاثون أو أربعون وهى صحيحة إذا حذفت " قدر ما يكون ". (¬6) من المطبوعة. وفيها أيضاً وفى س: قام فقرأ. (¬7) العقيلى، روى عن عمر وعثمان وعلى وعائشة وغيرهم، وعنه: ابنه عبد الكريم، وابن سيرين، وعاصم الأحول، وقتادة وغيرهم. مات سنة ثمان ومائة. تهذيب 5/ 253. (*) قال معد الكتاب للشاملة: ما بين المعقوفين تكرار في المطبوعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال فى هذا الباب: إسماعيل بن علية، عن الوليد بن أبى هشام، عن أبى بكر بن محمد. قال الإمام: هكذا روى فى هذا الإسناد، الوليد بن أبى هشام، وردَّه أبو عبد الله بن الحذَّاء فى نسخته الوليد بن هشام ووهم فيه، والصواب ابن أبى هشام، مكى، وهو مولى عثمان، يعد فى البصريين (¬1)، وكذلك رواه أبو أحمد وأبو العلاء، وفى الرواية - أيضاً - الوليد بن هشام المعيطى (¬2) شامى، روى له مسلم - أيضاً - أحاديث. ¬

_ (¬1) الوليد بن أبى هشام اسمه زياد القرشى الأموى، أخو أبى المقدام هشام بن زياد، مولى عثمان بن عفان، بصرىٌّ، وقيل: مدنى. روى عن الحسن البصرى، ونافع مولى ابن عمر، وأبى بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم. روى عنه غير إسماعيل جويرية بن أسماء، وأخوه أبو المقدام بن زياد. قال فيه أبو القاسم البغوى عن أحمد بن حنبل: ثقة الحديث جداً. قلت: روى له الجماعة سوى البخارى، وليس له عند مسلم سوى هذا الحديث. انظر: تهذيب الكمال 31/ 105. (¬2) أما الوليد بن هشام المعيطى، فكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز على قنسرين. روى عن أبان بن الوليد بن عُقْبة بن أبى مُعيط، وعمر عبد العزيز، وأم الدرداء، وعنه ابن عيينة، وأبو واقد الليثى - وغزا معه - وعبد الرحمن الأوزاعى. روى له الجماعة سوى البخارى أيضاً. روى له مسلم عن معدان بن أبى طلحة فى الصلاة فقط. رجال مسلم 2/ 302.

(17) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبى صلى الله عليه وسلم فى الليل وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة

(17) باب صلاة الليل وعدد ركعات النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الليل وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة 121 - (736) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكَعَةً يُوتِرُ مِنهَا بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْها اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يأَتِيَهُ المُؤَذِّن فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث قيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل وذكر فى الحديث عن عائشة من رواية سعد بن هشام وقيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبع (¬1) ركعات ومن حديث ابن شهاب عن عروة عنها قيامه بإحدى عشرة، فيهن الوتر، يسلم بين كل ركعتين ثم ذكر أنه كان يركع ركعتى الفجر إذا جاءه المؤذن، ومن رواية هشام ابنه وغيره عنه: قيامه - عليه السلام - بثلاث عشرة ركعة بركعتى الفجر (¬2)، وهو نحو ما تقدم. وذكر عن عائشة: " ما كان يزيد فى رمضان ولا [فى] (¬3) غيره على إحدى عشرة ركعة، أربعاً وأربعاً وثلاثاً، وذكر عنها أيضاً أنه كان يصلى ثلاث عشرة ركعة ثمانياً ثم يوتر ثم يصلى ركعتين وهو جالس، ثم يصلى، تعنى ركعتى الفجر، وقد فسرَّتها فى الحديث الآخر بقولها: " منها ركعتا الفجر " وعنها عند البخارى أن صلاته بالليل سبع وتسع (¬4). وذكر مسلم بعد هذا فى حديث ابن عباس صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل ثلاث عشرة ركعة (¬5)، ثم ذكر صلاته بعد ركعتى الفجر، وفى الرواية الأخرى عنه ست ركعات وأوتر بثلاث (¬6). وذكر حديث زيد بن خالد (¬7) أنه - عليه السلام - صلى ركعتين ¬

_ (¬1) فى س: تسع، وكلاهما صحيح، إلا أن الأول أصح. (¬2) فى المطبوعة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس فى شىء إلا فى آخرها. والحديث المذكور ليس لهشام إنما هو لعروة. وحديث هشام أنكره مالك وقال: مذ صار هشام بالعراق أتانا عنه ما لم نعرف منه. الاستذكار 5/ 238. (¬3) من المطبوعة. (¬4) ك التهجد، ب كم كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى من الليل (1139). (¬5) هو من رواية عائشة هنا، اما حديث ابن عباس - رضى الله عنه - فسيرد فى غير هذا الباب كما أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف 2/ 491. (¬6) بهذا اللفظ لم نقف عليه، ولعله يقصد ما جاء بالحديث (139) عن ابن عباس وما أخرجه ابن أبى شيبة عن عائشة: " كان يصلى بالليل تسع ركعات "، فبحذف الثلاث الوتر يكون صلاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغيره ستاً. (¬7) سيأتى إن شاء الله فى باب الدعاء فى صلاة الليل وقيامه. وزيد بن خالد كنيته أبو طلحة الجهنى، حديثه فى أهل الحجاز، روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن عثمان وأبى طلحة الأنصارى. مات سنة ثمان وسبعين. الاستيعاب 2/ 228، الإصابة 1/ 565.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين وذكر الحديث، وقال آخره فتلك ثلاث عشرة ركعة ". قال العلماء: فى هذه الأحاديث إخبار كل واحد من ابن عباس وزيد بن خالد وعائشة ما شاهده، لكن ما جاء من الاختلاف فيه عن عائشة قيل: هو منها (¬1)، وقيل: من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة فى الأغلب على ما روى عنها: " ما كان يزيد فى رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة " وخبرها بعد ذلك على ما كان يفعله نادراً، فأكثره خمس عشرة ركعة، وأقله سبع، وذلك لما كان يتفق من اتساع الوقت له أو ضيقه، إما بتطويل قراءته فى بعضها كما جاء، أو طول نومه أو لعذر من مرض أو كِبرِ سن، كما بينته فى الحديث بقولها: " فلما أسنَّ صلى سَبع ركعات "، وقد ذكَرَتْ فى غير مسلم أنه كان يصلى ثلاث عشرة ركعة (¬2)، ثم إنه صلى إحدى عشرة (¬3) وترك ركعتين، ثم لما بدَّن نقص من التسع (¬4) اثنتين، فهذا وجه بيِّن، أو تعُدُّ أحياناً أو نقص رواتُها ركعتى الافتتاح الخفيفتين المذكورة فى حديث زيد بن خالد وقد روتها هى أيضاً، فيأتى العدد ثلاث عشرة ثم ركعتا الفجر، [أو تعد ركعتى الفجر أو تتركهما، كما جاء مبيناً بقولها: منها ركعتا الفجر] (¬5)، فيكون أيضاً ثلاث عشرة، أو تعدّهما معاً، فتأتى خمس عشرة وقد يكون هذا مع قوله: " صلى تسعاً ". فقد ذكر مسلم أنه بعد التسع صلى ركعتين جالساً ثم ركعتى الفجر، فهذه ثلاث عشرة، أو تعد مع التسع ركعتى راتبة العشاء الآخرة، أو تعدهما مع السبع على رواية من رواها أربعاً (¬6) فقد روى فيها أنه إذا انصرف من العتمة صلاها ثم نام. ¬

_ (¬1) قائل هذا ابن عبد البر، فقد قال: وأهل العلم يقولون: إن الاضطراب عنها فى أحاديثها فى الحجِّ وأحاديثها فى الرضاع وأحاديثها فى صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل. وأحاديثها فى قصر صلاة المسافر لم يأت ذلك إلا منها - رضى الله عنها - لأن الذين يروون ذلك عنها حفاظ أثبات: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والأسود بن يزيد، ومسروق، ونظراؤهم. الاستذكار 5/ 243. (¬2) البخارى، ك التهجد، ب كيف صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1138)، والترمذى فى أبواب الصلاة، ب ما جاء فى فضل الليل (442)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فى كم يصلى بالليل (1359). (¬3) البخارى، ك التهجد، ب قيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل فى رمضان وغيره (1147)، وابن ماجة، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فى كم يصلى بالليل (1358). (¬4) أبو داود، ك الصلاة، ب فى صلاة الليل (1363). (¬5) من س. (¬6) وتأوله فقهاء الحجاز وبعض أهل العراق أن المراد بأربع ثم أربع فى حسنهن وتطويلهن. الاستذكار 5/ 237، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينام بعد الأربع، ثم ينام بعد الأريع، ثم يقوم فيوتر بثلاث. وسيأتى. السابق 5/ 240. قال: واحتجَّ من قال بذلك بحديث ابن أبى مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة أنها وصفت صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل وقراءته فقالت: كان يصلى ثم ينامَ قدرَ ما صلَّى ثم يصلِّى قدْر ما نامَ، ثم ينامُ قدر ما صلَّى. ونعتَتْ قراءته حرفاً حرفاً. أبو داود، ك الصلاة، ب استحباب الترتيل فى القرآن (1466)، والترمذى فى فضائل القرآن، ب ما جاء كيف قراءة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2923) من حديث قتيبة عن الليث بنحوه، وقال: حديث حسن صحيح. وراجع الاستذكار 5/ 240.

122 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ - وَهِىَ الَّتِى يَدْعُو النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا خلاف أنه ليس فى ذلك حدٌّ لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الفضائل والرغائب التى كلما زيد فيها زيد فى الأجر والفضل، وإنما الخلاف [فى] (¬1) فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما اختاره لنفسه، وأشار بعضهم إلى أن تحرى النبى - عليه السلام - عدد صلاة الليل أعداد صلوات الفريضة الخمس بعشر ركعات مثنى مثنى، وذلك خمس صلوات على ما كانت قبل، وهى كانت أكثر صلاته - عليه السلام - بالليل غالباً على ما جاء فى الحديث المتقدم، وقد يكون على هذا اعتبار نوافل النهار، أو يكون باعتبار ركعاتها، على ما استقرت عليه الصلوات وهى سبع عشرة ركعة، وأكثر ما روى عنه - عليه السلام - فى صلاة الليل أو أعداد ركعات الفرائض، وكان عدد ركعات فرض الليل سبعاً وإن لم تعد فيها الصبح وجُعلت من النهار، وهو أقل ما صلى النبى - عليه السلام - بالليل، وأقل ما حده العلماء فى الأوراد تسع، إن عددنا الصبح فى صلاة الليل وهو المروى - أيضاً - عنه من طريق عائشة، أنه " كان أكثر صلاته أوَّلاً " ولم تعتبر ركعتى الافتتاح على هذا، لأنها كنافلة تقدَّمتها، بدليل أنهما خفيفتان، على أصح الروايات، بخلاف صفة صلاته لركعتى الليل، قال بعضهم: ولعلها تحيَّةُ المسجد إن كانت صلاته فى المسجد. قال القاضى: وقد ذكر أبو داود عن عائشة أنَّ قيامه كان فى المسجد (¬2) ولم يعتبر - أيضاً - الركعتين اللتين صلاهما جالساً بعد التسع، ولا ركعتى الفجر، وعلى هذا تأتى صلاته قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً وقبل العصر ركعتين تتمة عشر ركعات عدد ركعات النهار بحساب الصبح فيها أو أربع قبل الظهر وأربع بعدها، ولا يصلى قبل العصر شيئاً أو ثنتين قبل الظهر وثنتين بعدها وأربعاً قبل العصر تمام ثمان ركعات، على أن الصبح من الليل؛ ولعله - عليه السلام - على هذا الاعتبار كان إذا أكثر بالنهار قصر بالليل، أو قلل بالنهار جَبَر العدد بالليل، والله أعلم. وقد ذكر مسلم بعد هذا عن عائشة أنه - عليه السلام - كان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة (¬3). وقوله: " ويوتر منها بواحدة " ظاهر فى كون الوتر واحدةً على مذهبنا، وسنذكر المسألة بعد. وقوله: فى حديث مالك عن ابن شهاب: " فإذا فرغ منها - يعنى من قيام الليل - ¬

_ (¬1) من س، والذى فى الأصل: من. (¬2) هذا فى رمضان، أخرجه أبو داود، ك الصلاة ب تفريع أبواب شهر رمضان 1/ 316. (¬3) فى المطبوعة: وكان إذا غلبه نومٌ أو وجع عن قيام الليل.

الْعَتَمَةَ - إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكَعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَسَاقَ حَرْمَلَةُ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ. وَلَمْ يَذْكُرِ: الإِقَامَةَ. وَسَائِرُ الْحَدِيثِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرٍو سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلى ركعتين خفيفتين " وفى حديث غير مالك عنه " أن اضطجاعه كان بعد ركعتى الفجر وقبل الإقامة ". وقد قال أئمة الحديث: إذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قال مالك؛ لأنه أثبتهم فيه وأحفظهم، ومثله فى حديث ابن عباس وفيه ردٌّ على من رأى الضجعة بعد ركعتى الفجر سنة لهذا الحديث، وهو قول الشافعى وأصحابه، ولم ير بها مالك بأساً لمن جعلها راحة كالضجعة قبلها، إلا لمن فعلها استناناً، وإليه يرجع قول ابن حبيب عندى، وإن كان تأوله بعض شيوخنا كقول المخالف، وإلى ما ذهب إليه مالك ذهب جمهور العلماء وجماعة من الصحابة وسموها بدعة وإذا ثبت أنه اضطجع قبل ركوعها أيضاً، ولم يقل أحد فى ذلك إنها سنة فلا فرق بين الضجعتين. وقد ذكر مسلم: عن عائشة: " فإن كنت مستيقظةً حدثنى وإلا اضطجع " (¬1) وهذا يدل أن ذلك غيرُ سنة، وأنه كان يضطجع قبلُ وبعد، وقد لا يضطجع، كحاله فى غير هذا الحين. وقولها: " وإن (¬2) كنت مستيقظة حدثنى " دليل على جواز الحديث بين ركعتى الفجر وصلاة الصبح وهو مذهب مالك، وجماعة من العلماء، وكرهه الكوفيون، ويروى مثله عن ابن مسعود وبعض السلف، لما جاء أنه وقت الاستغفار، وما جاء عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثبت وليدلَّ على الجواز، وقد يتحدث مرة ويستغفر أخرى، وقد يكون حديثه معها لينفى النوم عن نفسه، وقد يكون فيما يضطر إليه من شأنه، وفيه الترغيب على كون الاضطجاع على الشق الأيمن، وفائدته لئلا يستغرق فى النوم، لتعلق القلب الذى هو فى جهة اليسار حينئذ إلى جهة اليمين، وقلق النفس من ذلك، بخلاف قراره فى النوم على اليسار ودعة النفس لذلك. وقوله: " حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيصلى ركعتين خفيفتين " (¬3): دليل على جواز ¬

_ (¬1) حديث رقم (133). (¬2) سبق وأن ساقها بالفاء، وهو ما عليه المطبوعة أيضاً. (¬3) جمع القاضى هنا بين حديثين، حديث يحيى بن يحيى، والثانى حديث حرملة بن يحيى ففى الأول ليس فيه: " للإقامة " وفى الثانى ليس فيه: " فيصلى ركعتين خفيفتين ".

123 - (737) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ فِى شَىْءٍ إِلا فِى آخِرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ اتخاذ الأئمة مؤذنين راتبين وأن للمؤذن الإقامة، وقد تقدم هذا، وأن على المؤذنين ارتقاب الأوقات، وجواز إشعار الإمام بالوقت، وأما ما جاء فى بعض الأحاديث من صلاته ركعتين بعد الوتر جالساً، ثم بعدها ركعتى الفجر، فقد يحتج به من يجيز ذلك وهو قول الأوزاعى وأحمد، وإن قال: لا أفعله ولا أضيق على من فعله، وأنكره مالك، والأحاديث الأخر يعارضها، وهى أبين وأصح. قوله: " فليجعل آخر صلاته وتراً " (¬1)، وقوله: فى صلاة الليل فى رواية عمرو ابن الحارث: " ويوتر، يسلم من كل ركعتين " (¬2)، وفى حديث هشام عن أبيه: " يوتر بخمس لا يجلس إلا فى آخرها " (¬3)، وفى حديث أبى سلمة: " يصلى أربعاً ثم يصلى أربعاً ثم يصلى ثلاثاً "، وفى حديثه الآخر: " يصلى ثمانى ركعات ثم يوتر "، ومن رواية القاسم: " كان يصلى عشر ركعات ويوتر بسجدة "، وفى حديث ابن عباس بعد هذا: " فيصلى ركعتين، ثم ركعتين، [ثم ركعتين] (¬4) " الحديث. تقدم ما للعلماء فى ذلك، ومنزع كل واحد وترجيحه ما ذهب إليه من الحديث الذى احتج به على مذهبه، فأما الأحاديث المتقدمة المطلقة بأربع، وثمان، وعشر فيقضى على مجملها مفسر الرواية التى فيها: " يسلم من كل ركعتين "، وقوله: " صلاة الليل مثنى مثنى " (¬5). قولها: " يصلى أربعاً أربعاً " الحديث: فذهب قوم إلى أنه لم يكن بين الأربع سلامٌ، وكذلك الأربع الأخر، وقال آخرون: لم يجلس إلا فى آخر كل أربع، وذهب معظم الفقهاء الحجازيين وبعض العراقيين إلى التسليم بين كل اثنتين من الأربع، وهو مذهب مالك، وتأويل معنى ذكر أربع هنا عند بعضهم أنها كانت فى التلاوة. والتحسين على هيئة واحدة لم يختلف الركعتان الأوليان من الأخرتين، ثم الأربع بعدها أيضاً مشتبهة فى الصفة من الترتيل والتحسين وإن لم تبلغ فى طولها قدر الأول كما قال فى الحديث الآخر: " يصلى ركعتين طويلتين ثم يصلى ركعتين هما دون اللتين قبلهما "، ثم ذكر فى بقية الحديث مثله، وقيل: إنما خصَّت أربعاً ثم أربعاً، لأنه كان - عليه السلام - ينام ¬

_ (¬1) الحديث سيأتى فى باب صلاة الليل وعدد ركعات النبى وأن الوتر ركعة. (¬2) لفظه فى المطبوعة: يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة. (¬3) ولفظه فى المطبوعة: يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس فى شىء إلا فى آخرها. (¬4) سقط من س. (¬5) سيأتى فى ب: صلاة الليل مثنى مثنى، برقم (145).

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 124 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنَ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بِرَكْعَتَىِ الْفَجْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد كل أربع نومةً ثم يقوم، وفى حديث أم سلمة كان يصلى ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلى قدر ما نام فيكون هذا معنى تخصيص الأربع، لا أنها متصلةٌ دون سلام، ويدل أيضاً على صحة هذا التأويل قول عائشة: " أتنام قبل أن توتر؟ "، وقد جاء قولها هذا فى صفة صلاته بالليل، وقد يحتمل قولها هذا أنها قالت له لنومه قبل قيامه، وإنما سألته عائشة هذا السؤال لأنها جاءته صغيرةً لم تفهم بعد شيئاً من العلم إلا ما علمته من أبويها، وكانت عهدت أباها لا ينام حتى يوتر على ما عرف وصح الخبر به عنه، فحسبت أن ذلك متعيِّنٌ لا يجوز خلافه، فلما جاءت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشاهدته ينام ويؤخر وتره سألته عن هذا. وقوله لها - عليه السلام -: " إن عينى تنامان ولا ينام قلبى": من خصائصه - عليه السلام - وخصائص الأنبياء، وقد تقدم الكلام على نومه فى حديث الوادى (¬1) وأما ما جاء فى رواية هشام عن أبيه من قوله: " ويوتر بخمس لا يجلس إلا فى آخرها "، فقد أنكرها مالك من حديثه (¬2)، والذى روى عنه مالك فى موطئه (¬3) خلاف هذا وكرواية الناس وقال: مذ صار هشامٌ بالعراق أتانا عنه ما لم نعرف منه وقد ذكر المصنفون هذا أيضاً عن عروة من غير رواية هشام (¬4) وذكروا نحوه فى حديث ابن عباس وأنه لم يسلم إلا فى آخرهِنَّ (¬5). ¬

_ (¬1) راجع: ب قضاء الصلاة الفائتة. (¬2) سبق فى قوله: " مذ صار هشام بالعراق أتانا عنه ما لم نعرف منه ". قال ابن عبدالبر فى التمهيد: الرواية المخالفة فى حديث هشام بن عروة لرواية مالك فيه إنما حدَّث به عن هشام أهل العراق، وما حدَّث به هشام بالمدينة قبل خروجه إلى العراق أصبح عندهم، ولقد حكى على بن المدينى عن يحيى بن سعيد القطان قال: رأيت مالك بن أنس فى النوم فسألته عن هشام بن عروة، فقال: أما ما حدث به عندنا - يعنى بالمدينة قبل خروجه - فكأنه يصححه، وأما ما حدث به بعد ما خرج من عندنا، فكأنه يوهنه. التمهيد 22/ 119. وقد نقل عن يعقوب بن شيبة: هشام ثبت، لم ينكر عليه إلا بعد ما صار إلى العراق فإنه انبسط فى الرواية، وأرسل عن أبيه أشياء مما كان قد سمعه من غير أبيه عن أبيه. سير 6/ 35. (¬3) الموطأ، ك صلاة الليل، ب صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الوتر، ولفظه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلى إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين 1/ 121. (¬4) وقد أخرجه البخارى، ك الوتر، ب ما جاء فى الوتر 2/ 30، وعبد الرزاق فى المصنف 3/ 135. (¬5) لم نقف عليه بهذه الزيادة: " لم يسلم إلا فى آخِرِهنَّ ". وقد أخرجه الترمذى فى أبواب الصلاة من حديث وكيع عن شعبة عنه أبى جمرة الضُّبعى عنه 25/ 304، وإنما هذا اللفظ من رواية أبى بن كعب، وقد أخرجها النسائى فى الكبرى، ك الصلاة الأول، ب كيف =

125 - (738) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِى رَمَضَانَ، وَلا فِى غَيْرِهِ، عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّى أَرْبَعًا فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّى ثَلاثًا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَىَّ تَنَامَانِ، وَلا يَنَامُ قَلْبِى ". 126 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ؛ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّى ثَلاثَ عَشْرةَ رَكْعَةً، يُصَلِّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ وَهُو جَالِسٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ، ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَة مِنْ صَلاةِ الصُّبحِ. (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلامٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِهِمَا: تِسْعَ رَكَعَاتِ قَائِمًا، يُوتِرُ مِنْهُنَّ. 127 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى لَبِيدٍ، سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَىْ أُمَّهْ، أَخْبِرِينِى عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَتْ صَلاتُهُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالَلَّيْلِ، مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى حديث عائشة من رواية هشام بن سعد (¬1) أنه لم يجلس إلا فى الثامنة والتاسعة، ولم يسلم إلا فى الثامنة، وفى رواية أخرى: يسلم من الثامنة والتاسعة، وقد روى ابن شهاب عن عروة خلافه. ¬

_ = الوتر ثلاث 1/ 172. وله من حديث عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس لا يجلس فى شىء من الخمس إلا فى أخراهُنَّ، يجلس ويسلم 1/ 167. (¬1) قلت: هو سعد بن هشام وليس هشام بن سعد، إذا أن هشام بن سعد ليست له رواية فى الصلاة. وسعد بن هشام هو ابن عامر الأنصارى، ابن عم أنس. أما هشام بن سعد فهو القرشى المدنى. انظر: رجال مسلم 2/ 318، التهذيب 11/ 39.

128 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ، وُيوَتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ، فَتِلْكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. 129 - (739) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ الأَسُوَدَ بْنَ يَزِيدَ عَمَّا حَدَّثَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِى آخِرَهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى أَهْلِهِ قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَنَامَ. فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الأَوَّلِ - قَالَتْ - وَثَبَ - وَلا وَاللهِ، مَا قَالَتْ. قَامَ - فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ - وَلا وَاللهِ، مَا قَالَتِ: اغْتَسَلَ. وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ - وَإِنْ لَمْ يَكْنْ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ للِصَّلاةِ، ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يسلم من كل ركعتين " مع صحة قوله - عليه السلام -: " صلاة الليل مثنى مثنى " ومع ما ظاهره من الأحاديث الأخر بمعناه، وبخلاف رواية [سعد بن هشام] (¬1). وقول عائشة: " كان ينام أول الليل ويُحيى آخره " وقولها: " كان إذا سمع الصارخ قام فصلى " و" كان يحب الدائم " (¬2) إشعار بأن الرفق فى الأمور وترك طلب النهاية ومبلغ الطاعة والتزام المشقة فى العبادة أفضل، " وأن خير الأمور أوسطها وشر السير الحفحفة " (¬3) كما قال، وأن للنفس حقاً، وللعين حقاً، ولأن العمل إذا دام وإن قل اجتمع من قليله بطول الزمن كثرة، ولأنه قائم الأجر مدة عمله، وما بين عملِهِ وَعَمله بالنية فيه، ولأنه إذا ارتبط إلى عمل قدَّره، وإن قلَّ وَوَرَد وقته جرت عليه عادته ودام عليه، وإذا لم يضبطه. وإن كثَّره مرةً فقد يتركه ويشتغل عنه أخرى، فيكون سبباً إلى تركه بالكلية، فإذا كان هذا، فقيام آخر الليل أفضل ولما جاء فيه من الآثار والفضل، وأنه أسمع وأقرب للإجابة، فكان عليه السلام يقومه. ¬

_ (¬1) من س على الصواب، والذى فى الأصل: هشام وابن سعد. (¬2) ولفظه فى المطبوعة: كان نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى صلاةً أحبَّ أن يُداوِم عليها. (¬3) قال أبو عبيد: هو أن يُلحَّ فى شِدَّة السيرِ حتى تقوم عليه راحلتَه أو تعطب فيبقى منقطِعاً به. قال: وهذا مثل ضربه للمجتهد فى العبادة حتى يحسر 4/ 388. والحديث ذكره الزمخشرى فى الفائق أيضاً 1/ 626، وفى النهاية: وهو المتعب من السير، وقيل: أن تحمل الدابةُ على ما لا تطيقه 1/ 412. قال: وهو من كلام مطرف لابنه. انظر: كنز العمال 10/ 132، وعزاه لشعب الإيمان وقال عن بعض الصحابه وتمام لفظه: " العلم أفضل من العمل، وخير الأعمال أوسطها، ودين الله تعالى بين العاصى والغالى، والحسنة بين السيئتين لا ينالها إلا بالله، وشر السير ... ".

130 - (740) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى يَكُونَ آخِرَ صَلاتِهِ الْوِتْرُ. 131 - (741) حدّثنى هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ عَمَلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُحِبُّ الدَّائِمَ. قَالَ: قُلْتُ: أَىَّ حِينٍ كَانَ يُصَلِّى؟ فَقَالَتْ: كَانَ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ، قَامَ فَصَلَّى. 132 - (742) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا أَلْفَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّحَرُ الأَعْلَى فِى بَيْتِى أَوْ عِنْدِى، إِلا نَائِمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " ما ألفى السحرُ الأعلى بنَبِىّ الله فى بيتى إلا نائماً " (¬1): تعنى - والله أعلم - قبل الفجر وبعد قيامه، على ما جاء " أنه إذا أوتر اضطجع " وعلى ما قالت فى الحديث الآخر الصحيح: " أنه قيام داود ينام نصفه، ويقوم ثلثه وينام سدسه " (¬2) وعلى قولها فى الحديث: " ينام أوله ويُحيى آخرها ثم ينام ليستريح من تعب القيام، وينشط لصلاة الصبح والنومُ بعد القيام آخرَ الليل مستحسن، مذهِبٌ لكَلَلِ السهر وذبول الجسم وصفرة اللون بسببه، بخلاف إيصال السهر بالصباح، وقد يكون فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا فى الليالى الطوال، كما قد جاء فى الأحاديث الأخر [و] (¬3) فى غير شهر رمضان، وما ذكر فى الحديث من تطويل قراءة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاته بالليل وما ذكر مسلم بعد هذا أيضاً فى ذلك وقوله: " يرتلها حتى تكون أطول من أطول منها "، وقوله فى الحديث الآخر: " يصلى أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن "، وقوله فى الحديث الآخر: " يصلى ركعتين طويلتين [طويلتين طويلتين "] (¬4)، كل ذلك على ما أمر به من الترتيل وما رُغِّب فيه من تطويل القيام فى النوافل، ومعنى: " لا تسل عن حسنهن وطولهن "، أى: أنها فى ذلك فى النهاية والمبالغة بحيث اكتفى أمرُها عن السؤال، واستغنى عن الوصف، وهذا من الإيجاز فى الكلام، وكذلك تكرار طول الركعتين ثلاثاً مبالغة فى الوصف. قال الإمام: اختلف أيهما أفضل فى النوافل: طول القيام وإن قل الركوع والسجود [أم] (¬5) الإكثار من الركوع والسجود؟ فقيل: طول القيام أفضل لقوله - عليه السلام -: ¬

_ (¬1) حديث أبى كريب لفظه فى المطبوعة: ما ألفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّحرُ الأعلى فى بيتى أو عندى إلا نائماً. (¬2) البخارى فى صحيحه، ك التهجد، ب من نام عند السحر (1131). (¬3) من س. (¬4) سقط من س. وسيأتى إن شاء الله. (¬5) فى ع: أو.

133 - (743) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَنَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَى الْفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِى، وإلا اضْطَجَعَ. (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَتَّابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 134 - (744) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ: " قُومِى، فَأَوْتِرِى، يَا عَائِشَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " أفضل الصلاة طول القنوت " وقيل: بل الأفضل الإكثار من السجود وإن خف القيام لحديث أم هانئ المذكور قبل (¬1): ولقوله - عليه السلام -: " أعنى على نفسك بكثرة السجود " (¬2) وقيل: أما فى النهار فكثرة السجود أفضل لحديث أم هانئ، وأما بالليل فطول القيام أفضل؛ لما روى فيه من فعله - عليه السلام. وقول عائشة: " ما كان يزيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة " الحديث، هذا هو الصحيح فى صفة صلاته - عليه السلام - فى رمضان، وقد روى أنه كان يصلى فى رمضان ثلاث وعشرين والوتر، وروى مالك فى موطئه من حديث السائب بن يزيدِ: " أن عمر جمع الناس على إحدى عشرة ركعة " (¬3) وفى رواية غير مالك: " إحدى وعشرين ركعة "، وقد روى وكيع عن مالك عن يحيى بن سعيد: " جمع عمر على عشرين "، وذكره مالك - أيضاً - من رواية يزيد بن رومان: " ثلاث وعشرين " (¬4) قال أبو عُمر: وهذا يدل أن إحدى عشرة وهم، قال هو وغيره: فقد يمكن أن تكون إحدى عشرة أول ما جمعهم، وكانوا يطيلون القراءة حتى يعتمدون على العصىّ، ثم رأى التخفيف عنهم بكثرة الركعات فنقلهم بعد إلى عشرين والوتر، وهذا هو اختيار الشافعى وجمهور العلماء، وبه عمل أصحابنا المالكيون بعد، فلما كان بعد الحرة وذهبوا إلى التخفيف نقصوا أيضاً من القراءة وزادوا فى الركعات، فجعلوها ستاً وثلاثين، وثلاثاً وتراً، واستمر بذلك عمل أهل المدينة، وهو الذى اختاره مالك فى القيام، وروى أن الأسود بن ¬

_ (¬1) يعنى قولها: " فصلى ثمانى ركعات ما رأيته صلى صلاة قطَّ أخفَّ منها، غير أنه كان يُتم الركوع والسجود " حديث محمد بن المثنى وابن بشار. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى هذا الكتاب، ب ما جاء فى كثرة الركوع والسجود وفضله. وكذا أخرجه أحمد فى المسند 3/ 500، 4/ 59، والنسائى، ك التطبيق، ب فضل السجود (1138). (¬3) الموطأ، ك الصلاة فى رمضان، ب ما جاء فى قيام رمضان 1/ 415. (¬4) السابق.

135 - (...) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ ابْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى صَلاتَهُ بِاللَّيْلِ وَهِىَ مُعْتَرَضَةٌ بَينَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَقِى الْوِتْرُ أَيْقَظَهَا فَأَوْتَرَتْ. 136 - (745) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى يَعْفُور - وَاسْمُهُ وَاقِدٌ، وَلَقَبُهُ وَقْدَانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، كِلاهُمَا عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلى السَّحَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بتسع، وأما الاختلاف فى إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين فعلى الاختلاف فى الوتر، فجاء أن أُبَيًّا هو الذى كان يوتر بثلاث واختاره ابن الجلَّاب لمن يصلى وحده أن يصلى إحدى وعشرين وبالمئين إن قدر (¬1) على ذلك. قال القاضى: وقوله: " حتى يكون آخر صلاته الوتر "، وما كان فى معنى هذا مما فى الحديث فى الأم فهو سنة الوتر، أن يكون آخر صلاة الليل وآخر الليل، وأنه أفضل لمن قدر عليه وكان له قيام معلوم لقوله - عليه السلام: " يوتر له ما قد صلى " (¬2)، وكان أبو بكر يوتر قبل أن ينام وهو اختيار ابن المسيب وفعله عثمان، وكان عمر وعلى يؤخران وترهما وهو اختيار مالك، وقد بين العلة فى الحديث بقوله: بأن " قراءة آخر الليل محضورة " (¬3) وهو مثل قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (¬4)، وقد جاء فى حديث آخر: " مشهودة "، وهذا لمن جرت عادته بالقيام وقوى عليه، ولم تكن عادته أن تغلبهُ عيناه، ولهذا قال - عليه السلام - لعمر: " أخذت بالعزم " أى بالقوة، ولأبى بكر: " بالحزم " (¬5) أى بالاحتياط. ¬

_ (¬1) فى س: قوى. (¬2) حديث يحيى بن يحيى، ب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل. (¬3) حديث سلمة بن شبيب، من باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله. وكذا حديث أبو بكر بن أبى شيبة. (¬4) الإسراء: 78. (¬5) الحديث أخرجه أبو داود عن قتادة، وابن ماجة وأحمد عن جابر، ولفظه كما فى أبى داود: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبى بكر: " متى توتر؟ " قال: أوتِر من أول الليل، وقال لعمر: " متى توتر؟ " قال: أوتِرُ آخِرَ الليل، فقال لأبى بكر: " أخذ هذا بالحزم "، وقال لعمر: " أخذ هذا بالقوة ". ك الصلاة، ب فى الوتر قبل النوم 1/ 331. ولفظ ابن ماجة: " أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالوثقى، وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة "، ك الإقامة، ب ما جاء فى الوتر أول الليل 1/ 379. وانظر: أحمد فى المسند 3/ 309، 330، وقد أخرجه أيضاً البيهقى فى السنن 3/ 35، وعبد الرزاق فى المصنف 3/ 14.

137 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّاب، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوْسَطِهِ وآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر فى وصيته لأبى ذرِّ وأبى هريرة: " وأن أوتر قبل أن أنام " (¬1) وقد بين - عليه السلام - هذا فى آخر الباب فى حديث جابر: " أيكم خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر، ثم ليرقد، ومن وثق بقيام الليل فليوتر من آخره " الحديث (¬2)، وقد أخبرت عائشة: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كل الليل أوتر، من أوله وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر " وهذا بحسب (¬3) تنفله وما تيسر له منه وغالب أمره، على ما شهدت به الأحاديث أنه فى السحر؛ لأن قيامه كان آخر الليل، ووتره آخرَ قيامه. واختلفوا فيمن أوتر ثم قام بعد هذا إلى التنفل، فروى عن جماعة كثيرة من الصحابة وغيرهم: أنه يأتى بركعة يشفع بها وتره، ثم يصلى ما قدر له، ثم يوتر آخره. وذهب بعض الصحابة والتابعين وكافة أئمة الفتوى إلى منع نقض الوتر، وأنه إذا بدا له فى تنفُّلٍ بعد الوتر لم يَنْقُضه ولم يشفعه، وصلى ما بدا له ولم يعده. وذكر بعض شيوخنا عن مالك الخلاف فيمن تنفَّل بعد وتره هل يعيد وتره؟ والمشهور أنه لا يعيدُ، وكذلك اختلف قوله فيمن زاد فى وتره ركعة وشفعه ساهياً، هل يجزيه سجدتا السهو؟ وهو مشهور قوله، وقال أيضاً: يستأنف وتره. والوتر عندنا سنة مؤكدة غير واجبة لقوله - عليه السلام -: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد " (¬4)، وهو قول كافة العلماء والسلف، وذهب بعضهم إلى أنه واجب (¬5). قال الإمام: مذهب أبى حنيفة أن الوتر واجب ليس بفرض، على طريقته وطريقة أصحابه فى التفرقة بين الفرض والواجب، مع أنهما جميعاً يأثم تاركهما عنده، وفرَّق بعضهم بينهما بأن الواجب هو واجب بالسنة، والفرض ما وجب بالقرآن. وقال بعضهم: الواجب لا (¬6) يكفر من خالف فيه، والفرض يكفر (¬7) من خالف فيه، وهذه التفرقة عندنا غير صحيحة على مقتضى اللسان، بل الأولى على حكم الاشتقاق أن يكون الواجب أكبر من الفرض، وأما الوتر فهو عند مالك سنة وما وقع لبعض أصحابنا من تجريح تاركه ¬

_ (¬1) حديث شيبان بن فروخ، غير أن لفظه فى المطبوعة: قبل أن أرقد. (¬2) حديث سلمة بن شبيب، ولفظه فى المطبوعة: ومن وثق بقيام من الليل. (¬3) فى س: بحساب. (¬4) الحديث سبق فى ك الإيمان، ب بيان الصلوات التى هى أخذ أركان الإسلام برقم (2)، وأخرجه أبو داود، ك الوتر فيمن لم يوتر (1430)، والنسائى، ك الصلاة، ب المحافظة على الصلوات الخمس (461)، وابن ماجة، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فى فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها، ومالك فى الموطأ، ك صلاة الليل، ب الأمر بالوتر 1/ 123. (¬5) يعنى الأحناف. (¬6) و (¬7) زيد قبلهما فى س: " ما الموصولة ".

السَّحَرِ. 138 - (...) حدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ - قَاضِى كَرْمَانَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُلَّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولبعضهم من تأديبه، محمول على أنه استحق ذلك؛ لأن تركه عنده علم على الاستخفاف بالدين [لا] (¬1) لأجل أن الوتر فرض. قال القاضى: قوله: " يوتر منها بواحدة "، وقوله: " الوتر ركعة، وما فى معناه من الأحاديث: دليل على أن الوتر واحدة، لكنها إنما جاءت بعد صلاة الليل، وهو قول مالك والشافعى وفقهاء أصحاب الحديث والأوزاعى أنها واحدة، لكنه لابد من شفعٍ قبلها وليس هذا الشفع مما يتعين لها. فلو صلى قبلها نوافل اجتزأ بواحدة بعدها عند كل من يقول: [الوتر] (¬2) واحدة. واختلف المذهب عندنا، هل من شرط الشفع والنافلة قبلها أن تكون متصلة بها؟ أم (¬3) يجوز، وإن كان بينهما زمن؟ وفى الحديث: " أوتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشر وثلاث " فلم يكن يوتر بأقل من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة، فأضاف قيام الليل إلى الوتر، وقد أدخل مسلم من الأحاديث فى النص على واحدة من حديث ابن عباس: " الوتر ركعة آخر الليل "، وعن ابن عمر: " فأوتِر بواحدة " (¬4) وغير ذلك مما يرفع كل إشكال. قال الإمام: لا يوتر عندنا بواحدة، لا شفع قبلها من غير عذر، وأوتر سحنون فى مرضه بواحدة، وأجازه بعض أصحابنا فى السفر أيضاً، وقال الشافعى: يوتر بواحدة لا شفع قبلها من غير عذر، فإن احتج له بقول النبى - عليه السلام -: " فأوتر (¬5) بواحدة " قلنا: لم يكن ذلك إلا بعد شفع، وإن احتج أن سعداً أوتر بواحدة قلنا: لعله كان لعذر. ينبنى الخلاف بيننا وبينه أيضاً على الخلاف فى الوتر، هل هو وتر لصلاة العتمة أو لصلاة النافلة؟ فإن قيل: إنه للعتمة قادَ ذلك إلى مذهبه، وإن قيل: [هو] (¬6) وتر للنوافل احتيج إلى شفع قبله كما قلنا. واختلف القائلون بأن لابد من شفع قبل الوتر، هل يفصل بسلام (¬7) بين الشفع والوتر أم لا؟ والحجة للفصل بينهما حديث ابن عباس: أن النبى - عليه السلام - صلى ركعتين ثم ركعتين ... الحديث، وكذلك " صلاة الليل مثنى مثنى ". قال القاضى: ذهب ابن نافع (¬8) من أصحابنا إلى جواز الوتر ابتداء بواحدة ليس قبلها ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) فى الأصل: التنفل، والمثبت من س. (¬3) فى س: أو. (¬4) الحديثان عن ابن عمر. (¬5) فى الأصل: أوتر. والمثبت من ع والمطبوعة. (¬6) ساقطة من ع. (¬7) زيد بعدها فى س: قبل (¬8) ابن نافع هو: عبد الله بن نافع بن أبى نافع الصائغ، كنيته أبو محمد، روى عن مالك، والليث، وعبد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شىء، وذهب بعض شيوخنا إلى تخريج الوتر بثلاث على المذهب من قوله فى المدونة من عمل أهل المدينة فى قيام رمضان: " يوترون منها بثلاث "، ومن قوله: " هذا الذى أدركت الناس عليه "، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه لم يحكه مالك عن نفسه، بل ذكر عن فعل الأمراء. وقوله: " هذا الذى أدركت الناس عليه " من عدد القيام، لأنه هو الذى أخبر أن الأمير سأله عنه لا عن الوتر، وقد قال: " فإذا جاء الوتر انصرفت " إذا لم يكن مذهبه صلاته معهم [ثلاثاً] (¬1) بغير تسليم، وقد تأول ما وقع من فعل عمر وغيره فى الوتر بثلاث أنه مراعاة للخلاف فى عدد الوتر وليؤتى بالأكمل. وقيل: لعله لم ينصرف إلى منزله فشفع قبل وتره. وقال [ابن حبيب] (¬2) إنما فعل هذا الأمراء وتركوا الفضل لئلا ينفض الناس عند تمام الشفع دون وتر، فجرسوا (¬3) عليهم آخر شفع بأن وصلوه بالوتر لذلك، وليس يعرف هذا من قول مالك (¬4)، لكنه مذهب أبى حنيفة. وقال ابن نافع: إذا صلى شفعاً قبل وتره فلا يسلم منه ولا يفصل بينهما وليأت بها كصلاة المغرب، وكذلك فعل عمر ابن عبد العزيز، وذكر أنها مذهب الفقهاء السبعة. ومذهب أهل المدينة أن الوتر ثلاث لا فصل بينهن، وقال الأوزاعى: إن فعل فحسنٌ، وإن صلى فحَسنٌ، ولم يذكر مسلم ولا أصحاب الصحيح ما يقرأ فى الوتر والركعتين قبله، وذكر أصحاب المصنفات (¬5) فى ذلك قراءته - عليه السلام - فى الشفع {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفى الوتر بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين، وبه أخذ الشافعى وأصحابه، وروى عن مالك، واستحبه أكثر أصحابه، وأخذ به مالك فى ركعة الوتر فى المشهور عنه، وفى حديث آخر: أن القراءة فى الوتر بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقط، وفى الشفع ما تقدم، وبه قال الثورى، وأحمد، وأصحاب الرأى، قال الترمذى: وهو اختيار أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، وروى - أيضاً - قراءته فى الشفع والوتر بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فى كل ركعة، ويزيد فى الوتر المعوذتين، واختاره أبو مصعب من أصحابنا وغيره. ¬

_ = الله بن نافع مولى ابن عمر، وعنه قتيبة، وابن نمير، وسلمة بن شبيب وغيرهم. قال فيه أحمد: كان ضعيفاً، وقال أبو حاتم: ليس بالحافظ، وكتابه أصح. مات سنة ست ومائتين. تهذيب التهذيب 6/ 51. (¬1) فى ع: وحديث. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬3) يعنى: جرَّبوا. (¬4) جاء فى المدونة: قال مالك: والوتر آخر الليل أحبُّ إلىَّ لمن قوى عليه. فقلت - أى سحنون - لمالك: أفيُسلم الإمام من ركعتين فى الوتر؟ قال: نعم هو الشأن. قلت له: فإن صليتُ معهم؟ قال: لا تخالفه، إن سلم فسلم، وإلا فلا تُسَلِّم. قال مالك: ولقد كلنت أنا أصلي معهم مرة فإذا جاء الوتر انصرفتُ، فلم أوتر معهم 1/ 225. (¬5) أبو داود، ك الوتر، ب ما يقرأ فى الوتر (1423)، والترمذى، ك الصلاة، ب ما جاء فيما يقرأ به فى الوتر (462، 463)، وابن ماجة، ك إقامة الصلاة، ب ما جاء فيما يقرأ فى الوتر (1171، 1172، 2173)، وأحمد فى المسند 3/ 406، 407، 5/ 123.

(18) باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض

(18) باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض 139 - (746) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُو فِى سَبِيلِ اللهِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا، فَيَجْعَلَهُ فِى السَّلاحِ وَالْكُرَاعِ، وَيُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، لَقِىَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِى حَيَاةِ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَاهُمْ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " أَلَيْسَ لَكُمْ فِىَّ أُسْوَةٌ؟ "، فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. فَأتِهَا فَاسْأَلْهَا، ثُمَّ ائتِينِى فَأَخْبِرْنِى بِرَدِّهَا عَلَيْكَ. فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا، فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ، فَاسْتَلْحَقْتهُ إِلَيْهَا. فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا، لأَنِّى نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِى هَاتَيْنِ الشَّيعَتَيْنِ شَيْئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلا مُضِيًّا. قَالَ: فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ، فَاسْتَأذَنَّا عَلَيْهَا، فَأَذِنَتْ لَنَا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَحَكِيَمٌ؟ - فَعَرَفَتْهُ - فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَالَ: ابْنُ عَامِرٍ. فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ خَيْرًا - قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ - فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِيْنِى عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث سعد بن هشام حين أراد التبتل والانخلاع من ماله ونَهْىُ الصحابة له عن ذلك، وأخبروه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاهم عن ذلك حجة فى النهى عن هذا على الجملة، وأنه ليس على العموم، بل بقوم دون قوم، وأن الزهد فى التبتل ليس بفراق النساء، وسيأتى هذا فى كتاب الزهد. وقوله لعائشة: " أنبئينى عن خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت: كان خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن " تعنى التأدب بآدابه والتخلق بمحاسنه، والالتزام لأوامره وزواجره، وقد جاء فى حديث آخر معنى هذا مفسّراً (¬1). ¬

_ (¬1) يعنى بذلك ما أخرجه أحمد فى المسند من حديثه بزيادة: أما تقرأ قول الله عزَّ وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}؟ قلت: فإنى أريد أن أتبتل ... الحديث 6/ 91.

أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، وَلا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ بَدَا لِى فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِى عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (¬1)؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قيَامَ اللَّيْلِ فِى أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ. فَقَامَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً، وَأَمْسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا فِى السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ، فِى آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فهممت أن أَقُومَ ولا أسأل أحداً عن شىء حتى أموت ": اكتفى بذلك واقتدى بالتخلق بأخلاق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقرآن، ففيه المقنع (¬2) من كل شىء والهداية إلى كل رشد والخلاء من كل شبهة. وقولها: " إن الله افترض قيام الليل على نبيه فى أول سورة المزمّل، فقام هو وأصحابه حولاً وأمسك خاتمتها اثنى عشر شهراً حتى أنزل فى آخرها التخفيف فنبه أن قيامه تطوع بعد فرض " (¬3). قال القاضى: اختلف الناس فى حكم قيام الليل كيف كان؟ والمراد بالآية ما هو؟ فحكى أبو بكر الأدفوى (¬4) أن قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ} (¬5) ليس بفرض ولا على الوجوب عند بعضهم لقوله: {نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} (¬6)، وردّ عليه، وليس هكذا صفة الفروض وإنما هو ندب. وقيل: حتم وفرض، وقيل: حتم على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده. قال القاضى: ودليل قول عائشة أنه كان فرضاً عليه وعلى أمته ثم نسخ. قال مكى: وهو قول كافة أهل العلم، وقيل: نسخه بعد عشر سنين وهو الظاهر، لأن نسخها على ما روى آخرها ونزل آخرها بالمدينة، والسورة كلها مكية من أول ما نزل من القرآن إلا الآيتين آخرها، وقيل: بل كان قيام الليل أول ما فرض الله على رسوله وأمته، قالت عائشة: " ثم رحمهم الله فردها بالفريضة وترك قيام الليل ". ولم يختلف العلماء مع اختلافهم فى تأويل الآية وحكم قيام الليل أنه غير واجب، إذ قد سقط فرضه عن المسلمين بالنسخ عند من قال إنه كان [عليهم] (¬7) واجباً، إلا طائفة روى (¬8) عنها أيضاً فرضه، ولو قدر حلب شاة (¬9). ¬

_ (¬1) المزمل: 1. (¬2) نقلها الأبى: متبع، ولا وجه لها. (¬3) لفظها فى المطبوعة: " إن الله عز وجل افترض قيام الليل فى أوَّل هذه السورة، فقام نبىُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهر فى السماء، حتى أنزل الله فى آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة ". (¬4) نقلها الأبى وقيدها: الأبهرى. (¬5) المزمل: 2. (¬6) المزمل: 3. (¬7) من س. (¬8) فى الأصل: وروى. (¬9) علق النووى عليها بأنه غلط، ومردود بإجماع من قبله مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس 2/ 398.

أَنْبِئِينِى عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّى تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِى الثَّامِنَةِ. فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يَا بُنَىَّ. فَلَمَّا سَنَّ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ، أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَنَعَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأَوَّلِ. فَتِلْكَ تِسْعٌ، يَا بُنَىَّ. وَكَانَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاومَ عَلَيْهَا، وَكَاَنَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ ركْعَةً، ولا أَعْلَمُ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآن كُلَّهُ فِى لَيْلَةٍ، ولا صَلَّى لَيلةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلا صَامَ شَهْرًا كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَانَ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْن عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِهَا. فَقَالَ: صَدَقَتْ، لَوْ كُنْتُ أَقْرَبُهَا أَوْ أَدْخُلُ عَلَيْهَا لأَتَيْتُهَا حَتَّى تُشَافِهَنِى بِهِ. قَالَ: قُلْتُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لا تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَا حَدَّثْتُكَ حَدِيثَهَا. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ؛ أَنَّهَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبِيعَ عَقَارَهُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى صفة صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل: " يصلى تسعاً لا يجلس فيها إلا فى الثامنة "، وذكر أنه يُسَلِّم فى التاسعة، تقدم الكلام عليه. وقولها: " فلما أسنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذ اللحم " كذا رواية أكثرهم، وعند الطبرى: " وأخذه اللحم " (¬1)، والمعنى متقارب وقد تقدَّم الكلام عليه. وقول ابن عباس فى هذا الحديث: " لو كنت أدخل عليها - يعنى عائشة - لأتيتها حتى تشافهنى [بهذا الحديث] (¬2) " حجة فى طلب علوِّ الإسناد. وقول حكيم بن أفلح له: " [لو] (¬3) " علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك " على طريق العتْب له على ترك الدخول إليها والمكافأة على ذلك بأن يحرمه الفائدة عنها حتى يضطر إلى الدخول عليها. ¬

_ (¬1) وهو ما جاءت به المطبوعة. (¬2) الذى فى المطبوعة: به. (¬3) ساقطة من س.

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَة، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْن هِشَامٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ. فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْوِتْرِ. سَاقَ الْحَدِيثَ بِقصَّتِهِ. وَقالَ فِيهِ: قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَامِرٍ. قَالَتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ عَامِرٌ. أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى؛ أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامٍ كَانَ جَارًا لَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سَعِيدٍ. وَفِيهِ: قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَالَ: ابْنُ عَامِرٍ. قَالَتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ، كَانَ أُصِيبَ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ أُحُدٍ. وَفِيهِ: فَقَالَ حَكِيمُ ابْنُ أَفْلَح: أَمَا إِنِّى لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لا تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَا أَنْبَأتُكَ بِحَدِيثِهَا. 140 - (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَن سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ منَ اللَّيْلِ منْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ صَلَّى منَ النَّهَارِ ثَنْتَىْ عَشَرَةَ رَكْعَةً. 141 - (...) وحدّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى - وَهُوَ ابْنُ يُونسَ - عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ منَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى منَ النَّهَارِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلا رَمَضَانَ. 142 - (747) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْن شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بْن عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِىّ، قَالَ: سَمِعْتَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَىْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من نام عن حزبه أو عن شىء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتِب له كأنما قرأه من الليل " تَفُضُّلٌ من الله تَفضَّل عليه به، ودليل على أن صلاة الليل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذكر فيها أفضل من صلاة النهار وعمله، إذ لم يُجعل له هذه الفضيلة إلا لغلبة نومه [عليه] (¬1)، وقد ذكر مالك فى موطئه عنه - عليه السلام -: " ما من امرئ يكون له صلاة من الليل فغلبه عليها نوم إلا كتب له أجرُ صلاته، وكان نومه عليه صدقة " (¬2)، وهذا أتم فى التفضل ومجازاته بنيته، وهذا لمن كانت عادته ذلك، وظاهره أن له أجرَه كاملاً كما لو عمله؛ لأن الله حبسه عنه، وقد جاءت بهذا ظواهر أحاديث كثيرة، ولهذا أجاز مالك لهذا أن يصليه بعد طلوع الفجر وكان ذلك الوقت عنده وقت ضرورة، لما فاته من نوافل الليل، كقيامه، ووتر ليله، وهو لا يجيز التنفُّل بعد طلوع الفجر، ولا يصلى حينئذ إلا الفجر، وهو قول جماعة من الصحابة والعلماء للأثر الوارد فى ذلك، وروى عن الحسن وطاوس وعطاء إجازة ذلك مطلقاً، وروى عن مالك - أيضاً - إجازة ما خف من ذلك كالست ركعات ونحوها. قال بعض شيوخنا: وقال بعضهم: يحتمل أن يكون آخرها غيرَ مضاعف بعشرٍ بخلاف إذا عملها، إذ الذى يصليها أكمل أجراً أو يكون له أجرٌ بنيته أو أجر من يتمنى أن يصلى تلك الصلاة أو أجر تأسفه على ما فاته منها، والأول أظهر، لاسيما مع قوله: " وكان نومه عليه صدقة "، فلو نقصه النوم من الأجر لم تكن صدقة، بل كان مانعاً له من خير ومفَتِّراً فى أجور الفضائل، والأجور ليست على قياس، وإنما هى [بفضل من الله] (¬3) بما شاء على من شاء كيف شاء. وهذا الحديث ممّا تتبعه الدارقطنى على مسلم فقال: رواه جماعة سماهم مسنداً، كما ذكره مسلم، ورواه ابن المبارك عن يونس موقوفاً، وكذلك رواه معمر عن الزهرى عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارى، وكذلك رواه مالك عن داود عن الأعرج عن عبد الرحمن بن عبد القارى عن عمر موقوفاً (¬4). ¬

_ (¬1) من س. (¬2) ك صلاة الليل، ب ما جاء فى صلاة الليل 1/ 117. (¬3) من س، وما فى الأصل: بفضل الله. (¬4) الإلزامات والتتبع 268.

(19) باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال

(19) باب صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال 143 - (748) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِىِّ؛ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلاةَ فِى غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ ". 144 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَربٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِى عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الشَّيْبَانِىُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ قُبَاءٍ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقَالَ: " صَلاةُ الأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتِ الْفِصَالُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ": الأوابون: المطيعون، والأوابون: المسبحون، وقيل: هذا فى قوله: {كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} (¬1) وفى قوله: {أَوِّبِي مَعَهُ} (¬2) وقيل الأوّاب: الرّاحم. وقوله: " حين ترمض الفصال ": يعنى عند ارتفاع الضحى. وقال الهروى: ورمض الفصال: أن تحترق الرمضاء وهى الرمل فتبرك الفصال من شدة حرها وإحراقها أخفافها. ¬

_ (¬1) ص: 19. (¬2) سبأ: 10.

(20) باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل

(20) باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل 145 - (749) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللهِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاةِ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى. فَإِذَا خَشِىَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى ". 146 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَاللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ طَاوُسُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " صلاة الليل مثنى مثنى ": حجة فى أن النافلة ركعتين ويليهما سلام، ولو كان إنما يسلّم فى الرابعة لما كان لقوله: " مثنى مثنى " فائدة، كما لا يصح أن يقال ذلك عن العصر والظهر والعشاء، مع ما جاء فى حديث عائشة وأم هانئ من أنه " يسلّم من كلّ ركعتين "، وبه فسّر أبن عمر هذا الحديث، ومذهب مالك وكافة العلماء أن نافلة الليل والنهار مثنى مثنى، وذهب الأوزاعى وأحمد إلى اختصاص ذلك بنافلة (¬1) الليل، وأن نافلة النهار أربع، وذهب الكوفيون إلى جوازها بالليل والنهار اثنتان وأربع وست، وثمان، وروى عنه أنه لا يزيد فى الليل على أربع وفى النهار على ثمان، وأن الاختيار عنده فيه أربعٌ ليلاً ونهاراً، وقال الأسفرايينى: الاختيار مثنى مثنى بالليل والنهار، والجواز واحدة، واثنتان، وثلاث، وما شاء لا يخص بعددٍ، ويسلّم آخر ذلك، وحكى عن بعض السلف نحوه. وقد يحتج بهذا الحديث من يقول بقول الأوزاعى وأحمد؛ أن ذلك بالليل دون النهار، ويصلى بالنهار إن شاء أربعاً، وروى عن ابن عمر والنخعى، وهذا لا حجة له فيه؛ لأنه إنما خرج كما جاء فى الحديث لسائل سأله كيف صلاة الليل؟ فأجابه، ولو سأله عن صلاة النهار فالله أعلم كيف كان يجيبه، لكن الأحاديث الأخر من ذكر رواتب الصلوات ثنتين ثنتين، وتسليمه عن صلاة الضحى من كل ثنتين، [وصلواته] (¬2) السنن ثنتين، كلها [تبين] (¬3) هذا، وأيضاً فقد روى عن عمر الحديث وفيه: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " (¬4)، وذكر مسلم فيه: " من صلى فليصل مثنى مثنى " وقد تقدم هذا. ¬

_ (¬1) فى س: بنوافل. (¬2) فى الأصل: صلاته، والمثبت من س. (¬3) فى الأصل: ثنتين، والمثبت من س. (¬4) أخرجه ابن عبد البر من حديث ابن وهب بزيادة: " يعنى التطوع ". الاستذكار 5/ 227.

وَحَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاةِ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: " مَثْنَى، مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ ". 147 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَحُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَاهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ صَلاةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ". 148 - (...) وحدَّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَبُدَيْلٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّائِلِ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ صَلاةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: " مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَصَلِّ رَكْعَةً، وَاجْعَلْ آخِرَ صَلاتِكَ وِتْرًا " ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ، عَلَى رَأَسِ الْحَوْلِ، وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلا أَدْرِى، هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. (...) وحدَّثنى أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَبُدَيلٌ وَعِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فإذا خشيت الصبح فصل ركعة وأوتر بواحدة " (¬1) وقوله: " أوتروا قبل الصبح " كلها حجة فى أن وقتها المتفق عليه ما لم يطلع الفجر، وهذا قول كافة العلماء، واختلفوا هل يصلى بعد طلوع الفجر إلى أن يُصَلى؟ وهل لها ذلك وقت ضرورة لمن تركها أو نام عنها أو نسيها؟ فذهب جمهورهم - وهو مشهور قول مالك والشافعى - إلى جواز ذلك مع كراهية تعمده، وأنه وقت ضرورة لها، وحكى عن ابن مسعود وغيره أن وقتها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح، وذهب الكوفيون إلى منع صلاته (¬2) بعد طلوع الفجر، وقاله جماعة من السلف، وأبو مصعب وبعض أصحابنا، وحكاه الخطابى عن مالك لظاهر هذا الحديث ولقوله فى الحديث الآخر: " بادروا الصبح بالوتر "، ولقوله: " فليجعل آخر صلاته وتراً قبل الفجر"، وما أشبهه، وعندنا وعند الشافعى أنها لا تقضى بعد صلاة الصبح، وشذ أبو حنيفة فجعلها تقضى [بعد الفجر] (¬3) حينئذ، وقاله طاوس، وعنه أيضاً ¬

_ (¬1) لعله جمع بين الأحاديث (146، 147، 148) إذ أن ما ذكره القاضى ليس فى شىء من أطراف الحديث. (¬2) فى س: صلاتها. (¬3) سقط من س.

أَيُّوبُ وَالزُّبَيْرُ بْنَ الْخِرِّيتِ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَا بِمِثْلِهِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمَا: ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأسِ الْحَوْلِ، وَمَا بَعْدَهُ. 149 - (750) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَسُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِى زَائِدَةَ قَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِى عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ عَبْدَ اللهِ ابْنِ شَقِيقٍ، عَنَ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ ". 150 - (751) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِع؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلاتِهِ وِتْرًا، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ. 151 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا ". 152 - (...) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلاتِهِ وِتْرًا قَبْلَ الصُّبْحِ، كَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُهُمْ. 153 - (752) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو مِجْلَزٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْوَتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ". 154 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْن بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَثَنَا شُعْبَةُ، عَن قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن الأوزاعى وأبى ثور والحسن، وقاله الليث وعنه (¬1) تقضى بعد طلوع الشمس وحكى عن سعيد بن جبير أنه يوتر من القائلة، واختلفوا إذا صلاها ثم ذكر العشاء؟ فقال الكوفيون: لا يعيدها، وقال مالك وأبو يوسف ومحمد وغيرهم: يعيدها بعد العشاء، واختلف المذهب عندنا إذا ذكرها فى صلاة الصبح هل يقطع أم لا؟ فذاً كان أو مأموماً، أو يقطع الفذ دون المأموم؟ واختلف الناس فى ذلك أيضاً. ¬

_ (¬1) فى الأصل: وغيره، والمثبت من س.

155 - (753) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْوِتْرِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ". وَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ". 156 - (749) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ رَجُلاً نَادَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أوتِرُ صَلاةَ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى فَلْيُصَلِّ مَثْنَى مَثْنَى، فإِنْ أَحَسَّ أَنْ يُصْبِحَ سَجَدَ سَجْدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى ". قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَلَمْ يَقُلِ: ابْنِ عُمَرَ. 157 - (...) حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ ابْنِ سِيرِين، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، قَلتُ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ أَأَطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءةَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. قَالَ: قُلْتُ: إِنِّى لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ. قَالَ: إِنَّكَ لَضَخْمٌ، أَلا تَدَعُنِى أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيث؟ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول مسلم آخر الحديث: وقال أبو كريب عبيد الله بن عبد الله، ولم يقل: ابن عمر كذا لهم، وعند أبى بحر: عبد الله بن عبد الله، وذكر أيضاً فى (¬1) الباب [إسحاق] (¬2) بن منصور، أخبرنى عبد الله عن شيبان عن يحيى أخبرنى أبو نضْرة العَوَقى (¬3) كذا لهم، وعند الصدفى: أخبرنى عبيد الله وشيبان عن يحيى، فانظره. وقول ابن عمر للذى سأله عن الركعتين قبل صلاة الغداة: أطيل فيهما القراءة - يعنى ركعتى الفجر - فذكر له هذا الحديث، فقال: " لست عن هذا أسالك، إنك لَضَخْمٌ ألا تدَعُنى أستقرئ لك الحديث " إنما قال له هذا لتعجيله عليه إذ كان بقِى من الحديث قوله: ¬

_ (¬1) فى الأصل: معنى، والمثبت من س. (¬2) فى الأصل: وإسحاق، والمثبت من س. (¬3) أبو نَضْرَة هو المنذر بن مالك بن قِطْعَة، العَوَقِى البصرى، والعَوَقةُ بطنٌ من عبد القيس، ممن روى عنهم أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعلى بن أبى طالب، وعمران بن حُصين، وأبى ذر الغفارى، وأبى سعيد الخدرى، وأبى موسى الأشعرى، وأبى هريرة. وروى عنه قتادَة بن دِعامة، وكهمس بن الحسن، ويحيى بن أبى كثير. مات سنة ثمان أو تسع ومائة. تهذيب الكمال 28/ 509.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ، كَأَنَّ الأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ. قَالَ خَلَفٌ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: صَلاة. 158 - (...) وحدّثنا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ؛ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، بِمِثْلِهِ. وَزَادَ: وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ. وَفِيهِ: فَقَالَ: بَهْ بَهْ، إِنَّكَ لَضَخْمٌ. 159 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا رَأَيْتَ أَنَّ الصُّبْحَ يُدْرِككَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، فَقِيلَ لَابْنِ عُمَرَ: مَا مَثْنَى مَثْنَى؟ قَالَ: أَنْ تسَلِّمَ فِى كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. 160 - (754) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " ويصلى ركعتين قبل الغداة (¬1) كأن الأذان فى أذنيه " يعنى من تخفيفهما، وأرى مراده بالأذان هنا الإقامة؛ لأن عن هذا كان سؤال السائل. ومعنى قوله: " لضخم ": إشارة إلى البلادة وسوء الأدب، لمداخلته له فى الكلام وتركه تمامه، وقطعه عليه، كما قال بعضهم فى أحد تأويلات قوله: " إنك عريض القفا " (¬2) لأن البلادة والغباوة مع السِّمن والضخامة. ومعنى: " أستقرئ لك الحديث " كذا رويناه بالهمزة ومعناه على هذا أتلوه وآت به على نسقه، وقد يكون غير مهموز، ويكون معناه: أقصد لك إلى ما طلبت، من قولهم: قروت إليه قرواً إذا قصدت نحوه ومنه: هو يقترى الأرض ويقروها قرواً إذا قطعها إلى أخرى، وهو أشبه بهذا الموضع، ومنه القرو الطلب. وقوله: " بَهْ بَهْ ": إما أن يكون معنى: مه مه، زجراً، وقد جاء ذلك والباء تبدل من الميم كثيراً، وقال ابن السكيت: هى لتعظيم الأمر بمعنى: بخ بخ. ¬

_ (¬1) فى الأصل: القراءة، والمثبت من س والمطبوعة. (¬2) جزء حديث أخرجه البخارى فى التفسير، ب سورة البقرة عن عدى، وذلك لما أخذ - رضى الله عنه - وعقالاً أبيض وعقالاً أسود 6/ 31.

161 - (...) وحدَّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو نَضْرَةَ الْعَوَقِىُّ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُمْ؛ أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الوِتْرِ؟ فَقَالَ: " أَوْتِرُوا قَبْلَ الصُّبْحِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: أو يكون هنا من قولهم: رجل بهبىٌّ، وهو الجسيم الجرىء، لاسيما مع قوله: " إنك لضخم " أو تكونَ حكايةً لاعتراضه عليه وكلامه له من بهبهة الفحل فى هديره.

(21) باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله

(21) باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله (¬1) 162 - (755) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ الليلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيلِ، فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ ". وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَحْضُورَةٌ. 163 - (...) وحدَّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ - عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ ليَرْقُدْ، وَمَنْ وَثِق بِقِيَامٍ منَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مَنْ آخِرِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب صلاة الليل وعدد ركعات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الليل.

(22) باب أفضل الصلاة طول القنوت

(22) باب أفضل الصلاة طول القنوت 164 - (756) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ ". 165 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَىُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " طُولُ القُنُوتِ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " [أفضل الصلاة] (¬1) طول القنوت "، قال الإمام: القنوت سبعة معان: الصلاة والقيام والخشوع والعبادة والسكوتُ والدعاء والطاعة. قال ابن أبى زمنين وغيره: [أصله الطاعة] (¬2). قال القاضى: قد تقدم من هذا، قيل فى قوله: {اقْنُتِي لِرَبِّك} (¬3) أى: اعبديه، وقيل: صلى، وقيل فى قوله: {وَمَن يَقْنُت} (¬4) من يقيم على الطاعة، وفى قوله: {قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ} (¬5) أى قيمات بحقوق أزواجهن، وقيل: مصليات، وقيل: يقع على الإقرار والعبودية وعلى الإخلاص، والمراد به فى هذا الحديث القيام، والمعانى كلها متداخلة فيه؛ لأنه قيام فى صلاة وإقامة على طاعة وعبادة تشتمل على إخلاص ودعاء وخشوع وقيام بذلك، وسكوت عن الكلام، واعتراف بالعبودية، قولاً وفعلاً، وقد تقدم الخلاف فى تفضيل القيام أو كثرة السجود. ¬

_ (¬1) سقط من ع. (¬2) فى ع: أصل القنوت الطاعة. (¬3) آل عمران: 43. (¬4) الأحزاب: 31. (¬5) التحريم: 5.

(23) باب فى الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء

(23) باب فى الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء (¬1) 166 - (757) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ فِى اللَّيْلِ لَسَاعَةً، لا يُوافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلا أَعْطَاهُ أَيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ". 167 - (...) وحدَّثنى سَلَمَة بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ خيرًا، إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق، ولعل ذلك راجع إلى وضوح معناه.

(24) باب التركيب فى الدعاء والذكر فى آخر الليل والإجابة فيه

(24) باب التركيب فى الدعاء والذكر فى آخر الليل والإجابة فيه 168 - (758) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، وَعَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَة إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ ". 169 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِىُّ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَمْضِى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِك، مَنْ ذَا الذى يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِى يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِى يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِىء الْفَجْرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث التنزل قال الإمام: قوله: " ينزل ربنا كل ليلة ": قيل: معناه: ينزل ملك ربنا، على تقدير حذف مضاف، كما يقال: فعل السلطان كذا، وإن كان الفعل وقع من أتباعه، ويضاف الفعل إليه لما كان عن أمره ويحتمل أن يكون عبَّر بالنزول عن تقريب البارى تعالى للداعين حينئذ واستجابته لهم، وخاطبهم - عليه السلام - بما جرت به عادتهم ليفهموا عنه وكان المتقرب منا إذا كان فى بساط واحد مع من يريد الدنو منه [يخبر عنه] (¬1) بأن يقال: جاء وأتى، وإذا كان فى علو قيل: نزل وتجلى، وقد ورد فى الكتاب والسنة جاء وأتى ونزل وتجلى. قال القاضى: على هذين الطريقين اختلف تأويل السلف فى الحديث، بل قد جاءت مفسرة فيه، فجاء فى حديث الأغرّ أبى مسلم الذى ذكره مسلم عنه عن أبى سعيد وأبى هريرة قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يمهل، حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول ينزل (¬2) إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر ... " الحديث رواه الأعمش عن السبيعى عن أبى مسلم بمعناه، وذكر مكان " ينزل ": " ثم يأمر منادياً ينادى يقول: هل من داع " الحديث. ¬

_ (¬1) فى ع: عبَّر عن ذلك. (¬2) الذى فى المطبوعة: " نزل ".

170 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى، هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَه، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ، حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ". 171 - (...) حدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ أَبُو المُوَرِّعِ، حَدَّثَنَا سَعْدُ ابْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ مَرْجَانَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَنْزِلُ اللهُ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، أَوْ يَسْأَلُنِى فَأَعْطِيَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلا ظَلُومٍ ". قَالَ مُسْلِمٌ: ابْنُ مَرْجَانَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَمَرْجَانَةُ أُمُّهُ. (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: " ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلا ظَلُومٍ ". 172 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ وَأَبُو بَكْرِ ابْنَا أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ - ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه النسائى (¬1) فهذا مفسر لأحد التأويلين، وهو من معنى المروى عن مالك فى تفسير هذا الحديث: ينزل أمره ورحمته، وعلى التأويل الآخر قول الأوزاعى فيه: يفعل الله ما يشاء. وإليه الإشارة فى الحديث نفسه بقوله: " ثم يبسط يديه " عبارة عن نشر رحمته وإستعارة بكثرة عطائه وإجابته وإسباغ نعمته، ولا يعترض على هذا بأن أمره ونهيه وأفعاله فى كل حين لا يختص بوقت دون وقت فقد يكون المراد بالأمر هنا فى هذه القضية يختص لقائم الليل، كما يختص رمضان ويوم عرفة وليلة القدر وليلة نصف شعبان - وغيرها من الأوقات بأوامر من أوامره، وقضايا من قضاياه لا تكون فى سائر الأوقات، كما جاء فى كتاب الله وحديث نبيه - عليه السلام. وقيل يكون النزول بمعنى القول كقوله: {سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} (¬2)، وبمعنى الإقبال على النبى، فيكون النزول إظهار ذلك وتبليغه إلى أهل السماء الدنيا، أو بإقباله على عباده المؤمنين كما فى الحديث، وذلك من أفعاله كما ¬

_ (¬1) فى الكبرى، ك عمل اليوم والليلة، ب الوقت الذى يستحب فيه الاستغفار 6/ 142. (¬2) الأنعام: 93.

وَاللَّفْظُ لابْنِى أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ الأَغَرِّ أَبِى مُسْلِمٍ، يَرْوِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ، قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ يُمْهِلُ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ، هَل مِنْ سَائِلٍ، هَلْ مِن دَاعٍ، حَتَّى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ مَنْصُورٍ أَتَمُّ وَأَكْثَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم، أو يفعل فعلاً يظهر به لطفه لهم، كما جاء فى الحديث الآخر: " أن العرش يهتز حينئذ " (¬1). وقوله: " حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول ": فى بعض الروايات " وشطره " فى بعضها، والصحيح الرواية الأخرى: " حين يبقى ثلث الليل الآخر " قال شيوخ أهل الحديث: وهو الذى تتظاهر الأخبار بمعناه ولفظه، وقد يحتمل الجمع بين الحديثين أن يكون النزول الذى أراده النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعناه، والله أعلم بحقيقته عند مضى الثلث الأول. والقول: " من يدعونى " إلى آخره فى الثلث الآخر. ¬

_ (¬1) البخارى، ك مناقب الأنصار (3803)، ومسلم، ك فضائل الصحابة، ب من فضائل سعد بن معاذ برقم (24).

(25) باب الترغيب فى قيام رمضان وهو التراويح

(25) باب الترغيب فى قيام رمضان وهو التراويح 173 - (759) حدّثنا يَحْيَى بْن يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَن حمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ منْ ذَنْبِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً " الحديث، قال الإمام: [اختلف] (¬1) ما الأفضل فى قيام رمضان لمن قوى عليه، هل إخفاؤه فى بيته أم صلاته فى المساجد؟ فاستحب مالك [قيامه فى بيته] (¬2)، واستحب غيره قيامه فى المسجد، ويحتج لمالك بقوله - عليه السلام -: " أفضل الصلاة ما كان فى بيوتكم إلا المكتوبة " (¬3) وللمخالف بفعله - عليه السلام - وبأن عُمر استحسن ذلك من الناس لما رأى قيامهم فى المسجد، ومن جهة المعنى أن مالكاً احتاط للنية وآثر المنفعة النفسية، والمخالف رأى الإظهار أدعى إلى القلوب الأبيّة، وأبقى للمعالم الشرعية. قال القاضى: اختلف اختيار مالك فيه، فذكر فى المدونة أنه كان يقوم أولاً معهم، ثم ترك ذلك ورأى القيام فى البيت أفضل، وقال الليث: لو قام الناس فى بيوتهم ولم يقم فى المسجد لانبغى أن يخرجوا من بيوتهم إليه، لأن قيام رمضان من الأمر الذى لا ينبغى تركه، وقد رأى ابن عبد الحكم من أصحابنا أن حضور الجماعة أفضل، كما قال أحمد وأصحاب أبى حنيفة، واختلف فيها أصحاب الشافعى، وقال أبو يوسف بقول مالك. وفى قوله: " من قام رمضان " حجةً لمن أجاز تسمية الشهر برمضان، وقد كره ذلك بعضهم، وقال: رمضان اسم من أسماء الله، وإنما يقال: شهر رمضان، كما جاء فى القرآن، وقال بعضهم: إذا جاء بما لا يشكل وبما يبين أن المراد به الشهر كقولنا: صمنا رمضان، وقمنا رمضان، لم ينكر هذا، وينكر ما يشكل، كقوله: دخل رمضان، وجاء رمضان، والصحيح أن هذا كله غير معتبر، لما صرحت به الأحاديث من إطلاق ذلك، وأنه اسم من أسماء الله لا يصح. ومعنى قوله: " إيماناً " أى تصديقاً بما جاء فى ذلك، واحتساباً أجره وصومه على الله تعالى، وقد روى هذا اللفظ فى الحديث، وكذا رواه الرواة فى كتاب مسلم يحيى بن ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) فى ع: أن يقوم فى بيته. (¬3) البخارى، ك الأذان، ب صلاة الليل (731)، ومسلم، ك صلاة المسافرين، ب استحباب صلاة النافلة فى بيته وجوازها فى المسجد (781/ 213).

174 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِى قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " فَتَوُفِّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِى خِلافَةِ أَبِى بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ. 175 - (760) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". 176 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ فَيُوَافِقُهَا - أُرَاهُ قَالَ - إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ ". 177 - (761) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى كثير عن أبى سلمة إلا الخشنى عن الطبرى، فرواه لنا: " قام " وقد روى: " من صام وقام " وهذا يدل أن الأعمال بالنيات، وأن الأجور بالاحتساب وإنما لامرئ ما نوى، وهذا مع قوله: " يُرغِّبُ فى قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة " دليلٌ على الترغيب وقوة الندب فيه لا على الإيجاب، إذ لا خلاف أنه ليس بفريضة. وقوله: " فتوفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك فى خلافة أبى بكر وصدراً من خلافة عمر ": يريد إبقاء الأمر على صلاتهم، وإنما متفرقين، ووحداناً وفى بيوتهم، حتى جمعهم عمر بعد على قارئ، ولا خلاف بين المسلمين فى أن قيام رمضان من السنن، ومن فضائل الأعمال ومندوبات الخير، وأن الجمع فيه لمرغَّبٌ فيه غير منكر الأمر إلا لمن لا يلتفت إلى قوله من المبتدعة. وقوله: " ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ": هذا أيضاً مثل الأول ولعل هذا فيمن لم يقم رمضان فيغفر له لقيامه ليلة القدر، أو من لم يكن قيامه إخلاصاً واحتساباً.

عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِى المَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: " قَدْ رَأَيْتُ الَّذِى صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِى مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّى خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ ". قَالَ: وَذَلِكَ فِى رَمَضَانَ. 178 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونسُ ابْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِى المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَلَّوْا بِصَلاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَفَقَ رِجِالٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الصَّلاةَ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم قيام النبى - عليه السلام - بالناس فى رمضان، وأنه لم يخرج إليهم فى الليلة الثالثة لما كثروا، وقال: " خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها " فيه دليل على جواز الجمع للنوافل عامة ولجمع رمضان خاصة، لكن كره أهل العلم الجمعَ للنوافل مشهراً وعلى التوالى إلا قيام رمضان، فلم يختلفوا فى استحباب الجمع فيه، قالوا: وفيه جواز الائتمام ممن لم ينو أن يؤمك، وهذا جائز إلا فى الصلوات المشروط فيها الجماعة بكل حال؛ كالجمعة، وصلاة الخوف، والجمع بين الصلاتين لعذر المطر وشبيهه، وتركه - عليه السلام - الخروج والتجمع ليس بنسخ ولا رفض لما تقدم، بل للعلة التى ذكرها من خشية الفريضة عليهم فيعجِزوا عنها، لاسيما على القول: إنها كانت عليه هو فريضة، فخشى - عليه السلام - إن داموا عليها أن تفرض عليهم، رفقاً بهم، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً كما قالت عائشة فى حديث سبحة الضحى. قال القاضى أبو بكر بن الطيب: ويحتمل أن يكون - عليه السلام - ظن ذلك وحذره من قبل نفسه لما قد اتفق من بعض القرب التى داوم عليها، ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أحد من أمته بعده - إذا داوم عليها - أنها واجبة، وهذه كلها مأمونة بعد النبى - عليه السلام. قال القاضى: والتأويل الأول هو الصحيح، وهذا التأويل الآخر يبعد مع قوله: " خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ".

لِصَلاةِ الفَجْرِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلى النَّاسِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ شَأنُكُمْ اللَّيْلَة، وَلَكِنِّى خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا ". 179 - (762) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَان الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى عَبْدَةُ عَنْ زِرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ - وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ القَدْرِ - فَقَالَ أُبَىٌّ: وَاللهِ الَّذِى لا إِلَهَ إِلا هُوَ، إِنَّهَا لَفِى رَمَضَانَ - يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِى - وَوَاللهِ، إِنِّى لأَعْلَمُ أَىُّ لَيْلَةَ هِى، هِىَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا، هِىَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِى صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا. 180 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَةَ بْنَ أَبِى لُبَابَةَ يُحَدِّثُ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ أُبَىٌّ، فِى لَيْلَةِ القَدْرِ: وَاللهِ إِنِّى لأَعْلَمُهَا، وَأَكْثَرُ عِلْمِى هِىَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا، هِى لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وَإِنَّمَا شَكَّ شُعْبَةُ فِى هَذَا الحَرْفِ: هِىَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم: أن صلاته هذه كانت فى (¬1) المسجد، وفى الموطأ والبخارى (¬2) - أيضاً - مثله، وفيها أيضاً أن صلاته هذه كانت فى حجرته، وأنه اتخذ حجرة، وكله بمعنى. فحُجْرَته هذه هى التى اتخذها فى المسجد ليصلى فيها من الليل، وكانت من حصير، كما جاء فى الحديث الآخر: " كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجزه بالليل " (¬3)، وإنما كان فعل هذا فى رمضان كما جاء مفسراً فى الحديث: " وذلك فى رمضان "، وأما قيامه فى غيره ففى بيته، كما بينته أحاديث قيامه - عليه السلام. فيه جواز الإمامة بمن بينك وبينه سترة خفيفة. وذكر مسلم هنا أحاديث ليلة القدر واختلاف الصحابة فيها، ومن قال: إنها فى السنَة، ومن قال: إنها صبيحة سبع وعشرين. ¬

_ (¬1) بعدها فى الأصل حجرته وعليها ما يشبه الضرب. (¬2) الموطأ، ك الصلاة فى رمضان، ب الترغيب فى الصلاة فى رمضان 1/ 113، والبخارى في صحيحه، ك صلاة التراويح، ب فضل من قام رمضان (2012). (¬3) النسائى، ك القبلة، ب المصلى يكون بينه وبين الإمام سترة 2/ 53، وأحمد فى المسند 6/ 61، وهى فى أحمد بالراء: " نتحجرها " و " نحتجُرها ".

وَحَدَّثَنِى بِهَا صَاحِبٌ لِى عَنْهُ. (...) وَحَدَّثَنِى عُبَيْدِ اللهِ بْن معَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: إِنَّمَا شَكَّ شُعْبَةُ، وَمَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: من الناس من قال: إنها ليلة من سائر السنة، لكنه قال: إنما قلت ذلك لئلا يتكل الناس. وقال غيره: بل [هى] (¬1) فى رمضان جل (¬2) قول أهل العلم: إنها فى العشر الأواخر، وإنها فى الأفراد منها، وأحسن ما بنيت عليه الأحاديث المختلفة فى تعيينها أن يقال: إنها تختلف حالها فتكون سنة فى ليلة، وسنة فى ليلة أخرى، وكأنه أجر يكتبه الله للعامل، فيتفضل به فى ليلة وفى غيرها من السنين فى ليال أخر. قال القاضى: وقول أبىٍّ فى أمارتها: " أن تطلع الشمس فى صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها ": يحتمل وجهين: أحدهما: أن هذه الصفة اختصت بعلامة صبيحة الليلة التى أنبأهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها ليلة القدر، وجعلها دليلاً لهم عليها فى ذلك الوقت، لا أن تلك الصفة مختصة بصبيحة كل ليلة قدر كما أعلمهم أنه يسجد فى صبيحتها فى ماء وطين (¬3). والثانى: أنها صفة خاصة لها، وقيل فى ذلك لما حجبها من أشخاص الملائكة الصاعدة إلى السماء الذى أخبر الله بتنزيلهم تلك الليلة حتى يطلع الفجر، والله أعلم. وسيأتى الكلام على أحاديث ليلة القدر فى آخر كتاب الصيام بأشبع مما تقدم، إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) فى الأصل: ومن، والمثبت من ع. (¬3) سيأتى إن شاء الله فى الصيام، ب فضل ليلة القدر والحث عليها، وقد أخرجه البخارى فى الصوم، ب التماس ليلة القدر فى السبع الأواخر عن أبى سعيد 3/ 60، ومالك فى الموطأ، ك الاعتكاف، ب ما جاء فى ليلة القدر، بلفظ: " صبيحها " 1/ 319، وأحمد فى المسند 3/ 7، 24.

(26) باب الدعاء فى صلاة الليل وقيامه

(26) باب الدعاء فى صلاة الليل وقيامه 181 - (763) حدّثنى عبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كهَيْل، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَتَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَأَتَى القِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ الوُضُوءَيْنِ، وَلَمْ يُكْثِرْ، وَقَدْ أَبْلَغَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنّى كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ، فَتَوَضَّأتُ، فَقَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِى فَأَدَارَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَتَتَامَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشَرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَأَتَاهُ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ، وَكَانَ فِى دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ، اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا، وَفِى بَصَرِى نُورًا، وَفِى سَمْعِى نُورًا، وَعَنْ يَمِينِى نُورًا، وَعَنْ يَسَارِى نُورًا، وَفَوْقِى نُورًا، وَتَحْتِى نُورًا، وَأَمَامِى نُورًا، وَخَلْفِى نُورًا، وَعَظِّمْ لِى نُورًا ". قَالَ كرَيْبٌ: وَسَبْعًا فِى التَّابُوتِ، فَلَقِيتُ بَعْضَ وَلَدِ العَبَّاسِ فَحَدَّثَنِى بِهِنَّ، فَذَكَرَ عَصَبِى وَلَحْمِى وَدَمِى وَشَعْرِى وَبَشَرِى، وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ. 182 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَة عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ - وَهىَ خَالَتُهُ - قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِى عَرْضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِى طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْل، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيل، ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث صلاة ابن عباس مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: " فاضطجعت فى عرض الوسادة واضطجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى طولها ": قيل الوسادة: الفراش، بدليل قوله: " اضطجعت " قاله الباجى وأبو محمد وغيرهما (¬1)، وقالوا: ويحتمل أن اضطجاع ابن عباس كان فى عرضها عند أرجلهم أو رؤوسهم، ¬

_ (¬1) المنتقى 1/ 217.

اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمْ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَان، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. ـــــــــــــــــــــــــــــ والعرض هنا - بالفتح - ضد الطول، وقال الداودى: الوسادة هنا المِرْفقة (¬1) والعُرض هنا - بالضم - الجانب أى جعلوا رؤوسهم فى طولها وجعل رأسه هو فى الجهة الضيقة منها، والأول أكثر فى الرواية، وأظهر من جهة المعنى. وفيه دليل تقريب القرابة والأصهار وتأنيسهم وبرهم، وإدناء من هو فى هذا السن، وكان حينئذ نحو ابن عشر سنين من ذوى محارمه (¬2)، ومنعه من مضاجعتها دون حائل، وفيه جواز اضطجاع الرجال مع زوجاتهم بحضرة غيرهم ممن لا يستحيونه وقد جاء فى بعض روايات هذا الحديث: بت عند خالتى ميمونة فى ليلة كانت فيها حائضاً، وهذه الكلمة - وإن لم يصح طريقها - فهى صحيحة المعنى حسنة جداً، إذا لم يكن ابن عباس يطلب المبيت عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ليلة خالية ولا يرسله أبوه على ما جاء فى الحديث إلا فى وقت يعلم أنه لا حاجة للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها؛ إذ كان لا يمكنه ذلك مع مبيته معها فى وساد واحد، ولا يتعرض هو لأذاه بمنعه مما يحتاج إليه من ذلك. وفيه طلب علو السند فى الرواية، وطلب اليقين، والقطع فى أحكام الشريعة متى قدر على ذلك، ورفعه درجة المشاهدة على درجة خبر الواحد؛ إذ كان ابن عباس وزيد بن خالد قد يصلان إلى معرفة قيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسؤال ميمونة وغيرها، ولعلهما لم يسألا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك لنهيه عن كثرة السؤال فتلطفا فى مشاهدة ذلك حتى لا يختلجهما ريب ولا يعتريهما شك. وقوله: " قام من الليل فأتى حاجته يريد الحدث ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام ثم قام ": هذا وضوء للتنظيف وزوال الكسل غير مشروع (¬3). وقوله: " [ثم قام إلى شن وفى الحديث الآخر] (¬4): ثم عمد إلى شجب من ماء "، ¬

_ (¬1) عبارة الداودى كما نقلها الباجى: الوسادة ما يضعون عليه رؤوسهم للنوم. السابق. قال الباجى فى قول الداودى - والعرض بالضم هو الجانب الضيق منها -: وهذا ليس بالبيِّن ولو كان الأمر على ذلك لقال: يتوسَّد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله طول الوسادة وتوسَّد ابن عباس عرضها، وأما قوله: " واضطجع فى عرضها " فإنه يقتضى أن يكون العرض محلاً لاضطجاعه، ولا يصح ذلك إلا بأن يكون فراشاً له، وما قاله - أى الداودى - غير صحيح من جهة النقل ومن جهة المعنى. قال: والظاهر أنه لم يكن عندها فراش غيره، ولذلك ناموا جميعاً فيه. السابق. (¬2) قال الباجى معللاً ذلك بأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّج ميمونة فى ذى القعدة من سنة سبع من الهجرة عند خروجه إلى عمرة القضية، وقد كان عبد الله على ما ذكرنا من السن، وهو سنٌ يمنع من أن يرقد من بلغه مع أحد من الأجانب أو ذى المحارم دون حائل بينهما، ذكراً كان أو أنثى. السابق 1/ 217. (¬3) يعنى غير متعبَّدٍ به. (¬4) مختصرة عما فى ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام .... الشن: السقاء الذى (¬1) قد استشن وأخلق، وقال بعضهم: سقاء شاجب، [أى: يابس. وفى الحديث الآخر: " فقام إلى شن معلق " فبين أن الشجب] (¬2) هو الشنَّ، والشنَّ هو السقاء الخلق، وجمعه شنان ويقال للقربة: شنة. وقوله: " فأتى القربة فأطلق شناقها ": قال أبو عبيد (¬3): شناق القربة هو الخيط أو الشىء (¬4) الذى تُعلَّق به القربة على الوتد، يقال منه: استشنقها استشناقاً وقال غيره: الشناق خيط يشد به فمُ القربة، [قال أبو عبيد: وهو أشبه القولين] (¬5). قال القاضى: وقع هذا الحرف من روايتنا عن الخشنى عن الطبرى: " سجب " بالسين مهملة وليس بشىء، والأشجاب - أيضاً - فيما قيل: الأعواد التى عليها قرب الماء. وقوله: " توضأ وضوءاً بين الوضوءين ": قد فسره بقوله: " لم يكثر وقد أبلغ " كما قال فى الرواية الأخرى: " وضوءاً خفيفاً "، وفى الأخرى: " فلم يكثر من الماء ولم يقصر فى الوضوء " (¬6) وفى الأخرى: " وضوءاً حسناً بين الوضوءين " وفى الأخرى " فأحسن الوضوء " (¬7) وفى الحديث الآخر: " فتوضأ دون وضوء " (¬8) مضمون هذا كله [أنه] (¬9) أبلغه وأحسنه أى أجاد عمله؛ إذ الإحسان يقع على هذين الوجهين، ثم لم يكثر من الماء فيه ولا من التكرار فيطوله، لكن جاء فى الأم من رواية سعيد بن مسروق عن سلمة بن كهيل: " أنه توضأ وضوءاً بين الوضوءين، ثم أتى فراشه فنام، ثم ذكر أنه قام فتوضأ وضوءاً هو الوضوء " (¬10) ظاهره أنه بالغ فيه، ولم يأت ذكر الوضوءين فى غير هذه الرواية ولا ذكر فيهما فى الثانى أنه صلى به، لكن ظاهره أنه صلى به، وإنما ذكر يومه أولاً، فيحتمل أنه بعد أن صلى كما جاء فى الحديث الآخر من رواية [أم] (¬11) سلمة؛ أنه كان يصلى ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلى قدر ما نام، فعلى هذا يحتمل أنه ¬

_ (¬1) فى الأصل: التى. (¬2) من ع. (¬3) بعدها فى الأصل: أبو عبيدة، وهو وَهْم. (¬4) فى الأصل: السير. (¬5) من ع. (¬6) ولفظه فى المطبوعة: فتوضأ ولم يكثر. (¬7) ولفظه فى المطبوعة: فأحسن وضوءه. (¬8) الذى بقى من أحاديث المطبوعة فى هذا هو حديث ابن أبى شيبة، ولفظه فيه: " فتوضأ وُضوءاً بين الوضوءين ... ثم توضأ وضوءاً هو الوُضوء ". (¬9) ساقطة من س. (¬10) وهو ما جاءت به الرواية المذكورة آنفاً. (¬11) فى الأصل: أبو، وهو خطأ. والحديث أخرجه أحمد فى المسند عن يعلى بن مملك قال: سألت أم سلمة عن صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل وقراءته، فقالت: ما لكم ولصلاته ولقراءته؟ كان يصلى قدر ما ينام، وينام قدر ما يصلى 6/ 294.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعاد الوضوء، وكما قال فى الرواية الأخرى فعل ذلك ثلاث مرات كل ذلك يستاك ويتوضأ، أو يكون أراد الوضوء الأول قبل نومه على ما جاء فى الرواية الأخرى من حديث سفيان عن سلمة من قوله: " فقام فأتى حاجته - أى من الحدث - ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام "، فهذا القيام للحدث لا للصلاة، وغسله وجهه ويديه تنظفاً ولنفى الكسل، فلعل الراوى اختلط عليه ما جاء فى الحديث الآخر " وضوءاً بين الوضوءين "، فوضعه هذا الموضع (¬1) أو عبر به عنه. وقوله: " فقمتُ فتمطيت كراهية أن يرى أنى كنت أنتبه له " فيه ما كان عليه - رضى الله عنه - وأمثاله من الحرص على الخير وتعلم العلم، والاقتداء به - عليه السلام - والاقتباس منه، وحفظ أفعاله وأقواله من صغره، وحسن الأدب معه، والحياء منه لكونه بقربه، وهو مع أهله، وقد روى فى هذا أن العباس أرسله لذلك. وتقدم إليه ألا ينام حتى يحفظ فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاته، واختلف فى ضبط هذه اللفظة، فقال هنا: " إنى كنت أنتبه لها وفى كتاب البخارى:" أبقيه " كذا عند الأصيلى وابن السكن والقابسى (¬2)، ومعناه: أرقيه، فقال: بقيت الشىء أبقيه ببصرى إذا نظرت إليه. قال الشاعر: ومازلت أبْقِى الظُّعْنَ حتى كأنها ... أواقِى سَدىً تغتالُهُنَّ الحوائكُ ويقال: بقوت أيضاً، وقد جاءت هذه اللفظة بمثله فى كتاب مسلم فى الحديث الآخر كما سنبينه بعد هذا، وروى البرقانى هذه الكلمة: " أرتقيه " نحو رواية القابسى عن البخارى (¬3)، وهو معنى أبقيه، وهذه الألفاظ أبين من قوله: " أنتبه "، ويشبه أن أنتبه تصحيف وتغيير، والله أعلم (¬4). وقوله: " فتوضأت فقمت عن يساره، فأدارنى عن يمينه ": فسر هذه الإدارة فى حديث محمد بن حاتم بقوله: " فأخذ بيدى من وراء ظهره يعدلنى كذلك إلى الشق الأيمن (¬5) وهى سنة مقام المنفرد مع إمامه وإن كان صغيراً، وحكم مناولة ما يحتاج عند المصلى أو يضطر هو إليه، وفيه جواز العمل القليل فى الصلاة واحتج به أصحابنا فى جواز صحة ¬

_ (¬1) يقصد القاضى أن " وضوءاً بين الوضوءين " هو من رواية سلمة بن كهيل عن أبى رشدين عن ابن عباس، لا من رواية سلمة بن كهيل عن كريب. (¬2) وكذا لأحمد فى المسند من حديث سلمة بن كهيل أيضاً 3/ 283. قال فى اللسان: يقول: شبِّهتِ الأظعانُ فى تباعُدِها عن عينى ودخولها فى السراب بالغَزل الذى تُسديه الحائكةُ فيتناقض أوَّلاً فأوَّلاً. قال وبقيتُه: أى نظرت إليه وترقبته، وبقية الله: انتظار ثوابه. (¬3) البخارى فى صحيحه، ك الدعوات، ب الدعاء إذا انتبه من الليل 8/ 86. (¬4) قلت: ولا يستقيم مع قوله: (له) بعد أنتبه. (¬5) ولفظه فى المطبوعة: فأخذ بيدى من وراء ظهره يعدلنى كذلك من وراه ظهره إلى الشق الأيمن.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأسِى، وَأَخَذَ بِأُذنِى اليُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاة المأموم لمن لم ينو أن يأتم به، وهو قول مالك والشافعى وجماعة من العلماء، خلافاً لإسحاق وأحمد والثورى وأحد قولى الشافعى فى منعهم ذلك على الجملة ولغيرهم فى منعه لغير الإمام والمؤذن الداعى إلى الصلاة ولأبى حنيفة فى منعه ذلك للنساء دون الرجال، وقد ينفصل المخالف بأن فى الحديث: " فأيقظنى " وفى رواية: " فحركنى " يعنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحين أيقظه للصلاة معه فى كلتيها النية للائتمام به. وفيه صحة صلاة من يعقل من الصبيان، وأنه مما يحضون عليه ويُرغَّبُون فيه (¬1) لإقرار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، ولإيقاظه إياه لذلك على ما جاء فى الرواية [الأخرى] (¬2). وقوله: " فأخذ بأذنى [اليمنى] (¬3) يفتلها "، قال الإمام: قيل وجهه أنه أراد أن يذكر القصة بعد ذلك لصغر سنه، وقيل: لينفى عنه النوم (¬4) لما أعجبه قيامُه معه، وقيل: فى فتل الأذن تنبيه للفهم، وفى بعض طرق حديثه (¬5): " فكنت إذا أغفيت يأخذ شحمة أذنى " [يفتلها] (¬6)، فقد تبين بهذا [الحديث] (¬7) أنه إنما فعله لينبهه من النوم. قال القاضى: وفى قوله: " فمسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر الآيات من خواتم سورة آل عمران " (¬8): دليل على جواز قراءة القرآن ظاهراً على غير وضوء وهذا لا خلاف فيه. وقوله: " صلى ركعتين ثم ركعتين ": الحديث ظاهره فصله بين كل ركعتين، بدليل الأحاديث الأخر. وفى قوله فى رواية واصل بن عبد الأعلى بعده: " فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات، ثم أوتر بثلاث "، وقد جاء فى غير هدا الطريق من أكثر الروايات " أن صلاته كانت معه ثلاث عشرة ركعة "، وفى حديث ابن رافع: " إحدى عشرة ركعة "، وفى حديث مالك: " فصلى ركعتين ثم ركعتين وعدّ ستاً، ثم أوتر " وهذا يدل أن وتره واحدة ويحتمل أنه لم يعد فى هذه الركعتين الأوليين على ما بين فى حديث زيد بن خالد (¬9)، فيكون العدد بهما ثلاث عشرة، وبترك حسابهما إحدى عشرة، وعليه - إن شاء الله - يحمل حديث واصل الذى ذكر فيه أنه صلى ركعتين وذكر من طولهما، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات، تحمل على غير الركعتين الأوليين فيكون العدد ثمانياً، ثم الوتر ثلاث، فهذه ¬

_ (¬1) فى الأصل: فيها، والمثبت من س. (¬2) من س. (¬3) ساقطة من ع. (¬4) فى الأصل: العين، والمثبت من س. (¬5) فى الأصل: محدثيه، والمثبت من س. (¬6) ساقطة من ع. (¬7) من س. (¬8) ولفظها فى المطبوعة: فجعل يمسحُ النومَ عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران. حديث يحيى بن يحيى. (¬9) روأية قتيبة بن سعيد الآنفة.

رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، حَتَّى جَاءَ المُؤَذِّنُ فَقَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. 183 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرَادِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَيَّاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِىِّ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمَّ عَمَدَ إِلَى شَجْبٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، وَأَسْبَغَ الوُضُوءَ وَلَمْ يُهْرِقْ مِنْ الْمَاءِ إِلا قَلِيلاً، ثُمَّ حَرَّكَنِى فَقُمْتُ. وَسَائِرُ الحَدِيثِ نَحْوُ حَدِيثِ مَالِكٍ. 184 - (...) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، ـــــــــــــــــــــــــــــ إحدى عشرة، ثم يعد ركعتى الاستفتاح الخفيفتين [ليست فى هذا العدّ خفيفة، إذ قدر أنه يشمل الركعتين الأولتين] (¬1) [فهنا، فدلّ أنهما غير الخفيفتين] (¬2) فيتم العدد ثلاث عشرة، وتتفق الأحاديث ولا تختلف - إن شاء الله - على أن حديث واصل الذى خالف الجمهور وقد اختلف عليه فيه عن حبيب بن أبى ثابت واضطرب فيه كثيراً، فعنه [فيه] (¬3) - فيما ذكر الدارقطنى - سبعة أقاويل، وقد غمزه بذلك، وهو مما استدركه على مسلم لاضطراب قوله واختلاف روايته (¬4). وقوله: " حين انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ": دليل على ما يلزم من تحرى القول فى الرواية وترك المسامحة، وهكذا كان وقت قيام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان فى الشطر الآخر من الليل، وتحقيق ذلك يخفى على كثير من الناس، لا سيما على صبى ابن عشر سنين، وأما فى حق النبى - عليه السلام - فوقت معلوم كما تقدَّم. وقوله: " ثم أوتر ثم اضطجع ": تقدم الكلام عليه، وأن هذه الضجعة كالضجعة المذكورة بعد ركعتى الفجر، لكن جاء فى بعض روايات مسلم: " ثم احتبى حتى إنى لأسمع نَفَسه " يحتمل أن احتباءه قبل اضطجاعه، فخبَّر مَرَّةً عن حاله [ومرة] (¬5) أخرى عن أخرى. وقوله: " فنام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نفخ " ثم ذكر أنه " خرج ولم يتوضأ " يفسره ما قال سفيان: هذا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة؛ لأنه كان تنام عينه ولا ينام قلبه. وقد تقدم الكلام عن ¬

_ (¬1) (¬2) من س، والأولى من هامشه. (¬3) ساقطة من س. (¬4) الإلزامات والتتبع: 425. قلت: وقد أخرج النسائى من هذه الأقاويل السبعة. (¬5) من س.

عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِى فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى فِى تِلْكَ الَلَّيْلَةِ ثَلاِثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ المُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأ. قَالَ عَمْرٌو: فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنِى كُرَيْبٌ بِذَلِكَ. 185 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ، فَقُلْتُ لَهَا: إِذَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَيْقِظِينِى. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ الأَيْسَرِ، فَأَخَذَ بِيَدِى، فَجَعَلَنِى مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ، فَجَعَلْتُ إِذَا أَغْفَيْتُ يَأخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِى. قَالَ: فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ احْتَبَى، حَتَّى إِنِّى لأَسْمَعُ نَفسَهُ، رَاقِدًا، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. 186 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّق وُضُوءًا خَفِيفًا - قَالَ: وَصَفَ وُضُوءَهُ وَجَعَلَ يُخَفِّفهُ وَيُقَلِّلَهُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخْلَفَنِى، فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ وَلَمْ يَتَوَضَّأ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نومه - عليه السلام - قبل، والخلاف فى النوم، أهو حدثٌ؟ أم سبب للحدث؟ ويكون الفرق بين حاليه فى النوم ووضوئه أولاً ما بين الصلاتين زيادة اضطجاعه مع أهله بين صلاتيه وعدمها أخرى. وقوله: فى الرواية الأخرى: " فأخلفنى فجعلنى عن يمينه ": قال ابن دريد: أخلف الرجل يده إلى سيفه عطفها ليستله وعندى: أن معناه: أدارنى من خلفه كما جاء مفسراً فى الرواية المتقدمة.

قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً؛ لأَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ. 187 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ، فَبَقِيتُ كَيْفَ يُصَلِّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَامَ فَبَالَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى القِرْبَةِ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ صَبَّ فِى الجَفْنَةِ أَوِ القَصْعَةِ، فَأَكَبَّهُ بِيَدِهِ عَلَيْهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا حَسَنًا بَيْنَ الوُضُوءَيْنِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى، فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: فَأَخَذَنِى فَأَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَتَكَامَلَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكُنَّا نَعْرِفُهُ إِذَا نَامَ بِنَفْخِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ فَصَلَّى، فَجَعَلَ يَقُولُ فِى صَلاتِهِ أَوْ فِى سُجُودِهِ: " اللَّهُمَّ، اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا، وَفِى سَمْعِى نُورًا، وَفِى بَصَرِى نُورًا، وَعَنْ يَمِينِى نُورًا، وَعَنْ شِمَالِى نُورًا، وَأَمَامِى نُورًا، وَخَلْفِى نُورًا، وَفَوْقِى نُورًا، وَتَحْتِى نُورًا، وَاجْعَلْ لِى نُورًا - أَوْ قَالَ: وَاجْعَلْنِى نُورًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الرواية الأخرى: " فترقبت كيف يصلى " (¬1): كذا رواه أبو الفتح الشاشى، ورواه العذرى: " فَبغيت " أى طلبت، ورواه الطبرى والهوزنى: " فبقيت " بالقاف، ورواه البرقانى فى صحيحه: " فرمقت " أى نظرت. قال بعض شيوخنا وأصحها: " فبقيت " وهو بمعنى ترقبت، على ما تقدم فى الحديث الآخر فى صحيح البخاري (¬2). وقوله فى دعائه: " اللهم أجعل لى فى قلبى نوراً، وفى بصرى نوراً " إلى قول كريب: وذكر (¬3): " سبعاً فى التابوت " بمعنى: أنه دعا بسبع فى أشياء أنسيها. قال بعضهم: فمعنى " فى التابوت " فنسيتها، كما قص عليه فى الحديث الآخر، وقائل هذا عن كريب عو مسلمة بن كهيل وهو القائل بعد: " فلقيت بعض ولد العباس فحدثنى بهن، وذكر عصبى ولحمِى ودمى وشعرى (¬4) " الحديث. وبهذا يحتمل أنه أشار بالتابوت إلى ما ¬

_ (¬1) الذى أتت به المطبوعة هو لفظ الطبرى والهوزنى: فبقيْتُ. (¬2) سبق، وهو فى ك الدعوات، ب الدعاء إذا انتبه من الليل، وذكره مسلم فى رواية زيد بن خالد من حديث قتيبة، بلفظ: " لأرمقن ". (¬3) الذى فى المطبوعة: فذكر. (¬4) بعدها فى المطبوعة: وبشرى.

(...) وحدَّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةَ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ سَلَمَةُ: فَلَقِيتُ كُرَيْبًا فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونَةَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ: وَقَالَ: " وَاجْعَلْنِى نُورًا " وَلَمْ يَشُكَّ. 188 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِى رِشْدِين مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونَةَ، وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ أَتَى القِرْبَةَ فَحَلَّ شِنَاقَهَا، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ الوُضُوءَيْنِ، ثُمَّ أَتَى فِرَاشَهُ فَنَامَ، ثُمَّ قَامَ قَوْمَةً أُخْرَى، فَأَتَى القِرْبَةَ فَحَلَّ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا هُوَ الوُضُوءُ، وَقَالَ: " أَعْظِمْ لِى نُورًا " وَلَمْ يَذْكُرْ: " وَاجْعَلَنِى نُورًا ". 189 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلْمَانَ الحَجْرِىِّ، عن عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ؛ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ كُرَيْبًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى القِرْبَةِ فَسَكَبَ مِنْهَا، فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُكْثِرْ مِنَ الْمَاءِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِى الوُضُوءِ، وَسَاقَ اَلحَدِيثَ. وَفِيهِ: قَالَ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ انطوى عليه الجسد من أجزائه، والله أعلم. وبيان ما قلناه بعد هذا فى الحديث [الآخر] (¬1). وقوله: " ودعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلتئذ تسع (¬2) عشرة كلمة. قال سلمة: حدثنيها كريب (¬3) فحفظت منها ثنتى عشرة، ونسيت ما بقى " وفى هذا الحديث الأول على التقسيم الأول أن النسيان من كريب، ومعنى ما دعا به هنا: أن يجعل من النور فى نفسه وسمعه وبصره وما سمى من أعضائه وفوقه وتحته ويمينه وشماله وأمامه وخلفه. وقوله: " واجعلنى نوراً، واجعل لى نوراً، وأعظم لى نوراً، وأعطنى نوراً "، معنى النور هنا: بيان الحق والهداية إليه، ودعا أن تستعمل جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وجميع حالاته وجملته فى جهاته الست فى الحق، وضياء الهدى حتى لا يزيغ شىء ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى س: سبع، والمثبت من المطبوعة، والأصل. (¬3) فى س: كهيل.

قَالَ سَلَمَةُ: حَدَّثَنِيهَا كُرَيْبٌ، فَحَفِظْتُ مِنْهَا ثِنَتَىْ عَشْرَةَ، وَنَسِيتُ مَا بَقِىَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، اجْعَلْ لِى فِى قَلْبِى نُورًا، وَفِى لِسَانِى نُورًا، وَفِى سَمْعِى نُورًا، وَفِى بَصَرِى نُورًا، وَمِنْ فَوْقِى نُورًا، وَمِنْ تَحْتِى نُورًا، وَعَنْ يَمِينِى نُورًا، وَعَنْ شِمَالِى نُورًا، وَمِنْ بَيْنِ يَدَىَّ نُورًا، وَمِنْ خَلْفِى نُورًا، واجْعَلْ فِى نَفْسِى نُورًا، وَأَعْظِمْ لِى نُورًا ". 190 - (...) وحدَّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى شَرِيْكُ بْنُ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: رَقَدْتُ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةَ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا؛ لأَنْظُرَ كَيْفَ صَلاةُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ. قَالَ: فَتَحَدَّثَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَفِيهِ: ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ. 191 - (...) حدّثنا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصيْنِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنِ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ منها عنه ولا يطغى، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالنور هنا فى أعضائه: قوتها بالحلال الذى منه قوامها، وأن القلب يصلح بأكل الحلال، وتحسن معه الأخلاق، وينشرح له الصدر، ويصفو الخاطر، وينصقل الفهم، وأكل الحرام ضد هذا. وفى قوله فى بعض روايات هذا الحديث: " فتحدث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أهله ساعة، ثم رقد " دليل على جواز هذا (¬1) مع الأهل، وفيما يحتاج إليه، وفى العلم، وللمسافر، والعروس، ومع الضيف والنهى الوارد فيه إنما هو من أجل التغرير بتطويله حتى يضرب النوم على الإنسان فتفوته صلاة الصبح أو القيام لحزبه إن كان من أهله، ومخافة ما يعتريه من الكسل بالنهار عن عمل البر وسبل الخير بسبب سهر الليل؛ ولأن عادة العرب إنما كان جل حديثها فى أبنيتها بالليل لبرد الهواء وحرِّ بلادها بالنهار، وشغلها فى طرفيه بالعادات والضيفان وقد تقدم من هذا وحديث زيد بن خالد فى قيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث عشرة ركعة من نحو حديث ابن عباس، وفى ارتقابه صلاته - عليه السلام - وقوله فى غير الأم: " فتوسدت عتبته ": يحتمل أن هذا كان فى حين سمعه قام يصلى لا قبل ذلك لقربه منه، بحيث كان يمكن سماعه لغير ذلك من أمور ما ينهى عن التحسس والتجسس فيه، ويكره الاطلاع عليه، وأما ترقبه لصلاته وشبيهها فهو من التجسس المحمود الذى لا حرج فيه. ¬

_ (¬1) يعنى السمر بعد العشاء، والذى أخرجه الشيخان والترمذى وأحمد عن أبى برزة الأسلمى قال: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكره النَّوم قبل العشاء والحديث بعدها " الترمذى أبواب الصلاة، ك المواقيت، ب ما جاء فى كراهية النوم قبل العشاء والسَّمَرِ بعدها 1/ 313، وأحمد فى المسند 4/ 420، 423، 424.

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَيْقَظ، فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَاب} (¬1)، فَقَرأَ هَؤُلاءِ الآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ. ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَطَالَ فِيهِمَا القِيَامَ والرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، سِتَّ رَكَعَاتٍ. كُلَّ ذَلكِ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلاءِ الآيَاتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلاثٍ، فَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ، وَهُوَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ، اجْعَلْ فِىَ قَلْبِى نُورًا، وَفِى لِسَانِى نُورًا، وَاجْعَلْ فِى سَمْعِى نُورًا، وَاجْعَلْ فِى بَصَرِى نُورًا، وَاجْعَلْ مِن خَلْفِى نُورًا، وَمِنْ أَمَامِى نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِى نُورًا، وَمِنْ تَحْتِى نُورًا. اللَّهُمَّ، أَعْطِنِى نُورًا ". 192 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: بِتُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى مُتَطَوِّعًا مِنَ اللَّيْلِ، فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى القِرْبَةِ فَتَوَضَّأَ، فَقَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ، لَمَّا رَأَيْتُهُ صَنَعَ ذَلِكَ، فَتَوَضَّأَتُ مِنَ القِرْبَةِ، ثُمَّ قُمْتُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ، فَأَخَذَ بِيَدِى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، يَعْدِلُنِى كَذلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إِلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ. قُلْتُ: أَفِى التَّطَوُّعِ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. 193 - (...) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنِى أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: بَعَثَنِى الْعَبَّاسُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ، فَبِتُّ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَقَامَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَتَنَاوَلَنِى مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَجَعَلَنِى عَلَى يَمِينِهِ. (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونَةَ. نَحْوَ حَدِيثَ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ. 194 - (764) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. حِ وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى جَمْرَةَ، قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) آل عمران: 190.

سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكعَةً. 195 - (765) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: لأَرْمُقَنَّ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الليْلَةَ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيَلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أَوْتَرَ، فَذَلِكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكعَةً. 196 - (766) وحدَّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ المَدَائِنِىُّ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَشْرَعَةٍ، فَقَالَ: " أَلا تُشْرِعُ يَا جَابِرُ؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْرَعْتُ. قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، وَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا. قَالَ: فَجَاءَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِى فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى ابتدائه: " فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين ": هاتان الركعتان كان يستفتح بهما صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيامه ليله، وقد ذكره مسلم فى الباب من حديث عائشة وذكر فى حديث أبى هريرة أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قام من الليل أن يستفتح صلاته بركعتين خفيفتين " بمعنى هذا، والله أعلم. وبهاتين الركعتين ثم عدد زيد بن خالد ثلاث عشرة فهو بينة على ما ذكرناه فى تلفيق الروايات، وفيه أن الوتر واحدة؛ لأن تمام عددها اثنتا عشرة، ثم قال: " ثم أوتر " فتلك ثلاث عشرة. وقوله: " فانتهينا إلى مَشْرعةٍ فقال: ألا تُشرع؟ " بضم التاء، رباعى ويروى بفتحها. وقوله: " فأشرعت " المشرعة والشريعة الطريق إلى ورود الماء من حافة نهر أو بحر، يقول: ألا تأتى للمشرعة فتقضى من الماء حاجتك وتشرب منها بفيك بغير آلة؟ والمعروف فى هذا شرعت، ثلاثى إذا فعلت ذلك، وأشرع ناقته، يحتمل ما جاء رباعياً على هذا. وقوله: " فقمت خلفه، فأخذ بأذنى فجعلنى عن يمينه " معنى ما جاء فى حديث ابن عباس من الفوائد والمعانى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " لك الحمد أنت نور السماوات والأرض " وقول الله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} (¬1) قيل: معناه: مُنوِّرُ السماوات والأرض أى خالق نورهما. قال القاضى: قال أبو عبيد: معناه: بنورك يهتدى أهل السماوات والأرض، قال الخطابى فى تفسير اسمه النور: معناه الذى بنوره يبصر ذو العماية وبهدايته يرشد ذو الغواية، قال: ومنه قول تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} أى منه نورهما، قال: ويحتمل أن يكون معناه ذو النور ولا يصح أن يكون النور صفة ذات له وإنما يكون صفة فعل؛ إذ هو خالقه وموجده. وحكى غيره عن مجاهد وابن عباس معناه: مدبر شمسهما وقمرهما ونجومهما، قال أبو القاسم القشيرى: وهو منور الآفاق بالنجوم والأنوار، ومنور القلوب بالدلائل، وقيل: المراد بنور السماوات والأرض هنا: القرآن، وقيل: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن ابن عباس معناه: هادى أهل السماوات والأرض. قال القاضى: حقيقة النور أنه الذى به تنكشف الأمور وتظهر المخبآت وتنكشف (¬2) الحجب والسواتر به، وهو معنى يقوم بالأجسام، وربما سميت الأجسام الملازمة [بالوصف] (¬3) بهذه الأوصاف أنوارًا، إذ لا تخلو منها فهو كله خَلْق من خلق الله وفعل من أفعاله فهو منوِّر الآفاق بهذه الأنوار، فيزيل عنها الظلام، ويكشف اللبس والعشا (¬4) من الأبصار، فيسلكون به سبلهم ويهتدون به إلى شؤونهم، فيُهتدى بها فى ظلمات البر والبحر، وسمى القرآن بذلك؛ لهداية قلوب المؤمنين، وكشف الريب والشك، وإيضاح. سبل الحق وطرق الهدى والرشد، وسمى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك؛ إذ به هداية جميع المؤمنين، وهو المبين لهم عن الله والموضح لهم شريعته (¬5) ومخرجهم من ظلمات الكفر، والله - تعالى - فاعل ذلك كله، فهو النور وذو النور، قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} (¬6) وليست ذاته بنور ولا هو صفة على هذا المعنى الذى ذكرناه خلافاً لمن قال ذلك من المُجسِّمةِ (¬7) بل هو تعالى نور من حيث هو خالق النور، وجاعله أو مدبر خلقه بذلك، فيكون صفة فعل أو من حيث هو مبينٌ وهادٍ بإرادته وقدره بذلك وقدرته، فيكون صفة ذات، أو على لسان أنبيائه وجعل ذلك فى قلوب أوليائه فيكون صفة فعل، وقد مرّ من هذا أول الكتاب. ¬

_ (¬1) النور: 35. (¬2) في س: ترتفع. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى س والعمى. (¬5) فى س: شريعتهم. (¬6) البقرة: 257. (¬7) قال الأبى فيما نقله من محصل الرازى: اختلف فى النور، فقيل: جسم، وقيل: عرض، وإذا انحصر النور فى أنه جوهر أو عرض استحال أن تكون ذاته تعالى نوراً أو النور صفة لها. لاستحالة أن تكون ذاته تعالى جوهراً أو عرضاً، ثم النور لغة: اسم لهذه الأضواء الفاضلة على الشمس والقمر والكوكب والنار، وعلى الأرض والحدرات وغيرها، ويمتنع أن تكون ذاته - سبحانه وتعالى - نوراً بهذا التفسير؛ لاستحالة أن تكون ذاته - سبحانه وتعالى - هذه الأضواء. الإكمال 2/ 395.

197 - (767) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو حُرَّةَ، عَن الحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّى، افْتَتَحَ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. 198 - (768) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ". 199 - (769) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ -: " اللهُمَّ، لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنت قَيَّامُ السماوات والأرض " فى أسمائه قَيَّامٌ وقيوم وقد قرئ بهما " قيام " فيْعال " وقَيُّومٌ " فيعول من القيام بالأمور على المبالغة، وقائم - أيضاً - وقد جاء [فى القرآن] (¬1) وقيِّمُ أيضاً، وقد جاء فى هذا الحديث فى الأم أيضاً، ويقال: قَيّم أيضاً، قال الهروى: ويقال فى هذا: قوّام أيضاً، وقد جاء عند بعض رواة الموطأ من شيوخنا " قيَّام " (¬2) قيل: أما قيَّام وَقوَّام فجمعٌ، قال ابن عباس: القيُّوم الذى لا يزول، وقال غيره: القائم على كل شىء، ومعناه: مدبر أمر الخلق فمعنى هذا على القول الأول راجع إلى صفة البقاء والدوام، وعلى الثانى راجع إلى معنى الحفظ والتدبير، قال الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَت} (¬3) وقال: {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (¬4)، وهذان المعنيان صحيحان فى تفسير الآية والحديث. وقوله: " أنت رب السماوات والأرض " للرب ثلاثة معانٍ، السيد المطاع والمالك والمصلح لكن إذا كان بمعنى السيد المطاع فقد قال بعضهم: إنه لا يقع إلا على من يعقل ولا يصلح هذا التأويل إلا أن يجعل " العالمين " فى قوله: {رَبِّ الْعَالَمِين} على الجن والإنس، وإلى هذا نحا أبو سليمان، إذ قال: لا يصح أن يقال: سيد الجبال والشجر. ¬

_ (¬1) فى الأصل: بالقرآن. (¬2) الموطأ، ك القرآن، ب ما جاء فى الدعاء 1/ 215. (¬3) الرعد: 33. (¬4) البقرة: 255.

الحَقّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ. اللَّهُمَّ، لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: لا معنى لهذا، والكل له طائع منيب، قال الله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} (¬1). وقوله: " أنت الحق ": الحق من أسماء الله تعالى، قيل: معناه: المتحقق وجوده وكل شىء صحّ كونه ووجوده فهو حقٌّ، ومنه {الْحَاقةُ} (¬2) أى الكائنة حقاً بغير شك، ومنه قوله بعد هذا: " لقاؤك حق، والجنة حقٌّ، والنار حقٌّ " وقد يحتمل أن يكون المراد أن الخبر عنه حقٌّ أى صدق وقيل: يكون بمعنى ذى الحق، وقيل: بمعنى محق الحق وقيل: يحتمل فى هذا الحديث أن يكون معناه: أنت الحق دون غيرك ممَّن يدعى المشركون (¬3) إلهيته، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِل} (¬4)، ويعود هذا المعنى إلى أن القول بأنك إلهٌ حق، أى صدق، وفى غيرك باطل وكذب. وقوله: " ووعدك حق ": يحتمل أنه راجع إلى ما جاء بعده وقوله: " ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق " فهو من وعد الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَق} (¬5)، ويكون هنا بمعنى كائن ولازم، ويصح أن يكون بمعنى أن الخبر عنه صدق، [وقد] (¬6) يحتمل أن يكون الوعد هنا ما وعد به أولياءه من الثواب وحسن الجزاء، وما أعده من العقاب والشقاء، كما قال: {جَنَّات عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ} (¬7)، ويكون حق بمعنى صدق كما قال: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} (¬8) و {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَاد} (¬9)، إلا أن يتفضل بالعفو عن من شاء. وقوله: " ولقاؤك حقٌّ ": يعنى الموت، ويحتمل أنه البعث. وقوله: " اللهم لك أسلمت ": أى استسلمت وانقدتُ لأمرك ونهيك " وبك آمنت ": أى صدقت وجاء هنا التفريق بين الإيمان والإسلام، وقد تقدم الكلام عليه أول الكتاب. وقوله: " وإليك أنبت ": أى أطعتُ ورجعت إلى عبادتك، والإقبال على ما يقرب إليك، والإنابة: الرجوع، وقيل: إليك رجعت فى أمرى بمعنى توكلت واستعنت. ¬

_ (¬1) فصلت: 11. (¬2) الحاقة: 1. (¬3) فى س: من المشركون، وهو خطأ. (¬4) الحج: 62. (¬5) يونس: 55، لقمان: 33، فاطر: 5، غافر: 55، 77، الأحقاف: 17. (¬6) ساقطة من ق. (¬7) و (¬8) مريم: 61. (¬9) آل عمران: 9، الرعد: 31.

خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِى لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ". (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ فَاتَّفَقَ لَفْظُهُ مع حَدِيثِ مَالِكٍ، لَمْ يَخْتَلفَا إِلا فِى حَرْفَيْنِ. قَالَ: ابْنِ جُرَيْجٍ: مَكَانَ " قَيَّامُ " قَيِّمُ. وَقَالَ: وَمَا أَسْرَرْتُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَفِيهِ بَعْضُ زِيَادَةٍ، وَيُخَالِفُ مَالِكًا وَابْنَ جُرَيْجٍ فِى أَحْرُفٍ. (...) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ القَصِيرُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الحَدِيثِ - وَاللَّفْظُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وبك خاصمت ": أى بما آتيتنى من الحجج والبراهين خاصمت من عاندك وكفر بك، وخاصم فيك بسيفٍ أو لسان. وقوله: " وإليك حاكمت ": أى كل من أبى قبول الحق إليكَ أُحاكِمُهم بالحجج والسيف دون غيرك، ممن كان تحاكم إليه الجاهلية من الكهان والأصنام والنيران والشياطين لا أرضى إلا بحكمك ولا أتوكل إلا عليك كما قال تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين} (¬1) و {أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون} (¬2) وكما قال فى الحديث بعده ودعائه بهذه الآية نفسها. وقوله: " فاغفر لى ما قدمت وما أخرت ": يحتمل فيما مضى، ويحتمل فيما مضى ويأتى، ودعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا من المغفرة وشبهها مع إعلام الله تعالى أنه مغفور له، ومع ما قدمناه وصححناه من أصح القولين بعض من جميع الذنوب، على طريق الإشفاق والاعتراف والاستسلام وخوف المكر، إنه {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُون} (¬3) ولتقتدى به أمته، ويشتد إشفاقهم بحسب حالهم من حاله ومقامهم من مقامه وقد بسطنا هذا الباب فى كتاب الشفاعة بما فيه كفاية. وفى هذا وغيره - من الأحاديث التى ذكر مسلم - مواظبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الذكر ¬

_ (¬1) الأعراف: 89. (¬2) الزمر: 46. (¬3) الأعراف: 99.

200 - (770) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمِيْدٍ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ: بَأَىِّ شَىْءٍ كَانَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ منَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ: " اللَّهُمَّ، رَبَّ جبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صَرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ". 201 - (771) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرِ المُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ المَاجِشُونُ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ قَالَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ، أَنْتَ المَلِكُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى ذنُوبِى جَمِيعًا، إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، وَاهْدِنِى لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، لا يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ كُلَّهُ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ بالليل والدعاء والاعتراف لله بحقوقه والإقرار بوعده ووعيده والخضوع له والضراعة إليه ما يقتدى به فيه - عليه السلام. وقوله فى الآية فى الحديث الأول: " وأنا من المسلمين " وروى " أول المسلمين " على ما فى التلاوة وعلى ما فى الحديث الآخر، وجه قوله من أنه لم يرد تلاوة الآية هنا، بل الإخبار بالاعتراف بحاله. وقوله فى الحديث الآخر: " رب جبريل وإسرافيل وميكائيل " وتخصيصهم بربوبيته وهو رب كل شىء، وجاء مثل هذا كثير من إضافة كل عظيم الشأن له دون ما يستحضر عند الثناء والدعاء، مبالغة فى التعظيم، ودليلاً على القدرة والملك فيقال: رب السماوات والأرض، ورب النبيين والمرسلين ورب المشرق والمغرب ورب العالمين ورب الجبال والرياح ورب البحار ورب الناس، ومثله مما جاء فى القرآن وفى الحديث خصوصاً ولم يأت ذلك

يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ". وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: " اللَّهُمَّ، لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِى وَبَصَرِى، وَمُخِّى وَعَظْمِى وَعَصَبِى ". وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: " اللَّهُمَّ، رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خصوصاً فيما يستحقر ويستصغر ويستقذر كالحشرات والكلاب والقردة إلا بسبيل العموم. وقوله: " اهدنى لما اختلف فيه من الحق ": أى ثَبتنى مِثلُ قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} (¬1)، وتقدم الكلام على معنى لبيك وسعديك (¬2). وأما قوله: " والخير كله فى يديك، والشر ليس إليك ": قال الخطابى: معنى هذا الكلام: الإرشاد إلى استعمال الأدب فى الثناء على الله والمدح له بأن تضاف محاسن الأمور إليه دون مساوئها ومذامها. قال الإمام: تتعلق به المعتزلة فى أن الله لا يخلق الشر ونحمله نحن على أن معناه: لا يتقرب إليك بالشر. قال القاضى: وقوله: " أَنا بك وإليك " اعتراف بالعبودية واللَّجأ. وقوله: " لك الحمد ملء السماوات والأرض وما بينهما " (¬3): قيل هو محتمل لطريق الاستعارة؛ إذ الحمد ليس بجسم فيُقَدَّر بالمكاييل وَتَسعُه الأمكنة والأوعية، فالمراد تكثير العدد، كما لو كان مما يُقَدَّر بمكيال أو ما يملأ الأماكن لكان بهذا المقدار، وقيل: يحتمل أن يعود ذلك التقدير لأجورهما وقيل: يحتمل التعظيم والتفخيم لشأنهما، وقد (¬4) جاء " أن الميزان له كفتان، كل كفة طباق السماوات والأرض " وجاء فى الحديث الآخر أن " الحمد يملأ الميزان " (¬5)، فعلى جمع الحديثين جاء الحمد ملء السماوات والأرض والتأويل الأول أظهر لما جاء فى الحديث الآخر: " سبحان الله عدد خلقه وزنة عرشه " (¬6) الحديث، فظاهره تكثير العدد وكذلك هنا، والمِلء - بكسر الميم -[الاسم] (¬7) وبفتحها المصدر. ¬

_ (¬1) الفاتحة: 6. (¬2) راجع ك الإيمان، ب قوله: " يقول الله لآدم أخرج بعث النار ... " (379). (¬3) فى المطبوعة: " وملء الأرض وما بينهما " وما هاهنا موافق لما جاء فى الترمذى، ك الدعوات عن على بن أبى طالب: فإذا رفع رأسه قال: " اللهم ربَّنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شىء " وقال: هذا حديث حسن صحيح 5/ 486، وما بالمطبوعة سبق مثله فى الصلاة، ب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها، وكذا أخرجه النسائى، ك التطبيق، ب ما يقول فى قيامه 2/ 198. (¬4) بعدها فى س: قيل. (¬5) سبق فى الطهارة. (¬6) سيأتى إن شاء الله فى ك الذكر والدعاء، ب التسبيح أول النهار وعند النوم (79). (¬7) من س.

السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ ". وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: " اللَّهُمَّ، لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِى لِلَّذِى خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ "، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَسْلِيمِ: " اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُوَخِّرُ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ". 202 - (...) وحدَّثنا زهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالا: حَدَّثَنَا عبدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ المَاجِشُونِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِى "، وَقَالَ: " وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ "، وَقَالَ: وَإِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ "، وَقَالَ: " وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صوَرَهُ "، وَقَالَ: وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ " إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ: بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سجد وجهى للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ". قال الإمام: يحتج به من يقول أن الأذنين من الوجه يغسلان؛ لأنه - عليه السلام - أضاف السمع إلى الوجه واختلف فى حكمهما، فقيل: يُمسحانِ لأنهما من الرأس، وقيل: يغسلان كما ذكرنا، وقيل: أما باطنهما فيغسل مع الوجه، وأما ظاهرهما فيمسح مع الرأس (¬1). قال القاضى: وقوله: " أنت المقدم وأنت المؤخر ": قيل: المنزل للأشياء منازلها يقدم ما شاء ويؤخر ما شاء ويعز من يشاء ويذلُّ من يشاء وجعل عباده بعضهم فوق بعض درجات، وقيل: هو بمعنى الأول والآخر؛ لأنه إذا كان مقدم كل شىء متقدم فهو قبله ومؤخر كل متأخر فهو بعده، ويكون المقدم والمؤخر بمعنى الهادى والمضل قدم من شاء لطاعته لكرامته وأخَّر من شاء بقضائه لشقاوته وقد تقدم الكلام على التوجيه وعلى الذكر فى الركوع والسجود والدعاء فيهما والدعاء فى الصلاة (¬2). وفى هذه الأحاديث حجة للقائلين بذلك. ¬

_ (¬1) قلت: الحديث الذى أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجة صريح فى أن الأذنين من الرأس. انظر: أبو داود فى الطهارة، ب صفة وضوء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1/ 29، والترمذى كذلك، ب الأذنين من الرأس 1/ 53. وابن ماجة فى الطهارة كذلك، ب الأذنين من الرأس 1/ 152. (¬2) راجع ك الصلاة، ب ما يقال فى الركوع والسجود (215/ 223).

(27) باب استحباب تطويل القراءة فى صلاة الليل

(27) باب استحباب تطويل القراءة فى صلاة الليل 203 - (772) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ المُسْتَوْرِدِ بْنِ الأَحْنَفِ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المَائَةِ، ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ: يُصَلِّى بِهَا فِى رَكْعَةٍ، فَمَضَى. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: " سُبْحَانَ رَبِّىَ العَظِيمِ "، فَكَانَ رَكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ "، ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً، قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: " سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى "، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. (قَالَ): وَفِى حَدِيثِ جَرِيرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ: فَقَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ ". 204 - (773) وحدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ، قَالَ: قِيلَ: ومَا هَمَمْتَ بِهِ؟ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قول ابن مسعود حين طوَّل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاة الليل: " هممت بأمر سوء " وفسره للسائل: " أن أجلس وأدعه " هذا لما ناله من المشقة والضرر (¬1) لطول القيام، وسمَّاه مع ذلك سوءاً، ففيه أنَّ الخلاف على الأئمة ومناقضتهم سوء وقد قال - عليه السلام: " إنما جعل الإمام ليؤتم به " (¬2) لكن لم يختلف لمن نابه مثل هذا فى النافلة أو الفريضة خلف الإمام، وشق عليه القيام أن يجلس، لكنه فى حق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتغيير أمره شديد. ¬

_ (¬1) فى الأصل: الضرورة، والمثبت من س. (¬2) سبق.

هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ. (...) وحدَّثناه إِسْمَاعِيلُ بْنُ الخَلِيلِ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذا الحديث: ما كان من تطويل النبى - عليه السلام - صلاة النافلة بالليل، وحجةُ لمن يرى طول القيام أفضل (¬1). وقوله: " يقرأ مُتَرسِّلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح (¬2) سبَّح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل " الحديث، فيه حكم آداب القرآن فى الصلاة وغيرها، واستعمال حدود كتاب الله وتقديمه هنا النساء على آل عمران حجة لمن يقول: إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف لم يكن ذلك من تحديد النبى - عليه السلام - وإنما وكله إلى أمته بعده وهو قول جمهور العلماء، وهو قول مالك واختيار القاضى أبى بكر الباقلانى وأصح القولين عنده، مع احتمالها. قال: والذى نقوله: إن تأليف السور ليس بواجبٍ فى الكتابة ولا فى الصلاة، ولا فى الدرس ولا فى التلقين والتعليم، وإنه لم يكن من الرسول فى ذلك نص واحد لا يحل تجاوزه، فلذلك اختلفت تأليفات المصاحف قبل مصحف عثمان، واستجاز النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمة بعده فى سائر الأعصار ترك الترتيب للسور فى الصلاة والدرس والتلقين والتعليم، وعلى قول من يقول من أهل العلم: إن ذلك توقيف من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى ما حده ورسمه لهم حسب ما استقر فى مصحف عثمان، وأن موجب اختلاف المصاحف قيل فى الترتيب، إنما كان قبل التوقيف وعلى ما جاء هنا كانت هاتان السورتان فى مصحف أبىّ، ولا خلاف أنه يجور للمصلى فى الركعة الثانية أن يقرأ بسورة قبل التى صلى بها فى الأولى، أو إنما يقع الكراهة بذلك فى ذلك فى ركعة واحدة أو لمن يتلو القرآن وقد أجاز هذا بعضهم وتأول نهى من نهى من السلف عن قراءة القرآن، مُنَكِّسًا أن يقرأ من آخر السورة آية بعد آية إلى أولها كما يفعل من يُظهر قوة الحفظ، ولا خلاف أن تأليف كل سورة وترتيب آياتها توقف من الله تعالى على ما هى عليه الآن فى المصحف، وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها - عليه السلام. وقوله: " فجعل يقول فى ركوعه: سبحان ربى العظيم، وفى سجوده: سبحان ربى الأعلى ": يحتج به الكوفيون والأوزاعى والشافعى، ومن قال بقولهم فى اختيار هذا القول فى الركوع والسجود للأثر الوارد فى الأمر بذلك ولم يوجبوه، ومالك لم يحد فى الذكر ¬

_ (¬1) أى من كثرة السجود كما مَرَّ قريباً. (¬2) الذى فى المطبوعة: بآية فيها تسبيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهما حدّا، إلا أنه كره القراءة فى الركوع، وقد مضى ذلك (¬1). وقوله: " إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين " وفى الحديث الآخر: " أمره بذلك لمن قام به " ووجه الحكمة فيه رياضة النفس والجسد بهما، وذهاب الكسل عنه فيهما ليستقبل قيام ليله بنشاط واجتماع نفس، وعلى أتم وجوه الخشوع والكمال. ¬

_ (¬1) راجع: ك الصلاة، ب النهى عن القرآن فى الركوع والسجود (207).

(28) باب ما روى فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح

(28) باب ما روى فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح 205 - (774) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ، قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: " ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِى أُذُنَيْهِ " أَوْ قَالَ: " فِى أُذُنِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى نام حتى أصبح: " بال الشيطان فى أذنيه " قال المُهَلِّبُ: هذا على سبيل الإغياء (¬1) بتحكم الشيطان فى العقد على رأسه بالنوم الطويل، وقال ابن قتيبة: يقال: بال فى كذا إذا أفسده. وأنشد: كساعٍ إلى أُسْد الشَرِّ يستبيلها (¬2) أى يطلب مفسدتها. قال القاضى: وللناس فى معنى هذا البيت غير هذا، ليس هذا مكانه (¬3)، قال أبو بكر ابن أبى إسحاق (¬4): يكون معناه: استخَفَّ به واستحقره واستعلى عليه، كما قال تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّه} (¬5)، وقد يقال لمن استخف بالإنسان وخدعه: بال فى أذنه، وأصل ذلك دابة يهابها الأسد فَيَفعل ذلك به. قال القاضى: ذكر صاحب كتاب الحيوان من اليونانيين أنه النمر، وأنه يستطيل على الأسد فى بعض البلاد حتى يفعل ذلك به لِيُذلَّه، وقال أبو بكر: ويجوز أن يكون معناه: أَخَذَ بسمعه عن نداء الملك ثلث الليل: " هل من داعٍ فيستجاب له " الحديث، وشغله له بوسوسته وتزيينه له النوم وبحديثه بذلك فى أذنه كالبول فيهما، لأنه قذَرٌ نَجسٌ خبيثٌ وأفعاله كلها قذرة خبيثة. وقال الحربى: بال هنا معناه: ظهر عليه وسخِر منه. قال الطحاوى: هو استعارة لا على الحقيقة وعبارة عن الطوع وفعل أقبح الفعل بالنوَّام ومن يذله ويقهره. قال القاضى: ولا يبعد أن يكون على وجهه وقصد الشيطان بذلك إذلاله ونهاية طاعته له، وتَأتَى ما أراد منه من استغراق فى نومه حتى فعل به ذلك، وقد يكون " بال فى أذنه " كناية عن ضرب النوم واستغراقه، وخص ذلك بالأذن كما خصها فى قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا ¬

_ (¬1) فى الأصل: الإغماء، والمثبت من س. (¬2) شطر بيت للفرزدق. وأوله: وإنَّ الذى يسعى ليُفسِدَ زوجتى (¬3) قال فى اللسان: ويستبيلها: أى يأخُذَ بولَها فى يدِه. (¬4) هو محمد بن إسحاق بن جعفر، روى عنه الجماعة سوى البخارى، وذكره ابن حبان فى الثقات. التهذيب 9/ 35. (¬5) المجادلة: 19.

206 - (775) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهَرِىِّ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ؛ أَنَّ الحُسَيْنَ بْنِ عَلِىٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: " أَلا تُصَلُّونَ؟ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَنفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْف} (¬1) والله أعلم؛ ولأن الأذن حاسة المنتبه بكل حال، وموقظة النائم بما يطرأ عليه من الأصوات. قال الإمام: خرَّج مسلم فى باب الحض على صلاة الليل حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث عن عقيل عن الزهرى، عن على بن حسين [عن الحسن] (¬2) بن على، حدَّثه عن على؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرقه وفاطمة [ليلاً] (¬3) فقال: " ألا تصليان؟ " الحديث. قال الدارقطنى: كذا رواه مسلم عن قتيبة: أن الحسن بن على، وقد تابعه على ذلك إبراهيم بن نصر النهاوندى والحنينى (¬4)، وخالفهم النسائى والسراج وموسى بن هارون عن قتيبة قالوا: " أن الحسن بن على " (¬5) وكذا قال أصحاب الزهرى، منهم صالح بن كيسان وابن جريج وإسحاق بن راشد، وابن أبى أنيسة وابن أبى عتيق وغيرهم عن الزهرى عن على بن حسين ابن على عن أبيه عن على، [وكذا وقع فى نسخة الجلودى: الزهرى عن على بن حسن ابن الحسن بن على] (¬6) حدثه، وفى نسخة ابن ماهان: عُقيلٌ عن الزهرى عن على بن حسين بن على بن أبى طالب، هكذا روى عنه، وأسقط من الإسناد رجلاً قاله عنه أبو زكريا الأشعرى، وابن الحذاء، والصواب ما تقدم. قال القاضى فى كتاب ابن الحذاء: " الحسن " وذكر أبو الحسن الدارقطنى (¬7) أن معمراً أرسله عن الزهرى عن على بن حسين قال: وكذلك قال مسعد عن عقبة بن قيس عن على بن حسين مرسلاً وصَوَّب قول من قال: عن على بن حسين عن أبيه عن على. قال: وكان فى كتاب الليث: الحسن، فقيل له: إنما هو الحسين فرجع إليه، وقال موسى بن هارون: وكان فى كتاب قتيبة: الحسن. وفى الحديث فضل الصلاة بالليل والحض عليها. قال أبو جعفر الطبرى: وإيقاظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نومها فى وقت جعله الله سكوناً وَدِعةً لما علم من ثواب الله فى ذلك، وفيه ¬

_ (¬1) الكهف: 11. (¬2) الذى فى المطبوعة: أن الحسين بن على. (¬3) ليست فى المطبوعة. (¬4) فى س: الخشينى. وانظر: الإلزامات والتتبع: 281، 282. (¬5) المجتبى 3/ 167. (¬6) سقط من الأصل. (¬7) الإلزامات والتتبع: 282.

شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} (¬1). 207 - (776) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَعْقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أمر قيم يقوم لمن يقوم عليهم بفعل الخيرات ووجوه البرِّ وحضهم على الرغائب وما ليس بواجب، قال غيره: وعنه أنه ليس للإمام أن يشتد فى النوافل، وإنما يحض ويحث عليها إذ ليست بواجبة لانصراف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهما ولم يرجع شيئاً (¬2)، كما جاء فى الحديث. وقول على: " أنفسنا بيد الله " من قول الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الآية (¬3)، وضرب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخذه، وقوله: {وكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} (¬4) استشهاد بقول الله تعالى وتسليم لحجتهما وحجةٌ فى صحة الجدل بالحق قال الله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} (¬5). وقال المُهلِّب: فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك يدل أنه فهم أنه أحرجهما بإيقاظهما من نومهما. قال القاضى: وهذا عندى غير بين، بل لا دليل على الحرج، بل إنما استدل بالآية علىٌّ، عذراً بذلك، وانقبضا استحياءً منه لطروقه إياهما فى حال اضطجاعهما، ويكون فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فعل وقال تعجباً من سرعة حجته وإصابة عذره. وفيه حجة لجواز الضرب على الفخذ عند الأمر ينكر. ومعنى " طرقه ": أى أتاه ليلاً، والطروق ما جاء بالليل. وقوله: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عُقَدٍ إذا نام، بكل عقدة: عليك ليل طويل فارقد " (¬6): القافية: مؤخر الرأس، وقيل: القفا وآخر كلِّ شىء قافيته ومنه: قافية الشعر، وقيل فى عقده هذا أنه حقيقة وأنه بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام، قال الله تعالى: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد} (¬7) وأنه قول يقوله فيؤثر فيه كما يقول الساحر، ويحتمل أن يكون فعلاً يفعله، مثل النفاثات فى العقد. ¬

_ (¬1) الكهف: 54. (¬2) جاءت فى الأبى: ولم يرجع عليها شيئاً. (¬3) الزمر: 42. (¬4) الكهف: 54. (¬5) العنكبوت: 46. (¬6) لفظ المطبوعة: " بكل عقدة يضربُ عليك ليلاً طويلاً "، وليس فيها فارقد. وجاءت فى البخارى أيضاً بمثل ما جاء فى نسخة القاضى: " عليك ليل طويل ". ك التهجد، ب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل 2/ 65. (¬7) الفلق: 4.

الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أَحَدِكُمْ ثَلاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ، انْحَلَّتْ عُقدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ، انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ العُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يقول: عليك ليل طويل فارقد " أى أن ذلك مقصود ذلك العقد، وقيل: هو من عقد القلب وتصميمه وقد فسَّر هذا العقد بقوله: " عليك ليل طويل " كأنه يقولها إذا أراد النائم القيام لحزبه، فيؤثر ذلك فى نفسه، ويعقد صرفه (¬1) حتى يصبح، ويفوته حزبه، وقيل: هو مجاز كنى به عن حبس الشيطان وتثبيطه عن قيام الليل، وقال بعضهم: هذه العقد الثلاث هى الأكل والشرب والنوم؛ لأن من أكثر الأكل والشرب كثر نومه، وهذا عندى بعيد لقوله فى الحديث: " إذا نام " فإنما جعل العقد حينئذ. وفى رواية أكثرهِم عن مسلم: " عليك ليلاً طويلاً " على الإغراء بنومه، ومن رفع فعلى الابتداء، أو على الفاعل بإضمار فعل أى بقى عليك. وقوله: " فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ " ثم ذكر مثل ذلك إذا توضأ، ثم مثله إذا صلى على ما تقدم إمَّا حل عقدة السحر، أو اعتقاد طول الليل أو انحلال ما نزع له به الشيطان وكفايته إياه. وقد اختلفت الرواية فى الحرف الآخر بعد قوله: " فإذا صلى انحلت عقدةٌ " هل على الإفراد كالذى قبله أو " عُقَدَه " على الجمع، ومعناهما واحد؛ لأن بانحلال العقدة الآخرة انحلت جميع العقد كما رواه مسلم: " انحلت العُقدُ ". وقوله: " [فأصبح] (¬2) نشيطاً طيب النفس " لسروره بما [قدَّمه] (¬3) ورجائه فى ثواب عمله ونشاطه بزوال آخر (¬4) سحر الشيطان عنه وكفايته إياه، ورجوعه خاسئاً [عنه] (¬5) خائباً من كيده. وقوله: " وإلا أصبَح خبيثَ النفس كسلان " بتأثير سحر الشيطان وبلوغه غرضه فيه وهمه بما فاته من حزبه، وجاز عليه من كيد عدوهِ. وليس قوله هذا مما يعارض به قوله: " بئس ما لأحدكم أن يقول خبثت نفسى " (¬6) فإن ذلك النهى عن أن يقوله الإنسان عن ¬

_ (¬1) فى الأصل: صدقه، والمثبت من س. (¬2) من س والمطبوعة، والذى فى الأصل: فيصبح. (¬3) من س، وفى الأصل: يقدِّمه. (¬4) فى الأصل: أخذ، والمثبت من س. (¬5) ساقطة من س. (¬6) البخارى، ك الأدب، ب " لا يقل أحدُكم: خبثت نفسى " 8/ 51، وسيأتى إن شاء الله فى ك ألفاظ من الأدب وغيرها، بيد أن لفظه فيهما: " لا يقولَنَّ أحدُكم: خبثت نفسى " عن عائشة، ورواه مسلم - أيضاً - عن سهل بن حنيف. بلفظ: " لا يقل ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه لاشتراك لفظة الخبث الذى هو تغيير النفس وكسلها بالخبث الذى هو فساد الدين والكفر، قال الله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب} الآية (¬1) والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أخبر بذلك عن صفة غيره فلا تعارض بينهما. قال الإمام: بوب البخارى (¬2) عليه عقد الشيطان على رأس من لم يصل. وفى الحديث أنه يعقد على قافية رأس أحدكم وإن كانت منه الصلاة بعد ذلك. وإنما تنحل عقده بالذكر والصلاة، والذى يفهم من تبويب البخارى أن العقد [إنما يكون] (¬3) على رأس من لم يصل فقط، وقد يعتذر عنه بأنه إنما قصد من يُستدام العقد على رأسه بترك الصلاة. وقدر من انحلت عقده كأنه لم يعقد عليه. ¬

_ (¬1) الأنفال: 37 (¬2) ك التهجد، ب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل (1142). (¬3) من المعلم.

(29) باب استحباب صلاة النافلة فى بيته وجوازها فى المسجد

(29) باب استحباب صلاة النافلة فى بيته وجوازها فى المسجد 208 - (777) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافُعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اجْعَلُوا مِنْ صَلاتِكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ وَلا تَتَّخِذُوهَا قبُورًا ". 209 - (...) وحدَّثنا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلُّوا فِى بُيُوتِكُمْ، وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله - عليه السلام -: " اجعلوا من صلاتكم فى بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً " (¬1): هذا من التمثيل البديع حين شَبَّه البيت الذى لا يُصلى فيه بالقبر الذى لا يتأتى فيه من ساكنه عبادة، وشبه النائم ليله كله بالميت فى قبره وكذلك تمثيله بالحى والميت؛ لأن العمل إنما يتأتى من الحىّ وقد يرجع التمثيل إلى صاحب البيت. وللعلماء فى معنى الحديث قولان: فقال بعضهم: هذا فى الفريضة ومن للتبعيض، أمروا بذلك ليقتدى بهم فى صلاتهم من لا يخرج من عيالهم ونسوانهم، قالوا: ولأن المتخلف عن الجماعة للصلاة فى جماعة دونها غير متخلف، وقيل: بل هو فى النافلة للتستر بها وللحديث: " أفضل الصلاة صلاة أحدكم فى بيته إلا المكتوبة " (¬2)، وقد تكون على هذا " من " عندهم زائدة، كقوله: ما جاءنى من أحد، ولهذا كان حذيفة وبعض السلف لا يتطوعون فى المسجد، وهذا مذهب الجمهور، وعليه يدل حديث مسلم فى الباب فى سبب ذلك فى قيامه الليل بالناس بقوله: " ظننت أن تكتب عليكم، فعليكم بالصلاة فى بيوتكم " الحديث (¬3)، وقد يصح أن تكون للتبعيض على أصلها، وأن من النافلة ما يصلى فى المساجد كتحية المسجد، ورواتب الصلوات وغير ذلك، ومنها ما يصلى فى البيوت. قالوا: ولأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنكر التخلف عن صلاة الجماعة، وكن النساءُ يخرجن، وفى التعليم بالقول مقنع، ويصحح هذا قوله فى الحديث الآخر: " صلوا فى بيوتكم ". وهذا يدل أنها النافلة [ولقوله] (¬4): " إذا قضى أحدكم الصلاة فى مسجده فليجعل ني بيته نصيباً من صلاته " هذا يدل أنها النافلة. ¬

_ (¬1) لفظها فه المطبوعة: " ولا تتخذوها ". (¬2) سبق تخريجه. (¬3) سبق قريباً. (¬4) فى س: وقوله.

210 - (778) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاةَ فِى مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاتِهِ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِى بَيْتِهِ مِنْ صَلاتِهِ خَيْرًا ". 211 - (779) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنَّ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ البَيْتِ الَّذِى يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالبَيْتِ الَّذِى لا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَىِّ وَالمَيِّتِ ". 212 - (780) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِىُّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ ". 213 - (781) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى فِيهَا. قَالَ: فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاؤُوا يُصَلُّونَ بِصَلاِتهِ. قَالَ: ثُمَّ جَاؤُوا لَيْلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الله (¬1) جاعلٌ [فى بيته] (¬2) من صلاته خيراً ": فسر هذا الخبر فى أحاديث أخر بأنها تحضره الملائكة وتنفر منه الشياطين، ويتسع على أهله، وترجم البخارى على هذا الحديث كراهية الصلاة فى المقابر (¬3)، كأنه استدل من قوله: " ولا تجعلوها قبوراً " لأنها لا تجوز فيها الصلاة. وهذه استثارة (¬4) فى الفقه بعيدة، والذى عليه الناس فى تأويل الحديث ما قدَّمناه، وأن مراده: لا تجعلوها كالقبور التى لا يصلى من فيها ولم يُرد [زائداً] (¬5) عليها. وقوله: " احتجر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَيَرةً بِخَصَفَةٍ أَو حصِيرٍ " أى اقتطع موضعاً حجَره عن ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: فإن الله. (¬2) فى المطبوعة: لبيته. (¬3) ك الصلاة، ب كراهية الصلاة فى المقابر (432). (¬4) فى س: استعارة. (¬5) من س.

فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ. قَالَ: فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا البَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاةِ فِى بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاةِ المَرْءِ فِى بَيْتِهِ، إِلا الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ ". 214 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً فِى المَسْجَدِ مِنْ حَصِيرٍ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا لَيَالِىَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَزَادَ فِيهِ: " وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره، أو لهذه العبادة عن غيرها، والحجرُ: المنع، ومنه سميت الحجرة، وحجيرة بتصغيرها، والخصفة والحصير بمعنى، والخصف: ما صنع من خوص المُقْل والنخل (¬1). ¬

_ (¬1) المُقلُ: حمل الدَّوم، واحدته مُقْلَة، والدَّوْم: شجرة تشبه النخلة فى حالاتها. انظر: لسان العرب.

(30) باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره

(30) باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره 215 - (782) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىُّ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّى فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاتهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ. فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُوَنَ فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ ". وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ. 216 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " عليكم من الأعمال ما تطيقون ": أى ما لكم بالمداومة عليه طاقة، ويحتمل الندب [لنا] (¬1) إلى تكلف ما لنا به طاقة من العمل، ويحتمل النهى عن تكلف ما لا نطيق والأمر بالاقتصار على ما نطيق، وهو اللائق بنسق (¬2) الحديث ويحتمل أن المراد بالعمل صلاة الليل؛ إذ هى من عمل البرِّ (¬3)، إذ ورد بسببه، ويحتمل أن يحمل على جميع الأعمال الشرعية، قاله الباجى (¬4). وقوله: " فإن الله لا يمل حتى تملوا " وفى الرواية الأخرى: " لا يسأم حتى تسأموا " وهما بمعنى السآمة والملال. قال الإمام: الملالة التى بمعنى السآمة لا تجوز على الله وقد اختلف فى تأويل هذا الحديث، فقيل: إنما ذلك على معنى المقابلة أى لا يدع الجزاءَ حتى تدعوا العمل، وقيل: " حتى " هاهنا بمعنى، الواو، فيكون قد نفى عنه جلَّت قدرته الملل، فيكونُ التقدير (¬5) لا يمل وتملون، وقيل: " حتى " بمعنى حين. قال القاضى: وقوله فى الحديث: " فثابوا ": أى رجعوا إلى الصلاة مبادرين كذلك، وتقدم الكلام على " أحب العمل ما دوِّم عليه وإن قل ". ¬

_ (¬1) من الباجى. (¬2) فى الباجى: بنفس. (¬3) و (¬4) عبارة الباجى: وقوله من العمل: الأظهر أنه أراد به عمل البر لأنه ورد على سببه وهو قول مالك: إن اللفظ الوارد مقصور عليه، والثانى أنه لفظ ورد من جهة صاحب الشرع فيجب أن يحمل على الأعمال الشرعية. المنتقى 1/ 213. (¬5) فى المعلم: المقدَّر.

سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَىُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: " أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ ". 217 - (783) وحدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيَمَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَيَسْتَطِيعُ؟ 218 - (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِى القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ". قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ العَمَلَ لَزِمَتْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " كان عمله دِيمةً " أى دائم غير منقطع، ومنه سمى المطر المتوالى ديمةً، يعنى أن ما عمل من خير لم يكن يقطعه، ويتركه بل يداوِمُ عليه، وقلنا: إن فضل ذلك للتخفيف فى العبادة، ولأن فى اتصال النية بالمداومة على عمله ما يربى على الإكثار من عمله مدة ثم يقطع، ولذلك ذكر مسلم الحديث: " كان آل محمد إذا عملوا عملاً أثبتوه " أى لازموه، وداموا عليه. والآل هنا أظهر فى القرابة، وآل البيت ألا تراه كيف حكاه بعد عن غائب. ويحتمل أن المراد به من يختص به من فضلاء أصحابه وأتباعه وقد يراد به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه، ويدل عليه قوله فى الحديث الآخر: " وكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى صلاة أثبتها " (¬1). والآل قد يقع على ذات الشىء، وعلى ما يضاف إليه، كما قال: " لقد أوتى مزماراً من مزامير آل داود " (¬2) وكما جاء فى الحديث: " آل حم " (¬3) وهذا (¬4) نهى عن التكلف لما يشق لئلا يعجز عنه. فينقطع ثوابه وثواب النية فيه. وقوله: " وكان يحتجزه (¬5) بالليل ويبسطه بالنهار " يعنى الحصير، دليل على ما كان عليه من التقلل من الدنيا ومتاعها، وزهده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

_ (¬1) سيرد إن شاء الله فى هذا الكتاب، ب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العصر. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى باب تحسين الصوت بالقرآن من هذا الكتاب. (¬3) من كلام ابن مسعود - رضى الله عنه -: " إذا وقعت فى " آل حم " فقد وقعت فى روضاتٍ أتانَّق فيهن ". قال الحافظ ابن كثير: قال أبو عبيد: حدثنا الأشجعى، حدثنا مسْعر - هو ابن كدام - عمَّن حدَّثه؛ أن رجلاً رأى أبا الدرداء يبنى مسجداً، فقال له: ما هذا؟ فقال: أبنيه من أجل " آل حم " تفسير القرآن العظيم 7/ 116. (¬4) فى الأصل: ولهذا، والمثبت من س. (¬5) فى المطبوعة: يُحجِّره.

(31) باب أمر من نعس فى صلاته، أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك

(31) باب أمر من نعس فى صلاته، أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك 219 - (784) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " قَالُوا: لِزَيْنَبَ، تُصَلِّى، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَال: " حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ ". وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ: " فَلْيَقْعُدْ ". (...) وحدَّثناه شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 220 - (785) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: دخل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد - وحبل ممدود بين ساريتين، قال: " ما هذا؟ " قالوا: لزينب تصلى، فإذا كسلت - أو فترت استمسكت (¬1) به فقال: " حلوه، ليصلِّ أحدُكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر قعد " مما تقدم من كراهيته التكلفَ لما فيه المشقة من العبادة، وقد اختلف السلف فى جواز مثل كذا من التعلق بالحبال وشبهها فى الصلاة لطول النوافل وتكلف القيام، فنهى عن ذلك أبو بكر وكرهه وقطعها لمن فعلها. وقال حذيفةُ: إنما يفعل ذلك اليهود، ورخص فى ذلك آخرون، وأما الاتكاء على العصىّ لطول القيام فى النوافل فما أعلم أنه اختلف فى جوازه والعمل به، إلا ما روى عن ابن سيرين فى كراهة ذلك، وقول مجاهد: ينقص من أجره بقدر ذلك، هو من باب قوله: " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم "، واختلف فيه فى الفرائض لغير ضرورة، فمذهب مالك وجمهور العلماء: أنه لا يجوز، وأنه لا يجزى من القيام ومن اعتمد على عصىّ أو حائط اعتمادًا لَوْ زَالَ سَقَط فسدت صلاته وكأنه لم يقم فيها. وأجاز ذلك جماعةٌ من الصحابة والسلف منهم أبو سعيد الخدرى وأبو ذر، وغيرهم، وأما لضرورةٍ وعند العجز عن القيام فيجوز، وهو أولى من الصلاة جالساً، قاله مالك وغيره. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: أمسكت.

زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ الحَوْلاءَ بِنْتَ تُوَيْتٍ بِنْ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْن عَبْدِ العُزَّى مَرَّت بِهَا - وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: هَذِهِ الحَوْلاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لا تَنَامُ اللَّيْلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَنَامُ اللَّيْلَ! خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ. فَوَاللهِ، لا يَسْأَمُ اللهُ حَتَّى تَسْأَمُوا ". 221 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِى امْرَأَةٌ، فَقَالَ: " مَنْ هَذِهِ؟ " فَقُلْتُ: امْرَأَةٌ. لا تَنَامُ، تُصَلِّى. قَالَ: " عَلَيْكُمْ مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ. فَوَاللهِ، لَا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا " وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إلِيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ: أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى أَسَدٍ. 222 - (786) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - واللَّفْظُ لَهُ - عَن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِى الصَّلاةِ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغَفِرُ فيَسُبَّ نَفْسَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث الحولاء حين أُخبِرَ أنها لا تنام الليل فقال: " لا تنام الليل! " ظاهره الإنكارُ لما تقدم من تكَلَّفِ ما لا يطاق ويشق من العبادة، وقد جاء المعنى مفسراً فى حديث مالك فى الموطأ (¬1) قال. " فكره ذلك حتى عرفت الكراهية فى وجهه " وقد اختلف اختيار العلماء فى إحياء الليل كله بالصلاة، واختلف فيه قول مالك، فمرة كرهه وقال: لعله يُصبح مغلوباً، وفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة ثم قال: لا بأس به ما لم يضر ذلك بصلاة الصبح، وقال: إن كان يأتيه الصبح وهو نائم فلا، وإن كان وهو به فتور أو كسلٌ فلا بأس به. وقوله: " إذا نعس أحدُكم فى الصلاة فليرقُد حتى يذهب عنه النوم، [فإن أحدكم إذا صلَّى وهو ناعسٌ لعله يذهب يستغفِرُ فيسب نفسه "] (¬2): دليل على أنه لا يجب أن ¬

_ (¬1) الموطأ، ك صلاة الليل، ب ما جاء فى صلاة الليل 1/ 118. (¬2) من الحديث والمعلم.

223 - (787) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقرَبَ الصلاة من لا يعقلها، ويؤديها على حقها، وأن يتفرغ من كل ما يشغل عن الخشوع فيها، وقيل فى قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} (¬1) أنه من النوم، والحديث عام فى كل صلاة من الفرض والنفل، وحمله مالك على صلاة الليل، وفى هذا الباب أدخله، وعليه جملة جماعة من العلماء، لأنه غالب غلبة النوم إنما هى فى الليل، ومن اعتراه ذلك فى الفريضة وكان فى الوقت سعة، لزمه أن يفعل مثل ذلك وينام، حتى يتفرغ للصلاة، وإن ضاق الوقت عن ذلك صلى على ما أمكنه وجاهد نفسه ودافع النوم عنه جهده، ثم إن تحقق أنه أداها [وعقلها] (¬2) أجزأته وإلا أعادها (¬3). قال الإمام: يحتج بهذا الحديث على من يرى أن [نعس] (¬4) النوم ينقض الطهارة كالحدث؛ لأنه لم يعلل بانتقاض الطهارة وإنما علل (¬5) بأنه يسب نفسه، وقد اختلف الناس فى هذه المسألة، فقال المزنى: النوم ينقض الطهارة، قلَّ أو كثُر وذكر عن بعض الصحابة أنه لا ينقض الطهارةَ على أى حال كان، وغير هذين من العلماء (¬6) يقول: ينقض على صفةٍ وما هذه الصفة؟ أبو حنيفة يراعى الاضطجاع، ومالك يراعى حالةً يغلب على الظن خروجُ الحدث فيها ولا يشعر، وما وقع بين أصحابه من مراعاة ركوع أو سجود أو استثقال أو غير ذلك فإنما هو خلاف فى حالٍ، فبعضهم رأى تلك الحالة لا تُشعر بالحدث معها، وبعضهم لم يرها، وأصل الفقه ما قلناه. قال القاضى: قوله: " نعس ": النعاس هو خفيف النوم، قال الشاعر: وسنانُ أقصَدَه النعاسُ فرنَّقتْ ... فى عينِه سنةٌ وليس بنائمٍ استدل بعضهم بقوله: " لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه "، ومعنى " يسب نفسه " عندى هنا: الدعاءُ عليها؛ لأنه إذا ذهب يستغفر ويدعو لنفسه وهو لا يعقل ربما قلب الدعاء فدعا على نفسه. ¬

_ (¬1) النساء: 43. والقول قول الضحاك، وهو مخالف للجمهور. راجع: تفسير القرطبى 5/ 201. (¬2) ساقطة من س. (¬3) ليس للإمام كلام فى هذا. (¬4) من المعلم. (¬5) فى المعلم: قال. (¬6) فى المعلم: الفقهاء.

مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَاسْتَعْجَمَ القُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَلْيَضْطَجِعْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر: " إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول؛ فليضطجع " من معنى الحديث الأول، لئلا يغير كلام الله، ويبدِّلَه ولعله يأتى فى ذلك بما لا يجوز، من قلب معانيه، وتحريف كلماته، وهذا أشد من الأول. ومعنى " استعجم عليه القرآن ": أى لم يفصحُ به لسانه، ولا انطلق به لغلبة النوم عليه، وعقلته إياه.

(32) باب فضائل القرآن وما يتعلق به

(32) باب فضائل القرآن وما يتعلق به (33) باب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها 224 - (788) حدَّثنا أَبُو بَكر بْنُ أبى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: " يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِى كَذَا وَكَذَا، آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ". 225 - (...) وحدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِى المَسْجِدِ، فَقَالَ: " رَحِمَهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِى آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا ". 226 - (789) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ القُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - فى الذى سمعه يقرأ: " لقد أذكرنى آية كذا " (¬1) وفى الحديث الآخر: " كنت أنسيتها " قد تقدم الكلام فيما يجوز على النبى - عليه السلام - من النسيان وجواز ذلك عليه ابتداءً عند جمهور المحققين فيما ليس طريقه البلاغ، واختلافهم فيما طريقه البلاغ والتعليم، لكنه لا يستديم ذلك عند من أجازه فيما كان طريقه البلاغ، بل يستذكره أو يُذكرُ به على كل حال، على خلاف بين أئمتنا، هل من شرط ذلك الفورُ؟ أو يصح على التراخى قبل انخرام مدته؟ وأما نسيان ما قد بلَّغه كمسألتنا فجائز، ولا مطعن فيه، وقد قال - عليه السلام -: " إنى لأنسى أو أُنَسَّى لأسُن " (¬2)، وقد روى سهوه فى الصلاة وغير ذلك، وقد تقدم من هذا، وتقصينا هذا فى كتاب الشفاء. وقول من ذهب من المتصوفة ومن توهم إلى أن النسيان لا يجوز عليه جملة، لا فيما طريقه البلاغ ولا فيما ليس طريقه البلاغ، وإنما يقع منه صورته عمداً ليَسُن، وهذا تناقضٌ وصورةٌ لا تتصور، وهو قول مردود، ولا أعلم مُقتدى به وملتفتاً إلى معرفته، استحسنه وأشار إلى تصويبه إلا الأستاذ أبا المظفر الإسفرايينى من شيوخنا، فإنه على تحقيقه وتدقيقه مال إلى هذا القول ورجَّحه على تناقضه وتباغضه. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " لقد أذكرنى كذا وكذا، آيةً كُنْتُ أسقطتها من سورة كذا وكذا ". (¬2) مالك فى الموطأ، ك السهو، ب العمل فى السهو (2).

إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ ". 227 - (...) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ المُسَيَّبِىُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ - جَمِيعًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: " وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ القُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ ". 228 - (790) وحدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَان بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَمَا لأَحْدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله بعد فى الحديث [الآخر] (¬1): " بئس ما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، ولكنه نُسِّى ": لا يعارض قوله - عليه السلام - فى الحديث المتقدم: " كنت أنُسيتها " وقد أضاف هنا النسيان إلى نفسه الذى نهى عن قوله فى الحديث الآخر ونفاه، قيل: إنما أمر بذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتضاف الأمور إلى خالِقها ومقدِّرها إقراراً بالعبودية، ولا يضَيفُها العبد أبداً إلى نفسه. والنبى - عليه السلام - وأمثاله، ممن ذكر الله عنه ذلك فى كتابه، ممن إذا أطلق اللفظ فهو على بينة من ربه ويقين من تسليمه، وقيل: لأن المَنْسىَّ المنهىَّ عن قوله وإضافةِ الإنسان له إلى نفسه، يحتمل أنه ما نسخه الله من القرآن بالنسيان لجميع الناس، فلا يبقى فى حفظ أحد، والآخر الذى أضافه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نفسه هو النسيان المعهود. وقد يقال: إنه كره قول هذا اللفظ لاشتراكه ولما فى هذا من الإعراض والغفلة والتهاون. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} (¬2) ثم قال: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} (¬3)، وهذا مثل ما نبه عليه فى الحديث المتقدم. ¬

_ (¬1) من س. والحديث من طريق زهير بن حرب، ولفظه فى المطبوعة: " بئس ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسِّىَ ". (¬2) طه: 124. (¬3) طه: 126.

هُوَ نُسِّىَ، اسْتَذْكِرُوا القُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا ". 229 - (...) حدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ. قَالَ: قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يظهر فى معنى قوله: " بئس ما لأحدكم أن يقول: إنى نسيتُ آية كذا، ولكنه نُسِّى " ذم الحال وكراهته، لا ذم القول، أى بئست (¬1) الحالة والصفة لمن أوتى القرآن فغفل عنه حتى نسيه فقال: نسيتُه، وهو لم ينسه من قبل نفسه، إذ ليس النسيانُ من فعله، لكنه من فعل الله الذى نسَّاه إياه عقوبةً لإعراضه عنه وتوسيده إياه، واستخفافه بحقه، كما قال فى الحديث الآخر: " لم أر ذنباً أعظَمَ من آيةٍ أو سورة حفظها رجل ثم نسيها " (¬2)، وهذا عندى أولى ما يتأول فى الحديث إن شاء الله. وقوله: " بل هو نُسِىَ " بالتخفيف ضبطناه عن أبى بحر، وبالتشديد لغيره. وفى الحديث حجة للجهد فى صلاة الليل فى النافلة، وحجة لمن قال: الإظهار لها أفضل وكان أهل المدينة يتواعدون لقيام القراء. قال الإمام: قوله فى القرآن: " لهو أشد تفصِّياً من صدور الرجال من النعم بِعُقلها ": قال الهروى: كل شىء كان لازماً للشىء ففصل، قيل: تفصَّى منه كما يتفصى الإنسان من البَلِيَّة، أى يتخلص منها (¬3). قال الإمام: وتفسيره فى الحديث الآخر [الذى بعده لأن فيه] (¬4): " لهو أشد تفلُّتاً من الابلِ بعقلها " (¬5) وهو جمع عقال، نحو كتاب وكتب، والنَّعم تذكر وتؤنث، وهى هاهنا الإبل خاصة. قال القاضى: وقوله: " من النَّعَمِ بِعُقُلها " كذا رواية الجلودى فى حديث زهير، وعند ابن ماهان: " من عُقُلها " وصوَّب بعضهم هذه الرواية، وكلاهما صواب، وقد جاءت الروايتان فى غير حديث زهير والباء تأتى بمعنى " من "، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُون} (¬6) {عِبَادُ اللَّه} (¬7) أى أنها (¬8)، وقيل: يشربون هنا بمعنى يُرَوونَ، فتكون الباء على بابها، وفى رواية أخرى: " فى عقلها " وهى راجعة إلى معنى " من " أيضاً وبمعنى الباء. ¬

_ (¬1) فى الأصل: نُسيت، والمثبت من س. (¬2) جزء حديث أخرجه أبو داود، ك الصلاة، ب فى كنس المسجد 1/ 109، الترمذى، ك فضائل القرآن 5/ 178، وقال فيه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬3) غريب الحديث 3/ 53. (¬4) من المعلم، وقد جاءَت نسخ الإكمال بدونها. (¬5) فى المطبوعة: " من الإبل فى عُقُلِها "، وفيها " من النعم " بدلاً من " الإبل ". (¬6) المطففين: 28. (¬7) الإنسان: 6، فى قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّه}. (¬8) نقلها النووى بغير إحالة مع اختصار فى آخرها 2/ 445.

عَبْدُ اللهِ: تَعَاهَدُوا هَذِهِ المَصَاحِفَ - وَرُبَّمَا قَالَ: القُرْآنَ - فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّىَ ". 230 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى عَبْدَةُ بْنُ أَبِى لُبَابَةَ، عَنْ شَقِيقِ بْن سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بِئْسَمَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ سُورَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، أَوْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّىَ ". 231 - (791) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَعَاهَدُوا هَذَا القُرْآنَ. فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِى عُقُلِهَا " وَلَفْظُ الحَدِيثِ لابْنِ بَرَّادٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " صاحب القرآن ": هذه لفظة تستعمل لكل من ألف شيئاً واختص به، [فإن اختص بشخص قيل: فلان صاحب فلان] (¬1) وأصحاب النبىِّ - عليه السلام - لألفهم إيَّاه، وكذلك إن كان ألِف صنعةً أو عملاً أو علماً، كقولهم: أصحاب الحديث، وأصحاب الرأى، ومنه هذا الذى فى الحديث، وكذلك إن اختص بمكانٍ أو موضع، كقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّة} (¬2) {أَصْحَابَ النَّار} (¬3) وأصحاب الصُفَّة، وكذلك من اختص بملك شىء، كقوله: هو صاحب إبل، وصاحب غنم، وكذلك من اختص بصفة لزمته، كقولهم: فلان صاحب كبر، وصاحب هِمَّةٍ. ¬

_ (¬1) من هامش س. (¬2) و (¬3) سورة الحشر: 20.

(34) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن

(34) باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن 232 - (792) حدَّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا أَذِنَ اللهُ لِشَىْءٍ، مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ ". (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: " كَمَا يَأْذَنُ لِنَبِىٍّ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ ". 233 - (...) حدَّثنى بِشْرُ بْنُ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - وَهُوَ ابْنُ الهَادِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا أَذِنَ اللهُ لِشَىْءٍ، مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ ". (...) وَحَدَّثَنِى ابْنُ أَخِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمىِّ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عمَرُ بْنُ مَالِكٍ وَحَيْوِةَ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ ابْنِ الهَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعَ. 234 - (...) وحدَّثنا الحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِقْلٌ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنْ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى يتغَنَّى (¬1) بالقرآن "، وفى الرواية الأخرى: " كإذنه لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن، يجهر به " وفى غير الأم: " كإذنه لنبىٍّ حسن الترنم بالقرآن ". تقول العرب: أذَنتُ للشىء آذن له أذناً - بفتح الهمزة والذال - استمعت. وذكر مسلم من رواية أخرى: " كإذنه "، فيكون هذا بمعنى الأمر والحضِّ. قال الإمام: أذِن فى اللغة بمعنى استمع (¬2)، فأمَّا الاستماع الذى هو الإصغاء فلا ¬

_ (¬1) فى الأصل: " تغنى "، والمثبت من س. (¬2) فهى من أذِن أذناً. قال قعنب:- إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرَحاً ... مِنِّى وما سمِعوا من صالِحٍ دَفَنوا صُمٌّ إذا سمِعوا خيراً ذُكِرْتُ به ... وإن ذُكِرْتُ بِشَرٍّ عندهم أذِنوا

ابْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَذِنَ اللهُ لِشَىْءٍ كَأَذنِهِ لِنَبِىٍّ، يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ". (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ أَيُّوب قَالَ فِى رِوَايَتِهِ: " كَإِذْنِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز على الله سبحانه فهو مجازُ هَاهنا، فكأنه عبَّر عن تقريبه للقارئ وإجزال ثوابه بالاستماع والقبول، وكذلك سماعُ البارى سبحانه للأشياء لا يختلف (¬1)، وإنما المراد هاهنا أنه يُقَرِّبُ الحسن القراءة أكثَر من تقريب غيره، والتفاضل فى التقريب وزيادة الأجور يختلف، فتعبيره عن ذلك بما يؤدى التفاضل فى الاستماع مجاز. وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يتغنى بالقرآن " فتأوَّله من يجيز قراءة القرآن بالألحان على ذلك المعنى، وقال الهروى: معنى " يتغنى به ": يجهر به، ومثله قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن "، قال سفيان: معناه: من لم يستغن، يقال: تغنَّيتُ وتغانيتُ، بمعنى استغنيت (¬2)، قال غيره: كل من رفع صوته ووالى به فصوته عند العرب غناء، وقال الشافعى: معناه: تحزين القراءة، وترقيقها، ومما يُحقق ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث الآخر: " زينوا القرآن بأصواتكم " (¬3) قال غيره: من ذهب إلى الاستغناء به فهو من الغنى ضد الفقر، وهو مقصور، ومن ذهب به إلى التطريب فهو من الغِناء الذى هو مد الصوت وهو ممدود. قال القاضى: [ما] (¬4) جاء فى الحديث: " يتغنى بالقرآن يجهر به " فحمله بعضهم على التفسير، وهو قول الداودى فى الحديث، وحمله بعضهم على تحسين الصوت وقد قيل فى قوله - عليه السلام -: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " (¬5) أى يجعله مكان الغناء الذى كانت تستعمله العرب فى سيرها وجلوسها، وأكثر أحوالها. ¬

_ (¬1) نقله النووى ولم يسنده لصاحبه 2/ 446. (¬2) ذكره أبو عبيد مفسِّراً به كلام شعبة: نهانى أيوب أن أتحدث بهذا الحرف: " زينوا أصواتكم بالقرآن " قال: وإنما كره أيوب ذلك مخافة أن يتأوَّل على غير وجهه. ثم ذكر ما نقله القاضى عن سفيان على أنه من تأويل أبى عبيد. غريب الحديث 2/ 141. (¬3) البخارى معلقاً فى الفتح 13/ 518، ك التوحيد، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الماهر بالقرآن مع ... ، وأبو داود ك الوتر، ب استحباب الترتيل فى القراءة (1468)، النسائى ك الافتتاح، ب تزيين القرآن بالصوت (1015)، وابن ماجه فى الإقامة، ب فى حسن الصوت بالقرآن (1342)، الدارمى فى فضائل القرآن، ب التغنى بالقرآن 2/ 474، البيهقى فى السنن الكبرى، ك الشهادات، ب تحسين الصوت بالقرآن والذكر 10/ 229، أحمد فى المسند 4/ 283، 296، 304. (¬4) من س. (¬5) البخارى فى صحيحه، ك التوحيد، ب قول الله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}، أبو داود، ك الوتر، ب استحباب الترتيل فى القراءة (1469)، الدارمى، ك فضائل القرآن، ب التغنى بالقرآن 2/ 471، وكذا البيهقى فى السنن الكبرى، ك الشهادات، ب تحسين الصوت بالقرآن والذكر 10/ 230.

235 - (793) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مَالِكٍ - وَهُو ابْنُ مِغْولٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ - أَو الأَشْعَرِىَّ - أُعْطِىَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف من قال: ليستغن به، ما معناه؟ فقيل: عن الناس، وقيل: عن غيره من الأحاديث والكتب، والقولان عن ابن عيينة. وردَّ الطبرى تأويل " يستغنى " وخطَّأَه لغة ومعنى، وقيل: " أذِن " بمعنى رضى. [وقال ابن الأنبارى: ومعنى " حسن الصوت بِالقرآن ": أى الصوت الذى يُحسِّنه القرآن، وقيل: معناه: الصوت الحزين لما جاء: " فاقرؤوه بَحزنٍ " (¬1) وقيل: الذى يُحسِّنه القرآنُ بما يظهر من صاحبه من الخشية، ومنه الحديث: " أحسنُ الناس صوتاً بالقرآن من إذا سمعته يقرأ علمت أنه يخشى الله " (¬2)، وحمله آخرون على ظاهره] (¬3). وذكر مسلم فى الباب: حدثنى حرملة: [أنبأنا] (¬4) ابن وهب، [قال: أخبرنا] (¬5) يونس، [وحدثنى يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنى عمرو، كلاهما عن ابن شهاب، كذا للجلودى وغيره، وهو صواب مسلم يقول: حدثنى يونس بن عبد الأعلى بعد قوله: أخبرنى يونس - يعنى ابن يزيد - فجاء بسند آخر لابن وهب عن عمرو، ثم قال: كلاهما عن ابن شهاب يعنى عمراً، ويونس [يعنى] (¬6) ابن يزيد، وسقط من كتاب ابن الحذاء: أخبرنى يونس، بعد ذكر ابن وهب أولاً وهو وهم، والصواب إثباته؛ بدليل قوله: كلاهما عن ابن شهاب (¬7). وقوله فى أبى موسى الأشعرى: " لقد أوتى مزماراً من مزامير آل داود " مع قوله فى غير الأم: " لو علمت أنك تسمع قراءتى لحبرتها لك تحبيراً " (¬8)، مع الأحاديث التى ¬

_ (¬1) جزء حديث أخرجه ابن ماجه فى الإقامة، ب فى حسن الصوت بالقرآن 1/ 424 عن سعد بن أبى وقاص. وقال محققه: فى الزوائد: فى إسناده أبو رافع اسمه إسماعيل بن رافع ضعيف متروك. (¬2) السابق، وفى إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ضعيف، وكذا عبد الله بن جعفر المدنى. ولفظه هناك: " إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذى إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله ". (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬4) فى المطبوعة: وأخبرنا. (¬5) فى المطبوعة: أخبرنى (¬6) من س، ويونس هو ابن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة بن حفص، أبو موسى المصرى. وعمرو هو ابن الحارث المصرى، مدنىُّ الأصل، كان قارئاً، فقيهاً، مفتياً، قال فيه ابن وهب: اهتدينا فى العلم بأربعة، اثنان بمصر، واثنان بالمدينة، الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث بمصر، ومالك بن أنس، وعبد العزيز بن الماجشون بالمدينة، لولا هؤلاء لكُنَّا ضالين. وعنه: لو بقى لنا عمرو بن الحارث ما احتجنا إلى مالك بن أنس. تهذيب الكمال 21/ 570. (¬7) هذه المقابلة على نفاستها لم يلتفت إليها النووى. (¬8) وكذا فى السنن الكبرى للبيهقى، ك الشهادات، ب تحسين الصوت بالقرآن والذكر 10/ 231.

236 - (...) وحدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِى مُوسَى: " لَوْ رَأَيْتَنِى وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ البَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ جاءت فى مسلم فى ترجيع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القراءة، لا خلاف فى أن حسن الصوت فى القراءة مستحسن، والترتيل فيها وتحسين تلاوة القرآن مشروع مندوب إليه. قال أبو عبيد: مجمل الأحاديث فى ذلك إنما هو طريق التحزين والتشويق، واختلف فى الترجيع والقراءة بالألحان، فكرهه مالك وأكثر العلماء؛ لأنه خارج عما وضع له القرآن من الخشية والخشوع والتفهم، وأجازه بعضهم للأحاديث الواردة فى ذلك، ولأن ذلك لا يزيده إلا رقة فى النفوس، وحسن موقع فى القلوب، وإثارة خشية، وإليه ذهب أبو حنيفة وجماعة من السلف، وقاله الشافعى فى التحزين. ومعنى " مزمار " هنا: أى صوت حسن، والزمير: الغناء " وآل داود " هو [هنا] (¬1) داود نفسه، والآل تقع على النبى نفسه، وقد تقدم. ¬

_ (¬1) من س.

(35) باب ذكر قراءة النبى صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة

(35) باب ذكر قراءة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة الفتح يوم فتح مكة (¬1) 237 - (794) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَوَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزْنِىَّ يَقُولُ: قَرَأَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفَتْحِ، فِى مَسِير لَهُ، سُورَةَ الفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَرَجَّعَ فِى قِرَاءَتِهِ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْلا أَنِّى أَخَافُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلى النَّاسُ، لَحَكَيْتُ لَكُمْ قِرَاءَتَهُ. 238 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ، يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ. قَالَ: فَقَرَأَ ابْنُ مُغَفَّلٍ وَرَجَّعَ. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَوْلا النَّاسُ لأَخَذْتُ لَكُمْ بِذَلِكَ الَّذِى ذَكَرَهُ ابْنُ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 239 - (...) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وفِى حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: عَلَى رَاحِلَةٍ يَسِيرُ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق. وقوله: " فرجَّع فى قراءته ": الترجيع: ترديد القراءة، وقيل: تقارب ضروب الحركات فى الصوت. وقد حكى عبد الله بن مغفّل ترجيعه بمدّ الصوت فى القراء نحو: آء آء آء، وهذا إنما حصل منه - والله أعلم - يوم الفتح؛ لأنه كان راكباً فجعلت الناقة تحركه، فحدث الترجيع فى صوته. انظر: النهاية فى غريب الحديث 2/ 202.

(36) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

(36) باب نزول السكينة لقراءة القرآن 240 - (795) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " وعنده فرس مربوط بشطنين ": أى حبلين، والشطن الحبل الطويل المضطرب. والمِرْبد للتمر مثل الأندر للطعام (¬1). وقوله: " تلك السكينة تنزلت للقرآن " وفى الرواية الأخرى: " تلك الملائكة كانت تستمع لك " قيل فى تفسير السكينة فى قوله تعالى: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} (¬2) هى الرحمة، وقيل: الطمأنينة، وقيل: الوقار (¬3)، وما يسكن به الإنسان، وقيل: كانت ريحاً هفَّافة خجوج (¬4)، لها وجه كوجه الإنسان، وقيل: لها رأسان (¬5)، وقيل: حيوان كالهر، ولها جناحان وذنَبٌ، ولعينيها شعاع، فإذا نظرت للجيش انهزم (¬6) وقيل: هى سكة من ذهب الجنة (¬7)، وقيل: هى ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها، وقال وهب: هى روح من الله تتكلم وتبين إذا اختلف فى الشىء، وهذا بمعنى ما جاء فى الحديث: " أنها الملائكة "، وقد احتج بعضهم باستماعها بهذا الحديث للقرآن أنها روح أو ما فيه روح. ¬

_ (¬1) الأندر هو البيدَرُ، وهو الموضع الذى يداس فيه الطعام. لسان العرب. (¬2) البقرة: 248. (¬3) ذكره عبد الرزاق عن معمر عن قتادة. (¬4) الريح الخجوج: الشديدة المرور من غير استواء. (¬5) راجع فى هذا: تفسير الطبرى 5/ 328، تفسير ابن كثير 1/ 445. (¬6) ومما هو أعجب من هذا ما ذكره ابن إسحاق عن وهب بن منبه: السكينة رأس هِرَّة ميتةِ، إذا صرخت فى التابوت بصراخ هِرٍّ أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح. السابق. (¬7) فى ابن كثير. طست من ذهب كانت تُغْسَلُ فيه قلوب الأنبياء، أعطاها الله موسى - عليه السلام - فوضع فيها الألواح. قال: ورواه السدى عن أبى مالك عن ابن عباس. قال صاحب الظلال: وكان أعداؤهم الذين شردوهم من الأرض المقدسة والتى غلبوا عليها على يد نبيهم يوشع بعد فترة التيه ووفاة موسى - عليه السلام - قد سلبوا منهم مقدساتهم ممثلة فى التابوت الذى يحفظون فيه مخلفات أنبيائهم من آل موسى وآل هارون، وقيل: كانت فيه نسخة الألواح التى أعطاها الله لموسى على الطور ... فجعل لهم بينهم علاقة من الله أن تقع خارقةٌ يشهدونها، فيأتيهم التابوت بما فيه. {تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ} [البقرة: 248] فتفيض على قلوبهم السكينة وقال لهم: إن هذه الآية تكفى دلالةً على صدق اختيار الله لطالوت، إن كنتم حقاً مؤمنين. قال: ويبدو من السياق أن هذه الخارقة قد وقعت، فانتهى القوم منها إلى اليقين 10/ 268. =

241 - (...) وحدَّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاء يَقُولُ: قَرَأَ رَجُلٌ الكَهْفَ، وَفِى الدَّارِ دَابَّةٌ، فَجَعَلَتْ تَنْفرُ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَة قَدْ غَشِيَتْهُ. قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " اقْرَأ، فُلانُ. فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ، تَنَزَّلَتْ عِنْدَ القُرْآنِ - أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ ". (...) وحدَّثنا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ وَأَبُو دَاوُد، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ يَقُولُ، فَذَكَرَا نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالا: تَنْقُزُ. 242 - (796) وحدَّثنى حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظ - قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الهَادِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْن خَبَّابٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِى مِرْبَدِهِ إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ. ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. قَالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى. فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَة فَوْقَ رَأْسِى، فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِى الجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا. قَالَ: فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَيْنَمَا أَنَا البَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ فِى مِرْبَدِى، إِذْ جَالَتْ فَرَسِى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَأ، ابْنَ حُضَيْرٍ ". قَالَ: فَقَرَأتُ. ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَأَ، ابْنَ حُضَيْرٍ ". قَالَ: فَقَرَأتُ. ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَأَ، ابْنَ حُضَيْرٍ ". قَالَ: فَانْصَرَفْتُ، وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، خَشَيْتُ أَنْ تَطَأَهُ، فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ، فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِى الجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تِلْكَ المَلائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ، مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى الحديث: " تلك الملائكة " وفى الآخر: " تلك السكينة " فإذا كانت السكينة روحاً - كما تقدم - جاء مثل قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} (¬1) على الاختلاف فى الروح ما هو؟ وإلى غير ذلك من التفسير، فقد يكون مع السكينة الملائكة، وتكون هذه ¬

_ = قلت: فالسكينة المذكورة فى الآية {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 248] لا تلتقى مع السكينة المذكورة فى الحديث إلا فى معانى الوقار والرحمة والطمأنينة وما يطمئن به الإنسان. ولا وجه لبقية ما نقله القاضى هنا. (¬1) القدر: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الظلة أمراً من [أمر] (¬1) الله وعجائب ملكوته، تنزل معه الرحمة فى قلب القارئ أو الطمأنينة والوقار، كما كان ذلك فى الغمامتين والظلتين لقارئ البقرة (¬2). وقوله: " وجعل فرسه ينفر، ووقع فى حديث ابن مهدى وأبى داود " ينقز " بالقاف والزاى (¬3) وكذا عند أبى بحر، ومعناه: يثب (¬4)، وعند غيره هنا: تنفر، بالتاء باثنين من فوقها والفاء، ولا معنى له، والصواب: ينفر من النفور، ولا يبعد تنقر بمعنى الوثوب؛ لقوله فى الرواية الأخرى: " فجالت " (¬5)، يقال نقر الظبى وقفز بمعنى. وفى الحديث: جواز رؤية بنى آدم الملائكة لقوله: " لأصبحت ينظر إليها الناس ما تستتر منهم " (¬6). ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) هذه الزيادة لهذا الحديث أخرجها البخارى فيه معلقاً، ك فضائل القرآن، ب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن 6/ 234، وقد وصله أبو عبيد قاسم بن سلام فى كتاب فضائل القرآن عن عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير عن الليث به، كما ذكر الحافظ ابن كثير فى تفسيره 1/ 53 ونقله الحافظ فى الفتح بغير عزو. راجع: فتح البارى 8/ 681. (¬3) وكذا ذكر الكرمانى بغير تحديد 18/ 98. (¬4) وهم الحافظ ابن حجر، حيث نقل تخطئة القاضى فيما سيذكره بعد (تنقر) فقال: وفى رواية لمسلم: " ينقز " بقاف وزاى، وخطَّأه عياض، ثم قال: فإن كان من حيث الرواية فذاك، وإلا فمعناها هنا واضح. الفتح 8/ 675. قلت: التخطئة إنما هى فى " تنقُرُ " لا فى " تنقز ". وبمثل ما وقع فيه ابن حجر وقع العينى. انظر العمدة 20/ 31. وقد ذكره النووى أنها (بالفاء والزاى) مع الياء ثم قال: وحكاه القاضى عياض عن بعضهم وغلطه. نووى 2/ 449. وقد أخرجها أبو داود الطيالسى بلفظ: " تركض " ص 97. (¬5) الذى فى المطبوعة: إذ جالت، ثم جالت. (¬6) الذى فى المطبوعة: لأصبحت يراها الناسُ.

(37) باب فضيلة حافظ القرآن

(37) باب فضيلة حافظ القرآن 243 - (797) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ المُؤْمِنُ الَّذِى يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأَتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ المُؤْمنِ الَّذِى لا يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَة، لا رِيحَ لَهَا وطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِى يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِى لا يَقْرَأَ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وطَعْمُهَا مُرُّ ". (...) وحدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ هَمَّامٍ: بَدَلَ " المُنَافِقِ ": " الفَاجِرِ " (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق. قال الأبى: ووجه التشبيه فى التمثيل المذكور مجموع الأمرين، طيب المطعم وطيب الرائحة لا أحدهما على التفريق، كما فى بيت امرئ القيس: كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العنابُ والحشف البالى قال: ولما كان طيب المطعم وطيب الرائحة فى النفس المؤمنة عقليين، وكانت الأمور العقلية لا تبرز عن موصوفها إلا بتصويرها بصورة المحسوس المشاهد شبهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأترجة الموجود فيها ذلك حساً تقريباً للفهم والإدراك، فطيب المطعم فى النفس المؤمنة الإيمان؛ لأنه ثابت فى النفس، هى به طيبة الباطن كثبوته فى الأترجَّه، وطيب الرائحة فيه يرجع إلى قراءته القرآن؛ لأن القراءة قد يتعدى نفعها إلى الغير فينتفع بها المستمع كما أن طيب رائحة الأترجة تتعدى وينتفع بها المستروح - أى الشامِّ. وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثل المؤمن الذى لا يقرأ القرآن " قال الطيبى: وليس المراد بهذا النفى الانتفاء بالكلية، بل المراد ألا تكون القراءة دأبه وعادته، ثم قال الأبى: والأظهر خلاف ما ذكر وأن المراد إنما هو عدم حفظه البتة؛ لأن الحديث إنما خرج مخرج الحض على حفظه. ومعنى: " لاريح لها ": أى لا ريح مشتهى، وإلا فللتمرة ريح. إكمال 2/ 414. وقال ابن بطال: معنى هذا الباب: أن قراءة الفاجر والمنافق لا ترتفع إلى الله ولا تزكو عنده، وإنما يزكو عنده ما أريد به وجهه، وكان على نية التقرب إليه، وشبهه بالريحانة حين لم ينتفع ببركة القرآن ولم يفز بحلاوة أجره، فلم يجاوز الطيب موضع الصوت وهو الحلق ولا اتصل بالقلب، وهؤلاء هم لذين يمرقون من الدين. راجع فتح البارى 13/ 545. وفى تشبيهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنافق بالريحانة والحنظلة وهما مما تنبته الأرض فللتوقيف على طبيعة شأن المنافق وإحباط عمله، وقلة جدواه. حكاه السنوسى 2/ 414.

(38) باب فضل الماهر بالقرآن والذى يتتعتع فيه

(38) باب فضل الماهر بالقرآن والذى يتتعتع فيه 244 - (798) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِىُّ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المَاهِرُ بِالقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِى يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌ، لَهُ أَجْرَانِ ". (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ الدَّسْتَوَائىِّ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى حَدِيثِ وَكِيعٍ: " وَالَّذِى يَقْرَأُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ، لَهُ أَجْرَانِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ": يريد الملائكة، قال ابن الأنبارى سُمّوا بذلك لأنهم ينزلون بوحى الله وما يقع به الصلاح بين الناس، فشبهوا بالسفير الذى يصلح بين الرجلين، وقال ابن عرفة: سُمّوا بذلك لأنهم يسفرون بين الله وأنبيائه وقيل: سفرة: كتبة، وسمى الكاتب سافراً لأنه يبين الشىء ويوضحه، والأسفار: الكتب، والماهر: الحاذق بالقراءة [قال الهروى] (¬1) وأصله الحذق بالسباحة، وقال المهلب: المهارة جودة القراءة (¬2) بجودة الحفظ، ولا يتردد فيه، يسره الله عليه كما يسره على الملائكة فهو معها فى مثل حالها من الحفظ وفى درجة واحدة إن شاء الله. قال القاضى: يحتمل - والله أعلم - أَنَّ له فى الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة، لاتصافه بوصفهم بحمل كتاب الله، ويحتمل أن يكون المراد: أنه عامل بعملِ السفرة وسالك مسلكهم كما يقال: فلان مع بنى فلان، إذا كان يرى رأيهم ويذهب مذهبهم كما قال لوط: {وَنجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} (¬3)، وقد جاء فى بعض الأخبار أن من تعلَّمه من صغره وعمل به خلطه الله بلحمه ودمه وكتبه عنده من السفرة الكرام البررة. وقوله: " والذى [يتتعتع] (¬4) فيه وهو عليه شاق له أجران " [معنى " يتتعتع ": ¬

_ (¬1) ضرب عليها فى س، ولم نجدها فى الغريب له. (¬2) فى س التلاوة. (¬3) الشعراء: 118. (¬4) الذى فى المطبوعة: " والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أى يتردد فى تلاوته عيًّا، والتعتعة فى الكلام: العىّ والتردد، وأصله الحركة] (¬1). قال الإمام: يحتمل أن يريد بالأجرين الأجر الذى يحصل له فى قراءة حروف القرآن وأجر المشقة التى تناله فى القراءة. قال القاضى: ليس فيه دليل [على] (¬2) أنه أعظم أجراً من الماهر، ولا يصح هذا إذا كان عالماً به، لأن من هو مع السفرة فمنزلته عظيمة وله أجور كثيرة، ولم تحصل هذه المنزلة لغيره ممن لم يمهر مهارته، ولا يسوى أجر من علم بأجر من لم يعلم، فكيف يفضله؟ وقد يحتج بهذا من يقول بفضل الملائكة على بنى آدم. ¬

_ (¬1) كلام القاضى. (¬2) ساقطة من س.

(39) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه

(39) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه 245 - (799) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَىٍّ: " إِنَّ اللهَ أَمَرَنِى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ "، قَالَ: آللهُ سَمَّانِى لَكَ؟ قَالَ: " اللهُ سَمَّاكَ لِىَ " قَالَ: فَجَعَلَ أُبِىٌّ يَبْكِى. 246 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ: " إِنَّ اللهَ أَمَرَنِى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬1) قَالَ: وَسَمَّانِى لَكَ؟ قَالَ: " نَعمْ " قَالَ: فَبَكَى. (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبِىٍّ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله لأبىّ بن [كعب] (¬2): " إن الله أمرنى أن أقرأ عليك " (¬3)، قال الإمام: إنما قرأ عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأخذ أبىٌّ عنه، فإن كان أبىٌّ لم يكن حافظاً لما قرأ عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعلم ذلك منه، وإن كان حافظاً له تعلم طريق القراءة وترتيلها؛ لأن القارئ يصح منه أن يقرأ بالتطريب وبغير ذلك فتوخذ أيضاً عن الرسول رتبة القراءة؛ يعلم القارئ على أى صفة يقرأ القرآن. قال القاضى: الأظهر أنه قرأ عليه ما حصله للوجه الذى ذكر، وأما ما لم يحفظه ليحفظه فلم يختصَّ أبىٌّ بذلك دون غيره، هذا كان واجباً عليه - عليه السلام - ليبلغ للمسلين ما نُزِّل، إليهم ويتلو عليهم الذى أوحى إليه. قيل: وقد تكون قراءته عليه ليُعَلِّمه كيف العرض وهيئته على من يقرأ عليه، ويجعل ذلك سنةً فيه، وقيل: بل ليسمع القرآن من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون واسطة، فلا يختلجه شكٌّ فيما اختلف فيه. وقول أبىٍّ: " [آلله] (¬4) سمَّانى وبكى " وبكاؤه لذلك بكاء فرح وسرور حين كان ممن يسميه الله ويذكره، ويؤهله لهذه الخاصية والدرجة العلية. ¬

_ (¬1) سورة البينة: 1. (¬2) من ع. (¬3) فى ع جاءت العبارة هكذا: أمرنى ربى أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}. (¬4) ليست فى س.

(40) باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر

(40) باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر 247 - (800) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ حَفْصٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَأَ عَلَىَّ القُرْآنَ ". قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَقْرُأَ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: " إِنِّى أَشْتَهِى أَنْ أَسْمَعَهُ منْ غَيْرِى ". فَقَرَأتُ النِّسَاءَ، حَتَّى إِذَا بَلَغتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} (¬1) رَفَعْتُ رَأسِى، أَوْ غَمَزَنِى رَجُلٌ إِلَى جَنْبِى فَرَفَعْتُ رَأسِى، فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ. (...) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ وَمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، جَمِيعًا عَنْ عَلىِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ هَنَّادٌ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمْرُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن مسعود بالقراءة عليه للعلة التى ذكر: " أحب أن أسمعه من غيرى " وليُعَلِّمه أيضاً طريقة التلاوة والتجويد، وصورة العرض، وقيل: ليتفهم ما سمعه من غيره ويتفرغ لذلك عن الشغل بتلاوته. وقوله: حتى بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}، وذكر بكاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بكاؤه - عليه السلام - من عظيم ما تضمنته هذه الآية وما قبلها وما بعدها من قوله: {إِنَّ اللَّهُ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّة} (¬2). وما بعدها {يَوْمَئَذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُول} الآية (¬3)، وجاء فى الصحيح فى غير كتاب مسلم: أنه قال له لما بلغها: " حسبك " (¬4) احتج به أهل التجويد والقراءة على جواز الوقف على الكافى من الآى والمقاطع والفصول؛ لأن الكلام هناك غير مستقلٍّ بنفسه وتمامه فى الآية التى بعدها، وقد قيل فى قوله: " حسبك " تنبيه (¬5) على ما فى الآية. ¬

_ (¬1) النساء: 41. (¬2) النساء: 40. (¬3) النساء: 42. (¬4) البخارى، ك فضائل القرآن، ب قول المقرئ للقارئ: حسبك (5050). (¬5) فى س: تنبيهاً.

عَلَى الْمِنْبَرِ: " اقْرَأْ عَلَىَّ ". 248 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِى مِسْعَرٌ. وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: عَنْ مِسْعرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: " اقْرَأ عَلَىَّ " قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: " إِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِى ". قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} (¬1) فَبَكَى. قَالَ مِسْعَرٌ: فَحَدَّثَنِى مَعْنٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مَا دُمْتُ فِيهِمْ، أَوْ مَا كُنْتُ فِيهِمْ " - شَكَّ مِسْعَرٌ. 249 - (801) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ بِحِمْصَ، فَقَالَ لِىَ بَعْضُ القَوْمِ: اقْرَأْ عَلَيْنَا. فَقَرَأتُ عَلَيْهِمْ سُورَةَ يُوسُفَ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَاللهِ، مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ. قَالَ: قُلْتُ: وَيْحَكَ. وَاللهِ، لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِى: " أَحْسَنْتَ ". فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إِذْ وَجَدْتُ مِنْهُ رِيحَ الخَمْرِ. قَالَ: فَقُلْتُ: أَتَشْرَبُ الخَمْرَ وَتُكَذِّبُ بِالكِتَابِ؟ لا تَبْرَحُ حَتَّى أَجْلِدَكَ. قَالَ: فَجَلَدْتُهُ الحَدَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر أن ابن مسعود حد الذى وجد منه رائحة الخمر (¬2). قال الإمام: فيه حجة على أبى حنيفة الذى لا يوجب الحدَّ بالرائحة. قال القاضى: وهو قول الثورى، وكافة العلماء على الحدّ بها، وحد عبد الله بن مسعود له، وقد ذكر أنه بحمص، فلعله فعل ذلك لأنه كان قاضياً بالكوفة زمن عمر وصدر من ولاية عثمان، فلعله رأى إمضاء حكمه حيث حلّ أو كان مقدماً فى بعض تلك المغازى، أو حدَّه بأمر من له الأمر هناك. وقوله: " تكذب بالكتاب ": لو كذَّب [به] (¬3) حقيقة قتله؛ لأن من كذَّب بحرف ¬

_ (¬1) النساء: 41. (¬2) العبارة فى ع أوسع من ذلك. (¬3) ساقطة من س.

(...) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ: فَقَالَ لِى: " أَحْسَنْتَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من القرآن فهو كافر يقتل، وإنما قال هذا: " ما هكذا أنزلت " جهالة منه، وقلة حفظ، وكابر فى ذلك عبد الله، وكان مكذباً له لا للكتاب حقيقة.

(41) باب فضل قراءة القرآن فى الصلاة وتعلمه

(41) باب فضل قراءة القرآن فى الصلاة وتعلمه 250 - (802) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟ ". قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: " فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِى صَلاِتهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ ". 251 - (803) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ مُوسَى ابْنِ عَلِىٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِى الصُّفَّةِ، فَقَالَ: " أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ - أَوْ إِلَى العَقِيق - فَيَأْتِىَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ، فِى غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: " أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ. وَثَلاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم فى صلاته خير من ثلاث خَلِفاتٍ عظامٍ سمان ": الخِلفات: النوق الحوامل إلى أن يمضى لها نصف أمدها، ثم هى عشراء، وقع فى الحديث [الآخر] (¬1): " يقرأ آيتين خير له من ناقتين وثلاثٌ، وأربع خير له من أربع (¬2)، ومن أعدادهن من الإبل " كذا لهم وعند الطبرى: " وثلاث وأربع " بالخفض " ومن أعدادهن " وسقط عنده " خير له من أربع " والصواب الأول. ورفع ثلاث [وأربع رفعٌ] (¬3) على الابتداء، يعنى [أى ثلاث آيات وأربع خير له من أربع من النوق، ويدل عليه قوله: " ثلاث آيات وأربع خير له من أربع [ومن أعدادهن] (¬4) "، وعلى رواية الطبرى، عطف ثلاث وأربع على اثنتين لا مراعة للأعداد. وفى الحديث الآخر: " ناقتين كوماوين ": الكوماء من الإبل العظيمة السنام، كأنهم - والله أعلم - شبهوا سنامها لعظمه بالكوم وهو الموضع المشرف (¬5)، وهو بمعنى عظام سمان فى الحديث المتقدم. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) وفى المطبوعة: " وثلاث خير له من ثلاث، وأربعٌ خيرٌ له من أربع ". (¬3) و (¬4) من س. (¬5) فى س: المشرب.

(42) باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة

(42) باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة 252 - (804) حدَّثنى الحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ - وَهُوَ الرَّبِيعُ ابْنُ نَافِعٍ - حَدَّثَنَا مُعَاوِيةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلَامٍ - عَنْ زَيْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اقْرَؤُوا القُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ؛ البَقَرَةَ وَسُورَةَ آلَ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيانِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانَ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ ". قَالَ مُعَاوِيَةُ: بَلَغَنِى أَنَّ البَطَلَةَ السَّحَرَةُ. (...) وحدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ حَسَّانَ - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَكَأنَّهُمَا " فِى كِلَيْهِمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُعَاوِيَةَ: بَلَغَنِى. 253 - (805) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبّهِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ ابْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُرْشِىِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اقرؤوا الزهراوين؛ البقرة وآل عمران ": حجةٌ لمن أجاز أن يقال: سورة البقرة وآل عمران، واختار بعضهم أن يقال: السورة التى تذكر فيها كذا ومعنى " الزهراوين ": المنيرتان إما لهدايتهما قارئهما، أو لما يسبب له أجرهما من النور يوم القيامة. وقوله [فى البقرة وآل عمران] (¬1): " فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو [كأنهما] (¬2) غيايتان [أو كأنهما حِزْقَان من طير صَوَّاف] (¬3) " الحديث، قال الإمام: قال بعض أهل العلم: يكون هذا الذى يؤتى به يوم القيامة جزاءً عن قراءتهما، فأجرى اسمهما على ما كان من سببهما كعادة العرب فى الاستعارة قال أبو عبيد: الغياية: كل شىء يظل الإنسان فوق رأسه من السحابة والغبرة ويقال: تغايا (¬4) القوم فوق رأس فلان ¬

_ (¬1): (¬3) من ع. (¬4) فى ع: غايا.

نُفَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الكِلابِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُؤْتَى بِالقُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وآلُ عِمْرَانَ "، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَمْثَالٍ. مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ. قَالَ: " كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ، بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسيف، كأنهم أظلوه به، قال غيره: والفِرْقان القطيعان. قال القاضى: اختلفت رواية شيوخنا فى هذا [الحرف] (¬1) فى الأم فى حديث إسحاق ابن منصور، فعند جمهورهم: " فِرْقان " وعند الأسدى عن السمرقندى: " حِزقان "، وهما بمعنى واحد، الحزق والحزيقة الجماعة. وقوله: " أو ظُلَّتان بينهما شرْق ": قيل: معناه: ضياء ونور، [رويناه] (¬2) بسكون الراء وفتحها، قيل: معناه: قد يكون يخلق الله خلقاً من قراءته يوم القيامة على صفة الغمامة، أو جماعة الطير يحاج عن القارئ كما جاء فى حديث آخر: " من قال عند مضجعه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُو} (¬3) الآية خلق الله سبعين ألف خلق يستغفرون له إلى يوم القيامة " (¬4). ¬

_ (¬1) من س. (¬2) من س. (¬3) آل عمران: 18. (¬4) جاء فى الكنز أنه لابن أبى الشيخ عن ابن مسعود 1/ 570.

(43) باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة

(43) باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة 254 - (806) حدَّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأسَه، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلا اليَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلا اليَوْمَ، فَسَلَّمَ وَقَال: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أَوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِىٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الكِتَابِ وَخَوَاتِيَمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلا أُعْطِيتَهُ. 255 - (807) وحدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ؛ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ عِنْدَ البَيْتِ، فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِى عَنْكَ فِى الآيَتَيْنِ فِى سُورَةِ البَقَرَةِ. فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِى لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فيسْمع نقيضاً " (¬1) هو مثل صوت الباب وشبهه، وفى الحديث: " هذا باب من السماء فتح ". قال الإمام: وقوله: " من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه "، محتمل أن يريد كفتاه من قيام الليل [أو من أن يكون ممن توسد القرآن] (¬2) أو من أذى الشياطين [كما جاء فيمن " قرأ آية الكرسى نزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح " (¬3)، أو بما حصل له بقراءتهما من الأجر، لأنهما مشتملتان على أبواب الإيمان ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " سمع نقيضاً ". (¬2) غير مذكورة فى المعلم. (¬3) الحديث أخرجه البخارى، ك فضائل القرآن، ب فضل البقرة عن أبى هريرة ولفظه: وكَّلنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفظ زكاة رمضان، فآتانى آتٍ فجَعلَ يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنَّك الى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقص الحديث، فقال - أى الشيطان -: إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى لن يزال معك من الله حافظاً ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقَك وهو كذوب، ذاك شيطان " 6/ 232. كما أخرجه فى ك الوكالة، ب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً 3/ 133، ك بدء الخلق ب صفة إبليس 4/ 149.

(...) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 256 - (808) وحدَّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَرَأَ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِى لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُطُوفُ بالبَيْتِ، فَسَأَلْتُهُ، فَحَدَّثَنِى بِهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستسلام والعبودية لله، والدعاء بخير الدنيا والآخرة] (¬1). قال: [وذكر مسلم فى أسانيد هذا الحديث] (¬2) حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وعبد الرحمن بن يزيد عن أبى مسعود الأنصارى [عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرأ الآيتين " الحديث] (¬3)، سقط من نسخة أبى العلاء ذكر إبراهيم بين الأعمش وعلقمة، والصواب إثباته وبه يتصل الإسناد، وكذلك خرجه البخارى والنسائى (¬4). ¬

_ (¬1) كلام القاضى. (¬2) فى المعلم: خرَّج مسلم فى باب فضائل القرآن. (¬3) من ع. (¬4) البخارى ك فضائل القرآن، ب من لم ير بأساً أن يقول: سورة البقرة وسورة كذا وكذا (5040)، النسائى فى الكبرى، ك عمل اليوم والليلة، ب من قرأ آيتين 6/ 181.

(44) باب فضل سورة الكهف وآية الكرسى

(44) باب فضل سورة الكهف وآية الكرسىِّ 257 - (809) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الجَعْدِ الغَطَفَانِىِّ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ اليَعْمَرِىِّ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاء؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ ". (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ شُعْبَةُ: مِنْ آخِرِ الكَهْفِ. وَقَالَ هَمَّامٌ: مِنْ أَوَّلِ الكَهْفِ، كَمَا قَالَ هِشَامٌ. 258 - (810) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا المُنْذِرِ، أَتْدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ " قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ": قل: لما فى قصة أصحاب الكهف من العجب والآيات، فمن علمهما لا يستغرب أمر الدَّجال، ولا فتن به، أو يكون هذا من خصائص الله لمن حفظ ذلك، فقد روى: " من حفظ سورة الكهف ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه " (¬1) وعلى هذا تنزل الرواية الأخرى " من آخر سورة الكهف "، وقيل: لما فى قوله: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء} (¬2) وما بعدها. فيه من التنبيه على أمر الدجال والتنبيه على المفتونين والأخسرين أعمالاً، وفى آخر الآيات من ذكر التوحيد وأن لا يشرك بالله أحداً. وقوله - عليه السلام - لأبىّ: " أتدرى أى آية من كتاب الله أعظم " (¬3)، وذكر آية الكرسىّ، فيه حجة للقول بتفضيل بعض القرآن على بعض وتفضيل القرآن على سائر كتب ¬

_ (¬1) أبو داود فى السنن، ك الملاحم، ب خروج الدجال (4321، 4323)، النسائى فى الكبرى، ك فضائل القرآن، ب الكهف (8025/ 2)، أحمد فى المسند 6/ 449، 450، جميعًا بلفظ: " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ". (¬2) الكهف: 102. (¬3) فى المطبوعة: " من كتاب الله معك ".

قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " يَا أَبَا المُنْذِرِ، أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: {اللَّهُ لا إلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (¬1) قال: فَضَرَبَ فِى صَدْرِى وَقَالَ: " وَاللهِ، لِيَهْنِكَ العِلْمُ أَبَا المُنْذِرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عند من أجازه، منهم إسحاق بن راهويه، وغيره من العلماء والمتكلمين، وذلك راجع إلى عظم أجر قارئ ذلك وجزيل ثوابه على بعضه أكثر من سائره، وهذا مما اختلف أهل العلم فيه، فأبى ذلك الأشعرى والباقلانى وجماعة من الفقهاء وأهل العلم؛ لأن مقتضى الأفضل نقص المفضول عنه، وكلام الله لا يتبعّض (¬2)، قالوا: وما ورد من ذلك بقوله: " أفضل وأعظم " لبعض الآى والسور فمعناه: عظيم وفاضل، وقيل: كانت آية الكرسى أعظم لأنها جمعت أصول الأسماء والصفات من الألوهية والحياة والوحدانية والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة قالوا: هى أصول الأسماء والصفات. وقوله لأبىّ حين أخبره بذلك، وأنها آية الكرسى: " ليهنك العلم أبا المنذر " وضربه صدره، فيه تنشيط [المعلم] (¬3) لمن يعلمه إذا رآه أصاب، وتنويهه (¬4) به، وسروره بما أدركه من ذلك، وفى الخبر إلقاء المعلم على أصحابه المسائل لاختبار معرفتهم، أو ليعلمهم ما لعلهم لم ينتبهوا للسؤال عنه، ويحتمل جواب أبىّ مما قد سمعه [قبل] (¬5) منه - عليه السلام. ¬

_ (¬1) البقرة: 255. (¬2) فى س: لا يتنقص، والمثبت من الأصل، ونقلها النووى هكذا: وليس فى كلام الله نقص به 2/ 460. (¬3) من س. (¬4) فى الأصل: وتنويهاً، والمثبت من س. (¬5) من هامش س.

(45) باب فضل قراءة {قل هو الله أحد}

(45) باب فضل قراءة {قل هو الله أحد} 259 - (811) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ زهُيْرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمٍ بْنِ أَبِى الجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِى لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ ". قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ قَالَ: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} (¬1) تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ ". 260 - (...) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيد بْنُ أَبِى عَرُوَبةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ العَطَّارُ، جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمَا مِنْ قَوْلِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ جَزَّأَ القُرْآنَ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ القُرْآنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}: " تعدل ثلث القرآن "، وقال: " سأقرأ عليكم ثلث القرآن "، فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} وهذه الرواية تقدح فى تأويل من جعل ذلك لشخص بعينه. قال القاضى: قال بعضهم: قال الله تعالى: {آلر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} ثم بين التفصيل فقال: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه} فهذا فصل الألوهية، ثم قال: {إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِير} وهذا فصْل النبوة ثم قال: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْه} (¬2) فهذا فصْل التكليف، وما رواه من أمر الوعد والوعيد، وعليها أجزأ القرآن بما فيه من القصص من فصْل النبوة لأنها من أدلتها، وفهمها أيضاً ما يدل على أن الله فسَّرها، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} جمعت الفصْل الأول. قال القاضى: وقيل: إن هذا إنما قاله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى ردَّدها. وفى الحديث الآخر: " أن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} جزءاً من أجزاء القرآن " (¬3)، قال الإمام: قيل: إن معنى ذلك أن القرآن على ثلاثة أنحاء، قصص، وأحكام، وأوصاف لله جلت قدرته، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} تشتمل على ذكر ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص: 1. (¬2) هود: 1 - 3. (¬3) فى ع: أجزاء، وفى س: جزء.

261 - (812) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيم، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى، قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْشِدُوا، فَإِنَّى سَأَقْرَأَ عَلَيْكُمْ ثُلُثُ القُرْآنِ "، فَحَشَدَ مَن حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} ثُمَّ دَخَلَ. فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنَّى أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَذَاكَ الَّذِى أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنِّى قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأَ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القُرْآنِ، أَلا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ ". 262 - (...) وحدَّثنا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ بَشِيرٍ أَبِى إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِى حَازمٍ، عَن أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القُرْآنِ " فَقَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد. اللَّهُ الصَّمَدُ} حَتَّى خَتَمَهَا. 263 - (813) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّى عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلالٍ؛ أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَكَانَتْ فِى حَجْرِ عَائِشَةَ - زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ الصفات، وكانت ثلثا من هذه الجهة، وربما أسعد هذا التأويل ظاهر الحديث الذى ذكر فيه: " أن الله تعالى جزَّأ القرآن "، وقيل: معنى ثلث القرآن لشخص بعينه قصده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: معناه: أن الله يتفضل بتضعيف الثواب لقارئها، ويكون منتهى التضعيف إلى مقدار ثلث ما يستحق من الأجر على قراءة القرآن من دون (¬1) تضعيف أجر، وفى بعض روايات هذا الحديث: " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حشد الناس " فحصل له من ترديدها وتكرارها قدر تلاوته ثلث القرآن. وقوله: " احْشِدُوا " وقوله: " فَحَشَدَ من حَشَدَ ": أى اجتمعوا، واجتمع من اجتمع وتأهب من تأهب. قال الهروى: يقال حشد القوم لفلان جمعوا له وتأهبوا، قال ابن دريد: حشد القوم يحشُد ويحشدِ إذا جمعهم (¬2) والحشد: القوم المجتمعون. وقوله للذى قال فى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}: إنى أحبها: " أن الله يحبه " (¬3)، قال ¬

_ (¬1) فى ع، س: غير. (¬2) قيدت عند الأبى: ابن دريد حشدتُ القوم جمعتهم. والحشد القوم المجتمعون. (¬3) فى المطبوعة كما فى البخارى فى التوحيد والنسائى بغير لفظ " إنى أحبها "، البخارى ب ما جاء فى دعاء النبى أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى 9/ 140، النسائى ك الصلاة، ب الفضل فى قراءة قل هو الله أحد 2/ 132.

صَلاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}، فَلَمَّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " سَلُوهُ: لأَىِّ شَىْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ ". فَسَأَلُوهُ. فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام: البارى تعالى لا يوصف بالمحبة (¬1) المعهودة فينا؛ لأنه يتقدس عن أن يميل أو يمال إليه، وليس بذى جنس أو طبع فيوصف بالشوق الذى تقتضيه الجنسية والطبيعة البشرية، وإنما معنى محبته سبحانه للخلق (¬2): إرادته ثوابهم وتنعيمهم، على رأى بعض أهل العلم، وعلى رأى بعضهم: أن المحبة راجعة إلى نفس الإثابة والتنعيم لا للإرادة. ومعنى محبة المخلوقين له: إرادتهم أن ينعمهم ويحسن إليهم. قال القاضى: أما محبة المخلوقين لله فلا يبعد فيها الميل؛ لأن الميل يصح منهم له تعالى عنه، وقد قيل: محبتهم له استقامتهم على طاعته، وقد قيل: بل هذا من الخلق ثمرة المحبة، وأن حقيقتها الميل إلى ما يوافق الإنسان، إما لاستلذاذه بإدراكه بحواسه الظاهرة، كمحبة الأشياء الجميلة والمُسْتَلَذَّة والمستحسنة، أو بحاسة عقله، كمحبته الفضلاءِ وأهل المعروف والعلم وذوى السير الحسنة، أو لمن يناله إحسان وإفضال من قِبله، والله تعالى فى جلاله وعظيم سلطانه وبهاء نوره وجلال ملكه وجسيم إحسانه وإنعامه حقيق ألا يحب سواه، وأن تحار العقول والأبصار فى جمال ملكوته وجدوته تعالى عن الأنداد والأشباه. ¬

_ (¬1) عند القاضى: بالصفة، والمثبت من المعلم. (¬2) فى المعلم: للمخلوق.

(46) باب فضل قراءة المعوذتين

(46) باب فضل قراءة المعوذتين 264 - (814) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ؟ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (¬1) وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} (¬2) ". 265 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدَّثنا أَبِى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَىَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: المُعَوِّذَتَيْنِ ". (...) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفى روَايَة أَبِى أُسَامَةَ: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهْنِىِّ، وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " آياتٌ أُنْزِلتْ علىَّ الليلة لم ير مِثْلُهُنَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} ": دليل واضح على أنهما من القرآن، ورد على من تأوَّل على ابن مسعود غير ذلك (¬3)، وردٌّ على من زعم أن لفظة {قُل} ليس من السورتين (¬4)، وإنما أمر - عليه ¬

_ (¬1) سورة الفلق: 1. (¬2) سورة الناس: 1. (¬3) يعنى بذلك ما أخرجه البخارى واللفظ له - وأحمد عن زرِّ بن حبيش قال: سألتُ أبىَّ بن كعبٍ قُلْتُ: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعودٍ يقولُ كذا وكذا، فقال أبى: سألتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قيل لى فقُلت. قال: فنحنُ نقول كما قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ك فضائل القرآن 9/ 62، أحمد فى المسند 5/ 129. (¬4) وقد أخرج النسائى عن عقبة بن عامر قال: أهديت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلةٌ شهباءُ فرَكبها وأخذ عُقْبَةُ يقودُها به، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعقبةَ: " اقرأ " قال: وما أقرأ يا رسول الله؟ قال: " اقرأ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِن شَرِّ مَا خَلَق} " فأعادها علىَّ حتى قرأتُها، فعَرَفَ أنِّى لم أفرَح بها جداً، فال: " لعلَّك تهاوَنتَ بها، فما قُمتَ تُصلِّى بمثلها " 4/ 438.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام - أن يقول فقال، وهو شىء روى فى حديث تأوَّله بعض الملحدة (¬1) على هذا، وكتبها فى المصحف، والإجماع عليه أنها من القرآن يرد قولهم (¬2). ¬

_ (¬1) يعنى حديث أبى الذى أخرجه أحمد: " فأمرنا رسول الله فنحن نقول " 5/ 129 عن أبى، وانظر مسند الحميدى 1/ 185. (¬2) نقل ابن حجر عن الباقلانى فى كتابه الانتصاف قوله: لم ينكر ابن مسعود كونها من القرآن وإنما أنكر إثباتهما فى المصحف، فإنه كان يرى ألا يكتب فى المصحف شيئاً إلا إن كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن فى كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن فى ذلك. قال: فهذا تأويل منه وليس جحداً لكونهما قرآناً. راجع: الفتح 8/ 615. وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم ير مِثلُهنَّ " يعنى - والله أعلم - أنه لم يكن سورة آياتُها كلها تعويذاً من شر الأشرار غيرهما، وإن أريد لمَ يُرَ مثلُهنَّ فى الفضل فلا يعارض ما تقدم فى آية الكرسى، تلك آيةٌ واحدةٌ وهذه آياتٌ، أو يقال: إنه عام مخصوص، قال الأبى: أو يقال ضم هنا إلى ذلك ينتج أن الجميع سواء فى الفضل 2/ 426.

(47) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها

(47) باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها 266 - (815) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا حَسَدَ إِلا فِى اثْنَتَيْن: رَجُلاً آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلَ، وآنَاءَ النَّهَارِ، وَرُجُلاً آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ". 267 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَة بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا حَسَدَ إِلا عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ هَذَا الكِتَابَ، فَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَتَصَدَّقَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهَارِ ". 268 - (816) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا حَسَدَ إِلا فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلاً آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِى بِهَا ويعَلِّمُهَا ". 269 - (817) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَن عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِىَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ - وَكانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ - فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الوَادِى؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلَى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلَى؟ قَالَ: إِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا حسد إلا فى اثنتين " الحديث، معناه: لا حسد محمودٌ أو ممدوح (¬1) إلا هذا؛ لأنه حسدٌ على فعل الخير. والحسد على ثلاثة أضرب: مُحَرَّمٌ مذمومٌ، ومباح، ¬

_ (¬1) فى الأصل: مدوحاً.

قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالفَرَائِضِ. قَالَ عُمَر: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: " إِنَّ اللهَ يَرفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ ". (...) وحدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِىُّ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الحَارِثِ الخُزَاعِىَّ لَقِىَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ بِعُسْفَانَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحمود مرغبٌ فيه، فالأول تمنى زوال النعمة المحسودة من صاحبها وانتقالها إلى الحاسد، وهذا هو حقيقة الحسد، وهو مذموم شرعاً وعرفاً، وأما الوجهان الآخران: فهو الغبْطُ، وهو أن يتمنى ما يراه من خير بأحدٍ أن يكون له مثله، فإن كان من أمور الدنيا المباحة كان تمنى ذلك مباحاً، وإن كانت من أمور الطاعات كان محموداً مرغباً فيه.

(48) باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه

(48) باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه 270 - (818) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ القَارِىِّ؛ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكَيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهُا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيْهَا، فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدائِه، فجِئْتُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأتنِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْسِلْهُ، اقْرَأ ". فَقَرَأَ القِرَاءَةَ الَّتِى سَمِعْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم: حديث عمر مع هشام بن حكيم واختلافهما فى قراءة سورة الفرقان وقول عمر: " فكدت أن أعجل عليه "، يفسره قوله فى الرواية الأخرى: " أُسَاوِرُه " أى أواثبه، وقيل: معناه هنا: أخذ برأسه، قاله الحربى. وقوله: " ثم لببته بردائه ": هو الأخذ بمجامع ثوب الرجل فى عُنُقِه وجبذه بها، وقيل: أخذ ذلك بجمعها على اللبَّةَ وهى النحر، كل هذا يدل على تشدُّدهم فى أمر القرآن، وقراءته على ما سمعوه من النبى - عليه السلام - والتحرى فى تلاوته [و] (¬1) حروفه على ذلك، وردٌّ على من تسامح فى القراءة المروية عن ابن مسعود، أو بالفارسية والعجمية إذا لم يحسن العربيَّة كما ذهب إليه أبو حنيفة (¬2)، وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر بإرساله محتمل وجهين، إمَّا لأنه لم يستحق عنده بعد أن يفعل ذلك به، إذ لم يثبت عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يوجبه، ولان عمر إنما نسب إليه اختلافاً فى القراءة، وعند النبى - عليه السلام - من جواز بعضها علم، فأمره بإطلاقه حتى يسمع منه ما ادَّعاه عليه، أو ليرسله ويزول عنه ذلك التلبب وشغلُ البال وذُعرُ صولة عمر، ليتمكن من القراءة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساكن ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فله: إذا لم يحسن قراءة الفاتحة بالعربية يُسبِّح ويُهلِّل ولا يقرأ بالفارسية، فالقولان له، والأول: لأنه إذا لم يحسن العربية فقد عجز عن مراعاة لفظه فيجب عليه مراعاة معناه؛ ليكون التكليف بحسب الإمكان، والثانى: فلقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، هو المنزل بلغة العرب لقوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] فلا يكون الفارسى قرآناً، ولأن القرآن معجز، والإعجاز من حيث اللفظ يزول بزوال اللفظ العربى فلا يكون الفارسى قرآناً لانعدام الإعجاز. بدائع الصنائع 1/ 329.

يَقْرَأُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ". ثُمَّ قَالَ لِىَ: " اقْرَأ ". فَقَرَأت. فَقَالَ: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الجأش طيب النفس. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هكذا أنزلت " [تجويز] (¬1) وتصويبه (¬2) قراءته، وأمره لعمر بعده بالقراءة لئلا يكون الخطأ والغلط منه، فلما قرأ قال له أيضاً: " هكذا أنزلت " وصوَّب قراءته ثم بين - عليه السلام - كيفية نزولها بهذا الاختلاف بقوله: " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسَّر منه تيسيراً على الأمة فى تلاوته، وهذا كله يدل أن هشاماً لم يخالف عمر فى جميع حروف السورة وإنما خالفه فى بعضها، كما أن السبعة أحرف ليست فى جميع الكلمات، وإنما هى فى بعض القرآن لا جميعه (¬3). واختلف فى معنى قوله: " سبعة أحرف ": فقيل: هو حصر للعدد، وهو قول الأكثر، وقيل: توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، ثم اختلفوا ما هذه السبعة؟ فمنهم من جعلها فى المعانى، كالوعد والوعيد، والمحكم والمتشابه، والحلال والحرام، والقصص والأمثال والأحكام والأمر والنهى، ثم اختلف هؤلاء فى تعيين هذه السبعة منها ومنهم من جعلها فى صورة التلاوة ومنحنى النطق بكلماتها، من إدغام وإظهار، وتفخيم، وترقيق وإمالة ومدٍّ؛ لأن العرب كانت مختلفة اللغات والكلام فى هذه الوجوه، فيسَّر عليهم القراءة ليقرأ كلُّ إنسان بما وافق لغته، وسهل على لسانه (¬4)، ومنهم من جعلها فى الألفاظ والحروف، وإليه أشار ابن شهاب فى الأم، ويحتج هؤلاء باستزادة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل وأنه لم يزل يستزيده حتى انتهى إلى سبعةِ أحرف، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ بجميعها. قالوا: وهذا ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى هامش س: تصويباً. (¬3) وعلى ذلك فليست السبع حروف بسبع لغات؛ لأن عمر بن الخطاب قرشى عدوى وهشام بن حكيم بن حزام قرشى أسدى، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن يقرئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحداً منهما بغير ما يعرفه من لغته. حكاه أبو عمر ثم قال: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعانى المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو أقبل، وتعال، وهلم، وعلى هذا الكثير من أهل العلم. التمهيد 8/ 281. (¬4) وتفسير الأحرف باللهجات أو لغات العرب ما بين مضرية وربعية، ونزارية وقرشية وغيرها، هو الذى اختاره ابن جرير الطبرى، وكثيرون من الرواة، قال الشيخ أبو زهرة: وهو الذى يتفق مع النسق التاريخى فى الجمع الذى اضطر ذو النورين عثمان - رضى الله تعالى عنه - لأن يقوم به، وارتضاه الصحابة. قال: ولقد ذكر القرطبى أن هذه الأحرف باقيةٌ في القرآن لم ينسخ منها حرف، ولكنى أرى أن النسق التاريخى يوجب أن يكون حرف واحد قد بقى، وهو لغة قريش، وهو الذى كتب عثمان مصحفه عليه. المعجزة الكبرى 29.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يدل على أنه ليس فى صورة التلاوة. ثم من جعلها فى الألفاظ والحروف اختلفوا، فقيل: سبع قراءات وأوجهٍ، قال أبو عبيد فى ذلك: سبع لغات من لغات العرب (¬1) يمنها ومضرها، وهى أفصح اللغات وأعلاها من كلامهم وقيل: بل هذه السبعة كلها لمضر لا لغيرها (¬2)، قال: وهذه اللغات متفرقة فى القرآن غيرُ مجتمعةٍ فى الكلمة الواحدة، وقيل: بل يصح اختراعها فى الكلمة الواحدة، وذكروا من ذلك قوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوت} (¬3) و {نرْتَعْ وَنَلْعَبْ} (¬4) وهو {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} (¬5) و {بِعَذَابٍ بَئِيس} (¬6) وغير ذلك. وذكروا فيها وجوهاً سبعة ونحوها، وقيل: بل هذه السبعة تختلف الألفاظ على الكلمة الواحدة بمعنى واحد أقبل وأسرع، وهلم وعجّل وتعال، وقد جاء هذا مبيَّناً مفَّسراً كما جاء فى قراءة أبىَّ {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُم} (¬7) ¬

_ (¬1) غريب الحديث 3/ 159، دون قوله: " يمنها ومضرها ". قال: وليس معناه أن يكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم يسمع به قط، ولكن يقول هذه اللغات السبع متفرقة فى القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها مع هذا كله واحد. (¬2) واحتجوا لذلك بقول عثمان: نزل القرآن بلسان مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة، ومنها لقيس، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب. (¬3) المائدة 60. وقد قرأ حمزة: " وعبُد الطاغوت " بضم الباء " الطاغوتِ " جرَّ، يقال عبْد وعبُد. قال الشاعر: أبنى ليُبْنى إن أمكمُ ... أمةٌ وإن أباكم عبُد قال الفراء: الباء تضمُّها العرب للمبالغة فى المدح والذم نحو: رجُلٌ حذُرٌ ويقظٌ. أى مبالغ فى الحذر، فتأويل عبُد على ذلك أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان. (¬4) يوسف: 12. بالنون قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر. وحجتهم قوله تعالى بعدها: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق} فأسندوا جميع ذلك إلى جماعتهم. وقرأ أهل المدينة والكوفة: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} بالياء إخباراً عن يوسف، وحجتهم فى ذلك أن القوم إنما كان قولهم ذلك ليعقوب اختداعاً منهم إياه عن يوسف إذ سألوه أن يرسله معهم لينشط يوسف لخروجه إلى الصحراء ويلعب هناك. (¬5) سبأ: 19. قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " فقالوا ربَّنا بَعِّد " بالتشديد، وقرأ الباقون " باعد " بالألف. (¬6) الأعراف: 165. قرأ ابن عامر: " بعذابِ بئسٍ " بكسر الباء وبهمزة ساكنة، خرج الهمز على الأصل ولم يُلْف فى الهمزة ثقل لخفة الحرف وقلة حروفه. وقرأ نافع: " بعذاب بيسٍ " بغير همز، أبدلت الياء من الهمزة لثقل الهمز؛ لأن الياء أخف منه، وقرأ أبو بكر عن عاصم: " بيْأس " على (فيعل) وقرأ الباقون: {بِعَذَابٍ بَئِيس} على (فعيل) من البؤس، وتفسيره الشديد. (¬7) الحديد: 13. قرأ حمزة بقطع الألف، أى أمهلونا، وقرأ الباقون بوصل الألف، أى انتظرونا كما قال: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاه} [الأحزاب: 53]. راجع: حجة القراءات لابن زنجلة. وقد روى ورقاء عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبى بن كعب أنه كان يقرأ: {لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا} للذين آمنوا أمهلونا، للذين آمنوا أخرونا، للذين آمنوا ارقبونا. التمهيد 8/ 291.

271 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ المِسوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِىَّ أَخْبَرَاهُ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأ سُورَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرونا وآنسونا، و {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيه} (¬1) ومروا فيه، وسعوا فيه، وكقوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه} (¬2) وامضوا، وإلى هذا ذهب الطبرى (¬3) وابن عيينة وابن وهب وحكاه عن مالك. وقال القاضى أبو بكر بن الطيب: الصحيح أن هذه السبعة أحرف قد كانت ظهرت واستفاضت عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضبطتها عنه الأمة وأثبتها عثمان والجماعة فى المصحف، وأخبروا بصحتها، وخيروا الناس فيها كما فعل الرسول، وإنما طرحوا منها قراءة لم تثبت ونقلت نقل آحاد لا تثبت بمثلها القرآن، وأن هذه السبعة الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى، ليست متضادة ولا متباينة. وذكر الطحاوى أن القراءة بالسبعة الأحرف إنما كانت فى وقت خاص للضرورة لأول ما نزل القرآن، واختلاف لغات العرب ومشقة كل طائفة أن ترجع إلى لغة الأخرى، فلما كثر الناس والكتَّاب وارتفعت الضرورة رجعت إلى حرف واحد (¬4) وقيل: السبعة الأحرف ¬

_ (¬1) البقرة: 20. بالإسناد السابق عن أبى: أنه كان يقرأ {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ} مروا فيه، سعوا فيه. قال ابن عبد البر: كل هذه الأحرف كان يقرؤها أبى بن كعب. فهذا معنى الحروف المراد بهذا الحديث، والله أعلم. إلا أن مصحف عثمان الذى بأيدى الناس اليوم هو منها حرف واحد، وعلى هذا أهل العلم فاعلم. السابق. (¬2) الجمعة: 9. وما ذكر القاضى هو رواية الأعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود قال: إنى سمعتُ القرَأة، فرأيتُهم متقاربين، فاقرؤوا كما علمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف فإنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال. وروى ورقاء عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبى بن كعب أنه كان يقرا: {للذين آمنوا انظرونا} للذين آمنوا أمهلونا، للذين آمنوا أخرونا، للذين آمنوا ارقبونا. وبهذا الإسناد عن أبى بن كعب، أنه كان يقرأ {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ} مرُّوا فيه، سعوا فيه. كل هذه الأحرف كان يقرؤها أبى ابن كعب. فهذا معنى الحروف المراد بهذا الحديث. والله أعلم. السابق (¬3) انظر: تفسير الطبرى 1/ 57 وقد قال: الأحرف السبعة التى أنزل الله بها القرآن من لغات سبع، فى حرف واحد وكلمة واحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعانى كقول القائل: هلم وأقبل، وتعالى، وإلى، وقصدى، ونحوى، وقربى، ونحو ذلك مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعانى وإن اختلفت بالبيان به الألسن. (¬4) مشكل الآثار 4/ 191.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون اختلافها من تغيير الكلمة بغيرها، أو زيادة حرف ونقصانه، أو يبدل حرف من آخر، أو اختلاف الإفراد والجمع أو المخاطبة والخبر، أو الأمر والخبر، أو تغير إعراب الكلم، أو التقديم والتأخير، أو الاختلاف فى لغات الحرف الواحد وتصريف الفعل، فمنه ما تختلف ألفاظه ومعناه واحد، ومنه ما يختلف معنى ولفظاً. قال الباجى: ولا سبيل لنا إلى تغيير حرف من تلك الأحرف وكلها فى المصحف (¬1) وإلى هذا ذهب غيره. واستدل من قال هذا بمحو عثمان والصحابة وتحريقهم المصاحف الأول ما عدا المصحف، ولو كان فى شىء منها بقية من الحروف السبعة التى أنزل بها القرآن لم يُمْح. قالوا: وإنما محيت لأجل الترتيب المتفق عليه فى المصحف؛ لأن سائر المصاحف كانت على غير ترتيب، ولأنهم كتبوا صور الحروف على لغاتهم. وقال الداودى: والسبع المقارئ التى يقرؤها الناس اليوم ليس كل حرف منها هى أحد تلك السبعة، بل قد تكون مفرقةً فيها (¬2)، وقال أبو عبد الله بن أبى صفرة (¬3): هذه السبعة مقارئ إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة فى الحديث وهو الذى جمع عليه عثمان المصحف، وذكره ابن النحاس وغيره، قال غيره: ولا تمكن القراءة بهذه السبعة فى ختمة واحدة، والقارئ إذا قرأ برواية من روايات القراءة إنما قرأ ببعضها لا بكلها ولا يُدرى أى هذه السبعة أحرف - يعنى القراءات - كان آخر العرض على النبى - عليه السلام - وكلها مستفيضة عن النبى - عليه السلام - ¬

_ (¬1) واستدل على قوله من قول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] قال: ولا يصح انفصال الذكر المنزل من قراءته فيمكن حفظه دونها، وأن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنزل على سبعة أحرف " تيسيراً على من أراد قراءته؛ ليقرأ كل رجل منهم بما تيسَّر عليه، وبما هو أخف على طبعه وأقرب إلى لغته، لما يلحق من المشقة بذلك المألوف من العادة فى النطق، ونحن اليوم مع عجمة ألسنتنا وبعدنا عن فصاحة العرب أحوج. المنتقى 1/ 347. وعلى ذلك فكما ترى فإن متجه كلامه غير ما يقصد له القاضى. (¬2) قال الإمام ابن تيمية: لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التى ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن القرآن أنزل عليها، ليست هى قراءات القراء السبعة المشهورة، بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد. فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين والعراقين والشام؛ إذ هذه الأمصار الخمسة هى التى خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره، والحديث والفقه من الأعمال الباطنة والظاهرة، وسائر العلوم الدينية، فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ليكون ذلك موافقاً لعدد الحروف التى أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هى الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم. الفتاوى 13/ 390. قلت: وقد جرى اصطلاح المؤلفين فى فن القراءات على إطلاق مصطلح (قراءة) على ما ينسب إلى إمام من أئمة القراء مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه، وإطلاق مصطلح (رواية) على ما ينسب إلى الآخذ عن هذا الإمام ولو كان بواسطة، كما اصطلح على إطلاق (طريق) على ما ينسب للآخذ عن الراوى ولو سفل. ولكل إمام صاحب قراءة رواة كثيرون رووا عنه، ولكل راوٍ طرق متعددة. راجع: حجة القراءات: 50. (¬3) هو محمد بن أحمد بن أسيد بن أبى صفرة، سمِع من الأصيلى، وكان من كبار أصحابه، وتوفى بالقيروان، وقد سمِع منه أخوه المهلب. ترتيب المدارك 8/ 36.

الفُرْقَانِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. وَزَادَ: فَكِدْت أُسَاوِرُهُ فِى الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ. (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، كَرِوَايَةِ يُونُسَ بَإِسْنَادِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وضبطتها الأمة، وأضافت كل حرف منها إلى من أضيفت إليه من الصحابة؛ أى أنه كان أكثر قراءة به كما أضيف كل مقرئ منها إلى من اختار القراءة به والتلاوة من القراءة السبعة وغيرهم. وقوله: " لك بكل مسألة ردَدْتَكها مسألة ردَّةً تسألنيها (¬1)، فقلت: اللهم اغفر لأمتى اللهم اغفر لأمتى، وادخرت (¬2) الثالثة ليومٍ يرغب إلىَّ الخلق كلهم حتى إبراهيم " مثل ما تقدم قبل فى تفسير قوله: " لكل نبى دعوة يدعو بها، وادخرت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة " (¬3) وأن اختصاصهم بهذه الدعوة - وإن كانت لهم دعوات كثيرة مستجابة - لكونه من هذه خاصة على يقين من إجابتها، وهم فى غيرها على الرجاء. وذهب قوم من ضعفة القراء والمنتسبين إلى الحديث وجماعة من المعتزلة: أن عثمان كتب المصحف وجمع الناس على بعض الأحرف السبعة وترك باقيها نظراً للمسلمين لما حدث من الاختلاف، وأن الذى جمع عليه كان آخر العرض، وهذا قول منكر مهجور، ولا يصححه نقل ولا عقل (¬4). قال الإمام: من الناس من ظَنَّ أن المراد بهذا سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص إلى غير ذلك، وإنما غره فى ذلك حديث روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر فيه: " أنزل القرآن على سبعة أحرف "، وفسره بهذا المعنى، وهذا التأويل خطأ؛ لأنه - عليه السلام - أشار فى هذا الحديث إلى جواز القراءة بكل حرفٍ وإبدال حرفٍ من السبعة بحرف آخر، وقد تقرر إجماع المسلمين على أنه لا يحل إبدال آية أمثال بآية أحكام قال الله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي} (¬5)، وكذلك أيضاً ظن آخرون أن المراد إبدال خواتِم الآى، فيجعل مكان " غفور رحيم " " سميع بصير "، ما لم يتناقض المعنى، فتبدل آية الرحمة بآية عذاب (¬6). وهذا أيضاً فاسدٌ؛ لأنه قد استقر الإجماع على منع تغيير القرآن، ¬

_ (¬1) الذى في المطبوعة " فلك بكلِّ رَدَّة رددتكها مسألةٌ تسأَلُنيها ". (¬2) ما فى المطبوعة: وأخَّرتُ. (¬3) ك الإيمان، ب الشفاعة (198/ 334) (¬4) قلت: ما كان يصح أن يصدر مثل هذا عن القاضى، فإن هذا القول هو اختيار الطبرى، وإليه مال ابن عبد البر، وبه قال الطحاوى كما سبق قريباً. قال ابن عبد البر: إلا أن مصحف عثمان الذى بأيدى الناس اليوم هو منها حرف واحد، وعلى هذا أهل العلم فاعلم 8/ 291، انظر: تفسير الطبرى 2/ 59، البرهان للزركشى 1/ 222. (¬5) يونس: 15. (¬6) قال أبو عمر: أراد به ضرب المثل للحروف التى نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها، مختلفٌ مسموعها، لا تكون فى شىء منها معنى وضده ولا وجه يخالف وجهاً خلافاً ينفيه أو يضاده كالرحمة التى هى خلاف العذاب وضده وما أشبه ذلك. =

272 - (819) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُبَيْد اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقْرَأَنِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى حَرْفٍ. فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِى، حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: بَلَغنِى أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الأَحْرُفَ إِنَّمَا هِىَ فِى الأَمْرِ الَّذِى يَكُونُ وَاحِدًا، لا يَخْتَلِفُ فِى حَلالٍ وَلا حَرَامٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو زاد أحد من المسلمين فى كلمة منه حرفاً واحداً أو خفف مشدّدًا أو شدَّد مخففاً لبادر الناس إلى إنكاره، فكيف بإبدَال كثيرٍ من كلماته؟ وإذا فسد هذان التأويلان قلنا: ينبغى أن يعلم أن الحرف فى اللغة هو الطرف والناحية، ومنه حرف الوادى أى طرفه وناحيته، ومنه تسميتهم الشكل المقطوع من حروف المعجم حرفاً؛ لأنه ناحية وطرف من الكلام، ومنه قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف} (¬1)، يعنى على غير طمأنينة؛ لأن الشاكَّ كأنه على طرفٍ وناحية من الاعتقاد. وإذا ثبت هذا قلنا: يصح أن الحرف من الأسماء المشتركة، فينطلق على المذهب الأول الذى هو المعانى (¬2) المختلفة؛ لأن كل معنى منها طرف وناحية من صاحبه، وينطلق - أيضاً - على المذهب الثانى، وهو إبدال خواتم الآى؛ لأن كل مبدل طرفُ وناحية من الكلام ولكن منعنا (¬3) من حمل حديثنا هذا عليه ورود الشرع بمنع الإبدال، فلابد من حمله على أحرف يجوز إبدالها، وليس إلا ما يُقَدَّرُ فى الشريعة جوازُ إبِدَاله وهو نحو الإمالة والفتح، فإن أحدهما يبدل بالآخر، والتفخيم والترقيق، والهمزة والتسهيل، والإدغام والإظهار، وما أشبه ذلك، والغرض منه حمل الحديث على أنه أراد ناحيةً وطرفاً من اللغات، ولكن يبقى على هذا المذهب نظر آخر، هل المراد بذلك وجود قراءات سبع فى كلمة واحدة أو يكون إنما أشار (¬4) [إلى] (¬5) تردد سبع لغات فى سائر الكلمات، فهذا مما اختلف فيه أهل هذه الطريقة وللنظر فيه مجال. ¬

_ = قال: وهذا يعضد قول من قال: إن معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه، من الكلام المتفق معناه المختلف لفظه، نحو: هلم وتعال، وعجل وأسرع، وأنظر وأخر. التمهيد 8/ 284 والخبر أخرجه عبد الرزاق من حديث قتادة 11/ 319. (¬1) الحج: 11. (¬2) فى الإكمال بالمعانى، والمثبت من المعلم. (¬3) فى ع: معنى (¬4) من ع. (¬5) فى س: أراد.

(...) وحدَّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 273 - (820) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَىِّ ابْنِ كَعْبٍ؛ قَالَ: كُنْتُ فِى المَسْجِدِ. فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّى، فَقَرَأَ قِرَاءَةٌ أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ. ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ، فَقَرَأَ قِرَاءَةٌ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ. فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلاةَ دَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَآ، فَحَسَّنَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَهُمَا، فَسُقَطَ فِى نَفْسِى مِنَ التَّكْذِيبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قول ابن شهاب: بلغنى أن تلك الأحرف إنما هى فى الأمر (¬1) الذى يكون واحداً لا يختلف فى حلال ولا حرام (¬2) خلافاً لمن ذهب إلى أن السبعة فى المعانى أو إشارة إلى أن ذلك فى الحروف والألفاظ. وقول أبىٍّ: " إنه لما حسَّن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقارئين المختلفين قراءتهما سقط (¬3) فى نفسى من التكذيب ولا إذ كنت فى الجاهلية "، قال الإمام: هذا مما ينبغى أن يحمل فيه على أبىٍّ أنه وقع فى نفسه خاطر ونزعة من الشيطان غير مستقرة (¬4)؛ لأن إيمان الصحابة - رضى الله عنهم - فوق إيمان من بعدهم، واختلاف القراءات ليس بعظيم الموقع فى الشبهات (¬5)، كيف وقد يتصور فى النبوات مِنَ القوادح للملحدين ما يتعب الذهن (¬6) [ومن يكد] (¬7) الخاطر بالانفصال (¬8) عنه ولم ينقل عن أحدٍ من الصحابة أنه تشكك (¬9) بسبب ذلك ولا أصغى إليه، وهل تبديل القراءات إلا أخفض مرتبة (¬10) من النسخ، الذى هو إزالةُ القرآن والأحكام رأساً؛ ثم لم ينقدح فى نفس أحد منهم بسبب ذلك شك (¬11) ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى س: والنهى. (¬2) أخرجه عبد الرزاق فى المصنف عنه بلفظ: " وإنما هذه الأحرف فى الأمر الواحد الذى ليس فيه حلال ولا حرام " 11/ 319. (¬3) الذى فى المطبوعة: فسقط. (¬4) قيّدها الأبى هكذا: نزغة من الشيطان وخطرةٌ لا تستقر؛ لأن إيمان الصحابة فوق إيمان من بعدهم، وقد أورد الملحدة من تشبيهات القدح فى النبوة ما يتعب الذهن فى الجواب عنه ولم ينقل عن أحدٍ منهم تشكك لذلك ولا إصغاء إليه، وتبديل القراءة أخفض من النسخ الذى هو إزالة الحكم رأساً، ومع ذلك لم ينقل عن أحدٍ أنه ارتاب لذلك 2/ 430. (¬5) من المعلم، والذى فى الإكمال: النبوات. (¬6) فى المعلم: للذهن. (¬7) فى س: ويكلُّ س. (¬8) فى س: الانفصال. (¬9) فى س: تشطط. (¬10) فى س: رتبة. (¬11) فى س: شطة.

وَلا إِذْ كُنْتُ فِى الجَاهِلِيَّةِ. فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ غَشِيَنِى ضَرَبَ فِى صَدْرِى، فِفِضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنَّمَاَ أَنْظُرُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَقًا، فَقَالَ لِى: " يَا أُبَىُّ، أُرْسِلَ إِلَىَّ: أَنِ اقْرَأ القُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِى، فَرَدَّ إِلَىَّ الثَّانِيَةَ: اقْرَأهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ. أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِى، فَرَدَّ إِلَىَّ الثَّالِثَةَ: اقْرَأهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلُةٌ تَسْأَلُنِيهَا، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لأُمَّتِى. اللَّهُمَ، اغْفِرْ لأُمَّتِى، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَىَّ الخَلْقُ كُلُّهُمْ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، أَخْبَرَنِى أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ؛ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِى المَسْجِدِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَقَرَأَ قِرَاءَةً، وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. 274 - (821) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مستقرٌّ، فوجب لأجل هذا أن يحمل على أبىٍّ ما قلناه. قال القاضى: وقوله: " فضرب (¬1) - يعنى النبى عليه السلام - فى صدرى، ففضت عرقاً وكأنما أنظر إلى الله فرَقاً " ثم ذكر الحديث. ضربه فى صدره تنبيهاً (¬2) له لما رأى أنه قد غشيه من الخاطر والدهشة التى ظهرت عليه، يقال: فضت عرقاً، وفصت عرقاً، بالضاد والصاد، وقال أبو مروان بن سراج وأنشد: إذا الجياد فضن بالمسيح وروايتنا هاهنا بالمعجمة. ومعنى قوله: " سقط فى نفسى ": أى اعترته حيرة ودهشة. قال الهروى فى قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِم} (¬3) أى ندموا وتحيروا. يقال للنادم المتحير على فعل فعله: سُقط فى يده، واسقِط، وهو كقوله: قد حصل فى يده من هذا مكروه. وقوله: " ولا إذ كنت فى الجاهلية ": يعنى الخاطر الذى نزغ به الشيطان له من ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: ضرب. (¬2) فى الأصل: تنبيهه، ونقلها النووى: تثبتاً، وفى الأبى: تثبيت، والمثبت من س. (¬3) الأعراف: 149.

ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاة بَنِى غِفَارٍ. قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ القُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. فَقَالَ: " أَسْأَلُ اللهَ مَعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِى لا تُطِيقُ ذَلِكَ ". ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ القُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقَالَ: " أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتُهُ، وَإِنَّ أُمَّتِى لا تُطِيقُ ذَلِكَ ". ثُمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ القُرْآنَ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ. فَقَالَ: " أَسْأَلُ اللهُ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِى لا تُطِيقُ ذَلِكَ " ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ القُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرؤوا عَلَيْهِ، فَقَدْ أَصَابُوا. (...) وحدَّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ التكذيب الذى لم يعتقده، وهذه الخواطر إذا لم [يصمم عليها] (¬1) غير مؤاخذ بها. وقوله: " عند أضاة بنى غفار ": كذا قيَّدناه هنا مقصوراً، وهو الماء المستنقع كالغدير، وجمعه أَضى مفتوح مقصور، ويجمع إضىً وإضاءة مكسور وممدود. قال ابن ولَّاد (¬2): هو مكسور الأول ممدود، فإذا فتحوا قصروا فمن كسر ومدَّ جعله جمع إضاءة كأكمة وأيكام، ومن قصر جعله مثل حصاة (¬3) وحصى. قوله: " إن الله يأمُرُك أن تقرأ القرآن على حرف ثم استزاده إلى أن بلغ سبعاً ": الأمر فى قراءته بما زاد على حرف على طريق التوسعة والرفق لا الوجوب، ومن قرأ بحرف منها أصاب. ¬

_ (¬1) فى الأصل: يصحح عليها. (¬2) هو محمد بن ولّاد التميمى أبو الحسين، أصله بصرى، ونشأ بمصر، ورحل إلى العراق، وسمِع بها على العلماء، ولم يكن بمصر كبير شىء من كتب النحو واللغة قبله. توفى عام 298. راجع: طبقات النحويين واللغويين 213، معجم المؤلفين 12/ 95 (¬3) فهو أضاةٌ وأَضىً. قال فى اللسان: وزعم أبو عبيد أن أضاً جمع أَضاةٍ وإضاءً جمع أضاً. ثم قال: قال ابن سيدة: وهذا غير قوى لأنه إنما يقضى على الشىء أنه جمع جمعٍ إذا لم يوجد من ذلك بُدٌّ.

(49) باب ترتيل القراءة واجتناب الهز، وهو الإفراط فى السرعة، وإباحة سورتين فأكثر فى ركعة

(49) باب ترتيل القراءة واجتناب الهز، وهو الإفراط فى السرعة، وإباحة سورتين فأكثر فى ركعة 275 - (722) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَن وَكِيعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ تَقْرَأَ هَذَا الحَرْفَ، أَلِفًا تَجِدُهُ أَمْ يَاءً: {مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} (¬1) أَوْ " مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ؟ " قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَكُلَّ القُرْآنِ قَدْ أَحْصَيْتَ غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ: إِنِّى لأَقْرَأُ المُفَصَّل فِى رَكْعَةٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذَّاً كَهَذِّ الشِّعْرِ؟ إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِى القَلْبَ فَرَسَخَ فِيهِ، نَفَعَ، إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، إِنِّى لأَعْلَمُ النَّظَائِرَ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن مسعود - للذى قال له: إنى أقرأ (¬2) المفصل فى ركعة -: " هذًّا كهذِّ الشعر إن أقواماً (¬3) يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، والهذُّ: الإسراع ونصبه (¬4) على المصدر. وهذا إنكار لمن يهذ القرآنَ ولا يُرَتِّله ولا يتدبره، والترتيل اختيار أكثر العلماء والسلف وذموا الهذَّ وأجازه آخرون، وقد تقدم الكلام فيه. ومعنى قوله: " كهذّ الشعر " قيل: فى روايته وتحفظه لا فى إنشاده والترنم به ومعنى قوله: " لا يجاوز تراقيهم ". استعارة، لأن حظهم منه حركة اللسان دون [تدبر] (¬5) القلب وتفهم معانيه. والتراقى عظام الصدر من ثغرة النحر والحلق (¬6)، وهو كما قال - عليه السلام - فى الخوارج: " لا يُجاوز حناجرهم " (¬7) ألا تراه كيف قال: " ولكن إذا وقع فى القلب فَرَسَخَ فيه نفع " (¬8). ¬

_ (¬1) محمد: 12. (¬2) فى المطبوعة. لأقرأ. (¬3) فى س: قوماً. (¬4) فى س: ونصت. (¬5) ضرب عليها فى س. (¬6) فى المشارق: عظم بين ثغرة النحر والعاتق، وفى المفردات للأصبهانى: عظم وصل ما بين ثغْرَةِ النحر والعاتق. (¬7) سيأتى إن شاء الله فى الزكاة، ب ذكر الخوارج وصفاتهم. وقد أخرجه البخارى فى ك الأنبياء، ب سورة هود (3344)، أبو داود فى السنة، ب فى قتال الخوارج (4764)، كذا النسائى فى الزكاة، ب المؤلفة قلوبهم 5/ 87 (2578) أحمد فى المسند 3/ 5، 52، 60، 68، 353، مالك فى الموطأ، ك القرآن، ب ما جاء فى القرآن 1/ 204 وهو جزء حديث عن أبى سعيد. (¬8) فى س: يرسخ فيه.

بَيْنَهُنَّ، سُورَتَيْنِ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ. ثُمَّ قَامَ عَبْدُ اللهِ فَدَخَلَ عَلْقَمَةُ فِى إِثْرِهِ. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرَنِى بِهَا. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِى رِوَايتِهِ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى بَجِيلة إِلَى عَبْدُ اللهِ، وَلَمْ يَقُلْ: نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ. 276 - (...) وحدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ. قَالَ: جَاءَ رجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللهِ - يُقَالُ لَهُ: نُهِيكُ بْنُ سِنَانٍ - بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَجَاءَ عَلْقَمَةُ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ، فَقُلْنَا لَهُ: سَلْهُ عَنِ النَّظَائِرِ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِى رَكْعَةٍ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنَ المُفَصَّلِ، فِى تَأَلِيفِ عَبْدِ اللهِ. 277 - (...) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ فى هَذَا الإِسْنَادِ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا. وَقَالَ: إِنِّى لأَعْرِفُ النَّظَائِرَ الَّتِى كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اثْنَتَيْنِ فِى رَكْعَةٍ، عِشْرِينَ سُورَةً فِى عَشْرِ رَكَعَاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يصعد له عمل " (¬1) [أى لا يقبل و] (¬2) قيل: معناه: لا يكون له فيه ثواب، ولا له منه حظٌّ سوى الذكر باللسان. وقوله: " إِنَّ أفضل الصلاة الركوع والسجود ": حجة لأحد القولين، وقد تقدم، قال الطحاوى: الذى يجمع به بين ما جاء فى فضل السجود والركوع وبين ما جاء فى الحديث الأخر أن " أفضل الصلاة طول القنوت " لمن زاده وجعل أجره زائداً على أجر السجود والركوع. وقوله: " إنى لا أعرف النظائر الذى (¬3) كان يَقْرِنُ بينهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورتين كل ركعة، ثم ذكر عشرين سورة من المفصّل فى عشر ركعات " (¬4) دليل صحيح موافق لرواية عائشة وابن عباس: أن قيام النبى - عليه السلام - كان أحد عشر ركعة بالوتر، وعلى ما تقدم وأن هذا كان قدر قراءته غالباً وهو نحو قوله: " قدر خمسين آية "، وأن تطويله - عليه السلام - الوارد إنما كان فى التلاوة والترتيل والتدبر، وما ورد من غير ذلك ¬

_ (¬1) ليست فى المطبوعة. (¬2) من س. (¬3) فى المطبوعة: التى. (¬4) جمع بين حديث أبى كريب وحديث محمد بن المثنى.

278 - (...) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوُخَ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَوْمًا بَعْدَ مَا صَلَّيْنَا الغَدَاةَ، فَسَلَّمْنَا بِالبَابِ، فَأَذِنَ لَنَا. قَالَ: فَمَكَثْنَا بِالبَابِ هُنَيَّةً. قَالَ: فَخَرَجَتٍ الجَارِيَةُ فَقَالَتْ: أَلا تَدْخُلُونَ؟ فَدَخَلْنَا. فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يُسَبِّحُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا وَقَدْ أُذِنَ لَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لا، إلا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ البَيْتِ نَائِمٌ. قَالَ: ظَنَنْتُمْ بِآلِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ غَفْلَةً؟ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ يُسَبِّحُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ. فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، انْظِرِى، هَلْ طَلَعَتْ؟ قَالَ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هِىَ لَمْ تَطْلُعْ، فَأَقْبَلَ يُسَبِّحُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّ الشَّمْس قَدْ طَلَعَتْ قَالَ: يَا جَارِيَةُ، انْظَرِى، هَلْ طَلَعَتْ؟ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هِىَ قَدْ طَلَعَتْ. فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِى أَقَالَنَا يَوْمَنَا هَذَا - فَقَالَ مَهْدِىٍّ وَأَحْسبُهُ قَالَ - وَلَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: قَرَأْتُ المُفَصَّلَ البَارِحَةَ كُلَّهُ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟ إِنَّا لَقَدْ سَمِعْنَا القَرَائِنَ، وَإِنِّى لأَحْفَظُ القَرَائِنَ الَّتِى كَانَ يَقْرَؤُهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ المُفَصَّلِ، وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حَمَ. 279 - (...) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنِ بْنُ عَلِىٍّ الجُعْفِىُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى قراءته فى ركعة البقرة والنساء فى حديث ابن مسعود فنادر، وهذه السور العشرون أكثرها فى حديث آخر ذكره أبو داود: " الرحمن والنجم فى ركعة واقتربت والحاقة فى ركعة، والطور والذاريات فى ركعة، وإذا وقعت ونون فى ركعة، وسأل سائل والنازعات فى ركعة، وويل للمطففين وعبس فى ركعة، والمدثر والمزمّل فى ركعة، وهل أتى ولا أقسم فى ركعة، وعم والمرسلات فى ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت " (¬1). وسُمَّى المفصّلُ مُفَصّلاً لقصر أعداد سُوره من الآى، ففصلت كل سورة على ذلك من صاحبتها. وقوله فى الرواية الأخرى: " ثمانية عشرَ من المفصل وسورتين من آل حم ": دليل على أن المفصل ما دونهما وقد قال أصحاب علم القرآن: إن المفصل ما دون المثانى، والمثانى ذوات المائة، وذوات المائة ما كان فيهما من السور ماءة آية ودونها قليلاً بعد ذوات المائة السبع الطوال وآخرها براءة مضافة إلى الأنفال لأنها لم يفصل بينهما فى المصحف. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب فى تحزيب القرآن 1/ 323 من حديث ابن مسعود، قال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود - رحمه الله.

مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى بَجِيلَةَ، يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ، إِلَى عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: إِنِّى أَقْرَأُ المُفَصَّلَ فِى رَكْعَةٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذًّا كهَذِّ الشِّعْرِ؟ لَقَدْ عَلِمْتُ النَّظَائِرَ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهِنَّ، سُورَتَيْنِ فِى رَكْعَةٍ. (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنِّى قَرَأْتُ المُفَصّلَ اللَّيْلَةَ كُلَّهُ فِى رَكْعَةٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ. قَالَ: فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ المُفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ سُورَتَيْنِ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف فى حدِّ المفصل فقيل: من سورة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: من سورة ق. وقوله: " آل حم " يعنى من ذوات السور التى أولها حم نسبت السور إلى هذه الكلمة كقولهم: آل فلان، وقد يكون أراد " حم " نفسها، وتقع على ذاته، كقوله فى الحديث: " لقد أوتى مزماراً من مزامير آل داود " أى داود، وقيل: الآل يقع على الشخص، قاله أبو عبيد، قال: ولو أوصى رجل لآل فلان دخل فلان معهم، والفقهاء يخالفونه فى هذا الفصل. وقد تقدم نحو منه فى الصلاة على آل محمد وآل إبراهيم. ومن قال معناه: محمد وإبراهيم، وقد قيل: إن " حم " اسم من أسماء الله تعالى، فأضيفت هذه السورة إليه، وإن كانت كلها مضافة إليه، ولكن زيادة فى التخصيص والتعظيم، كما قيل: بيت الله، والبيوت كلها له. وقوله حين أعلم بطلوع الشمس: " الحمد لله على إقالتنا يومنا هذا (¬1)، ولم يهلكنا بذنوبنا " تَوَقَّعٌ منه لانتظار الساعة وطلوع الشمس من مغربها. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: الحمد لله الذى أقالنا يومنا هذا " قال مهدى: وأحسبه قال: " ولم يهلكنا بذنوبنا ".

(50) باب ما يتعلق بالقراءات

(50) باب ما يتعلق بالقراءات 285 - (823) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً سَأَلَ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ، وَهُوَ يُعَلِّمُ القُرْآنَ فِى المَسْجِدِ. فَقَالَ: كَيْفَ تقْرَأ هَذِهِ الآيَةَ: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِر} (¬1)؟ أَدَالاً أَمْ ذَالاً؟ قَالَ: بَلْ دَالاً. سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مُدَّكِرٍ " دَالاً. 281 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَن الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذَا الحَرْفَ: {فَهَلْ مَن مُّدَّكِر}. 282 - (824) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْنَا الشَامَ، فَأَتَانَا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: أَفِيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا. قَالَ: فَكَيْفَ سَمِعْتَ عَبْدَ اللهِ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى " قَالَ: وَأَنَا وَاللهِ، هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهُا، وَلَكِنْ هَؤُلاءِ يُرِيدُونَ أَنْ أَقْرَأَ: {وَمَا خَلَق} فَلا أُتَابِعُهُمْ. 283 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَتَى عَلْقَمَةُ الشَّامَ فَدَخَلَ مَسْجِدًا فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى حَلْقَةٍ فَجَلَسَ فِيهَا. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَعَرفْتُ فِيهِ تَحَوُّشَ القَوْمِ وَهَيئتُهُمْ. قَالَ: فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِى، ثُمَّ قَالَ: أَتَحْفَظُ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ يَقْرَأُ؟ فَذَكَرَ بمِثْلِهِ. 284 - (...) حدَّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، مَنْ عَلْقَمَةَ؛ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لِى: مِمَّنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول علقمة: " لقيت أبا الدرداء، فقال لى: هل تقرأ قراءة ابن مسعود؟ قلت: ¬

_ (¬1) القمر: 40.

أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ العِراقِ. قَالَ: مِنْ أَيُّهِمْ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهلِ الكُوفَةِ. قَالَ: هَلْ تَقْرَأُ عَلَى قَرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاقْرَأ: {وَاللَّيْلَ إِذَا يَغْشَى} قَالَ فَقَرَأتُ: " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ". قَالَ: فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهُا. (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِى عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَن عَامِرِ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ. فَذَكَرَ بِمثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم، وذكر قراءته " والذَّكَر والأنْثَى " (¬1) [فضحك ثم قال: " هكذا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرؤها " وفى بعض طرقه: " ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ] (¬2): وما خلق [ولا أتابعهم] (¬3) "، قال الإمام: يجب أن يعتقد فى هذا الخبر وفيما (¬4) سواه مما هو بمعناه مما جعله الملحدة طعناً فى القرآن ووهناً فى نقله أنَّ ذلك كان قرآناً ثم نسخ، ولم يعلم بعض من خالف بالنسخ فبقى على الأول، ولعل هذا إنما يقع من بعضهم قبل أن يتصل به مصحف عثمان - رضى الله عنه - المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ [قرئ به] (¬5). وأما بعد ظهور مصحف عثمان - رضى الله عنه - واشتهاره فلا يظن بأحدٍ منهم أنه أبدا فيه خلافاً، وأما ابن مسعود - رحمه الله - فقد رويت عنه روايات كثيرة، منها ما لم يثبت عند أهل النقل وما ثبت منها مما يخالف ظاهر ما قلناه، فإنه محمول على أنه كان يكتب فى مصحفه القرآن، ويلحق به من بعض الأحكام والتفاسير ما يعتقد أنه ليس بقرآن، ولكن لم ير تحريم ذلك عليه، ورأى أنها صحيفة يثبت فيها ما شاء، وكان من رأى عثمان والجماعة منع ذلك لئلا يتطاول الزمان، وينقل عنه القرآن فيخلط به ما ليس منه فيعود الخلاف إلى مسألة فقهية، وهى (¬6) جواز إلحاق بعض التفاسير بأثناء المصحف أو منع ذلك، ويحمل (¬7) أيضاً ما روى من إسقاط المعوذتين من مصحفه على أنه اعتقد أنه لا يلزمه أن يكتب كل ما كان من القرآن، وإنما يكتب منه ما كان له فيه غرض، وكأنَّ المعوذتين لقصرهما وكثرة دورهما فى الصلاة والتعوَّذ بهما عند سائر الناس اشتهرت، فذلك اشتهار يستغنى معه عن إثبات ذلك فى المصحف. ¬

_ (¬1) فى س: وما خلق الذكر والأنثى. (¬2) من المعلم والمطبوعة من الحديث، واختصرها القاضى إلى: وإنكاره قراءة وما خلق. (¬3) من المعلم، ولفظها فى المطبوعة: ولا أتابعهم. (¬4) فى س: ومما. (¬5) فى المعلم، س: قراته. (¬6) فى الإكمال: وهو، والمثبت من المعلم. (¬7) فى الإكمال: ويحتمل، والمثبت من المعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " فعرفت فيه تحوُشَ القوم وهيأتهم " كذا رويناه بالشين، ولعل معناه: انقباضهم، والحواشى الذى يخالط الناس، وقد يحتمل أن يكون من الفطنة والذكاء يقال: رجل حوشى الفؤاد، أى حديده، وقد يكون معنى التحوش هنا: الاجتماع حوله يقال: احتوش القومُ فلاناً إذا جعلوه وسطهم.

(51) باب الأوقات التى نهى عن الصلاة فيها

(51) باب الأوقات التى نهى عن الصلاة فيها 285 - (825) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطَلُعَ الشَّمْسُ. 286 - (826) وحدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رشُيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، جَمِيعًا عَنْ هُشِيْمٍ، قَالَ دَاوُد: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العَالِيَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهيه - عليه السلام - عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وفى الرواية الأخرى حتى تشرق. قال الإمام: التنفل بعد الصبح وبعد العصر من غير سبب يقتضيه منهى عنه. واختلف العلماء فيما له سبب كتحية المسجد وشبهه، فمنعه مالك أخذاً بعموم هذا الحديث، وأجازه الشافعى تعلقاً بحديث أم سلمة فى صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العصر الركعتين اللتين بعد الظهر لما شغل عنهما. قال القاضى: تقدم الكلام على هذا (¬1)، وإباحة داود النافلة لسبب ولغير سبب النهار كله، وفى الرواية الأخرى: " حتى تشرق " بيان أنه ليس المراد بالطلوع ظهور قرصها، وإنما هو ارتفاعها وإشراقها، ويبينه سائر الأحاديث الأخر، من نهيه عن التحرى بالصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، والنهى عن الصلاة إذا بدأ حاجب الشمس حتى تبرز، وفى ثلاث ساعات حتى تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وهذا كله عندنا وعند جمهور العلماء فى النوافل. وأما الفرائض فلا خلاف فى قضاء فرض يومه ومنسيته فى هذين الوقتين؛ ما لم تطلع الشمس أو تغرب، فإذا طلعت أو غربت فلا خلاف فى قضاء فرض يومه مع طلوعها وغروبها، إلا شىء روى عن أبى حنيفة أنه لا يقضى صلاة صبح يومه مع طلوعها، وأنها إن طلعت وقد عقد ركعة فسدت عليه، ولا يقوله فى الغروب، لجواز الصلاة بعد الغروب، والأحاديث الصحيحة ترد قوله، وقد تقدم فى حديث " من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " (¬2) الكلام على هذا. ¬

_ (¬1) بل سيأتى إن شاء الله تعالى بعد ثلاثة أبواب. (¬2) وذلك فى ك المساجد، ب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة من حديث أبى هريرة (608/ 163).

أَحَبَّهُمْ إِلَىَّ: أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. 287 - (...) وَحَدَّثَنيه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ: بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ. 288 - (827) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ؛ قَالَ أَخْبَرَنِى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ". 289 - (828) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّى عِنْدَ طُلُوَعِ الشَّمْسِ وَلا عِنْدَ غُرُوبِهَا ". 290 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَحَرَّوا بِصَلاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلا غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَى شَيْطَانٍ ". 291 - (829) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَابْنُ بِشْرٍ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَغِيبَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما منسيات غير يومه، فجمهور العلماء على صلاتها حينئذ، إلا أبا حنيفة فلا يجيز قضاءها فى الأوقات المنهى عن الصلاة فيها، وحمل اللفظ على العموم.

292 - (830) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ خَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ الحَضْرَمِىِّ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِى تَمِيمٍ الجَيْشَانِىِّ، عَنْ أَبِى بَصْرَةَ الغِفَارِىِّ؛ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العَصْرَ بِالمُخَمَّصِ، فَقَالَ: " إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلا صَلاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ " - وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ. (...) وحدَّثنى زُهَيْرِ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ خَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ الحَضْرَمِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِىِّ - وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ أَبِى تَمِيمٍ الجَيْشَانِىِّ، عَنْ أَبِى بَصْرَةَ الغِفَارِىِّ؛ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العَصْرَ، بِمِثْلِهِ. 293 - (831) وحدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، عَنْ مُوسَى ابْنِ عُلَىٍّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهْنِىَّ يَقُولُ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلَّىَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبر فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ": يريد حتى يقف الظلَّ، وهو للقائم بالظهيرة، ولا يظهر له زيادة ولا نقص، لأنه قد انتهى نقصه. وقد اختلف العلماء فى الصلاة للنوافل حينئذ على ما نذكره فى الحديث بعد هذا. وقوله: " حين تضيف للغروب حتى تغرب "، قال الإمام: قال أبو عبيد: معناه: إذا مالت للغروب، يقال منه: ضافت تضيف إذا مالت، وضفت فلاناً، أى (¬1) ملتُ إليه ونزلت به وأضفته [فأنا] (¬2) أضيفه [إذا] (¬3) أنزلته عليك وأملته إليك، والشىء مضاف إلى كذا، أى ممال إليه، والدعى مضاف إلى قوم ليس منهم، أى مسند إليهم. وأضفت ظهرى، أى أسندته، وضاف السهم عن الهدف وضَاف أيضاً (¬4). ¬

_ (¬1) عبارة أبى عبيد: إذا. (¬2) و (¬3) من أبى عبيد. (¬4) غريب الحديث 1/ 19، وعبارته: وفيه لغة أخرى ليست فى الحديث: صافَ السهم: بمعنى صاف، وأما الذى فى الحديث فبالضاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله:" كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهانا أن نصلى فيهن - يعنى فى هذه الثلاث ساعات - وأن نَقْبرُ فيهن موتانا ": يحتمل أن المراد بذلك الصلاة عليها حينئذ، ويحتمل أن يكون على ظاهره من الدفن لما كان الوقت ممنوعاً من العبادات للعلل المتقدمة، تجرى أيضاً أن لا يدفن حينئذ المسلم، وأن يكون دفنه فى غيرها من الأوقات. وقد اختلف العلماء فى الصلاة عليها حينئذ، وفى الأوقات المنهى عن الصلاة فيها، وفى الدفن، فأجاز الشافعى الصلاة عليها فى كل حين ودفنها فى كل حين، وجمهور العلماء على منع الصلاة عليها حينئذ، وعن مالك فى ذلك اختلاف سنذكره فى الجنائز إن شاء الله تعالى. وقوله فى صلاة العصر: " إن هذه الصلاة عُرِضتْ على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين " يحتج به من يراها الصلاة الوسطى.

(52) باب إسلام عمرو بن عبسة

(52) باب إسلام عمرو بن عبسة 294 - (832) حدَّثنى أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ المَعْقِرِىُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو عَمَّارٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ: - قَالَ عِكْرِمَةُ: وَلَقِىَ شَدَّادُ أَبَا أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ. وَصَحِبَ أَنَساً إِلى الشَّامِ. وَأَثْنى عَلَيْهِ فَضْلاً وَخَيْرًا - عَنْ أَبِى أُمَامَة قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِىُّ: كُنْتُ، وَأَنَا فِى الجَاهِلِيَّة، أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَىْءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِى، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا، جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: " أَنَا نَبِىٌّ ". فَقُلْتُ: وَمَا نَبِىٌّ؟ قَالَ: " أَرْسَلَنِىَ اللهُ ". فَقُلْتُ: وَبِأَىِّ شَىْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: " أَرْسَلَنِى بِصَلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَىْءٌ ". قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ ". قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ فَقُلْتُ: إِنِّى مُتَّبِعُكَ. قَالَ: " إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلا تَرَى حَالِى وَحَالَ النَّاسِ؟ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِى قَدْ ظَهَرْتُ فَأتِنِى ". قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِى، وَقَدِمَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ، وَكُنْتُ فِى أَهْلِى، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى نَفَرٌ مِنْ أَهلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى قَدِمَ المَدِينَةَ؟ فَقَالُوا: النَّاسُ إِلَيْهِ سِرِاعٌ، وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله فى حديث عمرو بن عبسة (¬1) حين جاءه للإسلام: " ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت أنى ظهرت فأتنى ": ليس معناه أنه رده دون إسلام، وإنما ردَّه عن صحبته واتباعه؛ لأنه كان فى أول الإسلام وقبل قوته، وقد ذكر أنه لم يكن معه على الإسلام حينئذ إلا حرٌّ وعبد، فخاف عليه لغربته أن تهلكه قريش أو تفتنه. وقد تقدم ما فى ذكر حديثه (¬2) على معرفة الأوقات فى موضعها. ¬

_ (¬1) أسلم قديماً بمكة، وكان أخا أبى ذر لأمه، قال ابن سعد: يقولون: إنه رابع أو خامس فى الإسلام، وقال أبو نعيم: كان قبل أن يسلم يعتزل عبادة الأصنام، مات فى خلافة عثمان. (¬2) الضمير فى " حديثه " هنا يعود على الباب، راجع أحاديث أوقات الصلوات الخمس.

أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَعْرِفُنِى؟ قَالَ: " نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِى لَقِيتَنِى بِمَكَّةَ؟ ". قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، أَخْبِرْنِى عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ، أَخْبرْنِى عَنِ الصَّلاةِ؟ قَالَ: " صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وإنها تطلع حين تطلع بين قرنى شيطان "، قال الإمام: اختلف الناس فى المراد بقرنى الشيطان هاهنا، فقيل: حزبه وأتباعه، وقيل: قوته وطاقته، ومنه قول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِين} (¬1): أى مطيقين، وقيل: إن ذلك استعارةً وكناية عن إضراره، لما كانت ذوات القرون تسلط بقرونها على الأذى استعير للشيطان ذلك، وقيل: القرنان: جانبا الرأس، فهو على ظاهره. قال القاضى: تقدم من هذا أول الكتاب فى حديث الفتنة بالشرق وبها يطلع قرن الشيطان، وأول كتاب الصلاة فى الأوقات، وتقدم الكلام هناك على ما فيه من الأوقات وفى الوضوء على ما فسر من تكفيره للذنوب. وجاء هنا: " خرت خطاياه " بالخاء، أى سقطت وزالت عنه، كذا لجميعهم فى هذا الحرف حيث تكرر، وعند ابن أبى جعفر " جرت " بالجيم فى الأول " ويخرج "، معناه: أى مع الماء، كما فى الحديث الآخر: " خرجت خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء " (¬2). وقوله هاهنا فى الحديث: " فإنها تطلع بين قرنى شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار ": يدل على صحة تأويل من جعله على ظاهره، وأن الشيطان يفعل ذلك ويتطاول لها - كما تقدم - ليخادع نفسه أن السجود له، أو على تأويل من تأول أنهم أتباع الشيطان وعُبَّاد الشمس. وقوله: " حتى تَسْتَقِلَّ (¬3) الظلَّ بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة " وقوله: " فإن حينئذ تسجر جهنم "، قال الإمام: قيل فى تفسير قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور} (¬4) قيل: إنه المملوء وقيل الموقد (¬5). ¬

_ (¬1) الزخرف: 13، والمعنى: أى ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه. راجع: الطبرى 25/ 234، وابن كثير 7/ 207. (¬2) راجع: ك الطهارة، ب خروج الخطايا مع ماء الوضوء (244/ 32). (¬3) فى المطبوعة: يستقل. (¬4) الطور: 6. (¬5) والموقد هو قول قتادة واختيار ابن جرير، ووجهه أنه ليس موقد اليوم فهو مملوء. تفسير ابن كثير 7/ 405.

يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الفَىْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّى العَصرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ ". قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ فَالوُضُوءَ؟ حَدِّثْنِى عَنْهُ. قَالَ: " مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأسَهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا رَأسِهِ مِنْ أَطرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمِيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحِمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَحَّدَهُ بِالَّذِى هُو لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَغَّ قَلْبَهُ للهِ، إِلا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ". فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقيل فى تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَت} (¬1) نحو هذا، صارت ناراً كما يسجر التنور (¬2)، وقيل: فاضت (¬3)، وقيل: خلطت (¬4)، وقيل: لا يبعد أن يكون هذا كله أن تخلط وتفيض وتصير نارًا. ومعنى قوله: " حتى تستقل الظل بالرمح " أن يكون ظله قليلاً، كأنه قال: حتى قلَّ ظلُّ الرمح والباء زائدة، جاءت لتحسين الكلام، كما قالوا فى قوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإلْحَادٍ بِظُلْم} (¬5) {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} (¬6)، وقد رواه أبى داود: " حتى يعدل الرمح ظله " (¬7). قال الخطابى: هذا إذا قامت الشمس وتناهى قصر الظل (¬8). ¬

_ (¬1) التكوير: 6. (¬2) وهو قول مجاهد والحسن بن مسلم. (¬3) وهو اختيار الضحاك. (¬4) لم أجد من قال به من أهل التفسير، وقريب منه قول السدى فتحت وسيِّرت. راجع: تفسير الطبرى 30/ 45، وتفسير ابن كثير 8/ 355. (¬5) الحج: 25. (¬6) المائدة: 6، وجاءت فى النسخ: فامسحوا نتكون لإلصاق بمعنى أنار قد ضمنا الفعل معنى الإلصاق، فكأنه قال: والصقوا المسح برؤوسكم، وفيها معنى آخر وهو التبعيض. (¬7) ك الصلاة، ب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة (1277). (¬8) معالم السنن 2/ 82. ولفظه فيه: وهو إذا قامت الشمس قبل أن تزول، فإذا تناهى قِصرُ الظِلِّ فهو وقت اعتداله. وإذا أخذ فى الزيادة فهو وقت الزوال. =

الحدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ، فِى مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ما أدرى موافقة هذا لى " يعدل "، ولعل معنى " يعدل " هنا يكون مثله، فى أن الظل حينئذ لا يزيد كما لا يزيد الرمح فى طولها، ويكون " يعدل " بمعنى يصرف، كأنه الرمح صرفه ظله عن النقصان إلى الزيادة، ومن الليل إلى المغرب إلى الرجوع إلى المشرق، وأضاف ذلك إلى الرمح لما كان من سببه، وهذا وقت وقوف الشمس، وقد سمعناه على الخشنى من رواية الهوزنى " حتى يستقيل ظل الرمح (¬1) وهذا له عندى وجه بين، أى يقيم ولا تظهر زيادته، والمقيل: المقام وقت القائلة، معنى هذا معنى قولهم: وقف الظل، ووقفت الشمس. وفيه حجة لمن منع الصلاة حينئذ كما منعها طرفى النهار (¬2). وقد اختلف العلماء فى ذلك فمذهب مالك وجمهور العلماء جواز الصلاة حينئذ، وحجتهم عمل المسلمين فى جميع الأقطار فى التنفل إلى صعود الإمام يوم الجمعة المنبر بعد الزوال، وذهب أهل الرأى إلى منع الصلاة حينئذ لنهيه فى هذا الحديث من الصلاة حينئذ، ولقوله فى الحديث الآخر: " حين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس " وقد وقع لمالك التوقف فى المسألة، وقال: لا أنهى عنه للذى أدركت الناس عليه ولا أحبه للنهى عنه، وتأول المبيحون الحديث أن يكون منسوخاً بإجماع عمل المسلمين، أو يكون المراد به الفريضة، ويكون موافقاً لقوله: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم " (¬3) ولتعليله هذا " بأن جهنم تُسجَّرُ حينئذ " وزاد فى غير مسلم: " وتفتح أبوابها " (¬4) وهذا ¬

_ = وقال: وذكر تسجير جهنم وكون الشمس بين قرنى الشيطان، وما أشبه ذلك من الأشياء التى تذكر على سبيل التعليل لتحريم شىء أو لنهى عن شىء أمور لا تدرك معانيها من طريق الحسِّ والعيان، وإنما يجب علينا الإيمان بها، والتصديق بمخبوآتها، والانتهاء إلى أحكامها التى علقت عليها. (¬1) نسبه الأبى للخطابى، وهو وهم. إكمال الإكمال 2/ 438، وفيه جاءت " الهوزنى " الهوزيز. (¬2) قال النووى معلقاً على هذا الكلام النفيس: فى هذا الموضع كلام عجيب فى تفسير الحديث للقاضى عياض - رحمه الله - ومذاهب العلماء نبهت عليه لئلا يغترن 2/ 482. قلت: ولعله يقصد قوله: " ومن الليل إلى المغرب إلى الرجوع إلى المشرق، وأضاف ذلك إلى الرمح لما كان من سببه ". (¬3) سبق فى ك المساجد، ب استحباب الإبراد بالظهر فى شدة الحر (615/ 180)، وقد أخرجه البخارى فى مواقيت الصلاة، ب الإبراد بالظهر فى شدة الحر (533، 534)، أبو داود ك الصلاة، ب فى وقت صلاة الظهر (402)، الترمذى كذلك فى ب ما جاء فى تأخير الظهر فى شدة الحر (157)، النسائى، ك مواقيت الصلاة، ب الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر (500)، ابن ماجه ك الصلاة، ب الإبراد بالظهر فى شدة الحر (677)، الدارمى ك الصلاة، ب الإبراد بالظهر 1/ 274، مالك فى الموطأ، ك وقوت الصلاة، ب النهى عن الصلاة بالهاجرة 1/ 16، أحمد فى المسند 2/ 238، 462. (¬4) النسائى ك المواقيت، ب النهى عن الصلاة بعد العصر 1/ 224.

وَرَقَّ عَظْمِى، وَاقْتَرَبَ أَجَلِى، وَمَا بِى حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ، وَلا عَلَى رَسُولِ اللهِ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا - حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ - مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا، وَلَكِنِّى سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من معنى " فيح جهنم "، لكن يرد هذا التأويل قوله بعده: " فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت "، فدل أنه لم يرد الإبراد بالفريضة، وأن المراد النافلة إذا لم تجز صلاة الفريضة قبل أن تزيغ الشمس.

(53) باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها

(53) باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها 295 - (833) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: وَهِمَ عُمَرُ، إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا. 296 - (...) وحدَّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ يَدَعْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ. قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلا غُرُوبَهَا، فَتُصَلُّوا عِنْدَ ذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " وهم عمر، إنما نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها " مما يحتج به داود، وإنما قالت ذلك عائشة لما روته من صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الركعتين بعد العصر، وقد أخبرت بعلة ذلك وردت الأمر أيضاً فيها إلى أم سلمة، وهى التى سألته عن القصة. والعلة فى صلاتها وما قاله عمر ورواه من ذلك قد رواه أبو هريرة وأبو سعيد الخدرى وغير واحد من أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كما قال ابن عباس فى الأم: منهم عمر، وكان أحبهم إلىَّ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر الحديث. وعند الطبرى: " وكان أحبَّهم إلىَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " والأول الصواب، والله أعلم. ووقع فى بعض نسخ مسلم: " وَهِم عمرو " وهو وهمٌ، وإنما وقع الوهم لأن حديث عائشة جاء فى الكتاب بإثر حديث عمرو بن عبسة، فظن الظانُّ أنه المراد. قوله: " إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروها حتى تغيب " (¬1): مما يحتج به أبو حنيفة لعمومه واختصاصه ذلك الوقت حاجب الشمس أول ما يبدوا منها، وهذا الصحيح. وقيل: قرنها: أعلاها، وحواجبها: نواصيها. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " فأخِّروا الصلاة حتى تغيب ".

(54) باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليها النبى صلى الله عليه وسلم بعد العصر

(54) باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العصر 297 - (834) حدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: اقْرَأ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ. وَقُلْ: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا، وَقَدْ بَلَغنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُمَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ بْنُ الخَطَّابِ النَّاسَ عَلَيْهَا. قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِى بِهِ. فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهُمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِى بِهِ إِلَى عَائِشَةَ. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، أَمَّا حِينَ صَلاهُمَا فَإِنَّهُ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِى نِسْوَةٌ مِنْ بَنِى حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَصَلاهُمَا، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِى بِجَنْبِهِ فَقُولِى لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث عائشة فى صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الركعتين بعد العصر، وأنها كانت تصليهما، وقولها: " ما تركها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندى "، وأن " عمر كان يضرب النَّاسَ على صلاتهم حينئذ " إنما فعل ذلك عمرُ لما سمع من نهى النَّبىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها، وفى رواية السمرقندى عن ابن عباس: " كنت أصْرِف مع عمر الناس عليها " مكان " أضرب " وضرب عمر الناس عليها معلومٌ مأثور فى الموطأ، وغيره (¬1)، وقد جاء بعد أنه يضرب الأيدى عليها، فلعل معنى ضرب الأيدى المنع، فيكون بمعنى أصرف، لكنه قد جاء مبيناً فى غير حديث ضرب عمر بالدرة عليها، وقد أخبرت عائشة وأم سلمة بعد ذلك، وأنه شغل عن الركعتين بعد الظهر فقضاهما، وقالت عائشة: " وكان إذا صلى الصلاة أثبتها " أى داوم عليها قال الخطابى: وقد قيل: إن هذا كان مخصوصاً بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قدمنا اختلاف الأصوليين فيما أمر به غيره ونهاه عنه، هل يدخل هو فى ذلك أم لا؟ وفى حديث أم سلمة حجة على من يرى أنه لا راتبة للعصر، وقد قدمنا الخلاف فيه لقضائه ¬

_ (¬1) الموطأ، ك القرآن، ب النهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر 1/ 221، البخارى فى صحيحه، ك المغازى، ب وفد عبد القيس (437).

يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَسْمَعُكَ تَنْهَى عَن هَاتَينِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟ فَإِن أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأخِرِى عَنْهُ. قَالَ: فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " يَا بِنْتَ أَبِى أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، إِنَّهُ أَتَانِى نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ بِالإِسْلامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِى عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ ". 298 - (835) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - أَخْبَرَنِى مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى حَرْمَلَةَ - قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعتى الظهر، [لأنه شغل عنها ولم يقض راتبة العصر] (¬1)، فدل على اتصال شغله حتى صلى العصر. وقد قيل: إن عمر إنما ضرب الناس عليها حماية لئلا تمتد بهم الصلاة إلى الوقت المحظور، وقد جاء عنه مبيناً فى حديث مع زيد بن خالد. وقوله: " لولا أنى أخشى أن يتخذهما الناس سلماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما " (¬2) وصرف عائشة أن لها عن ذلك إلى أم سلمة. قيل: لما كان عند أم سلمة من علَّةِ صلاته لها، وأنها قضاء ركعتى الظهر، وإن كانت النوافل لا يلزم قضاؤها إذا فات وقتها، لكنه - عليه السلام - كان كما قالت عائشة: " كان إذا صلى صلاة أثبتها "، واستدل بعضهم بفعل عائشة إلى رفع العلم للأعلم والأثبت، لرد عائشة الجواب لأم سلمة، لما علمته من ذلك، وقد ذكر مسلم عن عائشة تعليل ذلك بهذا، فلعلها سمعته من أم سلمة إذا كانت المعنية بالمسألة، والسائلة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها. لكن فى حديث عائشة أنها [قالت] (¬3): ¬

_ (¬1) ساقط من س. وجاء بعدها فى الأصل: ولو كان لم يشغل عنها لقضى حينئذ ركعتى الظهر وهى عبارة فيما أرى مقحمة، لا وجه لها. (¬2) زيد بن خالد كنيته أبو طلحة، ويقال: أبو عبد الرحمن الجهنى كان معه لواء جهينة يوم الفتح، حديثه فى أهل الحجاز، مات سنة ثمان وسبعين. أسد الغابة 2/ 284، الإصابة 1/ 565. والحديث أخرجه عبد الرزاق فى المصنف قال: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت أبا سعد الأعمى يخبر عن رجلٍ يقال له: السائب مولى الفارسيين عن زيد بن خالد الجهنى أنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة ركع بعد العصر ركعتين، فمشى إليه فضربه بالدرة وهو يصلى كما هو، فلما انصرف قال زيد: اضرب يا أمير المؤمنين، فو الله لا أدعُهمُا أبداً، بعد إذ رأيتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصليهما، قال: فجلس إليه عمر، وقال: " يا زيد بن خالد، لولا أنى أخشى أن يتِّخذَها الناس سُلَّمًا إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما " 2/ 432، أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير وقال الهيثمى: إسناده حسن 2/ 223. (¬3) ساقطة من س.

العَصْرِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ العَصْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلاهُمَا بَعْدَ العَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً أَثْبَتَهَا. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: تَعْنِى دَاوَمَ عَلَيْهَا. 299 - (...) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ عِنْدِى قَطُّ. 300 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِىُّ ابْنُ حُجْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِىُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: صَلاتَانِ مَا تَرَكَهُمَا رَسُولُ اللهِ فِى بَيْتِى قَطُّ، سِرًا وَلا عَلانِيَةً، رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ. 301 - (...) وحدَّثنا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ، قَالا: نَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا كَانَ يَوْمُهُ الَّذِى كَانَ يَكُونُ عِنْدِى إِلا صَلاهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَيْتِى - تَعْنِى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدِ العَصْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " قضى ركعتين كان يصليها قبل العصر "، وظاهره خلاف ما تقدم وأنها راتبة العصر، وقد يجمع بينهما أنهما ركعتا الظهر؛ لأنهما إنما يصليان قبل العصر لئلا تختلف الأحاديث، لكن فى حديث عائشة زيادة فائدة بقولها: " ثم أثبتها، وكان إذا صلى صلاة أثبتها ". فجاء هذا مطابقاً لقولها فى الحديث الآخر: " ما تركهما فى بيتى قط " أى بعد قصة أم سلمة. وهذا أولى من قول من قال: كان فعله ذاك عندها سراً، فلذلك لم تخبر به السائل، وإحالته على أم سلمة، وكيف يصح هذا وقد أخبرت به غير واحد، وقالت فى رواية الأسود: " ما تركتهما فى بيتى قط، سراً و [لا] (¬1) علانية ". ¬

_ (¬1) ساقطة من س.

(55) باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب

(55) باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب 302 - (836) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ العَصْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الأَيْدِى عَلَى صَلاةٍ بَعْدَ العَصْرِ، وَكُنَّا نُصَلِّى عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَبْلَ صَلاةِ المَغْرِبِ. فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاهُمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا، فَلَمْ يَأمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا. 303 - (837) وحدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: كُنَّا بِالمَدِينَةِ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ لِصَلاةِ المَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِىَ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الغَرِيبَ لَيَدْخُلُ المَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلاةَ قَدْ صُلِّيَتْ، مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كنا نصلى على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب " وذكر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يراهم يصلونها فلم يأمر ولم ينه، وأنهم كانوا إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السوارى - أى بين الأذان والإقامة - لأنهما إعلامان، وقيل: بل يحتمل أحد الإسمين على الآخر، كما قالوا: العمران. وهذا مما اختلف فيه السلف، فروى عن جماعة من الصحابة والتابعين فعله، وإليه ذهب أحمد وإسحاق، وحجتهم هذه الأحاديث، وروى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وجماعة من الصحابة، أنهم كانوا لا يصلونهما، وهو قول مالك والشافعى، قال النخعى: هى بدعة، قال ابن أبى صفرة: وصلاتها كان أول الإسلام ليتبين خروج الوقت المنهى عن الصلاة فيه بمغيب الشمس، ثم التزم الناس المبادرة لفريضة المغرب لئلا يتباطأ الناس بالصلاة عن وقتها الفاضل. وقد يقال: لأن وقتها واحد على أكثر أقوال العلماء. ولا خلاف بينهم فى المبادرة لها وصلاتها لأول وقتها، والاشتغال بغيرها مخالف لهذا ومسبب للتوانى فى ذلك.

(56) باب بين كل أذانين صلاة

(56) باب بين كل أذانين صلاة (¬1) 304 - (838) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَوَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ " قَالَهَا ثَلاثًا. قَالَ فِى الثَّالِثَةِ: " لِمَنْ شَاءَ ". (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنِ الجُرَيْرِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: فِى الرَّابِعَةِ: " لِمَنْ شَاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(57) باب صلاة الخوف

170 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى، هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَه، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ، حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ". 171 - (...) حدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ أَبُو المُوَرِّعِ، حَدَّثَنَا سَعْدُ ابْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ مَرْجَانَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَنْزِلُ اللهُ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، أَوْ يَسْأَلُنِى فَأَعْطِيَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلا ظَلُومٍ ". قَالَ مُسْلِمٌ: ابْنُ مَرْجَانَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَمَرْجَانَةُ أُمُّهُ. (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: " ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلا ظَلُومٍ ". 172 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ وَأَبُو بَكْرِ ابْنَا أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ - ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه النسائى (¬1) فهذا مفسر لأحد التأويلين، وهو من معنى المروى عن مالك فى تفسير هذا الحديث: ينزل أمره ورحمته، وعلى التأويل الآخر قول الأوزاعى فيه: يفعل الله ما يشاء. وإليه الإشارة فى الحديث نفسه بقوله: " ثم يبسط يديه " عبارة عن نشر رحمته وإستعارة بكثرة عطائه وإجابته وإسباغ نعمته، ولا يعترض على هذا بأن أمره ونهيه وأفعاله فى كل حين لا يختص بوقت دون وقت فقد يكون المراد بالأمر هنا فى هذه القضية يختص لقائم الليل، كما يختص رمضان ويوم عرفة وليلة القدر وليلة نصف شعبان - وغيرها من الأوقات بأوامر من أوامره، وقضايا من قضاياه لا تكون فى سائر الأوقات، كما جاء فى كتاب الله وحديث نبيه - عليه السلام. وقيل يكون النزول بمعنى القول كقوله: {سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} (¬2)، وبمعنى الإقبال على النبى، فيكون النزول إظهار ذلك وتبليغه إلى أهل السماء الدنيا، أو بإقباله على عباده المؤمنين كما فى الحديث، وذلك من أفعاله كما ¬

_ (¬1) فى الكبرى، ك عمل اليوم والليلة، ب الوقت الذى يستحب فيه الاستغفار 6/ 142. (¬2) الأنعام: 93.

أَصْحَابِهِمْ، مُقْبِلِينَ عَلَى العَدُوِّ، وَجَاءَ أُوَلَئِكَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلاءِ رَكعَةً. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الخَوْفِ وَيَقُولُ: صَلَّيْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا المَعْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ برواية ابن عمر، وأخذ أبو حنيفة برواية جابر، ولا معنى للأخذ بها إلا إذا كان العدو فى القبلة؛ لأن فيها أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفَّ بهم صفين والعدو بينهم وبين القبلة، فذكر كون العدو فى القبلة، ولو كان فى دبرها لكانت الصلاة على هذه الهيئة تعرضاً للتلف وركوباً للخطر، وأما رواية صالح التى أخذ بها مالك، ورواية ابن عمر التى أخذ بها الشافعى، فإن لكل واحدة منهما ترجيحاً على صاحبتها. أما رواية ابن عمر - رضى الله عنهما - فإن فيها إثبات قضاء المأموم بعد فراغ الإمام على ما أصلته الشريعة فى سائر الصلوات، ورواية صالح فيها القضاء والإمام فى الصلاة، وهذا خلاف الأصول. وأما رواية صالح فإن فيها من الترجيح أيضاً قلة العمل فى الصلاة، ورواية ابن عمر تضمنت انصراف المأموم وهو فى الصلاة، ومشيه وتصرفه وهو يصلى، وذلك خلاف الأصول. وذهب إسحاق بن راهويه إلى أن الإمام يصلى ركعتين وتصلى كل طائفة ركعة لا أكثر، يحتج له بما فى كتاب مسلم أن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: " فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحضر أربعاً وفى السفر ركعتين وفى الخوف ركعة " ولأن الشرع قد ورد بأن المسافر ردت صلاته إلى الشطر من صلاة المقيم لمشقة السفر، وترد صلاة الخائف على الشطر [أيضاً] (¬1) من صلاة الآمن، لمشقة الخوف. وخرج مسلم فى بعض طرقه عن جابر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صلى أربع ركعات بكل طائفة ركعتين وكانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع ركعات بكل طائفة ركعتان "، وهذا يظهر وجهه على القول بأن المفترض تصح صلاته خلف المتنفل، ولكن إنما يفترض على هذه الطريقة لأنه لم يسلم من الفرض حتى دخل النافلة، ويحتمل أن يكون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقصد بالثنتين الآخرتين التنفل ولكنه كان مخيراً بين القصر والإتمام فى السفر، كما يقول بعض العلماء، فاختار الإتمام واختار لمن خلفه القصر. ولكن يُنْظَر هاهنا فى اختلاف نية الإمام والمأموم فى العدد، وهذا يفتقر إلى بسط، وأما ظاهر القرآن فقد يتأوله صاحب كل مقالة على رأيه، فيقول إسحاق: قال الله تعالى: ¬

_ (¬1) ساقطة من ع.

306 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الخَوْفِ فِى بَعْضَ أَيَّامِهِ، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ العَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبُوا، وَجَاءَ الآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ قَضَتِ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَلِّ رَاكِبًا، أَوْ قَائِمًا، تُومِئُ إِيمَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُم} (¬1)، ولم يطلبهم بزيادة على هذه الركعة فاقتضى ذلك كونها جملة فرضهم، وتأوَّلها مالك على أن المراد به فإذا سجدوا فى الركعة [الباقية عليهم وفرغت صلاتهم فليكونوا من ورائكم، ويرى أن المراد بسجودهم فى الركعة الثانية] (¬2) لا فى الأولى، ويرى الشافعى وأشهب أن المراد بقوله تعالى: فإذا سجدوا الركعة الأولى، ولكن يكونون (¬3) من ورائنا [وهم] (¬4) فى الصلاة؛ لأنه لم يذكر أنهم من ورائنا مصلين أو غير مصلين، ويرى أبو حنيفة أن يكونوا " من ورائنا ": بمعنى يتأخرون إلى مكان الصف الثانى، ويتقدم الثانى ليسجدوا الثانية مع الإمام، وبعض هذه التأويلات أسعد بظاهر القرآن من بعض وبسط ذلك يطول (¬5). قال القاضى: وذكر مسلم فى الأم فى صلاة الخوف أربعة أحاديث، هى التى أشار إليها الإمام أبو عبد الله - رحمه الله -: أولها: حديث ابن عمر: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى بإحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة العدو، - ثم انصرفوا وقاموا مقام أصحابهم مقبلين على العدو "، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلَّم فقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة " وبهذا أخذ الأوزاعى وأشهب من أصحابنا وحكاه فى المعلم عن الشافعى. واختلف فى تأويله، فقيل: قضوا معاً، وهو تأويل ابن حبيب، وعليه حمل قول أشهب، وقيل: قضوا متفرقين، مثل حديث ابن مسعود، وهو المنصوص لأشهب. وذكر حديث ابن أبى حثمة بنحوه، إلا أن فيه: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالطائفة الأولى ركعة ثم ثبت قائماً فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفَّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة ¬

_ (¬1) النساء: 102. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من المعلم، س. (¬3) فى المعلم: يكونوا. (¬4) من س. (¬5) يراجع فى ذلك بحثنا المنشور بحولية كلية أصول الدين، العدد العاشر، العام 1413 هـ، 1993 م، تحت عنوان " مرويات صلاة الخوف عند أهل الرواية والدراية ".

307 - (840) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الخَوْفِ. فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ: صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّف المؤَخَّرُ فِى نَحْرِ العَدُوِّ. فَلَمَّا قَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخرى فصلى بهم ركعة، ثم ثبت جالساً حتى أتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم "، وبهذا أخذ مالك والشافعى وأبو ثور وذكر عنه من طريق آخر " أنه صفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفه ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم " زاد فى كتاب أبى داود (¬1): " بهم جميعاً "، وترجم عليه أن هذه الأولى إذا صلت ركعة (¬2) أو تقدمت لم يسلم. وذكر حديث عطاء وأبى الزبير عن جابر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفهم صفين خلفه، والعدو بينهم وبين القبلة، وذكر أنه (¬3) صلى جميعهم بصلاته، حتى إذا سجد سجد معه الصف الذى يليه، وقام المؤخر فى نحو العدو، فلما قضى السجود سجد الصف المؤخر وقاموا، ثم تقدموا وتأخر المقدم، وذكر فى عملهم فى الركعة الثانية كما ذكر فى الأولى، ونحوه حديث ابن عباس، إلا أنه [بقول]، (¬4): ليس فيه [ذكر] (¬5)، تقدم الصف الثانى فى الركعة الثانية وتأخر الأول، وبهذا قال ابن أبى ليلى وأبو يوسف، إذا كان العدو فى القبلة، وروى عن الشافعى أيضاً مثله، واختاره بعض أصحابنا وأصحابه، إلا أن فى رواية عطاء عن جابر: " صفَّهم صفين خلفه " وليس للفظة صف هنا معنى كما جاءت ساقطة فى غيره، لأنهما جميعاً كانوا خلفه. وذكر - أيضاً - حديث أبى سلمة عن جابر، أنه صلى أربع ركعات بكل طائفة ركعتين، وهو اختيار الحسن، وذكر عن الشافعى، ورواه غير مسلم من طريق أبى بكرة وجابر وأنه سلم من كل ركعتين. وقال الطحاوى: إنما كان هذا أول الإسلام إذ كان يجوز أن تصلى الفريضة مرتين، ثم نسخ ذلك فهذه ستة وجوه فى صلاة الخوف، وفيها وجه سابع رواه ابن مسعود وأبو هريرة وهو الذى أخذ به أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف، وهو ¬

_ (¬1) ك الصلاة، ب صلاة الخوف 2/ 15. (¬2) فى س: ركعتها. (¬3) فى س: أنهم. (¬4) من س. (¬5) ساقطة من س.

النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ بِالسُّجُوَدِ، وَقَامُوا. ثُمَّ تَقَدَّمُ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ المُقَدَّم. ثُمَّ رَكَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرّكُوع وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ نص قول أشهب من أصحابنا، خلاف ما تأول عليه ابن حبيب أن النبى - عليه السلام - صلى بالطائفة التى وراءه ركعة ثم انصرفوا ولم يسلموا، فوقفوا بإزاء العدو وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم سلم، فقضى هؤلاء من ركعتهم ثم سلموا وذهبوا، فقاموا مقام أولئك، ورجع أولئك فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا. والفرق بين هذه الرواية ورواية ابن عمر أن ظاهر قضاء أولئك فى حديث ابن عمر فى حال واحدة، ويبقى الإمام حارساً لهم فيه وحده وهاهنا قضاؤهم متعرف على صفة صلاته، وقد تأول بعضهم حديث ابن عمر على ما فسر فى حديث ابن مسعود. وفيه وجه ثامن، ذكره أبو داود فى حديث ابن مسعود أنه - عليه السلام - كبَّر فكبَّر معه الصفان جميعاً. وفيه أن الطائفة الثانية لما صلت معه ركعة وسلم رجعت إلى مقام أصحابها، وجاءت الطائفة الأولى فصلوا ركعة لأنفسهم فرجعوا إلى مقام أصحابهم، وأتم أولئك لأنفسهم ركعة. وفيه وجه تاسع ذكره أبو داود (¬1) من رواية أبى هريرة أنه قامت مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طائفة مقابل العدو، وظهورهم إلى القبلة، فكبر جميعهم ثم صلى بالذين معه ركعة والآخرون قيام، ثم قام وذهبت الطائفة التى معه إلى العدو وأقبلت تلك فصلى بهم ركعة، ثم أقبلت الطائفة الأولى فصلوا ركعة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد ومن معه، ثم سلم وسلموا جميعاً (¬2). وفيها وجه عاشر من رواية عائشة أنه - عليه السلام - كبر وكبرت معه الطائفة التى ¬

_ (¬1) ك الصلاة، ب من قال: يُصلِّى بكل طائفة ركعةً ثم يُسلم، فيقوم الذين خلفه فيصلون ركعة ثم يجىء الآخرون إلى مقام هؤلاء فيصلون ركعة 1/ 286، من طريق عمران بن ميسرة، ولفظه عنه قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف، فقاموا صفًّا خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفًّا مستقبل العدو، فصلى بهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعة. ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء العدوَّ، فصلَّى بهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعةً ثم سلَّم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعةً ثم سلموا، نم ذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلى العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعةً ثم سلموا. ومن طريق تميم بن المنتصر بلفظ: " فكبَّر نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكبَّر الصفَّان جميعاً ". وقد صلاها عبد الرحمن ابن سمرة على هذه الصورة فى غزوهم أرض كابل بأفغانستان - كما أخرجه أبو داود عن عبد الصمد بن حبيب. (¬2) أبو داود، ك الصلاة، ب من قال: إذا صلى ركعةً وثبت قائماً أتموا لأنفسهم ركعةً ثم سلموا، ثم انصرفوا فكانوا وجاه العدوِّ، واختَلِفَ فى السلام 1/ 283. وكان ذلك عام غزوة نجد.

ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِى يَليهِ الَّذِى كَانَ مُؤَخَّرًا فِى الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ فِى نُحُورِ العَدُوِّ. فَلَمَّاَ قَضَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا. ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا. قَالَ جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تليه وصلى بهم ركعة وسجدة وثبت جالساً، وسجدوا هم السجدة التى بقيت عليهم، ثم انصرفوا القَهْقَرَى [حتى] (¬1) قاموا من ورائهم، وجاءت الطائفة الأخرى فكبَّروا ثم ركعوا - يعنى لأنفسهم - ثم سجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعنى سجدته التى بقيت عليه من الركعة الأولى - فسجدوا معه، ثم قام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأتموا هم السجدة التى بقيت عليهم، ثم قامت الطائفتان فصلى بهم جميعاً ركعة كأسرع الإسراع. وفيه وجه حادى عشر جاء فى حديث ابن أبى حَثْمة من رواية صالح بن خوات بن جبير (¬2)، أن الطائفة الأولى لما صلت ركعتها مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم صلت الركعة الأخرى لأنفسها سلَّمت ثم تقدمت، وجاء الأخرى (¬3)، وهذا خلاف الحديث الآخر الذى ذكر فيه آخراً: " ثُمَّ سلم بهم جميعاً " (¬4). وفيه وجه ثانى عشر من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم فى حديث ابن أبى حثمة: أن النبى - عليه السلام - سلَّم عند تمام صلاته الركعة بالطائفة الثانية، وأتموا بعد سلامه، خلاف الروايات الأخر عن القاسم ويزيد بن رومان أنه انتظرهم حتى قضوا ثم سلَّم (¬5)، وقد اختلف قول مالك فى الأخذ برواية القاسم أو رواية يزيد. وبرواية يحيى عن القاسم ¬

_ (¬1) فى الأصل: حين، وهو تصحيف. (¬2) فى الأصل: حيى، وهو تصحيف. راجع: التاريخ الكبير للبخارى (4)، الترجمة (2795). الجرح والتعديل (4) الترجمة (1746)، تهذيب الكمال (13) الترجمة (2803). (¬3) الباب السابق. من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوَّات عن سهل بن أبى حثمة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بأصحابه فى خوفٍ، فجعلهم خلفه صفين، فصلَّى بالذين يلونه ركعة، ثم قام، فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا وتأخَّر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعة ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلَّم 1/ 283. (¬4) حديث يزيد بن رومان عن صالح بن خوَّات. (¬5) من طريق مالك، ولفظه عن سهل بن أبى حثمة الأنصارى: أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام وطائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو، فيركع الإمام ركعةً ويسجد بالذين معه ثم يقوم، فإذا استوى قائماً ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية، ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم، فكانوا وجاه العدو، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام، فيركع به ويسجد بهم، ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون 1/ 283.

308 - (...) حدَّثنا أَحَمْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالاً شَدِيدًا، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ المُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مِيْلَةً لاقْتَطَعْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ. فَذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذ أكثر أصحاب مالك لصحة [القياس] (¬1) أن القضاء يكون بعد سلام الإمام، وهو اختيار أبى ثور، واختار الشافعى الرواية الأخرى. وفيه وجه ثالث عشر، وهو الذى حكاه الإمام أبو عبد الله عن إسحاق قبل من صلاة الإمام لكل طائفة ركعة، فيكون له ركعتان ولهم ركعة ركعة، وتجزيهم. وذكر أبو داود من [رواية] (¬2) حذيفة وأبى هريرة وابن عمر عنه - عليه السلام - قال: " ولم يقضوا " (¬3) ويعضده الحديث المتقدم فى القصر من قوله: " وصلاة الخوف ركعة "، وذهب أحمد بن حنبل والطبرى وإسحاق وبعض الشافعية إلى التخيير فى العمل [بهذه الأحاديث] (¬4)، وتجويز الجميع منها، قالوا: ويجوز أن يكون ذلك فى مراتب على حسب شدة الخوف، إلا أن أحمد اختار حديث سهل بن أبى حثمة (¬5) وقال إسحاق: كلها جائز، وذلك على قدر الخوف، وخيّر الثورى فيها بين ثلاثة أوجه [بين] (¬6) العمل بحديث ابن مسعود، أو حديث حذيفة، أو حديث [ابن عباس] (¬7)، وهو اختيارى على اضطراب من قول الثورى فى الباب (¬8). قال الخطابى: صلاة الخوف أنواع، صلاها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أيام مختلفة وأشكال متباينة، يتوخى فى كلِّها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ فى الحراسة، وهى على ¬

_ (¬1) من س. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) باب من قال: يصلى بكل طائفةٍ ركعة ولا يقضون 1/ 286. وهو من حديث ثعلبة بن زهدم قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا. قال أبو داود: وكذا رواه عبيد الله بن عبد الله، ومجاهد عن ابن عباس عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله بن شقيق عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأبو موسى رجل من التابعين ليس بالأشعرى جميعاً عن جابر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك رواه سماك الحنفى عن ابن عمر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك رواه زيد بن ثابت عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشوكانى فى النيل: إسناده رجال الصحيح. إعلاء السنن 8/ 163. (¬4) من س، وفى الأصل: بها. (¬5) فى س: خيثمة، وهو خطأ. (¬6) من س. (¬7) فى الأصل: أبى عياش الزرقى. والمثبت من س، وهو الذى ترجح لنا فى دراستنا لمرويات صلاة الخوف حيث قلنا: إن رواية عباس الزرقى لا تصلح لان تكون أصلاً فى المسألة، وذلك لأن عياش الزرقى مختلف فى صحبته، وإنما جاء القول بصحبته من المتأخرين. انظر: بذل المجهود 6/ 328، ورواية ابن عباس هى التى يترجَّح بها كونها ركعة للمأمومين وركعتين فى الرباعية للإمام. (¬8) الذى فى أبى داود هو رواية الثورى بمعنى رواية ابن مسعود عن خصيف 1/ 286.

ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَقَالُوا: إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلاة هِىَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الأَوْلادِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ العَصْرُ، قَالَ: صَفَّنَا صَفَّيْنِ. وَالمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القِبْلَةِ. قَالَ: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا، وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ. فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِى، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ وَتقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِى، فَقَامُوا مَقَامَ الأَوَّلِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا، وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ، وَقَامَ الثَّانِى، فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِى، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلاف صورها [مؤتلفة فى المعانى] (¬1). وهذا يعنى حديث جابر وابن عباس هو الاختيار إذا كان العدو بينهم وبين القبلة (¬2)، فإذا كان وراء القبلة صلى بهم صلاة يوم ذات الرقاع، يعنى على حديث سهل بن أبى حثمة (¬3). قال القاضى: صلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف فى مواطن كثيرة، ذكر ابن القصَّار أنه صلاها فى عشرة مواضع، وذكر غيره أنه صلاها أكثر من هذا العدد. ففى حديث ابن أبى حثمة وأبى هريرة وجابر صلاها فى يوم ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة، وفى حديث أبى عياش الزرقى أنه صلاها بعُسْفان ويوم بنى سُليم، وحديث جابر فى غزاة جهينة وفى غزوة بنى محارب بنخل، وروى أنه صلاها بغزوة نجد يوم ذات الرقاع، وهى غزوة نجد وغزوة غطفان، وقد ذكر بعضهم صلاته إياها ببطن نخل على باب المدينة، وعليها حمل بعضهم صلاته بكل طائفة ركعتين، لكن مسلماً قد ذكرها فى غزوة ذات الرقاع، وأيضاً فقد ذكر سلامه منها من كل ركعتين فى حديث أبى بكرَة وجابر [للدارقطنى] (¬4)، وذكر من حديث أبى بكرة - أيضاً - أنه صلى المغرب بهم أثلاثاً (¬5). وقوله فى حديث جابر من رواية أبى الزبير: " فى الركعة الثانية، ثم سجد وسجد [معه] (¬6) الصف الأول يعنى المقدم الآن. وقوله: " وأقام معه الثانى، فلما سجد الصفَّ الثانى " يعنى المؤخر كما جاء مفسّراً ¬

_ (¬1) من المعلم، والذى فى نسخ الإكمال: متفقة المعنى. (¬2) عبارة المعلم: وهذا النوع منها هو الاختيار إذا كان العدو بينهم وبين القبلة 2/ 64. (¬3) سبق قريباً، ص 221. (¬4) فى جميع النسخ: الدارقطنى، وما أثبتنا هو مقتضى السياق، وقد أخرجها الدارقطنى فى سننه، ك العيدين، ب صفة صلاة الخوف 2/ 91. (¬5) أى ثلاثاً ثلاثاً. وذلك فيما أخرجه عن أبى بكرَة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالقوم صلاة المغرب ثلاث ركعات، ثم انصرف وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات، فكانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ست ركعات وللقوم ثلاث ثلاث. (¬6) ساقطة من الأصل.

قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: ثُمَّ خَصَّ جَابِرٌ أَنْ قَالَ: كَمَا يُصَلِّى أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلاءِ. 309 - (841) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِح بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِى الخَوْفِ، فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ. فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلفَهُمْ رَكْعَةً. ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى رواية عطاء. واختلف العلماء بعد هذا فى صفة صلاة الإمام المغرب فى الخوف، فمالك والشافعى وأحمد وإسحاق وجماعة أنه يصلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة، وأبو حنيفة وأصحاب الرأى مثله إلا أنه يخالف فى صفة القضاء على أصله، بل يخالف أصله فى صلاة المغرب فيجعل إذا سلم الإمام بالآخرة نهضت من غير سلام ولا قضاء إلى مقام أصحابها وجاه (¬1) العدوّ. وجاءت الأولى فلا تقضى على أصله إلا بعد سلام الإمام، فتقوم مقام أصحابها وتقضى ما بقى عليها وتسلّم، ثم ترجع إلى مصافِّها، وتنصرف الأخرى فتقضى ما سبقها به الإمام، وذهب الحسن إلى أن الإمام يصلّى ست ركعات، لكل طائفة ثلاث ركعات. وقوله فى الحديث: " قام فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة " وقوله فى الحديث الآخر: " ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم " لا خلاف فى أن هذا حكم الإمام إذا صلى بكل طائفة ركعة أنه يثبت قائماً، وأما إن كان فى صلاة حضر أو كانت المغرب، فاختلف فيه، هل ينتظرهم قائماً أو جالساً (¬2)؟ واختلف فيه قول مالك وأصحابه، وهل يقرأ ما دام يقضى الأولى إذا كان قائماً أم لا حتى تأتى الطائفة الثانية؟ اختلف فيه أصحابنا، وقال بعضهم: هو مخيّرٌ بين أن يسكت أو يدعو إلى أن تحرم خلفه الطائفة الأخرى الثانية، ولا يقرأ إلا أن يكون فى صلاة سفر، وحيث يمكنه تطويل القراءة حتى تحرم الطائفة الثانية ¬

_ (¬1) فى س: وجاء، وهو خطأ. (¬2) إلى القول بجواز صلاتها فى الحضر إذا وقع الخوف ذهب الشافعى والجمهور، وذلك لعموم قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لهم الصَّلاةَ} [النساء: 102] فلم يقيد ذلك بالسفر. راجع بحثنا السابق ذكره: 275. وقال الشافعى: وكل جهاد كان مباحاً فخاف أهله كقتال أهل البغى، وجهاد قطاع الطريق، ومن أراد مال رجلٍ أو نفسه أو حريمه يُصلِّى، صلاة الخوف، ولأبى حنيفة: تجوز صلاة الخوف من كل خوف كهربٍ من سيل، أو حريق، أو سبع، أو جمل، أو كلب ضار، أو صائل، أو لصٍ، أو ثعبان، أو نحو ذلك ولم يجد معدلاً عنه. راجع: معرفة السنن والآثار 5/ 36.

310 - (842) حدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خلفه قبل تمامها، وحجة من قال: لا يقرأ، قوله: " فصلى بهم الركعة الثانية "، ولو قرأ قبلهم لقال: فركع بهم. وقول ابن عمر: " فإن كان خوفاً أكثر من ذلك فصلِّ راكباً أو قائماً يومئ إيماءً " (¬1) قال فى الموطأ: " مستقبلى القبلة أو غير مستقبليها " (¬2) وبهذا أخذ مالك والثورى والأوزاعى والشافعى وعامة العلماء، وقاله أهل الظاهر لعموم قوله: {فَإِنْ خِفْتُم} الآية (¬3)، قال بعض شيوخنا: هذا بحسب الحال وحسب ما يتفق له من التمكن من الصلاة والقبلة [أم لا] (¬4)، ومنع أبو حنيفة وابن أبى ليلى من صلاة المسُايف، وأنه لا يصلى الخائف إلا إلى القبلة (¬5)، وقال جماعة من السلف: يصلى فى الخوف ركعة يومئ بها إيماء، وهو قول جابر بن عبد الله والحسن وطاووس والحكم وحماد وقتادة ومجاهد، وذلك فى القتال، وقاله الضحّاك قال: فإن لم يقدر على ركعة فتكبيرتان حيث كان وجهه، وقال إسحاق: أمّا عند السِّلة (¬6) فتجزئ ركعة يومئ بها، فإن لم يقدر فسجدة، فإن لم يقدر فتكبيرة (¬7)، وقال الأوزاعى نحوه إذا تهيأ الفتح، لكن إن لم يقدر على ركعة ولا على سجدة لم يجزه التكبير وأخرها حتى يأمنوا، وعن مكحول نحوه، وقد تقدم فى الأم فى باب قصر الصلاة فى حديث ابن عباس: " فرض الخوف ركعة "، ومنع مكحول وبعض أهل الشام من صلاة الخائف جملة متى لم يتهيأ له صلاتها على وجهها، وأنه إن لم يقدر على ذلك ¬

_ (¬1) ولفظه: " فإذا كان خوفٌ أكثرَ من ذلك فصَلِّ راكباً أو قائماً تومئ إيماءً ". وقد نسبه ابن عبد البر فى التمهيد للثورى 15/ 282. (¬2) ك صلاة الخوف، ب صلاة الخوف 1/ 184. (¬3) البقرة: 239. (¬4) من س. (¬5) قالا: لا يصلى الخائف إلا إلى القبلة، ولا يصلى أحدٌ فى حال المسايفة، قال ابن عبد البر: قال الثورى: إذا كنت خائفاً فكنت راكباً أو قائماً أومأت إيماء حيث كان وجهك ركعتين، تجعل السجود أخفض من الركوع، وذلك عند السلة، والسلة المسايفة. التمهيد 15/ 282. (¬6) فى س: السلف. (¬7) لعله أبو إسحاق، فهو وحده الذى وجدنا له رواية فى هذا الباب، ولكنها على غير ما ذكر القاضى. وما ذكره فهو. عن مجاهد والحكم قالا: إذا كان عند الطراد وعند سلِّ السيوف أجزأ الرجل أن تكون صلاته تكبيراً، فإن لم يكن إلا تكبيرة واحدةً أجزأته أينما كان وجهه، مصنف ابن أبى شيبة 2/ 460. أما ما جاء عن أبى إسحاق فى هذا الباب فهو فيما أخرجه ابن أبى شيبة عنه عن الحارث عن على قال: صليت صلاة الخوف مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنه صلاهما ثلاثاً ". وله عنه عن سليم بن عبد عن حذيفة قال: صلاة الخوف ركعتان وأربع سجدات، فإن أعجلك العدوَّ فقد حلّ لك القتال والكلام بين الركعتين. السابق 2/ 465. وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله بن عبيد السبيعى الكوفى.

الخَوْفِ؛ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ. وَطَائِفَةٌ وُجَاهَ العَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وُجَاهَ العَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِى بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأْنفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أخَّرها حتى يقدر (¬1)، وحكى عنهم - أيضاً - إنما ذلك إذا لم يقدروا على صلاتها إيماءً، واحتجوا بصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الخندق وبقوله: " شغلونا عن الصلاة " (¬2) قالوا: ولو كان يجوز صلاتها كيف تهيأت لم يشغله ذلك عنها، والحجة عليهم أن صلاة الخوف إنما شرعت بعد ذلك، فهى ناسخة لكل ما تقدمها، واختلف بعد هذا من قال: يصلى كيف تيسّر عليه فى الطالب (¬3)، مع اتفاقهم فى المطلوب. فمالك يسوِّى بينهما وجماعة من أصحابه، وقال الشافعى والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث: لا يصلى الطالب إلا بالأرض، وهو قول ابن عبد الحكم، إلا أن الشافعى يقول: إن خشى الطالب كرّةَ المطلوبين وانقطع عن أصحابه، كان له أن يصلى إيماءً. وقال الأوزاعى نحوه إن كان الطالب قرب المطلوب صلى إيماء. واختلفوا - أيضاً - فيما يباح له من العمل فى الصلاة فجمهورهم على جواز كل ما يحتاج إليه فى مطاردة العدو، وما يضطر إليه من مدافعته والمشى إليه، وقال الشافعى: إنما يجوز من ذلك الشىء اليسير والطعنة والضربة، فأما ما كثر فلا تجزيه الصلاة به، ونحوه عن محمد بن الحسن. وقوله: " وُجَاهَ العدوِّ " بكسر الواو وضمِّها، مثل قوله: مواجهة العدوّ، أى مقابلته، كما قال فى الحديث الآخر: " وجوههم إلى العدو " وقوله فى الرواية الأخرى: " فى نحر العدوِّ " وبمعناه، أى فى مقابلته، ونحو كلِّ شىء أوله. وقوله فى حديث جابر: " ستأتيهم صلاة هى أحب إليهم من الأولاد " كذا روايتنا عن شيوخنا، وعند بعضهم: " من الأولى " والصواب الأول، وكذا رواها ابن أبى شيبة: " وقال: هى أحب إليهم من أبنائهم " (¬4). ورواه الدارقطنى (¬5) من حديث عبد الرزاق كذلك وزاد. " وأنفسهم ". ¬

_ (¬1) حكاه ابن عبد البر عن الأوزاعى. التمهيد 15/ 282. (¬2) الحديث سبق فى كتاب المساجد، ب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هى صلاة العصر (36). (¬3) والمراد بالطالب هو الذى يكون فى طلب العدو، سائراً خلفه ليقتله. (¬4) المصنف 2/ 465، ولفظها فيه: " هى أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم ". (¬5) فى السنن، ك الصلاة، ب صفة صلاة الخوف وأقسامهَا 2/ 59، وعبد الرزاق فى المصنف، ب كيف كانت الصلاة قبل صلاة الخوف 2/ 505.

311 - (843) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرَطَهُ. فَقَالَ لِرسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِى؟ قَالَ: " لا ". قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى؟ قَالَ: " اللهُ يَمْنَعُنِى مِنْكَ ". قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ. قَالَ: فَنُودِىَ بَالصَّلاةِ. فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكْعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ. 312 - (...) وحدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْن حَسَّانَ - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - وَهُوَ ابْنُ سَلامٍ - أَخْبَرَنِى يَحْيَى، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ صَلَّى مَع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الخَوْفِ، فَصَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكْعَاتٍ، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بذات الرقاع ": غزوة ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة بنجد من أرض غطفان (¬1)، سميت بشجرةٍ هناك يقال لها ذات الرقاع، وقيل: فيها فرضت صلاة الخوف، ¬

_ (¬1) هذا ما ذهب إليه ابن سعد وابن حبان. وعند أبى معشر أنها كانت بعد بنى قريظة والخندق، ولما كانت غزوة قريظة فى ذى القعدة سنة خمس فتكون ذات الرقاع فى آخر السنة وأول التى تليها، وجزم موسى بن عقبة بتقدم غزوة ذات الرقاع، لكن تردَّد فى وقتها، فقال: لا ندرى كانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها. قال الحافظ: وهذا التردد لا حاصل له، بل الذى ينبغى الجزم به أنها بعد غزوة بنى قريظة الفتح 7/ 482. قلت: وقد ذهب أهل المغازى إلى أنها كانت قبلها، ثم اختلفوا فى زمانها، فعد ابن إسحاق: أنها بعد النضير وقبل الخندق سنة أربع، قال: أقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد غزوة بنى النضير شهر ربيع وبعض جمادى - يعنى من سنته - وغزا نجداً يريد بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان، حتى نزل نخلاً، وهى غزوة ذات الرقاع. وإلى القول بأن " ذات الرقاع " كانت بعد خيبرٍ مال الإمام البخارى. السابق. وغزوة " ذات الرقاع " هى غزوة محارب خصفة من بنى ثعلبة من غطفان، وكان سببها أن أعرابياً قدم بجلب إلى المدينة فقال: إنى رأيت ناساً من بنى ثعلبة ومن بنى أنمار، وقد جمعوا لكم جموعاً وأنتم فى غفلةٍ عنهم، فخرج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أربعمائة ويقال: سبعمائة. فتح البارى 7/ 481.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: فى غزوة بنى النضير، وقيل: سميت هذه الغزوة ذات الرقاع بجبلٍ هناك يقال له: الرقاع لبياض وحمرة وسواد فيه، وقيل: بل لأن المسلمين [نقبت] (¬1) أقدامهم وتخرَّقت نعالهم، فلفُّوا الرقاع على أرجلهم، وكذا فسّره فى الأم وقيل: بل رقعوا راياتهم. ¬

_ (¬1) فى الأصل تعبت، والمثبت من س، والأبى، وهى ما جاءت به رواية البخارى، ك المغازى، ب غزوة ذات الرقاع 5/ 145.

7 - كتاب الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم 7 - كتاب الجمعة 1 - (844) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يأتِىَ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ ". 2 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ - وَهُوَ قَائمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ -: " مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ". (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ وَعَبْدِ اللهِ ابْنَىْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِمِثْلِهِ. 3 - (845) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَة، دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّة سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنِّى شُغِلْتُ الْيَوْمَ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِى حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَن تَوَضأتُ. قَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا! وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ! 4 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ؛ فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النَّدَاءِ! فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضأتُ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ. فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا! أَلَمْ تَسْمَعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ ". (1) باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به 5 - (846) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءٍ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْغُسْلُ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث الأمر بالغسل يوم الجمعة وقوله - عليه السلام -: " غسل (¬1) يوم الجمعة واجب على كل محتلم "، قال القاضى: اختلف السلف والعلماء فى غسل الجمعة، فروى عن بعض الصحابة وجوبه، وبه قال أهل الظاهر، وتأول ابن المنذر أنه مذهب مالك وحكاه الخطابى عنه وعن الحسن، وعامة فقهاء الفتيا وأئمة الأمصار على أنه سنة، وهو حقيقة مذهب مالك والمعروف من قوله ومعظم قول أصحابه، وجاء عنه ما دلّ على أنه مستحب، وقال به طائفة من العلماء، وقال بعضهم: الطيب يجزئ منه. ومعنى ذكر وجوبه هاهنا التأكيد فى امتثاله وتشبيهه بغسل الجنابة فى الحديث الآخر (¬2)، أى فى صفة العمل لا فى وجوب الحكم. قال الإمام: [" والغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم "] (¬3). من الفقهاء من أخذ بظاهر [الحديث] (¬4) ورأى [أن غسل الجمعة] (¬5) يجب، وأكثر الفقهاء أنه لا يجب، تعلقًا بقوله - عليه السلام -: " من أتى الجمعة وقد توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل " (¬6). وقوله: " فبها ونعمت ": يفيد جواز الاقتصار على الوضوء، ولو كان ممنوعًا من الاقتصار عليه لم يقل: " فبها ونعمت "، وأيضاً فإنه قال: " ومن اغتسل فالغسل أفضل " فدل على أن فى الوضوء فضلاً حتى تصح المبالغة، واعتمدوا - أيضاً - على قول عمر على المنبر للداخل عليه لما قال له: " ما زدت على أن توضأت " فقال عمر: " والوضوء أيضاً؟ " ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " الغسل ". (¬2) طريق قتيبة بن سعيد. وفى التمهيد: وقد يحتمل أن يكون قوله: واجب، أى وجوب السنة، أو واجب فى الاخلاق الجميلة، كما تقول العرب: وجب حقك 16/ 212. (¬3) فى المعلم. (¬4) فى المعلم: هنا. (¬5) فى الإكمال: أنه. (¬6) أبو داود، ك الطهارة، ب الرخصة فى ترك الغسل يوم الجمعة 1/ 96، والترمذى، أبواب الصلاة، ب ما جاء فى الوضوء يوم الجمعة 2/ 369، وقال فيه: حديث حسن، والنسائى فى الكبرى، ك الجمعة، ب فضل الغسل 1/ 522.

6 - (847) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسىَ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْعَوَالِى، فيَأتُونَ فِى الْعَبَاء، وُيصِيبُهُمُ الْغُبَارُ، فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ؛ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ أَهْلَ عَمَلٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ، فكَانُوا يَكُونُ لَهُمْ تَفَلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يأمره بالغسل. قال القاضى: وهذا قول من عمر وإقرار بمحضر جماعة الصحابة، ولا منكر له ولا مخالف، فهو كالإجماع، وعامة الفقهاء والأصوليين منهم يَعدون هذا إجماعًا، وحجةً، وقال آخرون: وفى قول الواحد من الصحابة إذا انتشر (¬1) ولم يعلم له مخالف وسكوتهم كالنطق، وقال آخرون: هذا حجة وليس بإجماع، والذى اختاره محققو الأصوليين: أن هذا كله ليس بإجماع، والسكوت ليس كالنطق، وهو اختيار القاضى أبى بكر وطبقته، وقد جاء فى الكتاب: " غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب " ولا خلاف فى السّواك والطيب فكذلك الغسْلُ، وقد قال بالاستدلال بالقرآن قوم من الأصوليين، قال الخطابى: ولم تختلف الأمة أن صلاة من كان يغتسل للجمعة جائزةٌ. وقد ذكر مسلم حديث عائشة فى علة الغسل أن الناس كانوا ينتابون الجمعة من منازلهم فيأتون فى العباء ويصيبهم الغبار، فتخرج منهم الريحُ، وأنهم كانوا عمال أنفسهم، ولم يكن لهم كُفاةٌ، فكان يكون [لهم] (¬2) تفلٌ، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو اغتسلتم يوم الجمعة " و" لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا " هذا كله يدل على الحضِّ والترغيب لا على الوجوب، وكذا وقع عند السمرقندى والطبرى وعامة الرواة: " فى العباء "، وعند العذرى وغيره: " فى الغبار " وهو وَهْم، والصواب الأول. والعباء جمع عباءة، وهى أكسية خشان فيها خطوط. وقوله: " ينتابون ": أى يأتون، والانتياب المجىء والاسم النوب، وأصله ما كان من قرب. قيل: النوب ما كان على فرسخ أو فرسخين. والكُفاةُ جمع كافٍ، أى عبيد وخدم يكفونهم الخدمة والعمل. وقوله: " ولهم تفل " بفتح التاء والفاء، أى رائحة كريهة، وفى قوله: " ينتابون ¬

_ (¬1) فى س: اشتهر. (¬2) ساقطة من الأصل.

فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمعة من منازلهم [ومن] (¬1) العوالى ": ردّ على الكوفى الذى لا يوجبها على من خارج المصر؛ لأن عائشة هنا أخبرت عن أمر يتكرر منهم لظاهر قولها: " كانوا ". وقد اختلف فى المسألة، فقال الكوفيون ما تقدم، ومالك وأصحابه يوجبونها على من [كان] (¬2) خارج المصر بثلاثة أميال ونحوها. قال مالك: وعلى من سمع النداء، ونحوه قول (¬3) أحمد وإسحاق والشافعى إلا أنهم لم يحدّوا الثلاثة الأميال. واختلف أئمتنا هل ترعى الثلاثة الأميال من طرق المدينة أو من المنار، ولا خلاف أنها تجب على أهل المصر وإن عظم وزاد على ستة أميال، إلّا شيئًا روى عن ربيعة أن الجمعة إنما تجب على من إذا سمع النداء وخرج ماشيًا أدرك الصلاة، وروى عن جماعة من السلف أنها تجب على من آواه الليل إلى أهله، فيأتى على هذا من يكون على نصف يوم، وهو مذهب الحكم والأوزاعى وعطاء وأبى ثور، وذهب الزهرى أنها تجب على من هو من أهل المصر على ستة أميال، وروى عنه وعن ابن المنكدر وربيعة أربعة أميال، وذكر بعض الشارحين أن فى قوله: " على كل محتلم " دليلاً على سقوطها على الصبيان، وهذا بيّنٌ، قال: وعن النساء إِذْ الغالب عليهن فى التكليف الحيض لا الاحتلام، وفى ما قاله ضعف. وفى قوله: " ينتابون فى العباء " و " يصيبهن الغبار " وفى رواية: " والعرق، فيكون منهم الريح " (¬4) دليل على أن معنى التهجير لها السّعى فى الهاجرة، على ما ذهب إليه مالك، وأن سعيهم إليها لم يكن بُكرةً، على ما ذهب إليه المخالف، ولو كان أفضل لفعلوه، والعرق وخروج الريح لا يكون إلا مع الحرّ والهاجرة. وقد اختلف أصحابنا متى يجب السّعى إليها؟ هل بالنداء أو بالزوال (¬5) أو بمقدار ما يأتى المسجد قبل الشروع فى الخطبة؟ والخلاف فى ذلك مبنىٌ على: هل يلزم الحضور لسماع الخطبة، ومن شرطها الجماعة؟ وهو المتأول على المدونة، أو ليس ذلك بشرط؟ وهو قول أبى حنيفة وظاهر قول جماعة من أصحابنا، ولا خلاف أن من بعدت دارُه فى المصر حتى لو جاء عند الأذان فاتته الصلاة أنه لا ينتظر الأذان، وعليه السعى قبل المقدار ما يدرك الخطبة أو الصلاة، على القولين المتقدمين. قال الإمام: السفر عندنا يمنع يوم الجمعة إذا زالت الشمس لدخول وقت صلاة الجمعة، ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: من. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: قال. (¬4) أخرجه ابن حبان من طريق عروة بن الزبير عن عائشة، بلفظ: " ويصيبهم الغبار والعرق فيخرج منهم الريح " ك الطهارة، ب غسل الجمعة 4/ 39 وانظر: أسباب ورود الحديث 135، 136، وكذا أخرجه البخارى، ك الجمعة، ب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب؟ 2/ 8 عن عائشة. (¬5) فى الأصل: بالنزول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتوجه (¬1) الخطاب خلافًا لمن منعه قبل الزوال، فإن كان فى مصر يعلم أنه لا يصل من منزله إلى الجامع إلا أن يخرج قبل الزوال لساعة (¬2) أو ساعتين [فأراد] (¬3) السفر فهل (¬4) يكون المنع معلقاً بالزوال الذى خوطب به الناس على العموم أو معلقًا بزمن خروجه من داره الذى يصل فيه (¬5) إلى الجامع؟ اختلف فيه أصحابنا على قولين، وكذلك اختلفوا على قولين فى مراعاة ثلاثة أميال التى هى المقدار المقدّر بها إتيان الجمعة، هل المعتبر من الجامع أو من طرف المصر، وهذا فيمن كان سكناه خارجًا عن المصر. قال القاضى: وقوله - عليه السلام -: " لو أنكم تطهرتم ": دليل على تنزيه المساجد عن الأرواح الكريهة، ولما لم تكن هذه من الكراهة مثل رائحة البصل والثوم وإنما كانت مثل ريح الضأن، كما ذكر فى الحديث، لم يمنع أهلها من حضور المساجد، لكنهم حُضّوا على إزالتها والتنظيف جملة، ولأنها كانت من الغالب، والأكثر منهم، وكثر إلفُها لهم والأنس بها، ولو أن جماعة مسجد كلهم أصحاب أرواح كريهة كالحواتين (¬6) وأشباههم يُخالطهم فى مسجدهم غيُرهم لم يمنعوا منه، بخلاف لو كان معهم غيرهم ممن يتأذى بذلك. وأمره بالطيب للجمعة من هذا لقطع تلك الروائح وإدخال المنفعة والمسرة بذلك على من يجالسه من المسلمين، وتعظيم لحرمة المسجد، ولأجل الملائكة الكاتبين فيه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: ويوجه، وفى س: وتوجيه، والمثبت من المعلم. (¬2) فى الإكمال: بساعة، والمثبت من المعلم. (¬3) فى الأصل: فإذا أراد، والمثبت من المعلم وس. (¬4) فى الأصل: هل. (¬5) فى الأصل: به، والمثبت من س والمعلم. (¬6) بائعو السمك.

(2) باب الطيب والسواك يوم الجمعة

(2) باب الطيب والسواك يوم الجمعة 7 - (846) وحدّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ العَامِرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِى هِلَالٍ وَبُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ، حَدَّثَنَاهُ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَسِوَاكٌ، وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ". إِلَّا أَنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَذْكُرْ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ فِى الطِّيبِ: وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ. 8 - (848) حدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيَجٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الغسل [يوم الجمعة] (¬1) واجب على كل محتلم ": دليل على وجوب الجمعة على الأعيان. وسيأتى الكلام عليه لقوله: " على كل محتلم "، وفيه أن من لا يلزمه السعى إليها (¬2) من غير المحتلمين وغيرهم فلا غسل عليه، وقد استحب العلماء، لمن حضرها ممن لا تلزمه كالنساء والعبيد والصبيان الغسل إذا حضرها، وهذا (¬3) مذهب مالك. وقوله: " ويمسّ من الطيب ما قدر عليه ": يحتمل لتكثيره، ويحتمل لتأكيده مما وجده من طيب، وبدليل قوله: " ولو من طيب امرأته " (¬4)، يريد المكروه للرجال، وهو ما ظهر لونه، فأباحه هنا له لعدم غيره وللضرورة إليه، وهذا يدل على تأكيده. وقول عمر للداخل عليه وهو يخطب: " أية ساعة هذه؟ " على طريق التقرير والتوبيخ والتعريف للداخل، بما فاته من فضل التهجير، وأنه وقت طىِّ الصحف. وفيه أمر الإمام فى خطبته بالمعروف ونهيه عن المنكر إذا حضره وسؤاله [من] (¬5) يحتاج سؤاله فى أمور الناس، وجواب الآخر له، وأن ليس أَحَدٌ (¬6) منهم لاغيًا، وإنما اللاغى من أعرض عن استماع الخطبة وشغل نفسه عنها بكلام أو غيره، مما يمنعه من السماع. ¬

_ (¬1) فى الأصل: للجمعة، والمثبت من س والمطبوعة. (¬2) فى الأصل: عليها، والمثبت من س. (¬3) فى الأصل: وهو، والمثبت من س. (¬4) طريق عمرو بن سواد بلفظ: " المرأة ". (¬5) فى س: لمن. (¬6) فى س: واحدٌ.

قَالَ طَاوُسٌ: فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: وَيَمَسُّ طِيبًا أَوْ دُهْنًا، إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عثمان وهو الداخل (¬1) - رضى الله عنهما - كما جاء مفسرًا فى الحديث الآخر فى الكتاب: " شغلت فلم أنقلب إلى أهلى حتى سمعت النداء " (¬2) فى الموطأ: " انقلبت من السوق " (¬3) فى ذلك كله أبدى عذره، وأنه لم يقصد التأخير اختيارًا، وإنما غافصه الوقت (¬4) لشغله قبل. وفيه جواز العمل يوم الجمعة قبل النداء والتجارة والمبايعات، وقد كان أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرهون ترك العمل يوم الجمعة كى لا يتشبَّه باليهود. وقوله: " فلم أزد على أن توضأت ": اعتذارٌ وإعلامٌ أنه لم يشتغل منذ سمع النداء بغير فرض الطهارة، ولعله إنما ترك الغُسْلَ لأنه رأى أن السعى قد تعيَّن عليه ووجب بالنداء والغسل غير واجبٍ، والشغل به وتطلب الماء له شغل عن الواجب، فلم يشتغل بغير الفرض من الوضوء؛ ولهذا قالوا: لم يرده عمرُ للغسل، وإن كان أنكر عليه ترك الغسل. وقوله: " والوضوء أيضًا! ": تنبيه لئلا يتشاغل مرة أخرى حتى يضيق عليه الوقت ويفوته، ورأى أن استماعه للخطبة آكد وأولى من رجوعه للغسل. وقوله: " وقد علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بالغسل ": يحتج به من لا يرى الأوامر على الوجوب إلا بقرينة بدليل فعل عثمان وإقرار عمر، وترك إنكار الصحابة وترك الغسل مع اعترافهم بالأمر به، و [قد] (¬5) جاء فى الحديث الآخَرِ: " فعرَّض به عمر " وقال: (¬6) " ما بال رجال يتأخرون بعد النداء؟ " أى لم يُصَرِّح بالإنكار عليه والتوبيخ له. فيه حسن التلطف فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وترك الواجهة بخشن القول وصريح الإنكار، وكثيرًا ما كان يفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل هذا، ولاسيما لأهل الفضل ولمن لا يُظَنَّ به إلا الخير، أو من له عذر، وكذلك قوله (¬7) المتقدم: " أيةُ ساعةٍ هذه " كله من لطيف التنبيه، وأنه لا يلزم فى التنبيه على ترك غير الواجبات والأمر بها إلا ميسور القول ألا ترى قولَ عمر: " والوضوء أيضًا " الحديث. ¬

_ (¬1) فى س: الداخل عليه. (¬2) الذى فى المطبوع: إنى شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلى حتى سمعت النداء. (¬3) ك الجمعة، ب العمل فى غسل يوم الجمعة 1/ 102. (¬4) المغافصة: الأخذ على غِرَّةٍ. (¬5) من س. (¬6) فى المطبوعة: فقال. (¬7) فى س: القول.

9 - (849) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " حَقٌّ للهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَنْ يَغْتَسِلَ فِى كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، يَغْسِلُ رَأسَهُ وَجَسَدَهُ ". 10 - (850) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَة، ومَنْ رَاحَ فِى السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قول عثمان: " سمعتُ النداء ": حجة أنَّ السعى إنما يجبُ بسماعِه، وأن شهود الخطبة ليس بواجبٍ على مقتضى قول أكثر أصحابنا، ولا يشترط فى صحة صلاة الجمعة، على قول آخرين، وأنه (¬1) لم يعتذر عن تأخره إلى وقت سماع النداء، ولا عاتبه عمر على هذا، ولو كان السعى يجب قبله لم تكن له فيه حجةٌ ولا عذر. وقوله: " حق لله (¬2) على كل مسلم أن يغتسل فى كل سبعة أيام ": محمول على غُسل الجمعة عندنا، وقد يحتج به من يوجب الغسل لمجرد اليوم. وقوله: " إذا أراد أحدكم أن يأتى الجمعة فليغتسل ": حجةٌ لقول كافة العلماء: إن الغسل إنما هو بحضورها لا لليوم، وأن من لا يحضرها لا غسل عليه، واختلف فيمن حضرها ممن لا تلزمه، هل عليه غسل أم لا؟ وحكى عن بعض السلف أنه يغتسل، وإن كان مسافرًا، وهو قول أبى ثور، وأنه لا يترك الغسل بحال، وهذا الحديث يرد عليهم، فرأوا الغسل لليوم، وعلى هذا اختلفوا فيمن اغتسل بعد الفجر، هل يجزيه رواحه به إذا قربت الصلاة؟ فجمهورهم على الإجزاء، وهو قول ابن وهب من أصحابنا، وأبى ذلك مالك إلا أن يكون متصلاً برواحه، وهو أحد قولى الليث، والأوزاعى. وقوله: " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرَّب بدنة، ومن راح فى الساعة الثانية " الحديث، قوله: " غسل الجنابة ": أى على صفة غسل الجنابة وهيئته، وقد يحتج به من يذهب فى قوله: " من غسَّل واغتسل " (¬3) أنه جامع، يروى "غسل " ¬

_ (¬1) فى س: إن. (¬2) فى س: الله. (¬3) النسائى وابن ماجه وأحمد وابن خزيمة وغيرهم من حديث أوس بن أوس ولفظه كما فى النسائى: " من غسَل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا من الإمام، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها " ك الجمعة، ب فضل غسل يوم الجمعة 3/ 77. ولفظ ابن ماجه: " من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها " ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فى الغسل يوم الجمعة 1/ 346. وانظر: أحمد فى المسند 4/ 9، وابن خزيمة فى صحيحه 3/ 138.

فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنْ، وَمَنَ رَاحَ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتخفيف والتشديد، يقال: غسَّل وغسَل، إذا جامع، أو يكون أوجب الغسل على غيره، أو يكون غسَّل من الجنابة بالتشديد، وغسَل بالتخفيف للجمعة؛ لأنه إذا فعل ذلك كان أغض لبصره فى سعيه للجمعة، وقيل: غسَل هنا أسبغ الوضوء، واغتسل: أى للجمعة، وقيل: غسل رأسه واغتسل فى بقية جسمه، وقيل غسّل بالتشديد، بالغ فى دلك [جسمه] (¬1) وتنظيفه، واغتسل بصب الماء عليه، وقد قيل فى رواية البخارى: " من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر " (¬2) قيل: اغتسل غسلاً كاملاً إن أمكنه، وإلا تطهر بالوضوء، كما قال فى الحديث الآخر: " من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل ". قال الإمام: قوله - عليه السلام -: " من راح إلى الجمعة " الحديث، حمل مالك الحديث على أن المراد به بعد الزوال تعلقًا بأن الرواح فى اللغة لا يكون فى أول النهار، وإنما يكون بعد الزوال، وخالفه بعض أصحابه، ورأى أن المراد به أول النهار تعلقًا بذكر الساعات [فيه] (¬3) الأولى والثانية [والثالثة] (¬4) [إلى ما ذكر] (¬5)، وذلك لا يكون إلا من أوَّل النهار، فمالك تمسك بحقيقة الرواح وتجوَّز فى تسمية الساعة، ويؤكده عنه أيضًا قوله فى بعض طرق الحديث: " مثل المهجَّر كمثَلِ الذى يهدى بدنة " الحديث (¬6)، التهجير لا يكون أوَّلَّ النهار، وتمسك بعض أصحابه بحقيقة لفظ الساعة، وتجوَّز بلفظ الرواح. قال القاضى: اختلف تفسير أهل اللغة فى التهجير فى هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى أنه السيرُ فى الهاجرة، وكذا معناه فى مختصر العين، وحكاه الحربى عن أبى زيد عن الفرَّاء وغيره، وحكى عن الخليل أنه التبكير، وبه فسروا قوله: " ولو يعلمون ما فى التهجير لاستبقوا إليه " (¬7) أى التبكير إلى كل صلاة، وذهب بعض أصحاب الشافعى فى تأويله، قال: معناه هجر منزله وتركه، ولذلك قال بعضهم - أيضًا - فى قوله: " راح " أن معناه: خفَّ (¬8) إليها، ويقال: تروَّح القوم وراحوا إذا ساروا أىَّ وقتٍ كان، وأقوى معتمد مالك فى المسألة وكراهية البكور إليها خلاف ما قاله الشافعى، وأكثر العلماء وابن ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) ك الجمعة، ب لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة 2/ 392. (¬3) و (¬4) من المعلم. (¬5) سقط من المعلم. (¬6) سيأتى إن شاء الله تعالى فى ب فضل التهجير يوم الجمعة برقم (7)، وقد أخرجه أيضًا البخارى، ك الجمعة، ب الاستماع إلى الخطبة 2/ 14، والنسائى، ك الجمعة، ب التبكير إلى الجمعة 3/ 80. (¬7) سبق فى ك الصلاة، ب تسوية الصفوف وإقامتها 1/ 325، وقد أخرجه البخارى أيضاً، ك الأذان، ب الاستهام فى الأذان 1/ 160. (¬8) فى الأصل: أخفَّ، والمثبت من س.

السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِى السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ حبيب من أصحابنا على عمل المدينة المتصل بترك ذلك، وسعيهم إليها قرب صلاتها وهو نقل معلومٌ غير منكر عندهم، ولا معمول بغيره، وما كان أهل عصر النبى - عليه السلام - ومن بعدهم ممن يترك الأفضل إلى غيره ويتمالؤون على العمل بأقل الدرجات، ومما يؤيد تأويله - أيضاً - أنه لو كان كما تأوله غيرُه فى سائر ساعات النهار كان حكم [الساعات] (¬1) كلها فى الفضل واحد، ثم الثانية كذلك ثم الثالثة، على الترتيب. قد جاء فى الحديث: " يكتبون الأول فالأول "، وفى الحديث الآخر: " فالمهجر كمثل الذى يهدى بدنة "، وفى الرواية الأخرى: " ثم الذى يليه، ثم الذى يليه، ثم الذى يليه " وهذا يقتضى أن يكون فى ساعة واحدة، [وأيضًا] (¬2)، فإنَّ الزوال إنما هو فى آخر الساعة السادسة وقد انقضت على قولهم الفضائل فى الخامسة، وإنما انقطعت فى الحديث بخروج الإمام، فلم يبق على قولهم للسادسة إلى خروج الإمام فضل، وهو خلاف الحديث. ومعنى الساعة الأولى والثانية والثالثة على هذا أجزاؤها أو وقت رواحه على طريق التقريب كما يقال: اقعد بنا ساعة، ولم يرد ساعة الزمان المعهودة. والبدنة من الإبل ما أهدى إلى الكعبة، سميت بذلك لأنها تُبَدَّنُ، والبدانة السمن، والجزور - أيضاً - لا يكون إلا من الإبل، وقد يحتج بهذا الشافعى وأبو حنيفة فى تفضيل البُدنِ فى الضحايا على الغنم، وأنها أفضل، ثم البقر، ثم الغنم، وسووا بين الهدايا والضحايا وسائر النسك، ومالك وأصحابه يقولون: أما فى الضحايا فالضأن أفضل من الماعز، ثم البقر، ثم الإبل، من أصحابنا من قدَّم الإبلَ على البقر ووافقوا فى الهدايا، وحجتهم قوله تعالى: {وَفدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم} (¬3)، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما ضحى بالضأن، وما كان ليترك الأفضل كما لم يتركه فى الهدايا، ولأن الغرض فى الضحايا استطابة اللحم وفى الهدايا كثرتُه. وقوله: " بدنة ثم بقرة ": يحتج به عطاءُ فى أن البدن لا تكون إلا من الإبل وحدها، ومالك يرى البقر من البدن، وفائدة هذا فيمن نذر بدنة يكون ببلد لا يجدون إلا البقرة، وذلك عند عدم الإبل أو قصر النفقة. وقوله: " أهدى دجاجة وأهدى بيضة " وليس هذان مما يطلق عليه اسم هدى، لكنه لما عطفه على ما قبله من الهدايا وجاء به بعده، لزمه حكمه فى اللفظ، وحمل عليه، كقوله: متقلداً سيفًا ورمحًا، أى وحاملاً رمحاً وكذلك هنا؛ لأنه قال: كالمتقرب بالصدقة (¬4)، فدجاجة أو بيضة، وأطلق [عليه] (¬5) اسم الهدى لتقدمه وتحسين الكلام به، وقد جاء فى ¬

_ (¬1) من س، والذى فى الأصل: الساعة. (¬2) ساقطة من س. (¬3) الصافات: 107. (¬4) هذه العبارة نقلها الأبى وصدرها بعبارة: قلت، وليست له لما ترى. راجع إكمال الإكمال 3/ 15. (¬5) فى س: على ذلك.

فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ، يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواية الأخرى: " كأنما قرَّب " كذا، وهذا ضربٌ من التمثيل للأجور. [ومقاديرها لا على تمثيل الأجور] (¬1) وتشبيهها حتى تكون أجرها كأجر هذا، وتكون الدجاجة فى التمثيل والتدريج والبيضة بقدر أجريهما من أجر البدنة لو كان هذا مما يهدى. واختلف فى الغنم، هل هى من الهَدْى أم لا؟ وفائدة الخلاف فيمن قال: علىّ هدىٌ، هل تجزيه شاةٌ أم لا؟ وأجاز ذلك مالكٌ مرة، ومرة لم يجزها إلا من قصر النفقة على تضعيف منه فيها. وقوله: " فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " (¬2)، وفى رواية البخارى (¬3): " طَوَوْا صحفهم "، قالوا: هذا يدل على أنَّهُم غير الحفظة. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) الذى فى المطبوعة: " فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر ". وما ذكره القاضى هو لفظ النسائى، ك الجمعة، ب وقت الجمعة 3/ 81، ولفظ أحمد: " فإذا خرج الإمام طوت الملائكة الصحف، ودخلت تسمع الذكر " 2/ 82، 407 كلهم عن أبى هريرة. (¬3) ك الجمعة، ب الاستماع إلى الخطبة.

(3) باب فى الإنصات يوم الجمعة فى الخطبة

(3) باب فى الإنصات يوم الجمعة فى الخطبة 11 - (851) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، قَالَ ابْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ ". (...) وحدَّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ، وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغيت "، وذكر قول أبى الزناد، هى لغة أبى هريرة وإنما هو: لغوت. قال الإمام: يقال: لغا يلغو، أو لغى يلغى، وهذه لغة أبى هريرة، [وقد ذكره مسلم] (¬1)، ويقال: هو اللغو واللغا، وأنشد ابن السكيت: ورَبّ أسراب حجيج كُظَّمِ ... عن اللَّغا ورَفَثِ التَكَلُّمِ (¬2) وذكر الهروى فى قوله: " ومن مسّ الحصى فقد لغا " معنَاه: تكلَّم، وقيل: لغا عن الصواب، أى مال عنه. وقال النضر: أى خاب، ألغيتُه: خيبته، قال ابن عرفة: اللغو: الشىء السقط الملغى. قال القاضى: وقيل: اللغو واللغا: ما لا ينبغى من الكلام، ورديئهُ وباطله، وما لا خير فيه. وفى الحديث حجة على وجوب الإنصات لسماع الخطبة، وهو قول مالك وأبى حنيفة والشافعى وعامة العلماء، وذكر عن الشعبى والنخعى وبعض السلف: أنَّ الإنصات للخطبة غيرُ واجبٍ، إلا عند تلاوته القرآن فيها. واختلفوا إذا لم يسمع الإمامَ، هل يلزمه من الإنصات ما لزم من سمعه أم لا؟ فجمهورهم على التسوية، وقال أحمد والشافعى - فى أحد قوليه -: إنما يلزم لمن سمعه. ونحوه عن النخعى، واختلفوا إذا لغا الإمام، هل يلزم الناس الإنصاتُ أم لا؟ واختلف فيه عن مالك. ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) قال فى اللسان: إنه لرؤبة، ونسبَه ابن برِّى لِلْعَجاجِ.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ، بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، فِى هَذَا الْحَدِيثِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَارِظٍ. 12 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغِيتَ ". قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: هِىَ لُغَةُ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ: فَقَدْ لَغَوْتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " والإمام يخطب ": حجة بيّنة أنَّ الإنصات إنما يجب عند خطبة الإمام، وهو قول مالكٍ وعامة أهل العلم، وذهب أبو حنيفة إلى أن الإنصات يجب بخروج الإمام. قال الامام: فى قوله: " إذا قلت لصاحبك: أنصت [والإمام يخطب فقد لغوت] (¬1) " إنما ذكر هذه اللفظة لأنها لا تُعدُّ من الكلام الكثير وفى (¬2) أمرٍ بالمعروف، فإذا لم يُبحها فأحرى وأولى ألّا يباحَ ما سواها مما يكثر، وليس فيه أمر بمعروف، وقد قال بعض الناس: إِنَّ فيه حجة لمالك فى إسقاطه تحية المسجد عن الداخل والإمام يخطب؛ لأن فى ركوعه من التشاغل عن الإمام أشد مما فى قوله: " أنصِت " (¬3). قال القاضى: واختلف فيما كان من الذكر مشروعاً (¬4) ومأمورًا به كردِّ السلام، وتشميت العاطس، فمنعه مالك والشافعى وأبو حنيفة، وأجازَه الثورى والأوزاعى وأحمد وإسحاق. ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) فى الإكمال: وهى. والمثبت من س. (¬3) ومن تمام قول الإمام بعدها: وان كان الشافعى يرى التحيةَ حينئذٍ لحديث مسلم: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لسليك: " قم فاركع ركعتين وتجوَّز فيهما "، وقد تأوَّله بعض أصحابنا على أنها قضية فى شخص. (¬4) جاء بعدها فى الأصل: قوله، وهى مقحمة.

(4) باب فى الساعة التى فى يوم الجمعة

(4) باب فى الساعة التى فى يوم الجمعة 13 - (852) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: " فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّى، يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا، إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ". زَادَ قُتَيْبَةُ فِى رِوَايَتِهِ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. 14 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِى الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قائِمٌ يُصَلِّى، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ". وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا، يُزَهِّدُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى يوم الجمعة: " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه ": اختلف الناس فى وقتها وفى معنى " يصلي "، فذهب بعضُهم إلى أنها من بعد العصر إلى الغروب، ومعنى " يصلى " عند هؤلاء: يدعو، ومعنى " قائم ": ملازم ومواظب، مثل قوله تعالى: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (¬1). وذهب آخرون إلى أنها من وقت خروج الإمام إلى تمام الصلاة، وذهب آخرون إلى أنها فى وقت الصلاة نفسها من حين تقام إلى حين تتم، والصلاة على وجهها. وقيل: هى من حين يجلس الإمام على المنبر ويحرم البيع إلى انقضاء الصلاة، [وقيل: من حين يقوم الإمام يخطب إلى حين انقضاء الصلاة] (¬2)، وقيل: آخر ساعةٍ من يوم الجمعة. وقد رويت فى هذا كله آثار عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفسرة لكل قول من هذه الأقاويل (¬3). وذكر مسلم منها حديث أبى موسى الأشعرى من حين يجلس الإمام، وقيل: هى عند الزوال، وقيل: من عند الزوال ¬

_ (¬1) آل عمران: 75. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬3) من تلك الآثار: ما أخرجه ابن أبى شيبة عن عوف بن حضيرة فى الساعة التى ترجى عن الجمعة ما بين خروج الإمام إلى أن تقضى الصلاة. وعن عبد الله بن سلام قال: ما بين العصر إلى أن تغرب الشمس. وكذا أخرجه من طريق على بن هاشم عن ابن عباس وأبى هريرة. وله عن أبى بردة قال: كنت عند ابن عمر، فسئل عن الساعة التى فى الجمعة، فقلتُ: هى الساعة التى اختار الله لها أو فيها الصلاة، قال: فمسح رأسى وبارك علىَّ وأعجبَه ما قلت. وله ولعبد الرزاق عن مجاهد قال: هى بعد العصر. وعن طاووس قال: إن الساعة التى ترجى فى الجمعة بعد العصر. المصنف 2/ 143، وعبد الرزاق 3/ 261.

(...) حدّثنا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (...) وحدَّثنى حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - حَدَّثَنَا سَلَمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 15 - (...) وحدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ فِى الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ". قَالَ: وَهْىَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبَّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: وَهِىَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ. 16 - (853) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَعَلىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوْسَى الأَشْعَرِىِّ، قَالَ: قَالَ لِى ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى نحو الذراع، وقيل: هى مخفية فى اليوم كله كليلة القدر فى الشهر أو العام، وقيل: من طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وليس معنى قول هؤلاء أنَّ هذا كله وقت لها، إنما معناه: أنَّ فى هذه الأوقات تكون، ويدل على ذلك تقليل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها، وإشارته بيده إلى ذلك أنها خفيةٌ، ومعنى " يُزهِّدُها ": يقللها، كما فسَّر فى الحديث. وفى الحديث الآخر: " التمسوها بعد العصر إلى غروب الشمس " (¬1). وقال قوم: قد رفعت، وقد ردّ السلف هذا على قائله. ووقع فى كتاب السمرقندى: " وأشار بيده يُقلِّبُها " بالباء، وهو تصحيف. والصواب رواية الجماعة المعروفة: " يُقلِّلها " باللام، وذكر مسلم فى الباب حديث أبى بردة: قال لى ابن عمر: " سمعت (¬2) أباك يحدث عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شأن ساعة الجمعة؟ " الحديث. هذا الحديث مما استدركه الدارقطنى على ¬

_ (¬1) النسائى، ك الجمعة، ب وقت الجمعة بلفظ: " فالتمسوها آخر ساعةٍ بعد العصر " 3/ 100، وللترمذى فى أبواب الصلاة، ب ما جاء فى الساعة التى ترجى فى يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس 2/ 360. (¬2) فى المطبوعة: أسمعت.

عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى شَأنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ: " هِىَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم (¬1) وقال: لم يسنده غير مخرَمة عن أبيه عن أبى بردة. ورواه جماعة (¬2) عن أبى بردة من قوله. ¬

_ (¬1) الإلزامات والتتبع للدارقطنى: 207. (¬2) قال الأبى فى إكماله - ناقلاً عن القاضى قال -: وإنما رواه الجماعة عن أبى بردة 3/ 11. وهذا خطأ واضح؛ لأن الجماعة لم يروه منهم غير مسلم وأبى داود فى كتاب الصلاة، باب الإجابة أية ساعة هى فى يوم الجمعة 1/ 241. وإنما أراد الدارقطنى - رحمه الله - بكلمة " جماعة " أى أتى من غير طريق مخرمة لأن فى سماع مخرمة من أبيه مقال. قال أحمد بن حنبل عن حماد بن خالد: قلت لمخرمة: سمعت من أبيك شيئًا؟ قال: لا. التاريخ الكبير 8/ (1984)، الجرح والتعديل 8/ (1660)، ميزان الاعتدال. وقال الدارقطنى: وقال النعمان بن عبد السلام عن الثورى عن أبى إسحاق عن أبى بردة عن أبيه: موقوف ولا يثبت قوله عن أبيه ولم يرفعه غير مخرمة عن أبيه. وقال الحافظ فى بلوغ المرام بعد عزوه إلى مسلم: ورجح الدارقطنى أنه من قول أبى بردة. انظر: الفتح 2/ 422. وقال النووى - بعد ما نقل كلام الدارقطنى قال -: وهذا الذى استدركه بناه على القاعدة المعروفة عنده ولأكثر المحدثين أنه إذا تعارض فى رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال، وهى قاعدة ضعيفة ممنوعة، والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخارى ومسلم ومحققى المحدثين: أنه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة ثقة. وقد روينا فى سنن البيهقى عن أحمد بن سلمة قال: ذاكرت مسلم بن الحجاج حديث مخرمة هذا. فقال مسلم: هو أجود حديث وأصحه فى بيان سماعه للجمعة 2/ 505.

(5) باب فضل يوم الجمعة

(5) باب فضل يوم الجمعة 17 - (854) وحدَّثنى حَرْمَلَة بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ". 18 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيَرَةَ - يَعْنِى الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَيْرُ يَوْمٍ طَلْعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةَ إِلَّا فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " خير يوم طلعت فيه (¬1) الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها " وذكر قيام الساعة فيه، الظاهر أن هذه القضايا المعدود [فيه] (¬2) ليست لذكر فضيلتها؛ لأن ما وقع فيه من إخراج آدم وقيام الساعة لا يُعد من الفضائل، وإنما هو سبقهم بعد ذلك فى الآخرة مما ذكره فى الحديث، وقيل: سبقنا بالقبول والطاعة التى حرموها، وقالوا: سمعنا وعصينا. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: طلعت عليه. (¬2) فى هامش س.

(6) باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة

(6) باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة 19 - (855) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ الآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، ثُمَّ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْنَا، هَدَانَا اللهُ لَهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ ". (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ الآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " بِمِثْلِهِ. 20 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ الآخِرُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم " الحديث، كذا هذا الحرف " بيد " بفتح الباء وسكون الياء، وكذا رويناه عن شيوخنا فى هذا الحديث فى الأصول، ووقع عند السمرقندى فى حديث عمرو الناقد وعند الطبرى فى حديث ابن أبى عمر: " بأَيد " بكسر الباء وبعدها همزة مفتوحة، مثل قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (¬1)، وليس على تعداد القضايا وتعظيم ما وقع فيه وحدث ويحدث من الأمور العظام، فبحسب ذلك يكون العبد مستعدًا فيه مستخبتًا بعمل صالح لرحمة من الله تناله، أو بطشة تدفع عنه. وقوله: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " قيل: الآخرون فى الزمن (¬2) السابقون بالفضل، وأول من يقضى بينهم يوم القيامة، ويدخل الجنة قبل سائر الأمم، على ما جاء فى صحيح الأحاديث مفسرًا، وذكره مسلم فى بعضها (¬3)، وقد يجىء على مساق الحديث الأول. وذكره السبب بقوله: " بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب قبلنا، ¬

_ (¬1) الذاريات: 47. (¬2) فى س: الزمان. (¬3) طريق أبى كريب وواصل بن عبد الأعلى. وبمثله النسائى، ك الجمعة، ب إيجاب الجمعة 3/ 72، وابن ماجة، ك الإمامة، ب فى فرض الجمعة 1/ 344. وقد أخرجه أحمد فى المسند عن أبى هريرة - أيضاً - بلفظ: " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة " 2/ 274.

الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدَّخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأَوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِم، فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَومهُمْ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ، هَدَانَا اللهُ لَهُ - قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى ". 21 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّه - أَخِى وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ - قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَن مُحَمَّد رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهِ لَهُ، فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَالْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ ". 22 - (856) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأوتيناه من بعدهم "، فهذا معنى قوله: " الآخرون " ثم قال: " هذا اليوم الذى هدانا الله له فالناس لنا فيه تبعٌ " (¬1)، فمفهوم الحديث أَنَّهُ أخبر عن تأخُّرِهم فى الزمان والوجود وإعطاء الكتاب، وسبقهم بيوم الجمعة على الأيَّام بعدها التى هى تبع له مع هذا من ذاك، وقد صُحِّف، والصواب الأول عند أكثرهم، وقيل: تصح رواية: " بأَيدٍ " هاهنا، أى بقوة أعطاناها الله، وفضلنا بها لقبول أمره وطاعته، وعلى هذا يكون " إنهم " مكسورة لابتداء الكلام واستئناف التفسير. قال الإمام: وقال الليث: يقال: بَيْدَ ومَيْدَ بمعنى " غير "، قال أبو عبيد: تكون " بيد " بمعنى " غير "، وبمعنى " على "، وبمعنى " من أجل " (¬2) وأنشد: عمدًا فعلتُ ذاك بَيْد أنى ... أخاف إن هلكت لم يرثنى قال الأموى: معناه: على أنى، وقال غيره: [معناه] (¬3): من أجل أنى. قال القاضى: قوله: " اليهود غدًا " نصب على الظرف على تقدير: عيد اليهود غدًا؛ لأن ظروف الزمان لا تكون إخبارًا عن الجثث فى العربية، ومعنى ذلك بيِّن [صحيح] (¬4). وقوله: " كتب (¬5) الله علينا ": دليل على فرض الجمعة. وقوله: " وهذا يومهم الذى فرض الله عليهم فاختلفوا فيه "، قال الإمام: فيه دليل على فساد تعلق اليهود والنصارى بالقياس فى هذا الموضع؛ لأن اليهود عظمت السبت لما ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: " ثم هذا اليوم الذى كتبه الله علينا، هدانا الله له ... ". (¬2) قال ابن حجر: وقد استبعده عياض ولا يعد فيه 2/ 413. ولا أدرى من أين وقع له هذا الوهم؟ (¬3) من ع. (¬4) من س. (¬5) فى المطبوعة: كتبه.

عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَعَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَان لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا، فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ. وَكذَلكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ من أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِىُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ ". وَفِى رِوَايَةِ وَاصِلٍ: الْمَقْضِىُّ بَينَهُمْ. 23 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، حَدَّثَنِى رِبْعِىُّ بْنُ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيَفْةَ، قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هُدِينَا إِلىَ الْجُمُعَةِ وَأَضَلَّ اللهُ عَنْهَا مَنْ كَانَ قَبْلَنَا " فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ فُضَيْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كان فيه فراغ الخلق، وظنَّت ذلك فضيلةً توجب تعظيم اليوم، وعظَّمت النصارى الأحد، لما كان فيه ابتداء الخلق (¬1)، فاعتقدت ذلك اليوم، واتبع المسلمون الوحى والشرع الوارد بتعظيم يوم الجمعة، فعظَّموه. قال القاضى: قال بعضهم: فيه حجة أنَّ الجمعة فرض، وقال بعض المشايخ ما معناه: إنه ليس فى الحديث دليلٌ أَنَّ يوم الجمعة فُرِض عليهم تعيينه، فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك فرضًا فرض عليه، والظاهر أنه فرض عليهم يوم الجمعة يعظمونه بغير تعيين (¬2)، ووكل إلى اختيارهم (¬3) تعينه ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلف اجتهادهم ولم يهدهم الله ليوم الجمعة، وذكره لهذه الأمة وبيَّنه لهم ولم يكله إلى - اجتهادهم، ففازوا بفضيلته. وقد جاء فى بعض الأخبار أَنَّ موسى أمرهم بالجمعة فأخبرهم بفضلها، فناظروه أن السبت أفضل، فقال له الله: دعهم وما اختاروا. وقد يستدل على هذا بقوله: " هذا يوم الجمعة الذى كتبه الله علينا، هدانا الله له "، وفى الآخر: " فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق " ولو كان منصوصًا عليه لم يصح اختلافهم. بل كان يقول: خالفوا فيه (¬4). وقوله فى سند هذا الحديث: نا محمد بن رافع، نا عبد الرزاق، كذا للجماعة، وعند الهوزنى: محمد بن رمح (¬5)، نا عبد الرزاق. ¬

_ (¬1) فى ع: الخليقة. (¬2) فى الأصل: تغيير. (¬3) نقلها النووى: اجتهادهم. (¬4) قال النووى بعدها: ويمكن أن يكون أمروا به صريحاً ونص على عينه فاختلفوا فيه، هل يلزم تعيينه أم لهم إبداله؟ وأبدلوه، وغلطوا فى إبداله 2/ 507 ولا وجه له. (¬5) هو أيضًا من شيوخ مسلم، حكى عن مالك وروى عن مسلمة بن على الخشنى وابن لهيعة وغيرهم، وعنه مع مسلم ابن ماجه وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم.

(7) باب فضل التهجير يوم الجمعة

(7) باب فضل التهجير يوم الجمعة (¬1) 24 - (850) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ - قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَغَرُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجاؤُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِى يُهْدِى الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِى يُهْدِى بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِى يُهْدِى الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِى يُهْدِى الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِى يُهْدِى الْبَيْضَةَ ". (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 25 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوابِ الْمَسْجِدِ مَلَكٌ يَكْتُبُ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ - مَثَّلَ الْجَزُورَ ثُمَّ نَزَّلَهُمْ حَتَّى صَغَّرَ إِلَى مَثَلِ الْبَيْضَةِ - فإذَا جَلَسَ الإِمَامُ طُوِيتِ الصُّحُفُ وَحَضَرُوا الذِّكْرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب الطيب والسواك يوم الجمعة.

(8) باب فضل من استمع وأنصت فى الخطبة

(8) باب فضل من استمع وأنصت فى الخطبة 26 - (857) حدّثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّىَ مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ ". 27 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدُر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلى معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام "، وفى الرواية الأخرى: " من توضأ فأحسن الوضوء، ولم يذكر " الغسل " ولا " صلى ما قُدِّر له ": فيه فضل الغسل، وكونه مشروعًا وكون الإنصات كذلك، ووقع فى الحديث الأول من رواية الشنتجانى والباجى ولغيرهما: " انتصب " (¬1) مكان " أنصت ". وقال الإمام: ينقدح فى نفسى فى هذا [اليوم] (¬2) أنه - عليه السلام - إنما حدَّد زيادة ثلاثة أيَّام على الجمعة لأنه يُقدَّر أن يوم الجمعة إذا (¬3) فعل فيه هذا الخير، وكانت الحسنة بعشر أمثالها، بلغ هذا التضعيف إلى ما قال، [إذ] (¬4) أيام الجمعة سبعة، وتكمل السبعة بثلاثة، وهو كما يتأوَّل [كون] (¬5) صوم رمضان وستٍّ من شوال [كصيام الدهر] (¬6)، لما كان هذا المقدار يبلغ تضعيفه بعشر جميع أيام السنة، كما ستنبه عليه فى كتاب الصوم إن شاء الله. وقد يسْتلوح من قوله: " من توضأ " كون الغسل غير واجب، لما أثنى على المتوضى ولم يذكر غسلاً، وتحقيق دلالة هذا اللفظ على هذا المعنى يحتاج (¬7) إلى بسط. قال القاضى: وفى قوله: " صَلَّى ما قدِّر له ثم أنصت " حجة لمذهب الجماعة فى جواز التنفل بالصلاة عند الزوال وقد تقدم. ¬

_ (¬1) قيدها الأبى: انتصت، وقال عقبها: وهو وهم، مسنداً إياه للقاضى. (¬2) من المعلم، والذى فى الإكمال: الحديث. (¬3) من المعلم، وفى الإكمال: إنما. (¬4) ليست فى المعلم. (¬5) من المعلم. (¬6) فى الإكمال: مكفراً للدهر. (¬7) فى المعلم: يفتقر.

أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحصَى فَقَدْ لَغَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ومن مس الحصا فقد لغا ": لأنه بتحريكه له وشغله به صار لاغياً مشغلاً (¬1) غيره عن سماع الخطبة بصوت حركته. ¬

_ (¬1) فى س: شاغلاً.

(9) باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس

(9) باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس 28 - (858) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَواضِحَنَا. قَالَ حَسَنٌ: فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ: فِى أَىِّ سَاعَةٍ تِلْكَ؟ قَالَ: زَوَالَ الشَّمْسِ. 29 - (...) وحدَّثنى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: مَتَى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى الْجُمُعَةَ؟ قَالَ: كَانَ يُصَلِّى، ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمالِنَا فَنُرِيحُهَا، زَادَ عَبْدُ اللهِ فِى حَديِثِه: حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، يَعْنِى النَّوَاضِحَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كنا نصلى الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها " (¬1) وفى الحديث الآخر: " نواضحنا "، والأول يفسرها (¬2)، بمعنى أنهم يريحونها من السقى، وبذلك سميت نواضح، لنضحها الماء، أى صبها، ويكون معنى، نريح ": أى من التعب أو من الرواح للرعى. ويبين فى الحديث أن ذلك كان حين تزول الشمس، وكذلك جاءت الأحاديث الأخر من رواية سلمة بن الأكوع (¬3): " نصلي الجمعة فنرجع وما للحيطان ظلٌّ " وفى حديثهم الآخر: " كنا نُجَمِّع مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفىء " فهذا كله يدل أنه بعد الزوال، لكن مع صلاتها لأول وقتها ومعنى " نتتبع الفىء" للقائلة، وكانت حيطانهم من القِصَرِ بحيث لا يمتد لها ظل حينئذ، ولقصر الظل عند الزوال فى بلاد الحجاز، ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أنَّ الجمعة لا تُصَّلى إلا بعد الزوال، إلا أحمد وإسحاق، فإنهما أجازاها قبله، وروى من هذا عن الصحابة أشياء لم يصح عنهم منها إلا ما عليه الجمهور. ¬

_ (¬1) ليس فى المطبوعة حديث بهذا اللفظ، والمذكور هو معنى أحاديث الباب كله. (¬2) قلت: ليس فى الحديث الأول ذكرٌ للجمعة. (¬3) ولفظه فى المطبوعة: وما نجدُ للحيطان فىءٌ.

30 - (859) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَلىُّ بْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَان: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ - زَادَ ابْنُ حُجْرٍ - فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 31 - (860) وحدّثنا يَحْيَى بْن يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، قَالا: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ يَعْلى بْنِ الْحَارِث الْمُحَارِبِىِّ، عَنْ إِيَّاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كُنَّا نُجَمَّعُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الفَىءَ. 32 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا يَعْلَى ابْنُ الْحَارِثِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ، فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله فى حديث سهل: " ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة "، قال الإمام: يحتج به ابن حنبل على جواز صلاتها قبل الزوال، ومحمله عندنا على أن المراد به التبكير، وأنهم كانوا يتركون ذلك اليوم القائلة والغذاء؛ لتشاغلهم بغسل الجمعة والتهجير. وقد ذكر مسلم بعد هذا: " كنا نُجمَّع مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع (¬1) الفىء ". ¬

_ (¬1) فى المعلم: نتبع.

(10) باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة

(10) باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة 33 - (861) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، جَمِيعًا عَنْ خَالِدٍ. قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ؛ قَالَ: كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْمَ. 34 - (862) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ - عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: كَانَتْ لِلنَّبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوم الجمعة قائمًا ثم يجلس، ثم يقوم " وفى الحديث الآخر: " كانت له خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويُذَكِّرُ الناسَ " اختُلف فى الخطبة لصلاة الجمعة، فكافة العلماء علي أنها شرطٌ فى صحتها وفرضٌ من فروضها، وهو مشهور مذهب مالك، وشذ الحسنى فرأى أنها تجزئ الصلاة دونها، وتابعه أهل الظاهر فى هذا، وحكاه ابن الماجشون عن مالك (¬1). ثم اختلفوا؛ هل هى فرضٌ أو سنةُ؟ واضطربت الروايات عن أصحابنا فى ذلك ثم اختلفوا فى القيام فيها، فأجمعوا على أنه مشروع فيها، وأن الخَطبة لا تكون إلا قائماً لمن قدر على القيام، كذا حكى أبو عمر وحكى ابن القصَّار أن أبا حنيفة لا يراه مشروعًا ويراه مباحًا، إن شاء قام وإن شاء قعد. ثم اختلفوا فى حكم القيام، هل هو مع كونه فرضًا شرط فى (¬2) صحتها أم لا؟ فذهبت طائفة أنه من شروطها، وأنه لا تجزى الجمعة بالخطبة جالسًا، وهو قول الشافعى إلا من عذر، وأن أول من خطب جالسًا معاوية حين ثقل، ومذهبنا أنه ليس من شروط صحة الصلاة والخطبة. ومن تركه أساءَ ولا شىء عليه. قال الامام: والخطبة من شروطها القيام والجلوس بين الخطبتين وأجاز أبو حنيفة ¬

_ (¬1) وروى ابن حبيب: الأولى فرض والثانية سنة. قال الأبى فى رواية ابن الماجشون المذكورة أنها ذكرها اللخمى فى مقابلة القول بالوجوب، وترجع إلى القول بأنها سنة، وكذا نقلها ابن بشير فقال: وقال ابن الماجشون: هى سنة. الأبى 3/ 17. (¬2) فى الأصل: مع كونه مشروطاً شرط فى صحتها.

35 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنْ يَحْيَىَ أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سمَاكٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطبة جالسًا. وقال ابن القصار من أصحابنا: الذى يقوى فى نفسى أن القيام فيها والجلوس سنة. وقول جابر: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائمًا فمن قال (¬1): إنه كان يخطب جالسًا، فقد كذب، فقد - والله - صليت معه أكثر من ألفى صلاة ": قال الشيخ: ويحمل هذا على المبالغة، إن كان أراد صلوات الجمعة؛ لأن هذا القدر من الجمع إنما يكمل فى نيف وأربعين عامًا، وهذا القدر لم يُصلِّه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يكون أراد سائر الصلوات. وقد ذكر مسلم بعد هذا أنَّ كعب بن عُجْرة دخل المسجد وعبد الرحمن ابن أم الحكم (¬2) يخطب قاعِدًا، فقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعِدًا، وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬3)، وهذا الذم، وإطلاق الخبيث عليه يشير إلى أن القيام عندهم [كان واجبًا] (¬4)، وأما ظاهر الآية فلا دليل فيها إلا من جهة إثبات القيام للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويحمل ذلك على [أن] (¬5) المرادَ به أنه كان قائمًا يخطب. وأن أفعاله على الوجوب [مع اتفاقهم على كونه مشروعًا] (¬6). قال القاضى: اختلف أئمة الفتوى فى حكم الجلوس بين الخطبتين مع اتفاقهم على كونه مشروعًا، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وجمهور العلماء: هو سنة، ومن لم يجلس أساء ولا شىء عليه، وخطبة واحدة تجزى، وتقام بها الجمعة، وقال الشافعى: هى فرضٌ، من لم يجلسها كأنه لم يخطب ولا جمعة له. وشرط للجمعة خطبتين. قال الطحاوى: لم يقل هذا أحدٌ غيرهُ، وحجته ظاهر الحديث المتقدم. وقد حكى غيره عن مالك مثل قول الشافعى، ورأى مالك والشافعى وأبو ثور الجلوس على المنبر قبل القيام إلى الخطبة، ومنعه أبو حنيفة، وروى عن مالك والحجة للجلوس بينهما فِعْل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكونه ليس بواجب: أنه ليس من الخطبة، وإنما هو للاستراحة. والحجة للجلسة الأولى حديث السائب بن يزيد: " كان الأذان يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد ¬

_ (¬1) لفظها فى المطبوعة: نبأك. (¬2) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفى ابن أم الحكم، وأم الحكم هى أخت معاوية، ولاه معاوية الكوفة بعد أن عزل الضَّحَّاك بن قيس، وقال ابن كثير: وخرجت الخوارج فى أيام ابن أم الحكم، وكان سئ السيرة فى أهل الكوفة، فأخرجوه من بين أظهرهم طريداً. البداية والنهاية 8/ 85. (¬3) الجمعة: 11. (¬4) من المعلم، والذى فى الإكمال: واجبٌ. (¬5) من المعلم. (¬6) سقط من ع.

قَائِمًا، فَمَنْ نَبَّأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ، فَقَدْ - وَاللهِ - صَلَّيْتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَىْ صَلاَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وعمر " (¬1). وقوله: " يقرأ القرآن ويُذَكِّرُ الناس ": مما يحتج به الشافعى أنه لابد من خطبتين، يحمد الله فى كل واحدة منهما، ويصلي على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويوصى بتقوى الله، ويقرأ شيئًا من القرآن؛ آيةً فأكثر، ويدعو فى الآخرة. ومالك وجمهور العلماء لا يجيزون فى الخطبة إلا ما يقع عليه اسم خطبة، وأبو حنيفة وأبو يوسف يجيزا من ذلك تحميدةً أو تهليلة أو تسبيحة، وحكاه ابن عبد الحكم عن مالك. ¬

_ (¬1) البخارى ك الجمعة ب الجلوس على المنبر عند التأذين 2/ 10، 11، ب الأذان يوم الجمعة والتأذين عند الخطبة، وأبو داود ك الصلاة ب النداء يوم الجمعة 1/ 250، والترمذى فى الصلاة ب ما جاء فى أذان الجمعة 2/ 392، والنسائى فى ك الصلاة، ب الأذان للجمعة 3/ 82، وكذا ابن ماجه فى الإقامة، ب ما جاء فى الأذان يوم الجمعة 1/ 359.

(11) باب فى قوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما}

(11) باب فى قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬1) 36 - (863) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، فَأنْزلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الَّتِى فِى الْجُمُعَةِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " جاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر، فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا}. استدل بهذا الحديث أصحابنا على الشافعى فى اشتراطه أربعين رجلاً، هكذا قال جميع أصحاب حصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبى الجعد، وأبى سفيان عن جابر، وقد روى على ابن عاصم عن حصين بسنده هذا الحديث، وفيه: " لم يبق معه إلا أربعون رجلاً، وأنا فيهم، وتفرده، وخلافه للجماعة يرد روايته (¬2). ¬

_ (¬1) الجمعة: 11. (¬2) لم يكن هذا الحديث الذى لم أقف عليه هو مستدل الإمام الشافعى فيما ذهب إليه. فقد جاء عنه فى الأم: وسمعتُ عدداً من أصحابنا يقولون: تجب الجمعة على أهل دار مقام إذا كانوا أربعين رجلاً، وكانوا أهل قرية، فقلنا به. الأم 1/ 190. وقد عززه البيهقى بما ساقه بإسناده إلى عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبى حين ذهب بصره، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان صلى على أبى أمامة أسعد بن زرارة واستغفر له، فقلت: يا أبه، أرأيت استغفارك لأبى أمامة كلما سمعت الأذان للجمعة ما هو؟ قال: أى بنى، كان أول من جمع بنا فى هزم النبت من حرة بنى بياضة فى نقيع يقال له الخضمات. قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً. والحديث أخرجه أبو داود فى ك الصلاة، ب الجمعة فى القرى 1/ 246، والحاكم فى المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى 1/ 281، وكذا البيهقى فى السنن الكبرى وقال: هذا حديث حسن الإسناد وصحيح 3/ 177، وردَّ على الزيلعى فى قوله فيه: إنه مردود؛ لأن مداره على ابن إسحاق، ولم يخرج له مسلم إلا متابعة، فقال: إن ابن إسحاق إذا ذكر سماعه وكان الراوى عنه ثقة استقام الإسناد. قلت: ومع هذا لا ينهض الحديث أن يكون حجة ولا دليلاً؛ لأنه حكاية حال.

(...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ. وَلَمْ يَقُلْ: قَائِمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه فضل أبى بكر وعمر وأمثالهم مثل جابر، وأنه لم يستفزهم ما استفز غيرهم من الخروج للعير، وسيأتى الكلامُ عليه بعدُ بأتم من هذا. وزاد أبو مسعود الدمشقى فى روايته فى هذا الحديث: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادى نارًا " (¬1). قال الإمام: اختلف الناس فى أقل ما يقام بهم الجمعة، فقيل: مائتان. وقال عمر ابن عبد العزيز: خمسون. وقال الشافعى: أربعون. [وقال غيره: اثنا عشر. واعتمد على ما وقع فى هذا الحديث] (¬2)، وقال أبو حنيفة: أربعةً إذا كانوا فى مصر. وقال غيره: ثلاثة. وقال غيره: بإمام وآخر معه، فمن رأى أن أقل الجمعة ثلاثة والإمام منفصل عن أقل الجمع، قال ما قال أبو حنيفة. ومن قال: أقل الجمع ثلاثة والإمام معدود فيهم، جاء منه [موافقة] (¬3) من قال بالثلاثة (¬4). ومن قال: أقل الجمع اثنان والإمام منفصل عنهما، وافق هؤلاء فى الثلاثة، وان اختلفت الطرق. ومن قال: أقل الجمع اثنان والإمام معدود فيهما، وافق من قال: الإمام وآخر معه. ومالك - رحمه الله - لم يحد فى ذلك حداً إلا أن يكون العدد ممن يمكنهم الثواء (¬5) ونصب الأسواق. قال القاضى: هذا الذى ذكره مالك - رحمه الله - هو شرط فى وجوبها لا فى إجزائها، والذى يقتضى كلام أصحابه إجزاؤها مع اثنى عشر رجلاً لاستدلاهم بهذا الحديث. قال الباجى: وحكى أبو يعلى العبدى نحوه، عن [بعض] (¬6) أصحابنا (¬7) وقال ابن القصار: رأيت لمالكٍ أنها لا تجب على الثلاثة والأربعة ولكنها تنعقد بما دون الأربعين، وقد اختلف فيمن تلزمه الجمعة وتنعقد بهم اختلافاً أكثر بما تقدَّم، فحكى عن عكرمة: إذا كانوا سبعة جمَّعوا، وقال مُطرِّف وعبد الملك عن مالك: لا يجب على أقل من ثلاثين بيتًا وما قاربهم، كان لهم وال أو لم يكن. وشرط بعضهم أن يكون إمامٌ مع أربعين يقضى بينهم، فيخطب ويصلى بهم الجمعة، ومن قال: إن الإمام الوالى ليس من شرط الجمعة: مالك والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور واختلف فيه قول الأوزاعى، وذهب أبو حنيفة وأصحابُه إلى أن الوالى شرط فيها، وأنه إن مات أو عزل صلوا ظهرًا حتى يقدم وال غيره. وحكى يحيى بن عمر نحوه عن مالك وأصحابه، وأنها لا تنعقد إلا ¬

_ (¬1) ابن حبان فى صحيحه، ك إخباره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مناقب الصحابة، ب ذكر وصف الآية التى نزلت عندما ذكر قبل 9/ 15. (¬2) سقط من س. (¬3) من ع. (¬4) فى س: الثلاثة. (¬5) فى س: الشراء. (¬6) ساقطة من س. (¬7) المنتقى 1/ 198.

37 - (...) وحدّثنا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى الطَّحَّانَ - عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ وَأَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فَقَدِمَتْ سُوَيْقَةُ قَالَ: فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، أَنَا فِيهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإمام الذى يُخاف مخالفته، ونحوه لمحمد بن مسلمة، قالوا: ولا خلاف أن النظر فى إقامتها للوالى إذا حضر، وقيل: لا جمعة إلا فى مصرٍ جامع وهو قول الحسن والنخعى وأبى حنيفة ومحمد بن الحسن وابن سيرين (¬1)، وداود لا يشترط فيها شرطًا ويلزمها للمنفرد، وهى ظهر ذلك اليوم عنده لكل أحدٍ، وهو خلاف الإجماع، والخلاف كثير فيمن تجب عليهم الجمعة وفيمن يصح بهم الجمعة بعد وجوبها عليهم إذا لم يحضرها جملة من وجبت عليه أو تفرقوا عن الإمام وهو فى الخطبة؟ وكذلك اختلفوا إذا تفرقوا عن الإمام وهو فى الصلاة على الاختلاف المتقدم من اشتراط بقاء اثنين غير الإمام، وهو قول الثورى والشافعى، أو يجزى بقاء واحد وهو قول أبى ثور، وحكى عن الشافعى أو يجزى الإمام ولمن (¬2) أتمها وحده، وهو قول أبى يوسف وابن الحسن. وقال أبو حنيفة: إن عقد بهم ركعة وسجدة ثم نفروا عنها أجزاه أن يتمها جمعة، وإن كان قبل ذلك استقبل الظهر. وقال مالك والمزنى: إن كان صلى بهم ركعة بسجدتيها أتمها جمعة وإلا لم تجزه، وقال زفر: متى نفروا عنه قبل الجلوس للتشهد لم تصح جمعة، وإن جلس ونفروا عنه قبل السلام صحت صلاته، وقال ابن القاسم وسحنون: إن نفروا عنه قبل سلامه لم تجزه جمعة، وللشافعى قول ثالث: أنه لا تجزئهم حتى يبقى معه أربعون تتم بهم الصلاة، وقال إسحاق: إذا بقى معه اثنا عشر رجلاً أجزته الجمعة. وقوله فى هذا الحديث: " وهو يخطب قائمًا " يفسر مجمل قوله فى الرواية الأخرى عنه فى صحيح البخارى (¬3): " بينا نحن نصلى مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبلت عيرٌ " الحديث، وأن ذلك حين كان يخطب لا فى الصلاة، وقد بيتا اختلاف العلماء فى الموضعين. ¬

_ (¬1) وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن أبى إسحاق عن الحارث عن على قال: لا جمعة ولا تشريق إلا فى مصر جامع 3/ 167. ولابن أبى شيبة عن على أيضًا: لا جمعة ولا تشريق ولا أضحى إلا فى مصر جامع أو مدينة عظيمة 2/ 101. وله عن حذيفة قال: ليس على أهل القرى جمعة، إنما الجمع على أهل الأمصار مثل المدائن 20/ 101. وانظر كلام الحسن ومحمد بالمصنف المذكور. (¬2) فى الأصل: وإن. (¬3) ك الجمعة، ب إذا نفر الناس عن الإمام فى صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومن بقى جائزة (936)، وكذلك فى ك البيوع، ب قول الله عز وجل: {وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها} (2058).

قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. 38 - (...) وحدّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ وَسَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ قَدِمَتْ عِيرٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا}. 39 - (864) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وابْنُ بَشَارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مَحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ؛ قَالَ: دَخَل الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا. فَقَالَ: انْظُروا إِلى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى الحديث الآخر: " إذا أقبلت سويقة " (¬1) وهو بمعنى العير المتقدم. والعير: الإبل تحمل الطعام أو التجارة، لا تسمى عيرًا إلا بذلك، والسويقة تصغير سوق، وإنما سميت بذلك لأن البضائع والأموال تساق إليها. ذكر أبو داود فى مراسيله (¬2) أن خطبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه التى انفضّ الناس منها إنما كانت بعد صلاته الجمعة، لم يظنوا فى ترك الخطبة شيئًا عليهم وأنه قبل ذلك، إنما كان يصلى قبل الخطبة (¬3)، حتى جرت هذه القصة، وهذا أشبه بحال الصحابة أنهم كانوا لا يدعون مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة ويتركونه، بل تأولوا بعد تمامها جواز ترك الخطبة، وهو - أيضاً - ظاهر الآية لقوله: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬4) ولم يقل: تركوا الصلاة. وإن كان بعض العلماء أنكر أن يكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب قط فى الجمعة بعد الصلاة، وبحسب الخلاف فيما تقدم اختلفوا فيما يدرك به صلاة الجمعة، فقال جمهور السلف وفقهاء الفتيا: إنه بإدراك ركعة مع الإمام يكون مدركاً لها، ويضيف إليها ركعة، ولا يكون له جمعة بأقل من ذلك، وجاء بمعنى ذلك حديث صحيح خرجه أصحاب المصنفات (¬5)، وقال الحكم ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: فقدِمتْ سُويقة. (¬2) ب ما جاء فى الخطبة يوم الجمعة، ص 105. (¬3) أى كصلاة العيد. (¬4) الجمعة: 11. (¬5) سبق فى مسلم، ك المساجد ومواضع الصلاة، ب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة (607)، والترمذى فى أبواب الصلاة، ب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة (524)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائى، ك الصلاة، ب من أدرك ركعة من الصلاة (553)، وابن ماجه، ك الإقامة، ب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة (1123).

الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قاعِدًا، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وحماد وأبو حنيفة: من أدرك التشهد مع الإمام فى الجمعة صلاها ركعتين، وقالت طائفة: من لم يدرك الخطبة صلى أربعاً، وروى ذلك عن عطاء وطاوس، ومجاهد ومكحول. ¬

_ (¬1) الجمعة: 11.

(12) باب التغليظ فى ترك الجمعة

(12) باب التغليظ فى ترك الجمعة 40 - (865) وحدَّثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ - عَنْ زَيْدٍ - يَعْنِى أَخَاهُ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنِى الْحَكَمُ بْنُ مِينَاء؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ -: " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول على أعواد منبره ": [فيه] (¬1) اتخاذ المنبر لخطبة الجمعة، وهو سنة مجمع عليها للخليفة، فأمَّا غيره فإن شاء خطب على المنبر وإن شاء على الأرض. واختلف عمل الناس وأهل الآفاق فى ذلك، قال مالك: ومن لا يرقى عندنا يقف يسار المنبر، ومنهم من يقف عن يمينه وكلٌّ واسع. وقوله: " لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجُمعات " وروى غير مسلم: " تركهم " (¬2) [قال الإمام: قال] (¬3) شَمَرْ: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدره وماضيه والنبى - عليه السلام - أفصح [العرب] (¬4)، وجاء فى الحديث: " إذا لم ينكر الناس المنكر فقد تودِّعَ منهم " (¬5) [أى أسلموا] (¬6) إلى [ما استحقوه] (¬7) من النكير عليهم، كأنهم تركوا [وما استحقوا] (¬8) من المعاصى حتى يصروا فيستوجبوا العقوبة فيعاقبوا، وأصله من التوديع وهو الترك. قال القاضى: كان فى النسخ الداخلة إلينا من المعلم فى هذا الكلام اختلالٌ أصلحناه ¬

_ (¬1) من س. (¬2) أخرجه فى الكنز وعزاه لابن النجار 7/ 730. وقد أخرج ابن ماجه حديث مسلم بلفظ: " الجماعات " ثم روى بعده: " لينتهين رجال عن ترك الجماعة أو لأحرقن بيوتهم " ك المساجد، ب التغليظ فى التخلف عن الجماعة 1/ 259. (¬3) فى الأصل قال. معناه: تركهم. (¬4) ساقطة من جميع نسخ الإكمال. (¬5) الحديث أخرجه أحمد والبزار والحاكم بنحوه، ولفظه لأحمد عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا رأيت أمتى تهاب الظالم أن تقول له: أنت ظالم، فقد تودع منهم ". قال البيهقى: رواه أحمد والبزار بإسنادين ورجال أحد إسنادى البزار رجال الصحيح، وكذلك رجال أحمد مجمع 7/ 262، وانظر: المسند 2/ 163، 190، والمستدرك 4/ 69 عن عبد الله بن عمرو وقال فيه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى. (¬6) لفظه فى المعلم: " أن يسلموا ". (¬7) فى المعلم: ما استخفوه. (¬8) فى المعلم: وما استخفوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من كتاب أبى عُبيد الهروى المنقول منه بلا شك، حسب ما رويناه من طريق القاضى الشهيد عن أبى بكر المفيد عن أبى عمر المليح، عن الهروى وبحسب ما قيدَّناه وأتقناه على الحافظ أبى الحسن بن سراج اللغوى عن أبيه عن السفاقسى عن الصابونى عن الهروى، وقد ذكر أصحاب القراءات واللغة أنه قرئ: " ما وَدَعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى " (¬1) بالتخفيف، بمعنى تركك، فهذا - أيضًا - استعمال ماضيه لا على ما زعمت النحوية. وقوله: " أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين ": حجة بينةٌ فى وجوب الجمعة وكونها فرضًا؛ إذ العقاب والوعيد والطبع والختم إنما يكون على الكبائر، وأصله (¬2) التغطية أى غطى عليها ومنعها من الهداية به، حتى لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، ولا تعى خيرًا، قالوا فى قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم} (¬3): أى طبع عليها، قالوا: وأصل الطبع فى اللغة: الوسخ والتدنيس (¬4)، واستعمل فيما يشبهه من الآثام ومثله الرين، وقيل: الرين أيسرُ من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشدها. وقد اختلف المتكلمون فى هذا اختلافاً كثيرًا، فقيل: هو إعدام اللطف وأسباب الخير، والتمكين من أسباب ضده، وقيل: هو خَلْق الكفر فى قلوبهم (¬5)، وهو قول أكثر متكلمى [أهل] (¬6) السنة، وقال غيرهم: هو الشهادة عليهم، وقيل: هو علم جعله الله فى قلوبهم؛ ليعرف به الملائكة الفرق بين من يجب مدحه وبين من يجب ذمه. قال الإمام (¬7): اختلف الناس فى صلاة الجمعة، هل هى فرض على الأعيان أو على الكفاية؟ فالأكثر أنها على الأعيان، وذهب بعض الشافعية إلى أنها على الكفاية، فتعلق الأولون بقول الله سبحانه: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه} (¬8)، وهذا خطاب لسائر الناس فيجب حمله على العموم، وبظاهر الخبر الذى قدَّمَناه. وتعلق الآخرون بقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم " (¬9) الحديث، وصلاة الجمعة تدخل فى عموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الجماعة "، فقد أثبت فضلها على [ما تقتضيه] (¬10) المبالغة. واختلف الناس - أيضاً - هل تجب على العبد والمسافر؟ فأسقطها عنهما مالك وأكثر الفقهاء، وأوجبها عليهما داود، ووجه الخلاف ورود خبر الواحد بالتخصيص، فهل يخص عموم القرآن بأخبار الآحاد أم لا؟ فيه اختلاف بين أهل الأصول، وهذا على القول بأن العبد يدخل فى الخطاب مع الحُرِّ، وأما إذا قلنا: إنه لا يدخل فى خطاب الأحرار لم يكن هاهنا عمومٌ عارض خبر واحد، بل يكون الاستمساك بالأصل واستصحاب براءة الذمة فى حقه هو الأصل المعتمد عليه، وعلى أن - أيضاً - هذا الخبر الوارد فيه ذكر أربعة لا ¬

_ (¬1) الضحى: 3. (¬2) يعنى الختم. (¬3) البقرة: 7. (¬4) فى س: والدنس. (¬5) فى الأصل: صدورهم. (¬6) من س. (¬7) فى س: زيادة (أبو عبد الله). (¬8) الجمعة: 9. (¬9) سبق فى ك المساجد. (¬10) من ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جمعة عليهم، وعد فيه المسافر والعبد، لا يعارضه الخبر الذى ذكرنا فى كتاب مسلم (¬1)؛ ولأن المسافر رُدَّ من أربع إلى ركعتين لمشقة السفر، والخطبة [فى] (¬2) يوم الجمعة أقيمت مقام ركعتين، فلو أوجبناها عليه لأوجبنا عليه الإتمام، وذلك لا يصح، ولأن العبد لو خوطب بالجمعة لوجب عليه السعىُ وإيقاع عبادةٍ فى مكانٍ مخصوص، وذلك لا يلزمه، كالحج. فإن قيل: هذا يدل على أنه إنما سقط ذلك عنه لحق السيد، فلو أذن له سيده وأسقط حقه هل يستقر عليه الوجوب لزوال العلة المسقطة له؟ (¬3) اختلف أصحابنا فى ذلك، ولم يختلفوا فى أن الحجَّ لا يجب عليه بإسقاط السيد حقه. قال القاضى: ذكر بعض من نقل اختلاف قول مالك من العلماء أن ابن وهب روى عنه أَنَّ الجمعة سنة، قال: وكذا فى سماعه، وهذا لا يقوله مالك على هذا، وإنما جاء من سوء تأويل الناقل، وإنما تكلم مالك فى رواية ابن وهب فى القرى المتصلة البيوت وفيها جماعة من المسلمين، قال: ينبغى أن يجمعوا إذا كان إمامُهم يأمرهم أن يُجمَّعوا، وليأمروا رجلاً فَيُجمع بهم، لأن الجمعة سنةٌ، هذا نص روايته عنه، ولهما تأويلان: أحدهما: أن التجميع لها وصلاتها على تلك الهيئة إنما هو فرض بسنة الرسول ووحى الله على لسانه لا بنصِّ القرآن، وقد استمر العرف بإطلاق السنة على مثل هذا أيضاً. والوجه الثانى: أن تكون السنة على عرفها المعهود النازل عن رتبة القرآن، ويكون قول مالك هذا فى المسألة المتكلم فيها الذى اختلف فيها العلماء، هل يجوز لهؤلاء الجمع أم لا يجمع إلا أهل الأمصار؟ فرأى مالك المسألة والخلاف [فيها] (¬4) واختلاف قوله هو أيضًا هل يلزم هؤلاء التجميع كان لهم سوق أم لا (¬5)، حتى يكون لهم سوق ويكون كهيئة بناء المدن والأمصار وتأكد عنده (¬6) تجميعهم بأمر الوالى لهم، وأن هذا لا يقوى قوة الأمصار المجمع عليها، وإنما تجمع هؤلاء تشبيههم بأهل الأمصار والقياس عليهم، فسمى ما أخذ بالاجتهاد ووجد عليه عمل بلده سنة، كما قيل: سُنة العمرين. وأما فى المصر الكبير فلا يختلف فيه قوله، وبحسب هذا اختلف قوله ومذهبه فى الأخذ بحديث عثمان وإذنه لأهل العوالى يوم عيد وافق يوم الجمعة في التخلف عنها إن شاء. وقد رويت عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مثل ذلك آثار، وما كان عثمان ليضع عن الناس فريضة بمحضر جماعة الصحابة فلا ¬

_ (¬1) أما الخبر الأول فقد أخرجه أبو داود، ك الصلاة، ب الجمعة للمملوك والمرأة والحاكم عن طارق بن شهاب ولفظ أبى داود: " الجمعة حق على كل مسلم فى جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة أو صبى أو مريض " قال أبو داود: طارق ابن شهاب قد رأى النبى ولم يسمع منه شيئًا 1/ 245، والحاكم فى المستدرك 1/ 288 وقال فيه الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ومن عجب أن وافقه الذهبى، فإن طارقًا وإن كان من رجال الصحيحين، إلا أنه هنا روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير واسطة. (¬2) من ع. (¬3) بعدها فى ع: قيل، ولا وجه لها. (¬4) ساقطة من الأصل. (¬5) بعدها فى الهامش أم، ولا حاجة لها. (¬6) فى الأصل: عندهم، والمثبت من س والأبى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينكرون، فمرة قال مالك: ليس عليه العمل، ومرة قال به، وفيه رَوَى عنه عبد الملك ومطرف وابن وهب ذلك عنه (¬1). ¬

_ (¬1) قال الأبى: جهل أبو عمر من حمل رواية ابن وهب على ظاهرها من أنها سنة، وأولها بنحو ما ذكر القاضى، وخرج اللخمى أنها فرض كفاية من قول ابن نافع وابن وهب: إن صلى الظهر من تلزمه الجمعة لوقت لو سعى فيه لأدرك لم يعد. إكمال 2/ 21.

(13) باب تخفيف الصلاة والخطبة

(13) باب تخفيف الصلاة والخطبة 41 - (866) حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحَوصِ، عَنْ سِمَاك، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صَلاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا. 42 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ حَدَّثَنِى سماكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتِ، فَكَانَتْ صَلاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا. وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: زَكَرِيَّاءُ عَنْ سِمَاكٍ. 43 - (867) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهْ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ. وَيَقُولُ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ، كَهَاتَيْن " وَيَقْرن بَينَ إِصْبَعَيْه السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بعثت أنا والساعة كهاتين ": يحتمل أنه تمثيل لمقاربتهما، وأنه ليس بينهما أصبع أخرى، وأن كل واحدة متصلةٌ بصاحبتها، كما أنه لا شىء بين محمد - عليه السلام - والساعة، وقد تكون لتقريب ما بينهما من المدة تقدَّر بقدر السبابة من الوسطى وقوله: " والساعة ": نصبٌ على المفعول معه. وقوله: " كان إذا خطب احَمرَّتْ عيناه، وعلا صوته، واشتد غضَبُه، كأنه منذرُ جيش " (¬1): هذا حكم المحذِّر والمنذِر، وأن تكون حركات الواعظ والمذِّكر وحالاته فى وعظه بحسب الفصل الذى يتكلم فيه ومطابق له، حتى لا يأتى بالشىء وضده، وأما اشتداد غضبه فيحتمل أنه عند نهيه عن أمر خولف فيه شرعه، أو يريد أن صفته صفة الغضبان عند إنذاره. وقوله: " أما بعد ": ترجم البخارى ترجمته على هذه الكلمة فى الخطبة (¬2)، وهو فصل بين الكلامين وبين الثناء على الله والحمد لله وبين ما يريد الخطيب أن يتكلم به، وقد ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: حتى كأنه منذِرُ جيش. (¬2) البخارى فى صحيحه، ك الجمعة، ب من قال فى الخطبة بعد الثناء: أما بعد (922).

وَيَقُولُ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةِ ضَلَالَةَ ". ثُمَّ يَقُولُ: " أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل فى قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَاب} (¬1) هو قوله: أما بعد، وقيل فيه غير هذا (¬2)، وأولى الأقوال في الآية أنه الفصل بين الحق والباطل كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} (¬3). وقوله: " خير الهدى هدى محمد ": رويناه هنا بضم الهاء فيهما وفتح الدال، ومعناه: الدلالة، والهدى هديان: هدى دلالة وإرشاد وبيان وهو الذى يضاف إلى الرسول والقرآن والعباد، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (¬4) و {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيم} (¬5) و {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (¬6) و {هُدًى لِلْمُتَّقِين} (¬7). والهداية الثانية: بمعنى التأييد والعصمة والتوفيق وهى التى تفرد بها جل جلاله وتقدست أسماؤه، قال الله لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْببْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} (¬8)، وحملت القدرية الهدى حيث وقع على البيان بناء على أصلهم الفاسد فى القدر (¬9). وقول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (¬10) وتفريقه بين الدعاء والهدى يرد قولهم. وروينا الحرف فى غير الكتاب: " خيرٌ الهَدْى هَدْىُ محمد " بفتح الهاء فيهما وسكون الدال، وفى هذا [الكتاب] (¬11) أدخله الهروى وفسّره بالطريق، أى إن أحسن الطريق طريق محمد، يقال: فلان حسن الهَدْى، أى المذهب فى الأمور كلها والسيرة، ومنه: " اهدُوا هدى عمار " (¬12) وقوله: " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه " يكون " أولى " هنا ¬

_ (¬1) ص: 20. وما ذكره القاضى أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره بإسناده عن أبى موسى - رضى الله عنه - قال: أول من قال: " أما بعد " داود - عليه السلام - وهو فصل الخطاب. قال ابن كثير: وكذا قال الشعبى: فصل الخطاب: أما بعد 7/ 51. (¬2) وذلك مثل قول مجاهد والسدى: هو إصابة القضاء وفهمه، وقال: شريح والشعبى: فصل الخطاب الشهود والأيمان، وقال قتادة: شاهدان على المدعى أو يمين المدعى عليه هو فصل الخطاب، الذى فصل به الأنبياء والرسل، وهو قضاء هذه الأمة إلى يوم القيامة. السابق. (¬3) الطارق: 13، 14. (¬4) الشورى: 52. (¬5) الصافات: 23. (¬6) الإسراء: 9. (¬7) البقرة: 2. (¬8) القصص: 56. (¬9) يعنى بمذهبهم الفاسد قولهم: إن العبد يخلق أفعاله، وأن الإيمان والهداية من فعله. (¬10) يونس: 25. (¬11) فى الأصل: الباب، والمثبت من س. (¬12) أحمد فى المسند من حديث حذيفة 5/ 399، وقد نقلها الأبى: " اهتدوا بهدى عمار " 2/ 22، وهو لفظ الطبرانى فى الأوسط، قال الهيثمى: وفيه يحيى بن عبد الحميد الحمانى، وهو ضعيف 9/ 295، ولم يشر لرواية أحمد.

تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَىَّ وَعَلَىَّ ". 44 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُميْدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى أقرب، كما قال بعضهم فى قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ} (¬1) أى الأقربان، وقد تكون " أولى " بمعنى أحق من بعضهم بعضاً ومن أنفسهم لها. وقوله: " من ترك دَيْنًا أو ضياعًا (¬2) فإلىّ وعلىّ "، قال الإمام: قال النضر بن شميل: الضياع: العيال، قال ابن قتيبة: هو مصدر ضاع يضيع ضياعًا، ومثله مضى يمضى مضًا، وقضى يقضى قضًا. أراد: من ترك عيالاً عالة وأطفالاً، فجاء بالمصدر [هنا] (¬3) [نائبًا] (¬4) عن الاسم كما يقول: وترك فقرًا، أى فقراء، والضياع بكسر الضاد جمع ضائع، مثل جائع وجياع، وفى الحديث: " فسد (¬5) الله عليه ضيعته ". قال الهروى: ضيعة الرجل ما يكون منه معاشه من صناعة أو غلَّة وغيرها، وكذلك أسمعنيه الأزهرى. قال شمر: ويدخل فيها الحرفة والتجارة، ويقال: ما ضيعتك؟ فيقول: كذا. قال القاضى: اختلف الشارحون فى معنى هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى أنه ناسخ لتركه الصلاة على من مات وعليه دين. وقوله: " صلوا على صاحبكم " وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكفَّل بديون أمته والقيام بمن تركوه، وهو معنى قوله هذا عنده، وقيل: ليس معنى الحمالة، لكنه بمعنى الوعد بأن الله ينجز له ولأمته ما وعدهم من فتح البلاد وكنوز كسرى، فيقضى منها ديون من عليه دين، وهو معنى قوله هذا عنده، وقيل: ليس بمعنى الكفالة، وحجة هذا حديث أبى هريرة: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرى الرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: " هل ترك لدينه قضاء ": فإن قيل: إنه ترك وفاءً صلى عليه، فلما فتح الله الفتوح قال: " وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من توفى وترك دينًا فعلىّ، ومن ترك مالاً فلورثته " (¬6). وهذا مما يلزم الأئمة من الفرض فى مال الله للذرية وأهل الحاجة، والقيام بهم وقضاء [ديون] (¬7) محتاجيهم. وقوله: " كانت خطبته يحمد الله ويثنى عليه " (¬8): هو من سنة الخطبة أن يكون ¬

_ (¬1) المائدة: 107. (¬2) فى ز: ضاعياً. (¬3) غير مثبتة فى ع. (¬4) من المعلم. (¬5) فى المعلم: أفسد. (¬6) البخارى، ك الكفالة، ب الدين (2298)، وسيأتى إن شاء الله فى الفرائض، ب " من ترك مالاً فلورثته " (1619). وتد أخرجه الترمذى فى الجنائز، ب ما جاء فى الصلاة على المديون (1070) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائى كذلك، ب الصلاة على من عليه دين (1963)، وغيرهم. (¬7) فى س: دين. (¬8) فى المطبوعة: كانت خطبة يوم الجمعة.

خُطْبَةُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَة؛ يَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِى عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ. ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثلِهِ. 45 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ؛ يَحْمَدُ اللهَ وُيثْنِى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ، وَخَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ". ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الثّقَفِىِّ. 46 - (868) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْد الأَعْلَى. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِى عَبْدُ الأَعْلَى - وَهُوَ أَبُو هَمَّامٍ - حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَمْرِو ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ - وَكَانَ منْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ - فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ: لَوْ أَنِّى رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَىَّ. قَالَ: فَلَقِيَهُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّى أَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِى عَلَى يَدِى مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ ". قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَىَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ. فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَراءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ. قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلَامِ. قَالَ: فَبَايَعَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَعَلَى قَوْمِكَ ". قَالَ: وَعَلَى قَوْمِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ أصلها حمدًا وثناءً على الله. وقوله: " ما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، لقد بلغن قاعوس البحر ": كذا وقع فى أكثر النسخ، وكذا عند شيوخنا بالقاف، من طريق العذرى والسمرقندى والطبرى وابن ماهان، ووقع عند أبى محمد بن سعيد: " تاعوس " بالتاء باثنتين من فوقها، ورواه بعضهم: " ناعوس " (¬1) بالنون. وذكره أبو مسعود الدمشقى فى كتاب أطراف الصحيحين، وعبد الله بن أبى نصر الحميدى فى كتاب جمع الصحيحين: " قاموس " بالميم، وقال ¬

_ (¬1) وهو ما جاءت به المطبوعة.

قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ. فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤلَاءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَالَ: رُدُّوها، فَإِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ. 47 - (869) حدّثنى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ، فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، لَقَدْ أَبلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ فَقَالَ: إِنِّى ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم: هو الصواب. قال أبو عبيد: قاموس البحر وسطه، وفى الجمهرة: لجته، وفى كتاب العين: قال فلان قولاً بلغ قاموس البحر، أى قعره الأقصى، وهذا المعنى بيِّنٌ فى هذا الحديث (¬1) نحوه. وقال الحربى: قاموس البحر قعره. وقال أبو مروان بن سراج: قاموس فاعول من قمسته إذا غمسته، فقاموس البحر لُجَّته التى تضطرب أمواجها ولا تستقر مياهها، كأنَّ بعض أجزائه تغمس بعضاً، وهى لفظة عربية صحيحة. قال القاضى: ومنه ما جاء فى الحديث فى المرجُوم: " إنه لينغمس فى أنهار الجنة " (¬2) " وأن ملكًا موكل بقاموس البحار " (¬3). - قال أبو على الجبائى: لم أجد فى هذه اللفظة ثلجًا. وقال لى شيخنا أبو الحسين: قاعوس البحر صحيح فى رواية من رواه - أيضًا - بمعنى قاموس، كأنه من القعس وهو تطامن الظَهْر وتعمقه، يرجع إلى عمق البحر ولجته الداخلة. وذكر أبو عمر المطرزى فى كتاب اليواقيت: القاعوس الحيَّة، فعلى هذا - إن صحت الرواية - يكون معناه بلغن حيوان البحر وحياته وحيتانه. جاء فى الحديث: " كانت خطبته قصدًا وصلاته قصدًا " أى متوسطة بين الطول والقصر، ومثله القصد من الرجال، والقصد فى المعيشة مجانبة السرف، وهى سنة الخطبة، لئلا يطول على الناس، ولما فى تطويلها من التصنع بالكلام والتشدق فى الخطاب، ولأمْره - عليه السلام - " من صلى بالناس فليخفف ". وقولهم لعمار وقد خطب فأبلغ وأوجز: " لقد أبلغت فأوجزت، فلو كنت تَنفَّسْتَ " أى أطلت الكلام شيئًا ووسَّعته (¬4) يقال: نفس الله فى مدته، أى أطالها. ¬

_ (¬1) فى الأصل: البحر. (¬2) أبو داود فى سننه، ك الحدود، ب رجم ماعز بن مالك ولفظه: " والذى نفسى بيده، إنه الآن لفى أنهار الجنة ينغمس فيها " 4/ 145، بيد أنه فى نسخة الحلبى قد تصرف المحقق فيها وقَيَّدهما: ينغمس. (¬3) أحمد فى المسند 5/ 382 عن ابن عباس بلفظ: " بقاموس البحر ". (¬4) زيد بعدها فى هامش س: فإنَّه اختصر.

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إِنَّ طول صلاة الرجل وقصْرَ خطبة مَئِنَةٌ من فقهه ": كذا روايتنا فيه هنا مقصور مشدد النون، من طريق شيخنا أبى بكر، وكذا عند الحذاق منهم والمتقنين وهو الصواب. ووقع فى رواية القاضى الصدفى وابن أبى جعفر "ماينة " بالمد [وآخره هاء] (¬1)، وهو غلط، وكذلك كل ضبطٍ خالف الأول. قال الإمام: قال الأصمعى: سألنى شعبة عن هذا الحرف فقلت: هو كقولك علامة ومخلقة ومجدرة (¬2). قال أبو عبيد: يعنى أن هذا مما يستدل به على فقه الرجل. قال أبو منصور: جعل أبو عبيد الميم فيه أصلية وهى ميم - مفْعِلةً، وإن كان كذلك فليس هو من هذا الباب، هذا الذى نقلناه عن الهروى فى حرف الميم، وزاد فى حرف الهمزة مع النون أن أبا عبيد أنشد للمرَّار: فتهامسوا [شيئًا] (¬3) [فقالوا] (¬4) عرِّسوا ... من غير تمئنةٍ لغير معرِّس وذكر الهروى عن الأزهرى أن تفسير أبى عبيد صحيح، واحتجاجه بالبيت غلط؛ لأن الميم فى التمنية أصلية وهى فى مئِنة ميم مفعلة، وليست بأصلية، ومعنى قوله: " من غير تمئنة " أى من غير تهيئة، ولا فكر فيه، يقال: أتانى فلان وما مأنت مأنه وما شأنت شأنه، أى لم أفكر فيه ولم أتهيأ له. قال القاضى: قال لى أبو الحسين شيخنا: الميم فى " مئنة " أصلية. ووزنها فَعْلَة من مأَنتُ إذا شعرت، وقاله أبوه أبو مروان. وقوله فى هذا الحديث (¬5): " فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة " غير مخالف لقوله فى الحديث: " كانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا " وذلك أن كلَّ واحدة قصدًا فى بابها، إذ سنة الخطبة بالتقصير فكان تقصيره - عليه السلام - فيها قصدًا غيرَ مخل بها، وسنة الصلاة التطويل، وتطويله - عليه السلام - قصدٌ فيها غير مخرج لها بالتطويل إلى أذى من خلفه، ولكل شىء عدل وقصد فى ذاته، وإن خالف قصدَ أحدهما الأخرى. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) قيَّدها أبو عبيد هكذا: قال الأصبعى: قد سألنى شعبة عن هذا فقلت: مَئِنَّة يقول: هى علامة لذاك، خليق لذاك. قال أبو عبيد: يعنى أن هذا مما يعرف به فقه الرجل ويستدل به عليه، وكذلك كل شىء دلَّك على شىء فهو مئِنَّة له 4/ 61. (¬3) من الغريب للهروى، والذى فى نسخ الإكمال: سرًّا. (¬4) فى الإكمال: وقالوا، والمثبت من الهروى. (¬5) بعدها فى نسخ الإكمال: " كانت صلاته "، وليست فى حديث عمار، وإنما هى من حديث جابر بن سَمُرة. وليس فيه: " فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة ".

فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَة، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سحْرًا ". 48 - (870) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ تَمِيم بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ أَنَّ رَجُلاً خَطَبَ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشِدَ. وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن من البيان سحراً ": قال أبو عبيد: هو من الفهم وذكاء القلب مع اللسان (¬1)، وقيل فى قوله تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَان} (¬2) هو الفصل بين كل شيئين، وفيه تأويلان: أحدهما: على وجه الذمِّ، قيل: هو إمالة القلوب وتحريكها وصرفها بمقاطع البيان إليه حتى تكتسب به من الإثم ما يكتسب [به من السحر] (¬3). واستدل هؤلاء بإدخال مالك الحديث فى موطئه فى باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله (¬4) وأنه مذهبه فى تأويل الحديث، والثانى: المدح، وهو أنَّ الله تعالى قد امتن بتعليم البيان على عباده بقوله: {عَلَّمَهُ الْبَيَان}، وشبهه بالسحر لميل القلوب إليه، وأصل السحر الصرفُ، والبيان يصرف القلوبَ ويميلها إلى ما يدعو إليه. وهذا الحديث (¬5) مما استدركه الدارقطنى على مسلم وقال: تفرد به ابن أبجر عن واصل عن أبى وائل قال: خطبنا عمار، وخالفه الأعمش وهو أحفظ لحديث أبى وائل فحدَّث به عن أبى وائل عن عبد الله (¬6). وقوله فى الذى خطب فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ¬

_ (¬1) فى الأصل: الألسن، والمثبت فى س. (¬2) الرحمن: 4. (¬3) فى الأصل: بالسحر. (¬4) الموطأ، ك الكلام 2/ 986. (¬5) يعنى حديث عمار: " إن طول صلاة الرجل وقصِرَ خطبته ". (¬6) عبارة الدارقطنى: وهو أحفظ لحديث أبى وائل منه، رواه عن أبى وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله، قوله: غير مرفوع، قاله الثورى وغيره عن الأعمش. التتبع: 194. قلت: سئل الدارقطنى فى العلل عن هذا الحديث فقال: يرويه أبو وائل، واختلف عنه، فرواه الأعمش عن أبى وائل عن عبد الله موقوفاً، وخالف الأعمش واصِل بن حيَّان، فرواه عن أبى وائل عن عمار بن ياسر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تفرَّد به عبد الملك بن أبجر عن واصل، وقد روى هذا الكلام عن عبد الله من وجه آخر موقوفاً أيضاً. وروى عن عمار بن ياسر أيضًا من وجه آخر، ورواه عدى بن ثابت، واختلف عنه، فرواه العلاء بن صالح عن عدى بن ثابت عن أبى راشد عن عمار، ورواه مسعر عن عدى ابن ثابت عن عمار مرسلاً، والقولان عن أبى وائل محفوظان؛ قول الأعمش وقول واصل جميعاً 50/ 224. وانظر ما نقله محقق الإلزامات والتتبع، حيث يُعِد الموقوف مرفوعاً، وأسقط (عن) قبل عبد الله. ومراجع القولين فى ابن أبى شيبة فى مصنفه 2/ 114.

غَوَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ". قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَقَدْ غَوِى. 49 - (871) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَلِىُّ، جَمِيعًا عَنِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرو، سَمِعَ عَطَاءً يخْبِرُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبر: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} (¬1). 50 - (872) وحدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّان، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَال عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ؛ قَالَتْ: أَخَذْتُ {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (¬2) مِنْ فِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ يَقْرَأُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ، فِى كُلِّ جُمُعَةٍ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَن يَحْيَى بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ غوى، فقال: " بئس خطيب القوم أنت (¬3) قل: ومن يعص الله ورسوله " أنكر - عليه السلام - جمع اسمه مع اسم الله فى كلمة واحدة وضمير واحد؛ لما فيه من التسوية؛ تعظيماً لله تعالى، وقد قال - عليه السلام -: " لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ثم شاء فلان " (¬4) وذلك لما فى معنى " ثم " من التراخى، بخلاف الواو الذى تقتضى التسوية، وإن كان الله تعالى قد شرَّف نبينا بذكره مثل ذلك فى حقه، وعُدَّت من خصائصه، كقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} (¬5) و {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬6) وشبه هذا. وفيه: توقى الكلام - المجمل والمحتمل - فى حق الله، والتحفظ من إيراد أمثاله فى الخطب والمقامات المشهودة وهذا بيِّنٌ فى معنى الحديث، وعليه إنكاره - عليه السلام - وقد روى أَنَّ إنكاره - عليه السلام - وقوفُه على قوله: " ومن يعصهما " أو احتجَّ به المفسرون على تخطئة الوقوف على غير التام، وما رده - عليه السلام - فى الكتاب عليه، وهو أصح، يخالف هذه الرواية. وقد اختلف المفسرون فى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ¬

_ (¬1) الزخرف: 77. (¬2) ق: 1. (¬3) الذى فى المطبوعة: " بئس الخطيب أنت "، وكذا أخرجه أحمد فى المسند 4/ 256. وما هاهنا هو لفظه فى الشفا 1/ 65. (¬4) أبو داود فى ك الأدب، ب لا يقال: خبثت نفسى (4980)، والنسائى فى الكبرى، ك عمل اليوم والليلة، ب النهى أن يقال: ما شاء الله وشاء فلان 6/ 245، وأحمد فى المسند 5/ 384 عن حذيفة. (¬5) آل عمران: 132، وجاءت فى س: {أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول} وهى من النساء: 59، وليست بمقصودة للمسألة. (¬6) الحديد: 7.

سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهَا. بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ. 51 - (873) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ، عَنْ بِنْتٍ لِحَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ؛ قَالَتْ: مَا حَفِظْتُ {ق} إِلَّا منْ فِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ. قَالَتْ: وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا. 52 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِىُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَة، عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بَنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النَّبِيِّ} (¬1) هذا الضمير راجع إلى نفسه والملائكة، فأجازه بعضهم، ومنعه آخرون، لعلة التسوية والتشريك، وخصوا الضمير بالملائكة، وقدَّروا الآية أنَّ الله يصلى والملائكة يصلون. وقوله: " فقد غوى ": وقع فى روايتى مسلم بفتح الواو وكسرها، والصواب الفتح هنا من الغىِّ، وهو الانهماك فى الشر. وقول بنت حارثة وأخت عمرة: " ما أخذت {ق} إلا من فى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرؤ بها كل جمعة على المنبر " وذلك - والله أعلم - لما فيها من أمر الآخرة والموت والمواعظ الشديدة. وقوله: فى سند الحديث: عن يحيى بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، كذا هو فى النسخ (¬2) وفى رواية شيوخنا، وهو صواب. وقال بعض المتعقبين من شيوخنا: صوابه ابن أسعد بن زرارة، وغلط فى رده، والصواب غير ما قاله، وإنما أوقعه فيه غلط ما فى كتاب أبى عبد الله بن البيع فيه، فأتبعه وظن أنه الصواب، وذلك أن الحاكم قال: صواب هذا أسعد، ووهم من قال فيه: سعد، وحكاه عن البخارى، وكذا وقع فى النسخ المروية عندنا عن الحاكم، فإن كان لم يهم الرواة عن ابن البيع فهو الواهم، والذى حكاه عن البخارى غلطٌ، ضده فى كتاب التاريخ، وإنما قال البخارى فى نسبه (¬3) سعد، ثم قال: وقال بعضهم: أسعد، ووهم، فانقلب الكلام فى كتاب أبى عبد الله الحاكم، ¬

_ (¬1) الأحزاب: 56. (¬2) وفى مصنف ابن أبى شيبة 2/ 115. (¬3) فى س: نسبته.

حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ؛ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا، سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةْ وبَعْضَ سَنَةٍ، وَمَا أَخَذْتُ {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، إِذَا خَطَبَ النَّاسَ. 53 - (874) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، قَالَ: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا. وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ. (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ قَالَ: رَأَيْتُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَقَال عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيْبَةَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما أسعد أخوه أبو أمامة أسعد بن زرارة سيد الخزرج، وأما أخوه هذا جدّ يحيى (¬1) وعمرة (¬2) فهو سعد وأدرك الإسلام، ولم يذكره كثير فى الصحابة لأنه ذكر فى المنافقين، وقال أبو عبد الله الحميدى: ذكر بعضهم فى سند هذا الحديث عمرة بنت عبد الرحمن، يعنى حديث يحيى بن عبد الرحمن، قال: وذلك وهم، ولم يذكر ذلك البرقانى ولا الدمشقى. وإنكار عمارة بن رُؤَيْبَةَ رفع اليدين فى الخطبة، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزد على الإشارة بالمُسَبحِة. اختلف فى هذا، فكره قوم من السلف رفعَ اليدين فى الخطبة والدعاء، وهو قول مالك (¬3)، وحجة من قال ذلك هذا الحديث، وأجازه آخرون، وهو قول بعض أصحابنا، وحجتهم رفع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه ومدَّها فى الخطبة [والدعاء] (¬4) يوم الجمعة حين استسقى (¬5). ¬

_ (¬1) هو يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد. (¬2) هى عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، روت عن عائشة وحمنة بنت جحش. (¬3) والزهرى ومسروق، فقد أخرج ابن أبى شيبة عنه قال: رفع الأيدى يوم الجمعة محدث 2/ 147. وله عن عبد الله بن مُرَّة عن مروق قال: رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر فرفع الناس أيديهم فقال مسروق: قطع الله أيديهم. السابق. (¬4) من س. (¬5) ولابن أبى شيبة عن شعبة عن سماك بن حرب قال: قلت له: كيف كان يخطب النعمان؟ قال: كان يلمع بيده، قال: وكان الضحاك بن قيس إذا خطب ضم يده على فيه. المصنف 2/ 16. وما ذكره القاضى أخرجه أبو داود عن عمير مولى بنى أبى اللحم، أنه رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسقى عند أحجار الزيت - موضع بالمدينة قريباً من الزوراء - قائماً يدعو، يستسقى، رافعًا يديه قِبل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه. ك الصلاة، ب رفع اليدين فى الاستسقاء 1/ 266.

(14) باب التحية والإمام يخطب

(14) باب التحية والإمام يخطب 54 - (875) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " قُمْ فَارْكَعْ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَمَا قَالَ حَمَّادٌ. وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّكْعَتَيْنِ. 55 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ - عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطبُ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ: " أَصَلَّيْتَ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " قُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ ". وَفِى رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قَالَ: " صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ". 56 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: بينما النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، إذ جاء رجل فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أصليت يا فلان؟ " قال: لا، قال: " قم فاركع الركعتين " ثم قال فى الحديث الآخر: " إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليركع ركعتين " (¬1): قد تقدم كلام أبى عبد الله فى طرق منه أول الباب، ونزيد هنا ما لم يذكره، فنقول: ذهب مالك والليث وأبو حنيفة والثورى وأصحابهما وجمهور عن السلف من الصحابة والتابعين: أنه لا يركع، وهو مروى عن عمر وعثمان وعلى، وحجتهم الأمر بالإنصات للإمام، وقول ابن شهاب: خروج الإمام يقطع الصلاة (¬2)، ولم يخبر عن رأيه، وأن ذلك سنة وعمل مستفيض فى زمن الخلفاء، ولقوله للذى رآه يتخطى رقاب الناس: " اجلس فقد آذيت " (¬3) ولم يأمره بركوع، وتأولوا ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: والإمام يخطب يوم الجمعة. (¬2) أخرجه ابن أبى شيبة عن سعيد بن المسيب 2/ 111. (¬3) ابن خزيمة فى صحيحه، ك الجمعة، ب النهى عن تخطى الناس يوم الجمعة والإمام يخطب، وإباحة زجر الإمام عن ذلك فى خطبته من حديث عبد الله بن بسر بلفظ: " اجلس فقد آذيت وآنيت " 3/ 156، وقد أخرجه ابن أبى شيبة عن الحسن مرسلاً بلفظ: " أتيت وآذيت " 2/ 144، وكذا عبد الرزاق 3/ 240.

الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَخْطُبُ. فَقَالَ لَهُ: " أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ؟ " قَالَ: لا. فَقَالَ: " ارْكَعْ ". 57 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو؛ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ". 58 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَن أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِىُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّى، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ؟ " قَالَ: لا. قَالَ: " قُمْ فَارْكَعْهُمَا ". 59 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، كِلَاهُمَا عَن عِيسَى بْنِ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنِ الأَعْمَشِ، عَن أَبِى سُفْيَانَ، عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث الداخل أنه إنما أمره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه كان عُرياناً أتى عليه خرقة، فأمره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقوم يصلى فيراه الناس، وأنه فعل به ذلك فى الثانية وفى الثالثة، وأمر الناس فى الثالثة أن يتصدقوا بكسوة. رواه أبو سعيد الخدرى، وأنها قضية فى عين ورجل مخصوص ولِعلّة " (¬1) لكن يعارضه الحديث الآخر: أمره - عليه السلام - بذلك من جاء يوم الجمعة، وذهب الشافعى وأحمد وإسحاق وفقهاء أصحاب الحديث إلى جواز ذلك، وحجتهم هذه الأحاديث. وقاله الحسن وأبو ثور (¬2)، وقال الأوزاعى: إنما يركعهما من لم يركعهما فى بيته على ظاهر الحديث، ورأى بعض المتأخرين من أصحاب الحديث استعمال الحديثين والتخيير للرجل بين الوجهين (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد فى المسند ولفظه عن أبى سعيد قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجمعة، فدخَلَ أعرابىّ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، فجلس الأعرابى فى آخر الناس، قال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أركعْت ركعتين؟ " قال: لا، قال: فأمره فأتى الرحبة التى عند المنبر فركع ركعتين. 3/ 70، وزاد الترمذى: فى هَيْئَة بذَّةٍ: 2/ 385. (¬2) وأخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف 2/ 110، وقد أخرجه الترمذى من حديث العلاء بن خالد القُرشى قال: رأيت الحسن البصرىَّ دخَلَ المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فصلَّى ركعتين ثم جلس. ك الصلاة، ب ما جاء فى الركعتين إذا جاء الرجلُ والإمام يخطب 2/ 386. (¬3) وهو قول ابن عباس وقتادة والثورى. راجع: المصنف لعبد الرزاق 3/ 245.

اللهِ؛ قَالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِىُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: " يَا سُلَيْكُ، قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ". ثُمَّ قَالَ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومضمون هذه الأحاديث كلها أن الجمعة فى الجامع لا يبرز بها إلى الصحراء، ولا تصلى فى غير مسجد، وأنه من شروطها، وهذا إجماع من العلماء إلا شىء حكاه القزوينى تأويلاً على المذهب أنه ليس من شرطها، وقد أنكره شيوخنا.

(15) باب حديث التعليم فى الخطبة

(15) باب حديث التعليم فى الخطبة 60 - (876) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ ابْنُ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِيِنِهِ، لَا يَدْرِى مَا دِينُهُ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَىَّ، فَأُتِى بِكُرْسِىٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا. قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِى مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فَأُتِىَ بِكُرسىٍّ، حَسِبْتُ قوائمه حديدًا فجلس عليه " (¬1) كذا للجلودى ولابن ماهان، وهو الصواب، وكذا ذكى ابن أبى خيثمة: " خِلْتُ "، وهو بمعنى حسبت، وقد فسره فى كتاب ابن أبى شيبة حميد فقال: أراه كان من عودٍ أسود فحسبته حديدًا. ووقع فى كتاب ابن الحذاء: " بِكُرسىٍّ خشب " قالوا: ويحتمل أنه تغيير من حسبت، وليس تبعد صحة هذه الرواية: لأنه موافق للرواية الأولى وذكر ابن قتيبة هذا الحديث وقال: " فيه بكرسى خُلْب " قال: وهو الليف، وهذا تصحيفٌ إنما هو خلت كما رواه ابن أبى شيبة، وبمعنى حسِبْتُ الذى رواه مسلم. وقولهَ فى هذا الحديث: " رجل غريب يسأل عن دينه، لا يدرى ما دينه ": فيه التلطفُ فى سؤال العالم. وقوله: " فأقبل علىَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وترك خطبته " وقوله: " فجعل يُعَلِّمنى مما علمه الله، ثم أتى خطبته ": فيه المبادرة إلى الواجبات، إذ سأل نبيَّه عن دينه، فلو تركه حتى يتم الخطبةَ والصلاة لعل المنية تخترمه؛ ولأن الإيمان على الفور. وفيه دليل أن مثل هذا كلَّه من التعليم والأوامر والنواهى فى الخطب لا يقطعها، وليس بلغو فيها، ولعلَّ جلوس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الكرسى وتعليمه له لم يطل جدًّا، وإن طال فلعلة ابتداء الخطبة، كما قاله العلماء. وفيه جواز الجلوس على الكراسى، ولاسيما فى مثل ذلك وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دنا من المذكور ونزل عن المنبر، وترك القيام عليه، وجلس إليه ليقرب منه ويسائِله عن دينه، ويتمكن من مباحثته عنه، وارتفع على الكرسى ليسمع كلامه غيرُه ويشاهدوا محاورته إياه. وفيه إباحة الكلام فى الخطبة لأمر يحدث، وأنه غيرُ مفسد للخطبة (¬2)، وكذلك جواز الإجابة له وإن ذلك ليس بلغوٍ، وقد تقدم من هذا. وقال الخطابى عن بعض العلماء: إن الخطيب إذا تكلم فى خطبته أعادها. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: فقعد عليه. (¬2) فى س: لها.

(16) باب ما يقرأ فى صلاة الجمعة

(16) باب ما يقرأ فى صلاة الجمعة 61 - (877) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعَنْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ - وَهُوَ ابْنُ بِلَال - عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِى رَافِعٍ؛ قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَة عَلَى الْمَدِيِنَةِ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ، فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِى الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} (¬1). قَالَ: فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرفَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَرَأتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - كِلَاهُمَا عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى رِوَايَةِ حَاتِمٍ: فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، فِى السَّجْدَةِ الأُولَى. وَفِى الآخِرَةِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ. 62 - (878) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْن سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ قَالَ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِى الْعِيدَيْنِ وَفِى الْجُمُعَةِ، بـ {سَبَّحَ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (¬2)، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬3). ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم قراءة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاة الجمعة بسورة الجمعة، {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} أما سورة الجمعة - والله أعلم - فلما فيها من أحكامها وعلمها، وأمَّا سورة {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} فلتوبيخ من يحضرها منهم إذ كان أمكن ما يجدهم لاستماعهم، وقَلَّ من كان يتخلفها منهم. ¬

_ (¬1) المنافقون: 1. (¬2) الأعلى: 1. (¬3) الغاشية: 1.

قَالَ: وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ، فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا فِى الصَّلَاتَيْنِ. (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 63 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: كَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: يَسْأَلُهُ: أَىَّ شَىْءٍ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، سِوَى سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ: {هَلْ أَتَاكَ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى سند هذا الحديث: ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثنا سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه [عن ابن أبى رافع. كذا لهم، وعند العذرى فى كتاب الصدفى وبعض النسخ: الماهانية] (¬2) عن أبى رافع وهو وَهْم، والصواب ابن أبى رافع واسمه عبيد الله، وهو ابن أبى رافع مولى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاء مُسمىً (¬3) فى حديث قتيبة بعده، وقراءته - أيضاً - فى الركعة الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} لما فيها من الوعظِ، وأحوال أهل الآخرة، والتذكير، وأما قراءته بـ (سبَّح) والغاشية فى العيد وفى الجمعة إذا اجتمعا فى يوم على ما ذكره فى الحديث، فلعله لتخفيف صلاة الجمعة لينصرف الناس الذين يشهدون العيدين من أهل العوالى إلى منازلهم، ليشهدوا بقية يوم عيدهم مع من تركوه من عيالهم. ¬

_ (¬1) الغاشية: 1. (¬2) سقط من س. (¬3) فى س: مبنياً.

(17) باب ما يقرأ فى يوم الجمعة

(17) باب ما يقرأ فى يوم الجمعة 64 - (879) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى صَلَاةِ الفَجْرَ، يَوْمَ الجُمُعَة: {آلم. تَنزِيل} (¬1) السَّجْدَةُ، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْر} (¬2) وَأَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَن مُخَوَّلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. فِى الصَّلَاتِيْنِ كَلْتَيْهِمَا، كَمَا قَالَ سُفْيَانُ. 65 - (880) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَن سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِى الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: {آلم. تَنزِيل}، و {هَلْ أَتَى}. 66 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَن أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ فى [صلاة الفجر] (¬3) يوم الجمعة بـ {آلم. تَنزِيل} السجدة فى الأولى، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} فى الثانية، قال الإمام: كره [مالك] (¬4) فى المدونة أن يقرأ الإمام بسجدة فى صلاة الفرض. واعتل بأنه يخلط على ¬

_ (¬1) السجدة: 1، 2. (¬2) الإنسان: 1. (¬3) فى ع: الصبح. (¬4) من ع.

عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِى الصُّبْحِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، بـ {آلم. تَنزِيل} (¬1) فِى الرَّكْعَةِ الأُولَى. وَفِى الثَّانِيَةِ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} (¬2). ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس صلاتهم، وقال بعض المتأخرين من أصحابه: لأن سجدات الصلاة محصورةٌ بالشرع، فزيادة سجدة اختيارًا منافاة للتحديد فى السجود، وقيل: إن ذلك يجوز فى صلاة الجهر، وإذا كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ وسجد وهو إمام كان حجة لهذا القول. ¬

_ (¬1) السجدة: 1، 2. (¬2) الإنسان: 1.

(18) باب الصلاة بعد الجمعة

(18) باب الصلاة بعد الجمعة 67 - (881) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ، فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا ". 68 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، فَصَلُّوا أَرْبَعًا " - زَادَ عَمْرٌو فى رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: قَالَ سُهَيْلٌ - فَإِنْ عَجِلَ بِكَ شَىْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِى الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَينِ إِذَا رَجَعْتَ ". 69 - (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ، فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا ". وَليْسَ فى حَدِيثِ جَرِيرٍ: " مِنْكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ذكر مسلم أحاديث الصلاة بعد الجمعة، فذكر من رواية أبى هريرة أمره أن يصلي بعدها أربعًا أيضاً، وفى رواية عنه: " فإن عجل بك شىء فصلِّ ركعتين فى المسجد وركعتين إذا رجعت "، وفى رواية أخرى: " من كان منكم مُصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا ". [و] (¬1) رواية ابن عمر: " أنه كان - عليه السلام - كان لا يصلى بعدها حتى ينصرف فيركع ركعتين فى بيته إذا انصرف " (¬2) وفى رواية معاوية: " إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْهَا بصلاةٍ حتى تكلَّم أو تخرج "، قال الإمام: [لعله] (¬3) أشار إلى كراهة الاقتصار على ركعتين بعدها، لئلا تلتبس بالظهر التى هى أربع، وهذا التأويل على رواية: " من كان منكم مصلياً " وأما رواية: " إذا صلى فليصل " فلعله يكون معناه: إن شاء التنفل، بدليل الحديث الآخر. قال القاضى: اختلف العلماء فى هذا، فأخذ مالك برواية ابن عمر، وجعله فى الإمام أشدَّ وأوسع لغيره فى الركوع فى المسجد، مع استحبابه ألا يفعلوا، ووجه ذلك - ¬

_ (¬1) فى الأصل: وفى. (¬2) فى المطبوعة دون لفظ " إذا انصرف ". (¬3) الذى فى المعلم: لعل هذا.

70 - (882) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِى بَيْتِهِ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ. 71 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ وَصَفَ تَطَوُّعَ صَلَاةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فكَانَ لا يُصَلِّى بَعْدَ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ فِى بَيْتِهِ. قَالَ يَحْيَى: أَظُنُّنِى قَرَأْتُ فَيُصَلِّى أَوْ الْبَتَّةَ. 72 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَن سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ. 73 - (883) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِى الْخُوَارِ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنِ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ، ابْنِ أُخْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والله أعلم - لئلا يتطرق أهل البدع إلى صلاتها ظهرًا أربعًا، أو يظن جاهلٌ ممن رآه يتنفل بعدها بركعتين أنها ظهرٌ، وروى عن جماعة من السلف أنه تصلى بعدها ركعتين، ثم أربعًا، وهو مذهب الثورى وأبى يوسف، لكن استحب أبو يوسف تقديم الأربع على الاثنين، واستحب الشافعى التنفل بعدها وإن كثر أفضل وقال أبو حنيفة وإسحاق: فصلِّ أربعًا لا تفصل بينهن. وحجة هؤلاء الحديث، ومن جهة النظر العلة المتقدمة، لئلا يظن إذا صلاها ركعتين إنها ظهر، وخيره أحمد فى ركعتين، أو أربع. ووقع فى الحديث عن يحيى بن يحيى قرأت على مالك، وذكر حديث ابن عمر المتقدم، وفى آخره: قال يحيى بن يحيى: [أظنه] (¬1) قرأت فَيُصلِّى أو البتَّة، [هذا لفظ يُشكل ظاهرُه، وتفسيره: أنه شك هل قرأ على مالك قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيصلى ركعتين، أو غير هذا اللفظ - يركع - أو سقط من كتابه لفظة " يصلى " ثم غالب ظنه ووقوع هذه اللفظة وشهرتها فى حديث مالك، قال] (¬2): " أو البتة "، أى أنا متردد بين الظن واليقين فى هذه اللفظة تحرياً فى الأداء، رحمه الله. وقد جاء له فى الكتاب مثل هذا فى خبر جويرة، حتى غلط فى ذلك كثير من أهل ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: أظُنَّنى. (¬2) سقط من س.

نَمِرٍ، يَسْأَلُهُ عَنْ شَىْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِى الصَّلَاةِ. فَقَالَ: نَعَمْ. صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِى الْمَقْصُورَةِ، فَلمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ قُمْتُ فى مَقَامِى، فَصَلَّيْتُ. فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَىَّ فَقَالَ: لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ، إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَلَّا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ. (...) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلهُ إِلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمَ قُمْتُ فِى مَقَامِى، وَلَمْ يَذْكُرِ: الإِمَامَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الشأن من أهل المشرق كما سنذكره فى موضعه من الكتاب (¬1)، وكان - رحمه الله - مع علمه وحفظه كثير التشكك حتى لُقِّبَ الشكاك. وقوله: " صليت معه الجمعة فى المقصورة ": فيه عملها فى الجوامع، وأوَّلَ من عملها - فيما قيل - معاوية من الخلفاء، حين ضربه الخارجى (¬2) فاستمر العملُ عليها لهذه العلة من التحصين على الأمراء، وأما بغير ذلك فلا ينبغى فعلها، وإن كان بعض المتأخرين أجازها، وذلك خطأ، لتفريقها الصفوف وسترها الإمام عمن خلفه، وإنما استحب للعلة المتقدمة. واختلف الناس فى الصلاة فيها، فأجازه كثير من السلف، وصلوا فيها، منهم الحسن، والقاسم بن محمد، وسالم، وغيرهم، وأباه آخرون وكرهوه، وروى عن ابن عمر أنه إذا حضرت الصلاة وهو فى المقصورة خرج عنها إلى المسجد، وهو قول الشعبى وأحمد، وإسحاق، إلا أن إسحاق قال: فإن صلى أجزته، وقيل: هذا إذا كانت مباحةً، فإن كانت محجزةً إلا على آحاد من الناس لم يجز فيها صلاة الجمعة، لأنها بتحجيزها خرجت عن حكم الجامع المشترط فى الجمعة. ¬

_ (¬1) لعله يقصد ما أخرجه مسلم فى ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب التسبيح أوَّل النهار وعند النوم عنها - رضى الله عنها - قالت: مَرَّ بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين صلى صلاة الغداة أو بعد ما صلَّى الغداة ... الحديث (2726). (¬2) راجع فى هذا البداية والنهاية 8/ 23.

8 - كتاب صلاة العيدين

بسم الله الرحمن الرحيم 8 - كتاب صلاة العيدين 1 - (884) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: شَهِدْتُ صَلَاةَ الْفِطْرِ مَعَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث صلاة العيدين قال القاضى: صلاة العيدين من السنن عندنا وعند كافة العلماء، وذكر عن أبى حنيفة أنها واجبة، وقال الإصطخرى (¬1): هى فرض، وسُمىِّ العيدُ عيدًا لأنه يعود ويتكرر لأوقاته، وقيل: بل بعوده بالفرح والسرور على الناس، وقيل: تفاؤلاً لأن يعود على من أدركه، كما سميت القافلة فى ابتداء خروجها تفاؤلاً لقفولها سالمةً ورجوعها. قوله: " شهدتُ صلاةَ الفطر مع نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب ": هذا هو المتفق عليه من مذاهب علماء الأمصار وفقهاء الفتوى، ولا خلاف بين أئمتهم فيه، وهو فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الآثار الصحيحة، والخلفاء الراشدين بعده، إلا ما روى أن عثمان شَطْرَ خِلافته، قدَّمها، إِذْ رأى من الناس من تفوتهم الصلاةُ، فقال: لو قدَّمنا الخُطبة ليدركوا الصلاة، وقد روى مثل هذا عن عمر وأنه أول من قدمها لهذه العلة ولا يصح عنه (¬2) وقيل: أول من فعل ذلك معاوية، وقيل: أو من فعل ذلك مروان، يعنى بالمدينة، وقد ذكر مسلم غيره مع أبى سعيد (¬3). وقال ابن ¬

_ (¬1) هو أبو سعيد الإصطخرى، الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخرى، الشافعى، شيخ الإسلام فقيه العراق، رفيق ابن سريج، كان له وجه فى المذهب توفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. تاريخ بغداد 7/ 268، سير 15/ 250، طبقات السبكى 3/ 230. وقد زاد النووى على ذلك ناسباً إليه أنها من فروض الكفاية 2/ 534، وكذا في المجموع 5/ 2. قلت: وممن قال بأنها فرض كفاية الحنابلة، انظر: المغنى 3/ 284. (¬2) أخرجه عبد الرزاق وابن شيبة بإسناديهما عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أَوَّلَ من بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم الفطر عمر بن الخطاب، لما رأى الناس ينقصون، فلما صلى حبسهم فى الخطبة. وهذا لفظ عبد الرزاق 3/ 283. أما لفظ ابن أبى شيبة عنه قال: كان الناس يبدؤون بالصلاة ثم يثنون بالخطبة، حتى إذا كان عمر وكثر الناس فى زمانه، فكان إذا ذهب يخطب ذهب حفاة الناس، فلما رأى ذلك عمر بدأ بالخطبة حتى ختم بالصلاة 2/ 171. وانظر كذلك فى القول بأنها من فعل عثمان - رضى الله عنه - المراجع السابقة. (¬3) سبق فى ك الإيمان، ب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان.

وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ. قَالَ: فَنَزَلَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّى أَنْظُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سيرين: إن زيادًا أول من فعله، يعنى بالبصرة، وذلك كله أيام معاوية لأنهما عماله، وفعله ابن الزبير آخر أيامه. قال أصحابنا: إنه إن بدأ بها أعادها بعد الصلاة، وقد علل بعضهم فعل بنى أمية وإطباقهم على ذلك: أنهم كانوا أحدثوا فى الخطبتين من لعن من لا يجب لعنه ما أحدثوه، فكان الناس إذا أكملت الصلاة نفروا وتركوهم، فقدموا - الخطبة لهذا (¬1). وأما قوله - عليه السلام - فى غير هذا الحديث: خطب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النحر فقال: " أول ما نبدأ به يومنا هذا - أن نصلى ثم نرجع فننحر " (¬2): ظاهره أن الخطبة قبل الصلاة، وبهذا ترجم عليه النسائى (¬3) وليس كذلك، فقد فسره حديثه الآخر من رواية البراء، ذكره البخارى: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الأضحى فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه فقال: " إن أول نسكنا فى يومنا أن نبدأ بالصلاة " (¬4)، وذكر الحديث، فقد فسر ما أجمل فى الحديث الآخر، وأن العرب توقع الماضى موضع المستقبل، فأخبر - عليه السلام - أن هذا هو ترتيب نسكهم وعملهم فى ذلك اليوم، وقد أطلق النسك هنا على الصلاة، وهو صحيح. والنسك: الطاعة، وكل شىء يتقرب به إلى الله فهو نسك، ومناسك الحج وغيره: مواضع العبادات. وصلاة العيدين سنة مؤكدة، والخطبة لهما سنة لا يسع تركها وهى عندنا لازمة لمن تلزمه الجمعة، وهو قول كافة العلماء على أصولهم فى الجمعة، وأبو حنيفة على أصله - أيضًا - أنها لا تجب إلا على من فى المصر، وأما نزول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى خطبته إلى النساء إذ رأى أنه لم يسمعهن فذكَّرَهُنَّ، فهذا كان أَوَّلَ الإسلامِ وتأكيد بيعة الإسلام، وفى حقه - عليه السلام - وفى ابتداء التعليم وخاص له، وليس على الأئمة فعله، ولا يباح لهم قطع الخطبة بنزولٍ لوعظ النساء ومن بعد من الرجال، وقول عطاء فى الأم: إن ذلك لحقٌّ ¬

_ (¬1) وقد علق الحافظ ابن حجر على قول عياض فيما رواه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق عن فعل عمر وعثمان: " لا يصح " فقال: وفيما قاله نظر؛ لأن عبد الرزاق وابن أبى شيبة روياه جميعاً عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصارى عن يوسف بن عبد الله بن سلام، وهذا إسناد صحيح، لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور فى الباب: " شهدتُ العيد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وعمر وعثمان - رضى الله عنهم - فكلهُم كانوا يُصَلُّونَ قبلَ الخطبة " وكذا حديث ابن عمر، وقد أخرج الشافعى عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد: " حتى قدم معاوية فقدم الخطبة " قال: فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعاً لمعاوية، لأنه كان أمير المدينة من جهته. فتح البارى 2/ 524. (¬2) البخارى فى صحيحه، ك العيدين، ب الخطبة بعد العيد، وك الأضاحى، ب الذبح بعد الصلاة (5560)، والنسائى فى الكبرى، ك صلاة العيدين، ب الخطبة يوم النحر قبل الصلاة (1563). (¬3) فى السابق. (¬4) ك العيدين، ب استقبال الإمام الناس فى خطبة العيد.

إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ، حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ. فَقَال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} (¬1) فَتَلَا هَذِهِ الآية حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: " أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكِ؟ ". فَقَالَت امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا مِنْهُنَّ: نَعَمْ. يَا نَبِىَّ اللهِ. لا يُدْرَى حِينَئِذٍ مَنْ هِىَ؟، قَالَ: " فَتَصَدَّقْنَ "، فَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ ثُمَّ قَالَ: هَلُمَّ، فِدَى لَكُنَّ أَبِى وَأُمِّى؛ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِمَ فِى ثَوْبِ بِلَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم - يعنى الأئمة - وما لهم لا يفعلون ذلك، غير مُوافقٍ عليه (¬2). وقد قال - عليه السلام -: " ليبلغ الشاهد الغائب " (¬3) ولعل فعله كان لتأكيد البيعة كما قال حين تلا عليهم الآية: " أنتن على ذلك " الحديث. وفيه كون النساء بمعزل عن الرجال وبعد منهم، وغير مختلطات بهم. وقوله: " فجلَّس الرجال " كأنهم قاموا لينفضوا عند نزوله من المنبر لوعظ النساء ظنًّا منهم أنه أكمل خطبته (¬4). وقوله: " فجعلن يلقين الفَتَخَ والخواتِيم (¬5) " [وفى حديث آخر: " فجعلت المرأة تلقى سخابها وخرصها "، (¬6)، قال الإمام: قال ابن السكيت: الفتخةُ عند العرب تلبس فى أصابع اليد، وجمعها فتخات وفَتَخ. وقال أبو نصر عن الأصمعى: هى خواتم لا فصوص لها، ويقال - أيضاً - فتاخ، والسِّخابُ خيطٌ فيه خَرز، وجمعه سُخبُ، مثل كتاب وكتب. قال القاضى (¬7): هى قلادة من طيب أو مسكٍ، هو قول أهل اللغة، قالوا: أو قرنفل ليس فيها من الجوهر شىء، وقيل: هو من المقادات يلبسه الصبيان والجوارى، وفى البخارى عن عبد الرازق: الفتخ الخواتيم العظام، وفى العين - أيضاً - الفتخُ جلجل ¬

_ (¬1) الممتحنة: 12. (¬2) غير مسلّم دعوى الخصوصية هنا، فلا خصوصيّة بغير دليل، وقد أخرج البخارى قول عطاء أيضاً فى ك العيدين، ب موعظة الإمام النساء يوم العيد 2/ 26. (¬3) البخارى فى صحيحه، ك العلم، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع " 1/ 26، وكذا ب: " ليبلغ العلمَ الشاهدُ الغائب " 1/ 37، ك الحج، ب الخطبة أيام منى 2/ 216، وسيأتى إن شاء الله فى الحج، ب تحريم مكة وصيدها. (¬4) ظاهر الرواية هنا وفى البخارى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل إليهن بعد كمال الخطبة، ولعل تجليسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجال كان لتهيئة المكان لحسن استماعهن ودفع غوائل جلبة خروج الرجال عنهن. (¬5) الذى فى المطبوعة: والخواتم. (¬6) سقط من المعلم، وهو جزء حديث أخرجه البخارى، ك العيدين، ب الخطبة بعد العيد 2/ 23. (¬7) بعدها فى الأصل: قال البخارى. وانظر الصحيح 2/ 27 نقلاً عن عبد الرزاق قال: الفتخ الخواتيم العظام.

2 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، قَالَ: سَمْعِتُ عَطَاءً، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ. قَالَ: ثُمَّ خَطَبَ، فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَأَتَاهُنَّ، فَذَكَرَهُنَّ، وَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ. وَبِلَالٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِى الْخَاتَمَ وَالْخُرْصَ وَالشَّىءَ. (...) وَحدثَنِيهِ أَبُو الربِيْع الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ. ح وَحَدَّثَنِى يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا جرس له، وفى الجمهرة: أن الفتخ قد يكون لها فصوص، قال ثعلب: وقد يكون فى أصابع الرجل، ومنه قول الشاعر: تسقط منه فتخى فى كمى (¬1) وقوله: " من أقراطِهِنَّ ": قيل: صواب الكلام: من قرطتهِن، وإنما يجمع القرط: قِرْطَة وأقراط، وقراط (¬2) وقروط. قال القاضى: ولا يُبعد أن يكون أقراط جمع جمع، جمع قراط، لاسيما وقد جاء فى الحديث: قال ابن دريد: كلُ ما علُق من شحمة الأذن فهو قرط، كان من ذهب أو خرز. والخرص قال شمر: الحلقةُ الصغيرة من الحلى [خرصٌ] (¬3). وقوله: " وبلال قايلٌ بثوبه ": كذا روايتنا عن شيوخنا بالياء باثنتين تحتها، أى يسير به، وفى بعض الروايات " قابل " بالباء بواحدة، كأنه بمعنى قبول ما دفعن له، والأول أوجه للكلام. قال الإمام: تعلق بعض الناس بهذا الحديث فى إجازة هبة المرأة مالها من غير اعتبار إذن الزوج؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسأل: هل لهن أزواج أم لا؟. ¬

_ (¬1) من شعر الدهناء بنت مِسْحِلٍ زوج العجاج، وكانت رفعته إلى المغيرة بن شعبة فقالت له: أصلحك الله، إنى منه بِجُمع - أى لم يفتضنى - فقال العجاج: الله يعلم يا مغيرة أننى ... قد دستها دوس الحصان المرسل وأخذتها أخذ المقصب شاته ... عجلان يذبَحُها لقومِ نُزَّلِ فقالت الدهناء: والله لا تخدعنى بشم ولا بتقبيل ولا بضم إلا بزعزاع يسلى همى تسقط منه فتخى فى كمى انظر: لسان العرب. (¬2) لم يذكرها الأبى. (¬3) نقلها الأبى: قرط.

حَدّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوهُ. 3 - (885) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَلَمَّا فَرَغَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ، وَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ، وَهُوَ يَتَوَكَأُ عَلَى يَدِ بِلَال. وَبِلَال بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِينَ النِّسَاءُ صَدَقَةً. قُلْتُ لِعَطَاء: زَكَاةُ يَوْمِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِ صَدَقَةً يَتَصَّدَّقْنَ بِهَا حينَئذٍ، تُلْقِى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قد يقال: إنه لا حجة فى هذا، لأن الغالب من ذوات الأزواج حضورُ أزواجهن فى ذلك المشهد، وتركهم الإنكار لفعلهن إذن لهن، وتسويغ لفعَلهن (¬1) وقيل: فيه وجوب الصدقة فى الحُلىِّ، وجوازُ تقديم الزكاة إذ لم يسألهن عن حولها، وهذا لا حجة فيه، والظاهر أنه صدقة تطوع، ولذلك قال بعضهم: فيه حجةُ ألا زكاة فيه، لقوله: " ولو من حُلِيِّكُنَّ " ولا يقال: هذا فى الواجب، وقيل: فيه حجة من يرى جواز فعل البكر، ولا حجة فيه أيضاً، إذ لم يأت فيه عن بكر ذكر أنها تصدقت معهن، ولا حضرت ذلك المشهد. وفيه أن المعاطاة فى العقود تقوم مقام القول الصريح؛ لأن النساء ألقْينَ ما ألقينَ إِذْ طُلبتْ منهن الصدقةُ، فكانت صدقةً وإن لم يسمها صدقة. وفيه أنَّ جواب الواحد من الجماعة عنهم، وهم سكوت غير منكرين عليه، أو إخباره عنهم كنطق جميعهم، لقول المرأة: " نعم " عن جميعهن، إذ قال لهن: " أنتن على ذلك "، فاكتفى - عليه السلام - بقولها (¬2). وقوله: " فقامت امرأة واحدة " إلى قوله: " لا يدرى حينئذ من هى "، قال الإمام: كذا وقع في الكتاب عند جميع الرواة: " لا يدرى حينئذ من هى " وغيره يقول: " لا يدرى حسَنٌ من هى " وكذلك ذكره البخارى (¬3) عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق، وهو الحسن بن مسلم، ولعل قوله " حينئذ " تصحيف. قال القاضى: هو تصحيف لا شك فيه، والحسن بن مسلم هو راوى الحديث فى كتاب مسلم عن طاوس عن ابن عباس. ¬

_ (¬1) وتعقب من النووى بضعفه أو بطلانه، قال: لأنهن كُنَّ معتزلاتٍ لا يعلم الرجال من المتصدقة منهن من غيرها، ولا قدر ما يتصدق به، ولو علموا فسكوتهم ليس إذنًا. (¬2) وبمثله قوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ... فَعَقَرُوهَا} [الشمس: 7 - 9] والذى انبعث واحد. (¬3) ك العيدين، ب موعظة الإمام النساء 2/ 26.

الْمَرْأَةَ فَتَخَهَا، وَيُلْقِينَ وَيُلْقِينَ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَحَقًّا عَلَى الإِمَامِ الآنَ أَنْ يَأتِىَ النِّسَاءَ حِينَ يَفْرُغُ فَيُذَكِّرَهُنَّ؟ قَالَ: إِى، لَعَمْرِى، إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ 4 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر: " فقامت امرأة من سِطةِ النساء "، قال الإمام: قيل فى تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} (¬1) أى أعدُلهم وخيرهم، ومنه قوله تعالى: {أُمَّةً وَسَطًا} (¬2) أى عدلاً خيارًا، ويقال: فلان من أوسط قومه، وأنه لواسطة قومه ووسط قومه، أى من خيارهم وأهل الحسب منهم، وقد وسط وساطة وسِطة، وقول الله تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} (¬3) أى فتوسطن المكان، يقال: وسط البيوت (¬4) يسطها إذا نزل فى وسطها. قال القاضى: كذا وقع هذا الحرف عند عامة شيوخنا وسائر الرواة، إلا فيما أتى به الخُشنى عن الطبرى، فإنه ضبطه: " واسطة "، وهو قريب من التفسير الأول، لكن حُذَّاق شُيوخنا زعموا أن هذا الحرف مُغَيَّرٌ فى كتاب مسلم، وأنَّ صَوَابَه: " مِن سَفلة الناس "، وكذا رواه النسائى (¬5) فى سننه وابن أبى شيبة فى مصنفه (¬6) وذكره من طريق آخر: " فقامت امرأة ليست من علية النساء " (¬7)، وهذا ضد التفسير المتقدم، ويعضده قوله بعد: " سفعَاء الخدَّين "، وهو شحوب وسواد فى الوجه. قال الإمام: قال الهروى فى تفسير قوله: " أنا وسفعاء الخدَّين كهاتين يوم القيامة " (¬8) أراد أنها بدلت [تصانُع] (¬9) وجهها - أى محاسِنهُ - حتى اسودت إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها لئلا تضيعهم، والأسفع: الثور الوحشى الذى فى خدِّه سواد (¬10). ¬

_ (¬1) القلم: 28. (¬2) البقرة: 143. (¬3) العاديات: 5. (¬4) فى س: البيت. (¬5) فى الكبرى، ك صلاة العيدين، ب قيام الإمام للخطبة متوكئًا على إنسان 1/ 549. (¬6) لم أقف عليه فيما لدى وإنما هو للدارمى، ك العيدين، ب الحث على الصدقة يوم العيد 1/ 316، وأحمد فى المسند 3/ 318، وقد أخرجه عبد الرزاق دون ذكر هذه اللفظة: 3/ 279. (¬7) فى الزكاة 3/ 110، وكذا عبد الرزاق فى المصنف 3/ 280. (¬8) أبو داود، ك الأدب، ب فى فضل من عال يتيمة 2/ 631، وأحمد فى المسند 6/ 39 عن عوف بن مالك. (¬9) فى جميع النسخ تناصف، والمثبت من الفائق. (¬10) قال القاضى فى المشارق: هو شحوب وسواد فى الوجه، قال الأصمعى هى حمرة يعلوها سواد. 2/ 226.

يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكّئًا عَلَى بِلالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ، وَذَكَّرَهُمْ. ثُمَّ مَضَى، حَتَىَ أَتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ. فَقَالَ: " تَصَدَّقْنَ. فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ " فَقَامَت امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءَ الْخَدِّيْنِ. فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ". قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يُلْقِينَ فِى ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَواتِمِهِنَّ. 5 - (886) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىّ، قَالَا: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلا يَوْمَ الأَضْحَى، ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ حِينٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَخْبَرَنِى. قَالَ: أَخْبَرَنِى جَابِرُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىُّ: أَنْ لا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يَوْم الْفِطْرِ، حِينَ يَخْرُجُ الإِمَامُ وَلا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلَا إِقَامَةَ، وَلا نِدَاءَ، وَلا شَىْء. لا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلا إِقَامَةَ. 6 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " يكثرن (¬1) الشَّكاة " مثل قوله: " يكفرن الإحسان " (¬2) فى الحديث الآخر، أى ينكرنه ويسترنه. و " الشَّكاة " التشكىِّ بالقول، وهى الشكوى أيضاً، و " يكفرن العشير " قيل: هو الزوج، والعشير - أيضاً - المخالط، فيحتمل أن يريد به الزوج أو كل من يعاشرها ويخالطها من زوج وغيره، قال الخليل: يقال: هذا عشيرك وشعيرك، على القلب. وقوله: " لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى " (¬3): فلا خلاف بين فقهاء الأمصار فى ذلك أنه لا أذان ولا إقامة للعيدين (¬4)، وإنما أحدث الأذان معاوية (¬5)، وقيل: زيادٌ (¬6)، وفعله آخر إمارة ابن الزبير (¬7)، والناس على خلاف ذلك، وعمل أهل المدينة ونقلهم المتفق عليه برد ما أحدث. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " تكثرن " بالتاء. (¬2) سيأتى فى الكسوف بلفظ: " بكفر الإحسان " وباللفظ المذكور أخرجه البخارى فى الإيمان، ب كفران العشير 1/ 14، ك الكسوف، ب صلاة الكسوف جماعة 2/ 46. (¬3) طريق محمد بن عبد الله بن نمير، محمد بن رافع. (¬4) لأنها نافلة، وسنة غير فريضة. التمهيد 10/ 243. (¬5) و (¬6) أخرجه ابن أبى شيبة 2/ 169. (¬7) المصنف لعبد الرزاق 3/ 277.

أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ أَوَّلَ مَا بَويعَ لَهُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَلَا تُؤَذِّنْ لَهَا. قَالَ: فَلَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يُفْعَلُ. قَالَ: فَصَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. 7 - (887) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ - عَنْ سَمِاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ، غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرتَّيْنِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ. 8 - (888) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يُصَلَّونَ العيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. 9 - (889) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ، قَامَ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِى مُصَلَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ، ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ، أَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيرِ ذَلِكَ، أَمَرَهُمْ بِهَا، وَكَانَ يَقُولُ: " تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا "، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى " (¬1): حجة للبروز للعيد فى الصحراء، وهو سنة، والذى [عليه] (¬2) [عمل] (¬3) جماعة المسلمين، إلا لأهل مكة، فيصلى فى المسجد، أو مِن عذر. وقول أبى سعيد: " فخرجت مخاصراً مروان بن الحكم ": أى ماشاه ويده فى يده، فقال فى هذا: خاصرنى (¬4). ¬

_ (¬1) جاء فى المطبوعة: " يوم الأضحى ويوم الفطر ". (¬2) من س. (¬3) فى الأصل: عمل به. (¬4) وهو ما جاء فى طريق الليث الذى أخرجه ابن عبد البر فى التمهيد 10/ 262.

مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَخَرَجْتُ مُخَاصِرًا مَرْوَانَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْمُصَلَّى، فَإِذَا كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ قَدْ بَنَى مِنْبِرًا مِنْ طِينٍ وَلَبِن، فَإِذَا مَرْوَانُ يُنَازِعُنِى يَدَهُ، كَأَنَّهُ يَجُرُّنِى نَحْوَ الْمِنْبَرِ، وَأَنَا أَجُرُّهُ نَحْوَ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْهُ قُلْتُ: أَيْنَ الابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: لَا، يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَدْ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ. قُلْتُ: كَلَّا. وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لا تَأتُونَ بِخَيْرٍ مَمَّا أَعْلَمُ - ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ انْصَرَفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فإذا كَثِير بْنُ الصلت (¬1) بنى منبراً من طين ولبن ": وقع فى غير موضع أنَّ كثيرًا إنما بناه قبل هذا لعثمان، وظاهر هذا اللفظ يُعطى إحداثه الآن، وفيه جواز خطبة العيد على المنبر، ومنازعة أبى سعيد له ليرده للصلاة قبل الخطبة. وقوله: " الابتداءُ بالصلاة " أمرٌ له بالمعروف، وفيه دليل على أنَّ ذلك كان معهوداً عندهما، وتركه حين أبى. وقوله: " لا تأتون بخير مما أعلم ": تصريحٌ بالحق وإن لم يكن فى الواجبات، وأما قوله: " ثم انصرف " فظاهره - والله أعلم - انصرافه عن جهة المنبر إلى جهة الصلاة، ولم يأت أنه انصرف عن المصلى، ولم يصل معه، بل دليل الحديث الآخر الذى خرجه البخارى (¬2): " أنه صلى معه وكلمه فى الأمر بعد الصلاة، ولو كان عنده من المنكرات الواجبة، وأن الصلاة لا تجزى مع تقديم الخطبة لما صلاها معه. ¬

_ (¬1) هو ابن معدى كرب، قيل: إنه أدرك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى عن أبى بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وعنه أبو غلاب، وأبو علقمة، وكان كاتباً لعبد الملك بن مروان على الرسائل، ذكره ابن سعد فى الطبقة الأولى من تابعى أهل المدينة. تهذيب 8/ 419. (¬2) فى ك العيدين، ب الخروج إلى المصلى بغير منبرٍ (956).

(1) باب ذكر إباحة خروج النساء فى العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، مفارقات للرجال

(1) باب ذكر إباحة خروج النساء فى العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، مفارقات للرجال 10 - (890) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَنَا - تَعْنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَ، فِى الْعِيدَيْنِ، الْعَوَاتقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " [أمرنا أن] (¬1) نُخرِج [فى العيدين] (¬2) العواتق، أو ذوات الخدور] (¬3) ": والعاتق: الجارية حين تُدرك، وعتقَت أى أدركت. قال القاضى: قال ابن السكيت: العاتق فيما بين أن تدرك إلى أن تعنس ما لم تتزوج، وقال ابن دريد: عتقت الجارية صارت عاتقاً إذا أوشكت البلوغ. والخدور: البيوت، وقيل: الخدر السرير الذى عليه قبةٌ، وقيل: ستر يكون فى ناحية البيت، وهو بمعنى قوله: " المخبأة ". وقد اختلف السلفُ فى خروج النساء للعيدين فرأى ذلك جماعة حقاً عليهن، منهم أبو بكر وعلى وابن عمر وغيرهم، ومنهم من منعهن ذلك جملة، منهم عروة والقاسم، ومنع ذلك بعضهم فى الشابة دون غيرها، وأجازه للمتجالة، منهم عروة، والقاسم، ويحيى بن سعيد، وهو مذهب مالك وأبى يوسف، واختلف قول أبى حنيفة فى ذلك، فأجازه مرَّةً فى العيدين، ومنعه أخرى. قال الطحاوى: كان الأمر بخروجهن أوَّل الإسلام لتكثير المسلمين فى أعين العدو (¬4)، وقال غيره: هذا يحتاج إلى تاريخ، وأيضاً فليس النساء مما يرهب بهن العدو. وقوله: " والحُيَّضُ يُكنَّ خلف الناس ": تنزيهاً لموضع الصلاة منهن كما منعهن المساجد وقد تقدم هذا، وخشية ظهور الخلاف على الأئمة من أن يكون النساء مجتمعات، منهن من يصلى ومنهن من لا يصلى (¬5)، ففيه حجة لمنع هذا الباب. وقوله: " يكبِّرن مع الناس ": فيه جواز الذكر لله للحائض، وقد تقدم. هذا يحتمل أنه فى وقت خروجهن عند تكبير الإمام فى خطبته وصلاته. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) و (¬3) سقط من ع. (¬4) شرح معانى الآثار 1/ 387، ومن تمام كلامه الذى يتضح به مراده قوله بعدها: فلما كان الحُيَّض يخرجن لا للصلاة، ولكن لأن يصِبَنهنَّ دعوة المسلمين احتمل أن يكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الناس بالخروج من غير العيد لأن يجتمعوا فيدعون، فيصيبهم دعوتُهم لا للصلاة. (¬5) قيدها الأبى هكذا: وخشية ظهور الخلف على الإمام بأن يكون يصلى ولا يصلين 2/ 37.

11 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِالْخُروجِ فِى الْعِيَدَيْنِ، وَالْمُخَبَّأَةُ والْبِكْرُ. قَالَتِ: الْحُيَّضُ يَخْرُجْنَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: اختلف الناس فى التكبير فى العيدين، فعند مالك سبع فى الأولى، وعند الشافعى ثمان، وعند أبى حنيفة أربع، واتفقوا على أن ذلك قبل القراءة، [وأما الثانية فستّ عندنا بتكبيرة القيام قبل القراءة] (¬1)، وقال أبو حنيفة: أربع بعد القراءة (¬2). وقد قال بعض أصحابنا: [فيه] (¬3) معنى لطيف لأنه عليه السلام أراد أن يثبت فى هاتين الركعتين تكبير أربع ركعات، إذ (¬4) فى كل ركعتين سوى [ركعتى العيد] (¬5) من [التكبير] (¬6) هذا القدر المزيد فى صلاة العيدين، كما [فعل] (¬7) فى صلاة الكسوف، ¬

_ (¬1) ساقطة من س. وقد أخرج مالك والشافعى وعبد الرزاق والبيهقى عن نافع - مولى ابن عمر - أنه قال: شهدتُ الأضحى والفطر - مع أبى هريرة، فكبَّر فى الركعة الأولى بسبع تكبيرات قبل القراءات، وفى الآخرة خمسًا قبل القراءات، الموطأ 1/ 180، الأم 1/ 236، والمصنف 5680، والتمهيد 16/ 37 والبيهقى فى الكبرى 3/ 288، والمعرفة 5/ 6874. قال أبو عمر: معلومٌ أن هذا وما كان مثله لا يكون رأيًا؛ لأنه لا فرْق من جهة الرأى والاجتهاد بين سبع فى هذا وأربع، ولا يكون إلا توفيقًا ممن يجبُ التسليمُ له. قال: وقد روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه كبَّر فى صلاة العيدين سبعًا فى الركعة الأولى وخمسًا فى الثانية من طرق كثيرة حسان. وبعد أن ساق الكثير منها قال: وبهذا قال مالك والشافعى وأصحابهما والليث بن سعدٍ، إلا أن مالكاً قال: سبعًا فى الأولى بتكبيرة الإحرام على ظاهر الحديث " سبعًا فى الأولى "، ولو لم يكن تكبيرة الافتتاح فى السبع لقيل: كبَّر ثمانيًا وَسِتًا. وقال الشافعى: سوى تكبيرة الإحرام، جعل القصدَ فى الحديث إلى تكبير العيد دون شىء من التكبير المعهود فى الصلاة؛ لأن تكبير الصلاة معلومٌ أنه لم يقصد إليه فى هذا الحديث. قال: واتفقا على أنَّ الخمس تكبيراتٍ فى الركعة الثانية غير تكبيرة القيام. وقال أحمد بن حنبل وأبو ثورٍ كقول مالكٍ: سبع بتكبيرة الإحرام فى الأولى وخمس فى الثانية سوى تكبيرة القيام، إلا أن أحمد لا يوالى بين التكبير، ويجعلُ بين كل تكبيرتين ثناءً على الله وصلاةً على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الاستذكار 7/ 48 - 51. (¬2) وهو ثابت عن ابن مسعود، فقد روى أنه كان يعلمهم - الكوفيين - التكبير فى العيدين تسع تكبيراتٍ، خمس فى الأولى وأربع فى الثانية، ويوالى بين القراءتين. المصنف لعبد الرزاق 3/ 294. وقد أخرج أبو داود وأحمد عن حذيفة وأبى موسى مثله. أبو داود، ك الصلاة، ب التكبير فى العيدين 1/ 299، وأحمد فى المسند 4/ 416. كما أخرج عبد الرزاق والشافعى فى الأم عن على أنه كبَّر فى الفطر إحدى عشرة، ستًا فى الأولى وخمسًا فى الآخرة. المصنف 3/ 85، 292، والأم 1/ 236. (¬3) فى ع: فى ذلك. (¬4) فى ع: لأن. (¬5) فى ع: صلاة العيدين. (¬6) من ع. (¬7) ساقطة من ع.

12 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل فى الركعتين ركوعَ أربعٍ، يشير إلى تضعيف الأجر، وقد يُستلوح منه أن هذا القدرَ المزيدَ يعنى عما أخذ منه، وكأن المصلي فعل بركعتيه أربعَ ركعات. قال القاضى: وللتكبير فى العيدين أربعة مواطن: فى السعى إلى المصلى إلى حين يخرج الإمام، وإذا كبَّر الإمام فى خطبته، والتكبير المشروعُ فى صلاة العيدين، والتكبير بعد الصلاة، فأما الوجه الأول فاختلف العلماء فى ذلك، فرأى جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يكبرون إذا خرجوا حتى يبلغوا المُصلى يرفعون أصواتهم بذلك (¬1)، وقاله مالك والأوزاعى، قال مالك: ويكبر إلى أن يخرج الإمام، وقال ذلك الشافعى وزاد استحبابه ليلة الفطر وليلة النحر (¬2)، وروى عن ابن عباس إنكار التكبير فى الطريق (¬3). وفرق أبو حنيفة بين العيدين، فقال: يكبر فى الخروج يوم الأضحى، ولا يفعله فى الفطر، وخالفه أصحابه (¬4) فقالوا بقول الجماعة، وأما تكبيرهم بتكبير الإمام فى خطبته، فمالك يرى ذلك (¬5) والمغيرة يأباه. وأما التكبير المشروع فى صلاة العيدين، فاختلف العلماء وأئمة الأمصار فى ذلك، فذهب مالك وأحمد وأبو ثور فى آخرين إلى أنه سبع فى الأولى بتكبيرة الإحرام وخمس فى الثانية غير تكبيرة القيام، وقال الشافعى: سبع غير تكبيرة الإحرام، وفى الثانية ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه عن الزهرى مرسلاً 2/ 164، 165. (¬2) وذلك لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] قال الإمام الشافعى: فسِمعتُ من أرضى من أهل العلم بالقرآن أن يقول: ولتكملوا العدة عدة شهر رمضان، ولتكبروا الله عند إكماله على ما هداكم، وإكماله مغيب الشمس من آخر يوم من أيام شهر رمضان. الأم 1/ 231. وقد روى من حديث صالح بن محمد بن زائدة أنه سمع سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة ابن عبد الرحمن وأبا بكر بن عبد الرحمن يكبرون ليلة الفطر فى المسجد يجهرون بالتكبير. ولابن أبى شيبة عن على أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر. المصنف 2/ 165. قال البيهقى: وروينا عن أبى عبد الرحمن السلمى أنه قال: كانوا فى التكبير فى الفطر أشدَّ منهم فى الأضحى. معرفة السنن 5/ 52. (¬3) فقد روى ابن أبى شيبة عن شعبة قال: كنت أقود ابن عباس يوم العيد فيسمع الناس يكبرون فقال: ما شأن الناس؟ قلت: يكبرون، قال: يكبرون؟ قال: يكبر الإمام؟ قلت: لا. قال أمجانين الناس! 2/ 165. (¬4) أبو يوسف ومحمد والطحاوى، واحتجوا بقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة} الآية قالوا: وليس بعد إكمال العدة إلا هذا التكبير. وحجة أبى حنيفة قول ابن عباس السابق، قال: إن ذلك كان فى يوم الفطر. بدائع الصنائع 2/ 707. (¬5) فقد أخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن عتبة قال: السنة التكبير على المنبر يوم العيد، يبدأ خطبته الأولى بتسع تكبيرات قبل أن يخطب، ويبدأ الآخرة بسبع. المصنف 3/ 291.

حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِى الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ. فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خمس بتكبيرة القيام، وقال أبو حنيفة والثورى: خمس فى الأولى وأربع فى الثانية بتكبيرة الافتتاح والقيام، لكنه تقدم عندهم القراءة على الثلاث تكبيرات فى الثانية، وكلهم يرى صلة التكبير وتواليه، وقال أحمد والشافعى وعطاء: يكون بين كل تكبيرتين ثناءٌ على الله، وصلاة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعاء (¬1)، وروى عن ابن مسعود (¬2)، واختلف عن السلف والصحابة فى تكبير العيد اختلافاً كثيرًا نحو اثنى عشر مذهباً. وأما الوجه الرابع فهو التكبير بعد الصلاة فى عيد النحر، فاختلف السلف والعلماء فيه - أيضاً - على نحو عشر مقالات: هل ابتداؤه من صبح يوم عرفة؟ أو ظهرها؟ أو من صبح يوم النحر؟ أو ظهره؟ وانتهاؤه فى ظهر يوم النحر؟ أو فى ظهر أول يوم من أيام النفر؟ أو فى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق؟ أو فى صلاة الظهر؟ أوفى صلاة العصر؟ واختيار مالك والشافعى وجماعة من أهل العلم ابتداؤه صلاة الظهر يوم النحر، وانتهاؤه صلاة الصبح آخر أيام التشريق (¬3)، واختار بعض أصحابه قطعه بعد صلاة الظهر ذلك اليوم، وبعضهم بعد العصر، ومذهبنا ومذهب الشافعى وجماعة من أهل العلم أنه للمنفرد والجماعة والرجال والنساء والمقيم والمسافر، وقال أبو حنيفة والثورى وابن حنبل: إنما يلزم جماعات الرجال. وكذلك اختلفوا فى التكبير دبر النوافل، فلم ير ذلك مالكٌ فى المشهور عنه، والثورى وأحمد وإسحاق وقال الشافعى: يكبر، وروى عن مالك، واختلفوا فى صفة التكبير، هل هو ثلاث؟ وهو مشهور قول مالك، أو لا حدَّ فيه؟ وهو الذى حكاه ابن شعبان فى مختصره إن شاء ثلاثًا وإن شاء أربعًا أو خمسًا، ليس فيه شىء موصوفٌ، أو فيه حمدٌ وتهليل، فيقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، [الله أكبر] (¬4) [ولله الحمد] (¬5)، وهو قول مالك (¬6) الآخَر والكوفيين وفقهاء الحديث، واختار بعضهم غير هذا من زياده ثناء وحمد مع التكبير والتهليل (¬7). ¬

_ (¬1) وذلك لما جاء عن مكحول: بين كل تكبيرتين صلاة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. المصنف 3/ 291. (¬2) فقد أخرج الطبرانى فى الكبير عنه بين كل تكبيرتين قدر كلمة، قال الهيثمى: فيه عبد الكريم، وهو ضعيف 2/ 205. (¬3) أخرجه ابن أبى شيبة من حديث سعيد بن جبير 2/ 166. (¬4) من س. (¬5) فى س: الحمد لله. (¬6) وهو قول الحنفية والحنابلة. (¬7) فقد أخرج ابن أبى شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يكبرون يوم عرفة وأحدهم مستقبل القبلة فى دبر الصلاة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. المصنف 2/ 167. وله عن ابن عباس أنه كان يقول: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر وأجلَّ، الله أكبر ولله الحمد. السابق 2/ 168. وانظر: معرفة السنن والآثار 5/ 108.

وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: " لِتُلبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلبَابِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك اختلفوا، هل يكبرون تلك الأيام فى غير أدبار الصلوات؟ وهو المروى عن جماعة السلف، أم يختص بأدبار الصلوات فقط؟. وقد ذكر مالك أنه أدرك الناس يفعلون الوجهين، وأجاز كلاً لمن فعله، لكن الذى فعله من يقتدى به وأختاره وهو التكبير دبر الصلوات فقط (¬1) واختار بعض شيوخنا الوجه الأول للتشبيه بأهل منى. وقوله: " لتُلْبِسْها [أُخْتُها] (¬2) من جِلبابِها "، قال الإمام: الجلباب: هو الإزار، وجمعه جلاليب، ومنه قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} (¬3). قال القاضى: قال النضر بن شُميل: الجلبابُ ثوب أقصر وأعرض من الخمار، وهى المصنَّعة، تغطى المرأةُ بها رأسها، وقال غيره: هو ثوب واسع دون الرداء، تغطى به المرأة ظهرها وصدرها، وقيل: هو كالملاءة والمِلْحَفَةِ، وقيل: هو الإزار، وقيل: هو الخمار. وظاهر قوله: " لِتُلْبِسْها أُخْتُها من جلبابها " أَى لِتُعِرْها جلبابها إذا تَعَوَّضَتْ هى منه بسواه أو يكون على ظاهره، ومشاركتها فيه للضرورة، أو يكون على طريق المبالغة، أى (¬4) يخرجن ولو اثنتان فى جلبابٍ، ففيه كلُّه الحض على المواساة والتأكيد فى خروجهن للعيد. ¬

_ (¬1) المدونة 1/ 172. ولفظه فيها: لكن الذى فعله من أقتدى بهم. (¬2) ساقطة من س. (¬3) الأحزاب: 59. (¬4) فى س: أن.

(2) باب ترك الصلاة، قبل العيد وبعدها، فى المصلى

(2) باب ترك الصلاة، قبل العيد وبعدها، فى المصلى 13 - (884) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ. فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِى خُرْصَهَا وَتُلْقِى سِخَابَهَا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فصلى ركعتين لم يُصَلِّ قبلها ولابعدها ": وإلى هذا ذهب مالك - رحمه الله - وأحمد، وهو المروى [عن جماعة من الصحابة والتابعين، وذهب الشافعى إلى جواز الصلاة قبلها وبعدها، وروى] (¬1) عن جماعة من السلف أيضاً، وذهب الكوفيون والأوزاعى فى جماعة من التابعين إلى أنَّه يصلى بعدها ولا يصلى قبلها، لكن مالكًا يقول: هذا فى صلاتها فى الصحراء اقتداءً بالمروى عنه - عليه السلام - فأما إذا صُليت فى المسجد فعنه ثلاثُ روايات: جواز الصلاة قبلها وبعدها لأنها ليست بالصورة المتقدمة، وجوازها بعدها لا قبلها، كسائر التنفل بعد انصرافه إلى منزله، ومنعه فى الوجهين، اتباعاً لما مضى، وقد منع بعضهم من التنفل جملة يوم العيد إلى الزوال، واختاره بعض أصحابنا. ¬

_ (¬1) سقط من س.

(3) باب ما يقرأ فى صلاة العيدين

(3) باب ما يقرأ فى صلاة العيدين 14 - (891) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلىَ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِىَّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِىَّ: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فيهِمَا بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} (¬1) و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر} (¬2). 15 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ، حَدَّثَنَا فَلَيْحٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ؛ قَالَ: سَأَلَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر قراءة النبى - عليه السلام - فيها بقاف و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، ذهب الشافعى إلى أن القراءة بذلك من سنن صلاةِ العيد، ومالك وكافة العلماء لا يرون فيها حدًا محدودًا يتعين. قال بعض أصحاب المعانى: واختصاص النبى - عليه السلام - بقراءة هاتين السورتين فى العيد لما فيهما من ذكر النشور والحشر وتشبيهه ببروز الناس وحشرهم للعيد كذلك وتذكِّره به، قال الله تعالى: فى {اقْترَبَتِ السَّاعَةُ} (¬3) {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} (¬4) وفى السورة الأخرى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} (¬5). ذكر مسلم حديث يحيى بن يحيى عن مالك عن ضَمْرَة بن سعيد المازنىِّ عن عبيد الله ابن عبد الله؛ أنَّ عمر بن الخطاب سأل أبا واقدٍ: " ما كان يقرأ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأضحى والفطر؟ " هذا حديث غير متصل فى ظاهره من رواية مالك؛ لأن عبيد الله لا سماع له من عمر وهو متصل بالحقيقة كما فسره فى رواية فليح فيما ذكره مسلم فى الطريق الآخر. وسؤال عمر أبا واقد، ومثلُ عمر لم يخف عليه هذه العلة، اختبار له، هل حفظ ذلك أو لا؟ أو يكون قد دخل عليه شكٌّ أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ فى ذلك بـ " سبّح " والغاشية، على ما تقدم فى باب الجمعة، فأراد عمر الاستشهادَ عليه بما سمعه أيضاً أبو واقد. ¬

_ (¬1) ق: 1. (¬2) القمر: 1. (¬3) بعدها فى الأصل: يوم، وهو وَهْم. (¬4) القمر: 7. (¬5) ق: 44.

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: عَمَّا قَرَأَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى يَوْمِ الْعِيدِ؟ فَقُلْتُ: بـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد}. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعضهم: مثابرة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهما بقاف و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} لما فيهما من ذكر النشور وشبهه بخروج الناس للعيد كما قال: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} (¬1) وقوله: {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج} (¬2) والصدر عن المصلى لرجاء الغفران والسرور بالعيد كالصدر من المحشر إلى الجنة مغفور لهم. وفيه دليل على جهره بالقراءة فيها، ولا خلاف فى ذلك. ¬

_ (¬1) القمر: 7. (¬2) ق: 42.

(4) باب الرخصة فى اللعب، الذى لا معصية فيه، فى أيام العيد

(4) باب الرخصة فى اللعب، الذى لا معصية فيه، فى أيام العيد 16 - (892) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِى الأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ. قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبمُزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِى بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَذَلِكَ فِى يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وعندى جاريتان تُغَنِّيَان "، قال الإمام: الغناء بآلة يمنع، وبغير آلةِ اختلف الناس فيه، فمنعه أبو حنيفة، وكرهه الشافعى ومالك، وحكى أصحاب الشافعى عن مالك أن مذهبه الإجازة من غير كراهة. قال القاضى: المعروف عن مالك فيه المنعُ لا الإجازةُ، ومثل هذه القصة لعائشة وهى حينئذ - والله أعلم - بقرب ابتنائه بها، وفى سنِّ من لم يُكلَّفُ. وفى أول الأمر، ومعها جاريتان من سِنِّها، ثم ما أنشدتاه ليس فيه شعرٌ بسب ولا رفث؛ لأنه قال بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، وإنما هى من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور، والغلبة، وكل هذا مما لا يهيج على مثلهن شراً، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو رفع الصوتِ بالإنشاد، ألا ترى قوله فى الحديث: " وليست بمغنيتين " أى ليستا ممن يغنى بما جرت به عادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال مما يحرك النفوس، ويبعث الهوى والغزل، كما قيل: " الغناء رقية الزنا " (¬1)، أو ليستا أيضاً ممن اشتهر وعرف بالإحسان فى الغناء الذى فيه (¬2) تمطيطٌ وتكسير، وعمل يحرك الساكن، ويبعث الكامن، ولا ممن اتخد هذا صناعة وكسبًا، وقد تقدم أن الجهر ورفع الصوت تسميه العربُ غناءً، ألا ترى كيف قال فى الرواية الأخرى: " بغناء بعاث "، فسمى أشعارهم غناءً، وليس مجرد الإنشاد والترنم على عادة العرب من الغناء المختلف فيه. وقد استجاز الصحابة وغيرهم غناء العرب (¬3) المسمى بالنصب، وهو إنشاد بصوت رقيق فيه تمطيط، وأجازوا الحداء، وفعلوه بحضرة النبى - عليه السلام - وفي هذا كله إباحة مثل هذا، وما خف منه ولم يكن لصاحبه بعادة، وهذا ومثله لا يجرَّح به شاهد، ولا يقدح فى العدالة، وأيضاً فإن اللهو وضرب الدفاف جائز فى الأعراس، وهو أحد أفراح المسلمين ¬

_ (¬1) قال القارى فى الموضوعات: هو من كلام الفضيل بن عياض. انظر: كشف الخفا 2/ 106. (¬2) فى س: هو. (¬3) كررت العبارة فى س خطأ.

(...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِيهِ: جَارِيَتَانِ تَلْعَبَانِ بِدُفٍ. 17 - (...) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِى أَيَّامِ مِنىً، تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَجّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، وَقَالَ: " دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ ". وَقَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ. وَأَنَا جَارِيَةٌ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعيادهم من ذلك، ألا ترى قوله - عليه السلام -: " هذا عيدنا "، وفيه دليل على إظهار السرور وأسبابه فى الأعياد. وأما تسجية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثوبه فى هذا الحديث وتحويله وجهه عنهن فى الحديث الآخر - فإعراض عن هذا اللهو، إذ لم يكن منه ولا من سببه، وإن كان عنده مباحًا (¬1) لهؤلاء، كما قال: " لسْتُ من دَدٍ، ولا دَدٌ منى " (¬2)، وكذلك يكره فعله وحضوره - وإن كان مباحًا - لأهل الفضل والمروات ومن يقتدى به، وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} (¬3)، أو لا ترى كيفَ كان إنكارُ أبى بكر أن يكونَ ذلك بمحضر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما إنكاره فلشبه عنده بالمنهى عنه من الغناء المنكر. [وفيه فتوى المتعلم بحضرة مُعَلِّمِهِ مما يعرف من مذهبه وعلمه، وإنكاره المنكر] (¬4) بحضرته. ومعنى " تقاولت " أى قاله بعضهم لبعض فى تلك الحرب. ويوم بعاث يوم معلوم كان بين الخزرج والأوس، كان الظهور فيه للأوس، ضبطناه هنا بالعين المهملة، وهو قول الأكثر من اللغويين، وقال أبو عبيدة: يقال فيه " بغاث " ¬

_ (¬1) فى الأصل: مباح، وهو خطأ. (¬2) الطبرانى فى الكبير عن معاوية 19/ 344 والبيهقى عن أنس بن مالك مرفوعاً، قال البيهقى: قال على بن المدينى: سألت أبا عبيدة صاحب العربية عن هذا فقال: يقول: لست من الباطل ولا الباطل منى، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: الدَّدُ هو: اللعب واللهو، 10/ 217. وأخرجه البخارى فى الأدب المفرد عن أنس بلفظ: " ولا الدَّدُّ منى بشىء " قال: يعنى ليس الباطل منى بشى 2/ 257. والحديث فى جميع طرقه يدور على يحيى بن محمد بن قيس البصرى، لا يتابع على حديثه، وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من غير تعمّد. راجع: العقيلى فى الضعفاء 4/ 427. وقال الحافظ: محمد بن إسماعيل الجعفرى، قال أبو حاتم: منكر الحديث، يتكلمون فيه، وقال أبو نعيم: متروك. تهذيب 3/ 113. (¬3) القصص: 55. (¬4) سقط من س.

الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ. 18 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ عَلَى بَابَ حُجْرَتِى، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ لِكَىْ أَنْظَر إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِى، حَتَّى أَكُونَ أَنَا التِى أَنْصَرِفُ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالغين المعجمة، وبالوجهين ضبطناه فى غير هذا المكان عن ابن سراج (¬1). و" مزمور الشيطان " بضم الميم، بمعنى مزمار فى الحديث الآخر، وأصله الصوت بصفير، ومنه زمارة النعامة، والزمير الصوت الحسن، والزمر الغناء. وقوله: " ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجَّىً بثوب " (¬2) كما قال فى رواية أخرى: " مغشى " (¬3) ولعل تقدم أبى بكر لزجرهم بين يدى النبى إذ رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجَّىً ووجهه إلى الجهة الأخرى فظنَّ أنه نائمٌ لا علم عنده منهُنَّ، ولا يسمع غناءهن. ومعنى الجارية العَربة، قال أهل التفسير فى قوله: {عُرُبًا أَتْرَابًا} (¬4): واحدهن (¬5) عروبٌ، وهن المتحببات لأزواجهن، وقيل غير هذا (¬6)، وقيل: العربة الغنجة (¬7)، وامرأة عاربة أى ضاحكة، والعروب النشاط، فقد تكون العرِبة هنا المشتهرة (¬8) فى اللعب كما قال فى الحديث الآخر: " الحريصة على اللهو ". وفيه جواز اللعب بالدفِّ فى النكاح والأعياد وأفراح المسلمين ما لم يكثر ذلك، وهو الدف العربى المدور بوجه واحد، المسمى بالغربال. وفى حديث الحبشة جواز اللعب بالسلاح والمثاقفة؛ لأن فيه تدريباً على العمل بها فى ¬

_ (¬1) وبعاث اسم حصن كانت حربهم عنده، ودامت حربهم عنده مائةً وعشرين سنة إلى قدومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فألف الله عز وجل بينهم ببركته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه نزل قوله تعالى: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63] والأوس والخزرج أخوان شقيقان، أبوهما حارث بن ثعلبَ، وأمهما قيلة بنت كاهل بن عذرة، قضاعية. انظر: الأبى 2/ 40، الفتح 2/ 512. (¬2) طريق هارون بن سعيد الأيلى، والذى فى المطبوعة: بثوبه. (¬3) الذى فى البخارى: " متغشى ". ك العيدين، ب إذا فاته العيد يصلى ركعتين (987)، وفى المناقب، ب قصة الحبش وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بنى أرفدة ". (¬4) الواقعة: 37. (¬5) فى س: واحدها. (¬6) كما فى قول الضحاك عن ابن عباس: العرب العواشق لأزواجِهنَّ، وأزواجهن لهن عاشقون. تفسير ابن كثير 8/ 11. (¬7) وهو قول عكرمة، والغَنَجُ - بفتحتين - التكسر والتدلل. وحسن التبعل. (¬8) فى س: المتشبهة.

الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، حَرِيصَةً عَلَى اللَّهْوِ. 19 - (...) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى - وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ - قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِى، وَقَالَ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " دَعْهُمَا "، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ. فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا قَالَ: " تَشْتهِينَ تَنْظُرِينَ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَقَامَنِى وَرَاءَهُ، خَدِّى عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: " دُوْنَكُمَ يَا بَنِى أَرْفِدَةَ "، حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: " حَسْبُكِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَاذْهَبِى ". 20 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرب وتمرينًا للأيدى عليها، وكون ذلك فى المسجد إما لأنه من هذا الباب، فكأنه من أعمال البر، أو كما قيل: كان فى أول الإسلام، وقيل: النهى عن مثل هذا وغيره فيه، وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال، مثل هذا، لأنه إنما يكره لهنَّ من النظر إلى الرجال ما يكره للرجال فيهن من تحديق النظر لتأمل المحاسن، والالتذاذ بذلك، والتمتع به، وفيه ما كان عليه - عليه السلام - من حسن الخلق، وكرم العشرة مع الأزواج، وجميع الخلق. وقوله: " دونكم يا بنى أرفدة " بفتح الفاء ضبطناه على الشيخ أبى بحر، وكذا أتقنه عن شيخه القاضى الكنانى، أما الوزير أبو الحسن فقاله لنا بكسر الفاء لا غير، وأنكر الفتح. ومعنى تسميتهم ببنى أرفَدة [قيل] (¬1): هو لقب لهم. وقوله: " دونكم ": لفظ يستعمل للإغراء، والمغرى به هنا محذوف دلت عليه الحالةُ التى هم فيها، وهو لعبهم بالحراب الذى نهاهم عمر عنه. قال الخطابى: وهى تتقدم الاسم فى الجملة (¬2)، إلا شاذًا كما قال: يا أيها المايحُ دلوى دونكما (¬3) ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) يعنى كلمة الإغراء. (¬3) صدر بيت أنشده أبو عبيدة، وعجزه: إنى رأيت الناس يحمدونكا قال فى اللسان: والميح أن يدخل البئر فيملأ الدلو، وذلك إذا قل ماؤها.

قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِى يَوْمِ عِيدٍ فِى الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْتُ رَأسِى عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِى أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَريَّاءَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ بِشْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا: فِى الْمَسْجِدِ. 21 - (...) وحدَّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى عَاصِمٍ - وَاللَّفْظُ لِعُقْبَةَ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ؛ أَنَّهَا قَالَتْ، لِلعَّابِينَ: وَدِدْتُ أَنِّى أَرَاهُمْ. قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُمْتُ عَلَى الْبَابِ أَنْظُرُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِى الْمَسْجِدِ. قَالَ عَطَاءٌ: فُرْسٌ أَوْ حَبَشٌ. قَالَ: وَقَالَ لِى ابْنُ عَتِيقٍ: بَلْ حَبَشٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه أقوى دليل على إباحة مثل هذا الأمر لهم، زايداً على إقراره إياه، وكذلك قوله فى الرواية الأخرى: " دعهم يا عمر ". وقوله: " حسْبُكَ ": هو هنا على طريق الاستفهام، أى أكفاكِ؟ بدليل قولها: " نعم ". وقوله: " اذهبى ": أى ارجعى إلى حجرتك وانصرفى عن النظر لهم. وقوله فى الحبشة: " يزْفنُون " فى الحديث الآخر ولم يأت عندهم فى سائر الأحاديث سوى اللعب بالسلاح، فقيل: معناه: يرقصون، والزَّفِنُ: الرقصُ، وهو وثبهم بسلاحهم تلك، وحجلهم أثناء عملهم بها كحركة المثاقف، وإنكار عمر وحصْبُه لهم بالحصباء - مما تقدم - مخافةَ أن يكون ذلك فيما لا يباح، حتى زجره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم، ولعله لم يعلم أنَّ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرى لعبهم، حتى سمع كلامه. وقوله: " فأهوى إلى الحصباء ": أى أمال يده لأخذها. وقول عطاء فيه: " فرس أو حبش " شك من الرواى، والصواب حبش. وقوله: " وقال لى ابن عتيق: حبش " (¬1) كذا عند شيوخنا وعند الباجى قال لى: ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: بل حبش.

22 - (893) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعمَر عَن الزُّهْرِىُّ، عَنْ ابْنِ المُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُوَنَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ، إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ وَيَحْصِبُهُمْ بِهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعْهُمْ يَا عُمَرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عمير، وقد تقدم فى سند هذا الحديث عبيد بن عمير (¬1) أخبرتنى عائشة، وفى نسخة: وقال ابن أبى عتيق. ¬

_ (¬1) عبيد بن عمير بن أبى قتادة بن سعيد، روى عن أبيه، وعمر، وعلى، وعائشة وأم سلمة، وعنه ابنه عبد الله، وعطاء، ومجاهد. مات سنة ثمان وستين.

9 - كتاب صلاة الاستسقاء

بسم الله الرحمن الرحيم 9 - كتاب صلاة الاستسقاء 1 - (894) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِىّ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث الاستسقاء وذكر مسلم أحاديث الاستسقاء، فذكر حديث مالك عن عبد الله بن حزم (¬1) عن عباد بن تميم، وفيه خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المصلى فاستسقى وحَوَّل رداءه حين استقبل القبلة، وليس فيه ذكر الصلاة، ونحوه فى حديث يحيى بن سعيد عن أبى بكر بن حزم، وذكره من رواية غير مالك وفيه: " وصلى ركعتين "، وذكر نحوه من حديث ابن شهاب عن عباد بن تميم وفيه: " ثم صلى ركعتين "، قال الإمام: هذا يدل على أن فى الاستسقاء صلاةً، وبه قال مالك (¬2)، وأبو حنيفة لا يرى فى الاستسقاء صلاة، وتعلق الأحاديث التى فيها استسقاؤه - عليه السلام - على المنبر، وهذا لا حجة له فيه، لأنه إنما قصد به الدعاء، لإتقان سنة صلاة الاستسقاء، وأيضاً فإنه كان عقيبه صلاة، قد (¬3) تنوب عن صلاة الاستسقاء، كما أن الحاجَّ يحرم عقيب الفريضة، وتنوب عن النافلة. قال القاضى: لا خلافَ فى جواز الاستسقاء، وأنه سنة، واختلف هل له صلاة كما تقدم؟ فالعلماء كلهم مخالفون لأبى حنيفة فى هذه المسألة، وأصحابه مخالفون له فيها، إلا شيئاً روى عن النخعى (¬4). وفى الأحاديث دليل على بروز الإمام والناس لها فى الصحراء وذلك لقوله: " خرج إلى المصلى " ولم يختلف من قال: يصلى لها، أنها ركعتان، كما نص فى الحديث، واختلفوا هل يُصلى قبل الخطبة؟ وهو قول الشافعى وعامة الفقهاء والذى رجع إليه مالك، ومشهور مذهبه، أو بعدها؟ وهو قول الليث، وقاله مالك أولاً. واختلفت الراويات فى ذلك عن الصحابة، وليس فى رواية من قال: "وصلى " حجة؛ لأن الواو لا تعطى رتبة، ¬

_ (¬1) هو ابن أبى بكر الأنصارى، فى طريق يحيى بن يحيى. (¬2) وغيره كما سيذكر القاضى. (¬3) فى الإكمال: فقد، والمثبت من المعلم. (¬4) فقد أخرج ابن أبى شيبة من حديث هشيم عن مغيرة عنه أنه خرج مع المغيرة بن عبد الله الثقفى يستسقى، قال: فصلى المغيرة فخرج إبراهيم حيث رآه صلى 2/ 471.

2 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن رواية من قال عن الزهرى: " ثم صلى " بَيِّنَةٌ فى الترتيب وتقديم الخطبة، ويعارضها رواية معمر عنه قال: " فصلى بهم ركعتين وحوَّل رداءه ورفع يديه واستسقى "، ومن رواية إسحاق بن عيسى الطبَّاع عن مالك أنه - عليه السلام - أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة (¬1) ولاختلاف هذه الآثار - والله أعلم - اختلف فى ذلك قول مالك، ثم عُضِّد عنده أحد الوجهين قياسُها على سنة صلاة العيد التى تشبهها (¬2). ولم يذكر فى هذه الآثار فيها تكبيرًا زائدًا على سائر تكبير الصلوات، وهو قول جمهور العلماء إلا الشافعى، والطبرى، فإنهما قالا: يكبر فيها كما يكبر لصلاةَ العيد، وحجتهما قوله فى بعض الأحاديث: " صلى فيهما ركعتين كما يصلى فى العيد " (¬3) وليس فيه حجة (¬4) إذ الظاهر العدد والجهر وكونهما بعد الخطبة إلا التكبير، واختلف فى المسألة قول أحمد، وخيَّر داود بين التكبير وتركه، وروى عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومكحول التكبيرُ فيها، ولم يذكر مسلمٌ جهره بالقراءة فيها، وقد ذكره البخارى (¬5)، ولا خلاف فى ذلك، فلم يذكر فيها بغير أذان ولا إقامة، وقد ذكره غيره فى حديث الزهرى، ولا خلاف فى ذلك، ولم يذكر جلوسه أثناء الخطبة، ولا أولها، وقد اختلف قول مالك فى جلوسه فيها أولا، والجلوس المشهور عنه، وكذلك يجلس عنده أثناءها ويخطب خطبتين، وهو قول الشافعى، وقال أبو يوسف ومحمد ابن الحسن وعبد الرحمن بن مهدى: خطبة واحدة (¬6) وخيّره الطبرى (¬7). ¬

_ (¬1) وتلك من زيادات إسحاق كما ذكر أبو عمر. الاستذكار 7/ 129. ثم قال: وقد روى عن عمر أنه خطب فى الاستسقاء قبل الصلاة. السابق 7/ 132. (¬2) قال أبو عمر، وعليه جماعة الفقهاء 7/ 133. (¬3) أبو داود فى الصلاة، ب جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها 1/ 302. الترمذى فى الصلاة، ب ما جاء فى صلاة الاستسقاء (558)، النسائى كذلك فى ب كيف صلاة الاستسقاء (1521)، ابن ماجه فى الإقامة، ب ما جاء فى صلاة الاستسقاء (1266)، أحمد فى المسند 1/ 223، الحاكم فى المستدرك 1/ 326، جميعًا من طريق وكيع عن سفيان الثورى، خلا أبا داود فإنه من طريق حاتم بن إسماعيل عن هشام بن إسحاق به. وقال فيه الترمذى: حديث حسن صحيح. (¬4) قال ابن عبد البر: وليس فيه حجة من جهة الإسناد ولا من جهة المتن؛ لأنه يمكن أن يكون التشبيه فيه بصلاة العيدين من جهة الخطبة، إلا أن ابن عباس رواه وعَمَل بالتكبير كصلاة العيد بمعنى ما روى. الاستذكار 7/ 137. (¬5) ك الاستسقاء، ب الجهر بالقراءة فى الاستسقاء 2/ 38، وكذا أخرجه الترمذى وعبد الرزاق فى المصنف (4889)، قال أبو عمر: ومن أحسن الناس سياقة لهذا الحديث الزهرى، الاستذكار 7/ 130. (¬6) خطَبةً واحدة خفيفة، يعظُهم ويحثُّهم على الخير. انظر: الشرح الكبير 1/ 405، الشرح الصغير 1/ 537، مغنى المحتاج 1/ 323، المغنى 2/ 430، الاستذكار 7/ 135. (¬7) فقال: إن شاء خطب واحدة، وإن شاء اثنتين.

عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " استسقى ": أى طلب من الله السقى بدعائه أو بتضرعه وصلاته. وقوله: " واستقبل القبلة وحوَّل رداءه "، وفى رواية: " فقلب رداءه "، قال الإمام: قال أهل العلم: إنما كان ذلك على جهة التفاؤل، لينقلب الجدب خِصْبًا. قال القاضى: قوله: " حوَّل رداءه " و " قلب رداءه " حجة لمالك وعامة العلماء أنه ردّ ما على اليمين على الشمال، كما جاء فى الحديث مفسراً (¬1)، وليس بتنكيسه وبقلب أعلاه أسفله، وجعل ما يلى الأرض على رأسه وما على رأسه إلى الأرض، كما قال الشافعى بمصر (¬2)، وكان يقول بالعراق كقول الجماعة، وقد وهم بعض المتأولين على المذهب وعلى غيره فجعلوا قول من قال: " يجعل ما على ظهره يلى السماء " وفسّر التحويل والقلب بهذا قولاً ثالثاً، وليس كذلك، بل هو القول الأول الذى عليه الجمهور، ولأنه لا يتأتى أن يجعل ما على يمينه على يساره، ولا يقلبه فيجعل أعلاه أسفله إلا بأن يجعل ما على ظهره يلى السماء، ولأن لفظة (حول، وقلب) تقتضى هذا، ولو كان كما قال الشافعى لقال: فنكَّس أو دوَّر. وتحويله سنة، قال بهما جمهور العلماء، وقد أنكر التحويل جملة من لم يبلغه هذه السنة، وهو أبو حنيفة وصعصعة بن سلَّام من قدماء علماء الأندلس على مذهب الشاميين (¬3) ولم يذكر فى الحديث أنه تحوَّل غير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قول الليث ومحمد وأبى يوسف من ¬

_ (¬1) وذلك فيما أخرجه أبو داود، ب جماع أبواب الصلاة وتفريعها 1/ 302 عن محمد بن مسلم بإسناده قال: وحوَّل رداءه، فجعل عطافَه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله عز وجل: 1/ 265. (¬2) قلت: أخرج أبو داود وأحمد فى المسند وابن خزيمة فى صحيحه والطحاوى فى شرح معانى الآثار بإسناد صحيح عن عبد الله بن زَيْدٍ قال: " استسقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه خميصةً له سوداء، فأراد أن يأخذَ بأسفَلها فيجعله أعلاها، فلما ثقُلت عليه قلبها على عاتقه " أحمد 4/ 40، ابن خزيمة فى صحيحه حديث (1415)، الطحاوى 1/ 324. قال ابن عبد البر: فى هذا الحديث دليل على أن الخميصة لو لم تثقل لنكسها، وجعل أعلاها أسفلها. الاستذكار 7/ 138. (¬3) هو صعصعة بن سلَّام الشامى، يكنى أبا عبد الله: يروى عن الأوزاعى، وعن سعيد بن عبد العزيز، ونظرائهما من الشاميين، وكانت الفتيا دائرة عليه بالأندلس أيام عبد الرحمن بن معاوية وصدرًا من أيام هشام ابن عبد الرحمن، وكان أول من أدخل الحديث الأندلس، وتوفى بها سنة ثمانين ومائة. تاريخ علماء الأندلس: 354.

3 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِى، وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَل الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ. 4 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب أبى حنيفة وابن عبد الحكم وابن وهب من أصحابنا (¬1)، وقال مالك: يحول الناسُ معه (¬2). وقوله: " لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحوّل ": دل أَنَّ الخطبة كلَّها ليست بدعاءٍ، وإنما هى أولاً ثناء على الله، وتذكيرٌ للناس، ووعظ لهم، وتخويفٌ، فإذا أراد أن يدعوَ استقبل القبلة ودعا، وحوَّل رداءه كما جاء فى الحديث. وقد اختلف الناس هنا فى موضعين: فى وقت تحويل الرداء من الخطبة، هل هو بعد تمامها؟ أو عند الإشراف على كمالها؟ أو بين الخطبتين، وقد روى هذا كله عن مالك والأول المشهور عنه، وقاله الشافعى، وقيل: بعد مضى صدرٍ منها، وعلى هذا الاختلاف هل يفعل ذلك قبل استقباله القبلة؟ أو بعد استقبالها؟ وهل يرجع بعد تمام دعائه فَيُذَكِّرَ الناسَ أم لا؟ فقال مالك مرة: إذا فرغ استقبل القبلة قائماً فحوَّل رداءه، ويحول الناس وهم جلوس ثم يدعو كما هو قائماً، ويدعو الناس وهم جلوسٌ، ثم ينصرف، وقال مرة: إن شاء انصرف وإن شاء حول وجهه إلى الناس، فكلم الناسَ ورغبهم فى الصدقة، والتقرب إلى الله، واختار تحوِّله إليهم وإكمال بقية خطبتة بعض أصحابنا، ولا خلاف فى تحويل الإمام وهو قائم، ويُحول الناس وهم جلوس. وقوله: " استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء ": هذا اختيار جماعة من العلماء فى رفع اليدين عند مواطن الدعاء، وفى الاستسقاء، واستحبابهم ذلك، وروى استحبابه عن مالك فى الاستسقاء، وعنه كراهة رفع الأيدى فى شىء من الأشياء، وأما صورة رفعها فهذا المروى فى الحديث، وهذا الذى اختاره مالك عند عزم الإمام على الناس فى رفع الأيدى، فرفع يديه كذلك، وقال: إن كان [الرفع] (¬3) فهذا اقتداءٌ منه بما جاء فى ¬

_ (¬1) راجع: الاستذكار 7/ 137. (¬2) وكذا قال الشافعى. السابق. (¬3) ساقطة من س.

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَسْتَسْقِى، فَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، يَدْعُو اللهَ، واسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّل رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، وهو الذى فسَّره مفسرون بالرَّهب فى قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (¬1)، قالوا: وأما عند المسألة والرغبة فبسط الأيدى وظهورها إلى الأرض، وهذا الرغب. ¬

_ (¬1) الأنبياء: 90. قول ضعيف، لاسند له. قاله خصيف ونقله القرطبى فقال: وقيل: الرغب رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهب رفع ظهورها، وقال ابن عطية: وتلخيص هذا أن عادة كل داع من البشر أن يستعين بيديه، فالرغب من حيث هو طلب يحسن منه أن يوجه باطن الراح نحو المطلوب منه، إذ هو موضع إعطاء أو بها يتملك، والرهب من حيث هو دفع مضرة يحسن معه ذلك، والإشارة إلى ذهابه وتوقيه بنفض اليد ونحوه. الجامع لأحكام القرآن 11/ 336. قلت: أخرج ابن أبى حاتم عن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر - رضى الله عنه - ثم قال: أما بعد، فإنى أوصيكم بتقوى الله، وتثنوا عليه بما هو له أهل، وتخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحافَ بالمسألة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين} تفسير القرآن العظيم 5/ 365.

(1) باب رفع اليدين بالدعاء فى الاستسقاء

(1) باب رفع اليدين بالدعاء فى الاستسقاء 5 - (895) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيْرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِى الدُّعَاءِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. 6 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ وَعَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أن نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِى شَىءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر مسلم: أنه - عليه السلام - كان لا يرفع يديه فى شىء من دعائه، إلا فى الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه، وهذا يدل على رفعهما فوق الصدر وحذو الأذنين؛ لأن رفعهما مع الصدر لا يكشف بياض الإبط، وقد تقدم استيعاب هذا أوَّل الصلاة. قال بعض الشارحين: وفيه دليلٌ أن لبس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرداء كان على نحو لباس أهل بغداد ومِصْر والأندلس من كونه على المنكبين غير مشتمل به، ولا متعطف إياه، إذ لو كان كذلك لما قال فيه: " جعل ما على يمينه على شماله وما على شماله على يمينه ". قال القاضى: قد جاء ما يصحح ما قاله هذا الشارح، فذكر أبو سعد عبد الملك بن محمد الحافظ الواعظ صاحب كتاب " شرف المصطفى " (¬1) أنه - عليه السلام - قال: " ألا أخبركم بلبسة أهل الإيمان، فلبس رداءه وألقاه على رأسه وتقنع به، ورفع بيده اليمنى على منكبه الأيسر " وقد جاء - أيضاً - فى كتاب أبى داود فى الاستسقاء: " وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن " (¬2)، وفسّره الخطابى أنه أراد بالعطاف الرداء، أى جعل جانب ردائه الأيمن أو شقه الأيمن (¬3). ¬

_ (¬1) هو شيخ الإسلام الإمام القدوة أبو سعد بن عبد الملك بن أبى عثمان محمد بن إبراهيم النيسابورى الواعظ الخركوشى، حدَّث عنه الحاكم وهو أكبر منه، والخلال، وأبو القاسم القشيرى، والبيهقى. قال فيه الحاكم: أقول إنى لم أر أجمع منه علمًا وزهدًا، وتواضعًا وإرشادًا إلى الله وإلى الزهد، وقال فيه الخطيب: كان ثقة ورعًا صالحًا، وقال فيه الذهبى: كان ممن وضع له القبول فى الأرض توفى عام 407 هـ. والكتاب المذكور - كمال قال صاحب الهداية - يقع فى ثمانية مجلدات. والحديث المذكور لم نقف عليه. راجع: سير 17/ 256، هداية العارفين 5/ 625، طبقات السبكى 5/ 222، العبر 2/ 214. (¬2) سبق قريباً. (¬3) معالم السنن 2/ 35، ولفظه هناك: أصل العطات الرداء، وإنما أضاف العطاف إلى الرداء هاهنا لأنه أراد أحد شقى العطاف الذى عن يمينه وعن شماله.

الاسْتِسْقَاءِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ عَبْدَ الأَعْلَى قَالَ: يُرَى بَيَاضُ إِبْطِهِ أَوْ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. (...) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. 7 - (896) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى، فَأَشَارَ بِظَهْرِ كفَّيْهِ إِلَى السَّمَاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وعندى أنه يحتمل أنه أراد بالعطاف الطرف الذى يعطف به، جعله على يمينه أو يساره؛ لأن التعطف لبسة معروفة تخالف المتقدمة. قال الخطابى: إذا كان الرداء مربَّعاً نكَّسه، يعنى على مذهب إمامه الشافعى، قال: وإن كان طيلساناً مُدَوَّرًا قلبه ولم ينكسه (¬1)، وذكر أبو سعد عن عروة أن رداءه - عليه السلام - كان حضرمياً طول أربعة أذرع، فى عرض ذراع وشبر، قال: وهو الذى عد الخلفاء اليوم، وذكر محمد بن سعد فى " تاريخه الكبير " عن الواقدى: أن برد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت يمنية طول ستة أذرع فى ثلاث وشبر وإزاره من نسج عُمان طول أربعة أذرع وشبر فى عرض ذراع وشبر، كان يلبسهما يوم الجمعة والعيد ثم يطويان (¬2). ¬

_ (¬1) السابق 2/ 35. (¬2) الذى وجدناه له هو عن عروة بن الزبير؛ أن طول رداء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة أذرع، وعرضه ذراعان. وله عنه أن ثوب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذى كان يخرج فيه إلى الوفد ورداؤه حضرمى، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر. قال: فهو عند الخلفاء قد خِلق وطوَوَه بثوب يلبسونه يوم الأضحى والفطر. الطبقات الكبرى 1/ 458.

(2) باب الدعاء فى الاستسقاء

(2) باب الدعاء فى الاستسقاء 8 - (897) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ويَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ - عَن شَرِيكِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْو دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ": سُمِّيَت بذلك لأنها بيعت فى قضاء دين عمر بن الخطاب الذى كتبه على نفسه لبيت مال المسلمين، وأوصى أن تباع فيه ماله، وما عجز استعان ببنى عدى ثم بقريش، فباع عبد الله بن عمر داره هذه من معاوية وباع ماله بالغابة، وقضى دينه، فكان يقال لها: دار قضاء دين عمر، وكان الدين ثمانية وعشرين ألفاً، ثم اختصروا فقالوا: دار القضاء، وهى دار مروان، وقال بعضهم: هى دار الإمارة، وغلط لما بلغه أنها دار مروان ظن أن المراد بالقضاء الإمارة، وإنما هو ما قلناه. وقول القائل للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادع الله يغثنا ": كذا ضبطناه هنا بضم الياء من أغاث، ومثله فى دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الحديث: " اللهم، أغثنا "، قال بعضهم: هذا من الإغاثة وليس من طلب الغيث، إنما يقال فى ذلك: غثنا؛ لأنه من غاث وقد يحتمل أن يكون هذا من ذلك بالتعدية، أى هب لنا غيثاً، أو ارزقنا غيثاً، كما يقال: سقاه الله وأسقاه، أى جعل له سقيا، على من فرق بين اللفظين، وفى القرآن: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} (¬1)، وقال: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم} (¬2)، و " نَسقيكم " قرئ بالوجهين. وفى إجابة النبى - عليه السلام - لهذا السائل ودعائه له جواز الاستسقاء فى خطبة الجمعة، والدعاء بذلك، وعلى غير سنة الاستسقاء، وليس فى هذا تحويل عن القبلة، ولا تحويل رداء، وإنما هو دعاء مجرد بالسقى، كسائر الأدعية للمسلمين فى الخطبة، كما جاء فى هذه الأحاديث الأخر المختصة بالسائل يوم الجمعة، وإنما تختص تلك الهيئات والسنن لمن برز لها، وبهذا اعتبر الحنفى فى أنه لا صلاة للاستسقاء، وفاته معرفة تلك السنن المتقدمة والثابتة. وفيه جواز الاقتصار على الاستسقاء يوم الجمعة بالدعاء المجرد فى خطبتها ¬

_ (¬1) الإنسان: 21. (¬2) النحل: 66، والمؤمنون: 21.

قَالَ: " اللَّهُمَّ، أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ، أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ، أَغِثْنَا ". قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللهِ، مَا نَرَى فِى السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَالَ: فَلَا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ، حَوْلَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ دون البروز، وهو معنى قول الشافعى ومن أجازه بغير صلاة ممن عرف مذهبه أنه لا يبرز لها إلا بصلاة، وبه أيضاً احتج بعض السلف أن الخروج إليها عند الزوال، إذ كان دعاء النبى - عليه السلام - فى هذا الخبر يوم الجمعة (¬1)، والناس كلهم على خلافه أنها بكرة كصلاة العيدين (¬2). وقوله: " وما فى السماء من [سحابة ولا] (¬3) قَزَعَة "، قال الإمام: معناه: قطعة سحاب، وجمعه قَزعٌ، قال أبو عبيد: وأكثر ما يكون فى الخريف. قال القاضى: وقوله: " ما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ": ويحتمل - والله أعلم - لتحمل (¬4) الناس عن تلك الجهة لشدة الجدب وحزونة الموضع وطلب الكلاء. والخصب. وسلْع جبل مشهور بقرب المدينة، بفتح السين وسكون اللام (¬5)، قال فى البخارى: هو الجبل الذى بالسوق (¬6). وقوله: " فطلعت سحابة مثل الترس ": قال ثابت: لم يرد - والله أعلم - فى قدره، لكن فى مرحاها واستدارتها، وهو أحمد السحاب عند العرب. وقوله: " ثم أمطرت ": تقدم الكلام عليها، ومن فرق بين مطرت فى الرحمة وأمطرت فى العذاب، ومن سوَّى فى ذلك، وهو المعروف فى كلام العرب، وقد قال الله تعالى: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرنَا} (¬7) وإنما زعموا مطر الرحمة. وقوله: " فوالله ما زالت الشمس سبتاً ": السبت: القطعة من الدهر، قال ثابت: ¬

_ (¬1) ممن قال بهذا أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. الاستذكار 7/ 139. (¬2) زيد بعدها فى س: وفى كتاب ابن شعبان وقيل بعد صلاة الصبح والمغرب. ولا وجه لها. (¬3) سقط من ع. (¬4) نقلها الأبى وقيَّدها: لتحول. (¬5) وقد تكسر السين، وهذا الجبل أصبح يحيط به عمران المدينة من كل اتجاه، بل وقد كساه من معظم جوانبه، وهو على صغره يفوق أحداً شهرة على كبر أُحُدٍ وقدسيته. انظر المعالم الجغرافية فى السيرة النبوية 160. (¬6) غير مذكورة فى الصحيح له، انظر: ك الاستسقاء، ب الاستسقاء فى المسجد الجامع 2/ 34. (¬7) الأحقاف: 24.

وَلا عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ، عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُون الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ " فَانْقَلَعَتْ. وَخَرَجْنَا نَمْشِى فِى الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لا أَدْرِى. 9 - (...) وحدّثنا دَاوُدُ بْنُ رشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ قَامَ أَعْرَابِىٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. وَفِيهِ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانى يحملونه على أنه أراد من سبت إلى سبت، وإنما هو القطعة من الزمان، يقال: سَبتْ من الدهر، وسَبْتَةٌ وَسَنْبَتَة، وقد رواه الداودى: " ستاً " وفسره: أى ستة أيام من الدهر، أى من الجمعة إلى الجمعة، وهو تصحيف. قال القاضى: وأصل السبت القطع، ومنه سمى يوم السبت، قالوا: لأن الله تعالى أمر فيه بنى إسرائيل بقطع الأعمال، وقيل: لأن فيه قطع الله بعض خلف الأرض. وقوله - عليه السلام - بعد إذ سئل الدعاءَ فى الإمساك: " اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ": فيه استعمال أدبه الكريم وخلقه العظيم فى الدعاء، ومقابلة كل حال بما يليق بها، إذ لم يدعو - عليه السلام - برفع المطر عنهم جملة، إذا كان غياثاً من الله ورحمة، ولكن دعا بكشف ما يضر بهم عنهم، وتصييره حيث يبقى نفعه، ويوجد خصبه، ولا يستضِر به ساكن ولا ابن سبيل، فيجب التأدب بأدبه فى مثل هذه النوازل. ومخافة التأذى بما فيه منفعة. وقوله: " فما أشار بيده إلى ناحية إلا انفرجت " (¬1): أى انقطعت السحاب، وبان بعضها من بعض، والفرجة - بالضمِّ - الخلل بين الشيئين، وهو معنى قوله فى الحديث الآخر: " فانقلعت وخرجنا نمشى فى الشمس ": وفيه وشبهه من الأحاديث جواز الاستصحاء إذا احتيج إليه وأضرَّ المطر بالناس، ولكن ليس فيه بروز ولا صلاة. وفيه إجابة دعوة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الموطنين [وكرامته على ربّه] (¬2). قال الإمام: وقوله: " على الآكام والظِّرابِ ": الآكامُ دون الجبال، قال الثعالبى: الأكمة أعلى من الرابية. قال الإمام: والظِّرابُ: الروابى الصغار، واحدها ظَرِبٌ (¬3)، ومنه الحديث: " فإذا ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرَّجت. (¬2) سقط من س. (¬3) مثل كيفٌ، ويجمع فى القلة على أظْرِبِ.

" اللَّهُمَّ، حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا " قَالَ: فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلى نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَرَّجَتْ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِى مِثْلِ الْجَوْبَةِ. وسَالَ وَادِى قَنَاةَ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا أَخْبَرَ بِجَوْدٍ. 10 - (...) وحدَّثنى عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، قَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ حوت مثل الظِّرِبُ " (¬1). وقوله: " إلا أخبر (¬2) بجود " الجود المطر الواسع الغزير. قال القاضى: يقال: آكام، بالفتح والمد، وإكام، بالكسر، وأَكم وأُكم، بفتحها وضمهما، قيل: والأكمة الموضع الغليظ لا يبلغ أن يكون حجرًا يرتفع على ما حوله، وقال الخليل: هو تلٌّ من حجرٍ واحدٍ. وقوله: " حتى رأيت المدينة فى مثل الجوبة ": هى الفجوة بين البيوت، والجوبة - أيضاً - مكان مُتَّسِعٌ من الأرض، المعنى: أن السحاب تقطَّع حول المدينة مستديراً، وانكشف عنها حتى باينت ما جاورها مباينة الجوبة المذكورة لما حواليها، وصارت من الضياء والشمس بين ظلل السحاب والمطر كالأرض البيضاء من سواد البيوت، أو السهلة بين سواد الحزون، وأصله القطع، جاب يجوب جوباً إذا قطع، قال الله تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَاد} (¬3) أى نقَّبوه وخرَّقوه، فكأنها فى متكاثب السحب حولها كالثَّقْبِ فى الشىء، وهذا مثل قوله فى الحديث الآخر: " مثل الإكليل ". قال أبو عبيد: الإكليل ما أحاط بالظفر من اللحم، والإكليل - أيضاً - العصابة (¬4)، وروضة مكللة محفوفة بالنور، وأصله الاستعارة، ومنه سمى الحوق، وهو ما أحاط بالكمرة (¬5) إكليلاً، وقال الداودى: " مثله الجوبة ": أى كالحوض المستدير، ومنه قوله تعالى: {وَجِفَانٍ كَالْجَواب} (¬6)، ولم يقل شيئاً، وإنما واحدة الجوابى جابية. وقوله: " وسال وادى قناة شهرًا ": قناة اسم الوادى نفسه، وهو من أودية المدينة، وعليه حَرْث فَأضافه إلى نفسه (¬7)، أو يكون سمى المكان قناة، وقد جاء فى غير الكتاب: ¬

_ (¬1) جزء حديث أخرجه البخارى فى صحيحه، ومالك فى موطئه، البخارى ك الشركة، ب الشركة فى الطعام والنهد والعروض 2/ 180، مالك فى صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب جامع ما جاء فى الطعام والشراب 2/ 930. من حديث جابر. (¬2) فى المعلم: أخبره. (¬3) الفجر: 9. (¬4) فى الأصل: العصايب، والمثبت من س. (¬5) جاء فى اللسان: والحوق ما استدار بالكمرة من حروفها، قال ثعلب: الحوق استدارة فى الذكر، والكمرة: رأس الذكر، والجمع كمرٌ. وقد نقلها الأبى متصرفاً فيها فقال: ومنه سمى الطوق وهو ما أحاط بالأكمة إكليلاً 2/ 48. (¬6) سبأ: 13. (¬7) قال فى معجم المعالم الجغرافية للسيرة النبوية: وهو وادٍ فحل يتسيل مناطق شاسعةٍ من شرق الحجاز، =

حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَن ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَصَاحُوا، وَقَالُوا: يَا نَبِىَّ اللهِ، قَحِطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفيه منْ رِوَايَةِ عَبْدِ الأَعْلَى: فَتَقَشَّعَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوَالَيْهَا، وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِى مِثْلِ الإِكْلِيلِ. 11 - (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيِرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَس، بِنَحْوِهِ. وَزَادَ: فَأَلَّفَ اللهُ بَيْنَ السَّحَابِ، وَمَكَثْنَا حَتَّى رَأَيْتُ الرَّجُلَ الشَّدِيدَ تُهِمُّهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأتِىَ أَهْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " وسال الوادى قناة " (¬1) على البدل. وقوله: " قَحِط المطر " فى البارع: قَحِط المطرُ، بفتح الحاء والقاف، وقحِط الناس، بفتح القاف وكسر الحاء، وفى الأفعال معًا فى المطر، وحكى: قُحط الناسُ (¬2) بضم القاف. وقوله: " واحمَّر الشجرُ ": كنايةٌ عن يُبس ورقها، وسقوطه بالشمس، وظهور عودها. وقوله: " فأَلَّفَ الله بين السحاب وهلَّتنا (¬3) " كذا رويناه بالهاء عن الأسدى ومعناه: أمطرتنا، قال الأزهرى: يقال: هال السحابُ بالمطر هللاً، والهلل المطر، ويقال: انهلَّت أيضاً، وكان عند شيوخنا الصدفى عن العذرى والخشنى عن الطبرى [وغيرهم] (¬4): " ملتنا " بالميم مخففة مكان " هلتنا "، فإن لم يكن تصحيفًا من " هلتنا " فلعل معناه: أوسعتنا مطرًا وسقيا، وكذا قيَّده القاضى التميمى عند الجيانى: " ملأتنا " بهمزة وميم، أو يكون ¬

_ = تصل إلى مهد الذهب جنوبًا، وإلى أواسط حرَّة النار، وهى حرَّة خيبر اليوم، وبينهما قرابة مائتى كيل، أما من الشرق فإنه يأخذ مياه الربذة، ورحرحان، والشقران على قرابة 150 كيلو من المدينة، وله روافد كبارٌ، منها وادى نخل، والشعبة، والعقيق الشرقى، وأودية فحولٌ غيرها، وكان إذا سال قد يقطع الطريق عن المدينة من جهة نجدٍ شهراً أو نحوه، وتجرى قناة بين المدينة وأحد، فإذا اجتمع مع بطحان وعقيق المدينة تكوَّن وادى إضم، وهذه الأودية الثلاثة تكتنف المدينة من جميع نواحيها، ويذهب إضم إلى البحر الأحمر 257. (¬1) البخارى فى صحيحه، ك الجمعة، ب الاستسقاء فى الخطبة يوم الجمعة، ولفظه: " وسال الوادى قناة شهراً " 2/ 15. (¬2) فى س: المطر. (¬3) الذى فى المطبوعة من طريق أبى كريب: ومكثنا. (¬4) من س.

12 - (...) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أُسَامَةُ؛ أَنَّ حَفْصَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَزَادَ: فَرَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَمَزَّقُ كَأَنَّهُ الْمُلَاءُ حِينَ تُطْوَى. 13 - (898) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ " ملتنا " مشددة اللام من قولهم: تملَّ حبيبًا، أى لتطل أيامك معه، ومنه قولهم: هو أمل به أى أوسع له، والملى - مقصور -: الصحراء الواسعة، أو يكون من الملل، أى أكثر ذلك حتى شقَّ علينا وكرهناه، وأخبر عن منتهى الحال بهم، حتى اشتكوا ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسألوه رفع ذلك عنهم. وقوله: " حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسُه أن يأتى أهلَه ": أى يهتم لذلك من شدة المطر ومشقته، يقال: همه وأهمه، وقيل: همّنى أذابنى، وأهمنى أغمنى. وقوله: " فرأيت السحاب يتمزَّقُ كأنه الملاء حين تطوى ": الملا - مقصور - جمع ملاءة، وهى الريطة مثل الملحفة وشبهها، مما ليس بلفقين (¬1)، فشبَّه انقشاع السحابِ وانجلاءة وتقطّعه عن المدينة بالملاءة المنشورة إذا طويت، [وهذا مثل] (¬2) قوله فى الحديث الآخر: " وانجابت عن المدينة انجياب الثوب " (¬3) قيل: تقبَّضَتْ وتداخلت، من قولك: جُبت الفلاة، أى دخلتها، وقيل: تقطَّعت عنها تَقَطُّعَ الثوب، وانكشفت عنها انكشافه، وفى سندها وفى سند الأيلى فى هذا الحديث: حدثنى ابن وهب، قال: حدثنى أسامة؛ أن حفص بن عبيد الله (¬4)، كذا لهم، وعند العذرى: حدثنى سلمة، والأول الصوابُ وهو أسامة بن زيد، [الليثى] (¬5) شيخ ابن وهب، مشهور، وذكر فى حديث ثابت عن أنس: " أنَّ الناس قاموا إلى النبى - عليه السلام -[فصاحوا و] (¬6) قالوا: قحِط المطر " (¬7)، وفى سائر الروايات عن أنس: " أنَّ رجلاً "، " وجاء أعرابىٌّ " فقيل: يحتمل أن الرجل ابتدأ بالكلام فشايعه [الناس] (¬8). واستغاثوا بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استغاثته، فمَّرة ذكر المبتدئ ¬

_ (¬1) يعنى محاطة مع غيرها. (¬2) فى س: ومثل هذا. (¬3) البخارى فى صحيحه، ك الاستسقاء، ب من اكتفى بصلاة الجمعة فى الاستسقاء2/ 36، النسائى ك الاستسقاء، ب متى يستسقى الإمام 3/ 125 ولفظه فيهما: " فانجابت ". (¬4) الذى فى المطبوعة: ابن عبيد الله بن أنس بن مالك. (¬5) ساقطة من الأصل، وأسامة بن زيد هذا روى عن الزهرى، ونافع، وعطاء، وابن المنكدر، وعمرو بن شعيب، وعنه غير ما ذكر ابن المبارك، والثورى، والأوزاعى. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. (¬6) من س والمطبوعة. (¬7) الذى فى المطبوعة: وقالوا: يا نبى الله قحِط المطرُ. (¬8) من س.

عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ. قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: " لأنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالكلام، ومرة أخبر عن الجماعة، وقيل: يحتمل أنه أراد بالناس الرجلَ الأعرابى المذكور، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} (¬1) إنما قاله واحد، وهذا فيه بعدد [لما جاء بعده] (¬2). وقوله فى الحديث: " أصابنا مطر فحسَرَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثوبَه حتى [أصابه من المطر] (¬3) "، وقوله: " إنه حديث عهد بربه " (¬4). قال بعض أهل المعانى: معناه: حديث عهد بالكون، بإرادة الرحمة لقوله تعالى: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (¬5)، وقوله تعالى: {مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِه} الآية (¬6)، وقوله: {مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} (¬7)، بخلاف ما أخبر به عنه فيما يقرب عهد كونه بإرادة الغضب والسخط وخوفه، ذلك عند هبوب الرياح وطلوع السحاب حتى تمطر، كما جاء فى الحديث الآخر: " أنه إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك فى وجهه وأقبل وأدبر فإذا أمطرت سُرَّ به، ويقول: " خشية أن يكون عذاباً سلط على أمتى " (¬8) الحديث، حذر - عليه السلام - أن تعمهم عقوبةٌ بذنوب العاصين [منهم] (¬9)، ويقول إذا رأى المطر: " رحمة ". وقد ذكر مسلم أحاديث فى هذا المعنى. ¬

_ (¬1) آل عمران: 173. (¬2) و (¬3) سقط من س. (¬4) الذى فى المطبوعة: لأنه حديث عهد بربه. (¬5) الأعراف: 57، الفرقان: 48. (¬6) ق: 9. (¬7) الفرقان: 48، 49. قال الأبى: الأظهر أن المراد قرب عهدٍ بالإيجاد قبل أن تمسَّه الأيدى الخاطئة ولم تدركه ملاقاة أرض عبد عليها غير الله تعالى، وعلى القول أن أصل المطر من السماء، فالمعنى: قرب عهده من محل رحمة الله تعالى، ويعنى بقرب العهد بإرادة الرحمة ظهور متعلق الإرادة، وإلا فإرادته تعالى قديمة. قال: وأنشد بعضهم فى معنى الحديث: تضوع أرواح نجدٍ من ثيابهم ... بعد القدوم لقرب العهد بالدار قال السنوسى: وكما يتبرك به فلا يمتهَنُ باستعماله فى النجاسات، كصبِّه فى مرحاض، قال: واختار بعضهم استعمال ماء المطر دون ماء الآبار لهذا الحديث، والأطباء يقولون: إنه أنفع المياه ما لم يختزن، كاختزانه فى المراجل، الإكمال ومكمله 2/ 49. (¬8) سيأتى فى الباب التالى رقم (14). (¬9) ساقطة من س.

(3) باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم، والفرح بالمطر

(3) باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم، والفرح بالمطر 14 - (899) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ جَعْفَرٍ - وَهُو ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِى رَبَاحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: " إِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِى ". وَيَقُولُ - إِذَا رَأَى الْمَطَرَ -: " رَحْمَةٌ ". 15 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يُحدِّثُنَا عَنْ عَطَاءٍ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: " اللَّهُمَّ، إِنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ ". قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّى عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: " لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} (¬1) ". 16 - (...) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا. حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وإذا تخيلتِ السماءَ ": المخيلة - بالفتح - سحابة فيها رعد وبرق، يخيل إليك أنها ماطرة بفتح الميم، وأما السماء إذا تغيمت قيل: إخالت، فهى مُخيلة بالضم، وهو قول أبو عبيد فى شرحه، وضبطناه فى المصنف عنه فى السحابة مخيلة - بالضم - وجاء فى الحديث هنا فى السماء: " تخيلت ". وقوله: " ما رأيته مستجمعًا ضاحكًا، حتى أرى لهوَاته " أنه أقصى الفم، واحدها ¬

_ (¬1) الأحقاف: 24.

غَيْمًا أَوْ رِيحًا، عُرِفَ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَى النَّاسَ، إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ، فَرِحَوا، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيْهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ رَأَيْتُهُ، عَرَفْتُ فِى وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤَمِّنُنِى أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لهاة، [وتجمع لهاة أيضاً] (¬1) وهى اللحمة الحمراء المعلقة فى أعلى الحنك قاله الأصمعى، وقال أبو حاتم: هى ما بين منقطع اللسان إلى منقطع القلب من أعلى الفم، ومعنى " مستجمعًا ": أى مُجِدًّا فى ضحكه، أتت فيه بغايته كما قالت بعد هذا: " إنما كان يبتسم ". ¬

_ (¬1) سقط من س.

(4) باب فى ريح الصبا والدبور

(4) باب فى ريح الصبا والدبور 17 - (900) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَن شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِىُّ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ - يَعْنِى ابْنَ سُلَيْمَانَ - كِلَاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نُصِرتُ بالصَّبا وأهلكت عادٌ بالدبور ": الصَّبا - مقصورٌ - الريح الشرقية، والدبور - بفتح الدال - الغربية (¬1). ¬

_ (¬1) فى الصحاح: ومهبها المستوى أن تهبَّ من موضع مطلَع الشمس إذا استوى الليل والنهار. قال الطيبى: الصبا: الريح التى تجىء من ظهرك إذا استقبلت القبلة، والدبور التى تجىء من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة أيضاً. ونصرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصبا هو حين حاصرت الأحزاب المدينة يوم الخندق، وفيها نزل قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]. قال الأعرابى: فإن قلت: كل من الريحين وقع به نصر وهلاك، فبالصبا نصرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهلكة قومه، وبالدبور نصر هود - عليه السلام - وهلك قومه، فلم روعى فى الصبا طرف النصرة وفى الدبور طرف الهلاك؟ قلت: روعى فى كلٍّ من الريحين ما جاءت له، فالصَّبا إنما جاءت لنصرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأحزاب والدبور إنما جاءت لهلاك عاد حين عتوا 2/ 51.

10 - كتاب الكسوف

بسم الله الرحمن الرحيم 10 - كتاب الكسوف (1) باب صلاة الكسوف 1 - (901) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث صلاة الكسوف ذهب بعض أهل اللغة المتقدمين إلى أنه لا يقال فى الشمس إلا خسفت، وفى القمر كُسِف، وذكر بعضهم هذا عن عروة، ولا يصح عنه والقرآن (¬1) يرده، قال الله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} (¬2)، والذى فى كتاب مسلم عن عروة: لا تقل (¬3) كسفتُ الشمسُ، ولكن (¬4) خسَفَتْ، ويقال بفتح الخاء، وهى لغة القرآن، وبضمها على ما لم يسم فاعله، وقال ابن دريد: يقال: خسف القمر وإنكسفت الشمس، وقال بعضهم: لا يقال: انكسف القمر أصلاً، إنما يقال: خسف القمر وكسفتِ الشمس، وكسفها والله [وكُسفت] (¬5) فهى مكسوفة، وقيل: هو بمعنى (¬6) فيهما. وقال الليث بن سعد: الخسوف فى الكل والكسوف فى البعض، وقال [أبو عمر] (¬7): الخسوف عند أهل اللغة: ذهاب لونها، والكسوف: تغييره (¬8). وقد جاء فى الأحاديث الصحاح فى مسلم وغيره (¬9): كسفت الشمس وخسفت وانكسفت. وأن الشمس والقمر لا يخسفان ولا يكسفان ولا ينكسفان، فإذا خسفا وإذا كسفا. ¬

_ (¬1) فى س: فالقرآن. (¬2) القيامة: 8. (¬3) فى س: يقال، والمثبت من الأصل والمطبوعة. (¬4) فى المطبوعة بعدها: قل. (¬5) من س. (¬6) فى الأصل: لمعنى، والمثبت من س. (¬7) فى الأصل: عمر، والمثبت من س. (¬8) قال أبو عمر: قال أهل اللغة: خسفت: إذا ذهب ضوؤها ولونها. وكسفت إذا تغير لونها، يقال: بئر خسيف إذا ذهب ماؤها. وفلان كاسف اللون أى متغير اللون. ومنهم من يجعل الخسوف والكسوف واحدًا والأول أولى. التمهيد 22/ 116. (¬9) البخارى فى صحيحه، ك الكسوف، ب الصلاة فى كسوف الشمس (1040 - 1048)، أبو داود ك الصلاة، ب صلاة الكسوف (1177، 1178)، النسائى، ك الكسوف، ب كسوف الشمس والقمر (1459)، ابن ماجه، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فى صلاة الكسوف (1261)، الدارمى ك الصلاة، ب الصلاة عند الكسوف 1/ 359. أحمد فى المسند 2/ 118، 188، 3/ 318.

نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ؛ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كسوف الشمس، وهى سنة عند جميع الفقهاء، وكذلك التجميع لها، وحكى الخطابى عن العراقيين أنه لا يُجَمَّع لها (¬1)، واختلفوا فى صفتها، فجمهورهم على ما جاء فى حديث عائشة من رواية عمرة وعروة وما وافقه من الأحاديث عن ابن عباس وجابر وعبد الله بن عمرو بن العاص بأنها ركعتان، فى كل ركعة ركعتان وسجدتان. قال أبو عمر: وهذا أصح ما فى هذا الباب. وغيره من الروايات التى خالفتها معلولةٌ ضعيفة وهذا قول مالك والشافعى والليث وأحمد وأبى ثور وجمهور علماء أهل الحجاز، وقال أهل الكوفة: هما ركعتان كسائر النوافل على ظاهر حديث أبى سمرة وأبى بكرة: " أنَّه صلى ركعتين "، وحمله أصحابنا أنَّ الأحاديث الأخر تفسِّرها بأنها ركعتان، فى كل ركعة ركعتان. وقد ذكر مسلم من طريق عائشة [وابن عباس وجابر: ركعتان، فى كل ركعة ثلاث ركعات، وقد ذكر عن] (¬2) ابن عباس - أيضاً - وعن على ابن أبى طالب: ركعتان، فى كل ركعة أربع ركعات (¬3)، والروايات الأول أصح، ورواته أحفظ وأضبط، وذكر أبو داود من حديث أبى بن كعب: " ركعتان، فى كل ركعة خمس ركعات " (¬4)، وقد قال بكل مذهب منها بعض الصحابة. قال الإمام: قال بعض أهل العلم: إنما ذلك حسب مكث الكسوف، فما طال مكثه زاد تكرير الركوع فيه، وما قصر اقتصر فيه، وما توسط اقتصد فيه. قال القاضى: وإلى هذا نحا الخطابى وإسحاق بن راهويه وغيرهما (¬5). وقد يُعترض عليه بأن طولها ودوامَها لا يُعلم من أول الحال ولا من الركعة الأولى، وقد جاء بالركعتين ¬

_ (¬1) فقال: وأهل العراق يصلون منفردين. معالم السنن 2/ 40. (¬2) سقط من س. (¬3) أخرجه عبد الرزاق فى المصنف 3/ 103، ولفظه عن على: أنه أمَّ الناس فى المسجد لكسوف الشمس، قال حنش: فجهر بالقراءة، فقام، فقرأ ثم ركع، ثم قام فدعا، ثم ركع أربع ركعات فى سجدة، يدعو فيهن بعد الركوع، ثم فعل فى الثانية مثل ذلك. قلت: حنش هو ابن المعتمر وابن ربيعة ضعفوه. (¬4) ك الصلاة، ب من قال: أربع ركعات 1/ 270 بلفظ: " صلَّى بهم فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية فقرأ سورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين ثم جلس ". وقد أخرجه ابن أبى شيبة عن الحسن عن على بلفظ: " أن علياً صلى فى الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات " 2/ 468. (¬5) راجع معالم السنن 2/ 45. وفى التمهيد: قال إسحاق بن راهويه فى صلاة الكسوف: إن شاء أربع ركعات فى ركعتين، وإن شاء ست ركعاتٍ، كل ذلك مؤتلف يُصدِّق بعضه بعضاً؛ لأنه إنما كان يزيد فى الركوع إذا لم ير الشمس قد تجلَّت، فإذا تجلَّت سجد، قال: فمن هاهنا زيادة الركعات، ولا يجاوز بذلك أربع ركعات فى كل ركعة؛ لأنه لم يأتنا عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من ذلك 3/ 313.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى، فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدّا، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ جِدّا، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى كل روايةٍ على صفة واحدة، مع أن كون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصلاة فى المسجد لا يكاد يحقق أمرها منه (¬1) يَرُد قولَ بعض الكوفيين أنَّ رفع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الركوع ثم رجوعه إليه إنما كان ليتطلع حالَ الشمس لا لقصده القيام آخر، إذ لا يصل إلى ذلك فى صلاته فى المسجد وهو مُظَلّلٌ معرَّشٌ، ولا روى أحدٌ أنه بَرزَ لها فى الصحراء، مع أن التطويل فى القيام الثانى يشهد ببطلان هذا التأويل وبعدها، وإن كان روى عن بعض السلف أنه إذا ركع فقال: سمع الله لمن حمده، نظر، فإن لم تنجل قرأ ثم ركع، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، نظر، وهكذا أبداً لا يسجَدُ حتى تنجلى (¬2) وقال بعض العلماء: صلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكسوف غيرَ مرة، وفي غير سنةٍ فروى كلَّ واحد ما شاهده من صلاته، وضبَطه عن فعله واختلافُ صلاته فيها بحسب دوام الكسوف وخفته، وأن الأمر موسع؛ ولهذا نحا الطبرى وإسحاق وابن المنذر، ورأوا أن المصلى لها مخيَّرٌ أن يأخذ بما شاء من هذه الأحاديث، إن شاء ركعتين، وإن شاء أربعَ ركعات فى ركعتين. وإن شاء ثلاثاً فى كل ركعة، وإن شاء أربعًا (¬3). وقوله فى حديث هشام: " فأطال القيام جدًا "، وذكر فى كل قيام وركوع من الركعة الأولى كذلك مع قوله وهو دون الأول (¬4) سنة صلاة كسوف الشمس لا إطالةَ فيها عند مالك والشافعى وعامة العلماء، كما جاء فى الأحاديث الصحيحة (¬5) فى ذلك من تقدير قراءتها بالسور الطوال، وقد جاء حديث آخر أنه قرأ - عليه السلام - بالنجم (¬6)، وروى عن قوم من السلف والصحابة أنه قرأ فيها بـ {يس} (¬7) و {سَأَلَ سَائِلٌ} (¬8) ونحو هذا، ومجملها ليجمع بين الأحاديث أنها فى كسوف القمر إذ لم يأت هناك بيان أن قراءته - عليه ¬

_ (¬1) فى الأصل: منها، والمثبت من س. (¬2) هى رواية ثعلبة بن عبَّاد العبدى من أهل البصرة، أخرجه أبو داود فى ك صلاة الكسوف، ب من قال: أربع ركعات 1/ 269، والترمذى وابن ماجه مختصرًا، والنسائى مطوَّلاً فى الكبرى، ك كسوف الشمس والقمر، ب نوع آخر من صلاة الكسوف 1/ 575، وانظر: مختصر سنن أبى داود 2/ 42. (¬3) انظر: التمهيد 3/ 312، 313، مختصر سنن أبى داود لابن القيم 2/ 43. (¬4) الذى فى المطبوعة: وهو دون القيام الأول. (¬5) البخارى، ك الكسوف، ب خطبة الإمام فى الكسوف (1046)، ومالك فى الموطأ، ك صلاة الكسوف، ب العمل فى صلاة الكسوف 1/ 186، 187، والنسائى، ك صلاة الكسوف، ب قدر القراءة فى صلاة الكسوف 1493. (¬6) مصنف ابن أبى شيبة، ك الصلوات، ب ما يقرؤون فى الكسوف 2/ 471. (¬7) يس: 1. (¬8) المعارج: 1.

رَفَعَ رَأسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدّا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ جدّا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوع الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَه فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ. ثُمَّ انْصَرَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام بالنجم كانت فى كسوف الشمس. واختلف المذهب عندنا، هل نقرأ فى كل ركعة من الأربع بأم القرآن وهو المنصوص عن مالك؟ أم لا يقرؤها إلا فى الأولى من كل ركعة؟ وهو قول محمد بن مسلمة (¬1). وقوله: فى جميعها: " وهو دون القيام الأول "، وفى الركوع: " وهو دون الركوع الأول ": لا إشكال فى القيام الثانى والركوع الثانى من الركعة الأولى، ولا خلاف فيه بين العلماء أنه أقصر مما قبلها (¬2)، وكذلك القيام الثانى والركوع الثانى من الركعة الثانية أنه أقصر مما قبلهما. واختلف العلماء فى القيام الأول والركوع الأول من الركعة الثانية، هل هو أقصر من القيام الثانى والركوع الثانى من الأول وأنه معنى (¬3) [قوله] (¬4): " دون القيام الأول " أو مساوٍ لذلك وأقصر من أول قيام وأول ركوع؟ وأن هذا معنى قوله: " دون (¬5) القيام الأول ". والركوع الأول [من الركعة الثانية، هل هو أقصر] (¬6) والوجه الأول أظهر، وهو قول مالك: أن كل ركعة دون التى قبلها، وهو مقتضى الحديث؛ لأنه كذلك قال فى كل قيام وركعة أنه [دون التى قبلها] (¬7) ودون الأول، يَدُل أنه يريد الذى قبله، ويعضده قوله فى الحديث الآخر عن جابر: " [ليس منها ركعة] (¬8) إلا التى قبلها أطول من التى بعدها ". وقوله " ثم انصرف وقد تجلت الشمس فخطب الناس ": يحتج به الشافعى وإسحاق والطبرى وفقهاء أصحاب الحديث فى كون الخطبة مشروعة فى صلاة الكسوف، ومالك وأبو حنيفة لا يريان (¬9) ذلك، وحجتهما (¬10) أن خطبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كانت لإعلام الناس أنَّ الكسوف آيةٌ، وأنه ليس على ما قالوه من كسوفها لموت إبراهيم - عليه السلام - ولموت عظيم، على ما كانت [تقوله] (¬11) الجاهلية، قيل: ولتعليمه سنتها لقوله: " فإذا رأيتموهما (¬12) فافزعوا للصلاة "، وبما أطلع عليه من أمر الجنة والنار فى صلاته، وهذا ¬

_ (¬1) من المالكية. (¬2) فى الأصل: قبلهما. (¬3) فى الأصل: بمعنى. (¬4) ساقطة من الأصل. (¬5) من هامش الأصل. (¬6) و (¬7) سقط من س. (¬8) لفظها فى المطبوعة: ليس فيها ركعة. (¬9) فى س: لا يرون. (¬10) فى س: وحجتهم. (¬11) ساقطة من س. (¬12) فى المطبوعة: رأيتوها.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ خاص به - عليه السلام (¬1). وقوله " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ": خصَّهما [بهذا] (¬2) وكل شىء له آية لمعان كثيرة، منها نفى ما كان تعتقده الجاهلية فيهما، ويقوله أهل الفضاء والنجوم من دليلهما على ما يحدث فى العالم، ألا ترى كيف قال فى الحديث: " انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم "، وفى الحديث الآخر: " وكانوا يقولون: لا يخسفان إلا لموت عظيم "، وكيف وصل كلامه هذا بقوله: " لا يخسفان (¬3) لموت أحد ولا لحياته "، وأيضاً [فلما كان كثير] (¬4) من الكفرة يعتقد فيهما من التعظيم، لأنهما أعظم الأنوار الظاهرة، حتى ارتقى الحال ببعضهم إلى عبادتهما، وقال جماعة من الضلال بتأثيرهما فى العالم، فأعلم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهما آيتان على حدوثهما وتفصيهما عن هذه المرتبة لِطُروء التغيُّر والنقص عليهما، وإزالة نورهما الذى به (¬5) عُظِّما فى النفوس عنهما، وأيضاً فلما جاء أن القيامة تكون وهما مكسوفان، ولهذا - والله أعلم - جاء فى الحديث الآخر: " فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة " فقيل: فى هدا آيتان على قيام الساعة، وأيضاً فإن الآيات غيرها من طلوعهما وإشراقهما وجرى البحار وتفجر الأنهار ونمو الثمار وغير ذلك مألوفٌ، وليس فيها تغيُّر حال، وهذه [غيرُ] (¬6) مألوفةٍ فى سائر الأيام والليالى، وإلى هذا أشار بقوله فى الرواية الأخرى: " يخوِّف الله بهما عباده ". وفيه أنه ليس فى قولهم: كسفت لموت إبراهيم، ما يوجب تكفيرَ قائله؛ لأنه لم يجعل الفعل فى ذلك لغير الله، وإنما قال ذلك القائل إنهما كالدليل والعلامة فكذب ذلك النبىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن كسوفهما ليس إلا لما (¬7) ذكره. ¬

_ (¬1) قال الصنعانى فى سبل السلام: وفى قوله: " خطب الناس " دليل على شرعية الخطبة بعد صلاة الكسوف وإلى استحبابها ذهب الشافعى وأكثر أئمة الحديث. وعن الحنفية: لا خطبة فى الكسوف لأنها لم تنقل، وتعقب بالأحاديث المصرحة بالخطبة والقول بأن الذى فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقصد به الخطبة بل قصد الرد على من اعتقد أن الكسوف بسبب موت أحد متعقب بأن رواية البخارى: " فحمد الله وأثنى عليه "، وفى رواية: " وشهد أنه عبده ورسوله "، وفى رواية للبخارى: " أنه ذكر أحوال الجنة والنار وغير ذلك، وهذه مقاصد الخطبة " أ. هـ سبل السلام 2/ 72. (¬2) ساقطة من س. (¬3) لفظها فى المطبوعة: " لا ينخسفان ". (¬4) فى المطبوعة: فإن كثيراً. (¬5) فى الأصل: بهما. (¬6) ساقطة من س. (¬7) فى الأصل: ما.

رَأيتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا، وَادْعُوَا اللهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِىَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِىَ أَمَتُهُ. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". وَفِى رِوَايَةِ مَالِكٍ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ ". 2 - (...) حدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللهِ "، وَزَادَ أَيْضًا: ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ ". 3 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونَسُ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يا أمة محمد، ما من أحدٍ أغيرُ من الله " (¬1)، قال الإمام: معناه: [ما من أحد] (¬2) أمنعُ للفواحش من الله، والغيور يمنع حريمه [وكلما] (¬3) زادت غيرته زاد منعه، فاستعير لمنع البارى سبحانه عن معاصيه اسم الغيرة مجازًا واتساعًا، وخاطبهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يفهمونه. قال القاضى: قيل: الغيرة مشتق من تغيَّر حال الغيران [لما رآه] (¬4) من قبيح فعل من غار (¬5) عليه، [وتغيُرُ قلبه وهيجان حفيظته بسبب هتك حريمه لديه عنهم، ومنعهم من ذاك] (¬6)، والله تعالى يتقدَّس (¬7) عن تغير ذاته وصفاته، وغيرته ما غيره من حال العاصى كان بانتقامه منه وأخذه له، ومعاقبته فى الدنيا والآخرة: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم} (¬8). وقوله: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا "، قال القاضى: قال الباجى: يريد أنه - عليه السلام - قد خصه الله بعلمٍ لا يعلمه غيرُه، ولعله مما رآه فى ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " إن من أحد أغير من الله "، والذى فى المعلم: "ما أحدٌ أغير من الله ". (¬2) الذى فى المعلم: ما أحدٌ. (¬3) فى الأصل: وكل من، والمثبت من المعلم، س. (¬4) سقط من س. (¬5) فى س: يُغار. (¬6) سقط من س. (¬7) فى س: تقدَّس. (¬8) الرعد: 11. وقيل: الغيرة حمية وأنفة، فغيرته تبارك وتعالى محمولة على المبالغة فى إظهار غضبه عزَّ وجل. الأبى 2/ 54.

خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ وَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا، وَلَكَ الْحَمْدُ "، ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِىَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَة الأولى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ ثُمَّ سَجَدَ - وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الطَّاهِرِ: ثُمَّ سَجَدَ - ثُمَّ فَعَلَ فِى الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أن يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلهُ. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ ". وَقَالَ أَيْضًا: " فَصَلُّوا حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ مقامه من النار وشناعة منظرها (¬1). وقوله: " ألا قد بلغت " (¬2): يعنى ما أمر به من التحذير والإنذار، وما نزل إليهم، ويدل أنه لم يُلزم تبليغ جميعَ ما شاهده واطلع عليه من الغيوب، وتفصيل ذلك الذى قال: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً "، فلو لزم [تبليغه] (¬3) لأعلمهم بذلك. ووقع عند السمرقندى فى حديث قتيبة أول الباب فى الركعة الثانية ورفعه رأسه من ركعتها الثانية زيادة " فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم سجد " (¬4)، وهذه الزيادة وهم وليست عند غيره من رواة مسلم فى هذا الحديث ولا غيره، وكلهم يقول: " ثم رفع رأسه من الركوع ثم انحدر فسجد " (¬5)، وفى الآخر: " فقال: سمع الله لمن حمده "، ولم يذكر أحد من الفقهاء التطويل فى القيام الذى قبل السجود، لكن مسلم ذكره فى حديث جابر من رواية أبى الزبير. وقوله: " فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة ": أى بادروا إليها، وقيل: اقصدوا، والفزع يكون بمعنى الاستغاثة، وبمعنى المبادرة للإغاثة، وبمعنى الهبوب من النوم وغيره. ¬

_ (¬1) المنتقى 1/ 328 وتمام عبارته: بعلم لا يعلمه غيرُه، ونوَّر به قلبه، ولعله أن يكون ما آراه فى عرض الحائط من النار، فرأى منها منظرًا شنيعاً، لو علمت أمة من ذلك ما علم لكان ضحكُهم قليلاً، وبكاؤهم كثيرًا إشفاقًا وخوفًا. (¬2) الذى فى المطبوعة: " ألا هل بلَّغْت " اللهم هل بَلَّغْت ". (¬3) ساقطة من س. (¬4) جاءت بها المطبوعة، وتمامها: " وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد ". (¬5) طريق ابن أبى شيبة، ولفظه: " ثم انحدر بالسجود فسجد ".

يُفَرِّجَ اللهُ عَنْكُمْ ". وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُ فِى مَقَامِى هَذَا كُلَّ شَىءٍ وُعِدْتُمْ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِى أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِى جَعَلْتُ أُقَدِّمُ - وقَالَ الْمُرَادِىُّ: أَتَقَدَّمُ - وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حِينَ رَأَيتُمُونِى تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا ابْنَ لُحَىٍّ وَهُوَ الَّذِى سَيَّبَ السَّوَائِبَ ". وَانْتَهَى حَدِيثُ أَبِى الطَّاهِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ ". وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 4 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ الأَوَّزَاعِىُّ أَبُو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِىَّ يُخْبِرُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ مُنَادِيًا: " الصَّلَاةُ جَامِعَة " فَاجْتَمِعُوا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الرواية الأخرى: " فصلوا حَتَّى يُفرِّج عنكم " ليس يدل أن الصلاة سببُ (¬1) التفريج دليلاً واضحًا؛ لكن أمرهم بالمبادرة للطاعة عند ظهور هذه الآية العظيمة. والقدرة الشنيعة لهذا الخلق المعظم عند الناس، والإخلاص لله تعالى ومخالفة الكفرة الذين يعتقدونهما إلهين. وقوله: " فصلوا حتى يفرج الله عنكم ": يجب تطويل الصلاة ما لم تنجل، فإن أتمها على سنتها قبل الانجلاء لم يلزم الجمع لصلاة أخرى على سننتها (¬2)، ولكن للناس أن يصلوا أفراداً (¬3) ركعتين كسائر النوافل، ويدعوا ويذكروا الله، وإن انجلت وهو فى الصلاة، فاختلف كبراء أصحابنا، هل يتمها على سنتها ركعة بركعتين أم بركعة واحدة كسائر النوافل؟ وقوله: " فبعث منادياً: الصلاة جامعة " استحسن الشافعى هذا، وهو حسن، وهم متفقون أنه لا يؤذَّن لهما. قال الإمام: فى كتاب الترمذى أنه جهر بالقراءة (¬4)، وحكى أن مالكًا قال به، [وهذا الذى حكاه الترمذى عن مالك] (¬5) رواية (¬6) شاذة، ما وقعت عليها (¬7) فى [كتاب سوى] (¬8) كتابه وذكرها ابن شعبان عن الواقدى عن مالك. قال القاضى: فذكر مسلم فى حديث الوليد بن مسلم " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر فى صلاة ¬

_ (¬1) فى س: بسبب. (¬2) قيَّدها الأبى عنه هكذا: يجب تطويل القراءة ما لم تنجل، فإن أتم الصلاة بسنتها قبل أن تنجلى لم يلزمه إعادة الصلاة بسنتها 2/ 55. (¬3) فى س: أفزاذا، وعند الأبى: أفذاذا. (¬4) أبواب الصلاة، ب ما جاء فى صفة القراءة فى الكسوف (563). (¬5) من المعلم. (¬6) قبلها عند القاضى: وهى، ولا وجه لها بعد إثبات ما أثبتناه عن الإمام. (¬7) فى س: عليه. (¬8) عند القاضى: غير، والمثبت من المعلم.

وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِى رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. 5 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ نَمِرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يُخْبِرُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِى صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِى رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. (902) قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَأَخْبَرَنِى كثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِى رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. (...) وحدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِىُّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ. قَالَ: كَانَ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ. بِمِثْلِ مَا حَدَّثَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ. 6 - (901) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى مَنْ أُصَدِّقُ - حَسِبْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخسوف " وتأوله بعضُهم على صلاته بالليل فى خسوف القمر. اختلف العلماء فى ذلك، فأخذ بالجهر فيها بالنهار لهذا الحديث جماعة من السلف، وقاله محمد بن الحسن وأبو يوسف، وقاله أحمد وإسحاق وفقهاء الحديث، ورواه معن، والواقدى عن مالك (¬1)، ومشهور قول مالك الإسرار فيهما، وهو قول الشافعى وأبى حنيفة والليث بن سعد وسائر أصحاب الرأى، وحجتهم تقديرهم القراءة بسورة البقرة وغيرها (¬2)، وقوله فى الحديث الآخر: " ولو جهر لعلم ما قرأ به " (¬3) إلى ما فى حديث ابن عباس وغيره من أنه لم يسمع له قراءة (¬4)، وخير الطبرى بين الجهر والسر (¬5). ¬

_ (¬1) ومن حجتهم فى الجهر فى صلاة الكسوف إجماع العلماء على أن كل صلاة تصلى فى جماعة من صلوات السنن سنتها الجهر؛ كالعيدين والاستسقاء، وكذلك الخسوف. التمهيد 3/ 312. (¬2) قال أبو عمر: ولذلك روى سمرة بن جندب عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنه لم يسمع له صوت فى صلاة الكسوف " التمهيد 3/ 309. (¬3) يشير بذلك إلى حديث سمرة الذى أخرجه أبو داود وفيه: " فصلى فقام بنا كأطول ما قام بنا فى صلاة قط، لا نسمع له صوتاً " ك الصلاة، ب من قال: أربع ركعات 1/ 271، وانظر كذلك: التمهيد 3/ 309. (¬4) احتج ابن عبد البر برواية ابن عباس التى أخرجها مالك بلفظ: " فقام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة " على أن سنة القراءة فى صلاة الكسوف أن تكون سراً. السابق 3/ 308. (¬5) وذلك فى الكسوف. راجع التمهيد 3/ 312.

يُرِيدُ عَائِشَةَ - أَنَّ الشَّمْسَ انْكَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ قِيَامًا شَدِيدًا، يَقُومُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ، رَكْعَتَيْنِ فِى ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، فَانْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: " اللهُ أَكْبَرُ " ثُمَّ يَرْكَعُ، وَإِذَا رَفَعَ رَأسَهُ قَالَ: " سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ "، فَقَامَ فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلكِنَّهُما مِنْ آيَاتِ اللهِ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفًا فَاذْكُرُوا اللهَ حَتَّى يَنْجَلِيَا ". 7 - (...) وحدَّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله فى حديث عطاء عن عبيد بن عمير: " حدثنى من أصدق حديثه يريد عائشة " (¬1) كذا عند السمرقندى ولغيره من الرواة: " من أصدق - حسبته - يريد عائشة ". وقوله فى هذا الحديث: " ركعتين فى ثلاث ركعات ": أى فى كل ركعة ثلاث ركعات، كقوله فى الرواية الأخرى: " صلى ست ركعات وأربع سجدات ". ¬

_ (¬1) لم تأت بها المطبوعة.

(2) باب ذكر عذاب القبر فى صلاة الخسوف

(2) باب ذكر عذاب القبر فى صلاة الخسوف 8 - (903) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ؛ أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ عَائِشَةَ تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يُعَذَّبُ النَّاسُ فِى الْقُبُورِ؟ قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَائِذًا بِاللهِ "، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا، فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجْتُ فِى نِسْوَة بَيْنَ ظَهْرَىِ الْحُجَرِ فِى الْمَسْجِدِ، فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَرْكبِهِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِى كَانَ يُصَلِّى فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها فى الحديث الآخر: " ركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة مركباً فخسفت الشمس "، وذكر فيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى من مركبه حتى انتهى (¬1) إلى مصلاه " وذكرت أنه فى المسجد، وهو فى الموطأ من رواية مالك (¬2) بيِّنٌ. فيه حجة لمالك والجمهور أن سنة صلاتها فى المسجد، وأنه لا يبرز لها، إذ لو تكلف البروز لها والخروج إليها لفاتت سنتُها وتجلَّت الشمس قبل الاجتماع لها، ولم يدركها كثير من الناس، ولأنه لم يرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاها بالصحراء، وكفى برجوعه منها إلى المسجد حجة، لكن أصبغ وابن حبيب يخيران فى صلاتها فى المسجد أو الصحراء. وقوله فى هذا الحديث: " ذات غداة مركبًا "، وزاد فى الموطأ (¬3): " فرجع ضحى ": لا خلاف أنَّ أول وقتها وقتُ جواز صلاةٍ النافلة وهو ارتفاع الشمس واختلف فى آخره، فعن مالك فى ذلك ثلاث روايات، إحداها: للزوال (¬4) فلا تصلى بعده وهو معنى قول الليث، الثانية: تصلى إلى صلاة العصر ولا تصلى بعدها، وهذا قول كثير من السلف والثورى وأبى حنيفة وأصحابه والطبرى، وأكثر أصحاب مالك، والثالثة: أنها تصلى فى جميع النهار، وهو قول الشافعى وأبى ثور وإسحاق، قال: ما لم تصفر الشمس إلى الغروب، وكذلك يصلى الخسوف (¬5) القمر ما لم يطلع (¬6) إلى أن يرتفع، وفيها قول رابع [أيضاً] (¬7): أنها تصلى النهار كله [إلا] (¬8) فى هذين الوقتين الطلوع والغروب، وعند ¬

_ (¬1) فى الأصل: أتى، والمثبت من المطبوعة، س. (¬2) ك صلاة الكسوف، ب ما جاء فى صلاة الكسوف 2/ 188. (¬3) السابق، ب العمل فى صلاة الكسوف 1/ 187. (¬4) فى س: الزوال. (¬5) فى س: خسوف. (¬6) بعدها فى الأصل: الشمس، وهو وَهْم. (¬7) و (¬8) ساقطة من الأصل.

فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ثُمَّ رَكَعَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُو دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ ذَلِكَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ رَفَعَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. فَقَالَ: " إِنِّى قَدْ رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِى الْقُبُورِ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ ". قَالَتْ عَمْرَةُ: فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: فَكُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بَعْدَ ذَلِكَ، يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ سُلَيْمَانَ ابْنِ بِلَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الزوال وهو اختيار ابن المنذر، وهو (¬1) على القول يمنع التنفل عند الزوال (¬2). وقول عائشة: " فخرجت فى نسوة بين ظهرى الحُجَرِ فى المسجد ": دليلٌ على صلاة النساء لها، وخروجهن لصلاتها، وقد اختلف العلماء فى خروجهن لها على ثلاثة أوجه - كما تقدم فى صلاة العيد - وهى لازمة للنساء والمسافرين وغيرهم عند مالك، وعلى مشهور مذهبه، وعند الشافعى وعن مالك ما يدل أنها لا تلزم إلا من تلزمه الجمعة، والجمهور على أنهن يجمعن لها ويقدمن من يصلى بهن إذا لم يكن يقيمها الإمام، وكذلك من فاتته من الرجال. وذهب الكوفيون والحسن إلى أنهن يصلون أفذاذاً لا جماعة (*)، وذهب بعض أئمتنا إلى أن من فاتته مع الإمام لا تلزمه. وذكر فى هذا الحديث من رواية سليمان بن بلال الركوع مرتين لا غير، ثم قال: " ثم رفع وقد تجلت الشمس فقال ... " الحديث، ولم يذكر سجوداً ولا تكرير ركوع، وذكر تَعوذه من عذاب القبر، وإخباره - عليه السلام - بذلك، وفتنة القبر عندنا صحيحة غير مستحيلة، وسيأتى الكلام عليها فى الجنائز وآخر الكتاب. ¬

_ (¬1) فى الأصل: وهذا، والمثبت من س. (¬2) راجع فى هذا: التمهيد 3/ 312. (*) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوع "وذهب الكوفيون والحسن إلى (أنهم) يصلون أفذاذاً (إلا) جماعة"، والصواب ما أثبتناه، وهو الموافق لما وقع بين أيدينا من النسخ، وهو الأصح من جهة المعنى واللغة، والله أعلم.

(3) باب ما عرض على النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار

(3) باب ما عرض على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار 9 - (904) وحدَّثنى يَعْقُوبُ بْن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَاكَ. فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّهُ عُرِضَ عَلَىَّ كُلُّ شَىءٍ تُولَجُونَهُ، فَعُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ، حَتَّى لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " عرض علىّ كل شىء تولجونه ": أى تدخلونه وتصيرون إليه. وقوله: " حتى الجنة والنار " (¬1): قال العلماء: يحتمل أنه رآهما رأى عين، وأن الله كشف له عنهما وفرَّج الحجب بينه وبينهما، كما فرج له عن المسجد الأقصى حتى وصفه، ويكون قولُه على هذا [فى] (¬2) الحديث: " فى عرض هذا الحائط " أحد فى جهته (¬3) وناحيته أو فى التمثيل [بقرب مشاهدته] (¬4)، ويحتمل أن يكون ذلك رؤية علم [ويقين] (¬5) وعرض وحى بإطلاعه وتعريفه من أمورهما تفصيلاً ما لم يكن يعرفه بعد، ومن عظيم (¬6) شأنهما ما زاده علمًا من أمرهما وخشيته وتحذيرًا ودوام (¬7) ذكرٍ وقلة غفلة، ولهذا قال: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا " والتأويلُ الأول أولى، وأشبه بألفاظ الحديث، لما ذكر فيه من الأمور التى تدل إنها رؤية عين، ومثل قوله: " فتناولتُ عنقودًا ". وتأخره مخافة أن يصيبه لفح النار. قال الإمام: وقوله: " فتناولت منها - يعنى الجنة - قطفًا " (¬8) القطف: العنقود وهو اسم لكل ما قطف. وقوله: " تكعكعْتَ " (¬9): جبنت، يقال: تكعكع الرجلُ وتكاعى وكعَّ كعوعًا، إذا ¬

_ (¬1) جمع القاضى هنا بين طريقى يعقوب بن إبراهيم وأبى بكر بن أبى شيبة. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: وجهته. (¬4) فى س: لقرب المشاهدة. (¬5) ساقطة من س. (¬6) فى الأصل: عظم. (¬7) فى الأصل: أو دوام. (¬8) و (¬9) وهو ما جاءت به الرواية الأخرى، طريق سويد بن سعيد.

تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ - أَوْ قَالَ: تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا - فَقَصُرَتْ يَدِى عَنْهُ، وَعُرِضَتْ عَلَىَّ النَّارُ، فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِى هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِى النَّارِ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يَخْسِفَانِ إِلَّا لِمَوتِ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آياتِ اللهِ يُرِيكُمُوهُما، فَإِذَا خَسَفَا فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِىَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أحجم وجبن، قاله الهروى وغيره (¬1). قال القاضى: قد ذكر مسلم هذا الحرف - أيضاً - فى حديث عطاء عن ابن عباس بعد هذا وقال فيه: " كففْتَ " مكان " تكعكعت "، وهما بمعنى متقارب، وقد علل فى [هذا] (¬2) الحديث كفَّه وتكعكعه عن أخذه بقوله [فى الحديث] (¬3): " فقصرت يدى عنه "، وفى آخر: " ثم بدا لى أن لا أفعل "، وقد يُجمع بين هذين اللفظين أنه بدا له لما تحقق أنه لا يناله، وانصرف رأيه عن ذلك. وقوله: " ورأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً ": أى يأكله، وبه (¬4) سميت الحطمة؛ لحطمها كل شىء ألقى فيهما، وأصله الكسر والفساد بعنف. والسوائب من قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} (¬5) كانوا ينذرونها فى الجاهلية، يسيبون نوقهم فتبقى سائبة لا تُمنع من رعى (¬6) ولا ماء، ولا ينتفع بها. وقوله: " يَجُرَّ قُصُبَه فى النار ": القصُبُ - بضم القاف - الأمعاء والخشاش - بفتح ¬

_ (¬1) انظر: مشارق الأنوار 1/ 344، وقال: وقيل تكعكعت رجعت وراءك، وهو بمعنى ما تقدم. قلت: ولم يذكر ابن عبد البر لها غير: أخنستَ وتأخَّرت. ثم قال: وقال الفقهاء: معناه تقهقرت، والأمر كله قريب 3/ 318. (¬2) ساقطة من س. (¬3) سقط من س. (¬4) فى س: ومنه. (¬5) المائدة 103. المقصود بالآية هو عمرو بن لحى هو عمرو بن مالك، و " لحى " لقب له، وعمرو هذا هو أوَّل من غيَّر دين إسماعيل - عليه السلام - ونصب الأوثان، وبحَر البحيرة وأخواتها المذكورات فى قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَام}. والبحيرة كما فى البخارى: هى التى يمنع دَرها للطواغيت فلا يحلبها أحدٌ من الناس. والسائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شىء. الوصيلة: الناقة البكر تبكر فى أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونهم لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضربُ الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شىء، وسموه " الحامى "، البخارى، ك التفسير، ب سورة المائدة 6/ 68، 69، وانظر: تفسير ابن كثير 3/ 203. (¬6) فى س: مرعى.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " وَرَأَيْتُ فِى النَّارِ امْرَأَةً حِمْيَرِيَّةً سَوْدَاءَ طَوِيَلةً "، وَلَمْ يَقُلْ: " مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ ". 10 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَتَقَارَبَا فى اللَّفْظِ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، بَدَأَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَرَأَ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ منَ الرُّكُوعِ فَقَرَأَ قِرَاءَةً دُونَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَرَأَ قِرَاءَةً دُونَ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ، ثُمَّ رفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ أَيْضًا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَيْسَ فِيها رَكْعَةٌ إِلَّا الَّتِى قَبْلَهَا أَطَوَلُ مِنَ الَّتِى بَعْدَهَا، وَرُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَتَّى انْتَهَى إِلَى النِّسَاءِ - ثُمَّ تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى قَامَ فِى مَقَامِهِ، فَانْصَرَفَ حِينَ انْصَرَفَ، وَقَدْ آضَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الشَّمْسُ والْقَمَرُ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِمَوْتِ بَشَرٍ - فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِى. مَا مِنْ شَىْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِى صَلَاتِى هَذِهِ، لَقَدْ جِىءَ بِالنَّارِ. وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِى تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِى مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قَصْبَهُ فِى النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعلَّقَ بِمِحْجَنِى، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِى رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخاء والشين المعجمتين - خشاش الأرض: هوامها، وقيل: صغار الطير، ويقال بكسر الخاء أيضاً - حكى عن أبى علىّ فيه الضم أيضاً، وقيل: لا يقال فى الطير إلا بالفتح، وقال أبو عبيد: الخشاش شرار الطير، وفى تعذيب الله هذه المرأة حين ماتت [فى هرة ربطتها] (¬1) بخدشها إياها، المؤاخذة على الصغائر، وليس فيها أنها عذبت عليها (¬2) ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) فى الأصل: قبلها.

تَدَعْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، ثُمَّ جِىءَ بِالْجَنَّةِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِى تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِى مَقَامِى، وَلَقَدْ مَدَدتُ يَدِى وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ بَدَا لِى أَنْ لا أَفْعَلَ، فَمَا مِنْ شَىْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِى صَلَاتِى هَذِهِ ". 11 - (905) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَهِىَ تُصَلِّى، فَقُلْتُ: مَا شَأنُ النَّاس يُصَلُّونَ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأسِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَطَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِيَامَ جِدّا، حَتَّى تَجَلَّانِى الْغَشْىُ، فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِى، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأسِى أَوْ عَلَى وَجْهِى منَ الْمَاءِ. قَالَتْ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. فَخَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنار، وقد يحتمل أن هذه المرأة كانت كافرة، فزيدت بذلك عذابًا (¬1). ولفح النار: ضرب لهبها وتأثيره {تَلْفَح وُجُوهَهُمُ النَّارُ} (¬2)، واللفح أعظم تأثيرًا من النفح، قال الله تعالى: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّك} (¬3) أى أدنى شىء منه، قاله الهروى. و" آضت الشمس ": أى رجعت لحالها الأولى، وكشف عنها الكسوف. وقوله: " حين رأيتمونى أقدم " - بضم الهمزة وفتح القاف - بمعنى ما فى الرواية الأخرى: " أتقدم (¬4) ". والمِحْجنُ: العصا معقفة الطرف. وفى الحديث: الدليل على المعاقبة على العبث بالحيوان وإهلاكه، لغير (¬5) منفعة لما ذكر من تعذيب المرأة بربط الهِرَّةِ، حتى ماتت، وقد جاء الحديث - أيضاً - فى قاتل العصفور بنحو ذلك (¬6). وقولها: " حتى تجلانى الغشْىُ " و " العشِىَّ ": رويناه هنا وفى غير هذا الكتاب بكسر ¬

_ (¬1) بعد ما نقل النووى كلام القاضى قال: وليس بصواب، بل الصواب المصرَّح به فى الحديث أنها عذبت بسبب الهرة، وهو كبيرة؛ لأنها ربطتها، وأصرت على ذلك حتى ماتت، والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرةً 2/ 569، وقد أحسن الحافظ ابن حجر حين قال: وأبداه القاضى احتمالاً، وأغرب النووى فأنكره قال: ويؤيد كونها كافرة: ما أخرجه البيهقى فى البعث والنشور وأبو نعيم فى تاريخ أصبهان من حديث عائشة. الفتح 6/ 411. (¬2) المؤمنون: 104. (¬3) الأنبياء: 46. (¬4) الذى فى المطبوعة: تقدمت. (¬5) فى س: بغير. (¬6) فقد أخرج النسائى - واللفظ له - والدارمى وأحمد عن عبد الله بن عمرو يرفعه قال: " من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقِّها سأل الله عز وجل عنها يوم القيامة " قيل: يا رسول الله، فما حقُها؟ قال: " حقّها أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فيرمى بها " ك الضحايا، ب من قتل عصفورًا بغير حقها، الكبرى 3/ 273، المسند 2/ 166، 197، الدارمى، ك الأضاحى، ب من قتل شيئاً من الدواب عبثاً 2/ 84.

فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، مَا مِنْ شَىْءٍ لَمْ أَكُنْ رَأَيْتُهُ إِلا قَدْ رَأَيْتُهُ فِى مَقَامِى هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُم تُفْتَنُونَ فِى الْقُبُورِ قَرِيبًا أَوْ مِثْلَ فِتْنَةِ الْمِسِيحِ الدَّجَّالِ - لا أَدْرِى أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ - لا أَدْرِى أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ، هُوَ رَسُولُ اللهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَأَطَعْنَا، ثَلَاثَ مِرَارٍ. فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ. قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنَّكَ لَتُؤْمِنُ بِهِ، فَنَمْ صَالِحًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ - لا أَدْرِى أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: لَا أَدْرِى، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُ ". 12 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَام، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، وَإِذَا هِىَ تُصَلِّى، فَقُلْتُ: مَا شَأنُ النَّاسِ؟ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ. 13 - (...) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لا تَقُلْ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَلَكِنْ قُلْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشين فى الأولى وتثقيل الياء، وبسكون الشين فى الثانية وهما بمعنى، وهى الغشاوة وذلك لطول القيام ولكثرة الحر؛ ولذلك جعلت تصبَّ على رأسها الماء؛ ولذلك قال فى الحديث الآخر: " فى يوم شديد الحر " (¬1)، ثم قال: " فأطال القيام حتى جعلوا يخرون "، أى يسقطون فيه أن الغشى الخفيف لا ينقض الطهارةَ، ووقع عند الطبرى العشْىُ بالعين المهملة مع. سكون الشين، وليس بشىء. وإشارتُها برأسها إلى السماء، وقول أسماء: " فقلت آية " قالت: " نعم " أى بالإشارة أيضاً، كله دليل على جواز الإشارة، ومثل هذا العمل فى الصلاة وصبَّها الماء على رأسها [ووجهها] (¬2) فى الصلاة من ذلك، لاسيما فى النوافل وغير الفرائض، وكذلك تأخر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصلاة وتقدمه ومدّ يده، كل هذا من الباب، وقد تقدم الكلام فيه. وقوله فى ذكر فتنة القبر: " فأما (¬3) المنافق أو المرتاب ": دليل على أن الشاكَّ فى نُبُوَّةِ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصح إيمانهُ، وأن الإيمان لا يتم إلا بالتصديق له وقد يحتج به من يرى ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود. سبق 1/ 269، النسائى فى الصغرى 3/ 110، كلاهما من حديث جابر. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) فى المطبوعة: وأما.

14 - (906) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْر؛ أَنَّهَا قَالَتْ: فَزِعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا - قَالَتْ تَعْنِى يَوْمَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ - فَأَخَذَ دِرْعًا حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ، فَقَامَ لِلنَّاسِ قِيَامًا طَوِيلاً، لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا أَتَى لَمْ يَشْعُرْ أَنَّ النّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ - مَا حَدَّثَ أَنَّهُ رَكَعَ، مِنْ طَولِ الْقِيَامِ. 15 - (...) وحدَّثنى سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أنَّ مجرد التقليد بغير بصيرة غير نافعة، لقوله: " سمعتُ الناس يقولون شيئًا فقلته (¬1) "، وقد يكون هذا إنما هو لمن يُصم عقده ولا اطمأنت نفسه، وإنما قال كلاماً لا يعتقد صحته، ولا يعرف معناه. وقوله للمؤمن: " نم (¬2) صالحاً ": أى: ولا (*) روع عليك مما يروعُ به الكفرة من العرض على النار، أو غيره من عذاب القبر. وقوله: " علمنا إن كنت مؤمناً " (¬3): بالكسر، أى أنك مؤمن قاله الداودى، كما قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (¬4)، أى أنتم، وقال: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (¬5) وهو لم يزل كذلك، والأظهر أنها على بابها، أى علمنا أنك كنت مؤمناً، وكذلك أنت، وعليه مجمل الآية، وقد يكون قوله: " إن كنت مؤمناً " أى فى علم الله، كما قيل فى قوله تعالى: {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين} (¬6) وقيل ذلك فى قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} أيضاً. وقوله: " ما علمك بهذا الرجل ": يريد النبى محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كنى [عن] (¬7) نفسه، قيل: يحتمل أنه سُمِّى كالميت فى قبرهِ، أو مُثِّل له، والأظهر أنه سمى له. وقولها: " فزع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم كسفت الشمس " يحتمل أنه ذُعر لذلك، كما قال فى الحديث الآخر: " فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة "، ويحتمل أن يكون من الفزع الذى هو المبادرة إلى الصلاة كما قدَّمناه. ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: فقلتُ. (¬2) فى المطبوعة: فنم. (¬3) فى س: " قد علمت إن كنت لمؤمناً "، وفى المطبوعة: " قد كنا نعلم إنك لتؤمنُ به ". (¬4) آل عمران: 110. (¬5) النساء: 17، 92، 104، 111، 170، والفتح: 4. (¬6) البقرة: 16، الأنعام: 140، يونس: 45. (¬7) ساقطة من الأصل. (*) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوع "وإلا"، والمعنى يستقيم بما أثبتناه، وهو المثبت فيما وقع لدينا من نسخ خطية، والله أعلم.

الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: قِيَامًا طَوِيلاً، يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ. وَزَادَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ أَسَنَّ مِنِّىَ، وَإِلَى الأُخْرَى هِىَ أَسْقَمُ مِنِّى. 16 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ، قَالَتْ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَزِعَ، فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ، حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَتْ: فَقَضَيْتُ حَاجَتِى ثُمَّ جِئْتُ وَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا. فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى رَأَيْتُنِى أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ، ثُمَّ أَلْتَفِتُ إِلَى الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ، فَأَقُولُ هَذِهِ أَضْعَفُ مِنِّى، فَأَقُومُ. فَرَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " فأخطأ بدِرع " كذا عند جميع شيوخنا، قال الهروى: يقال لمن أراد أن يفعل شيئًا ففعل غيرَه، أخطأ ولمن فعل غير الصواب أخطأ، فمعناه: أن النبى - عليه السلام - لاستعجاله غلط فى ثوبه فلبس دِرْع غيره، ويدل عليه قوله فى الحديث الآخر: " فأخذ درعًا ". وقوله: " حتى أدرك بردائه " ووقع فى بعض الروايات فخطأ، ولعله خطئ، قال ابن عرفة: يقال: أخطأ فى العمد وغير العمد، وخطئ بمعناه، وكلاهما مهموز. [قال الأزهرى: أخطأ إذا لم يتعمَّد، وخطئ إذا تعمَّد، والخطأ ضد الصواب مهموز] (¬1) يمد ويقصر، والمدُّ قليل، والمصدر ممدود، خطأ وأخطأ، وقرأ الحسن: " خطاءً [كبيرًا (¬2) بالمد والفتح، والخِطْأ بالكسر وسكون الطاء: الإثم، وقرأ نافع: " خطأ] (¬3) كبيرًا " (¬4) ويقال فيه أيضاً: الخطيئة والخاطئة، وقيل: إنَّ خطأ لغة فى الخطاء مثل بَخْس وبَخَسَ، وأما قراءة من قرأ: خِطاء، بالكسر والمد، فمعنى آخر من التخطى، أى مجاوزة عن الحق إلى الباطل، وقد أنكرها النحاس (¬5). قال مسلم: ثنا سويد بن سعيد، ثنا حفص بن ميسرة، كذا لعامة شيوخنا وسائر النسخ، وكان فى كتاب شيخنا أبى محمد بن أبى جعفر من طريق الهوزنى: ثنا هارون بن سعيد (¬6). وقوله فى بعض هذه الأحاديث: " فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله " (¬7) قد بين - عليه ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) انظر: معانى القرآن 4/ 147. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) وهى قراءة ابن عامر. انظر: حجة القراءات: 400. (¬5) فقال: فلا يعرف فى اللغة ولا فى كلام العرب. معانى القرآن 4/ 148. (¬6) والاثنان من شيوخ مسلم. (¬7) الحديث السابق.

17 - (907) حدثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً قَدْرَ نَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، وَهُو دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوع الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، وهُوْ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيْلاً، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَر آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ. لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذكُرُوا اللهَ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِى مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ. فَقَالَ: " إِنِّى رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ " قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " بِكُفْرِهِنَّ ". قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام - بِفعله وقوله أن ذكر الله هنا فى الصلاة وبالصلاة، وقد تقدم تفسير كفران العشير قبل هذا وكونه الزوج (¬1)، ووقع هنا للهوزنى: " العشيرة "، ولا تعرف هذه الرواية، لكنها توافق أحد التأويلين فى العشير المتقدم. وفيه ذم كفران (¬2) الإحسان وفى إطلاق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسم الكفر عليه حجة لمن أطلق ذلك فى أهل المعاصى أيضاً، وأنه ليس المراد به [الكفر] (¬3) حقيقة وإنما هو ستر المعروف وترك شكره. ولذلك ترجم البخارى على مثل هذا: كفر دون كفر (¬4). وأما رؤيته أكثرَ أهلها النساءَ للعلة التى ذكرها زائِداً على ما يجمعهم مع الرجال من الكفر بالله وغير ذلك من المعاصى الموجبة للعقاب، ولهذا ترجح رواية يحيى بن يحيى ¬

_ (¬1) فى صلاة العيدين. وقد أخرج النسائى والبزار والحاكم بأسانيد بعضها صحيح عن عبد الله بن عمر قال: " لا ينظر الله إلى امرأةٍ لا تشكر لزوجها وهى لا تستغنى عنه "، وأخرج ابن عبد البر بإسناده إلى ابن عباس قال: إن امرأة قالت: يا رسول الله، ما خيرُ ما أعدَّت المرأة؟ قال: " الطاعة للزوج والاعتراف بحقه ". التمهيد 3/ 328، وانظر: الترغيب والترهيب للمنذرى 3/ 13. (¬2) من س، وفى الأصل: كفر. (¬3) من س. (¬4) ك الإيمان، ب كفران العشير وكفر بعد كفر 1/ 14، وجاء فى الفتح: وكفر دون كفر 1/ 104. قال: وأما قول المصنف: " كفر دون كفر " فأشار إلى أثر رواه أحمد فى كتاب الإيمان من طريق عطاء بن أبى رباح وغيره.

قَالَ: "بِكُفْرِ الْعَشِيرِ، وَبِكُفْرِ الإِحْسَانِ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ - يَعْنِى ابْنَ عِيسَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأندلسى فى هذا الحديث فى قوله: أيَكْفُرن بالله؟ قال: " ويكفرن الإحسان " (¬1) بزيادة واو، ولم يروه كذا غيره، وغلَّطَه فى ذلك بعضهم، وقال: قد أثبت لهن الكفرَ بالله، وهذا لا يلزمه، إنما أشار إلى تقسيمهن وتكثير الأسباب الموجبة لكثرتهن فى النار، وأن منهن من يكفر بالله، ومنهن من يكفر الإحسان، فجاءت روايته حسنة صحيحة غير مردودة، ورواية من أسقط الواوَ صحيحةٌ أيضاً، أى لم يكفر جميعهن، ولكن كفرهن (¬2) بأن منهن من يكفر الإحسان. وفيه أن سوءَ عشرة الزوجين وترك قضاء حق الزوج وعقوقه موجب للعقاب. ووقع فى هذا الحديث فى الأم تخليط من الرواة عن مسلم، فسقط من رواية السمرقندى فى أول الحديث ذكرُ الركوع الأول والقيام الذى يليه من الركعة الأولى، وهو ثابت مستقيم مجوَّدٌ لغيره، ولسائر الرواة. وقوله فيما أجمعوا عليه وهو: " دون القيام الأول ودون الركوع الأول " يُصحِّحُ وهمَ من أسقط ذلك. وسقط من رواية العذرى والسمرقندى القيامُ الثانى، والركوع الثانى من الركعة الثانية، وثبت لغيرهما وهو الصواب. ¬

_ (¬1) والذى فى المطبوعة: " ويكفر الإحسان ". ورواية يحيى بن يحيى أخرجها الترمذى بهذا اللفظ. قال أبو عمر: " ويكفرن الإحسان "، وهكذا رواه يحيى بن يحيى: " ويكفرن العشير " بالواو. وقد تابعه بعض من نقد عليه ذلك أيضاً غلطاً كما عُدَّ على يحيى، والمحفوظ فيه عن مالك من رواية ابن القاسم، وابن وهب، والقعنبى، وعامة رواة الموطأ، قال: " يكفرن العشير " بغير واو، وهو الصحيح فى المعنى، وأما رواية يحيى فالوجه فيها - والله أعلم - أن يكون السائل لما قال: أيكفرن بالله؟ لم يجبه عن هذا جوابًا مكشوفًا، لإحاطة العلم بأن من النساء من يكفرن بالله، كما أن من الرجال من يكفر بالله، فلم يحتج إلى ذلك؛ لأن المقصود فى الحديث إلى غير ذلك، كأنه قال: وإن كان من النساء من يكفرن بالله فإنهن كلهن فى الغالب من أمرهن يكفرن الإحسان. التمهيد 3/ 323. (¬2) فى س: كفروا.

(4) باب ذكر من قال إنه ركع ثمان ركعات فى أربع سجدات

(4) باب ذكر من قال إنه ركع ثمان ركعات فى أربع سجدات (¬1) 18 - (908) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ، ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فِى أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. وَعَنْ عَلِىٍّ، مِثْلُ ذَلِكَ. 19 - (909) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ صَلَّى فِى كُسُوفٍ: قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ: وَالأُخْرَى مِثْلُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(5) باب ذكر النداء بصلاة الكسوف " الصلاة جامعة "

(5) باب ذكر النداء بصلاة الكسوف " الصلاة جامعة " 20 - (910) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - وَهُوَ شَيْبَانُ النَّحْوِىُّ - عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبى كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبْو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ خَبَرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نُودِىَ بِـ " الصَّلَاةَ جَامِعَةً ". فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِى سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِى سَجْدَةٍ، ثُمَّ جُلِّىَ عَنِ الشَّمْسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَكَعْتُ ركُوعًا قَطُّ، وَلَا سَجَدْتُ سجُودًا قَطُّ، كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ ". 21 - (911) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ منْ آيَاتِ اللهِ، يُخَوِّف اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللهَ، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ ". 22 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيْسَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنَ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتَمُوهُ فَقُومُوا فَصَلُّوا ". 23 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَر، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَمَرْوَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ وَوَكِيعٍ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. 24 - (912) حدّثنا أَبُو عَامِرِ الأَشْعَرِىُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

زَمَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامِ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَقَامَ يُصَلِّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِى صَلَاةٍ قَطُّ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِى يُرْسِلُ اللهُ، لا تَكُوُن لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاستَغْفَارِهِ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ الْعَلاءِ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ. وَقَالَ: " يُخَوِّفِ عبَادَهُ ". 25 - (913) وحدَّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِىُّ عَنْ أَبِى الْعَلَاءِ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَرْمِى بِأَسْهُمِى فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ انْكَسَفَتَ الشَّمْسُ، فَنَبَذْتُهُنَّ. وَقُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى مَا يَحْدُثُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى انْكِسَافِ الشَّمْسِ، الْيَوْمَ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، يَدْعُو وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ، حَتَّى جُلَّىَ عَنِ الشَّمْسِ، فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ. 26 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كُنْتُ أَرْتَمِى بِأَسْهُمٍ لِى بِالْمَدِينَةِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَنَبَذْتُهَا. فَقُلْتُ: وَاللهِ، لأَنْظُرَنَّ إِلَى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى كُسُوفِ الشَّمْسِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِى الصَّلَاةِ، رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو، حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا. قَالَ: فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا، قَرَأَ سُورَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. 27 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنَ نُوحٍ، أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث أبى موسى: " فقام يُصلى بأطول قيام وركوع وسجود "، وكذا قول عائشة: " ما سجدت قط ولا ركعت سجودًا ولا ركوعًا أطول منه " (¬1)، وفى حديث جابر: " وركوعه نحوًا (¬2) من سجوده ": حجة لمذهب المدونة، وقول إسحاق وبعض أصحاب الحديث، وحكاه الخطابى عن الشافعى أنه يُطيل فيها السجود على نحو قيامه وركوعه، وقال مالك فى المختصر: إنه لا يطول السجود، وأنه كسائر سجود الصلوات، ¬

_ (¬1) طريق محمد بن رافع، لكن لفظه هناك فى المطبوعة: " ما ركعتُ ركوعًا ولا سجدتُ سجودًا قط كان أطول منه ". (¬2) فى الأصل: نحوٌ، والمثبت من المطبوعة وس.

حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَتَرَمَّى بِأَسْهُمٍ لِى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ خَسَفَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا. 28 - (914) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ القَاسِم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا ". 29 - (915) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ - وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ - حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْن عِلَاقَةَ - وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: قَالَ زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ - سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ، يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يطول كثيرًا وهو قول الشافعى المعروف. وقوله فى حديث عبد الرحمن بن سمرة: " [فجعل يسبح ويحمد ويدعو] (¬1) حتى حُسر عنها [فلما حُسر عنها] (¬2) قرأ سورتين وصلى ركعتين ": ومعنى " حُسِر "، كُشف وأزيل ما بها، والحاسر الذى لا دِرْع عليه، وهو بمعنى " جَلَّى " فى الرواية الأخرى، ظاهره أن الصلاة إنما كانت بعد أن حُسِرَ عنها. قال الإمام: إن كانت صلاته بعد الإنجلاء لم (¬3) يقصد بها صلاة كسوف فلا تفتقر إلى تكرار ركوع [وسجود] (¬4). وقوله: " أَتَرَمَّى ": أى أرمى الأغراض، كما قالوا فى الرواية الأخرى، أرمى وأرتمى وأترامى. وقوله فى حديث عبد الله من عمر: " ركعتين فى سجدة ": أى فى ركعة، وقد تقدم أنه يعبر بالسجدة عن الركعة. وقوله: " فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف " وتسويته فى ذلك بين ¬

_ (¬1) الذى فى المطبوعة: " فجعل يُسبِّحُ، ويحمدُ، ويُهلِّلُ، ويكبِّرُ، ويدعو ". (¬2) سقط من س. (¬3) فى الإكمال: فلم، والمثبت من المعلم. (¬4) زائدة فى الإكمال على ما فى المعلم.

وَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسوفين، ذهب إلى هذا من [رأى] (¬1) أن حكم صلاتهما واحدٌ فى الهيئة والتجميع [وهو] (¬2) الشافعى وجماعة فقهاء أصحاب الحديث، وروى عن جلة من الصحابة (¬3)، ووافقهم الليث وعبد العزيز، ولكنهما لم يريا فى ذلك تجميعًا (¬4)، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن الصلاة فيها ركعتان كسائر النوافل، يصليها الناس أفذاذًا، ولا يجمعون، وأجاز أشهب التجميع فيها، واختلف عن مالك فى الخروج لصلاتها إلى الجامع، والمعروف عنه أن الناس لا يلزمون ذلك؛ لما فيه من المشقة وظلمة الليل، وحجتهم فى هذا كله: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جَمَع وسن صلاة الكسوف للشمس (¬5)، وبقى أمره بالصلاة لكسوف القمر على المعهود من سائر صلاة النوافل، وقد استدل قوم بعموم قوله: " آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك فصلوا " " وإذا رأيتموهما " على لزوم ذلك من سائر الآيات من الزلازل، والصواعق، والهاد (¬6)، والرياح الشديدة، والظلمة فى الأفق، وشبهه من الآيات، فذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور وأشهب من أصحابنا إلى الصلاة عند ذلك، وروى عن ابن عباس وابن مسعود (¬7) وذهب مالك والشافعى إلى أن ذلك لا يلزم، وحجتهما رفع ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من س. (¬3) وهو اختيار أحمد وإسحاق وأبى ثور وداود والطبرى، وهو قول الحسن وإبراهيم وعطاء، وحجتهم فى ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللهِ لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله "، قال الشافعى: فكان الذكر الذى فزِع إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند كسوف الشمس هو الصلاة المذكورة، فكذلك خسوف القمر يجمع الصلاة عنده على حسب الصلاة عند كسوف الشمس؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جمع بينهُما فى الذكر، ولم يخص إحداهما من الأخرى بشىء، وعرفنا كيف الصلاة عند إحداهما، فكان دليلاً على الصلاة عند الأخرى. قال أبو عمر: وهو المروى عن ابن عباس وعثمان بن عفان. التمهيد 3/ 316. (¬4) فقد جاء عن الليث بن سعد: لا يجمع فى صلاة القمر، ولكن الصلاة فيها كهيئة الصلاة فى كسوف الشمس. قال أبو عمر: وهو قول عبد العزيز بن أبى سلمة، ذكره ابن وهب عنه، وقال ذلك لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم ذلك بهما فافزعوا إلى الصلاة ". (¬5) واحتجوا لذلك بأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما خطب الناس لأنهم قالوا: إن الشمس كُسِفَتْ لموت إبراهيم ابن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلذلك خطبهم يُعرّفهم أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته. التمهيد 3/ 317. (¬6) الهاد: هى الريح الخفيفة اللينة. (¬7) فقد روى حماد بن سلمة عن قتادة عن عبد الله بن الحارث، قال: " زلزلت الأرض بالبصرة، فقال ابن عباس: والله ما أدرى، أزلزلت الأرض أم بى أرض؟ فقام بالناس، فصلى يعنى صلاة الكسوف ". التمهيد 3/ 318.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاحتمال بتخصيص ذلك بالكسوفين فى الروايات الأخر بقوله: " فإذا رأيتم كسوفًا " و " فإذا كسفاً " واستحسن أصحاب الرأى الصلاة فى ذلك فرادى. وقوله: فى حديث القوارير: " ويُهَلِّلُ " وعند العذرى: ويُهلَّ " بلام واحدة والوجه الأول.

11 - كتاب الجنائز

بسم الله الرحمن الرحيم 11 - كتاب الجنائز (1) باب تلقين الموتى: لا إله إلا الله 1 - (916) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. كِلَاهُمَا عَنْ بِشْرٍ، قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مِخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنُ بِلَالٍ، جَمِيعًا بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الجنائز قال الإمام أبو عبد الله: قوله - عليه السلام -: " لَقِّنُوا موتاكم لا إله إلا الله ": يحتمل أن يكون أمره - عليه السلام - بذلك لأنه موضعٌ يتعرض فيه الشيطان لإفساد اعتقاد الإنسان، فيحتاج إلى مُذَكِّرٍ ومنبه له على التوحيد، ويحتمل أن يريد بذلك ليكون آخرَ كلامه ذلك، فيحصل له ما وعد به - عليه السلام - فى الحديث الآخر: " من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة " (¬1). قال القاضى: والتلقين سنة مأثورة بهذا الحديث، عمل بها المسلمون، وكرهوا الإكثار عليه والموالاة؛ لئلا يُضْجر ذلك الميت، لاسيما مع ضيق الصدر بالمرض، واختلال الحس بشدة الكَرْبِ، فربما كان منه فتورٌ أو عقد لكراهة ذلك، أو قول يقبح إن لم يأت كل ذلك عن رَوِيَّةٍ فيخشى عليه منه، وجعلوا الحدَّ فى ذلك إذا قالها مرةً ألا يكرر عليه إلا أن يتكلم بكلام آخر، فيعاد عليه، حتى يكون آخر كلامه ليرجى له بذلك الدخول فى قوله: " من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، حرمه الله على النار " (¬2). ¬

_ (¬1) أبو داود فى الجنائز، ب فى التلقين (3116)، أحمد فى المسند 5/ 213، 247، ولفظه فيه: " وجبت له الجنة ". (¬2) لم نقف عليه بهذا اللفظ، وهو معنى أحاديث أخرجها أحمد من حديث سهل بن بيضاء بلفظ: " من شهد =

2 - (917) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَان ابْنَا أَبِى شَيْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك دليل على تعيين الحضور عند الميت لاحتضاره؛ لتذكيره، وإغماضِه، والقيام عليه، [وأن ذلك من حقوق المسلم على المسلمين ولا خلاف فى ذلك] (¬1). وذكر مسلم فى أول الباب حديث بشر بن المفضل عن عمارة بن غَزِيَّة ثم قال: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الدراوردى قال: وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة (¬2)، ثنا خالد بن محمد، ثنا سليمان بن بلال جميعًا بهذا الإسناد، لم يرد. قال لنا الحافظ أبو على: معناه عن عمارة بن غَزِيَّة المتقدم، حدث عنه سليمان بن بلال والدراوردى فى هذا الإسناد الآخر. ¬

_ = أن لا إله إلا الله، حرَّمه الله على النار " قال العراقى: وفيه انقطاع، ومن حديث معاذ بن جبل وأنس بن مالك - رضى الله عنهما - أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة، ومن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله لم تمسه النار، ومن لقى الله لا يشرك به شيئًا حُرمت عليه النار، ولا يدخلها من فى قلبه مثقال ذرة من إيمان ". قال العراقى: حديث أنس عند الشيخين، ورواه - أيضًا - الحاكم عن معاذ. (¬1) سقط من س. (¬2) الذى فى المطبوعة: ثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبى شيبة.

(2) باب ما يقال عند المصيبة

(2) باب ما يقال عند المصيبة 3 - (918) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِى سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنِ ابْنِ سَفِيَنَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيُبهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: مَا أَمَرَهُ اللهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (¬1) اللَّهُمَّ، أجُرْنِى فِى مُصِيَبَتِى، وَأَخْلِفْ لِى خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ". قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَىُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِى سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنِّى قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِى بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِى لَهُ. فَقُلْتُ: إِنَّ لِى بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ فَقَالَ: " أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ ". 4 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعْدِ بْن سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ سَفِينَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْد تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، اللَّهُمَّ، أجُرْنِى فِى مُصِيبَتِى، وَأَخْلِفْ لِى خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أم سلمة: " ثم عَزَم الله لى فقُلتها ": لا يسمى أمر الله عزمًا، وقد تقدم أول الكتاب من هذا، ولعل معناه: خلق الله لى عزمًا. وقولها: " وأنا غيور " وجاءت به فى صفة المؤنث وكثيرًا ما جاء فعول فى الأنثى، كما قالوا: ضحوك، للكثيرة الضحك وعروب (¬2) بمثلها، وقيل: عقبة كؤود. وأرض صعود، وجدور (¬3) وهبوط، ورجل عروس وامرأة عروس، ويقال: امرأة غيرى ورجل غيور وغيران. وقولها فى الحديث: " اللهم أجُرْنى فى مصيبتى "، وقوله: " إلا أجره الله ": ¬

_ (¬1) البقرة: 156. (¬2) العروب: هى المرأة الضاحكة، وقيل: هى المتحببة إلى زوجها. (¬3) قال فى اللسان: وحكى اللحيانى عن أبى جعفر الرواسى: إنّه لمجدورٌ أن يفعل ذلك.

فِى مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ". قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّىَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْلَفَ اللهُ لِى خَيْرًا مِنْهُ، رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 5 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ - يَعْنِى ابْنَ كَثِيرٍ - عَنِ ابْنِ سَفِيَنَةَ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ. وَزَادَ: قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّىَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِى سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ عَزَمَ اللهُ لِى فَقُلْتُهَا. قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال بالمد وبغير المد، حكاه صاحب الأفعال، وقال الأصمعى: هو مقصور لا يمد، وهو الذى حكاه أكثر أهل اللغة، ومعنى " آجره الله ": أى أثابه على عمله، ووفاه أجره عليه.

(3) باب ما يقال عند المريض والميت

(3) باب ما يقال عند المريض والميت (¬1) 6 - (919) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَوِ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ". قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ. قَالَ: " قُولِى: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِى مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً " قَالَتْ: فَقُلْتُ، فَأَعْقَبَنِىَ اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِى مِنْه، مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(4) باب فى إغماض الميت والدعاء له، إذا حضر

(4) باب فى إغماض الميت والدعاء له، إذا حُضر 7 - (920) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِىُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِى سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ". فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ. فَقَالَ: " لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ". ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِى سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الروح إذا قبض تبعه البَصرُ " دليل أن الموت ليس بفناءٍ ولا إعدامٍ تام، وإنما هو انتقال وتغيُّر حالٍ، وإعدام الجسد دون الروح، إلا ما استثنى من عجب الذنب " (¬1). وقوله فى الحديث الآخر: " يتبع بصَرُه نفسه " (¬2) حجة لمن يقول: إن الروح والنفس بمعنى واحد، لذكره فى القصة أولاً الروح بما ذكر به النفس آخرًا، وقد مضى الكلام على هذا، وسيأتى مبينًّا أيضاً. وقوله: " شَقَّ بصرُه " بفتح الشين يقال: شق بصرُ الميت وشق الميتُ بصره إذا شخص، قاله صاحب الأفعال. وقوله فى الحديث الآخر: " شخص بصره " (¬3)، وقال صاحب الأفعال: شخَصَ بالفتح ولم يعرف أبو زيد الكسر. وقوله: " فأغمضَه " تغميض أعين الموتى سُنَّةٌ، عمل بها المسلمون كافة، وفيه (¬4) تحسين وجه الميت وستر تغيير بصره. وفى الأحاديث التى ذكر مسلم عن أم سلمة تعليم ما يقال عند الميت وبعده، من الدعاء له، والذكر، والاسترجاع، وقول الخير، والدعاء لمن يخلفه، فيجبُ التأدب بأدب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، وامتثال ما رسمه من ذلك - عليه السلام - وعمل به، وحَض عليه. ولفظ المصيبة فى الحديث فيما يكره، وإن [كان] (¬5) أصله فى كل ما يصيب من خير أو شر، لكن عرف اللغة قد قصره على الشر كالفتنة والامتحان ونحو ذلك. وقوله: " فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون " فيحمل أن يكون الأمر بها ¬

_ (¬1) وهو فيما أخرجه البخارى فى صحيحه عن أبى هريرة، يرفعه إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويبلى كل شىء من الإنسان إلا عجب ذنبه، فيه يركبُ الخلق " ك التفسير، سورة الزمر 6/ 158، وكذا أحمد فى المسند 2/ 499. (¬2) و (¬3) حديث رقم (9) بالباب التالى. (¬4) فى س: وفيها. (¬5) ساقطة من س.

الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِى عَقِبِهِ فِى الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَارَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِى قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ". 8 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ الوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَاخْلُفْهُ فِى تَركَتِهِ "، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَوْسِعْ لَهُ فِى قَبْرِهِ " وَلَمْ يَقُلِ: " افْسَحْ لَهُ ". وَزَادَ: قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: وَدَعَوةٌ أُخْرَى سَابِعَةٌ نَسِيتُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ على مفهوم الحض على قول ذلك، من ثنائه تعالى لقائل ذلك فى كتابه، وثوابه له، وليس فى القرآن الأمر بقول ذلك تصريحًا، ويحتمل أن أمر الله فى ذلك بوحى ليس من القرآن. وقولها: " وأنا غيور " كذا يقال للذكر والأنثى غيرى (¬1). ومعنى قوله: " وأخلفه فى عقبه فى الغابرين ": أى الباقين لقوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِين} (¬2). ¬

_ (¬1) فى س: غيور. (¬2) الأعراف: 83، العنكبوت: 32.

(5) باب فى شخوص بصر الميت يتبع نفسه

(5) باب فى شخوص بصر الميت يتبع نفسه (¬1) 9 - (921) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ تَرَوُا الإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ ". قَالُوا: بَلَى. قَالَ: " فَذَلِكَ حِينَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِى الدَّراوَرْدِىِّ - عَنِ الْعَلَاءِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(6) باب البكاء على الميت

(6) باب البكاء على الميت 10 - (922) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ؛ قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: غَرِيبٌ وَفِى أَرْضِ غُرْبَةٍ لأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ، فَكُنْتُ قَدْ تَهَيَّأَتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ، إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِى، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " أَترِيدِينَ أَنْ تُدْخِلِى الشَّيْطَانَ بَيْتًا أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهُ؟ " مَرَّتَيْنِ؛ فَكَفَفْتُ عَنِ الْبُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ. 11 - (923) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ، وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبيًّا لَهَا، أَو ابْنًا لَهَا، فِى الْمَوْتِ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: " ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَأَخْبرهَا: أَنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، فَمُرْها فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ". فَعَادَ الرّسُولُ فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأِتيَنَّها. قَالَ: فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ. فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِىُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، كَأَنَّهَا فِى شَنَةٍ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. فَقَالَ لَهُ سَعدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " هَذِهِ رَحمَةٌ، جَعَلَهَا اللهُ فِى قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ونفسه تَقَعقَعُ كأنها فى شَنَّة، ففاضت عيناه - عليه السلام ": قال الإمام: بكاؤه يدل [على] (¬1) [أن] (¬2) المنهى عنه من البكاء ما صحبه النوح. قال القاضى: قد فسر هذا - عليه السلام - فى الأحاديث الأخر بقوله: " إن الله لا يعذِّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه ". وقوله فى الحديث الآخر: " ما لم يكن نقع أو لقلقة " (¬3)، [وقوله: " العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما يسخط الله "] (¬4). ¬

_ (¬1) من المعلم. (¬2) ساقطة من المعلم. (¬3) من قول عمر فيما أخرجه البخارى، ك الجنائز، ب ما يكره من النياحة على الميت 2/ 102، قال البخارى: والنقع: التراب على الرأس، واللقلقة: الصوت. (¬4) سقط من س. والحديث أخرجه ابن ماجه، ك الجنائز، ب ما جاء فى البكاء على الميت 1/ 506. وقال فيه صاحب الزوائد: إسناده حسن.

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، جَمِيعًا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ حَمَّادٍ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ. 12 - (924) حدّثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِىُّ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو بْنُ الْحَارِث عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِى غَشِيَّة. فَقَالَ: " أَقدْ قَضَى؟ " قَالُوا: لَا. يَا رَسُولَ اللهِ، فَبَكَى رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأقبلت امرأة من الصعيد ": هو كل ما علا وجه الأرض، وهو هاهنا إشارة - والله أعلم - لأعالى الأرض، كأنها [تريد] (¬1) عوالى المدينة، ومنه صعيد مصر، أى أعلى بلادها. وقوله: " تقعقع "، قال الإمام: قال الهروى: أى كلما صار إلى حالةٍ لم يلبث أن يصير (¬2) إلى أخرى تقرب من الموت، ولا يثبت على حالة واحدة، يقال: تقعقع الشىء إذا اضطرب وتحرَّك، ويقال: إنه ليتقعقع لحياة من الكِبَرِ. والشَنَّة القربة البالية. قال القاضى: ليس معنى اللفظ هاهنا ما قاله الهروى وحكاه فى كتابه عن شمر عن خالد بن حسنة، ولا يسعده قوله: " كأنها فى شنة "، وإنما القعقعة هاهنا: صوت نفسه وحشرجة صدره به، ومنه: قعقعة الجلود والترسة والسلاح، وهى أصواتها، ألا ترى قوله: " كأنَّها فى شَنَّة "؟ فشبَّه صوت نفسه وقلقلته فى صدره كصوت ماء ألقى فى القربة اليابسة وحُرِّك فيها، ومن أمثالهم: لا يقعقع له بالشِّنان، أى لا يفزع بصوته. وقوله فى حديث سعيد: " فأصابه فى غَشيَّةٍ " [كذا روايتنا فيه عن أكثر شيوخنا، بكسر الشين وتشديد الياء، وعند ابن أبى جعفر: " عَشْية "، (¬3) بسكون الشين، وفى البخارى: " فى غاشية " (¬4) فحمله بعضهم، وهو اختيار القاضى أبى الوليد الكنانى فيما أنبأنا به عنه الشيخ أبو بحر، أن معناه: من تغشاه من ألم، وأن كسر الشين وتشديد الياء صوابه، واعتضد بما ورد فى البخارى من رواية " غاشية " كما فى كتاب مسلم فى الحديث الآخر بعده: " فاستأخرَ قومُه من حوله حتى دنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان على هذا لا يصح رواية " غشية " بالتخفيف. وقد ذكر بعضهم هذا الحديث وقال فيه: " فى غاشية ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى الأصل: يصمد، والمثبت من س. (¬3) سقط من س. (¬4) ك الجنائز، ب البكاء عند المريض.

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا. فَقَالَ: " أَلَا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أهله "، وغيره يحمله على أن غشْية وغشِيَّة بمعنىً، وأنه من غشاوة الموت، واستدل بقوله فى الأم: " فقال: أقد قضى؟ " أى مات، " قالوا: لا ". قال لى الحافظ أبو الحسن: لا فرق بين غِشْية وغشِيَّة، وهما واحد، يريد من الغشاوة، وقال الخطابى: " فى غاشية " يحتمل وجهين منْ يغشاه من الناس أو ما يغشاه من الكرب (¬1). وفيه زيارة الأئمة وأهل الفضل المرضى، وحضه على ذلك أصحابه، بقوله: " من يعوده منكم؟ "، وفيه السؤال للحاضرين عن أحوالهم، وكذلك إذا كانوا فى شدة، ولا يكلَّفون هم من ذلك ما عساه يشق من الجواب عليهم، وفيه حضور الناس عند من احتضر، وهو مما يتعيَّن على كافتهم، وبخاصة لآله وقرابته، وقد ترك ابن عمر صلاة الجمعة حين دُعى لاحتضار سعيد بن زيد (¬2)، لشدة حاجة الميت حينئذ إلى من ينظر منه، ويرفق به، ويقوم عليه. وفيه أن للرجل حقًّا فى مثل هذا، وأَنَّه من جاء لعيادةٍ أو قضاء حاجة عند كبير، ثم جاء غيرَهُ وقد ضاق المجلس عند الداخل، أن ينصرف الأولُ أو يفسح له عن قرب المزور حتى يقضى إربه منه. ¬

_ (¬1) أعلام الحديث 1/ 690. ولفظه فيه: أحدُهما: أن يكون أراد القوم الذين كانوا حضروا عنده الذين هم غاشيته، والوجه الآخر: أن يكون معنى ذلك ما يتغشاه من كرب الوجع الذى به، فخاف أن يكون قد هلك. (¬2) أخرجه البخارى فى ك المغازى، ب فضل من شهد بدراً عن نافع، ولفظه فيه: " أن ابن عمر - رضى الله عنهما - ذكر له أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - وكان بدريًّا - مرض فى يوم جمعة، فركِب إليه بعد أن تعالى النهارُ واقتربت الجمعة، وترك الجمعة " 5/ 99، كما أخرجه عبد الرزاق فى المصنف من حديثه أيضاً بلفظ: " أن ابن عمر استصْرِخ على سعيد بن زيد يوم الجمعة بعدما ارتفع الضحى، فأتاه ابن عمر بالعقيق " 3/ 240، ومن حديث إسماعيل بن عبد الرحمن: " أن ابن عمر دعى إلى سعيد بن زيد وهو يموت، وابن عمر يستجمر قائماً للجمعة، فذهب إليه، وترك الجمعة " السابق.

(7) باب فى عيادة المرضى

(7) باب فى عيادة المرضى (¬1) 13 - (925) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنَ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ - يَعْنِى ابْنَ غَزِيَّةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْبَرَ الأَنْصَارِىُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَخَا الأَنْصَارِ، كَيْفَ أَخِى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ ". فَقَالَ: صَالِحٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ؟ ". فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ. وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ، مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلا خِفَافٌ وَلا قَلَانِسُ وَلَا قُمُصٌ، نَمْشِى فِى تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ، فَاسْتأخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ، حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(8) باب فى الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى

(8) باب فى الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى 14 - (626) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى ". 15 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَر، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِى عَلَى صَبِىٍّ لَهَا. فَقَالَ لَهَا: " اتَّقِى اللهَ وَاصْبِرِى ". فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِى بِمُصِيبَتِى. فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَخَذَهَا مِثْلُ المَوْتِ. فَأَتَتْ بَابَهُ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: " إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ "، أَوْ قَالَ: " عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث المرأة: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى ": يعنى الصبرَ الذى يَشُقَّ ويعظم تحمُّله ومجاهدة النفس عليه، ويقل صابِرة ويؤجر عليه الأجرَ الجزيل عند وقوع المصيبة وهجومها، وأما بعد الصدمة الأولى وبرد المصيبة وابتداء التسلى فكلُّ أحد يصبر حينئذ، ويقل جزعه، ولذلك قيل: يجب للعاقل أن يلتزم حين مصابه ما لابد للأحمق منه بعد ثلاث. ومن هذا المعنى النهىُ عن أن يُحدَّ على الميت أكثر من ثلاث إلا [على] (¬1) الزوج. وأصل الصدم الضرب فى الشىء الصلب، ثم استعير [ذلك] (¬2) للأمر المكروه يأتى فجأة وغِرَّة. وقولها: " لم أعْرِفك " فيه الاعتذار من سوء الأدب مع الفضلاء، وإن لم [يكن] (¬3) يقصد به، لقولها: " إليك عَنِّى "، على رواية البخارى (¬4)، وعند مسلم: " وما (¬5) تبالى بمصيبتى ". وقوله: " فلم تجد على بابه بوابين ": فيه ما كان - عليه السلام - من التواضع. قال بعضهم: حديث المرأة يدل أنَّ بكاءها كان بنوحٍ لقوله: " اتقى الله واصبرى "، وفى كتاب أبى داود: " قالت أنا أصبر " (¬6) امتثال لأمره لها بالصبر أول الحديث وتوبة لردها ¬

_ (¬1) و (¬2) من س. (¬3) ساقطة من س. (¬4) ك الجنائز، ب زيارة القبور. (¬5) فى س: ولا. (¬6) قلت: بل هى لأبى يعلى من رواية أبى هريرة - رضى الله عنه - وفيه: " فوثبت سرعة وهى تقول: أنا أصبر، أنا أصبر يا رسول الله " 10/ 453 (6067) قلت: وفيه أبو عبيدة الناجى - بكر بن الأسود - وهو ضعيف. انظر: المجمع 3/ 5، والمطالب 1/ 194، 195.

(...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. ح وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، بِقِصَّتِهِ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدَ الصَّمَدِ: مَرَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك عليه، إذ لم تعرفه؛ ولذلك قال: " وأخذها مثل الموت ": أى خوفًا من مؤاخذة الله لها لسوء ردها عليه لجهلها به، وحشمة منه لذلك، ولحلمه عنها وصبره على أذاها، وعذره لها إذ لم تعرفه، ولعلها لم تكن رأته قبل ذلك، أو لعظيم حزنها لم تظن أنه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كانت قبل تعرفه.

(9) باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه

(9) باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه 16 - (927) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ بِشْرٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: مَهْلاً يَا بُنَيَّةُ، أَلَمْ تَعْلَمِى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ". 17 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِى قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النِّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِى قَبْرِهِ بِمَا نيحَ عَلَيْهِ ". 18 - (...) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أُغْمِىَ عَلَيْهِ، فَصِيحَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ "؟ 19 - (...) حدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ الشَّيْبَانِىِّ، عَنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ، جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَا أَخَاهْ! فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ "؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الميت يعذب (¬1) ببكاء أهله عليه "، [وفى حديث آخر: " ببعض بكاء أهله "] (¬2)، وفى حديث آخر: " بما نيح عليه "، [وفى آخر: " ببكاء الحى "، وفى آخر: " من يبك عليه يعذب " وإنكار عائشة لذلك] (¬3). قال الإمام: قال بعضهم: الباء هنا - فى قوله: " ببكاء الحى عليه " - باء الحال، والتقدير: يعذب عند بكاء أهله عليه، أى يحضر عذابُه عند البكاء، وعلى هذا التأويل يكون قضيةً فى عين، وقيل: محمله على أن ¬

_ (¬1) فى ع: ليعذب، وهى من رواية أخرى. (¬2) و (¬3) سقط من ع.

20 - (...) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ أَبُو يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مِنْ مَنْزِلِهِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ، فَقَامَ بِحِيَالِهِ يَبْكِى. فَقَالَ عُمَرُ: عَلَامَ تَبْكِى؟ أَعَلَىَّ تَبْكِى؟ قَالَ: إِى؛ وَالله! لَعَلَيْكَ أَبْكِى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ يُعَذَّبُ ". قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، فَقَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: إِنَّمَا كَانَ أُولَئِكَ الْيَهُودَ. 21 - (...) وحدَّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، لَمَّا طُعِنَ، عَوَّلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ. فَقَالَ: يَا حَفْصَةُ، أَمَا سَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ؟ " وَعَوَّلَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ. فَقَال عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ، أَمَا عَلِمتَ: " أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الميت وصى بأن يبكى عليه فيعذب إن نُفِّذَتْ وصيته، ومن الإيصاء بهذا المعنى قول طرفة: إذا مت (¬1) فانعينى بما أنا أهله ... وشُقىّ علىَّ الجيبَ يا ابنة معبد وقيل: معنى " يعذب ببكاء أهله ": أى أن تلك الأفعال التى يعددها أهله بما يعدَّونها محاسِنَ يُعذَّبُ عليها من إيتام الولدان وإخراب العمران على غير وجه يجوز. وأما عائشة - رضى الله عنها - فإنها تأوَّلت ذلك على أنه كان فى يهوديةٍ، وأنه قال: " إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب فى قبرها "، وذكر عنها مسلمٌ - أيضاً - أنها لما أُخبرت بقول عبد الله بن عمر أنَّ الميت ليعذّب فى قبره ببكاء أهله، قالت: " وَهِلَ أَبو عبد الرحمن، إنما قال - عليه السلام -: إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وأن أهله ليبكون عليه الآن ". قالت: [وهو مثل قوله] (¬2): " إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام على القليب يوم بدر، وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال: " إنهم ليسمعون ما أقول "، وقد وهِل، إنما قال: " [إنَّهم] (¬3) ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حقٌّ ". قال القاضى: وقيل: معناه: إنه يتعذب بسماع بكاء أهله [وَيرقُ لهم] (¬4)، وقد جاء هذا مفسراً فى حديث قَيلة حين بكت عند ذكرها موت أبيها (¬5)، فزجرها النبى - عليه ¬

_ (¬1) لفظها فى المعلقة: فإن مت. ومعبدٌ أخوه. (¬2) الذى فى المطبوعة: وذاك مثل قوله. (¬3) ساقطة من س. (¬4) سقط من س. (¬5) فى س: ابنها.

22 - (928) حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جَنَازَةَ أُمِّ أَبَانٍ بِنْتِ عُثْمَانَ، وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدٌ، فَأُرَاهُ أَخْبَرَهُ بِمَكَانِ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلى جَنْبِى، فَكُنْتُ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَوْتٌ مِنَ الدَّارِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - كَأَنَّهُ يَعْرِضُ عَلَى عَمْرٍو أَنْ يَقُومَ فَيَنْهَاهُمْ -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ ". قَالَ: فَأَرْسَلَهَا عَبْدُ اللهِ مُرْسَلَةً. (927) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنَّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ نَازِلٍ فِى شَجَرَةٍ. فَقَالَ لِى: اذْهَبْ فَاعْلَمْ لِى مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ، فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِى أَنْ أَعْلَمَ لَكَ مَنْ ذَاكَ، وَإِنَّهُ صُهَيْبٌ. قَالَ: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا. فَقُلْتُ: إِنَّ مَعَهُ أَهْلَهُ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ - وَرُبَّمَا قَالَ أَيُّوبُ: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا - فَلَمَّا قَدِمْنَا لَمْ يَلْبَثْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أُصِيبَ، فَجَاءَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَا أَخَاهْ! وَا صَاحِبَاهْ! فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ تَعْلَمْ، أَوْ لَمْ تَسْمَعْ - قَالَ أَيُّوبُ: أَوْ قَالَ: أوَ لَمْ تَعْلَمْ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمَيِّت لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام - ثم قال: " إنَّ أحَدَكم إذا بكى استعبر له صويحبُه. فيا عباد الله، لا تعذبوا إخوانكم " (¬1)، وإلى هذا نحا الطبرى وغيره، وهو أولى ما يقال فيه لتفسير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الحديث ما أبهمه فى غيره، ويندفع به الاعتراض بقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬2)، وذهب داود وطائفة إلى اعتقاد ظاهر الحديث، وأنه إنما يُعذَّب بنو جهم [عليه] (¬3)؛ لأنه أهمل نهيهم عنه قبل موته، وتأديبهم بذلك فيُعذَّبُ بتفريطه فى ذلك، وترك ما أمره الله به من قوله: {قُوا أَنفُسَكُمْ ؤأَهْلِيكُمْ نَارًا} (¬4)، فيندفع عنه الاعتراض بالآية على هذا، لكن فى حقِّ من أهمل ذلك وجهله من يخلفه. وحمل العلماء هذا الباب كله أنه فى البكاء بالصوت والصراخ والنياحة لا فى بكاء العين. قال الإمام: اعتد بعض الناس بحديث القليب، فقال: إن الميت يسمع، وهذا غير صحيح عند أهل الأصول؛ لأن الحياة شرط فى السمع فلا يسمع غير حى، وحمل بعض ¬

_ (¬1) الطبقات الكبرى 1/ 320. ولفظه فيه من حديث طويل: " والذى نفس محمد بيده، إِنَّ أحُيدَكم ليبكى فيستعبرُ إليه صويحبه ... " الحديث. وهى قيلة بنت مخرمة، كانت تحت حبيب بن أزهر أخى بنى خباب. (¬2) الأنعام: 164، الإسراء: 15، فاطر: 18. (¬3) من س. (¬4) التحريم: 6.

قَالَ: فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَأَرْسَلَهَا مُرْسَلَةً، وَأَمَّا عُمَرُ فَقَالَ: بِبَعْضِ. (929) فَقُمْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ: فَحَدَّثْتُهَا بِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَتْ: لَا. وَاللهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ: " إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَحَدٍ "، وَلَكِنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا، وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، {وَلَا تَزِر وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1). قَالَ أَيُّوبُ: قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: حَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغِ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونِّى عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلَا مُكَذَّبِيْنِ، ولَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ. 23 - (928) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ ابْنِ عَفَّانَ بِمَكَّةَ. قَالَ: فَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا. قَالَ: فَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ: وَإِنِّى لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا. قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِى. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَهُوَ مُوَاجِهُهُ: أَلَا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ". (927) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ فَقَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس ذلك على أنهم أعيدت إليهم الحياة حتى سمعوا تقريعه - عليه السلام - لهم. وأما قولها: " وهل " قال الهروى: يقال: وهَل يِهِل إذا ذهب وهمه إلى الشىء، ومنه قول ابن عمر: وَهَل أنس، يريد غلَط، فأما وهلتُ من كذا أوهَلُ فمعناه: فزِعْتُ، ومنه الحديث: " فقمنا وهلين ": أى فزعين. قال القاضى: قال أبو عبيد فى المصنف: قال أبو زيد: وهِلتُ فى الشىء ووهلتُ عنه [أوهل] (¬2) وهلاً نسيتُ وغلِطت، ووهلتُ إلى الشىء [أهل وهلاً] (¬3) إذا ذهب وهمت إليه، وقال الهروى: وهل إلى الشىء يهل ووهِم يهِم (¬4)، وجاء [فى حديث فى] (¬5) رواية السمرقندى فى رواية على بن حجرٍ فى حديث ابن عمر، لما طعن عمر، زيادة بعد ابن عمر عن عمر، وهو خطأ بَيِّنٌ. قد جاء الكلام على سماع الموتى آخر الكتاب أيضاً. ¬

_ (¬1) فاطر: 18. (¬2) فى س: أيهلُ. والصواب ما أثبتناه. (¬3) سقط من س. (¬4) انظر: مشارق الأنوار 2/ 297. (¬5) من س.

فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ؟ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ. قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: ادْعُهُ لِى. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ. فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا أَنْ أُصِيبَ عُمَرُ، دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِى يَقُولُ: وَا أَخَاهْ! وَا صَاحِبَاهْ! فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ، أَتَبْكِى عَلَىَّ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ". (929) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ. فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ عُمَرَ، لا وَاللهِ، مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَحَدٍ "، وَلَكِنْ قَالَ: " إِنَّ اللهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ". قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1) قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: فَوَاللهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ شَىْءٍ. (...) وحدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ عَمْرٌو عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ: كُنَّا فى جَنَازَةِ أُمّ أَبَان بِنْتِ عُثْمَانَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَنُصَّ رَفْعَ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا نَصَّهُ أَيُّوبُ وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَحَدِيثُهُمَا أَتمُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو. 24 - (930) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبَ بِبُكَاءِ الْحَىِّ ". 25 - (931) وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَام وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ابن حجر: " فذكرت [ذلك] (¬2) لموسى بن طلحة ": قائل هذا هو عبد الملك بن عمير المذكور فى سند الحديث قبله. وقوله فى الحديث: " عَوَّلت عليه حفصة وعَوَّل عليه صهيب "، ويروى: " أَعْوَلَتْ وأَعَولَ "، وهو البُكاء بصوتٍ، وهما لغتان عند بعضهم، ولم يصحح أكثرهم إلا أعْوَلَ (¬3). قال الإمام: خرَّج مسلم: ثنا أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا وكيع عن سعيد بن عبيد ¬

_ (¬1) فاطر: 18. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: عوال.

عُمَرَ: الْمَيتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَحْفَظهُ، إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةُ يَهُودِىٍّ، وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: " أَنْتُمْ تَبْكُونَ. وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ ". 26 - (932) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ إِلَى النَّبىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِى قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ". فَقَالَتْ: وَهَلَ، إِنَّمَا قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ أَوْ بِذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبُكُونَ عَلَيْهِ الآنَ ". وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: " إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ "، وقَدْ وَهَلَ، إِنَّمَا قَالَ: " إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ "، ثُمَّ قَرَأَتْ: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (¬1) {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} (¬2) يَقُولُ: حِينَ تَبَوَّؤُا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ. وَحَدِيثُ أَبِى أُسَامَةَ أَتَمَّ. 27 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِك بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ، وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللهُ لأَبِى عَبْد الرَّحْمَنِ، أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِىَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا، فَقَالَ: " إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِى قَبْرِهَا ". 28 - (933) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّائِىِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطائى ومحمد بن قيس، عن على بن ربيعة قال: أول من نيح عليه بالكوفة [قرظة بن كعب] (¬3) قال بعضهم: وقع فى نسخة ابن الحذاء [فى إسناد هذا الحديث] (¬4) سعد بن ¬

_ (¬1) النمل: 80. (¬2) فاطر: 22. (¬3) من س. (¬4) من ع.

وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". (...) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ قَيْسٍ الأَسْدِىُّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسْدِىِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. (...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى الْفَزَارِىَّ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِىُّ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد، والصواب: " سعيد " بياء (¬1)، وسعيد بن عبيد هو أخو عقبة بن عبيد، يكنى أبا الهذيل، ويكنى عقبة أبا الرحال، براء مهملة وحاء مهملة مشددة. ¬

_ (¬1) فى المعلم: بكسر العين، وزيادة ياء.

(10) باب التشديد فى النياحة

(10) باب التشديد فى النياحة 29 - (934) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَال، حَدَّثَنَا أَبَانٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى؛ أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِى الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ ". وَقَالَ: " النَّائحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ منْ جَرَبَ ". 30 - (935) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِى عَمْرَةُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمَّا جَاء رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَس رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ. قَالَتْ: وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائرِ الْبَابِ - شقِّ الْبَابِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله " أربعٌ فى أمتى من أمر الجاهلية " وذكر فيها الاستسقاء بالنجوم، تقدم الكلام عليه أوَّل الكتاب. قال الإمام: قولها: " وأنا أنظر من صائر الباب " وهو شق الباب، والصواب صير الباب - بكسر الصاد، وفى حديث آخر: " من اطلع من صير باب فقد دمر " تفسيره فى الحديث أن الصير الشق، ودمَّرَ: دخل بغير إذن. قال القاضى: وقع فى كتاب مسلم والبخارى: " من صائر الباب - شق الباب " (¬1) مفسرًا فى الحديث وبكاء نساء جعفر، وتماديهن بعد النهى عليه، وكذلك غيرهن من نساء المؤمنين بعد ما جاء أن النبى - عليه السلام - قال: " فإذا وجب فلا تبكين باكيةٌ " (¬2) استدل به بعضهم أن النهى على طريق الندب والترغيب، أو يكون النهى عن البكاء الذى ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجنائز، ب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن 2/ 104. (¬2) أبو داود والنسائى ومالك فى الموطأ من حديث جابر بن عتيك؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غُلِبَ، فصاح به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " غُلبنا عليك يا أبا الربيع " فصاح نسوةٌ وبكين، فجعل ابن عتيك يُسكِّتهن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعهن ... " الحديث، قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: " الموت ". أبو داود، ك الجنائز، ب فى فضل من مات بالطاعون 1/ 167، وكذلك النسائى، ب النهى عن البكاء عن الميت 1/ 606، والموطأ، ك الجنائز كذلك 1/ 233.

فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ، وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ فَيَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ، فَأَتَاهُ فَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ، فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَذْهَبَ فَيَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ. ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَتْ: فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اذْهَبْ فَاحْثُ فِى أَفَوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ. وَاللهِ، مَا تَفْعَلُ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَنَاءِ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِر، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَحمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعِىِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الصراخ والنوح، ويدل أن هذا البكاء من نساء جعفر كان فيه ما يكره من الصراخ وما نهى عنه، بدليل نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عنه] (¬1). وقوله: " احث فى أفواههن التراب ": أى إن أمكنك ذلك لتملأ به أفواههن وتسكتهن، ولو كان مجرد البكاء بالعين لم يكن لملء الأفواه (¬2) بالتراب معنى، وليس أمره - عليه السلام - له بذلك ليفعله بهن على كل حال، ولكن على طريق التعجيز أنَّ هذا مما يسكتهن إن فعلته، فافعله إن أمكنك، وهو لا يمكنه. وفيه تكرار النهى عن المنكر مرات، وأنه إذا غلب فعله ولم ينته المنهى عنه أن يعاقب إن أمكن عقابه، وإن كان العقاب لا يمكن إلا بعَنَاءٍ (¬3) ومشقةٍ لم يلزم، وكانت الملاطفة فيه أولى، وقول عائشة حينئذ للمأمور: " أرغم الله أنفك، والله ما أنت بفاعل، وما تركت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العناء " (¬4): أى من المشقة والتعب بكثرة تكرارك عليه، إخباره عن حال (¬5) النساء وبكائهن إلى أن فهمت الحرج - والله أعلم - من قول النبى - عليه السلام - له: " احث فى أفواههن التراب، ولذلك قالت له: " والله ما تفعل ما أمرك به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تريد من ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: أفواههن. (¬3) فى س: بالتعب. (¬4) ولفظه فى المطبوعة: " أرغم الله أَنفكَ، والله ما تفعل ما أمرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما تركت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العناء ". (¬5) فى س: مجال.

31 - (936) حدّثنى أَبُو الرِّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْبَيْعَةِ أَلا نَنُوحَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا خَمْسٌ: أَمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِى سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، أَوِ ابْنَةُ أَبِى سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ. 32 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْبَيْعَةِ أَلَّا تَنُحْنَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا غَيْرُ خَمْسٍ، مِنْهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك: أى لا تقدر عليه، وإنك عاجز عنه، ألا تراها كيف قدمت لذلك قولها: " أرغم الله أنفَك "، ولم ترد الاعتراض على أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: " ما أنت بفاعل ": أى ما تقدر على منعهن من البكاء جملة، إذ منه المباح لهن الذى لا صوت فيه ولا منكر، والأول أظهر. ووقع فى رواية العذرى عندنا من طريق الأسدى فى حديث ابن أبى شيبة: الغىَّ - بالمعجمة وتشديد الياء - الذى هو ضد الرشد مكان العناء، وعند الطبرى مثله، إلا أنه بالمهملة ولا وجه لهذا اللفظ، والأول أليق بالمعنى وأصح، وكذلك رواه البخارى (¬1). وقول أم عطية: " أخذ علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى البيعة ألا ننوح ": دليل على تحريم ذلك وشدته، والمعنى فى ذلك لأنه (¬2) يستجلب الحزن، ويصد عن الصبر الذى أمر الله به وحض عليه نبيه. وقولها: " فما وفت منا امرأة إلا خمس ": دليل على أن من الناس من كان يعصى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حياته، وأن مثل هذا [وبكاء] (¬3) نساء جعفر وشبهه لا يستدل به على الرخصة فى النوح، ويدل على ما قلناه الحديث المتقدم: " أربع فى أمتى من أمر الجاهلية ". وسمَّت من الخمس فى كتاب مسلم: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبى سبرة امرأةُ معاذ، أو امرأة معاذ (¬4) فذكر ثلاثًا أو أربعًا، وقد عدهن فى كتاب البخارى (¬5) ¬

_ (¬1) ك الجنائز، ب من جلس عند المصيبة فيعرف فيه الحزن 2/ 104. (¬2) فى الأصل: أنه. (¬3) ساقطة من س. (¬4) قال فى الفتح: والذى يظهر لى أن الرواية بواو العطف أصح؛ لأن امرأة معاذ - وهو ابن جبل - هى أم عمرو بنت خلاد بن عمرو السلميَّة، ذكرها ابن سعد، فعلى هذا فابنة أبى سبرة غيرها. ووقع فى الدلائل لأبى موسى من طريق حفصة: " عن أم عطية. وأم معاذ " بدل قوله: " وامرأة معاذ " قال: ولعل بنت أبى سبرة يقال لها: امرأة معاذ. 3/ 211. (¬5) البخارى، ك الجنائز، ب ما ينهى من النوح والبكاء والزجر عن ذلك 2/ 106.

33 - (937) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ... وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوف} (¬1). قَالَتْ: كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا آلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: وابنة أبى سبرة امرأة معاذ [وامرأتان أو ابنة أبى سبرة وامرأة معاذ] (¬2) وامرأة أخرى. وقول أم عطية هذا عندى - والله أعلم - أنه لم يف ممن بايع معها على ذلك (¬3) فى الوقت الذى بايعت [فيه] (¬4)، لا أنه لم يترك النياحة أحد من المسلمات غير هؤلاء الخمس (¬5)، هذا ما لا يصح ولا يعرف من أخلاق الصحابيات - رضى الله عنهن. وقوله حين قالت أم عطية: [إلا آل فلان فإنهن (¬6) كانوا أسعدونى فى الجاهلية، فلابد أن أسعدهم، فقال] (¬7): " إلا آل فلان ": كذا جاء فى الأمهات، وفيه إشكال، وهو - والله أعلم - (¬8) مبتور، نقص منه [وليس فيه فقال النبى - عليه السلام -: " لا إسعاد فى الإسلام "، ذكر هذه الزيادة النسائى (¬9) فى حديث بمعناه] (¬10)، وليس فيه: " فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا آل فلان "، ولم يذكر فيه أم عطية فيكون (¬11) على هذا معنى قوله: " إلا آل فلان " مع إثبات تلك الزيادة على وجه تكرار كلامها والتقرير له والتوبيخ لا على الإباحة، ثم أجابها بأنه " لا إسعاد فى الإسلام "، وقد يكون على ظاهر اللفظ بالإباحة أن يكون قبل تحريم النياحة، وأن يكون حديث أم عطية هذا غير الحديث الآخر، ثم منع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإسعاد فى الحديث الآخر (¬12)، وقد ذهب القاضى أبو عبد الله من هذا الحديث، وظاهره أن النهى عن النياحة ليس بنهى عزم وفرض، إنما هو نهى حضٍّ وندب، واستدل بقصة نساء جعفر وسكوت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهن آخرًا، وبأحاديث كثيرة جاءت فى ذلك، ولم (¬13) يجعل فيها نسخًا، والناس على التشديد فى ذلك والله أعلم، قال: وإنما يحرم من ذلك ¬

_ (¬1) الممتحنة: 12. (¬2) سقط من س. (¬3) أى فى ترك النياحة. (¬4) ساقطة من س. (¬5) فى س: الخمسة. (¬6) فى الصحيحة المطبوعة: فإنهم. (¬7) سقط من س. (¬8) زيد بعدها فى الأصل: " أما الحديث " وبها يضطرب المعنى ويخفى المراد. (¬9) فى الجنائز، ب النياحة على الميت، عن أنس بلفظ: أخذ على النساء حين بايعهن: ألا تَنْحن، فقلن: يا رسول الله، إنَّ نساءً أسعدتنا فى الجاهلية أفنسْعِدُهن؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا إسعاد فى الإسلام " الصغرى 4/ 14، وفى الكبرى 1/ 608 (1979). وكذا أحمد فى مسنده 3/ 197، وابن حبان فى صحيحه كما فى الإحسان 7/ 415 عن أنس مطولاً. (¬10) سقط من س. (¬11) فى س فيكونوا. (¬12) يعنى حديث النسائى. (¬13) زيد قبلها فى س: إن.

فُلَانٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِى فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لِى مِنْ أن أُسْعِدَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلَّا آلَ فُلَانٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ما كان معه شىء من أفعال الجاهلية من شق الجيوب، وخمش الخدود، ودعواها التى كانت تضيفه من فعل (¬1) المصائب إلى الدهر. ¬

_ (¬1) فى س: فعال.

(11) باب نهى النساء عن اتباع الجنائز

(11) باب نهى النساء عن اتباع الجنائز 34 - (938) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّباَعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. 35 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمّ عَطِيَّةَ. قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا ": أى لم يوجب ولم يفرض أو لم يشدد. اختلف العلماء فى إباحة اتباع النساء الجنائز، فجمهورهم على منعه لظاهر النهى فى الحديث، واختاره (¬1) جماعةُ علماء المدينة ومالك يجيزه ويكرهه للشابة، وفى الأمر المستنكر (¬2). وقال ابن حبيب من أصحابنا بالقول الأول، وحجة من أجازه أنه لم يعزم عليهن فى ذلك. ¬

_ (¬1) فى الأصل: وأجازه، وهو خطأ، والمثبت من س. وقد قال ابن عبد البر فى تمهيده: ممكن أن يكون هذا قبل الإباحة، وتوقى ذلك للنساء المتجالات أحب إلىّ، فأما الشواب فلا أومن الفتنة عليهن وكلهن حيث ترضى، ثم قال: وما أظن سقوط فرض الجمعة عنهن إلا دليلاً على إمساكهن عن الخروج. فيما عداها، والله أعلم 3/ 233. (¬2) فى الأصل: المستكره.

(12) باب فى غسل الميت

(12) باب فى غسل الميت 36 - (939) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْر، وَاجْعَلْنَ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى ابنته: " اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك "، قال الإمام: اختلف فى غسل الميت، هل هو وأجب أم سنة؟ وسبب الخلاف: قوله - عليه السلام -: " إن رأيتن [ذلك] (¬1) " هل معناه: إن رأيتن الغسل، أو إن رأيتن الزيادة فى العدد؟ وهذا أو أشباهه مما اختلف فيه أهل الأصول، وذلك أنهم مختلفون فى التقييد (¬2) والاستثناء والشروط إذا (¬3) تُعُقِّبت الجمل، هل يرجع إلى جميعها إلا ما أخرجه الدليل أو إلى أقربها؟ وأما اعتبار الوتر فى الغسل فإنه فى الثلاث معتبر. وفيما زاد عليه معتبر عندنا وعند الشافعى، وغير معتبر عند أبى حنيفة بعد الثلاث. قال القاضى: ليس عند مالك - رحمه الله - وبعض أصحابه فى غسل الميت حَدٌّ لازم يقتصر عليه، لكنه ينقى ولا يقتصر [مع] (¬4) الإنقاء على دون الثلاث، فإن زاد على ثلاث استُحِبَّ الوترُ، وليس لذلك عنده حدٌّ وإلى هذا يرجع قول الشافعى وغيره (¬5) من العلماء، وكذا إذا احتاج الغاسل إلى ذلك أو خرج من الميت شىء بعد غسله أعاد الغسل، وحجتهم الحديث بقوله: " إن رأيتن [ذلك] (¬6) "، وصرف الأمر إلى اجتهاد الغاسل بحسب ما يحتاج إليه من زيادة الإنقاء، وقد جاء (¬7) فى بعض روايات هذا الحديث: " أو سبعًا "، وإلى هذا نحا أحمد وإسحاق ألا يزاد على سبع وإن خرج منه شىء بعد السبع غُسل الموضع وحده، وقاله الثورى والمزنى وجماعة من المالكية، قالوا: وحكمه حكم الجنب إذا أحدث بعد الغسل (¬8)، ومنهم من قال: يوضأ إذا خرج منه شىء ¬

_ (¬1) ليست فى ع. (¬2) فى س: التغيير، والمثبت من الأصل، ع. (¬3) فى المطبوعة من المعلم: إذ. (¬4) جاءت عند الأبى: بعد، وهو وهْمٌ. (¬5) قال الشافعى - رحمه الله -: وأَقلُّ غُسْلِ الميِّت فيما أحب ثلاثًا، فإن لم يبلُغ الإنقاء فخمسًا. الحاوى 3/ 10. (¬6) ساقطة من س. (¬7) فى س: قال. (¬8) قال أبو عمر: وتحصيل مذهب مالك أنَّه إذا جاء منه حدثٌ بعد كمال غسلِه أعيد وضوؤه للصلاة ولم يعدْ غسله. الاستذكار 8/ 192، وفى مذهب الشافعى فى هذا يراجع الحاوى 3/ 12.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد الثالثة (¬1)، وذهب بعضهم إلى أنه لا حَدَّ فيه أولاً ولا آخرًا وأنه يجزئ فيه ما يجزئ الغسل من الجنابة، ونحوه قول عطاء: الواحدة السابغة (¬2) فى ذلك يجزئ. وقوله: " بماء وسدر " يحتج به ابن شعبان ومن يجيز غسله بماء الورد والماء المضاف، وقد تأوله بعض شيوخنا على قول مالك: يغسل بماء وسدر، ومالك وغيره - ممن قال بذلك - إنما اتبع لفظ الحديث، ولم يذهبوا إلى ما ذهب إليه هذا، وهو قول كافة العلماء: أن يُغَسَّلَ الميتُ بماءٍ وسدر. ولا يجيزوا غسله بغير الماء المطلق، وحجتهم تخصيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الماء وهو قول كافة العلماء، أنْ يُغَسَّلَ الميتُ بماء وسدر، وليس معنى قولهم: بماء وسدر، أن تلقى ورقات السدر فى الماء عند كافتهم، بل أنكروه ونسبوا فعله إلى العامة. وقد ذكر الداودى نحواً منه، قال: يسحق (¬3) [السدر] (¬4) ويلقى فى الماء، ولكنه عند جمهورهم على أن يغسل أولاً بالماء القراح (¬5) فيتم (¬6) الطهارة، ثم بالثانية بالماء والسدر للتنظيف، ثم بالثالثة بالماء والكافور للتطييب، والتجفيف، وهذا حقيقة مذهب مالك - وحكاه ابن حبيب، وقال: بل نبدأ (¬7) بالماء والسدر ليقع التنظيفُ أولاً، ثم بالماء القُراح ثانيًا، وقال أبو قلابة (¬8) مثله، لكنه قال: ويحسب هذا (¬9) غسلة واحدة، وهذا (¬10) جار على قياسات الطهارة، وذهب أحمد (¬11) إلى أن الغسلات كلها تكون بالسدر على ظاهر الحديث، وفى حديث آخر: " كلهن بالماء والسدر " (¬12). ¬

_ (¬1) ولا يعاد غسله لأن حكمه حكم الجنب إذا اغتسل وأحدث بعد الغسل استنجى بالأحجار أو بالماء، ثم توضأ، فكذلك الميت. قال: وقال ابن القاسم: إن وضئ فحسن وإنما هو الغسل. التمهيد 1/ 374. (¬2) قيَّدها الأبى فى إكماله: السابقة. وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عطاء، قال: يُغَسلُ الميتُ ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا بماءٍ وسدرٍ والواحدة السابغةُ تجزئُ. المصنف 3: 397. (¬3) فى س: إسحاق. (¬4) غير مثبتة فى س. (¬5) قريحة الشىء: طبيعته التى جبل عليها، وقريحة الشباب: أوله، والقريحة والقرح أول ما يخرج من البئر حين تحفر، وقيل: السحاب أول ما ينشأ. انظر: اللسان. (¬6) فى س: فتنم. (¬7) فى س: يبدأ (¬8) ذكره ابن أبى شيبة فى مصنفه عن ابن عون عن أيوب السختيانى قال: كان أبو قلابة إذا غسَّل الميِّت أَمَرَ بالسدر فصُفِّىَ فى ثوبٍ فغسل صفوه ورمى بثقله. 3/ 243. وأبو قلابة هو عبد الله بن زيد بن عمرو بن نائل بن مالك، الإمام، شيخ الإسلام، حدَّث عن ثابت بن الضَّحَّاك فى الكتب كُلِّها، وعن أنس كذلك، وعن عبد الله بن عباس، وسمرة بن جندب، وأبى هريرة، والنعمان بن بشير وغيرهم من الصحابة الأجلة. مات بعريش مصر سنة 104 هـ. سير 4/ 474. (¬9) فى س: كله. (¬10) فى س: وهو. (¬11) قال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: تذهب إلى السدر فى الغسلات كلها؟ قال: نعم، السدر فيها كلها. التمهيد 1/ 375. (¬12) أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف عن إبراهيم. 3/ 242.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يكون معنى قولهم: " غسلة بالماء والسدر " ليس بأن يلقى فيه السدر كما قالوا، ولكنه يخضخض السدر بالماء حتى يخرج رغوته بالغسل (¬1)، ثم نغسل به الميت ويصب الماء من فوق ذلك للتطهير، ولعل هذا مراد الداودى كسائر غسل ما يزال من النجاسات والأقذار اللَّزجة بالغاسول، فلا يكون غسلاً بمضاقٍ، وغير السدر يقوم مقامه عند عدمه من سائر الغاسولات عند كافة العلماء (¬2)، وروى عن عائشة فى غسل رأس الميت بالخطمى (¬3) نهى، وغسل الميت عندنا ليس لنجاسة (¬4) إلا أن تكون به ظاهرة فتزال، وإنما هو عبادة (¬5)، وقيل: نظافة، ولو كان لنجاسة لما زاده الغسل إلا نجاسة إذ الذات النجسة لا يطهرها الماء، على القول بنجاسة الأدمى إذا مات، فكيف والصحيح طهارة المؤمن حيًا وميتًا؟ وقد قال - عليه السلام -: " المؤمن لا ينجس " (¬6) وسنذكر هذا بعد. وقوله: " واجعلن فى الآخرة كافورًا ": لشدة تبريده وتجفيف جسد الميت، وحياطته عن سرعة التغير والفساد، ولتطيب رائحته للمصلين عليه، ومن يحضره من الملائكة، وعلى استعمال هذا جماعة العلماء إلا أبا حنيفة وأصحابه. وروى عن النخعى إنما ذلك فى ¬

_ (¬1) فى الأصل: للغسل. (¬2) قال الحسن فى الميت: اغسله بسدر، فإن لم يوجد سدر فخطمى، فإن لم يكن خطمى فبأشنان، وقال سعيد بن جبير: إذا لم يكن سدر فخطمى. مصنف ابن أبى شيبة 3/ 344، وكذا روى أيضاً عبد الرزاق فى مصنفه عن أبى قلابة قال: " إذا طالَ ضنى الميتَ غُسِّل بالأشنان إن شاؤوا " 3/ 399 والضنى: المرض والهزال وسوء الحال. (¬3) أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه عن الأسود قال: قلت لعائشة: يُغسل رأس الميت بخطمى؟ فقالت: لا تعتنتوا ميِّتكم. 3/ 344. والخطمى: هو ضرب من النبات. يغسل به. وفى الصحاح: يغسل به الرأس. قال الأزهرى: هو بفتح الخاء، وعن قال بالكسر قد لحن. لسان العرب. (¬4) فى س: بنجاسة. قال ابن عبد البر فى الاستذكار: والقول عندى فى غسل الميت أنه تطهيرُ عبادة لا لإزالة نجاسة 8/ 192. (¬5) قال أبو عمر: تطهير الميت تطهير عبادة لا لإزالة نجاسة، وإنما هو كالجنب، وغسله كغسل الجنب سواء. التمهيد 1/ 376. وقد روى البخارى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: المسلم لا ينجس حيًا ولا ميتًا. وقال سعد: لو كان نجسًا ما مسسته، وقال: وحنط ابن عمر - رضى الله عنهما - ابنًا لسعيد بن زيد وحمله، وصلى ولم يتوضأ. صحيح البخارى 2/ 93. وقال ابن حجر: والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدى. الفتح 3/ 151. (¬6) سبق فى ك الحيض، ب الدليل على أن المسلم لا ينجس، من حديث أبى هريرة بلفظ: " سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس ". وكذا أخرجه البخارى، ك الغسل، ب الجنب لا يخرج ويمشى فى الأسواق 1/ 79، ك الجنائز، ب غسل الميت ووضوئه بالسدر 2/ 93، النسائى، ك الغسل، ب مماسة الجنب ومجالسته 1/ 119، ابن ماجه، ك الطهارة، ب مصافحة الجنب 1/ 178، أحمد فى المسند 2/ 235، 382، 471، وجاء بلفظ: " إن المسلم لا ينجس ".

الآخِرِة كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافورٍ. فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِى "، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ. فَقَالَ: " أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ ". 37 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: مَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحنوط (¬1) لا فى الغسل ويمكن أن يتأول من قال هذا فى الآخرة، أى بعد تمامها. والظاهر خلافه، والله أعلم. وفائدة تخصيص الكافور لتبريده وإمساكه، ومنعه سرعة التغيير، ولقوة رائحته وسطوعها، وغلبتها على غيرها، وإذا عدم قام غيره من الطيب مقامه. وقوله: " فألقى إلينا حِقْوه، فقال: أَشْعرنها إياه "، قال الإمام: الحِقْو: الإزار هاهنا، والأصل فى الحقو معقد الإزار، وجمعه أحْقٍ وأحقاء وحُقى، ثم يقال للإزار: حِقْوٌ؛ لأنه شُدَّ على الحقو، كقول العرب: عُذت بحقو فلان، أى استجرتُ به واعتصمت، ومعنى " أشْعِرْنها إياه ": أى اجعلنه شعارها الذى يلى جسدها، سُمى شعارًا لأنه يلى شعر الجسد، ومنه الحديث: " أنتم الشعار دون الدثار " (¬2) أى أنتم الخاصة والبطانة. قال القاضى: هذيل تقول: حِقو، بكسر الحاء، وغيرهم يقوله بالفتح (¬3). ومعنى قول من فسره بالإزار أى المئزر، واختلف فى صفة إشعارها إياه، فقيل: يجعل لها مئزراً، وهو قول ابن وهب، وقيل: لا تؤزر ولكن تُلف فيه، هو قول ابن القاسم وجماعة، من العلماء. قال ابن سيرين: المرأة تشعر ولا تؤزر، قال ابن جريج: " أشعرنها " الففنها [فيه] (¬4)، وقال النخعى: الحقْوُ فوق الدِّرع، وقال ابْنُ علية: الحقوُ النطاق، سبنيَّة (¬5) طويلة يجمع به فخذاها تحصينًا لها، ثم تلف على عجزها. وفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بها، لتنالها بركة ثوبه، وفيه جواز تكفين النساء فى ثياب الرجال. قال القاضى: وقولها: " فمشَّطناها (¬6) ثلاثة قرون ": فيه مشط رأس الميت، ¬

_ (¬1) الحنوط: طيبٌ يخلط للميت خاصة. (¬2) معنى حديث سيأتى إن شاء الله فى الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه. وقد أخرجه ابن ماجه فى المقدمة، ب فضل الأنصار 1/ 58، ولفظه: " الأنصار شعار، والناس دثار ". (¬3) وجمعُه حُقىً، وأحقاءُ، وأحقٍ. حكاه ابن عبد البر فى الاستذكار 8/ 195. (¬4) من المشارق. (¬5) السبنيَّةُ: ضربٌ من الثياب تتّخذ من شاقة الكتان، أغلظ ما يكون، وقيل: منسوبة إلى موضع بناحية المغرب يقال له: سبنٌ. لسان العرب، وانظر: التمهيد 1/ 379. (¬6) الذى فى المطبوعة: مشطناها.

38 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، كُلُّهُمْ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَتْ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ. وَفِى حَدِيثِ مَالِك قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. 39 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، بِنَحْوِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " ثَلَاثًا أَوْ خمْسًا أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِك ". فَقَالَتْ حَفْصَةُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: وَجَعَلْنَا رَأسَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، وَأَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، قَالَ: وَقَالَتْ حَفْصَةُ: عَنْ أَمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتِ: اغْسِلْنَهَا وِتْرًا، ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا. قَالَ: وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: مَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرونٍ. 40 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالَتْ: لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْسِلْنَهَا وِتْرًا، ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا، وَاجْعَلْنَ فِى الْخَامِسَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا غَسَلْتُنَّهَا فَأَعْلِمْنَنِى ". قَالَتْ: فَأَعْلَمْنَاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ وَقَالَ: " أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وظفره، وبهذا قال الشافعى، وأحمد، وإسحاق، وابن حبيب، على ما جاء فى الحديث: " ومشطناها ثلاثة قرون، قرنيها، وناصيتها " (¬1)، وفى غير مسلم: " مقدم رأسها، وقرنيها وألقيناها خلفها " (¬2)، وقال الأوزاعى: لا يجب المشط، ولم يعرف ابن القاسم الضفر، وقال: تُلفُّ. وذهب الكوفيون والأوزاعى إلى تفريقه وإرساله من الجانبين، بين ثدييها ودون تسريح، ومن حجتهم أنه ليس فى الحديث معرفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفعل أم عطية فيجعل سنة وحجة. ¬

_ (¬1) جمع القاضى هنا بين طريقين، طريق يحيى بن أيوب وطريق عمرو الناقد. (¬2) أخرجه أبو داود، ك الجنائز، ب كيف غسل الميت عن أم عطية بلفظ: " وضفرنا رأسها ثلاثة قرون، ثم ألقيناها خلفها مقدم رأسها وقرنيها ".

41 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْت سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالَتْ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ إِحْدَى بَنَاتِهِ، فَقَالَ: " اغْسِلْنَهَا وِتْرًا، خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ منْ ذَلِك " بِنَحْوِ حَدِيثِ أَيُّوبَ وَعَاصِمٍ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: قَالَتْ: فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ، قَرْنَيْهَا وَنَاصِيَتَهَا. 42 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْسِلَ ابْنَتَهُ قَالَ لَهَا: " ابْدَأنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " [لما ماتت زينب] (¬1) "، هو أكبر المروى، وذكر بعض أهل السير أنها أم كلثوم (¬2). وقوله: " ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء "، قال الإمام: و [أما] (¬3) وضوء الميت [فمستحب] (¬4) عندنا وعند الشافعى، وأبو حنيفة لا يراه مستحبًا. قال القاضى: واختلف متى يوضأ عندنا؟ هل فى المرة الأولى (¬5)؟ أو فى الثانية؟ أو فيهما؟ أو فى الثالثة؟ وأمرُه بالبداية بالميامين على أصل الشريعة من البداية بها فى الطهارة والعبادات تيمناً بلفظ اليمن، وتفاؤلاً ليكون من أصحاب اليمين استدلَّ بعضهم بهذا الحديث أنَّ النساءَ أحقُّ بغسل المرأة من الزوج وهو مذهب الحسن، وأنه لا يغسلها إلا عند عدمهن، والجمهور من الفقهاء وأئمة الفتوى على خلافه، وأنه أحق. وذهب الشعبى والثورى وأصحاب الرأى إلى أنه لا يغسلها جملة، وأجمعوا على غسل الزوجة زوجها، وجمهورهم على أنه أحق به من الأولياء. وقال سحنون: الأولياء أحق، ولم يذكر فى هذا الحديث أمره بالغسل لمن غَسَّلها، وهو موضع تعليم، وقد جاء فى الأمر بذلك حديث من طريق أبى هريرة، وحمله الفقهاء على الاستحباب لا على الوجوب. واختلف الصحابة فى الأخذ به، ومعنى ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) قال ابن حجر: والمشهور أنها زينب زوج أبى العاص بن الربيع والدة أمامة التى تقدم ذكرها فى الصلاة، وهى أكبر بنات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت وفاتها فيما حكاه الطبرى فى الذيل، فى أول سنة ثمان، وقد وردت مسماة فى هذا المسند - مسلم - من طريق عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية، قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أغسلنها " فذكر الحديث الفتح 3/ 153. (¬3) من ع. (¬4) ساقطة من س. (¬5) فقد أخرج ابن عبد البر بإسناده إلى إبراهيم قال فى غسل الميت: الأولى بماء قراح يوضيه وضوءَ الصلاة، والثانية بماء وسدر، والثالثة بماء قراح، ويتبع مساجده بالطيب. التمهيد 1/ 375.

43 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُنَّ فِى غَسْلِ ابْنَتِهِ: " ابْدَأنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الغسل، والحكمة فيه لمن قال به، إما ليكون على يقين من طهارة جسده مخافة ما يصيبه من رش غسل الميت ويتطاير عليه من ذلك، أو لأنه إذا عزم على الاغتسال كان أبلغ فى غسله، وأحرى ألا يتحفظ مما يصيبه فيجيدُ إنقاءه وتنظيفه. واختلف قول مالك فى ذلك، فروى المدنيون عنه سقوط الغسل، وإن اغتسل فحسن (¬1)، ونحوه قول الشافعى وأبى حنيفة وأحمد، وروى غيرهم عنه الغسل، قال الخطابى: لا أعلم أحداً قال بوجوب ذلك (¬2). وقال إسحاق: أما الوضوء فلابد منه، ونحوه قول أحمد بن حنبل، ومذهب كافة العلماءأنه لايجب عليه وضوء منه. ¬

_ (¬1) قاله الخطابى فى معالم السنن 4/ 305. (¬2) فى س: الغسل.

(13) باب فى كفن الميت

(13) باب فى كفن الميت 44 - (940) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَبِيلِ اللهِ، نَبْتَغِى وَجْهَ اللهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأكُلْ منْ أَجْرِه شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَىءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةٌ فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأسِهِ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رأسُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضَعُوهَا مِمَّا يَلِى رَأسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ "، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدُبُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فوجب أجرنا على الله "، قال الإمام: معناه وجوب شرع لا عقل، كما تقول المعتزلة، وهذا [نحو] (¬1) ما قلنا فى معنى قوله - عليه السلام -: " حق العباد على الله " (¬2). وقول خباب: " وَمِنَّا من أَيْنَعَتْ له ثمرته فهو يَهْدُبُها ": يقال: ينع الثمر وأينع إذا أدرك، فهو يانع ومونع، قال ابن الأنبارى: اليانع: المدرك البالغ، قال الفرَّاء: أينع أكثر من ينع، وقول الله تعالى: {وَيَنْعِه} (¬3)، الينع: النضج، قال أبو بكر: الينعَ جمع اليانع، و " يهدِبُهَا ": أى يجتنيها ويقطفها، يقال منه: هدَبها يهدِبها ويهدُبُها هدباً. قال القاضى: الهدب: ضربٌ من الحلب (¬4)، والنَّمَرِةُ: ضربٌ من الأكسية مُعَلَّمةٌ، قد ذكرناه. وقوله: " [فمنا مَنْ لم يأكل من أجره شيئاً] (¬5) " يعنى لم يكتسب من الدنيا شيئًا، ولا اقتناه فانتقل عن حال الفقر والحاجة، وبقى أجره مُوَفَّرًا لذلك، كما قال فى كتاب البخارى فى هذا الحديث: " لقد خشيت أن تكون عُجِّلَتْ لنا طيباتنا فى حياتنا الدنيا " (¬6)، فتلك السعة التى وُسِّعت على بعضهم نقص من أجره على الصبر على الفقر، فجعل [ما ¬

_ (¬1) ساقطة من المعلم. (¬2) سبق فى كتاب الإيمان، ب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا. (¬3) الأنعام: 99. (¬4) وهدب الناقة: حلبها. مشارق 2/ 266. (¬5) فى المطبوعة: فمنَّا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً. (¬6) ك الجنائز، ب الكفن من جميع المال، ب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد 2/ 97، 98 من حديث عبد الرحمن بن عوف.

(...) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 45 - (941) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ثَلَاثَةِ أَثْوَابِ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا، أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ ليُكَفَّنَ فِيهَا. فَتُرِكَتِ الْحُلَّةُ. وَكُفِّنَ فى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ. فَأخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى بَكْر، فَقَالَ: لأَحْبِسَنَّهَا حَتَّى أُكَفِّنَ فِيهَا نَفْسِى. ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا، فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أصاب من الدنيا وأكل من غضَارَتها، كأنه أكلٌ لما كان يناله من أجر على الفقر] (¬1)، والحاجة لو لم يصبها، ومن لم يُصب من الدنيا ولم يأكل من فتحها شيئاً، بقى أجرُه موفراً، لم يأكل عِوضًا عنه، وفيه فضل الصبر على الفقر، وقد يستدل بهذا الحديث [منْ يُفضله على الغنى، واحتج بعضهم من هذا الحديث أن الكفن من رأس المال، لقوله: " لم يوجَد له إلا نَمِرة "، وهو قول عامة العلماء والسلف وأئمة الفتوى، إلا ما حكى عن طاوس أنه من الثلث، إن كان المال قليلاً (¬2)، ولبعض السلف أنه من الثلث على الإطلاق (¬3)، ولم يتابعا على هاتين المقالتين. وفيه أنَّ الكفن إذا ضاق عن الميت، ولم يستر جميعه فتغطية رأس الميت أولى من رجليه؛ لأجل تغيُّر محاسن الوجه بالموت، وإكراماً للوجه والرأس، وإن ضاق عن العورة والوجه غطيت العورة، وما أمكن من أعلاه، لوجوب سَترها فى الحياة. وقوله: " كُفِّنَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ثلاثة أثواب ": تكفين الميت عند العلماء واجبُ من غير خلاف، من رأس ماله، على ما تقدم، فإن لم يكن له مال فعلى بيت المال أو جماعة ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) وجاء عنه - أيضاً - أنه من جميع المال. راجع: المصنف لعبد الرزاق 3/ 436. (¬3) قال أبو عمر فيه: وليس بشىء؛ لأن مُصعب بنَ عُمير لم يترك إلا نَمرة قصيرة، كفَّنه فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يلتفت إلى غريمٍ ولا وارِثٍ. الاستذكار 8/ 216.

46 - (...) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْر السَّعْدِىُّ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ ابْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُدْرِجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حُلَّةٍ يَمَنِيَّةٍ كَانَتْ لَعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين (¬1). واختلف أصحابنا، هل يلزم ذلك من كان تلزمه نفقته فى حياته أم لا؟ وقوله: " فى ثلاثة أثواب ": المستحب فى الكفن الوتر، وثلاثة أثواب لا ينقص منهن مع الاختيار المستحب فى الكفن عند مالك وكافة الفقهاء، وكلهم مجمعون أنه ليس فيه حدٌّ واجب لا يتعدى، وذكر بعض شيوخنا أنَّ المستحبَّ عند مالك خمسة أثواب بالقميص والعمامة (¬2)، وقال سويد بن غفلة (¬3) يكفن فى ثوبين، [وقال مالك] (¬4): لا يبعد لمن لم يجد غيرهما، وهو معنى قول الأوزاعى وأبى حنيفة، وقال ثوبان: هما أدنى ما يُكَفَّنَ فيه الرجل، وهما أفضل عند أصحابنا، وعلى مساق مذهبنا من ثوب، وأجاز الشافعى الثوب الواحد، وجمهورهم على أن السنة للمرأة خمسة أثواب، وأدناها ثلاثة (¬5)، وقد اختلف فيها قول الشافعى، فقال هذا مرة، وقال مرة: يجزئ ثوب واحد. وقوله: " بيض ": [بيض] (¬6) الأكفان أفضل من غيرها وأولى، وكره مالك والأوزاعى الثيابَ المصبغة فى الكفن إلا العَصْبَ، وكذلك عند مالك ما صبُغ بالطيب كالورس، والزعفران (¬7)، واختلف قوله فى المعصفر، فأجازه مَرَّةً لكونه من الطيب، لاسيما مع طراءته، أو لغلبة لباس العرب لها، ومنعه مرةً لكونه غيرَ محسوب من الطيب، ولأنها من ملابس الجمال، والزينة، وليس موضعه. ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر - فى قول عيسى بن دينار: أن الكفن من رأس المال -: يُجبرُ الغرماء والورثة على ثلاثة أثواب من رأس مال الميت تكون وسطاً. قول عيسى فى هذا الباب كله حسن. السابق 8/ 216. (¬2) فقد أخرج عبد الرزاق فى المصنف أن ابن عمر كان يُعمِّمُ الميِّت. المصنف 3/ 425، وله: أن ابن عمر كفَّن ابنه واقد فى خمسة أثوابٍ، قميص وثلاثة لفائِف وعِمامةٍ. قال ابن عبد البر: زعم أَصحاب ابن عُليَّة أن العِمامَة عندهم فى كفن الميتِ معروفة بالمدينة، وكذلك الخمارُ للمرأة. الاستذكار 8/ 211. (¬3) ابن عوسجة بن عامر، الإمام القدوة، أبو أمية الجعفى، الكوفى، قيل: له صحبة، قال الذهبى: ولم يصح، بل أسلم فى حياة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمع كتابه إليهم، وشهد اليرموك، وحدَّث عن أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وأبى بن كعب، وبلال، وأبى ذر، وابن مسعود، وطائفة، وعنه الشعبى، والنخعى، وسلمة بن كهيل، وجماعة. قيل: إنه من أقران رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى السن. سير 4/ 69. (¬4) سقط من س. (¬5) راجع الاستذكار 8/ 210. (¬6) ساقطة من الأصل. (¬7) وذلك لما أخرجه فى الموطأ عن يحيى بن سعيد فيما بلغه عن أبى بكر قال: " خذوا هذا الثوب - لثوب عليه - قد أصابه مِشقٌ أو زعفران - فاغسلُوهُ ثم كفنونى فيه مع ثوبين آخرين "، وقد أخرجه البخارى بنحوه فى الجنائز، ب موت يوم الاثنين 2/ 171.

اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ. ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ، وَكُفِّنَ فِى ثَلَاثَة أَثْوَاب سُحُولٍ يَمَانِيَةٍ، لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ وَلَا قَمِيصٌ. فَرَفَعَ عَبْدُ اللهِ الْحُلَّةَ فَقَالَ: أُكَفَّنُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يُكَفَّنْ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُكَفَّنُ فِيهَا! فَتَصَدَّقَ بِهَا. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ إِدْرِيسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سَحوليَّة "، قال الإمام: قال ابن الأعرابى: معناه: بيض نقية. من القطن خاصة، قال الإمام: وكذلك [جاء] (¬1) فى الحديث: [" سُحوليةٍ من كرسُفةٍ]، وقال القتبى: سحولية جمع سحل، وهو ثوب أبيض، ولم يفرق بين الكرسف، وغيره، وقال] (¬2): سحولية منسوبة إلى سحول، قرية باليمين (¬3). قال القاضى: قد جاء فى كتاب مسلم فى الحديث الآخر: " ثلاثة أثواب سَحُولية يمانية ": كذا عند العذرى هنا، وابن ماهان، وعند السمرقندى والشنتجالى: " فى ثلاثة أثواب سُحول "، هكذا مهمل اللفظ، فيحتمل أن يكون بضم السين، ويكون بدلاً من أثواب إذا قلنا: إنها ثياب قطن بيض تسمى بذلك، وسَحُول على هذا جمع سَحْل، ويجمع - أيضاً - سُحْل بالضم، ويكون - أيضاً - وصفًا إذا قلنا: إن معناها بيض، لكن قد اعترض على تفسيرها " بيض "؛ لقوله قبلُ: " بيض "، فلا وجه لتكرار وصفها بالبياض، كما أنه يُعترض على تفسيرها بأنها ثيابُ قطن معلومة من كرسفٍ، وهو القطن، ولكن (¬4) الاعتراض على هذين الفصلين قد يجاب عنه بأنه لا ينكر تكرار المعنى الواحد بلفظين مختلفين فى كلام العرب للتأكيد كما قال تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (¬5)، وقد قال ابن وهب: السَّحول: قطن ليس بالجَيِّد (¬6)، وقد كره مالك وعامة العلماء تكفين ¬

_ (¬1) ساقطة من المعلم. (¬2) سقط من س. (¬3) وقال ياقوت: هى قبيلة من اليمن، وهو السحول بن سوادة بن عمرو بن سعد بن عوف، وينتهى إلى الهميسع بن حمير بن سبأ، قرية من قرى اليمن، يحمل منها ثياب قطن بيض. قال طرفة بن العبد: وبالسفح آياتٌ كأنَّ رسومها ... يمانٍ وشَتْه رَيْدَةٌ وسُحول ريدة وسحول: قريتان، أراد وشته أهل ريدةٍ وسحول. معجم البلدان 3/ 195. (¬4) فى س: وكان. (¬5) فاطر: 27. وقد قال عكرمة: الغرابيب: الجبال الطوال السود، قال ابن كثير: وكذا قال أبو مالك، وعطاء الخراسانى وقتادة. وقال ابن جرير: والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد قالوا: أسود غربيب. تفسير القرآن العظيم 6/ 530، تفسير الطبرى 22/ 86. (¬6) وقال الليث: السَّحيلُ والجمع السُحُل ثوبٌ لا يُبَرَمُ غزله، أى لا يفتل طاقتين، يقال: سحلوه: أى لم يفتلوا سُدَاه. معجم البلدان.

وَعَبْدَةُ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمْ قِصَّةُ عبدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ. 47 - (...) وحدَّثنى ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموتى ذكرانًا وإناثًا فى الحرير (¬1)، قال ابن المنذر: ولا أحفظ خلافه. قال القاضى: وأجازه ابن حبيبٍ للإناث، وعن مالك أنه إن وقع ذلك، وفُعِل فى الرجال والنساء فواسِعٌ مع كراهيتها له. وقولها: " ليس فيها قميص، ولا عمامة "، قال الإمام: استحب الشافعى ألا يكون فى الكفن قميص ولا عمامة، فحمل الشافعى قولها: " ليس [فيها] (¬2) قميص ولا عمامة " على أن ذلك ليس فى الكفن بموجودٍ ويحمله مالك على أنه ليس بمعدود، بل يحتمل أن تكون الثلاثة الأثواب زيادةٌ على القميص والعمامة، ويرجح الشافعى تأويله بقول الراوى وأما الحلة (¬3) فإنما شُبِّه على الناس فيها [بأنها] (¬4) اشتريت له ليُكَفَّنَ فيها فتُرِكَت الحُلَّة، وكُفِّن فى سواها (¬5)، ويحتج أيضاً من جهة القياس بأنها لُبسة (¬6) فى حالةٍ المقصود فيها التقرب، والخضوع، فشابهت لُبسةَ المُحرِم [الذى لم يُشرع فيها قميصٌ ولا عمامة، واحتج] (¬7) أصحابنا بإعطائه - عليه السلام - القميص [لعبد الله] (¬8) بن أبى ابن سلول، وانفصلوا عن هذا الحديث بأنه (¬9) [قد] (¬10) قيل: إنما أعطاه ذلك عِوَضًا عن القميص الذى كسا العباس. قال القاضى: حكى ابن القصَّار أن القميص والعمامةَ غير مستحبٍ عند مالك [ونحوه عن ابن القاسم كقول الشافعى، وهذا خلاف ما حكاه مقدمو أصحابنا ابن القاسم وغيره عن مالك] (¬11). وغيره من أنه يُقمَّصُ، ويُعَمَّم، وهو قول أبى حنيفة (¬12)، فعلى قوله: " لا يُقمَّص " يدرج فى ثلاثة أثواب على ما روى عنه، وعلى قوله: " يُقمَّص، ويعمَّم " يدرج فى ثلاثة أثواب فتكون خمسةٌ، على ما قاله بعض شيوخنا، [وقد] (¬13) ¬

_ (¬1) قلت: الإجماع منعقدٌ فى حق الرجال دون النساء. راجع الاستذكار 8/ 216. (¬2) من ع، وما فى الإكمال فهو: فيه. (¬3) ما فى المطبوعة: أَمَّا الحُلَّة. (¬4) من ع، وما فى المطبوعة: أنها. (¬5) الذى فى المطبوعة: ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سَحوليَّة. وفى المعلم: فيما سواها. (¬6) الذى فى الإكمال: لبسته، والمثبت وهو الصحيح من ع. (¬7) من المعلم. (¬8) من س، والمعلم. (¬9) فى س: فإن. (¬10) ساقطة من س. (¬11) سقط من س. (¬12) وذلك لما روى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُفِّن فى ثلاثةِ أثوابٍ نَجْرَانيَّةٍ، الحلة ثوبان وقميصه الذى مات فيه ". أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس 2/ 177. (¬13) ساقطة من س.

إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهَا: فِى كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: فِى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء عنه - أيضاً -: لا بأس بالقميص فى الكفن، ويكفن معه بثوبين فوقه، فهذا على قوله ثلاثةُ أثوابٍ. وقولها: " وأما الحلة فإنما شُبه على الناس [فيها] (¬1) لأنها (¬2) اشتريت لِيُكَفَّن فيها، فتركت الحُلَّةُ وكفن فى ثلاثة أثواب "، وفى الحديث بعده: " أدرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حلة يَمنيَّة كانت لعبد الله بن أبى بكر، ثم نزعت عنه " كذا عند العذرى من رواية الأسدى عنه: " يَمنَّية "، وللصدفى عنه: " يمانيَّة " كل ذلك منسوبٌ إلى اليمن، وعند الفارسى: " حُلَّةٌ يُمْنةٌ " بضم الياء وسكون الميم وهو صحيح، ويتكلم به على الإضافة: حلة يُمْنَةٍ. [قال الخليل: هى ضرب من برود اليمن، وقال أبو عبيد: الحلة: برود اليمن، والحُلَّة: إزار ورداء، لا يسمى حلة] (¬3) حتى يكونا ثوبين، وقد تقدم تفسيره. ¬

_ (¬1) من المطبوعة. (¬2) فى المطبوعة: أنها. (¬3) سقط من س.

(14) باب تسجية الميت

(14) باب تسجية الميت 48 - (942) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى. وقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ: سُجِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها فى الحديث الآخر: " سُجِّىَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [حين مات] (¬1) بثوب حِبَرةٍ " تفسير اليُمنة المتقدمةَ، وتفسير معنى قولها قبل: " أدرج فيها ثم نزعت عنه " على ظاهر ما قال فى الحديث. وفى هذا تسجيةُ الميِّتِ فى الثياب، وتغطية وجهه، على ما مضى به العمل، لتغيَّر صفته بالموت، عما كانت عليه. قال: واستدل بعضهم من قولها: " ليس فيها قميص " أن القميص الذى غُسِّل فيه - عليه السلام - ونهوا عن نزعه حينئذٍ نزع عنه حين كُفِّن، وسُتر بالأكفان؛ ولأنها [كانت مبتلة] (¬2)، ولا يتفق كفنه فيه [وهى مبلولة] (¬3). وهذا إنما يتجه على تأويل من تأول: " ليس فيها قميص ": أى ليس فى الأكفان جُملةً، لا فى الثلاثة خاصة، وقد ذكر أبو داود عن ابن عباس: " كفن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ثلاثة أثواب، الحلة ثوبان، وقميصه الذى مات فيه " (¬4)، وروى عنه " فى سبعةٍ "، قيل: الثلاثة التى أدرج فيها، والعمامة والقميص، والسراويل، والقطيفة التى فرشت فى قبره - عليه السلام - فعدوها سابعة، وقد روى أنهم لما فرغوا من غسلهِ نزعوا القميص حين أدرج فى أكفانه، فأخذها عبد الله بن أبى بكر ليُكَفَّن فيها، ثم تركها، وقال: " لم يرضها الله لنبيه ". وأما ما ذكره من خبر قميص ابن أُبىِّ، فالأصح فى ذلك أن ابنه [عبد الله] (¬5) طلب ذلك منه ليتبرَّك به، فأجابه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك، وكان ابنه من جلة الصحابة والفضلاء، ¬

_ (¬1) من المطبوعة. (¬2) فى الأصل: كان مبتلاً، والمثبت من س. (¬3) فى الأصل: وهو مبلول، والمثبت من س. (¬4) سنن أبى داود، ك الجنائز، ب فى الكفن 2/ 177 سبق، أخرجه أحمد والبزار من حديث على بن أبى طالب ثم قال البزار بعده: ولا نعلم أحدًا تابَع ابن عقيل على رواية هذه، تفرد به حمادٌ عنه. كشف الأستار 1/ 401، أحمد فى المسند 1/ 94، وقال الهيثمى: إسناده حسن. مجمع 3/ 23. (¬5) سقط من س.

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد جاءت القصة مفسرةً فى صحيح البخارى (¬1). وإلى القول الأول مال سفيان بن عيينة، وقد خرَّج - أيضاً - تلك القصة الأخرى (¬2). وفى أمره بغسله فى القميص ونهيهم عن نزعه عنه - عليه السلام - ما يُستدل به على ستر جسد الميت، واستحب العلماء أن يُغسل تحت ثوبٍ لتغيّر جَسَدِه بالمرض، وأنه كان فى حياته يكره على أن يُطلع على ذلك منه بتلك الصفة. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجنائز، ب الكفن فى القميص 2/ 96، 97. (¬2) السابق، ب هل يُخرج الميت من القبر واللحد لعلة 2/ 116، وكذا فى الجهاد والسير، ب الكسوة للأسارى 4/ 73، واللباس، ب لبس القميص 7/ 184، كلاهما من حديث جابر.

(15) باب فى تحسين كفن الميت

(15) باب فى تحسين كفن الميت 49 - (943) حدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا، فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فى كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهيه - عليه السلام - فى حديث الذى كفن فى كفن غير طائل، ودفن ليلاً أن يُقبر الرجل بالليل حتى يُصلى عليه، إلا أن يُضطَّر إنسان إلى ذلك، وقال: " إذا كَفَّنَ أَحَدُكم أخاه فليحسن كفنه " فيه تعليقه - عليه السلام - الدفن بشرط الصلاة، وهذا يدل على قول مالك، وجمهور أصحابنا بوجوب الصلاة عليها، إذ لا خلاف فى وجوب الدفن، وإذا تعلق بشرط الصلاة وجب الشرط، ومعنى " غير طائل ": أى لا خطر له ولا قيمةَ، أو لا ستر فيه، ولا كفاية أَوْ لا نظافة فيه ولا نقاوة. قال الإمام: اختلف عندنا فى الصلاة على الجنازة، فقيل: فرض على الكفاية، وقيل: سُنة، فمن قال: [إن] (¬1) أفعاله على الوجوب قوى عنده القول بوجوبها، [ومن توقف فى ذلك أو قال: إننا مندوبون إليها] (¬2)، ومن قال بالندب أو التوقيف قوى عنده القول بأنَّها سنة. قال القاضى: ما فى هذا الحديث يؤكد (¬3) وجوبها، وأمره - عليه السلام - بالصلاة على الجنائز، وقد استدل بعض أصحابنا بقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا} (¬4)، قال بعضهم: هو من باب دليل الخطاب. وقال آخرون (¬5) هو من باب أن النهى عن الشىء أمر بِضدِّه، وهذا [كله ضعفٌ كثير وخطأ بين] (¬6)، ليس يصح الاستدلال به بوجهِ من هذين الوجهين، ولا دليل فيه على الوجوب جملةً، واستدل بعضهم بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة} إلى قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِم} (¬7)، وهذا يحتمل وهو فى الدعاء أظهر (¬8). ¬

_ (¬1) و (¬2) من ع. (¬3) فى الأصل: ما يؤكد، والمثبت من س. (¬4) التوبة: 84. (¬5) فى س: آخر. (¬6) فى س: ضعيف وخطأ كثيرٌ بيِّنٌ. (¬7) التوبة: 103. (¬8) جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين على أنه لا يجوز أن تُتْرك الصَّلاةُ على مسلم مات، وأنه لا يجوز دفنه دون أن يُصلى عليه، وذلك لما جاء فى حديث الصلاة على النجاشى، وكذا أجمعوا على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم، وإن كانوا أصحاب كبائر. راجع الاستذكار 8/ 236، مجمع الزوائد 2/ 67. وكره مالك من بين سائر العلماء أن يُصلى أهلُ العلم والفضل على أهل البدع. الاستذكار 8/ 285.

لَيْلاً، فَزَجَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهيه فيه عن الدفن بالليل جمهور العلماء والسلف (¬1) على جواز الدفن ليلاً، إلا ما روى عن الحسن من كراهيته (¬2) إلا لضرورة، وأما فى الأوقات المنهى عن الصلاة فيها، فاختلف فى الدفن، والصلاة فيها السلف والخلف، ومشهور مذهب مالك، وأصحابه لا يُصلى عليها حينئذٍ، وعند ابن عبد الحكم جواز الصلاة عليها فى كل وقت، وهو قول الشافعى كالفرائض، وقال أبو حنيفة: لا يصلى عليها عند الطلوع والغروب ونصف النهار، وقال الثورى: لا يصلى عليها بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا عند الغروب، ولا نصف النهار (¬3) وقال الليث: تكره الصلاة عليها فى الأوقات التى تكره فيها الصلاة (¬4)، واختلف فى تأويل نهيه - عليه السلام - عن ذلك، فقيل: للعلة التى ذكر من قوله: " حتى يصلى عليه "، يعنى لئلا يفوته صلاته عليه هو - عليه السلام - وصلاة الكثير (¬5) من المسلمين وجماعتهم لتناله بركة صلاته - عليه السلام - ودعائه، ودعاء المسلمين وصالحيهم، بخلاف دفن الليل الذى إنما يحضره الخصوص والآحاد، وقيل: بل للعلة الأخرى المذكورة [فى الحديث] (¬6)، ولقوله (¬7): " فكفن فى كفنٍ غير طائل "، وأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لتستر إساءة الكفن، فنهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك لهذه العلة، ويدل عليه قوله آخر الحديث: " إذا كفن أحدكم أخاه فليُحسن كَفنَه ". قال القاضى: العلَّتان بيِّنتان فى الحديث، والظاهر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصدهما جميعًا وعلل بهما، وقد قيل هذا. وتحسين الكفن مأمور به، وليس المراد به السرفَ فيه، ولكن [نظافته ونقاؤه، وكثافته، وستره] (¬8) وتوسطه، وكونه من جنس لباسه فى حياته غالباً، وهو الذى يقضى به عندنا على الورثة إذا تشاجروا فى ذلك (¬9). وقوله: " فليُحسِن كفْنه ": كذا ضبطناه، عن أبى بحرٍ، بسكون الفاء يعنى الفعل، من عمومه، وستره، وعن غيره بالفتح، وفتحها عندى أصوب وأظهر، للفظ الحديث ¬

_ (¬1) فى س: التوقف. (¬2) أخرجه ابن أبى شيبة، قال: حدثنا أبو داود، عن أبى حرة، عن الحسن؛ أنه كان يكره أن يدفن ليلاً، انظر: المصنف 3/ 347. (¬3) انظر: عبد الرزاق 3/ 523 رقم (6563، 6564). (¬4) أخرجه عبد الرزاق برواية الليث بلفظ: " نهانا رسول الله أن نصلى فى ثلاث ساعات ... " الحديث. 3/ 525. (¬5) فى س: الكثرة. (¬6) سقط من س. (¬7) فى الأصل: وقوله، والمثبت من س. (¬8) سقط من س. (¬9) وكذا للشافعى. انظر: الحاوى 3/ 30.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه أراد الكفن نفسه؛ لأنه الذى أنكر فى الحديث لقوله: " بكفن غير طائل "، وإحسانه [أيضاً] (¬1) من جهة الثياب سُبُوغُها، وسترها، وكثافتها ونقاؤها، ولا تكون وسخةً ولا هجنة، وإذا اتفق هذا جمع تحسين الثوب، والفعل، وقد فسره سلّام بن [أبى] (¬2) مطيع فى جامع الترمذى (¬3) واختلفت عنه فى تفسيره الرواية، ففى رواية شيخنا القاضى الشهيد هو الصفاق، وليس بالمرتفع، وفى رواية غيره هو الصفاء، يعنى النقاء والبياض. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) ساقطة من س. (¬3) ك الجنائز، ب ما يستحب من الأكفان 3/ 312. قال سلام فيه: هو الصفاء وليس بالمرتفع.

(16) باب الإسراع بالجنازة

(16) باب الإسراع بالجنازة 50 - (944) وحدّثنا أبو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَة فَخَيْرٌ - لَعَلَّهُ قَالَ - تُقَدِّمُونَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ تَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَشَرٌ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ ". (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى حَفْصَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النِّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أسرعوا بالجنازة " الحديث، حمل الجنازة متعين على الكافة (¬1) إن لم يكن لها بما يُستأجر لها به ككفنها، ودفنها، وأكثر العلماء على أن معناه هنا: الإسراع [بحملها إلى قبرها، وقيل: الإسراع] (¬2) لتجهيزها إذا تحقق موتها، والأول أظهر، لقوله آخر الحديث: " فشرٌّ تضعونه عن رقابكم "، ومعنى هذا الإسراع عند بعضهم: ترك التراخى فى المشى بها، والتباطؤ والزهو فى المشى، ويكره الإسراع الذى يشق على من يتبعها، ويُحرك الميت، وربما سبب خروج شىء منه، وعلى هذا حملوا نَهْى من نَهَى عن الدَّبيب بها دَبيب اليهود (¬3) من السلف، وأمر بالإسراع، وجمعوا بينه وبين من روى عنه النهى عن الإسراع، واستدلوا بما جاء فى الحديث مفسرًا عنه - عليه السلام -: " هو ما دون الخبَب " (¬4) وفى حديث آخر: " عليكم بالقصد فى جنائزكم " (¬5)، وهذا قول جمهور العلماء، وأبى حنيفة، وأصحابه، والشافعى وابن حبيب من أصحابنا، وحمل بعضهم ما جاء فى ذلك من الآثار عن السلف على الخلاف فى المسألة، والجمع بينهما على ما تقدم أولاً، كما أن الإسراع فى الوجهين صحيح (¬6)، فقد جاء فى حديث الحصين: ¬

_ (¬1) فى س: الكفاية. (¬2) سقط من الأصل. (¬3) قلت: بل هو لفظ حديث أخرجه أحمد فى المسند عن أبى هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ اتبع جنازة قال: " انبسطوا بها ولا تدبوا دبيب اليهود " 2/ 364. (¬4) أبو داود، ك الجنائز، ب الإسراع بالجنازة (3841)، الترمذى، ك الجنائز، ب ما جاء فى المشى خلف الجنازة (1011) وقال: هذا حديث لا يعرف من حديث عبد الله بن مسعود إلا من هذا الوجه. (¬5) أحمد فى مسنده 4/ 406 عن أبى موسى عن أبيه. (¬6) فى س: صحيحان.

مَعْمَرٍ قَالَ: لا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَ الْحَدِيثَ. 51 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ - قَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا، وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إِلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ شَرًّا تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فى طلحة بن البراء: " فآذنونى به، وعجلوا، فإنه لا ينبغى لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهرانى أهله " ذكره أبو داود (¬1). قوله: " فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ": يعنى الميت، قيل: بكونها ملعونة، ملعونٌ من شهدها كما جاء فى الحديث (¬2)، وقيل: التعب بها ومؤنة حملها. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجنائز، ب التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها 2/ 178. (¬2) لم نقف عليه، ويقارن به ما أخرجه أبو داود عن ابن مسعود قال: سألنا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإسراع بالجنازة فقال: " دون الخبب، فإن كان خيراً تعجَّل إليه، وإن كان غير ذلك فبعدًا لأهل النار ". السابق.

(17) باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها

(17) باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها 52 - (945) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ - وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ وَحَرْمَلَةَ - قَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْن وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُونُس عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ " قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: " مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ ". انْتَهَى حَدِيثُ أَبِى الطَّاهِرِ. وَزَادَ الآخَرَانِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّى عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقَدْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً. (...) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلىَ قَولِهِ: الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ. وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الأَعْلَى: حَتَّى يُفْرَغَ مِنْهَا. وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: حَتَّى تُوضَعَ فِى اللَّحْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من شهد جنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها (¬1) حتى تدفن فله قيراطان " الجِنَازة بالفتح والكسر: الميت، وقيل: يقال أيضاً: السرير الذى يحمل عليه الميت، وفرق بعضهم فجعل الفتح للميت، والكسر للنعش، وهو قول ابن الأعرابى، والحديث يدل على انطلاق اللفظ فى الوجهين، ودليل هذا الحديث: أن المصلى على الجنازة لا يحتاج إذا دُفنت إلى إذن، وهو المروى عن جماعة من الصحابة والسلف، وكافة أئمة الفتوى، والعلم، ومشهور مذهب مالك، وروى عن جماعة من الصحابة أنهم لا ينصرفوا عن الجنازة إلا بإذن، وحكاه ابن عبد الحكم عن مالك قال: [إلا] (¬2) أن يطول ذلك، واختلف قوله، هل له إذا شيَّعها أن ينصرف عنها، ولم يُصل عليها لغير علةٍ. ¬

_ (¬1) زيد بعدها فى الأصل: كما جاء فى الحديث. ولا وجه له. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

(...) وحدَّثنى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عقَيْلٌ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِى رِجَالٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمثْلِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَقَالَ: " وَمَنِ اتَّبَعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ ". 53 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنِى سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَة وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ " قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: " أَصْغَرَهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ ". 54 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، حَدَّثنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنِ اتَّبَعَهَا حَتَّى تُوضَعَ فِى الْقَبْرِ فَقِيرَاطَانِ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَا الْقِيرَاطُ؟ قَالَ: " مِثْلُ أُحُدٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى أكثر الروايات: " فإن اتَّبعها "، " ومن تبع جنازة ": يحتج به من يرى أن المشى خلف الجنازة أفضل من المشى أمامها على ظاهر لفظ " تبع "، وهو مذهب على ابن أبى طالب (¬1) - رضى الله عنه - وهو قول أبى حنيفة، والأوزاعى، ومذهب جمهور الصحابة، وأئمة الفتوى، وعلماء المدينة: أن المشى أمامها أفضل، وهو المروى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2) وذهب بعض السلف إلى التوسعة فى ذلك، وأنه سواء، وهو قول الثورى، وأبى مصعب من أصحابنا (¬3) وفى إرسال ابن عمر إلى أبى هريرة فى هذا الحديث ما كانوا عليه من البحث عن السنن والتقصى عن العلم، وضربه بما كان فى يده من حين أعلمه الرسول بالحصى. ¬

_ (¬1) روى عن عبد الرزاق فى مصنفه عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: " كنت مع على فى جنازة قال - وعلى آخذ بيدى ونحن خلفها، وأبو بكر وعمر يمشيان أمامها، فقال: إن فضل الماشى خلفها على الذى يمشى أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وإنهما ليعلمان من ذلك ما أعلم " مسند عبد الرزاق 3/ 446، وكذا رواه البيهقى 4/ 701. (¬2) أبو داود، ك الجنائز، ب الإسراع بالجنائز 1/ 183، الترمذى، ب ما جاء فى المشى خلف الجنائز 3/ 323، أحمد 378، وانظر: عبد الرزاق فى المصنف 3/ 446. (¬3) قال أبو عمر: المشى أمام الجنازة أكثر عن العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين، وهو مذهب الحجازيين، وهو الأفضل إن شاء الله، ولا بأس عندى بالمشى خلفها، وحيث شاء الماشى منها؛ لأن الله عز وجل لم يخطر ذلك ولا رسوله، ولا أعلم أحدًا من العلماء كره ذلك، ولا ذكر أن مشى الماشى خلف الجنازة يُحبُط أجره فيها، ويكون كمن لم يشهدها. الاستذكار 8/ 222.

55 - (...) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ - حَدَّثَنَا نَافِعٌ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنَ الأَجْرِ " فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَكْثَرَ عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ. فَبَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا فَصَدَّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِى قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. 56 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِى حَيْوَةُ، حَدَّثَنِى أَبُو صَخْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ دَاوُدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ خَرجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ "؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّابًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ، وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْباءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِى يَدِهِ، حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ: فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ - فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِى كَانَ فِى يَدِهِ الأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِى قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. 57 - (946) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ الْيَعْمَرِىِّ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ ". (...) وحدّثنى ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لقد فرَّطنا فى قراريط كثيرة ": فيه ما كانوا عليه من الحرص على أعمال البر، واقتناء الأجر، وتأسفهم على ما فاتهم من ذلك، وفى ذكر الاتباع فى الحديث، والحض عليه تنبيه على الرغبة فى حملها، وأن يكثر الحاضرون لحملها، وتجهيزها،

حَدَّثَنَا أَبَانٌ، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفِى حَدِيثِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ: سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِيرَاطِ؟ فَقَالَ: " مِثْلُ أُحُدٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ودفنها، ومتى قلوا عجزوا عن ذلك، والقيراط عبارة عن قدر معلوم، وقد جاء فى الحديث [الآخر] (¬1): " مثل أحد ". ¬

_ (¬1) من س.

(18) باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه

(18) باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه 58 - (947) حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِى مُطِيعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيعِ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبلُغُونَ مِائَةً. كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلَّا شُفِّعُوا فِيه ". قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ. فَقَالَ: حَدَّثَنِى بِهِ أَنَسٌ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث: " ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة إلا شُفِّعوا فيه " قال: فحدثت به شعيب بن الحبحاب: قائل هذا هو: سلام بن أبى مُطمع راوى الحديث فى الكتاب عن أيوب، كذا بينه النسائى (¬1)، وهذا الحديث موقوف على عائشة غير مرفوع من رواية سعيد بن منصور، وذكره فى الحديث: " مائة "، وفى آخر: " أربعين " (¬2)، وفى آخر: " ثلاثة " (¬3) صفوف، قيل: وجه اختلاف هذا العدد أنها أجوبة لسائل سأل عن ذلك، ولعله لو سئل عن أقل لأجاب بمثله، وقد يكون الثلاثة صفوف أقل من أربعين، والله أعلم بمراد نبيه. ¬

_ (¬1) النسائى، ك الجنائز، ب فضل من صلى عليه مائة. الكبرى 1/ 644. (¬2) حديث رقم (59) بالباب التالى. (¬3) الحديث فى سنن أبى داود عن مالك بن هبيرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب ". قال: فكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف. أبو داود 2/ 180، وكذا الترمذى بقريب لفظ، ك الجنائز، ب ما جاء فى الصلاة على الجنازة 3/ 338، ابن ماجة، ك الجنائز، ب ما جاء فيمن صلى عليه جماعة 1/ 477، أحمد فى المسند 4/ 79.

(19) باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه

(19) باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه (¬1) 59 - (948) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِىُّ - قَالَ الْوَلِيدُ: حَدَّثَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى أَبُو صَخْرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ. فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ، انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ، فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَخْرِجُوهُ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ مَعْرُوفٍ: عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(20) باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى

(20) باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى 60 - (949) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِىُّ ابْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرًا. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ " وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ". قَالَ عُمَرُ: فَدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّى، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْتَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنتم شهداء الله فى الأرض ": قال الداودى: يعنى هذا عند الفقهاء إذا أثنى عليه أهل الفضل والصدق؛ لأن الفسقة قد يثنون على الفاسق فلا يدخل فى الحديث، وكذلك أن يكون القائل فيه شرًا عدوًا له، وإن كان فاضلاً فلا يدخل أيضاً فى هذا؛ لأن شهادته فى حياته كانت غير مقبولةٍ عليه، وإن كان عدلاً، وقيل ذلك فيمن علم الله أنه لا يحمل الحسد أو العداوة، أو فرط المحبة، وكثرة الإطراء والغلو المذموم فيقول ما ليس فيه من خيرٍ أو شرٍ، ولكن إنما ذلك لمن وفق الله له من يقول فيه قولاً عدلاً بما [علمه] (¬1) [ممن يريد به الله تعالى فيوجب له ما قالا، وهو الذى وفقهما الله له، وسبق له فى علمه، وربما قبل علمهما فيه] (¬2) وترك علمه من سريرته إذا كان مسلماً، تفضلاً منه وسترًا عليه، وتحقيقًا لظنهما فيه، وقال بعضهم فى تكراره قوله: " أنتم شهداء الله فى الأرض " ثلاثاً إشارة إلى أن الثلاثة [الذى] (¬3) قال فيهم - عليه السلام -: " خيركم قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " (¬4). والأظهر فيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كرر لفظه بذلك ثلاثًا تأكيدًا على عادته فى ذلك. وقوله - عليه السلام -: هذا فيمن أثنى عليه بشرٍ، ولم ينههم مع نهيه عن سب الأموات (¬5)، أو الإمساك عن ذى قيل غير معارض. قيل: لأنه قد يكون هذا فيمن غلب ¬

_ (¬1) فى س: علم. (¬2) سقط من س. (¬3) فى س: الذين. (¬4) البخارى، ك الشهادات، ب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد 2/ 224، الترمذى، ك الفتن، ب ما جاء فى القرن الثالث 4/ 500، ابن ماجة، ك الأحكام، ب كراهية الشهادة لمن لم يستشهد 2/ 791. (¬5) وذلك فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء ".

شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِى الأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِى الأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِى الأَرْضِ ". (...) وحدَّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَنَازَةٍ. فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَمُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه الشر، وكان فى حياته فاسقًا معلنًا فلا غيبة فيه فى حياته فكذلك بعد موته، بخلاف إذا كان الأغلب عليه الخير، وقيل: يحتمل أن يكون هذا الذكر الذى سوغهُ النبى - عليه السلام - بعد الموت وقبل الدفن ليتعظ فساق الأحياء بما ينتشر عنه من سوء الذكر، وربما عساه يُزهِد كثيرًا من الناس عن حضور الصلاة عليه، فإذا دفن وجب الإمساك عنه فيجمع بين الحديثين على هذا، وهذه الأحاديث كلها فى المسلمين. قال القاضى: وليس فى هذين الفرقين تبيين لأن النهى عن سب الأموات عموم فيمن قبر ومن لم يقبر، وممن فيه الغيبة حال الحياة، ومن لا غيبة فيه، والذى يظهر لى فى الجمع بين الحديثين. أن يكون قوله - عليه السلام -: " وجبت وجبت " فى الذى أثنى عليه بشرّ، وقطْعه عليه بالنار، ومحتمل أنه فيمن أخبر عنه بإبطان النفاق وحدث عنه بما كان يضمره من ذلك، وتظهر عليه دلائله؛ فلذلك قال - عليه السلام -: " وجبت له النار "، إذ لا تجب ويقطع بها للمذنبين، بل هم فى مشيئة الله، وقد يكون نهيه - عليه السلام - عن سب الموتى بعد هذا، والله أعلم. وقوله: " أثنى عليه شرًا ": والثناء ممدود بتقديم الثاء المثلثة، إنما يقال فى الخير غالبًا، وقد جاء هنا فى الشر، وإنما الذى يستعمل فيهما النثاء (¬1) المقصود بتقديم النون، لكن لما جاء هاهنا أولاً أثنى عليه خير، قال فى الشر على طريق تجنيس الكلام ومقابلته، كما قال تعالى: {مُسْتَهْزِئُونَ} (¬2) {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (¬3) {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه} (¬4). ¬

_ (¬1) فى س: الثناء. وانظر: مشارق الأنوار 2/ 4. (¬2) و (¬3) البقرة 14، 15. (¬4) آل عمران: 54.

(21) باب ما جاء فى مستريح ومستراح منه

(21) باب ما جاء فى مستريح ومستراح منه 61 - (950) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئ عَلَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِىِّ؛ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: " مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: " الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرَيِحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: " يَسْتَرِيحُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا وَنَصَبِهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مستريح ومستراح منه " ثم قال: " العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها ": أى من تعبها " والعبد الفاجر يستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب ". قال الداودى: راحة العباد منه مما يأتى من المنكر، فإن أنكروا عليه نالهم أذاه، وإن تركوا أثموا (¬1). وراحة البلاد والدواب من جدبهما لما يأتى من المعاصى فيهلك الحرث والنسل. وقال الباجى: يحتمل أن يكون أذاه للعباد بظلمهم، وأذاه للأرض والشجر والدواب بغصبها ومنعها من حقها، وإتعاب الدواب بما لا يجوز له (¬2)، [وفى مضمون راحته هو من نصب الدنيا راحته ببشرى الله بما له من الخير، ولا تصح الراحة من الدنيا إلا بهذه الراحة الأخرى] (¬3). ¬

_ (¬1) وفيه نظر: لأن من ناله من أهل المنكر أذى يكفيه الإنكار عليه بالقلب. ذكره الباجى 2/ 34. (¬2) السابق 2/ 34 بغير لفظة " الدواب ". (¬3) سقط من س.

(22) باب فى التكبير على الجنازة

(22) باب فى التكبير على الجنازة 62 - (951) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى للِنَّاسِ النَّجَاشِىَّ فِى الْيَوْمِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. 63 - (...) وحدَّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِىَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ، فِى اليَوْمِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: " اسْتَغْفِرُو لأَخِيكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نعى للناس النجاشى فى اليوم الذى مات فيه ": من دلائل نبوته - عليه السلام - وإخباره بالغيوب. قال الإمام: النعى إشاعة خبر الميت. قال الهروى: والنعى [بسكون العين] (¬1)، والنَّعِىُّ [بكسرها] (¬2): الرجل الميت، [ويجوز] (¬3) أن تجمع نعايا مثل صَفِىِّ وصفايا (¬4)، وبرىّ وبرايا (¬5). قال القاضى: احتج بذلك أئمتنا فى جواز الإعلام بموت الميت، وأنَّ هذا ليس من النعى الذى نهى عنه، خلاف ما روى عن حذيفة ألا يؤذن به أحد (¬6) وقال: " أخاف أن يكون نعيًا "، ونحوه عن ابن المسيب، وقال به بعض السلف الكوفيين من أصحاب ابن مسعود، وحمل الأول النهى عن النعى، فيما كان على عادة الجاهلية إذا مات منهم شريف بعثوا راكبًا إلى القبائل [نعاء] (¬7) فلانًا أو يانعايا العرب، أى هلكت بمهلك فلانٍ، ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) ساقطة من س. (¬3) ساقطة من المعلم. (¬4) ويجمع على نعيان، على أن مفردها ناعى. (¬5) البرىَّ: السهمُ المبرى الذى قد أتِمَّ بريُه ولم يرش ولم يُنصل. (¬6) أخرجه ابن شيبة عن حذيفة قال: " نهى رسول الله عن النعى "، وروى عن أبى وائل عند موته أنه قال: " إذا أنا مت فلا تؤذن بى أحدًا ". وعن علقمة أنه أوصى أن لا تؤذنوا أحدًا فإنى أخاف أن يكون من أمر الجاهلية. ابن أبى شيبة 2/ 275. (¬7) الذى فى الأصول: نعايا، والمثبت وهو الذى يستقيم به السياق من اللسان، قال: ونعاء بمعنى انع، وروى =

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى، فَصَلَّى، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. (...) وحدَّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، كَرِوَايَةِ عُقَيْلٍ، بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا. " 64 - (952) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّان، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِى. فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. 65 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَاتَ الْيَوْمَ عَبْدٌ للهِ صَالِحٌ؛ أَصْحَمَة " فَقَامَ فَأَمَّنَا وَصَلَّىَ عَلَيْهِ. 66 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ؛ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكون مع النعى ضجيج وبكاء، وكره مالك الإنذار بذلك على أبواب المساجد والأسواق ورآه من النعى. وقول النبى - عليه السلام - فى الحديث الآخر (¬1): " هلَّا آذنتمونى " ونعيه أهل مُؤتة يصحح القول الأول (¬2). قال الإمام: والنجاشى ملك الحبشة، واسمه أصْحَمَة، تفسيره بالعربية: عطية، ¬

_ = عن شداد بن أوس أنه قال: يا نعايا العرب، وروى عن الأصمعىِّ وغيره: إنما هو فى الإعراب: يانعاءِ العرب، تأويله: يا هذا انع العربَ، يأمر بنعيهم كأنّه يقولُ: قد ذهبت العرب. قال أبو عبيد: وأما خفض قوله: يا نَعاءِ العرب، فهو مثل قولهم: دَراك، وقَطامِ، وتراكِ، قال: وبعضهم يرون: يا نعيان العرب، فمن قال هذا فإنه يريد المصدر، نعيته نعياً ونَعياناً. وهو جائز حسن. غريب الحديث 4/ 17. وقوله: " يا نعايا العرب ": هو جزء حديث أخرجه الطبرانى بإسنادين عن عبد الله بن يزيد قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا نعايا العرب، يا نعايا العرب، إن أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشهوة الخفيَّة ". قال الهيثمى: رجال أحد الإسنادين رجال الصحيح غير عبد الله بن بديل بن ورقاء، وهو ثقة. المجمع 6/ 255. (¬1) لفظ مسلم كما سيأتى فى الباب القادم: " أفلا كنتم "، والمذكور هو لفظ ابن ماجة فى الجنائز، ب ما جاء فى الصلاة على القبر 1/ 489، ابن أبى شيبة فى المصنف 3/ 362. (¬2) يشير بذلك إلى ما أخرجه البخارى فى صحيحه عن أنس - رضى الله عنه - أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعى زيدًا =

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ " قَالَ: فَقُمْنَا فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله ابن قتيبة، وغيره (¬1) [و] (¬2) قال المطرز وابن خالويه وغيرهما: اسم لكل ملك من ملوك الحبشة، وكسرى اسم لملك الفرس، وهرقل اسم لملك الروم، وقيصر كذلك، وخاقان اسم ملك الترك، وتُبَّعٌ اسم ملك اليمن، والقيل ملك حمير، وجمعه أقيال، وقيل: بل القَيْلُ أقل درجة من الملك (¬3). قال القاضى: ذكر مسلم اسم النجاشى " أصْحَمَة " فى الحديث، وهو المعروف بهمزة أوله ثم صاد ساكنة قبل حاء مفتوحة، وكذا ذكره البخارى (¬4)، وقاله ابن إسحاق (¬5) وفى مسند ابن أبى شيبة فى هذا الحديث تسميته صَحْمة على وزن ركوة بغير همزة وفتح الصاد وسكون الحاء، وقال: هكذا قال لنا يزيد إنما هو صَمْحَة، كذا ذكره بتقديم الميم بغير همزة. وقوله: " فخرج إلى المصلى ": يحتج به وبفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غير جنازة على أَنَّ سنتها الصلاة عليها فى البقيع، وأن لصلاة الجنازة موضعًا مخصوصًا. وصلاته - عليه السلام - مع مغيبه قيل: إنما كان هذا لِيُعلم المسلمين بأنه كان مؤمنًا وليستغفروا له، كما أمرهم بذلك فى الحديث الآخر؛ ولأنه كان بين قومٍ كُفَّارٍ يكتم إيمانه فلم يُصَلَّ عليه، وإن كان معه من تابعه على الإسلام، فقد لا يقدر على إظهار الصلاة أو يجهل حكم ذلك، ¬

_ = وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرُهم، فقال: " أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيب، ثم أخذ جعفرٌ فأصيبَ، ثمَّ أخذَ ابْنُ رواحة فأصيب - وعيناه تذرِفانِ - حتى أخذَها سيفٌ من سيوف الله حتى فتَح الله عليهم " ك فضائل الصحابة، ب مناقب خالد بن الوليد، رضى الله عنه 5/ 34، ك المناقب، ب علامات النبوة فى الإسلام 4/ 249، وكذا فى المغازى، ب غزوة مؤتة 5/ 183. (¬1) قال عبد الرزاق: وتفسير أصحمة بالعربية: عطاء، ولعلة قد أخذها ابن قتيبة منه ولم ينسبها إليه فحرِّفت الكلمة. (¬2) ساقطة من المعلم. (¬3) وفرعون اسم لملك مصر، قال الأبى: وهذه الأسماء هى أعلام أجناس كأسامة 3/ 88. (¬4) البخارى، ك الجنائز، ب التكبير على الجنازة أربعًا 2/ 112، المصنف: أصحمة، انظر: ك الجنائز، ب ما ذكر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى صلاته على النجاشى 3/ 362. (¬5) ونقل ابن كثير فى تاريخه عن يونس عن ابن إسحاق: اسم النجاشى: مصحمة، قال: وفى نسخة صححها البيهقى: أصحم، وهو بالعربية عطية، وإنما النجاشى اسم الملك كقولك: كسرى، هرقل. البداية 3/ 75.

67 - (953) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلَىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِى الْمُهَلَّبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن هذا خصوص منه له، إذ لم يدل على سائر من مات غائبًا عنه من أصحابه - عليه السلام - وقيل: إن النجاشى رفع إليه وأُحْضِرَ له حتى رآه وصلى عليه، كما رفع له بيت المقدس حتى وصفه لمن سأله عنه. وقد اختلف على هذا فى الصلاة على الغائب، والغريق، وأكيل السبع، فمالك وجماعة من العلماء لا يجيزون ذلك، وأجاز ابن حبيب الصلاة عليه. قال الإمام: يحتج بصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النجاشى من قال من أصحابنا: إنَّ الغائب والغريق يُصلَّى عليهما. وقد انفصل عن ذلك بأنه [كان] (¬1) خاصًا للنبى - عليه السلام - لأنه قد قيل: إن النجاشى رفع له حتى رآه فلم يصل (¬2) إلّا على مشاهَد. واختلف - أيضاً - إذا وُجد شىء من الجسد، هل يُصلّى عليه أم لا؟ فقيل: لا يصلى إِلَّا على أكثر الجسد، وقيل: يصلى على ما وجد منه، وينوى به الميت. وقوله: " فخرج بهم إلى المصلى "، [قال القاضى] (¬3): دليل أن للجنائز موضعًا للصلاة عندهم معلومًا، ويحتمل أن يُريدَ مُصلَّى الأعياد ليجمع الناس. وقد استدل بعض العلماء من هذا على أنه لا يُصَلَّى على الجنازة فى المسجد، ولا حُجَّةَ فيه، لوجوهٍ، منها: أنَّ القضية هنا مخصوصة بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصلاة على غائب. والثانية: أن خروجه ليس فيه أكثر من جواز فعل ذلك، فلو لم يأت غيرَه استدل به على أنها سنة على كل حال (¬4)، وأما المنع بالجملة فلا يؤخذ منه. وقوله: " فصفّ بهم "، قال القاضى: فيه دليل على أَنَّ صلاة الجنائز يلزم فيها من إقامة الصفوف وتقدم الإمام ما يلزم فى سائر الصلوات. وقوله: " وكبَّر أربع تكبيرات "، قال الإمام: فى حديث آخر: " أنَّ زيدًا كبَّر على جنازة خمساً (¬5)، وقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبرها " وقد قال به بعضُ الناس (¬6)، وهذا المذهب الآن متروك؛ لأن ذلك صار علماً على القول بالرفض (¬7). ¬

_ (¬1) من هامش ع. (¬2) فى ع: تقع. (¬3) سقط من س. (¬4) ويتأول أيضاً أن خروجه - عليه السلام - أبلغ فى إظهار الفعل المشتمل على هذه المعجزة. (¬5) سيأتى إن شاء الله فى الباب القادم من حديث أبى بكر بن أبى شيبة ومحمد بن المثنى. (¬6) يعنى بذلك الثورى، فقد حكاه عنه عبد الرزاق، وقال: وأنا على ذلك. (¬7) يعنى الشيعة، وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة زيد بن على عم جعفر الصادق، لما امتنع عن سب أبى بكر وعمر، والزيدية أعقل الشيعة وأعلمهم وخيارهم. راجع منهاج الاعتدال: 532.

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا فَصَلَّوا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اختلفت الآثار عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، وقد جاء من رواية ابن أبى خيثمة (¬1) " أنه - عليه السلام - كان يكبر أربعًا، وخمسًا، وستًا، وسبعًا، وثمانيًا حتى مات النجاشى فكبر عليه أربعًا "، وثبت على أربع حتى توفى - عليه السلام - وقال ابن سيرين: " إنما التكبير ثلاثًا، فزادوا (¬2) واحدة " (¬3). واختلف السلف من الصحابة فى ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع، وروى عن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - كان يكبر على أهل بدر ستًا، وعلى سائر الصحابة خمسًا (¬4)، وعلى غيرهم [أربعًا] (¬5)، قال أبو عمر بن عبد البر: وانعقد الإجماع بعد على أربع، واتفق الفقهاء أهل الفتوى بالأمصار على أن التكبير أربعٌ لا زيادة عليها، على ما جاء فى الأحاديث الصحاح، وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه، ولا نعلم أحدًا قال من فقهاء الأمصار بخمس (¬6) إلا ابن أبى ليلى (¬7)، ولم يذكر فى كتاب مسلم السلام منها، وقد ذكره أبو الحسن الدارقطنى فى سننه (¬8) وابن حبيب. وقد اختلف العلماء فى عدد السلام من صلاة الجنازة مع اتفاقهم عليه، فجمهورهم من السلف والخلف على تسليمة واحدة، وهو أحد قولى الشافعى (¬9) وقول مالك (¬10) [وذهب أبو حنيفة والثورى] (¬11) وجماعة من السلف لتسليمتين (¬12) ثم اختلفوا فى جهر الإمام ¬

_ (¬1) أخرجه ابن عبد البر فى الاستذكار 8/ 239 وببعض تكبيراته قول أبى وائل كما ذكره عبد الرزاق فى مصنفه 3/ 479، ابن أبى شيبة فى المصنف عن عبد الله بن الحارث فى صلاة النبى على حمزة 3/ 304، البيهقى فى السنن الكبرى 4/ 35. (¬2) فى س: فزاد. (¬3) لم أقف عليه، وقد أسند ابن عبد البر هذا القول لابن عباس، التمهيد 6/ 339. وذكر صاحب الحاوى أنه - أى التكبير ثلاثًا - هو قول ابن عباس، وأنس، ومحمد بن سيرين. الحاوى 3/ 52. (¬4) عبد الرزاق فى المصنف 3/ 480، ابن أبى شيبة 3/ 303، الدارقطنى، ك الجنائز، ب التسليم فى الجنائز واحد والتكبير أربعًا وخمسًا 2/ 73. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) فى الأصل: خمس. (¬7) انظر: التمهيد 6/ 334، 336، والاستذكار 8/ 238، 240. (¬8) ك الجنائز، ب التسليم فى الجنازة واحد والتكبير أربعًا وخمسًا 2/ 72. (¬9) قلت: وليس ذلك بمحكىٍّ عن الشافعى، وإنما نقله الماوردى فى الحاوى عن البويطى قال: ويسلم تسليمتين، أحدهما عن يمينه والأخرى عن شماله. قال الماوردى: وعلى قياس مذهبه القديم: إن كان الجمع يسيرًا سلم تسليمة واحدة عن يمينه وعن تلقاء وجهه 3/ 57. (¬10) بعدها فى الأصل: وذكر ابن حبيب والمزنى ولا وجه لها. (¬11) سقط من س. (¬12) فى س: تسليمتين.

عَلَيْهِ " يَعْنِى النَّجَاشِىَ. وَفِى رِوايَةِ زُهَيْرٍ: " إِنَّ أَخَاكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتسليم، وهو قول أبو حنيفة، أو إسراره، وهو قول الشافعى، واختلف فيه قول مالك ثم (¬1) اختلفوا فى المأمومين هل يردون على الإمام تسليمة أخرى؟ واختلف فيها قول مالك، ولم يذكر رفع الأيدى مع التكبير فى الحديث، [وقد اختلف فيه] (¬2) قول مالك على ثلاثة أقوال؛ الرفع فى الأولى فقط، وفى الجميع، ولا يرفع جملة (¬3). ¬

_ (¬1) فى س: و. (¬2) كررت فى الأصل خطأ. (¬3) وللشافعى الرفع فى الجميع. راجع: الحاوى 3/ 56، 57.

(23) باب الصلاة على القبر

(23) باب الصلاة على القبر 68 - (954) حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنِ الشَّعْبِىُّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. قَالَ الشَّيْبَانِىُّ: فَقُلْتُ لِلشَّعْبِىِّ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: الثِّقَةُ، عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ حَسَنٍ. وَفى رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَبْرٍ رَطْبٍ. فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَفُّوا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. قُلْتُ لِعَامِرٍ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: الثِّقَةُ، مَنْ شَهِدَهُ، ابْنُ عَبَّاسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى إلى قبر رطب " أى: حديث الدفن " فصلى عليه "، وذكر مثله فى حديث السوداء: يحتمل تسميته " رطبًا " لقرب عهد الدفن (¬1)، وأنه لم يَبْل بعد [أو] (¬2) لرطوبة ثراه (¬3)؛ لقرب هيله وتثريته عند الإقبار. قال الإمام [أبو عبد الله] (¬4): اختلف الناس فى الصلاة على الميت بعد أن يقبر، فأجازها بعضهم، والمشهور من مذهب مالك أنه لا يُصَلَّ عليه (¬5)، والشاذُّ أنه يصلي عليه إذا دفن ولم يصل عليه، واحتج من منع بأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُصَلَّ على قبره، ويحتج [أيضًا] (¬6) لمن أجاز بصلاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قبر السوداء، وانفصل (¬7) عن ذلك بوجوه: أحدها: أنه إنما فعل ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه كان وعدها أن يصلى عليها، فصار ذلك كالنذر عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا ضعيف؛ لأن النذر إنما يوفى به إذا كان جائزًا، فلو لم تكن الصلاة على القبر جائزة لما فعلها. ¬

_ (¬1) فى س: المدفون فيه. (¬2) من س. (¬3) فى س: ترابه. (¬4) من س. (¬5) وهو قول أبى حنيفة أيضاً وأصحابهما، وقول الثورى، والأوزاعى، والحسن بن صالح بن حَىٍّ والليث ابن سعد. قال ابن القاسم: قلت لمالك: فالحديث الذى جاء عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى على قبر امرأة؟ قال: قد جاء هذا الحديث وليس عليه العملُ. قال أبو عمر: ما رواه ابن القاسم عن مالك فى أنه لا يُصلى على القبر هو تحصيل مذهبِه عند أكثر أصحابه. الاستذكار 8/ 246. (¬6) ساقطة من ع. (¬7) فى المعلم المطبوع: فانفصل.

(...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنَ الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ والوجه الثانى: أنه فعل (¬1) ذلك لأنه - عليه السلام - أمرهم أن يُعلموه، وهو [الإمام] (¬2) الذى إليه الصلاة، فلما صلوا دون علمه كان ذلك بمنزلة من دُفِن بغير صلاة، وهذا التأويل تُسعده القَوْلة الشاذة التى ذكرنا لمالك فيمن دفن بغير صلاة، ويحتمل عندي أن يكون وجه ذلك أنه - عليه السلام - لما صلَّى على القبر قال عند ذلك: " إن هذه القبور مملوءَةٌ على أهلها ظلمة، وإن الله تعالى يُنَوِّرُهَا بِصَلاتِى عَليْهم " (¬3) أو كما قال. وهذا كالإفهام بأن هذا هو عِلَّة صلاته على القبر (¬4)، وهذه عِلَّة تختص بصلاته - عليه السلام - خاصة، إذ لا يقطع على وجود ذلك فى غيره، وفى الكتاب عن ابن عباس. " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على القبر " ويحتمل أن يكون القبر الذى أراد ابن عباس هو قبر السوداء المذكور. قال القاضى: تحصيل مذهب مالك وأصحابه المشهور أقوال أكثرهم فيمن لم يُصل عليه حين دفن أنه يصلى عليه فى قبره، وعنه - أيضاً - وهو قول سحنون وأشهب لا يصلى عليه، ومشهور قوله وقول أصحابه فيمن صلى عليه ليس لمن فاتته الصلاة عليه إعادة الصلاة عليه، وهو قول الليث، والثورى وأبى حنيفة قال: إلّا أن يكون وليَّه، فله إعادة الصلاة عليه، وعن مالك - أيضاً - جواز ذلك، وهو قول الشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق وغيرهم (¬5)، واختلف فيما بقيت الصلاة عليه وإخراجه إذا دفن بغير صلاة (¬6)، ¬

_ (¬1) فى المطبوع من ع: سئل. (¬2) ساقطة من س. (¬3) طريق أبى الربيع، وأخرجه الدارقطنى عن أنس 2/ 77، والبيهقى فى السنن 4/ 47 عن أبى هريرة. (¬4) فى س: القبور. (¬5) قال الماوردى: رواية الشعبى عن ابن عباس: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبر بعد شهر، فكانت سنةٌ رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابتةٌ بذلك، فمن أنكرها كان مباهتاً؛ ولأنه من لم يصل على الميت جاز أن يصلى على القبر ما لم يُبْلَ كالولى، الحاوى 3/ 60. (¬6) يعنى ضابط إخراجه.

69 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، جَمِيعًا عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الضَّرَيْسِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِى حَصِينٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى صَلَاتِهِ عَلَى الْقَبْرِ، نَحْوَ حَدِيثِ الشَّيْبَانِىِّ. لَيْسَ فِى حَدِيْثِهِمْ: وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. 70 - (955) وحدَّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِىُّ، حَدَّثَنَا غنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ حبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ. 71 - (956) وحدَّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ - وَاللَّفْظ لأَبِى كَامِلٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ - أَوْ شَاباً - فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا - أَوْ عَنْهُ - فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: " أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِى ". قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا - أَوْ أَمْرَهُ. فَقَالَ: " دُلُّونِى عَلَى قَبْرِهِ " فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ هل بإهالة التراب؟ وهو قول أشهب أو تسويته؟ وهو قول عيسى وابن وهب، أو خوف التغير عليه؟ وهو قول ابن القاسم وابن حبيب. وقاله سحنون أيضاً، [و] (¬1) الطول، وذلك فيمن لم يصل عليه ما زاد على ثلاثة أيام فأكثر عند أبى حنيفة، وقال أحمد فيمن صلى عليه: تعاد إلى شهر (¬2)، وقاله إسحاق فى الغائب قال: وفى الحاضر ثلاثة أيام. قال أبو عمر: وأجمع من قال بالصلاة على القبر أنه لا يصل عليه إِلَّا بالقرب، وأكثر ما قيل فى ذلك شهر. وقوله: " تقُمَّ المسجد "، قال الإمام: أى تكنسه، والمقمَّة: المكنسة. قال القاضى: والقمامة: الكناسة (¬3). وفى حديث السوداء هذا ما كان عليه - عليه السلام - من تفقد أحوال ضعفاء المسلمين، وما جبل عليه من التواضع والرأفة والرحمة ¬

_ (¬1) فى الأصل: أو. (¬2) وقال أبو حنيفة وأصحابُه: لا يُصَلَّى على جَنَازةٍ مَرَّتين إلا أن يكونَ الذى صَلَّى عليها غيرُ وليِّها، فيعيد وَليها الصلاة عليها إن كانت لم تُدفَن، وإن كانَت قد دُفِنت أعادها على القبر. لفظه كما فى الاستذكار: أجمع العلماء الذين رأوا الصلاة على القبر جائزة أنه لا يُصَلَّى على قَبر إلا بقرب ما يُدفَنُ، وأكثرُ ما قالوا فى ذلك شهر. الاستذكار 8/ 251. (¬3) وهى الزبل وما يجتمع فيه. مشارق الأنوار 2/ 185.

هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءٌ ظُلْمَة عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِى عَلَيْهِمْ ". 72 - (957) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ شُعْبَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، قَالَ: كَانَ زَيْدٌ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا، وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ بأمته، وفى حديث إسحاق وإبراهيم وهارون بن عبد الله: ثنا أبو غسان أحمد بن عمرو الرازى (¬1) وقع عند العذرى فيما رواه لنا عنه الصدفى: حدثنى أبو غسان (¬2) المسمعى وهو وهم. وقوله: " كان أبو بكر (¬3) يكبّر على جنائزنا، أربعًا، وأنه كبّر على جنازة خمسًا وقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبرها ": ليس فيه حجة أنه لم يكن يكبّر إلّا خمسًا، بل ظاهره فعل هذا، وهذا كما فعل زيد، وزيد هذا هو ابن أرقم، كذا جاء مفسراً فى هذا الحديث فى كتاب أبى داود. ¬

_ (¬1) معنى هذا: أن الرواية التى معنا ليست من رواية العذرى فيما رواه عنه الصدفى. (¬2) أبو غسان هو: مالك بن عبد الواحد المسمعى البصرى، وهو لم يرو عن يحيى بن الدريس، إنما الذى روى عنه هو أبو غسان محمد بن عمر بن بكر الرازى وبذا قال المزى. تهذيب الكمال 26/ 200، 27/ 150. (¬3) كذا فى جميع النسخ، وفى المطبوعة: زيد بن أرقم من رواية شعبة. وكذا فى أبى داود 2/ 187.

(24) باب القيام للجنازة

(24) باب القيام للجنازة 73 - (958) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا، حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تَوضَع ". 74 - (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهِذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ يُونُسَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبيَعَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الْجِنَازَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا، فَلْيَقُمْ حَتَّى تخَلِّفَهُ، أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَلِّفَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم أحاديث الأمر بالقيام عند رؤية الجنازة حتى تخلف أو توضع، وفى بعضها: " حتى تخَلِّفَه " إذا كان غير مشيعها، وفى بعضها: " إذا تبعها فلا تجلسوا حتى توضع "، وأنه - عليه السلام - قام وأصحابه لجنازة يهودىٍّ، وقال: " أليست نفسًا " وفى آخر: " أنَّ الموت فزعٌ فقوموا "، وفى حديث آخر رواه الطحاوى: " إنما يقومون لمن معها من الملائكة " (¬1) ثم ذكر نسخ ذلك، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام ثم قعد (¬2). اختلف الناس فى هذه الجملة، فقال جماعة منهم: إن هذا نسخ لمن مَرَّتْ به، وهو قول [مالك و] (¬3) الشافعى وأبى حنيفة، وقيل: بل هو على التوسعة والتخيير ولبس [بنسخٍ] (¬4) وهو قول أحمد وإسحاق، وقاله ابن حبيب وابن الماجشون من المالكية. وكذلك اختلفوا فى قيام من يُشَيِّعها على ما تقدم. وذكر عن جماعة من الصحابة والسلف الأخذ بالأحاديث فى القيام لها، وقال جماعة من السلف: إن النسخ إنما هو فى القيام لمن مرت به، فأما من تبعها فلا يجلس حتى ¬

_ (¬1) وتمام لفظه: عن أبى موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم جنازة مسلم أو يهودىٍّ أو نصرانىٍّ فقوموا، فإنكم لستُم لها تقومون، إنما تقومون لمن معها من الملائكة ". شرح معانى الآثار، ك الجنائز، ب الجنازة تمر بالقوم أيقومون لها أم لا؟ 1/ 489. (¬2) انظر: الأحاديث (82 - 84) بالباب التالى. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) فى الأصل: بشىء، والمثبت من س.

75 - (...) وحدَّثنى أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيم، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلٌ جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّد ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، غَيْر أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الْجَنَازَةَ فَلْيَقُمْ حينَ يَرَاهَا، حَتَّى تُخَلِّفهُ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَّبِعهَا ". 76 - (959) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا اتَّبَعْتُمْ جِنَازَةً فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ ". 77 - (...) وحدَّثنى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُو ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لَهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ توضع، وهو قول الأوزاعى، وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن. وقال قوم من أهل العلم: ما جاء فى القعود نسخ لكل قيام فى الجنازة لمن رآها ومرت به، ولقيام مَنْ تبعها حتى توضع، وللقيام على قبرها حتى تدفن. وقد اختلف في القيام على القبر حتى تقبر، وكرهه قوم وعمل به آخرون، وروى ذلك عن على (¬1)، وعثمان، وابن عمر، وغيرهم. وروى ابن عباس فيه حديثًا عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2). ومن العلماء مَنْ قال: إنما قام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تأسيًا بأهل الكتاب على رسمه من فعله ذلك لما لم تنزل عليه فيه شىء، ثم أمر بالقعود (¬3)، وقيل: بل قام فسمع يهوديًا يقول: ¬

_ (¬1) يقصد حديث على وهو: " أنَّ عليًّا قام على قبرٍ حتى دُفِن وقال: ليكن لأحدكم قيامٌ على قبرِه حتى يدفن " ابن أبى شيبة 3/ 236. ولم أقف على رواية لعثمان - رضى الله عنه - فى ذلك، وأعلام الصحابة القائلون بالقيام على القبر وبعدم النسخ: الحسن بن على، وأبو هريرة، والمسور بن مخرمة، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو سعيد الخدرى، وأبو موسى الأشعرى، ومن أئمة التابعين: النخعى. والشعبى، وابن سيرين، ومن الأئمة المتبوعين: أحمد، وإسحاق، وبه قال محمد بن الحسن. راجع: التمهيد 23/ 264. (¬2) أخرجها ابن عبد البر بإسناده إلى محمد بن سيرين، أن جنازةً مَرَّتْ بعبد الله بن عبَّاس والحسن بن على، فقعد ابْنُ عبَّاس فقام الحسن وقعد ابن عباس، فقال الحسنُ: أليس قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجنازة يهودىِّ؟ فقال ابن عبَّاس: بلى، ثم جلس بعد. الاستذكار 8/ 303. (¬3) أخرجه ابن عبد البر عن الثورى بإسناده إلى معمر عن على بن أبى طالب؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتشبَّه بأهل =

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ " فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ ". 78 - (960) وحدَّثنى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُو ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: مَرَّتْ جِنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُمْنَا مَعَهُ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا يَهُودَّيةٌ ". فَقَالَ: " إِنَّ المَوْتَ فَزَعٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا ". 79 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبْيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَنَازَةٍ، مَرَّتْ بِهِ، حَتَّى تَوَارَتْ. 80 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبْيرِ أَيْضًا؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِجَنَازَةِ يَهُودِىٍّ، حَتَّى تَوَارَتْ. 81 - (961) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَن عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى؛ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَسَهْلَ بْن حُنَيْفٍ كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ، فَمَرَّتْ بِهمَا جِنَازَةٌ، فَقَامَا. فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ. فَقَالَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ. فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِىٌّ. فَقَالَ: " أَلَيْسَتْ نَفْسًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كذلك نفعل، فأمر بالقعود وقال: " خالفوهم " (¬1) كما جاء فى غير قصة أيضًا. وقوله " إنها من أهل الأرض ": أى من أهل هذه الأرض، يعنى من أهل الذمة، ¬

_ = الكتاب فيما لم ينزل فيه وحى، وكان يقوم للجنازة، فلما نهى انتهى. قال: ورواه ابن عيينة عن ليث، عن مجاهد، عن أبى معمر عبد الله بن سخبرة الأزدى. التمهيد 23/ 264. (¬1) أبو داود فى سننه، ك الجنائز، ب القيام للجنازة 2/ 182، الترمذى فى الجنائز كذلك، ب ما جاء فى الجلوس قبل أن توضع من حديث عبادة بن الصامت 3/ 331.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَريَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرو بْنِ مُرَّةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِيهِ: فَقَالَا: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّتْ عَلَيْنَا جِنَازَة. ـــــــــــــــــــــــــــــ والجزية المقرون بأرضهم عليها. وأما قيامه لجنازة اليهودى فقد عُلِّل فى الحديث بما تقدَّم؛ من أنها نفس، وأن الموتَ فَزَعٌ، ولمن معها من الملائكة، وجاء فى بعض الأحاديث أنه قام لجنازة يهودى مرت به وقال: " آذانى نتن ريحها " رواه الطحاوى (¬1) وذكر الطبرى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قام كراهة أن تعلو جنازة اليهودى على رأسه (¬2)، وذكر فى الأم آخر الباب: [وقال] (¬3) محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: ثنا (¬4) عبد الرزاق عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، كذا عند عبد الغافر الفارسى، وعند العذرى: إبراهيم ثنا (¬5) هشام (¬6) ثنا محمد بن يحيى، وذكره، قال لنا أبو على القاضى: صوابه عبد الرزاق عن الثورى، عن يحيى بن سعيد، والصواب أن إبراهيم بن سفيان يقوله [تقريب] (¬7) سند، وأنه من زياداته لا من أصل الكتاب. ¬

_ (¬1) شرح معانى الآثار عن ابن عباس، بلفظ: " آذانى ريحها ". (¬2) وأخرجه البيهقى بإسناده إلى الحسن بن على بلفظ: " أنه مُرَّ بجنازة يهودىٍّ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طريقها فقام حين طلعت، كراهية أن تعلو على رأسه. معرفة السنن 5/ 279. (¬3) من س. (¬4) و (¬5) فى س: نا. (¬6) فى الأصل: مسلم، والمثبت من س. (¬7) فى س: بتقريب، ويعنى بتقريب السند: أنه شرح منه للسند. وعلى كلٍّ فإن النسخ المطبوعة جاءت خالية من تلك الرواية.

(25) باب نسخ القيام للجنازة

(25) باب نسخ القيام للجنازة (¬1) 82 - (962) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ ابن مُعَاذٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: رَآنِى نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَنَحْنُ فِى جَنَازَةٍ، قَائِمًا، وَقَدْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ، فَقَالَ لِى: مَا يُقِيمُكَ؟ فَقُلْتُ: أَنْتَظِرُ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ، لِمَا يُحَدِّثُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ. فَقَالَ نَافِعٌ: فَإِنَّ مَسْعودَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَنِى عَنْ عَلِىَّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَعَدَ. 83 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِىِّ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى وَاقِدُ بْنُ عَمْرو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِىُّ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ مَسْعودَ ابْنَ الْحَكَمِ الأَنْصَارِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ يَقُولُ فِى شَأنِ الْجَنَائِزِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ. وَإِنَّمَا حَدَّثَ بِذَلِكَ لأَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ رَأَى وَاقِدَ بْنَ عَمْرٍو قَامَ، حَتَّى وُضِعْتِ الْجِنَازَةُ. (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 84 - (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىِّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِىٍّ؛ قَالَ: رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ، فَقُمْنَا. وَقَعَدَ، فَقَعَدْنَا - يَعْنِى فِى الجَنَازَةِ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ المُقَدَّمِىُّ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(26) باب الدعاء للميت فى الصلاة

(26) باب الدعاء للميت فى الصلاة 85 - (963) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مُعَاوِيَةُ ابْنُ صَالِحٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ جُبَيْرٍ بْنِ نُفَيْرٍ، سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّة، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ - أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ - ". قَالَ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم أحاديث الدعاء على الجنازة. لا خلاف بين العلماء أن صلاة الجنازة تحتاج من طهارة الحدث واللباس والمكان إلى ما يحتاج إليه صلاة الفرض، وأنها لا تجوز بغير طهارة، إلا ما روى عن الشعبى (¬1) مما لم يتابع عليه، وكذلك تحتاج إلى نية، وإحرام، وسلام، وذكر، ودعاء للميت، كما جاءت به الآثار (¬2). واختلف فى القراءة بأم القرآن فيها، وفى الدعاء بعد التكبيرة الرابعة، وفى السلام منها، هل هو واحدة أو (¬3) اثنتان؟ وذهب محمد بن أبى صفرة إلى أنه مستحب (¬4)، إذ لم يأت فيه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت (¬5) ولمالك فى العتيبية مثله. قال الإمام: أما القراءة بأم القرآن فى صلاة الجنازة فأثبتها الشافعى وأسقطها مالك. والمسألة فرع بين أصلين: أحدهما: الصلوات الخمس، فإنها تفتقر إلى قراءة أم القرآن، والطواف وهو لا يفتقر إلى قراءة، وصلاة الجنازة تشبه الصلوات الخمس فى افتقارها للتحريم [والسلام] (¬6)، ومنع الكلام، وتشبه الطواف فى أنها ليس فيها ركوع ولا سجود، كما ليس ذلك فى الطواف، وقد رجَّح المخالفُ مذهبه بما روى عن ابن عباس أنه ¬

_ (¬1) ابن أبى شيبة: فى الرجل يحضر الجنازة وهو على غير وضوء، قال: يصلى عليها 3/ 306. (¬2) أخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه عن غندر عن عمران بن حدير قال: سألت محمدًا عن الصلاة على الميت فقال: ما نعلم له شيئًا مؤقتًا، فادع بأحسن ما تعلم، وعن ابن عبد الله قال: ليس فى الصلاة على الميت شىء مؤقت. 3/ 295. (¬3) فى س: أم. (¬4) زيد بعدها فى الأصل خطأ كلمة: والثانى. (¬5) فى س: ثابت. (¬6) من س.

(...) قَالَ: وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ أيضًا. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ابْنُ صَالِحٍ، بِالإِسْنَادِيْنِ جَمِيعًا، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ. 86 - (...) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجْهْضَمِىِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلَاهُمَا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ الْحِمْصِىِّ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ - وَاللَّفْظُ لأَبِى الطَّاهِرِ - قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ - يَقُولُ: " اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِمَاء وَثَلْج وَبَرَدٍ، وَنَقْهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لما صلى قرأ بها ثم قال: " أردت أن أعلمكم أنها سنة " (¬1). قال بعض أصحابنا: وفى قوله احتمالٌ، هل أراد أن يخبرهم أن القراءة سنة، أو نفس الصلاة [سنة] (¬2). قال القاضى: يقول الشافعى: قال محمد بن مسلمة من أصحابنا، وأشهب، وهو قول أحمد وإسحاق [وداود] (¬3)، وذهب الحسن (¬4) إلى أنه يقرؤها مع كل تكبيرة. وذكر مسلم فى الباب حديث هارون بن سعيد الأيلى عن ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير الحديث. ثم قال: وحدثنى عبد الرحمن ابن جبير بحديثه عن أبيه، الحديث مختصر. قائل: " وحدثنى عبد الرحمن " هو معاوية بن صالح، المحدث به أولاً عن حبيب، ذكر صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم كعب حين ماتت وهى نفساء، وترجم [عليها] (¬5) البخارى ¬

_ (¬1) يقصد حديث ابن عباس: أنه قرأ على جنازة وجهر وقال: " إنما فعلته لتعلموا أن فيها قراءة " وحديث عن زيد بن حلمة عن ابن عباس: " أنه قرأ عليها بفاتحة الكتاب ". ابن أبى شيبة 3/ 298. (¬2) من المعلم. (¬3) ساقطة من س. (¬4) عن ابن عون: كان الحسن يقرأ بفاتحة الكتاب فى كل تكبيرة. ابن أبى شيبة 3/ 298. (¬5) ساقطة من س.

قَالَ عَوْفٌ: فَتَمَنَّيْتُ أَنْ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْمَيِّتَ، لِدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَيِّتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك (¬1) [ليدل] (¬2) أنها وإن سُمِيتْ شهيدةً فليس حكمها فى الصلاة حكم شهيد المعترك. ¬

_ (¬1) فى ك الجنائز، ب الصلاة على النفساء إذا ماتت فى نفاسها 2/ 111 عن سمرة قال: صليتُ وراء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على امرأةٍ ماتت فى نفاسها، فقام عليها وصلى. (¬2) من س.

(27) باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه

(27) باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه 87 - (964) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ - مَاتَتْ وَهىَ نُفَسَاءُ - فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للِصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، كُلُّهُمْ عَنْ حُسَيْنٍ، بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " [فقام] (¬1) وسْطها ": كذا ضبطناه عن أبى بحر وغيره بسكون السين، وكذا ضبطه الجيانى فيما ثنا به عنه القاضى التميمى، وقال: كذا ردَّه على القاضى أبو بكر ابن صاحب الأحباس (¬2)، وأما ابن دينار (¬3) فقد قال: وسْط الدار ووسطُها معًا. اختلفت الآثار واختلف العلماء بسببها فى مقام الإمام من الميت - قال الطبرى: وأجمعوا أنه لا يلاصقه أولاً وليكن (¬4) بينه وبينه فرجة - فذهب قومٌ إلى الأخذ بهذا الحديث فى القيام وسط الجنازة ذكرًا كانت أو أنثى، قال أبو هريرة: فى المرأة، لأنه (¬5) يسترها عن الناس. وقيل: كان هذا قبل اتخاذ الأنعشة والقباب، وهو قول النخعى وأبى حنيفة، وقال آخرون: هذا حكم المرأة، فأما الرجل فعند رأسه؛ لئلا ينظر إلى فرجه، وأما المرأة فمستورة فى النعش، وهو قول أبى يوسف وابن حنبل. وقد خرج أبو داود حديثًا بمعناه (¬6)، وروى ابن غانم عن مالك نحوه. [فى المرأة وسكت عن الرجل، وكان ابن مسعود يعكس فى المرأة الرجل] (¬7) فى كل ذلك، وقال به أشهب وابن ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) هو أبو بكر عيسى بن محمد بن عيسى، فقيه أهل المريَّة، ومقدمهم فى العلم والرواية والفتيا والأدب، قال فيه القاضى فى ترتيب المدارك: أخذ عنه جماعة من شيوخنا. توفى - كما فى الصلة - سنة 470 هـ. ترتيب المدارك 8/ 153، الصلة 2/ 414. (¬3) هو الإمام الفقيه المأمون الزاهد العابد أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن دينار النيسابورى الحنفى، روى عن عمر بن شاهين، وأبو عبد الله الحاكم، وكان يعظمه ويُجلَّه، وقال فيه: ما رأيتُ فى مشايخ أصحاب الرأى أعبد منه. توفى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. تاريخ بغداد 5/ 452، سير 15/ 382. (¬4) فى س: ولكن. (¬5) فى س: أنه. (¬6) أبو داود، ك الجنائز، ب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه 2/ 186. (¬7) من س.

الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا: أُمَّ كَعْبٍ. 88 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ؛ قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعنِى مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هاهُنَا رِجَالاً هُمْ أَسَنُّ مِنِّى، وَقَدْ صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِى نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الصَّلَاةِ وَسَطَهَا. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ بُريْدَةَ قَالَ: فَقَامَ عَلَيْهَا للِصَّلَاةِ وَسَطَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبان من أصحابنا (¬1)، وقال أصحاب الرأى: يقوم فيها حذاء الصدر. وقيل فى قيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسطها: من أجل جنينيها، ليكونا أمامه معًا. وقول سمرة: " ما يمنعنى من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن منى ": من حسن الأدب وترك التقديم بين يدى الأسن والأعلم، وهذا مثل قول ابن عيينة وقد قال له سفيان الثورى: لم لا تحدِّث؟ فقال: أما ما أنت حىٌّ فلا. ¬

_ (¬1) وقال ابن القاسم: يقوم من الرجل عند صدره ومن المرأة عند منكبيها.

(28) باب ركوب المصلى على الجنازة إذا انصرف

(28) باب ركوب المصلى على الجنازة إذا انصرف 89 - (965) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظ لِيَحْيَى - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ - عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: أُتِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرَسٍ مُعْرَوْرى، فَرَكِبَهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ جِنَازَةِ ابْنِ الدَّحْدَاحِ، وَنَحْنُ نَمْشِى حَوْلَهُ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِر بْنِ سَمُرَةَ؛ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفرس مُعْرَوْرَىً " (¬1) وفى حديث آخر: " بفرسٍ عُرْىٍ "، قال الإمام: قال أهل اللغة: يقال: فرس عُرْىٍ وقيل: أعْراء، وقد اعرورا فرسَه، إذا ركبه عُرياً، ولا يقال: رجلٌ عَرَى، ولكن [يقال: رجل] (¬2) عريان. قال القاضى: قالوا: ولم يأت افعوعل مُعدىً، إلا قولهم: أعروريتُ الفرس، واحلوليتُ الشىء، ووقعَ عند العذرى: " وفرس معرور " ولا وجه له. ومعنى " عقله رجل فركبه ": أى حبسه له (¬3). وقوله: فجعل يتوقَّصُ [به] (¬4) أى [ينزو به] (¬5) ويقارب الخطو. وقوله: " ونحن نتبعه ونمشى خلفه " (¬6)، قال القاضى: أخبر عن صورة الحال فى انصرافهم من الجنازة، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقدمهم، وأتوا بعدهُ لا أن ذلك عادةً مشيهم معه، ¬

_ (¬1) جاء فى اللسان: مُعْرَوْرٍ: أى يعنى الفرس الذى لا سرج عليه. وجاء فى ابن الأثير: " أنه أتى بفرس مُعْروْرٍ " أى لا سرج عليه ولا غيره. واعْرَوْرى فَرسَه إذا ركبه عرياناً، فهو لازم ومتعدٍّ، أو يكون أتى بفرس مُعْرورى، على المفعول، ويقال: فرس عُرْىٌ وجبل أعراء. غريب الحديث لابن الأثير 3/ 225. (¬2) من ع. (¬3) بعدها فى الأصل: وفرس. ولا وجه لها. (¬4) من المعلم والصحيحة المطبوعة. (¬5) غير مقروءة كاملة فى جميع النسخ، والمثبت من ع. (¬6) حديث محمد بن المثنى ومحمد بن بشار بلفظ: " ونحن نتبعه، نسعى خلفه "، أما لفظة: " ونحن نمشى خلفه " فطريق يحيى بن يحيى وأبى بكر بن أبى شيبة.

صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ، ثُمَّ أُتِىَ بِفَرَسٍ عُرْىٍ، فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فَرَكِبَهُ، فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ، وَنَحْنُ نَتَّبِعُهُ، نَسْعَى خَلْفَهُ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ - أَوْ مُدَلى - فِى الْجَنَّةِ لابْنِ الدَّحْدَاحِ "!. أَوْ قَالَ شُعْبَةُ: " لأَبِى الدَّحْدَاحِ "!. ـــــــــــــــــــــــــــــ بل كان من سيرته أن يَقْدُمهم بين يديه، وينهى عن وطى العقب (¬1). وفيه جواز الركوب عند الانصراف من الجنازة، وكرهه العلماء فى تشييعها والسير معها، وقد ذكر أصحاب المصنفات حديثًا فى النهى عن ذلك (¬2). وقوله: " كم من عِذِق مُعَلَّقٍ - أو مُدَلَّى - فى الجنة لابن الدحداح ": العِذْق بكسر العين: العرجون، وبفتحها: النخلة. وقوله: " وقال شعبة لأبى الدحداح ": قال أبو عمر: أبو الدحداح، ويقال: أبو الدَّحْدَاحة، فلان ابن الدحداحة، لا أقف على اسمه (¬3). ولقوله - عليه السلام -[فيه] (¬4) هذا الكلام معنى وقصة (¬5)، وهو: أن يتيمًا خاصم أبا لبابة فى نخلة، فبكى الغلامُ فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " أعطه إياها، ولك بها عذق فى الجنة " قال: لا، فسمع بذلك ابن ¬

_ (¬1) يعنى بذلك ما أخرجه ابن ماجة فى المقدمة، وأحمد فى المسند، والحاكم فى مستدركه وصححه، ووافقه الذهبى، عن جابر - رضى الله عنه - قال: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مشى مشى أصحابه أمامه، وتركوا ظهره للملائكة " ابن ماجة، ب من كره أن يوطئ (246)، أحمد 3/ 332. وهو معنى ما جاء فى أبى داود: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى السفر ساقة أصحابه، يزجى الضعيف، ويردفَه، ويدعو لهم. (¬2) فقد أخرج عبد الرزاق فى المصنف، ك الجنائز، ب الركوب مع الجنازة عن الزهرى أنه قال: ما ركب. رسول الله مع جنازة قط، قال: ولا أعلمه إلا قال: ولا أبو بكر وعمر 3/ 453. وأخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه، ك الجنائز، ب من كره الركوب معها والسير أمامها، عن أبى هريرة؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى بدابة وهو فى جنازة، فلم يركب، فلما انصرف ركب 3/ 280. (¬3) عبارة أبى عمر: أبو الدَّحداح، ويقال: أبو الدَّحداحة، فلان ابن الدحداحة، مذكور فى الصحابة، لا أقِفُ له على اسم ولا نسبٍ أكثر من أنه من الأنصار، حليف لهم. ثم قال: ذكر ابن إدريس وغيره عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان، قال: هلك أبو الدحداح وكان أتيا فيهم، فدعا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاصم بن عدىٍّ، فقال له: هل كان له فيكم نَسبٌ؟ قال: لا. قال: فأعطى ميراثه ابن أختِه أبا لبابةَ بن عبد المنذر. وقد قيل: إن أبا الدحداح هذا اسمه ثابت بن الدحداح، ويقال: الدحداحةَ. الاستيعاب 4/ 1645. (¬4) ساقطة من س. (¬5) غير ثابتة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدحداحة فاشتراها من أبى لبابة بحديقة له، ثم قال للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألى بها إن أعطيت اليتيم إياها عذق فى الجنة؟ قال: نعم، فلما قتل قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الكلام (¬1). ¬

_ (¬1) قصة مقطوعة، أسندها ابن عبد البر إلى ابن شهاب رواها عنه عقيل. السابق. ولأبى نعيم فى معرفة الصحابة فى ثابت بن الدحداح قال: وقيل: ابن الدحداحة الأنصارى. قال: سأل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المحيض فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وأسند ذلك إلى ابن إسحاق عن محمد بن أبى محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس (111أ). وقد أخرجها ابن جرير فى تفسيره من طريق مجاهد 2/ 224. ولابن عبد البر فى ثابت بن الدَّحْدَاح قال: ويقال: ابن الدَّحداحة بن نعيم بن غنم بن إياس، يكنى ابا الدَّحداح، كان فى بنى أنيف أو فى بنى العجلان من بلى، حليف بنى زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف. قال محمد بن عمر الواقدى: حدثنى عبد الله بن عمار الْخُطمى، قال: أقبل ثابت بن الدَّحْداحةَ يوم أحُد والمسلمون أوزاع قد سُقِط فى أيديهم، فجعل يصيحُ: يا مَعَشَرَ الأنصار، إلىَّ إلىَّ، أنا ثابت بن الدَّحْداحة، إن كان محمدٌ قتِل فإن الله حىٌّ لا يموت، فقاتلوا عن دينكم، فإن الله مُظهِرُكُم وناصِرُكم. فنهض إليه نفرٌ من الأنصار، فجعل يحمل بمن معه من المسلمين، وقد وقفت له كتيبةٌ خشناء، فيها رؤساؤهم: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبى جهل، وضرار بن الخطاب، فجعلوا يُناوشونهم، وحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فطعنه، فأنفذَه، فوقَع ميتاً، وقُتِل من كان معه من الأنصار، فيقال: إن هؤلاء آخِر من قُتِل من المسلمين يومئذ. قال: وبعض أصحابنا الرواة للعلم يقولون: إنَّ ابن الدَّحداحة برأ من جراحاته تلك، ومات على فراشه من جُرْح كان قد أصابه، ثم انتقض به مرجع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديبية سنة ست من الهجرة. راجع: الاستيعاب 1/ 203.

(29) باب فى اللحد ونصب اللبن على الميت

(29) باب فى اللحد ونصب اللبن على الميت 90 - (966) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمِسْوَرِىُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ؛ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ فِى مَرَضِهِ الَّذِى هَلَكَ فِيهِ: الْحَدُوا لِى لَحْدًا، وَأَنْصِبُوا عَلَىَّ اللَّبِن نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مسلم: ثنا يحيى بن يحيى أن عبد الله بن جعفر المسورى. كذا لهم، وعند أبى جعفر رواية ابن حفص، وهو وَهْم، والأول الصواب، وهو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة بن نوفل المدنى الزهرى، ويقال له المخرمى أيضاً، نسب إلى جدّيه؛ إلى المسور مرةً وإلى مخرمة أخرى. وقول سعد: " الحدوا لى وأنْصِبُوا عَلَىَّ اللّبِنَ كما فُعِلَ برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬1)، هذا عند أهل العلم أفضل من الشق، وكل جائز، لكن هذا الذى اختارهُ الله لنبيه حين اشتور الصحابة [رضى الله عنهم] (¬2) فى ذلك وقالوا (¬3): اللهم خِرْ له، فجاء الذى يلحد أولاً فلحدَ لَه (¬4)، ودليل اشتوارهم فيما يُفْعل، كون (¬5) الأمرين فى حياته عندهم معمولاً به، وأنه لا يفضل فى أحدهما عندهم من قبله - عليه السلام. ¬

_ (¬1) فى المطبوعة بلفظ: " الحدوا لى لحدًا وانصبوا علىَّ اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". (¬2) من س. (¬3) فى الأصل: وقال، والمثبت من س. (¬4) ذكر أبو بكر بن أبى شيبة عن ابن مهدى عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قالا: اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حين مات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان الرجل يلحد والآخر يشق. فقالوا: اللهم خير له فطلع الذى كان يلحد فلحد له. المصنف 3/ 323. (¬5) قيد قبلها: " منه " فى س، وهى زيادة لا فائدة منها.

(30) باب جعل القطيفة فى القبر

(30) باب جعل القطيفة فى القبر 91 - (967) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَوِكيعٌ، جميعًا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: جُعِلَ فِى قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيَفَة حَمْرَاءُ. قَالَ مُسْلِمٌ: أَبُو جَمْرَةَ اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " جُعل فى قبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطيفة حمراء ": روى أن الذى ألقاها فى القبر شُقران مولاه (¬1)، وكان النبىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يلبسها ويفترشها وقال: " والله لا يلبسك أحد بعده أبدًا ". قال القاضى: ذكر مسلم تكفين النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإقباره، ولم يذكر غُسْلَه، ولا خلاف أنه غُسِّل، ولا حديث الصلاة عليه، وقد اختلف فى ذلك فقيل: لم يُصْل عليه جملة، وإنما كان الناس يدخلون أرسالاً، فيدعون وينصرفون، واختلف فى تعليل ذلك، فقيل: لفضله، وأنه غير محتاج لذلك كالشهيد، وهذا ينكسر بغسله، وقيل: بل لأنه لم يكن ثم إمام، وهذا خطأ، فإن إمامة الفرائضِ [لم تتعطل] (¬2)، ولأن البيعة تمت لأبى بكر قبل دفنه وهو إمام الناس، وقيل: بل صُلى عليه أفذاذ، فوج بعد فوج؛ ليأخذ كُل منهم بنصيبه من بركة الصلاة عليه، وقد جاء فى بعض الآثار فى وفاته [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬3): أنه صُلِّى عليه بصلاة جبريل. وهذه العلة المذكورة فى عموم بركته هى أحد العلل فى تأخير دفنه يوم وفاته (¬4) يومه، فيدركه من غده يوم الثلاثاء، ولم يحتمل تأخيره أكثر، وقيل: بل شُغِل ¬

_ (¬1) شقران: مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل: إنَّ اسمه صالح بن عدى فيما قاله مصعب بن عبد الله وخليفة بن خياط. روى عن النبى حديثًا واحدًا، أخرجه الترمذى، وروى عنه عبيد الله بن أبى رافع وأبو جعفر محمد بن على بن الحسين ويحيى بن عمارة. وكان عبدًا حبشيًا لعبد الرحمن بن عوف، فوهبه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: بل اشتراه منه فأعتقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال خليفة: لا أدرى دخل البصرة، أو أين مات؟ تهذيب الكمال 12/ 544، تهذيب التهذيب 4/ 360، وانظر: طبقات خليفة: 7. (¬2) فى الأصل: ما يتعطل، والمثبت من س. (¬3) من س. (¬4) قال ابن عبد البر: إن أبا بكر قال لعائشة: أىَّ يوم توفى فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: يوم الاثنين، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه. وأما دفنه يوم الثلاثاء فمختلف فيه، فمن أهل العلم بالسير من يصحح ذلك على ما قال مالك، ومنهم من يقول: دفن ليلة الأربعاء. وقد جاء الوجهان فى أحاديث بأسانيد صحيحة. التمهيد 24/ 396.

وَأَبُو التَّيَّاحِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ. مَاتَا بِسَرَخْسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمون بقية يوم الاثنين [بخبر] (¬1) البيعة (¬2)، وخافوا من انتشار أمر الأمة وفوت ذلك، فقدموا الشغل به، ثم نظروا فى تجهيزه يوم الثلاثاء والحفر له، ودُفن ليلةُ الأربعاء، وقيل: بل أُخِّر (¬3) ذلك لاختلافهم هل مات أم لا؟ وهذا يضعف لأن صحة موته - عليه السلام - استقرت للحين، وقيل: بل اختلافهم فى موضع دفنه، حتى أعلمهم أبو بكر بما سمع منه: " ما دفن نبى إلا حيث يقبض "، وأولى الوجوه الشغل أولاً بالخلافة، ثم بتجهيزه ثم استيعاب الصلاة عليه أفواجًا؛ الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، على ما ذكر أهل السير، وبحسب هذا أن يتم فى هذه المدة، والله أعلم. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) أخرج ابن عبد البر، عن ابن شهاب قال: توفى رسول الله على صدر عائشة حين زاغت الشمس، فشغل الناس عن دفنه بشأن الأنصار. التمهيد 24/ 396. (¬3) فى الأصل: أقر، والمثبت من س.

(31) باب الأمر بتسوية القبر

(31) باب الأمر بتسوية القبر 92 - (968) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِى عَمْرُو ابْنُ الْحَارِثِ - فى رِوَايَةِ أَبِى الطَّاهِرِ - أَنَّ أَبَا عَلِىّ الْهَمْدَانِىَّ حَدَّثَهُ - وَفِى رِوَايَةِ هَارُونَ - أَنَّ ثُمَامَة بْنَ شُفَىٍّ حَدَّثَهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بَأرْضِ الرُّومِ، بِرُودِسَ، فَتُوُفِّىَ صَاحِبٌ لَنَا، فَأَمَرَ فُضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوِّىَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا. 93 - (969) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِىِّ، قَالَ: قَالَ لِى عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ ": أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالاً إِلا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الأمر بتسوية القبور (¬1)، وفى الحديث الآخر: " ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته " جاء فى هذا آثار عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وعن العلماء، وجاء - أيضاً - أنها صفة قبره وقبر أبى بكر وعمر، وجاء - أيضاً - أنها تُسَنّمُ (¬2)، وتسنيمها (¬3) [اختيار] (¬4) أكثر العلماء وجماعة أصحابنا وأبى حنيفة والشافعى، وحكى بعضهم فيه الخلاف، وحملهُ بعضهم على الرفق، وجمعوا بين الأمر بتسويتها وبين تسنيمها: أن تسويتها ألّا يبنى عليها بناءً عاليًا ولا تعظَّم، كما كانت قبور المشركين، وتكون لاطيةً بالأرض، ثم تسنم ليتميز أنه قبر، وقد جاء عن عمر أنه هدمها (¬5) وقال: ينبغى أن [تسوى] (¬6) تسوية تسنيم، وهذا ¬

_ (¬1) وفيه: " بأرض الروم برودس " هى براء مضمومة ثم واو ساكنة ثم دال مهملة مكسورة ثم سين مهملة كذا ضبطها القاضى فى المشارق عن الأكثرين ونقل عن بعضهم بفتح الدال، وعن بعضهم بالشين المعجمة، وهى فى رواية أبى داود فى السنن بذال معجمة وسين مهملة. (¬2) فقد أخرج ابن أبى شيبة عن سفيان التمار قال: دخلت البيت الذى فيه قبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأيت قبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبر أبى بكر وعمر مسنمة. المصنف 3/ 334. (¬3) فى س: وتسنيمه. (¬4) فى هامش الأصل. (¬5) راجع: المصنف لعبد الرزاق 3/ 504، وفى بعض نسخه - وهى ما عليه المطبوعة - أن الأمر بذلك عثمان - رضى الله عنه. (¬6) فى الأصل: تكون، والمثبت من س.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِىُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى حَبِيبٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى قول الشافعى: تسطح القبور، ولا تبنى ولا ترفع، وتكون على وجه الأرض نحوًا من شبر (¬1). وقوله: " لا تدع تمثالاً إلا طمسته ": فيه [الأمر] (¬2) بتغيير الصور ذوات الروح، وأن إبقاءها من المناكير، يحتمل أن تكون التماثيل هنا القائمة للأشخاص، ويحتمل فى كل صورة من رسم وغيره دون ما فى الثياب، وسيأتى الكلام عليه فى موضعه إن شاء الله. ¬

_ (¬1) عبارة الشافعى فى الأم: ويُسَطَّحُ القبرُ، وكذلك بلغنا عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سطّح قبر إبراهيم ابنه ووضع عليه حصًا من حصى الروضة، ثم قال. وقال بعض الناس: بسنم القبر، ومقبرة المهاجرين والأنصار عندنا مسطح قبورها، ويشخص من الأرض نحو من شبر. الأم 1/ 242، وراجع: معرفة السنن 5/ 357، والحاوى 3/ 25. (¬2) ساقطة من س.

(32) النهى عن تجصيص القبر والبناء عليه

(32) النهى عن تجصيص القبر والبناء عليه 94 - (970) حدّثنا أبو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ. (...) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى أن يجصص القبر وأن يُبنى عليه "، وفى الآخر عن " تقصيص القبور "، وهو بمعنى الجصِّ بفتح الجيم وكسرها القصَّة. قال الإمام: قال أبو عبيد: هو التجصيص، وذلك أن الجَصَّ يقال له: القصة والجصاص والقصاص واحد، فإذا خلط الجصُّ بالرماد والنورة فهو الجيار، وقال ذلك ابن الأعرابى. وقال الهروى: [وفى] (¬1) حديث عائشة: "ولا تَغْتَسِلْن من المحيض حَتَّى تَرَيْنَ القصة البيضاء " (¬2) [قال] (¬3): معناها (¬4) أن تخرج القطنة أو الخرقة التى تحتشى بها، كأنها قصة لا يخالطها شىء. قال القاضى: ذكر الهروى هذا وذكر أنه قيل: إن القصَّة شىء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم، وقال الحربى: وقيل: القصة: القطعة من القطن؛ لأنها بيضاء، قال: ويدل عليه قول من رواه: " حتى ترين القصة بيضاء ". قال الإمام: مذهب مالك كراهية البناء والجص على القبور، وأجازه المخالف، وهذا الحديث حجة عليه، وكذلك قوله - عليه السلام - فى حديث آخر: " ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته " كان المفهومُ من الشريعة أنه إنما كره للمباهاة، وهؤلاء ليسوا أهل مباهاة. وقوله: " وأن يقعد عليها، وفى الحديث الآخر: " ولا تجلسوا على القبور " (¬5) وفى الحديث الآخر: " لأن يجلس أحدكم على جَمْرَة فتحرق ثيابَه فَيَخْلُصَ إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " (¬6)، قال الإمام: من الناس مَنْ أخذه على ظاهره، ومنهم مَنْ ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) جزء من حديث أخرجه البخارى؛ ك الحيض، ب إقبال المحيض وإدباره بلفظ: " لا تعجلن ... " 1/ 87، وكذا مالك فى الموطأ، ك الطهارة، ب طهر الحائض 1/ 59. (¬3) من ع. (¬4) فى ع: معناه. (¬5) حديث رقم (97) بالباب التالى. (¬6) حديث رقم (96) بالباب التالى.

جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 95 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: نهىَ عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تأول أن المراد بالقعود الحدَثَ [لا الجلوس] (¬1). قال القاضى: هذا [هو] (¬2) تأويل مالك فيه فى الموطأ (¬3)، وقوله: " لا يُصَلُّوا إليها ": أى لا تتخذ قبلَةً، وهذا مثل الحديث الآخر فى النهى عن اتخاذ قبره مسجدًا، وذم اليهود بما فعلوا من ذلك (¬4)، وكل ذلك لقطع الذريعة لئلا يُعبد قبرُه، ويعتقد الجُهَّالُ فى الصلاة إليها وعليها تقرباً بذلك، كما كان الأصل فى عبادة الأصنام. ¬

_ (¬1) زائدة من ع. (¬2) ساقطة من س. (¬3) الموطأ، ك الجنائز، ب الوقوف للجنائز، والجلوس على المقابر 1/ 232، 233. (¬4) سبق فى: ك المساجد ومواضع الصلاة، ب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهى عن اتخاذ القبور مساجد.

(33) النهى عن الجلوس على القبر والصلاة عليه

(33) النهى عن الجلوس على القبر والصلاة عليه (¬1) 96 - (971) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِق ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 97 - (972) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ وَاثِلَةَ، عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا ". 98 - (...) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ الْبَجَلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ يَزِيدَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِىِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(34) باب الصلاة على الجنازة فى المسجد

(34) باب الصلاة على الجنازة فى المسجد 99 - (973) وحدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ - وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ - قَالَ عَلِىٌّ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْن حَمْزَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ فِى الْمَسْجِدِ، فَتُصَلَّىَ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِىَ النَّاسُ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلٍ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلَّا فِى الْمَسْجِدِ. 100 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَة؛ أَنَّهَا لَمَّا تُوفِّىَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ، أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِى الْمَسْجِدِ، فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا، فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهُنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ - أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِى كَانَ إِلَى الْمَقَاعِدِ - فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا كَانتِ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ. فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر حديث عائشة وإنكار الناس عليها إدخال جنازة سعد فى المسجد واحتجاجها بصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابن بيضاء فى المسجد (¬1). قال الإمام: مذهب الشافعى جواز الصلاة على الميت فى المسجد، وهذا الحديث حجة ¬

_ (¬1) لفظها فى المعلم: " وقول عائشة - رضى الله عنها - صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنى بيضاء فى المسجد سهيل وأخيه " قلت: وهذا لفظ مالك فيما أخرجه عن أبى النضر عن أبى سلمة، ولم يذكر فيه سهلاً، روايته مرسلة. قال أبو عمر: سهل بن بيضاء أخو سهيل وصفوان، أمُّهم البيضاء، واسمها دعد بنت الجحدم بن أمَّية بن ضبة بن الحارث، قال: كان سهل بن بيضاء ممن أظهر إسلامه بمكة، وهو الذى مشى إلى النفَر الذين قاموا فى شأن الصحيفة التى كتبها مشركو قريش على بنى هاشم، حتى اجتمع له نفرٌ تبرؤوا من الصحيفة وأنكروها، وهم هشام بن عمرو بن ربيعة، والمطعم بن عدى بن نوفل، وزمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد، وأبو البخترى بن هشام بن الحارث بن أسد، وزهير بن أبى أمية بن المغيرة. أسلم سهل بن بيضاء بمكة وأخفى إسلامه، فأخرجته قريش معهم إلى بدرٍ، فأسر يومئذٍ مع المشركين، فشَهِد له عبد الله بن مسعود أنه رآه بمكة يصلى، فخُلِّىَ عنه. قال: ومات بالمدينة، وفيها مات أخوه سهيل، وصلى عليهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المسجد. الاستيعاب 2/ 660.

عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةٍ فى الْمَسْجِدِ! وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِى جَوْفِ الْمَسْجِدِ. 101 - (...) وَحدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ - عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا تُوُفِّىَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَتِ: ادْخُلُوا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ له، ومذهب مالك منع ذلك، و [قد] (¬1) اختلف عندنا فى نجاسة الميت، فعلى القول بنجاسته يتبين وجه المنع، وعلى القول: ليس بنجس، يكون المنع حماية لذريعة؛ لئلا يتفجر منه شىء، وقد أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تجنب صبياننا ومجانيننا المسجد (¬2)، قالوا: وهذا خيفة أن يحدث منهم النجاسة، فهذا يؤيد ما وجهنا به [من حماية الذريعة] (¬3) ويعارض حديث عائشة حديث فى كتاب أبى داود [فيه] (¬4): " أن من صلى على جنازة فى المسجد فلا شىء له " (¬5)، أو كما قال. قال القاضى: ضعف أحمد بن حنبل هذا الحديث (¬6)، [وقال: هو مما انفرد به صالح مولى التوأمة] (¬7). وتأوله آخرون على الإعياء فى نقص أجره لما فاته من تشييعه إلى قبره، والمقام عليه إلى دفنه، وتأول آخرون " لا شىء له ": أى عليه، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَسَأَتُمْ فَلَهَا} (¬8): أى عليها. اختلف السلف والعلماء فى ذلك، فمن منع ذلك على ظاهر إنكار الصحابة مالك وبعض أصحابه، وأبو حنيفة، وابن ذئب. وممن أجازه الشافعى، وأحمد وإسحاق، قال أبو عمر: رواه المدنيون عن مالك، وقاله ابن حبيب من أصحابنا، وحكاه عن شيوخنا المدنيين، وقاله القاضى إسماعيل إذا احتيج إلى ذلك، ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) ابن ماجة، ك المساجد والجماعات، ب ما يكره فى المساجد 1/ 247 من حديث واثلة بن الأسقع، وقال فى الزوائد: إسناده ضعيف؛ فإن الحارث بن نبهان متفق على ضعفه. (¬3) و (¬4) من ع. (¬5) أبو داود، ك الجنائز، ب الصلاة على الجنازة فى المسجد 2/ 185. (¬6) يعنى حديث أبى داود. (¬7) سقط من س. وصالح مولى التوأمة هو صالح بن نبهان، والتوأمة بنت أمية بن خلف، وقال فيه ابن أبى داود: كان شعبة لا يروى عن صالح مولى التوأمة وكان ينهى عنه، ولابن عدى بإسناده إلى بشر بن عمر الزهرانى: سألت مالك بن أنس عن صالح مولى التوأمة. فقال: ليس بثقة فلا تأخذن عنه شيئًا. وقال: سمعت ابن حماد يقول: قال السعدى: صالح مولى التوأمةِ تغير آخرًا، فحديث ابن أبى ذئب عنه مقبول لسنه، ولسماعه القديم عنه، وأما الثورى فجالسه بعد التغير، ونقل عنه بإسناده إلى ابن أبى مريم قال: سمعت يحيى بن معين يقول: صالح مولى التوأمة ثقة حجة، إنما أدركه مالك بعد أن كبر وخرف. الكامل 4/ 1373، الضعفاء الكبير 2/ 205، تهذيب الكمال 13/ 99. (¬8) الإسراء: 7.

الْمَسْجِدَ حَتَّى أُصَلِّىَ عَلَيْهِ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا. فقَالَتْ: وَاللهِ! لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَىْ بَيْضَاءَ فِى الْمَسْجِدِ، سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ. قَالَ مُسْلِمٌ: سُهَيْلُ بْنُ دَعْدٍ وَهُوَ ابْنُ الْبَيْضَاءِ. أُمُّهُ بَيْضَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب الطحاوى (¬1) إلى أن صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سهيل بن بيضاء فى المسجد منسوخة، وإن ترك [هو] (¬2) آخر الفعلين من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بدليل إنكار عامة الصحابة ذلك على عائشة، وما كانوا ليفعلوه إلا لما علموه خلاف ما فعلته، وأما صلاة الناس عليها فى المسجد وهى خارجة قرب المسجد، فأجازه مالك إذا ضاق الموضع، واتصلت الصفوف. وظاهر احتجاج عائشة أنَّ صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابن بيضاء؛ إنما كان الميت داخل المسجد، وقد جاء فى الحديث فى جوف المسجد، وقد جعله بعضهم محتملاً للوجه الآخر، وأن الجنازة كانت خارجًا. وعليه حملوا ما جاء من الصلاة على أبى بكر وعمر فى المسجد (¬3)، وبهذا الحديث احتج مَنْ قال بطهارة الميت الآدمى. وقد اختلف فيه العلماء، واختلف قول الشافعى واختلف فيه أصحابنا، وذهب بعض المتأخرين أن الخلاف إنما يَصحُّ فى المسلمين دون الكافرين. وكلام المتقدمين فى العموم كافرهم ومسلمهم، وأمر عائشة أن يمر عليها بجنازة سعد ليصلى عليه كما جاء في كتاب مسلم، وكذلك فى الحديث الآخر: فيصلى عليه و " أنه وقف به على حُجَرِهِنَّ ليصلين عليه " يدل أن المراد بهذه الصلاة الدعاء، كما جاء فى الموطأ (¬4): " لتدعو له "، ولو كانت الصلاة المعهودة على الموتى لم يحتج أن يوقف به على حُجرِهن، بل رفع كل إشكال قولها فى حديث محمد بن حاتم: " عابوا علينا أن يمر بجنازته فى المسجد "، بل ظاهره أنه مر على حجرة كل واحدة تدعو له، وأن الناس لم يصلوا عليه حينئذٍ، ولو وضع فى المسجد ليصلين عليه بصلاة الناس. وقولها: " ما اْسرع الناس " (¬5) اختلفوا فى تأويله فقيل: معناه ما أسرع ما نسى الناس السنة، وقيل ما أسرع الناس إلى الطعن والعيب، وجاء فى رواية العذرى أحد ¬

_ (¬1) شرح معانى الآثار، ك الجنائز، ب الصلاة على الجنازة. (¬2) ساقطة من س. (¬3) وذلك فيما أخرجه ابن أبى شيبة بإسناده إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: صلى على أبى بكر وعمر تجاه المنبر. المصنف 3/ 364. وفى مالك رواية محمد بن الحسن: ما صُلِّى على عمر إلا فى المسجد (111). (¬4) ك الجنائز، ب الصلاة على الجنائز (22). (¬5) حديث محمد بن حاتم رقم (100) من هذا الكتاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التأويلين فى حديث على بن حجر (¬1). قال: يعنى ما نسى الناس وجاء فيه [فى] (¬2) حديث ابن حاتم التأويل الآخر مفسرًا من قول عائشة بما لا يجب أن يقال سواه ولا يتأول عليها غيره. إذ قد نَضَتْ عليه ورفعت الاحتمال، فقالت: " ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به ". وذكر مسلم فى الباب حديث هارون بن عبد الله (¬3) وفيه: أنبأنا الضحاك يعنى ابن عثمان عن أبى النضر عن أبى سلمة، هذا ما استدركه الدارقطنى على مسلم، وقال: خالفه حافظان: مالك، والماجشون عن أبى النضر عن عائشة مرسلاً، وقيل: عن الضحاك عن [أبى النضر] (¬4) عن أبى بكر بن عبد الرحمن ولا يصح إلا مرسلاً (¬5). ¬

_ (¬1) حديث رقم (99) من هذا الكتاب. (¬2) من س. (¬3) حديث رقم (101) من هذا الكتاب. (¬4) ساقطة من س. (¬5) الإلزامات والتتبع 343، وجاءت العبارة فيه محرفة هكذا " ولا يصح ولا أبو سلمة ". قلت: والضمير فى خالفه عائد إلى الضَّحَّاك. والضحَّاك بن عثمان الأسدى ثقة، ولعل إخراج مسلم له هنا يقصد به التنبيه على وقوع المخالفة منه، راجع: تهذيب الكمال 13/ 272.

(35) باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها

(35) باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها 102 - (974) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ شَرِيكٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى نَمِرٍ - عَنْ عَطَاءٍ بْنِ يَسَارٍ، عَن عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ. فَيَقُول: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا، مَؤَجَّلُون، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ " وَلَمْ يُقِمْ قُتَيْبَةُ قَوْلَهُ: " وَأَتَاكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر حديث عائشة فى خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى القبور وسلامه عليهم، فيه جواز زيارة القبور للاعتبار والدعاء لهم، وجواز الترحُّم على أهل القبور والاستغفار لهم، وسيأتى من هذا بعد، هذا (¬1) ومعنى الأحاديث بعده من قوله: " أمرت أن آتى أهل البقيع فأستغفر لهم ": يبين معنى حديث مالك بقوله: " فأصلى عليهم " (¬2)، وأن معنى الصلاة هنا: الدعاء والاستغفار، وقد قال بعضهم: إنه يحتمل أن تكون الصلاةُ المعلومةُ على الموتى، ويكون هذا خصوصًا للنبى - عليه السلام - أو يكون أراد أن يعمّهُم بصلاته؛ إذ فيهم من دفن وهو غائب، أو لم يعلم به فلم يصل عليه، فأراد أن تعمهم بركته، قيل: ولعل المراد بالصلاة عليهم هؤلاء خاصة، فاللفظ عموم والمراد به الخصوص. وقولها: " كلما كان ليلتها يخرج من آخر الليل " معناه - والله أعلم -: فى آخر عمره، وقبل أن يقبض لا قبل ذلك، يدل عليه الأحاديث الأخر، وإنكار عائشة خروجه لأول ما خرج واستقصاؤها عليه. وبقيع الغرقد، بالباء: موضع مدفن أهل المدينة، سمى بذلك لغرقدٍ كان فيه ثابتًا، وهو ما عظم من العوسج. ¬

_ (¬1) فى الأصل: وهذا. (¬2) يقصد بذلك فى الموطأ عن عائشة: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ ليلةٍ فلبس ثيابه، ثم خرَج، قالت: فأمرت جاريتى بريرة تَتَّبِعهُ، فتبعتُه، حتى جاء البقيع، فوقف فى أدناهُ ما شاء الله أن يقف، ثم انصرفَ، فَسَبقْتهُ بريرة فأخبرتنى، فلم أذكر له شيئًا حتى أصبح، ثُمَّ ذكرتُ ذلك له، فقال: " إِنِّى بُعثت إلى أهل البقيع لأُصَلِّىَ عليهم " ك الجنائز، ب جامع الجنائز 1/ 242. وكذا أخرجه النسائى فى الصغرى وفى الكبرى، الصغرى، ك الجنائز، ب الأمر بالاستغفار للمؤمنين 4/ 76، وكذا فى الكبرى 1/ 656، إلا أن عنوان الباب فيها: الاستغفار للمؤمنين.

103 - (...) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ فَقَالَتْ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِّى، قُلْنَا: بَلَى. ح وَحَدَّثَنِى مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الأَعْوَرَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ - رَجُلٌ منْ قَرَيْشٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّى وَعَنْ أُمِّى. قَالَ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِى وَلَدَتْهُ. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّى وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِى الَّتِى كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِى، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ. فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِى فى رَأسِى، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِى، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرَتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَل. فَقَالَ: " مَالَكِ؟ يَا عَائِشُ! حَشْيَا رَابِيَةً! ". قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَىءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين ": فيه أن السلام على الأموات والأحياء سواء فى تقديم السلام على المسّلم عليه، وما جاء فى النهى [عن تأخيرهِ] (¬1) بقوله عليه السلام: " إنها تحية الموتى " (¬2) يعنى فعل أهل الجاهلية فى زيارتهم الموتى كقوله: عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما وتقدم فى كتاب الطهارة معنى قوله: " وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " (¬3). وقولها: " ريثما ظن أن قد رقدت ": أى مقدار. وقولها: " فأخذ رداءه رويدًا ": أى قليل لئلا ينبِهُهَا. ¬

_ (¬1) ساقط من س. (¬2) رواه أبو داود، ك الأدب، ب كراهية أن يقول: عليك السلام، من حديث أبى جرى الهجيمى 2/ 644، وكذا أحمد فى المسند 3/ 482، وبلفظه: تحية الميت فى أبى داود، ك اللباس، ب ما جاء فى إرسال الإزار 2/ 378، والترمذى ك الاستئذان، ب ما جاء فى كراهية أن يقول: عليك السلام مبتدئة 5/ 71. (¬3) سبق فى ك الطهارة، ب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء رقم (249).

قَالَ: " لَتُخْبِرِينِى أَوْ لَيُخْبِرَنِّى اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ". قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِى رَأَيْتُ أَمَامِى؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَلَهَدَنِى فِى صَدْرِى لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِى. ثُمَّ قَالَ: " أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟ ". قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ. نَعَمْ. قَالَ: " فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِى حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِى، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ. وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِى. فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأتِى أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ". قَالَتْ: قُلْتُ: كَيفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟. قَالَ: " قُولِى: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها (¬1) فى الباب: " ثم أجافه ": أى أغلقه. وفعله ذلك - عليه السلام - لئلا تعلم بخروجه عنها وبقائها فى الليل وحدها فيدركها ذعرٌ وتوحش، كما فسر ذلك داخل الحديث (¬2)، وخروجها خلفه، والظاهر من معنى الحديث أنها اتهمته أنه سار إلى بعض أزواجه بدليل [لهذه] (¬3) لها فى صدرها. وهو الضرب فيه. وقوله: " أخفت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ ": أى يجور، ولا يصح مع هذا أن يتأول عليها غير هذا الوجه من تعلم أو استفتاء على ما أشار إليه بعضهم، إذ لا يقتضيه لفظ الحديث. وإتباعها لأثره ليس من التجسس لانه كان فى موضع مباح غير محجور ولا مستتر فيه. وقولها: " فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت ": الإحضار: الجرى، وهو أشد من الهرولة. وقوله: " مالك يا عائشة [حَشْيَا رَابيةً] (¬4) "، قال الإمام: قال الهروى: أى مالك قد وقع [عليك] (¬5) الربو، وهو الحشا، أى البهر، يقال منه: امرأة حَشْيَاءُ وحَشِيَّة، ورجل حَشْيَان وَحشٍ. قال القاضى: وقولها فى جوابه: " لأى شىء " كذا رويناه عن الأسدى، ورويناه عن الصدفى عن العذرى " لأبى شىء " بباء واحدة ورفع شىء، وفى بعض الروايات: " لا شىء "، وهو الصواب إن شاء الله. وفى تعليمه لعائشة ما تدعو به لأهل القبور، وتعليمه ذلك للناس ما يجب امتثاله ¬

_ (¬1) فى س: وقوله، والمثبت من الأصل. (¬2) من قوله - عليه السلام -: " وخشيت أن تستوحشى ". (¬3) فى س: لهذه، والمثبت من الأصل والأبى. (¬4) سقط من س. (¬5) ليست فى ع المخطوطة، والمثبت من الأصل، س و، ع المطبوعة. مع تقديم " الربو ".

104 - (975) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِىُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ - فِى رِوَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واختياره من الدعاء المنصوص لهم، وفيه أن الدعاء للموتى كهو للأحياء من تقديم الدعاء على المدعو له، كما قال تعالى: {سَلامٌ [عَلَى] (¬1) إِلْ يَاسِينَ} (¬2) خلاف سيرة الجاهلية والعامة، وفيه تسمية المقابر دورًا. وقوله: " أنت السواد الذى رأيتُ أمامى ": أى (¬3) الشخص. قال الإمام: ذكر مسلم فى سند هذا الحديث (¬4): ثنا هارون، ثنا ابن وهب، أخبرنى ابن جريج عن عبد الله بن كثير بن المطلب؛ أنه سمع محمد بن قيس يقول: سمعت عائشة تقول ... الحديث. قال مسلم: وثنا من سمع حجاجًا الأعور قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرنى عبد الله (¬5) - رجل من قريش - عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب - والحديث هكذا قال مسلم فى إسناد حديث حجاج، عن ابن جريج [قال: أخبرنى] (¬6) عبد الله - رجل من قريش - وكذلك (¬7) رواه ابن حنبل (¬8)، وقال النسائى، وأبو نعيم الجُرْجَانِى، وأبو بكر النيسابورى [وأبو عبد الله الجيزى] (¬9)، كلهم عن يوسف بن سعيد المَصِّيصى (¬10): ثنا الحجاج، عن ابن جريج [قال] (¬11): أخبرنى عبد الله بن أبي مُلَيْكةَ [قال بعضهم: وقد خُطِّئ يوسف بن سعيد فى قوله: عن أبى مُلَيْكةَ] (¬12). قال الدارقطنى: هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبى وداعة السهمى. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) الصافات: 130. (¬3) فى س: يعنى. (¬4) فى ع: خرج مسلم حديث خروجه - عليه السلام - إلى البقيع. (¬5) قيد قبلها فى س لفظة " أبى "، وهو خطأ. (¬6) سقط من س، وقيد مكانها " أبى " وهو خطأ، كما أشرنا من قبل. (¬7) فى س: كذا. (¬8) أحمد فى المسند 6/ 221. (¬9) سقط من ع. (¬10) النسائى فى الكبرى، ك الجنائز، ب الاستغفار للمؤمنين 1/ 656، ك عشرة النساء، ب الغيرة 5/ 288. ويوسف بن سعيد المصيصى: هو أبو يعقوب يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصى الأنطاكى الحافظ، روى عن حجاج بن محمد الأعور وقبيصة وإسحاق بن عيسى، وغيرهم وروى عنه النسائى وعبد الله بن أحمد بن ربيعة وأبو عوانة، قال النسائى: ثقة حافظ، وذكره ابن حبان فى الثقات. وقال: مات بعد سنة خمس وستين، وقال ابن قانع وابن مندة: مات سنة إحدى وسبعين ومائتين. انظر: التهذيب 11/ 414، 415. (¬11) ساقطة من ع. (¬12) سقط من جميع النسخ التى بأيدينا، والمثبت من ع.

أَبِى بَكْرٍ -: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ - وَفِى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ -: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وهذا الحديث الذى خرج مسلم فى هذا الباب أحد الأحاديث المقطوعة، وهو أيضًا من الأحاديث التى وهم فى رواتها (¬1)، وقد رواه [أيضًا] (¬2) عبد الرزاق فى مصنفه عن ابن جريج قال: أخبرنى محمد بن قيس بن مخرمة؛ أنه سمع عائشة تقول ... الحديث (¬3)، قال بعضهم: هكذا روى لنا هذا الإسناد [من طريق الدَّبَرِى مقطوعًا لم يذكر فيه عبد الله بن كثير] (¬4). قال القاضى: هذا القول كله للجيانى - رحمه الله - وعن إياه هذا فى المقطوع لا يساعد عليه وهو قد أسنده، وإنما لم يسم راويهِ له، فهو فى باب المجهول لا فى باب المقطوع إذ المقطوع ما لم يذكر فيه راوٍ دون التابعين، وأسقط من سنده دونهم رجل، وهو مثل المرسل إلّا أنهم قصروا المرسل على التابعين إذا لم يذكروا الصحابى، وجعلوا المقطوع لمن دونهم. ووقع فى هذا السند إشكال [آخر] (¬5) وهو: أن نص كلام مسلم: وحدثنى من سمع حجاجًا الأعور [حدث به] (¬6) واللفظ له قال: ثنا حجاج بن محمد قال: ثنا ابن جريج، فيوهم هذا أن حجاجًا الأعور حدث به عن حجاج ين محمد، وليس كذلك، حجاج بن محمد هذا هو حجاج الأعور نفسه. قال البخارى: حجاج بن محمد الأعور المصيصى أبو محمد سمع ابن جريج، وأصله ترمذى، مات ببغداد سنة خمس ومائتين، وحكى أيضاً سنة ست، قال: وهو مولى سليمان بن مجالد مولى أبى جعفر الهاشمى (¬7)، وإنما كرر مسلم اللفظ فقال: حدثنى من سمع حجاجًا الأعور، ثم حكى لفظ الذى حدثه عن حجاج فقال: قال: ثنا حجاج بن محمد. ¬

_ (¬1) فى س، ع: روايتها. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) المصنف 3/ 570. (¬4) سقط من جميع النسخ التى بأيدينا، والمثبت من ع. (¬5) من س. (¬6) سقط من س. (¬7) قال البخارى: سمع ابن جريج وشعبة، وقال: قال أحمد: مات حجاج، ويزيد بن هارون سنة ست ومائتين، وقال الفضل: مات سنة خمس ومائتين ببغداد. انظر: التاريخ الكبير 2/ 1/ 380.

(36) باب استئذان النبى صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فى زيارة قبر أمه

(36) باب استئذان النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه عز وجل فى زيارة قبر أمه 105 - (976) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِى ابْنَ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَمِّى فَلَمْ يَأْذَنْ لِى؛ وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِى ". 108 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: زَارَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ. فَقَالَ: " اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى فِى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِىَ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِى أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِى، فَزُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ". 106 - (977) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ وَابْنِ نُمَيْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِى سِنَانٍ - وَهُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ - عْنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُوَرِ، فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِىِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيَتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِى سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ استئذانه - عليه السلام - فى زيارة قبر أمه والإذن فى ذلك، دليل على جواز زيارة القبور، وصلة الآباء المشركين، وإذا كان هذا بعد الموت ففى الحياة أحق، وكأنه قصد - عليه السلام - قوة الموعظة والذكرى؛ بمشاهدته قبرها ورؤيته مصرعها، وشكر الله على ما منَّ به عليه من الإسلام، الذى حُرَمُته، وخص قبرها لمكانها منه، ويدل مقصده قوله آخر الحديث: " فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت ". وقوله: " فبكى وأبكى ": بكاؤه - عليه السلام - على ما فاتها من لحاق أيامه والإيمان به. وقوله: " فزوروها ": بين فى نسخ النهى وفى علة الإباحة، أن يكون زيارتها للتذكير والاعتبار لا للفخر والمباهاة، ولا لإقامة النوح والمآتم عليه، كما قال - عليه السلام:

قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِى رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِىِّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ - الشَّكُّ مِنْ أَبِى خَيْثَمَةَ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ بُريدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ بِمَعْنَى حَدِيثَ أَبِى سِنَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " فزوروها [ولا تقولوا هجرًا] (¬1) ". واختلف العلماءُ، هل هذا النسخ عام للرجال والنساء؟ أم مخصوص بالرجال؟ وبقى حكم النساء على المنع، والأول أظهر. وقد اختلف شيوخنا فى زيارة قبر الميت لمدة سابع أول موته للترحم عليه والاستغفار له، على عادة الناس، فأجازهُ القرويون، وسعوا فيه، ومنعه الأندلسيون وشددوا الكراهة فى البدعة [فيه] (¬2)، واتفقوا على أن ما كان منه على وجه المباهاة والخيلاء والفخر ممنوع. وقوله: " ونهيتكم عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا فى سِقاء، فاشربوا فى الأسقية كُلِّها، ولا تشربوا مسكرًا " نص فى النسخ، وقد مضى الكلام أول الكتاب فى الأشربة، ويأتى تمامه فى كتابه ووجه تخصيص الأسقية وكذلك يأتى الكلام على حكم لحوم الأضاحى (¬3) فى كتابه إن شاء الله. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. وهو طرف آخر حديث رواه النسائى فى الكبرى، ك الجنائز، ب زيارة القبور عن عبد الله بن بريدة عن أبيه؛ أنه كان فى مجلس فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إنى كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحى إلا ثلاثًا، فكلوا وأطعموا وادخروا ما بدا لكم. وذكرت لكم ألا تنبذوا فى الظروف: الدُّبَّاءِ والمتزفَّتِ والنَّقير والحنتم، انتبذوا فيما رأيتم واجتنبوا كلَّ مسكر، ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزورَ قبرًا فليزره، ولا تقولوا هجرًا " 1/ 654، وكذا مالك فى الموطأ، ك الضحايا، ب ادخار لحوم الأضاحى عن أبى سعيد الخدرى ببعض لفظه ثم قال: " ... ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرًا "، قال مالك: يعنى: لا تقولوا سوءًا 2/ 485، وكنا أحمد فى المسند عن أبى سعيد 3/ 63، 66، وعن أنس بن مالك بلفظ النسائى 3/ 237، وبزيادة عنه 3/ 250 وعن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرًا " المسند 5/ 361. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: الضحايا.

(37) باب ترك الصلاة على القاتل نفسه

(37) باب ترك الصلاة على القاتل نفسه 107 - (978) حدّثنا عَوْنُ بْنُ سَلامٍ الْكُوفِىُّ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ ابْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: أُتِىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يُصلِّ عليه ": المشاقص: واحدها مشقص، وهو سهم عريض، وقد تقدم أول الكتاب. وجاء فى رواية الطبرى: " بمشقاص " (¬1). وليس بشىء. قال الإمام: المخالف يقول بهذا، ومالك يجيز الصلاة على قاتل نفسه، ويصح حمل الحديث على أنه إنما ترك الصلاة هو بنفسه عليه خاصة، ليكون ذلك ردعاً للعصاة كما لا يصلى الإمامُ على من قُتِلَ فى حدٍّ. قال القاضى: قد روى ابن وهب عن مالك نحو هذا فى ترك أهل الفضل الصلاة على من شُهِّر بالفجور، ومذهبه ومذهب كافة العلماء: الصلاة على كل مسلم محدود ومرجوم، وقاتل نفسه، وولد زنا، وغيره إلا ما روى عنه وعن غيره من اجتناب الإمام الصلاة على من قتله فى حدٍ، واجتناب أهل الفضل الصلاة على أهل الفسوق، كل ذلك [ردع] (¬2) لأمثالهم لا أن ذلك متعين عليهم، وعليه يتأول بعضهم ما جاء عن الأوزاعى وعمر بن عبد العزيز، فى ترك الصلاة عن قاتل نفسه. وجاء عن بعض العلماء والسلف خلاف فى بعضها، فعن الزهرى لا يُصلَّ على المرجوم (¬3) ويصلى على المقتول فى قود. وقال أحمد: لا يصل الإمام على قاتل نفسٍ، ولا غالٍ. وقال أبو حنيفة: لا يصل على محارب، ولا على مَنْ قتل من الفئة الباغية، وقال الشافعى: لا يصل على من قتل لترك الصلاة، ويصلى على مَنْ سواه، وعن الحسن: لا يصل على النفساء تموت من زنا، ولا ولدها، وقاله قتادة فى ولد الزنا. عن بعض السلف خلاف فى الصلاة على الطفل الصغير، لما جاء أن النبى - عليه السلام - لم يصل على إبراهيم، وقد جاء أنه صلى عليه، ذكر الحديثين أبو داود (¬4) ¬

_ (¬1) وردت فى الأصل: بمشاقص، والمثبت من س والأبى. (¬2) فى س: ردعًا. (¬3) قال عبد الرزاق فى مصنفه: عن معمر قال: سألت الزهرى: أيصلى على الذى يقاد منه فى حد؟ قال: نعم، إلا من أقيد منه فى رجم، وروى عنه أيضًا أنه قال: لا يصلى على المرجوم، وذكر الحديث: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم الأسلمى فلم يصل عليه. انظر: عبد الرزاق 3/ 535. (¬4) أبو داود، ك الجنائز، ب فى الصلاة على الطفل 2/ 184، 185.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرُه (¬1)، والصلاة أثبت. وقد اعتل من سلم ترك الصلاة عليه، بعلل ضعيفة؛ منها: شغل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلاة الكسوف ذلك اليوم. ومنها: أنه لم يُصلِّ عليه لأنه استغنى بنبوة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفضيلتها عن الصلاة. وقيل: [لأنه] (¬2) لا يُصلَّى على نبى وقد جاء أنه لو عاش لكان نبيًا (¬3)، وقيل: معناه: لم يصل عليه بنفسه وصلى عليه غيرهُ. وكذلك اختلفوا فى الصلاة على السقط فذهب فقهاء أصحاب الحديث وبعض السلف [إلى الصلاة عليه، وجمهورهم: لا يصلى عليه حتى يستهل، أو تعرف حياته. وذهب بعض السلف] (¬4) إلى أنه يصلى عليه متى نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر. قال الإمام: وأما الصلاة على المقتول فى معترك العدو وغسله فساقطان عند مالك، ثابتان عند غيره. وفرّق أبو حنيفة بين الغسل والصلاة، فأثبت الصلاة وأسقط الغسل. واختلف أصحابنا لو كان الشهيد جنبًا، هل يغسل أم لا؟ وللشافعى - أيضاً - فيه قولان. فوجه قول من أسقط الصلاة: ما رُوى " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُصَلِّ على قتلى أحُد (¬5) "، وكان التحقيق يقتضى ترك الأخذ بهذا الحديث؛ لأنه علّل ترك الصلاة عليهم بعلة معينة لا يعلم تعديها إلى سواهم [من الشهداء] (¬6)، وهى بعثهم يَومْ القيامةِ لون دمِهم لون الدم والريح ريحُ المسكِ، والعلة إذا كانت معينة لا تتعدى وقد مرّ مالك على هذا الأصل المحقق فى تطييب المحرم إذا مات؛ لأن الحديث المروى فيه النهى أن تطيب المحرم علله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه يبعث ملبياً (¬7). وقد اعتذر بعض شيوخنا عن مالك أنه إنما خالف بين المسألتين وإن كانت العلة فيهما معينة؛ لأنه رأى عمل أهل المدينة قد استقر على ترك الصلاة على الشهيد، وهو يرى عملهم حجة، فعوَّل عليه لا على الأثر، وأما الشافعى فهو (¬8) يرى [أن] (¬9) ¬

_ (¬1) ابن ماجة، ك الجنائز، ب ما جاء فى الصلاة على ابن رسول الله وذكر وفاته عن ابن عباس، قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن له مرضعًا فى الجنة ... " الحَديث. قال فى الزوائد: فيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة 1/ 484. (¬2) فى س: أنه. (¬3) البخارى، ك الأدب، ب من سمى بأسماء الأنبياء عن ابن أبى أوفى أنه قال: مات صغيرًا، ولو قضى أن يكون بعد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبى عاش ابنه، ولكن لا نبى بعده 8/ 54، وكذا ابن ماجه، ك الجنائز، ب ما جاء فى الصلاة على ابن رسول الله وذكر وفاته 1/ 484. (¬4) فى هامش الأصل. (¬5) البخارى، ك الجنائز، ب الصلاة على الشهيد 2/ 114، ب من يقدم فى اللحد 2/ 115، ك المغازى، ب من قتل من المسلمين يوم أحد 5/ 131. (¬6) سقط من س. (¬7) سيأتى إن شاء الله تعالى فى، ك الحج، ب ما يفعل بالمحرم إذا مات برقم (1206). (¬8) فى ع: فإنه. (¬9) فى س: إلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [لا] (¬1) يطيب المحرم، والحجة عليه ما ذكرنا من أنها قضية فى عين معللة بعلة معينة [فلا يجب أن تتعدى، وقد روى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على أهل أحد (¬2)، وبهذا تعلق أبو حنيفة] (¬3)، قال أصحابنا: وترك الصلاة عليهم أثبت من هذه الرواية فلهذا أخذ به مالك. قال القاضى: قد تقدم في صدر الكتاب الكلام على الصلاة على الشهداء، وأما الاعتراض علينا فى ذلك بالتعليل بعلة معينة لا يعلم تعديها إلى آخر [ما ذكر] (¬4) فلا نسلمه؛ إذ قد بين الشارع تعديها وعمومها بقوله: " ما [من] (¬5) أحد يكلم فى سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثغب دماً ... " الحديث. تم الجزء الثانى من كتاب الإكمال بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ويتلوه إن شاء الله فى الثالث كتاب الزكاة. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت من الهامش. (¬2) البخارى، ك المغازى، ب غزوة أحد 5/ 119، وأبو داود، ك الجنائز، ب الميت يصلى على قبره بعد حين 2/ 193. (¬3) سقط من س. (¬4) فى س: ما ذكرناه. (¬5) ساقطة من س.

12 - كتاب الزكاة

بسم الله الرحمن الرحيم 12 - كتاب الزكاة 1 - (979) وحدَّثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرِ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، فَأخْبَرَنِى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدِ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِى صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ [بسم الله الرحمن الرحيم] (¬1) كتاب الزكاة حديث أبى سعيد الخدرى: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس (¬2) ذود صدقة ولا فيما دون خمسة أواق صدقة " [الحديث] (¬3)، قال الإمام: أصل الزكاة فى اللغة: النماء، فإن قيل: كيف يستقيم هذا الاشتقاق، ومعلوم انتقاص المال بالإنفاق؟ [قيل] (¬4): وإن كان نقصاً فى الحال فقد تفيد النمو فى المال، ويزيد فى صلاح الأموال. قال القاضى: وقيل. يزكو عند الله أجرها وينمو، كما قال فى الحديث: " حتى تكون كالجبل " (¬5)، وقيل: لأنها لا تؤخذ إلا من الأموال المعرضة للنماء، وقد قيل: سميت زكاة لأنها تزكى صاحبها وتشهد بصحة إيمانه وتطهره، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (¬6)، وقيل: وسميت بذلك لأنها طاعة وإخلاص، وقيل فى قوله: {لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة} (¬7): لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ولأن مخرجها لا يخرجها إلا من إخلاصه وصحة إيمانه، لما جبلت عليه النفوس من الشح بالمال وحبه، ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) فى الأصل: خمسة، والمثبت من س. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فى هامش س. (¬5) الموطأ، عن سعيد بن يسار، ك الصدقات، ب الترغيب فى الصدقة 2/ 995، البخارى عن أبى هريرة، ك الزكاة، ب الصدقة من كسب طيب 2/ 134. (¬6) التوبة: 103. (¬7) فصلت: 7.

2 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قوله عليه السلام: " الصدقة برهان " (¬1)، وقيل: لأنها تزكى المال وتطهره، إذ لو لم يخرج منه أخبثته وأبقت فيه أوساخَه. وأما تسميتها: صدقة، فمن الصدق؛ إذ هى دليل على صحة إيمانه، وصدق باطنه فيه مع ظاهره، وقد فسرنا هذا فى أول الطهارة، فى قوله: " الصدقة برهان " بأتمِّ من هذا، وقد تسمى بذلك لتصديق صاحبها أمر الله بإخراجها، وسماها الشرع - أيضًا - حقًّا فقال: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه} (¬2) ونفقة بقوله: {وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه} (¬3) وعفواً بقوله: {خُذِ الْعَفْو} (¬4). وبين السلفُ، وأهلُ التفسير اختلاف فى مراده تعالى بهذه الكلمة، وهو أعلم. قال الإمام: وقد أفهم الشرع أنها شرعت للمواساة، وأن المواساة إنما تكون فيما له بال من الأموال؛ فلهذا حد النصب (¬5)، وكأنه لم ير فيما دونها محملاً لذلك، ثم وضعها فى الأموال النامية العين، والحرث، والماشية. فمن ذلك ما ينمى بنفسه كالماشية والحرث، ومنها ما ينمى بتغيير عينه وتقليبه كالعين، والإجماع على تعلق الزكاة بأعيان هذه المسميات. وأما تعلق الزكاة [بما] (¬6) سواها من العروض، ففيها للفقهاء ثلاثة أقوال: فأبو حنيفة يوجبها على الإطلاق، وداود يسقطها، ومالك يوجبها على المدين على شروط معلومة من مذهبه، يحتج لأبى حنيفة بعموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة} (¬7)، ولداود بقوله - عليه السلام -: " ليس على المسلم فى عبده ولا فرسه صدقة " (¬8)، وفهم هاهنا أن ذلك لأجل كون ذلك خارجاً عن تلك الأموال لأجل أنه يقتنى (¬9)، فأما مالك ¬

_ (¬1) سبق فى ك الطهارة، ب فضل الوضوء، وفى الترمذى، ك الدعوات 5/ 535. (¬2) الأنعام: 141. (¬3) التوبة: 34. (¬4) الأعراف: 199. (¬5) فى س الأنصاب. (¬6) من س. (¬7) التوبة: 103. (¬8) سيأتى فى باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه برقم (8). (¬9) فى ع: مقتنى، والمثبت من الأصل، س.

(...) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِى عمرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ، يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَشَارَ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفِّهِ بِخَمْسِ أَصَابعِهِ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيث ابْنِ عُيَيْنَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيحمل عموم الآية على ما كان للتجارة والحديث على ما كان للقنية، وحدود الشرع فى نصاب كل جنس بقدر ما يحتمل المواساة فيه، فأما العين فقد حد من نصاب الفضة [منها] (¬1) خمسة أواق، وذكر ذلك فى الحديث دون الذهب؛ لأن غالب تصرفهم كان بها، وأما نصاب الذهب فهو عشرون ديناراً، والمعول فى تحديده على الإجماع، وقد حكى فيه خلاف شاذ. وورد - أيضاً - فيه حديث (¬2) عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما الحرث والماشية فَنُصُبُهَما معلومة، فإن نقص نصاب العين ولم يجز بجواز الوازنة لم تجب الزكاة فيه، وإن نقص يسيراً وجرى مجرى الوازنة وجبت الزكاة فيه، فإن كثر النقص وجرى مجرى الوازنة ففى وجوب الزكاة قولان: فمن اتبع مقتضى اللفظ والتحديد أسقطها، ومن اتبع المقصود الذى هو الانتفاع بها كالانتفاع بالوازنة أوجب الزكاة. فإن زاد على هذه النصب شىء فهل يكون فيه شىء أم لا؟ أما ما زاد على النصاب فى الإبل والغنم فغير مخصوص بزيادة من أجله من غير خلاف. وأما ما زاد على النصاب فى الورق ففيه الخلاف؛ أبو حنيفة جعله كالماشية، ومالك جعله كالحب. وأما ما دون النصاب فى الحب فأبو حنيفة يوجب فيه الزكاة، ونحن نخالف، ويحتج لأبى حنيفة بقوله - عليه السلام -: " فيما سقت السماء العشر " (¬3)، ويحتج عليه بالأحاديث التى فيها التقيد بالنصب والمطلق يرد إلى المقيد إذا كان فى معنى واحد بلا خلاف، وله - أيضاً - عموم قوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِّنَ الأَرْض} (¬4)، ولنا فى مقابلة العموم حديث الأوسق، وفى تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد خلاف بين الأصوليين. ¬

_ (¬1) فى س: منه. (¬2) يعنى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً فيه: " ليس فى أقل من عشرين مثقالاً من الذهب شىء " جزء حديث أخرجه الدارقطنى فى السنن 2/ 92، 93 والمثقال: هو الدينار. اللسان. (¬3) البخارى، ك الزكاة، ب العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء الجارى 2/ 156. (¬4) البقرة: 267.

3 - (...) وحدثنى أَبُو كَامِل فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّل - حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِّية عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَليْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعض العلماء: فى حديث الأوسق إشارة إلى أن لا زكاة فى الخضر (¬1) إذ ليست مما يكال، وقال بعضهم أيضاً: إنه ظهر من حسن ترتيب - الشريعة التدريج فى المأخوذ من المال الذى يزكى بالجزء على حساب التعب فيه، فأعلى ما يؤخذ الخمس مما وجد من أموال الجاهلية ولا تعب فى ذلك، ثم ما فيه التعب من طرف واحد يؤخذ فيه نصف الخمس وهو العشر فيما سقت السماء والعيون، وفيما سقى بالنضح فكان فيه التعب فى الطرفين يؤخذ فيه ربع الخمس، وهو نصف العشر، وما فيه التعب فى جميع الحول - كالعين - يؤخذ فيه ثمن ذلك، وهو ربع العشر، فالمأخوذ إذاً الخمس ونصفه وربعه وثمنه. قال القاضى: أفاد هذا الحديث وما يشبهه فائدتين [ثنتين] (¬2): إحداهما: أنه ليس فيما دون هذه الحدود والنصب صدقة، الثانى: أن فيها هى الصدقة واجبة، ولا خلاف فى هذين إلا فى الحَب، فجمهور العلماء، وأئمة الأمصار على أن الجميع سواء. وخالف أبو حنيفة وبعض السلف فى الحب، فرأى أن الزكاة فى قليله وكثيره على ما تقدم له. وقال داود: كل ما يدخله الكيل فيراعى فيه الخمسة أوسق، وما عداه مما لا يوسق، ففى قليله وكثيره الزكاة وكذلك أجمعوا أن فى عشرين (¬3) ديناراً الزكاة. ولا تجب فى أقل منها، إلا ما روى عن الحسن (¬4) والزهرى مما لم يتابعا عليه أن لا صدقة فى أقل من أربعين ديناراً، والأخذ عنهما ما روى عن الجماعة وروى عن بعض السلف: أن الذهب إذا كانت قيمتها مائتى درهم فيها الزكاة، وإن لم تبلغ عشرين ديناراً، وكذلك لا زكاة فى العشرين إلا أن تكون قيمتُها مائتى درهم. ¬

_ (¬1) وقد روى الترمذى عن معاذ؛ أنه كتب إلى النبى يسأله عن الخضروات وهى البقول: فقال: " ليس فيها شىء ". قال أبو عيسى: إسناده ليس بصحيح، وقال: وليس يصح فى هذا الباب عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شىء وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبى مرسلاً، والعمل على هذا عند أهل العلم: أن ليس فى الخضروات صدقة 3/ 21، 22. وقد روى عن مجاهد: أن ليس فى الخضر زكاة، عبد الرزاق فى المصنف 4/ 121. (¬2) ساقطة من س. (¬3) انظر: التمهيد 2/ 145، الاستذكار 9/ 40. (¬4) قال: ليس فيما دون أربعين مثقالاً من الذهب صدقة. وقال أيضاً: وليس فى أقل من أربعين ديناراً شيء وفى أربعين ديناراً دينار. انظر: مصنف ابن أبى شيبة 3/ 120.

4 - (...) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهْيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَة أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلا حَب صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك اتفقوا فيما زاد من الحب على خمسة أوسق، أن الزكاة فى قليله وكثيره، واختلفوا فى الذهب والفضة، فذهب مالك والليث والشافعى والثورى فى رواية، وفقهاء أصحاب الحديث وأبو يوسف ومحمد والحسن وابن أبى ليلى وأكثر أصحاب أبى حنيفة: أن ذلك حكم الذهب والفضة فيما زاد على نُصبهما، وروى عن على وابن عمر، وذهب أبو حنيفة وبعض أصحابه وبعض السلف وروى عن عمر: أنه لا شىء فيما زاد على المائتى درهم حتى يبلغ أربعين (¬1)، ولا على العشرين ديناراً حتى يبلغ أربعة دنانير، فإذا زادت ففى كل أربعين درهم، وفى كل أربعة دنانير درهم، وجعلوا لهما وقصًا، قياسًا كالماشية، وعارضناهم بما أخرجت الأرض وهو أشبه بالعين لأنه مما تخرج الأرض فليس فيه وقص عند الجميع، ولهم فى ذلك حديث ضعفه أهل المعرفة، وروى عن طاوس أنه لا شىء فيما زاد على مائتى درهم حتى يبلغ أربعمائة، والمعروف عن طاوس خلافه. ومالك وجمهور علماء الأمصار بدون ضم الذهب والفضة فى الزكاة على اختلاف بينهم، فمالك وجماعة تراعى الوزن والضم على الأجزاء لا على القيم، وينزل كل دينار منزلة عشرة دراهم على الصرف القديم، وأبو حنيفة والأوزاعى والثورى يرى ضمها على القيم فى وقت الزكاة، وقال الشافعى وداود وأبو ثور وأحمد: لا يضم منها شىء إلى شىء ويراعى نصاب كل واحد منهما بنفسه، وذهب آخرون: إنما يضم إذا كمل من أحدهما نصاب، فيضم إليه الآخر، ويزكى. قال الإمام: وأما الوسق فستون صاعاً بصاع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصاع خمسة أرطال وثلث، قال شمر: كل شىء حملته فقد وسقته، يقال: افعل كذا ما وسقت عينى الماء أى حملته. وقال غيره: الوسق: حمل الشىء إلى الشىء بعضه إلى بعض، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَق} (¬2): أى جمع وضم، ويقال للذى يجمع الإبل فيطردها: واسق، ¬

_ (¬1) روى ابن أبى شيبة فى مصنفه عن الحسن قال: " كتب عمر إلى أبى موسى: فما زاد على المائتين ففى كل أربعين درهم " 3/ 118. (¬2) الانشقاق: 17.

5 - (...) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنىِ ابْنَ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمارَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ فِى حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلا فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وللإبل نفسها وسيقة، وطاردها يجمعها لئلا تنتشر عليه، وقد وسقها فاستوسقت، أى اجتمعت وانضمت، ومنه قول الله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَق} (¬1): أى اجتمع ضوؤه فى الليالى البيض. قال القاضى: جاء فى حديث ابن أبى شيبة: " خمسة أوساق " (¬2) وهو صحيح جمع وسق بالكسر، وهو مطرد جمعه، وقال الخطابى: الوسق تمام حمل الدواب النقالة وهو ستون صاعاً (¬3). وقال الإمام: وأما الذود فقال أبو عبيد: هو ما بين الثنتين إلى التسع من الإناث دون الذكور (¬4) وقال غيره: قد يكون الذود واحدًا، فقوله: " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة " كأنه قال: ليس فيما دون خمس من الإبل. قال القاضى: الذود ما بين الثلاثة إلى العشرة، لا واحد له من لفظه إنما [يقال في الواحد: بعير، كما] (¬5) يقال للواحد من - النساء: امرأه، وقال غيره: خمس ذود، كما تقول: خمسة أبعرة، خمس جمال، وخمس نوق. قال سيبويه: تقول: ثلاث ذود؛ لأن الذود أنثى، وليس باسم عليه مذكر. [وقال الداودى: لُفِظ به على التأنيث؛ لأن الواحد فريضة] (¬6). وقال: الحربى، قال الأصمعى: الذود ما بين الثلاث إلى العشر، والصبة خمس أو ست، والصرمة (¬7) ما بين العشر إلى العشرين والعكر (¬8) ما بين العشرين إلى الثلاثين، [والهجمة] (¬9) ما بين الستين إلى السبعين، والْهُنَيْدة مائة، والخطر نحو مائتى، والعرج من خمسمائة إلى ألف، وفى المصنف: الذود ما بين الثلاث ¬

_ (¬1) الانشقاق: 18. (¬2) ابن أبى شيبة عن أبى سعيد، ك الزكاة، ب فى الطعام كم تجب فيه الصدقة 3/ 137. (¬3) معالم السنن للخطابى 2/ 172. (¬4) انظر: النهاية لابن الأثير 2/ 171. (¬5) سقط من س. (¬6) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬7) هى اسم للقطعة من الإبل، قيل: ما بين العشرين إلى الثلاثين، وقيل: ما بين العشرة إلى بضع عشر، وقيل: ما بين العشرة إلى الأربعين. اللسان. (¬8) فى س: العكرة. وهى القطعة من الإبل، وهى مفرد جمعها عكر، ولم يذكر هذا العدد الذى ذكره الأصمعى، بل قاد: العكرة: الخمسون إلى الستين إلى السبعين. اللسان: عكر. (¬9) الهجمة: ذكرت فى اللسان بغير ما ذكره القاضى.

(...) وحدّثنى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِىّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَ حَدِيثِ ابْن مَهْدِىٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى العشرة والصرمة ما بين العشرة إلى الأربعين، ونحو ذلك الجزمة والحدرة والنصلة (¬1) فإذا بلغت ستين فهى [الصدعة] (¬2) والعكرة والعرج إلى ما زادت، والهجمة الأربعون إلى ما زادت. وقال غيره: وهند غير مصغر [مائتان] (¬3)، وصححه لنا شيخنا أبو الحسين قال: وأمامة ثلثمائة، وأنكر ابن قتيبة (¬4) أن يراد به الواحد، وقال لى: لا يصح عليه أن يقال: خمس ذود، كما لا يقال: خمس ثوب، وما قاله غيره أشهر وأكثر عند الفقهاء، وما قاله هو أشهر عند أهل اللغة. وقال أبو حاتم (¬5): تركوا القياس فى الجمع فقالوا: ثلاث ذود لثلاث من الإبل، وأربع ذود وعشر ذود على غير قياس، كما قالوا: ثلاثمائة وأربعمائة، والقياس مائتين ومئات، ولا يكادوا يقولونه. قال القاضى: روايتنا فيه فى جميع الأمهات: خمس ذود، على الإضافة. وحكى أبو عمرو الحافظ: أن من الشيوخ من كان يرويه خمس ذود بالتنوين (¬6) على البدل، وهذا على مذهب ابن قتيبة وأكثر اللغويين وكذلك وقع عند بعض شيوخنا خمسة ذود، وعند أكثرهم خمس، وهذا يأتى على قول أبى عبيد: أنه يختص بالإناث، والأول على انطلاقه على الجميع، وقال الداودى: لُفِظَ به على التأنيث، لأن الواحد فريضة. قال الإمام: وأما الأواقى [فهى] (¬7) بتشديد الياء [وبتخفيفها] (¬8). قال ابن السكيت وغيره: الأُوقيّة بضم الهمزة وتشديد الياء، وجمعها أواقى وأواقٍ. قال القاضى: أنكر غير واحد، أن يقال: وقية بفتح الواو، وحكى الجيانى أنه ¬

_ (¬1) فى س: الفصلة، والمثبت من الأصل. (¬2) فى س: الصرعة، والمثبت من الأصل واللسان، ولعلها هى فى الصرمة، فحرفت من الناسخ؛ لأن الصرمة هى ما بين العشرة إلى الأربعين، فإذا بلغت ستين فهى صدعة. (¬3) من الأصل، س، والمبثت من اللسان، وهو قول ابن سيدة، وحكاه ابن جنى عن الزيادى. (¬4) وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى، النحوى اللغوى حدث عن إسحاق بن راهويه وغيره، ويروى عنه ابن درستويه وغيره، وله مؤلفات عدة، منها: غريب القرآن وغريب الحديث. وفيات الأعيان 3/ 42، 43. (¬5) هو أبو حاتم السجستانى. (¬6) انظر: الاستذكار 9/ 14. (¬7) من ع. (¬8) من ع. وفى نسخ الإكمال: وتخفيفها، بدون الباء.

(...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ وَمَعْمَر، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَديِثِ ابْنِ مَهْدِىٍّ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ التَّمْرِ ثَمَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال، ويجمع وقايا، وقال أبو عبيد: والأوقية: اسم لوزن مبلغه أربعون درهماً كيلاً (¬1). قال القاضى: ولا يصح أن تكون الأوقيةُ والدراهمُ مجهولة القدرِ فى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يوجب الزكاة فى أعداد منها، وتقع بها البياعات والأنكحةُ كما جاء فى الأحاديث الصحيحة (¬2)، وهذا كله يبين، أن قول من ذكر أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان، وأنه جمعها [برأى العلماء] (¬3)، وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ووزن الدرهم ستة دوانق - أنه وهم، وإنما معنى ما ذكر من ذلك أنها لم يكن منها شىء من ضرب الإسلام، وعلى صفة لا تختلف، وإنما كانت مجموعات من ضرب فارس والروم، وصغارًا وكبارًا وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنية ومغربية، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه، وتصييرها وزنًا واحدًا، لا تختلف، وأعيانًا يستغنى فيها عن الموازين، فجمعوا أكبرها وأصغرها، وضربوه على وزنهم الكيل، ولعله كان الوزن الذى يتعامل به كيلاً [حينئذ] (¬4) بالمجموع؛ ولهذا سمى كيلاً وان كانت قائمة مفردة غير مجموعة، فقال أبو عبيد: كان الجيد منها من أربع دوانق، والردىء من ثمانية، فتوسطوا وضربوا على ستة. وهذا يأتى على أن الدرهم الكيل من درهمنا الأندلسى درهم ونصف، والمعروف أنه درهم وخمسان من دراهمنا. على هذا جاء تفسيرهم أجمع فى كتبهم من أهل العراق وغيرهم، وفى كتب (¬5) أصحابنا، ولاشك أن الدراهم كانت ¬

_ (¬1) انظر غريب الحديث. وقال محققه: زاد فى " ر " قوله فى الأوقية والنش: يُرْوى تفسيرهما عن مجاهد 2/ 189. (¬2) أما أحاديث الأوقية، فمنها حديث الباب، وحديث عائشة عندما سئلت: كم كان صداق نساء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: كان صداقه فى أزواجه اثنتى عشرة أوقية ونشّا. هل تدرى ما النش؟ هو نصف أوقية، وذلك خمسمائة درهم. رواه ابن ماجة، ك النكاح، ب صداق النساء 1/ 607، وكذا الدارمى فى سننه، ك النكاح، ب كم كان مهر أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبناته؟ 2/ 65. وأما أحاديت الدراهم: فمنها حديث سيأتى فى ك المساقاة، ب بيع الطعام مثلاً. بمثل. (¬3) من س. (¬4) ساقطة من س، والمثبت من الأصل. (¬5) فى س: كتاب.

6 - (980) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حينئذٍ معلومة، وإلا فكيف كان يتعلق بها حقوق الله فى الزكاة، وحقوق النساء فى الصدقات، وكانت الأوقية معلومة. وقوله: " من (¬1) الورق "، قال الإمام: قال الهروى فى تفسير قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} (¬2) أن الوِرق والوْرق، [لا غيرهم] (¬3) والرقة الدراهم خاصة. قال غيره: الرقة بتخفيف القاف، ومنه الحديث: " فى الرقة ربع العشر " (¬4) وفى حديث آخر: " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة " (¬5). قال أبو بكر: جمعها رقات ورقون. ومنه قولهم: وجدان الرقين يغطى [أفن الأفين] (¬6)، [أى وجدان الدراهم] (¬7)، يقول: [الغنى] (¬8): يغطى عيب المعيب ونقصانه وغناه وقاية لحمقه. قال الهروى: ورجل وارق كثير الورق. فأما الورق فالمال كله. قال القاضى: قال بعضهم: لا يقال عندهم لما لم يضرب من الدراهم: ورق، ولا رقة من المصوغ والمسكوك وغيره. وإنما يقال له فضة، وأما الفقهاء فالفضة والورق عندهم سواء. وكذلك قال ابن قتيبة (¬9): إن الرقة والورق الفضة سكوكة أو غيرها. وقد جاء فى الحديث ما يؤيد قول الفقهاء ويصححه (¬10) ولم يأت ذكر الذهب هنا إذا كثر أموالهم وإنما فهم إنما كانت بالدراهم. ¬

_ (¬1) فى المعلم: وأما. (¬2) الكهف: 19. (¬3) من س. (¬4) أحمد فى مسند أبى بكر 1/ 12. (¬5) الترمذى عن على، ك الزكاة، ب ما جاء فى زكاة الذهب والورق 3/ 7 (620). قال أبو عيسى: وسألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: كلاهما عندى صحيح. (¬6) فى الأصل: أقن الأقين، والمثبت من س، ع. ومعناها - كما جاء فى اللسان - أى تغطى حمق الأحمق. اللسان. مادة أفَن. (¬7) سقط من ع. (¬8) من ع. (¬9) استشهد ابن قتيبة بحديث: " فى الرقة ربع العشر " وقال: فى الرقة تأويلان: أحدهما: اسم للفضة، واستشهد بقول العرب: إن الرقين يعطى أفن الأفين. قال: والرقين جمع رقة وهى الفضة. الثانى: أن الرقة اسم جامع للذهب والفضة. قال ثعلب: هو أصح التأويلين لما روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " نحو من نبراس ذهب وفضة ". ثم قال الماوردى تعقيباً على هذا: أن ما ذكره ابن قتيبة لا شاهد فيه. انظر: الحاوى 3/ 256. (¬10) فى الأصل: ويصحح، والمثبت من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روى فى الذهب وتحديد نصابه أحاديث ليست بالقوية، ولكن المسلمين أجمعوا على صحة معناها (¬1) والمفهوم من قوله: " ليس فيما دون خمس من كذا صدقة ": أى ليس فى أقل منها وهو ظاهر لفظة " دون " لا أنه نفى عن غير الخمس صدقة، كما زعم بعضهم فى قوله: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " أنها بمعنى غير. قال الإمام: وكما فهم عن الشريعة معنى تحديد النصاب، فهم أيضاً أن ضرب الحول فى العين والماشية عدل بين أرباب الأموال والمساكين؛ لأنه أمد الغالب حصول النماء فيه، ولا يجحف بالمساكين الصبر إليه، ولهذا المعنى لم يكن فى التمر والحب حول؛ لأن الغرض المقصود منه النماء، والنماء يحصل عند حصوله ولهذه المعانى المفهومة حصل من العلماء الاتفاق على أن الزكاة لا تجب على الإطلاق، بل يتوقف وجوبها على شروط معتبرة بحال المالك والملك والمملوك، فإن كان المالك صبيًا فالزكاة عندنا واجبة فى ماله. وأبو حنيفة لا يوجب فى مال الصبى زكاة وحجتنا قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة} (¬2) فعمّ، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن آخذها من أغنيائكم " (¬3). وغير ذلك من العمومات، ويناقض أبو حنيفة بإيجابه الأخذ من مال الصبى فى الحرث، ويحتج هو بقوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} والصبى غير مأثوم فلا يحتاج إلى تطهير، ويحتج - أيضاً - أن الصبى غير مكلف فلا يتوجه الخطاب عليه. قلنا: الخطاب عندنا يتوجه إلى من يلى الصبى بأن يخرج منه، لا أن الصبى هو المخاطب به. ووجه الخلاف بيننا وبينه من جهة المعنى أن هذا فرع بين أصلين؛ أحدهما: نفقة الوالدين وهى واجبة فى ماله باتفاق. والثانى: الجزية فإنها ساقطة عن الصغير الذمى باتفاق. فيرد ذلك أبو حنيفة إلى الجزية من جهة أنها شبيهة بما يؤخذ من الزكاة، ونرده نحن إلى نفقة الوالدين، والشبه [بينهما] (¬4) أنهما جميعاً من باب المواساة. فردّ المواساة إلى المواساة أولى من ردها إلى ما هو علم على الذلة والصغار، وهى تطهير وتزكية للأموال، وينقض عليه رده إلى ذلك الاتفاق منا ومنه على وجوب الزكاة على النساء وسقوط الجزية عنهن، وهذا دليل على أنهما ليسا بأصل واحد. ¬

_ (¬1) فى س: معانيها. (¬2) التوبة: 103. (¬3) الحديث سبق فى كتاب الإيمان. (¬4) ساقطة من س.

(1) باب ما فيه العشر أو نصف العشر

(1) باب ما فيه العشر أو نصف العشر 7 - (981) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَذْكُرُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِىَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقى بالساقية نصف العشر " وفى غير مسلم: " ما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر " (¬1): كذا رويناه عن عامة شيوخنا العَشور - بفتح العين المهملة - وهو اسم المخرج، وعن الطبرى العشر، ويكون العُشور - بالضمة - جمع عشر، والغَيم - بفتح الغين المعجمة والميم - المطر. كذا هو هنا بالميم فى مسلم ورواه غيره الغيل (¬2) - باللام. قال أبو عبيد: الغيل ما جرى من المياه فى الأنهار. وقيل: هو سيل دون السيل الكبير، وقال ابن السكيت. هو الماء الجارى على الأرض. ويكون بمعنى البعل، على قول بعضهم: أنه كل ما يشرب بماء السماء، وقال أكثرهم: ما شرب بماء السماء هو العترى (¬3)، وذلك لأنه تكسر حوله [إلى] (¬4) الأرض، ويعثر جريه إلى أصول النخل بثراب يرفع هناك. قالوا: والبعل [ما] (¬5) لا يحتاج إلى ذلك، وإنما يشرب بعروقه قال بعضهم: هذا من قوله: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬6)، أى أنه يكتب له بإخراج عُشرِ مائة فى الزكاة أجر إخراجه كله كما جاء فى صوم رمضان وستة أيام من شوال صيام الدهر (¬7)، وأجمع العلماءُ على الأخذ بهذا الحديث، فيما يؤخذ أنه العشر مما سقت ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الزكاة، ب صدقة الزروع عن عبد الله بن عمر بلفظ: " فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشرُ، وفيما سُقىَ بالسواق أو النضح نصف العشر " 1/ 370. (¬2) ابن أبى شيبة، عن الشعبى عن أبيه، وعن صالح أبي خليل، وعن قتادة. ك الزكاة، ب ما قالوا فيما يسقى سبحاً وبالدوالى 3/ 144. (¬3) يقال: عترة الثغر: دقة فى غروبه ونقاءٌ وماءٌ يجرى عليه. ويقال: هى الريقَةُ العذبَة، والعِتُر بَقَلةٌ إذا طالت قطع أصلها فخرج منه اللبن، وهو نبت. اللسان: عتر. (¬4) من س. (¬5) ساقطة من س. (¬6) الأنعام: 160. (¬7) سيأتى إن شاء الله تعالى في ك الصيام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السماء والأنهار، ونصف العشر مما سقت (¬1) بالنضح، وهو ما سُقى بالدلو وأصله الرشُّ والصب، وهو معنى الغرب فى حديث آخر (¬2)، وهو الدلو الكبيرة، وهو معنى السّانية هنا وهى الإبلُ التى يرفع عليها الماءَ من البئر وتُسنى [أى تسقيه] (¬3)، يقال: سنا يسنو سنواً، إذا استقى. فظاهر هذا الحديث أخذ به أبو حنيفة فرأى إخراج الزكاة العشر، ونصف العشر، على ما تقدم من كل ما أخرجت الأرض من الثمار، والرياحين، والخضر وغيرها إلا الحشيش وشبهه من الحطب والقصب، وما لا يثمر كالسمر وشبهه. وخالفه عامة العلماء فى ذلك على اختلاف بينهم فى تفاصيله، وإجماعهم على الحنطة، والشعير، والتمر والزبيب. فرأى الحسن والثورى وابن أبى ليلى فى آخرين: أنه لا زكاة إلا فى هذه الأربعة، وذهب مالك في المشهور عنه أنها تجب فى كل ما يقتات ويدخر غالباً، ونحوه قول الشافعى وأبى ثور، إلا أنهما استثينا الزيتون وقال ابن الماجشون من أصحابنا: يجب فى ذوات الأصول كلها ما ادخر منها وما لم يدخر، ولأصحابنا وغيرهم فى هذا الباب تفاصيل وخلاف معروف فى كتب الفقه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: سقى، والمثبت من س. (¬2) أحمد فى مسنده عن على 1/ 145 قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فيما سقت السماء ففيه العشر، وما سقى بالغرب والدالية ففيه نصف العشر ". وأخرجه البخارى فى ك الزكاة، ب العشر فيما يسقى من ماء السماء 3/ 347، وابن أبى شيبة 3/ 44. (¬3) ساقط من س.

(2) باب لا زكاة على المسلم فى عبده وفرسه

(2) باب لا زكاة على المسلم فى عبده وفرسه 8 - (982) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِى عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ ". 9 - (...) وحدثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْن مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - قَالَ عَمْرٌو -: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ زُهَيْرٌ: يَبْلُغُ بِهِ -: " لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِى عبدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ ". (...) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَال. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، كُلُّهُمْ عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 10 - (...) وحدثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِرَاكَ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ليس على المسلم فى عبده ولا فرسه صدقة ": أصل فى أن ما هو للقنية لا زكاة فيه، وأنه لا زكاة فى الرقيق ولا فى الخيل المقتناة، بخلاف ما اتخذ للتجارة لإضافة التخصيص، وهو مذهب كافة العلماء وأئمة الفتوى إلا حماد بن سليمان فأوجب فى الخيل الزكاة، وقاله أبو حنيفة وزفر، قالا: وذلك إذا كانت إناثًا أو ذكورًا [وإناثًا] (¬1) يُبْتَغى نَسْلُها، ففى كل رأس دينارٌ، وإن شاء قوّم وأخرج عن كل مائتى درهم خمسة دراهم (¬2)، ولا حجة لهم مع صحة هذا الحديث. وقوله: " وفى العبد إلا صدقةُ الفطر ": حجةٌ أن على السيد فى عبده صدقة الفطر، وهو قول جمهور العلماء فى عبيد القنية، كانوا لخِدْمةٍ أو لغلة أو لتجارةٍ، خلافاً لداود ¬

_ (¬1) ساقطة من س، والمثبت من الأصل. (¬2) انظر: الاستذكار 9/ 281.

يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ فِى الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبى ثور فى إيجابها على العبد نفسه، بظاهر قوله فى الحديث الآخر: " على كل عبد أو حر "، خلافاً لأهل الكوفة فى إسقاطها على عبيد التجارة، واختلفوا فى المكاتب فجمهورهم على أن السيد لا يؤدى، ومالك وأبو ثورٍ وعطاء يرون ذلك عليه لقوله - عليه السلام -: " المكاتب عبد ما بقى عليه درهم " (¬1)، واتفقوا أن المدين كالعبد، وداود وأبو ثور فيه على أصلها فى العبد. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك العتق، ب المكاتب يؤدى بعض كابته فيعجز أو يموت، بلفظ: " المكاتب عبد ما بَقِىَ عليه من كتابته درهم " 2/ 346، الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى المكاتب إذا كان عنده ما يؤدى بلفظ: " إذا كان عند مكاتب إحداكن ما يؤدى فلتحتجب منه "، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقال: أكثر أهل العلم من أصحاب النبى وغيرهم: " المكاتب عبد ما بقى عليه درهم " وهو قول سفيان والشافعى وأحمد وإسحاق 3/ 553.

(3) باب فى تقديم الزكاة ومنعها

(3) باب فى تقديم الزكاة ومنعها 11 - (983) وحدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاء، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنكم تظلمون خالداً، إن خالداً احتبس أدراعه وأعتاده فى سبيل الله "، قال الإمام: [وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً قد احتبس أدراعه وأعتاده، وفيه أنه قال: " وأما العباس فهى على ومثلها معها، وفى غير هذا الكتاب: " فهى عليه " وفى رواية أخرى: " فهى صدقة عليه ومثلها " وفى رواية أخرى: " هى له ومثلها "] (¬1) قال الهروى وغيره: العتاد: ما هو أعده الرجل من السلاح والدواب والآلة للحرب، ويجمع أيضاً أعتدة، وفى رواية أخرى: " أدراعه وعقاره ". قال الهروى: وفى الحديث الذى فيه: فرد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذراريهم وعقار بيوتهم (¬2)، قال الأزهرى: أراد متاع بيوتهم والأدوات والأوانى، وقال ابن الأعرابى: عقار البيت وَنَضُدهُ متاعه الذى لا يتبدل إلا فى الأعياد، وبيت حسن العقار، أى حسن المتاع، وعقار كل شىء خياره، والعقر والعقار الأصل، ولفلان عقار أى: أصل، [قال] (¬3): ومنه الحديث: " من باع داراً أو عقاراً " (¬4). قال الحربى: أراد أرضهم. قال القاضى: روى فى غير كتاب مسلم: " أعبده وأعتده " بالباء والتاء (¬5)، واختلف فيه رواة البخارى، وهو جمع فرس عند، وهو الصلب، وقيل: المعد للركوب وقيل: السريع الوثب، ورجح بعضهم هذه الرواية، بأنه لم تجر العادةُ لتحبيس العبيد في سبيل الله، وهذا جائز غير ممتنع، بل قد وجد فى العرب، قيل: وقد ذكر ذلك في ¬

_ (¬1) من ع، ويلاحظ أن هناك تقديماً فى الكلام وتأخيرًا كبيرًا فى جمل ع. (¬2) جاء فى النهاية عن الهروى: ومنه الحديث: " فرد عليهم ذراريهم وعقار بيوتهم ". انظر: النهاية 3/ 274. (¬3) ساقطة من ع. (¬4) البخارى، ك الزكاة، ب قوله تعالى: {وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّه} بلفظ: " وأعتدة ". (¬5) ابن ماجة، ك الرهون، ب من باع عقاراً ولم يجعل ثمنه فى مثله 2/ 832، وكذا البيهقى، ك البيوع، ب ما جاء فى بيع العقار 6/ 34 كلاهما عن سعيد بن حريث، ولفظه: " من باع داراً أو عقاراً فلم يجعل ثمنه فى مثلها لم يبارك له فيها ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الغوث بن مر المسمى بصوفة وبالربيط، وذلك أن أمه ربطت رأسه بصوفة وجعلته ربيطًا للكعبة يخدمها، وقيل: مثله فى ابن الأخرم. [قال الإمام: [قوله: " احتبس "] (¬1) فيه ": دلالة على جواز تحبيس العروض خلافًا لمن منعه. وفيه - أيضاً - إشارة إلى ثبوت التحبيس مع كون الشىء المحبس يعود إلى محبسه، [وعلى هذا] (¬2) تأويل من رأى أن المال الذى فى يديه ظن الساعى أنه ملكه وهو محبسٌ، وقد تؤُوِّل الحديث على أن معنى قوله: " تظلمون خالدًا ": أى أنه [أُخِذَ] (¬3) بصفة [من] (¬4) لا يليق به منع الزكاة؛ لأنه إذا حُبس مَالهُ تطوعًا فأحرى ألا يمنع الواجب] (¬5). قال القاضى: وقيل يجوز أن يكون - عليه السلام - أجاز لخالد أن يحتسب ما حبسه من ذلك فيما يجب عليه من الزكاة لأنه فى سبيل الله، فهو حجة لمالك فى جواز دفعها لصنف واحد، وهو قول كافة العلماء، خلافاً للشافعى فى وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية. وعلى هذا يجوز إخراج القيمة فى الزكاة وقد أدخل البخارى هذا الحديث فى باب أخذ العرض فى الزكاة (¬6)، فيدل أنه ذهب إلى هذا التأويل، ومذهب مالك والشافعى منع إخراج القيمة فى الزكاة، وأبو حنيفة يجيز ذلك، وذكره البغداديون على المذهب أيضاً، وقيل: إنما طولب خالد بأثمان الأذرع والأعبد (¬7) إذ كانت للتجارة فأعلمهم - عليه السلام - وأنه لا زكاة فيها إذ قد حبسها، ففيه على هذا إثبات زكاة التجارة، وهو قول عامة العلماء خلافاً لبعض المتأخرين وقد حكى ابن المنذر فيه الإجماع. وفيه على الجملة دليل على جواز التحبيس، وهو قول كافة العلماء، خلافاً للكوفيين فى إبطاله، وسنذكره بعد، وذكر بعضهم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خص خالداً بما وجب عليه من الصدقة بما حبسه، وهذا على من جعل هذه الصدقة [صدقة] (¬8) تطوعاً بين، إذ قد روى عبد الرزاق هذا الحديث، وفيه أن النبى - عليه السلام - ندب الناس إلى الصدقة (¬9) وذكر الحديث. قال ابن ¬

_ (¬1) من ع، وغير مثبتة فى نسخ الإكمال. (¬2) من ع. (¬3) من س، وغير مثبتة فى المعلم. (¬4) من ع. (¬5) هذه العبارة الطويلة من ع، س. (¬6) البخارى، ك الزكاة، ب العرض فى الزكاة 2/ 144. (¬7) هكذا وردت بالباء فى جميع النسخ، وقد تصرف القاضى الأبى فقال - ناقلاً عن القاضى -: " واعتاده "، وهو نقل بالمعنى، والصحيح ما أثبته القاضى من رواية البخارى. وجاء فى اللسان: قال الدارقطنى: قال أحمد بن حنبل: قال على بن حفص: وأعتاده. وأخطأ فيه وصحف، وإنما هو أعتده، وجاء فى رواية: " أعبده " جمع قلة للعبد. انظر: " عتد " فى اللسان. (¬8) من س. (¬9) عبد الرزاق فى المصنف، ك الزكاة، ب من كتم الصدقة (6826) عن أبى هريرة بلفظ: " فى الصدقة " وذكر كنية ابن جميل باسمه، وهو جهم بن حذيفة 3/ 18.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القصار: وهذا أليق بالقصة، فلا يغن بأحد منهم منع الواجب، فيكون، عذر خالدٍ واضحاً، لأنه إذا أخرج أكثر مالهِ وحبسه فى سبيل الله لا يحتمل صدقة التطوع، فعذره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك، ويكون ابْنُ جَمِيل شح فى التطوعِ الذى لا يلزمه، فعتبه (¬1) النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما جاء فى الحديث، وأخبر أن العباس يسمح بما طلب منه ومثله معه، وأنه [ممن] (¬2) لا يمتنع مما ألزمه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل يعده كاللازم، لكن ظاهر الأحاديث التى فى الصحيحين يدل أنه فى الفريضة، بقوله: " بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر على الصدقة " وتعريفها بالألف واللام يدل أنها المفروضة وهى التى جرى الاستعمال والبعث عليها، ومثله قوله فى الحديث الآخر: " منع صدقته ". قال الإمام: وقوله: " وأما العباس فهى على ومثلها معها " وفى غير هذا الباب " فهى عليه " وفى رواية أخرى: " فهى صدقة عليه ومثلها " وفى رواية أخرى: " له ومثلها " (¬3) يحتمل أن يريد بقوله: " علىَّ ": أى أؤديها عنه، يدل عليه قوله - عليه السلام - عقيب ذلك: " إن العم صنو [الأب] (¬4) "، وقيل: [إن] (¬5) معنى قوله: " علىَّ ": أى له زكاة عامين قدمها، وهذا التأويل إنما يصح على قول من رأى جواز تقدمةِ الزكاة قبل حولها، وأما رواية " هى له " (¬6) فيعرف (¬7) معناها من رواية: " علىّ "، وأما رواية: " هى عليه ومثلها " فيحتمل أن يكون أخَّرها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عنه] (¬8) إلى عام آخر تخفيفاً ونظراً، وللإمام تأخير ذلك، إذا أداه الاجتهاد إليه، وأما رواية " صدقة [عليه] (¬9) " فبعيدة؛ لأن العباس من الأقارب الذين لا تحل لهم الصدقة إلا أن يقال: لعل ذلك من قبل تحريم الصدقة على آل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ رأى - عليه السلام - فى إسقاط الزكاة عنه عامين لوجه رآه، وقيل فى الرواية المتقدمة التى قال فيها: " هى لها " أنها (¬10) بمعنى عليه، قال الله ¬

_ (¬1) فى س: فعذره. (¬2) ساقطة من س، والمثبت من الأصل. (¬3) فى ع العبارة موجودة فى مقدمة كلام الإمام. (¬4) الذى فى المطبوع: " صنو أبيه "، والمثبت من رواية أبى داود، ك الزكاة، ب فى تعجيل الزكاة 1/ 376. (¬5) ساقطة من ع. (¬6) رواية الدارقطنى، كتاب الزكاة، ب تعجيل الصدقة قبل الحول 2/ 123، البيهقى فى السنن، قال: ومن رواية موسى بن عقبة عن ابن الزناد 6/ 164. (¬7) فى ع: فيقرب. (¬8) ساقطة من س، والمثبت من الأصل، ع. (¬9) ساقطة من الأصل، والمثبت من س، ع. (¬10) فى س: أنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {ولَهُمُ اللَّعْنَة} (¬1) أى عليهم، وقال تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (¬2) أى فعليها. قال القاضى: وقيل: إن العباس كان استدان فى مفاداة نفسه ومفاداة عقيل، فكان من الغارمين الذين لا تلزمهم الصدقة، فلذلك قال -[عليه] (¬3) السلام -: " هى علينا دين "، وإلى أن النبى - عليه السلام - أخرها عن العباس من أجل حاجته إليها، ذهب أبو عبيد، كما فعل عمر عام الرمادة إلى أن يجىء الناس من العام المقبل، فأخذ منهم زكاة عامين، وهو يكون معنى قوله: " ومثلها معها "، وعلى هذا يصح معنى رواية: " صدقة عليه "، وأما المذهب الآخر أنه كان قدمها، فقد روى فى ذلك حديث منصوص: " إنا تعجلنا منه صدقة عامين " (¬4)، وفى حديث آخر أنه سأل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك فأذن له (¬5)، وبه يحتج عامة الفقهاء أبو حنيفة والأوزاعى والشافعى وفقهاء أصحاب الحديث - ومن وافقهم من السلف - على جواز تقديم الزكاة قبل حولها بالكثير وتقديم زكاة عامين، وأكثر خلافاً لقول مالك والليث وهو قول عائشة وابن سيرين فى أنها لا تجوز قبل وقتها كالصلاة، وعن مالك خلاف فيما قرب، وتحديد القرب [مذكور] (¬6) فى كتبنا معلوم (¬7)، وقد تأول بعضُ المالكية قوله: " تعجلنا منه صدقة عامين " (¬8) بالمعنى الأول، أى أوجبناها عليه، وضمناها إياه، وتركناها عليه ديناً. وقيل: بل كان تسلف منه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالاً (¬9)، لما احتاج إليه فى السبيل، فقاضه بها عند الحول، وهذا ما لايختلف فيه، وليس من التقديم فى شىء، وعلى هذا تصح روايةُ: [" له " ورواية] (¬10): " علىّ " أى فرضاً، وقيل: وقد يكون معنى قوله: " فهى عليه " على الرواية الأخرى، أى واجبة لأنه قد ¬

_ (¬1) الرعد: 25، غافر: 52. (¬2) الإسراء: 7. (¬3) من الأصل. (¬4) الترمذى، ك الزكاة، ب ما جاء فى تعجيل الزكاة، عن على بلفظ: " إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام " 3/ 54. (¬5) أبو داود، ك الزكاة، ب فى تعجيل الزكاة عن على 1/ 376، وكذا الترمذى، ك الزكاة، ب ما جاء فى تعجيل الزكاة، بلفظ: " فرخص له " 3/ 54، ابن ماجة، ك الزكاة، ب تعجيل الزكاة قبل محلها 1/ 512، الدارمى، ك الزكاة، ب فى تعجيل الزكاة 1/ 385. (¬6) غير مثبتة فى س. (¬7) فى س: معلومة. (¬8) سبق تخريجه قريباً. (¬9) معنى رواية رواها الدارقطنى فى سننه، ك الزكاة، ب تعجيل الصدقة قبل الحول عن ابن عباس. 2/ 124، 125. (¬10) سقط من س.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيل إِلا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ الله، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهْىَ عَلَىَّ، وَمِثلُهَا مَعَهَا ". ثُمَّ قَالَ: " يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أداها، وهذا على من يقول: إنها المفروضة، وأما على الندب فقد ذكرنا وجهه. والأشبه عندى احتمال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له على ما تقدم هذه الصدقة، وإخراجها عنه برأيه، ويعضده رواية: " فهى له، وصدقة عليه "، لا على أنه أحل له الصدقة، لكنه (¬1) تركها له وأخرج الصدقة عنه من مال نفسه، والله أعلم. وقوله: " ما ينقم ابْنُ جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ": تقدم القول فيه على التطوع وأما على الفريضة فقال المهلب: كان ابن جميل منافقاً أولاً فمنع الزكاة، فأنزل الله [تعالى] (¬2): {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} (¬3)، فقال: استتابنى (¬4) فتاب، وصلحت حاله. قال الإمام: وقوله: " فإن عم الرجل صنو أبيه ": أراد أن أصله وأصل أبيه واحد. قال: ابن الأعرابى: الصنو: المثل، أراد مثل أبيه. وقيل: فى قول الله تعالى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} (¬5): إن معنى الصنوان: أن يكون الأصل واحدًا. [و] (¬6) فيه النخلتان، والثلاث، والأربع. والصنوان جمع صنو. ويجمع أصناء مثل: اسم وأسماء، فإذا أردت الجمع المكسر قلت: الصِنىِّ الصُّنِى. قال القاضى: كذا فى النسخ الواصلة إلينا من المعلم " فإذا أردت الجمع المكسر "، وإنما هو فى أصل الغريبين: " فإذا كثرت "، وأراه تصحف (¬7) " كسَّرْت ". ومعنى قوله: " ما ينقم ابن جميل ": أى ما ينكر، يقال: نقم ينقم، ونقم ينقم، وكذلك من العقاب، وفى قوله: عم الرجل صنو أبيه تعظيم حق العم، وقد أنزله العلماء منزلة الأب فى كثير من الحقوق. ¬

_ (¬1) فى الأصل: لكنها، والمثبت من س. (¬2) مثبتة من س. (¬3) التوبة: 74. (¬4) هكذا فى الأصل، س. (¬5) الرعد: 4. (¬6) مثبتة من ع، س. (¬7) فى س: تصحيف.

(4) باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير

(4) باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 12 - (984) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر من رمضان على الناس " الحديث، قال الإمام: اختلف الناس فى زكاة الفطر، هل هى واجبة أم لا؟ فاحتج من قال بالوجوب بدخولها فى عموم قوله تعالى: {وآتُوا الزَّكَاة} (¬1)، وبقوله: " فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر "، وقد قيل: إن " فرض " هاهنا: بمعنى قدّر، لا بمعنى أوجب. وأصل الفرض الحز والقطع، يقال: فرضت سواكى إذا حززته لتشد فيه خيطاً، وفرض الحاكم نفقة المرأة إذا قطع، وفرضت القرآن قطعت بالقراءة منه جزءاً، فإن كان الفرض غالباً استعماله فى الوجوب كان حجة لمن يقول بالإيجاب. قال القاضى: معنى " فرض " عند أكثر العلماء هنا: أوجب، قال إسحاق (¬2) بن راهويه: هو كالإجماع، وأجمعوا (¬3) على أن النبى - عليه السلام - أمر بها، ثم اختلفوا فى حكمها، وهل هى منسوخة أو محكمة؟ فقالت فرقة: هى منسوخة بالزكاة، ورووا فى ذلك أثراً عن قيس بن سعد بن عبادة (¬4). وجمهور أئمة الفتوى، وعامة العلماء من السلف، على أنها واجبة كما تقدم، وهو المنصوص عن مالك، واحتج بعموم قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةٌ} الآية (¬5)، وبقوله: {وَآتُوا الزَّكَاة}، وقاله عامة أصحابه، وذهب بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك، وداود - فى آخر قوله - أنها سنة. وقال أبو حنيفة: هى واجبة وليست بفريضة على مذهبه فى الفرق بين الحكمين. ¬

_ (¬1) البقرة: 43. (¬2) فى عن: ابن إسحاق. (¬3) فى عن: واجتمعوا. (¬4) روى النسائى فى الصغرى عن قيس بن سعد بن عبادة قال: كنا نصوم عاشوراء ونؤدى زكاة الفطر، فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به، ولم ننه عنه، وكنا نفعله. وقال السيوطى فى شرحه زهر الربى: وهو قول إبراهيم بن علية وأبى بكر بن كيسان الأصم وأشهب من المالكية وابن اللبان من الشافعية، وقال: قال ابن حجر: فى إسناده راو مجهول. انظر: الصغرى 5/ 37. (¬5) التوبة: 103.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من رمضان ": إشارة إلى وقت وجوبها. قال الإمام: [وأما زمن وجوبها] (¬1) [فا] (¬2) ختلف فيه عندنا، فقيل: بغروب الشمس من آخر رمضان، وقيل: بطلوع الفجر [من] (¬3) يوم الفطر. قال القاضى: كما اختلف فيها قول مالك وأصحابه، اختلف فيها قول الشافعى. وأما أبو حنيفة فيقول: إنما تجب بطلوع الفجر وللمتأخرين من أصحابنا اختلاف فى وجوبها بطلوع الشمس، وغير ذلك. وحقيقة معناه عندى: توسعة وقت وجوبها لا ابتداؤه. وقد بيناه فى كتاب التنبيهات فى الفقه. قال الإمام: [وقد] (¬4) قيل: ينبنى الخلاف على ما وقع فى هذا الحديث من قوله: " فرض زكاة الفطر من رمضان ": هل المراد هنا الفطر المعتاد فى سائر الشهر فيكون الوجوب من الغروب، أو أراد الفطر الطارئ بعد ذلك الذى هو بطلوع الفجر من شوال فيكون الوجوب من حينئذ؟ وفى قوله: " الفطر من رمضان ": تنبيه على [قول] (¬5) من يرى أنها لا تجب إلا على من صام ولو يوماً من رمضان. قال الإمام: وكأن سالك هذه الطريقة رأى أن العبادات التى تطول [أ] (¬6) ويشق التحرز منها من أمور توقع فيها وصماً، جعل الشرع فيها كفارة من المال عوضاً عن التقصير، كالهدايا فى الحج لمن أدخل فيه (¬7) نقصاً يكفره بالهدى وكذلك الفطر كفارة لما يكون فى الصوم، وقد وقع فى بعض أحاديثها أنه قال: " تطهيراً من اللغو والرفث " (¬8)، واختلف الناس - أيضاً - فى إخراجها عن الصبى، فمن قال: لا تجب عليه، جنح إلى الطريقة التى ذكرنا، وأن علتها التطهير وهو لا إثم عليه، وحجتنا على من لم يوجبها فى مال الصبى ما وقع فى بعض الأحاديث من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على كل حر أو عبد (¬9) صغير أو كبير "، وكأنه إن كان وجه التعبد [بها] (¬10) التطهير من الآثام، فإن التعليل للغالب، وإن وجد فى بعض الأحاديث ما ليس فيه تلك العلة (¬11)، كما أن القصر فى السفر ¬

_ (¬1) من ع، وساقطة من الإكمال. (¬2) و (¬3) مثبته من س، ع. (¬4) من ع. (¬5) من س. (¬6) فى س، ع بالهمزة، وفى الأصل بدونها. (¬7) فى الأصل: فيها، والمثبت من ع، س. (¬8) أخرجه أبو داود، ك الزكاة، ب زكاة الفطر، بلفظ: " طهره " بدلاً من: " تطهيراً ". (¬9) فى س: عبد أو حر. (¬10) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬11) كما فى أحاديث الباب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للمشقة، وإن جد من لا يُشق ذلك عليه فإنه لا يخرج عن جملة من أرخص له. قال الإمام: وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على كل حر أو عبد " فإن داود أخذ بذلك، قال: تجب على العبد كما اقتضاها اللفظ، ولكن على السيد أن يتركه قبل الفطر فيكتسب ذلك القدر، ولا يكون له منعه من ذلك تلك المدة التى يكتسب فيها، كما لا يمنعه من صلاة الفرض. ومذهبنا أنها لا تجب على العبد، وهو بمنزلة الفقير، إذ السيد قادر على انتزاع ماله، ومحمل الحديث عندنا على: بمعنى عن، أى يخرجها السيد عن عبده. قال القاضى: قال الباجى: وقد تكون " على " عندى بمعناها على [قول] (¬1) من قال: إنها تجب على العبد، ولكن يحملها عنه السيد، أو يكون على من قال: إنما تجب على السيد كما تقول: يلزمك على كل دابة من دوابك درهم. قال القاضى: وقال ابن قتيبة معنى: " صدقة الفطر ": صدقة النفوس، والفطرة أصل الخلقة وفيما قاله بُعْد، والأظهر ما تقدم. وقوله: " على الناس " وفى الحديث الآخر: " وعلى الذكر والأنثى والحر والعبد ": حجة لعموم وجوبها على الجميع من أهل الحواضر والبوادى والأغنياء [والفقراء] (¬2)؛ لأنها زكاة بدن، ليست بزكاة مال. وهو قول كافة الأئمة والعلماء خلافاً لليث (¬3) وربيعة والزهرى وعطاء فى قصر وجوبها عندهم على أهل الحواضر [والقرى] (¬4) دون أهل العَمُود (¬5) والخصوص، خلافاً لأصحاب الرأى أنها لا تلزم من يحل له أخذ الزكاة واختلف قول مالك وأصحابه فى لزومها لمن يجوز له أخذها إذا ملكها. واختلفوا إذا وجد من يسلفه هل يلزمه أم لا؟ وقد استدل بعضهم بقوله: " أو أنثى " على أنه لايلزم الرجل إخراجها عن زوجته، وإنما تلزمها هى عن نفسها، وهو قول الكوفيين، ومذهب مالك والشافعى وجمهور العلماء لزومها للزوج كالنفقة. والكلام على احتجاجهم بـ " على كل أنثى " كالكلام على داود فى إلزامها العبد وقد تقدم. ¬

_ (¬1) من هامش س. (¬2) من س. (¬3) قال الليث بن سعد: على أهل العمود زكاة الفطر، أصحاب الخصوص والمال، وإنما هى على أهل القرى. (¬4) فى س: والبوادى. (¬5) العَمُود: هو الذى تحامل الثَّقْلُ عليه من فوق كالسقف والعماد الأبنية الرفيعة. وقال الليث: يقال لأصحاب الأخبية الذين لا ينزلون غيرها: هم أهل عمود وأهل عماد. والعمود: الخشبة القائمة فى وسط الخباء، يقال لأهله: عليكم بأهل ذلك العمود. انظر: اللسان، مادة " عمد ".

أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ. 13 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْر وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: فرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: عند المخالف: أن من شرطها (¬1) ملك النصاب. ومالك لا يشترط ذلك، فمن أخذ بعموم قوله: " [فرض] (¬2) زكاة الفطر " على إطلاقه أوجبها على من لا نصاب له، ومن أخذ بقوله - عليه السلام -: " أمرت أن آخذها من أغنيائكم " (¬3) اشترط النصاب، لكون من لا يملكه ليس بغنى. قال القاضى: وقوله: " من المسلمين " نص فى أنها حكم مختص بهم، أنها تلزم المسلمين وتخرج عنهم دون غيرهم من أهل الكفر. وإلى هذا ذهب عامة الفقهاء، وأهل الفتوى، إذ (¬4) قيد من تجب عليه بصفة. والأصل براءة الذمة، وذهب الكوفيون (¬5)، وإسحاق، وبعض السلف أنها تخرج عن العبيد الكفار. وتأول الطحاوى قوله: " من المسلمين " عائداً إلى السادة المخرجين، وهذا لا يقتضيه اللفظ من قوله: " على كل نفس من المسلمين حراً وعبداً ". قال الإمام: وأما القدر المخرج فى زكاة الفطر من غير البر مما يجزى فيها فإنه صاع. واختلف إذا كان بُراً، فعندنا أنه لا يخرج منه أقل من صاع، وقال أبو حنيفة: يجزيه نصف صاع. ويحتج بما وقع فى بعض الأحاديث (¬6) من ذلك، وأما الحديث. الذى فيه ¬

_ (¬1) فى ع: شرط وجوبها. (¬2) ساقطة من س. (¬3) سبق تخريجه. (¬4) فى س: لقد. (¬5) وقال الثورى وسائر الكوفيين: على أن يؤدى زكاة الفطر عن عبده الكافر. وهو قول: عطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العريز، والنخعى، وروى ذلك عن أبى هريرة وابن عمر. قال ابن عبد البر ولا يصح عندى عن ابن عمر. (¬6) عن الزهرى عن ابن أبى صغير عن أبيه أن رسول الله قال: " فى زكاة الفطر صاع من برٍّ بين اثنين أو صاع من شعير أو تمر عن رجل واحد ". أبو داود، ك الزكاة، ب ما روى نصف صاع من تمر 2/ 375، الدارقطنى فى السنن 2/ 15 وقال الزيلعى فى نصب الراية: هذا حديث اختلف فى إسناده ومتنه 2/ 407، 410، الطبرانى فى الكبير 2/ 81، أحمد فى المسند 5/ 432. عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: فعدل الناس بعد نصف صاع من بر. انظر: أبو داود، السابق. وروى عبد الرزاق قال: عن عروة بن الزبير وسعيد بن جبير فى إطعام الفطر فقال: صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو مد من قمح. عبد الرزاق 3/ 318. وذكر ابن أبى شيبة عن على وابن عباس: نصف صاع من برُ. ابن أبى شيبة 3/ 170، 172.

14 - (...) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: فَرَضَ النَّبىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاع مِنْ بُرٍّ. 15 - (...) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَجَعلَ الناسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةَ. 16 - (...) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. 17 - (985) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ " كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " [الحديث] (¬1)، فقد روى على طريقين، فأما التى فيها: " أو صاعاً " فليس له تعلق فيها (¬2)، بل ظاهرها حجة عليه؛ لأن الطعام الذى أفرده باسم الطعام نوع زائد على بقية الأنواع المذكورة فى الحديث. وقد قيل: إن العرف عندهم فى إطلاق اسم الطعام أن المراد به البر، وأما الرواية التى ليس فيها " أو " وإنما فيها " صاعاً من طعام " [وإطلاق اسم الطعام أن المراد به] (¬3) صاعاً من شعير، فقد يصح لهم أن يقولوا: إنما عدد بعد لفظ الطعام بدل منه، ومن حجتنا - أيضاً - أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر أشياء الأطعمة يختلف قيمتها وساوى بين ما يخرج منها، فوجب ألّا ينقص من إخراج البر من الصاع، وإن كانت قيمته أكثر من قيمة غيره. قال القاضى: وقوله: " صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير ": الحديث حجة ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: فيها تعلق. (¬3) مثبتة من س.

أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. 18 - (...) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ - يَعْنِى ابْنَ قَيْسٍ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ، إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ [فى] (¬1) أنه لا يجزى من البر أقل من صاع كسائر الأشياء المذكورة فى الحديث؛ لأن إفراده باسم الطعام عن سائر ما سمى معه يدل أنه البر، وقد ذكر أبو داود فى حديث أبى سعيد: " أو صاعاً من حنطة " (¬2). قال: ليس بمحفوظ، وهو قول مالك والشافعى وعامة الفقهاء إلا أهل الكوفة فى قوله: يجزى منه نصف صاع، وروى عن بعض الصحابة وجماعة من التابعين (¬3)، واحتجوا بأحاديث جاءت فى ذلك أنكرها مالك وضعفها أهل الحديث. وأما الليث فقال: مدان بمد هشام (¬4). والأوزاعى مدان بمد أهل بلده (¬5). ولا خلاف فى التمر والشعير أنه لا يجزئ منه أقل من صاع وكافتهم أنه لا يجزئ من الزبيب أقل من صاع، إلا أبا حنيفة فيجزى عنده منه نصف صاع. قال القاضى: ذكر فى الأحاديث الطعام الذى فسره العلماء بالبر، وذكر الشعير والتمر والزبيب والأقط، ولم تختلف الرواية عندنا فى مسلم فى قوله: " صاعاً من طعام " أو صاعاً فى جميعها. واختلف أصحاب الموطأ فيه، فبعضهم رواه " صاعاً " فى الثانى وحده، واختلف فى الأنواع التى يخرج منها، ولا خلاف بينهم فى جواز إخراجها من البر والشعير والتمر والزبيب، إلا خلافاً فى البر ممن لا يعتد بخلافه فلم يجزه فيهما، وكذلك لبعض المتأخرين فى الزبيب والإجماع سبق هذا الخلاف، وأما الأقط فأجازه مالك وعامتهم، واختلف فيه قول الشافعى، وأباه الحسن، وقالا: إن لم يكن عند أهل البادية ما يخرجون غيره، فليخرجوا صاعاً من لبن (¬6). ولم ير أشهب أن يخرج إلا من هذه الخمس المذكورة، وقاس (¬7) مالك فى أحد قوليه على هذه الخمسة المسماة فى الحديث جميع (¬8) ما هو عيش أهل كل بلد من القطانىِّ وغيرها أن يخرجوا [منه] (¬9). ومرة أبى [من] (¬10) ذلك إلا ما سمى فى الحديث، وما فى معنى ذلك الحبوب مما يقتات غالباً، فألحق ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) أبو داود، ك الزكاة، ب كم يؤدى فى صدقة الفطر 1/ 374. (¬3) سبق ذكر الآثار على ذلك قريباً منه فى الباب، وراجع قول الزيلعى فى نصب الراية هناك 2/ 407، 410. (¬4) و (¬5) الاستذكار 9/ 361. (¬6) المغنى 4/ 290 باب زكاة الفطر. (¬7) فى س: وقياس. (¬8) فى س: جمع. (¬9) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬10) ساقطة من س.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا منْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا منْ زَبِيبٍ. فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مْعَاويَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاس عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: إِنِّى أُرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ، كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا، مَا عِشْتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالخمسة: الذرة والأرز والدُّخْنُ (¬1) والسُّلْت (¬2)، وزاد بعض أصحابنا: العَلَسُ (¬3). ولم يجز عامة العلماء إخراج القيمة فى ذلك، وأجازه أبو حنيفة (¬4). وقوله فى حديث أبى سعيد: " كنا نخرج زكاة الفطر " الحديث مما يلحق بالمسند عند أكثر أهل العلم وهو المروى عن مالك والشافعى، وأن ظاهر هذا الكلام إضافته إلى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما على الرواية الأخرى التى زاد فيها: " إذ كان فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [والذى " كنت أخرج فى عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "] (¬5)، مما لا يختلف فى أنه مسند فيما لا يخفى أمره، إذ إقرار النبى عليه سنة كقوله وفعله، لاسيما فى هذه المسألة التى إليه كانت [ترفع] (¬6)، وعنده كانت تجمع وهو يأمر بقبضها ودفعها، فليس يخفى عليه ما يخرج فيها. وقول معاوية على المنبر - يحضره الجمّ الغفير [من الصحابة] (¬7) وغيرهم [رضى الله عنهم] (¬8): " [أرى] (¬9) مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر " وخلاف من خالفه فى ذلك، ولم يذكر هو ولا أحد ممن حضر النص فى ذلك عن النبى - عليه السلام - ¬

_ (¬1) الدخن: الجَاوَرْسُ، وفى المحكم: حَبُّ الجَاوَرْسِ، واحدته دُخْنَةٌ انظر: اللسان، مادة " دخن ". (¬2) والسُّلْتُ: ضرب من الشعير، وقيل: هو الشعير بعينه، وقيل: هو الشعير الحامض، وقال الليث: السلت شعير لا مر له أجرد. انظر: اللسان مادة " سلت ". (¬3) والعَلَس: شواءٌ مسمون. وشواءٌ معلوس: أُكِلَ بالسَّمْنِ، والعَلَسُ حب يؤكل، وقيل: هو ضرب من الحنطة. انظر: اللسان، مادة " علس ". (¬4) عن ابن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدى بالبصرة: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم عن كل إنسان نصف درهم. حدثنا وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن قال: لا بأس أن تعطى الدراهم فى صدقة الفطر. ابن أبى شيبة 3/ 174. كما هو رأى أبو يوسف ومحمد. راجع: الاستذكار 9/ 361. وراجع: المغنى، باب زكاة الفطر، مسألة (ومن أعطى القيمة لم تجزئه) 4/ 295، 296. (¬5) سقط من س، وهى مثبتة فى الأصل. (¬6) ساقطة من س. (¬7) سقط من س. (¬8) من س. (¬9) ساقطة من س.

19 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاة الْفِطْرِ، وَرَسُولُ اللهٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ، مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ معَاوِيَةُ، فَرَأَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ بُرٍّ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَذَلِكَ. 20 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْن رَافِع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى ذبَابٍ، عَنْ عِيَاض بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: الأَقِطِ، وَالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ. 21 - (...) وحدَّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ مُعَاوِيَةَ، لَمَّا جَعَلَ نِصْفَ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ عَدْلَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ: لَا أُخْرِجُ فِيهَا إِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ يضعف مذهب رواية الكوفيين، ورواية من نص على نصف الصاع من البر، إذ لو كان لم يَخْفَ على جميعهم. فإن قيل: وهل يضعف - أيضاً - تأويل الطعام على البر إذ لو كان عندهم ذلك معلوماً لاحتج به الحاضرون على معاوية؟ قيل: قد احتج به أبو سعيد فى الحديث نفسه، وهو رواية، وفيه: " صاع من طعام "، ثم قال [فى] (¬1) آخر الحديث: " أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه "، وأيضاً فإن معاوية لم يطلق ذلك على كل البر، إنما قال: " من سمراء الشام " لما فيها من الريع، وقد يكون هذا اجتهاد منه مع معرفته بأصل الحديث المذكور. وذكر مسلم فى الباب حديث محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل ابن أمية، أخبرنى عياض بن عبد الله بن سعد. هذا مما استدركه الدارقطنى على مسلم، ¬

_ (¬1) من س.

الَّذِى كُنْتُ أُخْرِجُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن سعيد بن مسلمة خالف معمرًا فيه عن إسماعيل، فرواه عن إسماعيل عن الحارث بن أبى ذباب عن عياض. قال الدارقطنى: والحديث محفوظ عن الحارث (¬1). ¬

_ (¬1) وقال أيضاً: ورواه - أيضاً - عنه ابن جريج وغيره، وعند إسماعيل بن أمية: عن المقبرى عن عياض عن أبى سعيد: " أخوف ما أخاف عليكم زهرة الدنيا ". ولا نعلم إسماعيل روى عن عياض شيئاً. الإلزامات والتتبع ص 250. قال النووى: قلت: وهذا الاستدراك ليس بلازم، فإن إسماعيل بن أمية صحيح السماع عن عياض. النووى 3/ 15. وقال: قال ابن حجر: قد ثبت فى صحيح مسلم تصريح إسماعيل أن شيخه عياض أخبره، وليس هناك ما يمنع فهما مكيان، ووفاة عياض على رأس المائة وإسماعيل 144، وقيل 139 ولم يذكر إسماعيل بالتدليس. انظر: الإلزامات والتتبع ص 250.

(5) باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة

(5) باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة 22 - (986) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ. 23 - (...) حّدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " بهذا الحديث أخذ جمهور العلماء مالك وغيره واستحبوه لينتفع بها المساكين، ويغنوا عن طواف ذلك اليوم، كما جاء فى الحديث، وكرهوا تأخيرها عن يوم الفطر، ورخص بعضهم فى تأخيرها، وقاله مالك وأحمد بن حنبل، وجعله بعض شيوخنا خلافاً من قول مالك.

(6) باب إثم مانع الزكاة

(6) باب إثم مانع الزكاة 24 - (987) وحدَّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِىَّ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ ذَكوَانَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هَرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبينُه وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ: أُعِيدَتْ لَهُ، فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضى بَيْنَ الْعِبَادِ. فَيَرَى سَبِيَلهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالإِبِلُ؟ قَالَ: " وَلا صَاحِب إِبِلٍ لا يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بِقَاعِ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لا يَفْقِدُ مِنَهَا فَصِيلاً وَاحِدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى [منها] (¬1) حقها " إلى قوله: " كلما بردت أعيدت عليه (¬2) ": كذا رواية ابن سعيد عن السجزى، ولكافة الرواة: " رُدت " والأول الصواب. وفي هذا الحديث النص على وجوب الحق وهو الزكاة فى الذهب كما فى الفضة ولا خلاف فى ذلك، وكذلك فى الإبل والبقر والغنم ولا خلاف فى ذلك أيضاً؛ إذ العقاب لا يتوجه إلا على ترك الواجب. قال بعضهم: يحتمل اختصاص ما ذكر من أعضائه [فيه] (¬3) من جبينه وجنبه وظهره بالكى عقابًا؛ لتقطيبه (¬4) وجهه فى وجه السائل، وليّه بصفحة جنبه عنه، وإعراضه بظهره (¬5) عنه. قال الإمام: وقوله: " بطح لها بقاع قرقر ": أى ألقى على وجهه. والقاع: المستوى الواسع فى وطاء من الأرض، يعلوه ماء السماء فيمسكه ويستوى نباته، ذكره الهروى فى قوله تعالى: {قَاعًا صَفْصَفًا} (¬6) وجمعه قيعة (¬7) وقيعان، مثل جار جيرة وجيران. والقرقر: المستوى - أيضاً - من الأرض المتسع، قال الثعالبى: إذا كانت الأرض مستوية مع الاتساع فهو الخبت والجدد والصحصح، ثم القاع والقرقر ثم الصفصف، وذكر غير ذلك. والجلحاء: التى لا قرن لها. وفى حديث كعب: " ولأدعنك جلحاء ": أى لا حصن ¬

_ (¬1) من الحديث المطبوع. (¬2) فى الحديث المطبوع: " له ". (¬3) مثبتة من س. (¬4) وقطب وجهه تقطيباً: أى عبس وغضب. انظر: اللسان، مادة " قطب ". (¬5) فى س: بوجهه. (¬6) طه: 106. (¬7) فى س: قاعه.

تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِى يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرى سَبِيَلهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: " وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لا يُؤَدِّى ـــــــــــــــــــــــــــــ عليك، والحصون تشبه بالقرون، ولذلك قيل لها: صياصى، فإذا ذهبت الحصون جلحت القرى فصارت بمنزلة البقر التى لا قرون لها. والعقصاء: الملتوية القرنين. ورجل عقص، فيه التواء وصعوبة أخلاق. والعضباء: هى التى انكسر قرنها الداخل، وهو المشاش، وقد يكون العضب فى الأذن أيضاً، والعضباء: اسم ناقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تسم بذلك لأجل شىء بها، والمعضوب: الزمن الذى لا حراك به والأعضب من ألقاب (¬1) الزحاف، وهو ذهاب أحدى حركتى الوتد منه وذلك فى الوافر خاصة، كما سمى الثور الذى ذهب أحد قرنية: [أعضب] (¬2)، أنشد الخليل شاهد على ذلك: إذا نزل الشتاء بدار قوم ... تجنب جار بيتهم الشتاء وهذا الأعضب يسمى فى غير الوافر: أخرم، وفى الطويل: أثلم، وليس هذا موضع شرحه. قال القاضى: ما ذكره فى الأعضب والعضباء هو قول أبى عبيد وغيره، قال ابن دريد: الأعضب الذى انكسر أحد (¬3) قرنيه، وقال أبو زيد: الأعضب أن ينكسر مشاش قرنيه إلى أقصاه. قال القاضى: ولا يصح كسر المشاش إلا مع أعلاه، وقال غير أبى زيد: الأعضب فى الأذن والقرن: الذى انتهى النصف فما فوقه، وقال الحربى فى الحديث: كانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقه تسمى العضباء لا تُسبق (¬4)، جاء من رواية مصعب عن مالك " كانت للقصواء، وذكر الحديث. وفى حديث آخر: " خطب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناقته الجدعاء " (¬5) وفى آخر [على ناقه خرماء] (¬6) " وفى آخر: " مخضرمة ". قال أبو إسحاق: والعضب والجدع ¬

_ (¬1) فى س: الألقاب. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: إحدى. (¬4) أخرجه البخارى، ك الجهاد، ب ناقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4/ 38، ك الرقاق، ب التواضع من حديث أنس 8/ 131، وكذا أبو داود، ك الأدب، ب فى كراهية الرفعة فى الأمور 2/ 553، أحمد فى المسند 2/ 102، 352، 4/ 423، 424. (¬5) أحمد فى المسند، عن أبى أمامة، بلفظ: " وهو يومئذ على الجدعاء " 5/ 262. (¬6) سقط من س، والمثبت من الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والخرم [والخضرمة والقصو] (¬1)، كله فى الأذن، قال ابن الأعرابى: القصو: قطع طرف الأذن، الجدع أكثر منه. قال الأصمعى نحوه، قال: وكل قطع فى الأذن جدع، فإذا جاوز الربع فهى عضباء، والمخضرم: المقطوع الأذنين، فإذا اصطلمتا (¬2) فهى صلماء، قال أبو إسحاق: ففى الحديث أن العضباء اسمها، فإن كانت عضباء الأذن فقد جعل لها اسماً، قال أبو عبيدة: القصواء: المقطوعة الأذن عرضاً، والمخضرمة: المستأصلة النصف فما فوقه، وقال الخليل: الخضرمة: قطع الواحدة. وقوله: " بطح ": ألقى على وجهه، كذا قاله غيره من المفسرين، وقد جاء فى [بعض] (¬3) طرق البخارى فى الحديث: " تخبط وجهه بأخفاقها " (¬4)، وهذا يقتضى أن ليس من شرط البطح كونه على الوجه، وإنما هو فى اللغة بمعنى البسط والمد، وقد يكون على الوجه ويكون على الظهر، ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها، جاء فى هذا الحديث من رواية زيد بن أسلم عن أبى صالح: " كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها "، قالوا: وهو تغيير وقلب فى الكلام، وصوابه ما جاء بعده فى الحديث الآخر من رواية سهيل بن أبى صالح عن أبيه، وما جاء فى حديث المعرور بن سويد [عن أبى ذر] (¬5) " كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها "، وبه يستقيم الكلام، لأنه إنما يرى الأول الذى قد مر قبل، وأما الآخر فلم يمر بعد، فلما قال فيه: " رد "، وجاء فى الحديثين الآخرين: " تسير عليه بقوامها " وعند السمرقندى: " تستن عليه " وكذا عند ابن أبى جعفر فى أحدهما (¬6)، ولعله تصحيف أو يخرج على معنى تفسير " اسْتَنَّتْ " فى الحديث بعده، وفيه: " قعد لها بقاع قرقر "، بفتح القاف، وعند ابن عيسى قعد بضمها. وفتحها هنا الصواب، وإنما يقال فى معداه: أقعد. وقوله: " أكثر ما كانت " وفى غيره: " أعظم ما كانت "، مبالغة فى عقابه بكثرتها ومنعتها من كمال خلقها وقوتها؛ لأنه أثقل لوطئها، كما أنها إذا لم تكن غير ذوات القرون جلحاء ولا عقصاء كان أنكى وأصوب لطعنها بقرونها ونطحها. وفى هذا الحديث واقتصاره من الحيوان على هذه الأصناف الثلاثة وخبره عن تعذيب صاحبها بها -[بما] (¬7) وصف - حجة أنه لا زكاة فى غيرها من الحيوان. ¬

_ (¬1) سقط من س، والمثبت من الأصل. (¬2) الصلم: صلم الشىء صلماً: قطعه من أصله، وقيل: الصلم قطع الأذن والأنف من أصلها، وعبد مصلم وأصلم، مقطوع الأذن، انظر اللسان، مادة: صلم. (¬3) مثبتة من هامش س. (¬4) البخارى عن أبى هريرة، ك الزكاة، ب إثم مانع الزكاة 2/ 132. (¬5) سقط من س. (¬6) فى س: آخرها. (¬7) ساقطة من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكره بعد فى الحديث: قال: " الخيل ثلاثة " وكذلك قوله فى الحمر: " لم ينزل على فيها شىء. إلا هذه الآية "، ولم [يك] (¬1) فيها زكاة ولا عقوبة صاحبها بترك ذلك [كله] (¬2)، دليل على أنه لا زكاة إلا فى الثلاثة المذكورة أولاً، ورد على من زعم أن فى الخيل والحمر والعبيد الزكاة. لم يذكر مسلم أحاديث زكاة المواشى ونصبها وفرائضها ولا شيئاً من كتب (¬3) رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد خرج البخارى [منها] (¬4) حديث كتاب أبى بكر الذى كتبه لأنس، وفيه: " هذه فريضة الصدقة التى فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين "، وذكر فيها فرائض الإبل والغنم. وذكر البخارى أكثره فى بعض أبوابه، ثم ذكر آخر فصوله مفرقاً فى أبوابه (¬5). وخرج مالك حديث كتاب عمر فى الصدقه (¬6)، وهو بمعنى كتاب أبى بكر، لكنه لم يذكر فيه ذكر النبى - عليه السلام - وخرج مالك أيضاً حديث معاذ فى صدقة البقر (¬7)، ولم يخرج هذين الحديثين البخارى، وخرج جميعها أصحاب المصنفات مع حديث عمرو بن حزم عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل كتاب عمر وأبى بكر وحديث على [عن النبى] (¬8) فى الإبل والبقر والغنم وغير ذلك، وحديث عبد الله بن مسعود (¬9) وعبد الله بن عباس فى البقر، ولم يخرج مسلم شيئاً من ذلك، فأما حديث [كتاب] (¬10) عمر فلم يخرجاه إذ لم يأت فيه من طريق مالك ذكر النبى - عليه السلام - وإنما جاء من قول عمر، وقد ذكر أبو داود والترمذى والدارقطنى وغيرهم أنه [كان] (¬11) كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذى كتبه فى الصدقة وفى بعضها، وأنه كان عند أبى بكر، فعمل به حتى قبض ثم عمل به عمر (¬12)، وأما حديث أبى بكر فلم يخرجه - أيضاً - مسلم لوقف بعضهم إياه على أبى بكر من قوله، ولم يذكر فيه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاء فى كتاب عمر؛ ولأن بعضهم رواه عن أنس عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلهذا الاضطراب تركه، وأما حديث معاذ فى البقر فلم يخرجاه للاختلاف فى إسناده وإرساله، وكذلك غيرها من الأحاديث. ¬

_ (¬1) مستدركة بالهامش من الأصل. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: كتاب. (¬4) ساقطة من س. (¬5) صحيح البخارى، ك الزكاة، ب العرض فى الزكاة 2/ 144، ب لا يجمع بين متفرق 2/ 144، ب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية 2/ 145. (¬6) الموطأ، ك الزكاة، ب المحاسبة 1/ 257 (23). (¬7) الموطأ، ك الزكاة، ب ما جاء فى صدقة البقر 1/ 259 (24). (¬8) من س. (¬9) ابن أبى شيبة عن عبد الله، ك الزكاة، ب فى صدقة البقر 3/ 186. (¬10) و (¬11) ساقطة من س. (¬12) أبو داود عن عبد الله بن عمر، ك الزكاة، ب فى زكاة السائمة (1568)، الترمذى، ك الزكاة، ب ما جاء فى زكاة الإبل والغنم (621)، الدارقطنى، ك الزكاة، ب زكاة الإبل والغنم 2/ 112 - 117.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى كل حال فقد اعتمد مالك - رحمه الله - والعلماء والخلفاء قبلهم كافة على كتاب عمر بن الخطاب، لموافقة أكثره كتاب أبى بكر وعمرو بن حزم (¬1)؛ ولأنه الذى خرج به عماله وعملوا به طوال مدته ونفس حياته، فلم يؤثر عن أحد من الصحابة إنكار لما فيه، وهو الذى طلبه عمر بن عبد العزيز من آل عمر مع الكتاب الذى كان عند آل حزم، وهذا يدل [على] (¬2) أن الذى كان [عند عمر] (¬3) هو الذى كان عند أبى بكر، إذ لو كان عندهم سواه لطلبه من آله. وقد يحتمل أن مسلمًا لم يخرج حديث أبى بكر لأنه كتاب (¬4) وقد اختلف أرباب الأصول والحديث فى التحدث عن الكتاب والعمل به، والصحيح صحة الحديث والعمل به، وقد كتب النبى - عليه السلام - إلى عُماله وأمرائه وكسرى وقيصر والملوك، فكانت حجة لهم وعليهم. ولا خلاف بين المسلمين فى وجوب الزكاة على الجملة فى الإبل والبقر والغنم، وأنه لا زكاة فى أقل من خمس من الإبل، وأن فى خمس شاة، على ما جاء فى كتاب عمر فى النصب والفرائض إلى مائة وعشرين، ثم اختلفوا فى مائة وعشرين، هل فرض الحقتين قبلها بألف، أو يتغير الفرض بثلاث بنات لبون، أو يخير الساعى فى الوجهين؟ وكل ذلك مروى عن مالك، وقال أبو حنيفة: ينتقل الحكم بعد عشرين ومائة ويستأنف ابتداء، فإذا كانت خمسة (¬5) وعشرين زيد على الحقتين شاة، والثلاثين شاتان، وهكذا شاة لكل خمس إلى خمس وأربعين، فيرجع مع الحقتين بنت مخاض، فإذا بلغت خمسين فثلاث حقاق، ثم إذا زادت استأنف الغرض من أوله، فإن كثرت ففى كل خمسين حقة، وفى كل ستين جذعة وهو قول الثورى (¬6). وجمهور الفقهاء على خلافه، وأنها إذا بلغت ثلاثين ومائة ففى كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون، ولا مدخل للشاة فى ذلك على نص ما جاء فى [حديث] (¬7) الزكاة الذى عمل به الخلفاء والمسلمون. وكذلك اتفقوا أن فى ثلاثين فى البقر تبيعاً، وفى أربعين مسنة، إلا ما روى عن سعيد بن المسيب وبعضهم يرى أن حكمها قبل الثلاثين حكم الإبل فى كل خمسين (¬8) شاة من الغنم، وهو شاذ. واختلفوا فيما بعد الأربعين، ¬

_ (¬1) عمرو بن حزم بن زبد بن لوزان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارى الخزرجى، أول مشاهده الخندق، استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل نجران وهو ابن سبع عشرة سنة، توفى بالمدينة سنة 51 هـ. أسد الغابة 4/ 598. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: عندهم. (¬4) فى س: كتب. (¬5) فى س: خمس. (¬6) انظر: الاستذكار 9/ 160. (¬7) من س. (¬8) فى الاستذكار: " خمس " 9/ 160، الموسوعة الفقهية: " خمسٍ " 23/ 257، المغنى 4/ 31، فأظن أن هذا تصحيف.

مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعِ قَرْقَرٍ، لا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلا جَلْحَاءُ وَلا عَضْبَاءُ، تَنْطِحُهُ بِقُرُونَهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِى يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادَ، فَيَرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْخَيْلُ؟ قَالَ: " الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فكافتهم أنه لا شىء فيها إلى ستين [ففيهما] (¬1) تبيعان، ثم إذا زادت ففى كل ثلاثين تبيع، وفى كل أربعين مسنة، وشذ أبو حنيفة هنا - أيضاً - فى أشهر قوليه، فقال: ما زاد على الأربعين [فبحسابها] (¬2)، لكل خمس ثمن مسنة، ولكل عشر ربع مسنة. واتفقوا أن فى سائمة الغنم الزكاة على ما جاء فى نصبها فى الحديث. واختلفوا فى غير السائمة من العوامل والمعلوفة، فمالك والليث يريان فيها الزكاة، وكافتهم لا يرون فيها زكاة، وداود لا يرى ذلك فى غير سائمة الغنم خاصة ويوافقنا فى غيرها لأنها فى كتاب الصدقة بالذكر وحجتنا عموم الحديث. وقوله: " ما من صاحب إبل وما من صاحب بقر وما من صاحب غنم " وعموم غيره من الأحاديث فى ذلك دون تفصيل، إلا قوله: " فى سائمة الغنم الزكاة " (¬3) وهى حجتهم، والاحتجاج بهذا من باب تخصيص السائمة هنا، إذ هى الطالب عن المواشى ولاسيما الغنم، وبأنها عند اللغويين وصف لكل ماشية رعت أو لم ترع، كما يقال: ناطق لكل آدمى وإن كان أبكم أو طفلاً لم يبلغ ذلك، لعموم هذا الوصف فى جنسه، وتكون " من " عندنا هنا للبيان لا للتبعيض، وحديث " ليس فى العوامل صدقة " (¬4) ليس بالقوى، ولم يخرجه أهل الصحة، وبعض طرقه مرسل، وبعضها لين الرواية. وقوله: " تطؤه بأظلافها ": الظلفة للغنم والبقر والظباء، وهو ما هو منشق من القوائم، وكذلك جاء فى الحديث فى الغنم، وجاء فى الإبل: " بأخفافها "، والخف للبعير كالظلفة للشاة والبقرة. وجاء فى الحديث الآخر: " ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى زكاتها، إلا جاءت يوم القيامة، [قال] (¬5) تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها " فجمع فى هذا الحديث الأظلاف لما جمعها فى اللفظ. وعند الطبرى هنا: ¬

_ (¬1) من س. (¬2) ساقطة من س، وانظر: الاستذكار 9/ 160. (¬3) أبو داود فى السنن، ك الزكاة، ب فى زكاة السائمة 1/ 359، النسائى، السنن الكبرى، ك الزكاة، ب زكاة الغنم 2/ 13، أحمد 1/ 11، 12. (¬4) جامع مسند أبو حنيفة 1/ 460. (¬5) ساقطة من س.

هِىَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهْىَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهْىَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ. فَأَمَّا الَّتِى هِىَ لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ، فَهِىَ لَهُ وِزْرٌ. وَأَمَّا الَّتِى هِىَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فى سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِى ظهُورِهَا وَلا رِقَابِهَا، فَهْىَ لَهُ سِتْرٌ. وَأَمَّا الَّتِى هِىَ لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِى سَبِيلِ اللهِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فِى مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ، فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ " بأخفافها "، فعلى كلتا الروايتين غلب أحد النوعين على الآخر كما قال، أو يخص ذوات الظلف والخف، وكما قال: " تنطحه بقرونها " والإبل لا قرون لها، وأراد غيرها ممن ذكر معها من البقر والغنم. وأما ما ليس بمشقوق فهو الحافر وهو للخيل والبغال والحمير. وقوله: " الخيل فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة ": جاء تفسير هذا الحديث فى الحديث الآخر: " الأجر والغنيمة ". فيه دليل على بقاء الجهاد وبقاء الإسلام إلى يوم القيامة، وفيه الترغيب فى الجهاد والحض عليه. وقوله: " والخيل ثلاثة " الحديث، قال الإمام: تعلق أبو حنيفة فى إيجاب الزكاة فى الخيل بقوله فى الحديث، ولم ينس حق الله فى ظهورها ولا رقابها، فيقول: يصح أن يحمل ذلك على غير الزكاة، وقد قيل: يحتمل أن يكون المراد بذلك الحمل عليها فى سبيل الله، وقد يقع ذلك على حالة يتعين على مالكها ذلك فيها، مع أن أبا حنيفة خالف إطلاق هذا الحديث، وظاهره أنه لا يوجب أخذ الزكاة من عين الخيل، بل يقول: إن ربها مخير بين أن يؤدى دينارًا على كل رأس منها، أو يقومها ويخرج ربع عشر القيمة، ولا تجب الزكاة عنده إلا فى الإناث، [أو فى الإناث] (¬1) مع الذكور، وأما إن كان فى ملكه الذكور منها خاصة فلا زكاة عليه فيها. وأما قوله - عليه السلام - فى الحديث: " والذى يتخذها أشراً " فإن ابن عرفة قال: إذا قيل: فعل ذلك أشرًا وبطرًا، فالمعنى: لج فى البطر، أى أشر، أى لجوج فى البُطر والبَطر والبِطر الطغيان [عند الحق] (¬2) والأشر - أيضاً - سواء احتمال [الغنى] (¬3) والمرح: التكبر، قال القتبى: الأشر: المرح المتكبر. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ونواء لأهل الإسلام " أى معاداة لهم، يقال: ناوأته نواء ومناوأة [إذا عاديته] (¬4)، وأصله أنه ناء إليك، ونؤت إليه، أى نهضت. ومعنى " استنت ": جرت. قال أبو عبيدة: الاستنان أن يحضر الفرس وليس عليه فارس. قال غيره: ويستن فى طوله، أى يمرح فيه من النشاط. ويقال منه: فرس سنين. والطول: الحبل، قال ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) فى هامش ع. (¬3) ساقطة من س. (¬4) مثبتة من س.

الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَىْءٍ، إِلا كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ، وَكُتِب لَهُ عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٌ، وَلا تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إِلا كَتَبَ الله لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ، وَلا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلا يُريدُ أَنْ يَسْقِيَهَا، إِلا كَتَبَ الله لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَات ". قيَل: يَا رَسُول الله، فَالْحمُرُ؟ قَالَ " مَا أُنْزِلَ عَلَىَّ فِى الْحُمر شَىْء إِلا هَذِهِ الآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ} (¬1) ". 25 - (...) وحدَّثنى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلم، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن السكيت [لا يقال] (¬2) إلا بالواو. قال القاضى: رويناه فى الموطأ: " طيلها " بالياء، وكذا قاله ثابت بالياء، وحكاه بالواو أيضاً. وقوله: " شرفاً أو شرفين "، قال الإمام: الشرف ما يعلو من الأرض، وقال بعضهم: الشرف: الطلق، فكأنه يقول: جرت طلقاً أو طلقتين. قال القاضى: وقوله: " ربطها فى سبيل الله ": أى أعدها، وأصله من الربط، ومنه: الرباط، وهو حبل الرجل نفسه وإعداده الأهبة والعدّة فى الثغور، وتجاه العدو، وقال أبو زين: الرباط من الخيل: الخمس فما فوقها، وقال ثابت: الاستنان: أن يلجّ فى عدوها (¬3) ذاهبة، وراجعة، وحق الله فى رقابها وظهورها. الصدقة مما يكسب عليها. وخصّ الرقاب لأنه موضع [وضع] (¬4) اليد من الماسك والراكب. وقيل: إن (¬5) الاستنان: هو الجرى إلى فوق. وقوله: " وبذخاً ": هو معنى " بطراً " و " أشراً " المذكورين قبله. وقوله فى الحُمر: " لم ينزل على فيها شىء إلا هذه الآية الجامعة ": أى العامّة. وهذه (¬6) حجة للقائلين بالعموم، وأن لفظة " مَنْ " من صيغ العموم. وقوله: " الفاذة ": أى القليلة المثل، وأشار - عليه السلام - أنه لم يفسّر له فيها ما ¬

_ (¬1) الزلزلة: 7، 8. (¬2) ساقطة من س. (¬3) تعنى: المباراة فى العدو والسباق. اللسان، مادة " عدا ". (¬4) و (¬5) ساقطة من س. (¬6) فى س: وهو.

مَيْسَرَةَ، إِلى آخِرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " مَا مِنْ صَاحِبِ إِبلٍ لا يُؤَدِّى حَقَّهَا " وَلَمْ يَقُلْ: " مِنْهَا حَقَّهَا "، وَذَكَرَ فِيهِ: " لا يَفقِدُ مِنْهَا فَصِيلاً وَاحِدًا " وَقَالَ: " يُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ ". 26 - (...) وحّدثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لا يُؤَدِّى زَكَاتَهُ إِلا أُحْمِىَ عَلَيْهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ. فَيُكْوَى بِهَا جَنبَاهُ وَجَبِينُهُ، حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَ عِبَادِهِ، فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرىَ سَبِيَلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ. وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لا يُؤَدِّى زَكَاتَهَا إِلا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ، تَسْتَنُّ عَلَيْهِ، كُلَّمَا مَضَى عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاهَا، حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَ عِبَادِهِ، فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يُرَى سَبِيَلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ. وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لا يُؤَدِّى زَكَاتَهَا، إِلا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ. فَتَطَؤهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ، كُلَّمَا مَضَى عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَ عِبَادِهِ، فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ممِا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يَرُى سَبيَلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّار ". قَالَ سُهَيْلٌ: فَلَا أَدْرِى أَذَكَرَ الْبَقَرَ أَمْ لا. قَالُوا: فَالْخَيْلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الْخَيْلُ فِى نَوَاصِيهَا - أَوْ قَالَ - الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فى نَوَاصِيهَا - قَالَ سُهَيْلٌ: أَنَا أَشُكُّ - الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: فَهِىَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ. فَأمَّا الَّتِى هِىَ لَهُ أَجْرٌ، فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِى سَبِيلِ اللهِ وَيُعِدُّهَا لَهُ، فَلَا تُغَيِّبُ شَيْئًا فِى بُطُونِهَا إِلا كَتَبَ الله لَهُ أَجْرًا، وَلَوْ رَعَاهَا فِى مَرْجٍ، مَا أَكَلَتْ مِنْ شَىْءٍ إِلا كَتَبَ الله بِهَا أَجْرًا، وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهرٍ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِى بُطُونِهَا أَجْرٌ - حَتَّى ذَكَرَ الأَجْرَ فِى أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا - وَلَوِ اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ. وَأَمَّا الَّذِى هِىَ لَهُ سِتْرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فسّر فى الخيل، لكن هى وإن لم تتصرف تصرف الخيل فقد تستعمل فى سبل البرّ، والاكتساب، ومعرفة العدو.

فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وَتَجَمُّلاً، وَلا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا وَبُطُونِهَا، فِى عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا. وَأَمَّا الَّذِى عَلَيْهِ وِزْرٌ فَالَّذِى يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَبَذَخًا وَرِيَاءَ النَّاسِ، فَذَاكَ الَّذِى هِىَ عَلَيْهِ وِزْرٌ ". قَالُوا: فَالْحُمُرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " مَا أَنْزَلَ الله عَلَىَّ فِيهَا شَيْئًا إِلا هَذِهِ الآيَةَ الْجَامِعَةَ الْفَاذَّة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (¬1) ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ أَبِى صَالِحٍ، بَهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ بَدَلَ " عَقْصَاءُ ": " عَضْبَاءُ " وَقَالَ: " فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَظَهْرُهُ " وَلَمْ يَذْكُرْ: جَبِينُهُ. (...) وحدَّثنى هَارُون بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسْولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمَرْءُ حَقَّ اللهِ أَوِ الصَّدَقَةَ فِى إِبِلِهِ "، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ. 27 - (988) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إِلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ، وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَسْتَنُّ عَلَيْهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا. وَلا صَاحِبِ بَقَرٍ لا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إِلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَنْطحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِقَوَائمِهَا. وَلا صَاحِبِ غَنَمٍ لا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، وَقعَدَ لَهَا بِقَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلم ينس حق الله فى رقابها وظهرها "، قال الإمام: قيل: إن المراد بالرقاب هاهنا الإحسان إليها، وقيل: يحمل عليها، [وينقل عطيتها، والمراد بالظهور قيل: يحمل عليها] (¬2) ثم تعود إليه، وقيل: ينزيها بغير عوض. ¬

_ (¬1) الزلزلة: 7، 8. (¬2) سقط من س.

قَرْقَرٍ، تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا. وَلا صَاحِبِ كَنْزٍ لا يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ، إِلا جَاءَ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ، فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ، فَيُنَادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الَّذِى خَبَأتَهُ، فَأَنَا عَنْهُ غَنِىٌّ، فَإِذَا رَأَى أَنْ لا بُدَّ مِنْهُ، سَلَكَ يَدَهُ فِى فِيهِ، فَيَقْضَمُهَا قَضْمَ الْفَحْلِ ". قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ. ثُمَّ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ. وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا حَقُّ الإبِل؟ قَالَ: " حَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا، وَإِعَارَةُ فَحْلِهَا، وَمَنِيحَتُهَا، وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِى سَبِيلِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: قلنا: [يا رسول الله، وما حقها؟] (¬1) قال - عليه السلام -: " إطراق فحلها، وإعارة دلوها ومنيحتها، وحلبها على الماء "، قال الإمام: يحتمل أن يكون هذا الحق فى موضع تتعين فيه المواساة، وقيل: معنى [قوله] (¬2): " حلبها على الماء ": أن يقربها للمصّدق، وييسّر ذلك عليه بإحضارها على الماء، حتى يسهل عليه تناول أخذ الزكاة منها، والمنحة عند العرب على معنيين: أحدهما: أن يعطى الرجل صاحبه صلة فتكون له، والأخرى: أن يمنحه شاة أو ناقة (¬3) فينتفع بلبنها ووبرها [زمانًا] (¬4) ثم يردها، وهو تأويل قوله فى بعض الأحاديث: المنحة مردودة. والمنحة تكون فى الأرض يمنحها الرجل أخاه ليزرعها، ومنه الحديث: " من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه " (¬5). قال ابن حنبل: ومنحة الورق هو القرض. قال الفراء: منحته أمنحه وأمنِحه، قال ابن دريد: أصل المنحة: أن يعطى الرجل رجلاً ناقة، فيشرب لبنها، أو شاة، ثم صارت [كل] (¬6) عطية (¬7) ومنيحة، [قال غيره] (¬8): ومنِحة اللبن: أن يجعلها الرجل للآخر (¬9) سنة. ¬

_ (¬1) مثبتة من س. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: ناقة أو شاة. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬5) البخارى، ك الحرث، ب ما كان من أصحاب النبى 3/ 141. (¬6) ساقطة من س. (¬7) فى س: عطيته. (¬8) سقط من س. (¬9) فى الأصل: لآخر، والمثبت من س.

28 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلا بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ، لا يُؤَدِّى حَقَّهَا، إِلا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطِحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: جعل أبو عبيد وابن دريد زمانها غير محدود، وفى حديث أم زرع: " أكل ما تمنح ": (¬1) أى أطعم غيرى. قال القاضى: [قوله] (¬2): " حلْبها يوم وردها " وفى الحديث [الآخر] (¬3): " حلْبها على الماء "، هو عندنا مضبوط عن شيوخنا [فى الأم] (¬4) بسكون اللام على المصدر، والأصل فيما كان على فعل يَفْعُلُ السكون، قالوا: وقد جاء أحلب حلباً لك شطره بالفتح. قال الفارسىّ: وقد يكون الحلب اسم المحلوب، وقال الفراء: كل ما كان معدّى من الثلاثية فالفعل والفعول [جائزان] (¬5) فى مصدره، وأما اسم اللبن فبالفتح [لا غير] (¬6)، وليس هذا موضعه. وما فى كتاب مسلم من قول النبى عليه السلام فى تفسير حقها إذ سئل عن ذلك: " إطراق فحلها، وإعارة دلوها ومنحها، وحلبها على الماء، وحمل عليها فى سبيل الله " يبين أنه فى غير الزكاة، ويفسّر معنى ألفاظ الحديث، وجاء فى حديث آخر: " لا يؤدى زكاتها " ذكرها كلها مسلم. وقول أبى هريرة: " حق الإبل أن تنحر السمينة وتمنح الغزيرة، ويفقر الظهر، ويطرق الفحل، ويسقى اللبن " (¬7) يبين معنى مراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحق الظهر والمنحة، قيل: ولعل هذا كان قبل فرض الزكاة. وقد اختلف السلف فى معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُوم. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬8)، هل المراد به الزكاة وهو قول الجمهور وأنه لا حق فى المال يجب سواها، وما جاء من غير ذلك فعلى سبيل الندب وكرم الأخلاق، وأن الآية خبر عن وصف قومٍ أثنى عليهم لخصالٍ كريمة فيهم فليس يقتضى الوجوب، كما لا يقتضى قوله فيها: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون} (¬9). وقال بعضهم: هى منسوخة ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى ك فضائل الصلاة، ب ذكر حديث أم زرع. (¬2) ساقطة من س. (¬3) ساقطة من س. (¬4) سقط من س. (¬5) فى الأصل: جائز، والمثبت من س. (¬6) مثبتة من س. (¬7) سنن أبى دواد، ك الزكاة، ب فى حقوق المال 1/ 385، النسائى فى الكبرى، ك الزكاة، ب التغليظ فى حبس الزكاة. (¬8) المعارج: 24، 25. (¬9) الذاريات: 17.

الله، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: " إِطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا، وَمَنِيحَتُهَا، وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ، وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِى سَبِيلِ اللهِ. وَلا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لا يُؤَدِّى زَكَاتَهُ إِلا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالزكاة، وإن كان لفظه خبراً ففى معناه [الأمر] (¬1)، وذهب جماعة منهم الشعبى والحسن وعطاء وطاووس ومسروق وغيرهم: أنها محكمة، وأن فى المال حقوقاً سوى الزكاة؛ من فك العانى، وإطعام المضطر، والمواساة فى العسرة، وصلة القرابة (¬2)، وقال [القاضى إسماعيل] (¬3): قد تحدث أمور لا يُجدُّ لها وقت فتجب فيها المواساة للضرورة نحو قولهم. قوله: " ولا صاحب كنز لا يؤدى حقه ": قال الطبرى: الكنز كل شىء مجموع بعضه على بعض، فى بطن الأرض كان أو على ظهرها، زاد صاحبها، زاد صاحب العين وغيره: وكان مخزوناً. وقال ابن دريد: الكنز: كل شىء غمرته بيدك أو رجلك (¬4) فى وعاء أو أرض. واختلف السلف فى معنى الكنز المذكور [فى القرآن والحديث، فقال أكثرهم: هو كل مال وجبت فيه الزكاة] (¬5) فلم تؤدَّ زكاته، وما أخرجت زكاته فليس بكنز، وقال آخرون: نسخ ذلك الزكاة، وقيل: المراد بالآية أهل الكتاب المذكورون قبل ذلك، وقال آخرون: كل ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز وإن أديت زكاته، وقيل: [هو] (¬6) ما فضل عن الحاجة، وقيل: لعل هذا كان فى مدة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأول الإسلام، وضيق الحال. واتفق أئمة الفتوى على القول الأول وهو الصحيح؛ لأنه جاء فى رواية: " ما من صاحب كنز لا يؤدى زكاته "، وذكر عقابه فقد جاء مفسّرًا، وفى الحديث الآخر: " إذا لم يؤد المرء حق الله أو الصدقة فى إبله " وذكر الحديث، وفى الحديث الآخر: " من كان عنده مال لم يؤد زكاته مثل له شجاعاً أقرع " (¬7)، [وفى آخره: " فيقول: أنا كنزك " الحديث. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) ونقل الجصاص هذا أيضاً عن ابن عمر ومجاهد. أحكام القرآن 3/ 411. (¬3) فى س: إسماعيل القاضى. (¬4) فى س: برجلك. (¬5) سقط من س، وهى مثبتة فى الأصل. (¬6) ساقطة من س. (¬7) هذا اللفظ رواية البخارى، ك الزكاة، ب إثم مانع الزكاة 2/ 132، وجاء - أيضاً - بهذا اللفظ فى الموطأ، ك الزكاة، ب ما جاء فى الكنز 1/ 257، ابن ماجة، ك الزكاة، ب ما جاء فى مانع الزكاة 1/ 568، 569. أما لفظ مسلم: " إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع "، وأيضاً جاء: " إلا تحوّل يوم القيامة شجاعاً أقرع ".

شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، وَيُقَالُ: هَذَا مَالُكَ الَّذِى كُنْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " شجاعاً أقرع] (¬1) ": الشجاع: الحيّةَ الذكرْ، ومنه قول الشاعر: [الأفْعُوَانَ] (¬2) والشجاعَ الشَّجْعَما قال الحيّانى (¬3): يقال للحية: شجاع [وشُجاع] (¬4)، وثلاثة أشجعة، ثم شجعان. ويَقال للحية أيضاً: أشجع، والأقرع من الحيات: الذى تمعَّط رأسه لكثرة سمّه، ومن الناس الذى لا شعر على رأسه لداءٍ به. قال القاضى: قيل: الشجاع من الحيات التى تواثب الفارس والراجل (¬5)، ويقوم (¬6) على ذنبه، وربما بلغ رأس الفارس يكون فى الصحارى، وقيل: هو الثعبان، والأقرعُ قيل: الأبيض الرأس من كثرة السم، وقيل: نوع من الحيات أقبحها منظراً. وقوله: " مثل له شجاعاً أقرع ": ظاهره أن الله خلق هذا الشجاع لعذابه، ومعنى " مثل " على هذا: أى أظهر (¬7)، ونصب، مثل: " من سَّرُه، أن يمثل (¬8) له الرجال قياماً ": أى ينتصبون وقد يكون " مُثِّل " بمعنى: صيِّر، أى صيِّر ماله وخلق على صورة الشجاع، ومنه الحديث: " أشد الناس عذاباً الممثلون " (¬9): أى المصورون، ويدل عليه قوله فى الرواية الأخرى: " إلا [تحَّول] (¬10) يوم القيامة "، وفى الأخرى: " إلا جاء [كنزُه] (¬11) يوم القيامة شجاعاً "، وقيل: خصّ الشجاع بذلك لشدة عداوة الحيات لبنى آدم، ولما تقدم فى خبر الحية مع آدم - عليه السلام - وزاد فى صفته فى غير مسلم: " له زبيبتان " (¬12) [هما الزيدات] (¬13) فى جانبى فمه من السُّم، ويكون مثلها فى شدقى (¬14) الإنسان عند كثرة ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) من ع، وفى س بياض مكانها، وهذا البيت للأحمر. انظر: اللسان. (¬3) فى نسخ الإكمال: الجيانى، والمثبت من ع. (¬4) فى س: شجاعان، والمثبت من الأصل، ع. (¬5) فى س: الراحل. (¬6) فى س: ويقول. (¬7) فى س: ظهر. (¬8) فى س: يتمثل. (¬9) رواه أحمد عن عبد الله بن مسعود: " بلفظ أو ممثل من الممثلين " 1/ 407، وكذا البخارى، ك اللباس، ب عذاب المصورين يوم القيامة عن عبد الله بن مسعود بلفظ: " المصورون " 7/ 215. (¬10) و (¬11) ساقطة من س. (¬12) البخارى، ك الزكاة، ب إثم مانع الزكاة 2/ 132، وكذا النسائى، ك الزكاة، ب مانع زكاة ماله 2/ 20، أحمد 2/ 98، 137، 156، 279. (¬13) من س. (¬14) فى س: شفى.

تَبْخَلُ بِهِ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لابُدَّ مِنْهُ، أَدْخَلَ يَدَهُ فِى فِيهِ، فَجَعلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام، [وقيل: نكتتان على عينه، وما هو بهذه الصفة من الحيات أشد أذى] (¬1). قال الداودى: وقيل: هما نابان يخرجان من فيه. وقوله: " سلك يده فى فيه ": أى أدخلها، قال الله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر} (¬2). وقوله: " فيقضمها قضم الفحل ": أى يأكلها؛ يقال: قضمت الدابة شعيرها بالكسر تقضمه، والقضم بأطراف الأسنان. وأمره - عليه السلام - بإرضاء المصدقين وإن ظلموا، فيه مداراة الأمراء، وترك الخروج عليهم، ومدافعتهم بالتى هى أحسن. وفيه بالجملة المداراة لجميع المسلمين ومرضاتهم (¬3) فيما لا يضر بالدين، ومصانعة الرجل بماله ودنياه على صلاح حاله. ¬

_ (¬1) فى س جاءت هذه الجملة مكان الجملة التى بعدها. (¬2) المدثر: 42. (¬3) فى س: ومراضاتهم.

(7) باب إرضاء السعاة

(7) باب إرضاء السعاة (¬1) 29 - (989) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هِلَالٍ الْعَبْسِىُّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُصَدِّقِينَ يأْتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ ". قَالَ جَرِيرٌ: مَا صَدَرَ عَنِّى مُصَدِّقٌ، مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلا وَهُوَ عَنِّى رَاضٍ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُليْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى إِسْمَاعِيَل، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق. وقوله: " مصدّقيكم ": المصَدِّق: وهو عامل الزكاة الذى يستوفيها من أربابها. انظر: النهاية فى غريب الحديث 3/ 18.

(8) باب تغليظ عقوبة من لا يؤدى الزكاة

(8) باب تغليظ عقوبة من لا يؤدى الزكاة (¬1) 30 - (990) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: انْتَهَيَتُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِى قَالَ: " هُمُ الأَخْسَرُونَ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ "!. قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ، فَلَمْ أَتَقَارَّ أَنْ قُمْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " هُمُ الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً، إِلا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ - وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلا بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لا يُؤَدِّى زَكَاتَهَا إِلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ". (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَن الأَعْمَشِ، عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ وَكِيعٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بيَدِهِ، مَا عَلَى الأَرْضِ رَجُلٌ يَمُوتُ، فَيَدَعُ إِبِلاً أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا، لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا ". 31 - (991) حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا يَسُرُّنِى أَنَّ لِى أُحُدًا ذَهَبًا، تَأتِى عَلَىَّ ثَالِثَةٌ وعَنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ إِلّا أَرْصِدُهُ لِدَيْنٍ عَلَىَّ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) جاءت الإشارة إليه فى الباب قبل السابق رقم (6) وكذلك فى الباب التالى رقم (9).

(9) باب الترغيب فى الصدقة

(9) باب الترغيب فى الصدقة (¬1) 32 - (94) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى أُحُدٍ. فَقَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ ". قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالِ: " مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا ذَاكَ عِنْدِى ذَهَبٌ، أَمْسَى ثَالِثَةً عِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ، إِلا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، إِلا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِى عِبَادِ اللهِ، هَكَذَا - حَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ - وَهَكَذَا - عَن يِمِينِهِ - وَهَكَذَا - عَنْ شِمَالِهِ - ". قَالَ: ثُمَّ مَشَيْنَا، فَقَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ ". قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهكَذَا " مِثْلَ مَا صَنَعَ فِى الْمَرَّةِ الأُوَلى. قَالَ: ثُمَّ مَشَيْنَا. قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ! كَمَا أَنْتَ حَتَّى آتِيَكَ ". قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّى. قَالَ: سَمِعْتُ لَغَطًا وَسَمِعْتُ صَوْتًا. قَالَ: فَقُلْتُ: لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ لَهُ. قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَّبِعَهُ. قَالَ: ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: " لا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ ". قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ، فَلَمَّا جَاءَ ذَكَرْتُ لَهُ الَّذِى سَمِعْتُ. قَالَ: فَقَالَ: " ذَاكَ جِبْرِيلُ، أَتَانِى فَقَالَ: مِنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِك بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ". قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ". 33 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ رُفَيْعٍ - عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِى، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِى وَحْدَهُ، لَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ. قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِىَ مَعَهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَمْشِى فِى ظِلِّ الْقَمَرِ، فَالْتَفَتَ فَرَآنِى. فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ ". فَقُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِى الله فِدَاءَكَ. قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، تَعَالَهْ ". قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً. فَقَالَ: " إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلا مَنْ أَعْطَاهُ الله خَيْرًا، فنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا ". قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً. فَقَالَ: " اجْلِسْ هَاهُنَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ستأتى الإشارة إليه ضمن التعليق على أحاديث الباب التالى.

قَالَ: فَأَجْلَسَنِى فِى قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ. فَقَالَ لِى: " اجْلِسْ هَهُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ ". قَالَ: فَانْطَلَقَ فِى الْحَرَّةِ حَتَّى لا أَرَاهُ، فَلَبثُ عَنِّى، فَأَطَالَ الَّلُبْثَ، ثُمَّ إِنِّى سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَهُوَ يَقُولُ: " وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ". قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ، فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، جَعَلَنِىَ الله فِدَاءَكَ، مَنْ تُكَلِّمُ فِى جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا. قَالَ: " ذَاكَ جِبْرِيلُ، عَرَضَ لِى فِى جَانِبِ الْحَرَّةِ، فَقَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(10) باب فى الكنازين للأموال والتغليظ عليهم

(10) باب فى الكنازين للأموال والتغليظ عليهم 34 - (992) وحدَّثنى زهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى الْعَلَاءِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِى حَلْقَةٍ فِيهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الْجَسَدِ، أَخْشَنُ الْوَجْهِ. فَقَامَ كَلَيْهِمْ فَقَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوضِعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْىِ أَحَدِهِمْ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفَيْهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفَيْهِ، حتى يَخْرُجَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث الأحنف عن أبى ذر: " إذ جاء رجل أخشن الثياب [أخشن الجسد] (¬1) أخشن الوجه ": [كذا لهم] (¬2) بالخاء والشين المعجمتين من الخشونة، إلا عند ابن الحذاء فى الآخر: " حسن الوجه " من الحسن، وقد رواه القابسى فى البخارى: " حسن الشعر والثياب والهيئة " من الحسن، ولغيره [خشن] (¬3) من الخشونة وهو أصوب (¬4). وقوله: " فقام عليهم ": أى وقف [عليهم] (¬5). وقوله: " [على] (¬6) حلقة فيها ملأ من قريش ": أى جماعة أو أشراف، والملأ مقصور مهموز، والجماعة والملأ - أيضاً - الأشراف. وقوله: " بشر الكانزين برضف [يحمى عليه فى نار جهنم] (¬7)، فيوضع على حلمة ثدى أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه "، ويروى: " الكنازين " بالنون فيهما، ووقع عند الهروى (¬8): " الكاثرين " بالثاء المثلثة، وأراه تغييراً، إذ إنما يقال للكثير المال: مكثر، وأما الكاثر فبمعنى الكثير، يقال: هو كثير وكاثر وكثار، ومنه قوله: " فإنما العزة للكاثر ": أى للعدد [الكثير] (¬9). والرضف: الحجارة [المحماة] (¬10). ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬3) من س، وساقطة من الأصل. (¬4) البخارى عن الأحنف بن قيس، ك الزكاة، ب ما أدى زكاته فليس بكنز، ولفظه: " خشن " 2/ 133. (¬5) من س، وساقطة من الأصل. (¬6) ساقطة من س. (¬7) من س. (¬8) فى س: الهوزنى. (¬9) و (¬10) ساقطة من س.

حَلمَةِ ثَدْيَيْهِ يَتَزَلْزَلُ. قَالَ: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُؤُوسَهُمْ. فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا. قَالَ: فَأَدْبَرَ، وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَة. فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاء إِلا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. قَالَ: إِنُّ هَؤُلاءِ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، إِنَّ خَلِيلِى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِى فَأَجَبْتُهُ. فَقَالَ: " أَتَرَى أُحُدًا؟ " فَنَظَرْتُ مَا عَلَىَّ مِنَ الشَّمْسِ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِى فِى حَاجَةٍ لَهُ. فَقُلْتُ: أَرَاهُ. فَقَالَ: " مَا يَسُرُّنِى أَنَّ لِى مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ، إِلا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ " ثُمَّ هَؤُلاءِ يَجْمَعُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يتزلزل ": بزايين معجمتين، أى يتحرك، قيل: من نضج ذلك، كأنه ذهب إلى أن ما نضج من لحمه تهّرأ، والصواب: أن الحركة والتزلزل المذكور للرضف، أى أنه يتحرك ويتزيل من نُغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه، كما جاء فى الحديث، وحلمة الثدى رأسه بفتح اللام. ونغض الكتف بضم النون. قال الإمام: هو العظم الرقيق الذى على طرفها [وهو] (¬1) الناغض فرع الكتف، قيل له: ناغض؛ لتحركه، ومنه قيل للظليم: ناغض؛ لحركته رأسه إذا عدا. قال القاضى: قال المهلب: فى هذا الحديث وجوب إخراج الزكاة عند محلها والتحذير من تأخيرها، وتأول أن قوله فى الحديث: " أترى أحداً؟ فنظرت ما علىّ من الشمس ": أنه تمثيل لتعجيل الزكاة يريد ما أحبّ أن أحبس ما أوجب الله علىّ بقدر ما بقى من النهار. قال القاضى: وهذا بعيد فى التأويل؛ لأن معنى ذلك فى الحديث مبين؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال له: " أترى أُحُدًا؟ " قال: فنظرت ما علىّ من الشمس. فى غير مسلم: " ما بقى من النهار وأنا أظن أنه يبعثنى فى حاجة، فقلت: أراه قال: " ما يسرنى أن لى مثله ذهباً "، فقد بين أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أراد أن ينبهه على عظم جبل أحد، ووقع له هو قبل بيان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، أنه أراد أن ينظر الشمس عليه ليعلم ما بقى من النهار لتوجهه فى حاجة، ولم يكن ذلك مذهب النبى - عليه السلام - بل بين له مراده فى معرفة عظم الجبل، وأنه لا يسره أن يكون له مثله ذهبًا ينفقه كله إلا ثلاثة دراهم، وفى حديث آخر: " إلا ديناراً أرصده لدينى "، ومعنى " أرصده ": أى أعدّه وأترقب به أداء دينى. وقد يحتج بهذا الحديث من يقول بتفضيل الفقر على الغنى، وكان مذهب أبى ذر أن الكنز كل مال (¬2) فضل عن حاجة الإنسان، وهو ظاهر احتجاجه [بهذا الحديث] (¬3)، وعنه ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: ما. (¬3) سقط من س.

الدُّنْيَا، لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا. قَالَ: قُلْتُ: مَالَكَ وَلإِخْوَتِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لا تَعْتَرِيهِم وَتُصِيبُ مِنْهُمْ. قَالَ: لَا، وَربِّكَ، لا أَسْأَلُهُمْ عَنْ دُنْيَا، وَلا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ، حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ خلافه؛ والصحيح عنه أن إنكاره على هؤلاء اكتنازهم، ما أخذه السلاطين لأنفسهم من بيت المال، ولم ينفقوه فى وجوهه. وقوله: " فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشى وحده، فظننت أنه يكره أن يمشى معه أحد، فجعلت أمشى فى ظل القمر ": فيه حسن الأدب مع الكبراء، وفيه أن الإنسان إذا كان منفرداً لا يجب أن يتصور عليه ويلازم أو يجلس معه إلا بإذنه، ما لم يكن فى موضع المجامع والمساجد والأسواق وشبهها. وقوله: " وإن زنا وإن سرق ": تقدم الكلام عليه أول الكتاب. وفيه ما كان عليه أبو ذرٍ من القوة والشدة فى الأمر بالمعروف. وقوله: " فلم أتَقَارَّ أن قمت ": أى لم يمكنى القرار والثبات. وقوله: " فنفح به ": أى أعطى، وأصله الرمى بالشىء. وقوله: " لعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ له ": أى لقيه أحدٌ من عِداه، يقال: من عَرَضَ لى كذا وعُرِضَ معا إذا بدا، وأنكر بعضهم الكسر إلا فى عَرِضتُ القولَ وحدها، [وقال] (¬1) أبو زيد الوجهين [فى القول أيضاً، وحكى الفراء الوجهين] (¬2) فى الجميع (¬3)، وفى حديث أبى ذر من الفقه جواز أخذ الدين للضرورة والحاجة إليه، وقد نص الله على إباحة ذلك، وجواز قول الرجل للآخر فدتك نفسى، وفداك أبى وأمى، وجعلنى الله فداك. خلافاً لمن كره ذلك، وقال: لا يُفدَّى بمسلم، وجواز الجواب بلبيك وسعديك. وقوله: " مالك لا تعتريهم، وتصيبُ منهم ": أى تأتيهم تطلب منهم مما فى أيديهم، يقال: عروته واعتريته واعتروته [واعتررته] (¬4) أى أتيته تطلب إليه حاجة. وقوله: " لا أسألهم عن دنيا ": كذا فى الأم، ووجهه: لا أسألهم دنيا، وكذا ¬

_ (¬1) فى س: وحكى. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬3) فى س: الجمع. (¬4) ساقطة من س، والمثبت من هامش الأصل.

35 - (...) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ الْعَصَرِىُّ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ فِى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَمَرَّ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِكَىٍّ فِى ظُهُورِهِمْ. يَخْرُجُ مِن جُنُوبِهِمْ، وَبِكَىٍّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ. قَالَ: ثُمَّ تَنَحى فَقَعَدَ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ. قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا شَىْءٌ سَمِعْتُكَ تَقُولُ قُبَيْلُ؟ قَالَ: مَا قُلْت إلا شَيْئًا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: قُلْتُ: مَا تَقُولُ فِى هذَا الْعَطَاءِ؟ قَالَ: خذْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً، فَإِذَا كَانَ ثَمَنًا لِدينِكَ فَدَعْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره البخارى (¬1)، أى لا أطلب إليهم شيئاً من متاعها. وقوله: " ولا أسألهم عن دين ": يريد: أنه لم يستفتهم (¬2) فيه. ¬

_ (¬1) البخارى عن أبى ذر، ك الزكاة، ب ما أدى زكاته فليس بكنز 2/ 134. (¬2) فى الأصل: يفتيهم، والمثبت من س.

(11) باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف

(11) باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف 36 - (993) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ". وَقَال: " يَمِينُ الله مَلآى - وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: مَلآنُ - سَحَّاءُ، لا يَغِيضُها شَىْءٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ". 37 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ راشِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ بْن مُنَبِّهٍ، أَخِى وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يمين الله ملآى "، وفى الرواية الأخرى: " ملآن سحاء [لا يغيضها شىء] (¬1) الليل والنهار ": كذا ضبطناه على القاضى أبى على [وغيره] (¬2) بالمد على الوصف، وعند أبى بحر " سحا " على المصدر، وانتصب الليل والنهار على الظرف. والسح: الصب الدائم. ولا يقال فى المذكر فيه: أفعل، ومثله ديمةٌ هطلاء، لا يقال فى مذكره: أهطل، ووقع عند الطبرى فى حديث عبد الرزاق " [و] (¬3) لا يغيضها سح الليل والنهار " بالإضافة. ورفعه على الفاعل، وعند الآخرين فيه أيضاً كما تقدم. واليمين مؤنثة، ووصفها بملآى هو الصواب، وغيره خطأ. ورواه بعضهم: " مل " مثل دعا، قيل: يصح هذا على نقل الهمزة. وقوله: " لا يغيضها شىء ": أى لا ينقضها، قال الله تعالى: {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} (¬4): أى ما تنقص، يقال: غاض الماء وغيض، وغاضَهُ الله لازم ومُتَعدٍ. قال الإمام: كذا مما يتأول؛ لأن اليمين [التى هى حاجة] (¬5) إنما كانت بنسبتها (¬6) إلى الشمال، فلا يوصف بها تعالى؛ لأنها تتضمن إثبات شمال. وهدا يؤدى إلى التحديد [ويتقدس] (¬7) البارى تعالى عن أن يكون جسماً محدوداً، وإنما خاطبهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يفهمونه، إذ أراد الإخبار عن [أن] (¬8) البارى لا ينقصه الإنفاق، ولا يمسك خشية الإملاق، [و] (¬9) جلت قدرته وعظمت عن ذلك. وعبر - عليه السلام - عن ¬

_ (¬1) من الحديث المطبوع. (¬2) ساقطة من س. (¬3) من س. (¬4) الرعد: 8. (¬5) من ع. (¬6) فى الأصل: بمناسبتها، والمثبت من ع. (¬7) فى س: يبعد من. (¬8) ساقطة من س، والمثبت من هامش الأصل. (¬9) من س.

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيث مِنْهَا. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الله قَالَ لِى: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ "، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَمِينُ الله مَلآى، لا يَغيضُهَا سَحَّاء اللَّيْل وَالنَّهَار، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِى يَمِينِهِ ". قَالَ: " وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْقَبْضُ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قدرة الله سبحانه على توالى النعم: بسح اليمين، إذ الباذل منّا والمنفق يفعل ذلك بيمينه وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وكلتا يديه يمين " فأشار - عليه السلام - إلى أنهما ليستا بجارحتين (*)؛ إذ اليدان الجارحتان يمينٌ وشمالٌ، ويحتمل أن يريد - عليه السلام - بذلك أن (¬1) قدرة الله سبحانه على الأشياء على وجه واحدٍ، لا تختلف بالضعف والقوة، [وأن المقدورات تقع بها على نسبةٍ واحدة لا تتفاوت، ولا تختلف فى الضعف والقوة] (¬2)، كما يختلف ما يفعله الإنسان منا بيمينه وشماله، تعالى اللهُ عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين. وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وبيده الأخرى القبض والبسط ": فكأنه أفهم [أنه] (¬3) تعالى وإن كانت قدرته واحدة فإنه يفعل بها المختلفات، ولما كان ذلك فينا لا يتمكن إلا بيدين، عبّر عن قدرته على التَّصرف فى ذلك بذكر اليدين ليفهمهم المعنى المراد بما اعتادوه من الخطاب، على سبيل المجاز. قال القاضى: لم يُرو فى هذا الحديث فى كتاب مسلم لفظة " البسطِ " وليس فيه إلا قوله: " القبض، يخفض ويرفع ": كذا لأكثرهم، وعند الفارسى فيما حدثنا عنه الخُشنى والأسدى بطريقهما " الفيض " بالفاء والياء باثنتين [من] (¬4) تحتها، والأشهر والمعروف الأول، وقد ذكره البخارى (¬5) فى بعض رواياته على الشك " القبضُ أو الفيض " ومعنى " الفيض " بالفاء إن صحت روايتهُ والله أعلم بالإحسان (¬6) والعطاء والرزق الوَاسع، وقد يكون بمعنى: " القبض " الذى فى الرواية الأخرى، أى الموت. قال البكراوى: الفيض: الموت. قال القاضى: قيسٌ يقولون: فاضت نفسه، بالضاد، إذا مات. وطىٌّ تقول: ¬

_ (¬1) فى س: إلى. (¬2) سقط من س. (¬3) ساقطة من س والأصل، والمثبت من ع. (¬4) ساقطة من س. (¬5) البخارى، ك التوحيد، ب وكان عرشه على الماء، عن أبى هريرة، قال: قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم ينقص ما فى يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض أو القبض يرفع ويخفض ". (¬6) فى س: الإحسان. (*) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوع "لجارحتين"، والصواب ما أثبتناه، وهو الموافق لما وقع لدينا من النسخ الخطية، والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فاظت نفسه، بالظاء، وقيل [متى] (¬1) ذكرت النفس فبالضاد، وإذا لم تذكر فبالظاء. وفى حديث الدّجال: " ثم تكون أثر ذلك الفيض قبل الموت "، وجاء فى رواية أخرى (¬2): " وبيده الميزان، يخفض ويرفع ": فقد تكون عبارة عن الرزق [ومقاديره] (¬3)، وقد تكون عبارة عن جملة المقادير. ومعنى: " يخفضُ ويرفعُ ": قيل: هى عبارة عن تقدير الرزق أى يقره على من شاء، يُوسّعِه على من يشاء، وقد يكون الخفض والرفع عبارة عن تصرف المقادير بالخلق بالعزة والذل، كما قال: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ} (¬4)، وقد يكون القبض [والبسط] (¬5) المذكوران من معنى ما تقدم من [تقتير] (¬6) الرزق وسعته، أو قبض الأرواح للموت وبسطها فى الأجساد بالحياة، أو قبض القلوب ومضيّقُها وموحشه على الهداية أو بالخوف والهيبة، وبسُطها بتأنيسها وشرحها للهداية والإيمان، أو بالرجاء والأنس. وقد قيل: معانى هذه جاءت (¬7) فى تفسير اسميه (¬8) تعالى القابض [و] (¬9) الباسط المذكورين فى الحديث. ¬

_ (¬1) من هامش الأصل. (¬2) حديث أبى هريرة، مسند أحمد 2/ 500. (¬3) ساقطة من س. (¬4) آل عمران: 26. (¬5) ساقطة من س. (¬6) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬7) فى الأصل كله، المثبت من س. (¬8) فى الأصل: اسمه، والمثبت من س. (¬9) فى هامش الأصل.

(12) باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم

(12) باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم 38 - (994) حدّثنا أَبَو الرَّبِيعِ الرَّهْرَانِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ. قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ، دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَدِيَنارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِى سَبِيلِ اللهِ ". قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَأَىُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ، يُعفّهُمْ، أَوْ ينَفَعُهُمُ الله بِهِ، وَيُغْنِيهِمْ. 39 - (995) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَن سُفْيَانَ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِى رَقَبَةٍ، وَدينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِى أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم أحاديث أفضل النفقات، وذكر فيها تقديم النفقة على العيال؛ لأن منهم من تجب عليه نفقته فكان آكد من التطوع، ومنهم من تظاهرت صلته لقرابته وضعفه، ومنهم من تعينت [عليه] (¬1) لضّمه له، ولكونه فى جملته، فكان حقه عليه أوجب من غيره، وقوله [الآخر] (¬2): " أعظمها أجراً الذى أنفقت على أهلك " وقد ذكر النفقة فى سبيل الله والعتق والصدقة يؤكد ذلك، وكذلك قوله فى الحديث [الآخر] (¬3): " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته "، يؤكد أنه فى الواجب؛ لأن الإثم إنما يتعلق بتركه. ¬

_ (¬1) ساقطة من س، والمثبت من الأصل. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش، وغير مثبتة فى س. (¬3) من س.

40 - (996) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ أَبْجَرَ الْكِنَانِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ خَيْثَمَة؛ قَالَ: كُنَّا جُلُوَسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ، فَدَخَلَ. فَقَال: أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَنْ يَمْلِكُ، قُوتَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى سند هذا الحديث: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة [وزهير بن حرب وأبو كريب، واللفظ لأبى كريب، قالوا: ثنا وكيعٌ عن سفيان. وسقط عند] (¬1) العذرى من رواية الصدفى قوله: وأبو كريب، واللفظ لأبى كريب. ¬

_ (¬1) سقط من س.

(13) باب الابتداء فى النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة

(13) باب الابتداء فى النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة 41 - (997) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟ " فَقَالَ: لا. فَقَالَ: " مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّى؟ "، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِىُّ بِثَمَانِمائَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: " ابْدَأ بَنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شىْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَىْءٌ فَلِذِى قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِى قَرَابَتِكَ شَىْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا " يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام فى الحديث الذى فيه بيع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمدبر: يحتج به الشافعى، وتأوله أصحابنا على أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما باعه عليه فى الدّين، والذى فى كتاب مسلم تقوية للشافعى؛ لأنه ذكر فيه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شىءٌ فلأهْلك "، ولو كان بيعٌ للدَّين لقضى الثمن للغرماء ولم يأمره أن يفعل فيه ما ذكره، والشافعى أحل المدبر فى البيع محل الموصى بعتقه، وأصح ما فرق به أصحابنا بينهما: أن ذلك مبنىٌ (¬1) على المقاصد. والتدبير عندهم علامة على أنه قَصَدَ ألا يرجع فى هذا الفعل ولا يحله، وليس كذلك الوصيَّة، ولو صرّح فى الوصيّة بأنه لا يرجع فيها لشابهَتْ التدبر. قال القاضى: ينفصل عن الشافعى فيما وُجِّه. له من قوله: " ابدأ بنفسك " أى بحقوق نفسك، والدين من أحد (¬2) الحقوق على النفس وأوجبها فى الدنيا والآخرة، وليس فى دفعه إليه دون الغرماء ما يقتضى أخذه [له] (¬3) لنفسه ليأكله، بل ليؤدّيَه إلى غرمائه ويقضيهم حقوقهم وإنما يكون ذلك للإمام، ولا يمكّن الديان من ماله إذا تم تفليسه وحجب عن ماله، وليس فى هذا الحديث ما يدل أن الرجل كان بهذه الصفة، ولعل ثمن الغلام بقدر الدين، فلا يكون مفلسًا. وفى قوله: " فإن فضل شىء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك فلِذى قرابتك ": حجة ¬

_ (¬1) فى س: مبين، والمثبت من الأصل، ع. (¬2) فى س: أكبر. (¬3) ساقطة من س.

(...) وحدَّثنى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ - يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ - أَعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ. يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى ترتيب الحقوق وتقديم الآكد فالآكد، وأن الواجبات تتأكد فى نفسها لأن حق (¬1) النفس واجب (¬2)، وحق الأهل ومن تلزمه النفقة واجب، لكنه يقدم حق النفس عليها، وأنه من لا مال له إلا قوته لم (¬3) يلزم إعطاؤه للزوجة والولد ولا مشاركتهما فيه، إلا فيما فضل عن حاجته. ¬

_ (¬1) فى س: حقوق. (¬2) فى س: واجبة. (¬3) فى س: لا.

(14) باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين، ولو كانوا مشركين

(14) باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين، ولو كانوا مشركين 42 - (998) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَر أَنْصَارِىٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالاً، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَى، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬1) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ اللهَ يَقُولُ فِى كِتَابِهِ: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرحَى، وَإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلّهِ، أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أبى طلحة، وصدقته بماله بيرحى: رويناه عن شيوخنا بفتح الراء وضمها مع كسر الباء، ورويناه أيضاً بفتح الراء والباء، [قال الباجى: قرأت هذه اللفظة على أبى ذرٍ الهروى بنصب الراء] (¬2) على كل حال. عليه أدركتُ أهل العلم والحفظ بالمشرق، وقال لى الصورى: بيرحا، بنصب الباء. واتفقوا (¬3) على أن من رفع الراء وألزمها حكم الإعراب فقد أخطأ، قال: وبالرفع قرأناه على شيوخنا بالأندلس. وهذا الموضع يعرف بقصر بنى جُديلة قبلى المسجد. وذكر مسلم رواية حمادِ بن سلمةَ فى هذا الحرف: " بَرِيحا " بكسر الراء وفتح الباء، كذا سمعناه من أبى بحر عن العذرى والسمرقندى، وكان عند [ابن سعيد] (¬4) عن السجزى من رواية حماد: " بِيرَحا " بكسر الباء وفتح الراء، وضبطه الحميدى من رواية حماد: " بيرحا " بفتح الباء والراء، ووقع فى كتاب أبى داود: " جعلتُ بأريحاء " (¬5) وأكثر روايتهم فى هذا الحرف القصر، ورويناه عن بعض شيوخنا بالوجهين، وبالمدّ وجدته بخط الأصيلى، وهو حائِط يسمّى بهذا الاسم، وليست اسم بئر، والحديث يدل عليه. ¬

_ (¬1) آل عمران: 92. (¬2) سقط من س. (¬3) فى س: واتفقا. (¬4) فى س: ابن مسعود. (¬5) أبو داود، ك الزكاة، ب فى صلة الرحم 1/ 393.

الله. فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ، حَيْثُ شِئْتَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّى أرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِى الأَقْرَبِينَ "، فَقسَّمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فىِ أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بَخ ذلك مال رابح ": يقال: بخ بالإسكان وبالتحريك والكسر وبالتنوين مع الكسر، وقد ذكر الأحمر التشديد فيه، وقد روى بالرفع، قال بعضهم: فإذا كررت فالاختيار فيه التحريك والتنوين [مع الكسر] (¬1) فى الأول والتسكين فى الثانى. [قال الإمام] (¬2) قال أبو بكر: معناه: تعظيم الأمر وتفخيمه، وسُكنت الخاء فيه كما سكنت اللام فى " هل " و " بل "، ومن قال: " بخٍ " بالخفض والتنوين شبهه بالأصوات بـ " صِهٍ " وَ " مهٍ ". قال ابن السكيت: " بخٍ بخٍ " و " بَهْ بَهْ " بمعنى واحد، ومن رواه: " رابح " بالباء فمعناه: ذو ربح، كما يقال: [رجل] (¬3) لابن وتامر، أى ذو لبن وتمر، كما قال النابغة: كِلينى لهم يا أميمة ناصب أى ذو نصب، ومن رواه: " رايح " بالياء فمعناه: قريب العائدة. قال القاضى: يعنى غير بعيد، وروايتنا فى كتاب مسلم بالباء بواحدة. واختلفت الرواة فيه عن مالك فى البخارى والموطأ وغيرهما (¬4)، قال ابن دينار فى رايح (¬5): يروح أجره عليه فى الآخرة، وقال غيره: [يروح] (¬6) عليه كلما أثمرت الثمار، وقال الداودى: " بخٍ " كلمة تقال إذا حمد الفعل، وقال غيره: كلمة تقال عند الإعجاب. وفى هذا [الحديث] (¬7) تبسيط لرجل فى مال صاحبه ومن يعلم مسرّته به كما ذكر من دخول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حائطه هذا وشربه من طيّب مائه، وفيه جواز استعذاب الماء، وفيه أن شرب الماء المملوك من الآبار المعينة التى لا يضربها لا تحتاج إلى إذن، وفيه أن الصدقة المطلقة أو الحبس المطلق جائزٌ، وحقه أن يصرفَ فى جميع وجوهِ البرِّ، وأن الصدَقَةَ علَى الأقاربِ وأُولى الأرحامِ أفضلُ من الأباعدِ لقوله: " فاجعلها فى الأقربين ". وقد روى هذا عن مالك، وجماعة من [الأئمة] (¬8) والسلف، وذلك إذا كانوا فقراء. وقد جاء فى بعض طرق البخارى: " اجعلها فى بعض فقراء قرابتك " (¬9)، وسنزيده بعد بياناً فى حديث زينب. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) سقط من ع. (¬3) من ع. (¬4) البخارى، ك الزكاة، ب الزكاة على الأقارب 2/ 148، أبو داود، ك الزكاة، ب فى صلة الرحم 1/ 392، والموطأ، ك الصدقة، ب الترغيب فى الصدقة 2/ 995. (¬5) فى س: الرايح. (¬6) ساقطة من س. (¬7) من س. (¬8) ساقطة من س. (¬9) البخارى، ك الوصايا، ب إذا وقف أو أوصى لأقاربه، عن أنس بلفظ: " اجعلها لفقراء قرابتك " 4/ 7.

43 - (...) حدّثنى مُحَمدُ بْنُ حَاتِم، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَس، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أُرَى رَبَّنَا يَسْألُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فأُشْهِدُكَ، يَا رَسُولَ اللهِ، أنِّى قَدْ جَعَلْتُ أرْضِى بَرِيحَا للهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْعَلْهَا فِى قَرَابَتِكَ " قَالَ: فَجَعَلَهَا فِى حَسَّانَ ابْنِ ثَابِتٍ وَأبَىِّ بن كَعْبٍ. 44 - (999) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرو، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: فيه دليل على أن من حبس على مُعين، فمات ولم يذكر لها مرجعًا أنها ترجع إلى أقرب الناس بالمحبس، لصرف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الأرض لما لم تكن لمعين، وإنما كانت لله للأقربين من المحبس؛ ولهذا يتوخى فى الحبس إذا لم يكن له مرجع الأقرب فالأقرب. قال القاضى: وما قاله هذا فيه نظر؛ لأن أبا طلحة لم يقل: [إنها] (¬1) حبس ولا مرجوعة وإنما جعلها لله، فقد كان يصح بيعها فى السّبيل، أو تمليكها لمن يستحقها، وهو ظاهر قسمته لها بين أقاربه، وقد يحتمل أن تكون قِسْمةَ غلّةٍ، وتحبيس أصْل ووقف، وقد روى أنها بقيت وقفًا بأيدى بنى عمّه، وبه احتج غير واحدٍ على جواز تحبيس الأصول، خلافًا للكوفيين، وسنذكره فى موضعه، وفيه أن الأقربَ فألأقربَ أولى بالمعروف والصدقة لقول أنس فى كتاب البخارى: " فجعلها لحسّان وأبىّ، وكانا أقرب إليه منى " (¬2). وفيه أن القرابة وبنى العمومة تُراعى، وإن بَعُد اجتماعِهم فى النسب، إذ بَيْن أبى طلحة وبين حسّانَ وأبىّ آباء كثيرة، وإنما يجتمعان مع أبى طلحة فى عَمرو بن مالك بن النجار، وهو السابع من آبائهم. وفيه صِحة التفويض فى الوكالة لقوله: " ضعه حيث شئت يا رسول الله "، وجواز قبول الوكيل ذلك وردّه لقوله عليه السّلامَ: " اجعلها فى الأقربين " فقسمها أبو طلحة. وإن كان إسماعيل القاضى قد رواه: " فقسمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وقد يجمع بين الروايتين: لما كان ذلك عن رأيه وأمره أضيف إليه. وفيه ما كان الصحابةُ عليه من المبادرة للخير، والحرص على امتثال أوامر الله وترغيبه فى البر، وفيه استعمالهم العموم، وفهمهم ذلك من الشرع، وتأويلهم كل محبوب فى قوله: {مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬3) قيل: وفيه جواز قسمة المالِ بين الشركاءِ، وجوازُ إعطاءِ المالِ الكثير من الصدقةِ للواحدِ من الناس وفى صنف واحد من أهل الصدقة. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) البخارى، ك الوصايا، ب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب 4/ 7. (¬3) آل عمران: 92.

عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ؛ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ، كَانَ أعْظَمَ لأجْرِكِ ". 45 - (1000) حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِ اللهِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَصَدَّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلْيِكُنَّ " قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ فَقُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله لمَيمُونَة لما أعْتَقتَ [وَليدةً لها] (¬1): " لو أعطيتها أخْوالَكِ كان أعظمَ لأجرِكِ "، قال الإمام: إن لم يكن لها قرابةٌ إلا من جهة (¬2) الأم، فإن الوجه تخصيص الأخوال، وإن كان لها قرابة من الجهتين فيحتمل أنه خصَّ قرابةَ الأم بذلك ورآهم أولى؛ لأن الأم لما كانت أولى بالبرّ كان قرابتها أولى بالصدقة. قال القاضى: يحتَملُ أنه خَصَّ قرابةَ الأمِ بذلِكَ لأنهم كَانُوا أحوج، وفيه أن صلة الرّحِم أفضل من العتق، وقد قال مالك: الصدقة عَلى الأقارب أفضل من عتق الرقاب، وهكذا جاءت هذه اللفظة فى كتاب مسلم: " أخوالك " باللام من غير خلاف، ووقع فيها فى البخارى من رواية الأصيلى: " أخواتك " بالتاء، ولعله الأصح (¬3) بدليل رواية مالك فى الموطأ: " أعطيها لأختك، وصليها بها ترعى عليها فهو خير لك " (¬4). وقوله للنساء: " تصدقن ولو من حليكن "، قال الإمام: هذا جعله المخالف حجة على إثباث الزكاة فى الحلىّ على أى وجه كان ملكه، وعندنا أن الحلىّ للباس لا زكاة فيه، وأن المتخذ للبيع فيه الزكاة. واختلف عندنا فيما اتخذه النساء من الحلىّ للكراء، هل فيه الزكاة أم لا؟ وسبب الخلاف أنه فرع بين هذين الأصلين، فمن شبهه بحلىّ اللباس من جهة أنه لم يكتسب لتباع عينه، لم يوجب فيه الزكاة. ومن شبهه بحلىّ التجارة من جهة (¬5) أنه تجتنى منه منفعة، أوجب فيه الزكاة. فأما المخالف فقد قال: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولو من حليّكن ": فيه دَليل على إثبات الزكاة على الإطلاق، ويصح، لنا الانفصال [عن ذلك] (¬6) بوجهين: أحدهما: أنه لم يصرح بأن الصدقة [هى] (¬7) ها هنا على الزكاة المفروضة فى ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: وليدتها، والمثبت من الصحيحة المطبوعة، ع. (¬2) فى ع: قبل، والمثبت من نسخ الإكمال. (¬3) البخارى، ك الهبة، ب بمن يُبْدَأ بالهدية، بلفظ: " أخوالك " 3/ 208. (¬4) الموطأ، ك الاستئذان، ب ما جاء فى أكل الضب 2/ 967. (¬5) فى ع: أجل. (¬6) سقط من س. (¬7) من ع.

إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، فَأتِهِ فَاسْأَلْهُ، فإنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِى عَنِّى وَإِلا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لِى عَبْدُ اللهِ: بَلِ ائْتِيهِ أنْتِ. قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ. فَإِذَا امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَاجَتِى حَاجَتُهَا. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ألْقِيتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ. قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأخْبِرْهُ أَنَّ امْرأتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْألانِكَ: أَتَجْزِى الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا، عَلَى أزْوَاجِهِمَا، وَعَلى أيْتَامٍ فىِ حُجُورِهمَا؟ وَلا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ. قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلالٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموال، فيحتمل أن يكون أراد صدقة التطوع أو الواجبة على غير جهة الزكاة للمواساة وشبه ذلك. والوجه الثانى: أن قوله: " ولو من حليكن " ربما كان الأظهر فيه نفى الزكاةِ عن الحلىّ وأن حكمهُ بخلاف حكم غيره؛ لأنه لا يقال فيما تجب فيه الزكاةُ: زَكِّ ولو من كذا، وإنما يقال: زَكِّ ولو من كذا فيما لا تجب فيه الزكاة (¬1) ليكون فى ذلك مبالغة، كما يقول القائل: افعل كذا وإن كان لا يلزمك على سبيل الحث له على الفعل، وأما إباحته فيه إعطاء الصدقة لزوجها، فيحتج به لأحد القولين عندنا فى إعطاء المرأة زوجها زكاتها إذا كان فقيرًا، ولكن إنما يصح الاحتجاج به إذا علم أن [تلك] (¬2) الصدقة التى استأذنت فيها زكاة، وهو لَعمرى الأظهر فى لفظ الحديث؛ لأنها سألت: " هل تجزى؟ " وهذا اللفظ إنما يستعمل فى الواجب غالبًا. قال القاضى: ظاهر الحديث بنفسه أنها صدقة التطوع، وليست بأظهر أنها فى الفرض ولا يظاهر فى ذلك؛ لأن الأحاديث التى فيها أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصدقة ووعظ النساء فيها والرّجال إنما هى فى غير الفرض لا سيّما مع قوله: " تصدقن ولو من حليكن "، ومثل هذا لا يستعمل فى الواجبات كما ذكر، ويعضده ما وقع فى غير هذه الأحاديث التى ذكرها مسلم، وفيه: " إن رايطة امرأة عبد الله بن مسعود، وكانت امرأة صَنَعًا (¬3) وأنها أتت النبى - عليه السلام - فقالت: يا رسول الله، إنى امرأة ذات صنعة أبيع منها، وليس لزوجى ولا لولدى شىء، فهل فيهم من أجر؟ " وقد ذكر ابن عبد البر: رايطة بنت عبد الله الثقفية زوج عبد الله بن مسعود [فى حرف الراء، وذكر زينب بنت عبد الله الثقفية فى حرف الزاى وقال: حديثهما واحد، فيشبه أن لها اسمين. قال الطحاوى: ورايطة هذه هى زينب ولا نعلم لابن مسعود] (¬4) امرأة غيرها، فقد أخبر أن ما يتصدق به ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: ذلك، والمثبت من ع. (¬2) ساقطة من ع. (¬3) فى س: صناعًا. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ هُمَا " فَقَالَ: امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أىُّ الزَّيَانِبِ؟ " قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَهُمَا أجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأجْرُ الصَّدَقَةِ ". 46 - (...) حدّثنى أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأزْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدَّثَنِى شَقِيقٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما هو من صنعة يدها، يدل أنه فى التطوع، وفى حديث آخر: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهن بالصدقة وقال: " إنى رأيتكن أكثر أهل النار " وأن امرأة ابن مسعود [أخذت] (¬1) حليها لتتصدق به [وقالت: لعل الله لا يجعلنى من أهل النار، فكلمها فى ذلك ابن مسعود لتتصدق به] (¬2) على ولده، فأتت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فسألته] (¬3)، فقال: " تصدقى عليه وعليهم " (¬4)، فهذا من صدقتها لتنجو من النار. ومجيؤها بجميعه يدل أنه فى التطوع وليس فى قوله: " أنجزى " ما يدل على أنه الفرض، ويجرى معنى تنوب عن الصدقة على الأجانب كما قال: {لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} (¬5)، أى لا ينوب. وقد أجمع العلماء أن الرجل لا يعطى زوجته من الزكاة، وممن قال بالصدقة فى الحلىّ: عمر وابن مسعود فى جماعة من الصحابة، وابن المسيب وابن سيرين والزهرى وجماعة من التابعين (¬6)، وقاله الكوفيون. وممن قال: لا زكاة فيه: ابن عمر (¬7) على اختلاف عنه، وجابر وعائشة وغيرهم من الصحابة والتابعين، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق، وأظهر قولى الشافعى (¬8). واختلفوا فى المرأة هل تعطى زوجها فأجازه الشافعى وأبو يوسف وابن الحسن وأبو ثور وابن (¬9) عبيد وأشهب من أصحابنا، إذا لم يصرفها إليها فيما يلزمه لها، ولم يجزه مالك وأبو حنيفة (¬10). واختلف فيه على أحمد، وأجمعوا على أنه لا يدفعها إلى والدته وولده فى حال يلزمه الإنفاق عليهم، واختلفوا فى دفعها إلى المحتاجين من القرابات، ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬3) ساقطة من س. (¬4) البخارى، ك الزكاة، ب الزكاة على الأقارب 1/ 149. وقد سبق رواية جزء منه فى مسلم، ك الإيمان، ب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات. (¬5) البقرة: 48. (¬6) انظر: الاستذكار 8/ 71. (¬7) الاستذكار 8/ 68، الحاوى 3/ 272. (¬8) الحاوى 3/ 271. (¬9) فى س: أبو. (¬10) الحاوى 3/ 388.

عَبْدِ اللهِ. قَالَ: فَذَكَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ. فَحَدَّثَنِى عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِ اللهِ، بِمِثْلِهِ، سَوَاءً. قَالَ: قَالَتْ: كُنْتُ فِى الْمَسْجِدَ. فَرَآنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " تَصَدَّقْنَ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِى الأَحْوَصِ. 47 - (1001) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ لِى أَجْرٌ فىِ بَنِى أَبِى سَلَمَةَ؟ أنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إنَّمَا هُمْ بَنِىَّ. فَقَالَ: " نَعَمْ، لَكِ فِيهِمْ أجْرُ مَا أنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ ". (...) وحدَّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 48 - (1002) حدّثنا عُبَيْدِ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الْبَدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف فى ذلك قول مالك وأصحابه بالجواز والكراهة، وأصل الكراهة فى ذلك لئلا يكون سببًا لقطع صلات أرحامهم من غيرها (¬1)، وضياع من عداهم بميل النفس إلى الأقارب دونهم. قال أبو عبيد: أراهم [أولاد ابن مسعود] (¬2) من غيرها، لإجماعهم أن المرأة لا تعطى صدقتها بنيها، وما قاله (¬3) أبو عبيد من ذلك يعضده فى الكتاب: " عنها وعن صاحبها وعلى أيتام فى حجورهما "، لكن فى البخارى فى خبرهما - أيضًا - قولها: " زعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال: " صدق زوجك وولدك أحق " (¬4). وأما دعواه الإجماع فمالك وجمهور العلماء يقولون: إن أعطى صدقته من لا تلزمه نفقته من القرابة أجزى (¬5)، والأم عندهم لا تلزمها نفقة بنيها. وقولها لبلال: " ولا تخبره من نحن " (¬6)، ثم أخبر بهما بلال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سأله، ¬

_ (¬1) انظر: الحاوى 3/ 388. (¬2) فى س: لابن سعود. (¬3) فى س: وما ظنه. (¬4) البخارى، ك الزكاة، ب الزكاة على الأقارب 1/ 149. (¬5) المنتقى 2/ 155، 156. (¬6) حديث رقم (45) بالباب.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً ". (...) وحدّثناهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافع، كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. 49 - (1003) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ عَلىَّ، وَهِىَ رَاغِبَةٌ - أَوْ رَاهِبَةٌ - أَفَأصِلُهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". 50 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّى، وَهِىَ مُشْرِكَةٌ فِى عَهْدِ قُرَيْشٍ إذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّى وَهِىَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أُمِّى؟ قَالَ: " نَعَمْ، صِلِى أمَّكِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس فيه إباحة كشف أمانة السرّ، إمّا لأن بلالاً فهم من القصة أن ذلك ليس على إلزام الكتم، وكان معناه: ما عليك ألا تعلمه بنا إذ لا ضرورة إلى ذلك، أو لأن النبى - عليه السلام - لما سأله لزمته إجابته، وكان فرضًا عليه إعلامه بذلك، مع أنه لا مضرّة عليهما فى ذلك. وقولها: " إن أمّى قدمت علىّ وهى راغبة - أو راهبة - أفأصلها؟ قال: نعم ": والصحيح ما فى الرواية الأخرى: " راغبة " دون شك، قيل: راغمة عن الإسلام وكارهة له، وقيل: راغبة طامعة فيما أعطيتها من الرغبة والحرص. وقد ذكر أبو داود هذا الحديث وقال فيه: " قدمت على أمى راغبة فى عهد قريش وهى راغبة مشركة " (¬1) فالأول بالباء، أى طالبة صلتى ورفدى، والثانية بالميم، أى كارهة للإسلام ساخطة له. فيه جواز صلة المشرك ذى القرابة والحرمة والذمام. وأمها المذكورة قتلة بنت عبد العزى العامرية القرشية، ويقال: قتيلة - مصغرة - وكلاهما بتاء باثنتين فوقها، وقيل فيها: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الآية (¬2). وقوله: " إن المسلم إذا أنفق على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة " حجة أن الأعمال إنما الأجر فيها بالنيات والاحتساب. ¬

_ (¬1) سنن أبى داود عن أسماء، ك الزكاة، ب الصدقة على أهل الذمة 1/ 388. (¬2) الممتحنة: 8.

(15) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه

(15) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه 51 - (1004) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّىَ افْتُلِتتْ نَفْسُها لَمْ تُوصِ، وَأظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أفَلَهَا أَجْرٌ إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن أمّى افتلتت نفسها ": أكثر روايتنا فيه بفتح السين على المفعول الثانى، ويصح الرفع على ما لم يسمّ فاعله، ورواه ابن قتيبة: اقتلتت بالقاف، وفسّرها أنها كلمة تقال لمن مات فجأة، ويقال - أيضاً - لمن قتلته الجن والعشق، ورواه الجمهور بالفاء. قال الإمام: قال أبو عبيد: معناه: ماتت فجأة فلتة. وكل فعل (¬1) فعل على غير تمكث (¬2) فقد افتلت، ويقال: افتلت الكلام واقترحه [واقتضبه] (¬3)، إذا ارتجله. وأما قوله فى الصدقة عنها: فإن الاتفاق على أن الصدقة بالمال عن الميت نافعة. واختلف فى عمل الأبدان، فمن قاسه على المال جعله نافعًا، ومن أخذ بقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (¬4) جعله غير نافع، فإن عورض بعض من يقول: إن عمل الأبدان لا ينفع بالحج عن الغير، قيل: هو عبادة غلب المال فيها على عمل البدن، فردت إلى حكم الصدقة بالمال عن الغير على الجملة، ويحتج من قال: إن عمل البدن نافع بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات وعليه صوم صام عنه وليه " (¬5)، فيصير الخلاف مبنياً على ¬

_ (¬1) فى ع: أمر. (¬2) كذا فى الأصل، س، وفى ع: مكث. (¬3) ساقطة من ع. (¬4) النجم: 39. (¬5) صحيح البخارى، ك الصوم، ب من مات وعليه صوم 3/ 46، سنن أبى داود، ك الصوم، ب فيمن مات وعليه صوم 1/ 559.

مُوسَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاق، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ: وَلَمْ تُوصِ. كَمَا قَالَ ابْنُ بِشْرٍ. وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ معارضة الحديث ظاهر الآية، فمن قدم الحديث جعل ذلك نافعًا، [ومن قدم الظاهر لم يجعله نافعًا] (¬1). قال القاضى: وقوله [هنا] (¬2) " إن تصدقت " بكسر الهمزة، ولا يصح غيره لأنه إنما يسأل عما لم يفعله بعد ولم يقع. ¬

_ (¬1) من هامش س. (¬2) ساقطة من س.

(16) باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف

(16) باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف 52 - (1005) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشجَعِىِّ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ - فىِ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ. قَالَ: قَالَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ". 53 - (1006) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أسْمَاء الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِى عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْل عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ الدَّيلِىِّ، عَنْ أبى ذَرٍّ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا للِنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ. قَالَ: " أوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَاتَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ [قال القاضى] (¬1): وقوله: " ذهب أهل الدثور بالأجور ": أنهم أصحاب الأموال الكثيرة، [والدثر: المال الكثير] (¬2). وقوله: " أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، بكل تسبيحة صدقة " الحديث، يحتمل تسميتها صدقة، [أى لها أجر كما للصدقة أجر، وأن هذه الأفعال تماثل الصدقات فى الأجور، وسماها صدقة] (¬3) على طريق المقابلة وتجنيس الكلام، أو يكون سماها من معناها إذ فى اسم الصدقة على ما قيل: لما فيها من الدليل على صدق الإيمان وصحته، فكذلك سائر الطاعات فيها ذلك [وقد قيل] (¬4): صدقة على نفسه، أى بهذه الحسنة. وقد أشار بعض أصحاب المعانى إلى تخصيص الفقراء بهذه الأجور وقيامها لهم مقام الصدقات. وقد يحتج بقوله: " قد جعل الله لكم "، ويتأول قوله فى الحديث الآخر: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} (¬5) على هذا، وقال بعضهم: بل يرجع إلى ما رأى منهم من ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬2) سقط من س. (¬3) سقط من س. (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬5) المائدة: 54.

بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْىٌ عَنْ منكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِى بُضْعِ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أيَأتِى أحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: " أرَأيْتمْ لَوْ وَضَعَهَا فِى حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِى الْحَلالِ كَانَ لَهُ أجْرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الفهم والعلم بقوله: " لكم بكل تسبيحة صدقة " ويحتج بهذا من يفضل الفقراء، وهذا غير ظاهر الحديث، وأن معنى قوله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}: المال وفعل المعروف منه، وبهذا احتج من يقول بتفضيل الغنى. وقوله: " كل معروف صدقة ": أى له حكمها فى الثواب عند الله. وقوله: " فى بضع أحدكم صدقة ": [فيه بيان أن المباحات تعرفها النيات الصادقة طاعات] (¬1). قال الإمام: البضع: الجماع، والبضع فى غير هذا: الفرج. وقال الأصمعى: مَلَكَ فلان بضع فلانة: إذا ملك عُقدة نكاحها وهو كناية عن موضع الغِشْيَان والمباضعة المباشرة، والاسم البضع. قال الإمام: [البضع: الجماع والبضع] (¬2)، لا يقال: إن قولهم: " أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ " إنما بعد عندهم على طريقة المعتزلة فى التقبيح والتحسين من جهة العقول، وأنه لا يؤجر إلا على فعله، بل يحتمل أن يكون إنما بَعُدَ عندهم على ما عهدوه من حكم الشريعة، وتقرر عندهم أن الأجور تكون بقدر المشاق، وهذا مما يدعو إليه الطبع (¬3) وتستلذه. ووجه مراجعتهم له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا إنكار منهم للوحى، ولكنه يحتمل أن يكون أرادوا أن يبين لهم موضع الحجة، فبين لهم وقاس القياس المتقدم، وهذا القياس [المتقدم] (¬4) الذى قرر ضربٌ من قياس (¬5) العكس، وفى العمل به خلاف بين أهل الأصول. وهذا الحديث تقوية لأحد القولين. قال الإمام: ذهب الكَعْبى إلى أنه ليس فى الشريعة مباح، قال: لأن كل فعل يفعله العبد؛ من مشى وأكل وشبهه ينقطع به عن معصية فقد صار مأجورًا فيه، من جهة كونه قاطعًا له عن المعصية. وأقل ما يبطل (¬6) [عليه] (¬7) به هذا المذهب أن نقول: ينبغى أن ¬

_ (¬1) سقط من ع. (¬2) سقط من س، ع المطبوعة. (¬3) فى س، ع: الطباع. (¬4) من س. (¬5) فى الأصل قيام، والمثبت من س. (¬6) فى ع، المطبوعة: نبطل. (¬7) ساقطة من س.

54 - (1007) حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلامٍ - عَنْ زَيْد؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ فَرُّوخَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ بَنِى آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون الإنسان مأجورًا فى الزنا إذا تشاغل به عن معصية أخرى فإن قال قائل: هل فى هذا الحديث المتقدم إشارة [بتعلق هذا المعنى] (¬1) لأنه جعله مأجورًا فى وضع نطفته فى الحلال لما صده ذلك عن وضعها فى الحرام قيل: لا تعلق له بذلك؛ لأن الأجر ها هنا إنما كان من جهة القصد إلى الاستعفاف بالحلال عن الحرام، ولو قصد بفعل المباح الانقطاع عن المعصية لأجر على قصده [لذلك] (¬2)، مع أنه يحتمل أن يكون - عليه السلام - أراد بها ذكر التشبيه والتقريب إلى أفهامهم، فكأنه قال [لهم] (¬3): أليس قد صح فى عقولكم أن اللذة بالزنا يتعلق بها الإثم، مع أن ذلك طبيعى، فكذلك لا يبعد أن يؤجروا على فعل ذلك على وجه الحلال وإن كان طبيعيًا. وهذا التأويل الثانى إنما يصح فى حق من فهم عنه استبعاد تعلق التكليف بالشهوة لما كانت طبيعة، ولم يتعرض لما سوى ذلك مما يفترق فيه أحكام (¬4) التكليف. [قال الإمام] (¬5): قوله فى الحديث عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى: قال أبو عبيد: السلامى فى الأصل عظم فى فرسن البعير، فكان المعنى: على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة. قال فى حديث خزيمة: حتى آل (¬6) السُّلامى، يريد رجع إليه المخ، يقال: [هو] (¬7) آخر ما بقى فيه المخ. قال القاضى: قد ذكر أول الحديث خلق الإنسان على ثلاثمائة وستين مفصلاً، ثم سماها بعدد السلامى، فدل أن ذلك أراد. وقوله: " وعزلَ حجراً عن طريق الناسِ أو شوكةً أو عظماً ": كذ رويناه، وعند بعضهم: " غصْناً " وكلاهما يخرج له معنى صحيح، كما قال فى الحديث الآخر: " نزع غُصن شوك من الطريق فشكر الله له ذلك ". ¬

_ (¬1) فى س، ع: يتعلق بها الكعبى. (¬2) فى ع: إلى ذلك. (¬3) من س. (¬4) فى الأصل: أحوال، والمثبت من س، ع. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬6) فى الإكمال: إلا، والمثبت من ع. (¬7) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع، س.

بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى، فإنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ ". قَالَ أَبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا قَالَ: " يُمْسِى ". (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ، أَخْبَرَنِى أَخِى زَيْدٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ " وَقَالَ: " فَإنَّهُ يُمْسِى يَوْمَئِذٍ ". (...) وحدَّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا عَلِىٌّ - يَعْنِى ابْنَ الْمُبَارَكِ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ جَدِّهِ أبِى سَلامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ فَرُّوخَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِقَ كُلُّ إنْسَانٍ " بِنَحْوِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عَنْ زَيْدٍ. وَقَالَ: " فَإنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ ". 55 - (1008) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تمسك عن الشر فإنها صدقة " مثل قوله: " من هم بسيئةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةٌ، لأنه إنما تركها من جراى "، وقد تقدم هذا (¬1)، لأنه فى تركه الشر لما نهى عنه طاعة، وامتثالاً لما أُمِرَ به وسَماها صدقةً على ما قدَّمناه. وقوله: عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى: [كذا رويناه، وصوابه فى العربية وثلاث وثلاثمائة السلامى] (¬2). وفيه عظيم ما أوتيه - عليه السلام - من الإحاطة بعلوم الدين والدنيا، وجواز معارف الأمم، وحقائق التشريح والطب. وقوله: " فإنه يمسى وقد زحزح نفسه عن النار "؛ كذا رويناه عن عامتهم بالسين المهملة، وعند الطبرى: " يمشى " بالمعجمة، وبعكسه لهم آخر الحديث. ثم قد ذكر مسلم الاختلاف فيه بالسين المهملة، فى حديث الدارمى، وبالمعجمة فى حديث ابن نافع (¬3). ¬

_ (¬1) راجع ك الإيمان، ب إذا هم العبد بحسنة كتبت، وإذا هم بسيئة لم تكتب رقم (128) وما بعدها. والحديث فى الصحيحة المطبوعة من مسلم ليس بهذا اللفظ. (¬2) فى هامش الأصل، ولا يستطاع قراءتها، والمثبت من س. (¬3) ذكره القاضى، وهو شيخ شيخ مسلم، وكان الأولى أن يأتى بالراوى الأدنى وهو شيخ مسلم: " حسن ابن على الحلوانى " كما هى عادته كما ذكر آنفًا شيخ مسلم. الدارمى.

سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: " عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ " قيلَ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: " يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ ". قَالَ: قِيلَ: أَرَأيْتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: " يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ " قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: " يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: " يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 56 - (1009) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ ". قَالَ: " تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِى دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ". قَالَ: " وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُميِطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " على كل مسلم صدقة " [و] (¬1) فى البخارى (¬2): " كل يوم "، وفى مسلم: " بعدد، كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم " قيل: هو إيجاب حض وترغيب على اكتساب الأجر بهذه الأعضاء وتصريفها فى طاعة الله، فهى صدقة (¬3). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) لم أجد هذه اللفظة فى صحيح البخارى، وهى فى الأدب المفرد له. (¬3) فى س: صدقتها.

(17) باب فى المنفق والممسك

(17) باب فى المنفق والممسك 57 - (1010) وحدَّثنى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَان - وَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ - حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى مُزَرِّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ، إلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهُمَّ، أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما من يوم يصبح إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا ": هذا - والله أعلم - فى الإنفاق فى الواجبات [والمندوبات] (¬1) والحقوق المتعينة فى المال والإنفاق بالمعروف، ويصدقه قوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} (¬2)، وقوله: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (¬3). وقوله - عليه السلام - للذى أراد الصدقة بجميع ماله: " أمسك عليك بعضه فهو خير لك (¬4) " (¬5)، وفيه الحض على الإنفاق ورجاء قبول دعوة الملائكة. ¬

_ (¬1) ساقطة من س، والمثبت من الأصل. (¬2) سبأ: 39. (¬3) الإسراء: 29. (¬4) فى س: خير له، والمثبت من الصحيحة المطبوعة للبخارى والأصل. (¬5) البخارى، ك الزكاة، ب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، عن كعب بن مالك بلفظ: " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " 2/ 139، وكذا أبو داود، ك الأيمان والنذور، ب فيمن نذر أن يتصدق بماله 2/ 215.

(18) باب الترغيب فى الصدقة قبل ألا يوجد من يقبلها

(18) باب الترغيب فى الصدقة قبل ألا يوجد من يقبلها 58 - (1011) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَصَدَّقُوا، فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِى بِصَدَقَتِهِ، فيقُولُ الَّذِى أعْطِيَهَا: لَوْ جِئْتَنَا بِهَا بِالأَمْسِ قَبِلْتُهَا، فَأمَّا الآنَ، فَلا حَاجَةَ لِى بَهَا، فَلا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا ". 59 - (1012) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ليَأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ، ثُمَّ لا يَجِدُ أَحَدًا يَأخُذُهَا مِنْهُ، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلَّة الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ بَرَّادٍ: " وَتَرَى الرَّجُلَ ". 60 - (157) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىُّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ، وَحَتَى تُعُودَ أرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأنْهَارًا ". 61 - (...) وحدّثنا أَبُو الطَّاهرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَن أَبِى يُونُسَ، عَن أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ حتى يَهُمَّ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ صَدَقَة، وَيُدْعَى إلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: لا أرَبَ لِى فِيهِ ". 62 - (1013) وحدّثنا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَأَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفاعِىُّ - وَاللَّفْظُ لِوَاصِلٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ

هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَقِىءُ الأرْضُ أفْلاذَ كَبِدِهَا أمْثَالَ الأسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِىء الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِى هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِىء الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِى هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِى، وَيَجِىء السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِى هَذَا قُطِعَتْ يَدِى، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلا يَأخُذونَ مِنْهُ شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تقىء الأرضُ أفلاذَ كبدها "، قال الإمام: أى تخرج الكنوز المدفونة فيها. قال ابن السكيت: الفلذ لا يكون إلا للبعيد، وهو قطعة من كبده، يقال: فلذة واحدة، ثم يجمع فِلذًا، وأفلاذًا. أو هى القطع المقطوعة طولاً، وهذا مثل قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} (¬1)، وسمى ما فى الأرض كبدًا تشبيهًا بالكبد الذى فى بطن البعير وخص الكبد؛ لأنه من أطايب الجذور. وقوله: " تقىء ": أى تخرج وتظهر. قال القاضى: حكى أبو عبيد عن الأصمعى الحذة والفلذة والحذيةُ: ما قطع طولاً من اللحم، ولم يخص كبدًا من غيره. وقوله: " أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ": بضم الهمزة والطاء، هى السوارى يعنى لعظم ما خرج فيها من البذرات والكنوز. وقوله: " ما تصدق أحد بصدقة من طيب. ولا يقبل الله إلا الطيب ": قيل: الطيب ها هنا: الكسب من الحلال، كما قال تعالى: {أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} (¬2). وقوله فى الأحاديث: فى كثرة المال وحتى لا يوجد من يقبل الصدقة، فيه الحض على الصدقة ما دام وقت قبولها. وفيه إخبار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يكون ولابد من كونه إن كان قاله، فإنه لا يقول إلا حقًّا. وقوله: " حتى يُهِمَّ الرجل من يقبل [منه] (¬3) صدقته "، بضم الياء وفتح اللام، أى يحزنه طلبه وعدمه، يقال: أهمه إذا أحزنه، قال الأصمعى: وهمّنى: أذابنى، ومنه قوله: همك ما أهمك، أى أذاب شَجبُكَ ما أحزنك وأغمك، وقد تكون هنا " يَهم الرجلُ " بفتح الياء [وضم اللام] (¬4) أى يقصده فلا يجده، يقال: هم بالشىء إذا قصده ¬

_ (¬1) الزلزلة: 2. (¬2) البقرة: 267. (¬3) من س. (¬4) فى س: بضم الباء، وهو خطأ، والمثبت من الأصل والأبى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بهمته. وقوله: " لا أرب لى فيه ": أى لا حاجة، وما ذكر من كثرة النساء وقلِة الرجال، قيل: لقلتهم بكثرة الفتن وبقاء النساء أيامى، [ومعنى " يَلذنَ به ": أى يلجأن إليه ويطفن به، وأصله الستر، كأنهن يستترن بالإستار إليه، ومنه: فلاذ منى بشجرة، أى استتر بها.

(19) باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها

(19) باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها 63 - (1014) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَصَدَّقَ أحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إلا الطَّيِّبَ، إلا أخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فتَرْبُو فِى كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّى أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ فصيله ". 64 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ سُهيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَتَصَدَّقُ أحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّب إلا أخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّهَا كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أعْظَمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بصدقة من [طيب] (¬1) ": أى من كسب حلال، ويفسره قوله فى الحديث الآخر: " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا "، ثم ذكر آخر الحديث: " الرجل يمد يديه إلى السماء ومطعمه حرام ومشربه حرام "، ومعنى تسمية الله بالطيب هنا ولم يأت فى حديث الأسماء، أى المنزه عن النقائص، بمعنى القدوس. [وأصل الطيب] (¬2): الزكاء والطهارة والسلامة من الخبث، والاستطابة: التنظيف من القذر والطهارة منه، وقيل: سميت المدينة طابة وطيبة، من الطيب، وهو تطهيرها من الشرك وظهور الإسلام بها وقيل غيره، مما سنذكره إن شاء الله. وقوله: " إلا أخذها الله بيمينه فيربيها كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله "، وفى حديث آخر: " فتربو فى كف الرحمن "، وفيه: " فلوه أو فصيله حتى يكون مثل الجبل ": الفلو، بفتح الفاء وضم اللام [وتشديد الواو] (¬3) غير واحد من اللغويين، أنه المهر، وبه فسّره الهروى، [و] (¬4) فى حديث آخر سُمّى بذلك لأنه فُلِىَ عن أمه، أى غزل (¬5) ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: وأصله. (¬3) سقط من س. (¬4) ساقطة من س. (¬5) تقول: الغزل من الظباء الشادن قبل الإثناء حين يتحرك ويمشى، وفى الأبى: " عزل عنها "، مادة " غزل ".

(...) وحدَّثنى أمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنِيهِ أحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الأوْدِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِى حَدِيثِ رَوْحٍ: " مِنَ الْكَسْبِ الطَّيِّبِ فَيَضَعُهَا فِى حَقِّهَا "، وَفِى حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: " فَيَضَعُهَا فِى مَوْضِعِهَا ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْد بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ عَنْ سُهيلٍ. 65 - (1015) وحدَّثنى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنِى عَدِىُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِن الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (¬1) وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (¬2). ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. يَارَبِّ، يَارَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَام، وَمَلْبَسُهُ حَرَام، وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ، فَأنى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واتحد. وحكى بعضهم: فِلو بكسر الفاء وسكون اللام، وأنكر ابن دريد غير الوجْهِ الأول، والفصيل: الذى فصل عن رضاع أمه من الإبل. والقلوص: الناقة من الإبل، ولا تكون إلا [فتية] (¬3) أنثى، لا يقال للذكر. قال الإمام: قد ذكرنا استحالة اتصاف البارى - سبحانه - بالجوارح، وأن هذا وأمثاله إنما عبر به - عليه السلام - على ما اعتادوا فى خطابهم ليفهموا عنه، فكنى ها هنا عن قبول الصدقة بأخذها بالكفّ واليمين، وعن تضعيف أجرها بالتربية. قال القاضى: لما كان الشىء الذى يرتضى ويعز يُتلَقى باليمين [ويؤخَذ بها استعمل ¬

_ (¬1) المؤمنون: 51. (¬2) البقرة: 172. (¬3) ساقطة من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى مثل هذا للقبُول والرضى، كما قال: تلقاهَا عرابة باليمين وقيل: وعناها هاهنا بنعمته] (¬1)، يريد سرعة المبادرة ليعلمها فلما استعار بهذه الخصال والأفعال الجميلة من خصال المجد وأنه استعار للمبادرة لفعلها تلقى (¬2) باليمين على العادة فيما تحرص عليه وتبادر إليه، ويقبلها تفضله الواسع، وقيل: عبر باليمين ها هنا عن جهة القبول والرضى إذ الشمال بضده فى هذا وغيره. وقد فرق الله بين أصحاب اليمين والشمال، وقد قيل: إن المراد هنا بكف الرحمن ويمينه كف المتصدق عليه ويمينه، وإضافتها إلى الله إضافة ملكٍ واختصاص بوضع هذه الصدقة لوجهه فيها، وقد قيل فى تزكيتها وتعظيمها حتى تكون مثل الجبل، أن المراد بذلك تعظيم الأجر وتضعيف الثواب، وقد يصح أن يكون على وجهه، وأن تعظم ذاتها وتبارك الله فيها، ويزيدها من فضله لتعظم فى الميزان وتثقل، ولعله يصح أن يكون المراد بالكف هنا كفة الميزان، وطرف كل شىء كفُّهُ وكفيه، وهذا الحديث يصدقه قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) فى س: تلقيا. (¬3) البقرة: 276.

(20) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار

(20) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار 66 - (1016) حدّثنا عَوْنُ بْنُ سَلامٍ الْكَوفِىُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِىُّ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ ". 67 - (...) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ - قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ - حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فيَنْظرُ أيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أشْأمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إلا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إلا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ". زَادَ ابْنُ حُجْرٍ: قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ خَيْثَمَةَ، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: " وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ". وَقَالَ إِسْحَاقُ: قَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ. 68 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كَرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىٍّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّارَ فَأعْرَضَ وَأشَاح، ثُمَّ قَالَ: " اتَّقُوا النَّارَ "، ثُمَّ أعْرَضَ وَأشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأنَّمَا يَنْظُرُ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ". وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو كُرَيْبٍ: كَأنَّمَا. وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النار، فأعرض وأشاح ": لأشاح معنيان جد وانكمش على الإيصاء باتقاء النار، والآخر حذر النار، [وهو فى ذلك] (¬1) كأنه ¬

_ (¬1) سقط من ع، والمثبت من الإكمال.

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، وَأشَاحَ بِوَجْهِهِ: ثَلاثَ مِرَارٍ. ثُمَّ قَالَ: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ". 69 - (1017) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى صَدْرِ النَّهَار. قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِى النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬1)، وَالآيَةَ الَّتِى فِى الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} (¬2) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاع بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينظر إليها، قال الأصمعى: المشيح الجاد، والمشيح - أيضاً - الحَذِر، وقال الفراء: المشيح على معنيين: المقبل إليك، والمانع لما وراء ظهرِه، قال: وقوله: " فأعرض وأشاح ": أى أقبل. قال القاضى: قال الحربى: عن أبى عمرو: والمشيح الهارب، وأصله بلوغ الغاية فى كل شىء. قال الحربى: فأشبه الوجوه هنا التنحية، وهو أشبه بالإعراض، وقال الخليل: أشاح بوجهه عن الشىء: نحاه عنه وعزل به، وهذا يطابق أعرض. وقوله: " اتقوا النار ولو بشق تمرة ": تحريض على الصدقة، وأنه (¬3) لا يستحقر منها شىء وشق الشىء: نصفه، ومعنى الاستتار من النار فى الحديث الآخر: التوقى منها. وقوله: " مُجْتَابِى النمار أو العباء " النمار بكسر النون جمع نمرة، وهى ثياب صوف فيها تنمير مثل أنصاف الحلق والاجتياب: غرير وسطها، ومنه: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} (¬4)، ثقبوه وخرموه. وتلاوته - عليه السلام - فى خطبته فى الحث (¬5) على صدقته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} لما فيها - والله أعلم - من ¬

_ (¬1) النساء: 1. (¬2) الحشر: 18. (¬3) فى س: وأنها. (¬4) الفجر: 9 (¬5) فى س: الحض.

تَمْرَةٍ " قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا. بَلْ قَدْ عَجَزَتْ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَىْءٌ. وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} (¬1). وقوله: " حتى رأيت كومين من طعامٍ وثياب ": كذا قيده بعضهم بفتح الكاف، وقيده آخرون بضمها، قال أبو مروان بن سراج: هو بالضم اسم لما كوِّمَ الكومَة، وبالفتح المرة الواحدة، والكومة: الصُّبرة (¬2)، والكوم: العظيم من كل شىء، والكوم: المكان المرتفع كالرابية وشبهها، فالفتح هنا أولى فى الحديث؛ لأنه إنما قصد الكثرة والصبرة والتشبيه بالرابية. وقوله: " فرأيت وجَه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَّللُ كأنه مُذْهبةُ " فيه وجهان: أحدهما: أنه أراد فضة مذهبةُ، كما قال: كأنها فضةُ قد مَسّهَا ذهب " يعنى لحسن وجهه ونوره وإشراق ماء السرور فيه، والوجه الثانى: أنه شبهه أيضًا فى حسنه بالمُذْهبة من الجلود، وجمعها مذاهب، وهى شىء كانت تصنعه العرب من جلود، وتجعل فيه خطوطًا [مذهبة] (¬3) يرى بعضها إثر بعضٍ، وفيه يقول الشاعر: أتعرف رسمًا كالطراء المذاهب وسروره - عليه السلام - هنا لوجهين: أحدهما: لما ظهر من إجابة المسلمين له وبذلهم أموالهم فى الله، وجودهم بالصدقة، والثانى: لما فتح الله بذلك على هذه الدافة العراة المحاويج (¬4). قال الإمام: وقوله: " من سن سنة حسنة فى الإسلام فله أجرها، وأجر من عمل ¬

_ (¬1) النساء: 1. (¬2) فى الأبى: الصرة، والمثبت من الإكمال. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬4) فى س: المجاويع.

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعبَةُ، حَدَّثَنِى عَوْنُ بْنُ أَبِى جُحَيْفَةَ. قَالَ سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَ النَّهَارِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ مُعَاذٍ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ خَطَبَ. 70 - (...) حدّثنى عُبيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَأَبُو كَامِلِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاَهُ قَوْم مُجْتَابِى النِّمَارِ. وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَفِيهِ: فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرًا صَغِيرًا، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ أَنْزَلَ فِى كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} الآية (¬1) ". 71 - (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِى الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ الْعَبْسِىِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهِمُ الصُّوفُ. فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ، قَدْ أصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ، فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيِثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بها " الحديث. هذا على نحو ما تقدم من أن المعين (¬2) على الفعل كمن فعله. وذكره هذا الفضل فى آخر حديث الوفد المجتابى النمار لقوله [فى] (¬3) أوله: " فجاء رجل بصبرةٍ كادت كفه تعجز عنها " إلى قوله: " ثم تتابع الناس ": فكان الفضل للبادى، وللسابق الذى اقتضى من بعده فعله، واستن بسنته. ¬

_ (¬1) فى المعلم: أعان. (¬2) النساء: 1. (¬3) من س.

(21) باب الحمل أجرة يتصدق بها، والنهى الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل

(21) باب الحمل أجرة يتصدق بها، والنهى الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل 72 - (1018) حدّثنى يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ ابْنُ خَالِدٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ، قَالَ: أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ، قَالَ: كُنَّا نُحَامِلُ. قَالَ: فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ قَالَ: وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَىْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ لَغَنىٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا. وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ إلا رِيَاءً. فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} (¬1). وَلَمْ يَلْفِظْ بِشْرٌ: بـ {الْمُطَّوِّعِينَ}. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ. ح وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كنا نحامل "، قال القاضى: تفسيره فى الحديث [الآخر] (¬2) بعده: " نحامل على ظهورنا ": أى نكرى أنفسنا فى الحمل، ونتصدق بالأجرة. ¬

_ (¬1) التوبة: 79. (¬2) من س.

(22) باب فضل المنيحة

(22) باب فضل المنيحة 73 - (1019) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، يَبلُغُ بِهِ: " ألا رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً، تَغْدُو بِعُسٍّ، وَتَرُوحُ بِعُسٍّ، إِنَّ أجْرَهَا لَعَظِيمٌ ". 74 - (1020) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَدِىٍّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من منح منيحة " ويروى: " منحة غَدتْ بصدقةٍ، وراحت بصدقة، صبوحها وغبوقها ": المنحة بكسر الميم، والمنيحة بفتحها وزيادة ياء: العطية والصلة. ثم يستعمل عرفًا عند العرب فى ذوات الألبان، تعطى مرة لينتفع بفائدتها ثم تصرف. والصَبوح - بالفتح: شرب أول النهار. والغبوق: شرب أول الليل. ويخفضا على البدل من صدقةٍ، ويصح نصبهما على الظرف للزمان والوقت. وقوله: عن أبى هريرة يبلغ به: " ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة ": معناه: يبلغ بحديثه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويرفعه إليه، ويسنده عنه. وقوله: " تروح بعشاء (¬1) وتغدوا بعشاء ": كذا للسمرقندى ممدود بشين معجمة، وكذا رواه أكثرهم، والذى سمعناه من متقنى شيوخنا فى الكتاب: " بعس " وهو القدح الضخم، وهو الصواب المعروف، وقد جاء من رواية الحميدى (¬2) فى غير الأم: " بعس " (¬3) بسين مهملة، وفسره الحميدى بالعُس الكبير وهو من أهل اللسان، ولم يعرفه ¬

_ (¬1) حديث قتاده بن النعمان، ولفظه: " لما أتيت عمى بالسلاح وكان شيخًا قد عسا أو عشا ". ابن الأثير 3/ 238. (¬2) الحميدى 2/ 457 (1061). (¬3) يعنى رواية: " أفضل الصدقة المنيحة تغدو بعساء وتروح بعساء " ذكره ابن الأثير. فى النهاية فى غريب الحديث، قال: قال الخطابى: قال الحميدى: العساء العس، ولم أسمعه إلا فى هذا الحديث. والحميدى من أهل اللسان. رواه أبو خيثمة، ثم قال: لو قال بعساس كان أجود فعلى هذا يكون جمع العسِّ أبدل الهمزة مع السين. قال الزمخشرى: العِساء والعساس جمع عسٍ. فانظر كيف نسب القاضى الكلام لنفسه، ولم ينسبه إلى الخطابى. انظر: ابن الأثير 3/ 238، واللسان، مادة " عسا ".

هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى فَذَكَرَ خِصَالاً، وَقَالَ: " مَنْ مَنَحَ مَنِيْحَةً، غَدَتْ بِصَدَقَةٍ، وَرَاحَتْ بِصَدَقَةٍ، صَبُوحِهَا وَغَبُوقِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل اللغة إلا من قبلِهِ وضبطناه عن القاضى التميمى عن أبى مروان بن سراج بفتح العين وكسرها معاً، ولم يقيده الجيانى وأبو الحسين ابنه عنه إلا بالكسر وحده (¬1). ¬

_ (¬1) بعدها فى هامش الأصل: " ومعنى يمنح أى " وأرى أن لا معنى لها.

(23) باب مثل المنفق والبخيل

(23) باب مثل المنفق والبخيل 75 - (1021) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّتَانِ - أَوْ جُنَّتَانِ - مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهمِا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ - وَقَالَ الآخَرُ: فَإذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ - أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ عَلَيْهِ - أَوْ مَرَّتْ - وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ قَلَصَتْ عَلَيْهِ، وَأخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَها، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث عمرو الناقد: " مثل المنفق والمتصدق ": هذا وهم، وصوابه: مثل البخيل والمنفق والمتصدق، بدليل تقسيم الكلام. وضرب المثل للبخيل والمنفق بعده، وكذا جاء فى سائر الأحاديث الأخر، وكذلك فى هذا الحديث أوهام كثيرة من الرواة وتحريف وتصحيف، وتقديم وتأخير، يبينه، ويظهر صوابه فى الأحاديث الأخر، ومنه قوله: " كمثل رجل عليه [جُبّتان "، وصوابه: كمثل رجلين عليهما جنتان، وكذا يأتى فى الحديث الآخر، ومنه قوله] (¬1): " جُبّتان أو جنتان "، والصواب بالنون، كما جاء فى الحديث الآخر بغير شك: " جنتان " والجُنّةُ: الدرع، ويدُل عليه قوله فى الحديث نفسه: " وأخذت كل حلقة موضعها "، وفى الحديث الآخر: " جنتان من حديد "، ومنه قوله: " سبغت عليه وأمرَّت " بالراء، قيل: صوابه مُدت بالدال، بمعنى سبغت، وكما قال في الحديث الآخر: " انبسطت " لكنه يخرج معنى " مرت " على نحو هذا المعنى، والسابغ: الكامل، وقد رواه البخارى: " مادَّتْ " (¬2) بدال مخففةٍ من مادَّ، إذا مَالَ، ورواه بعضهم: " مارت " (¬3) بالراءِ، ومعناه: سالت عليه وامتدت. وقال الأزهرى: معناه ترددت وذهبت، وجاءت يعنى من كمالها. ومن ذلك قوله: " وإذا أراد البخيلُ أن ينفق تقلصت (¬4) عليه، وأخذت كل حلقة موضعها حتى تجن بنانه، وتعفو أثَره "، فقال: " يوسعها ولا تتسع ". وفى هذا اختلال كثير؛ لأن قوله: " حتى تجن بنانه، وتعفوا أثره ": إنما جاء فى المتصدق لا فى البخيل وهى على الضد مما مثله للبخيل من ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) البخارى، ك الطلاق، ب الإشارة فى الطلاق والأمور 7/ 67. (¬3) قال ابن حجر: وذكره ابن بطال بلفظ: " مارت " براء خفيفة بدل الدال. الفتح 9/ 347. (¬4) فى المطبوعة: قلصت.

حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَا أثَرَهُ " قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ: يُوَسِّعُها فَلا تَتَّسِعُ. 76 - (...) حدّثنى سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ أَبُو أَيُّوبَ الْغَيْلانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - يَعْنِى الْعَقَدِىَّ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا، فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَت عَنْهُ، حَتَّى تُغَشّىَ أَنَامِلَهُ، وَتَعْفُوَ أثَرَهُ، وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ، وَأخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ". قَالَ: فَأنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِإصْبَعِهِ فِى جَيْبِهِ. فَلَوْ رَأيْتَهُ يُوَسِّعُهَا وَلا تَوَسَّعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " قلصت وأخذت كل حلقة موضعها ". وقوله بعد هذا: " فقال يُوَسِّعها ولا تتسع " [وفى هذا اختلاف كثير لأن قوله: " حتى تجن بنانه، وتعفو أثره " إنما جاء فى المتصدق لا فى البخيل وهى على الضدِ مما مثله للبخيل من قوله: " قلصت وأخذت كل حلقة موضعها، وقوله بعد هذا: " فقال يوسعها ولا تتسع "] (¬1). فأدخل بين هذين الفضلين من مثل البخيل ضدًا لمعنى من وصف مثل المتصدق، فاختل الكلام وتناقض، وهو بعد هذا مفصّل مبين فى الأحاديث الأخر. ومن ذلك رواية من روى فى الحديث فى موضع: " تجن بنانه ": " تحزُ " بالحاء والزاى، وهى رواية شيخنا الصّدفى، وهو وهم، والصواب: " تَجُن " وكذلك للجماعة، أى تستر. ومنها رواية بعضهم: " ثيابه " بالثاء، والصواب رواية الجماعة: " بنانه "، كما قال فى الحديث الآخر: " أناملَهُ ". ومعنى: " قلصت " فى صفة البخيل: أى انقبضت، ومعنى " يقفو أثره ": أى يمحو أثره بسوغها وكمالها. وهو مثلٌ لنماء المال بالصدقة. والإنفاق على الضّدِ من ذلك، [وتصديق معنى تسمية] (¬2) الزكاة، وتصديق لحديث: " أعطِ منفقًا خلفًا " (¬3) الحديث، وقد قيل: إنه تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطى إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعوّده، وإذا أمسك صار ذلك [كله] (¬4) له عادة، قال الله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} الآية (¬5)، وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ ¬

_ (¬1) كلام مكرر فى هامش س، ولا فائدة له. (¬2) سقط من س. (¬3) سبق فى هذا الكتاب فى باب المنفق والممسك. (¬4) ساقطة من س. (¬5) الإسراء: 29.

77 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِىُّ، عَنْ وُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، إِذَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى تُعَفِّىَ أثَرَهُ. وَإِذَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ، وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ، وَانْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا " قَالَ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " فَيَجْهَدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلا يَسْتَطِيعُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْدِيهِمْ [وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا] (¬1)} الآية (¬2). وفى هذا الحديث الترغيب فى الصدقة وفضلها، وقيل: معنى " تعفوا (¬3) أثرهُ ": أى تذهب بخطاياه وتمحوها، وكذلك قوله فى البخيل: " قلصت ولزمت كل حلقةٍ موضعها " معناه: يُحمى عليه يوم القيامة فيكوى بها. وما تقدم أول (¬4) الحديث إنما جاء على التمثيل، لا على الخبر عن كائن. وقيل: ضرب المثل للبخيل والمتصدق بالجبتين؛ لأن المنفق يستره الله بنفقته، ويستر عوراته فى الدنيا والآخرة كستر هذه الجبّة لابسها. والبخيل بإمساكه عن نفقة ماله فيما يستره ويستر عوراته، كهذا الذى لبس الجُبة إلى ثدييه، بقى بادى العورة مفتضحًا فى الدنيا والآخرة. وقوله: " فأنا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بأصبعه [هكذا] (¬5) فى جيبه يقول: فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع ": تمثيل منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعيان للمثل الذى ضربه. وفيه جواز لباس القميص ذوات الجيوب فى الصدور، وكذلك ترجم عليه البخارى: باب جيب القميص من عند الصدر (¬6)؛ لأنه المفهوم من لباس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذه القصة، وهو لباس أكثر الأمم [وكثير] (¬7) من الزعماء والعلماء من المسلمين بالمشرق وغيره، ولا يسمى عند العرب قميصًا إلا ما كان له جيب. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) المائدة: 64. (¬3) فى الأصل: تمحو، والمثبت من س والصحيح. (¬4) فى الأصل أولى، والمثبت من س. (¬5) من س. (¬6) البخارى، ك اللباس، ب جيب القميص من عند الصدر وغيره 7/ 185. (¬7) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

(24) باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة فى يد غير أهلها

(24) باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة فى يد غير أهلها 78 - (1022) حدّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوسَى ابْنِ عُقْبَةَ، عَن أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِىَ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ: لأتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِى يَدِ زَانِيَةٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ. قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِى يَدِ غَنِىٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِىٍّ. قَالَ: اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى غَنِىٍّ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِى يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ. فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلى غَنِىٍّ وَعَلَى سَارِق. فَأُتِىَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ. أمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ زِنَاهَا، وَلَعَلَّ الْغَنِىَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ، وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ سَرِقَتِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى الذى تصدق على الغنى والزانية والسارق، اختلف فى حد الغنى الذى يمنع أخذ الصدقة، وقيل: من كانت له كفاية وإن كان ذو نصاب، وقيل: المراعى النصاب، ومن يلزمه إخراج الزكاة فهو [الغنى] (¬1) الذى لا تحل له صدقة وإن كان ذا عيالٍ، وقيل: المراد الكفاية، ومن لا كفاية له، وإن كان ممن تلزمه الزكاة ومعه نصاب، فيحل له أخذها، وهو أضعف الأقوال، وقيل فى الشاب القوى [على] (¬2) الكسب: إنه لا يحل له أخذ الصدقة ولا تجزى، وهو لبعض أصحابنا، وقاله الشافعى وفقهاء أصحاب الحديث، عند مالك أنه يجزى، وهو قول الطبرى، وفى الحديث أن الأعمال بالنيات (¬3)، وأنَّ هذا قد أجِرَ فى اجتهاده ونيّتهِ، وقبلت صدقته. وفيه أنَّ الصدقةَ على أهل الفجور والمعاصى مكروهةٌ، وأنه يجب أن يُتحرى لها أهلُ الخير والستر، وهل تجزى عن الواجب؟ أما السارقُ والزانية فإن كانا محتاجين فلا خلاف فى جوازها، وأما الغنى [مثل] (¬4) العبد ومن لا يجوز له أخذها إذا لم يعلم به دافعها، ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬3) يقصد حديث عمر - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما الأعمال بالنيات ... " الحديث. البخارى، كيف كان بدء الوحى 1/ 2. (¬4) ساقطة من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فاختلف العلماء فى ذلك، وجُلّهُم أنها لا تجزى، وهو قول مالك، والشافعى والثورى وأبى يُوسُف، وقيل يجزيه، وهو قول أبى حنيفة وابن الحسن، والحسن البصرى، وأحد قولى ابن القاسم وقولى الشافعى، قال أصحابنا: ولو كانت بأيديهم قائمة أخذت منهم، واختلف إذا أكلوها فى غرمهم لها، ولو غروا صاحبها من أنفسهم رموها ولو دفعها عالمًا بهم جازت لهم، وغرمها هو للمساكين. وفى الحديث الحض على الصدقة.

(25) باب أجر الخازن الأمين، والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة، بإذنه الصريح أو العرفى

(25) باب أجر الخازن الأمين، والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة، بإذنه الصريح أو العرفىّ 79 - (1023) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِىُّ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كَرَيْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى أُسَامَةَ. قَالَ أَبُو عَامِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ عَنْ جَدِّهِ، أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الأَمِينَ الَّذِى يُنْفِذُ - وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِى - مَا أُمِرَ بِهِ، فَيُعْطِيهِ كَامِلاً مُوَفَّرًا، طَيبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِى أُمِرَ لَهُ بِهِ - أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ ". 80 - (1024) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةً، كَانَ لَهَا أجْرُهَا بِمَا أنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أجْرَ بَعْض شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى الخازن الأمين الذى يعطى ما أمر به كاملاً: " أحدُ المتصدقين " فشرط فيه الإذن، وقال فى المرأة فيما أنفقت من طعام بيتها: " لها أجرٌ، وللخازن مثل ذلك "، وقال فى المملوك الذى سأله عن صدقته من مال سيده: " الأجر بينكما نصفان " شرط الإذن فى عطية الخازن الذى ليس له تصرف فى المال، أو يكون هذا فى الشىء الكثير الذى لا تطيب له نفس صاحب المال إذا أخرج بغير إذنه، وجعل هذا دون إذن فيما أنفقت الزوجة والخازن، وتصدق به العبدُ المتصرفُ من أموالِ صاحبِ البيت ما يلزمه من النفقةِ على عيالهِ وبنيه، ومصالحه، وللعرف الجارى عندهم من قيامهم عند مغيب أربابهم بمؤن المقاصد، وإطعام السائل، وإضافة الضيف، وأن قدر ما يتصدق به كالمأذون فيه ولذلك قال فى الحديث: " غير مفسدة "، وجعل لكل واحد [أجره] (¬1)، صاحبُ المال بما خرج عنه ماله الذى اكتسَبَهُ وسدَّ به من خلةٍ، ولها [ولاء] (¬2) بكسبهم وسعيهم ونياتهم، ويحتمل أن أجورهم مختلفةٌ بقدر أحوالهم، ويكون قوله فى الحديث الآخر: ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من س.

(...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا فضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وقَالَ: " مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا ". 81 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أجْرُهَا، وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا اكْتَسَبَ، وَلَهَا بِمَا أنْفَقَتْ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْئًا ". (...) وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَه. ـــــــــــــــــــــــــــــ " فلها نصفه "، وفى العبد: " الأجرُ بينكما نصفان " على المجاز، أى ينقسم فى حقكما لا فى ذات الأجر، أى لك أجرٌ، وله أجرُ. إذ لا يتنصَّف الأجرُ بدليل قوله: " لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا "، وقد يحتمل أن يكون قوله: " [نصفان] (¬1) ": [أى] (¬2) أن أجريكما مثلان، فأشبه الشىء المنقسم بنصفين، وأن نيّة هَؤُلاء وإخراجهم الصدقة ماثلت قدَر ما خرج من مال الآخر بغير يده، أو يكون ذلك فضلٌ من الله، إذِ الأجورُ لا تدرك بقياس، ولا هى بحسب الأعمال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

(26) باب ما أنفق العبد من مال مولاه

(26) باب ما أنفق العبد من مال مولاه 82 - (1025) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِى اللَّحْمِ، قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أأتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِىَّ بِشَىْءٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَالأجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ ". 83 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى عُبَيْدٍ - قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى آبِى اللَّحْمِ قَالَ: أَمَرَنِى مَوْلاىَ أَنْ أقَدِّدَ لَحْمًا، فَجَاءَنِى مِسْكِينٌ، فَأطْعَمْتُهُ مِنْهُ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلاىَ فَضَرَبَنِى، فَأتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَدَعَاهُ فَقَالَ. " لِمَ ضَرَبْتَهُ؟ " فَقَالَ: يُعْطِى طَعَامِى بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ، فَقَالَ: " الأجْرُ بَيْنَكُمَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث عُمير مولى آبى اللّحْم وضرب مولاه له على صدقته باللحم، إذ لم يأذن له فى ذلك ولا صرف نظره إليه، وإنما أمَره أن يقدّده (*)، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " الأجرُ بينكما " هو - والله أعلم - على معنى: إنْ طابت نفسك بذلك، وإلا فمن أعطى شيئاً من مال غيره بغير إذنه فَإثْمُ (¬1) [لا مأجور] (¬2)، فإن كان متأولاً " كعمير " فله أجر وللسيد أجر بما أخذ من ماله، فإن طابت نفسه به بعد ذلك فله أجرُ صدقتهِ، ولعل مثل هذا أراد - عليه السلام - بقوله: " الأجرُ بينكما "، قيل: سُمى بآبى اللَّحم؛ لأنه كان لا يأكل ما ذُبح على النُصب والأصنام، وقيل: كان لا يأكل اللحم جملة، وقيل: إنما آبى اللحم بطنٌ من ليثٍ فى غفار، فمولى عُمير منهم لا أنه هو المسمى بهذا والمسمى بهذا الذى سمى به البطن هو الذى كان لا يأكل ما ذبح على النصب، وتخصيصه فى بعض الروايات بهذه الخصلة: " الخازن المسلم الأمين " إذ بالإسلام والتقى والأمانة يصح وصف إعطائه بالصدقة، ألا تراه قال: " الذى يعطى ما أُمِرَ به كاملاً موفرًا طيّبَةَ به نفسه " فإسلامهُ وتُقاهُ أوجَبَ إعطأَهُ طيبةَ به نفُسه، وأمانته أوجب إعطاءَهُ كاملاً موفّرًا، وليس كما ظن بعضُ المتكلمين على الحديث، أن وصفه هنا بالأمين لرفع الضمان عن المودع والمستأجر. فلا دليل فى الحديث من لفظ ذلك ولا معناه. ¬

_ (¬1) فى س: فمأثوم. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من س. (*) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوع "يقدره"، وهو خطأ ظاهر، والصواب ما أثبتناه، وهو الموافق لما وقع بين أيدينا من النسخ الخطية، والله أعلم.

84 - (1026) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَصُمِ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأذَنْ فِى بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلا بِإذْنِهِ، وَمَا أنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِن غَيْرِ أمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أجْرِهِ لَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ [وقوله: " لا تَصُمِ المرأة وبعلُها شاهِدُ ": هذا فى التطوع؛ لأن حق زوجها عليها واجبٌ، فلا يترك الواجب للنفل] (¬1). وقوله: " ولا تأذن فى بيته وهو شاهدٌ إلا بإذنِه ": دليل أنه لا إذن بحضور ربّ الدار لغيره فيها؛ لأنه مالكُها. ¬

_ (¬1) سقط من س، والمثبت من الأصل.

(27) باب من جمع الصدقة وأعمال البر

(27) باب من جمع الصدقة وأعمال البرّ 85 - (1027) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ - وَاللَّفْظُ لأَبِى الطَّاهِرِ - قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِى سَبِيلِ اللهِ نُودِى فِى الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ، دُعِىَ من بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، دُعِىَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، دُعِىَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلَّهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ". (...) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِإِسْنَادِ يُونُسَ، وَمَعْنَى حَدِيثِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من أنفق زوجين [فى سبيل الله] (¬1) " [أى شيئين] (¬2). قال الإمام: قال الهروى [فى حديث أبى ذرٍّ: " من أنفق من ماله زوجين في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة، قيل: وما زوجان؟] (¬3) قال: فرسان أو عبدان أو بعيران " (¬4)، قال ابن عرفة: كل شىء قُرن بصاحبه فهو زوج، [يقال] (¬5): زوجت بين الإبل؛ [إذا ¬

_ (¬1) سقط من ع. (¬2) سقط من نسخ الإكمال، والمثبت من ع. (¬3) هذه العبارة مثبتة من ع. (¬4) أخرجه ابن حبان كما جاء فى الإحسان، ك السير، ب فضل النفقة فى سبيل الله 1/ 501، 502. عن صعصعة بن معاوية عم الأحنف بن قيل بلفظ قال: " لقيت أبا ذر بالربذة، فقلت له: يا أبا ذر، ما مالك؟ قال: مالى عملى، فقلت: حدِّثنا عن رسول الله ". (¬5) ساقطة من س.

86 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِى سَبِيلِ اللهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ: أَىْ فلُ، هَلُمَّ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَلِكَ الَّذِى لا تَوَى عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قرنت واحدًا بواحد] (¬1). قال القاضى: وقيل درهم ودينار، [ودرهم] (¬2) وثوب، والزوج: الفرد، قال الله: {مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} (¬3)، ويقع الزوج على الاثنين أيضًا، وقيل: إنما يقال للفرد: زوجٍ، إذا كان معه آخرٌ، والزوج الصنف، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً} (¬4). قيل: و [قد] (¬5) يحتمل أن يكون هذا فى جميع أعمال البر من صلّى صلاتين، أو صام يومين. والمقصود من هذا كله - والله أعلم - تشفيع صدقته بأخرى مثلها، والتنبيه على فضل الصدقة والنفقة فى سبيل الله، والاستكثار منها. وقوله: " فى سبيل الله " (¬6): قيل: يحتمل العمومُ فى جميع وجوه الخير، وقيل: الخصوص [فى] (¬7) الجهاد، والأول أظهر. وقوله: " نودى هذا خير ": فيه وجهان؛ أى هنالك خيرٌ وثواب وغبطة، والآخر هذا الباب خيرٌ من غيره من الأبواب لك، لكثرة ثوابهِ، ونعيمه. وقوله: " أَىْ فلُ هَلُمَّ ": معناه: أى فلان، فرخّمَ، ونقل إعرابُ الكلمة على بقية الكلمة على إحدى اللغتين، وقيل: بل تستعمل " فل " فى غير النداء والترخيم، وأنها لغة فلان وهو أعرف، وأنشدوا: أمسك فلانًا عن فل. وقوله: " فمن كان من أهل الصلاة نودى من باب الصلاة "، وذكر مثله فى غيرها من الصيام والجهاد والصدقة، المراد: من كان الغالب عليه فى عمله وطاعته ونوافِلهِ الصلاة والصيام، وإلا فكل مسلم يصلى ويصوم ويتصدق. وقوله: " أنفق زوجين فى سبيل الله " وذكر الصلاة والصيام، فعلى هذا العمل يقع ¬

_ (¬1) فى ع: أى قرنت كل واحد بواحدة، وما أثبت من الإكمال. (¬2) ساقطة من س. (¬3) هود: 40. (¬4) الواقعة: 7. (¬5) ساقطة من س. (¬6) قيد بعدها فى س: والاستكثار. ولا معنى لها هنا. (¬7) من س.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ". 87 - (1028) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى الْفَزَارِىَّ عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَا. قَالَ: " فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَا. قَالَ: " فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَسْكِينًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَا. قَالَ: " فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَا. فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا اجْتَمَعْنَ فِى امْرَئٍ، إلا دَخَلَ الْجَنَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إنفاق المال، وأنه فى لفظه، أو على استعمال الإنفاق فى جميع التصرفات وإنفاق العمر فيها، وقد يكون الزوجان (¬1) هنا صلاتين أو صيام يومين، أو يكون إنفاقُ ذلك فى سبيل الصلاة (¬2) من بناء المساجد وعمارتها، وإفطارٍ من صيام، أو صَدَقتهِ أيامَ صِيامه، وقيل: إن [من] (¬3) " أنفق زوجين فى سبيل الله ": اختص بالجهاد، وأن قوله: " دُعِى من أبواب الجنة ": أى من جميعها، كما جاء فى شأن أبى بكر - رضى الله عنه - قال: فيكون للمجاهدين فضل جميع أصحاب الأبواب؛ لفضل الجهاد على سائر الأعمال؛ ولهذا يجعل قولهُ: " فمن كان من أهل الصلاة ": كلامٌ مستأنفٌ خارج عن أجر المنفق زوجين [فى سبيل الله، وعلى التأويل المتقدم يكون الفضلُ بعدد ذلك مبشرًا للمنفق زوجين] (¬4)، وذكر الأبواب المفضَّلة تفسيره (¬5) لقوله: " أبواب الجنة [المختلفة] (¬6) أولاً ". وقوله فى صاحب الصَّوم: " دُعى من باب الريان ": قيل: لما كان فى الصوم الصبرُ على العطش فى الهواجر، سُمى الباب الذى يُدعى منه بثوابه على ذلك، وهو مشتق من الرِىّ، وقيل: يجوز أن يكون الريان اسم الباب لاختصاص الداخلين منه بالرى، وقيل: يحتمل أن يُدعى منه كل من روى من حوض النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما تقدم أولى إذ لا يختص رىُ الحوض بالصائمين، والبابُ مختصٌ بهم. ¬

_ (¬1) فى س: الزوجين. وهو خطأ من الناسخ؛ لأنها اسم يكون. (¬2) فى س: الله. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬4) سقط من الأصل، واستدركت بسهم فى الهامش. (¬5) فى س: مفسرًا. (¬6) ساقطة من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تَوى عليه " مقصور بتاء باثنتين فوقها، أى لا هلاك. ذكر من الأبوابِ هنا أربعة، وقد جاء ذكر بقية الأبواب فى الحديث، باب التوبة وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وباب الراضين، فهذه سبعة جاءت بذلك الأحاديث، وجاء فى الصحيح في السبعين ألفًا الذين على ربهم يتوكلون دخولهم من الباب الأيمن، فلعله الثامن الزائد.

(28) باب الحث فى الإنفاق وكراهة الإحصاء

(28) باب الحث فى الإنفاق وكراهة الإحصاء 88 - (1029) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - عَنْ هِشَام، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْر - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنْفِقِى - أَوِ انْضَحِى، أَوِ انْفَحِى - وَلا تُحْصِى، فَيُحْصِىَ اللهُ عَلَيْكِ ". (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ، وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْفَحِى - أَوِ انْضَحِى، أَوْ أَنْفِقِى - وَلَا تُحْصِى، فَيُحْصِىَ اللهُ عَلَيْكِ، وَلا تُوعِى فَيُوعِىَ اللهُ عَلَيْكِ ". (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إن أسماء بنت أبى بكرٍ قالت: يا نبى الله، ليس لى شىء إلا ما أدخَل على الزبيرُ، فهل على جناح أن أرضخ مما يدخلُ علىَّ؟ فقال: " ارضخى ما استطعت، [ولا توعى فيوعى الله عليك "] (¬1)، وفى حديث آخر: " أنفقى أو انضحى أو انفحى [ولا تحصى "] (¬2)، قال الإمام: إن كانت إنما سألته عن الإعطاء مما يعطيها الزبير نفقة لها [فيه] (¬3) فبين جوازه، وإن كانت إنما أرادت [بقولها: " مما يدخل علىَّ الزُّبيرِ " أى] (¬4) مما كان ملكًا له، فيحمل ذلك على أنه لا يكره ذلك منها، وأنها عادة عوَّدوها (¬5) أزواجهم. قال ابْنُ القوطية: نَفَحَ الطيِّبُ نفحًا: تحرك، والريح هبَّت باردة ضد نفخت، والدابة بحافره (¬6) ضَرَب، والرجل بالسيف ضرب به شزَرًا، وبالعطاء إعطاءٌ وفى حديث آخر: " ما أعطتِ من كسبه بغير أمره فإنّ نصف أجره له "، وهو نحو مما ذكرناه. وقوله " من غير أمره ": يحتمل أن يريد نطقًا، وإن عادتهم التوسعة لنسائهم فى ذلك، وأما قسمة الأجر بينهما فمن جهة أن له أجر الملك ولها أجر السعى. ¬

_ (¬1): (¬3) من س. (¬4) من ع. (¬5) فى س: عودها، والمثبت من الأصل، ع. (¬6) فى س: بحافرها.

89 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ؛ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: يَا نَبِىَّ اللهِ، لَيْسَ لِى شَىْءٌ إلا ما أَدْخَلَ عَلَىَّ الزُّبَيْرُ، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ أرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَىَّ؟ فَقَالَ: " ارْضَخِى مَا اسْتَطَعْتِ، وَلا تُوعِىَ فَيُوعِى اللهُ عَلَيْكِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ارضخى ": الرضخ: العطية القليلة، يقال: رضخت له من مالى رضخاً (¬1) [كذا هو فى النسخ] (¬2). قال القاضى: روايتنا فى الكتاب: " انضحى "، كما ذكر أول الحديث، وقيل لعله: " ارضخى "، كما فسّره وجاء فى الحديث الآخر، لكنه لا يقال إلا لما قلّ من العطاء. وقد تخرج عندى معنى: " انضحى " كما جاء فى الرواية؛ لأنه يأتى بمعنى الصَبّ والرش، والعطاءِ يُعبَّرُ [عنه] (¬3) به كثيرًا، وهو بمعنى الرضخ، [وكان عند بعض الرواة: " انصحى " بالمهملة يعنى بالصاد المهملة، ولا وجه له هاهنا] (¬4). وقوله: " ولا توعى فيوعى اللهُ عليك "، وفى الرواية الأخرى: " ولا تحصى فيحصى اللهُ عليكِ "، وفى غير مسلم: " ولا توكى " (¬5)، وكله نهى عن الإمساك والبخل، أى لا تخزن مالك فى وعاءٍ ولا تَشُدّه بوكاءٍ، وأصل الوَعْى الحفظ، وهو بمعنى الإحصاء فى الحديث الآخر، والإحصاءُ: معرفهُ قَدر الشىء. وقوله: " فيوكى الله عليك " " ويوعى " ويحصى " على اختلاف الأحاديث، مقابلة اللفظ باللفظ، وتجنيسٌ للكلام بمثله فى جزائه، أى يمنعك كما منعت، ويقتر عليك كما قترت، ويمسك فضلهُ كما أمْسكت، كما قال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} (¬6)، وقيل: لا تحصى ما تعطى فتستكثرهُ نفسُك، فيكون سبب انقطاعه ومنعك له. وقد يراد هنا بالإحصاء والوعى معرفة عدده خوف أن تزول البركة (¬7) منه كما جاء فى غير حديثٍ، وأمره بأن تهيلوا ولا تكيلوا، وقول عائشة: " حتى كلناه فَفُنى " (¬8)، وهذا أولى ما يقال ¬

_ (¬1) فى ع: رضيخة، والمثبت من نسخ الإكمال. (¬2) من س. (¬3) ساقطة من س. (¬4) سقط من س. (¬5) البخارى، ك الزكاة، ب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها عن أسماء. (¬6) آل عمران: 54. (¬7) فى س: ببركة. (¬8) سيأتى إن شاء الله فى ك الزهد، ب الزهد والرقائق بلفظ: " فكلته ففنى ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الحديث عندى، إذ قد ورد على سببٍ من هذا، وقوله ذلك لها حين رآها تكيلُ الطعام (¬1). وقوله: " ارضخى ما استطعت ": ليس على ظاهره من ذلك بالأمر بالإرضاخ والتوسع فيه جهد طاقتها، فهذا لا يؤمر به أحد فى مال غيره، وإنما يرجع " ما استطعتِ " إلى العدل فى ذلك والاحتياط، ولذلك جاء بلفظ الرضخ الذى يدل عليه، والله أعلم بأنّ هذا اللفظ إنما جاء فى نفقتها من مال الزبير [وما أدخل عليها] (¬2)، وقد يحتمل أن المراد بذلك ما منحه إياها ووهَبَهُ لها، لقولها: " ما أدخل علىَّ "، فيكون الحديث على ظاهره بالتوسع فى العطاء، والله أعلم. وقيل: قد يكون أمره بالإرضاخ فيما يخصُّها وأهل بيتها من الإنفاق عليهم، ومثلهُ قوله لهند: " بالمعروف " (¬3). وقيل: أعطِ من حَظّكِ منه، وقد جاء فى الحديث فى كتاب أبى داود فى المرأة التى قالت له: إنا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا، وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم؟ فقال: " الرَّطْبُ تأكُلْنَهُ وَتُهْدِيَنُه " (¬4) وهذا - والله أعلم - كان عرفًا لهم. ¬

_ (¬1) فى س: طعاماً. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بسهم فى الهامش. (¬3) سيأتى إن شاء الله فى ك الأقضية، ب قضية هند. (¬4) أبو داود، ك الزكاة، ب المرأة تتصدق من بيت زوجها 1/ 392.

(29) باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ولا تمتنع من القليل لاحتقاره

(29) باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ولا تمتنع من القليل لاحتقاره 90 - (1030) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا الليثُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " يَا نِسَاءَ الْمُسْلَمَاتِ، لا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يا نساء المؤمنات " رويناه عن بعض شيوخنا بنصب " نساء " وخفض " المؤمنات " على الإضافة، فيكون من إضافةِ الشىء إلى نفسه، كقولهم: مسجدُ الجامع أو إضافة الأعمّ للأخص، كقوله تعالى: {مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} (¬1) وإن كان (¬2) لفظة البهيمة أعمُّ كما لفظ النساء هنا أعم، أو على معنى التعظيم، أى يا فاضلات المؤمنات، كما يقال: هَؤُلاءِ رجالُ القوم، أى سادتهم وأفاضِلهُم. قال الباجىُ: وكذا رويناه عن جميع شيوخنا بالمشرق. قال القاضى: قيل معناه: يا نساءِ الجماعات المؤمنات، وقيل: يانساءِ النفوسِ المؤمنات، وكلهُ متقاربُ المعنى. ورويناه - أيضًا - برفع النساءِ والمؤمنات، على معنى النداء والنعت، أى يايها النساءُ المؤمناتُ. قال الباجى: كذا يرويه أهلُ بلدنا، ويجوز رفع " نساء " وكسرُ " المؤمنات " فى معنى المنصوب (¬3) على النعت على الموضع، كما تقول: زيدُ العاقل. وقوله: " لا تحِقَرنَّ جارة لجارتها ولو فِرْسِن شاةٍ ": أصل الفِرسِن فى الإبل، وهو مثل القدم من الإنسان، وحكى أهل اللغة أنه لا يقال إلا فى البعير، وهذا الحديث يرد قولهم. [قيل: يحتمل أن يكون النهى عن الاحتقار للمعْطَاة] (¬4)، ويحتمل أن يكون ذلك للمعطية، وأن تصل جارتها بما أمكنها ولا يمنعها إن لم تجد الكثير أن تصل بالقليل، وهذا الوجه هو الظاهر من تأويل مالك فى إدخال الحديث فى الموطأ فى باب الترغيب فى الصدقة (¬5). ¬

_ (¬1) الحج: 8. (¬2) فى س: كانت. (¬3) فى س: المنصوبات. (¬4) سقط من س. (¬5) الموطأ، ك الصدقة، ب الترغيب فى الصدقة، عن عمرو بن معاذ الأشهلى الأنصارى عن جدته 2/ 995.

(30) باب فضل إخفاء الصدقة

(30) باب فضل إخفاء الصدقة 91 - (1031) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلهُمُ اللهُ فِى ظِلهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعلقٌ فِى المَسَاجِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث السبعة الذين يظلهم الله فى ظله: إضافة الظل هنا إلى الله إضافة ملك، وكل ظل فهو لله [ومن خلقه وملكه] (¬1) وسلطانه، وهو ظل العرش على ما فى الحديث الآخر (¬2)، والمراد بذلك يوم القيامة، إذا قام الناس لرب العالمين، ودنت منهم الشمس ويشتد عليهم الحر ويأخذهم العرق، ولا ظل هناك لشىء إلا ظلُّ العرش كما جاء فى بعض الروايات: " فى ظل عرشى " (¬3). وقد يراد به هنا ظل الجنة أو ظل طوبى، وهو نعيمها، والكونُ فى دارها (¬4)، كما قال تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً} (¬5)، وذهب ابن دينار إلى أن معنى الظل هنا: الكرامة والكنف والكن من المكاره فى ذلك الموقف، قال: ولم يرد الظل من الشمس، وما قال معلوم فى اللسان، يقال: فلان فى ظل فلان، أى فى كنفه وحمايته، وهو أولى الأقوال، ويكون إضافته إلى العرش لأنه مكان التقريب (¬6) والكرامة، وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفى ظله. وقوله: " الإمام العادل ": هو كل من إليه نظر فى شىء من أمور المسلمين من الولاة والحكام. وقوله: " ورجل قلبه معلق بالمساجد ": أى شديد الحب فيه والملازمة له، والعلاقة شدة الحب فيه فضل النيات واعتقاد الخير، وأنه مكتوب لصاحبه مدخر له، محسوب فى عمله، وفضل لزوم المساجد والصلاة فيها وعمارتها. ¬

_ (¬1) فى س: ومن ملكه وخلقه. (¬2) يقصد حديث أبى قتادة، قال: سمعت رسول الله يقول: " من نفس عن غريمه أو محا عنه كان فى ظل العرش يوم القيامة ". (¬3) أحمد 4/ 128 من رواية العرباض بن سارية. (¬4) فى الأصل: ذراها، والمثبت من س. (¬5) النساء: 57. (¬6) فى س: التقرب.

وَرَجُلانِ تَحَابَا فِى اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِب وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّى أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلمُ يمِينُهُ مَا تُنَفِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ورجلان تحابا فى الله ": فضل المحبة لله وفى طاعته المحبة [فى] (¬1) الله والبغض فى الله من الفرائض. وقوله: " اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ": ظاهره أن حبهما لله صادق فى حين اجتماعهما، وافتراقهما. وقيل: يحتمل أن اجتماعهما على عمل طاعة تحابا وتآلفا عليها وافترقا على ذلك، لينفرد كل واحد منهما بعمل صالح، قاله الباجى، والأول أظهر. وقوله: " ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمالٍ فقال: إنى أخاف الله ": يحتمل قوله ذلك باللفظ أو فى نفسه، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها، والمنصب: الشرف. ومنصب الرجل ونصابه: أصله، وظاهره أن الدعوة ها هنا لما لا يجوز من نفسها مما لا تحل، وقيل: يحتمل أنها دعته إلى النكاح، فخاف ألا يقوم بحقها، أو يكون الخوف من الله شغله عن لذات الدنيا، ومباحاتها، وزهده فيها، والأول أظهر. وقوله: " وشاب نشأ فى عبادة الله ": أى شبَّ وكبر عليها ولم يكن له صبوة، يقال: نشأ الشىء: ابتدأ، ونشأ الصبى: نبت وشبَّ، قال الله: {أَوَ مَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} (¬2) و {الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (¬3). وقوله: " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ": كذا روى عن مسلم هنا [فى جميع النسخ الواصلة إلينا، والمعروف الصحيح: " حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " وكذا] (¬4) وقع فى الموطأ (¬5) والبخارى (¬6)، وهو وجه الكلام؛ لأن النفقة المعهود فيها باليمين ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم، بدليل إدخاله بعده حديث مالك. وقال بمثل حديث عبيد الله وتحرى الخلاف فيه فى قوله، وقال: " رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود "، فلو كان ما رواه خلافاً لرواية مالك لنبّه عليه كما نبه على هذا، وفيه فضل الصدقة [فى اليسر] (¬7) وتأوله العلماء فى التطوع، وأن السر أفضل فيه من العلانية، وقاله ابن عباس (¬8) فى قوله: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي} الآية (¬9)، وقال: ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل. (¬2) الزخرف: 18. (¬3) يس: 79. (¬4) سقط من س. (¬5) الموطأ، عن أبى هريرة 2/ 952. (¬6) ك الحدود، ب فضل من ترك الفواحش، بلفظ: " ما صنعت يمينه " 8/ 203. (¬7) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬8) عن على عن ابن عباس، قوله: {إن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُم} فجعل الله صدقة السر فى التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها، يقال بخمسة وعشرين ضعفاً. الطبرى 5/ 583. (¬9) البقرة: 271.

شِمَالهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ". (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأْتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - أَوْ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - انَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ. وَقَالَ: " وَرَجُلٌ مُعَلقٌ بِالمَسْجِدِ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِليْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل الله صدقة التطوع فى السر تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وكذلك فى جميع الفرائض والنوافل، وذكره اليمين والشمال مبالغة فى الاستتار بالصدقة، وضرب مثل بهما لقرب اليمين من الشمال، ولتصرف اليدين جميعاً فى العمل الواحد، وإن كان العلم لا يضاف لليد. وقيل: المراد: من على يمينه وشماله من الناس، والأول أظهر وأولى. وفيه استعمال اليمين فى طاعة الله من الصدقة، وأنه أفضل وأولى، وقد ترجم البخارى على الحديث الصدقة باليمين (¬1). وقوله: " ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ": فيه فضل البكاء وفضل أعمال السر كلها؛ لأنها أبعد من الرياء والتصنع. ¬

_ (¬1) كتاب الزكاة، ب الصدقة باليمين 2/ 138.

(31) باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح

(31) باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح 92 - (1032) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَىُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ: " أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتأمُلُ الغِنَى، وَلا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلغَتِ الحُلقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، أَلا وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ ". 93 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَىُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ: " أَمَا وَأَبِيكَ لتُنَبَّأَنَّهُ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتأمُلُ البَقَاءَ، وَلا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلغَتِ الحُلقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ القَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى أفضل الصدقة: " وأنت صحيح شحيح ": الشح والبخل. بمعنى. قال الخطابى (¬1): قيل: الشح أعمّ من البخل، وكان الشح جنس والبخل نوع، وأكثر ما يقال: البخل فى إفراد الأمور، والشح عام كالوصف اللازم، وهو من قبل الطبع؛ لأن البخل فى هذه الحالة غالب على الإنسان، فإذا شح على هذه الحالة كان أصدق لنيته، وأعظم لأجره، بخلاف إذا أشرف على الموت وآيس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره، تصدق حينئذ بما لا يشح عليه، وأعطى ما غيره أحق به منه، إلا [ما] (¬2) أباحه له الشرع من المتصرف فى ثلثه، مع أنه قد يكون تركه حينئذ للورثة أفضل من الصدقة به، على ما سيأتى فى موضعه، فالبون بينهما بيّن. وقوله: " بلغت نفسه الحلقوم ": مجاز وتقريب لخوف الموت، لا أنه على الحقيقة، إذ من بلغت نفسه الحلقوم لا يجوز له صدقة ولا وصية. وقوله: " لفلان كذا ألا وقد كان لفلان ": قال الخطابى: المراد به الوارث، وقد يحتمل أن يريد به سبق القضاء به للموصى. ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن 2/ 263. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

(32) باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هى المنفقة، وأن السفلى هى الآخذة

(32) باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هى المنفقة، وأن السفلى هى الآخذة 94 - (1033) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَليْهِ - عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: - وَهُوَ عَلى المِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ المَسْأَلَةِ -: " اليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وَاليَدُ الَعُليَا المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلى السَّائِلةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اليد العليا خير من اليد السفلى " وفسر فى الحديث العليا بالمنفقة، والسفلى بالسائلة، وقد جاء فى حديث آخر: العليا المتعففة (¬1) ورجحه الخطابى (¬2) بحديث حكيم ابن حزام، ولقوله لما سمع هذا: ومنك يا رسول الله، قال: " ومنى "، فقال: والله لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً (¬3). قال: ولا يتوهم على حكيم أن يعتقد أن يده خير من يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما فهم أنها المنفقة. قال القاضى: هذا لا يظهر من الحديث ولا يبعد أن حكيماً إنما راعى ذلك فى حق غيره - عليه السلام - لا فى حقه، والنبى - عليه السلام - إنما عاب على حكيم كثرة السؤال؛ لأن فيه: فسألته فأعطانى ثلاث مرات، ثم قال: " إن هذا المال خضرة حلوة " وذكر الحديث. قال الخطابى: وفيه تأويل ثالث (¬4)؛ أن السفلى المانعة، وذكر غيره أن العليا ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الزكاة، ب فى الاستعفاف، قال أبو داود: اختلف على أيوب عن نافع فى هذا الحديث، فقال عبد الوارث: اليد العليا المتعففة. وقال أكثرهم عن حماد بن زيد، عن أيوب: اليد العليا المنفقة، وقال واحد عن حماد: المتعففة 1/ 384. (¬2) قال الخطابى: رواية من قال: " المتعففة " أشبه وأصح فى المعنى، وذلك أن ابن عمر ذكر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذا الكلام، وهو يذكر الصدقة والتعفف منها، فعطف الكلام على سببه الذى خرج عليه، وعلى ما يطابقه فى معناه أولى. معالم السنن للخطابى 2/ 243. (¬3) عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أن حكيم بن حزام - رضى الله عنه - قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطانى، ثم سألته فأعطانى، ثم قال لى: " يا حكيم، إن هذا المال خَضِر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبَارك له فيه، وكان كالذى يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى ". قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذى بعثك بالحق، لا أرْزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. قكان أبو بكر يدعو حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فيأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، إنى أعرض عليه حقه الذى قسم الله له من هذا الفىء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى توفى. البخارى، ك الوصايا، ب تأويل قول الله: {مِّنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَو دَيْنٍ} [النساء: 12] 4/ 6، ك الزكاة، ب الاستعفاف عن المسألة 2/ 152، والنسائى فى الكبرى، ك الزكاة 2/ 55 برقم (2384). (¬4) معالم السنن للخطابى 2/ 243، 244.

95 - (1034) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ - أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ - عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَاليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وَابْدأ بِمَنْ تَعُولُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخذة؛ لأنها إذا أخذت كانت فوق السفلى، وهذان التأويلان يردهما ما نص فى الحديث من التفسير. وقال الداودى: ليست العليا والسفلى المعطاة والمعطية بغير مسألة، وإنما هى السائلة والمسؤولة، وليست كل سائلة تكون خيراً من المسؤولة، إنما ذلك لمن سأل وأظهر من الفقر فوق ما به، وأما عند الضرورة أو لِيُكافى فليس من ذلك. وقد استطعما - الخضر وموسى عليهما السلام - أهل القرية (¬1). قال القاضى: وما قاله غير مسلَّم فى هذا الفصل الآخر؛ لأن لفظ الحديث يدل على خلافه، وأن الفضل للمعطية والأجر. وأما من سأل مظهرًا للفقر فسؤاله حرام، وليس الحديث فى مثله بل فيمن يجوز سؤاله، ومدار أحاديث الباب وما بعده فى كراهة السؤال وذمه، وسنزيده بياناً إن شاء الله. وقوله: " وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول ": دليل على ما تقدم من تقديم حق النفس والأهل، وأن الصدقة إنما تكون بعد إحراز قوت نفس الإنسان وقوت أهله؛ لأن حق نفسه وحقهم متعين عليه وفرض والصدقة والمواساة مرغب فيها. وقد اختلف العلماء فى جواز صدقة المرء بجميع ماله فى حال صحته فأجازه الجمهور من أئمة أهل الأمصار، وقيل: يرد جميعه، وروى عن عمر بن الخطاب. وقيل: يمضى منه الثلث، وهو قول أهل الشام، وقيل كل من أعطى ما زاد على النصف رد إلى النصف، وروى عن مكحول: قال الطبرى: ومع جوازه فالاستحباب ألا يفعل ليتأدب بأدب الله لرسوله، قال الله [تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2): {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (¬3)، وأن يجعل من ذلك الثلث، كما أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا لبابة وكعباً. قال الخطابى: ومعنى قوله: " عن ظهر غنى ": أى متبرعاً، أو عن غنى يعتمده ويستظهر به على النوائب، كما قال فى الحديث الآخر: " ما أبقت غنى ". وقد قيل فى هذا: ما ترك غنى للمتصدق عليه، يعنى إجزال العطية. والأول أظهر؛ بدليل لفظ الحديث ومقصده. ¬

_ (¬1) وهذا استئناس بقول الله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبُوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا ...} الآية. [الكهف: 77]. (¬2) من س. (¬3) الإسراء: 27.

96 - (1035) حَدَّثَنَا أبو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِى، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِى، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِى، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ، بُورِكَ لَهُ فِيهِ. وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالذِى يَأكُلُ وَلا يَشْبَعُ، وَاليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن هذا المال خضرة حلوة "، قال الإمام: قال الهروى: " خضرة " يعنى: غضة ناعمة طرية، وأصله من خضرة الشجر، وسمعت الأزهرى يقول: أخذ الشىء خضراً مضراً؛ إذا أخذه بغير ثمن، وقيل: غضاً طرياً. وقوله: " ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبَارَك له فيه " قال القاضى: أى يتطلع إليه وتعرض، وطمع، كما قال فى الحديث بعده: " فمن أعطيته عن مسألة وشره "، فى هذا الحديث وغيره ذم الحرص وكثرة السؤال، وكثرة عطاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه كان لا يرد سائلاً، وفضل القناعة والإجمال فى الطلب، لقوله: " فمن أخذ بحقه بطيب نفس بورك له فيه "، وفى الحديث الآخر: " بسخاوة نفس بورك له فيه " (¬1)، وأن البركة مع القناعة. ويرجع طيب النفس وسخاوتها على المعطى، وهو الأظهر، لقوله فى الحديث الآخر: " فمن أعطيه عن طيب نفس " أى بغير سؤال، ومثله قوله فى الآخر: " لا تلحفوا فى المسألة، فو الله لا يسألنى أحد شيئاً فتخرج له مسألته منى شيئاً وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته "، وقد يحتمل رجوعه على المعطى ويكون طيب النفس بما قسم الله له، وتفويضه إليه، وتوكله عليه وانتظاره فضله، وأن فى ضد هذا من الحرص والشره المحق وعدم البركة. وقوله: " كالذى يأكل ولا يشبع " (¬2) قيل: إنه من [داء به] (¬3)، وهو الذى يسميه الأطباء: الجوع الكاذب، وهو عندهم من غلبة السوداء. وقد يكون أراد به كالبهائم الراعية، ويكون من معنى قوله فى الحديث الآخر الذى فى معناه: " وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حَبَطًا أَوْ يُلِم، إلا أكلة [الخضر] (¬4) " الحديث، وسنذكره فى آخر هذا اللفظ بنصه. وقوله: " إن تبذل الفضل خير لك ": يريد: من حوز أجره وادخار ثوابه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الزكاة، ب الاستعفاف عن المسألة، عن حكيم بن حزام 2/ 152، وك الوصايا، ب تأويل قول الله تعالى: {مِّنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] 4/ 6، وكذا الترمذى، ك صفة القيامة، 4/ 641 برقم (2463). (¬2) سيأتى فى الباب التالى. (¬3) فى الأصل: دائه، والمثبت من س. (¬4) ساقطة من س.

97 - (1036) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيْرٌ لكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لكَ، وَلا تُلامُ عَلى كَفَافٍ، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ، وَاليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وإن تمسكه شر لك " إن كان عن حقوقه فبين فى العقاب عليه، وإن كان عن النوافل فلما يفوته من الثواب والأجر الجزيل. وقوله: " ولا (¬1) تلام على كفاف ": دليل أن الكفاف محمود لاتباعه فيه. وقوله: " وابدأ بمن تعول ": فيه تقديم العيال والقرابة على الأجانب، وأن حقهم آكدُ فيما يجب وفيما يستحب. ¬

_ (¬1) فى الأصل: ولن، والمثبت من الصحيحة، س.

(33) باب النهى عن المسألة

(33) باب النهى عن المسألة 98 - (1037) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَابِ، أَخْبَرَنِى مُعَاوِيَةُ ابْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ اليَحْصُبِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ، إِلا حَدِيثًا كَانَ فِى عَهْدِ عَمَرَ، فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يُخِيفُ النَّاسَ فِى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ ". وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ، فَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَنْ مَسْأَلةٍ وَشَرَهٍ، كَانَ كَالذِى يَأكُلُ وَلا يَشْبَعُ ". 99 - (1038) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ هَمَّامٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُلحِفُوا فِى المَسْأَلَةِ، فَوَاللهِ لا يَسْأَلَنِى أَحَدٌ منْكُمْ شَيْئًا، فَتُخْرِجُ لَهُ مَسْأَلتُهُ مِنِّى شَيْئًا، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، فَيُبَارِكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ ". (...) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ المَكِّىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرو بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنِى وَهْبُ ابْنُ مُنَبِّهٍ - وَدَخَلْتُ عَليْهِ فِى دَارِهِ بِصَنْعَاءَ فَأَطْعَمَنِى مِنْ جَوْزَةِ فِى دَارِهِ - عَنْ أَخِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقُولُ. فَذَكَرَ مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول معاوية: " إياكم والأحاديث، إلا حديثًا فى عهد عمر، فإنه كان يخيف الناس فى الله " نهى عن الإكثار بالأحاديث، لما شاع فى زمنه من التحدث عن أهل الكتاب، وما وجدوه من كتبهم عند فتح بلادهم، والرجوع إلى ما تقدم من الأحاديث قبل أيام عمر لضبطه الأمر وشدته فيه، وطلبه الشهادة على ما بلغه منه حتى استقرت السنن، وصحيح الأحاديث. وقوله: " من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين " فيه فضل العلم والفقه فى الدين، ولأنه يقود [إلى خشية الله تعالى وتقاه قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬1)، وهذا يقود] (¬2) إلى الخير فى الآخرة وعظيم الثواب. ¬

_ (¬1) فاطر: 28. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

100 - (1037) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ، وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِى اللهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنما أنا قاسم، والله يعطى "، وفى الآخر: " خازن ": فيه تفويض الأمور إلى الله تعالى، وكون جميعها بمشيئته وقدرته [والتسريح] (¬1) بأن الإنسان مصرف مسخر بحكمه، لا إله غيره، وأنه - عليه السلام - لم يستأثر بشىء (¬2) من الدنيا وإنما تصرفه فيها لمصلحة عباده، وأمر ربه لا لنفسه ولا لحوله وقوته. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) فى س: بشيئاً.

(34) باب المسكين الذى لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه

(34) باب المسكين الذى لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه 101 - (1039) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ - يَعْنِى الحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ليْسَ المِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الذِى يَطُوفُ عَلى النَّاسِ، فَتَرُدُّهُ اللقْمَةُ واللقْمَتَانِ، والتَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ ". قَالوا: فَمَا المِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: " الذِى لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَليْهِ، وَلا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ليس المسكين بهذا الطواف " الحديث، قال الإمام: قال محمد بن سلام: قلت ليونس: ما [الفرق] (¬1) بين الفقير والمسكين؟ فقال: الفقير الذى يجد القوت، والمسكين الذى لا شىء له. وقال ابن عرفة: الفقير عند العرب: المحتاج، قال الله تعالى: {أَنتُمُ الْفقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} (¬2)، أى المحتاجون، والمسكين: الذى قد أذله الفقر، فإذا كان هذا إنما مسكنته من جهة الفقر حلت له الصدقة وكان فقيراً مسكيناً، وإذا كان مسكيناً قد أذله شىء سوى الفقر فالصدقة لا تحل له، إذ كان شائعاً فى اللغة أن يقال: ضرب فلان المسكين، وظلم فلان المسكين، وهو من أهل الثروة واليسار، وإنما لحقه اسم المسكين من جهة الذلة، فمن لم تكن مسكنته من جهة الفقر فالصدقة له حرام، وقد سمى الله تعالى من له الفلك مسكيناً، فقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} (¬3). قال الشافعى: الفقراء: هم الزمنى الذين لا حرفة لهم، وأهل الحرف الذين لا تقع حرفتهم من حاجتهم موقعاً، والمساكين: السوال، من له حرفة تقع موقعاً ولا تغنيه وعياله. قال القاضى: اختلف أهل اللغة والفقهاء فى المسكين والفقير، أيهما أشد فاقة؟ وفيه الحض على ارتياد الأولى بالصدقات والأحوج، وليس فى هذا الحديث من قوله: " ليس المسكين بهذا الطواف "، نفى المسكنة - عنه، وأنه ممن لا تحل له الصدقة، وإنما أراد المبالغة فى المسكنة فى غيره، كما قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب} الآية (¬4)، وقال - عليه السلام -: " ليس الشديد بالصرعة " (¬5) أى أن المسكين الكامل المسكنة هو الآخر المتعفف الذى لا يسأل ولا يفطن له فيتصدق عليه. وأما الطواف فطوافه كالكسب له. ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل. (¬2) فاطر: 15. (¬3) الكهف: 79. (¬4) البقرة: 177. (¬5) صحيح البخارى، ك الأدب، ب الحذر من الغضب.

102 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - أَخْبَرَنِى شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلى مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ليْسَ المِسْكِينُ بِالذِى تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ، وَلا اللقْمَةُ واللقْمَتَانِ، إِنَّمَا المِسْكِينُ المُتَعَفِّفُ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (¬1). (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَاَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِى شَرِيكٌ. أَخْبَرَنِى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا}: قيل: إلحاحاً، وقيل: عموماً وشمولاً بالسؤال، ومنه سمى اللحاف لعموم (¬2) ستره، وقيل: معناه: أنهم لا يسألون جملة، أى لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف، بدليل قوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّف} (¬3)، ولا يصح هذا مع السؤال. وينتصب " إلحافاً " على المصدر، وفى الوجوه الأول على الحال. وقوله: " ترده الأكلة والأكلتان " (¬4): الأكلة بالضم، اللقمة، وأما بالفتح فالمرة الواحدة، والرواية هنا بالضم، وهو المراد بالحديث. ¬

_ (¬1) البقرة: 273. (¬2) فى س: لشمول. (¬3) البقرة: 273. (¬4) أخرجه النسائى، ك الزكاة، ب تفسير المسكين، أحمد 2/ 393.

(35) باب كراهة المسألة للناس

(35) باب كراهة المسألة للناس 103 - (1040) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلى بْنُ عَبْدِ الأَعْلى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخِى الزُّهْرِىِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَزَالُ المَسْأَلةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلقَى اللهَ، وَليْسَ فِى وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ". (...) وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَخِى الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلمْ يَذْكُرْ " مُزْعَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ [وقوله] (¬1): " لا تزال المسألة بأحدكم حتى [يلقى] (¬2) الله ولما فى وجهه مزعة لحم "، قال الإمام: أى قطعة لحم، يقال: أطعَمَهُ مزَعَة لحم، [أى] (¬3) قطعةً منه (¬4)، نتفة لحم، أى قليلاً. ومَزَّعَتِ المرأةُ قُطنَها إذا زَبَّدَتْهُ، أى قَطَّعَتْهُ ثم [ألفَتْهُ] (¬5) فَجَوَّدَهُ بذلك، وفى الحديث: " فصار أنفه كأنه يتمزع " (¬6) أى يتشقق ويتقطع غضباً. قال القاضى: قيل: معناه: يأتى يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله، وقيل: هو على ظاهره، يحشر وجهُه عظماً دون لحم، عقوبة من الله، وتمييزاً له وعلامة بذنبه لما طلب المسألة بالوجه، كما جاء فى الأحاديث الأخرى من العقوبات فى الأعضاء التى كان بها العصيان، وقيل: ليس على وجهه لحم يقيه حر شمس المحشر، وهذا ضعيف، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة وتكثراً، [كما جاء فى الحديث الآخر: " من سأل لغير ضرورة وتكثراً "، و] (¬7) كما جاء فى الحديث الآخر: " من سأل تكثراً فإنما هو جمر " (¬8)، ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬3) فى نسخ الإكمال: و، والمثبت من ع. (¬4) فى نسخ الإكمال قيد قبلها: و. (¬5) هكذا فى س، الأصل: اللفة. انظر: اللسان، مادة " مزع ". (¬6) أبو داود، ك الأدب، ب ما يقال عند الغضب، عن معاذ بن جبل 2/ 549. (¬7) من س. ولم أجد هذا الحديث بلفظه، ولكن ورد بمعناه، ففى الترمذى عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل الناس وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة ومسألته فى وجهه خموش، أو خدوش، أو كدوح ". قيل: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: " خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب ". ك الزكاة، ب ما جاء من تحل له الزكاة 3/ 32، وجاء فى صحيح ابن خزيمة عن أبى هريرة: " لا تحل الصدقة لغنى " 4/ 78، وعند أحمد: " من سأل الناس مسألة وهو عنها غنى كانت شيناً فى وجهه يوم القيامة 2/ 231، وقال الدارقطنى فى سننه: عن أبى سعيد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحل المسألة لغنى " 2/ 121. (¬8) وجاء فى الترغيب: " من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الجمر ". شرح معانى الآثار 2/ 19، وقال المنذرى: رواه الطبرانى فى الكبير، ولم أجده فيما تحت أيدينا من طبعة الطبرانى، وقال المنذرى: رجاله =

104 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى الليْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأتِى يَوْمَ القِيَامَةِ وَليْسَ فِى وَجْهِهِ مُزْعَة لحْمٍ ". 105 - (1041) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنُ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ". 106 - (1042) حَدَّثَنِى هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ بَيَانٍ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلى ظَهْرِهِ، فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِىَ بِهِ مِنَ النَّاسِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلاً، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ اليَدَ العُليَا أَفْضَلُ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِى قَيْسُ ابْنُ أَبِى حَازِمٍ، قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرةَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللهِ، لأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهُ ". ثُمَّ ذَكَرَ بِمثْلِ حَدِيثِ بَيَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يعنى معاقبته عليه بالنار، إذ (¬1) غر من نفسه، وأخذ باسم الفقر ما لا يحل له، أو يكون مجازاً من ذل (¬2) السؤال، وبذل الوجه لغير فاقة مضطرة، فاستعان لذلك احتراق الوجه بذلك، وأن الاحتطاب وتكلف صعب المعيشة ومشقة الكسب، خير له وأصون لإراقة ماء وجهه، ورونق محياه، وقد يكون الجمرُ على وجهه، أى يرد ما يأخذ جمرًا فيكوى به (¬3)، كما جاء فى مانع الزكاة. وقد يكون عندى قوله: " لقى الله وما فى وجهه مزعة لحم " على ضرب المثل والاستعارة لحاله فى الدنيا، من ذهاب الجرمة عن وجهه، والصون بذل السؤال حتى مات ولم تبق له وجه عند الناس ولا قدر. واختلف فيمن تحل له المسألة، فقيل: من معه ما يغديه ويعشيه فلا تحل له، وتأولوا ¬

_ = رجال الصحيح. وجاء - أيضاً - فى البيهقى: " الذى يسأل من غير حاجة كمثل الذى يلتقط الجمر " 4/ 174، وفى الترغيب 2/ 4، وروى البيهقى فى الكبرى عن على أن رسول الله قال: " من سأل الناس عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم " 4/ 174 ورواه - أيضاً - الدارقطنى 2/ 121. (¬1) فى س: إذا. (¬2) فى س: ذلك. (¬3) فى س: بها.

107 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ مَوْلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأَنْ يَحْتَزِمَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، فَيَحْمِلهَا عَلى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلاً، يُعْطِيهِ أَوْ يَمْنَعُهُ ". 108 - (1043) حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ وَسَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ - قَالَ سَلمَةُ - حَدَّثَنَا، وَقَالَ الدَّارِمِىُّ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ، وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِىُّ - حَدَّثَنَا سَعِيدٌ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ العَزِيزِ - عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الخَوْلانِىِّ، عَنْ أَبِى مُسْلمٍ الخَوْلانِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنِى الحَبِيبُ الأَمِينُ - أَمَّا هُوَ فَحَبِيبٌ إلى، وَأَمَّا هُوَ عِنْدِى فَأَمِينٌ - عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: " أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ " وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ. فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ثُمَّ قَالَ: " أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ ". فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ثُمَّ قَالَ: " أَلا تُبَايعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ ". قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِينَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: " عَلى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلوَاتِ الخَمْسِ، وَتُطِيعُوا - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً - وَلا تَسْأَلوا النَّاسَ شَيْئًا " فَلقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أولئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلهُ إِيَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه قوله فى الحديث: " من سأل ومعه ما يغنيه فإنما يستكثر من النار " قيل: وما يغنيه؟ قال: " يغذيه ويعشيه " (¬1)، وقال قوم: معناه: من وجد غداه وعشاه سائر الأوقات، فإذا كان معه ما يكفيه لقوته مدة طويلة حرمت عليه المسألة، قال آخرون: هذا منسوخ بغيره من الأحاديث التى تعارضت. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الزكاة، ب من يعطى من الصدقة وحد الغنى 1/ 378، ابن خزيمة فى صحيحه 4/ 78، وببعض لفظه الدارقطنى 2/ 121.

(36) باب من تحل له المسألة

(36) باب من تحل له المسألة 109 - (1044) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ. حَدَّثَنِى كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ العَدَوِىُّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الهِلالِىِّ، قَالَ: تَحَمَّلتُ حَمَالةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلهُ فِيهَا. فَقَالَ: " أَقِمْ حَتَّى تَأَتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنأمُرَ لكَ بِهَا ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ المَسْأَلةَ لا تَحِلُّ إِلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالةً فَحلتْ لَهُ المَسْأَلةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثَمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالهُ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة " يكون الحمل (¬1) ها هنا على أنه يحمل حمالة جائزة. وقوله: " ورجل أصابته فاقة حتى يقوم (¬2) ثلاثة من ذوى الحجا: لقد أصابت (¬3) فلاناً فاقة " فكلفه هنا إثبات فقره، وفى حديث آخر: " صدقوا السائل ولو أتى على فرس " فيحمل الأول على من كان معروفاً، بالملاء، ثم ادعى الفقر، ويحمل الثانى على من جهل أمره (¬4). قال القاضى: اشتراطه هنا ثلاثة وحكم الشهادة اثنان والخبر واحد، ولعله أراد أن يخرج بالزيادة عن حكم الشهادة إلى طريق اشتهار الخبر وانتشاره، وأن المقصد بالثلاثة هنا جماعة هى أقل الجمع لا نفس العدد، إذ ليس للثلاثة فى هذا الباب أصل. والحجا: العقل، مقصور. وشرط العقل هنا فى الشاهد دليل على اعتباره فى الشهادة والخبر، وأن المغفل لا يُلتفت لقوله، وشرط فى الذى أصابته فاقة معرفة الناس ذلك، ولم يشترط فى الذى أصابته جائحة؛ لأنها مشهورةٌ معلومةٌ. وهذا حكم من طلب بحق فادعى العدم، وقد عرف بمال أنه إن كاذت جائحة وتلف ماله معلوماً، وإلا كلف إثبات ذلك ولم ينفعه دعواه، وهكذا يكون حكمها فى الصدقة. وقوله: " ورجل أصابته جائحة " ثم قال: " حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال ¬

_ (¬1) فى ع: الحميل. (¬2) فى نسخ الإكمال: يقول، والمثبت من الصحيحة، ع. (¬3) فى الأصل: أصاب، والمثبت من الصحيحة، ع، س (¬4) فى ع: حاله.

قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاثةٌ مِنْ ذَوِى الحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لقَدْ أَصَابَتْ فُلانًا فَاقَةٌ، فَحلَّتْ لَهُ المَسْأَلةُ؛ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ المَسْأَلةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ سداداً ": كذا ضبطناه بكسر الكاف والسين وهما بمعنى. قال صاحب العين: قوام العيش: ما يغنى منه، والسداد: ما سددت به شيئاً. وقال الهروى: وقوله: " سداد من عيش " أى ما يسد به خلته، وكل شىء سددت به خلالاً فهو سداد، ومنه: سداد الثغر وسداد القارورة. وقوله: " فما سوى هذا يا قبيصة سحت ": على إضمار فعل، أى اعتقده سحتاً، أو إنما يأكل سحتاً، وبالرفع رواه غير مسلم (¬1). وفيه أن متحمل الحمالة يعطى من الزكاة وإن كان غنياً؛ لأنه من الغارمين، وهو الرجل يسعى فى صلاح ذات البين فى النائرة (¬2) تقع بين القوم. والترات (¬3) يتضمن ما لأصحاب الطوائل وديات القتلى (¬4) فيهم، يترضاهم بذلك حتى تسكن الثائرة، فهذا يعان من الزكوات (¬5) وغيرها من أموال الله على ما صنع من المعروف، ولا يلزم ذلك فى مال، قاله أبو سليمان. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الزكاة، ب ما تجوز فيه المسألة 1/ 381. (¬2) يقال: نأرت نائرة فى الناس: هاجت هائجة. انظر: اللسان. وفى الأبى: الثائرة. (¬3) الترات: الرجل الممتلئ، وقيل: تارُّ وترّ طويل. وقيل: المجهود. انظر: اللسان. (¬4) فى الأصل: العتلى. (¬5) فى س: الزكاة.

(37) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير مسألة ولا إشراف

(37) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير مسألة ولا إشراف 110 - (1045) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيَنِى العَطَاءَ. فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِليْهِ مِنِّى، حَتَّى أَعْطَانِى مَرَّةً مَالاً. فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِليْهِ مِنِّى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذْهُ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وَمَا لا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطه أفقر منى ": دليل على فضل عمر وزهده، وقلة حرصه على الدنيا والتكثر [منها] (¬1)، وإيثار غيره على نفسه. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما جاءك غير مشرف ولا سائل فخذه " من معنى قوله المتقدم: " بإشراف نفس " أى بتطلع وحرص وشره إليه. وقوله: " [وما لا] (¬2) فلا تتبعه نفسك " من الاختصار أى ما لا يكون بهذه الصفة ولم يأتك على هذه الحالة فلا تتبعه نفسك، أى فلا تعلقها بطلبه واتباعه. قال الطحاوى: وليس معنى الحديث فى الصدقات، وإنما هو فى الأموال التى يقسمها الإمام على أغنياء الناس وفقرائهم (¬3). قال الطبرى: واختلف الناس فيما أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر من ذلك، بعد إجماعهم على أنه أمر ندب وإرشاد، فقيل: هو ندب من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكل من أعطى عطية إلى قبولها، كانت من سلطان أو غيره، إذا كان ممن تجوز عطيته، وقيل: بل ذلك ندب إلى قبول عطية غير السلطان، [فأما السلطان] (¬4) فبعضهم حرمها، وبعضهم كرهها، وقال آخرون: بل ذلك ندب لقبول عطية السلطان دون غيره. وقال المهلب فيه جواز إعطاء الإمام الرجل، وثم من هو أفقر منه، إذا رأى لذلك وجهاً. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) فى س: ممالا. (¬3) انظر: شرح معانى الآثار للطحاوى 2/ 22. (¬4) سقط من س.

111 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عبدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِى عَمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ، العَطَاءَ، فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أَعْطِهِ يَا رَسُول اللهِ أَفْقَرَ إِليْهِ مِنِّى. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذْهُ فَتَمَوَّلهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا، فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ ". قَالَ سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا، وَلا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ. (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِىِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رَضىَ اللهُ عَنْهُ - عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: جاء فى سند هذا الحديث: حدثنى أبو الطاهر، نا ابن وهب، نا عمرو - يعنى ابن الحارث - حدثنى ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن عبد الله بن السعدى؛ عن عمر (¬1) [الحديث] (¬2) كذا روى هذا (¬3) الإسناد، وفيه انقطاع، سقط منه رجل بين السائب بن يزيد وبين عبد الله بن السعدى، وهو حويطب بن عبد العزى (¬4). قال النسائى: لم يسمعه السائب بن يزيد بن عبد الله بن السعدى، رواه عن حويطب. قال غيره: هو محفوظ من غير طريق عمرو بن الحارث، رواه أصحاب الزهرى، شعيب والزبيدى عن الزهرى، قال: اخبرنى السائب بن يزيد: أن حويطباً أخبره أن عبد الله أخبره [أن عمر أخبره] (¬5)، وقد رواه يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب. ذكره أبو على بن السكن فى كتابه، وفى هذا الإسناد أربعة من الصحابة يروى بعضهم عن بعض، وهو السائب بن يزيد، وحويطب بن عبد العزى، وعبد الله بن السعدى، وعمر بن الخطاب - رضى الله عنهم. ¬

_ (¬1) فى س: عمرو بن الحارث. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: كذا رواه. (¬4) هو حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك العامرى القرشى أبو محمد، له صحبة، أسلم عام الفتح وشهد حنين، روى عن عبد الله بن السعدى، وعنه السائب بن يزيد وعبد الله ابن بريدة وغيره، عاش مائة وعشرين سنة، ومات سنة أربع وخمسين. الإصابة 1/ 364، التهذيب 3/ 66. (¬5) سقط من س.

112 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ السَّاعِدِىِّ المَالِكِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَعْمَلنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا، وَأَدَّيْتُهَا إِليْهِ، أَمَرَ لِى بِعُمَالةٍ. فَقَلتُ: إِنَّمَا عَمِلتُ لله، وَأَجْرِى عَلى اللهِ. فَقَالَ: خُذْ مَا أُعْطِيْتَ، فَإِنِّى عَمِلتُ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَمَّلنِى، فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ، فَقَال لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ فَكُلْ، وَتَصَدَّقْ ". (...) وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ السَّعْدِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَعْمَلنِى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَلى الصَّدَقَةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ الليْثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وجاء فى الحديث بعده فى حديث قتيبة: بشر بن سعيد عن ابن الساعدى المالكى، وبعده فى حديث هارون: عن ابن السعدى، وهو الصواب. واسمه قدامة، وقيل: عمرو، وهو قرشى عامرى، مالكى، من بنى مالك بن حنبل بن عامر ابن لؤى. وإنما قيل له: السعدى؛ لأنه استرضع فى بنى سعد بن بكر، وأما الساعدى فلا أعرف (¬1) له وجهًا، وابنه عبد الله من الصحابة. وقوله: " أمر لى بعُمَالة " بضم العين، اسم أجرة العامل. وقوله: " فعمَّلنى ": أى جعل لى العُمالة، وهى أجرة العمل. فيه جواز الأجرة على أعمال المسلمين وولاياتهم الدينية، والدنيوية من الإمارة، والصدقات [والقضاء] (¬2) والحسبة، وغيرها. [وقوله: كان يعطينى العطاء فأقول: أعطه أفقر منى، فقال: " خذه ": فيه جواز إعطاء الإمام من غيره أفقر منه لوجه يراه من المصلحة] (¬3)، وفيه أخذ المال من أئمة العدل، وإن أخذ ما جاء من غير مسألة ولا منَّة خير من تركه إذا كان حلالاً. ¬

_ (¬1) فى الأصل: يعرف، والمثبت من س. (¬2) ساقطة من س. (¬3) سقط من س.

(38) باب كراهة الحرص على الدنيا

(38) باب كراهة الحرص على الدنيا 113 - (1046) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَلبُ الشَّيْخِ شَابٌ، عَلى حُبِّ اثْنَتَيْنِ: حُبِّ العَيْشِ، وَالمَالِ ". 114 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَلبُ الشَّيْخِ شَابٌ عَلى حُبِّ اثْنَتَيْنِ: طُولُ الحَيَاةِ، وَحُبُّ المَالِ ". 115 - (1047) وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَسَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كُلّهُمْ عَنْ أَبِى عَوَانَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الحِرْصُ عَلى المَالِ، وَالحِرْصُ عَلى العُمُرِ ". (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ بِمِثْلِهِ. (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالا: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " قلب الشيخ شاب على حب اثنين العيش (¬1) والمال ": فيه الإشارة (¬2) إلى أن الإرادة فى القلب، خلافاً لمن رأى [أن] (¬3) ذلك [فى غير الأعضاء] (¬4). قال القاضى: والعبارة [ها] (¬5) هنا بالشباب عن كثرة الحرص، وبعد الأمل الذى هو فى الشباب أكثر، وبهم أليق للرجاء فى طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم فى الدنيا. ¬

_ (¬1) فى س: العين. (¬2) فى س: إشارة. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى س: فى غيره من الأعضاء. (¬5) ساقطة من س.

(39) باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا

(39) باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً 116 - (1048) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسُعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ تَابَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لو كان لابن آدم واديان من مال " الحديث، وقول ابن عباس [فلا أدرى أمن القرآن هو أم لا؟ وقول أنس] (¬1): فلا أدرى أشىء نزل أم شىء كان، وقول أبى موسى أنه حفظها من سورة كانوا يشبهونها ببراءة، وأنه أنسيها، قال الإمام: يحتمل أن يكون إنما خص هذا العدد فقال: " واديان " ولم يقل ثلاثة أو أكثر؛ لأن أصول الأموال ذهب وفضة فعبر عن هذين الأصلين (¬2). قال القاضى: قد جاء فى رواية ابن أبى شيبة: " واديان من ذهب ". قال الإمام: وأما قوله: " ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ": فإنه يحتمل أن يريد بالجوف القلب، وأنه لا يمل من محبة المال نحو ما تقدم من قوله: " قلب الشيخ شاب ": يحتمل أن يريد غير القلب، وأنه لا يشبع، ويُؤَيدُ ما تأولناه [من الاحتمال أن فى حديث بعد هذا: " لا يملأ فم ابن آدم "، وهذا يُشير إلى ما تأولناه] (¬3) من أن المراد به [الأغذية، وفى حديث آخر: " لا يملأ نفس ابن آدم "، وهذا يشير إلى ما تأولناه من أن المراد به] (¬4) المحبة، وما يكون بالقلب، وكأنه - عليه السلام - عبر تارة بما يختص بالوجه بأحد الوجهين، وعبر تارة بما يختص بالوجه الآخر، وعبر بالجوف عن اجتماعهما جميعاً، إذ الجوف محل الأغذية، ومحل القلب الذى فيه المحبة والشهوات. قال القاضى: الأظهر فى هذا والذى قاله أكثر من تكلم على الحديث، والذى يقتضيه مَنْحَى الكلام ومقصده: أن المراد بالحديث حِرض (¬5) القلب ورغبة النفس، لا الأكل وشهوة البطن؛ لأنه لم يجر للمطعوم هناك ذكر، إنما جرى ذكر المال والذهب. ولما كانت مُعظم جوارح الشهوات والرغبات فى الجوف، وفيه (¬6) القلب الذى عنه يصدر الحرص والرغبة، والشّرهُ والأمل، أضاف ذلك إليه. وقد قيل: إن معنى " لا يملأُ جوف ابن آدم إلا التراب ": أى حتى يموت فيمتلئ تراباً، ويصير تراباً، وليقطع أمله، فعبّر ¬

_ (¬1) من الحديث المطبوع. (¬2) فى ع: الصنفين. (¬3) سقط من س. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬5) فى س: حرص. (¬6) فى س: وفيها.

(...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - فَلا أَدْرِى أَشَىْءٌ أُنْزِلَ أَمْ شَىْءُ كَانَ يَقُولهُ - بِمِثْلِ حَدَيثِ أَبِى عَوَانَةَ. 117 - (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنَّ لَهُ وَادِيًا آخَرَ وَلنْ يَمْلأَ فَاهُ إِلا التُّرَابُ، وَاللهُ يَتُوبُ عَلى مَنْ تَابَ ". 118 - (1049) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ ابْنُ مُحَمَّد عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لوْ أَنَّ لابْنِ آدَمَ مِلْءَ وَادٍ مَالاً لأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِليْهِ مِثلُهُ، وَلا يَمْلأُ نَفْسُ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَاللهُ يَتُوبُ عَلى مَنْ تَابَ ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلا أَدْرِى أَمِنَ القُرْآنِ هُوَ أَمْ لا؟ وَفِى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ قَالَ: فَلا أَدْرِى أَمِنَ القُرْآنِ؟ لمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ. 119 - (1050) حَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِى حَرْبِ بْنِ أَبِى الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: بَعَثَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ إِلى قُرَّاءِ أَهْلِ البَصْرَةِ، فَدَخَلَ عَليْهِ ثَلاثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَؤُوا القُرْآنَ. فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ البَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ، فَاتْلوهُ، وَلا يَطُوَلنَّ عَليْكُمُ الأَمَدَ فَتَقْسُوَ قُلُوُبكُمْ، كَمَا قَسَتْ قُلوبُ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِى الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّى قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا: لوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى وَادِيًا ثَالثًا، وَلا يَمْلأَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ. وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى المُسَبِّحَاتِ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّى حَفِظْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بانقطاع ذلك وتمامه. بملئه بالتراب، هو يعضُدُ ما رجحناه من التأويلين، وأمّا ما جاء أن هذا [كان] (¬1) قرآناً، أو شك راوية هل كان قرآناً؟ قال الإمام: " أما قول أبى موسى: كنا نقرأ سورة كنا نشبّهها بإحدى المسبّحات فأُنسيتها غير أنى قد حفظت منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} (¬2)، فتكتب ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) الصف: 2.

مِنْهَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} (¬1). فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِى أَعْنَاقِكُمْ، فَتُسْأَلونَ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ شهادة فى أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ": فيحتمل أن تكون إحدى السور (¬2) المتلوة الآن ونسيها هو، وحفظ منها الآية المنسوخة. قال القاضى: ونسخ ما نسخ من ذلك هو مما نسخ لفظه. والنسخ فى القرآن على ثلاثة وجوه: نسخ حكم بقى لفظه، وهو أكثر المنسوخ، ونسخ حكم ولفظ، كما حكى من شأن خمس رضعات، ونسخ لفظ وبقاء حكم، كما يذكر من آية الرجم، فأنسى الله تعالى من ذلك ما شاء لحكمة أرادها. وتوفى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كمل النسخ وحفِظ جميع القرآن، ثم تأمل ما يذكره: الصحابة مما نسخ من ذلك، فإنما أتَوْا به على المعنى وبعض اللفظ، لا على نص المعجز. وسياق نظم القرآن يشهد لذلك ما ذكروه من ذلك [المعنى] (¬3) وبُعْده عن نظم القرآن وبلاغته. ¬

_ (¬1) الصف: 2. (¬2) فى الأصل: السورة، والمثبت من س. (¬3) من س.

(40) باب ليس الغنى عن كثرة العرض

(40) باب ليس الغنى عن كثرة العرض 120 - (1051) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ليس الغنى عن كثرة العرض، [ولكن الغنى غنى النفس ": العَرَض، بفتح العين والراء هنا، قال أبو عبيد: هو حطام الدنيا، يعنى متاعها، يدخل فيه جميع المال العرَوض وغيرها "] (¬1)، فأما العَرْضُ بسكون الراء، فيما خلا العقار والحيوان، وما يدخلهُ الكيل والوزن. هذا قول أبى عبيد، وفى كتاب العين: العَرَض: ما نيل من الدنيا، قال الله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} (¬2)، وبه فسره بعضهم. وقال أبو زيد: العرْضُ، بالسكون، ما ليس بذهب ولا فضة، وجمعه عَرُوض. وفى العين: العَرضُ خلاف النَقْد وهو (¬3) قول الأصمعى. ويعنى الحديث: أن حقيقة [الغنى والغنى] (¬4) المحمُودُ هو: غنى النفس وشبعُها وقلة حرصها، لا كثرة المال، مع الحرص على التزيد منه والشح به، فذلك فقر بالحقيقة؛ لأن صاحبه لم (¬5) يستعن به بعد. قال الإمام: يحتمل أن يُريد أنّ الغنى النافع الذى (¬6) يكف عن الحاجة، وليس ذلك على ظاهره؛ لأنه معلوم أن الكثير المال غنى. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) الأنفال: 67. (¬3) فى س: وهذا. (¬4) فى س: المعنى والغنى. (¬5) فى س: لا. (¬6) قيد قبلها: " و " فى ع.

(41) باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا

(41) باب تخوّف ما يخرج من زهرة الدنيا 121 - (1052) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا الليْثُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ابْنُ سَعِيدٍ - وَتَقَارَبَا فِى اللفْظِ - قَالَ: حَدَّثَنَا ليْثٌ عَنْ سَعِيد بن أَبِى سَعِيدٍ المَقْبَرِىِّ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: " لا وَاللهِ، مَا أَخْشَى عَليْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِلا مَا يُخْرِجُ اللهُ لكُمْ منْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيأتِى الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: " كَيْفَ قُلْتَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِى الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَقَالَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " فقالوا (¬1): وهل يأتى الخير بالشر " ربما وقع كالمعارضة التى تطلب بها (¬2) الفائدة ويسرع (¬3) إلى النفوس قبولها (¬4) لمضادة الخير [للشر] (¬5)، فيمكن أن يكون [عَلِمَ] (¬6) - عليه السلام -[أنهم] (¬7) لم يفهموا قصده فقال: " لا يأتى الخيرُ بالشر "، ثَم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " [أو خير هو] (¬8) " كأنه يقول: وإن سلمتُ قولكم فليس هذا الخير، لما يؤدى إليه ويوقع فيه، ثم ضرَب - عليه السلام - لهم مثلاً يشير إلى حالة البطر والمقتصد والمكثر الذى يفرق ما جمع على صفة ينتفع بها، فقال - عليه السلام -: " إن مما ينبت الربيع يقتل (¬9) حَبطاً أو يُلم "؛ لأنه قال: أنتم تقولون: إن الربيع خيرٌ وبه قوامُ الحيوان، وها هو منه [ما] (¬10) يقتل (¬11) للتخمة عاجلاً، أو يكاد يقتل (¬12)، فحالة المتخوم (¬13) كحالة البطر (¬14) الذى يجمع ولا يصرف، فأشار بهذا إلى أن الاعتدال والتوسط فى الجمع أحسن، ثم خشى أن يقع فى النفس أن من المكثرين من لا ينفعه إكثاره، فضرب لهم المثل بأكلة الخضَر، وشبهها بمن يجمع ثم يفرقه فى وجوه المعروف، ووصف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الدابة بأنها تأكل حتى تمتلئ (¬15) خاصرتاها ثم تَثْلِطُ (¬16)، فذكر أنها ¬

_ (¬1) فى س: فقرأ. (¬2) فى س: فيها. (¬3) فى س: وتسرب. (¬4) فى س: قولها. (¬5) و (¬6) ساقطة من س. (¬7) من س. (¬8) فى س: أو هو خير، والمثبت من الصحيحة المطبوعة، والأصل. (¬9) قيدت قبلها: ما. (¬10) من ع. (¬11) و (¬12) فى س: يفتل. (¬13) فى س: المحتوم. (¬14) فى الأصل: البطن، والمثبت من ع، س. (¬15) فى س: تملأ. (¬16) ثلط البعير: إذا ألقى بعره رقيقاً، وهو الرقيق من الرجيع. يقال: أنتم تثلطون ثلطاً، أى كانوا يتغوطون يابساً كالبعر؛ لأنهم كانوا قليل الأكل. انظر: اللسان، مادة " ثلط ".

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الخَيْرَ لا يأتِى إِلا بِخَيْرٍ، أَوَ خَيْرٌ هُوَ، إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ، إِلا آكِلةَ الخَضِرِ، أَكَلتْ حَتَّى إِذَا امَتلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلتِ الشَّمْسَ، ثَلطَتْ أَوْ بَالتْ، ثُمَّ اجْتَرَّتْ، فَعَادَتْ فَأَكَلتْ، فَمَنْ يَأخُذْ مَالاً بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ. وَمَنْ يَأخُذْ مَالاً بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلهُ كَمَثَلِ الذِى يأكُلُ وَلا يَشْبَعُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ تمتلئ (¬1) فى أول ذكره لها لما كان التشبيه يقتضى إيراده (¬2)، ثم قال بعد ذلك: " ثم عادت فأكلت، ولم يقل: حتى امتلأت " كما قال أول مرة، وهذا يحتمل أن يريد به أنها تأكل من جنس الأكل الأول، فاستغنى عن إعادته ها هنا بالإشارة إليه، ويحتمل أن يريد أنها تعود إلى أكل معتدل، وكذلك حالة الجامع للمال فى غالب الحال أنَّه يفنى فى جمعه أكثر عمرهِ، فإذا صرَّفه ثم عاد إلى الكسب كان كسبه متوسطاً. وقد قال الأزهرى: فى هذا الحديث مثلان: أحدهما: للمفرّط فى الجمع المانع من الحق، وإليه الإشارة بقوله - عليه السلام -: " وإنّ مما ينبت الربيع ما يقتل (¬3) "، وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول، فتستكثر منه الماشية [حتى تهلك] (¬4). والثانى: للمقتصد، وإليه الإشارة بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إلا آكلة الخَضِر " [لأن الخَضِر] (¬5) ليس (¬6) من أحرار البقول، هذا معنى قول الأزهرى فى هذا الحديث. قال الإمام: يروى هذا الحديث أبو سعيد الخدرى فقال فى طريق منه: " استقبلت الشمس ثلطت وبالت واجْترَّتْ "، وقال فى طريق آخر: " استقبلت الشمس ثم اجترَّت وبالت وثلطت " وهذا يوهم ظاهره (¬7) الاختلاف، وليس بمختلف؛ لأن الحديثين جميعاً تضمنا أنها اجترت بعد استقبال الشمس، ففى الأول منهما: ذكر بولها قبل أن تجتر، وفى الثانية منهما: ذكره بعد الاجترار، ولكن بحرف (¬8) الواو التى لا توجب الرتبة، وإنما حصل الترتيب فى كون الاجترار وما عطف عليه بعد استقبال الشمس، ولكن الأول من هذه المعطوفات غيرُ مستفادٍ من حرف (¬9) الواو. وأما قوله: " ثلطت " فقال أبو عبيد فى المُصنف: ثلط البعير يثلِطُ ثلطاً: إذا ألقاهُ سهلاً رقيقاً. ¬

_ (¬1) فى س: تملأ. (¬2) فى ع: إفراده. (¬3) فى س: يفتل. (¬4) سقط من ع. (¬5) من ع. (¬6) فى ع: ليست. (¬7) فى س: ظاهر، والمثبت من ع، والأصل. (¬8) فى الأصل: بحذف، وما أثبت من س، ع. (¬9) فى الأصل: حروف، وما أثبت من س، ع.

122 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَليْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا "، قَالوا: وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " بَرَكَاتُ الأَرْضِ " قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَأْتِى الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ قَالَ: " لا يَأْتِى الخَيْرُ إِلا بِالخَيْرِ، لا يَأتِى الخَيْرُ إِلا بِالخَيْرِ، لا يَأتِى الخَيْرُ إِلا بِالخَيْرِ، إِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ، إِلا آكِلةَ الخَضِرِ، فَإِنَّهَا تَأكُلُ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلتِ الشَّمْسَ، ثُمَّ اجْتَرَّتْ وَبَالتْ وَثَلِطَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلتْ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِى حَقِّهِ، فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالذِى يَأكُلُ وَلا يَشْبَعُ ". 123 - (...) حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ صَاحِبَ الدَّسْتَوَائِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قَالَ: جَلسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المِنْبَرِ، وَجَلسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: " إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَليْكُمْ بَعْدِى، مَا يُفْتَحُ عَليْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ". فَقَالَ رَجُلٌ: أَوَ يَأتِى الخَيْرُ بِالشَّرِّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقِيلَ لَهُ: مَا شأنُكَ؟ تُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يُكَلِّمُكَ؟ قَالَ: وَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحَضَاء. وَقَالَ: " إِنَّ هَذَا السَّائِلَ " - وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ - فَقَالَ: " إِنَّهُ لا يَأْتِى الخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله - عليه السلام -: " إنَّ هذه الدنيا حلوة خضرة " (¬1): قال الهروى: " خضرة ": يعنى غضةً ناعمة طرية، وأصله من خضرة الشجر، وسمعت الأزهرى يقول: أخذ الشىء خضراً مضراً: إذا أخذه بغير ثمن، وقال (¬2): غضاً طرياً. وقوله: " فأفاق يمسح عنه الرحضاء ": يعنى العرق من الشدة، وأكثر ما يسمى (¬3) عرق الحُمى. ¬

_ (¬1) هذا لفظ الترمذى، ك الفتن، ب ما جاء ما أخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، عن أبى سعيد الخدرى، من حديث طويل 4/ 483، وكذا لابن ماجه، ك الفتن، ب فتنة النساء، عن أبى سعيد مختصراً 2/ 1325، وكذا أحمد فى مسند أبى سعيد الخدرى 3/ 19، 46، 61، 74. (¬2) فى ع: وقيل. (¬3) فى س: سمى، والمثبت من الأصل، ع. وانظر: اللسان.

الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ، إِلا آكِلةَ الخَضِرِ، فَإِنَّهَا أَكَلتْ حَتَّى إِذَا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلطَتْ وَبَالتْ ثُمَّ رَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ وَاليَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلَ - أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّهُ مَنْ يَأخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالذِى يَأكُلُ وَلا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَليْهِ شَهِيدًا يَوْمَ القِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله: " أو خير هو " هكذا رويناه بفتح الواو وهو وجه الكلام، وقد يحتمل أن يكون معناه: أو تحسبون أنَّ كل مالٍ خيراً، بل فيه خير وشر، ثم قسمه على ما تقدم بالمثل الذى ضربه، وقال بعضهم: قد روى [إلا أكلة] (¬1) الخضر، بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى استفتاح الكلام، أى انظروا أكلة الخضر وما كان منها. وقوله: " ثم اجترت ": أى مضغت جرتها، وهو ما أخرجته من جوفها إلى فمها (¬2) مما رعتهُ قبلُ فيه، ثم ضرب المثل للمقتصد فى اكتساب المال، فشبه جمعه له على الوجه الذى يحمده بأكل الخضر المحمود رعيه (¬3)، ثم اقتصارها عن الأكل عند امتداد خاصرتيها لأول شبعها بالمقتصد فى كسبه، الذى إذا جمع كفايته استغنى بها وترك الطلب وتودع (*)، ونظر فى استعمال ما جمعه وإنفاقه فى [مصالحه ومنافعه] (¬4) وسقوط (**) بقاء التباعات فيه بخروجه من يده فى وجوهه، كهذه التى اجترت ما جمعته قبلُ فى كرشها ليسهل لها هضمه وتجرى منفعته فى جسمها، ثم امتدت (...) [للشمس] (¬5) ليستريح جسمها، ويصلح هضمها، وتنضج أخلاط جسمها حتى تم لها مرادها، وبقى فى جسمها منفعته، وخرج عنها ثفله ومضرته (****) بخلاف غيرها، إذا (¬6) لم ترفع رأسها حتى أثقلها ذلك ولم ينهضم لها لكثرة ما رعته منه، ووباله، فماتت تخمة (¬7) وحبطاً، كذلك الحريص على الجمع المكثر الذى لا يملأُ عينه شىء ولا يصرف ما جرعه (*****) [منه] (¬8) فى وجوهه وتكثيره حتى يأتيه أجله، وقد بقيت عليه تباعاته، فكان سبب هلاكه فى آخرته. وقال بعضهم احتج بعضهم (¬9) بهذا الحديث فى تفضيل الفقر على الغنى لأن النبى - عليه السلام - لم يخش عليهم [ما يفتح عليهم] (¬10) من الدنيا، إلا ضيّعوا فيها ما أمرهم الله به من إنفاقه فى حقوقه، وإذا كسبوه من غير وجه، ويوضحه قوله (¬11): " فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم " إلى ما جاء بعده. ¬

_ (¬1) فى س: الأكلة. (¬2) فى س: فيها. (¬3) فى س: رعيته. (¬4) فى س: ومنافعه ومصالحه. (¬5) من س. (¬6) فى س: التى. (¬7) فى س: تخمطة. (¬8) ساقطة من س. (¬9) فى س: قوم. (¬10) ساقطة من س. (¬11) فى س: قولهم. (*) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوعة "تودع"، والصواب ما أثبتناه بوجود الواو قبلها، وهو الموافق لما وقع بين أيدينا من النسخ الخطية. (**) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوعة "سقط"، والصواب ما أثبتناه، وهو الموافق لما وقع بين أيدينا من النسخ الخطية. (...) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوعة "امتدد"، والصواب ما أثبتناه، وهو الموافق لما وقع بين أيدينا من النسخ الخطية. (****) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوعة "تفله ومنضرته"، والصواب ما أثبتناه، وهو الموافق لما وقع بين أيدينا من النسخ الخطية. (*****) قال معد الكتاب للشاملة: كذا المطبوعة، ولعل الصواب "جمعه"، وهو الموافق لما وقع بين أيدينا من النسخ الخطية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: " أَوْ يُلِمُّ ": أى يقرب من الإهلاك والقتل. ألم بالشىء: قرُب منه، وسمى متاع الدنيا زهرة تشبيهاً بزهر النبات لحسنه (¬1) عند الناس، وإعجاب النفوس به. " والخضر " كلأ الصيف، وقال الأزهرى: هو هنا ضرب من الجنبة، وهى من الكلأ ما له أصل غامض فى الأرض، واحدتها خَضِرةٌ. قال القاضى: وقد وقع فى الأصل من رواية العذرى فى حديث أبى الطاهر: " [إلا آكلة الخُصرة "] (¬2) على الإفراد كما قاله الأزهرى، وعند الطبرى: " الخُضرة " بالضم، وروى (¬3) بعضهم ألا بفتح الهمزة والتخفيف على الاستفتاح. [قال الإمام: وقوله: " يمسح الرُحضاء ": أى العرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحُمى. قال القاضى] (¬4): وقوله: " أين السائل ": كذا لابن سعيد وابن أبى جعفر، وعند السمرقندى: " أنَّى " ويقرب من معناه، وعند العذرى: " أى السائل " (¬5) كأنهُ يقول: أيكم [السائل] (¬6)؟ وفى هذا الحديث تسمية المال خيراً، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} (¬7). ¬

_ (¬1) فى س: الحسنة. (¬2) فى س: الآكلة الخضر. (¬3) فى س: ورواه. (¬4) سقط من س. (¬5) ومن هذا فعلم أن رواية ابن سعيد وابن أبى جعفر والسمرقندى والعذرى ليست رواية المطبوعة فى هذا الحديث. (¬6) ساقطة من س. (¬7) البقرة: 180.

(42) باب فضل التعفف والصبر

(42) باب فضل التعفف والصبر (¬1) 124 - (1053) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئ عَليْهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الليْثِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ: " مَا يَكُنْ عِنْدِى مِنْ خَيْرٍ فَلنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرُهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ ". (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(43) باب فى الكفاف والقناعة

(43) باب فى الكفاف والقناعة 125 - (1054) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى أَيُّوبَ، حَدَّثَنِى شُرَحْبِيلُ - وَهُوَ ابْنُ شَرِيكٍ - عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ ". 126 - (1055) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا ": فيه ما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1) من القصد فى أموره والتقلل من دنياه والاقتصاد منها على الحاجة، فدعاؤه - عليه السلام - أن يكون رزق آله قوتًا يقيم حالهم، ويصلح أمرهم، ويكفيهم الجهد، وليس فيه فضول تخشى عليهم فتنتهُ، ويُخاف وباله. ¬

_ (¬1) فى س: السلام.

(44) باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة

(44) باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة 127 - (1056) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا. فَقُلْتُ: وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، لغَيْرُ هَؤُلاءَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ منْهُمْ. قَالَ: " إِنَّهُمْ خَيَّرُونِى أَنْ يَسْأَلونِى بِالفُحْشِ أَوْ يُبَخِّلونِى، فَلسْتُ بِبَاخِلٍ ". 128 - (1057) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُليْمَانَ الرَّازِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا. ح وَحَدَّثَنِى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى - وَاللفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَليْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىُّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، نَظَرْتُ إِلى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله حين قسم قسماً: فقال له عمر: [غير هؤلاء] (¬1) كان أحق به فقال: " إنهم خيرونى بين أن يسألونى بالفحش أو يبخلونى، فلست بباخل ": معناه: أنه اشتطوا (¬2) عليه فى المسألة، التى تقتضى إن أجابهم إليها حابهم، وإن منعهم آذوه وبخلوه، فاختار - عليه السلام - إعطاءهم، إذ ليس البخلُ من طباعه، ومداراة لهم وتآلفاً كما قال - عليه السلام -: " إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره " (¬3)، كما أمر بإعطائه المؤلفة قلوبهم. وضحك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابى، الذى جبذه بردائه حتى أثر فى عنقه، وانشق البرد، وقال له: " مر لى يا محمد من مال الله الذى عندك "، وإعطاؤه إياه من هذا. وفيه ما كان عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصبر والحلم والخلق العظيم والإغضاء عن الجاهلين والإعراض عنهم كما أدبه الله به، ومعنى حتى رجع النبى - عليه السلام - فى نحر الأعرابى أن جبذته، ضمته إليه. ¬

_ (¬1) فى س: غيرها. (¬2) الشطط: مجاوزة القدر فى بيع أو طلب أو احتكام أو غير ذلك، من كل شىء مشتق منه، وشط فى كذا: جاوز القدر وتباعد من الحق وجار عليه فى قضيته، وقيل: جرت. اللسان: مادة " شطط ". (¬3) الموطأ، ك حسن الخلق، ب ما جاء فى حسن الخلق بلفظه عن عائشة 2/ 904. وبقرب لفظه البخارى ك الأدب، ب لم يكن النبى فاحشاً ولا متفحشاً، عن عائشة بلفظ: " إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره " 8/ 15، 16، مسلم فى ك البر والصلة والآداب، ب مداراة من يتقى فحشه، بلفظ البخارى رقم (2591)، أبو داود، ك الأدب، ب حسن العشرة 2/ 551.

الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللهِ الذِى عِنْدَكَ، فَالتَفَتَ إِليْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرَمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. ح وَحَدَّثَنِى سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِهَذَا الحَدِيثِ. وَفِى حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ مِنَ الزِّيَادَةِ: قَالَ: ثُمَّ جَبَذَهُ إِليْهِ جَبْذَةً. رَجَعَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى نَحْرِ الأَعْرَابِىِّ. وَفِى حَدِيثِ هَمَّامٍ: فَجَاذَبَهُ حَتَّى انْشَقَّ البُرْدُ، وَحَتَّى بَقِيَتْ حَاشِيَتُهُ فِى عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 129 - (1058) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُليْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةً وَلمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا. فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَىَّ، انْطَلِقْ بِنَا إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلقتُ مَعَهُ. قَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِى. قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ. فَخَرَجَ إِليْهِ وَعَليْهِ قَبَاءٌ مِنهَا. فَقَالَ: " خَبأتُ هَذَا لكَ ". قَالَ: فَنَظَرَ إِليْهِ فَقَالَ: " رَضِىَ مَخْرَمَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى بقيت حاشيته فى عنقه " (¬1): فيحتمل أنه على وجهه، بدليل قوله: " حتى انشق البرد "، ويحتمل أن يريد بقى (¬2) أثر الحاشية، بدليل قوله فى الحديث الآخر: " حتى أثر البرد فى عنقه " وقوله: " فجاذبه " (¬3) بمعنى " فجبذه " فى الرواية الأخرى، يقال: جذب وجبذ، وهو من المقلوب، وكذلك فعله مع مخرمة [فى القباء وعرضه محاسنه عليه. وقوله: " فخبأت هذا لك " كله من مداراة الناس، وكان مخرمة] (¬4) من مشايخ قريش، وكذلك [وقوله] (¬5) بعد هذا فى حديث سعد: " إنى لأعطى الرجل وغيرُه أحب ¬

_ (¬1) النسائى، ك القسامة، ب القود من الجبذة. عن أبى هريرة بمعناه 8/ 33، 34. (¬2) فى س: بقيت. (¬3) فى س: فحاد. (¬4) سقط من س. (¬5) ساقطة من س.

130 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو الخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الحَسَّانِىُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتيَانِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى مُليْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَدِمَتْ عَلى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِى أَبِى - مَخْرَمَةُ - انْطَلِقْ بِنَا إِليْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: فَقَامَ أَبِى عَلى الْبَابِ فَتَكَلمَ، فَعَرَفَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: " خَبَّأَتُ هَذَا لكَ، خَبَّأتُ هَذَا لكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى منه، خشية أن يكبَّه الله [فى النار] (¬1) على وجهه " (¬2) إما بذم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسبه وتخيله إن لم يعطه فيكفر، أو لأنه بالعطاء يستألفه، حتى يتمكن الإيمان فى قلبه، ويصح يقينه فينجو من النار، وكذلك [قوله] (¬3) فى الحديث [الآخر بعد هذا: " إنى لأعطى قوماً حديثى عهد بكفر أتألفهم "] (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) سيأتى فى الباب التالى برقم (131). (¬3) من س. (¬4) سقط من س.

(45) باب إعطاء من يخاف على إيمانه

(45) باب إعطاء من يخاف على إيمانه 131 - (150) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ. قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلاً لمْ يُعْطِهِ، وَهُوَ أَعْجَبَهُمْ إِلىَّ، فَقُمْتُ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالكَ عَنْ فُلانٍ؟ وَاللهِ! إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ: " أَوْ مُسْلِمًا "، فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلبَنِى مَا أَعْلمُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالكَ عَنْ فُلانٍ؟ فَوَ اللهِ، إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ. " أَوْ مُسْلِمًا " فَسَكتُ قَليلاً، ثُمَّ غَلَبنِى مَا أَعْلم مِنْه. فَقْلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالَكَ عَنُ فُلانٍ؟ فَوَ اللهِ، إِنِّى لأَرَاهُ مُؤمِنًا. قَالَ: " أَوْ مُسْلمًا ". قَالَ: " إِنِّى لأُعْطِى الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلىَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِى النَّارِ عَلى وَجْهِهِ ". وَفِى حَدِيثِ الحُلوَانِىِّ تَكْرَارُ القَوْلِ مَرَّتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [وقوله فى الحديث] (¬1): " ما لك عن فلان، والله [إنى] (¬2) لأراه مؤمناً "، قال الإمام: يحتمل أن يكون إنما حلف على ما ظهر له [منه] (¬3) لا على معتقده؛ لأن البواطن لا تعلم. قال القاضى: [قوله: " والله] (¬4) إنى لا أراه [مؤمناً] (¬5) " يبين هذا، ولم يقل: " [والله] (¬6) إنه لمسلم (¬7)، إنما حلف على ما رآه [منه] (¬8) وظهر له. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [له] (¬9): " أو مسلماً " [بسكون الواو غير، ومن حركها أحال المعنى؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرد استفهامه، وإنما أشار له إلى القسم الآخر المختص بالظاهر، فجاء بـ " أو " التى للتقسيم] (¬10). قال الإمام: فيه دليل على الفرق (¬11) بين الإسلام والإيمان؛ [لأن الإيمان التصديق، والإسلام الاستسلام والانقياد للشرائع] (¬12)، والإيمان شعبة من ذلك، فكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمان؛ لأنه قد ينقاد فى الظاهر وهو منافق، قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} الآية (¬13). ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) و (¬3) ساقطة من س. (¬4) و (¬5) من س. (¬6) ساقطة من س. (¬7) فى س: لمؤمن. (¬8) و (¬9) ساقطة من س. (¬10) سقط من ع. (¬11) فى ع: التفرقة. (¬12) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬13) الحجرات: 14.

(...) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَلى مَعْنَى حَدِيثِ صَالِحٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ. (...) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ بِهَذَا الحَدِيثِ - يَعْنِى حَدِيثَ الزُّهْرِىِّ، الذِى ذَكَرْنَا - فَقَالَ فى حَدِيثِهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بَيْنَ عُنُقِى وَكَتِفِى، ثُمَّ قَالَ: " أَقِتَالاً؟ أَىْ سَعْدُ، إِنِّى لأُعْطِى الرَّجُلَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أقتالاً أى سعد ": أى مدافعة ومكابرة لما كرر عليه سعدُ الكلامَ فى الرجل، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراجعه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث بأوعب من هذا فى كتاب الإيمان (¬1). وفى سند حديث المسور: زياد بن يحيى الحسانى، كذا ضبطناه عن شيوخنا بفتح الحاء المهملة وسين مهملة، وضبطه بعضهم بضم الحاء وهو غلط (¬2). وقوله (¬3): " لصناديد نجد ": أى ساداتهم. الصنديد: السيد العظيم القدر، وفى العين: الصنديد: الملك الضخم الشديد. وقوله (¬4): " بعث بذهبة (¬5) ": كذا لكافة رواة مسلم من شيوخنا عن الجلودى، وعند ابن ماهان: " بذهيبة " على التصغير. ¬

_ (¬1) تقدم فى ك الإيمان، ب تآلف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهى عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع. (¬2) تقدم فى الباب السابق حديث رقم (130). (¬3) و (¬4) سيأتى فى ك الزكاة، ب ذكر الخوارج وصفاتهم حديث رقم (143). (¬5) فى س: بذهب.

(46) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه

(46) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه 132 - (1059) حَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالوا يَوْمَ حُنَيْنٍ، حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِى رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ، المِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالوا يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ، يُعْطِى قُرَيْشًا، وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ!. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَحُدِّثَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ مِنْ قَوْلِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَلمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ. " مَا حَدِيثٌ بَلغَنى عَنكمْ؟ " فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأيِنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَلمْ يَقُولوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانهُمْ، قَالوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِهِ، يُعْطِى قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنِّى أُعْطِى رِجَالاً حَدِيثِى عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلفُهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ [وذكر مسلم: ما أعطاه المؤلفة قلوبهم يوم حنين من قريش ولم يعط الأنصار] (¬1). قال الإمام: هذا حجة لأحد القولين؛ أن الغنيمة لا يملكلها الغانمون حتى يملكهم إياها الإمام. وهذا أصل مختلف فيه عندنا، وينبنى عليه الخلاف ممن سرق من الغنيمة أو زنا بأمة منها قبل أن تقسم. قال القاضى: ليس فى الحديث نص أنه فعل ذلك - عليه السلام - قبل إخراج الخمس، [أو أنه لم يحسب ما أعطاهم من الخمس] (¬2)، والمعروف من الأحاديث الأخر: أن إعطاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن أعطى، إنما كان من الخمس. وفيه أن للإمام تصريف الخمس ومال (¬3) الفىء فى مصالح المسلمين، وأنه حل للأغنياء، وأن له أن يفضل فيه الناس على قدر ما يراه، وأن يعطى منه الكثير. ¬

_ (¬1) هذه العبارة فى ع، وذكر يوم حنين لم يعط الأنصار. (¬2) سقط من س. (¬3) فى س: وما.

أَفَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلى رَحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللهِ؟ فَوَ اللهِ لمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ ". فَقَالوا: بَلى، يَا رسُولَ اللهِ قَدْ رَضِينَا. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلقَوُا اللهَ وَرَسُولهُ، فَإِنِّى عَلىَ الحَوْضِ ". قَالوا: سَنَصْبِرُ. (...) حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: لمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ. وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: فَلمْ نَصْبِرْ. وَقَالَ: فَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ. (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِهِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: قَالوا: نَصْبِرُ. كَرِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ. 133 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَنْصَارَ، فَقَالَ: " أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ ". فَقَالوا: لَا، إِلا ابْنُ أُخْتٍ لنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ ابْنَ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ "، فَقَالَ: " إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فإنكم ستجدون (¬1) أثرة شديدة ": كذا رويناه عن أبى بحر، وبعضهم بضم الهمزة وسكون الثاء، ورويناه على القاضى أبى على عن العذرى وعلى (¬2) الفقيه أبى محمد الخشنى عن الطبرى: " أثَرَة " بفتحهما معًا، وكلاهما صحيح، وبالوجهين ضبطنا الحرف على أبى الحسين بن سراج فى هذا الحديث فى كتاب الهروى، أى تفضيلاً، أى يستأثر غيركم فَيُفَضل نفسه عليكم. قال الأزهرى [فى] (¬3) الأَثَرَةُ: الاستئثار، وجمعه أثر وأثر، وحكى [لنا] (¬4) الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان النحوى عن أبى على القالى: أن الأثرة: الشدة، وبه كان تفسير هذا الحديث. وفى هذا من ظهور صدق ما أخبر به النبى - عليه السلام - مما يكون. ¬

_ (¬1) فى الأصل: تجدون. (¬2) فى س: وعن. (¬3) من س. (¬4) ساقطة من س.

بِجَاهِليَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّى أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلى بِيُوتِكُمْ؟ لوْ سَلكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلكَ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لسَلكَتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " لو سلك الناس (¬1) [وادياً أو] (¬2) شعباً ": الشعب: هو الطريق فى الجبل. قال القاضى: هذا قول يعقوب. وقال الخليل: هو ما انفرج بين جبلين، وهذا أكثر، ومنه: شعب مكة وغيرها. قال الإمام: وقوله: " الأنصار شعار والناس دثار ": الشعار: الثوب الذى يلى الجسد، والدثار: الثوب الذى يلى الشعار، فمعناه: الأنصار هم الخاصة والبطانة. قال القاضى: وذكر مسلم فى الباب: ثنا (¬3) مخلد بن خالد الشعيرى، نا سفيان، حدثنى (¬4) عمر بن سعيد، كذا قيدنا اسمه ونسبه عن كافة شيوخنا فى أصل ابن عيسى بخط ابن العسال، روايته من طريق ابن الحذاء: نا خالد بن مخلد الشعيرى (¬5)، ولم أجد الحاكم ولا الباجى ولا الجيانى ومن تكلم على رجال الصحيحين ذكر خالد بن مخلد السحترى، ولا مخلد بن خالد الشعترى (¬6)، ولا ذكر هذين النسبين مع أحد هذين الاسمين أحد من أصحاب المؤتلف والتقييد، [ولا أحد ممن تكلم على رجال الصحيحين إلا أبا داود فى مصنفه عن خالد بن مخلد الشعيرى] (¬7)، ولا ذكروا [فى رجال الصحيحين] (¬8) مخلد بن خالد غير منسوب، ولا خالد بن مخلد سوى خالد بن مخلد القطوانى. قيل منسوب إلى قرية بباب الكوفة، وهو قول أبى ذر والباجى. وقال البخارى والكلاباذى: معناه: البقال، فلعله سُمى بذلك لبيعه القطانى، فنسبته (¬9) إن كان [هو أن يكون] (¬10) شعيرياً أيضاً [لذلك] (¬11) لبيعه الشعير، أو (¬12) إن لم يكن هو منسوب إلى الشعيرة إقليم بحمص من الشام، كما قيل فى أبى قتيبه سالم بن قتيبة الخراسانى الشعيرى، خرج عنه البخارى ولم ينسبه فى الصحيح ونسبه فى التاريخ. وقوله: " أتجعل نهبى ونهب العبيد "، هو اسم فرسه، [والنهب: الغنيمة والاستيلاب] (¬13). ¬

_ (¬1) فى ع: الأنصار. (¬2) سقط من ع. (¬3) فى س: حدثنا. (¬4) فى س: نا. (¬5) فى الأصل: السعترى، والصواب من س، والمطبوعة. (¬6) فى س: الشعيرى. (¬7) و (¬8) من س. (¬9) فى س: فيشبه. (¬10) من الأصل، وسقط من س. (¬11) من س. (¬12) فى س: و. (¬13) من س.

134 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَسَمَ الغَنَائِمَ فِى قُرَيْشٍ، فَقَالتْ الأَنْصَارُ: إِنَّ هَذَا لهُوَ العَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَإِنَّ غَنَائِمَنَا تُرَدُّ عَليْهِمْ. فَبَلغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَهُمْ، فَقَالَ: " مَا الذِى بَلغَنِى عَنْكُمْ؟ " قَالوا: هُوَ الذِى بَلغَكَ، وَكَانُوا لا يَكْذِبُونَ. قَالَ: " أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا إِلى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلى بُيُوتِكُمْ؟ لوْ سَلكَ النَّاسُ وَادِياً - أَوْ شِعْبًا - وَسَلكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا - أَوْ شِعْبًا - لسَلكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ - أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ ". 135 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ - يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلى الآخَرِ الحَرْفَ بَعْدَ الحَرْفِ - قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ؛ قَالَ: لمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَقْبَلتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ بِذَرَارِيهِمْ وَنَعَمِهِمْ، وَمَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَشْرَةُ آلافٍ، وَمَعَهُ الطُّلقَاءُ. فَأَدْبَرُوا عَنْهُ، حَتَّى بَقِىَ وَحْدَهُ. قَالَ: فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نَدَائَيْنِ، لمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. قَالَ: فَالتَفَتَ عَنْ يَمينِهِ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ". فَقَالوا: لبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَالَ: ثُمَّ التَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ". قَالوا لبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَالَ: وَهُوَ عَلى بَغْلةٍ بَيْضَاءَ. فَنَزَلَ فَقَالَ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُوُلهُ ". فَانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ كَثِيرَةٍ، فَقَسَمَ فِى المُهَاجِرِينَ وَالطُّلقَاءَ، وَلمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا. فَقَالتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتِ الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى، وَتُعْطَى الغَنَائِمُ غَيْرَنَا! ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ومعه الطلقاء ": هم الذين أسلموا عند الفتح من قريش ومنَّ عليهم النبى - عليه السلام. وقوله: " بذراريهم ونَعَمِهم ": أى بعيالاتهم ونسائهم، والذرية تطلقها العرب على هذا، وكذلك كان أمر هوازن كان معهم نساؤهم، والنَّعم، بالفتح، الإبل خاصة، جمع لا واحد له من لفظه، وقيل ينطلق - أيضاً - على جماعة (¬1) المواشى إذا كان فيها إبل، وكذلك كان أمر هوازن، والأنعام: المواشى (¬2) من الإبل وغيرها، وقيل: إن النعم والأنعام بمعنى واحد. ¬

_ (¬1) فى س: جميع. (¬2) قيد قبلها فى س: و.

فَبَلغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَهُمْ فِى قُبَّةٍ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، مَا حَدِيثٌ بَلغَنِى عَنْكُمْ؟ " فَسَكَتُوا. فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إِلى بُيُوتِكُمْ؟ ". قَالوا بَلى يَا رَسُولَ اللهِ، رَضِينَا. قَالَ: فَقَالَ: " لوْ سَلكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ ". قَالَ هِشَامٌ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟ 136 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى. قَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُليْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِى السُّمَيْطُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: افْتَتَحْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا فَجَاءَ المُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ. قَالَ فَصُفَّتِ الخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ المُقَاتِلةُ، ثُمَّ صُفَّتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، ثُمَّ صُفَّتِ الغَنَمُ، ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ. قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ، قَدْ بَلغْنَا سِتَّةَ آلافٍ. وَعَلى مُجَنِّبَةِ خَيْلِنَا خَالِدٌ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ: فَجَعَلتْ خَيْلنَا تَلوِى خَلفَ ظُهُورِنَا، فَلمْ نَلبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا، وَفَرَّتِ الأَعْرَابُ، وَمَنْ نَعْلمُ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: فَنَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَالَ المُهَاجِرِينَ، يَالَ المُهَاجِرِينَ ". ثُمَّ قَالَ: " يَالَ الأَنْصَارِ، يَالَ الأَنْصَارِ ". قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: هَذَا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ. قَالَ: قُلْنَا: لبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَايْمُ اللهِ، مَا أَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ. قَالَ: فَقَبَضْنَا ذَلِكَ المَالَ، ثُمَّ انْطَلقَنَا إِلى الطَّائِفِ، فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ ليْلةً، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلى مَكَّةَ فَنَزَلنَا. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِى الرَّجُلَ المِائَةَ مِنَ الإِبِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ابن معاذ فى هذه القصة: " ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف ": هذا على الحذر منه لا على التحقيق، أو على الوهم من الراوى عن أنس، وإنما كان المسلمون ذلك اليوم فى اثنى عشر ألفاً، أهل الفتح، على ما قاله أهل السير، وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم. وقد ذكر مسلم فى الحديث الآخر عن أنس: " ومع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ عشرة آلاف ومعهم الطلقاء " فهذا هو الصحيح المطابق لما قاله أهل السير. وقول أنس: " هذا حديث عِمِّيَّةٍ " بكسر العين والميم وتشديدها وفتح الياء وتشديدها، كذا رواينا (¬1) فى هذا الحرف عن عامة شيوخنا، وفسر بالشدة، وروايتنا فيه عن التميمى: " عَمية " بفتح العين وتخفيف الياء، ويكون معناه عندى جماعتى، أى هذا حديثهم. ¬

_ (¬1) فى س: روايتنا.

ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِى الحَدِيثِ، كَنَحْوِ حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَأَبِى التَّيَّاحِ، وَهِشَامِ بْنِ زَيْدٍ. 137 - (1060) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ المَكِّىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسَّرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَتَجَعْلُ نَهْبِى وَنَهْبَ العُبَيْـ ... ـدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ؟ فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِى المَجْمَعِ وَمَا كُنْتَ دُونَ امْرِئ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَخْفِضِ اليَوْمَ لا يُرْفَعِ قَالَ: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً. 138 - (...) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ مَسْروُقٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ مَائِةً مِنَ الإِبِلِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. وَزَادَ: وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ مِائَةً. (...) وَحَدَّثَنَا مَخْلدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَذْكُرْ فِى الحَدِيثِ عَلقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ، وَلا صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ. وَلمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ فِى حَدِيثِهِ. 139 - (1061) حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا فَتَحَ حُنينًا قَسَمَ الغَنَائِمَ، فَأَعْطَى المُؤَلفَةَ قُلوبُهُمْ، فَبَلغَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصِيبُوا مَا أَصَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال صاحب العين: العم: الجماعة، وأنشد عليه ابن دريد فى الجمهرة: أفنيت عماً وجيرت عما. وهذا أشبه بالحديث ومعناه، وذكره ابن أبى نصر الحميدى كذلك، إلا أنه شدّد الياء، وفسره بعمومتى، وتخفيفها، أى هذا حديث فضل أعمامى، أو هذا الحديث الذى حدثنى به أعمامه، كأنه حدث عما شاهد أول الحديث ثم لعله لم يضبط هذا الموضع ولا

النَّاسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ. ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلمْ أَجِدْكُمْ ضُلالاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بِى؟ وَعَالةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِى؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِى؟ " وَيقُولونَ: اللهُ وَرَسُولهُ أَمَنُّ. فَقَالَ: " أَلا تُجِيبُونِى؟ " فَقَالوا: اللهُ وَرَسُولهُ أَمَنُّ. فَقَالَ: " أَمَا إِنَّكُمْ لوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولوا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا ". لأَشْيَاءَ عَدَّدَهَا، زَعَمَ عَمْرٌو أَنْ لا يَحْفَظُهَا. فَقَالَ: " أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالإِبِلِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلى رِحَالِكُمْ؟ الأَنْصَارُ شعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلوْلا الهِجْرَةُ لكُنْتُ امْرأ مِنَ الأَنْصَارِ، وَلوْ سَلكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشعْبًا، لسَلكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ، إِنَّكُمْ سَتَلقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلقَوْنِى عَلى الحَوْضِ ". 140 - (1062) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لمَّا كَانَ يَوْمُ حنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِى القِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعُ بْنَ حَابِسٍ مَائةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ، وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِى القِسْمَةِ. فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ، إِنَّ هَذِهِ لقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدُ فِيهَا وَجْهُ اللهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ، لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ. قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ. ثُمَّ قَالَ: " فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولهُ ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ ". قَالَ قُلْتُ: لا جَرَمَ لا أَرْفَعُ إِليْهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا. 141 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا. فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهَا لقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ، فَغَضِبَ مَنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى لمْ أَذْكُرْهُ لَهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " قَدْ أُوذِىَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حضره لتفرق الناس وانهزامهم، فحدثه به من شهده من أعمامه، أو جماعته (¬1) الذين شاهدوه، ألا تراه كيف قال عنهم، قال: قلنا: لبيك يا رسول الله. ¬

_ (¬1) فى س: أعمامه.

(47) باب ذكر الخوارج وصفاتهم

(47) باب ذكر الخوارج وصفاتهم 142 - (1063) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ المُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا الليْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالجِعْرَانَةِ، مُنْصَرفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِى ثَوْبِ بِلالٍ فِضَّةٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا، يُعْطِىَ النَّاسَ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ. قَالَ: " وَيْلكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ: دَعْنِى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقْتُلَ هَذَا المُنَافِقَ. فَقَالَ: " مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّى أَقْتُلُ أَصْحَابِى، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرؤونَ القُرْآنَ، لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيةِ ". (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحبَابِ، حَدَّثَنِى قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ مَغَانِمَ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. 143 - (1064) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى نُعْمٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ قَالَ: بَعَثَ عَلِىٌّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - وَهُوَ بِاليَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِى تُرْبَتِهَا إِلى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الحَنْظَلِىُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الفَزَارِىُّ، وَعَلقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ العَامِرِىُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِى كِلابٍ، وَزَيْدُ الخَيْرِ الطَّائِىُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِى نَبْهَانَ. قَالَ: فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ. فَقَالوا: أَيُعْطِى صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟ فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى إِنَّمَا فَعَلتُ ذَلِكَ لأَتَأَلفَهُمْ "، فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللحْيَةِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، غَائِرُ العَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ مَحْلوقُ الرَأسِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيْتُهُ! أَيَأَمَنُنِى عَلى أَهْلِ الأَرْضِ وَلا تَأمَنُونِى؟ ". قَالَ: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَاسْتَأذَنَ رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مشرف الوجنتين ": أى عاليهما، ومثله قول: " ناشز الجبهة ": والنشز:

مِنَ القَوْمِ فِى قَتْلِهِ - يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مَنْ ضِئْضِئْ هَذَا قَوْمًا يَقْرؤونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلونَ أَهْلَ الإِسْلامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ. يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لئِنْ أَدْرَكَتُهُمْ لأَقْتُلنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ". 144 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اليَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِى أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ، لمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا. قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ هَؤلاءِ. قَالَ: فَبَلغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَلا تَأمَنُونِى؟ وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ، يَأَتِينِى خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً ". قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنَ، مُشْرِفُ الوَجْنَتيْنِ، نَاشِزُ الجَبْهَةِ، كَثُّ اللحْيَةِ، مَحْلوقُ الرَّأسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ. فَقَالَ: " وَيْلكَ! أَوَ لسْتُ أَحَقُّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِى اللهَ ". قَالَ: ثُمَّ وَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ المرتفع من الأرض. وقوله: " فتغير وجهه حتى صار كالصِّرف ": الصرف: صبغ أحمر تصبغ (¬1) به الجلود، وقد سمى (¬2) الدم صرفاً، قاله ابن دريد. وقوله للذى قال له: اتق الله واعدل، وأن هذه قسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله، قال الإمام: من سبَّ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل (¬3)، ولم يذكر فى هذا الحديث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتقم من هذا [القائل] (¬4)، ويحتمل أن [يكون] (¬5) لم يفهم عنه الطعن فى النبوة، وإنما نسبه إلى أنه لم يعدل فى القسمة. والمعاصى على قسمين؛ فأما الكبائر فهو - عليه السلام - معصوم منها إجماعاً، وأما الصغائر فإن المجيزين لوقوعها من الرسل يمنعون أن تضاف إليه - عليه السلام - على جهة الانتقاص، ولعله - عليه السلام - لم يعاقب القائل لأنه لم يثبت عليه ذلك، وإنما نقله عنه واحد، وشهادة الواحد لا يراق بها الدم على هذا الوجه. قال القاضى: مما يدفع هذا التأويل قوله: اعدل يا محمد، واتق الله [يا محمد] (¬6)، ¬

_ (¬1) فى س: تصنع. (¬2) فى س: يسمى. (¬3) فى الأصل: قيل، وما أثبت من س. (¬4) من س. (¬5) ساقطة من س. (¬6) سقط من س.

الرَّجُلُ. فَقَالَ خَالِدٌ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: " لا لعَلهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلّى ". قَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا ليْسَ فِى قَلبِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلوبِ النَّاسِ، وَلا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ". قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِليْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ، فَقَالَ: " إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضَئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلونَ كَتَابَ اللهِ رَطْبًا لا يُجَاوِزُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنه خاطبه خطاب المواجهة بمحضر الملأ، حتى استأذن عمر وخالد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قتله، فقال: " معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه "، فهذه هى العلة، وسلك فيها مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه وسمع منهم فى غير موطن ما كرهه، لكنه صبر وحلم استبقاءً وتأليفاً لغيرهم، ولئلا يتحدث أنه يقتل أصحابه. وقد رأى الناس هذا الصنف فى جماعاتهم وعدوه [من جملتهم] (¬1)، وقد أشبعنا الكلام على هذا الفصل وعلى خطايا الأنبياء والكلام فى تنقصهم، وتكفير قائله، فى القسم الرابع من كتابنا المسمى بالشفاء، وتقصيناه غاية التقصى مما لا مزيد عليه. وما جاء فى أحد الأحاديث أن عمر استأذن فى قتله، وفى الآخر ذكر ذلك عن خالد ابن الوليد، فليس بخلاف وقد بيّنه فى الحديث الآخر أنهما هما استأذنا فى ذلك أحدهما بعد الآخر. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا القائل: " خبت وخسرت إن لم أعدل ": رويناه بضم التاء فيهما وفتحهما. قال الإمام: فأما الضم فظاهر المعنى، وأما الفتح فتقديره: خبت أنت وخسرت إن لم أعدل أنا إذ كنت أنت مقتدياً بى وتابعاً لى. وقوله: " يخرج من ضئضئ هذا "، قال القاضى: قيل: بهذا اللفظ سموا خوارج، وقيل: بل لخروجهم عن الجماعة، وقيل: بل لخروجهم عليها، كما سموا مارقة من قوله: " يمرقون من الدين " وروايتنا فى هذا الحرف بالمعجمة عن أكثرهم، وفى كتاب ابن عيسى معاً بالضاد المعجمة والصاد المهملة. قال الإمام: الأصل ويقال - أيضاً -: بصادين مهملتين، والمعنى واحد، والأصل أسماء كثيرة، منها: النجار، والنحاس، والنسخ، [والمحَيْدَ] (¬2)، والعنصر، والعيص وغير ذلك، مما حكى عامتها أبو على القالى فى كتاب (¬3) الأمالى. وقوله: " وهو مُقَفّ ": أى موَلّ ذاهب. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) من ع. (¬3) فى س: كتابه.

حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ". قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: " لئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ ". 145 - (...) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: وَعَلقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ. وَلمْ يَذْكُرْ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ. وَقَالَ: نَاتِئُ الجَبْهَةِ. وَلمْ يَقُلْ: نَاشِز. وَزَادَ: فَقَامَ إِليْهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا أَضْرِبُ عُنَقَهُ؟ قَالَ: " لا ". قَالَ: ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَامَ إِليْهِ خَالِدٌ، سَيْفُ اللهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: " لا "، فَقَالَ: " إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلونَ كِتَابَ اللهِ ليِّناً رَطْباً ". وَقَالَ: قَالَ عُمَارَةُ: حَسِبْتُهُ قَالَ: " لئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقتُلنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ": أى يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى ولم يتعلق به شىء منه. والرمية: الصيد الذى يرمى، فعيلة بمعنى مفعولة. والدين هنا الإسلام. وقال الخطابى: هو هنا الطاعة، أى من طاعة الإمام. وقوله: " يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ": فيه تأويلان، أى لم تفقهه قلوبهم ولا انتفعوا بما تلوا (¬1) منه، ولا لهم فيه (¬2) حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق، إذ بهما تقطيع الحروف. والتأويل الآخر: أنه لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا تتقبلُ (¬3). وقوله فى الرواية الأخرى: " يتلون كتاب الله لينا (¬4) رطباً ": أى سهلاً لكثرة حفظهم له. وقد رواه بعض شيوخنا: " ليناً " بالنون، وهو بمعنى رطب، وقيل: [معنى] (¬5) " لياً " أى يلوون ألسنتهم به، أى يحرفونه، وقيل: هذا بعيد لا يلتئم مع قوله: " رطباً " وليست صفة الخوارج، وإنما هى صفة أهل الكتاب الذين وصفهم به الله، لكن قد يرجع هذا " اللَّى " إلى تحريف معانيه وتأويله، وقد يكون من اللى فى الشهادة وهو الميل، قاله القتبى. وناشز الجبين [أى] (¬6) مرتفعة، والنصل: حديدة السهم، والقدح: عوده. قال الإمام: والقُذَذُ: ريش السهم، والبصيرة: طريقة الدم وجمعها بصائر، والفوق: الحز الذى يجعل فيه الوتر، والرصاف: مدخل السهم فى النصل. قال الهروى: ¬

_ (¬1) فى س: تلوه. (¬2) فى الأصل: منه. (¬3) فى س: لا يتقبل. (¬4) فى نسخ الإكمال: ليا، وما أثبت من الصحيحة المطبوعة. (¬5) و (¬6) ساقطة من س.

146 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: زَيْدُ الخَيْرِ، وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنُ حِصْنٍ، وَعَلقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ أَوْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ. وَقَالَ: نَاشِزُ الجَبْهَةِ. كَرِوَايَةِ عَبْدِ الوَاحِدِ. وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ، وَلمْ يَذْكُرْ: " لئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلنَّهُمْ قَتْل ثَمُودَ ". 147 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحيَى ابْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَن أَبِى سَلمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ فَسَأَلاهُ عَنِ الحَرُورِيَّةِ؟ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهَا؟ قَالَ: لا أَدْرِى مَنِ الحَرُورِيَّةُ، وَلكِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَخْرُجُ فِى هَذِهِ الأُمَّةِ - وَلمْ يَقُلْ: مِنْهَا - قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاِتِهِمْ. فَيَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، لا يُجَاوِزُ حُلوَقَهُمْ - أَوْ حَنَاجِرَهُمْ - يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِى إِلى سَهْمِهِ، إِلى نَصْلِهِ، إِلى رِصَافِهِ، فَيَتَمَارَى فِى الفُوقَةِ، هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَىْءٌ ". 148 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِى يُوُنسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ ابْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفِهْرِىُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالضَّحَّاكُ الهَمْدَانِىُّ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدِ الخُدْرِىَّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْماً، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْدِلْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْلكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لمْ أَعْدِلْ ". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِى فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعْهُ، فَإِنْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والرصفة عقبة تلوى على مدخل السهم فى النصل، يقال منه: سهم مرصوف، والنَّضِى: القدح، وقد فسره الحديث. قال القاضى: هذا قول الأصمعى، وقال الشيبانى: هو النضل وهو بفتح النون وكسر الضاد المعجمة، والأول هو الصواب. وقد ذكر فى الحديث النصل أولاً ثم ذكره بعده وفسره بالقدح.

أَصْحَاباً يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَفرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلى نَصْلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلى رِصَافِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلى نَضِيِّهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ - وَهُوَ القَدْحُ - ثُمَّ يُنْظَرُ إِلى قُذَذِهِ فَلا يُوجَدُ فِيه شىْءٌ، سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْىِ المَرْأَةِ - أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ - تَدَرْدَرُ، يَخْرُجُونَ عَلى حِينَ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّى سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَاتَلهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالتُمِسَ، فَوُجِدَ، فَأُتِىَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِليْهِ، عَلى نَعْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِى نَعَتَ. 149 - (1065) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سُليْمَانَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْماً يَكُونُونَ فِى أُمَّتِهِ، يَخْرُجُونَ فِى فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ. قَالَ: " هُمْ شَرُّ الخَلقِ - أَوْ منْ أَشَرَّ الخَلقِ - يَقْتُلهُمْ أَدْنَىَ الطَّائِفَتَيْنِ إِلى الحَقِّ ". قَالَ: فَضَرَبَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهُمْ مَثَلاً. أَوْ قَالَ قَوْلاً: " الرَّجُل ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سيماهم التحالق ": أى حلق الرؤوس، وفى حديث آخر: " التحليق " (¬1)، فيه مخالفتهم السنة فى ترك التحليق، وكراهة التحليق للتشبه بهم، إلا فى البلاد التى صارت عادتهم التحليق، وأن ترك الشعر شهرة. قال الإمام: والسيماء: العلامة، وفيه ثلاث لغات: المد، والقصر، والثالث السيمياء بزيادة ياء مع المد لا غير. والقصر لغة القرآن، وقد يتعلق بظاهر هذا الحديث من يرى (¬2) تكفيرهم [وقد اختلف أهل الأصول فى تكفيرهم، وقد ينفصل عن هذا من لا يرى تكفيرهم] (¬3) بأن يحمل قتلهم على أنه كالحد لهم على بدعتهم. وقد جاء الشرع بقتل من هو مسلم باتفاق فى مواضع، أو يحمل ذلك على أنهم باتوا بدارهم ودعوا إلى بدعتهم. ويشير إلى هذا قوله - عليه السلام -: " يقتلون أهل الاسلام "، وفى بعض طرقه: قال خالد: ألا أضربُ عنقه؟ فقال: " لعله أن يكون يصلى ". قال خالد: وكم ¬

_ (¬1) البخارى، ك التوحيد، ب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم 9/ 198، أبو داود، ك السنة، ب فى قتال الخوارج 2/ 544، النسائى، ك تحريم الدم، ب من شهر سيفه ثم وضعه فى الناس 7/ 110، ابن ماجه، المقدمة، ب فى ذكر الخوارج 1/ 62 برقم (175). (¬2) فى س: يروى. (¬3) من س.

يَرْمِى الرَّمِيَّةَ - أَوْ قَالَ الغَرَضَ - فَيَنْظُرُ فِى النَّصْلِ فَلا يَرَى بَصِيرَةً، وَيَنْظُرُ فِى النَّضِىِّ فَلا يَرَى بَصِيرَةً، وَيَنْظُرُ فِى الفُوقِ فَلا يَرَى بَصِيرَةً ". قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنْتُمْ قَتَلتُمُوهُمْ، يَا أَهْلَ العِرَاقِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ من مصل يقول بلسانه ما ليس فى قلبه، فقال - عليه السلام -: " إنى لم أؤمر أن أنقب على قلوب الناس ": فهذا ذكر فيه الصلاة، وعلل ترك قتله بقوله: " لعله [أن يكون] (¬1) يصلى ". قال بعض شيوخنا: فى هذا الحديث حجة على [من] (¬2) قتل تارك الصلاة. قال أبو سعيد الخدرى: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يخرج فى هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم تحقِرون صلاتكم مع صلاتهم " الحديث. قال الإمام: هذا من أدل الشواهد على سعة فقه الصحابة - رضى الله عنهم - وتحريرهم الألفاظ، [و] (¬3) فى تنبيه الخدرى على التفريق بين " فى " و " من " إشارة حسنة إلى القول بتكفير الخوارج لأنه أفهم بأنه لما [لم] (¬4) يقل منها، دل على أنهم ليسوا من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وهذا] (¬5) وإن لم يكن مما يعتمد عليه فإنه قد أحسن ما شاء فى تنبيهه على هذا اللفظ، وإن كان قد روى أبو ذر بعد هذا فقال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن [من] (¬6) بعدى من أمتى، أو سيكون [من] (¬7) بعدى من أمتى " الحديث. وفى رواية على - رضى الله عنه -: " يخرج من أمتى " فقد وقع فى هذا الحديث العبارة عنهم باللفظ الذى تجنبه أبو سعيد. وفى حديث الخوارج من أخباره - عليه السلام - عن الغيوب ما يعظم موقعه، منها: إشارته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ما يكون بعده من اختلاف الأمة (¬8) فى تكفيرهم، والتمارى فى ذلك، بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويتمادى فى الفوق ". وقد كادت هذه المسألة تكون [أشد] (¬9) إشكالاً عند المتكلمين من سائر المسائل، ولقد رأيت أبا المعالى وقد رغب إليه الفقيه أبو محمد عبد الحق - رحمهما الله - فى الكلام عليها فهرب له من ذلك، واعتذر له بأن الغلط فيها يصعب موقعه؛ لأن إدخال كافر فى الملة أو إخراج مسلم منها عظيم فى الدين، وقد (¬10) اضطرب فيها قول القاضى ابن الطيب وناهيك به فى علم الأصول، وأشار - أيضاً - القاضى - رحمه الله - إلى أنها من المعوصات؛ لأن ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) من س. (¬3) من ع. (¬4) ساقطة من س. (¬5) و (¬6) من ع. (¬7) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬8) فى ع: الأئمة. (¬9) ساقطة من س. (¬10) فى ع: وكذلك.

150 - (...) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ - وَهُوَ ابْنُ الفَضْلِ الحُدَّانِىُّ - حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، يَقْتُلهَا أَوْلى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ القوم لم يصرحوا بنفس الكفر، وإنما قالوا أقوالاً تؤدى إليه، وأنا أكشف لك [نكتة] (¬1) هى مدار الخلاف، وسبب الإشكال، وذلك أن المعتزلى مثلاً إذا قال: إن الله - سبحانه - عالم ولكن لا علم له، وحىٌّ ولكن لا حياة له. وقع الالتباس فى تكفيره؛ لأنه قد علم من دين الأمة ضرورة أن من قال: إن الله ليس بحىّ، ولا عالم بأنه كافر، وقامت الحجة على أنه محال أن يكون عالماً، ولا علم عنده، وأن ذلك من الأوصاف المعللة، لا سيما إن قلنا بنفى الأحوال، فإن ذلك أوضح (¬2) وآكد فى [أن] (¬3) نفى [العلم [نفى] (¬4) لكون] (¬5) العالم عالماً. فهل يقدر أن المعتزلة لما جهلت ثبوت [العلم] (¬6) جهلت كون البارى تعالى عالماً، وذلك كفر بإجماع، واعترافها به مع إنكارها أصله لا ينفع. أو يكون اعترافها بذلك وإنكارها أن تقول بأن الله تعالى غير عالم [لم] (¬7) بنفعها، وإن قالت بما يؤدى إلى منعها من هذا القول والتكفير بالمآل، [و] (¬8) هو موضع الإشكال. وأخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغيب ثان وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق "، وفى بعض طرقه: " تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق "، وفى بعض طرقه: " أقرب الطائفتين إلى الحق " وفى هذا الإخبار بالاختلاف الذى جرى بين [على] (¬9) ومعاوية - رضى الله عنهما - وترك تكفير إحدى الطائفتين أو تفسيقها بهذا القتال؛ لأنه وصفهم بأنهم أدنى الطائفتين إلى الحق، وأقرب أو أولى، وسماهم مسلمين. وأما إخباره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصفة الرجل وعلامته، ووجد ذلك عند قتله، فذلك واضح بين فى الحديث. قال القاضى: أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباهَهم من أهل البدع والبغى متى [خرجوا] (¬10) وخالفوا رأى الجماعة، وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف؛ أن قتالهم واجب بعد إنذارهم والإعذار (¬11) إليهم، قال الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه} (¬12)، لكنه لا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم، ولا يقتل أسراهم، ولا تستباح أموالهم. قال مالك: إلا أن يخاف منهم [عودة] (¬13) فيجهز على جريحهم، ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: واضح. (¬3) ساقطة من س. (¬4) من ع. (¬5) سقط من س. (¬6) ساقطة من س. (¬7) ساقطة من ع، س، والصواب إسقاطها. (¬8) ساقطة من س. (¬9) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬10) ساقطة من س. (¬11) فى س: والاعتذار. (¬12) الحجرات: 9. (¬13) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

151 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِى أُمَّتِى فِرْقَتَانِ، فَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ، يَلِى قَتْلهُمْ أَوْلاهُمْ بِالحَقِّ ". 152 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَمْرُقُ مَارِقَةٌ فِى فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَيَلِى قَتْلهُمْ أَوْلى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتبع مدبرهم. وأنهم ما لم يخرجوا ويخالفوا الجماعة، وأذعنوا لأحكام الجماعة وأمامهم [حكمهم] (¬1) حكم غيرهم من المسلمين، تجرى عليهم الحقوق على وجهها، ويستتابون، ويشتد فى عقوبتهم (¬2) من أصر (¬3) على بدعته منهم، على اختلاف بين العلماء فى الاقتصار على هذا أو يقتلون. وأبى الشافعى من استتابة القدرية منهم، والخلاف فيه مبنى على الاختلاف (¬4) فى تكفير أهل البدع. واختلف قول مالك فى هذا الأصل، وهذا الفرع وعلى القول بقتلهم وتكفيرهم يتبع (¬5) منهزمهم، ويجهز على جريحهم، وتسبى أموالهم. وهو قول طائفة من أهل الحديث فى أموال الخوارج. وهذا إذا كان بغيهم لأجل بدعة يكفرون بها، وإن كان بغيهم لغير ذلك لعصبية، أو طلب رئاسة دون بدعة؛ فلا يحكم فى هؤلاء حكم الكفار بوجه، وحكمهم حكم أهل البغى مجرداً على القول المتقدم. وعلى الخلاف فى تكفير أهل البدع جاء اختلاف العلماء فى مواريثهم، والصلاة عليهم، [والصلاة خلفهم] (¬6)، والخلاف فى كل هذا فى مذهبنا معلوم. ومن قتل من جميع البغاة كانوا أهل بدعة، أو طالبى رئاسة فى حال القتال، فدمهم هدر. وما استهلك من أموالهم حينئذ فجبار. وهل يقصد الانقطاع (¬7) فى حال الحرب بدوابهم وأسلحتهم؟ أباحه أبو حنيفة ومنعه غيره، وما قبلوه (¬8) فى حال اقتناعهم أو أتلفوه من الأموال أو استحلوه من الفروج فغير مطالبين به إذا فروا أو غلبوا، عند مالك وأصحابه. وقال الشافعى: وأما ما أصابوه على غير وجه التأويل فيطالبون به، وما أصابوه على التأويل فلا يطالبون به، ومذهب أصحاب ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: عقوبة. (¬3) فى س: صر. (¬4) فى س: الخلاف. (¬5) فى س: يتتبع. (¬6) سقط من س. (¬7) فى س: الانتفاع. (¬8) فى س: وما قتلوه.

153 - (...) حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ المِشْرَقِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِى حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ قَوْمًا يَخْرُجُونَ عَلَى فُرْقَةٍ مُخْتَلفَةٍ، يَقْتُلهُمْ أَقْرَبُ الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الحَقِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرأى نحوٌ منه، وحكى الماوردى (¬1) أن ما فعلوه [من ذلك] (¬2) قبل أن ينصبوا إماماً، وإن امتنعوا وحاربوا فهم مطالبون به، قال: وفيما أصابوه فى نائرة الحرب من ذلك قولان: وقد أشاد " إصبغ " من أصحابنا أنه يقتص منهم فى القتل، وهو خلاف قول مالك وأصحابه، وذهب الأوزاعى إلى أن الإمام يأخذ للعادلة من الباغية الحقوق من القصاص والجراح، ولا خلاف فيما وجد من مال بعينه فى أيديهم، أن لربه أن يأخذه. وقوله: " يخرجون على خير فرقة ": كذا لأكثر شيوخنا، وعند السمرقندى وابن ماهان: " حين فرقة " (¬3) وكلاهما صحيح المعنى. كان خروجهم عند اختلاف على ومعاوية وخير قرن وأفضله، أو يكون خير فرقة هنا إشارة إلى فرقة على وأصحابه، فعليه كان خروجهم حقيقة؛ لأنه هو كان الإمام حينئذ. وفيه حجة لأهل السنة وجمهور العلماء، وأن علياً مصيب فى قتاله، لا سيما مع قوله: " يقاتلهم أولى الطائفتين بالحق (¬4) "، وعلى وأصحابه هم الذين قتلوهم. وقوله: " يقولون من خير البرية ": يعنى ظاهر قوله من الدعاء إلى كتاب الله، وألا حكم إلا لله. وقوله: فى صفة المخدج: " إحدى يديه كمثل ثدى المرأة أو مثل البضعة تدردر " (¬5)، قال الإمام: أى تجىء وتذهب، ومثله: تقلقل وتذبذب [وتدحرج] (¬6) وتمرمر وتدلدل. وقوله: " كأنها طُبى (¬7) شاة " (¬8): أى ضرع شاة والطبى للشاة استعارة، وإنما هو ¬

_ (¬1) فى س: المازرى. (¬2) سقط من س. (¬3) وهو موافق لرواية البخارى، ك استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، ب ترك قتال الخوارج 8/ 21. أما رواية " خير " فليست فى المطبوع. (¬4) فى س: إلى الحق. (¬5) أما لفظ القاضى فهو لفظ البخارى، ك استتابة المرتدين، ب من ترك قتال الخوارج 9/ 22، النسائى فى الكبرى، ك الخصائص، ب ذكر ما خص به على من قتال المارقين 5/ 160. (¬6) ساقطة من س. (¬7) هكذا جاءت فى الصحيحة المطبوعة، أما فى نسخ الإكمال: " ظبى " بالمعجمة، وكذلك وقع هذا السهو من النساخ فى النسخة التى بأيدينا فى النسائى فى الكبرى، ك الخصائص، ب ذكر ما خص به على من قتال المارقين 5/ 160، وقد ضبطها أبو عبد الله الأبى فى الإكمال 3/ 211، وكذا النووى 3/ 120، واللسان: مادة " طبى ". (¬8) سيأتى فى الباب التالى برقم (157).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للكلاب والسباع. قال أبو عبيد فى مصنفه: ولذوات الحافر أيضاً. قال غيره: والضرع [أيضاً] (¬1) للشاة والبقرة، والخلف للناقة. قال أبو عبيد: الأخلاف لذوات الخف ولذوات الظلف أيضاً. قال الهروى: يقال فى الخف والظلف: خِلف وضرع. ¬

_ (¬1) من س.

(48) باب التحريض على قتل الخوارج

(48) باب التحريض على قتل الخوارج 154 - (1066) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجُّ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِىٌ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلىَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ عَليْهِ مَا لمْ يَقُلْ، وَإِذَا حَدَّثَتُكُمْ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الحَرْبَ خَدْعَةٌ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَيَخْرُجُ فِى آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءٌ الأَحْلامِ، يَقُولونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلوهُمْ، فَإِنَّ فِى قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ". (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ المُقَدَّمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. (...) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَليْسَ فِى حَدِيثِهِمَا: " يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ". 155 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ المُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ - وَاللفْظُ لهُمَا - قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيدَة، عَنْ عَلىٍّ. قَالَ: ذَكَرَ الخَوَارِجَ فَقَالَ. فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ اليَدِ - أَوْ مُودَنُ اليَدِ أَو مَثْدُونُ اليَدِ - لوْلا أَنْ تَبْطَرُوا لحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللهُ الذِينَ يَقْتُلونَهُمْ، عَلى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: قُلْتُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ. إِى، وَرَبِّ الكَعْبَةِ، إِى، وَرَبِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مُخدج اليد ": أى ناقصها و " مثدن اليد "، ويقال: " مثدون اليد " معناه:

الكَعْبَةِ. إِى، وَرَبِّ الكَعْبَةِ. (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: لا أُحَدِّثُكُمْ إِلا مَا سَمِعْتُ مِنْهُ. فَذَكَرَ عَنْ عَلىٍّ، نَحْوَ حَدِيثِ أَيُّوبَ، مَرْفُوعًا. 156 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّام، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ ابْنُ أَبِى سُليْمَانَ، حَدَّثَنَا سَلمَةَ بْنُ كُهَيْلٍ، حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الجُهَنِىُّ؛ أَنَّهُ كَانَ فِى الجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلىٍّ - رَضِى اللهُ عَنْهُ - الذِينَ سَارُوا إِلى الخَوارِجِ. فَقَالَ عَلىٌّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِى يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، ليْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىْءٍ، وَلا صَلاتُكُمْ إِلى صَلاتِهِمْ بَشَىْءٍ، وَلا صِيَامُكُمْ إِلى صِيَامِهِمْ بِشَىْءٍ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لهُمْ وَهُوَ عَليْهِمْ، لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ". لوْ يَعْلمُ الجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ، مَا قُضِىَ لهُمْ عَلى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاتَّكَلوا عَنِ العَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً لَهُ عَضُدٌ، وَليْسَ لَهُ ذِرَاعٌ، عَلى رَأسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلمَةِ الثَّدْىِ، عَليْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صغير اليد مجتمعها، بمنزلة ثندوة الثدى، وكان أصله مثند، فقدمت الدال على النون كما قالوا: جبذ وجذب، وغاث فى الأرض وغثى، والثندوة مفتوحة الثاء بلا همز، فإذا ضمت الثاء همزت. قال القاضى: رويناه فى الأم: " فيهم رجل مخدج اليد أو مُودَن اليد أو مثدن اليد " كذا على الشك فى هذه الحروف الثلاث لجميع الرواة، لكنه وقع عند العذرى والطبرى والباجى: " مثدون "، وقد ذكر الهروى وغيره هذا الحرف بالوجهين ومضى تفسيره، وذكر الحربى: " المؤدن " بالهمز [قال] (¬1): وهو القصير القمى الخلق. قال أبو مروان ابن سراج: يهمز ولا تهمز، وقال ابن زيد: رجل مؤدون (¬2): ناقص الخلق، وودين ومؤدن. وقيل: [معنى] (¬3) " مثدن " بالثاء: كثير اللحم مسترخ. قال ابن دريد: ثدن الرجل ثدناً: إذا كثر لحمه وثقل، وعلى هذا لا يكون فى الحرف، قلت: وهذا يوافق قوله: " كالبضعة تدردر "، والأول يوافق قوله: " كطبى شاة، أو كحلمة ثدى "، والجمع بين هذه الألفاظ مما جاء فى أحد الأحاديث فى الأم: " له عضد وليس له ذراع، ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: مددن. (¬3) ساقطة من س.

شَعَرَاتٌ بِيضٌ، فَتَذْهَبُونَ إِلى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هَؤُلاءِ يَخْلفُونَكُمْ فِى ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ! وَاللهِ، إِنِّى لأَرْجُوا أَنْ يَكُونُوا هَؤُلاءِ القَوْم، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الحَرَامَ، وَأَغَارُوا فِى سَرْحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلى اسْمِ اللهِ. قَالَ سَلمَةُ بْنُ كهَيْلٍ: فَنَزَّلنِى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلاً، حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلى قَنْطَرَةٍ، فَلمَّا التَقَيْنَا وَعَلى الخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهبٍ الرَّاسِبىُّ. فَقَالَ لهُمْ: أَلقُوا الرِّمَاحَ، وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ، كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ، فَرَجَعُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ، وَسَلوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهمْ. قَالَ: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاس يَوْمَئِذٍ إِلا رَجُلانِ، فَقَالَ عَلىٌّ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ: التَمِسُوا فِيهِمُ المُخْدَجَ، فَالتَمَسُوهُ فَلمْ يَجِدُوهُ. فَقَامَ عَلِىٌّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُم عَلى بَعْض. قَالَ: أَخِّرُوهُمْ، فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِى الأَرْضَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللهُ، وبَلغَ رَسُولهُ. قَالَ: فَقَامَ إِليْهِ عَبِيدَةُ السَّلمَانِىُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آللهَ الذِى لا إِلهَ إِلا هُوَ، لسَمِعْتَ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِى، وَاللهِ الذِى لا إِلهَ إِلا هُوَ. حَتَّى اسْتَحْلفَهُ ثَلاثاً، وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على رأس عضده مثل حلمة الثدى والتى (¬1) هى كالبضعة، وقد وردت: " هى تلك العضد والتى على رأسها هى بالصفة الأخرى "، والله أعلم. وقوله: " إذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة " فيه جواز التورية والتعريض فى الحرب، وأن ذلك ليس بمذموم، ولا كذب، وهو مما رخص فيه. قال الإمام: فيه ثلاث لغات: خُدْعة بضم الخاء وسكون الدال، وبضم الخاء وفتح الدال، وبفتح الخاء وسكون الدال، حكاه كله ابن السكيت وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة. وقوله: " فوحشوا برماحهم ": قال الهروى فى باب الواو مع الحاء المهملة: وحشوا برماحهم: أى رموا برماحهم، قال: ومنه الذى فى حديث: " فوحشوا بأسنتهم فاعتنق بعضهم بعضاً ". وقوله: " وشجرهم الناس برماحهم ": أى أحلوهم بها، قال القاضى: قيل: فى " وحشوا برماحهم " أى رموا بها عن بعض و " شجروهم بالرماح ": أى مدوها إليهم. قال ابن دريد: تشاجر القوم بالرماح: إذا تطاعنوا بها، ومنه: التشاجر فى الخصومة. ¬

_ (¬1) فى الأصل: التى، بدون الواو.

157 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن أَبِى رَافِعٍ - مَوْلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الحَرُورِيَّةَ لمَّا خَرَجَتْ - وَهُوَ مَعَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالَبٍ - رَضىَ اللهُ عَنْهُ - قَالوا: لا حُكْمَ إِلا للهِ. قَالَ عَلِىٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا، إِنِّى لأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِى هَؤُلاءِ: يَقُولونَ الحَقَّ بِأَلسِنَتِهِمْ، لا يَجُوزُ هَذَا مِنْهُمْ - وَأَشَارَ إِلى حَلقِهِ - مِنْ أَبْغَضِ خَلقِ اللهِ إِليْهِ، مِنْهُمْ أَسْوَدُ، إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْىُ شَاةٍ أَوْ حَلمَةُ ثَدْىٍ ". فَلمَّا قَتَلهُمْ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: انْظُرُوا. فَنَظرُوا فَلمْ يجِدُوا شَيْئًا. فَقَالَ: ارْجِعُوا، فَوَاللهِ، مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، مَرتَّيْنِ أَوْ ثَلاثًا. ثُمَّ وَجَدُوهُ فِى خَرِبَةٍ، فَأَتُوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَأَنَا حَاضِرُ ذَلِكَ مَنْ أَمْرِهِمْ، وَقَوْلِ عَلِىٍّ فِيهِمْ. زَادَ يُونُسُ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ بُكَيْرٌ: وَحَدَّثَنِى رَجُلٌ عَنِ ابْنَ حُنَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ ذَلِكَ الأَسْوَدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى هذا الحديث: " فنزلنى زيد بن وهب منزلاً حتى مررنا على قنطرة ": كذا جاء فى الأصول (¬1) مبتوراً، وذكره [النسائى] (¬2) والحميدى فى الصحيح: " منزلاً منزلاً " وهو وجه الكلام، أى ذكر لى مراحلهم بالجيش منزلاً منزلاً حتى بلغ القنطرة التى كان اللقاء عندها، وهى قنطرة الديزجان (¬3) كذا جاء مبيناً فى سُنن النسائى (¬4)، وهناك خطبهم علىٌّ، وحكى لهم ما جاء عنه فى الأم. وقوله: " أحداث الأسنان سفهاء الأحلام ": فيه أن التؤدة والتثبت وقوة البصيرة مع الشيخ وكمال السن لقوة العقل، وصحة التجارب وسُكون غلبةُ الدم المثير لكثرة الحركة، وترك التوفر، وفيه قال عبيدة السَّلمانى: بفتح العين، وبفتح اللام وسكونها [معاً وبالسكون] (¬5) وحده ذكره الجيانى، قال: وهو منسوب إلى سلمان. وفى الحديث قبله: " الضحاك المشرقى " (¬6) رويناه بكسر الميم، وفتح الراء على القاضى الصدفى، وضبطه عن الأسدى بفتح الميم وكسر الراء، والأول هو الصواب ¬

_ (¬1) فى س، الأصل. (¬2) من س (¬3) فى س: الديرناحى. (¬4) النسائى فى الكبرى، ك الخصائص، ب ثواب من قاتلهم 5/ 163. (¬5) سقط من س. (¬6) حديث رقم (153) بالباب السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منسوب إلى مِشْرَق بالكسر، قبيلة من همدان، وهو الضحاك الهمدانى الذى جاء فى الحديث فى الباب من حديث حرملة، وكذا قيده الصدفى بخطه فى تاريخ البخارى (¬1)، وكذا قيده الجيانى، وقال أبو أحمد العسكرى: من فتح الميم فقد صحّف، وبالوجه الثانى قيده الدارقطنى، وابن ماكولا وهو أصح. وقوله: فى حديث قتيبة فى هذا الباب فى الأربعة الذين قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهم الذهب التى وجّهَ بها علىّ من اليمن: " والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل " (¬2): هذا الشك وهم، وذكر عامر هنا خطأ، عامرٌ هلك قبل ذلك بسنين، ولم يدرك هذا الحسين، والصواب أنه علقمة بن علاثة، كما جاء فى الحديث الآخر بغير شك. وقوله: " وزيد الخيل "، وعند القاضى أبى على: " وزيد الخير " وكلاهما صحيحان، كان يعرف فى الجاهلية بزيد الخيل، فسماه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " زيد الخير ". والأديم المقروظ بالمعجمة: الجلد المدبوغ بالقَرظ، وهو الصّمغ (¬3). ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 4/ 335. (¬2) و (¬3) حديث رقم (144) بالباب السابق.

(49) باب الخوارج شر الخلق والخليقة

(49) باب الخوارج شر الخلق والخليقة 158 - (1067) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ ابْنُ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بَعْدِى مِنْ أُمَّتِى - أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِى مِنْ أُمَّتِى - قَوْمٌ يَقْرَؤونَ القُرْآنَ، لا يُجَاوِزُ حَلاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الخَلقِ وَالخَلِيقَةِ ". فَقَالَ ابْنُ الصَّامِتِ: فَلقِيتُ رَافِعَ بْنَ عَمْرٍو الغِفَارِىَّ - أَخَا الحَكَمِ الغِفَارِىِّ - قُلْتُ: مَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِى ذَرٍّ: كَذَا وَكَذَا؟ فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الحَدِيثَ. فَقَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 159 - (1068) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلىٌ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَأَلتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ: هَلْ سَمِعْتَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الخَوَارِجَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ -: قَوْمٌ يَقْرَؤونَ القُرْآنَ بِأَلسِنَتِهِمْ، لا يَعْدُو تَرَقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: يَخْرُجُ مِنْهُ أَقْوَامٌ. 160 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ، جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ العَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِىُّ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَتِيهُ قَوْمٌ قِبَلَ المَشْرِقِ مُحَلَّقَةٌ رُؤُوسُهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يتيه قوم قبل المشرق ": أى يذهبون عن طريق الحق، تاه الرجل فى الأرض: إذا ذهب فيها ولم يهتد لمعلم، ورجل تياه: إذا ذهب عن القصد. أمره فيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حجة لقول من فسر قوله - عليه السلام -: " وبها قرن شيطان " وأشار نحو المشرق [وأنهم الخوارج] (¬1). وقوله فى سند هذا الحديث: عن أسير بن عمرو عن سهلٍ، كذا لهم. وعند بعض الرواة: يُسَيْر بن عمرو بالياء، كلاهما صحيح. يقال فيه: أسير ويسير، ويقال فى أبيه: عمرو وجابر (¬2) وقد جاء الوجهان فيهما فى كتاب مسلم فى هذا الموضع. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) أسير بن عمرو، ويقال: يسير، ويقال: ابن جابر، أبو الخيار، أدرك زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن عمر ابن الخطاب وعلى وابن مسعود، وعنه حميد بن هلال وأبو قتادة وأبو نضرة وغيرهم، وثقه ابن سعد والعجلى. التهذيب 11/ 378. وقال المزى: قال على بن المدينى: أهل البصرة يقولون فيه: أسير بن جابر، وأهل الكوفة يسمونه: أسير بن عمرو، وقال بعضهم: ابن عمرو، ونسبه ابن الكلبى فى كِندة، فقال: هو أسير بن عمرو.

(50) باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم

(50) باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم 161 - (1069) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ تَمْرَةً مِنَ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلهَا فِى فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ؟ ". (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " إِنَّا لا تَحِلُّ لنَا الصَّدَقَةُ؟ ". (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ شَعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. كَمَا قَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: " إِنَّا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ؟ ". 162 - (1070) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلى أَبِى هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِنِّى ـــــــــــــــــــــــــــــ [و] (¬1) قوله - عليه السلام - للحسن حين أخذ تمرةً من تمر الصدقة: " كخ كخ ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟ ": يقال بفتح الكاف وكسرها، وتسكن الخاء وتكسر وتنون أيضاً، وهى كلمة لزجر الصبيان عن الشىء يأخذونه [ليتركوه ويكفوا عنه] (¬2). قال الداودى: هى كلمة أعجمية عربتها العرب بمعنى بئس، ولنحو هذا أشار البخارى فى ترجمته عليه: من تكلم بالفارسية والرطانة (¬3)، وفى الحديث أن الصغير من أبناء المسلمين يُوقى كما يوقى الكبير من المحاذير [والخبائث] (¬4)، وإن كان غير مخاطب فوليه مخاطب بحراسته من ذلك. ¬

_ (¬1) و (¬2) من س. (¬3) البخارى، ك الجهاد، باب من تكلم بالفارسية والرطانة 4/ 90. (¬4) ساقطة من س.

لأَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِى فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلى فِرَاشِى، ثُمَّ أَرفَعُهَا لآكُلهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً، فَألقِيهَا ". 163 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللهِ، إِنِّى لأَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِى فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلىَ فِرَاشِى - أَوْ فِى بَيْتِى - فَأَرفَعُهَا لآكلهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً - أَوْ مِنَ الصَّدَقَةِ - فَأَلقِيهَا ". 164 - (1071) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَمْرَةً، فَقَالَ: " لوْلا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلتُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - وقد وجد تمرةً: " لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها "، قال الإمام: فيه دليل على أن المال وإن كان الأقل منه حراماً يجتنب؛ لأن الزكاة فى جنب الأموال يسيرة، فإذا امتنع من الأكل مع تجويز التحريم فأحرى مع ثبوته، وتحقيقه. قال القاضى: هذا على ظاهر الورع والتنزه، وأما طريق الإباحة والفتوى فالحكم للغالب والأكثر. قال الإمام: وفيه دليل على أن اللقطة اليسيرة من الطعام وغيره مما لا يلتفت الناس إليه، ولا ينتبهون الى طلبه يستباح؛ لأنه إنما علل فى امتناعه من الأكل بالخشية من أن تكون صدقه. والصدقة لا تحل له - عليه السلام - ولا لبنى هاشم عندنا. واختلف فى صدقة التطوع، هل تحل (¬1) لآل النبى - عليه السلام - أم لا؟ واختلف فى مواليه، هل حكمهم حكم آله. قال القاضى: اختلف العلماء فى الصدقة المحرمة على آل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: الفريضة فقط، وهو قول مالك وكثير من أصحابه وأحد قولى أبى حنيفة، وقال أبو حنيفة - أيضاً - أنها كلها حلال لبنى هاشم وغيرهم، وإنما كان ذلك محرماً عليهم إذ كانوا يأخذون سهم ذى (¬2) القربى، فلما قطع عنهم حلت لهم، ونحوه عن الأبهرى من شيوخنا، وروى عن أبى يوسف أنه حرام عليهم من غيرهم حلال لهم صدقة بعضهم على ¬

_ (¬1) فى س: تجوز. (¬2) فى الأبى: ذوى.

165 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِتَمْرَةٍ بِالطَّرِيقِ فَقَالَ: " لوْلا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلتُهَا ". 166 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَمْرَةً فَقَالَ: " لوْلا أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأَكَلتُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضٍ، وحكى ابن القصار عن بعض أصحابنا أنها تحرم عليهم التطوع دون الفريضة؛ لأنها لا منَّة فيها، وهذا الحديث وغيرُه يرد عليهم؛ لأن الأظهرَ فى الحديث أنه إنما أخذها من صدقة التمر الواجبة، وقد يحتمل لقوله فى كتاب البخارى: " كانوا عند صرام النخل يأتى هذا بتمرة وهذا بتمرة " (¬1)، وذكر الحديث أنه يحتمل صدقة التطوع لضعفاء [المسجد] (¬2)، [فيكون - أيضاً - حجة على من أجازها لهم، واختلف من هم آل محمد [هؤلاء] (¬3)] (¬4) فقال مالك وأكثر أصاحبه: هم بنو هاشم خاصة، ومثله عن أبى حنيفة واستثنى آل أبى لهب، وقال الشافعى: هم بنو هاشم ويدخل فيهم بنو المطلب أخى هاشم دون سائر بنى عبد مناف لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا نحن وبنو المطلب شىء واحد " (¬5)، ولقسم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم مع بنى هاشم سهم ذى القربى دون غيرهم، ونحا إلى هذا بعض شيوخ المالكية، وقال أصبغ: هم عشيرة النبى - عليه السلام - الأقربون الذين أمر بإنذارهم آل قصى، قال: وقيل: قريش كلها. واخْتُلف فى مواليهم كما ذكر، فمالك، والشافعى يبيحها لهم، والكوفيون، وكثير من أصحاب مالك يحرمها عليهم، وذكر ابن بطال: أن الخلاف إنما هو فى موالى بنى هاشم خاصة، وهذا غلط من يحرمها على قريش كلهم، فمن يدخل الموالى يجعل مواليهم مثلهم. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الزكاة، ب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل وهل يترك الصبى فيمس تمر الصدقة، عن أبى هريرة - رضى الله عنه 2/ 156. (¬2) من س. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬4) سقط من س. (¬5) أخرجه أبو داود، ك الخراج والفىء والإمارة، ب فى بيان مواضع قسم الخمس 2/ 131، وكذا أبو نعيم فى الحلية عن جبير بن مطعم بلفظ: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد. وجاء - أيضاً - فى الحلية: أرأيت إخواننا من بنى المطلب أعطيتهم ومنعتنا، فقال: إنما نحن وهم شىء واحد. وجاء - أيضاً - إن بنى هاشم وبنى المطلب شىء واحد. انظر: الحلية 9/ 66.

(51) باب ترك استعمال آل النبى على الصدقة

(51) باب ترك استعمال آل النبىّ على الصدقة 167 - (1072) حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلبِ، حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ بنَ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ حَدَّثَهُ قَالَ: اجْتَمَع رَبِيعَةُ بْنُ الحَارِثِ وَالعَبَّاسُ بَنُ عَبْدِ المُطلبِ، فَقَالا: وَاللهِ، لوْ بَعَثَنَا هَذَيْنِ الغُلامَيْنِ - قَالا لِى وَلِلفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ - إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلمَاهُ، فَأَمَّرَهُمَا عَلى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّى النَّاسُ، وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ! قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا فِى ذَلِكَ جَاءَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، فَوَقَفَ عَليْهِمَا، فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ: لا تَفْعَلا. فَوَاللهِ، مَا هُوَ بِفَاعِلٍ. فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الحَارِثِ فَقَالَ: وَاللهِ، مَا تَصْنَعُ هَذَا إلا نَفَاسَةً مِنْكَ عَليْنَا. فَوَاللهِ، لقَدْ نِلتَ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفِسْنَاهُ عَليْكَ. قَالَ عَلِىٌّ: أَرْسِلوهُمَا. فَانْطَلقَا، وَاضْطَجَعَ عَلِىٌ. قَالَ: فَلمَّا صَلى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلى الحُجْرَةِ، فَقُمْنَا عِنْدَهَا، حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَاِنِنَا. ثُمَّ قَالَ: " أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ " ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلنَا عَليْهِ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. قَالَ: فَتَوَاكَلنَا الكَلامَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلغْنَا النِّكَاحَ، فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّىَ إِليْكَ كَمَا يُؤَدِّى النَّاسُ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ. قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلاً حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ. قَالَ: وَجَعَلتْ زَيْنَبُ تُلمِعُ عَليْنَا مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ أَنْ لا تُكَلِّمَاهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الصَّدَقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله فى حديث ابن ربيعة بن الحارث: " ادعوا إلى محميةٌ بن جَزءٍ، وهو رجل من بنى أسد ": هكذا قال مسلم: هو رجل من بنى أسد، والمحفوظ من بنى زبيد. وقوله: " فانتحاه ربيعة ": معناه: عرض له وقصد. وقوله: " ما تُصرِّرَانِ ": أى ما تجمعانه فى صدوركما من الكلام، وكل شىء جمعته فقد صرَّرته. وقوله: " قد بلغنا (¬1) النكاح ": أى الحلم، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح} (¬2). ¬

_ (¬1) فى ع: بلغن. (¬2) النساء: 6.

لا تَنْبَغِى لآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِىَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، ادْعُوا لِى مُحْمِيَةَ - وَكَانَ عَلى الخُمُسِ - وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ المُطَّلِبِ ". قَالَ: فَجَاءَاهُ. فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: " أَنْكِحْ هَذَا الغُلامَ ابْنَتَكَ " - لِلفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ - فَأَنْكَحَهُ. وَقَالَ: لِنَوْفَلِ بْنِ الحَارِثِ: " أَنْكِحْ هَذَا الغُلامَ ابْنَتَكَ " - لِى - فَأَنْكَحَنِى. وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: " أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الخُمُسِ كَذَا وَكَذَا ". قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَلمْ يُسَمِّهِ لِى. 168 - (...) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الهَاشِمِىِّ؛ أَنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ بْنِ عبد المُطَّلِبِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ بْنَ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَالعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَالا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ وَلِلفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ: ائْتِيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَقَالَ فِيهِ: فَأَلقَى عَلِىٌّ رِدَاءَهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَليْهِ. وَقَالَ: أَنَا أَبُو حَسَنٍ القَرْمُ. وَاللهِ، لَا أَرِيمُ مَكَانِى حَتَّى يَرْجِعَ إِليْكُمَا ابْنَاكُمَا بِحَوْرِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول على: " والله لا أريم مكانى ": معناه: لا أبرح منه، ولا أزول، قال زهير: لمن طلل برامةٍ لا يريم ... عفا وخلاله حقب قديم قال القاضى: وقوله: " حتى يرجع إليكما [ابناوكما] (¬1) بحور ما بعثتما به ": أى: بجواب ذلك، يقال: كلمته فما رد حوراً، ولا حويراً، أى جواباً. قال الهروى: قال: ويجوز أن يكون من الخيبة، أى يرجع بالخيبة. وأصل الحور المرجوع إلى النقص. قال القاضى: وهذا أشبه بسياق الحديث، ووقع فى رواية الشيوخ: " ابناوكما " على الجمع وهو وَهْم، وصوابه: " ابناوكما " على التثنية، وكذا رويناه عن أبى بحر، وإنما قاله للعباس بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث حين وجها ابنيهما الفضل بن العباس [وربيعة بن الحارث] (¬2)، وقد تخرج تلك الرواية على من يجمع كل اثنين من اثنين كما قال: طهراهما مثل طهور الترسين. وقوله: " أخرجا ما تصرران " كما ذكره ورواه بعضهم، وكذا فسره الهروى بما ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى س: عبد المطلب بن ربيعة.

وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: ثُمَّ قَالَ لنَا: " إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِىَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لا ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم، وأصله من الشد، وقد يكون عندى معناه: ما تجمعان عليه، وقيل فى قوله تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} (¬1): أى فى جماعة، وروايتنا فى هذا الحرف: " تسرران " بالسين عند أكثر شيوخنا من السر ويدل عليه قوله: " أخرجا ": أى اجهرا به، وأظهراه، ورويناه من طريق السمرقندى: " يصرران " ووجهه بعيد، ورواه الحميدى فى صحيحه: " يصوران " أى ما تزور إنه من صورة حديثكما. وقوله: " فما نفسناه عليك ": أى لم نحسدك فيه. وقوله: " وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب ": أى تشير. يقال: لمع وألمع: إذا أشار بثوبه أو بيده، وفى قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفضل والحارث فى هذا الحديث حين سألاه العمل على الصدقة إن الصدقة لا تنبغى لآل محمد، دليل على أنها لا تحل لهم بوجه، وإن كانوا عاملين عليهما، كما لم تحل لهم إذا كانوا محتاجين لها؛ إكراماً لهم عنها. وقوله: " إنما هى أوساخ الناس ": يبين هذا، وأنها العلة فى تحريمها عليهم، وإنما سماها أوساخاً لأنها تطهير لأموالهم، والى هذا ذهب أبو يوسف. وذهب آخرون إلى أنها تجوز للعاملين منهم؛ لأنها أجرة لعملهم وإليه ذهب الطحاوى (¬2)، وقيل: إنما حُرمت عليهم وعلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله تعالى: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} (¬3)، ومخافة الذريعة للتهمة، وما أشار إليه فى الحديث من العلة أظهر. وقول على: " أنا أبو حسن القوم ": كذا رويناه عن ابن أبى جعفر بالإضافة وبالواو، [و] (¬4) وجههُ ظاهر، أى أنا عالم بالقوم وذو رأيهم ونحو هذا، وروياه عن أبى بحر: " أنا أبو حسن " بالتنوين، وبعده القوم بالرفع، أى أنا من علمتم رأيه أيها القوم، وسمعناه على القاضى الشهيد: " القرم " بالراء على النعت، والقرم: السيد، وأصله فحل الإبل، وكذا رويناه عن ابن أبى جعفر من طريق الباجى، وهو الذى صححه الخطابى وقال: أى المقدَّم فى المعرفة بالأمور والرأى كالفحل. وفى سند هذا الحديث فى الأم من رواية مالك عن الزهرى: أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب [حدثه ابن عبد المطلب] (¬5) [بن ربيعة] (¬6) بن الحارث حدثه قال: اجتمع ربيعة ¬

_ (¬1) الذاريات: 29. (¬2) قال أبو يوسف: لا بأس أن يجتعل منها الهاشمى لأنه إنما يجتعل على عمله وذلك قد يحل للأغنياء. انظر: الطحاوى فى الشرح 2/ 12. (¬3) الشورى: 23. (¬4) ساقطة من س. (¬5) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬6) سقط من س.

تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ ". وَقَالَ أيَضاً: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعُوا لِى مَحْمِيَةَ ابْنَ جَزْءٍ "، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى أَسَدٍ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلهُ عَلى الأَخْمَاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الحارث، وذكره من حديث ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل: أن عبد المطلب بن ربيعة، وكذا ذكره أبو داود (¬1) وهذا خلاف ما قال مالك قبل هذا، وقد رواه هشام عن ابن إسحاق، عن الزهرى، عن محمد بن عبد الله بن الحارث، وصوابه ما تقدم لمالك: عبد الله بن عبد الله، ولعله سقط أبوه ذى رواية يونس، ونسبه إلى جده فيكون وفاقاً. وعبد الله بن الحارث أبو عبد الله هذا هو الملقب به (¬2)، قال النسائى (¬3): لا نعلم أحداً روى هذا الحديث عن مالك إلا جويرةَ بن أسماء (¬4). وقوله: " محمية بن جزء ": كذا يقوله عامة الحفاظ، وأهل الإتقان، وجل الرواة بفتح الجيم وسكون الزاى، وهمز آخره، قال عبد الغنى: ويقال: " جزى " بكسر الزاى، وقال أبو عبيد: هو عندنا: " جزّ " مشدّد الزاى. وقوله: " فأصدق عنهما من الخمس ": قال الخطابى: يريد من سهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحتمل أن يكون من سهم ذى القربى [لأنهما] (¬5) منهم. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الخراج والفىء والإمارة، ب فى بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذى القربى، من طريق أحمد بن صالح، ثنا عنبسة، ثنا يونس عن ابن شهاب ... الحديث 2/ 133. (¬2) فى نسخ الإكمال: بيّةَ، ولعلها تصحيف، وما أثبت من الأبى. (¬3) النسائى، ك الزكاة، ب استعمال آل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصدقة. (¬4) مالك فى الموطأ، ك الصدقة، ب ما يكره من الصدقة 2/ 1000. (¬5) ساقطة من س.

(52) باب إباحة الهدية للنبى صلى الله عليه وسلم ولبنى هاشم وبنى المطلب وإن كان المهدى ملكها بطريق الصدقة. وبيان أن الصدقة إذا قبضها المتصدق عليه، زال عنها وصف الصدقة وحلت لكل أحد ممن كانت الصدقة محرمة عليه

(52) باب إباحة الهدية للنبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولبنى هاشم وبنى المطلب وإن كان المهدى ملكها بطريق الصدقة. وبيان أن الصدقة إذا قبضها المتصدَّق عليه، زال عنها وصف الصدقة وحلت لكل أحد ممن كانت الصدقة محرمة عليه 169 - (1073) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا الليْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبْيَدَ بْنِ السَّبَّاقِ قَالَ: إِنَّ جُوَيْرِيَةَ - زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَليْهَا فَقَالَ: " هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ ". قَالَتْ: لا. وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عِنْدَنَا طَعَامٌ إِلا عَظْمٌ مِنْ شَاةٍ أُعْطِيَتْهُ مَوْلاتِى مِنَ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ: " قَرِّبِيهِ، فَقَدْ بَلغَتْ مَحِلهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: فى قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أعلم بالشاة التى [أعطيت مولاة] (¬1) بعض نسائه من الصدقة: " قَرِّبِيه فقد بلغت محلها ": فيه حجة لأحد القولين عندنا فى جواز شراء لحم الأضحية ممن أعطيها ممن تحل له؛ [لقوله - عليه السلام -] (¬2): " قد بلغت محلها ". ووجه القول بالمنع من الشراء: أن ذلك عند القائل [به] (¬3) بمنزلة الحبس، ولو حبس شيئاً على المساكين لم يبح لهم بيعه، لكن هذا قد لا يسلم له. قال القاضى: الحبس على من حبس عليه ممنوع من التصرف فيه مباح له الانتفاع بفائدته، فكما أبيح له بيع غلته والتصرف فيها كيف شاء لانه ملكها ملكاً مطلقاً بخلاف الرقبة المحبسة، كذلك أبيح له التصرف فى لحم الأضحية لما ملكها ملكاً مطلقاً. وفيه بيان أن الأشياء المحرمة لعلل معلومة إذا ارتفعت عنها تلك العلل حلّت، وأن التحريم فى الأشياء ليس لأعيانها. وقوله مثل ذلك فى بريرة مولاة عائشة، حجةٌ لأحد القولين المتقدمين؛ أن موالى قريش تحل لهم الصدقة إذا قلنا بتحريمها على كافة قريش؛ لأن عائشة تيمية (¬4)، وجويرية ¬

_ (¬1) فى س: أعطته مولى. (¬2) فى ع: لأنه عليه السلام قال. (¬3) ساقطة من س. (¬4) أى قرشية من بنى تيم.

(...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 170 - (1074) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. حَ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - وَاللفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَهْدَت بَرِيرَةُ إِلى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحْمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَليْهَا. فَقَالَ: " هُوَ لهَا صَدَقَةٌ، وَلنَا هَدِيَّةٌ ". 171 - (1075) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللفْظُ لاَبْنُ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ: وَأُتِىَ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلحْمِ بَقَرٍ. فَقِيلَ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلى بَرِيرَةَ. فَقَالَ: " هُوَ لهَا صَدَقَةٌ، وَلنَا هَدِيَّةٌ ". 172 - (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالتْ: كَانَتْ فِى بَرِيرَةَ ثَلاثُ قَضِيَّاتٍ، كَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَليْهَا، وَتُهْدِى لنَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " هُوَ عَليْهَا صَدَقَةٌ، وَلكُمْ هَدِيَّةٌ، فَكُلوهُ ". 173 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكورة فى الحديث الآخر [أيضاً] (¬1)، وإن لم تكن قرشية فهى معتقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وولاؤها له، وولاء مواليها [لها] (¬2)، فى الحديث: " إلا عظم أعطيته مولاتى من الصدقة ": فهى مولاة مولاته - عليه السلام] (¬3). وقوله: " كان فى بريرة ثلاث قضيات "، فذكر هذه الواحدة من قوله: " هو لها ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬3) سقط من س.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَ القَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ القَاسِمِ يَحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَن رَبِيعَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَهُوَ لنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ ". 174 - (1076) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَن أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالتْ: بَعَثَ إِلىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثْتُ إِلى عَائِشَةَ مِنْهَا بِشَىْءٍ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى عَائِشَةَ قَالَ: " هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ ". قَالتْ: لَا، إِلا أَنَّ نُسَيْبَةَ بَعَثَتْ إِليْنَا مِنَ الشَّاةِ التِى بَعَثْتُمْ بِهَا إِليْهَا. قَالَ: " إِنَّهَا قَدْ بَلغَتْ مَحِلَّهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ صدقة، ولنا هدية "، والثانية قوله فيها: " إنما (¬1) الولاء لمن أعتق "، والثالثة تخييرها فى زوجها، وسيأتى الكلام على هذا (¬2). ¬

_ (¬1) فى س: إن. (¬2) سيأتى إن شاء الله الثانية والثالثة فى ك العتق، ب إنما الولاء لمن أعتق.

(53) باب قبول النبى الهدية ورده الصدقة

(53) باب قبول النبى الهدية وردّه الصدقة 175 - (1077) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامٍ الجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِى ابْنُ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُتِىَ بِطَعَامٍ - سَأَلَ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: هدِيَّةٌ، أَكَلَ مِنْهَا. وَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ، لمْ يَأكُلْ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان - عليه السلام - إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن كان صدقة لم يأكل، وإن كان هدية أكل ": فيه ما يلزم أهل الدين من التقصى عن مطاعمهم واتقاء المحظور منها والمحذور، وفارقت [هنا] (¬1) الهدية الصدقة لما تقدم من أن الصدقة تطهّر الأموال وأوساخها، تشبيهاً لما يطهّر منه غيرها من الأوساخ، والهدية أصلها المودة وتطيب النفوس (¬2)، وليس فيها منه (¬3) الصدقة، ولا تفضيل اليد العليا على اليد السفلى. ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: النفس. (¬3) فى س: سنة.

(54) باب الدعاء لمن أتى بصدقة

(54) باب الدعاء لمن أتى بصدقة 176 - (1078) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - وَاللفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرٍو - وَهُوَ ابْنُ مُرَّةَ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ - قَالَ: " اللهُمَّ، صَلِّ عَليْهِمْ "، فَأَتَاهُ أَبِى - أَبُو أَوْفَى - بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: " اللهُمَّ، صَلِّ عَلى آلِ أَبِى أَوْفَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: كان - عليه السلام - إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: " اللهم صل عليهم " امتثالاً (¬1) لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} إلى قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُم} (¬2)، وهذا نَدبٌ نَدَبَ الله تعالى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأئمة بعده للدعاء لدافع الصدقة، وليس بواجب، خلافاً لأهل الظاهر، وليس فى الآية دليل [على] (¬3) وجوب الاحتمال أن يختص ذلك بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله تعالى: {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُم}، وهذا معدوم علمه فى غيره؛ ولأنه يحتمل أن المراد الصلاة عليهم بعد موتهم، أو الأمر بالدعاء لهم أى وقت كان، وأنه [لا] (¬4) يختص عند أخذ الزكاة. وقوله حين أتاه أبو أوفى: " اللهم صلى على آل أبى أوفى ": يحتج به من يرى الآل نفس الرجل، وأن المراد بآل محمد: محمد - عليه السلام -[وقد ذكرناه] (¬5) لا سيما مع قوله قبل: إذا أتاهُ قوم بصدقتهم قال: " اللهم صل عليهم "، وقد يحتمل أنه عمَّ أبا أوفى وآله بالدعاء، فدخل فيهم. وفى الحديث دليل لمن أجاز الصلاة على غير الأنبياء، وينفصل عنه من لم يجز ذلك وهو المروى عن مالك، وسفيان، وابن عباس قبلهما، وجماعة من السلف، واختيار الأستاذ أبى المظفر الإسفراينى من أئمتنا المتكلمين، أن هذا فى حق النبى - عليه السلام - ¬

_ (¬1) فى الأصل: امتثال. (¬2) التوبة: 103. (¬3) و (¬4) ساقطة من س. (¬5) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " صَلِّ عَليْهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف غيره، وإنما الكلام فى صلاتنا نحن، وقد تكلمنا عليه فى كتاب الصلاة (¬1)، وبقية الكلام على إرضاء المصدقين، وأن فيه الحض على طاعة الأمراء وترك مخالفتهم، ومخارجتهم وإرضائهم، كل هذا حض على الألفة وأمر بجمع الكلمة، التى جعلها الله أصلاً لصلاح الكافة، وعمارة هذه الدار ونظام أمر الدنيا والآخرة. ¬

_ (¬1) انظر: كتاب الصلاة، ب الصلاة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد التشهد.

(55) باب إرضاء الساعى ما لم يطلب حراما

(55) باب إرضاء الساعى ما لم يطلب حراماً (¬1) 177 - (989) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ وَابْنُ أَبِى عَدِىٍّ وَعَبْدُ الأَعْلى، كُلّهُمْ عَن دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللفْظُ لَهُ - قَالَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَتَاكُمُ المُصَدِّقُ فَليَصْدُرْ عَنْكُمْ، وَهُوَ عَنْكُمْ رَاضٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المعلِم بفَوَائِدِ مُسْلِم لِلإِمَام الحَافظ أبى الفضل عيَاض بن مُوسَى بن عيَاض اليَحْصَبِى ت 544 هـ تحْقِيق الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل الجزءُ الرَّابعُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حقوق الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - ج. م. ع - المنصورة الإدارة: ش الإمام محمد عبده المواجه لكلية الآداب ص. ب 230 ت: 342721/ 356220/ 356230 فاكس 359778 المكتبة: أمام كلية الطب ت 347423

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِم لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكْمَال المُعلِم بِفَوَائِدِ مُسْلِم

13 - كتاب الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم 13 - كتاب الصيام (1) باب فضل شهر رمضان 1 - (1079) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ أَبِى سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ". 2 - (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى أَنَسٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصيام أصل الصوم فى اللغة: الإمساك، ثم صار عرفاً لإمساك مخصوص نهاراً عن أفعال مخصوصة. قوله - عليه السلام -: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين "، وفى الرواية الأخرى: " إذا دخل رمضان "، قال القاضى: فيه حجة على جواز قول مثل هذا دون ذكر الشهر، خلافاً لمن كرهه، وروى أثر فى النهى عن ذلك، وأن رمضان اسم من أسماء الله وهو أثر لا يصح (¬1)، واختار القاضى أبو (¬2) الطيب أن تمثيل النهى فيما أشكل مثل: جاء رمضان، وذهب وتم ودخل، ويباح فيما لا يشكل مثل: صمنا، وقمنا رمضان، وهذا الحديث وغيره رد على الجميع. وقوله: " فتحت أبواب الجنة، [وغلقت أبواب النار] (¬3)، وصفدت الشياطين ": قيل: يحتمل الحقيقة، وأن فتح أبواب الجنة وتغليق أبواب النار، علامة لدخول الشهر، وعظم قدره، وكذلك تصفيد الشياطين ليمتنعوا من أذى المؤمنين وإغوائهم فيه، [وقيل] (¬4): ¬

_ (¬1) ابن عدى فى الكامل 7/ 53، والفوائد المجموعة، وقال الشوكانى: فيه محمد بن أبى معشر وهو ضعيف، ورواه تمام فى فوائده من حديث ابن عمر غير طريق أبى معشر وهو منقطع أيضاً، وكذلك أخرجه ابن النجار من حديث عائشة وسنده مظلم، ثم قال: والحديث موضوع بلا ريب. ص 87. (¬2) فى الأصل: ابن. (¬3) من س. (¬4) ساقطة من س.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلسِلتِ الشَّيَاطِينُ ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَالحُلوَانِىُّ قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى نَافِع بْنُ أَبِى أَنَسٍ؛ أَنَّ أَبَاه حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ " بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتمل المجاز لكثرة الثواب والعفو، والاستعارة لذلك بفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار، وقد جاء فى الحديث الآخر: " وفتحت أبواب الرحمة " وبأن الشياطين كالمصفدة لما لم يتم إغواؤهم بعصمة الله عباده فيه، ولم يفد خبث سعيها شيئاً، ويكون معنى تصفيد الشياطين هنا خصوصاً عن أشياء دون أشياء، ولبعض دون بعض، أو على الغالب، وجاء فى حديث آخر: " صفدت مردة الشياطين " (¬1). وقد يكون فتح أبواب الجنة هنا عبارة عن عما يفتح الله على عباده من الطاعات المشروعة فى هذا الشهر الذى ليست فى غيره، من الصيام، والقيام، وفعل الخيرات، وأن ذلك أسباب لدخول الجنة، وأبواب لها، وكذلك تغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن عمّا يكفُّه الصوم، والشغل بفعل الخير فى هذا الشهر، وعظم قدره فى القلوب، وما جاء فى النهى فيه عن أن يرفث، أو يجهل، والكف فيه عن المحارم والمعاصى، وأن الصوم مانع عن كثير من المباحات، فكيف بما وراء ذلك، ومكفر للسيئات، ومعنى " صفدت ": أى غللت، والصفد، بفتح الفاء، الغُلُّ، وقد روى فى الحديث الآخر: " سُلسِلت ". ¬

_ (¬1) أحمد فى مسند أبى هريرة 2/ 292.

(2) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم فى أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما

(2) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم فى أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً 3 - (1080) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: " لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلالَ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ": أى قدروا تمام الشهر بالعدد ثلاثين يوماً، يقال: قدرت الشىء أقدره، وأقدره وقدَّرته وأقدرته بمعنى، وقال ابن قتيبة: معناه: أى قدّروه بالمنازل، وحكاه الداودى. قال الإمام: ذهب بعض [أهل العلم] (¬1) إلى أن الهلال إذا التبس يُحْسَب له بحساب المنجمين، وزعم أن هذا الحديث يدل على ذلك، واحتج أيضاً بقوله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون} (¬2)، وحمل جمهور الفقهاء ما فى الحديث على أن المراد به إكمال العدة ثلاثين، كما فسره فى حديث (¬3) آخر، وكذلك تأولوا قوله سبحانه: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون} على أن المراد به الاهتداء فى الطريق فى البر والبحر، وقالوا أيضاً: لو كان التكليف يتوقف على حساب التنجيم لضاق الأمر فيه، [إذ] (¬4) لا يعرف ذلك إلا قليل من الناس، والشرع مبنىٌ على ما يعلمه الجماهير، وأيضاً فإن الأقاليم على رأيهم مختلفة، ويصح أن يرى فى إقليم [دون إقليم] (¬5) [فيؤدون إقليم] (¬6) فيؤدى ذلك إلى اختلاف الصوم عند أهلها، مع كون الصائمين منهم لا يقولون غالباً على طريق مقطوع [به] (¬7)، ولا يلزم قوماً ما ثبت عند قوم، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشهر تسع وعشرون [يوماً] (¬8) " ثم قال: " فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين " معناه: أن الشهر مقطوع بأن لابد أن يكون تسعاً وعشرين، فإن ظهر الهلال وإلا فيطلب (¬9) أعلى العدد الذى هو ثلاثون، وهو نهاية عدده. ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: العلماء. (¬2) النحل: 16. (¬3) فى س: الحديث. (¬4) ساقطة من الأصل، وما أثبت من س، ومكانها فى الأصل: و. (¬5) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬6) من الأصل، وأظن أن لا معنى لها. (¬7) و (¬8) سقطتا من س. (¬9) فى الأصل: فيطلبه، وما أثبت من س.

4 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: لم يحك (¬1) مذهب الصوم بتقدير النجوم والمنازل إذا غم الهلال، إلا عن مطرف بن عبد الله بن الشخير من كبار التابعين، بل من المخضرمين (¬2). قال ابن سيرين: وليته لم يفعل، وحكى ابن شريح، عن الشافعى مثله، والمعروف من مذهب الشافعى والموجود فى كتبه خلاف هذا، وموافقة (¬3) جميع علماء المسلمين من أن معنى " اقدروا له " فى الأيام عِدَّة الشهر ثلاثين كما فسره به - عليه السلام - فى حديثه الآخر بقوله: " فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين "، وفى الحديث الآخر: " فكملوا العدة ثلاثين " (¬4)، ولهذا أدخل مالك فى موطئه (¬5) هذا الحديث المبين إثر الأول ليكون كالمفسر له، والرافع لإشكاله؛ تهذيباً للتأليف، وإتقاناً للعلم، وقفا البخارى أثره فى ذلك (¬6)، ولو كلف الأمة حساب النجوم والمنازل لشق عليهم، وليبين ذلك - عليه السلام - كما بين لهم أوقات الصلوات. قال الإمام فى قوله: " فإن غم عليكم ": أى إن حال بينكم وبينه غيم، يقال: صمنا للغماء والغُمِى: أى عن غير رؤية، ويروى: " فإن أُغمِىَ عليكم " يقال: [غم] (¬7) غلبنا الهلال وغُمِىَ وأغمَى فهو مُغمى، وقد غامت السماء تغيم [غيمومَةً] (¬8) فهى غائمة وغيَّمَةٌ، وأغامَت وغيّمَتْ وتَغيّمت وأغمّت وغيبت. قال القاضى: وغِيمْت وأغمَت وغَمَتْ. قال القاضى: وروينا هذا الحرف فى الموطأ (¬9): " غُمَّ " بضم الغين وتشديد الميم بغير ¬

_ (¬1) فى س: يجر. (¬2) مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشى العامرى، أبو عبد الله البصرى، روى عن أبيه وعثمان وعلى وأبى ذر وعمار وغيرهم، وعنه أخوه أبو العلاء يزيد وابن أخيه عبد الله بن هانئ بن عبد الله وحميد بن هلال وغيرهم، قال العجلى: هو ثقة من كبار التابعين. رجل صالح، مات فى الطاعون سنة 87 هـ. وقال ابن حبان: ولد فى حياة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان من عباد أهل البصرة وزهادهم. التهذيب 10/ 175. (¬3) فى س: وموافقته. (¬4) البخارى، ك الصوم، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا "، عن ابن عمر 3/ 34، أبو داود، ك الصوم، ب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين، عن حذيفة بلفظ: أو تكملوا العدة 1/ 543، الترمذى، ك الصوم، ب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال والإفطار له (688) 3/ 72، النسائى فى الكبرى، ك الصيام، ب ذكر الاختلاف على منصور فى حديث ربعى فيه 2/ 72، مالك فى الموطأ، ك الصيام، ب ما جاء فى رؤية الهلال للصوم والفطر فى رمضان 1/ 287 رقم (3). (¬5) مالك فى الموطأ، ك الصيام، ما جاء فى رؤية الهلال للصوم والفطر فى رمضان 286/ 1، 287 برقم (1 - 3). (¬6) انظر: التخريج السابق للبخارى. (¬7) و (¬8) سقطتا من الأصل، واستدركتا بسهم فى الهامش. (¬9) مالك فى الموطأ، ك الصيام، ب ما جاء فى رؤية الهلال للصوم والفطر فى رمضان 1/ 227.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَضَرَبَ بِيَدِيْهِ، فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف، وكذلك فى أكثر أحاديث مسلم وعنده فى حديث يحيى بن يحيى [وأبى بكر بن أبى شيبة: " أُغْمى " وفى رواية بعضهم فى حديث يحيى بن يحيى] (¬1): " غُمِىَ " بالضم مخففاً، وللعذرى فى حديث [عبد الرحمن] (¬2) محمد بن سلام مثله مشدد الميم، وكذا لأبى بحر فى حديث عبيد الله بن معاذ، وكلها صحيحة المعنى، وقيل: معنى هذه الألفاظ مأخوذ من إغمَاءِ المريض، يقال: غمى عليه وأغمى، والرباعى أفصح، وقد يصح أن يرجع إلى ما تقدم من إغماء السماء والسحاب، وقد يكون - أيضاً - من التغطية، ومنه قولهم: غممت الشىء: إذا سترته، والغَمَى، مقصور، ما سقف به البيت من شىء. ووقع فى حديث [عبد الرحمن] (¬3) محمد بن سلام الجمحى فى الكتاب هذا الحرف عند القاضى الشهيد: " عَمَى " بالعين المهملة والميم المخففة، وكذا حدثنا به - أيضاً - الخشنى عن الطبرى، ومعناه: خفى، يقال: عمى علىَّ الخبر، أى: خفى. وقيل: هو من العماء، وهو السحاب الرقيق، وقيل: السحاب المرتفع، أى (¬4): دخل فى العماء، أو يكون من العماء المقصود وهو عدم الرؤية. وقد وقع فى كتاب أبى داود (¬5): " فإن حالت دونه غمامة "، وفى كتاب الترمذى (¬6): " غيابه " وهو (¬7) بمعنىً وهذا يفَسَّر أنه من الغمام على من رواه: " غُمَّ ". وقد وقع عند بعض رواة البخارى (¬8): " غَمى عليكم " بفتح الغين المعجمة وتخفيف الياء، ومعناه: خفى، وبعضهم ضم الغين على ما لم يُسَم فاعِله. وقوله: " فأكملوا العدة ثلاثين " تنبيهٌ على مراعاة هلال شعبان؛ لأنه إذا لم يراع ويحقق فعلى ما يكمل ثلاثون، وقد ذكر الترمذى وغيره فى هذا من رواية أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحصاء هلال شعبان لرمضان لكن للحديث عِلة ذكرها أبو عيسى (¬9). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬2) و (¬3) سقطتا من س. (¬4) فى س: إذا. (¬5) أبو داود، ك الصوم، ب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين 1/ 543. (¬6) الترمذى من حديث ابن عباس، ك الصوم، ب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال، والإفطار له 3/ 72 برقم (688)، وقال: حسن صحيح. (¬7) فى س: وهما. (¬8) البخارى فى ك الصوم، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم الهلال فصوموا، 3/ 34. (¬9) الترمذى فى ك الصوم، ب ما جاء فى إحصاء هلال شعبان لرمضان 3/ 71 برقم (687)، وقال الترمذى: حديث أبى هريرة لا نعرفه مثل هذا، إلا من حديث أبى معاوية. والصحيح ما روى عن محمد بن عمر عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين " وهكذا روى عن يحيى بن كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

" الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِى الثَّالِثَةِ - فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لهُ ثَلاثِينَ ". 5 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا ثَلاثِينَ " نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ. (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَقَالَ: " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ". وَقَالَ: " فَاقْدِرُوا لهُ " وَلمْ يَقُلْ: " ثَلاثِينَ ". 6 - (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لهُ ". 7 - (...) وَحَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ البَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَلمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ - عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " صُوموا لرؤيته "، قال الإمام: إذا ثبت الهلال عند الخليفة لزم سائر الأمصار الرجوع إلى ما عنده، وإن كان ذلك عند أهل مدينة، هل يلزم غيرهم ما ثبت عندهم؟ ففيه قولان، فأما الحديث فهو يحتمل أن يريد بقوله: " صوموا لرؤيته " [أى لرؤية] (¬1) من كان أو لرؤيتكم أنتم. ويحتج من لا يوجب الصوم بما ذكره مسلم من حديث كريب [حين] (¬2) قدم من الشام وصام لرؤيته ليلة الجمعة هناك، وأنه أعلم ابن عباس [بذلك] (¬3)، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصومه حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أو لا نكتفى برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الإمام: والفرق بين الخليفة وغيره: أن سائر البلدان لما كانت بحكمه فهى كبلد واحد، ويحتج للزوم الصوم من جهة القياس بأنه: كما يلزم الرجوع إلى بعض أهل المصر فكذلك يرجع أهل مصر إلى أهل مصر؛ إذ العلة حصول الخبر بذلك. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬3) من ع.

8 - (...) حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لهُ ". 9 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، إِلا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال شيوخنا: إذا كان المخبر عن بلد عن رؤية شائعة [ذائعة] (¬1) فإنه يلزم غيرهم الصوم برؤيتهم، ويخبر المخبر عنهم، وإنما الخلاف المذكور إذا كان [ثبت] (¬2) عندهم بالشهادة، وفيهم يحتاج التفريق بين كونه عند الخليفة وغيره عند من فرق، وعلى هذا التنزيل وقعت أقوالهم، وهى رواية المدنيين عن مالكٍ وقولهم، وذهب إسحاق أن لكل قومٍ رؤيتهم، وهو (¬3) قول القاسم، وسالم وابن عباسٍ، وهكذا ترجم البخارى (¬4) على حديث كريب، وحكى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على أنه لا يراعى الرؤية فيما بعدُ من البلدان كالأندلس من خراسان، قال: ولكل بلد رؤيته، إلا من (¬5) كان كالمصر الكبير، وما تقارب أقطاره من بلدان المسلمين (¬6). قال القاضى: وهذا على ما ذكره - إن صح - فإن الأقاليم تختلف، فقد تصح رؤيته فى إقليم ولا يرى فى آخر، بحكم البُعد من مغاربه، والقرب منها، والله أعلم. وظاهر هذا الكلام مخالف لما ذكره غيره مما تقدم. قال الإمام: الرؤية إذا كانت فاشية صِيم بغير خلاف [وإن كان الغيم قبل فيه الشهادةُ بغير خلاف] (¬7) وإن كان الصحو والمصر كبير، ففى قبول الشهادة مع ذلك قولان، ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: وهذا. (¬4) الصواب: ترجم مسلم؛ إذ البخارى لم يترجم بهذا الباب. (¬5) فى س: ما. (¬6) انظر: الاستذكار 10/ 30. (¬7) سقط من س.

10 - (...) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَار؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا " وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ فِى الثَّالِثَةِ. 11 - (...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ الأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، قَالَ: وَأَخْبَرَنِى أَبُو سَلمَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو خلاف فى حال هل ذلك تهمة (¬1) أم لا؟ وما الذى يُقبل فى ذلك؟ أما الفطر فمالك، وأبو حنيفة، والشافعى يقولون: لا يقبل الواحد، وقبله أبو ثور. وأما الصوم فاتفق هؤلاء على قبول الواحد فيه إلا مالكاً خاصة -، وأجاز أبو حنيفة فيه شهادة المرأة والعبد. وسبب الخلاف: هل ذلك من باب الشهادة أم من باب الإخبار؟ [وكأنَّ ما] (¬2) طريقه الشياع (¬3) يُقبل فيه الواحد كالخبر عن النبى - عليه السلام - بحكم من الأحكام، وما كان يخص بعض الأشخاص - كالقول لهذا عند هذا وشبهه - فيطلب فيه اثنان. واعتمد من يجيز شهادة الواحد فى الصوم بحديث الأعرابى (¬4)، وحديث ابن عمر: " شهدت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الحديث (¬5)، ويصح أن يحتج فى ذلك بقوله - عليه السلام -: " فكلوا واشربوا حتى ينادى (¬6) ابن أم مكتوم " فأمرهم - عليه السلام - بالإمساك عن الأكل بخبره، وهم فى زمان يحل لهم الأكل [فيه] (¬7)، فكذلك إذا أخبر رجل عن رؤية الهلال. قال القاضى: وفى قوله: " صوموا لرؤيته ": أنه لا يلزم صيام [يوم] (¬8) الشك احتياطاً، بل لا يجوز عندهم، وعليه جمهور الفقهاء؛ للأثر الوارد فى ذلك (¬9)، خلافاً لأحمد فى إيجاب صومه. وإن صح أنه من رمضان أجزاه، وروى صومه عن عائشة وأسماء وابن عمر (¬10) وطاوس، وقال الأوزاعى والكوفيون: إن صامه وتبين أنه من ¬

_ (¬1) فى س: لتهمة. (¬2) فى س: وما كان. (¬3) فى س: السماع. (¬4) الحديث رواه سماك عن عكرمة؛ أن أعرابياً شهد عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رؤية الهلال فقال: " تشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله؟ " قال: نعم. قال: فأمر الناس أن يصوموا. ابن أبى شيبة 3/ 67، 68. (¬5) عن ابن عمر قال: ترَاءَى النَّاسُ الهلالَ، فأخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنى رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه. سنن أبى داود، ك الصيام، ب فى شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان 1/ 547. (¬6) وقوله: " ينادى " لفظ أحمد 2/ 62 عن ابن عمر. (¬7) ساقطة من س. (¬8) من س. (¬9) عن أبى إسحاق عن صلة قال: كنا عند عمار فى اليوم الذى يُشَكُّ فيه فأُتِىَ بشاة، فتنحى بعض القوم، فقال عمار: "من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". أبو داود، ك الصيام، ب كراهية صوم يوم الشك 1/ 545. (¬10) الاستذكار 10/ 235.

12 - (...) وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَكَّائِىُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ ابْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، عَشْرًا وَعَشْرًا وَتِسْعًا ". 13 - (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّهْرُ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا "، وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ بِكُلِّ أَصَابِعِهِمَا، وَنَقَصَ فِى الصَّفْقَةِ الثَّالِثَةِ إِبْهَامَ اليُمْنَى أَوِ اليُسْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ رمضان أجزأه، وجمهورهم: لا يصومه، ولا يجزئه إن صامه، وكان بعض الصحابة يأمر بالفصل [ما] (¬1) بين رمضان وشعبان (¬2) بفطر يوم أو يومين، وكرهه محمد بن مسلمة من أصحابنا تحرّى ذلك آخر يوم كما يكره تحرى صومه. قال الإمام: قوله: " لا تقدموا الشهر بيوم أو يومين " الحديث (¬3): مجمله على من صام تعظيماً للشهر، واستقبالاً له بذلك، فأما إن صِيم يوم الشك على جهة التطوع ففيه اختلاف، وذلك إن لم يكن عادته صوم ذلك اليوم أو نذره، وأما صومه للاحتياط خوفاً أن يكون من رمضان، فالمشهور عندنا النهى عنه، وأوجبه بعض العلماء فى الغيم. قال القاضى: اختلف فى صومه تطوعاً، فمنعه بعضهم لظاهر عموم النهى، وأجازه مالك والأوزاعى والليث، وأجازه محمد بن مسلمة لمن كان يسرد لا عن ابتداء، وقد ذكر مسلم الحديث فى جواز ذلك نكتاً (¬4)، وهو قوله: " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلٌ كان يصوم صوما فليصمه " (¬5)، فحمله محمد بن مسلمة على ظاهره، وحمله الجمهور على أن النهى لتحريه من رمضان لا لغيره لما وقع فى الرواية الأخرى: " لا تحرّوا ". ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) استحب ابن عباس وجماعة من السلف أن يفصلوا بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو أيام كما كانوا يستحبون أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو قيام. الاستذكار 10/ 238. (¬3) الحديث فى المطبوعة حديث أبى بكر بن أبى شيبة، ولفظه: " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين "، أما اللفظ المذكور من كلام الإمام فهو ما أخرجه الترمذى فى السنن من حديث أبى كريب ولفظه: " لا تقدموا الشهر بيوم ولا يومين " ك الصيام، ب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم 3/ 59. (¬4) فى س: أيضاً. (¬5) حديث رقم (21) بالباب التالى.

14 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُقْبَةَ - وَهُوَ ابْنُ حُرَيْثٍ - قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ "، وَطَبَّقَ شُعْبَةُ يَدَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ، وَكَسَرَ الإِبْهَامَ فِى الثَّالِثَةِ. قَالَ عُقْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: " الشَّهْرُ ثَلاثُونَ " وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ. 15 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَد ابْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّا أُمَّةُ أُميَّةٌ، لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا " وَعَقَدَ الإِبْهَامَ فِى الثَّالِثَةِ: " وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا " يَعْنِى تَمَامَ ثَلاثِينَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَذْكُرْ للِشَّهْرِ الثَّانِى: ثَلاثِينَ. 16 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - رَجُلاً يَقُولُ: اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ النَّصْفِ. فَقَالَ لهُ: مَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّيْلَةَ النَّصْفُ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذا - وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ العَشْرِ مَرَّتَيْنِ - وَهَكَذَا - فِى الثَّالِثَةِ وَأَشَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " إِنَّا أمَّة أمّية [لا نحسب ولا نكتب] (¬1) "، قال الإمام: الأمية: التى على أصل ولادات أمهاتها لم تتعلم الكتب (¬2)، فهى على ما ولدت عليه، ومنه: " النبى الأمى " ينسب إلى ما ولدته عليه أمه معجزة له - عليه السلام. قال القاضى: وقد قيل: إنه منسوب إلى صفة أمه من ذلك، إذ هو غالب النساء. قال الداودى: وقيل: سموا أميين؛ لأن بلدهم مكة أم القرى، والأظهر غير هذا، وأنه [إنما] (¬3) أراد جميع العرب. وقوله: " الشهر هكذا وهكذا " الحديث، وإشارته بيده إلى الثلاثين والتسع وعشرين حجة الحكم بالإشارة، وأنها تقوم مقام النطق فى الطلاق والبيوع والوصايا وغيرها، ويدل على صحة الاعتداد بها. وفيه حجة أيضاً لصحة طلاق الأبكم وإقراره وشهادته وحده، ¬

_ (¬1) سقط من ع. (¬2) فى س: الكتاب. (¬3) ساقطة من س.

بِأَصَابِعِهِ كُلّهَا وَحَبَسَ أَوْ خَنَسَ إِبْهَامَهُ ". 17 - (1081) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا فهم منه القذف، وتحقق ما أشار به، وفيه تقريب الأمور بالتمثيل وهو مقصده - عليه السلام - بذلك لا لغيره، وليس من أجل وصفه لهم بالأمية، وأنهم لا يحسبون ولا يكتبون؛ إذ كانوا لا يجهلون ثلاثين، ولا تسعاً وعشرين، ولكان ذكره لها - عليه السلام - أخفّ عليه من الإشارة وتكرارها بيديه [ثلاث] (¬1) مرات، كما قد اختصر ذلك، وقاله بلفظه فى الحديث الآخر، ولم يَنْفِ عنهم معرفة مثل هذا الحساب، وإنما وصفهم بذلك طرحاً للاعتداد بالمنازل، وطرق الحساب التى (¬2) تقول عليه الأعاجم فى صومها وفطرها وفصولها، وقد وقع فى الأحاديث فى هيئة إشارته - عليه السلام - اختلاف، وأصحها وأبينها ما جاء فى رواية سعيد بن عمرو بن سعيد، عن ابن عمر: " الشهر هكذا وهكذا وهكذا " وعقد الإبهام فى الثالثة. " والشهر هكذا وهكذا ": يعنى تمام ثلاثين، ونحوه فى حديث ابن المثنى، فهذا يبين أن الشهر يكون مرة ثلاثين، ومرة تسعاً وعشرين، وفى بعضها من رواية موسى بن طلحة (¬3) عن ابن عمر: " هكذا وهكذا وهكذا عشراً وتسعاً "، [كذا لهم] (¬4)، وللسمرقندى: " عشراً وعشراً وتسعاً " وهو الصواب. ومعنى " هكذا ": فى كل إشارة يعنى بيديه جميعاً، إشارة للعشر أصابع، بدليل قوله: " بيديه "، وقوله فى بعضها: " وصفق بيديه "، وفى الحديث الآخر: " وطبق " وهما ها هنا بمعنى. وقوله: " وخنس الإبهام ": بالخاء والنون، وهو أصوب، فمن قال: " وحبس " بمعنى عطفه، ويشرحه قوله فى الرواية الأخرى: " وكسر الإبهام "، وقد يخرج " حبس " بمعنى: أى أنه لم يشر به مع سائر الأصابع، وعلى الشك جاء فى حديث أبى كامل الجحدرىّ، وبالحاء والباء فى حديث ابن رمح لكافتهم، وعند الباقين (¬5): " حنس " بالحاء والنون، وفى حديث حلفه على نسائه شهراً، وأنه خرج فى تسعة وعشرين، فقيل له: اليوم تسع وعشرون، فقال: " الشهر تسع وعشرون "، وفى الرواية الأخرى: " خرج ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) فى س: الذى. (¬3) موسى بن طلحة بن عبد الله القرشى التيمى، أبو عيسى، يقال: أبو محمد، المدنى، نزل الكوفة، وأمه خولة بنت القعقاع بن سعيد بن زرارة، روى عن أبيه، وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب والزبير بن العوام وابن عمر وغيرهم. التهذيب 10/ 305. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬5) فى س: الباقى.

عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاثِينَ يَوْمًا ". 18 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامٍ الجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّىَ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا العَدَدَ ". 19 - (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّىَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاثِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إلينا صباح تسع وعشرين " وفى الأخرى: " إنما دخلت من تسع وعشرين " معناه كله: بعد تمام تسعة وعشرين وتبينه الروايات الأخرى فى حديث أم سلمة: " فلما مضى تسع وعشرون يوماً غدا عليهم أو راح "، وفى حديث عائشة: " لما مضت تسع وعشرون [وأنا] (¬1) أعدهن "، ولو كان على ظاهره، وكان دخوله فى يوم تسعة وعشرين، لما تم به الشهر لا من ثلاثين ولا من تسع وعشرين. والعرب قد تقدم النهار على الليل وتضيف الليلة الآتية لليوم الماضى، فلذلك قال: " صباح تسع وعشرين ": أى صباح الليلة التى بعد تسعة وعشرين يوماً وهى صبيحة ثلاثين. وقد يحتج به محمد بن عبد الحكم والشافعى - فى أحد قوليه - فيمن عليه شهر للصيام فصامه بالأيام أنه يجزئه من ذلك تسع وعشرون، إذ (¬2) ظاهره أنه لم يدخل أول الشهر ولو كان ذلك لم يكن للقول له: " دخلت من تسع وعشرين أعدهن " ولقيل له: " إن الشهر لم يتم "، [ولو كان] (¬3) الجواب: قد أهل الهلال. ولو أهل لم يحتاجوا إلى سؤاله لعلمهم به، وعلى هذا تأول الحديث بعضهم، وقيل: بل أشار إلى شهر معين، وهو الذى هجر فيه نساءه، ويحتمل أن السؤال لظنهم أنه لابد من تمام أيام الشهر المعلومة، وقد يحتمل ذلك قولهم: " إنما الشهر (¬4) تسعة وعشرون (¬5) "، وقد روى أن عائشة أنكرت قول من قال فى الحديث: " الشهر تسعة وعشرون "، وقالت: إنما جاء حين ذهب تسع وعشرون فقيل له ذلك فقال: " إن الشهر كان تسعاً وعشرين ". ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى س: أى. (¬3) فى س: ولكان. (¬4) فى س: اليوم. (¬5) فى س: وعشرين.

20 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ العَبْدِىًّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهِلالَ فَقَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاثِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومذهبنا أن من عليه شهر [غير] (¬1) معين، أو صام شهور الكفارات المتتابعة، وكان ابتدأ صومه الأهلة (¬2)، فإنه يجزئه كان منها تسعاً وعشرين، وحكى الخطابى أنه لا يجزئه إلا أن يكون معيناً، ومذهب مالك أنه إن صامه على غير الأهلة فلا يجزئه إلا ثلاثين يوماً. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى س: للأهلة.

(3) باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين

(3) باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين (¬1) 21 - (1082) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِير، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلا يَوْمَيْنِ، إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الحَرِيرِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة - يَعْنِى ابْنَ سَلامٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَّهَابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(4) باب الشهر يكون تسعا وعشرين

(4) باب الشهر يكون تسعاً وعشرين (¬1) 22 - (1083) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَلا يَدْخُلَ عَلى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا. قَالَ الزُّهْرِىُّّ: فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، أَعُدُّهُنَّ، دَخَلَ عَلىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: بَدَأَ بِى - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَلا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعِ وَعِشْرِينَ، أَعُدُّهُنَّ. فَقَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ". 23 - (1084) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَزَلَ نِسَاءَهُ شَهْرًا فَخَرَجَ إِليْنَا فِى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقُلْنَا: إِنَّمَا اليَوْمُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. فَقَالَ: " إِنَّمَا الشَّهْرُ " وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَحَبَسَ إِصْبَعًا وَاحِدَةً فِى الآخِرَةِ. 24 - (...) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: اعْتَزَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ بَعْضُ القَوْم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ "، ثُمَّ طَبَّقَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَدَيْه ثَلاثًا: مَرَّتَيْنِ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ كُلِّهَا، وَالثَّالِثَةَ بِتِسْعٍ مِنْهَا. 25 - (1085) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِىّ؛ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَخْبَرَتَهُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ أَلا يَدْخُلَ عَلى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا، فَلْمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، غَدَا عَليْهِمْ - أَوْ رَاحَ. فَقِيلَ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب قبل السابق.

حَلفْتَ يَا نَبِىَّ اللهِ أَلا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا. قَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ". (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى أَبَا عَاصِمٍ - جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 26 - (1086) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِى خَالِدٍ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ عَلَى الأُخْرَى فَقَالَ: " الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا "، ثُمَّ نَقَصَ فِى الثَّالِثَةِ إِصْبَعًا. 27 - (...) وَحَدَّثَنِى القَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا " عَشْرًا وَعَشْرًا وَتِسْعًا مَرَّةً. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ وَسَلَمَةُ ابْنُ سُليْمَانَ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ المُبَارَكِ - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5) باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم

(5) باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم 28 - (1087) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ حَرْمَلَةَ - عَن كُرَيْبٍ؛ أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَال: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَىَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الهِلالَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ فِى آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا. ثُمَّ ذَكَرَ الهِلالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الهِلالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ. فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَوَ لا تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَشَكَّ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِى: نَكْتَفِى أَوْ تَكْتَفِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث كريب: " أن أم الفضل بنت الحارث بعثته (¬1) إلى معاوية " وفيه: " واستهل علىَّ رمضان "، وفى حديث أبى البخترى: " أهللنا رمضان " (¬2): قال الهروى: وأهللنا الهلال: إذا دخلنا فيه، وقال غيره: استهللنا الهلال بمعنى: أهللناه، وأُهل الهلال: طلع، وهلَّ أيضاً، ويحتمل أن ابن عباس لم يعول على رؤية معاوية فى هذا الحديث على ما حكى من مذهبه، فى أن لكل قوم رؤيتهم، أو لأنه لم يعول فى ذلك على خبر الواحد، أو لأمر كان يعتقده فى ذلك، أو لاختلاف أفقيهم (¬3)، وقيل: بل لأن السماء كانت مصحية بالمدينة فلم (¬4) يروه ارتابوا الخبر عن رؤية غيرهم. ¬

_ (¬1) فى الأصل: بعثت، والمثبت من س والمطبوعة. (¬2) حديث رقم (30) فى الباب التالى. (¬3) فى س: أفقهم. (¬4) فى س: فلما لم.

(6) باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره وأن الله تعالى أمده للرؤية فإن غم فليكمل ثلاثون

(6) باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره وأن الله تعالى أمده للرؤية فإن غم فليكمل ثلاثون 29 - (1088) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِى الْبَخْتَرِىِّ، قَالَ: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَالَ: تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. قَالَ: فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلَالَ، فقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ: أَىُّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهُ مَدَّهُ لِلْرُّؤْيَةِ، فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ ". 30 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِىِّ قَالَ: أَهْلَلْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَأَرْسَلْنَا رَجُلاً إِلَى ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تراءينا الهلال فقال قوم: هو ابن ثلاث، وقال قوم: هو ابن ليلتين " وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله قد أمده لرؤيته " وفى الرواية الأخرى: " مده فهو لليلة رأيتموه "، قال الإمام: إذا رئى الهلال بعد الزوال فهو لليلة المقبلة، وإن رئى قبل ففيه قولان: قيل: للماضية، وقيل: للمقبلة، وقال بعض أصحاب الظاهر: أما فى الصوم فيجعل للماضية، وأما فى الفطر فيجعل للمستقبل؛ وهذا بناء منهم على الأخذ بالاحتياط، وهو نحو القول بأنه إذا كان الشك يوم الغيم وجب الإمساك. وظاهر قوله: " صوموا لرؤيته " (¬1) على مقتضى اللفظ يوجب الصوم حين (¬2) الرؤية متى وجدت، فإذا منع الإجماع من وجوب الصوم على الإطلاق حينئذ كان ذلك محمولاً على المستقبل، ويكون حجة للقول بأنه لليلة المقبلة على كل حال، وهذا على طريقة من رأى ذلك، إذ لا فرق ما بين قبل الزوال وبعده عندهم. وقوله: " تراءينا الهلال ": أى تكلفنا النظر، هل نراه أم لا؟ ¬

_ (¬1) سبق فى الباب السابق برقم (19). (¬2) فى س: عند.

عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَسْأَلُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الله قد أمده لرؤيته "، قال القاضى: كذا رويناه [عن شيوخنا] (¬1)، وكذا فى جميع النسخ، قال بعضهم: صوابه: " أمّده " بتشديد الميم من الأمد، أو مده من الامتداد، والصواب عندى بقاء الرواية على وجهها، ويكون بمعنى: أطال له مُدّة لرؤيته، أى إن لم ير لتسع وعشرين فيُرى لثلاثين، فإن غمَّ فاقدروا له ذلك يقال منه: مد وأمد، قال الله: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَي} (¬2) قُرئ بالوجهين؛ أى يطيلون لهم، وقد يكون " أمده " من المدة التى جعلت له، قال صاحب الأفعال: أمددتك مدة: أعطيكها، أو يكون من الإمداد وهى الزيادة فى الشىء من غيره، كان الشهر لما كان تسعة وعشرين وقد يزيده الله يوماً فيكون ثلاثين، ومنه: أمددت الجيش: إذا كثرته، وكذلك كل شىء. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) الأعراف: 202.

(7) باب بيان معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " شهرا عيد لا ينقصان "

(7) باب بيان معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " شهرا عيد لا ينقصان " 31 - (1089) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ، رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ ". 32 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ وَخَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ ". فِى حَدِيثِ خَالِدٍ: " شَهْرَا عِيدٍ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " شهرا عيد لا ينقصان "، قال الإمام: قيل: معناه: لا ينقصان من الأجر وإن نقص العدد، وقيل معناه: فى عام بعينه، وقيل: لا يجتمعان ناقصين فى سنة واحدة فى غالب الأمر. قال القاضى: قال الطحاوى (¬1): معناه: [لا ينقصان] (¬2) وإن كانا تسعة (¬3) وعشرين يوماً فهما كاملان؛ لأن فى أحدهما الصيام وفى الآخر الحج، وأحكام ذلك كله كاملة غير ناقصة. قال الخطابى: وقيل: لا ينقص أجر ذى الحجة عن أجر رمضان لفضل العمل فى العشر. ¬

_ (¬1) انظر: شرح معانى الآثار 2/ 59. (¬2) من س. (¬3) فى س: تسعا.

(8) باب بيان أن الدخول فى الصوم يحصل بطلوع الفجر وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر. وبيان صفة الفجر الذى تتعلق به الأحكام من الدخول فى الصوم ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك

(8) باب بيان أن الدخول فى الصوم يحصل بطلوع الفجر وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر. وبيان صفة الفجر الذى تتعلق به الأحكام من الدخول فى الصوم ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك 33 - (1090) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬1)، قَالَ لَهُ عَدِىُّ بْنُ حَاتِمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِى عِقَالَيْنِ: عِقَالاً أَبْيَضَ وَعِقَالاً أَسْوَدَ، أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن وِسَادَتَكَ لَعَريِضٌ، إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث عدى: لما نزلت: " {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية، جعلت [تحت] (¬2) وسادتى عقالاً أبيض وعقالاً أسود ": العقال ما يربط به الإبل من حبال من شعر أو غيره، وفعل من فعل ذلك، وتأوله على قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْودِ مِنَ الْفَجْرِ} حتى نزلت: {مِنَ الْفَجْرِ}، فعلموا أن المراد به الليل والنهار، ليس أن هذا كان الشرع أولاً، ثم نسخ ذلك بقوله: {مِنَ الْفَجْر} على ما أشار إليه الطحاوى والداودى أثناء كلامهما، إنما المراد بفعل ذلك، وتأويله ممن لا علم عنده، ولا فقه من الأعراب، أو من لم يكن فى لغته استعمال الخيط فى الليل والنهار، إذ لا يصح تأخير البيان عن وقت الحاجة، ألا ترى إنكار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك على عدى [وقوله] (¬3): " إن وسادك لعريض، إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار ". وفيه وجوب التوقف عند الألفاظ المشتركة وطلب البيان فيها، وأنها لا تحمل على أظهر وجوهها، وأكثر (¬4) استعمالاتها إلا عند عدم البيان فيها، وقد كان البيان عتيداً بوجود النبى - عليه السلام - قال أبو عُبيد: الخيط الأبيض: الفجر الصادق، والخيط الأسود: الليل، والخيط: اللون، ففى هذا وفى قوله: " سواد الليل وبياض النهار " دليل أن ما بعد الفجر من النهار. وقوله: " إن وسادَك لعريض " لقوله: أجعل تحت وسادتى عقالين، أى إن جعلت ¬

_ (¬1) البقرة: 187. (¬2) ساقطة من س. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬4) فى س: ولا أكثر.

34 - (1091) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أبو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ خَيْطًا أَبْيَضَ وَخَيْطًا أَسْوَدَ، فَيَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَبِينَهُمَا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنَ الْفَجْرِ} فَبَيَّنَ ذَلِكَ. 35 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِى أَبُو حَاَزِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}، قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ الصَّوْمَ، رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِى رِجْلَيْهِ الخَيْطَ الأَسْوَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تحت وسادك لخيطين اللذين أراد الله - وهما الليل والنهار - فوسادك [الذى] (¬1) يعلوهما ويغطيهما عريض، وهو المعنى بقوله فى الحديث الآخر الذى لم يذكره مسلم (¬2) أو ذكره البخارى: " إنك لعريض (¬3) القفا " (¬4)؛ لأن من يكون وساده هذا على عظمه قفاه من نوعه، وعلى مجانسته، وقد جاء فى الرواية الأخرى: " إنك لضخم " (¬5)، لا ما ذهَبَ إليه بعضهم من أنها كناية عن الغباوة، أو عن السمن لكثرة أكله إلى بيان الخيطين، وقيل: أراد بالوساد النوم، أى أن نومك كثير، وقيل: أراد به الليل، وهذان التفسيران (¬6) يبعدان فى هذا الموضع، كأنه قال: إن من لم يكن النهار عنده حتى يتبين له العقالان طال ليله، وكثر نومه، وقيل: أراد بالوسادِ هنا: القفا، كما نص عليه فى الحديث الآخر (¬7). وقوله فى الحديث الآخر: " ربط أحدهم فى رجله خيطاً أبيض، وخيطاً أسود " ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: البخارى. (¬3) فى س: لعظيم. (¬4) البخارى، تفسير سورة البقرة، ب فى قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 178] عن الشعبى عن عدى قال: أخذ عدى عقالاً أبيض وعقالاً أسود، حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا، فلما أصبح قال: يا رسول الله، جعلت تحت وسادتى، قال: " إن وسادك إذا لعريض، أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك " 6/ 31. (¬5) عن أنس بن سيرين قال: " سألت ابن عمر قلت: أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة أَأُطيلُ فيهما القراءة؟ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى من الليل مثنى مثنى ويوتر بركعة قال: قلت: إنى لست عن هذا أسألك، قال: " إنك لضخم " ألا تدعنى استقرى لك الحديث ... إلخ " مسلم، ك صلاة المسافرين، ب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة ركعة من آخر الليل (1/ 519) برقم (157). (¬6) فى س: التقسيمان. (¬7) البخارى، كتاب تفسير سورة البقرة، ب {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصَّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 6/ 31.

وَالْخَيْطَ الأَبْيَضَ، فَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رئيْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدَ ذَلِكَ: {مِنَ الْفَجْرِ}، فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِى بِذَلِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. 36 - (1092) حدَّثنا يَحْيَى بَنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ بِلَالاً يُؤَذْنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُوَمٍ ". 37 - (...) حدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ". 38 - (...) حدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ مثل خبر عدى، وتأويله على مثله من الأعراب. وقوله: " حتى يتبين رئيهما (¬1) " أى: منظرهما، وعندهم معنى قوله تعالى: {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِءْيًا} (¬2)، وفى كتاب العين: الرىُ: ما رأيته من حال حسنةٍ، وفى رواية بعض شيوخنا فى هذا الحرف: " رئيهما "، ولا وجه له هنا إلا على بعدٍ فى التأويل إن صح سماعًا، ورواية: " ويكون رى " [هنا] (¬3) بمعنى مرئى، وإنما الرّىُ المعروف التابع من الجن، يقال: بفتح الراء وكسرها، وكأنه من هذا الأصل لترائيه لمن تبعه من الإنس. وقوله: " إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم "، وفى الآخر: " لا يمنعن أحدكم أذان بلال - أو نداء بلالٍ - من سحوره، فإنه يؤذن - أو ينادى - ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم ": ففيه جواز الأذان للصبح قبل وقتها للاستعداد لها لمن عليه طهر، أو طلب مائه (¬4) وهى مختصة بذلك [من] (¬5) بين سائر الصلوات، وهو قول كافة العلماء خلافاً لأبى حنيفة، والثورى فى منعهما ذلك [قبل] (¬6)، وإنما يجوز ذلك إذا كان ثم من يؤذن بعد الفجر، ثم اختلف المذهب عندنا فى وقت تقديمها (¬7)، ¬

_ (¬1) فى س: رؤيتهما. (¬2) مريم: 74. (¬3) من س. (¬4) فى س: ما به. (¬5) من س. (¬6) ساقطة من س. (¬7) فى س: تقديمهما

رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَاذِّنَانِ: بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ". قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا. (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بِالإِسْنَادَيْنِ كِلَيْهِمَا. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيل: نصف الليل، وقيل: لسدسه، وقد جاءت قولة شاذة معروفة فى إباحته بعد العشاء الآخرة، وقد تعلق أصحاب أبى حنيفة بقوله: " ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم "، وقالوا: إنما كان يؤذن للسحور لا للصلاة، وهذا بعيد، إذ لم يختص هذا بشهر رمضان، وإنما أخبر عن عادته فى أذانه؛ ولأنه العمل المنقول فى سائر الحول بالمدينة، وإليه رجع أبو يوسف حين تحققه، ولأنه لو كان للسحور لم يختص بصورة أذان الصلاة. وجاء فى كتاب مسلم أنه لم يكن بين أذانيهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا. وجاء فى الحديث الآخر فى الصحيح فى الموطأ وغيره: " وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت " (¬1)، قالوا: أى قاربت الصباح، وقيل: على ظاهره من ظهور الصباح، وقد جاء فى صحيح البخارى: " لا يؤذن حتى يطلع الفجر " (¬2)، ومجموع هذا أن بلالاً كان يتربص شيئاً يدعو بعد أذانه أحياناً، ويرقب الفجر، ثم يصعد ابن أم مكتوم لأول بادى طلوعه. وحيث يحرم الأكل إذا أعلمه بذلك، إذ كان ابن أم مكتوم أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، أى قاربت على أصح الوجهين، وعليه يحمل قوله: " حتى يطلع الفجر " أى: قارب ذلك. وكان أذان ابن أم مكتوم علماً على وقت الامتناع من الأكل حوطةً للفجر، ولعل بتمام أذانه يتضح الفجر، ووقت الصلاة على أحد التأويلين فى " أصبحت "، وقيل: قد يكون راوى قُربَ ما بينهما شاهد ذلك، ¬

_ (¬1) الموطأ، ك الصلاة، ب قدر السحور من النداء 1/ 75، 76، البخارى، ك الأذان، ب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره. (¬2) البخارى، ك الأذان، ب الأذان بعد الفجر.

39 - (1093) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ - أَوْ قَالَ: نِدَاءُ بِلاَلٍ - مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ قَالَ: يُنَادِى - بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمكُمْ، وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ ". وَقَالَ: " لَيْسَ أَنْ يَقُولَ: هَكَذَا وَهَكَذَا - وَصَوَّبَ يدهُ وَرَفَعَهَا - حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَفَرَّجَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ". (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ - يَعْنِى الأَحْمَرَ - عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ الَّذِى يَقُولُ هَكَذَا - وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ نَكَسَهَا إِلَى الأَرْضِ - وَلِكنِ الَّذِى يَقُولُ هَكَذَا - وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَةَ عَلَى الْمُسَبِّحَةِ وَمَدَّ يَدَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف حال بلال فيه، فأخبر عما شاهده، ومقصد الحديث يدل على أن ما بينهما ليس بقريب. قال القاضى: وهذا التأويل يبعد على راوى هذا الحديث، وهو ابن عمر لكثرة ملازمته الصلاة مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومواظبته له، والتأويل [الأول] (¬1) أظهر، وفيه حجة على الاقتداء بثقات المؤذنين، وتقليدهم فى الوقت، والعمل بخبر الواحد فى العبادات، وفى قوله: " إن بلالاً [ينادى] (¬2) بليل " إلى آخر الحديث: دليل على أن ما بعد الفجر ليس من الليل، وقد يتعلق بهذه الألفاظ من يرى رأى بعض متقدمى الصحابة والسلف، فى أن يتبين الخيط بعد الفجر، ويحتج به من يرى إباحة الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر، وإن كان شاكاً فى طلوعه، وهو قول الكوفيين، والأوزاعى، وابن حنبل، وأبى ثور، والشافعى. وقال مالك: لا يأكل، وإن أكل فعليه القضاء، وحمله أصحابنا على الاستحباب. ثم اختلفوا من ذلك إلى طلوع الشمس وإن كان أجمع أئمة الفتوى بعدهم على أنه لا يجوز الأكل بعد طلوع الفجر، واختلفوا بعد ذلك فيمن طلع عليه الفجر، وهو على يقين أنه من الليل وهو يأكل، أو يطأ، فكف عنهما، هل يجزئه، فقال ابن القاسم: يجزئه فى الأكل والجماع، وقال عبد الملك: يجزئه فى الأكل ولا يجزئه فى الجماع، ويقضى فيه، وهو قول الشافعى، وأبى حنيفة وفيه جواز اتخاذ مؤذنين فأكثر للصلوات. ¬

_ (¬1) و (¬2) سقطتا من الأصل، واستدركتا فى الهامش.

40 - (...) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَالْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَانْتَهَى حَدِيثُ المُعْتَمِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " يُنَبِّهُ نَائِمَكُمْ وَيَرْجِعُ قَائِمكُمْ ". وَقَالَ إِسْحَاقُ: قَالَ جَرِيرٌ فِى حَدِيثِهِ: " وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا، وَلِكنْ يَقُولُ هَكَذَا " - يَعْنِى الْفَجْرَ - هُوَ الْمُعْتَرِضُ وَلَيْسَ بِالْمُسْتَطِيلِ. 41 - (1094) حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِىِّ، حَدَّثَنِى وَالِدِى؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ مِنَ السَّحُورِ، ولا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ ". 42 - (...) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: [فى الحديث] (¬1): " ليرجع قائمكم " بالنصب: أى يرده إلى راحته وجَمِام نفسه بإعلامه بأذانه السحر وقرب الصباح، وينام (¬2) غفوة السحر ونومة الفجر المستلذة المستعان بها على النشاط، وذهاب كسل السهر، وتغير اللون، كما كان يفعل النبى - عليه السلام - من نومه بعد صلاته من الليل إذا أذن المؤذن، على ما جاء فى الحديث، وقد يكون معنى ذلك ليكمل ويستعجل بقية ورده، ويأتى بوتره قبل الفجر. وقوله: " ولينبه نائمكم ": أن (¬3) النائم آخر الليل أو لصلاة الوتر لمن غلبه النوم على ذلك أو معتقد (¬4) الصوم للسحور، وقد استدل بعضهم منه على منع الوتر بعد الفجر، ولا حجة له فيه، وفيه قرب أذان بلال من السحر، وجاء فى حديث زهير بن حرب فى هذا الباب: عن أبى عثمان، عن ابن مسعود، كذا لهم وهو المعروف، وعند ابن أبى جعفر: عن أبى مسعود، وهو وَهم. وقوله: " وليس الفجر أن يقول هكذا " وجمع بين أصابعه ثم نكسها إلى الأرض، وفى الحديث الآخر: " ورفعها "، ولكن الذى يقول هكذا، وضع المسبحة على المسبحة، ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) فى س: وقيام. (¬3) فى س: أى. (¬4) فى س: يعتقد.

سَوَادَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ - لِعَمُودِ الصُّبْحِ - حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا ". 43 - (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِىُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُم أَذَانُ بِلَالٍ، وَلا بَيَاضُ الأُفُقِ الْمُسْتَطِيلُ هَكَذَا، حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا ". وَحَكَاهُ حَمَّادٌ بِيَدَيْهِ قَالَ: يَعْنِى مُعْتَرِضًا. 44 - (...) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَوَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَخْطُبُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "لا يَغُرَّنَّكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَبْدُوَ الْفَجْرُ - أَوْ قَالَ -: حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ". (...) وحدَّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى سَوَادةُ بْنُ حَنْظَلَةَ الْقُشَيْرِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أى السبابة ومد يديه: هذا مثال (¬1) قوله فى الحديث [الآخر] (¬2) بعده: " لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل "، هكذا حتى يستطير هكذا وهكذا، يعنى معترضاً. والمستطير: المنتشر. وفيه البيان بالإشارة، وأنها تقوم مقام النطق. ¬

_ (¬1) فى س: مثل. (¬2) من س.

(9) باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر

(9) باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر 45 - (1095) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِى السُّحُورِ بَرَكَةً ". 46 - (1096) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَىٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ ". (...) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُوَ بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَىٍّ، بِهَذا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تسحروا فإن فى السحور بركة ": أصل البركة الزيادة، وقد تكون هذه البركة القوة على الصيام، وقد جاء كذلك مفسراً فى بعض الآثار، وقد تكون الزيادة فى الأكل على الإفطار، وهو مما اختصت به هذه الأمة فى عمومها، وقد تكون البركة فى زيادة الأوقات المختصة بالفضل، وهذا منها؛ لأنه فى السحر، ومنه اشتق اسم السحور، وقد جاء فى فضل ذلك الوقت، وقبول الدعاء فيه والعمل فيه، وتنزل الرحمة ما جاء. وقد تكون هذه البركة ما يتفق للمتسحر (¬1) من ذكر أو صلاة أو استغفار، وغيره من زيادات (¬2) الأعمال التى لولا القيام للسحور لكان الانسان نائماً عنها وتاركاً لها، وتجديد النية للصوم ليخرج من الاختلاف والسحور بنفسه بنية الصوم، وامتثال الندب طاعة وزيادة فى العمل. وقوله: " فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحور " بفتح الهمزة، [و] (¬3) صوابه ووجهه والرواية فيه بضمها، وبالضم إنما هى بمعنى اللقمة الواحدة، وبالفتح الأكل ¬

_ (¬1) فى س: للمتسحرين. (¬2) فى س: زيادة. (¬3) ساقطة من س.

47 - (1097) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً. (...) وحدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 48 - (1098) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ ". (...) وحدَّثناه قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 49 - (1099) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِى عَطِيَّةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ. فَقُلْنَا: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وُيؤَخِّرُ الصَّلَاةَ. قَالَتْ: أَيُّهُمَا الَّذِى يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: قُلْنَا: عَبْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ - قَالَتْ: كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: وَالآخَرُ أَبُو مُوسَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ مرةً واحدةً وهو الأشبه هنا، ومعنى " فصل ": أى فرق، والفصل بالصاد الفرق بين الشيئين، ففيه الحض على السحور، وأجمع الفقهاء على أن السحور مندوب إليه ليس بواجب. وقوله: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " قال الإمام: ظاهره أنه - عليه السلام -

50 - (...) وحدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ أَبِى عَطِيَّةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا. فَقَالَ لَهَا مَسْرُوقٌ: رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كِلَاهُمَا لَا يَأْلُو عَنِ الْخَيْرِ، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ، والآخَرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ. فَقَالَتْ: مَن يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللهِ. فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أشار أن فساد الأمور يتعلق بتغير هذه السنة التى هى تعجيل الفطر، وأن تأخيره ومخالفة السنة فى ذلك كالعلم على فساد الأمور.

(10) باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار

(10) باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار 51 - (1100) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَاتَّفَقُوا فِى اللَّفْظِ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبِى. وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ - جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ". لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ نُمَيْرٍ: " فَقَدْ ". 52 - (1101) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ: " يَا فُلَانُ، انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. قَالَ: " انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا ". قَالَ: فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَرِبَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ: " إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا، وَجَاء اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا أقبل الليل، وأدبر النهار، وغابت الشمس فقد أفطر الصائم ": أحد هذه الأشياء يتضمن بقيتها؛ إذ [لا يُقِبل الليل] (¬1) إلا إذا أدبر النهار [ولا يُدبر النهار] (¬2) إلا إذا غربت الشمس، ولكنه قد لا يتفق مشاهدة عين الغروب، ويشاهد هجوم الظلمة حتى يتيقن الغروب بذلك، فيحل الإفطار. وقوله - عليه السلام -: " فقد أفطر الصائم ": إن حُمل على أن المراد به قد صار مفطراً، فكون ذلك دلالة على أن زمن الليل يستحيل الصوم فيه شرعاً، وقد قال بعض العلماء: إن الإمساك بعد الغروب لا يجوز، وهو كإمساك يوم الفطر ويوم النحر، فقال بعضهم: ذلك جائز وله أجر الصائم، واحتج هؤلاء بأن الأحاديث الواردة فى الوصال التى ذكرها مسلم فى ألفاظها ما يدل على أن النهى عن ذلك تخفيف، ورفِقٌ، وفى بعض طرق مسلم: نهاهم عن الوصال رحمة لهم (¬3)، وفى بعض طرقه: لما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال - عليه السلام -: " لو تأخر ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) سقط من ع. (¬3) سيأتى فى الباب القادم.

53 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْن مُسْهِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنِ - ابْنِ أَبِى أَوْفَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ: " انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ! قَالَ: " انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا ". قَالَ: إِنَّ عَلَيْنَا نَهَارًا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ - فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ". (...) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الهلال لزدتكم " كالمُنَكِّلِ لهم، وفى بعض طرقه: " لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم " (¬1)، وهذا كله يدل على أنه لا يستحيل إمساك الليل شرعاً، ولو كان مُستحيلاً ما واصل - عليه السلام - بهم، ولا حَمَلهم على ما لا يحلُ، ولعاقب من خالف نهيه، وقال أحمد وإسحاق: لا بأس بالوصال إلى السحر، وخرّج البخارى: " لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر " (¬2). وقوله: قالوا: إنك تواصل، قال: " إنكم لستم فى ذلك مثلى، إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى، فاكلفوا من العمل (¬3) ما تطيقون " (¬4): وهذا يحتمل أن يكون المراد به أن الله تعالى يخلق (¬5) فيه من الشبع والرى ما يخلقه فى قلب من أكل وشرب، أو يكون على حقيقته فى ذلك، جَلت قدرته، يطعمه ويسقيه، كرامة له - عليه السلام. وقوله: " اكلفوا من العمل ": قال صاحب الأفعال: يقال: كلف وجهه كلفاً، وكلفت الشىء كلافةً: تحملته [وأولِعْتُ به] (¬6). وقوله: " انزل فاجدح لنا "، قال الإمام: الجدح: خلط الشىء بغيره، والمجدحة: الملعقة. قال القاضى: المجدح: المحوض، قالوا: هو عود فى طرفه عيدان (¬7). وقوله: " لو أمسيت ": أى أخزت إلى وقت المساء وتحقق، كقوله: " عليك نهاراً " فى الرواية الأخرى؛ لأنه اعتقد أن بقية الضوء والحمرة بعد مغيب الشمس معتبرٌ فى ¬

_ (¬1) سيأتى فى الباب القادم برقم (60). (¬2) البخارى، ك الصوم، ب الوصال ومن قال: ليس فى الليل صيام 3/ 48. (¬3) فى ع: الأعمال (¬4) سيأتى فى الباب التالى برقم (58). (¬5) فى س: خلق. (¬6) فى س، ع: وبه أولعت. (¬7) فى س: عودان.

عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: " يَا فُلَانُ، انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا " مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهرٍ وَعَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ. 54 - (...) وحدَّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَن ابْنِ أَبِى أَوْفَى. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنِ ابْنِ أَبِى أَوْفَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَعَبَّادٍ وَعَبْدِ الْوَاحِدِ، وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: فِى شَهْرِ رَمَضَانَ. وَلا قَوْلُهُ: " وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا " إِلا فِى رِوَايةِ هُشَيْمٍ وَحْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصوم، وقيل: إنما أنكر تعجيل الفطر، وليس فى قول الرجل هذا مخالفة لأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا معارضة، بل قصد التنبيه على بقية الوقت عنده وظهور الحمرة التى ظن أن النبى - عليه السلام - لم يرها أو التثبت والتعليم؛ ليبين له أن مثل هذا من بقايا شعاع الشمس، وما بعد مغيبها لا يلتفت إليه، ولا يستحقه أمد الصوم، وأن مغيب قرصها أوجب الفطر ودخل الليل، أو أن التعجيل بالإفطار أولى وأحق.

(11) باب النهى عن الوصال فى الصوم

(11) باب النهى عن الوصال فى الصوم 55 - (1102) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ. قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: " إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّى أُطْعَمُ وَأُسْقَى ". 56 - (...) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ فِى رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ. قِيلَ لَهُ: أَنْتَ تُوَاصِلُ؟ قَال: " إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّى أُطْعَمُ وَأُسْقَى ". (...) وحدَّثنا عبدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: فِى رَمَضَانَ. 57 - (1103) حدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُوُنسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوِصَالِ. فَقَالَ رَجُل مِنَ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَكَ يَا رَسُولَ اللهِ تُوَاصِلُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأَيُّكُمْ مِثْلِى؟ إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اختلف العلماء فى أحاديث الوصال، فقيل: النهى عنه رحمة وتخفيف، فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف الأيام، [وأجازهُ] (¬1) ابن وهب وإسحاق وابن حنبل من سحر إلى سحر، وحكى أبو عُمر بن عبد البر عن مالك والثورى وأبى حنيفة والشافعى وجماعة من أهل الفقه والأثر كراهة الوصال للجميع؛ لنهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، ولم يجيزوه لأحدٍ (¬2)، قال الخطابى: الوصال من خصائص ما أبيح للنبى - عليه السلام - وهو محظور على أمته (¬3). ¬

_ (¬1) فى س: وأجاز. (¬2) الاستذكار 10/ 153. (¬3) ثم قال الخطابى: ويشبه أن يكون المعنى فى ذلك ما يتخوف على الصائم من الضعف وسقوط القوة فيعجز عن الصيام المفروض عن سائر الطعام، أو يملوها إذا نالتهم المشقة فيكون سبباً لترك الفريضة. انظر: معالم السنن 3/ 239.

فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ، فَقَالَ: " لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ " كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. 58 - (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ ". قَالُوا: فَإِنَّكَ توَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: " إِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِى ذَلِكَ مِثْلِى، إِنِّى أَبْيِتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى فَاكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ". (...) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيْرَةُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَاكْلَفُوا مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ ". (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ. 59 - (1104) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى فِى رَمَضَانَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَامَ أَيْضًا، حَتَّى كُنَّا رَهْطًا، فَلَمَّا حَسَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا خَلْفَهُ، جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِى الصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ فَصَلَّى صَلَاةً لا يُصَلِّيهَا عِنْدَنَا. قَالَ: قُلْنَا لَهُ - حِينَ أَصْبَحْنَا -: أَفَطِنْتَ لَنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: " نَعَمْ، ذَاكَ الَّذِى حَمَلَنِى عَلَى الَّذِى صَنَعْتُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى ": دليل على اختصاص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوصال، ومعنى قوله: " يُطعمنى ربى ويسقينى ": فيها (¬1) وجوه: منها: أنه على ظاهره كرامةً له واختصاصاً. الثانى: أنه كناية عن القوة التى جعلها الله له، وإن لم يطعم ويُسق، حتى يكون كمن فُعل به ذلك. الثالث: أنه يخلُق الله فيه من الشبع والرى ما يغنيه عن الطعام والشراب. ¬

_ (¬1) فى الأصل: فيه.

قَالَ: فَأَخَذَ يُوَاصِلُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَاكَ فِى آخِرِ الشَّهْرِ - فَأَخَذَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُوَاصِلُونَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَالُ رِجَالٍ يُوَاصِلُونَ! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِى، أَمَا وَاللهِ، لَوْ تَمَادَّ لِى الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً، يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ ". 60 - (...) حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: وَاصَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى أَوَّل شَهْرِ رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: " لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً، يَدَعُ الْمُتَعَمِّقَونَ تَعَمُّقَهُمْ، إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِىَ. أَوْ قَالَ: إِنَّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ - إِنِّى أَظَلُّ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى ". 61 - (1105) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدَةَ. قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يدع المتعمقون تعمقهم ": هم الذين لكلامهم غَوْرٌ، وبعدُ مَرمى، وأصله البعد، ومنه بئر عميق، بعيدة القعر، وبلد عميق، أى بعيد، وهو مثل المتنطعين والمراد بكل ذا أصحابُ التأويل البعيد والمشددون فى الأمور. وقول النبى - عليه السلام -: " فقد أفطر الصائم " (¬1): قيل: يدل أن الليل ليس بمحل للصوم، وأن بمغيب الشمس أفطر الصائم بالحكم، وإن لم يأكل، وقيل: يحتمل أن المراد به حان وقت إباحة الفطر للصائم، وهو [دليل لفظ] (¬2) الحديث ومساقه، وكون هذا الكلام جواباً للقائل: " أن عليك نهاراً ". وقوله: فى حديث عاصم: " واصل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أول شهر رمضان " كذا للعذرى والطبرى والسجزى والباجى، وأكثر نسخ مسلم وهو وَهم، وصوابه: " فى آخر شهر رمضان "، وكذا جاء عن الهوزنى، وبدليل قوله فى الحديث الآخر: " وذلك فى آخر الشهر "، ولقوله فى الآخر: " لو مد لنا الشهر لواصلنا "، وبقوله فى الآخر: " واصل لهم يوماً ويوماً ثم رأوا الهلال "، وفيها: " أما والله لو تمادى (¬3) لى الشهر ¬

_ (¬1) سبق فى الباب السابق. (¬2) فى س: لفظ دليل. (¬3) فى نسخ الإكمال، وفى الصحيحة: تماد.

اللهُ عَنْهَا؛ قَالَتْ: نَهَاهُمُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ - فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ! قَالَ: " إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّى يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لواصلته "، وعند العذرى: " تماد " (¬1) بمعنى تمدّد، وهو قريب المعنى، بمعنى مد فى الرواية الأخرى: " يوماً ويوماً ثم رأوا الهلال ". ¬

_ (¬1) فى الأصل: بماد.

(12) باب بيان أن القبلة فى الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته

(12) باب بيان أن القبلة فى الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته 62 - (1106) حدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ إِحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَضْحَكُ. 63 - (...) حدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُو صَائِمٌ؟ فَسَكَتَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ. 64 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَن الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُنِى وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث القبلة للصائم قال الإمام: اختلف الناس فى جواز القُبلة للصائم، ومن بديع ما روى فى [جواز] (¬1) ذلك قوله - عليه السلام -[للسائل عنها] (¬2): " أرأيت لو تمَضمضت "، فأشار هنا إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة قد تقرر عندهم أنها لا تنقض الصوم لأنهم كانوا يتوضؤون وهم صيام، والمضمضة أوائل الشرب ومفتاحه، كما أن القبلة من دواعى الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع، فكما ثبت عندهم [أن] (¬3) أول الشرب الذى هو المضمضة لا تفسد الصوم، فكذلك أوائل الجماع الذى هو القبلة لا تفسده، وفيه - أيضاً - إثبات القياس فى الشريعة واستعمال الأشباه، والذى أشارت إليه عائشة فى قولها: " وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يملك إربه " إليه يرجع فقه المسألة لأنها أشارت إلى أنه - عليه السلام - يقف عند القبل، ويأمن على نفسه أن يقع فيما سواه ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) فى ع: لما سئل عن القبلة للصائم. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

65 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا. ح وَحَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهَ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وُيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف غيره [من أمته] (¬1)، فينبغى أن تعتبر حالة المُقَبِل، فإن كانت القبلة تثير منه الإنزال كانت محرمة عليه؛ لأن الإنزال المكتسب يمنع منه الصائم، فكذلك ما أوقع فيه وأدى إليه، وإن كان إنما يكون عنها المذى فيجرى ذلك على حكم القضاء منه، فمن (¬2) رأى أن القضاء (¬3) منه واجب، أوجب الكف عن القبلة، ومن رأى [أن] (¬4) القضاء منه مستحب، استحب الكف عن [ذلك] (¬5)، وإن كانت القبلة لا تؤدى إلى شىء [مما ذكر] (¬6)، ولا تحرك لذة، فلا معنى للمنع منها إلا على طريقة من يخشى (¬7) الذريعة، فيكون للنهى عن ذلك وجه. وقد اختلف أصحابنا فيمن قَبّل قبلة واحدة فأنزل، هل يُكَفِّر أم لا؟ وهذا منهم خلاف فى حال فيمن رأى الكفارة اعتقد أن القبلة الواحدة يكون عنها الإنزال، ففاعلها قاصد إليه ومنتهك لحرمة الشهر وجبت الكفارة، ومن رأى أن لا كفارة عليه اعتقد أن الإنزال لا يمكن عنها غالباً، فالفاعلُ لها وإن وقع منه ذلك غير قاصد [إليه] (¬8) ولا منتهك لحرمة الشهر. واتفقوا إذا وَالَى القبل فأنزل، عليه الكفارة لاتضاح وقوع الإنزال [عند ذلك] (¬9). قال القاضى: قد تقدم لنا كلام على هذا الحديث أول الكتاب، وما ذكر عن مالكٍ وغيره من الاختلاف ومن أباحها على الإطلاق وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وداود من الفقهاء ومن كرهها على الإطلاق وهو مشهور قول مالك، ومن كرهها للشباب وأباحها للشيخ وهو المروى عن ابن عباس ومذهب أبى حنيفة والشافعى والثورى والأوزاعى وحكاه الخطابى عن مالك، ومن أباحها فى النفل ومنعها فى ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) فى الأصل: فيمن، وما أثبت من ع، س. (¬3) فى س والأصل: ذلك. (¬4) ساقطة من س. (¬5) ساقطة من ع. (¬6) فى س: ذلك. (¬7) فى ع: يحمى. (¬8) من ع، س. (¬9) سقط من س.

66 - (...) حدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ. 67 - (...) وحدَّثنا مُحْمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ. 68 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ إِلَى عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - فَقُلْنَا لَهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكْنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ - أَوْ مِنْ أَمْلَكِكُمْ لإِرْبِهِ - شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَن إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ؛ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِيَسْأَلانِهَا. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 69 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الفرض فهى رواية ابن وهب عنه. قوله: فى الحديث: " ويباشر وهو صائم ": حكم المباشرة عندهم حُكم القبلة، وهى أشد وأخوف. قال بعض شيوخنا: ولا نعلم أحداً ممن رخص فى القبلة إلا ويشترط (¬1) معها السلامة وملك النفس. وقوله عن عائشة: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل بعض نسائه وهو صائم ثم تضحك ": يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف فى هذا، وقيل: التعجب من نفسها إذ تحدث بمثل هذا الحديث، والمفهوم منه أنها هى ومثله مما يستحى بالحديث مثله، لاسيما مع الرجال، ولكن تعجبت لضرورة الحال لإخبارها بذلك لئلا تكتم علماً علمته، وقيل: سروراً بتذكر مكانها من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحالها معه فى ذلك، وقد يكون هذا الضحك خجلاً لإخبارها عن نفسها بذلك، أو تنبيهاً بضحكها على أنها هى صاحبة القصة لتكون أبلغ فى الثقة بحديثها بذلك. وقولها: " وأيكم يملك (¬2) إربه كما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يملك (¬3) إربه ": كذا رويناه ¬

_ (¬1) فى س: وشرط. (¬2) و (¬3) فى س: أملك.

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلَّامٍ - عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 70 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ - عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا. قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ فِى شَهْرِ الصَّوْمِ. 71 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِىُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ فِى رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ. 72 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزّنَادِ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. 73 - (1107) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ شُتَيْرِ ابْنِ شَكَلٍ، عَنْ حَفْصَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. (...) وحدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ حَفْصَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر الهمزة والسكون عند أكثرهم، ومعناه: وَطره، قال الله عز وجل: {غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبِةِ مِنَ الرِّجَال} (¬1)، [أى] (¬2) الذين لا رغبة لهم ولا حاجة فى النساء، والإربة - ¬

_ (¬1) النور: 31. (¬2) من س.

74 - (1108) حدَّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِىِّ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَلْ هَذِهِ " - لأُمِّ سَلَمَةَ - فَأَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا وَاللهِ، إِنِّى لأَتْقَاكُمْ للهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضاً - العضو. قال الخطابى: كذا رواه أكثرهم، وإنما " لإربه " أى وطره، ثم حكى مثل ما تقدم، قال الهروى: الأرب والإربة والمأربة: الحاجة، وفيها جواز الإخبار عن أمثال هذا مما يكون بين الزوجين على الجملة لضرورة تدعو إليه. وقول السائل له: " قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر " محمول [على] (¬1) أنه اعتقد تجويز مثل هذا منه لا من غيره، ولأنه قد غفر له مثل هذا، ويدل عليه قوله - عليه السلام -: " إنى أتقاكم لله "، وما روى فى غير مسلم من غضبه لهذا، وقد يحتمل أنه اعتقد تخصيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، بدليل ما جاء فى الموطأ: " يحل الله لرسوله ما شاء " (¬2)، ففى جملة هذا كله وجوب الاقتداء بأفعال النبى - عليه السلام - والوقوف عندها، وأن حكمه فيها حكمنا إلا ما جاء تخصيصه ببيان، وفيه دليل على أصح القولين أن الصغائر والمكرهات لا تقع منه، إذ لو كان هذا لم يصح الاقتداء بأفعاله وجوباً أو ندباً أو إباحة، إذ لا يتميز لنا ذلك من المحظور والمكروه، وغضبه - عليه السلام - وإنكاره على من تأول عليه هذا ظاهرٌ. وقد اختلف الناس فى هذا، والصحيح عصمة الأنبياء من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، وقد بسطنا الكلام على هذا فى كتاب " الشفاء " بما فيه مقنع. واختلف الفقهاء والأصوليون فى أفعاله، فجمهور الفقهاء على امتثال أفعاله مطلقاً، وإن اختلفوا هل ذلك واجب، وهو قول أكثر أصحابنا البغداديين، وحكوه عن مالك، وقول أكثر أصحاب الشافعى. وذهب معظم الشافعية إلى أن ذلك ندب، وذهبت طائفة إلى حملها على الإباحة، وقيد بعض الأصوليين اتباع أفعاله فيما كان من الأمور الدينية وعلم به مقصد القربة، وهذا مستقصى فن الأصول. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) الموطأ، ك الصيام، ب ما جاء فى الرخصة فى القبلة وهو صائم عن عطاء بن يسار، وهو مرسل عند جميع الرواة 1/ 292. وقد رواه الشافعى فى الرسالة (1109) بتحقيق أحمد محمد شاكر.

(13) باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب

(13) باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب 75 - (1109) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَ - يَقُصُّ، يَقُولُ فى قَصَصِهِ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ - لأَبِيهِ - فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث أبى هريرة: " من أدرك الفجر وهو جنب فلا يصم "، قال الإمام: شذ بعض الناس فأخذوا بظاهر هذا، ورأوا أن صوم الجنب لا ينعقد. وقد أشار فى كتاب مسلم إلى رجوع أبى هريرة - عن ذلك، وأرسل الحديث أولاً، ثم أسنده لما قيل له، وأحال على الفضل بن عباس. فإن قيل: كيف وجب رجوعه عن ذلك ولم قال بخلافه، ولم أخذ جماعة العلماء بخلاف هذا الحديث إلا رجلاً أو رجلين فإنهما شذا، مع [أن] (¬1) أبا هريرة رواه عن الفضل ابن عباس؟ قلنا: قد عارضه ما ذكر فى الحديث عن عائشة وأم سلمة - رضى الله عنهما - وأنه - عليه السلام - كان يصبح جنباً من غير حلم ثم يصوم وأشار فى الحديث إلى أن أبا هريرة لما سمع هذا عنهما اعتذر بما اعتذر وهذا فعل منه - عليه السلام - والأفعال تقدم قبل (¬2) الأقوال عند بعض الأصوليين، ومن قدم منهم الأقوال (¬3) فإنه يرجح هاهنا الفعل لموافقة ظاهر القرآن؛ لأن الله - سبحانه - أباح المباشرة إلى الفجر، وإذا كانت النهاية إلى الفجر فمعلوم أن الغسل إنما يكون بعد الفجر إذا (¬4) كان الجماع مباحاً إليه. فاقتضى هذا صحة صوم من طلع عليه الفجر (¬5) وهو جنب، فلما طابق ظاهر القرآن فعله - عليه السلام - قدم على ما سواه، وقد قيل: إن ما رواه أبو هريرة محمول على أن ذلك كان فى أول الإسلام؛ لما كانوا إذا ناموا حرم عليهم الجماع، فلما نسخ ذلك نسخ ما تعلق به. ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل. (¬2) فى ع: على. (¬3) فى س: القول. (¬4) فى س: إذ. (¬5) فى ع: الفجر عليه.

الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلا مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِى هُرَيْرَةَ، فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يُقَولُ. قَالَ: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالتَاهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ذكر فى الحديث أن أبا هريرة قال: سمعته من الفضل بن عباس، وفى النسائى: أخبرنيه أسامة بن زيد (¬1)، وفى رواية أخرى: أخبرنيه فلان وفلان، فيحتمل أنهما جميعاً حدثاه الفضل، وأسامة، وفى الموطأ (¬2): إنما أخبرنيه رجلٌ (¬3)، وفى النسائى من رواية أبى قلابة: فقال أبو هريرة: هكذا كنت أحسب (¬4)، ولم يزده (¬5) على ذلك. وقد اتفق العلماء بعد [على] (¬6) ترك هذا من رواية أبى هريرة، وإنما كان الخلاف فيها أولاً من بعض الصحابة والتابعين، فروى مثل قول أبى هريرة عن الحسن بن صالح، وروى عن طاوس وعروة والنخعى مثله إذا أصبح وهو عالم بجنابته، فإن لم يعلم أجزأه، وروى مثله عن أبى هريرة، وروى عن النخعى والحسن: لا يجزئه فى الفرض، ويجزئه فى التطوع (¬7)، وعن الحسن البصرى - أيضاً - وسالم والحسن بن حيىّ: يصومه ويقضيه (¬8)، وذهب بعضهم فى تأويل حديث أبى هريرة، أن معناه: من أصبح جنباً، أى مجامعاً، أى طلع له الفجر وهو يجامع، فلا صوم له، ولا خلاف إذا أكمل جماعه، أو تمادى فيه شيئاً بين الفقهاء أنه فسد (¬9) صومه وقد اختلفوا فيه إذا نزع لحينه فيما ذكرناه قبل. وقول مروان فى الحديث لأبى بكر بن عبد الرحمن: " عزمت عليك إلا ما ذهبت لأبى هريرة فرددت عليه " فيه ما يلزم من بيان العلم والنصيحة فيه، وتبليغه من لم يبلغه، والاستثبات أيضاً ليرى ما عند أبى هريرة، فلعل عنده ما ينسخ ما خالفه نصاً. ¬

_ (¬1) السنن الكبرى للنسائى 2/ 178. (¬2) الموطأ، ك الصيام، ب ما جاء فى صيام الذى يصبح جنباً فى رمضان (9). (¬3) فى س: مخبر. (¬4) النسائى فى السنن الكبرى 2/ 181. (¬5) فى س: يحله. (¬6) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬7) انظر: التمهيد 17/ 424، الاستذكار 10/ 47. (¬8) وروى عن الحسن البصرى وسالم بن عبد الله أنهما قالا: يتم صومه ذلك اليوم، ويقضيه إذا أصبح فيه جنباً. الاستذكار 10/ 47. (¬9) فى س: أفسد.

ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِى ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِى ذَلِكَ. قُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: أَقَالَتَا: فِى رَمَضَانَ؟ قَالَ: كَذَلِك، كَان يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ ثُمَّ يَصُومُ. 76 - (...) وحدّثنى حَرْمَلُة بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِى رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. 77 - (...) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِىِّ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - يَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا، أَيَصُومُ؟ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، لا مِنْ حُلُمٍ، ثُمَّ لا يُفْطِرُ وَلا يَقْضِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى هريرة عن عائشة وأم سلمة: " هما أعلم " وسؤال هؤلاء لهما، دليل على الرجوع فى كل حال لمن هو أعلم بالشىء وأقعد به، وأن المباشر للأمر أعلم به من المخبر عنه، وفيه دليل على ترجيح رواية صاحب الخبر إذا عارضه حديث آخر، وترجيح ما رواه النسائى مما يختص بهن إذا خالفهم (¬1) فيه الرجال، وكذلك الأمر فيما يختص بالرجال على ما أحكمه الأصوليون فى باب الترجيح للآثار. وقد اختلف العلماء أيضاً فى الحائض تطهر قبل الفجر، وتترك التطهر حتى تصبح، فجمهورهم على وجوب تمام الصوم عليها، وإجزائه، سواء تركته عمداً أو سهواً، وشدد محمد بن مسلمة فقال: لا يجزئها، وعليها القضاء والكفارة، وهذا كله فى المفرّطة المتوانية (¬2)، فأما التى رأت الطهر فبادرت فطلع عليها الفجر قبل تمامه، فقد قال مالك: هذا كمن طلع عليها وهى حائض يومها يوم فطر، وقاله عبد الملك (¬3)، وقد ذكر بعضهم ¬

_ (¬1) فى س: خالفهن. (¬2) انظر: الاستذكار 10/ 48. (¬3) انظر: التمهيد 17/ 425.

78 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجَىِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُمَا قَالتَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِى رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ. 79 - (1110) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالَ ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِىُّ أَبُو طُوَالَةَ - أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -؛ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ، وَهِى تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُدْرِكُنِى الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ، أَفَاَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأَنَا تُدْرِكُنِى الصَّلَاةُ وَأَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قول عبد الملك هذا فى المتوانية، وهو أبعد من قول ابن مسلمة. قوله: " فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث لأبيه فأنكره "، قال الإمام: هكذا فى النسخة عن الجلودى، وفى نسخة ابن ماهان: فذكر ذلك عبد الرحمن لأبيه فقال (¬1) بعضهم: والرواية الأولى هى الصواب، ومعناها: أن أبا بكر ذكره لأبيه عبد الرحمن، وجاء هذا من الراوى على معنى البيان، جعل قوله لأبيه بدلاً بإعادة حرف الجر. كأنه [لما] (¬2) قال: فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث فأنكره، ولم يقل: لأبيه. وما وقع فى نسخة ابن ماهان من قوله: فذكر ذلك عبد الرحمن لأبيه، خطأ ولا معنى له، يؤدّى أن عبد الرحمن بن الحارث (¬3) ذكره لأبيه، وهذا غير مستقيم. قال القاضى: قال بعضهم: لعل فيه على رواية ابن ماهان تقديم وتأخير، وصوابُه: فذكر ذلك لأبيه عبد الرحمن بن الحارث، فتقدم بعض الكلام على بعض. وقوله: " يصبح جنباً فى رمضان من جماع غير احتلام " نص فى الباب، ورد على ¬

_ (¬1) فى س: قال. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬3) عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو محمد المدنى، ولد فى زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن أبيه وعمر وعثمان وعلى وأبى هريرة وغيرهم، وعنه أولاده أبو بكر وعكرمة والمغيرة وغيرهم. قال العجلى: مدنى تابعى ثقة. وقال الدارقطنى: مدنى جليل يحتج به، توفى فى خلافة معاوية، وروى عن عمر وكان فى حجره، وذكره ابن حبان فى الثقات التابعين. مات سنة ثلاث وأربعين. التهذيب 6/ 156 - 158.

جُنُبٌ فَأَصُومُ " فَقَالَ: لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ: " وَاللهِ، إِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ للهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِى ". 80 - (1109) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُحمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا، أَيَصُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من فرق بين العالم والناسى، بين الفرض والنفل. وإذا كان هذا من جماع، فمعلوم تقدم علمه.

(14) باب تغليظ تحريم الجماع فى نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت فى ذمة المعسر حتى يستطيع

(14) باب تغليظ تحريم الجماع فى نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت فى ذمة المعسر حتى يستطيع 81 - (1111) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، كُلهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخَبْرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: هَلكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " وَمَا أَهْلَكَكَ؟ " قَالَ: وَقَعْتُ عَلى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر أحاديث المجامع فى رمضان. قال الإمام: أكثر الأئمة (¬1) على إيجاب الكفارة على المجامع [فى رمضان عامداً] ودليلهم هذا الحديث. وشذ بعض الناس فقال: لا كفارة على المجامع، (¬2) وإن تعمد، واغتروا بقوله - عليه السلام - لما أمره أن يتصدق بالعَرَقِ من التمر، وشكا الفاقه، [فقال له] (¬3): " اذهب فأطعمه أهلك "، فدل ذلك عنده على سقوط الكفارة، وأحسن ما حُمل عليه [هذا الحديث] (¬4) عندنا على أنه أباح له تأخيرها لوقت يُسره لا على [أنه] (¬5) أسقطها عنه، وليس فى الحديث ما يدل على إسقاطها جملة. وأما المجامع ناسياً فى رمضان، فقد اختلف أصحابنا فى إيجاب الكفارة [عليه] (¬6)، فقال بعضهم: تجب الكفارة؛ لأنه - عليه السلام - لم يستفسر السائل: هل جامع عامداً أو ناسياً، فدل على أن الحكم لا يفترق، وقال بعضهم: لا كفارة على الناسى؛ لأن الكفارة تمحيصٌ للذنوب، والناسى غير مذنب ولا آثم. واختلف الناس فى المفطر بالأكل عامداً هل يكفر أم لا؟ فمن رأى الحدود والكفارات لا يقاس عليها، أو رأى فى الجماع معنى يختص به دون الأكل، قصر الكفارة على ما ورد به الخبر، ومن رأى إثبات القياس فى الكفارات والحدود (¬7)، ورأى أن الأكل مساوٍ للجماع لاشتراكهما فى كونهما انتهاكين لحرمة الشهر وتعلق المآثم (¬8) بهما - أوجب الكفارة فيه. قال القاضى: قوله: " هلكت "، وقوله: " احترقت " مما استدل به الجمهور على ¬

_ (¬1) فى ع: الأمة. (¬2) و (¬3) من هامش س. (¬4) من ع. (¬5) و (¬6) فى هامش س. (¬7) فى ع: الحدود والكفارات. (¬8) فى س: الإثم.

" هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ ". قَالَ: لا. قَالَ: " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ". قَالَ: لا. قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ. فَأُتِىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: " تَصَدَّقْ بِهَذَا ". قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِليْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. ثُمَّ قَالَ: " اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أن ذلك فى العامد لجماعه دون الناسى، وهو مشهور قول مالك (¬1) وأصحابه، وذهب أحمد بن حنبل (¬2)، وبعض أهل الظاهر، وعبد الملك بن الماجشون، وابن حبيب من أصحابنا، وروى عن مالك، وعن عطاء إلى إيجابها على الناسى، والعامد فى الجماع (¬3)، وحجتهم ترك استفسار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، وأن قوله: " وقعت على امرأتى " فى الحديث الآخر ظاهره عموم الوقوع فى العمد والجهالة والنسيان، وحذره من المؤاخذة بذلك، إلا أن مالكاً والليث والأوزاعى وعطاء (¬4) يلزمانه (¬5) القضاء، وغيرهم (¬6) لا يلزمه. وقوله: " هل تجد ما تعتق ": استدل به الشافعى وداود وأهل الظاهر على مذهبهم فى أنه لا يلزم فى الجماع على الرجل والمرأة إلا كفارة واحدة، إذ لم يذكر له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم المرأة، وهو موضع البيان، ولا يتركه كما لم يترك بيان شأن المرأة فى حديث المتخاصمين فى الزنا، وقال: " اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " (¬7)، ولقوله فى الرواية القليلة: " هلكت وأهلكت "، وهذه اللفظة ليست محفوظة عند الأثبات الحفّاظ، والأوزاعى يوافقهم إلا إذا كفر بالصيام، فعليهما جميعاً. ومالك (¬8) وأبو ثور، وأصحاب الرأى على وجوب الكفارة على المرأة إن طاوعته، وتأول هذا الحديث: لعل المرأة مكرهة أو ناسية لصومها، أو ممن يباح لها الفطر ذلك اليوم لعذر المرض أو السفر أو الطهور من الحيض، وسوى الأوزاعى بين المكرهة والطائعة على مذهبه، وقال مالك فى مشهور مذهبه فى المكرهة: يُكفر عنها بغير الصوم، وقال سحنون: لا شىء عليها، وبهذا قال أبو ثور وابن المنذر. ولم يختلف مذهبنا فى قضاء المكرهة والنائمة، إلا ما ذكر ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 10/ 118. (¬2) انظر: التمهيد 7/ 179، الاستذكار 10/ 111. (¬3) الاستذكار 10/ 111. (¬4) التمهيد 7/ 178، الاستذكار 10/ 111. (¬5) فى س: يلزمونه. (¬6) قال الشافعى والثورى فى رواية الأشجعى وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حيى وأبو ثور وإسحاق بن راهويه: ليس عليه شىء، لا قضاء ولا كفارة، بمنزلة من أكل ناسياً عندهم، وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم. انظر: الاستذكار 10/ 111. (¬7) البخارى، ك المحاربين، ب من أمر غير الإمام بإقامة الحد، من حديث أبى هريرة وزيد بن خالد 8/ 212. (¬8) انظر: التمهيد 7/ 178، 179.

(...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ: بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَهُوَ الزَّنْبِيلُ، وَلمْ يَذْكُرْ: فَضَحِكَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. 82 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِى رَمَضَانَ، فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: " هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟ ". قَالا: لا. قَالَ: " وَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَينِ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن القصّار عن القاضى إسماعيل، عن مالك: أنه لا غسل على الموطوءة نائمةً ولا مكرهة، ولا شىء عليها إلا أن تلتذ. قال ابن القصار: فتبين من هذا أنها غير مفرطة. قال القاضى: فظاهره [على] (¬1) أنه لا قضاء على المكرهة إلا أن تلتذ، ولا على النائمة؛ لأنها كالمحتلمة، وهو قول أبى ثور فى النائمة والمكرهة (¬2). واختلف فى وجوب الكفارة على المكره على الوطء لغيره على هذا، وحكى ابن القصار عن أبى حنيفة أنه لا يلزم المكره كفارة عن نفسه، ولا على من أكره. وقوله: " تعتق رقبة ": يحتج به من لا يشترط فيها الإيمان لإطلاقه ذلك، ومالك وأصحابه يقولون: لا تجزئ إلا مؤمنة؛ لقوله فى حديث السوداء: فعلىّ رقبة، ثم قال - عليه السلام -: " أعتقها فإنها مؤمنة " (¬3)، ولتقييده الإيمان فى كفارة القتل، فحمل المطلق فى الباب على المقيد، وقد تقدم من هذا فى حديث السوداء. وقوله: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ": حجة لما عليه الجمهور، وأجمع عليه بعدُ أئمة الفتوى من صيام الشهرين متتابعين، خلاف ما روى فى ذلك عن ابن أبى ليلى: أنه لا يلزم فيهما التتابع. واختلف القائلون بالكفارة فى المتعمد بالفطر بغير الجماع، فعامة أئمة الفتوى على أن ذلك كالجماع. الصيام فى ذلك شهران متتابعان، وفيه اختلاف كثير. [وقيل غيرُ هذا، وعن علىّ وأبى هريرة وابن مسعود - رضى الله عنهم -: لا يجزئه صيام الدهر وإن صامه، وعن بعض التابعين] (¬4)، فعن ابن المسيب (¬5): شهرٌ واحد ليومٍ أو ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى س: المستكره. (¬3) مسلم، ك المساجد ومواضع الصلاة، ب تحريم الكلام فى الصلاة (537/ 33)، أبو داود، ك الصلاة، تشميت العاطس فى الصلاة 1/ 213. (¬4) سقط من س. (¬5) التمهيد 7/ 170، 171.

83 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِى رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، ثُمَّ ذَكرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. 84 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلاً أَفْطَرَ فِى رَمَضَانَ، أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. 85 - (1112) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ المُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: احْتَرَقْتُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِمَ؟ ". قَالَ: وَطِئْتُ امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ نَهَارًا. قَالَ: " تَصَدَّقْ، تَصَدَّقْ ". قَالَ: مَا عِنْدِى شَىْءٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ، فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أيام، كأنه رأى أنه يلزمه قضاء الشهر متتابعاً لفطر ذلك اليوم أو الأيام، عن ربيعة (¬1): اثنا عشر يوماً، ويقول: فضل رمضان على اثنى عشر شهراً، فمن أفطرَ يوماً منه كان عليه اثنا عشر يوماً، وقال ابن سيرين: يوم واحد للقضاء. وقوله: " تطعم ستين مسكيناً ": حجة لعامة الفقهاء فى أنها العدد الواجب من المساكين، خلافاً لما روى عن الحسن: أنه يطعم أربعين مسكيناً عشرين صاعاً. وقوله: " فأمره أن يجلس ": قيل: يحتمل انتظار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يأتيه كما كان، ويحتمل أن يكون (¬2) رجا لهُ فضل الله، ويحتمل انتظار وحى فى أمره. وقوله: فأتى بعرق تمرٍ فقال: " تصدق بهذا ": حجة لعامة العلماء أنه مدٌّ لكل مسكين؛ لأن العرق تقديره عندهم: خمسة عشر صاعاً، وهو مفسر فى الحديث، فتأتى قسمته على ستين، الذين أمره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإطعامهم مدًّا لكل مسكين، وهذا كالنص، ¬

_ (¬1) التمهيد 7/ 172. (¬2) فى س: أنه كان.

86 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَّهَابِ الثَّقَفِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خلافاً لأبى حنيفة والثورى فى أنه لا تجزئ أقل من نصف صاع (¬1). والعَرَق، بفتح الراء كما فسره فى الحديث، [هو] (¬2) الزنبيل هذا بكسر الزاى، وفى رواية الطبرى وغيره: " الزَّنبيل " [هذا] (¬3) بفتح الزاى، وهما صحيحان وهى القُفةُ والمكتل، وسمى زنبيلاً؛ لحمل الزبل فيه، قاله ابن دُريد. وسمى عَرَقاً؛ لأنه جمع عَرَقةٍ، وهى الظفيرةُ الواسعة فى (¬4) الخوص، تُخاط وتجمع حتى تصير زنبيلاً، ومن سماه عَرَقة فلأنه منها، ويجمع أيضاً عرقات. وقد رواه كثير من شيوخنا وغيرهم: " عرْق " بالإسكان، والصواب رواية الجمهور بفتحهما. وفى قوله: " تصدق بهذا ": دليل على جواز تكفير الرجل عن غيره. وقوله: " قال (¬5): أفقر منا ": كذا رويناه بالنصب على إضمار الفعل أتجد فقراء وتُعْطِى أفقر، وقد يصح رفعه على خبر المبتدأ، أى أجد أفقر منا، أو من يتصدق عليه أفقر منا، وقد رواه النسائى هكذا: " أجد أحوج منا " (¬6)، وكما قال فى الحديث الثانى: " [أغيرنا] (¬7) " ضبطناه كذلك بالضم، ويصح بالفتح على ما تقدم. وقوله: " [ما] (¬8) بين لابتيها ": اللابة: الحرّة وهى أرض ذات حجارة سود بين جبلين، أراد جانبى المدينة. وقوله: " وضحك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجباً من حاله ومقاطع كلامه، وإشفاقه أولاً، ثم طلبه ذلك لنفسه، وقد تكون من رحمة الله وتوسعته عليه وإطعامه له هذا الطعام، وإحلاله له بعد أن كلف إخراجه. وقوله: " اذهب فأطعمه أهلك ": قال الزهرى: هذا خاص لهذا الرجل وحده، يعنى أنه يجزئه أن يأكل من صدقة نفسه لسقوط الكفارة عنه لفقره فيؤمها له النبى - عليه السلام - وقد روى: " كله وأطعمه أهلك "، وقيل: هو منسوخ، وقيل: يحتمل أنه أعطاه إياه لكفارته، وأنه يجزئه عمن لا يلزمه نفقته من أهله، وقيل: بل لما كان عاجزاً عن نفقة أهله جاز له إعطاءُ الكفارة عن نفسه لهم، وقيل: بل لما ملكها إياه النبى - عليه ¬

_ (¬1) التمهيد 7/ 174، الاستذكار 10/ 105. (¬2) من هامش س. (¬3) من س. (¬4) فى س: من. (¬5) فى س: فقال. (¬6) النسائى فى السنن الكبرى 2/ 213. (¬7) ساقطة من س. (¬8) من س.

أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - تَقُولُ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ. وَلَيْسَ فِى أَوَّلِ الحَدِيثِ: " تَصَدَّقْ، تَصَدَّقْ "، وَلا قَوْلهُ: نَهَارًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام - وهو محتاج جاز له أكلها وأهله لحاجته، وقيل: يحتمل أنه لما كان لغيره أن يكفر عنه كان لغيره أن يتصدق عليه عند الحاجة بتلك الكفارة. وقد ترجم البخارى عليه: إذا أطعم المجامع أهله فى رمضان من الكفارة وهم محاويج (¬1). قال غيره: وهذا سائغ إذا عجز عن نفقتهم إذ لا يلزمه لهم نفقةٌ فكانوا لغيرهم. قال بعضهم أيضاً: ولأن فى أكله منها إذا كان محتاجاً إحياء رمَقِهِ فجاز له، وفيما قاله نظر. وقيل: بل أطعمه إياه لفقره، وأبقى الكفارة عليه متى أيسر، وهذا تحقيق مذهب كافة أئمة العلماء، وذهب الأوزاعى وأحمد إلى أن حكم من لم يجد الكفارة، فمن لزمته من سائر الناس سقوطها عنه مثل هذا الرجل (¬2). وقوله: " هل تستطيع كذا "، قال الإمام: هكذا جاء على الترتيب، فذهب بعض الفقهاء إلى الأخذ بظاهر هذا، ورأوا أن استفهامه على هذا الترتيب يوجب ترتيب الإيجاب فى الكفارة على حسب ما وقع فى السؤال، ويكون ذلك كالكفارة فى الظهار، وذهب بعضهم إلى التخيير لما ذكر بعد هذا فى طريق آخر قال: أمر رجلاً أفطر فى رمضان أن يعتق، أو يصوم أو يطعم، ولفظة " أو " تقتضى التخيير. قال القاضى: ليس فى قوله: " هل تستطيع؟ " دليل على الترتيب كما ظهر للمخالف، ولا هو ظاهر فى ذلك، ولا نص، وهذه الصورة فى السؤال تصح فى الترتيب وغير الترتيب، وإنما يقتفى ظاهر اللفظ البداية بالأولى، وهو محتمل التخيير وبهذا نقول وبالترتيب فى كفارة رمضان كترتيب الظهار. قال الشافعى والكوفيون (¬3): وبذلك قال ابن حبيب من أصحابنا، وذهب مالك وأصحابه إلى التخيير فى ذلك، إلا أنه استحب الإطعام (¬4)، وعلى هذا نتأول قوله فى المدونة خلاف من ذهب إلى غير هذا فى تأويله، وهو المنصوص له فى غيرها، واستحباب البداية بالإطعام لذكر الله له فى القرآن، وإن كان نسخ رخصة للقادر، ففضلهُ بالذكر والتعيين له غير منسوخ لاختيار الله له فى حكمه، وكذلك بقاء حكمه للمفرط فى قضائه، وفى العاجز، وذى العذر، على ما سنذكره بعد هذا، ولشمول نفعه فى المساكين، ولأن ¬

_ (¬1) البخارى، ك الصيام، ب المجامع فى رمضان، هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج 3/ 42. (¬2) الاستذكار 1/ 106. (¬3) الاستذكار 10/ 98. (¬4) الاستذكار 10/ 97.

87 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القَاسِمِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ له مدخلاً فى كفارة رمضان للمرضع والحامل والشيخ الكبير والمفرط فى قضائه، ولأنه مطابق لمعنى الصوم الذى هو الإمساك عن الطعام والشراب، واستحب بعض أصحابنا ترتيب ذلك على ما جاء فى الحديث، واستحب بعضهم [ترتيب ذلك] (¬1) بحسب الأوقات والشدائد، فيكون الإطعام هناك (¬2) أفضل. وقوله فى رواية مالك فى هذا الحديث: " أن رجلاً أفطر فى رمضان " (¬3) به يحتج مالك وأصحابه لعموم قوله: " أفطر " أن المفطر بأكلٍ أو جماعٍ أو شربٍ هذا حكمه، وهو قول جماعة العلماء. قال الإمام: يتعلق به من يساوى بين الأكل والجماع [فى الكفارة] (¬4)، ودعوى العموم فى مثل هذا ضعيف عند أهل الأصول. قال القاضى: وذهب أبو المصعب من أصحابنا إلى أن الكفارة بالعتق والصيام إنما هى فى المجامع، وأما المفطر بالأكل والشرب فليس عليه غير الإطعام، وذهب الشافعى وأحمد وجماعة من السلف أن الكفارة إنما هى على المجامع وحده، وعلى المنتهك بغيره القضاء فقط (¬5). وذهب الحسن وعطاء على أن المكفر إن لم يجد رقبة أهدى بدنةً إلى مكة. قال عطاء: أو بقرة (¬6)، وقد ذكرت البدنة فى حديث المفطر فى رمضان بعد الرقبة من رواية عطاء عن ¬

_ (¬1) فى س: بترتيبه. (¬2) فى س: هنالك. (¬3) الموطأ 1/ 296 رقم (28). (¬4) سقط من س. (¬5) انظر: الحاوى 3/ 424. (¬6) الاستذكار 10/ 101، 102.

الْمَسْجِدِ فِى رَمَضَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ. فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا شَأَنُهُ؟ ". فَقَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِى. قَالَ: " تَصَدَّقْ " فَقَالَ: وَاللهِ، يَا نَبِىَّ اللهِ مَالِى شَىْءٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد بن المسيب، ذكره مالك فى الموطأ (¬1)، وقد أنكر سعيد على عطاء روايته عنه " البدنة " (¬2)، ولم يذكر مسلم فى هذا الباب قضاء ذلك اليوم عليه، وبه احتج من لم يره. وقد اختلف من قال بالكفارة فى الجماع وغيره أو فى الجماع فقط، هل يلزم مع الكفارة القضاء؟ فمالك يُوجب عليه القضاء مع الكفارة، وهو قول الشعبى، والزهرى، والثورى، وأبى حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق. وقال الأوزاعى: إن كفّر بالصوم أجزأه الشهران، وإن كفّر بغيره صام يوماً للقضاء. واختلف فيه قول الشافعى، وقد جاء فيه من رواية عمرو ابن شعيب: " وأمره أن يقضى يوماً مكانه " (¬3)، ومثله فى حديث ابن المسيب فى الموطأ (¬4). واختلفوا فيمن أفطره بغير جماع ناسياً، فمالك يرى عليه القضاء فى مشهور مذهبه، وهو قول جميع أصحابه، وقول ربيعة، وذهب كافة الفقهاء إلى أنه لا شىء عليه، وأن الله أطعمه وسقاه على ما جاء فى حديث أبى هريرة (¬5). وقال الداودى: لعل مالكاً لم يبلغه الحديث، أو تأول ذلك فى رفع الإثم عنه، وقال غيره: بل لإثبات عذره، وسقوط الكفارة عنه، وزيادة من زاد فيه: " ولا قضاء عليه " أكثر أسانيدها ضعيفة، وقد صحح الدارقطنى بعضها (¬6)، وفى حديث الأعرابى: أن من جاء مُستفتياً فيما فيه الاجتهاد دون الحدود المحدودة أنه لا يلزمه تعزير ولا عقوبة، كما لم يعاقب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الأعرابى] (¬7) على هتك حرمة الشهر؛ لأن فى مجيئه واستفتائه ظهور توبته وإقلاعه؛ ولأنه لو عوقب كل من جاء مجيئه لم يستفت أحدٌ غالباً عن نازلته مخافة العقوبة بخلاف ما فيه حد محدود، وقامت على ¬

_ (¬1) الموطأ 2/ 297 رقم (29). (¬2) وروى عن أيوب، عن القاسم بن عاصم؛ أنه قال لسعيد بن المسيب: إن عطاء الخراسانى يحدث عنك فى الرجل الذى وقع على أهله فى رمضان أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بعتق رقبة، قال: لا أجد. فقال: " انحر جزوزًا "، فقال: لا أجد، فتصدق بعشرين صاعاً من تمر، فقال سعيد: كذب الخراسانى، إنما بلغنى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " تصدق " فتصدق. قال أبو عمر: قد ذكرنا هذا الحديث فى التمهيد اضطراب فيه على القاسم بن عاصم ولا يجرح بمثله عطاء الخراسانى بفضله وشهرته فى العلم والخبر، أكثر من شهرة القاسم بن عاصم، وإن كان البخارى ذكر عطاء الخراسانى بهذا الخبر فى كتاب الضعفاء له، ولم يتابعه أحد على ذلك، وعطاء مشهور الفضل، وأما ذكر البدنة فى هذا الخبر فلا أعلمه روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسندًا إلا من رواية ليث عن مجاهد وعطاء جميعاً عن أبى هريرة، ذكره البخارى فى التاريخ الكبير (6/ 474) عن ابن شريك عن أبيه عن ليث عن عطاء. ثم قال فى التمهيد: خبر عطاء باطل. انظر: التمهيد 21/ 9، 10، والاستذكار 10/ 112 - 114. (¬3) أحمد فى المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. بلفظ: وأمره أن يصوم يوماً مكانه 2/ 208، وقال الهيثمى فى المجمع: " وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام " 3/ 168، وفى الاستذكار: وأمره أن يقضى يوماً مكانه 10/ 99. (¬4) الموطأ 1/ 297 رقم (29)، وكذا ابن ماجه 1/ 534 عن أبى هريرة، البيهقى فى السنن الكبرى 4/ 226. (¬5) سيأتى بعد إن شاء الله، ب أكل الناسى وشربه وجماعه لا يفطر. (¬6) منها ما أخرجه الدارقطنى فى السنن عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أكل الصائم ناسياً أو شرب ناسياً، فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه "، وقال: إسناد صحيح وكلهم ثقات، وأخرج - أيضاً - عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أفطر فى شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة "، ثم قال: تفرد به محمد بن مرزوق وهو ثقة. انظر: السنن 2/ 178. وروى الحاكم هذا الأخير فى مستدركه وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى. ك الصوم 1/ 430 ولقد أخرج الدارقطنى سبعة أحاديث فى الباب ما يدل على هذا وإن كانت كلها ضعيفة ولكن ضعفها ليس بالكبير. السنن 2/ 179. (¬7) من س.

وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ: " اجْلِسْ "، فَجَلَسَ، فَبَيْنَا هُوَ عَلى ذَلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَارًا، عَلَيْهِ طَعَامٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ المُحْتَرِقُ آنِفًا؟ "، فَقَامَ الرَّجُلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَصَدَّقْ بِهَذَا " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغَيْرَنَا؟ فَوَ اللهِ، إِنَّا لِجِيَاعٌ، مَا لَنَا شَىْءٌ. قَالَ: " فَكُلُوهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الاعتراف به بينةٌ، فإن التوبة لا تسقطه إلا حد الحرابة إذا تاب منها قبل القدرة عليه. وذكر مسلم فى الباب حديث مالك، وقال فيه: " فأمره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق رقبة " ثم ذكر: بمثل حديث ابن عيينة تعقب بعض المتعقبين على مسلم هذا، وقال: ليس حديث مالك بمعنى حديث ابن عيينة، حديث مالك بـ " أو " على التخيير وذكر الفطر، وحديث ابن عيينة على الترتيب، فهل تحدد تعيين الجماع؟ ومسلم أعلى قدرًا وأشرح صدراً من أن يذهب [عليه] (¬1) هذا، فإن حديث مالك، وإن كان أشهر، روايته ما ذكر من التخيير لم يختلف فى ذلك عنه رواة الموطأ، فقد رواه عن مالك بعض أصحابه، منهم الوليد بن مسلم، وإبراهيم بن طهمان (¬2)، وغيرهما، كرواية ابن عيينة المتقدمة، ومن وافقه من رواة ابن شهاب، فلعل عيسى بن إسحاق الذى رواه عنه مسلم وهو الطباع، ممن رواه كذا عن مالك أيضاً، فلا يبقى على مسلم علة، وقد ذكر مسلم بعد من وافق مالكاً على ما روى عنه فى الموطأ من أصحاب ابن شهاب. ¬

_ (¬1) فى س: مثل. (¬2) إبراهيم بن طهمان بن شعبة الخراسانى، ولد ببهراة، وسكن نيسابور، ثم سكن مكة إلى أن مات. قال ابن المبارك: صحيح الحديث، وقال ابن معين والعجلى: لا بأس به، وقال أحمد وأبو حاتم وأبو داود: ثقة، وزاد أبو حاتم: صدوق حسن الحديث. مات سنة ثلاث وستين ومائة. التهذيب 1/ 129 - 131.

(15) باب جواز الصوم والفطر فى شهر رمضان للمسافر فى غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم ولمن يشق عليه أن يفطر

(15) باب جواز الصوم والفطر فى شهر رمضان للمسافر فى غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم ولمن يشق عليه أن يفطر 88 - (1113) حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ فِى رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلغَ الكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ. وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ. (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عام الفتح فى رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر "، [وفيه] (¬1) قال ابن شهاب: وكانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2) ويرونه الناسخ المحكم بيّن فى حديث ابن رافع أنه من كلام ابن شهاب وفسر فيه ما أبهمه ابن عيينة من قوله: " لا أدرى من قول من هو؟ "، ولذلك أدخل مسلم هذا الطريق المفسر بعد حديث ابن عيينة تفسير المبهمة، وهو دليل إحسانه فى التأليف. قال الإمام أبو عبد الله: مجمل قول ابن شهاب على النسخ فى غير هذا الموضع، وإنما أراد أن الأواخر من أفعاله - عليه السلام - تنسخ الأوائل إذا كان ممّن لا يتمكن فيه البناء، إلا أن يقول قائل: إنه من ابن شهاب ميل [إلى القول] (¬3) بأن الصوم لا ينعقد فى السفر فيكون كمذهب بعض أهل (¬4) الظاهر، وهو غير معروف عنه. ¬

_ (¬1) فى ع: وفى طريق آخر من هذا الحديث. (¬2) قال أبو عمر: قوله: " وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله " يقولون: إنه من كلام ابن شهاب. الاستذكار 10/ 68. (¬3) سقط من الأصل، وما أثبت من ع، س. (¬4) فى ع: أصحاب.

قَالَ يَحْيَى: قَالَ سُفْيَانُ: لا أَدْرِى مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ؟ يَعْنِى: وَكَانَ يُؤْخَذُ بِالآخِرِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَكَانَ الفِطْرُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالآخِرِ فَالآخِرِ. قَالَ الزُّهْرِىُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلاثَ عَشْرَةَ ليْلةً خَلَتْ، مِنْ رَمَضَانَ. (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانُوا يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ منْ أَمْرِهِ، وَيَرَوْنَهُ النَّاسِخَ المُحْكَمَ. (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَهُ نَهَارًا ليَراهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَفْطَرَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -: فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. 89 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لا تَعِبْ عَلى مَنْ صَامَ وَلا عَلى مَنْ أَفْطَرَ، قَدْ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى السَّفَرِ، وَأَفْطَرَ. 90 - (1114) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ المَجِيدِ - حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِى رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلغَ كُرَاعَ الغَميمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فصام حتى بلغ كُراع الغميم ثم ذكر أنه دعا بقدح من ماء ثم شرب، فقيل

بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِليْهِ، ثُمَّ شَرِبَ. فَقِيلَ لهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: " أُولئِكَ العُصَاةُ، أُولئِكَ العُصَاةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: " أولئك العصاة [أولئك العصاة] (¬1) ": جل الفقهاء أن من أصبح صائماً فى الحضر ثم سافر أنه لا يفطر فى يومه، وذهب بعضهم إلى ذلك له، وكان هذا فرع بين أصلين: أحدهما: أن من أصبح صائماً ثم عرض له مرض فإنه يباح له الفطر. والثانى: [أن] (¬2) من افتتح الصلاة فى السفينة حضريةً، ثم انبعثتْ به السفينة أثناء صلاته متوجهاً إلى السفر، أنه يتم صلاته حضرًا، فيرد المخالف الفطر إذا حدث السفر إلى الفطر إذا حدث المرض، ويرد الآخرون إلى الصلاة المذكورة. والفرق عندنا بين طَروء المرض [على الصائم وطروء السفر: أن طَروء السفر أمر مكتسب، فخوطب به بحالة الابتداء، والمرض] (¬3) أمر غالب، وقد يكون أيضاً مرضاً لا يمكن معه الصوم على حال. وأما قوله: " أولئك العصاة ": فلا يكون حجة لمن يقول: إن الصوم لا ينعقد فى السفر؛ لأنه يحتمل [أن يريد] (¬4) أنه قد شق عليهم الصوم حتى صاروا منهيين عنه، فعصوا لذلك، ويؤيد هذا التأويل أنه [قال] (¬5) فى بعض طرق هذا الحديث: " إنه قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام " على أن من يحتج بهذا الحديث على جواز الفطر بعد أن أصبح صائماً، إنما يكون له حجة إذا سلم له أنه - عليه السلام - افتتح النهار بالصيام ثم أفطر، ونحن نقول: يحتمل أن يكون قوله هنا: " صام ثم أفطر ": أى ابتدأ النهار بالفطر من أوله ولم يعقد صوماً ثم حلّه. قال القاضى: قيل: إنما أفطر - عليه السلام - لمعنيين؛ ليتقوى الناس على عدوهم، وليتأسى به فى الإفطار غيره. ويحتمل أن يصفهم بالعصيان لأمره لهم بالفطر فلم يفطروا، حتى عز عليهم بعد هذا وأفطروا، والله أعلم. وقوله لهم: " وإنكم مُصَبِّحُو عدُوَّكم، وأن الفطر أقوى لكم ": قد يحتج به من يرى أوامر النبى - عليه السلام - وأفعاله على الوجوب لتعصيتهم بتركها. ¬

_ (¬1) سقط من الإكمال، وما أثبت من الصحيحة، ع. (¬2) ساقطة من س، ع. (¬3) فى هامش ع. (¬4) فى هامش الأصل. (¬5) فى س: كان، وما أثبت من الأصل، ع.

91 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خرجنا عام الفتح فى رمضان " وذكر الفطر كما تقدم: حجة لجماعة أئمة الفتوى وجمهور العلماء على أن الفطر للمسافر رخصة، كان شهر رمضان أو غيره، [خرج] (¬1) قبل دخول الشهر أو بعد دخوله، خلافاً لمن ورَدَ عنه من السلف أن من أهل عليه رمضان فى الحضر فقد لزمه صومه لقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬2)، والكافة على خلافه. وقوله: " حتى بلغ الكديد " وفى الآخر: " حتى بلغ عُسفان ": [الكديد: عين جارية [عليها نخل] (¬3) على اثنين وأربعين من مكة، وعسفان] (¬4): قرية جامعة بها منبر على ستة وثلاثين [ميلاً] (¬5) من مكة، والكديد ما بينها وبين قُديد (¬6). وذكر فى الحديث الآخر: " حتى بلغ كُراع الغميم " [والغميم] (¬7): بفتح الغين، وادٍ أمام عسفان بثمانية أميال، يضاف إليه هذا الكُراع، وهو جبل أسود متصل به، والكراع. كل أنف سال (¬8) من جبل أو حرة، وهذا كله فى سفرٍ واحدٍ فى غزاه الفتح، سميت هذا المواضع فى هذا الأحاديث لتقاربها، وإن كانت عسفان متباعدة شيئاً عن هذه المواضع، فكلها مضافة إليها ومن عملها فاشتمل عليها اسمها، وقد يكون الجمع بين هذين أنه كُلم بعسفان بحال الناس ومشقة ذلك عليهم، وكان فطرهم بالكديد. ويعضده ما جاء فى حديث الموطأ: فقيل: يا رسول الله، [إن] (¬9) أناساً صاموا حين صمت، فلما كان بالكديد دعا بقدحٍ فشرب فأفطر الناس (¬10) ونحو منه حديث أبى سعيد الذى ذكره مسلم بعد هذا فى غزوة الفتح نفسها. وقوله: فنزلنا منزلاً فقال - عليه السلام -: " إنكم دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم " فكانت رخصة فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر فقال: " إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم، فأفطروا، وكانت عزمة، فهذا يفسّر هذه الأحاديث الأخر، وأن قوله: " كان [فى] (¬11) موضع عزمه "، وفطره بنفسه فى آخَر أبْعَدَ منه، وأن توقفهم كان ليأخذوا بالأفضل، فحضهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد على الفِطر، فاقتدوا به لما رأوه حافظ عليه حتى قيل له: إن الناس إنما ينظرون إلى ما فعلت، فنزل إلى حالهم، وأفطر رفقاً بهم، ومواساة لهم {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (¬12)، وقد يحتج بفطر النبى - عليه ¬

_ (¬1) من س. (¬2) البقرة: 185. (¬3) من س. (¬4) من هامش الأصل. (¬5) ساقطة من س. (¬6) والقُدَيْد: تصغير القد أو القِد أو القِدد، وهو اسم موضع قرب مكة، وقيل: ينسب إلى قديد بن حزام ابن هشام من أهل الرَّقَم باديةَ بالحجازَ. انظر: معجم البلدان 4/ 314. (¬7) من س. (¬8) فى س: مال. (¬9) من س. (¬10) الموطأ 1/ 294 (22). (¬11) من س. (¬12) الأحزاب: 43.

جَعْفَرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: فَقِيلَ لهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَليْهِمُ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ العَصْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام - مطرّف من أصحابنا ومن وافقه من فقهاء أصحاب الحديث، وهو أحد قولى الشافعى فى جواز الفطر لمن بيت الصوم فى السفر فى رمضان، خلافاً للجمهور فى أن ذلك لا يباح [له] (¬1)، وهو يحتمل أن يكون قد بيت الفطر، وهو تأويل كثير من العلماء، وظاهره غير ذلك، وأنه ابتدأ الفطر حينئذٍ، وقد يحتمل أنه للضرورة اللاحقة به وبهم، والمشقة التى نالتهم كما جاء فى الحديث، وأنه لا يفطرون حتى يفطر اقتداء به، كما جاء فى الحديث: " وإنما ينظرون فيما فعلت فأفطر ليفطروا " كما حلق فى الحديبية أو فعل هو وهم ذلك لضرورة التَّقوى على عدوهم، كما جاء فى الحديث أيضاً منصوصاً، فلا يكون هذا بحكم الاختيار، وقال المهلب فى قوله: " فأفطروا " يحتمل أن يكون فى يومهم بعد تبييتهم الصوم، ويحتمل أن يكون فيما يأتى، ويستقبلون بعد يومهم، ويبيتون فطره. ثم اختلف المانعون للفطر بعد عقد الصوم فيه، هل عليه كفارة أو لا؟ وعن مالك وأصحابنا فى ذلك قولان بسقوط الكفارة، قال [جميع] (¬2) جمهور أصحابنا وكافة أئمة الفتوى وعلماء الأمصار، وفرق ابن الماجشون فى فطره فأوجب الكفارة إن كان بجماع، وأسقطها بغيره، وهو أحد قولى الشافعى على أصله فى أنه لا يكفر إلا المجامع (¬3). وكذلك اختلفوا فى يوم خروجه، فذهب مالك، والأوزاعى، والشافعى وأصحاب الرأى وجمهور العلماء [إلى] (¬4) أنه لا يفطر إذا خرج صائماً، ولا يوم خروجه، وقد لزمه الصوم (¬5)، وذهب بعض السلف، وأحمد وإسحاق، والمزنى إلى جواز ذلك (¬6) [له] (¬7). وقال الحسن: له الفطر فى بيته إذا أراد السفر فى يومه (¬8)، واختلف المذهب فى وجوب الكفارة عليه عندنا فى هذين الوجهين إن هو أفطر قبل خروجه أو أفطر بعده، واختلف فى السفر الذى [يباح فيه الفطر، فجمهور الفقهاء والسلف قبلهم على أنه فى السفر الذى] (¬9) يقصر فيه الصلاة، على ما تقدم من اختلاف مقداره فى كتاب الصلاة (¬10)، وذهب داود وأهل الظاهر أنه يقصر (¬11) فى كل سفر وإن قرب، وروى مثله عن بعض الصحابة. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) ساقطة من س. (¬3) انظر: الحاوى 3/ 424. (¬4) من س. (¬5) انظر: الاستذكار 10/ 86. (¬6) وهو قول داود والشعبى. انظر: الاستذكار 10/ 88. (¬7) ساقطة من س. (¬8) عبد الرزاق فى مصنفه 4/ 270. (¬9) فى هامش الأصل. (¬10) راجع: كتاب صلاة المسافرين وقصرها. (¬11) هذه الكلمة فى هامش الأصل وقيد قبلها: يفطر، وأشار السهم عليها وليس مضروباً عليها.

92 - (1115) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمْرِو بْنِ الحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَرَأَى رَجُلاً قَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَليْهِ. فَقَالَ: " مَالهُ؟ " قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليْسَ مِنَ البِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِى السَّفَرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: اختلف الناس فى صوم رمضان فى السفر، فذهب بعض أهل الظاهر أن الصوم لا ينعقد فيه، وأن من صام فيه قضى، أخذاً منه بظاهر الآية وبهذا الحديث وجمهور العلماء على خلافه. وقد اختلفوا [هل] (¬1) الصوم أفضل أم الفطر أم هما سواء؟ فقيل: الصوم أفضل لما ورد فى ذلك من صومه - عليه السلام - هو وعبد الله بن رواحة (¬2)، ولغير ذلك من الأحاديث (¬3)، ولقوله تعالى: {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} الآية (¬4)، فعم، وقيل: الفطر أفضل لقوله - عليه السلام -: " ليس من البر أن تصوموا فى السفر "، ولقوله - عليه السلام -: " هى رخصة من الله، فمن شاء أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ". فقد جعل الفطر حسناً، والصوم لا جناح فيه، فهذه إشارة إلى تفضيل الفطر على الصوم، وقيل: بل الصوم والفطر سواء لقوله للذى سأله [عن الصيام فى السفر] (¬5): " إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر ". قال القاضى: وقوله: " ليس البر أن تصوموا فى السفر ": كذا رواية مسلم فيه، وقد جاء أيضاً من رواية البخارى وغيره: " ليس من البر " (¬6)، وكلاهما بمعنى واحد كما يقول: ¬

_ (¬1) من س. (¬2) أخرجه أبو داود فى سننه عن أبى الدرداء قال: " خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بعض غزواته فى حر شديد حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه، أو كفه على رأسه من شدة الحر، ما فينا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة " 1/ 562. (¬3) مثل حديث ابن أبى أوفى الذى فى البخارى، ولذا ترجم البخارى بقوله: ب الصوم فى السفر والإفطار 3/ 43. (¬4) البقرة: 184. (¬5) من ع. (¬6) البخارى، ك الصوم، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن ظلل عليه واشتد الحر: " ليس من البر الصوم فى السفر " 3/ 44، وكذا أبو داود، ك الصيام، ب اختيار الفطر 1/ 561، الترمذى، ك الصوم، ب ما جاء فى كراهية الصوم فى السفر معلقاً تحت رقم (710) 3/ 81، النسائى فى المجتبى، ك الصيام، ب ما يكره من الصيام فى السفر 4/ 146، ابن ماجه، ك الصيام، ب ما جاء فى الإفطار فى السفر 1/ 532، أحمد 3/ 319، الدارمى فى ك الصوم، ب الصوم فى السفر 1/ 340.

(...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الحَسَنِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً. بِمِثْلِهِ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ وَزَادَ: قَالَ شُعْبَةُ: وَكَانَ يَبْلُغُنِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِى هَذَا الحَدِيثِ. وَفِى هَذَا الإِسْنَادِ أَنَّهُ قَالَ: " عَليْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الَّذِى رَخَّصَ لكُمْ ". قَالَ: فَلمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ ما جاءنى أحد، وما جاءنى من أحدٍ، و " مِن " هنا عند بعض أهل العربية زائدة، وأبى ذلك سيبويه، ورأى أن " من " فى قوله: ما جاءنى من أحدٍ، تأكيد للاستغراق وعموم النفى، [أو يحتمل بقوله] (¬1): ما جاءنى أحد، أى واحد، وأنه جاءه أكثر، فإذا قال من: من أحدٍ لم يقع احتمال، هذا معنى كلامه. قال الإمام [أبو عبد الله] (¬2): أما احتجاج المخالف [بهذا] (¬3) على أن الصوم لا يجزئ [فى السفر] (¬4) فإنا نقول: إنه عموم خرج على سبب، فإن قلنا بقصره على سببه - كما ذهب إليه بعض الأصوليين - لم يكن فيه حجة، وإن لم يقل بذلك، قلنا: يحتمل أن يكون المراد به [إن] (¬5) كان على مثل حال ذلك الرجل، وبلغ به الصوم إلى مثل ذلك المبلغ، ويُحمل على ذلك بالدليل الذى قدمناه من فضيلة الصوم، أو يحتمل أن يريد أن ليس للصوم فضيلة على الفطر تكون براً. قال القاضى: هذا كما قال فى الحديث: " ليس المسكين الذى ترده اللقمة، واللقمتان " (¬6): أى ليس البر كله الذى لا بر غيره أو البر التام الصيام فى السفر، بل الفطر أيضاً بر؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، وقيل: ليس من البر المفروض اللازم. وقوله: وقال شعبة: وكان يبلغنى عن يحيى بن أبى كثير أنه كان يزيد فى هذا الحديث أنه قال: " عليكم برُخصةِ الله التى رخص لكم " فلما سألته لم يحفظه: فيه ¬

_ (¬1) فى س: إذ قد يحتمل قوله. (¬2) سقط من س. (¬3) ساقطة من ع. (¬4) فى هامش الأصل. (¬5) فى س: لمن. (¬6) سبق فى مسلم، ك الزكاة، ب المسكين الذى لا يجد غنى، ولا يفطن له فيتصدق عليه بلفظ: " ليس المسكين بالذى ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان ... ". وقريباً منه أخرجه البخارى فى ك الزكاة، ب {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا} [البقرة: 273، بلفظ: " ليس المسكين الذى يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان " 2/ 154، وبهذين اللفظين أخرجهما النسائى فى المجتبى، ك الزكاة، ب تفسير المسكين 5/ 64، وجاء بلفظ الشارح الدارمى، ك الزكاة، ب المسكين الذى يتصدق عليه 1/ 379.

سَأَلتُهُ، لمْ يَحْفَظْهُ. 93 - (1116) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدِ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلى الصَّائِمِ. 94 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ المُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ التَّيْمِىِّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىِّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ - يَعْنِى ابْنَ عَامِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ هَمَّامٍ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ التَّيْمِىِّ وَعُمَرَ بْنِ عَامِرٍ وَهِشَامٍ: لِثَمَانَ عَشْرةَ خَلتْ. وَفِى حَدِيثِ سَعِيدٍ: فِى ثِنْتَىْ عَشْرَةَ. وَشُعْبَةَ: لِسَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ. 95 - (...) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىِّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلِ - عَنْ أَبِى مَسْلمَةَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَمَضَانَ، فَمَا يُعَابُ عَلى الصَّائِمِ صَوْمُهُ، وَلا عَلى المُفْطِرِ إِفْطَارُهُ. 96 - (...) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ حجةٌ أنه رخصة لا أنه واجب [و] (¬1) ظاهره فضل الإفطار فيه على الصوم لقوله: " عليكم "، وحضهم عليه، وما ذكره شعبة عن يحيى من هذه الزيادة فلم يحفظها، فإن كان سمعها من ثقة عنه ساغ له الحديث بها عمن حدثه عنه، ولم يضره نسيانه لها، على قول جمهور محققى الأصوليين، والمحدثين خلافاً للكرخى، ومن تبعه من الحنفية فى أنه لا يقبل، ولا يعمل به، وأما لو قال الراوى: هذا لم أحدث به قط ولا رويته، فهم متفقون على طرحه؛ لأنه مكذب للرواية عنه، والأول غير قاطع، والراوى عنه مصحح لها. ¬

_ (¬1) من س.

رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، فَلا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلى الصَّائِمِ، يَرِوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ، فَإِنْ ذَلِكَ حَسَنٌ. 97 - (1117) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ، وَسَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، كُلُّهُمْ عَنْ مَرْوَانَ. قَالَ سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ - قَالا: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ المُفْطِرُ، فَلا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ. 98 - (1118) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَن حُمَيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فِى السَّفَرِ؛ فَقَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَمَضَانَ، فَلمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلى الصَّائِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ابن رافع: " صَبَّح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان "، وفى حديث همام: " غزونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة لِست عشرة مضت من رمضان "، وفى حديث سعيد عن قتادة: " ثنتى عشرة "، وعن شعبة: " لسبع عشرة، أو تسع عشرة "، وغيرهم عن قتادة: " ثمان عشرة "، والذى قاله أصحاب السير: إن خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغزو مكة كان لعشر خلون من رمضان، ودخوله مكة فى تسع عشرة (¬1). قال القاضى: مذهب مالك والشافعى، وأصحاب الرأى، وكثير من السلف إلى أن الصوم أفضل (¬2)، ومذهب ابن المسيب، والأوزاعى، وأحمد، وإسحاق، وعبد الملك بن ¬

_ (¬1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 4/ 285. (¬2) ومن الأصحاب: عثمان بن أبى العاص وأنس بن مالك، أنهما قالا: الصوم أفضل فى السفر لمن قدر عليه. وقد صامت عائشة فى السفر وقيس بن عباد وأبو موسى. وعن ابن الأسود أن أباه كان يصوم فى السفر وابن عمر وأبو عمرو بن ميمون والأسود بن يزيد وأبو وائل وحذيفة. انظر: مصنف ابن أبى شيبة 3/ 15 - 17، الاستذكار 10/ 79. وكذا عمر بن عبد العزيز، والشعبى، ومجاهد، وقتادة. ومن الأصحاب: جابر بن عبد الله وابن عباس ورواية لابن عمر. انظر: ابن أبى شيبة 3/ 14. وقال أبو عمر: كان حذيفة وسعيد بن جبير وأبو جعفر محمد بن على لا يصومون فى السفر. انظر: الاستذكار 10/ 81.

99 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: خَرَجْتُ فَصُمْتُ. فَقَالوا لِى: أَعِدْ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا أَخْبَرَنِى؛ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُسَافِرُونَ، فَلا يعِيبُ الصَّائِمُ عَلى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلى الصَّائِمِ. فَلقِيتُ ابْنَ أَبِى مُلَيْكَةَ، فَأَخْبَرَنِى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الماجشون إلى تفضيل الفطر. قال الخطابى: وذهبت فرقة إلى أن الأفضل الأيسرُ عليه والأسهل (¬1). وروى عن [عمر] (¬2) بن عبد العزيز، وقتادة ومجاهد. وما ذكر فى الأحاديث من فطر أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصومهم فى السفر، وأنه لم يَعبْ بعضهم على بعضٍ - كله دليل على إجماعهم على جواز الأمرين، وخلافٌ لداود ومن وافقه من الظاهرية على تحريم الصوم فى السفر كما تقدم. ¬

_ (¬1) واستدل بقول الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] انظر: الخطابى فى معالم السنن 3/ 283. (¬2) فى الأصل: عمرو.

(16) باب أجر المفطر فى السفر إذا تولى العمل

(16) باب أجر المفطر فى السفر إذا تولى العمل 100 - (1119) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُورَّقٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ. قَالَ: فَنَزَلنَا مَنْزِلاً فِى يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِى الشَّمْسَ بِيَدِهِ. قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ وَقَامَ المُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ وَسَقَوُا الرِّكَابَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأَجْرِ ". 101 - (...) وَحَدَّثنَا أَبُو كرَيْبٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرَّقٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَصَامَ بَعْضٌ، وأَفْطَرَ بَعْضٌ، فَتَحَزَّمَ المُفْطِرُونَ وَعَمِلوا، وَضَعُفَ الصُّوَّامُ عَن بَعْضِ العَمَلِ. قَالَ: فَقَالَ فِى ذَلِكَ: " ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأَجْرِ ". 102 - (1120) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى قَزَعَةُ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ، فَلمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، قُلْتُ: إِنِّى لا أَسْأَلُكَ عَمَّا يَسْأَلُكَ هَؤُلاءِ عَنْهُ، سَأَلتُهُ: عَنِ الصَّوْم فِى السَّفَرِ؟ فَقَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ. قَالَ: فَنَزَلنَا مَنْزِلاً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُّمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فتحزم المفطرون ": كذا لأكثر الرواة تحزم بالحاء المهملة، وبالزاى، وعند [أبى سعيد] (¬1) السجزى: " فتخدم " بالمعجمة، وبالدال، قالوا: وهو صواب الكلام إن شاء الله أى: خدموهم، وقاموا بمؤن الصُّوام، كما قال فى بقية الحديث: " وعلموا "، وكما قال فى الرواية الأخرى: " فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب " قالوا: وتحزّم تصحيف، وقد يصح عندى معناه على وجوهٍ: أحدها: ظاهره من شد الحزام للخدمة، والعمل وليس فى هذا ما ينكر. ¬

_ (¬1) من س.

وَالفطْرُ أَقْوَى لكُمْ "، فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَن أَفْطَرَ. ثُمَّ نَزَلنَا مَنْزِلاً آخَرَ، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ، وَالفِطْرُ أَقْوَى لكُمْ. فَأَفْطِرُوا "، وَكَانَتْ عَزْمَةً، فَأَفْطَرْنَا. ثُمَّ قَالَ: لقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فِى السَّفَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانى: استعارة للجدّ فى الخدمة، والتشمير، كما جاء: " كان - عليه السلام - إذا دخل رمضان شد المِئزر " (¬1). الثالث: أن يكون من الحزم، وهو الأخذ بالقوة، والثقة فى هذه الخدمة والعمل. ¬

_ (¬1) البخارى، ك فضل ليلة القدر، ب العمل فى العشر الأواخر من رمضان من حديث عائشة - رضى الله عنها 3/ 61.

(17) باب التخيير فى الصوم والفطر فى السفر

(17) باب التخيير فى الصوم والفطر فى السفر 103 - (1121) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَسْلمِىُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَنِ الصِّيَامِ فِى السَّفَرِ؟ فَقَالَ: " إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ ". 104 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلمِىَّ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ، أَفَأَصُومُ فِى السَّفَرِ؟ قَالَ: " صُمْ إِنْ شِئْتَ، وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ ". 105 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَن هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: إِنِّى رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ. 106 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُليْمَانَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ حَمْزَةَ قَالَ: إِنِّى رَجُلٌ أَصُومُ، أَفَاصُومُ فِى السَّفَرِ؟ 107 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الْطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ - قَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا. وقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِى مَرَاوِحٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرُو الأَسْلمِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: عن عروة عن أبى مراوح عن حمزة الأسلمى، كذا سمعناه من القاضى الشهيد وغيره، وهى رواية العذرى، وفى كتاب شيخنا القاضى التميمى: أبى مرواح. وكذا جاء فى غير هذا الموضع، وكذا ذكره البخارى، وأصحاب الحديث (¬1). ¬

_ (¬1) هذا وهم من القاضى - رحمه الله - فالحديث لا يوجد فى صحيح البخارى، وهو بسنده ولفظه عن أبى مراوح عن حمزة عند النسائى، ك الصوم، ب ذكر الاختلاف على عروة فى حديث حمزة فيه. المجتبى 4/ 187. وكذا البيهقى فى السنن، ك الصيام، ب الرخصة فى الصوم فى السفر 4/ 343. وعزاه ابن حجر فى الفتح لمسلم 4/ 212. انظر: إرواء الغليل 4/ 59.

يَا رَسُولَ اللهِ، أَجِدُ بِى قُوَّةً عَلى الصِّيَامِ فِى السَّفَرِ، فَهَلْ عَلىَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هِىَ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ ". قَالَ هَارُونُ فِى حَدِيثِهِ: " هِىَ رُخْصَةٌ " وَلمْ يَذْكُرْ: مِنَ اللهِ. 108 - (1122) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوَلِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شَهْرِ رَمَضَانَ، فِى حَرٍّ شَديدٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا ليَضَعُ يَدَهُ عَلى رَأْسِهِ مَنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ. 109 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ القَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ ابْنِ حَيَّانَ الدَّمَشْقِىِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِى يَوْمٍ شَدِيدِ الحَرِّ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ ليَضَعُ يَدَهُ عَلى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ صَائِمٌ إِلا رسُوَلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنى رجل أسرد الصوم "، وفى الرواية الأخرى: " إنى رجل أصوم فى السفر "، فقال له: " صُم إن شئت وأفطر إن شئت ": ظاهر كلامه أنه سأله عن التطوع. وقوله: فهل على جناح؟ قال: " هى رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ": قد يحتج به من يرى الفطر أفضل لقوله فيه: " حسن "، وقوله فى الصوم: " لا جناح " ولا حجة فى هذا، فإن الأخذ بالرخصة حسن كما قيل. وأما قوله فى الصوم: " فلا جناح " جواب قوله: " هل على جناح؟ " ولا يفهم أنه أنزل درجة من الفطر، ولا أنه ليس بحسن، بل قد جاء فى الحديث الآخر وصفهما جميعاً بحسن.

(18) باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة

(18) باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة 110 - (1123) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، فِى صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ليْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتُ إِليْهِ بِقَدَحِ لبَنٍ، وهُوَ وَاقِفٌ عَلى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث مالك: عن أبى النضر، عن عمير مولى عبد الله بن عباس، كذا للطبرى والهوزنى، وعند الجلودى، وغيره: مولى عبد الله (¬1)، وإنما وقع فى الموطأ: مولى ابن عباس، [وقد ذكره البخارى وقال: مولى أم الفضل (¬2)، ويقال: مولى ابن عباس] (¬3). وقد ذكر مسلم هذين الوجهين فى كتابه، وذكر البخارى عن ابن إسحاق مولى عبيد الله بن عباس، وقال الباجى: يقال: مولى عبد الله بن عباس، وذكر شرب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو واقف بعرفة [ليراه الناس، ويعلموا أنه مفطر كما فعل فى غزوة الفتح؛ لأن العيان أبلغ من الخبر] (¬4)، وفيه جواز مثل هذا لأولى الهيئات للضرورة، وقد ترجم البخارى على هذا الحديث: من أفطر ليراه الناس (¬5)، وفطر يوم عرفة مستحب للحاج عند جماعة من العلماء، وهو قول مالك والشافعى [والكوفيين] (¬6) وجماعة من السلف؛ ليتقووا بذلك على ما هم بسبيله من الوقوف، والدعاء والسعى فى عمل الحاج. وروى عن جماعةٍ من السلف اختيار صَوْمه والترغيب فيه، وجاءت فيه آثار قد ذكرها مسلم وغيره، ويجمع بينهما أن الأفضل لسائر الناس غير الحاج صومها للآثار الواردة فى ذلك، والأفضل للحاج فطرها لاختيار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك لنفسه، وسنته ذلك لمن بعده (¬7). والحلاب: إناء يسع حلبة ناقة، قاله الخطابى، وقال أيضاً: الحلاب: اللبن المحلوب (¬8)، ¬

_ (¬1) فى س: عبيد الله. (¬2) البخارى، ك الصوم، ب صوم يوم عرفة 3/ 55. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬4) سقط من س. (¬5) البخارى، ك الصوم، ب من أفطر فى السفر ليراه الناس، عن ابن عباس 3/ 44. (¬6) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬7) فى س: معه. (¬8) قال الخطابى فى أعلام الحديث فى شرح صحيح البخارى: الحلاب ها هنا اللبن المحلوب، وقد يكون الحِلاب أيضاً: الإناء الذى يحلب فيه اللبن. ك الصوم، ب الصوم يوم عرفة 2/ 55.

(...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَذْكُرْ: وَهُوَ وَاقِفٌ عَلى بَعِيرِهِ. وَقَالَ: عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى أُمِّ الفَضْلِ. (...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ: عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى أُمِّ الفَضْلِ. 111 - (...) وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عُمَيْرًا مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ الفَضْلِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - تَقُولُ: شَكَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَنَحْنُ بِهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَرْسَلتُ إِليْهِ بِقَعْبٍ فِيهِ لبَنٌ، وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ. 112 - (1124) وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِى صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلتْ إِليْهِ مَيْمُونَةٌ بِحِلابِ اللَّبَنِ، وَهُوَ وَاقِفٌ فِى المَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِليْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الهروى: هو الإناء الذى يحلب فيه ذوات الألبان، وحمله هنا على الآنية أولى، بدليل قوله: " بحلاب لبن "، وقوله فى الرواية الأخرى " بإناء فيه لبن " (¬1)، و " بقعْبٍ فيه لبن "، والقعب: إناء من خشب مقعر مدور يشرب فيه، تُشَبَّه به حَوافر الخيل، وكما جاء فى الرواية الأخرى: " بقدح لبن ". وقوله فى رواية أبى النضر: " فأرسلت إليه أم الفضل بنت الحارث ": فيه قبول الهدية من القرابة والأصهار، وملاطفة الإخوان، نساءً كن أو رجالاً، قالوا: وفيه ترك السؤال مما (¬2) ألقى بأيدى الفضلاء والأتقياء، إذ لم يسألها النبى - عليه السلام - أنه من مالها، أو من مال العباس زوجها. قال القاضى: وقد يكون هذا مما أذن للنساء بالتصرف فيه، أو لعلمها أن العباس يُسر بذلك من فعلها، ولعلم النبى - عليه السلام - بذلك منه، وأنه عمه، وممن أذن للمؤمنين أن يأكلوا من بيت مثله. ¬

_ (¬1) أخرجه البخارى، ك الأشربة، ب شرب اللبن، عن أم الفضل 7/ 140. (¬2) فى س: عما.

(19) باب صوم يوم عاشوراء

(19) باب صوم يوم عاشوراء 113 - (1125) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -؛ قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِى الْجَاهِليَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: " مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ ". 114 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى أَولَّ الْحَدِيثِ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ. وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث صيام يوم عاشوراء عاشوراء فاعولاء، وهو من أبنية المؤنث، صفة لليوم والليلة مضاف إليها، وقال الخليل: هو اليوم العاشر، ويقال: التاسع، فعلى هذا هو صفة لليوم، وهو فى التاسع من إضافة الشىء إلى نفسه؛ كمسجد الجامع. قال بعضهم: وإضافته لليلة أصح، وقال الحربى وغير واحدٍ: هو العاشر، وقال غيره: هو التاسع، وقيل: سمى التاسع [عاشوراء] (¬1) على عادة العرب فى الورد (¬2)، وأنه مأخوذ من أعشار الإبل، وكانت إذا وردت لتسعة أيام سمّوه عِشْرًا (¬3) وذلك أنهم يحسبون فى الإظماء يوم الورود، فإذا قامت فى الرعى يومين، ثم وردت فى الثالث، قالوا: وردت رِبْعًا، وإن رعت ثلاثاً ووردت فى الرابع، قالوا: وردت خمسًا؛ لأنهم حسبوا فى كل هذا بقية اليوم الذى وردت فيه قبل الرعى، وأول اليوم الذى ترد فيه بعده. ذكر مسلم الأحاديث أنه كان تصومه قريش فى الجاهلية، وكان النبى - عليه السلام - يصومه، وأنه لما ورد المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان قال: " من شاء صامه، ومن شاء تركه "، وفيه أولاً ما نبهنا عليه فى أول كتاب الصلاة، من أن ¬

_ (¬1) من س. (¬2) قال الخطابى: هو أن بعض أهل اللغة زعم أن اسم عاشوراء مأخوذ من إعشار أوراد الإبل، والعشر عندهم تسعة أيام، وذلك أنهم كانوا يحسبون فى الإظماء يوم الورود، فإذا وردوا يوماً وأقاموا فى الرعى يومين ثم أوردوا اليوم الثالث، قالوا: وردنا أربعًا، وإنما هو اليوم الثالث فى الإظماء، وإذا أقاموا فى الرعى ثلاثاً ووردوا اليوم الرابع، قالوا: وردنا خمساً، وعلى هذا الحساب إنما هو اليوم التاسع. وكان ابن عباس يقول: يوم عاشوراء هو اليوم التاسع انظر: معالم السنن 3/ 324. (¬3) فإن زادت على العشر فليس لها تسمية ورد. اللسان.

فِى آخِرِ الْحَدِيثِ: وَتَرَكَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَلَمْ يَجْعَلهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَرِوَايَةِ جَرِيرٍ. (...) حدَّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَ يُصَامُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ، مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. 115 - (...) حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ألفاظ العبادات واردة فى الشرع على ما عهده أهل اللغة. خلافاً لجماهير المتكلمين من الموافقين والمخالفين، إذ كانوا يصومون ويعرفون الصوم، ويحجون ويعرفون الحج، فخاطبهم الشرع بما علموه تحقيقًا، لا أنه أتاهُم بألفاظ مؤتنقة ابتدعها لهم كما قاله المخالف، أو بألفاظ لغوية لا يعلم منها المقصود إلا رمزًا كما أشار إليه المؤلف، وهناك بَسْطُها، وكشف الغطاء عن الحق فيها. واختلف العلماء فى صيام عاشوراء، فقيل: كان فرضًا فنسخ برمضان على ظاهر لفظ الحديث، وقيل: لم يكن فرضًا ولكنه كان مرغبًا فيه، فخفف أمره وحَصَل التخيير فى صيامه بعد ذلك، وروى عن بعض السلف (¬1) أن فرضه باق لم ينسخ، وقد انقرض (¬2) القائلون بهذا وحصل الإجماع (¬3) على خلافه. وروى عن ¬

_ (¬1) ذكر مالك معلقًا أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام أن غدًا يوم عاشوراء فصم، وأمر أهلك أن يصوموا. الموطأ 1/ 299. وروى عبد الرزاق عن عمر أيضاً: أنه أرسل إلى عبد الرحمن بن الحارث ليلة عاشوراء: أن تسحر واصبح صائمًا، قال: فأصبح عبد الرحمن صائمًا. عبد الرزاق 4/ 287. وكذا ابن أبى شيبة 3/ 56. وقال ابن عبد البر: هذا حديث متصل، وهو عندى أصح من بلاغ مالك. الاستذكار 10/ 135. وكذا عن على كما جاء فى مصنف ابن أبى شيبة: أن على بن أبى طالب كان يأمر بصوم يوم عاشوراء. وذكر عن الأسود قال: ما رأيت أحدًا أمر بصوم يوم عاشوراء من على بن أبى طالب وأبى موسى 3/ 56. وجاء عن عبد الرزاق: أن ابن عباس يقول فى يوم عاشوراء: خالفوا اليهود، وصوموا التاسع والعاشر 4/ 287. وأخرج أبو داود فى الصوم عن محمد: أن أسلم أتت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عاشوراء فقال: " صمتم يومكم هذا؟ " قالوا: لا. قال: " فأتموا بقية يومكم واقضوه " 1/ 570. والبيهقى فى معرفة السنن والآثار، وقال: صحيح 6/ 9002. (¬2) فى س: انفرض. (¬3) قال أبو عمر: لا يختلف العلماء أن يوم عاشوراء ليس بفرض صيامه.

يَأْمُرُ بِصيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَان، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. 116 - (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ؛ أَنَّ عِراكًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ، حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ ". 117 - (1126) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ، قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِمِثْلِهِ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. 118 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِى اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ ذكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر كراهة قصدِ صومه وتعيينه بالصوم، وقد روى فى ذلك حديث عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر مسلم عن ابن عمر وكافة العلماء على أنه مُرغبٌ فيه مقصود الصوم؛ للأحاديث الواردة فى فضله، وصوم النبى - عليه السلام - له، [وكونه] (¬1) غير فرض لقوله - عليه السلام -: " وتصوم رمضان " (¬2). وقوله: هل على غيره؟ قال: " لا، إلا أن تطوع " (¬3) وقوله - عليه السلام -: ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) و (¬3) سبق فى كتاب الإيمان، ب بيان الصلوات التى هى أحد أركان الإسلام.

عَاشُورَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ يَوْمًا يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَرِهَ فَلْيَدَعْهُ ". 119 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَن الْوَلِيدٍ - يَعْنِى ابْنَ كَثِيرٍ - حَدَّثَنِى نَافِعٌ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِى اللهُ عَنْهُمَا - حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - فِى يَوْمِ عَاشُوَرَاءَ -: " إِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِليَّةِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ ". وَكَانَ عَبْدُ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - لَا يَصُومُهُ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صِيَامَهُ. 120 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الأَخْنَسِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: ذُكِر عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْمُ يَوْم عَاشُورَاءَ. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ، سَوَاءً. 121 - (...) وحدّثنا أَحَمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّد بْنِ زَيْدٍ الْعَسْقَلَانِىُّ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: " ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ ". 122 - (1127) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَن الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ يَتَغَدَّى. فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ. فَقَالَ: أَوَ لَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَهَلْ تَدْرِى مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " كان يوم [عاشوراء يومًا] (¬1) تصومه أهل الجاهلية، فمن [شاء] (¬2) صيامه (¬3) فليصمه، ومن أحب أن يتركه " ظاهره: أنه لم يكن فرض، وإنما كان يُصام تطوعًا وكذلك قوله: " كان يأمر بصيام (¬4) عاشوراء ويتعهدنا عنده، ويحثنا عليه ". ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) ساقطة من س ومن الحديث المطبوع. (¬3) فى س: صامه. (¬4) فى س: بصوم.

وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: تَرَكَهُ. (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَا: فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ. 123 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيد الْقَطَّانُ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى زُبَيْدُ الْيَامِىُّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَن قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ؛ أَنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللهِ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ - وَهُوَ يَأْكُلُ - فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، ادْنُ فَكُلْ. قَالَ: إِنِّى صَائِمٌ. قَالَ: كُنَّا نَصُومُهُ، ثُمَّ تُرِكَ. 124 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - وَهُوَ يَأْكُلُ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ - فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكُ، فَإِنْ كُنْتَ مُفْطرًا فَاطْعَمْ. 125 - (1128) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا شَيْبَانَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاء، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَيَحُثُنَا عَلَيْهِ، وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا، ولَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: عن عبد الله هو ابن مسعود: " كنا نصومه ثم ترك ": ليس فيه دليل على كراهة صومه وإنما هو إعلام بترك وجوبه ولزومه، وإنما ذكر ذلك لمن أنكر عليه الأكل فيه كما ذكر فى الحديث. وقوله: " فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ": يحتج به من يحمل الأوامر على الوجوب. وقول معاوية: " أين علماؤكم " وذكر الحديث، ظاهر كلامه هذا أنه سمع من يوجب صيامه أو من يمنعه، على ما قدمنا من الخلاف فيه عن السلف، فأخبرهم بما سمع منه - عليه السلام - من قوله: " لم يكتب الله عليكم صيامه " الحديث، فهذا الحديث ردٌّ

126 - (1129) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِى سُفْيَانَ، خَطِيبًا بِالْمَدِينَةِ - يَعْنِى فِى قَدْمَةٍ قَدِمَهَا - خَطَبَهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - لِهَذَا الْيَوْم -: " هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكتُبَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ ". (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِى مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ: " إِنِّى صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ " وَلَمْ يَذْكُرْ بَاقِىَ حَدِيثِ مَالِكٍ وُيُونُسَ. 127 - (1130) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى أَظهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ "، فَأَمَرَ بصَوْمِهِ. (...) وحدّثناه ابْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على الفرقتين (¬1). وقوله: " وأنا صائم " ذكر فى كتاب النسائى من رواية صالح، عن الزهرى، عن حميد، قال معاوية [بقوله] (¬2) ثم ذكر بقية الحديث، وذكر من رواية قتيبة عن سفيان، عن الزهرى، عن حميد، سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا اليوم يقول: " إنى صائم فمن شاء منكم أن يصوم فليصم " (¬3)، وهذا نصٌّ أنه كله من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما التخيير فى صيامه فنص عليه فى غير حديث. واستدعاؤه العلماء تنبيه ¬

_ (¬1) فى س: الفريقين. (¬2) ساقطة من س. (¬3) النسائى فى الكبرى، ك الصيام، ب التأكيد فى صيام يوم عاشوراء 2/ 160، 161.

عَنْ أَبِى بِشْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: فَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ. 128 - (...) وحدّثنى ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم على هذا الحكم أو استعانة بما عندهم منه، أو توبيخ إن كان رأى ما أنكره أو لم يبينوه وينكروه، كما قاله (¬1) أيضًا فى حديث قصة الشعر، وقد استدل بعضهم على أنه كان واجبًا بقوله: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه ويأمر بصيامه. وقوله فى الحديث الآخر: " لم يكتب الله عليكم صيامه ": أى لم يفرضه، [ويحتمل أنه لم يكن فرضاً] (¬2)، ويحتمل أنه لم يكتبه الآن وأنه نسخه. وقوله: قدم المدينة فوجد اليهود تصومه، إلى قوله: " نحن أحق (¬3) بموسى منكم " فصامه، قال الإمام: خبر اليهود غير مقبول، فيحتمل أن يكون - عليه السلام - أوحى إليه يُصدقهم فيما حكوا من قصة هذا اليوم، أو يكون قد تواتر عنده - عليه السلام - خبره، حتى وقع له العلم بذلك، ومع ذلك أيضاً فإنه - عليه السلام - قد يكون من شرعه تعظيم الأيام التى أظهر الله [تعالى] (¬4) فيها الرسل [عليهم السلام] (¬5) [إدلاء لهم] (¬6) على الكفرة، واستحسان الصوم فيها. قال القاضى: قد تقدم أن قريشًا كانت تصومه، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصومه، فلما قدم المدينة صامه؛ فلم يحدّث له حديث اليهود حكمًا يحتاج إلى التكلم عليه، وإنما هى صفة حالٍ وجواب سؤال، فدل أن قوله فى هذا الحديث: " فصامه " ليس أنه ابتدأ صومه حينئذ، ولو كان هذا [لوجب أن يقال] (¬7): [صحيح هذا] (¬8) ممن (¬9) أسلم من علمائهم، ووثقه ممن (¬10) هداه الله من أحبارهم كابن سلام، وابن سعنة، وغيرهم. وقد ذهب بعضهم إلى الجمع بين هذين الحديثين، بأنه يحتمل أنه - عليه السلام - كان يصومه بمكة على مقتضى الحديث الأول، ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل الكتاب من فضل صومه فصامه، وما ذكرناه أولى بلفظ الحديث. وقوله فى حديث قتيبة: " إن قريشًا كانت تصوم عاشوراء فى الجاهلية، ثم أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيامه حتى فرض رمضان ": كذا ضبطه فى كتابى، أراه عن القاضى الشهيد: " أُمِرَ " بالضم على الهمزة وكسر الميم، وهذا حجة لمن قال: إنه كان فرضًا. ¬

_ (¬1) فى س: قال. (¬2) من س. (¬3) فى س: أولى. (¬4) و (¬5) من س، ع. (¬6) فى ع: ويُدِيلُ الله لهم على الكفرة، والمثبت من نسخ الإكمال. (¬7) من س وهامش الأصل. (¬8) فى س: هذا صحيح. (¬9) و (¬10) فى الأصل: من، والمثبت من س.

الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى تَصُومُونَهُ؟ ". فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ "، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، لَمْ يُسَمِّه. 129 - (1131) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِى عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، وَتَتَّخِذه عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صُومُوهُ أَنْتُمْ ". 130 - (...) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، أَخْبَرَنِى قَيْسٌ. فَذَكَرَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: فَحَدَّثَنِى صَدَقَةُ بْنُ أَبِى عِمْرَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيّهُمْ وَشَارَتَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَصُومُوهُ أَنْتُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يُلبُسون نسائهم فيه حليهم وشارتهم ". قال الإمام: الشارة: الهيئة واللباس الحسن، يقال: ما أحسن شوار الرجل وشارته، أى لباسه وهيئته. قال القاضى: وقوله: " فصامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه ": فيه جواز فعل العبادات للشكر على النعم فيما يُخَصُ [للإنسان] (¬1)، ويعم المسلمين ويخص أهل الفضل والدين، والذين ألزمنا حبهم وولايتهم من الأنبياء والصالحين، وأن الشكر بالعمل والطاعة، وبالقول والثناء، قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} (¬2)، وقال - عليه السلام -: " أفلا أكون عبدًا شكورًا " (¬3)، وقال الله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ ¬

_ (¬1) فى الأصل: الإنسان، والمثبت من س. (¬2) سبأ: 13. (¬3) سيأتى إن شاء الله فى ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب إكثار الأعمال والاجتهاد فى العبادة. وقد أخرجه البخارى، ك الصيام، ب قيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ترم قدماه 2/ 63، الترمذى، ك الصلاة، ب ما جاء فى الاجتهاد فى الصلاة، وقال أبو عيسى: حديث حسن صحيح 2/ 269.

131 - (1132) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو بَكْر: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْم عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا، يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ، إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ. وَلَا شَهْرًا إِلَّا هَذَا الشَّهْرَ - يَعْنِى رَمَضَانَ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أبىِ يَزِيدَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لأَزِيدَنَّكُمْ} (¬1) وذكر مسلم حديث ابن عباس: " [إذا رأيت هلال المحرم فاعدد] (¬2)، وأصبح يوم التاسع صائمًا " (¬3)، قلت (¬4): هكذا كان محمد يصومه؟ قال: نعم، وذكر حديثه الآخر: أنه قيل له: إنه يوم تعظمه اليهود، فقال - عليه السلام -: - " إذا كان فى العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع " (¬5). قال الإمام: عندنا أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وعند المخالف أنه التاسع، فمن قال: إنه العاشر تعلق بأن مقتضى [هذا] (¬6) اللفظ أنه العاشر، وهو مأخوذ من العشر. ومن قال: إنه التاسع، تعلق بهذا الحديث، وبما ورد عن العرب فى تسميتها الثالث من أيام الورد ربعًا، وكذلك على هذا الحساب يحسبون أيام الإظماء، والأوراد، فيكون التاسع عشرًا على هذا. قال القاضى: اختلف العلماء فى ذلك على ما ذكر، فمذهب مالك، والحسن، وسعيد بن المسيب: أنه العاشر (¬7)، وهو قول جماعة من السلف، وهو الذى تدل عليه الأحاديث كلها، ومنها هذا الحديث الذى فيه: " لأصومن التاسع "؛ فدل أن صومه - عليه السلام - كان العاشر، وهذا الآخر فلم يسنّه بعد، ولا بلغه، ولعله على طريق الجمع مع العاشر لئلا يتشبه باليهود، كما ورد فى رواية أخرى: " فصوموا التاسع والعاشر " (¬8) وإلى هذا أيضاً ذهب جماعة من السلف، وبه قال الشافعى (¬9) وأحمد إسحاق، إما لهذه العِلَة، أو للاحتياط للخلاف فيه، ولعل معنى هذا الحديث هو الذى ¬

_ (¬1) إبراهيم: 7. (¬2) من ع. (¬3) سيأتى فى الباب التالى برقم (132). (¬4) فى ع: وقال. (¬5) سيأتى في الباب التالى برقم (133). (¬6) من: ع. (¬7) انظر: الاستذكار 10/ 137، وابن أبى شيبة 3/ 58. (¬8) عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول فى يوم عاشوراء: " صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود ". السنن الكبرى للبيهقى، ك الصوم، ب صوم التاسع 4/ 287. (¬9) انظر: الحاوى 3/ 475، 476، الاستذكار 10/ 138.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبر به ابن عباس فى الحديث الآخر فى صيام التاسع: " أن محمدًا كان يصومه " (¬1)، لخبره أنه سيصومه قابلاً، واعتقاد ابن عباس أن النبى - عليه السلام - كان مزمعًا على فعله؛ إذ ابن عباس - راوى الحديثين معًا، وذهب قوم إلى أنه التاسع (¬2) وهو المروى عن الشافعى. وقوله: " إن عاشوراء يوم من أيام الله من شاء صامه ": أى كسائر أيام السنة التى لم يفرض الله صيامها. ¬

_ (¬1) حديث الحكم بن الأعرج، قال: أتيت ابن عباس فى المسجد الحرام، فسألته عن صيام يوم عاشوراء، فقال: اغدوا، فإذا أصبحتَ اليوم التاسع فأصبح صائماً. قلت: كذلك كان محمد يصوم؟ قلت: نعم، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬2) انظر: الحاوى 3/ 473.

(20) باب أى يوم يصام فى عاشوراء

(20) باب أىّ يوم يصام فى عاشوراء (¬1) 132 - (1133) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجرَّاحِ، عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِى زَمْزَمَ - فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِى عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمَ فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا. قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؟ قَالَ: نعَمْ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنِى الْحَكَمُ بْنُ الأَعْرَجِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ عِنْدَ زَمْزَمَ - عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. بمِثْلِ حَدِيثِ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ. 133 - (1134) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ - إِنْ شَاءَ اللهُ - صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ". قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 134 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرٍ - لَعَلَّهُ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: قَالَ: يَعْنِى يَوْمَ عَاشُورَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) تقدمت الإشارة إلى أحاديث هذا الباب فى الباب السابق.

(21) باب من أكل فى عاشوراء فليكف بقية يومه

(21) باب من أكل فى عاشوراء فليكف بقية يومه 135 - (1135) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِى النَّاسِ: " مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ، فَلْيَصُمْ. وَمَنْ كَانَ أَكَلَ، فَلْيُتِمَّ صِيَامَه إِلَى اللَّيْلِ ". 136 - (1136) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من كان صائماً فليتم صومه، ومن أصبح مفطرًا فليتم صيامه إلى الليل "، وفى الرواية الأخرى: " [و] (¬1) من أكل فليتم صومه "، قال الإمام: يحتج بهذا من يجيز إحداث النية فى الصوم بعد الفجر، وظاهر هذا الحديث استئناف النية، ومالك يمنع من ذلك على الإطلاق لقوله - عليه السلام -: " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " (¬2) فعم كل صيام. قال القاضى: ذهب أبو حنيفة والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى جواز إحداث النية لصوم النافلة بالنهار لهذا الحديث. ثم اختلفوا هل يصح ذلك بعد الزوال [أم لا يصح إلا قبل الزوال؟ فأصحاب الرأى والطبرى يجيزونه فى النفل بعد الزوال] (¬3)، وغيرهم يمنعه بعده، واختلف فيه قول الشافعى (¬4)، وذهب مالك وابن أبى ذئب، والليث، والمزنى إلى أنه لا يصح صوم نافلة إلا بنية من الليل، وهو مذهب جماعة من ¬

_ (¬1) من س. (¬2) أبو داود، ك الصيام، ب النية فى الصوم 1/ 571، الترمذى فى الصيام، ب ما جاء لمن لم يعزم من الليل 3/ 108، النسائى فى الكبرى، ك الصيام، ب النية فى الصيام 2/ 116 (2640)، ابن ماجه فى الصيام، ب ما جاء فى فرض الصوم من الليل 1/ 542، مالك فى الموطأ، ك الصوم، ب من أجمع الصيام قبل الفجر 1/ 288، أحمد فى المسند 6/ 287. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬4) قال الشافعى - رضى الله عنه -: " فَأَمَّا فى التطوع فلا بأس إن أصبح ولم يطعم شيئاً أن ينوى الصوم قبل الزوال، واحتج فى ذلك بان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدخل على أزواجه فيقول: " هل من غداء؟ " فإن قالوا: لا، قال: " إنى صائم ". قال الماوردى: وهذا كما قال: لا بأس أن ينوى لصوم التطوع نهارًا قبل الزوال، وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك، وداود فى التطوع كالفرض فى وجوب النية تعلقًا بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل ". الحاوى 3/ 405.

لَاحِقٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرَّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ، الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: " مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ السلف للحديث المتقدم (¬1)، ولقوله - عليه السلام -: " إنما الأعمال بالنيات " (¬2)، وهذا نهار قد مر جزء منه بغير نيةٍ، وذهب الكوفيون إلى أن كل فرض من الصوم فى وقت معين فإنه لا يحتاج إلى تبييت؛ لهذا الحديث، ويجزئه إذا نواه قبل الزوال، وهو قول الأوزاعى، وإليه ذهب عبد الملك بن الماجشون من أصحابنا (¬3)، ورواه عن مالك فيمن لم يعلم برمضان إلا فى يومه، وقد تأول قوم ذلك قولة لمالك، ولم يفرق هؤلاء بعد الزوال أو قبله فيما يحتمل، وذهب مالك - فى مشهور قوله - والشافعى وأحمد وعامتهم إلى أن الفرض لا يجزئ إلا بنية متقدمة (¬4). ثم اختلفوا هل النية أول الشهر تجزئه فى رمضان وكل صوم متصل عن سائر لياليه؟ وهو مشهور قول مالك والليث وروى عن إسحاق مثله، أم لابد من التبييت فيه كل ليلة؟ وهو قول أبى حنيفة والشافعى وأحمد، وحكاه ابن عبد الحكم عن مالك واختاره، وشذ زفر فقال: شهر رمضان لا يحتاج إلى نية إلا المسافر (¬5)، وروى عنه مثل قول مالك، وشذ أبو حنيفة أيضاً فقال: يجزئه صوم شهر رمضان وإن لم [ينو به] (¬6) رمضان، سواء صامه تطوعاً، [أو لنذر] (¬7) أو كفارة لاستحقاق عيّنه بالصوم له، ولا حجة للمخالف فى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيام من لم يُبيت يوم عاشوراء لوجوه: أحدها: أنه إن كان عاشوراء الفرض حينئذ فما أمر النبى - عليه السلام - فيه هو (¬8) مما لا يختلف فيه أنه من تذكر فرض صومه أو أعلم به ممن نسيه، أو ثبت أنه يوم رمضان داخل النهار - أنه يلزمه [تمام] (¬9) صومه، وهذا ما لا يختلف فيه، وإنما خلافنا: هل يجزئ أم لا؟ وليس فى الحديث غير تمام الصوم، وقد اختلف الأصوليون فى الأمر المؤقت إذا فات أداؤه هل يقتضى بنفسه إيجاب القضاء، أم [لا] (¬10) يحتاج إلى أمر آخر؟ فكيف، وقد روى أبو داود الحديث، وزاد فيه: " واقضوه " (¬11)، وهذا قطعٌ لحجة المخالف، ونص ما يقوله ¬

_ (¬1) وهو قول حفصة وابن عمر. انظر: الاستذكار 10/ 36. (¬2) سيأتى فى ك الإمارة، ب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الأعمال بالنية "، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره. وكذا البخارى، ك الأيمان والنذور، ب النية فى الأيمان 8/ 175. (¬3) انظر: الاستذكار 10/ 37. (¬4) انظر: الاستذكار 10/ 35. (¬5) انظر: الاستذكار 10/ 36. (¬6) فى س: ينو فيه. (¬7) سقط من س. (¬8) يوجد كلام فى الهامش ولم يشار إليه بسهم. (¬9) من س. (¬10) ساقطة من س. (¬11) أبو داود، ك الصوم، ب الفطر قبل غروب الشمس، عن أسماء بنت أبى بكر عن أبيها 1/ 551.

فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللَّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ. 137 - (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْعَطَّارُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُسُلَهُ فِى قُرَى الأَنْصَارِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ. غَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: وَنَصْنَعُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمهور فى المسألة، وقد قيل: يحتمل أن الفرض إذا سُلّم فمِه حينئذ وطرأ عليهم (¬1) وجوبُه، فأعلمهم بذلك وأمرهم به، وإن حكم عاشوراء فى ذلك كله منسوخ لما نسخ فرضه، فلا يقاس عليه فرضٌ ولا نفل، وأيضاً فقد قال فى الحديث: " ومن أكل فليتم صومه "، و [لا] (¬2) هذا لا يقوله من يجيز النية فى النهار، وإنما يقول ذلك فيمن لم يأكل، فدل أن حكم عاشوراء فى ذلك، أما حكم غيره من الفرائض فيمن أفطر فيها ناسيًا أو جاهلاً أن ذلك يوم صومه، فيمه لزومًا، أو (¬3) هذا حكم خاص بعاشوراء، ورخصة ليست لسواه، وزيادة فى فضله، وتأكيد صومه، كما ذهب إليه ابن حبيب، وحكاه عن أهل العلم. وذهب الخطابى أن هذا على معنى الاستحباب والإرشاد (¬4) لأوقات الفضل؛ لئلا يغفل عنه عند مصادمة وقته (¬5). قال الإمام: خرّج مسلم فى هذا الباب: حدثنا ابن أبى شيبة، وابن نمير قالا: ثنا أبو أسامة، وذكر حديث أبى موسى، قال بعضهم فى نسخة ابن الحذاء: ثنا أبو بكر بن أبى شيبة، وابن أبى عمر قالا: ثنا أبو أسامة، جعل ابن أبى عمر مكان ابن نمير، وهو (¬6) وَهْمٌ، والصواب الأول، وهى رواية الجلودى وغيره. وقوله: " إنهم كانوا يُصَوِّمُون فيه صبيانهم، ويجعلون لهم اللعبة من العهن " العهن: الصوف، واحدتها عِهْنة، مثل صوفٍ وصوفة، وقيل: لا يقال للصوف: عهن، إلا إذا كان مصبوغًا، قال زهير: ¬

_ (¬1) فى س: عليه. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: و. (¬4) فى س: بالإرشاد. (¬5) هذا منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس بإيجاب؛ وذلك أن لأوقات الطاعات أزمنة ترعى ولا تهمل، فأحب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرشدهم إلى ما فيه الفضل والحظ، لئلا يغفلوه عند مصادفتهم وقته، وقد صار هذا أصلاً فى مذاهب العلماء فى مواضع مخصوصة. انظر: معالم السنن للخطابى 3/ 325. (¬6) فى س: وهذا.

الْعِهْنِ، فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا، فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ، أَعْطَيْنَاهُمُ اللَّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ، حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنَّ فُتَاتَ الْعِهْنِ فى كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزلْنَ به حَبُّ الغَنَا لَمْ يُحَطَّم (¬1) قال القاضى: جاء فى حديث الربيع من رواية أبى بكر بن نافعٍ العبدى: " ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام، أعطيناها إياه عند الإفطار " كذا فى جميع نسخ مسلم الواقعة إلينا، وفيه بَتْر وتغيير اختل به الكلام، وصوابه حتى يكون عند الإفطار، وبه يتم الكلام، وكذا وقع عند البخارى من رواية مُسَدّد بهذا اللفظ (¬2)، وهو معنى ما ذكر مسلم فى الرواية الأخرى: " فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا (¬3) صومهم، وفى لفظ حديث ابن نافع المتقدم سياق مشكل غير هذا يدل أن فيه تغييرًا ليس هو وجه الكلام، وفيه تمرين الصغار على فعل الخير، ورجاء نزول الرحمة بصومهم والأجر بذلك (¬4) لأوليائهم، والصبيان لا يلزمهم صوم، ولا يخاطبون به حتى يبلغوا، وقيل: [إنهم] (¬5) مخاطبون بالطاعات على الندب، وهذا لا يصح، وروى عن عروة [أنهم] (¬6) متى أطاقوا الصوم وجب عليهم. ¬

_ (¬1) انظر: شرح ديوان زهير بن أبى سلمى لابن زيد الشيبانى ص 13. (¬2) البخارى فى الصحيح، ك الصوم، ب صوم الصبيان 3/ 48. (¬3) فى الأصل: يتم، وما أثبت من س، الصحيحة. (¬4) فى س: فى ذلك. (¬5) من هامش الأصل. (¬6) ساقطة من س.

(22) باب النهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى

(22) باب النهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى 138 - (1137) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرفَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ، نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " شهدت العيد مع عمر فصلى ثم انصرف فخطب ": حجة فى تقديم الصلاة على الخطبة، وقد تقدم هذا. وقوله: " وهذان يومان نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيامهما: يوم فطركم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم " فيه تعليم الإمام الناس مناسكهم فى أوقاتها، وما يستحب له أن يبينه فى خطبته، كل عيد، وفصل من سننه ومناسكه، وقد أجمع العلماء على تحريم صيام هذين اليومين بأي وجه كان، من تطوع أو نذر، أو دخول فى صوم واجب متتابع (¬1). ثم اختلفوا فيمنن نذرهما قاصدًا لعينيهما هل عليه قضاؤهما؟ فذهب عامة العلماء إلى أنه لا يصومهما ولا يقضيهما، وهو قول مالك، وزفر، وأحد قولى الشافعى، قيل: عليه القضاء فيهما إلا أن يكون نوى الّا يقضيهما، وهو أحد قولى الأوزاعى، وذهب أبو حنيفة، وصاحباه، والشافعى، والأوزاعى - فى أحد قوليهما - إلى وجوب قضائهما. واختلف قول مالك وأصحابه إذا لم يقصد تعينهما، وإنما نذر نذرًا اشتمل عليهما، أو نذر يوم يقدم فلان فصادفهما، هل عليه فيهما قضاء أم لا قضاء عليه فى ذلك، أم عليه القضاء إلا أن ينوى أن لا قضاء، أم ليس عليه حتى ينوى القضاء؟ وقوله: " يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم ": أى أحدهما يوم فطركم على خبر المبتدأ، أو يوم فطركم أحدهما على البدل من " يومان " وصفهما بما وصف ليبين العلة لفطرهما، وهو الفصل من الصوم، واشتهار تمامه وحده بفطر ما بعده، والآخر لأجل النسك المتقرب بها [فيه] (¬2) ليؤكل منها، ولو كان يوم صوم لم يؤكل منها فى ذلك اليوم فلم يكن لنحرها فيه [معنى] (¬3)، وقيل: فطرهما شرع غير مُعللٍ، وقد استدل بعضهم بتخصيص هذين اليومين بالتحريم على أن أيام التشريق ¬

_ (¬1) قال أبو عمر: صيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء فى أنه لا يجوز على حال من الأحوال، لا لمتطوع ولا لناذر، ولا لقاض فرضًا أن يصومهما، ولا لمتمتع لا يجد هدياً، ولا يأخذ من الناس. انظر: الاستذكار 10/ 142، 143. (¬2) ساقطة من س. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

139 - (1138) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَى، وَيَوْم الْفِطْرِ. 140 - (827) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ - وَهُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ - عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَعْجَبَنِى. فَقُلت لَهُ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَأَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " لَا يَصْلَحُ الصِّيَامُ فِى يَوْمَيْنِ: يَوْم الأَضْحَى، وَيَوْم الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ ". 141 - (...) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْم الْفِطْرِ، وَيَوْم النَّحْرِ. 142 - (1139) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ زيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ: إِنِّى نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا، فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: أَمَرَ اللهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ليست مُحرّمة مثلهما، وأنها دون حكمهما فى الشدة؛ ولهذا أبيح صيامهما للمتمتع، واختلف فيهما لغيره، كما سنذكره. وقوله: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إنى نذرت أن أصوم يومًا فوافق يوم أضحى [أو فطر] (¬1)، فقال ابن عمر: " أمر الله بوفاء النذر، ونهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام هذا اليوم "، قال الإمام: توقف ابن عمر عن الفتوى تورعًا، وأشار لتعارض (¬2) الأدلة. وقد اختلف فيها فقهاء الأمصار فى ناذر صوم يوم الفطر والأضحى، والذى ذهب إليه مالك أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤه ولا صومه، وقال أبو حنيفة: يصوم يومًا آخر عوضًا عنه (¬3)، وإن صامه فى نفسه مع النهى عن صومه أجزأه، ولنا عليه قوله - عليه السلام -: " لا نذر فى معصية " (¬4)، وصوم هذا اليوم معصية لثبوت النهى عنه، واتفاق العلماء على ¬

_ (¬1) فى هامش س. (¬2) فى س: لتعرض. (¬3) انظر: الاستذكار 10/ 144. (¬4) سيأتى فى ك النذر، ب لا وفاء لنذر فى معصية الله ولا فيما لا يملك العبد، بلفظ: " لا نذر فى معصية الله ". وأما لفظ الشارح فقد جاء فى سنن النسائى فى المجتبى، ك الأيمان والنذور، ب كفارة النذر 7/ 26، الحاكم فى المستدرك، ك النذور 4/ 305.

بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ. 143 - (1140) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَتْنِى عَمْرَةُ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الأَضْحَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك وتعويض يوم آخر ليس من مقتضى لفظ نذر فلا معنى لإلزامه إياه، وإن كان قد وقع عندنا قولان فيمن نذر صوم ذى الحجة، هل يقضى يوم النحر؟ وقد يكون من أوجب القضاء من أصحابنا رأى أن النذر منعقد بإجماع فيما سوى يوم النحر، وما نُهى عن صومه فأجرى يوم النحر فى الانعقاد مجرى [ما] (¬1) سواه بحكم التبع له، وألزم تعويضه لما امتنع صومه بعينه، بخلاف من جرد النذر ليوم النحر خاصةً. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

(23) باب تحريم صوم أيام التشريق

(23) باب تحريم صوم أيام التشريق 144 - (1141) وحدّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدّثنا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، حَدَّثَنِى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ. قَالَ خَالِدٌ: فَلَقِيتُ أَبَا الْمَلِيحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الباب عن نبيشة الهُذَلى، وقع فى نسخة ابن ماهان: " الهُذلية " على التأنيث، ظنه اسم امرأة، وهو وَهْمٌ. ونبيشة اسم رجل معروف فى الصحابة (¬1)، وهو ابن عم سلمة بن المحبق الهذلى (¬2). قال القاضى: هو نبيشة، بضم النون وبالشين المعجمة، ابن عمرو بن عوف بن سلمة الهُذَلى، سماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيشة الخير، وبذلك يعرف، ولا أعلم فى النساء الصحابيات من يتسمى بهذا، وإنما فيهم نسيبة بتقديم السين المهملة، ومنهن بضم النون، ومنهن فتحها، معروفات. قال الإمام: وقوله: " أيام التشريق أيام أكل وشرب ": تعلق به أبو حنيفة فى منع صيام أيام منى حتى للمتمتع الذى لا يجد الهدى، وبما (¬3) روى أنه نهى عن صيام أيام منى، وخالفه مالك وأجاز له صومها لقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (¬4)، وهذه الآية نزلت يوم التروية، وهو الثامن من ذى الحجة، وشرط فى القرآن أن تكون هذه الثلاثة [الأيام] (¬5) فى الحج، [فإذا صام التاسع وأفطر العاشر للنهى عن صومه لم يبق له محل فى الحج] (¬6) إلا أيام منى، وذلك يقتضى حجة [لما قال] (¬7) مالك. ¬

_ (¬1) نبيشة الهذلى: هو نبيشة الخير بن عبد الله بن عمرو بن عتاب بن الحارث بن نصير بن حصن، وقيل فى نسبه غير ذلك، روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعنه أبو المليح الهذلى، وأم عاصم جدة أبى اليمان المعلى بن راشد النبال، له فى مسلم هذا الحديث. التهذيب 10/ 417، رجال صحيح مسلم لابن منجويه الورقة 184، تهذيب الكمال 29/ 315. (¬2) هو سلمة بن ربيعة بن المحبق، واسمه: صخر بن عبيد، وقيل: عبيد بن صخر الهذلى، أبو سنان، له صحبة، سكن البصرة، وهو والد سنان بن سلمة، روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن عبادة بن الصامت، روى عنه ابنه وجون بن قتادة والحسن البصرى. تهذيب الكمال 11/ 318. (¬3) فى س: وما. (¬4) البقرة: 196. (¬5) فى س: أيام. (¬6) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬7) سقط من س.

فَسَأَلْتُهُ، فَحَدَّثَنِى بِهِ. فَذَكَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ. وَزَادَ فِيهِ: " وَذِكْرٍ للهِ ". 145 - (1142) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَة، حَدَّثَنَا مَحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَن أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَن أَبِيهِ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. فَنَادَى: " أَنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنَى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ". (...) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ طَهْمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَنَادَيَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: بقول مالك قال الشافعى، والأوزاعى وإسحاق، وعن الشافعى كقول أبى حنيفة، وروى عن بعض السلف صومها مطلقاً، وفى المذهب عندنا خلاف فيمن نذرها، أو نذر صومًا (¬1) متصلاً قبلها هل يصُومها أم لا؟ وأيام التشريق هى الثلاثة بعد يوم النحر وهو قول الأكثر، وقيل: بل أيام النحر سميت بذلك؛ لتشريق الضحايا فيها، وهو تقديدها ونشرها للشمس، وقيل: بل لصلاة العيد عند شروق الشمس فى أول يوم منها، وهذا يعضد دخول يوم النحر فيها، ويدل عليه - أيضاً - قوله فى الحديث: " أيام التشريق أيام أكل وشرب "، وفى الرواية الأخرى: " أيام منى ". وقوله: " وذكر لله " يستفاد به الحُجة للتكبير أيام العيد، وقد تقدم الكلام [فيه] (¬2). ¬

_ (¬1) فى س: صومها. (¬2) ساقطة من س.

(24) باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا

(24) باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً 146 - (1143) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - وَهُو يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: أَنَهَى رَسُولُ اللهِ ص عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن صيام يوم الجمعة "، وفى الحديث الآخر: " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام إلا أن يكون فى صوم يصومه أحدكم "، وفى الآخر: " إلا أن يصوم قبله أو بعده "، قال الإمام: قال مالك فى موطئه: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يُقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسنٌ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه (¬1). [قال الإمام] (¬2): ذكر بعض الناس أن الذى كان يصومه ويتحراه أنه محمد بن المنكدر، قال الداودى: لم يبلغ مالكاً هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه. قال القاضى: أخذ بظاهر الحديث الشافعى، ولعل قول مالك إليه يرجع لأنه إنما قال: وصومه حسنٌ، ومذهبه معلوم فى كراهة تخصيص يومٍ ما بالصوم، وهذا محتمل من معنى ما جاء فى الحديث: لا تخصوه بصيام، عند بعضهم، وإنما حكى مالك عمن حكى صومه، وظن أنه كان يتحراه، ولم يقل مالك: إنى أرى هذا ولا أحبه، أعنى يجزئه، فيحتمل أنه مذهبه. قال المهلب: ووجه النهى عنه خشية أن يستمر عليه فيفرض، أو خشية أن يلتزم الناس من تعظيمه ما التزمه اليهود والنصارى فى سبتهم وأحدهم من ترك العمل، وأنه (¬3) يرجع نهيه عن اختصاص قيام ليلتها، وقد أشار الباجى (¬4) إلى أن مذهب مالك هذا يحتمل قولة له أخرى فى صيام يوم الجمعة فوافق الحديث، وقال الداودى فى كتاب النصيحة ما معناه: إن النهى إنما هو عن تحريه واختصاصه دون غيره، وأنه متى صام مع صومه يومًا غيره (¬5) فقد خرج عن النهى؛ لأن ذلك اليوم قبله أو بعده، إذ لم ¬

_ (¬1) الموطأ، ك الصيام، ب جامع الصيام 1/ 311 بنصه. (¬2) من س. (¬3) فى س: وإليه. (¬4) المنتقى للباجى 2/ 76. (¬5) فى س: آخر.

عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا، بِمِثْلِهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 147 - (1144) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمعَةِ، إِلَّا أَنْ يصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ ". 148 - (...) وحدّثنى أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ - يَعْنِى الْجُعْفِىَّ - عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا تَخْتصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِى، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّام، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِى صَوْمِ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يقل اليوم الذى يليه. وقد يرجح ما قال: قوله فى الحديث الآخر فى الأم: " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، ولا ليلة الجمعة بقيام من بين الليل " وذكر الطحاوى فيه بمعنى آخر جاء فى أثرٍ رواه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يوم الجمعة يوم عيدكم، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده " (¬1). ¬

_ (¬1) الطحاوى فى شرح معانى الآثار 2/ 79 من حديث أبى هريرة.

(25) باب بيان نسخ قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية} بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}

(25) باب بيان نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} (¬1) بقوله: {فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬2) 149 - (1145) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ - عَنْ عَمْرِو ابْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين} كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِىَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِى بَعْدَها، فَنَسَخَتْهَا. 150 - (...) حدّثنى عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول سلمة: " لما نزلت هذه الآية: {فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} كان من أراد أن يفطر ويفتدى حتى نزلت الآية التى بعدها ونسختها، وفى الرواية الأخرى: حتى نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين}، قال القاضى: اختلف السلف فى قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين}، هل هى محكمة [أو مخصوصة] (¬3) أو منسوخة كلها، أو منسوخ بعضها؟ فذهب جمهورهم إلى [ما] (¬4) قاله سلمة من نسخها، ثم اختلفوا هل بقى منها ما لم ينسخ؟ فرُوى عن ابن عمر والحسن وجمهورهم أن حكم الإطعام باق على من لم يطق الصوم من كبر (¬5)، وقال مالك وجماعة من السلف وداود وأبو ثور: جميع الإطعام منسوخ، وليس على الكبير إذا لم يطق الصوم إطعام، وعن مالك - أيضاً - استحباب الإطعام له، وقال قتادة: إنما كانت الرخصة خاصةً للكبير الذى يقدر على الصَّوم ثم نسخ ذلك عنه وبقيت للذى لا يطيق، وقال ابن عباس وغيره: نزلت فى الكبير والمريض لا يقدران على الصوم، فهى على قوله محكمة، ويعضدها قراءة (¬6): " يطوقونه " أو " يطوقونه " (¬7) بفتح الياء وضمها، أى يتكلفونه أو يكلفونه ولا يقدرون عليه، إلا أن المريض يقضى إذا صح. وأكثر العلماء على أنه لا إطعام على المريض، وجعلوا المرضع والحامل مثلهما، إلا أنهم اختلفوا فى قضاء الحامل والمرضع، فقيل: يطعمان ويقضيان إذا زال عذرهما، وهو ¬

_ (¬1) البقرة: 184. (¬2) البقرة: 185. (¬3) فى هامش الأصل. (¬4) ساقطة من الأصل، وما أثبت من س. (¬5) انظر: القرطبى فى تفسيره للآية 2/ 289، ابن كثير فى التفسير 1/ 308. (¬6) فى س: قوله. (¬7) غير ظاهر فى الأصل.

عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا فِى رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَر؛ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ، حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد قولى الشافعى وجماعة، وأحد أقوال مالك، وقيل: يقضيان ولا يطعمان، [وهو قول أبى حنيفة وأحد أقوال مالك، وقيل: عليهما الإطعام ولا قضاء] (¬2)، وقيل: عليهما القضاء ولا إطعام، وهو الذى روى عن ابن عمر (¬3) وابن عباس، وإسحاق، وقيل: ليس على الحامل إطعام وهى كالمريض، وتطعم المرضع وهو مشهور قول مالك، وقاله - أيضاً - الشافعى، وقال إسحاق: إن شاءتا قضتا ولم تطعما، [أو] (¬4) أطعمتا ولم تقضيا. قال ابن القصار: وهذا كله إذا كان الخوف على ولديهما، فأما إن خافا على أنفسهما فلا يختلف المذهب فى ذلك. قالوا: وهو الإجماع، يُريد إلا من أوجب الفدية على المريض، وروى عن ابن شهاب أنها فى المريض والمسافر خاصةً ثم نسخت، فألزموا القضاء حتمًا وبطل الخيار، وقال زيد بن أسلم وابن شهاب ومالك: الآية محكمة، وإنما نزلت فى المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضى حتى يدركه رمضان آخر من قابلٍ، فعليه أن يصومه، ثم يقضى بعدما أفطر، ويُطعم عن كل يوم مُدًّا من حنطة، فأما من اتصل مرضه إلى رمضان آخر، فليس عليه إطعام وعليه القضاء، ومعنى {يُطِيقُونَهُ} على هذا القول: أى يطيقون قضاء ما عليهم، فلا يقضون إلى رمضان آخر. وذكر عن الحسن أن الهاء فى {يُطِيقُونَهُ} عائدة على الإطعام والكفارة، لا على الصوم، ثم نسخ ذلك، فهى عنده عامة، وقال بعض السلف مثل هذا فى عود الضمير على الإطعام وأنه خاصة فى الكبير الهرم، وهى عندهم محكمة غير منسوخة. واختلف فى مقدار الإطعام، فمالك وجمهور العلماء على مُدّ عن كل يومٍ، وأبو حنيفة يقولُ: نصف صاعٍ، وقاله صاحباه. وقال أشهب من أصحابنا: مُدٌ وثلث لغير أهل المدينة، وجمهور العلماء على أن المرض المبيح للفطر هو ما يشقُ معه الصَّوم، أو تخشى زيادته بسبب الصوم هذا معنى يختلف (¬5) ألفاظ أئمة الفتوى فى ذلك، وحُكى عن فرقةٍ أن كل مريض يباح له [] (¬6) الصوم كان مطيقًا له أو لا. ¬

_ (¬1) البقرة: 185. (¬2) فى هامش الأصل، وهو سقط من س. (¬3) فيه قبلها فى س: وهو قول. (¬4) فى س: و، وأثبتنا الهمزة ليستقيم المعنى. (¬5) فى س: مختلف. (¬6) فى الأصل بياض هكذا.

(26) باب قضاء رمضان فى شعبان

(26) باب قضاء رمضان فى شعبان 151 - (1146) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " يكون على الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا فى شعبان للشغل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه حجة على أن قضاء رمضان ليس واجبًا على الفور، خلافًا لداود فى إيجابه [من] (¬1) ثانى شوال، وأنه أثم متى لم يصمه، وكذلك يقول فيمن وجبت عليه رقبة وتعيينه فى أول رقبةٍ يمكنه ملكها أو ملكها حينئذٍ، فإذا لم يكن على الفور فوقته موسعٌ مقيد بتقييد السَّنة، ما لم يدخل رمضان آخر كوقت الصلاة، والإنسان مخيّر فى إيقاع ذلك أى وقت شاء من الوقت، لكن الاستحباب المبادرة وتقديم ذلك على غيره من صيام النفل كالصلاة، وبهذا قال الشافعى: والأصل فيه حديث عائشة هذا، وأمرها غير خفى على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو كان ما فعلته غير جائز لما أقرها. قال بعض العلماء: ولا يقضى بموته بعد مضى اليوم الثانى من شوال على شرط العزم، وهذا - أيضاً - على ما قالوا فى الصلاة، لاسيما على قولنا وقول الشافعى: إن الخطاب يتعين بها لأول الوقت، وقال أبو بكر الرازى الحنفى: إنه لا يقضى إلى السنة المقبلة، وقال أبو القاسم الكياالهراسى الشافعى: هذا خلاف قول الجماعة، قال: وقد أجمعوا أنه لو مات قبل السنة على وجوب الفدية، لا لكونه عاصيًا، كما يجب على الشيخ الكبير وعلى من مات أول يوم من شوال، وقال أبو الحسن [ابن] (¬2) القصار وغيره من شيوخنا: إنه عاص إذا أمكنه القضاء فلم يقض حتى دخل رمضان آخر. وقد اختلف العلماء فى وجوب الفدية على المفرط فى الفطر حتى دخل عليه رمضان آخر، فمذهب مالك والشافعى [] (¬3)، ومعظمهم وجوبها عليه مُدا لكل يوم، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وداود إلى أنه لا كفارة على المفرط، وجمهورهم أنه إذا مرض بقية عامه ولم يفرط، حتى دخل عليه رمضان آخر، أنه لا فدية عليه. وحكى عن بعض السلف: عليه الفدية. قال بعض شيوخنا: واختلف مذهبنا بما يكون به مفرّطاً حتى يلزمه [بالذى عليه] (¬4)، فالبغداديون (¬5) منهم ومعظم الشيوخ: أنه ليس بمفرط إلا بترك ذلك عند آخر السنة وبقية عدد تلك الأيام من شعبان، ولو صح فيما مضى من سنته [ثم جاءه ما منعه حتى دخل عليه رمضان آخر لم يلزمه كفارة، وقال بعضهم] (¬6): إنه يراعى ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى هامش س. (¬3) كلمة فى الأصل غير ظاهرة اللفظ والمعنى. (¬4) من س. (¬5) فى س: البغداديون. (¬6) سقط من س.

مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِى شَعْبَانَ. الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ ابْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ صحته أو إقامته من أول عامه، فمن صح من شوال فما بعده مُدَّةً يمكنه فيها قضاء ما عليه فلم يفعل حتى جاء ما منعه حتى دخل عليه رمضان آخر، فقد لزمه القضاء، ونحوه فى المدوّنة (¬1). وعلى هذين القولين اختلف تأويلهم على مذهب المدوّنة، قال بعض شيوخنا: فعله على هذا مترقباً ليس على الفور ولا على التراخى، فإن صح منه القضاء فى شعبان وكان قادرًا على تعجيله لم يكن عليه إطعام، قال: والقياس إما أن يقالُ على الفور كالصلاة المنسية، فمتى لم يفعل كان مفرطاً، ووجبت عليه الفدية، أو على التراخى، فلا شىء عليه مما صح فيه أو أقامه عاش أو مات، يعنى حتى يضيق الوقت عليه بآخر العام كالصلاة المؤقتة. واختلف فى قضاء رمضان، هل من شرطه التتابع؟ وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر، وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين، وكافة علماء الأمصار أنه ليس من شرطه، ويجوز مفترقاً. وقولها: " الشغل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": نص منها لِعلةِ ذلك، وارتفع الشغل عنها بتقدير فعل أنه يمنعنى منه الشغل أو شغلنى ونحوه، وبيان فى أن أمرها بتمادى الفطر غير خافٍ عنه - عليه السلام - ورد على من ضعف تعليل حالها بذلك، إذ هى نفسها قد أخبرت بذلك وعلة فطرها فسقط التأويل، وفيه ما يجب من حق الزوج، ولا أعلم خلافًا، فى التنفل أن من حق الزوج منعها منه لحديث أبى هريرة: " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه " (¬2). قال بعض شيوخنا: وأما فى قضاء رمضان فليس له ¬

_ (¬1) فى س: المدنية. (¬2) سبق فى كتاب مسلم، ك الزكاة، ب ما أنفق العبد من مال مولاه، بقرب لفظه، وبلفظه البخارى، ك النكاح، ب لا تأذن المرأة فى بيت زوجها لأحد إلا بإذنه عن أبى هريرة بلفظ: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه .... " الحديث 7/ 39، وأيضاً بلفظ مسلم أبو داود، ك الصوم، ب المرأة تصوم بغير إذن زوجها 1/ 572، الترمذى، ك الصوم، ب ما جاء فى كراهية صوم المرأة إلا بإذنه 1/ 142، =

يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: فَظَنَنْتُ أَن ذَلِكَ لمَكَانِهَا مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَحْيَى يَقُولُهُ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا فى الْحَدِيثِ: الشُّغْلُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 152 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِىُّ، عَن يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يَأْتِىَ شَعْبَانُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ منعها إلا باختيارها، إذ لها حق فى إبراء ذمتها، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن عائشة فى هذا إنما فعلت ذلك للرخصة لا لأجل النبى - عليه السلام - وأن ذكر الشغل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول يحيى لا من قول عائشة، وقد قال البخارى: قال يحيى: " الشغل من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬1). وفى مسلم فى حديث ابن رافع عن يحيى قال: فظننت أن ذلك لمكان النبى - عليه السلام - ولسقوط هذه العلة جملة من رواية سُفيان وغيره، قالوا: وقد كان له - عليه السلام - نساء غيرها، وكان يقسم بينهن، أى فقد كانت تتفرغ لصومها. قال القاضى: لكنه قد جاء فى حديث ابن أبى عمر ما يدل أن العلة من قولها، فقالت: " إن كانت إحدانا لتفطر فى زمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يأتى شعبان ". قالوا: وفى هذا الحديث وشبهه أن منافع العشرة والمتعة من الزوجة مُتملكةً للزوج فى عامة الأحوال، وحقها فى نفسها محصور فى وقت دون وقت، وقد ذكر مسلم فى كتاب الزكاة: " لا تصم (¬2) المرأة وبعلها شاهدٌ " (¬3)، وهذا أصل فى الباب، ومحمول على ما لم يتعين عليها فرض صومه. ¬

_ = ابن ماجة، ك الصوم، ب فى المرأة تصوم بغير إذن زوجها 1/ 560. (¬1) البخارى، ك الصوم، ب متى يقضى قضاء رمضان، بلفظ الشغل من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بالنبى 3/ 45. (¬2) فى س: تصوم. (¬3) سبق فى كتاب الزكاة، ب ما أنفق العبد من مال مولاه.

(27) باب قضاء الصيام عن الميت

(27) باب قضاء الصيام عن الميت 153 - (1147) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ". 154 - (1148) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من مات وعليه صيام، صام عنه وليه "، قال الإمام: أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما، وجمهور الفقهاء على خلاف ذلك، ويتأولون الحديث على [معنى] (¬1): طعام الحىّ عن وليه، إذا مات وقد فرط فى الصوم، فيكون الإطعام قائمًا مقام الصيام. قال القاضى: أما أحمد [فإنما] (¬2) يخصصُ أن يصومه وليه عنه فى النذر، وهو قول الليث وأبى عبيد، وروى عن الشافعى، وأما قضاء رمضان فلا عندهم، ولكنه يطعم عنه واجبًا من رأس [ماله] (¬3) وهو مشهور قول الشافعى فى وجوب الإطعام عليهم من رأس ماله دون الصوم، وهو قول كافة العلماء، ومالك لا يوجب عليهم الإطعام إلا أن يوصى بذلك، أو يتطوعوا. وأجمعوا بغير خلاف أنه لا يصلى أحدٌ عن أحدٍ فى حياته ولا موته، وأجمعوا أنه لا يصوم أحد عن أحد فى حياته، وإنما الخلاف فى ذلك بعد موته، وقد خرج النسائى من رواية ابن عباس عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مُدًا من حنطةٍ " (¬4). وذكر الترمذى من رواية ابن عمر: " من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه وليه مكان كل يوم مسكينًا " (¬5)، وإذا تعارضت الأحاديث (¬6) رجع إلى قوله تعالى: ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل. (¬2) و (¬3) سقطتا من الأصل، واستدركتا بالهامش. (¬4) النسائى فى الكبرى، ك الصيام، ب صيام الحى عن الميت عن ابن عباس موقوفاً 2/ 175. (¬5) الترمذى، ك الصوم، ب ما جاء فى الكفارة عن ابن عمر، قال أبو عيسى: حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والصحيح عن ابن عمر موقوفاً 3/ 88، رقم (718). (¬6) لم يكن هناك تعارض للآثار ولن يكون، وهاك كلام أبى عمر بن عبد البر فى الاستذكار فيه جيدًا: لولا الأثر المذكور - ويريد أثر: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " البخارى ومسلم فى هذا الباب - لكان =

الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ. فَقَالَ: " أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: " فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ ". 155 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِىُّ، حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَاَ رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: " لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (¬1). وذكر مسلم فى الباب الأحاديث المروية عن ابن عباس: " إن أمى ماتت وعليها صوم [شهر] (¬2) ... " الحديث إلى قوله: فذكر أنه أحق بالقضاء، وذكر اختلاف الروايتين فيه وزيادة ابن أبى أنيسة عن الحكم فيه قولها: " صوم نذر "، وقد ذكر البخارى حديث ابن عباس هذا واضطراب الرواية فيه، وقول من قال فيه: " إن أختى ماتت "، وقول من قال: " وعليها خمسة عشر يومًا "، وقول من قال: " صوم نذر "، وقول من قال: " جاء رجل " وكثرة الاضطراب فيه عن مسلم البطين، وعلى من فوقه وغيرهم (¬3)، وذكر الدارقطنى ذلك وقول من قال فيه: " صوم شهرين متتابعين " (¬4)، وقد ذكر البخارى حديث أبى خالد الأحمر مُعلقًا ولم يُسنده (¬5)، وذكر مسلم حديث أبى سعيد الأشج: حدثنا أبو خالد الأحمر عن سلمة بن كهيل، والحكم بن عيينة ومسلم البطين عن سعيد بن جبير، ومجاهدٍ وعطاء عن ابن عباس، ووهم الدارقطنى أبا خالد الأحمر فى هذا الحديث؛ لمخالفته رواية الأعمش فيه، كما قد ذكر مسلم وقال، وقد بين زائدة فى " روايته الوجه الذى دخل عليه (¬6) الوهم ¬

_ = الأصل القياس على الأصل المجتمع عليه فى الصلاة، وهو عمل بدن، لا يصوم أحد عن أحد كما لا يصلى أحد عن أحد 10/ 173. (¬1) النجم: 39. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) البخارى، ك الصوم، ب من مات وعليه صوم 3/ 46. (¬4) الدارقطنى، ك الصوم، ب القبلة للصائم 2/ 195، 196 رقم (83). (¬5) البخارى، ك الصوم، ب من مات وعليه صوم 3/ 46. (¬6) فى س: فيه.

قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ جَمِيعًا، وَنَحْنُ جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ. فَقَالَا: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (...) وحدّثنا أَبُو سَعيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا. الْحَدِيثِ. 156 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ عَدِىٍّ. قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِى زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَاصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: " أَرَأيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّى ذَلِك عَنْهَا؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: " فَصُومِى عَنْ أُمِّكِ ". 157 - (1149) وحدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ. فَقَالَتْ: إِنِّى تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّى بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ. قَالَ: فَقَالَ: " وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه أعنى على أبى خالدٍ، وهو قول زائدة فى حديثه (¬1): قال سليمان: فقال الحكم وسلمة ابن كهيل جميعًا ونحن جلوس حين حدث - يعنى البطين - بهذا الحديث، فقالا: سمعنا مجاهدًا يذكر هذا عن ابن عباس، وقال الترمذى: سالت محمدًا - يعنى البخارى - عن هذا الحديث، فقال: جوده أبو خالد الأحمر، واستحسن حديثه جدًا، وقد رواه بعض أصحاب الأعمش كذلك (¬2). قال القاضى: وقد ذكر مسلم من رواية [زيد] (¬3) بن أبى أنيسة، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، [عن ابن عباس] (¬4) بمعناه، فوافق أبا خالد الأحمر. وقوله فى الحديث [الآخر] (¬5): " حجى عنها ": هذا أيضاً مما اختلف العلماء فيه، ¬

_ (¬1) وقال الدارقصنى: قد ذكر مسلم وقال: هذا من كلام الدارقطنى حتى لا يتوهم وليس مسلم القائل. انظر: سنن الدارقطنى وذيله التعليق المغنى على الدارقطنى 2/ 196. (¬2) الترمذى، ك الصوم، ب ما جاء فى الصوم عن الميت 3/ 87، رقم (717). (¬3) ساقطة من س. (¬4) سقط من س. (¬5) من س.

عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: " صُومِى عَنْها ". قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ. أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: " حُجِّى عَنْهَا ". 158 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ. (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيَدْةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ. (...) وحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ. (...) وحدّثنى ابْنُ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطَاءً الْمَكِّىِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثهِمْ. وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هل يلزم حجُ الولى عن وليه إذا عجز أو (¬1) لا يلزم؟ أو يجوز أو لا يجوز؟ ومذهبنا: أنه لا يلزم عن ذى العذر، واختلف هل يجوز لأنه عمل له تعلق بالمال أو يُكره له ابتداءً، فإن أوصى به نفذت وصيته به؟ واختلف أصحابنا فى ذلك اختلافًا كثيرًا، وسيأتى مُسْتوعبًا فى كتاب الحج، واضطراب حديث ابن عباسٍ يُسقط الحجة [به] (¬2)، أو يحمل على ما جاء مفسراً بقوله: " صوم نذر "، وهو حجة أحمد، لكن يكون حكمه عند الجمهور على ما تقدم من فعل الخير بالمال عنه، فيقوم مقام ما لم يوفِ به من نذره، وتنبيه البخارى ومسلم على مختلف رواياتها واضطراب رواته للتعليل لها. ¬

_ (¬1) فى س: أم. (¬2) من س.

(28) باب الصائم يدعى لطعام فليقل: إنى صائم

(28) باب الصائم يدعى لطعام فليقل: إنى صائم 159 - (1150) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ: رِوَايَةً. وقَالَ عَمْرٌو: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ زُهَيْرٌ: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إنى صائم ". قال الإمام: أعمال [البر] (¬1) النوافل يستحب إخفاؤها غالبًا، ولكن دعت الضرورة لذكر هذا فيها على جهة العذر؛ لئلا يحدث بتخلفه تشاجرًا أو بغضاء، إذا كان المراد أن يقول ذلك نطقًا ليعذر به. قال القاضى: فيه حجة أن ليس للمتنفل إفساد نيته وفطر يومه لغير عذر، ولو كان الفطر مباحًا [له] (¬2) ابتداء لم يُرشده إلى العذر بصومه، وسنذكره، وفيه الحض على حسن المعاشرة وحسن الصحبة، ومراعاة الألفة وحسن الاعتذار. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) ساقطة من س.

(29) باب حفظ اللسان للصائم

(29) باب حفظ اللسان للصائم 160 - (1151) حدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - رِوَايَةً قَالَ: " إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ، إِنِّى صَائِمٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى الحديث الآخر: " فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إنى صائم "، وقوله: " فلا يرفث ولا يجهل ": الرفث: السخف والفحش من الكلام والجهل مثله، يقال منه: رفث يرفث بالضم، ورفث بالكسر، يَرْفثُ بالفتح رَفْثًا، ساكنة فى المصدر، ورَفَثا محركة فى الاسم، ويقال: أرفث أيضاً. وقوله فى الحديث الآخر: " لا يصخب " (¬1) بمعناه، هو اختلاط الأصوات وكثرة الكلام ورفع الصوت، يقال بالسين والصاد، وعند الطبرى: " ولا يسخر " وهو من السخرية بالناس، والأول هو المعروف، وقد يكون بالقول والفعل ومعنى " قاتله ": أى دافعه ونازعه، وتكون بمعنى شاتمهُ ولاعنه. وقد جاء القتل بمعنى اللعن. وقد اختلف فى معنى قوله فى هذا الحديث: " فليقل: إنى صائم "، أهو على وجهه كما تقدم وليُسمع ذلك مشاتمه ليعلم اعتصامه بالصوم فلا يؤذيه. قال الإمام: ويحتمل أن يكون المراد به أن يخاطب بذلك نفسه على جهة الزجر لها عن السباب والمشاتمة. قال القاضى: قد جاء آخر الحديث فى مصنف النسائى مفسرًا قال: ينهى بذلك عن مراجعة الصائم (¬2) وقد جاء هنا لفظ المشاتمة والمقاتلة، وهى لا تكون إلا من اثنين؟ فقيل: معناه هنا: إن امرؤ أراد هذا منه فليمتنع، وأيضاً فإن المفاعله قد تجىء لفعل الواحد؛ كقوله: سافر، وعالج الأمر، وعافاه الله، وأيضاً فقد يكون على وجهه، [أى] (¬3) إن بدا ذلك منهما فليرجع إلى نفسه ويذكرها بصومه فتكف. ¬

_ (¬1) فى س: يسخب، بالسين، وفى الأصل بالصاد. (¬2) انظر: النسائى، ك الصوم، ب فضل الصيام من حديث أبى هريرة رضى الله عنه الكبرى 2/ 91، المجتبى رقم (2216، 2217). (¬3) ساقطة من س.

(30) باب فضل الصيام

(30) باب فضل الصيام 161 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُوُنسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، هُوَ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عَنْدَ اللهِ مِنْ رِيْحِ الْمِسْكِ ". 162 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْمُغِيْرَةُ - وَهُوَ الْحِزَامِىُّ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصِّيَامُ جُنَّةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الصيام جنة ": أى ستر ومانع من الرفث والآثام، أو مانع من النار وساتر منها، أو مانع من. جميع ذلك، ومنه: المُجْن للترس الذى يُسْتَتَر به، ومنه سميت الملائكة والشياطين جنًا لاستتارهم عن أعين الناس [ورؤيتهم. وفى] (¬1) بعض الروايات: " فلا يصخب " وهو من معنى يجهل، والصخب بالسين والصاد: الصياح، ورواه الطبرى: " فلا يسخر " بالراء ومعناه صحيح؛ لأن السخرية بالقول والفعل كله من الجهل وبمعناه (¬2)، وقد ذهب الأوزاعى إلى أن السبَّ والغيبة يفطران الصائم، وخص النهى عن الرفثِ والجهل هنا، وهو فى كل حال منهى عنه؛ لتأكيد حق الصوم ولتضعيف الإثم بفعل ذلك به (¬3) لإهانته حق الشهر، ومراعاة الصوم، أَوْ لِئَلا يفسد صومه على مذهب من يراه. وقوله: " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لى، وأنا أجزى به "، قال الإمام: تخصيصه الصوم هاهنا بقوله: " لى " وإن كانت أعمال البر المخلصة كلها له تعالى؛ لأجل أن الصوم لا يمكن فيه الرياء، كما يمكن فى غيره من الأعمال؛ لأنه كف وإمساك، وحال الممسك شبعًا أو فاقة كحال الممسك تقرباً، وإنما القصد وما يبطنه القلب هو المؤثر فى ذلك، والصلوات والحج والزكاة أعمال بدنية ظاهرة يمكن فيها الرياء والسمعة، فلذلك خص الصوم بما ذكره دونها. ¬

_ (¬1) فى س: وزيادته فى. (¬2) فى س: ومعناه. (¬3) فى س: فيه.

163 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ الزَّيَّاتِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى امْرؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقال أبو عبيدة معناه: أنا أتولى جزاءه، إذ لا يظهر فتكتبه الحفظة، إذ ليس من أعمال الجوارح الظاهرة، وإنما هو نيةٌ وإمساك، فأنا أجازى (¬1) به من التضعيف على ما أحبُ. وفى قوله: " الصوم لى "، وتخصيصه بيان عظيم فضله، وكثرة ثوابه، ويدل عليه قوله: " أنا أجزى به "، وقال الخطابى: قوله: " لى ": أى ليس للصائم فيه حظ، قال: وقيل: إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فكأنه يتقرب إلى الله بما يتعلق بِشبْهِ صفة من صفاته، وإن كان تعالى لا شبه له فى صفاته (¬2). وقيل: فيه تخصيص الصوم وتشريفه بإضافته إليه تعالى، فقال كما قال: بيت الله، والكل لله تعالى، وقيل: " لى ": أى المنفرد [بعلم] (¬3) مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، كما قال: " وأنا أجزى به " قال: وغيره من الحسنات اطلعت على مقادير أجُورها، كما قال: " كل حسنة بعشرٍ أمثالها " الحديث، والصوم موكّل إلى سعة جوده وغيب علمه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغِيْرِ حِسَاب} (¬4). وقوله: " لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ": هكذا الرواية الصحيحة بضم الخاء، وكثير من الشيوخ يرونه بفتحِها. قال الخطابى: وهو خطأ، وحكى عن القابسىّ فيه الفتح والضم، وقال: أهل المشرق يقولونه بالوجهين. قال الإمام: قال الهروى: يُقال: خَلُفَ فُوه: إذا تغير، يخلف خلوفًا. ومنه حديث عَلِىّ وسُئل عن قبلة الصائم قال: وما أُريك إلى خُلوف فيها، ويقال: نؤمة الضحى مخلفة للفم، أى مغيرة. قال القاضى: قال صاحب الأفعال: خَلْفَ فوه وأخلف. وذكر مسلم من بعض الطرق: " لخلفةُ " وهو صحيح المعنى اسم ما خلف فى الفم، والخلوف مصدره. قال الباجى: قال البرقى: هو تغييرُ طعم الفم وريحه لتأخر الطعام، قال: وليس هذا على ¬

_ (¬1) فى س: أجزى. (¬2) انظر: أعلام الحديث فى شرح صحيح البخارى للخطابى، ب هل يقول: إنى صائم إذا شُتِمَ، حيث قال: أى خالص لى لا يطلع عليه أحد فيكون لنفس صاحبه منه حظ فيه 2/ 946. (¬3) فى هامش س. (¬4) الزمر: 10.

الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَللِصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أصل مالك، إنما هو على مذهب الشافعى، وإنما هو تغيير ريح الفم بما يحدث من خلو المعدة بترك الأكل (¬1). قال القاضى: احتج الشافعى (¬2) بالثناء على الخلوف لمنع السواك بعد نصف النهار، وهو وقت وجود الخلوف؛ لأن السواك يذهبه، وفى بقائه من الأجر والفضل ما لا يجب عنده إزالته، وذهب مالك إلى جوازه فى النهار كله؛ لأنه عنده إن كان من المعدة فلا يذهبه السواك، وأيضاً فإن جعلنا الكلام فى الثناء على الخلوف استعارة وتنبيهًا على فضل الصوم، لا على نفس الخلوف، فذهابه وبقاؤه سواء. وقد اختلف الناس (¬3) فى معنى قوله: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ". قال الإمام: هو مجاز واستعارة؛ لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذى له طبائع تميل إلى شىء فتستطيبه، وتنفر عن آخر فتستقذره، والله تعالى يتقدس عن ذلك، لكن جرت العادة فينا بتقريب الروائح الطيبة منا، واستعير ذلك فى الصوم لتقريبه من الله. قال القاضى: وقيل: يجزيه الله فى الآخرة حتى تكون نكهته أطيب من ريح المسك كما قال (¬4) فى المكلوم فى سبيل الله: " الريح ريح مسك " (¬5)، وقيل: بل ينال صاحبُها من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا، لاسيما بالإضافة إلى الخلوف وهما ضدان، وقيل: يعتدّ بها وتدخر على ما هى عليه [أكثر] (¬6) مما يعتد بريح المسك لصاحبه، وأيضاً فيكون رائحتها عند ملائكة الله أطيب من المسك، وإن كانت عندنا نحن بخلافه، وقال الداودى: يثاب عليها ما لا يثاب على رائحة المسك إذا تطيب به للصلاة والجمعة. وقوله: " للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه ": أما فرحته عند لقاء ربه فبينة لما يراه من الثواب وحسن الجزاء، كما قال فى الرواية الاخرى: " إذا لقى الله فجزاه فرح "، وأما عند إفطاره فلتمام عبادته وسلامتها من الفساد وما يرجوه من ثوابها، وقد يكون معناه: لما طبعت النفس عليه من الفرح بإباحة (¬7) لذة الأكل وما منع منه الصائم، وحاجته إلى ذهاب ألم الجوع عنه، وهو ظاهر فى بعض الروايات ¬

_ (¬1) المنتقى للباجى 2/ 74. (¬2) انظر: الحاوى 3/ 466، 467. (¬3) فى الأصل: التأويل، والمثبت من س. (¬4) فى س: كان. (¬5) البخارى، ك الذبائح والصيد، ب المسك 7/ 125. (¬6) ساقطة من س. (¬7) فى س: من إباحة.

164 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعفٍ، قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى، للِصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ". 165 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِى سِنَانٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَأَبِى سَعِيدٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ - عَزَّ - وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّ الصَّوْمَ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، إِنَّ للِصَّائِمِ فَرْحَتَيْنِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِىَ اللهَ فَرِحَ. وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوَفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْن مُسْلِمٍ - حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ - وَهُوَ أَبُو سِنَانٍ - بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: وَقالَ: " إِذَا لَقِىَ اللهَ فَجَزَاهُ، فَرِحَ ". 166 - (1152) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ - وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ [أنه] (¬1) " إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه ". خالد بن مخلد (¬2) القطوانى بفتح القاف والطاء معًا، قال البخارى والكلاباذى معناها: البقال، كأنهم نسبوه إلى بيع القطنية، وقال الباجى: هى قرية على باب الكوفة وقاله أبو ذرٍ أيضاً، وفى تاريخ البخارى [أيضاً] (¬3): أن قطوان موضع. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) خالد بن مخلد القطوانى أبو الهيثم البجلى، مولاهم الكوفى، وقطوان: موضع بها، روى عن سليمان ابن بلال وعبد الله بن عمر العمرى ومالك وغيرهم، وعنه البخارى، ومسلم، وأبو داود، وفى مسند مالك وغيرهم والباقون بواسطة، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: له أحاديث مناكير، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وقال: الأجرب عن أبى داود: صدوق ولكنه يتشيع. التهذيب 3/ 117، 118. (¬3) ساقطة من س.

الْقَطَوَانِىُّ - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِى الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَاَلُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن فى الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون ": من معنى ما تقدم قبل فى الحديث الآخر، وفيه أن أبواب الجنة حق غير مجاز، ويؤكده قوله: " فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد ": نوعٌ من الكرامة لهم، والاختصاص كما اختصوا به حتى لا يزاحموا فيه، وإن كانت لا مزاحمة فى الحقيقة فى أبواب الجنة لسعتها، وأنه ليس بموضع ضرر، ولا عنت (¬1) ولا نصب، وجاء فى رواية عبد الغافر الفارسى: " إذا دخل أولهم أغلق " وهو وَهْمٌ. ¬

_ (¬1) فى س: تعب.

(31) باب فضل الصيام فى سبيل الله لمن يطيقه، بلا ضرر ولا تفويت حق

(31) باب فضل الصيام فى سبيل الله لمن يطيقه، بلا ضرر ولا تفويت حق 167 - (1153) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنِى اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِى عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 168 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ الزُّرَقِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى فضل الصوم فى سبيل الله: " باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ": مبالغة فى الإخبار عن البعد عنها، والمعافاة منها. والخريف يعبر به عن السنة. والمراد مسيرة سبعين خريفًا، وكثيرًا ما جاءت السبعون عبارة عن التكثير واستعارة للنهاية فى [العدد] (¬1)، قال الله تعالى: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (¬2). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) التوبة: 80.

(32) باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال وجواز فطر الصائم نفلا من غير عذر

(32) باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال وجواز فطر الصائم نفلاً من غير عذر 169 - (1154) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: " يَا عَائِشَةُ، هَلْ عِنْدَكُمْ شَىءٌ؟ " قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عِنْدَنَا شَىءٌ. قَالَ: " فَإِنِّى صَائِمٌ ". قَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -[لعائشة] (¬1): " هل عندكم [من] (¬2) شىء؟ " فقالت (¬3): لا. فقال: " إنى صائم " ثم ذكر أنه أتى يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدى لنا حَيْسٌ، وذكر أنه أكل منه، وقال: " قد كنت أصبحت صائمًا ": هذا الحديث يفسر الآخر الذى لم يذكر فيه أن القصة فى يومين، وهذا الحديث مما يحتج به من يجيز صيام النافلة بغير تبييت وإحداث ذلك داخل نهاره، وقد ذكر الخلاف فى هذا قبل، ولا حجة لهم فى هذا الحديث؛ إذ يحتمل أن سؤاله أولاً: " [هل] (¬4) عندكم شىء؟ " أما أنه ضعف عن الصوم فاحتاج إلى الفطر فسأل، فلما لم يجد بقى على صومه، أو سئل (¬5) عن ذلك وهو صائم ليعلم هل عندهم ما يحتاجه عند الإفطار، فتسكن نفسه إليه، ولا يسعى فى تكلفه، واكتسابه أو تعلق باله به، أو يكون " إنى صائم " بمعنى: لم يأكل بعد شيئاً، وعلى الوجه الأول والثالث يتأول أكله فى اليوم الثانى مع قوله: " أصبحت صائمًا "، فإنه أيضاً مما يحتج به المخالف فى جواز الفطر فى صوم النافلة اختيارًا، وهو قول الشافعى (¬6) وأحمد وإسحاق، وجماعة من الصحابة، مع استحبابهم (¬7) له إتمامه من غير وجوب، وكرهه ابن عمر [وقال] (¬8): هو كالمتلاعب (¬9) بدينه، وهذا مذهب مالك، وأبى حنيفة، والحسن، والنخعى، ومكحول، وألزموا إتمامه إذا دخل فيه. ثم اختلفوا فى القضاء فقال: من أباح له الفطر لا قضاء عليه، وقال أبو حنيفة (¬10): عليه القضاء فى كل فطر فى التطوع إلا فى الناسى، على أصلهم فى الفريضة، وأوجبه ابن علية (¬11) فى المتعمد والناسى، وقال مالك: إن أفطر مغلوباً أو ناسيًا أو لعذر، فلا ¬

_ (¬1) فى الأصل: لنسائه، والمثبت من س، الصحيحة. (¬2) من الأصل، وساقطة من س، الصحيحة. (¬3) فى الأصل: فقالوا، والمثبت من الصحيحة، س. (¬4) فى هامش س. (¬5) فى الأصل: يسأل، والمثبت من س. (¬6) انظر: الحاوى 3/ 168. (¬7) انظر: الاستذكار 10/ 203. (¬8) ساقطة من س. (¬9) انظر: الاستذكار 10/ 210. (¬10) انظر: الاستذكار 10/ 202. (¬11) انظر: الاستذكار 10/ 203.

فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ - أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ - قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ - أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ - وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا. قَالَ: " مَا هُوَ؟ " قُلْتُ: حَيْسٌ. قَالَ: " هَاتِيهِ " فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ، ثمَّ قَالَ: " قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا ". قَالَ طَلْحَةُ: فَحَدَّثْتُ مُجَاهِدًا بِهَذا الْحَدِيثِ فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا. 170 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قضاء عليه، وإن أفطر متعمدًا قضاه (¬1)، وحكى مثله عن أبى حنيفة (¬2)، وأبى ثور، واختلف أصحاب أبى حنيفة، فمنهم من قال بقوله هذا، ومنهم من قال مثل قول الشافعى (¬3)، وحكى ابن عبد البر (¬4) الإجماع على المفطر (¬5) لعذر أن لا قضاء عليه، خلاف ما حكيناه عن أبى حنيفة قبل، مما حكاه ابن القصار وغيره. قال الإمام: حجة مالك فى قضاء المتعمد فى فطره حديثُ عائشة وحفصة فى الموطأ (¬6)، وقوله: " فاقضيا يومًا مكانه "، وحجته فى منعه ابتداء قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} (¬7). واتفق مالك والشافعى أن من دخل فى حج تطوعًا فإنه لا يقطعه (¬8). واختلفا فى صلاة التطوع وصوم التطوع، فمنع مالك قطعهما، وأجازه الشافعى لهذا الحديث، وتعلق مالك بالظواهر المانعة من قطع العمل وإبطاله، [وقياساً] (¬9) على الحج. قال القاضى: وقولها: " أهديت لنا هدية - أو جاءنا زَوْرٌ - وقد خبأت لك شيئاً ": أى زائرون ألحقوا بما جلبوه من باديتهم، أو تكلفنا لهم طعمًا، أو أهدى لنا بسبب نزولهم، وإلا فلا فائدة إذا لذكر الزور، ولا لقولها: " خبأت لك يا رسول الله شيئًا ". قال الإمام: " زورٌ ": أى زوَّار. قال ابن دريد وغيره: هو مما يكون الواحد والجماعة هو فى نعته قال الشاعر: كما تهادى الفتيات الزَّوْرُ (¬10) ¬

_ (¬1) و (¬2) انظر: الاستذكار 10/ 202. (¬3) انظر: التمهيد 12/ 72، الاستذكار 10/ 203. (¬4) انظر: الاستذكار 10/ 202. (¬5) فى الأصل: الفطر، وما أثبتناه من س. (¬6) ك الصيام، ب قضاء التطوع 1/ 306 (50). (¬7) محمد: 33. (¬8) انظر: التمهيد 12/ 79، الاستذكار 10/ 207، 208. (¬9) من س. (¬10) المثبت عجز البيت، أما صدر البيت كما جاء فى لسان العرب: ومشيهن بالكثيب مَوْرُ

فَقَالَ: " هَلْ عِنْدَكُمْ شَىء "؟ " فَقُلْنَا: لَا: قَالَ: " فَإِنِّى إِذَنْ صَائِمٌ "، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أُهْدِىَ لَنَا حَيْسٌ. فَقَالَ: " أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا " فَأَكَلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " حَيْسٌ ": قال الهروى: هى ثريدة من أخلاط. قال ابن دريد: هو التمر مع الأقط والسمن، قال الشاعر: التمر والسمن جميعًا والأقط ... الحيس إلا أنه لم يختلط (¬1) قال القاضى: وقد قيل: إن الزّور المصدر، وبه سمى الواحد والاثنان والجميع، كما قالوا: رجل صوم وقوم صوم، ورجل عدلٌ، ونحوه للخطابى، وفيه نظر المرأة فى بيتها وما يهدى لها، وقسمته على من تراه من أهل البيت بنظرها. ¬

_ (¬1) ورد بلفظه فى لسان العرب.

(33) باب أكل الناسى وشربه وجماعه لا يفطر

(33) باب أكل الناسى وشربه وجماعه لا يفطر 171 - (1155) وحدّثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَام الْقُرْدُوسِىِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ نَسِىَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من نسى وهو صائم فأكل [أو شرب] (¬1) فليتم صومه، [فإن الله أطعمه وسقاه] (¬2) "، قال الإمام: تعلق المخالف فى إسقاط القضاء عن مَنْ أكل فى رمضان ناسيًا بظاهر هذا الخبر، ومحمله عند المالكية الموجبين للقضاء على نفى الحرج والإثم بنسيانه. والصوم على خمسة أقسام: واجب بإيجاب الله معيّن كرمضان، وواجبٌ بإيجاب الله مضمون فى الذمة (¬3)؛ كالكفارات، وواجب بإيجاب الإنسان معين كنذر الصوم لشهر بعينه، وواجب بإيجاب [الإنسان] (¬4)، مضمون غير معين كنذر صوم شهر [بغير عينه] (¬5)، والخامس: التطوع. فمن أفطر فى جميعها عمدًا فإنه يقضى ولا يكفر، إلا رمضان فإنه يكفر ويقضى، ومن أفطر فى جميعها سهوًا فإنه يقضى ولا يكفر، إلا التطوع فإنه لا يقضى ولا يكفر. قال القاضى: قد تقدم شىء من الكلام على هذه المسألة قبل. وقول مجاهد فى هذا الحديث: " وذلك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها ": فيه أنها إنما تجب بالخروج من اليد أو بالنذر والقول. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى ع: " فإنما أطعمه الله "، وكذا المطبوعة. (¬3) بعدها فى ع: كصيام. (¬4) فى هامش ع، الأصل. (¬5) فى س: غير معين.

(34) باب صيام النبى صلى الله عليه وسلم فى غير رمضان، واستحباب ألا يخلى شهرا عن صوم

(34) باب صيام النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غير رمضان، واستحباب ألا يخلى شهراً عن صوم 172 - (1156) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: هَلْ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ؟ قَالَت: وَاللهِ إِنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ، وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى يُصيبَ مِنهُ. 173 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالَتْ: مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلَّا رَمَضَانَ. وَلَا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ، حَتَّى مَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنه - عليه السلام -[ما] (¬1) صام شهرًا معلومًا سوى رمضان حتى مضى لوجهه، ولا أفطره حتى يُصيبَ منه ": أى يصوم منه، وفيما وقع فى الحديث الآخر: " يصوم منه " مبينًا وتفسير هذا قوله فى الحديث الآخر: " ما استكمل صيام شهر قط إلا رمضان "، وكذلك يفسر قوله: " كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً " والكلام الثانى تفسيرٌ للأول، وعبّر بالكل عن الغالب والأكثر، وقد قيل: معناه: ما استكمل شهرًا قط بالصيام إلا رمضان، يعنى معينًا، وأن ما ورد ما ظاهره استكمال شعبان: أى غير معين وملازم، بل مرة أكمله ومرة لم يكمله، وقد يحتمل هذا قوله: " كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً " أى مرة كذا ومرة كذا؛ لئلا يتعين بصومه غير رمضان ويأتى بمثل ما تقدم من الأحاديث، وقيل: يعنى بصومِهِ كله، أى يصوم فى أوله ووسطه وآخره، لا يخصّ شيئًا منه ولا يعمه بصيامه، وقيل فى معنى اختصاصه بأكثر صومه، وتخصيصه إياه شعبان معانٍ ثلاثة: قيل: ذلك لفضل رمضان وتعظيمه [وروى] (¬2) فى ذلك حديث. وقيل: بل لما جاء فى الحديث: أنه ترفع فيه الأعمال لله، [وقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحب] (¬3) أن يرفع عملى وأنا صائم " (¬4). ¬

_ (¬1) فى هامش س. (¬2) فى س: وقد روى. (¬3) فى س: وقال: " إنى أحب ". (¬4) الترمذى فى السنن، ك الصوم ب ما جاء فى صوم الإثنين والخميس بلفظ: " فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم 3/ 112.

لِسَبِيلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 174 - (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ - قَالَ حَمَّادٌ: وَأَظُنُّ أَيُّوبَ قَدْ سَمِعَهُ منْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ - قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - عَنْ صَوْمِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: كَانَ يَصُوم حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، قَدْ أَفْطَرَ. قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلاً، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ. (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى الإِسْنَادِ هِشَامًا وَلَا مُحَمَّدًا. 175 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كان رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِى شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِى شَعْبَانَ. 176 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَبِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مَنْ شَعْبَان، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلاً. 177 - (782) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: بل كان - عليه السلام - يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شغله عنها أو منعه العذر عن بعضها فيقضيها فى شعبان قبل تمام عامه. وقيل: فى معنى ما جاء فى الحديث الآخر من صومه - عليه السلام - حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وتركه - عليه السلام - اختصاص أيام بالصيام؛ لئلا يلتبس ذلك بالفرائض، ويعده من جَهِل منها. وكان يخالف ويصوم فى وقتٍ يفطره

يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِى شَعْبَانَ. وَكَانَ يَقُولُ: " خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَمَلَّ حَتَّى تَمَلُّوا ". وَكَانَ يَقُولُ: " أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ قَلَّ ". 178 - (1157) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مَا صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلاً قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ. وَكَانَ يَصُومُ - إذا صَامَ - حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا، وَاللهِ، لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ - إِذَا أَفْطَرَ - حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا، وَاللهِ، لَا يَصُومُ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: شَهْرًا مُتَتَابِعًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. 179 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأَنْصَارِىُّ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ؟ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِى رَجَبٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حتُى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَلىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسى، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 180 - (1158) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْح بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْن نَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ حَتَّى يُقَالَ: قَدْ صَامَ، قَدْ صَامَ. وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَالَ: قَدْ أَفْطَرَ، قَدْ أَفْطَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى حالٍ آخر، وفيه أن نوافل الصوم غير مختصة بوقت، بل سائر السنة [وقت] (¬1) لها، الأيام المنهى عن صومها ورمضان المستحق بالفرض. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

(35) باب النهى عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم

(35) باب النهى عن صوم الدهر لمن تضررّ به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم 181 - (1159) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ وَهْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ، مَا عِشْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آنْتَ الَّذِى تَقُولُ ذَلِكَ؟ " فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ". قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامَ الَّتِى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَهْلِى وَمَالِى. 182 - (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّومِىُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ حَتَّى نَأْتِىَ أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِ رَسُولاً، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، وَإِذَا عِنْدَ بَابِ دَارِهِ مَسْجِدٌ. قَالَ: فَكُنَّا فِى الْمَسْجِدِ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا. فَقَالَ: إِنْ تَشَاؤُوا أَنْ تَدْخُلُوا، وَإِنْ تَشَاؤُوا أَنْ تَقْعُدُوا هَاهُنَا. قَالَ: فَقُلْنَا: لَا، بَلْ نَقْعُدُ هَهُنَا. فَحَدِّثْنَا، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ، وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ. قَالَ: فَإِمَّا ذُكِرْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسؤاله - عليه السلام - لعبد الله بن عمرو بن العاص عن صوم الدهر، وقراءته للقرآن كل ليلة، وإنكاره عليه ذلك - ما كان عليه من الرفق بأمته، وتحبيب الإيمان

للنَّبىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ فَأَتَيْتُهُ. فَقَالَ لِى: " أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى، يَا نَبِىَّ اللهِ، وَلَمْ أُرِدْ بِذلِكَ إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًا، وَلِزَوْركَ عَلَيْكَ حَقًا، وَلِجَسَدكَ عَلَيْكَ حَقًا ". قَالَ: " فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: " كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَومًا " قَالَ: " وَاقْرَأَ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ شَهْرٍ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " فَاقْرَأهُ فِى كُلِّ عِشرِينَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، إِنَّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ " فَاقْرَأهُ فِى كُلِّ عشر ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، إِنَّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: " فَاقْرَأهُ فِى كُلِّ سَبْع، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًا ". قَالَ: فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَىَّ. قَالَ: وَقَالَ لِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكَ لَا تَدْرِى لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وتسهيله عليهم، وتزيينه فى صدورهم، وخوفه العجز عن ذلك، أو (¬1) ضعف الجسم عما هو أكثر من الفرائض، أو أعظم أجرًا من النوافل، ألا ترى ابن عمر وكيف (¬2) قال فى بعض هذا الحديث حين كبر: " وددت لو كنت قبلت رخصة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأهلى ومالى "، أو خوف الملل لكثرته، ويبينه قوله فى الحديث الآخر: " لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل وتركه "، ولقوله: " فإن الله لا يمل حتى تملوا "، وقد قال تعالى ذامًا لقومٍ: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} الآية (¬3)، على أحد التأولين، أو لمجموع هذه العلل. فقد نبه فى الحديث الآخر على ذلك بقوله: " حَجَمَتْ عَيْنَاكَ ": أى غارتا ودخلتا " ونَفِهَتْ نَفْسُكَ ": أى أعيت، وكقوله فى الحديث الآخر: " نَهِكَتْ ": أى ضعفت وبلغ بك الجهد منتهاهُ، ولحقوق غيره المتعلقة به من الأهل، وحقها من الوطء نهارًا أو ليلاً، وحق زَورَه - وهو ضيفه - من خدمته وتأنيسه بالأكل، وحق ولده، كما جاء فى الحديث، وكذلك اكتسابه [لهم] (¬4) وإنفاقه عليهم، وقد يدخل الولد وغيره فى قوله: " إن لأهلك عليك حقًا " كما جاء فى الرواية الأخرى. ¬

_ (¬1) فى س: و. (¬2) فى س: وقد. (¬3) الحديد: 27. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى الَّذِى قَالَ لِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 183 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِيهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ: " مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ": " فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ ". وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِىِّ اللهِ دَاوُدَ؟ قَالَ: " نَصِفُ الدَّهْرِ "، وَلَمْ يَذْكُرْ فِى الْحَدِيث مَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْئًا. وَلَمْ يَقُلْ: " وَإِنَّ لِزَوْرَكَ عَلَيْكَ حَقًا "، وَلكِنْ قَالَ: " وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًا ". 184 - (...) حدّثنى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِى زُهْرَةَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ - وَأَحْسِبَنِى قَدْ سَمِعْتُهُ أَنَا منْ أَبِى سَلَمَةَ -: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَأ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ شَهْرٍ ". قَالَ: قُلْتُ: إِنِّى أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: " فَاقْرَأهُ فِى عِشْرِينَ لَيْلَةً " قَالَ: قُلْتُ: إِنِّى أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: " فَاقْرَأهُ فِى سَبْعٍ وَلَا تَزدْ عَلَى ذَلِكَ ". 185 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِى سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ - قِرَاءةً - قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَبْدَ اللهِ، لا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلَانٍ، " كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ". 186 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْن رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَزْعُمُ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: بَلَغَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّى أَصُومُ أَسْرُدُ، وَأُصَلِّى اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أسرد " أى أصل (¬1) وأوالى، ومضى الكلام على قوله: " إن الله لا يمل حتى تملوا " فى كتاب الصلاة، وقيل: إن فى قوله - عليه السلام - عند ذكره صوم داود ¬

_ (¬1) فى س: أواصل.

إِلَىَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ. فَقَالَ: " أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّى اللَّيْلَ؟ فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لِعَيْنِكَ حَظًّا، وَلِنَفْسِكَ حَظًّا، وَلأَهْلِكَ حَظًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ، وَصُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّام يَوْمًا، وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَة ". قَالَ: إِنِّى أَجِدُنِى أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ يَا نَبِىَّ اللهِ. قَالَ: " فَصُمْ صِيَامِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَام ". قَالَ: وَكَيْفَ كَانَ دَاوُدُ يَصُومُ يَا نَبِىَّ اللهَ؟ قَالَ: " كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى ". قَالَ: مَنْ لِى بِهَذِهِ يَا نَبِىَّ اللهِ؟! - قَالَ عَطَاءٌ: فَلَا أَدْرِى كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ - فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: إِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ. قَالَ مُسْلِمٌ: أَبُو الْعَبَّاسِ الْسَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثِقَةٌ عَدْلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يومًا وفطره يومًا، ثم وصل، [وكان] (¬1) " لا يفّرُ إذا لاقى "، تنبيهًا على هذا أنه لم يضعفه هذا عن لقاء عدوه؛ لأنه يستعين بيوم فطره على يوم صومه؛ ولهذا قال فيه: " وكان أعبد الناس "، وقال عبد الله: " من لى بهذه " أى: الصبر عند اللقاء، وقال فيه: "وهو أعدلُ الصيام، وأحب الصيام إلى الله "، وقال فيه: " لا أفضل من ذلك "، وإلى ظاهر هذا ذهب أهل الظاهر من منع صيام الدهر (¬2) لهذا الحديث، ولقوله: " لا صام من صام الأبد (¬3) "، والجمهور على جواز صيامه إذا لم يصم الأيام المنهىّ عنها (¬4)، ويحتمل أن قوله: " لا أفضل من ذلك "، للمخاطب لما علم من حاله ومنتهى قدر قوته، وأن ما هو أكثر من ذلك يضعفه عن فرائضه، ويبعده عن حقوق نفسه. قال الإمام: وقوله: " لا صام من صام الأبد ": يحتمل أن يكون ذلك على وجه الدعاء، ويحتمل أن يكون هنا " لا " بمعنى " لم " كما قال: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} (¬5)، وأما " الأبد " المذكور هاهنا فقيل: محمله على أن يدخل فى صومها الأيام المنهى عن صومها كالعيدين وأيام التشريق، والأشبه عندنا (¬6) فى التأويل أن يكون محمولاً على أنه لم يضر به ذلك، ألا تراه قال (¬7): " فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونهكت [إلى غير ذلك] (¬8) [نفسك] (¬9) ". ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) المنتقى للباجى 2/ 60. (¬3) فى الأصل: الدهر، والمثبت س. (¬4) الاستذكار 10/ 146. (¬5) القيامة: 31. (¬6) فى ع: عندى. (¬7) فى ع: قد قال له، وفى س: كيف قال. (¬8) زائدة من ع. (¬9) ساقطة من ع.

187 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ، سَمِعَ أَبَا الْعَبَّاسِ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يا عَبدَ الله بْنَ عَمْرٍو، إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ، وَنَهِكَتْ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبْدَ، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ ". قُلْتُ: فَإِنِّى أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وُيفْطِرَ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى ". (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِى ثَابِتٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " وَنَفِهَتِ النَّفْسُ ". 188 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتصُومُ النَّهَارَ؟ " قُلْتُ: إِنِّى أَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: " فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنَاكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، لِعَيْنِكَ حَقٌّ، وَلِنَفْسِكَ حَقٌّ، وَلأَهْلِكَ حَقٌّ، قُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ ". 189 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرٌ بْنُ حَرْبِ قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَأَحَبَّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ صَلَاةُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ". 190 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ صَلَاةُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَرْقُدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ومعنى قوله: " أحب الصيام ": أى أكثر ثوابًا وأعظمه أجرًا. وقوله فى هذا الحديث من رواية عبد الله بن الرومى فى قراءة القرآن: " فاقرأه فى كل

شَطْرَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَقُومُ، ثُمَّ يَرْقُدُ آخِرَهُ، يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ بَعْدَ شَطْرِهِ ". قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرو بْنِ دِينَارٍ: أَعَمْرُو بْنُ أَوْسٍ كَانَ يَقُولُ: يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ بَعْدَ شَطْرِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. 191 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْد اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الْمَلِيحِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ صَوْمِى، فَدَخَلَ عَلَىَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الوِسَادَةُ بَيْنِى وَبَيْنهُ. فَقَالَ لِى: " أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؟ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " خَمْسًا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "سَبْعًا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " تِسْعًا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " أَحَدَ عَشَرَ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا صُوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ، شَطْرُ الدَّهْرِ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ ". 192 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " صُمْ يَوْمًا، وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِىَ " قَالَ: إِنِّى أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " صُمْ يَوْمَيْنِ، وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِىَ ". قَالَ: إِنِّى أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِىَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرين، قلت: يا نبى الله، إنى أطيق أفضل من ذلك، قال: " فاقرأه فى سبع " كذا لعامة شيوخنا وكثير من شيوخ مسلم، ووقع فى كتاب ابن أبى جعفر، وابن عيسى زيادة قال: " فاقرأه فى عشرٍ "، قال: قلت: يا نبى الله، إنى أطيق أفضل من ذلك، قال: " فاقرأه فى سبع "، ذهب كثير من العلماء إلى هذا لقوله - عليه السلام -: " ولا يزد "، واختار بعضهم ختمه فى ثلاث لا فى أقل، للأثر الوارد فى ذلك، وهو اختيار أبى عبيد، واختار بعضهم فى خمس، وروى عن بعضهم أنه كان يختمه فى ثمانٍ، وبعضهم فى ست، وبعضهم فى كل ليلةٍ، وروى عن بعضهم أكثر من ذلك، وكل بحسب اجتهاده وقوته. وقوله: فى الحديث الآخر: " صم يومًا ولك أجر ما بقى ": قال: إنى أطيق أكثر

قَالَ: إِنِّى أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِىَ ". قَالَ: إِنِّى أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " صُمْ أَفْضَلَ الصِّيَامِ عِنْدَ اللهِ، صَوْمَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وُيفطِرُ يَوْمًا ". 193 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، جَمِيعًا عَن ابْن مَهْدِىٍّ. قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاء، قَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، بَلَغَنِى أَنَّكَ تَصُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من ذلك، قال: " صم يومين ولك أجر ما بقى "، ثم قال مثله فى الثلاثة والأربعة. قال بعضهم: معنى هذا: صم يومًا ولك أجر ما بقى من العشر، وصم يومين ولك أجر ما بقى من العشرين وفى الثلاثة ما بقى من الشهر، ويأتى فى هذا كله الحسنة بعشر أمثالها، قال: ولا يصح أن يكثر العمل وينقص الأجر لو أخذ الحديث على ظاهره، وأن له فى كل ذلك أجر ما بقى من الشهر، وإلى هذا نحا الخطابى (¬1). قال القاضى: ويضعف هذا التأويل ما زاده مسلم من قوله: " صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقى " ولم يبق من الشهر بعد الثلاث شىء، والذي يحتمل عندي فى الحديث أن يكون على ظاهره، أى أن الأجر ما بقى من الشهر فى جميعها؛ لأن نيته كانت صوم جميعه، فمنعه منه ما حضه عليه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الإبقاء على نفسه، وحقوق زوره، وأهله، فبقى أجر نيته فى صومه، سواء صام منه يومًا أو اثنين أو ثلاثًا، كما تأولوه فى قوله - عليه السلام -: " نية المؤمن خير من عمله " (¬2)، أى أن أجره فى نيته أكثر من أجر عمله، لامتداد نيته مما لا يقدر على عمله. وقوله: " فألقيت له وسادةً فجلس على الأرض ": فيه إكرام الرجل (¬3) والضيف وذوى الفضل وإيثاره، وما كان عليه - عليه السلام - من التواضع، وأنه [كان] (¬4) لا ¬

_ (¬1) انظر: أعلام الحديث فى شرح صحيح البخارى للخطابى 2/ 929 - 942، معالم السنن 3/ 308. ولقد نحا ابن القيم - رحمه الله - أيضًا إلى هذا فى التهذيب. انظر: 3/ 317. (¬2) الطبرانى فى الكبير رقم (5942) من حديث سهل بن سعد الساعدى، ونصه: " نية المرء خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته وكل يعمل على نيته، فإذا عمل المؤمن عملاً نار فى قلبه نور " 6/ 185، 186. وقال الهيثمى فى المجمع (1/ 66): " رجاله موثقون إلا حاتم بن عباد بن دينار الجرشى لم أر من ذكر له ترجمة "، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2/ 448) حديث رقم (2836) بلفظ: " نية المؤمن أبلغ من عمله " وقال: رواه العسكرى فى الأمثال، والبيهقى عن أنس مرفوعًا. قال ابن دحية: لا يصح، والبيهقى إسناده ضعيف، وله شواهد؛ منها ما أخرجه الطبرانى عن سهل بن سعد. (¬3) فى س: الداخل. (¬4) ساقطة من س.

النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَظًّا، وَلعَيْنِك عَلَيْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَظًّا، صُمْ وَأَفْطِرْ، صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بِى قُوَّةً. قَالَ: " فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا ". فَكَانَ يَقُولُ: يَا لَيْتَنِى أَخَذْتُ بِالرُّخْصَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يحب الأثرة. وقوله: فى هذا الحديث: " أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ " لما راجعه قال: " خمسًا "، ثم قال: " سبعًا "، ثم قال: " تسعًا "، ثم قال: " أحد عشر " فى كل هذا دليل على إيثار الوتر ومحبته فى جميع الأمور، ثم رجوعه إلى صيام يوم وإفطار يوم فيه الوتر؛ لأنه خمسة عشر يومًا من كل شهر.

(36) باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس

(36) باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس 194 - (1160) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِث، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِى مُعَاذةُ الْعَدَويَّةُ؛ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَىِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِى مِنْ أَىِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ. 195 - (1161) وحدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ - حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ - أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَسْمَعُ -: " يَا فُلَانُ، أَصُمْتَ مِنْ سُرَّةِ هَذَا الشَّهْرِ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْميْنِ ". 196 - (1162) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ الزِّمَّانِىِّ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ: رَجُلٌ أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - غَضَبَهُ قَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضبِ رَسُولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ. فَقَالَ عُمْرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: " لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ " أَوْ قَالَ: " لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ ". قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: " وُيطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟ ". قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: " ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ - عَلَيهِ السَّلَامُ ". قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: " وَدِدْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر فى صوم يوم وفطر يومين: " وددت أنى طُوّقت ذلك ": قيل: وجهُهُ فى حق غيره لا [لعجز] (¬1) نفسه، فقد كان - عليه السلام - يواصل، ويقول: " إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى " (¬2)، لكن قال هذا لما يلزمه من حقوق ¬

_ (¬1) من س. (¬2) سبق هذا الحديث فى باب النهى عن الوصال فى الصوم.

أَنِّى طُوِّقْتُ ذَلِكَ "، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ، وَالسَّنةَ الَّتِى بَعْدَهُ. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ ". 197 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِىَّ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِه؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينَا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً. قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ؟ فَقَالَ: " لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ - أَوْ: مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ ". قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ: " وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ ". قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْم يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْميْنِ؟ قَالَ: " لَيْتَ أَنَّ الله قَوَّانا لِذَلكَ ". قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ: " ذَاكَ صَوْمُ أَخِى دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ " قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ؟ قَالَ: " ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيْهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ ". قَالَ: فَقَالَ: " صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، صَوْمُ الدَّهْرِ ". قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: " يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ ". قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: " يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ ". وَفِى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايةِ شُعْبَةَ قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؟ فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسَ لَمَّا نَرَاهُ وَهُمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ نسائه، أو يكون هذا التمنى لغيره من أمته. وقوله: " كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ": أما صيامه ثلاثة أيام من كل شهر فلما ذكر: " صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان صيام الدهر، وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها ". وبصيام ثلاثة أيام من [كل] (1) شهر قال جماعة من السلف والعلماء، ولم يكد يختلفون فى ذلك ما لم تعين تلك الأيام.

(...) وحدّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الإِثْنَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَمِيسَ. 198 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ غَيْلَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِىِّ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الإِثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: " فِيهِ وُلْدِتُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَىَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولم يكن يبالى من أى أيام الشهر صام ": لئلا تخص - والله أعلم - بمراد نبيه يومًا فيحسبه الجهلة فرضًا، كما خشى فى غير هذا، وغضب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى سأله عن صومه لتكليفه إياه ما يشق عليه الجواب عنه أو يكرهه؛ لأنه وإن أعلمه بصومه فلعله يعتقد تقليله فيه والتزامه، ويُلْحَق بالفرض ما ليس منه، أو يعرفه منه بما لا يقدر عليه فتكلف من ذلك ما يشق عليه، أو يكون ذلك أقل مما يقدر من الصوم وسوغ له ما لا يلتزمه النبى - عليه السلام - لحقوق غيره فيقصّر عن فضائل كثيرة، ويعتقد أنه لا يَسُوغُ له أن يصوم أكثر مما يصومه النبى - عليه السلام.

(37) باب صوم سرر شعبان

(37) باب صوم سرر شعبان 199 - (1161) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ - وَلَمْ أَفْهَمْ مُطَرِّفًا مِنْ هَدَّابٍ - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ - أَوْ لآخَرَ -: " أَصُمْتَ مِنْ سِرَرِ شَعْبَانَ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ ". 200 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: " هَلْ صُمْتَ مِنْ سِرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا؟ ". قَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أصمتَ مِن سرَّة (¬1) هذا الشهر "، [وفى الرواية الأخرى: " من سرر هذا الشهر] " (¬2) يعنى شعبان، فقال: لا، قال الإمام: وظاهر الحديث مخالفٌ لقوله: " لا تقدموا الشهر بيوم، ولا يومين " (¬3) فيصح أن يحمل هذا على أن الرجل كان ممن اعتاد [الصوم فى سرر الشهر] (¬4) أو نذر ذلك، وخشى أن يكون إذا صام آخر شعبان دخل فى النهى، فيكون فيما قال - عليه السلام - دليلٌ على أنه لا يدخل فى هذا (¬5) الذى نهى عنه من تقدم الشهر بالصوم، وأن المراد بالنهى، من هو على غير حالته. قال الإمام: قال أهل اللغة: السّرار ليلة يَسْتَسر الهلال، يقال: سَرَار الشهر، وسِرَاره وسُرره. قال القاضى: وأنكر بعضهم ما قال أبو عبيد؛ أن سَرر الشهر آخره حين يستسر الهلال، وقال: لم يأت فى صيام آخر الشهر من شعبان حض، والسِرارُ من كل شىء وسطه، وقال أبو داود عن الأوزاعى: سرَّه: أوله (¬6)، ولم يعرف الأزهرى [سَره] (¬7): أوله، قال الهروى: والذى يعرف الناس: أن سَرَّة آخره، وكذا رواه الخطابى عن ¬

_ (¬1) فى ع: سدر. (¬2) سقط من ع. (¬3) سبق فى هذا الكتاب، ب " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين " عن أبى هريرة بلفظ: " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين .. " الحديث. وأما لفظ الإمام فقد رواه أبو داود، ك الصيام، ب من قال: " فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين " عن ابن عباس، بلفظ: " لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين " 1/ 543. (¬4) فى ع: صيام السدر. (¬5) فى ع: ذلك. (¬6) أبو داود، ك الصيام، ب فى التقدم 1/ 544. (¬7) ساقطة من س.

" فإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ ". 201 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَخِى مُطَرَّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أن النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: " هَلْ صُمْتَ مِنْ سِرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الأوزاعى أيضاً من غير طريق أبى داود: سَره: آخره (¬1)، يقال: سراره، وسرره، وسِره، ويعضد قول من قال: إنه وسطه رواية من روى فى الحديث المتقدم من رواية عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعى: " سُرته "، وعند شيخنا القاضى الشهيد فى حديث ابن أبى شيبة فى الباب: " سُرّرُه " بالضم، ولغيره بالكسر، والسُّرر جمع سرة، وسُرارة الوادى وسطه، وخير موضع فيه، وقال ابن السكيت: سُرار الأرض أكرمها ووسطها، وسُرار كل شىء وسطه وأفضله، وقد يكون سرر الشهر من هذا أى أفضل أيامه، وقد جاء فى حديث جرير بن عبد الله [البجلى] (¬2)، [وأبى هريرة وأبى ذر] (¬3) وغيره: " ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر " (¬4) الأيام البيض: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، وهى وسط الشهر على اختلاف ألفاظهم، وعلى أن الثلاثة أيام من كل شهر هى الأيام البيض، تأول البخارى الحديث، وترجم عليها بذلك، وإن لم يدخلها مفسرةً وبتعيين صيام هذه الأيام البيض قال جماعة من الصحابة والتابعين؛ منهم عمر بن الخطاب، وابن مسعود وأبو ذر. واختار آخرون آخره، منهم النخعى. واختار آخرون الثلاثة من أول ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن للخطابى وتعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على عدم إثبات المنذرى لكلام أبى داود الذى نقله عن الأوزاعى، وإنكار الخطابى على هذه اللفظة بقوله: أنا أنكر هذا التفسير، وأراه غلطًا فى النقل، ولا أعرف له وجهًا فى اللغة، والصحيح أن سِرَّه: آخره، ثم ذكر قول الأوزاعى: إن سره: آخره. انظر: المختصر ومعه المعالم والتهذيب 2/ 218، 219. قلت. أما إنكاره على هذا التفسير، فقد نقله سليمان بن عبد الرحمن الدمشقى، وهو أثبت من مجمود بن خالد الدمشقى، كما ذكر ذلك ابن حبان فى الثقات الذى نقل قول الأوزاعى: " آخره " من طريق الخطابى. ثانيًا: نقل أبو داود عن سعيد بن عبد العزيز هذه الرواية، ثم قال: وقال بعضهم: سره وسطه، وقالوا: آخره. أعنى أنه نقل قول الأوزاعى الأخير أيضًا عن سعيد بن عبد العزيز. ثالثًا: قول الخطابى: ولا أعرف له وجهًا فى اللغة، نقول: بل جاء فى اللسان بالوجوه الثلاثة، ولقد ذكر ابن القيم فى تهذيبه بعض الروايات بالوجوه الثلاثة، والله أعلم. (¬2) من س. (¬3) من هامش س. (¬4) أخرجه الترمذى، ك الصوم، ب ما جاء فى صوم ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام.

يَعْنِى شَعْبَانَ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ: " إِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ، فَصُمْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ " - شُعَبَةُ الَّذِى شَكَّ فِيهِ - قَالَ: وَأَظنُّهُ قَالَ: يَوْمَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشهر، منهم الحسن. واختار آخرون صيام السبت والأحد والإثنين فى شهر، ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس، منهم عائشة. واختار آخرون الإثنين والخميس، وفى حديث ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصوم ثلاثة [أيام] (¬1) من كل شهر، أول اثنين والخميس الذى بَعْده، والخميس الذى يليه، وعن أم سلمة: أول خميس والإثنين والإثنين. واختار بعضهم صيام أول يوم من الشهر ويوم العاشر، ويوم العشرين، وبه قال أبو الدرداء، وروى أنه كان صيام مالك، وأجازه ابن شعبان، وروى عنه كراهة تعمد صيام الأيام البيض، وقال: ما هذا ببلدنا، وقال ابن شعبان: أفضل صيام التطوع أول يوم من الشهر، ويوم أحد عشر ويوم أحد وعشرين، والمعروف من مذهب مالك: كراهة تعيين أيام مخصوصة (¬2) للنفل، وأن يجعل الرجل على نفسه يومًا، أو شهراً يلتزمه من صيامه. قال الخطابى: ويحتمل أن سؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا - عن صيام سرر الشهر - سؤال زجر وإنكار (¬3). قال القاضى: والأظهر فى تفسير سرار الشهر: أنه آخره؛ بدليل قوله - عليه السلام -: " فإذا أفطرت من رمضان فصم يومًا أو يومين "، والشهر المشار إليه هو شعبان، كذا جاء مفسرًا فى الأم، وغيرها، وإن كان وقع فى البخارى (¬4) فيه: أنه رمضان، فهو وَهْمٌ بَيِّنٌ منْ راويه (¬5)، فإن صوم رمضان كله مستحقٌ لا يختص بسرره دون غيره، وإن كان السرر (¬6) أول شعبان أو وسطه، لم يفته قضاؤها فى بقيته. ولم يحتج أن ينتظر تمام صيام رمضان، فالأظهر أنها آخر أيامه، على ما قال أبو عُبيد وأكثرهم، كان كان يحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك فى انسلاخه أو بعد تمامه، لاسيما على رواية: " أصمت (¬7) من سرر شعبان شيئاً؟ " وقول مسلم فى آخر حديث ابن مثنى، وابن بشارٍ، وفى هذا الحديث من رواية شعبة، وسئل عن صوم الإثنين والخميس فسكتنا عن ذكر ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) قال الباجى فى المنتقى: فقد كرهه مالك، وقال: ما هذا ببلدنا إذا لم يعين أيامًا من الشهر. المنتقى 2/ 77. (¬3) انظر: التهذيب لابن القيم 3/ 219. (¬4) البخارى فى الصحيح، ك الصوم، ب الصوم آخر الشهر 3/ 54. (¬5) فى س: رواته. (¬6) فى س: السرار. (¬7) فى س: اطمث.

(...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ ويَحْيَى اللُّؤْلُؤىُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَانِئٍ ابْنِ أَخِى مُطَرِّفٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخميس لما نراه وهمًا، يعنى لقوله: " فيه ولدت، وفيه بعثت أو أنزل على ": وهذا إنما هو فى صوم الإثنين كما جاء فى الروايات الأُخر ليس فيه ذكر الخميس، فلما كان فى رواية شعبة من هذا الطريق الإثنين والخميس، أسقط مسلم الخميس إذ رآه وهمًا لما تقدم، وقد يحتمل عندى صحة هذه الرواية، ويرجع الوصف بما ذكر للإثنين وحده دون الخميس.

(38) باب فضل صوم المحرم

(38) باب فضل صوم المحرم (¬1) 202 - (1163) حدَّثنى قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ ". 203 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَرْفَعُهُ - قَالَ: سُئِلَ: أَىُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَىُّ الْصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمضَانَ؟ فَقَالَ: " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلاةُ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ. وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْد الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ فِى ذِكْرِ الصِّيَامِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(39) باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان

(39) باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان 204 - (1164) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بَنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى سَعْدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِىِّ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًا منْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال [كان] (¬1) كصيام الدهر ": قال الإمام: قَال بعض أهل العلم: معنى ذلك: أن الحسنة لما كانت بعشر أمثالها، كان مبلغ ماله من الحسنات فى صوم الشهر والستة أيام ثلاثمائة وستين حسنةً [عدد أيام السنة، فكأنه صام سنة كاملة، يكتب له فى كل يوم منها حسنة] (¬2). قال القاضى: ما حكاه عن بعض أهل العلم نص فى الحديث نفسه من رواية ثوبان، قال - عليه السلام -: " صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة بشهرين، فذلك صيام سنة ". وفى رواية أخرى: " الحسنة بعشر، فشهر بعشرة، وستةٌ بعد الفطر تمام السنة " خرجه النسائى (¬3). قال الإمام: أخذ بهذا الحديث جماعة من العلماء، وروى عن مالك وغيره كراهة ذلك لما ذكره فى موطئه: أنه لم ير أحداً من أهل الفقه والعلم يصومها، ولم يبلغنى ذلك عن أحد من السلف، وأهل العلم يكرهون [ذلك] (¬4)، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء (¬5). قال شيوخنا: ولعل مالكاً إنما كره صومه على هذا، وأن يعتقد من يصومه أنه فرضٌ، وأما من صامه على الوجه الذى أراد النبى - عليه السلام - فجائز، وقال بعضهم: لعل الحديث لم يبلغه أم لم يثبت عنده (¬6)، أو لما ¬

_ (¬1) من س. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش، وهذا الكلام كلام الإمام الخطابى. انظر: معالم السنن 3/ 308. (¬3) الروايتان عن ثوبان أخرجهما النسائى فى السنن الكبرى، ك الصيام، ب صيام ستة أيام من شوال 2/ 163. (¬4) من س. (¬5) الموطأ، كتاب الصيام، ب جامع الصيام 1/ 311. (¬6) انظر: الاستذكار 10/ 259. وأما قول من قال بأن الحديث لم يبلغ مالكاً - أبو عمر فى الاستذكار 10/ 159 - فقوله فيه نظر؛ لأن الحديث رواه الستة، وكان هذا مما لا يخفى على مالك - عالم المدينة - إذ أنه كما قال الباجى من رواية سعد بن سعيد، قال: هذا مما لا يحتمل الانفراد بمثل هذا، ثم قال: لما وجد مالك علماء المدينة منكرين العمل بهذا احتاط بتركه، ثم قال: قال مطرف: وأما من رغب فى ذلك لما جاء فيه فلم ينهه والله أعلم. انظر: المنتقى 2/ 76.

(...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبى، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ - أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَقُولُ. بِمِثْلِهِ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وجد العمل بخلافه. قال القاضى: ويحتمل أن كراهة ما كره [كل كره] (¬1) من ذلك، وأخبر أنه غير معمول به اتصال هذه الأيام برمضان إلا فضل يوم الفطر، فأما لو كان صومها فى شوال من غير تعيين ولا اتصال أو مبادرة ليوم الفطر فلا، وهو ظاهر كلامه بقوله فى صيام ستة أيام بعد الفطر. ¬

_ (¬1) سقط من س.

(40) باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها

(40) باب فضل ليلة القدر، والحثّ على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها 205 - (1165) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عنْهُمَا - أَنَّ رِجَالاً منْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فى الْمَنَامِ، فِى السَّبْعِ الأَوَاخِرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِى السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَليَتَحَرَّهَا فِى السَّبْعِ الأَوَاخِرِ ". 206 - (...) وحدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى السَّبْعِ الأَوَاخِرِ ". 207 - (...) وحدّثنى عَمْرُو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَى رُؤْيَاكُمْ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَاطلُبُوهَا فِى الْوَتْرِ مِنْهَا ". 208 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ أَبَاهُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ: " إِنَّ نَاسًا مِنْكُمْ قَدْ أُرُوا أَنَّهَا فِى السَّبْعِ الأُوَلِ، وَأُرِىَ نَاسٌ مِنْكُمْ أَنَّهَا فِى السَّبْعِ الْغَوَابِرِ، فَالْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث ليلة القدر سميت ليلة القدر بما تقدر فيها من الأقدار، وما يكون فى تلك السنة من الأرزاق والآجال بقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} (¬1)، ولقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (¬2)، وقيل: المراد بهذه الآية الآخرة: النصف من شعبان، ومعنى ذلك - والله أعلم - إظهار ما قدره الله فى أزله من ذلك لحملة وحيه وملائكة سماواته، ونفوذ أمره بذلك لهم ووحيه، أو إظهار ما شاء من أفعاله الدالة على ذلك عندهم، وإلا ¬

_ (¬1) القدر: 4. (¬2) الدخان: 4.

209 - (...) وحدّثنا مُحَمَدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُقْبَةَ - وَهُوَ ابْنُ حَرَيْثٍ - قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ - يَعْنِى لَيْلَةَ الْقَدْرِ - فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِى ". 210 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن جَبَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ كَانَ مُلتَمِسَهَا فَلْيَلْتَمِسْهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ ". 211 - (...) وحدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ جَبَلَةَ وَمُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَحَيَّنُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ " أَوْ قَالَ: " فِى التِّسْعِ الأَوَاخِرِ ". 212 - (1166) حدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِى بَعْضُ أَهْلِى، فَنُسِّيَتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِى العشْرِ الْغَوَابِرِ ". وَقَالَ حَرْمَلَةُ: " فَنَسِيتُهَا ". 213 - (1167) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ - وَهُوَ ابْنُ مُضَرَ - عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضْىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِى الْعَشْرِ الَّتِى فِى وَسَطَ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ حِينِ تَمْضِى عِشْرُونَ لَيْلَةً، وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، يَرْجِعُ إِلَى مَسَكْنِهِ، وَرَجَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقدر الله وسابق علمه بالآجال والأرزاق وقضاؤه بما كان ويكون لا أول له. وقيل: سماها بليلة القدر، أى ذات القدر العظيم، والمحل الشرِيف كما قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر} (¬1) وكما قال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَة} (¬2) فسماها بهذا (¬3) لنزول القرآن جملة فيها إلى سماء الدنيا وثبات خيرها ودوامُهُ، وهو يعنى (¬4) البركة. ¬

_ (¬1) القدر: 2، 3. (¬2) الدخان: 3. (¬3) فى س: بذلك. (¬4) فى س: معى.

مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَقَامَ فِى شَهْرٍ، جَاوَرَ فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِى كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَمَرَهُمْ بِمَا شَاءَ اللهُ. ثُمَّ قَالَ: " إِنّى كُنْتُ أَجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ، ثُمَّ بَدَا لِى أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِى فَلْيَبِتْ فِى مُعتَكَفِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأُنْسِيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِى كُلِّ وَتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِى أَسْجُدُ فِى مَاءٍ وَطِينٍ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ: مُطِرْنَا لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِى مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقَدِ انْصَرَفَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَوَجْهُهُ مُبْتَلٌ طِينًا وَمَاءً. 214 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِى رَمَضَانَ، الْعَشْرَ الَّتِى فِى وَسَطِ الشَّهْرِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَلْيَثْبُتْ فِى مُعْتَكَفِهِ " وَقَالَ: وَجَبِينُهُ مُمْتَلِئًا طِينًا وَمَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: جاء فى حديث أبى سعيد: " التمسوها فى العشر الأواخر من رمضان "، و " التمسوها فى كل وتر " و " التمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة " [ثم] (¬1) قال أبو سعيد: إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها اثنتان وعشرون وهى التاسعة، وإذا مضت ثلاث وعشرون فالتى تليها السابعة ": جعل أبو سعيد فى ظاهر تأويله التاسعة ليلة اثنين وعشرين، والسابعة ليلة أربع وعشرين وهذا على تمام الشهر، وتأول غيره الحديث على أن التاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين. قال بعضهم: وهذا إنما يصح على أن الشهر ناقص، وقيل: إنما يصح أن يكون [المراد] (¬2) لسبع بقين سواها، وقد روى فى بعض الأحاديث: " تاسعة تَبقى "، و " سابعة تَبقى "، و " خامسة تبقى "، وهذا يصح تأويله على نقصان الشهر إذا كان، فحديث أبى فى سنة [أخرى] (¬3)، وحديث عبد الله فى سنةٍ أخرى، وحديث أبى سعيد فى سنة أخرى، وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها فى العشر الأواخر فى عامٍ، وفى السبع فى عامٍ، وكلتاهما فى العشر الوسط فى عام، وعلى هذا لا يصعب شىء من هذه الأخبار، ولا يُطرح لصحة جميعها، وعلى هذا يأتى أنها ليست فى ليلةٍ معينة أبداً، وأنها تنتقل فى الأعوام، ونحو هذا قول مالك والثورى والشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبى ثور وغيرهم: إنها تنتقل فى العشر ¬

_ (¬1) و (¬2) من ع. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم، وساقطة من س.

215 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ الأَنْصَارِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ العَشْرَ الأَوْسَطَ فِى قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ. قَالَ: فَأَخَذَا الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فى نَاحِية الْقُبَّةِ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ. فَدَنَوْا مِنْهُ. فَقَالَ: " إِنِّى اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ، أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتيتُ، فَقِيلَ لِى: إِنَّهَا فِى الْعَشْر الأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ "، فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ. قَالَ: " وَإِنِّى أُرِيتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ، وَأَنِّى أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِى طِينٍ وَمَاءٍ "، فَأَصْبَحَ مِنْ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ قَامَ إِلَى الصُّبْحِ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ، فَأَبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ، فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطِّينُ وَالْمَاءُ، وَإِذَا هِى لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. (216) - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَأَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - وَكَانَ لِى صَدِيقًا - فَقُلْتُ: أَلا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ؟ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ. فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُ رَسوَلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الوُسْطَى مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنِّى أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّى نَسِيتُهَا - أَوْ أُنْسِيتُهَا - فَالْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ كُلِّ وِتْرٍ، وَإِنِّى أُرِيتُ أَنِّى أَسْجُدُ فِى مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ " قَالَ: فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِى السَّمَاءَ قَزَعَةً. قَالَ: وَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمُطِرْنَا، حَتَّى سَالَ سَقْفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأواخر من رمضان (¬1)، وقيل: بل تنتقل فى شهر رمضان، وبحسب هذا ما اختلف العلماء فى ذلك. وذهب غيرهم إلى أنها معينة أبداً، [و] (¬2) لا تنتقل عينها، وهى غير معروفة، وأنها فى العام كله، وهو قول ابن مسعود، وروى عن أبى حنيفة وصاحبيه، وقيل: بل فى شهر رمضان كله، وهو قول ابن عمر وجماعة، المطلوب الوتر، والأحاديث مختلفة، وقد قيل: إنها (¬3) تختلف باختلاف الأعوام، وقد تقدم القول فيه. ¬

_ (¬1) الحاوى 3/ 383. (¬2) من س. (¬3) فى س: إنما.

الْمَسْجِدِ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِى الْمَاءِ وَالطِّينِ. قَالَ: حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِى جَبْهَتِهِ. (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِى حَدِيثِهِمَا: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرُ الطِّينِ. 217 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ منْ رَمَضَانَ، يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ. فَلَمَّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ، ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدِ، ثُمَّ خَرَج عَلَى النَّاسِ. فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِى لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَإِنِّى خَرَجْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ [قال القاضى] (¬1): ذكر مسلم الأحاديث بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتماسها فى العشر الأواخر من رمضان، وأنه كان أُعلمها فأنُسيها، وذكر من حديث أبى بن كعب: أنها ليلة سبع وعشرين، وفى حديث عبد الله بن أنيس: ليلة ثلاث وعشرين، وذكر حديث أبى سعيد المتقدم، ومثله عن ابن عباس فى كتاب البخارى (¬2)، [وذكر من حديثه أيضاً ليلة احدى وعشرين] (¬3)، وذكر ابن مسعود: " من يقم الحول يُصب ليلة القدر "، وجاء أنه كان يلتمسها - عليه السلام - فى العشر الوسط قبل أن تبان له، وجاء فى غير مسلم فى حديث ابن عمر: " التمسوها في السبع الأواخر " (¬4) وهذا يخرج منها ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين إذا عُدَّ على الكمال. يحمل بعض العلماء هذه الآثار على الوفاق [وجمع] (¬5) بينهما بأنها فى اختلاف السنين من الصحابة، وقيل: بل فى العشر الأوسط والآخر، وقيل: [بل] (¬6) فى العشر الآخر، وهى فى هذا كله عند هؤلاء معينة، ولكن غير معروفة العين، وقيل: تختص بأوتار العشر، وقيل: بإشفاعه على ما جاء فى حديث أبى سعيد، وقيل: فى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) صحيح البخارى، ك الصوم، ب تحرى ليلة القدر 3/ 61. (¬3) المثبت من س. (¬4) صحيح البخارى، ك الصوم، ب التماس ليلة القدر فى السبع الأواخر 3/ 59، 60، ومالك فى الموطأ، ك الاعتكاف 1/ 321 حديث رقم (14). (¬5) و (¬6) من س.

لأُخْبِرَكُمْ بِهَا، فَجَاءَ رَجُلانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَنُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِى العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْ رَمَضَانَ، الْتَمِسُوهَا فِى التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالخَامِسةِ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا. قَالَ: أَجَلْ، نَحْنُ أَحَقُ بِذَلِكَ مِنْكُمْ. قَالَ: قُلْتُ: مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالخَامِسَةُ؟ قَالَ: إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَهْىَ التَّاسِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلاثٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا السَّابِعَةُ، فإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِى تَلِيهَا الْخَامِسَةُ. وَقَالَ ابْنُ خَلَّادٍ: مَكَانَ " يَحْتَقَّانِ: يَخْتَصِمَانِ ". 218 - (1168) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين، وهو قول ابن عباس (¬1)، وقيل: تتحرى فى ليلة سَبْعَ عشرة، أو إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين وهو قول على وابن مسعود (¬2). وقال آخرون: بل هى معينةٌ معروفة، ثم اختلفوا، فقيل: ليلة إحدى وعشرين وروى عن على وابن مسعود، وقيل: ليلة ثلاث وعشرين وهو قول كثير من الصحابة وغيرهم، وقيل ليلة أربع وعشرين وهو قول الحسن وقتادة وابن عباس وبلال، وقيل: ليلة سبع وعشرين (¬3) وهو قول جماعة من الصحابة، وقيل: [ليلة] (¬4) سبع عشرة وهو قول زيد ابن أرقم، وروى عن ابن مسعود، وقيل: تسع (¬5) عشرة، وروى أيضاً عن ابن مسعود وعلى، وقيل: آخر ليلة، وشذ قوم فقالوا: إنها كانت خاصه للنبى - عليه السلام - ثم رفعت، واحتجوا بالحديث الذى جاء فيه أنه أعلمها - عليه السلام - حتى تلاحى رجلان فرفعت (¬6)، ومعنى هذا [عندنا] (¬7) أنه رفع عنه علم عينِها (¬8)، كما قال فى الحديث: " فأنسيتُهَا "، وفيه شؤم الخصام والتلاحى، وعقوبة العامة بذنب الخاصة، وأن نسيان مثل هذا على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لم يؤمر بتبليغه، ولا هو من باب البلاغ وتقرير الشرع، جارٍ عليه (¬9) النسيان فيه، واتصاله إذا بما فيه إخبارٌ عن فضيلة وقت بعينه (¬10) مع بقاء طلبه والاجتهاد فى إصابته وتحرى وقته. ¬

_ (¬1) روى عبد الرزاق فى مصنفه أن ابن عباس كان ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين 4/ 249. (¬2) روى عبد الرزاق فى مصنفه حديث على رقم (7696) وحديث ابن مسعود رقم (7697) 4/ 251، 252. (¬3) معرفة السنن والآثار 6/ 384، 388. (¬4) من س. (¬5) فى س: تسعة. (¬6) البخارى، ك فضل ليلة القدر، ب تحرى ليلة القدر 3/ 61. (¬7) ساقطة من س. (¬8) فى الأصل: غيبها. (¬9) فرس له. (¬10) فى س: تعيينه.

الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسِ الْكِنْدِىُّ وَعَلىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرةَ، حَدَّثَنِى الضَّحَاكُ ابْنُ عُثْمَانَ - وَقَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: عَنِ الضَّحَاكِ بْن عُثْمَانَ - عَنْ أَبِى النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَن بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ؛ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأَرَانِى صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِى مَاءٍ وَطِينٍ ". قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنْيسٍ يَقُولُ: ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ. 219 - (1169) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَوَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ -: " الْتَمِسُوا - وَقَالَ وَكيعٌ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ". 220 - (762) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدَة وَعَاصِمِ بْنِ أَبِى النَّجُودِ، سَمِعَا زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. فَقَالَ: رَحمَهُ اللهُ، أَرَادَ أَلا يَتَّكِلِ النَّاسُ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِى رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرَ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. ثُمَّ حَلَفَ لا يَسْتَثْنِى، أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقُلْتُ: بِأَىِّ شَىْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قَالَ: بِالْعَلَامَةِ، أَوْ بِالآيَةِ الَّتِى أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا تَطْلُع يَوْمَئِذٍ، لَا شُعَاعَ لَهَا. 221 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَةَ بْنَ أَبِى لُبَابَةَ يُحَدِّثُ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ أُبَىٌّ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ: وَاللهِ، إِنِّى لأَعْلَمُهَا. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ عِلْمِىَ هِىَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا، هِىَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " فجاء رجلان يحتقان " قال بعضهم: معناه: يدعى كل واحد منهم حقاً، ويؤكده قوله فى رواية أخرى مكان " يحتقان ": " يختصمان " قال القاضى: وكذا هو هذا الحرف عند الجمهور ووقع عند الطبرى: " يحتقان " بنون مكسورة، ولا وجه له هاهنا. وقوله فى أن: " الشمس فى صبيحتها لا شعاع لها ": قيل: علامة جعلها الله لها،

وَإِنَّمَا شَكَّ شُعْبَةُ فِى هَذَا الْحَرْفِ: هِى اللَّيْلَةُ الَّتِى أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِى بِهَا صَاحِبٌ لِى عَنْهُ. 222 - (1170) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - وَهُو الْفَزَارِىُّ - عَنْ يَزِيدَ - وَهُو ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَيُّكُمْ يَذْكُرُ، حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ، وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: بل لكثرة اختلاف الملائكة فى ليلتها، ونزولها إلى الأرض وصعودها، بما تنزلت به من عند الله، وبكل أمر حكيم، وبالثواب والأجور، سترت أجسامُها اللطيفة، وأجنحتها شعاعها، وحجبت نورها وروثة الأنف: طرفه، وهو أرنبته الذى جاء فى الحديث الآخر، والروثهُ الأرنبة وما يليها، ووكف المسجد: أى قطر منه ماء المطر، والعريش فى هذا الحديث ظُلّة جُعلَتْ للمسجد من جريد تقى حر الشمس. وأصل العريش: السقف، و" تحينوها ": أى أطلبوا حينها، مثل قوله: " تحروها " وَشدةَ (¬1) القبة: بابها. وتقويض الشىء: إزالته والذهاب به، وقاض البناء وانقاض: [انهدم] (¬2)، وإزالة الأخبية مثل هدمها، والسبع الغوابر: أى البواقى، كما قال فى الحديث الآخر: " الأواخر ". وقوله: " وأرانى أسجد فى صبيحتها فى ماءٍ وطين ": علامة جعلت [له] (¬3) تلك السنة - والله أعلم - ليستدل بها عليها، كما استدل بالشمس وغيرها. ذكر البخارى عن الحميدى أنه كان يحتج بهذا الحديث [أنه] (¬4) لا تمسح الجبهة فى الصلاة (¬5). وقوله: " حين طلع القمر كأنه شق جَفْنَةٍ ": أى نصف، يدل أنها لم تكن [إلا فى آخر القمر] (¬6)، إذ لا يكون بهذه الصورة فى أوله عند طلوعه [ولا فى نصفه عند تمامه وقد ذكر نحوه فى كتاب النسائى (¬7). قال: قال أبو إسحاق: أراه السبعة، إنما ذلك صبيحة ثلاث وعشرين] (¬8)، قال أبو القاسم المهلب: معرفة حقيقة ليلة القدر لا تستطاع؛ لإخبار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن علمها قد رفع، يريد [بقوله] (¬9) فى الحديث: " أبينت لى فخرجت ¬

_ (¬1) فى س: سدة. (¬2) فى س: للهدم. (¬3) من هامش الأصل. (¬4) ساقطة من س. (¬5) البخارى فى الصحيح، ك الأذان، ب السجود على الأنف والسجود على الطين 1/ 306، 307. (¬6) فى س: فى آخر العشر. (¬7) النسائى، ك الاعتكاف، ب علامة ليلة القدر 2/ 275. (¬8) سقط من الأصل، وما أثبت من س. (¬9) من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأخبركم [بها فتلاحى فيه رجلان] (¬1) فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم " على رواية البخارى (¬2)، وفى مسلم: " فجاء رجلان يحتقان فأنسيتها " وألفاظ الحديث متقاربة المعنى وفيه شؤم الاختلاف والجزاء والعقوبة عليه. وقد قيل فى قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم} (¬3) قيل: للعذاب بالاختلاف خلفهم، وقيل: ليكونوا فريقاً فى الجنة وفريقاً فى السعير. ويجمع بين قوله: " رأيتها فأنسيتها "، وبين قوله: " أبينت لى حتى تلاحى [فيها] (¬4) رجلان فرفعت "، أى أن تلاحيهما وتخاصمهما شغل سِرّهُ وأنساه منها ما بُين له لطفاً بهذه الأمةِ وليكون خيراً لهم، كما قال فى الحديث: " وعسى أن يكون خيْراً " ليجتهدوا فى طلبها، ويكثروا العمل، ولا يتكلوا على عملهم فيها فقط إذا تعينت لهم، وقد جاء فى كتاب النسائى: " فجاء رجلان معهما الشيطان فأنسيتها " (¬5). ¬

_ (¬1) فى س: حتى تلاحى فيها فلان وفلان. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) هود: 118، 119. (¬4) ساقطة من س. (¬5) النسائى فى الكبرى، ك الاعتكاف، ب علامة ليلة القدر 2/ 274.

14 - كتاب الاعتكاف

بسم الله الرحمن الرحيم 14 - كتاب الاعتكاف (1) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان 1 - (1171) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُما - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِى العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الاعتكاف ومعناه: اللزوم والإقامة. ولما كان المعتكف ملازماً للعمل بالطاعة مدة اعتكافه لزمه هذا الاسم. وهو فى عرف الشرع: اللزوم على طاعةٍ مخصوصة. ويسمى أيضاً جواراً. ذكر مسلم أحاديث اعتكاف النبى - عليه السلام - ففيها أنها عبادة مرغبٌ فيها اقتداء بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست بواجبةٍ وقد أجمع المسلمون على ذلك فيها، وأنه يصح أن تكون بصوم، وإن لم يكن مشترطاً لها ومختصاً بها لاعتكافه فى رمضان فالصوم مختص به، ولا خلاف فى هذا الاعتكاف لتطوع به. واختلف فى الواجب لنذرٍ، هل يجزى إيقاعه فى رمضان، وفى المذهب عندنا: فيه وجهان (¬1)، وكذلك دليل أحاديثه أنه لا يكون إلا بصوم؛ إذ لم يأت أنه اعتكف إلا وهو صائم، ولأن الله تعالى إنما ذكر الاعتكاف للصُّوام لقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬2)، ولأنه عمل أهل المدينة كما ذكر مالك فى موطئه (¬3)، وهو مذهب جمهور العلماء، وذهب الشافعى وأصحابه إلى أن الصوم ليس من شرطه واحتجاجه بإيقاعه فى رمضان، وفيها أن الاعتكاف لا يكون إلا فى مسجد للرجال والنساء (¬4)، خلافاً للكوفيين فى النساء: لا يعتكفن إلا فى بيوتهن، ولابن لبابة من المتأخرين من أصحابنا فى تجويزه للجميع فى غير مسجد ولا صوم (¬5). ¬

_ (¬1) الاستذكار 10/ 292. (¬2) البقرة: 187. (¬3) الموطأ ك الاعتكاف، ب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به 1/ 115. (¬4) الحاوى، ك الاعتكاف 3/ 486. (¬5) الاستذكار 10/ 304، 307.

2 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ نَافِعٌ: وَقَدْ أَرَانِى عَبْدُ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - الْمَكَانَ الَّذِى كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْمَسْجِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: الاعتكاف جائز عندنا على الجملة فى سائر المساجد، وذكر عن حذيفة أنه لا يراه إلا فى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد إيلياء [بالشام] (¬1) ومسجد النبى - عليه السلام. وقال الزهرى: لا يكون إلا فى الجامع، والحجة [عندنا] (¬2) قوله: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} (¬3)، فعمَّ، ومن شرطه عندنا الصوم وأجازه (¬4) الشافعى من غير صوم. قال القاضى: اختلف العلماء فى أى مسجد هو، فأكثرهم أنه فى كل مسجد جامعٍ أو غيره، إن اعتكف من لا يلزمه الخروج إلى الجمعة؛ إما لعذرٍ، أو لأن مدة اعتكافه لا تصل إلى الجمعة فأما من تلزمه الجمعة فلا يعتكف إلا فى الجامع، وهذا مشهور مذهب مالك، وقول الشافعى والكوفيين، وغيرهم. وذهب جماعة من السلف إلى أنه لا يعتكف إلا فى مسجد تجمع فيه الجمعة، وروى عن مالك: زاد في رواية ابن عبد الحكم: أو فى رحابه التى تجمع فيها الجمعة (¬5). وروى عن بعضهم أنه لا يجوز إلا فى مسجد نبى، وهى المساجد الثلاثة التى ذكر حذيفة. وفى هذه الأحاديث جواز الاعتكاف فى رمضان وشوال ويقاس عليهما غيرهما من الشهور، وجوازه أول الشهر ووسطه وآخره، لفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وجوازه عشراً وشهراً كاملاً لِفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، فى ظاهر الحديث الذى ذكره مسلم عن أبى سعيدٍ، من رواية محمد بن عبد الأعلى. ولا خلاف أنه لأحد لأكثره لمن نذره، ولا لأقله، واستحب أن يكون أكثره عشرة أيام اقتداء بالنبى - عليه السلام - واختلف فى أقله، وعن مالك فى ذلك روايتان، قال: أقله يوم وليلة، وقال: عشرة أيام، وذلك فيمن نذر اعتكافاً مبهماً. وفيه استحباب كونه فى العشر الأواخر من رمضان لمواظبة النبى - عليه السلام - على ذلك لقوله: " كان يعتكف "، وأكثر ما يستعمل هذا فيما [كان] (¬6) يداوم عليه، مع ما دلت عليه نصوص الآثار من تكراره، ولأن ليلة القدر مطلوبة فى ذلك العشر، على أكثر الأقوال التى قدمناها ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، وما أثبت من ع. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬3) البقرة: 187. (¬4) فى الأصل: وأجاز، وما أثبت من ع. (¬5) الموطأ، ك الاعتكاف، ب ذكر الاعتكاف 1/ 313 رقم (3). (¬6) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

3 - (1172) وحدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ السَّكُونِىُّ، عَن عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَواخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أبى سعيد فى اعتكافه العشر الوسط: فإذا مضت عشرون ليلةً، ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، ثم إنه أقام فى شهر جاور فيه تلك الليلة التى كان يرجع فيها فخطب الناس. قوله: " من كان اعتكف معى فليبت فى معتكفه " الحديث: يريد أنه أقام فى المسجد تلك الليلة التى كان يرجع فيها، قيل: هو والناس. [فيه] (¬1) دليل على أن إقامته إنما كانت لاستئناف الاعتكاف فى العشر الآخر كما جاء مفسراً فى الحديث، وتبيينه للناس، وهذا تفسير ما جاء فى كتاب الموطأ (¬2) من رواية يحيى بن يَحيى، وفى الرواية الأخرى: " فلما كانت ليلة إحدى وعشرين "، وهى التى يخرج من صبيحتها من اعتكافه، أى التى انتظرنا خروجه منها إذ بات تلك الليلة فى معتكفه، ولم يكن عادته، وقيل: بل أراد بصبيحتها يومها الذى قبلها، فأضافه إلى ليلة إحدى وعشرين، كما قال تعالى: {عَشِيةً أَوْ ضُحَاهَا} (¬3) فأضاف الضحى إلى العشية وهو قبلها، ولأن العرب قد تجعل ليلة اليوم الآتية بعده، حكاه المطرز، وهذا معنى ما ذكره مسلم أيضاً: " فخرجنا صبيحة عشرين ": أى صبيحة تمام عشرين، على ما تقدم من إقامتهم مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة إحدى وعشرين، أو سمى النهار صبيحةً، أى لتمام عشرين. ولا يصح هنا تأويل من تأوله أنهم خرجوا تلك الصبيحة من يوم عشرين نفسه، إذا لا يتم العشر على هذا، فكيف يخرجون فى صبيحة اليوم العاشر وقد وهم فى تأويله بعض مشايخنا، ويدل على ذلك - أيضاً - فى البخارى: " فلما كانت صبيحة عشرين، ونقلنا متاعنا " (¬4)، فدل أن الصبيحة المراد بها من يوم عشرين ونقلهم المتاع، أمرهم بإخراجه إذ لا حاجة فيه إذ إنما مبيتهم تلك الليلة المستقبلة فى منازلهم، مع رواية الحفاظ من أصحاب مالك؛ ابن وهب، وابن القاسم، والقعنبى وغيرهم، وهى الليلة التى يخرُج فيها من اعتكافه، وذلك أن خروجه عند كافتهم بعد الغروب، وبه تتم له العشر، وبهذا يُجمع ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل. (¬2) الموطأ ب خروج المعتكف للعيد، حديث رقم (5). (¬3) النازعات: 46. (¬4) البخارى، ك الاعتكاف ب الاعتكاف، وخروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبيحة عشرين، من حديث أبى سعيد الخدرى 3/ 64.

4 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. 5 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بين الأحاديث وتسقط دعوى الوهم الذى ادعاه بعضهم على مالك وبعضهم على رواته. وقد استدل بعضهم على جواز اعتكاف الليل دون النهار. ولا خلاف فيمن اعتكف عشراً فى غير رمضان أو عدداً، أو فى رمضان أوله أو وسطه، أن خروجه عند تمام آخر يوم من اعتكافه، كما ذكر من عادةِ فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الحديث، ولا يلزمه أن يبيت فى معتكفه الليلة التى بعد ذلك، إلا إذا كان اعتكافه آخر شهر رمضان، فاختلف العلماء، هل ذلك لغيرها أم يبيت فى معتكفه تلك الليلة حتى يخرج ليصلى مع الناس العيد، ثم يرجع حينئذ إلى منزله؟ وهو قول مالك (¬1) وأحمد بن حنبل، وغيرهما، وحكى ذلك عن السلف وأهل الفضل - واختلف أصحاب مالك (¬2) إذ لم يفعل وخرج من المعتكف ليلة الفطر، هل يفسد بذلك اعتكافه أو لا؟ وذهب الشافعى (¬3) والليث، والأوزاعى والزهرى فى آخرين إلى أن آخر العشر وغيره سواء، يخرج بانقضاء آخر يوم ولا يلزمه بقاء ليلة الفطر. وقوله: " فمن اعتكف معى فليبت فى معتكفه " وما جاء من ضرب الأبنية للمعتكفين فى الحديث والقبة للنبى - عليه السلام - وأنه دخل معتكفه دليل على جواز اتخاذ المعتكف موضعاً من المسجد يختص به، ولحجره من اعتكافه، وينفرد فيه إذا لم تضر بأهل المسجد، ويستحب أن يكون فى مؤخر المسجد ورحابه الداخلة فيه، وفيه دليل على أن المعتكف ملازم لاعتكافه غير مشتغل بغيره ولا خارج لأمر إلا لما تدعوه ضرورة إليه من حاجة الإنسان فيقضيه ويرجع، وكذلك فيما لابد له من شراء قوته، وما يضطر إليه. ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ 1/ 315. (¬2) قال بن القاسم: إذا خرج من معتكفه ليلة الفطر لا شىء عليه. وقال ابن الماجشون وسحنون: يعيد اعتكافه. (¬3) انظر: الحاوى 3/ 488، 489، الاستذكار 10/ 297.

(2) باب متى يدخل من أراد الاعتكاف فى معتكفه

(2) باب متى يدخل من أراد الاعتكاف فى معتكفه 6 - (1173) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَان رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ، وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ، أَرَادَ الاعْتكَافِ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ، وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه ": أخذ بظاهر هذا الحديث الأوزاعى والثورى (¬1) والليث فى أحد قوليه، وقال أبو ثور (¬2): يفعل هذا من نذر عشرة أيام، فإن أراد عشر ليال فقبل غروب الشمس [من الليلة، وقال مالك (¬3): يدخل فى اعتكافه قبل غروب الشمس] (¬4) وقاله أحمد ووافقهما الشافعى وأبو حنيفة، وأبو ثور فى الشهر، وخالفوه فى الأيام فقال الشافعى (¬5): يدخل فيها قبل طلوع الفجر، وقال الليث فى أحد قوليه وزفر (¬6) وأبو يوسف: يدخل فى الجميع قبل طلوع الفجر، وقد قال القاضى أبو محمد: من فعل هذا أجزأه، وقال عبد الملك: لا يعتد بذلك اليوم، وهذا كله على أن الليل لا يدخل فى الاعتكاف [إلا أن نتعد به اعتكاف] (¬7) ومذهب مالك وربيعة: أن النهار تابع الليل بكل حال وتناول قوله - عليه السلام -: كان إذا أراد أن يعتكف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الفجر ثم دخل معتكفه، أنه وقت دخوله المعتكف لا وقت ابتداء اعتكافه، وأنه كان فى أول ليلة غير محتاج إلى التفرد فى المعتكف لانفراده فى المسجد، فلما صلى الصبح وأراد التنحى عن الناس والانفراد دخل معتكفه للتفرغ لما هو فيه ولراحة جسمه، وما يحتاج من نوم فاته فى ليلة، وقيل: بل ذلك قبل دخوله فى الاعتكاف من ليلة نومه المستأنفة بعد ذلك، وكان قبله فى صبيحة ذلك اليوم يدخل معتكفه لتهيئته، والنظر فيما يحتاج إليه فيه ويستعده وهو غير معتكف، ثم يخرج حتى يصلى المغرب فيدخل ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 10/ 309. وروى ابن وهب عن الليث، قال: إنما يدخُلُ المعتكف المسجد للاعتكاف قبل الفجر ليلة إحدى وعشرين. (¬2) انظر: الاستذكار 10/ 311. (¬3) انظر: التمهيد 23/ 55، 56، الاستذكار 10/ 311. (¬4) سقط من الأصل واستدرك فى الهامش. (¬5) انظر: الاستذكار 10/ 311. (¬6) انظر: الاستذكار 10/ 311، التمهيد 22/ 56. (¬7) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ. فَلَمَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَةُ، فَقَالَ: " آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟ " فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ، وَتَرَكَ الاعْتِكَافَ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ، حَتَّى اعْتكَفَ فِى الْعَشْرِ الأَوَّلِ مِنْ شَوَالٍ. (...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أبُوَ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى اعتكافه. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ رأى أخبية نسائه -: " آلبرَّ تردن؟ ". إنكاره لذلك - عليه السلام - بعد ما ورد فى الحديث أنه كان عن إذنه فى ذلك لبعضهن على ما ذكره البخارى (¬1)، لما خافه أن عملهن فى ذلك غير خالص للاعتكاف، وإنما هو من أجل غيرتهن عليه وحرصهن على القرب منه أو لغيرته عليهن أن يكن ملازمات المسجد مع الرجال، ولا غناء لهن من الخروج لضرورتهن بحضورهم، وقد يحضر المنافقون والأعراب والوفود، أو لأنه - عليه السلام - لما رأى جماعة من أزواجه معه فى المسجد خرج الأمر عنده عن صورة الاعتكاف، وكأنه فى منزله وبين أهله أو لأنهن ضيقن المسجد بأبنيتهن. وفى الحديث دليل على جواز اعتكاف النساء إذ كان أمرهن بذلك، وإنما منعهن الآن لعلة أخرى، وفيه أن المرأة لا تعتكف إلا بإذن زوجها، وأن له منعها ما لم يأذن لها، وكذلك عبده وأمته وهو قول كافة العلماء، واختلفوا إذا أذن لهم فى ذلك فلم يبح له ذلك مالك فى جميعهم، وأباحه الشافعى وابن شعبان من أصحابنا له، ورأى له منع جميعهم، وقال الكوفيون: لا يمنع الحرة ويمنع المملوك، وحكى ابن المنذر عن أهل الرأى كقول الشافعى، إلا أنه يأثم عندهم. وأمره - عليه السلام - بتقويض خبائه - وهو إزالته - وأمر بالبناء فقوض بمعناه. قوضت البناء: أزلتُ عمده، والتقويض: الهدم، يريد نقض بناء اعتكافه وبيت خلوته له وخبائه وتركه الاعتكاف فى ذلك العشر، مواساة لهن، وتطييباً لقلوبهن لما منعهن من ¬

_ (¬1) صحيح البخارى، ك الاعتكاف، ب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج 3/ 67.

وَفِى حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِث وَابْنِ إِسْحَاقَ ذِكْرُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزينَبَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُنَّ - أَنَّهُنَّ ضَرَبْنَ الأَخْبِيَةَ للَاِعْتِكَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، وحُسنٌ لعشرتهن، وظاهره أنه لم يكن دخل بعد فى اعتكافه ولا دخلن، وإنما ضُربت الأخبية تقدمة للدخول فيها تلك الليلة - والله أعلم - بدليل قوله فى الأم: " وأنه أمر بخبائه فضرب وأراد الاعتكاف فى العشر الأواخر، ويكون قضاؤه لما كان اعتقده من فعل الخير دوماً بما عاهد عليه الله من ذلك. فيه أن من نوى طاعة فلا يجب عليه فعلها بمجرد النية إلا بنذرها، والدخول فيها. قال بعضهم: وفيه أنه كان وكنَّ دخلن فى الاعتكاف فرأى - عليه السلام - خروجه من ذلك للمصلحة التى رآها؛ ولذلك قضاه بعد. وإخراجهن منه لذلك السبب؛ ولأنه لم يكن نذراً فليزمه تمامه، وإنما ترك ما كان نواه من اعتكاف العشر، واقتصر على ما مضى [له] (¬1) من اعتكاف ليلته ويومه ذلك، وذلك أقل الاعتكاف؛ إذ ليس فى الخبر [أنه] (¬2) قطع اعتكافه لحينه، وإنما فيه أنه ترك اعتكاف العشر، أو أنها لما دخلها من مشاركة الحرص على قربه والغيرة عليه ليست بطاعةٍ يلزم تمامها على وجه الاعتكاف، وإن كان الحرصُ وحب القرب من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أى وجهٍ كان طاعةً وقربةً. وفيه جواز الاعتكاف فى شوال، وسائر الشهور مثله. قال الخطابى: وفيه أن الاعتكاف إذا لم يكن نذراً جاز الخروج منه متى شاء (¬3)، وعندنا أنه بالدخول فيه لزمه ما نوى فيه ولم يصح دخول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه. وفى قيامه - عليه السلام - فى خبائه فى اعتكافه ولزومه فيه - وهو الإمام للصلاة - أن السعى إلى موضع إمامته أو الصف الأول من موضع معتكفه وإمامته غير قادح فى الاعتكاف؛ إذ هو من باب ما هو فيه، ومنع إمامة المعتكف سحنون فى أحد قوليه لا فى فرض ولا فى نفل، والكافة على جواز ذلك، وكذلك أذانه فى غير المنار، واختلف فى أذانه فى المنار، فمنعه مالك مرة وأجازه أخرى، وهو قول الكافة. واختلف العلماء فى اشتغاله بالطاعات وخروجه إليها؛ كزيارة المرضى والصلاة على الجنازة، فمنع ذلك مالك (¬4) وكافتهم، وأجازه الحسن (¬5) والنخعى وغيرهما، وأجاز إسحاق (¬6) والشافعى اشتراط ذلك فى التطوع دون النذر، واختلف قول أحمد (¬7) فى جواز الاشتراط، ومنع مالك ذلك وغيره، وكذلك منع مالك شغله فى المسجد لسماع العلم ¬

_ (¬1) و (¬2) سقطتا من الأصل، واستدركتا بالهامش بسهم. (¬3) معالم السنن للخطابى 3/ 340. (¬4) الموطأ 1/ 217، الاستذكار 10/ 281. (¬5) الاستذكار 10/ 281، الحاوى 3/ 289. (¬6) الاستذكار 10/ 287، المغنى 4/ 469. (¬7) انظر: المغنى 4/ 469، 470، الاستذكار 10/ 287.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكَتْبهِ، والأمور المباحة من الحديث مع من جالسه، وشبهه من البيع والشراء فى المسجد، إلا فيما خَفّ من هذا كله (¬1). وأباح له الشافعى (¬2) وأبو حنيفة (¬3) الشغل فى المسجد مما يباح من ذلك كله، أو يرغب فيه من طلب العلم ونحوه. ¬

_ (¬1) الموطأ 1/ 314. (¬2) الحاوى 3/ 493. (¬3) التمهيد 8/ 329.

(3) باب الاجتهاد فى العشر الأواخر من شهر رمضان

(3) باب الاجتهاد فى العشر الأواخر من شهر رمضان 7 - (1174) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى يَعْفُورٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. 8 - (1175) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنِ زِيَادٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا عبدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: كَاَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهِدُ فِى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان - عليه السلام - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر ": قيل: هو كناية عن الجد والتشمير فى العبادة، وقيل: كناية عن ترك النساء والاشتغال بهن، فإن كان إشارة إلى عشر الاعتكاف فلا خلاف فى تحريم الجماع فيه؛ لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} (¬1). وأجمعوا على أنه مفسد لاعتكافه كان فى ليل أو نهار (¬2)، وكافتهم على أنه لا كفارة عليه، وذهب الحسن والزهرى إلى أن عليه ما على الواقع أهله فى رمضان (¬3)، وروى عن مجاهد: يتصدق بدينارين (¬4)، وأجرى مالك والشافعى مرّة الجماع دون الفرج، وجميع التلذذ من القبلة والمباشرة مجرى الجماع لعموم قوله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} (¬5)، وذهب أبو حنيفة إلى فساده بالإنزال كيف كان (¬6)، وقاله صاحباه، ومذهبهم فى الجماع ناسياً على أصولهم، فمن أفسد به الصوم أفسد به الاعتكاف ومن لم يفسد عنده الصوم لم يفسد به الاعتكاف، وخالف الشافعى - فى أحد قوليه - فقصر النهى على الجماع فى الفرج فقط، وهو قول عطاء (¬7)، وقد تقدم فى كتاب الحيض من هذا - فى حديث عائشة - مما يمنع منه المعتكف وما يجوز له. ¬

_ (¬1) البقرة: 187. (¬2) الاستذكار 10/ 316، التمهيد 8/ 331. (¬3) الاستذكار 10/ 317. (¬4) الاستذكار 10/ 318. (¬5) الحاوى 3/ 498، الموطأ ك الاعتكاف، ب النكاح فى الاعتكاف 1/ 318. (¬6) الاستذكار 10/ 217، الحاوى 3/ 499. (¬7) الحاوى 3/ 498.

(4) باب صوم عشر ذى الحجة

(4) باب صوم عشر ذى الحجة 9 - (1176) حَدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِى الْعَشْرِ قَطُّ. 10 - (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَن عَائِشَةَ - رَضِى اللهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصُم الْعَشْرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وأيقظ أهله ": فيه حث الرجل أهله على فعل الخير ونوافل البر. وقوله: " ما رأيت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صائماً فى العشر قط ": ليس يحتج به على كراهية صومه. وقد ذكر مسلم ما جاء عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى فضل صوم يوم عرفة، وفيه أن فعله هذا كان ليتحرى ليلة القدر فى هذا العشر؛ بدليل حديث أبى سعيد المتقدم المفسر هذه الليلة. ذكر فى آخر الكتاب حديث أبى بكر بن نافع: ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن الأعمش. كذا لهم، وعند الفارسى: ثنا شعبة عن الأعمش.

15 - كتاب الحج

بسم الله الرحمن الرحيم 15 - كتاب الحج (1) باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه 1 - (1177) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَلْبَسُ الْمحْرِمُ مِنَ الْثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَلْبَسُوا القُمُصَ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا الخِفَافَ، إِلا أَحَدٌ لا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلا الوَرْسُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الحج الحج بالفتح الصدر، وبكسرها وفتحها معا الاسم، وبالكسر - أيضاً - الحِجاجُ. وأصله القصد، والحج - أيضاً - العمل، وقيل: الإتيان مرةً بعد أخرى. والحج فريضة على الأعيان الأحرار المستطيعين مرة فى العمر، هذا ما أجمع المسلمون عليه. واختلفوا هل هو على الفور [أو لا] (¬1)؟ واختلف فيه عن أصحاب مالك (¬2) وأصحاب الشافعى (¬3)، فالذى يحكى العراقيون عن المذهب أنه على الفور، وهو قول أبى يوسف والمزنى (¬4)، وقال ابن خويز منداد: تحصيل مذهبنا أنه على التراخى، وهو قول محمد بن الحسن. وشرائط وجوب الحج عندنا: الإسلام، والحرية، والعقل، والبلوغ، والاستطاعة، وشرحها القدرة على أداء الحج بنفسه إما راجلاً، أو راكباً، والزاد لمن ليس له عادة بالسؤال، وتخلية الطريق حتى يمكن فيه (¬5) السير على العادة. وقد تقدم فى كتاب الإيمان وقت فرض الحج وما ذكر فيه من خلافٍ، وسيأتى الكلام على الاستطاعة فى حديث الخثعميّة. وقوله - وقد سئل عما يلبس المحرم - فقال (¬6): " لا يلبس المحرم القميص، ولا العمامة، ولا السراويل [ولا البرانس، ولا الخفاف] (¬7) " الحديث، قال الإمام: سئل ¬

_ (¬1) فى س: أم لا. (¬2) التمهيد 16/ 163، 164. (¬3) و (¬4) الحاوى 4/ 26. (¬5) فى س: فيها. (¬6) فى ع: فأجاب. (¬7) سقط من ع.

2 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانَ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ عما يلبس [المحرم] (¬1) فأجاب بما لا يلبس، [وإنما عدل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك] (¬2) [ويترك] (¬3) لأن المتروك منحصر، والملبوس لا ينحصر، فحصر ما يترك ليبين أن ما سواه مباح [لباسه] (¬4). قال القاضى: أجمع المسلمون على أن ما ذكر لا يلبسه المحرم، وأنه نبه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطى به الرأس مخيطاً أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرِّجْل، وأن لباس هذا جائز للرجال فى غير الإحرام؛ لأن خطاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان لهم؛ ولأن النساء مأمورات بستر رؤوسهن. قال علماؤنا: ومنع المحرم من جميع ما نهى عنه من لباس ليبعد عن الترفه، وليتسم (¬5) بسمات المتذللين الخاشعين، الذى خروجه [لذلك] (¬6) الغرض من تذلله لربه، وضراعته لغفر ذنبه، وكذلك امتناعه من الطيب والنساء من ذلك ليبعد عن أعراض (¬7) الدنيا فى سفره، وزينة حياتها ولذاتها جهده، فيخلص نيته، وينفرد همه بما خرج له، فلعل الله أن ينيله مرغوبه من رحمته (¬8) [ويرحمه] (¬9). وقوله: " إلا أحدٌ لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين "، قال الإمام: ذهب بعض الناس (¬10) إلى أن الخفين لا يقطعان؛ لأن ذلك من إضاعة المال، وهذا الحديث ردٌّ عليه. واختلف المبيحون قطعه إذا قطعهما ولبسهما، هل يفتدى أم لا؟ فقيل: لا شىء عليه، وقيل: عليه [الفدية] (¬11)، وليس ترخيصه له فى الحديث بالذى يسقط الفدية، كما أن الرخصة فى حلق الرأس لم تسقط معه الفدية. قال القاضى: هذا قول أبى حنيفة وأصحابه، والقول الأول لمالك والشافعى وأصحابهما (¬12)، وحجتهم أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلبسه بعد قطعه، ولو كان عليه شىء لبينه؛ إذ هو موضع بيان وتعليم، هاذ لو كان عليه دم إذا قطعه، وإذا لم يقطعه فما فائدة قطعه إلا ترك اتباعه بدم أو غيره، ومالك والليث (¬13) يريان على لابس الخفين المقطوعين مع ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) من هامش س، وغير مثبتة فى الأصل. (¬3) ساقطة من س، والمثبت من الأصل. (¬4) فى هامش الأصل. (¬5) فى س: ويتسم. (¬6) فى هامش الأصل. (¬7) فى س: أغراض. (¬8) فى س: برحمته. (¬9) ساقطة من س. (¬10) ذهب عطاء بن رباح، وسعيد بن سالم القداح، وطائفة من أهل العلم، أن من لم يجد النعلين لبس الخفين ولا يقطعهما، وبه قال أحمد. الاستذكار 11/ 32. (¬11) من س. (¬12) و (¬13) الاستذكار 11/ 33.

رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ قَالَ: " لا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ، وَلا العِمَامَةَ، وَلا البُرْنُسَ، وَلا السَّرَاوِيلَ، وَلا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلا زَعْفَرَانٌ وَلا الخُفَّيْنِ، إِلا أَلَّا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ ". 3 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرْأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ المُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ. وَقَالَ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ ". 4 - (1178) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَاِنِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وجود النعلين الفدية، وأبو حنيفة (¬1) لا يرى عليه شيئاً، واختلف فيه قول الشافعى (¬2). وقوله: " لا تلبسوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ، ولا زَعْفَرَانٌ "، قال الإمام: لأن الورس والزعفران طيبٌ، والمحرم لا يتطيب. قال القاضى: أجمعت الأمة أن المحرم لا يلبس ما صبغ بزعفران أو ورس (¬3)، وذلك لما فيهما من الطيب الذى هو داعية الجماع، ومن التجمل الذى ينافى بذاذة الحاج، والرجال والنساء فى هذا سواء، وعلى لابس ذلك منهما الفدية عند مالك (¬4) وأبى حنيفة (¬5)، ولم ير الثورى، والشافعى (¬6) وإسحاق وأحمد عليه شيئاً إذا فعل ذلك ناسياً. واختلفوا فى المعصفر، فرآه الثورى وأبو حنيفة طيباً كالزعفران (¬7) وفيه الفدية (¬8)، ولم يره مالك والشافعى طيباً، وكره مالك المقدم منه، واختلف عنه هل على لابسه فدية؟ واختلف [فيه] (¬9) أصحابه، وأجاز مالك سائر الثياب المصبغة بغير هذا، وكرهها بعضهم لمن يقتدى به فيظن به جواز لباس كل مصبوغ (¬10). ¬

_ (¬1) الاستذكار 11/ 33. (¬2) الحاوى 4/ 97، 98. (¬3) المغنى 5/ 142، 143. (¬4) الموطأ 1/ 326. (¬5) الحاوى 4/ 99، 100، 105. (¬6) الحاوى 4/ 105. (¬7) فى س: كالمزعفر. (¬8) الاستذكار 11/ 35. (¬9) من س. (¬10) المنتقى للباجى 2/ 198.

" السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الإِزَارَ، وَالخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ " يَعْنِى المُحْرِمَ. (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. فَذَكَرَ هَذَا الحَدِيثَ. (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِىُّ ابْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ، غَيْرُ شُعْبَةَ وَحْدَهُ. 5 - (1179) وحدّثنا أَحْمَدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ابن عباس أنه " إن لم يجد الإزار فليلبس السراويل "، قال الإمام: بذلك قال الشافعى، ولم يأخذ به مالك لسقوطه من (¬1) رواية ابن عمر (¬2). قال القاضى: وقد ذكر مسلم - أيضاً - من رواية جابر، وقال مالك فى الموطأ: لم أسمع بهذا (¬3)، ولا أرى أن يلبس المحرم السراويل، واحتج بأن النبى - عليه السلام - منع لبسه، ولم يسْتثن فيه كما استثنى فى الخفين، وظاهر الكلام يدل أن هذه الزيادة لم تبلغ مالكاً، أو لم تبلغه لبسها على حالها، وكذلك قوله: ولا أرى أن يلبسها المحرم إلا على الوجه المعتاد دون تغيير، كما قال الشافعى وأحمد وإسحاق، أو لا يلبسها. دون فدية (¬4)، فإن مالكاً وأبا حنيفة يريان فى لبسهما الفدية (¬5)، وأما لو فتقت السراويل وجعل منها شبه الإزار جاز، كما جاز لباس الخف إذا قطع. وقوله فى هذا الحديث: " السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفاف لمن لم يجد النعلين ": ¬

_ (¬1) فى ع: فى. (¬2) الحاوى 4/ 98. (¬3) الموطأ 1/ 325. (¬4) الاستذكار 11/ 32. (¬5) الحاوى 4/ 98.

6 - (1180) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعرَانَةِ، عَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهَا خَلُوقٌ - أَوْ قَالَ: أَثَرُ صُفْرَةٍ - فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِى أَنْ أَصْنَعَ فِى عُمْرَتِى؟ قَالَ: وَأُنزِلَ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْىُ، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَكَانَ يَعَلَى يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّى أَرَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْىُ. قَالَ: فَقَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْىُ؟ قَالَ: فَرَفَعَ عُمَرُ طَرَفَ الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِليْهِ لَهُ غَطِيطٌ - قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: - كَغَطِيطِ البَكْرِ. قَالَ: فَلَمَّا سُرِّىَ عَنْهُ. قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ العُمْرَةِ؟ اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ - أَوْ قَال: أَثَرَ الخَلُوقِ - وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَك، وَاصْنَعْ فِى عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِى حَجِّكَ ". 7 - (...) وحدَّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَهُوَ بِالجِعْرَانَةِ، وَأَنَا عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ - يَعْنِى جُبَّةً - وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ، فَقَالَ: إِنِّى أَحْرَمْتُ بِالعُمْرَةِ وَعَلَىَّ هَذَا، وَأَنَا مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا كُنْتَ صَانِعًا فى حَجِّكَ؟ " قَالَ: أَنْزِعُ عَنِّى هَذِهِ الثِّيَابَ، وَأَغْسِلُ عَنِّى هَذَا الخَلُوقَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا كُنْتَ صَانِعًا فِى حَجِّكَ، فَاصْنَعْهُ فِى عُمْرَتِكَ ". 8 - (...) حدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَم - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ؛ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ يَعْلى كَانَ يَقُولُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: لَيْتَنِى أَرَى نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُنزَلُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالجِعْرَانَةِ، وَعَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذا يحتج أحمد أنها لا تقطع؛ لظاهر إباحة لبسهما فى هذا الحديث كذلك، والكافة تجعل الأحاديث المتقدمة مفسرةً لهذا الإجمال، وأن لباسهما بعد قطعهما كما تقدم، وأن الزيادة التى حفظ ابن عمر من ذاك تحكم على حديث ابن عباس، وجابر. وذكر الجِعرانة، وقد اختلف فيها الحجازيون والعراقيون، أولئك يكسرون العين ويشددون الراء، وهؤلاء يخففونهما.

عَلَيْهِ، مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهمْ عُمَرُ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِى رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِى جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بَطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ سَكَتَ. فَجَاءَهُ الوَحْىُ، فَأَشَارَ عُمَرُ بِيَدِهِ إِلَى يَعْلَى ابْنِ أُمَيَّةَ: تَعَالَ. فَجَاءَ يَعْلَى. فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ. فَإِذَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ، يَغَطُّ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّىَ عَنْهُ، فَقَالَ: " أَيْنَ الَّذِى سَأَلَنِى عَنِ العُمْرَةِ آنِفًا؟ " فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ، فَجِىءَ بِهِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا الطِيبُ الَّذِى بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِى عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِى حَجِّكَ ". 9 - (...) وحدَّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمِّىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالجِعْرَانَةِ، قَدْ أَهَلَّ بِالعُمْرَةِ، وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ، وَأَنَا كَمَا تَرَى. فَقَالَ: " انْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فى حَجِّكَ، فَاصْنَعْهُ فِى عُمْرَتِكَ ". 10 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ أَبِى مَعْرُوفٍ، قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً قَالَ: أَخْبَرْنِى صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للمعتمر [الذى رأى عليه جبة عليها خلوق] (¬1): " انزع عنك الجبة، واغسل عنك الصّفرةَ ": [الخلوق، بفتح الخاء، الطيب المصبوغ بالزعفران، والمقطعات: الثياب المخيطة، كقوله فى الحديث الآخر: " بجبة "] (¬2). وقوله: " فسكت عنه فلم يرجع إليه ": أى يرد عليه جواباً. ومعنى " خَمَّرَهُ ": ستره، كما جاء فى الرواية الأخرى مبيناً، والغطيط مثل صوت النائم الذى يردده مع نفسه. ومعنى " سرّى عنه ": أى أزيل ما به وكشف عنه. قال الإمام: لا خلاف فى منع [استعمال] (¬3) الطيب للمحرم بعد التلبس بالإحرام. واختلف الناس فى جواز استعماله قبل الإحرام، واستدامته بعده، فمنع من ذلك مالك تعلقاً بهذا الحديث، وفيه أنه أمره بغسل ما عليه منه (¬4)، وأجاز ذلك الشافعى (¬5)، وتأول ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من ع. (¬3) زائدة فى ع. (¬4) الاستذكار 11/ 59. (¬5) الحاوى 4/ 100.

أَبِيهِ - رَضِى اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ، بِهَا أَثَرٌ مِنْ خَلُوقٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَحْرَمْتُ بِعُمرَةٍ. فَكَيْفَ أَفْعَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتُرُهُ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْىُ، يُظِلُّهُ. فَقُلْتُ لِعُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: إِنِّى أُحِبُّ، إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْىُ، أَنْ أُدْخِلَ رَأْسِى مَعَهُ فِى الثَّوْبِ. فَلَمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، خَمَّرَهُ عُمَرُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - بِالثَّوْبِ، فَجِئْتُهُ فَأَدْخَلْتُ رَأْسِى مَعَهُ فِى الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا سُرِّىَ عَنْهُ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا عَنِ العُمْرَةِ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ. فَقَالَ: " انْزِعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الخَلُوقِ الَّذِى بِكَ، وَافْعَلْ فِى عُمْرَتِكَ مَا كُنْتَ فَاعِلاً فِى حَجِّكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث على أن الطيب كان من زعفران، وقد نهى الرجل عن الزعفران، واحتج لمذهبه بقول عائشة: " كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت "، وانفصل أصحابنا (¬1) عن هذا بأنه يمكن أن يكون طيبته بما لا يتقى ريحه، أو يكون اغتسل للإحرام بعد أن طيبته فذهب الطيب عنه، وقال أبو الفرج من أصحابنا (¬2): هذا من خواصه - عليه السلام - لأن المحرم إنما منع من التطيب لئلا يدعوه إلى الجماع، والنبى - عليه السلام - كان يملك إربه فيؤمن عليه من الطيب. فإن قيل: فلم لم يأمر النبى - عليه السلام - الأعرابى بالفدية لتطيبه ولباسه؟ قيل: محتمل أن يكون عذره لأنه لم يكن أوحى إليه بتحريم الطيب، أو لعله لم يطل مقامه عليه ولا انتفع به، وأحل مالك فيمن تطيب جاهلاً أو ناسياً، فإنما يفتدى إذا طال لبثه عليه أو انتفع به (¬3)، ومذهب الشافعى أنه لا فدية عليه أصلاً (¬4)، ومذهب أبى حنيفة أنه يفتدى على كل حال (¬5). وأما أمره - عليه السلام - بنزع الجبة، فهو رد لقول من قال من الفقهاء: إنه يشق ما عليه من المخيط، ولا ينزعه من رأسه؛ لئلا يكون مغطياً لرأسه، والمحرم لا يغطى رأسه. ولم يستنكر تمزيق الثياب وإن كان إفساداً للمال، كما لم يستنكر قطع الخفين - كما جاء فى الخبر - وإن كان إفساداً لهما. قال القاضى: القائل بشق الثوب الشعبى (¬6) والنخعى، وجاء فى هذا الحديث: " يا رسول الله، إنى أحرمت بعمرة وأنا كما ترى "، وفى الرواية الأخرى: " كيف ترى فى رجلٍ أحرم بعمرة [فى جبة] (¬7) بعد ما تضمخ بطيب ": ففيه بيان أن المحرم يمنع من ¬

_ (¬1) و (¬2) فى ع: أصحاب مالك. (¬3): (¬5) الحاوى 4/ 105. (¬6) شرح معانى الآثار 2/ 139، الاستذكار 11/ 66. (¬7) من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيب ما كان قبل إحرامه وبعده، ورد على من زعم أن تطيبه كان بعد إحرامه اعتماداً على احتمال الرواية الأخرى التى ليس فيها بيان، وفيه أن حكم المعتمر والحاج سواء فيما يمنع منه ويباح له، وبيانه: أن السائل كان عالماً بالمنع من مثل هذا فى الحج وجهل حكم العمرة، فلذلك قال له - عليه السلام -: " وافعل فى عمرتك ما كنت فاعلاً فى حجك "، ويدل على هذا ما جاء فى رواية ابن أبى عمر فى الأم من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حين سأله: " ما كنت صانعاً فى حجك؟ " قال: أنزع عنى هذه الثياب، وأغسل عنى هذا الخلوق، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كنت صانعاً فى حجك فاصنعه فى عمرتك " وهذا يقضى على كل تأويل ذكر فى الحديث مما نذكره، وتحمله ألفاظ الروايات الأخر. وكذا يدل من سائر الأحاديث أن حكم الحج - أيضاً - كان مستقراً عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، وإنما وقف فى أمر العمرة حتى أوحى إليه، قيل: ويحتمل أن الإشارة بهذا القول لغير هذا السؤال، إذ [قد] (¬1) كان - عليه السلام - قد بين له سؤاله، ثم أعلمه أن حكم العبادتين فى مثل هذا سواء، ويدل على هذا قوله: " ثم اصنع فى عمرتك ما تصنع فى حجك "، ويحتمل على رواية الراوى أنه عائد على ما سأل عنه للتأكيد، وقيل: يحتمل أنه عائد إلى حكم الفدية لمن لبس المخيط وتطيب، وليس [بنص] (¬2) على لزومها أو سقوطها، فالأظهر أنه لم يجعل عليه فدية فيه، إذ هو موضع بيان، وبهذا قال أصحابنا، قالوا: لأنه إنما أتلف الطيب قبل الإحرام، وقيل: يحتمل أنه إنما سأل حين أراد الإحرام، ولم يحرم بعد، وهذا إنما يمكن على رواية من رواه: " كيف تأمرنى أن أصنع فى عمرتى؟ " أو قول من قال: " كيف ترى فى رجل أحرم بعُمرةٍ وهو متضمخ؟ "، وسائر الروايات تدل أنه قد كان أحرم لقوله: " أحرمت فكيف أفعل؟ " فى الرواية الأخرى، وقوله فى الأخرى: " أحرمت وأنا على ما ترى "، وقال بعضهم: هاهنا شىء زائد على الطيب وهو لبس المخيط، ومذهب مالك فى هذا: إن كان استدامة وانتفع به، فعليه الفدية (¬3)، فلعل هذا المحرم سأل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقرب إحرامه، فلذلك لم يأمره بفدية. وقوله فى هذا الحديث فى رواية شيبان بن فروخ (¬4): " فقال: أيُسرك أن تنظر إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ينزل عليه؟ ": كذا جاء ولم يُسم القائل، ولا قبله ما يدل عليه، وقد جاء مبيناً فى الحديث الآخر بعده أنه عمر بن الخطاب. وفى هذا الحديث أن السنن تكون بوحى من الله كما جاء فى هذه المسألة، وليست بفرض، وفيها ما يلزم العالم من التثبت عند السؤال ما لم يسبق له علمه. وقوله: " أما الطيب فاغسله ثلاث مرات ": دليل على المبالغة فى غسله حتى يذهب ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى س: فيه نص. (¬3) المنتقى 2/ 195، 196. (¬4) هو شيبان بن أبى شيبة الحبطى، مولاهم أبو محمد الأيلى، روى عن جرير بن حازم وأبى الأشهب العطاردى، وأبان بن يزيد العطار، وحماد بن سلمة وغيرهم، وعنه أبو داود والنسائى وزكريا بن يحيى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ريحه وأثره، لا (¬1) أن " ثلاثاً " حدٌّ فى هذا الباب، ويحتمل أن " ثلاثاً " راجع إلى قوله ذلك، أى قال: اغسله، وكرر قوله ثلاثاً تأكيداً. ¬

_ = السجزى وغيرهم. وثقه أحمد بن حنبل، وقال أبو زرعة: صدوق. ولد سنة أربعين ومائة، ومات سنة خمس أو ست وثلاثين ومائتين. التهذيب 4/ 374، 375. (¬1) فى س: إلا.

(2) باب مواقيت الحج والعمرة

(2) باب مواقيت الحج والعمرة 11 - (1181) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: وَقَّتَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ. قَالَ: " فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مَنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مَمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا فكَذَلِكَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلِّونَ مِنْهَا ". 12 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدِ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ. وَقَالَ: " هُنَّ لَهُمْ، وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث المواقيت ذكر فيها أن النبى - عليه السلام - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، بسكون الراء، ولأهل اليمن يلملم، وفى الرواية الأخرى: أنه أمرهم أن يهلوا من هذه المواقيت، وفى حديث جابر قال أبو الزبير: أحسبه رفع إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر الحديث، وفيه: " ومُهَلُّ أهل العراق من ذات عِرقٍ " بكسر العين، قال الدارقطنى فى حديث أبى الزبير: ومهل أهل العراق نظر (¬1)، ولم يخرجه البخارى ولا خرج لأبى الزبير شيئاً، ولم تكن عراق يومئذٍ، يعنى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال القاضى: هذا مما لا يعلل به الحديث، فقد أخبر النبى - عليه السلام - عما لم يكن فى زمانه مما كان، وهذا يُعدّ فى معجزاته - عليه السلام - فإنه أخبر أنه ستكون لهم مُهل، ويُسْلِمون ويحجون، فكان ذلك. ومَهْيَعَةُ: بسكون الهاء عند أكثرهم، وقاله بعضهم بكسر الهاء فسرها فى الحديث ¬

_ (¬1) الإلزامات والتتبع للدارقطنى، كتاب التتبع، مهل أهل العراق: 420.

الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمَنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ ". 13 - (1182) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُهِلُّ أَهْلُ المَدِينَةِ مِنْ ذِى الحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مَنْ قَرْنٍ ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَبَلَغَنِى أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَيُهِلُّ أَهْلُ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ ". 14 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُهِلُّ أَهْلُ المَدِينَةِ مَنْ ذِى الحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -: وَذُكِرَ لى - وَلَمْ أَسْمَعْ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَيُهِلُّ أَهْلُ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها الجحفة، وذكر قاسم بن ثابت فى الدلائل أنها قريب من الجحفة. والجحفة: قرية جامعة بين مكة والمدينة، سميت بذلك لأن السيول أجحفتها، وهى على ثمانية مراحل من المدينة. [وذو الحليفة: ماء من مياه بنى جشم على ستة أميال، وقيل: سبعة من المدينة] (¬1). ويلملم - ويقال: ألملم: جبل من [جبال] (¬2) تهامة على ليلتين من مكة، الياء بدل من الهمزة. وقرن بسكون الراء، وهو قرن المنازل، وقرن الثعالب، وقد قاله بعضهم بفتح الراء وهو خطأ، وهو تلقاء مكة، وأصله الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير. قال القابسى: من قاله (¬3) بالإسكان أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن فتح أراد الطريق الذى يفترق منه، فإنه موضع فيه طرق مختلفة. وقوله عن أبى الزبير أنه " سمع جابراً يسأل عن المُهَل، فقال: سمعت. ثم انتهى فقال: أراه، يعنى - النبى عليه السلام ": قائل هذا أبو الزبير [وهو الذى انتهى] (¬4) يعنى عن تمام رفع الحديث إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: أراه، كما قال فى الرواية الأخرى: أحسبه رفع إلى النبى - عليه السلام. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬3) فى س: قال. (¬4) من س.

15 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مُهَلُّ أَهْلِ المَدِينَةِ ذُو الحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مَهْيَعَةُ - وَهِىَ الجُحْفَةُ - وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ ". قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -: وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ - قَالَ: " وَمُهَلُّ أَهلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه: " مُهَلُّ أهل المدينة ذو الحليفة " والطريق الآخر: " الجحفة "، وفسَّره (¬1) فى الرواية الأولى: " ولأهل الشام الجحفة " وطريقهم على المدينة. قال الإمام: للحج ميقاتان: ميقات زمانٍ، وابتداؤه شوال. وميقات مكان، وهى المواضع المذكورة فى [هذا] (¬2) الحديث، وميقات أهل العراق منها مختلف فيه، فذكر هنا ذات عرق مرفوعاً إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يحسبه الراوى، وذكر فى غير هذا الكتاب العقيق (¬3)، ومنه استحب الشافعى لأهل العراق أن يهلوا (¬4). وتقدمهُ الحج على ميقات الزمان مكروهٌ عندنا، وتقدمته على ميقات المكان مكروه عندنا - أيضاً - إذا قدمه بمكانٍ قريبٍ؛ لما فى ذلك من التلبيس والتضليل عن المواقيت، [فإن تقدمه] (¬5) بمكان بعيد لا يلتبس الميقات به، فظاهر المدونة كراهته (¬6)، وظاهر المختصر إجازته. قال القاضى: أجمع المسلمون [على] (¬7) أن المواقيت مشروعة، وعامتهم (¬8) على أنها سُنة (¬9) مؤكدة، يلزم من تركها الدم، خلافاً لعطاء والنخعى (¬10) أن لا شىء على تاركها، ولسعيد بن جبير فى قوله: لا حج له (¬11)، وفائدة هذا التوقيت بمنع جواز هذه المواضع دون إحرام لمن أراد الحج أو العمرة، [وأنه مبتدأ عمل الحج والعمرة] (¬12)، وأنه لا ¬

_ (¬1) فى س: مفسره. (¬2) من ع. (¬3) سنن أبى داود، ك المناسك، ب فى المواقيت 1/ 404، سنن الترمذى، ك الحج، ب ما جاء فى مواقيت الإحرام لأهل العراق 3/ 185. (¬4) الحاوى 4/ 68. (¬5) فى ع: وإن قدمه، وفى س: فإن قدمه. (¬6) المدونة: 378، 379. (¬7) ساقطة من الأصل، ومثبتة من س. (¬8) فى س: كافتهم. (¬9) الاستذكار 11/ 82، المغنى لابن قدامة 5/ 69. (¬10) المغنى لابن قدامة 5/ 69. (¬11) الاستذكار 11/ 85، المغنى لابن قدامة 5/ 69، الحاوى 4/ 72. (¬12) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

16 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ المَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِى الحُلَيْفَةِ، وَأَهْلَ الشَّامِ مِنَ الجُحْفَةِ، وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يحل من أراد الحج أو العمرة جوازها دون إحرام، فأما من لم يرد النسك ودخل لحوائجه، فإن كان يتكرر عليها - كالحطابين وشبههم - فهؤلاء لا إحرام عليهم عند مالك (¬1) وغيره، ويدل على هذا قوله فى الحديث: " فمن (¬2) أراد الحج أو (¬3) العمرة "، فدل أن الإحرام إنما يلزم مثل هؤلاء المتبردين لا غيرهم ممن يتكرر دخوله لحوائجه. وإن كان ممن (¬4) يندر - كالتاجر وشبهه - فعند مالك لا يدخل إلا بإحرام (¬5). واختلف فى تأويله، هل هو على الوجوب أو الاستحباب؟ وهل عليه دم أم لا على هذا؟ وأجاز الزهرى وأبو مصعب دخوله بغير إحرام، وإنما يلزم الإحرام من قصد النسك، وسيأتى من هذا بعد. وقوله فى المواقيت: " هُنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ": كذا جاءت به الرواية فى الصحيحين وغيرهما (¬6) عند أكثر الرواة، [و] (¬7) عند بعض رواة مسلم والبخارى: " فهن لهم "، وكذا رواه أبو داود وغيره (¬8)، وهذا الوجه. وكذا ذكره مسلم فى رواية ابن أبى شيبة؛ لأنه ضمير أهل هذه المواضع المذكورة، وقد تخرج الرواية الأخرى: " لهن " على المواضع والأقطار المذكورة قبل، أى هذه المواقيت لهذه الأقطار والمراد أهلها. وأما قوله: " فهن لهن " فجمع من لا يعقل بالهاء والنون، فإن العرب تستعمل ذلك، وأكثر ما تستعمله فيما دون العشرة، ويجمع [ما جاوز] (¬9) العشرة بالهاء، وكذلك قالوا فى قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشَّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم} (¬10) ثم قال: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم} (¬11)، أى فى ¬

_ (¬1) المنتقى للباجى 2/ 207. (¬2) فى س: لمن. (¬3) فى س: و. (¬4) فى س: ما. (¬5) المنتقى 2/ 207. (¬6) البخارى، ك الحج، ب مهل أهل مكة للحج والعمرة 2/ 165، أبو داود، ك المناسك، ب المواقيت 1/ 403. (¬7) من س. (¬8) أبو داود، ك المناسك، ب المواقيت 1/ 403، النسائى فى الكبرى، ك المناسك، ب من كان أهله دون الميقات 2/ 330. (¬9) فى س: ما دون. (¬10) قيدت في نسخ الإكمال هكذا: " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر منها أربعة حرم ". (¬11) التوبة: 36.

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِى اللهُ عَنْهُمَا -: وَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَالَ: " وُيهِلُّ أَهْلُ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ ". 17 - (1183) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عبدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يُسْأَلُ عَن ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الأربعة، وقيل: فى الجميع. وقوله: " وكذا وكذاك "، كذا الرواية، قيل: وجهه: [وكذاك فكذاك، أى وكذا] (¬1) أهل كل مكان دون المواقيت منه، الدليل (¬2) قوله: " حتى أهل مكة من مكة ". وأجمعوا على جواز الإحرام ولزومه (¬3) من المواضع المذكورة إلا فى ميقات أهل العراق، فمالك وكافتهم أنه من ذات عرق نفسها، واستحب الشافعى من العقيق منها، وروى فيه أثر لا يثبت عن النبى - عليه السلام (¬4) - وروى عن بعض السلف: من الرَّبذَة (¬5) منها. وقوله: " حتى أهل مكة من مكة ": أجمع العلماء على هذا، وأنهم لا يخرجون منها إلا محرمين، وهذا فى الحج، ويدل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد بهذا الحج خصوصاً أمره عائشة فى عمرتها أن تخرج إلى التنعيم (¬6)، وسيأتى من أين يحرم المعتمر من مكة عند ذكر هذا الحديث. وأما مَنْ منزله بين مكة والمواقيت، فجمهور الفقهاء أنه يحرم من موضعه وهو ميقاته، فإن لم يحرم منه فهو كتارك ميقاته، وقال مجاهد: ميقات هؤلاء مكة، وتحديد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه المواقيت لأهل هذه المواضع يدل على تخصيصهم بها، وأنه لا يجزئ أهل موضع أن يعدلوا قصداً إلى ميقات غيرهم، إلا أن يكونوا مسافرين فى جهة ذلك الميقات فليزمهم حكمه. وقوله فى الحديث: " فهن لهم، ولمن أتى عليهن من [غيرهن] (¬7)، ممن أراد الحج والعمرة ": قال بعضهم: فيه دليل أن الحج ليس على الفور؛ لقوله: " ممن أراد " وهذا لا حجة فيه وليس الإرادة هنا للتخيير، بل المراد بها هنا نوى، وقد تأتى للوجوب. ¬

_ (¬1) فى س: وكذلك فكذلك وكذ. (¬2) فى س: بدليل. (¬3) فى س: لزومها. (¬4) سبق تخريجه قريباً. (¬5) وكان الحسن بن صالح يحرم من الربذة. المغنى لابن قدامة 5/ 57. (¬6) سيأتى بعد ثلاثة عشر باباً فى بيان وجوه الإحرام. (¬7) فى ع: غير أهلهن.

المُهَلِّ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ - ثُمَّ انْتَهَى فَقَالَ: أُرَاهُ يَعْنِى - النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 18 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرِ، قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وظاهر هذا إسقاط الدم عمن جاوز الميقات غير مريد للحج والعمرة، وقد وقع فى المذهب اضطراب فى الصرورة (¬1) إذا جاوزه غير مريد للحج، وأما إذا جاوزه مريداً للحج، ثم أحرم بعد مجاوزته وهو فى أثناء طريقه، فلا يُسقط الدم الواجب عليه على الجملة رجوعُهُ إلى الميقات. وقال أبو حنيفة: تسقط إذا رجع [إلى] (¬2) الميقات ولبى (¬3)؛ لأنه قد استدرك ما فاته وأكمل ما نقصه. قال القاضى: من جاوز الميقات ونيته النسك لحج أو عمرة رجع ما لم يحرم عند مالكٍ، ولا دم عليه، وقيل: يرجع ما لم يشارف مكة، فإن أحرم فلا يرجع، وعليه فى هذا دم، ولا يسقطه (¬4) إن رجع كما قال، هذا قول مالك وابن المبارك (¬5) والثورى على خلاف عنه، وكافة الفقهاء يأمرونه بالرجوع، وأن رجوعه يُسقط عنه الدم إلا أبا حنيفة منهم، وزاد التلبية لكونها عنده فرضاً، فإن لم يرجع عن هؤلاء، ولم يلب فى رجوعه عند أبى حنيفة وجب عليه الدم، وعن ابن الزبير: يقضى حجه ثم يرجع إلى الميقات بعمرة، وتقدم قول عطاء وسعيد بن جبير (¬6)، وأما من جاوز الميقات غير مريد النسك، ثم بدا له فى النسك، فجمهور العلماء على أنه يحرم من مكانه ولا شىء عليه (¬7)، وقال أحمد وإسحاق: يرجع إلى الميقات (¬8)، وعن مالكٍ فى وجوب الدم على القاصد لدخول مكة من غير نية نسك ثم بدا له فى النسك قولان. وذكر مسلم فى الباب يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر، قال يحيى: أنبأنا (¬9). كذا لهم، وعند السنتجانى: قال ابن يحيى: قال بعض علمائنا: وفى المواقيت حجة لنا أن أقل ما يُقصر فيه الصلاة، وما يسمى سفراً مسافة يوم وليلة؛ لأنه ¬

_ (¬1) فى س: الضرورة. (¬2) فى هامش الأصل. (¬3) الاستذكار 11/ 84. (¬4) فى س: يسقط. (¬5) انظر: الاستذكار 11/ 84، المغنى لابن قدامة 5/ 69، التمهيد 15/ 148. (¬6) الاستذكار 11/ 85، التمهيد 15/ 149. (¬7) و (¬8) الاستذكار 11/ 86. (¬9) فى س: أنا.

اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يُسْأَلُ عَنِ المُهِلِّ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ - أَحْسبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مُهَلُّ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذِى الحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الآخَرُ الجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ العِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَمُهَلُّ أَهَلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أقل مقادير المواقيت لأهل الآفاق المسافرين حتى يمرَّ لهم سفر وهم محرمون، وذلك أن " قرن " أقربُ المواقيت من مكة على يوم وليلة، وفيه رفق النبى - عليه السلام - فى توقيته هذه المواقيت بأمته، فجعل الأمر لأهل الآفاق بالقرب، ولما كان أهل المدينة أقرب من أهل الآفاق المذكورة وقَّت لهم ذا الحليفة خارج المدينة بستة أميال، وجعل لمن مر بها من أهل الآفاق المصير إلى ميقاتهم الجحفة، على ثمانية مراحل من المدينة.

(3) باب التلبية وصفتها ووقتها

(3) باب التلبية وصفتها ووقتها 19 - (1184) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنَّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لبيك "، قال الإمام: التلبية عند أبى حنيفة واجبة (¬1)، ومالك والشافعى لا يوجبانها (¬2). واختلف إذا لم يأت بها، فعند مالك: يلزمه دم، ولم يلزمه الشافعى، وعند مالك والشافعى: أن الحج يصح [فيه] (¬3) الدخول بالنية خاصة، وأنه ينعقد بالقلب كما ينعقد الصوم، وعند أبى حنيفة: لا ينعقد إلا بمقارنة التلبية أو سوق الهدى إلى عقد القلب. قال القاضى: قال شيوخنا البغداديون: التلبية عندنا مسنونة غير مفروضة، قال الباجى: ومعنى ذلك عندى: أنها ليست من أركان الحج، وإلا فهى واجبة، ولذلك لزم الدم بتركها (¬4). قال القاضى: وهذا فرق ما بيننا وبين أبى حنيفة؛ لأنه يعتقدها شرطاً فى صحة الحج وركناً من أركانه، كالتكبير فى إحرام الصلاة، وقاله ابن حبيب من أصحابنا، إلا أن أبا حنيفة على أصله يجرى (¬5) عنده من التلبية ما فى معناها من التسبيح والتهليل وذكر الله كما يجرى (¬6) ما فى معنى التكبير عنده فى الإحرام مما فيه التعظيم لله. [وقوله: " إن تلبية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": ظاهره التى كان يواظب عليها ويقولها؛ فلهذا استحب العلماء المجىء بها بلفظها ثم يقول بعد أمر الذكر والدعاء والثناء ما شاء، فإن أهل بما فى معناها من التسبيح والتهليل لم يكن عليه بذلك دم، بخلاف تارك كل ذلك عندنا] (¬7). قال الإمام: وهو مصدر ثنى (¬8) للتكثير والمبالغة، ومعناه: إجابة [لك] (¬9) بعد إجابة، ولزوماً لطاعتك فتلبيته للتأكيد لا تثنية حقيقية بمنزلة قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ ¬

_ (¬1) المغنى لابن قدامة 5/ 101، الاستذكار 11/ 96، المنتقى للباجى 2/ 211. (¬2) الحاوى 4/ 88، 89. (¬3) ساقطة من الأصل، ومثبتة من س. (¬4) المنتقى للباجى 2/ 211. (¬5) و (¬6) فى س: يجزى. (¬7) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬8) فى س: مثنى (¬9) ساقطة من الأصل، ومثبتة من ع، هامش س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَبْسُوطَتَان} (¬1) أى نعمتاه على تأويل اليد [ها] (¬2) هنا بالنعمة، ونعم الله تعالى لا تحصى، ويونس بن حبيب من أهل البصرة، فذهب فى لبيك إلى أنه اسم مفرد وليس بمثنى، وأن ألفهُ إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير (¬3) على حد " لدى "، وعلى مذهب (¬4) سيبويه أنه مثنى بدليل قلبها ياء مع المضمر، وأكثر الناس على ما ذهب إليه سيبويه. قال ابن الأنبارى: ثنوا " لبيك " كما ثنوا " حنانيك "، أى تحنناً بعد تحنن. وأصل لبيك: لببيك، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءات فأبدلوا من الثالثة ياء، كما قالوا من الظن: تظنْيت والأصل تظننت، قال الشاعر: يذهب بى فى الشعر كل فِنّ ... حتى يرد عَنّى التَظَنى واختلفوا فى معنى " لبيك " واشتقاقها، كما اختلف فى صيغتيها، فقيل: معنى لبيك اتجاهى وقصدى إليك، مأخوذ من قولهم: دارى تلب دارك، أى تواجهها. وقيل: معناها: محبتى لك [مأخوذ] (¬5) من قولهم: امرأة لبَّة: إذا كانت مُحبةً لولدها عاطفة عليه. وقيل: معناها إخلاصى لك، مأخوذ من قولهم: حبٌّ لبابٌ: إذا كان خالصاً محضاً، ومن ذلك: لبُّ الطعام ولبابُه. وقيل: معناها: أنا مقيم على طاعتك وإجابتك، مأخوذ من قولهم: قد لبَّ الرجل بالمكان وألبَّ: إذا أقام فيه ولزمه. قال ابن الأنبارى: وإلى هذا المعنى كان يذهب الخليل والأحمر. قال القاضى: قيل: هذه الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَج} (¬6)، وقال الحربى فى معنى " لبيك " أيضاً: [أى] (¬7) قرباً منك وطاعةً. والألباب: القرب، قيل (¬8): وقال أبو نضر: معناه أنا ملب بين يدك، أى مختضع. قال الإمام: وقوله: " إن الحمد والنعمة لك " يروى بكسر الهمزة من " إنّ " وفتحها. [قال الخطابى: الفتح رواية العامة] (¬9). قال ثعلب: الاختيار كسر " إن " وهو أجود معنى من الفتح؛ لأن الذى يكسر يذهب إلى أن المعنى (¬10): إن الحمد والنعمة لك على كل حال، والذى يفتحها يذهب إلى أن معنى لبيك: [لأن الحمد لك أى لبيك] (¬11) لهذا السبب، ويجوز: والنعمة لك، على الابتداء [بالرفع] (¬12)، والخبر محذوف تقديره: إن الحمد لك. قال ابن الأنبارى: وإن شت جعلت خبر " إن " محذوفاً. قال القاضى: قال ثعلب: فمن فتح خص، ومن كسر عمّ. ¬

_ (¬1) المائدة: 64. (¬2) من ع. (¬3) فى س: بالمضمر. (¬4) قيد قبلها " و " فى نسخ الإكمال، والمثبت من ع. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬6) الحج: 27. (¬7) ساقطة من س. (¬8) فى س: قال. (¬9) سقط من ع. (¬10) فى س: معنى. (¬11) من س. (¬12) من هامش س.

قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالعَمَلُ. 20 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ، وَحمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِه رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِى الحُلَيْفَةِ أَهَلَّ، فَقَالَ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنَّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ لا شرِيكَ لَكَ ". قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: هَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَزِيدُ مَعَ هَذَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالعَمَلُ. (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيَّةَ مِنْ فِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وسعديك " إعرابها وتثنيتها مثل ما تقدم من لبيك، ومعناها: ساعدت طاعتك يا رب مساعدة بعد مساعدة. وقوله: والخير [بيديك] (¬1) أى الخير كله بيد الله. قال الإمام: " وقوله: والرغباء إليك [والعمل] (¬2) " يُروى بفتح الراء والمدّ، وبضم الراء والقصر، ونظيره: العليا والعلياء، والنعمى والنعماء. قال القاضى: وحكى أبو على القالى فى ذلك - أيضاً - الفتح والقصر مثل سكرى، ومعناه [هنا] (¬3): الطلب والمسألة، أى الرغبة إلى من بيده الخير، وهو المقصود بالعمل الحقيقى بالعبادة. وقول ابن عمر: " تلقفت التلبية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بالفاء، قال الإمام: أى أخذتها بسُرعةٍ، ويروى: " تلقنت " بالنون. ¬

_ (¬1): (¬3) ساقطة من س.

(21) - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: فَإِنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِى عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنَّعْمَةَ لَكَ، وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ " لا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ. وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِى الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ الحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يُهِلُّ بِإِهْلالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ. وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِى يَدَيْكَ لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالعَمَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: بالفاء رواية الكافة، وقد رويناها " تلقيت " بالياء من طريق السجزى، ومعانيها متقاربة. وقوله: أنه - عليه السلام - كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذى الحليفة أهلّ: " فقال: لبيك ": الإهلال رفع الصوت بالتلبية عند الدخول فى الإحرام، ومنه استهل الصبى: إذا صاح، ومنه: {ومَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِه} (¬1): أى رُفِعَ الصوت فيه بغير اسم الله، قالوا: وإنما سمى الهلال لرفع الناس أصواتهم عند رؤيته. وقوله: " كان - عليه السلام - يركع بذى الحليفة ركعتين، فإذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذى الحليفة أهلّ ": الركعتان قبل الإحرام مشروعة وسنة [فى] (¬2) الإحرام عند الكافة، أن يكون بإثر صلاة، واستحب مالك [أن يكون بإثر] (¬3) صلاة ركعتى (¬4) نفلٍ فأكثر، كما جاء عنه - عليه السلام - واستحب الحسنُ إثر صلاة فرض، لأنه روى أن هاتين الركعتين [اللتين] (¬5) صلى - عليه السلام - كانتا (¬6) صلاة الصبح، والأول أظهر، فإن أهَلَّ إثر صلاة فرض أجزأه عند مالكٍ وغيره، ولا دم عليه إن أحرم بغير إثر صلاة. وقوله هنا: " إذا استوت الناقة "، وقوله فى الحديث الآخر: " حين استوت به ¬

_ (¬1) المائدة: 3. (¬2) من س. (¬3) سقط من س. (¬4) انظر: الاستذكار 11/ 94. (¬5) فى هامش س. (¬6) فى الأصل: كانت، والمثبت من س.

22 - (1185) وحدَّثنى عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اليَمَامِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - يَعْنِى ابْنَ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ المُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْلَكُمْ! قَدْ. قَدْ " فَيَقُولُونَ: إِلا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلكُهُ وَمَا مَلَكَ. يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطوفُونَ بِالبَيْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ راحلته "، وقوله فى الرواية الأخرى: " حتى (¬1) تنبعث به ناقته " متفق (¬2) لأن قيامها به هو انبعاثها، ولا تستوى به حتى تنبعث به، ولا يفهم منه أخذها فى المشى، وبيّنه قوله فى الحديث الآخر: " إذا وضع رجله فى الغرز وانبعثت به قائمة "، وبما جاء فى [هذا] (¬3) الحديث أخذ مالك، وأكثر العلماء (¬4) أن يهل إذا استوت به إن كان راكباً، ويتوجه بإثر ذلك، وإن كان راجلاً فحين يأخذ فى المشى، وقال الشافعى فى الراكب كذلك، وقال أبو حنيفة: إذا سَلّم من الصلاة أهل على ما جاء فى ذلك فى حديث ابن عباس (¬5): أنه أحرم من المسجد بعد أن صلى فيه، وأوجبه فى مجلسه. وفيه أن سُنةَ التلبية عند الأخذ فى الإحرام والشروع فى العمل، لا قبله وفى أثناء العمل، وقطعها حيث لا عمل من أعمال الحج، قالوا: وفيه الإهلال مستقبل القبلة؛ لأنها إجابة الداعى إبراهيم - عليه السلام - ولا تجيب أحداً مولياً ظهرك عنه. وقوله: " يُهل ملبداً " التلبيد: هو ضفر الرأس بالخطمى أو الصمغ، وشبه ذلك مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض، ويمنعه التمعط والتقمل، وفعله جائز، وهو مستحب فعله لمن يريد الحج أو العمرة قبل إحرامه. ¬

_ (¬1) فى س: حين. (¬2) فى س: متعين. (¬3) من س. (¬4) انظر: الاستذكار 11/ 601. (¬5) أبو داود، ك المناسك، ب فى وقت الإحرام 1/ 410.

(4) باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذى الحليفة

(4) باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذى الحليفة 23 - (1186) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ موسَى بْن عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ، بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِى تَكْذِبُونَ عَلَى رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا مِنْ عِنْدِ المَسْجِدِ - يَعْنِى ذَا الحُلَيْفَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " هذه البيداء التى تكذبون فيها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما أهل إلا من عند الشجرة (¬1) "، وفى الحديث الآخر: " [ما أحرم إلا من المسجد] (¬2) ": هذا - أيضاً - متفق وهو مسجد ذى الحليفة، وفيه كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل إهلاله، وذو الحليفة على ستة أميال، وقيل: سبعة من المدينة، والشجرة هناك، والبيداء هناك، كله قريبٌ [بعضه] (¬3) من بعض. قال الطحاوى: ويجمع بين ذلك ما جاء فى حديث ابن عباس: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صلى فى مسجد ذى الحليفة أهل بالحج، فسمع ذلك أقوام فحفظوا، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه قومٌ ولم يشهدوه أولاً - لأن الناس كانوا يأتون أرسالاً - فسمعوه يهل حينئذٍ، فلما وقف على شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فى المرتين فنقل كل واحدٍ ما سمع (¬4)، ولكن الحديث بإهلاله بعد ما استوت به ناقته أشهر وأصح، وفى حديث سعد بن أبى وقاص: كان - عليه السلام - إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استوت به راحلته، وإذا أخذ طريق أُحدٍ أهل إذا علا شرف البيداء (¬5). والبيداء كلها مُهل، لكن الأفضل من حيث أهل - عليه السلام. قال الإمام: البيداء: مفازة لا شىء فيها، وبين المسجدين أرض ملساء اسمها (¬6) البيداء، فأنكر ابن عمر على من يقول: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أحرم من البيداء، وهو يقول: إنما أحرم - عليه السلام - من المسجد. ¬

_ (¬1) فى س: المسجد. (¬2) فى س: ما أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند الشجرة. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬4) انظر: شرح معانى الآثار للإمام الطحاوى، حيث نقل القاضى - رحمه الله - الكلام، واختصره اختصاراً 2/ 123. (¬5) أبو داود، ك الحج، ب فى وقت الإحرام 1/ 410، 411. (¬6) فى س: تسمى.

24 - (...) وحدَّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - إِذَا قِيلَ لَهُ: الإِحْرَامُ مِنَ البَيْدَاءِ، قَالَ: البَيْدَاءُ الَّتِى تَكْذِبُونَ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا مِنْ عِنْد الشَّجَرِةِ، حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: معنى قوله: " بين المسجدين ": أى مكة والمدينة، كذا بينه الناس، وكذلك هو، وهذه البيداء هو الشرف الذى أمام ذى الحليفة، وهى أقرب إلى مكة من ذى الحليفة، وكل مفازة بيداء، وجمعها بيد.

(5) باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة

(5) باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة 25 - (1187) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ المَقْبُرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ؛ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا. قَالَ: مَا هُنَّ يَا بْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لا تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلا اليَمَانِييْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النَّعَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن جريج لابن عمر: " رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها "، قال الإمام: وقوله: " تكذبون فيها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": محمول أنه أراد أن ذلك وقع منهم على جهة السهو، ولا يظن به أنه كان ينسب إلى الصحابة [تعمد] (¬1) الكذب الذى لا يحل. وقوله: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك. فيقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدٍ قَدٍ " (¬2) أى كفاكم هذا الكلام الصحيح المستقيم الحق، إنكاراً لما كانوا يُذيلون به قولهم هذا من قولهم: " إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك " فعند قوله: " قَدْ قَدْ " تم كلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رجع فى الحديث إلى حكاية كلام الكفار الذى (¬3) حكيناه، وفيه إن لم يُبَين هكذا تلفيق فى الأم لمن لم يعلم، ومعنى " قَدٍ قَدٍ ": كفى كفى، مثل قط قط، تقال بكسر الدال فيهما وسكونها. [وذكر (¬4)] لمس الركنين اليمانيين، ولبس النعال السبتية ... الحديث، قال الإمام: يحتمل أن يريد لا يصنعها غيرك مجتمعة، وإن كان يصنع بعضها، ثم سمّى له علة فعله فى الثلاث، وأنه رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك، ويحتمل [أنه] (¬5) - عليه السلام - إنما خصّ هذين الركنين بأنهما على قواعد إبراهيم - عليه السلام - وترك الآخرين لما قصرا عن قواعد إبراهيم. قال القاضى: على هذا اتفاق أئمة الأمصار والفقهاء، وإنما كان الخلاف فى ذلك قديماً من بعض الصحابة والتابعين. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) الحديث تقدم فى الباب السابق رقم (22). (¬3) فى س: بالذى. (¬4) من س. (¬5) فى ع: أن يكون.

السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الهِلالَ، وَلَمْ تُهْلِلْ أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الأَرْكَانُ، فَإِنِّى لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلا الْيَمَانِيَيْنِ. وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ، فَإِنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِى لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنَّ أَلْبَسَهَا. وَأَمَّا الصُّفْرَةُ؛ فَإِنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبَغَ بِهَا. وَأَمَّا الإِهْلالُ، فَإِنِّى لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلتُهُ. 26 - (...) حدَّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أَبُو صَخْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وأما قوله: " رأيْتُك تَصْبُغُ بالصفرة ": فقيل: المراد به صباغ الشعر، وقيل: صباغ الثوب، والأشبه أن يكون صبغ الثياب، لأنه أخبر أنه إنما (¬1) صبغ اقتداء بالنبى - عليه السلام -[وهو - عليه السلام] (¬2) - لم يذكر عنه أنه صبغ -[عليه السلام] (¬3) - شعره. قال القاضى: هذا أظهر الوجهين وأصحهما، وإلا فقد جاءت آثار فى حديث ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته، واحتجاجه بأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصفر لحيته بالورس والزعفران، ذكره أبو داود (¬4). وذكر - أيضاً - فى حديث آخر احتجاجه بأن النبى - عليه السلام - كان يصبغ بها ثيابَهُ حتى عمامته (¬5). قال الإمام: وأما إجابته له عن تأخير إهلاله إلى يوم التروية بأنه لم ير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهل حتى تنبعث به راحلته، فإنه أجابه بضرب من القياس لما لم يتمكن له من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك الشىء بعينه ما تمكن فى غيره مما سماه له، ووجه هذا القياس: أنه لما رآه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أهل عند الشروع فى الفعل أخر [هو أيضاً] (¬6) الإهلالَ إلى يوم التروية، [الذى] (¬7) يبتدئ فيه بأعمال الحج، من الخروج إلى منى وغير ذلك. وأما وجه اختيار غيره من العلماء لمن أحرم من مكة أن يهل من أول العشر، فان ذلك ليحصل للمحرم (¬8) من الشعث ما يساوى فيه من أحرم من المواقيت. ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: الذى والمثبت من ع. (¬2) من ع. (¬3) سقط من ع. (¬4) أبو داود، ك الترجل، ب ما جاء فى خضاب الصفرة 2/ 404. (¬5) أبو داود، ك اللباس، ب فى المصبوغ بالصفرة 2/ 374. (¬6) فى ع: أيضاً هو. (¬7) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬8) فى س: للمحرمين.

عَنِ ابْنِ قُسِيْط، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - بَيْنَ حَج وَعُمْرَةٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ مَرَّةً. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكَ أَرْبَعَ خِصَالٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، بِهَذَا المَعْنَى إِلا فِى قِصَّةِ الإِهْلالِ فَإِنَّهُ خَالَفَ رِوَايَةَ المَقْبُرِىِّ. فَذَكَرَهُ بِمِعْنَى سِوَى ذِكْرِهِ إِيَّاهُ. 27 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى -[رحمه الله] (¬1) -: اختلف اختيار [العلماء] (¬2) والسلف فى ذلك، والقولان عند مالك، وحمل شيوخنا رواية الاستحباب أن يهل يوم التروية من كان خارجاً من مكة، ورواية استحباب الإهلال (¬3) لأول الشهر لمن كان داخل مكة، وهو قول أكثر الصحابة والعلماء. قال الإمام: وقوله: " النعال السبتية ": قال الأزهرى: إنما سميت بذلك؛ لأن شعرها قد سُبت عنها، أى حلق وأزيل، يقال: سبت (¬4) رأسه: إذا حلقه. قال الهروى: وقيل: سميت سبتية؛ لأنها إن سبتت بالدباغ، أى لانت، يقال: رطبة مُنسِبتَة، أى لينة، قال: والسبت جلد البقر المدبوغ بالقَرظ. قال القاضى: قال الشيبانى: السبت كل جلد مدبوغ، وقال أبو زيد: السبت جلود البقر مَدبوغَة كانتَ أو لا، وقيل: السبت ذراع (¬5) من الدباغ يقلع الشعر، وقال ابن وهب: النعال السبتية كانت سوداً لا شعر فيها، وعلى هذا تدل حجة ابن عمر لقوله: " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يلبس النعال التى ليس فيها شعر "، وهذا لا يخالف ما تقدم، فقد تكون مدبوغة بالقرظ ولا شعر فيها وسوداء (¬6)، فإن ما يُدبغ منه ما يبقى فيه شعرة، ومنه ما يُنزع، وكانت عادة العرب لباس النعال بشعرها غير مدبوغة، وإنما يلبس المدبوغة مما كان يعمل بالطائف وغيره أهل الرفاهية، كما قال شاعرهم: يحذى نعال السبت ليس [بتوأم] (¬7). والسين فى جميع هذه الكلمات مكسورة، والأصح [عندى] (¬8) أن يكون اشتقاقها ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى هامش الأصل. (¬3) فى س: الاستهلال. (¬4) في س: أسبت. (¬5) فى س: ذرع. (¬6) فى س: وسود. (¬7) فى النسختين: يتوم، والمثبت من الهروى، والمذكور عجز بيت لعنترة، وصدره: بطلٌ كأن ثيابه فى سرحه (¬8) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِى الغَرْزِ، وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً، أَهَلَّ مِنْ ذِى الحُلَيْفَةِ. 28 - (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً. 29 - (...) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ بِذِى الحُلَيْفَةِ. ثُمَّ يُهِلُّ حِينَ تَسْتَوِى بِهِ قَائِمَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإضافتها إلى السبت، الذى هو الجلد المدبوغ، أو لدباغه بكسر السين فى نسبتها، ولو كانت من السِبْت الذى هو الحلقُ - كما قال الأزهرى وغيره - كان سَبَتيةً بالفتح، ولم يروها أحد فى هذا الحديث ولا غيره ولا فى الشعر فيما علمته إلا بالكسر. قال الإمام: وقوله: " إذا وضع رجله فى الغرز ": هو ركاب الناقة.

(6) باب الصلاة فى مسجد ذى الحليفة

(6) باب الصلاة فى مسجد ذى الحليفة 30 - (1188) وحدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى - قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنِ عَبْد اللهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: بَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِى الحُلَيْفَةِ مبدَأَهُ، وَصَلَّى فِى مَسْجِدِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذى الحليفة مُبدأه وصلى فى مسجدها ": ليس المبيت بها من السُنن، ولا من حدود الحج، لكن من فعله تأسياً بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسنٌ. وقوله: " مبدأه " بضم الميم وفتحها وسكون الباء [أى] (¬1) ابتدأ حجَّه. ¬

_ (¬1) ساقطة من س.

(7) باب الطيب للمحرم عند الإحرام

(7) باب الطيب للمحرم عند الإحرام 31 - (1189) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ. 32 - (...) وحدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيدِى لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ. 33 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عبدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " كنت أطيَّبه لِحلِّهِ ولحرمه ": الحرم: الإحرام بالحج. قال القاضى: ضبطناه بالوجهين هنا، والضَّمُ أكثر، وبالضم وحده ضبطناه فى كتاب الهروى [فى] (¬1) هذا الحديث على شيخنا أبى الحسين وفسره بالإحرام (¬2)، وأنكر ثابت فى دلائله ضم المحدثين له، وقال: الصواب الكسر، كما يقال (¬3): لحله، وكما فى هذا الحديث. وقرئ: " وحِرْمٌ عَلَى قَرْية " (¬4) بالكسر. وهذا الحديث مما يحتج به المخالفُ فى جواز تطيب المحرم لإحرامه، واستدامته، وإنما يمنع (¬5) مما يستأنفه بعد الإحرام، وهو قول الشافعى وأبى حنيفة والثورى وفقهاء أصحاب الحديث، وجماعة من الصحابة والتابعين (¬6). وخالفهم جماعة أخرى من الصحابة ¬

_ (¬1) فى س: وفى. (¬2) والمحرم الداخل فى الشهر الحرام. غريب الحديث 4/ 7. (¬3) فى س: يقول. (¬4) الأنبياء: 95. والقراءة المذكورة هى لحمزة والكسائى وأبى بكر، وهى مروية عن على وابن مسعود وابن عباس - رضى الله عنهم. حجة القراءات 470، تفسير القرطبى 11/ 340. (¬5) فى س: منع. (¬6) مثل سعد بن أبى وقاص، وابن عباس، وأبى سعيد الخدرى، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر، وعائشة، وأم حبيبة من الصحابة. ومن التابعين: عروة، وجابر بن محمد، والشعبى، والنخعى، وخارجة بن زيد، ومحمد بن الحنفية. الاستذكار 11/ 61.

34 - (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ القَاسِمَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِلِّهِ وَلِحُرْمِهِ. 35 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ - أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالقَاسِمَ يخْبرَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِى بِذَرِيرَةٍ - فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ - لَلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ. 36 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَن ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: بِأَىِّ شَىْءٍ طَيَّبْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُرْمِهِ؟ قَالَتْ: بِأَطْيَبِ الطِّيبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والتابعين (¬1)، ومالك والزهرى ومحمد بن الحسن فمنعوه، واحتجوا بحديث لابس الجُبة المتطيب المتقدم، وتأوَّلَ من قال بهذا حديث عائشة: أَنَّه طيبٌ لا يبقى له ريحٌ [أو أنه] (¬2) أذهبه غسل الإحرام، ويعضد هذا التأويل الآخر ما ذكره مسلم فى الحديث بعد: " طيبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا "، فقد ظهرت عِلَّة تطييبه إنما كانت لمباشرة نسائه، وأن غسله بعد ذلك منهن، وغسله للإحرام أذهبه، لاسيما وقد ذُكر عنه أنه كان يتطهر من كل واحدةٍ قبل مواقعة الأخرى، فأى طيب يبقى بعد أغسال كثيرة؟ ويكون قولها: " ثم أصبح ينضَخُ طيباً " بالخاء المعجمة، أى قبل غسلهِ وإحرامه، وقد جاء فى رواية شعبة فى هذا: " ثم يصبح (¬3) محرماً ينضخ طيباً "، أى يصبح بنية الإحرام، أو يكون فيه تقديم وتأخير، أى فطاف على نسائه ينضخُ طيباً ثم يصبح محرماً، وقد ثبت أن الطيب الذى طيبته به فى كتاب مسلم أَنَّه " ذريرة " وهى مما يُذهبها الغسل، ولا يبقى ريحُها بعده. وقولها: " بأطيب الطيب "، و " بأطيب ما أجد ". وبقولها (¬4): [وفيه مسك] (¬5) وهى الذريرة التى ذكرت والله أعلم، كانت مُمَسَّكَةً. ¬

_ (¬1) فمن الصحابة: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو. ومن التابعين: عطاء، وسالم بن عبد الله، والزهرى، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين. السابق 11/ 58. (¬2) فى س: وأنه. (¬3) جاء فى س: ثم أصبح. (¬4) فى س: وقولها. (¬5) فى س: أو فيه مسك.

37 - (...) وحدَّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَأَطْيَبِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، ثُمَّ يُحْرِمُ. 38 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، عَنْ أَبِى الرِّجَالِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، بِأَطْيَبِ مَا وَجَدْتُ. 39 - (1190) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَخَلَفُ ابْنُ هِشَامٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيْبِ فِى مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَلَمْ يَقُلْ خَلَفٌ: وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: وَذَاكَ طِيبُ إِحْرَامِهِ. 40 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمِشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه جواز استعمال المسك والتطيب به وطهارته، وقد ذكر بعضهم الإجماع عليه (¬1). وقد جاء فيه عن بعض السلف خلاف ما ذكرناه فى غير هذا الموضع مع تمام المسألة فيه (¬2). وكل هذا يرد قول من تأول الحديث أنه من طيبٍ لا ريح له. وأما قولها فى الأحاديث الأخر: " كأنى أنظر إلى وبيص الطيب فى مفارق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم " لا امتراء أن جسم الطيب وريحَه يذهبه الغسل للإحرام، ويبقى أثر دهنه فى الشعر، وقد بينته بقولها فى الرواية الأخرى: " ثم أرى وبيص الدهن فى رأسه ولحيته بعد ذلك " وبقية أثر الدهن وزينيَّة (¬3) الطيب بعد ذهاب ريحه لا حكم لها، ولا ¬

_ (¬1) الحكم التكليفى فى المسألة أن الأصل فيها سنية التطيب، ويختلف الحكم بحسب الأحوال، فالتطيب للرجل غيره للمرأة، فهو للرجل مستحب فيما يظهر ريحه ويخفى لونه. وهو للمرأة فى غير بيتها بما يظهر لونه ويخفى ريحه؛ لما أخرجه الترمذى والنسائى من حديث أبى هريرة: " طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفى لونه، وطيب النساء ما خفى ريحه وظهر لونه " راجع: الموسوعة الفقهية 12/ 174. (¬2) راجع: ك الجمعة، ب الطيب والسواك يوم الجمعة. (¬3) فى س: ورؤية.

الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِى مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُهِلُّ. 41 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِى مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُلَبِّى. (...) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ. وَعَنْ مُسْلِمِ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَكَأَنِّى أَنْظُرُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. 42 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَت: كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيب فِى مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ. 43 - (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: قَالَتْ: إِنْ كُنْتُ لأَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِى مَفَارِقَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ. 44 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ - وَهُوَ السَّلُولِىُّ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ - وَهُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ السَّبِيعِىُّ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، سَمِعَ ابْنَ الأَسْوَدِ يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على المحرم شىء إذا تدهن قبل إحرامه وإن بقى الدهن عليه باتفاقٍ، ما لم يكن مطيباً. واختلفوا فى استعمال الحاجِّ الدهن غير المطيب، فمنعه مالك وأجازه الليث وابن حبيب، و [قيل] (¬1): قد يكون الطيب مما اختص به - عليه السلام -[للقائه (¬2) الملائكة؛ ولأن الطيب إنما مُنعَهُ المحرمُ؛ لأنه من دواعى الجماع، والنبى - عليه السلام] (¬3) بِخلاف غيرِه لملكة إربه. والوَبيصُ: البريق. ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: للقاء. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الدُّهْنِ فِى رَأْسِهِ وَلِحَيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. 45 - (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ المِسْكِ فِى مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ. (...) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 46 - (1191) وحدَّثنى أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ. 47 - (1192) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو كَامِلٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ الرَّجُلِ يَتَطَيَّبُ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا؟ فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا، لأَن أَطَّلِى بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَىّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَة - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - فَأَخْبَرْتُهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا، لأَنْ أَطَّلِىَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ طَافَ فِى نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. 48 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبُ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْن المُنْتَشِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبى يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " ينضخ طيباً ": أى يفور، ومنه: {عَيْنَانِ نَضَّاخَتَان} (¬1) وعلى هذا تتخرج ¬

_ (¬1) الرحمن: 66.

49 - (...) وحدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: لأَنْ أُصْبِحَ مُطَّلِيًا بِقَطِرانٍ، أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنَّ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - فَأَخْبَرْتُهَا بِقَوْلِهِ. فَقَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ فِى نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية العذرى: " ينضخ بالطيب "، وقيل: النضخ كاللطخ، وقيل: النضخ ما يبقى له أثر، وقيل: النضخ دون النضح، وقيل بعكسه، وهذا أكثر وأشهر، واختلف أصحابنا فى تأويل المذهب فى استعمال الطيب قبل الإحرام، فحكى القاضى أبو الحسن أنه على الكراهة، ونحوه لابن عبد الحكم. واختلفوا هل عليه دم أم لا؟ وقولها: " ولحِلِّه ": فأما بعد تمام النسك، والحِلاق وطواف الإفاضة، وتمام عمل الحج فلا خلاف فيه ولا كراهة، وهذا يأتى على قولها فى بعض الأحاديث: " لحله " وأما على أكثر الروايات: " ولحلِّه قبل أن يفيض "، وإنما يكون بعد رمى جمرة العقبة، فكرهه مالك ولم ير عليه دماً، وعامة العلماء على جواز ذلك حينئذ، وحجتهم هذا الحديث. وقوله: " لحله قبل أن يفيض ": دليل على أنه حِلّ، ولا خلاف أنه أحدُ الحلين وأنه حل من كل ما حرم على الحج إلا النساء، فأجمع أنهن غير حل له حتى يطوف. واختلف فى الطيب والصيد، فعامة العلماء على إباحة ذلك [له] (¬1)، ومالك يمنع منهما. ¬

_ (¬1) من س، ويعنى به من تحلل التحلل الأول.

(8) باب تحريم الصيد للمحرم

(8) باب تحريم الصيد للمحرم 50 - (1193) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِىِّ؛ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ - أَوْ بِوَدَّانَ - فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَلَمَّا أَنْ رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِى وَجْهِى، قَالَ: " إِنَّا لَمْ نَرُدُّهُ عَلَيْكَ، إِلا أَنَا حُرُمٌ ". 51 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيْبَةُ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ ابْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمِيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، أَهْدَيْتُ لَهُ حِمَارَ وَحْشٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. وَفِى حَدِيثِ اللَّيْثِ وَصَالِحٍ: أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَخْبَرَهُ. 52 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: أَهْدَيْتُ لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث الصَّعْبِ بن جَثَّامَة: " أنه أهدى للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمارَ وحْشٍ وهو مُحرمٌ فرده عليه "، قال الإمام: بوّب البخارى على هذا الحديث (¬1) ما دل على أنه تأول أنَّ الحمار كان حياً، فعلى هذا يكون فيه حجة على أن المحرم يرسل ما كان بيده من صيد، وفيه أيضاً أن الهبة لا تدخل فى ملك الموهوب إلا بالقبول [لها] (¬2)، وأن قدرته على ملكها لا تصيره مالكاً لها، وفيه إشارة إلى صحة القول بان من وهب لرجل أو أوصى له بمن (¬3) يعتق عليه أنه لا يعتق عليه حتى يَقبله، وأنه لا يدخل فى ملكه قبل قبوله إياه وفيه تقوية لأحد القولين أن من اشترى إياه بالخيار لم يُعتق عليه؛ لأنه لم يجعله لقدرته على أن يملك بالقبول مالكاً، ¬

_ (¬1) البخارى، ك الهبة، ب قبول هَدية الصيد 3/ 203. (¬2) من ع. (¬3) فى س: بأن، والمثبت من الأصل، ع.

53 - (1194) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: " لَوْلا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وانظر هل يصح أن يحمل [على هذا] (¬1) أن الهبة تدخل فى الملك من قبل أن تقبلها فيكون إنما لم يُرسل الحمار لأنه لم يكن فى يد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأشبه من أحرم وفى نيته صيدٌ. فيقال: لا (¬2) يصح هذا؛ لأنه - عليه السلام - لو ملك الحمار لم يردَّه عليه فيكون قد عرَّض به للقتل، ولو أن محرماً فى نيته صيدٌ لم يبتغ أن يهبه فى حال الإحرام لمن يستبيح ذبحه، فيكون كمن عرّض بصيد للقتل. وقد اختلف مالك والشافعى فيمن أحرم وفى نيته صيد، هل يرسله أم لا؟ وسبب الخلاف بينهما قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬3)، هل المراد بالصيد ها هنا الاصطياد، فلا يجبُ أن يرسل ما فى البيت من صيد؟ أو المصيد نفسه الذى هو الصيد فيرسله وإن كان يقدم اصطياده له قبل الإحرام؟ وفى بعض طرق حديث الصعب بن جثامة ما يقدح فى تأويل من تأول الحديث على أن الحمار حىّ، وهو قوله فيه: " رجْلُ حمارٍ "، [وفى طريق آخر: " عجز حمار وحشى يقطر دماً، وفى طريق آخر: " شق حمار] (¬4)، وفى رواية زيد بن أرقم: أهدى للنبى - عليه السلام - عضو من لحم صيدٍ فردَّه. وقال: " إنّا لا نأكله، إِنَّا حرمٌ " وبهذه الروايات يحتج مَنْ يقول من الناس: إن المحرم لا يأكل لحم صيد وإن لم يصد من أجله، ويذكر ذلك عن على وابن عباس وابن عمر وتلا: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}، وحمل الصيد على المصيد، والحجة على هؤلاء حديث أبى قتادة المذكور بعد هذا وفيه: أنه - عليه السلام - أكل لحم الصيد، وأباحه لغيره من المحرمين ويمكن بناء حديث أبى قتادة مع حديث زيد على مذهب مالك، فيقال: امتنع من الأكل فى حديث زيد لأنه صيد من أجله، ولم يمتنع فى حديث أبى قتادة لأنه لم يصد من أجله، لكن قد يقدح فى هذا البناء أنه - عليه السلام - إنما علل امتناع أكله بأنه حرم، ولم يقل: إنه صيد من أجلى. ¬

_ (¬1) فى ع: هذا على. (¬2) فى س: فلا. (¬3) المائدة: 96. (¬4) وقع فى س تقديم وتأخير فى العبارات هكذا: وفى طريق: " شق حمار "، وفى آخر: " عجز حمار وحش يقطر دماً ".

54 - (...) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورًا يُحَدِّثُ عَنِ الحَكَمِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، جَمِيعًا عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا. فِى رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنِ الحَكَمِ: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ. وَفِى رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ: عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا. وَفِى رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ: أُهْدِىَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقُّ حِمَارِ وَحْشٍ فَرَدَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: إلى الجمع بين الأحاديث أشار القاضى إسماعيل، وأن حديث الصعب إما أن يكون حياً كما روى عن مالك وغيره، أو صيد من أجل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس اعتذاره بـ " إنا حرم " بالذى يقدح فى هذا التأويل، إذ لم يذكر فيه: من أجله، إذ ليس كل صَيْدٍ [صِيدَ] (¬1) من أجل أحد يحرم [على من يكون محرماً] (¬2). وقوله: فى بعض الروايات: " يقطر دماً ": يدل على قرب صيده، ويشعر أنه صيد من أجله، لكن يبقى (¬3) على هذا أن النبى - عليه السلام - قد تركه له، ولو كان صيد من أجله لم يحل له ولا لغيره على ما تقدم. وقال الأصيلى: إنما رد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمار الصعب، وقيل: حمار البهْزى (¬4)، وأمر بقسمته بين الرفاق؛ لأن البهزى كان رجلاً متكسباً بصيده فحمله - عليه السلام - على عادته لا من أجله، ورد حمار الصعب لظنه أنه صاده من أجله لتحققه [أنه] (¬5) بطريق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك إباحته حمار أبى قتادة لصيده إياه لنفسه وأصحابه المحلين. وأجمع المسلمون على تحريم الاصطياد لما يؤكل من حيوان البر على المحرم، فى الحرم كان أو خارجه، وأن عليه جزاءه، وأن أكلَهُ عليه حَرامٌ، وأنه لا يجوز له قبول الصيد إذا ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل. (¬2) فى الأصل: عليه حتى يكون محرماً، والمثبت من س. (¬3) فى الأصل: بقى، والمثبت من س. (¬4) الموطأ، ك الحج، ب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد 1/ 351 رقم (79)، والنسائى، ك الحج، ب ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد، الكبرى 2/ 369، أحمد فى المسند 3/ 453، البيهقى فى معرفة السنن والآثار 7/ 432 (10593). (¬5) من س.

55 - (1195) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهب له بعد إحرامه، ولا شراؤه، ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه وهو محرم. واختلف فى حكم صيد المحرم لغيره، وكافة العلماء على أن ما قتله المحرم من الصيد أو ذبحه خطأ أو عمداً أو ابتدأ أو عوداً فهو سواء فى الجزاء والإثم، إلا الخاطئ فلا إثم عليه، وأن الصيد فى كل هذا لا يؤكل وهو بمنزلة الميتة، وذهب الحسن وسفيان، وأبو ثور، والحكم فى آخرين أنه يؤكل بمنزلة ذبيحة السارق، وروى عن الشافعى، والأول أصح عنه، وقال قوم: هذا فى المتعمد، وأما الخاطئ فلا جزاء عليه؛ لقوله [تعالى] (¬1): {مُتَعَمِّدًا} (¬2)، وهو قول جماعة من السلف، وأبى ثور. وقال بعضهم: إن عاد المتعمد فلا جزاء عليه، وإثمه أعظم لقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْه}، وقال مجاهد مثله ممن تعمد ذاكراً لإحرامه. واختلفوا فيما صاده [الحلال، هل يأكل منه] (¬3) المحرم؟ فذهب مالك والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أن المحرم يأكل منه ما لم يُصَدْ من أجله، قال مالك وأصحابه: فإن صيد من أجله لم يأكله (¬4) هو ولا غيره فهو (¬5) كالميتة، قيل: وهذا فيما صيد له بعد إحرامه من أجله، وأما قبل أن يحرم فله أكله بعد اصطياده، كان من أجله أم لا، كما لو صاده (¬6) حينئذ، وكذا فسره مالك، وروى عن عطاء، وابن عباس نحوه، وقال جماعة من السلف وأهل الرأى: إن المحرم يأكل من كل الصيد إذا صاده الحلال أو ذبحه، وذهبت طائفة من السلف أن المحرم لا يأكل الصيد كله، وهو قول سفيان وإسحاق، وذكر نحوه عن مالك والليث، وقيل: إنما يحرم على المحرم المصيد له وحده دون غيره من محرم وحلال، وهو مذهب عثمان - رحمه اللهُ. وفى اعتذار النبى - عليه السلام - دليل على استجاز قبول هدية الصديق، وكراهة ردها لما يقع فى نفسه، ألا ترى تطييب النبى - عليه السلام - قلبه بذكره [له] (¬7) عند رده لهما، وجواز رد ما لا يجوز للمهدى إليه الانتفاع به؟! وقوله: " لم نَرُدَّه عليك ": كذا رواية المحدثين فى هذا الحرف بفتح الدال، ورده ¬

_ (¬1) من س. (¬2) يعنى آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُّتَعَمِّدًا} [المائدة: 95]. (¬3) سقط من س. (¬4) فى س: يأكل منه. (¬5) فى س: وهو. (¬6) فى س: اصطاده. (¬7) ساقطة من س.

قَدِمَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَذْكِرُهُ: كَيْفَ أَخْبَرْتَنِى عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أُهْدِىَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَرَامٌ؟ قَالَ: قَال: أُهْدِىَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ. فَقَالَ: " إِنَّا لا نَأْكُلُهُ، إِنَّا حُرُمٌ ". 56 - (1196) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالِحٍ بْنِ كَيْسَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِى قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالقَاحَةِ فَمِنَّا المُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ المُحْرِمِ، إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِى يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ، فَأَسْرَجْتُ فَرَسِى وَأَخْذْتُ رُمْحِى، ثُمَّ رَكِبْتُ، فَسَقَطَ مِنِّى سَوْطِى، فَقُلْتُ لأَصْحَابِى - وَكَانُوا مُحْرِمِينَ -: نَاوِلُونِى السَّوْطَ. فَقَالُوا: وَاللهِ، لا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَىْءٍ. فَنَزَلْتُ فَتَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، فَأَدْرَكْتُ الحِمَارَ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ وَرَاءَ أَكَمَةٍ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِى فَعَقَرْتُه، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِى. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ محققو شيوخنا من أهل العربية: " [لم] (¬1) نردُه " بضم الدال، وكذا وجدته بخط بعض الأشياخ - أيضاً - وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه فى مثل هذا من المضاعف، إذا دخلت الهاء أن يضم ما قبلها فى الأمر ونحوه من المجزوم، مراعاة للواو التى توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء؛ فكان ما قبلها ولى الواو، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضموماً، وهذا فى المذكر، وأما المؤنث مثل: لم نردها وأختها، فمفتوح الدال مراعاة للألف. قال الإمام: وفى حديث أبى قتادة أنهم قالوا له: لا نُعِينُك عليه، وسألهم - عليه السلام -: " هل أعانوه؟ ": وفى إطلاق المعونة حجة على أبى حنيفة الذى يرى أن المعونة لا تؤثر، إلا أن يكون الصيد لا يصح صيده دونها، وهذا الحديث هاهنا إنما ذكر فيه معونة مطلقة ولم يشترط، وذكر فيه أن بعضهم أكل من الصيد، وبعضهم لم يأكل، وأنه - عليه السلام - لم يَلُمْ أحداً منهم على ما فعل، وهو دليل على أن الاجتهاد فى مسائل الفروع يسوغ. قال القاضى: قيل: إنما جاز (¬2) بقاء أبى قتادة هاهنا غير محرم، أنه لم يكن وقت المواقيت بعدُ، وقيل: لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بعثه فى أصحابه لكشف عدو لهم لجهة الساحل ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: جاء فى.

لا تَأْكلُوهُ. وَكَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَنَا، فَحَرَّكْتُ فَرَسِى فَأَدْرَكْتُهُ. فَقَالَ: " هُوَ حَلالٌ، فَكُلُوهُ ". 57 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا. فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَنَالُوهُ سَوْطَهُ، فَأَبُوْا عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ، فَأَبُوْا عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى الحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَى بَعْضُهُمْ، فَأَدْرَكُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " إِنَّمَا هِىَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللهُ ". 58 - (...) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - فِى حِمَارِ الوَحْشِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِى النَّضْرِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَىْءٌ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ على ما ذكره مسلم، وقيل: لعله لم ينو معهم حجاً، وهذا بعيد، وقيل: بل أرسله أهل المدينة إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلموه أن بعض العرب تنوى غزو المدينة. والأبواء، بفتح الهمزة ممدود، قرية من أعمال الفُرْع، بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً. وَوَدَّان، بفتح الواو كذلك، بينهما نحو ثمانية أميال بقرب من الجحفة. والسقيا: قريةٌ جامعة هناك - أيضاً - بينها وبين الفرع مما يلى الجحفة سبعة عشر ميلاً. وتَعْهَن، بفتح التاء وكسرها وسكون العين، وروايتنا عن أكثرهم بالكسر، وكذا قيدها البكرى فى معجمه، وبلغنى عن أبى ذر أنه قال: سمعت العرب يقولها بضم التاء وفتح العين وكسر الهاء، وهى عين ماءٍ على ثلاثة أميال من السقيا. ومعنى " قائل السقيا ": أى يقبل بها. والقاحة، بالقاف والحاء المهملة مخففة، وادٍ على ميل من السقيا، وهو وادٍ القَبَاديد، على ثلاث مراحل من المدينة، كذا قيدها الناس بالقاف ورواها بعض الرواة عن البخارى بالفاء (¬1)، ولعله وَهمٌ، والصواب القاف. وغيقة، بالغين ¬

_ (¬1) البخارى، ك جزاء الصيد، ب لا يعين المحرم الحلال فى قتل الصيد 3/ 15 وهى قد جاءت بالقاف فى الصحيحة المطبوعة من البخارى. وقال ابن حجر: قال عياض: رواه الناس بالقاف، إلا القابس فضبطوه عنه بالفاء، وهو تصحيف. الفتح 4/ 34 ط. الريان.

59 - (...) وحدَّثنا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ السُّلَمِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى قَتَادَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبِى مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ، وَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَدُوا بِغِيْقَةَ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ، يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ. فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ، فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يَعِينُونِى، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، وَخَشَيْنَا أَنْ نُقْتَطَعَ. فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرَفِّعُ فَرَسِى - أَرْفَعُ فَرَسِى - شَأْوًا، وَأَسِيرُ شَأْوًا، فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ غِفَارٍ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ. فَقُلْتُ: أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا، فَلَحِقْتُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَصحَابَكَ يَقْرَؤُونَ عَلَيْكَ السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللهِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُوَنَكَ، انْتَظرْهُمْ، فَانْتَظَرَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَصَدْتُ وَمَعِى مِنْهُ فَاضِلَةٌ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَوْمِ: " كُلُوا " وَهُمْ مُحْرِمُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجمة المفتوحة وبالقاف وبينهما ياء باثنتين تحتها، موضع من بلاد (¬1) بنى غفار بين مكة والمدينة، وقيل: هو قليبُ ماء لبنى ثعلبة. وقوله: " فجعل يضحك بعضهم إلى بعض " ليس فيه دليل على إشارتهم إليه به، وجمهور العلماء على أنه [لا يجوز] (¬2) للمحرم أن يشير إلى الحلال بالصيد، ولا يدله عليه، وأجاز ذلك المزنى. وما جاء فى رواية العُذْرى: " فجعل بعضهم يضحك إلىَّ " خطأ وتصحيف، إنما سقط بعده [بعض] (¬3) على ما جاء فى سائر الروايات [و] (¬4) الأحاديث، ولو ضحكوا إليه لكانت أكبر إشارة، وقد سألهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الحديث: " هل منكم أحد أمره أو أشار إليه؟ "، قالوا: لا، قال: " فكلوا "، وإذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يؤكل. واختلف فى وجوب الجزاء على الدال، فقال مالك والشافعى وأبو ثور: لا شىء عليه، وقال الكوفيون، وأحمد وإسحاق، وجماعة من الصحابة والتابعين: عليه الجزاء. وكذلك اختلفوا إذا دل محرمٌ محرماً، فذهب الكوفيون، وأشهب من أصحابنا [إلى] (¬5) أن على واحد منهما جزاءٌ، وقال الشافعى ومالك وأبو ثور: الجزاء على المحرم القاتل وحده، ¬

_ (¬1) فى س: بلد. (¬2) سقط من س. (¬3) فى هامش الأصل. (¬4) ساقطة من س. (¬5) من س.

60 - (...) حدَّثنى أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًا، وَخَرَجْنَا مَعَهُ. قَالَ: فَصَرَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ. فَقَالَ: " خُذُوا سَاحِلَ البَحْرِ حَتَّى تَلْقَوْنِى ". قَالَ: فَأَخَذُوا سَاحِلَ البَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قِبَلَ رَسُولِ اللهِ، أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلا أَبَا قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمُ. فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا. قَالَ: فَقَالُوا: أَكَلْنَا لَحْمًا وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ. قَالَ: فَحَمَلُوا مَا بَقِىَ مِنْ لَحْمِ الأَتَانِ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا، وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، فَقُلْنَا: نَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟! فَحَمَلْنَا مَا بَقِىَ مِنْ لَحْمِهَا. فَقَالَ: " هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَىْءٍ؟ " قَالَ: قَالُوا: لا. قَالَ: " فَكُلُوا مَا بَقِىَ مِنْ لَحْمِهَا ". 61 - (...) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِى القَاسِم بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ شَيْبَانَ، جَمِيعًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَوْهِبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِى رِوَايَةِ شَيْبَانَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ " وَفِى رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَالَ: " أَشَرتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَدْتُمْ؟ ". قَالَ شُعْبَةُ: لا أَدْرِى قَالَ: " أَعَنْتُمْ " أَوْ " أَصَدْتُمْ ". 62 - (...) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك فى هذا كله مناولة السوط والرمح فيه من الخلاف مثل ما تقدم، وكذلك كل ما قل وكثر من المعونة [حكمها عند أصحابنا سواء، خلافاً لأبى حنيفة أنه لا يؤثر فيه إلا معونة] (¬1) تقدر (*) على الصيد إلا بها. ¬

_ (¬1) سقط من س. (*) قال معد الكتاب للشاملة: كذا في المطبوعة، ولعل صوابها: "لا تقدر" ليستقيم المعنى، والله أعلم.

حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - وَهُوَ ابْنُ سَلامٍ - أَخْبَرَنِى يَحْيَى، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَبَاهُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الحُدَيْبِيَةِ. قَالَ: فَأَهَلُّوا بِعُمْرَةٍ، غَيْرِى. قَالَ: فَاصْطَدْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، فَأَطَعَمْتُ أَصْحَابِى وَهُمْ مُحْرِمُونَ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْبَأَتُهُ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْ لَحْمِهِ فَاضِلَةً. فَقَالَ: " كُلُوهُ " وَهُمْ مُحْرِمُونَ. 63 - (...) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَأَبُو قَتَادَةَ مُحِلٌّ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَفيه: فَقَالَ: " هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَىْءٌ؟ ". قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ. قَالَ: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا. 64 - (...) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَإِسْحَاقُ عَنْ جَرِيرٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ. قَالَ: كَانَ أَبُو قَتَادَةَ فى نَفَرٍ مُحْرِمِينَ، وَأَبُو قَتَادَةَ مُحِلٌّ. وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ. وَفيه: قَالَ: " هَلْ أَشَارَ إِليهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَىْءٍ؟ " قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَكُلُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد أمره وأشار إليه؟ " قالوا: لا دليل واضح [فى] (¬1) أن للإشارة تأثيراً (¬2) فى الصيد والجزاء، وفسر شيوخنا هذه الإشارة المؤثرة والدلالة: أن يكون ليصطاد للمشير، والدال والكلام فى أكل ما كان بهذه السبيل كالكلام فيما ذبحه المحرم أو صاده. وقال الداودى في هذا الحديث: إن المحرم إذا ضحك ليفطن الحلال بالصيد لم يمنع من أكله، وهو نحو مما تقدم، وليس فى الحديث أنهم ضحكوا لينبهوه، ولعلهم إنما ضحكوا إعجاباً بتأتى هذا الصيد، وتأتى صائدة الحلال ولم يفطن له. وقوله: " هل معكم من لحمه شىء؟ " وأكله منه، وقوله لهم: " كلوه ": دليل واضح على جواز أكل المحرم ما صاده الحلال، إذا لم يُصَدْ من أجله، وقد تقدم الكلام فيه قبل. وقوله: " هل معكم من لحمه شىء؟ " وأكله منه: إنما فعل ذلك استطابة لنفوسهم لا على المسألة، وعندى أن ذلك ليبين لهم أكله، وجواز ذلك ابتداء؛ لأنه قال - لما قالوا: نعم -: " كلوه ". ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: تأثير.

65 - (1197) حدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَنَحْنُ حُرُمٌ، فَأُهْدِىَ لَهُ طَيْرٌ، وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ. فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ، وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ارفع إلى شأوا " الشأو (¬1): الطَّلَقُ والغاية، أى أجريته طلقاً وأرجته من الجرى أخر. وقوله: " هل أشرتم أو أعَنْتم أو أصدتم؟ ": كذا رويناه بتخفيف الصاد فى حديث شعبة فى اللفظ الأول، ومعناه: أمرتم بالصيد، أو جعلتم من يصيد، وقيل: معناه: أثرتم الصيد من موضعه، يقال: أصَدْتُهُ مخفف، أى أثرتُه، وهو أولى ممن رواه: " صدتم " أو " أصدتم؟ " بالشدِ؛ إذ قد علم - عليه السلام - أنهم لم يصيدوا، وإنما سألوه عن صيد غيرهم. وقوله: " فلما استيقظ طلحة وفَّق من أكله " قيل: معناه: وفقتُ، أى صوّب له ذلك، كذا ضبطنا اللفظة عن كافة شيوخنا، وغيْرها خطأ. وقوله: فى الرواية الأخرى: عن يحيى بن أبى كثير، عن [ابن] (¬2) أبى قتادة: انطلق أبى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية، وفى رواية ابن موهب عنه [عن أبيه] (¬3) فى الحديث: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [حاجاً] (¬4)، وخرجنا معه. ¬

_ (¬1) الشأو: ما خرج من تراب البئر بمثل المشآة. ويقال للرجل إذا ترك الشىء ونأى: تركه شأواً مُغَرِّباً. انظر: اللسان، مادة " شأو ". (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬3) و (¬4) من س.

(9) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب فى الحل والحرم

(9) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب فى الحلّ والحرم 66 - (1198) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدِ اللهِ بْنَ مِقْسَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَرْبَعٌ كُلَّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِى الحَلِّ وَالحَرَمِ: الحِدَأَةُ، وَالغُرَابُ، وَالفَارَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - فى حديث القاسم عن عائشة: " أربعٌ كُلهن فاسق (¬1) يُقتلن فى الحل والحرم: الحِدَأَة، والغراب، والفارة، والكلب العقور "، وفى حديث سعيد عنها: " خمس " وزاد " الحية "، وفى حديث عروة عنها: " خمس "، وقال: " العقرب " مكان " الحية " ومثله فى حديث ابن عمر وحفصة، وفى الرواية الأخرى عن ابن عمر زاد " الحية والعقرب " فجاءت ستة، وذكر فى حديث سعيد بن المسيب عن عائشة: " الغراب الأَبْقَعُ "، وفى غير كتاب مسلم (¬2) ذكر " الأفعى " فيها فهى سبعة، قال الإمام: مالك والشافعى يريان [أن] (¬3) التحريم يتعلق (¬4) بمعانى هذه الخمس دون أسمائها، وأنها إنما ذكرت لينبه بها على ما شاركها فى العلة، لكنهما اختلفا فى العلة ما هى؟ فقال الشافعى: العِلةُ أن لحومها لا تؤكل، وكذلك كل ما لا يؤكل لحمهُ من الصيد مثلها، ورأى مالك (¬5): أن العلة كونها مُضِرة، وأنه إنما ذكر الكلب العقور؛ لينبه به على ما يضر بالأبدان على جهة المواجهة والمغالبة، وذكر العقرب؛ لينبه به على ما يضر بالأجسام على جهة الاختلاس، وذكر الحدأة والغراب؛ للتنبيه على ما يضر بالأموال مُجاهرة وذكر الفأرة؛ للتنبيه على ما يضر بالأموال اختفاء. وقد اختلف فى المراد بقوله: " الكلب العقور "، فقيل: هو الكلب المألوف، وقيل: المراد به كل ما يفترس لأنه يسمى فى اللغة كلباً، ومذهب مالك أن ما لا يتبَدى جنسُه ¬

_ (¬1) فى س: فواسق. (¬2) انظر: مسند أحمد 3/ 80، وأبا داود، ك المناسك، ب ما يقتل المحرم من الدواب 1/ 428. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬4) فى س: متعلق. (¬5) انظر: الاستذكار 26/ 12.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالأذى كسباع الطير لا يقتل، إلا أن يخافه المرء على نفسه فتؤدى مدافعته إياها إلى قتلها فلا شىء عليه. وأما صغار ما يجوز قتله، فهل يقتل أم لا؟ فيه قولان، فعلى القول بأنها لا تقتل، فإن (¬1) قتلت هل على قاتلها جزاء؟ فيه قولان. قال القاضى: ومعنى تسميتها فواسق: أصل الفسق فى كلام العرب الخروج، وسمى الفاسق لخروجه عن أمر الله، وطريق طاعته، قيل: فسميت هذه لخروجها عن الحرمة التى لغيرهن وأن قتلهن للمحرم. وفى الحرم مُباحٌ، وهذان (¬2) الوجهان أولى ما قيل فيهما من قول الفَرَّاء: سُميت الفأرة بذلك لخروجها من جُحْرها، [وهو] (¬3) قول ابن قتيبة: سُمى الغراب بذلك لتخلفه عن نوح؛ إذ يسمى كل متخلف وكل خارج فاسقاً فى عرف الاستعمال، وكذلك قول من قال: سُميت بذلك من التحريم؛ لقوله تعالى بعد ذكر المحرمات: {ذَلِكُمْ فِسْق} (¬4)، ولقوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه} (¬5)؛ إذا ليس المراد هنا بالفسق مجرد الأكل، بل الأفعال المنهى عنها، ولا خلاف بين العلماء فى استعمال هذا الحديث والأخذ به، وجواز قتل ما ذكر فيه للمحرم، إلا شذوذاً يروى عن على ومجاهد: لا يُقتل الغراب، ولكن يرمى (¬6)، ولا يصح عن على. وروى فى ذلك حديث فيما يقتل المحرم، وفيه: " ويرمى الغراب ولا يقتله " (¬7)، وقالت طائفة أخرى: لا يقتل من الغربان إلا الأبقع، وهو الذى فى بطنه وظهره بياض، على ما جاء فى حديث سعيد عن عائشة. وحكى الباجى (¬8) عن النخعى: أنه لا يقتل المحرم الفأرة فإن قتلها فداها، وهذا خلافُ النص، وحكى الخطابى (¬9) عن مالك أنه لا يقتل الغراب الصغير، وتأول أنه نوع من الغربان تأكل الحب، وعندى أنه تحريف على مالك من قوله فى قتل صغارها، يعنى فراخها، فمالك وكثير من أصحابه يقولون: لا يقتلها المحرم حتى تكبر وتؤذى؛ لأن صغارها لا تؤذى. ولم يرد مالك بصغار الغربان جنساً دون جنس. واختلف العلماء هل المراد بما سمى فى الحديث أعيانها أم التنبيه على المعانى المتأذى به منها؟ فظاهر قول جمهورهم على أن المراد أعيانها لأمور اختصت بها وتسميتها فواسق، وهو ظاهر قول مالك وأبى حنيفة، قال مالك (¬10): لا يقتل المحرم الوزغ وإن قتله فداه، ولا يقتل خنزيراً، ولا قرداً مما لا ينطلق عليه اسم كلبٍ فى اللغة؛ إذ جعل الكلب صفة ¬

_ (¬1) فى س: إن. (¬2) فى الأصل: هذا، وما أثبتناه من س. (¬3) من س. (¬4) المائدة: 3. (¬5) الأنعام: 145. (¬6) ابن أبى شيبة 4/ 95. (¬7) أبو داود، ك المناسك، ب ما يقتل المحرم من الدواب 1/ 428. (¬8) انظر: المنتقى 2/ 262. (¬9) انظر: معالم السنن 2/ 361. (¬10) الاستذكار 12/ 35.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا اسماً. وهو قول كافة العلماء، وأنه لا يختص بالكلب نفسه، ولا من الطير ذوات المخالب سوى ما ذكر فى الحديث، وقال: إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خمس "، فليس لأحدٍ أن يجعلهن ستاً ولا سبعاً (¬1). ورأى أن لفظة الكلب لم يختص بالإنسىّ، وأنها تنطلق على كل عادٍ مفترس غالباً كالسباع والنمور والفهد والذئب، ووافقه أكثر العلماء على أنه لم يرد بالكلب المسمى به عرفاً، بل كل ما ينطلق عليه هذا الاسم فى السباع العادية المفترسة، وهو قول الثورى (¬2) وأحمد وابن عيينة، وزيد بن أسلم (¬3)، وإليه نحا الشافعى، وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بنُ صالح والأوزاعى: يقصر اسم الكلب على الكلب العرْفى، وقالوا: الذئب مثله، وحمل زفر الكلب (¬4) على الذئب وحده. وقيل: بل المراد بتعيين هذه الخمسة التنبيه على ما شابهها فى الأذى، وقاسوا سائر السباع على الكلب العقور، وسائر ما يتصدى للافتراس من السباع، وعلى الحدأة والغراب ما فى معناهما (¬5)، وإنما خص لقربهما من الناس، ولو وجد ذلك من الرخم (¬6) والنسور لكانت مثلها، وكذلك نبه بالفأرة على ما ضرره مثلها وأشدّ منها كالوزغ، وكذلك نبه بالعقرب على الزنبور (¬7)، وبالحية والأفعى على أشباهها من ذوات السموم والمهلكات، وإلى هذا نحا القاضى أبو الحسن بن القصار فى تفسير المذهب، وذهب الشافعى إلى أن التنبيه بذكر ما ذكر على تحريم أكلهن وجعله العلة فى كل ما يقتله المحرم، فيقتل عنده كل سبع، وكل ذى مخلبٍ من الطير كالنسور والرخم، وكذلك البازى، وكل ما ليس بصيد، ويقتل صغار كل ذلك عنده وكباره، ولا يقتل عنده الضبع والثعلب والهر لجواز أكلها عندهم، وكذلك لا يقتل عنده السِّمْع (¬8)، ولا يقتلها - أيضاً - عند مالك؛ لأنها ليست من المفترسة غالباً، ولا مما يُسَمى كلباً، ولا عند أبى حنيفة؛ لأنها ليست مما نص عليه. واتفقوا على أن كل سبع مما رأوا قتله ابتداء جائزاً (¬9)، أو مما لا يرى منهم أحد قتله أنه إذا ابتدأ المحرم وخافه أنه يقتله ولا فدية عليه، كما لو ساوره (¬10) ابن آدم، إلا زفر ¬

_ (¬1) قول مالك، انظر: التمهيد 15/ 163، وقد وهم الشيخ القلعجى فجعلها من قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهى ليست من قوله، بل من قول مالك. انظر: الاستذكار 12/ 37. (¬2) انظر: الاستذكار 12/ 28 - 30. (¬3) زيد بن أسلم العدوى، أبو أسامة الفقيه، مولى عمر، وثقه أحمد وغيره، توفى سنة 136 هـ. التهذيب 3/ 395. (¬4) انظر: الاستذكار 12/ 29. (¬5) فى س: معناها. (¬6) نوع من الطير، واحدته رخمة، وهو موصوف بالغدر والموق. وقبل: بالقذر، ويقال: الرخمة طائر أبقع على شكل النسر خلقة، إلا أنه مبقع بسواد وبياض. انظر: اللسان. (¬7) الزنبور: ضرب من الذباب لساع، وهو طائر يلسع، وهو الدَّبْرُ. انظر: اللسان. (¬8) السِّمعُ: هو سبع مركب، وهو ولد الذئب من الضبع. انظر: اللسان. (¬9) فى س: جائز. (¬10) فى الأصل: سافره، والمثبت من س.

قَالَ: فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ: أَفَرَأَيْتَ الحَيَّةَ؟ قَالَ: تُقْتَلُ بِصُغْرٍ لَهَا. 67 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فمن قتل عنده ما لا يباح (¬1) له قتله ابتداءً فداه، وإن صال عليه، ووقع لبعض أصحابنا فى سباع الطير غير الحدأة والغراب إذا قتلها المحرم الفدية، وإن ابتدأته، والمعروف خلافه، وروى عن مالك - أيضاً - فى الغراب والحدأة أنه لا يقتلها المحرم إلا أن تبتديه، والمشهور والظاهر من مذهبه خلافه كما تقدم، وروى عنه - أيضاً - فى الذئب أنه لا يقتله (¬2) المحرم ابتداءً، وكأنه ضعف عنده أمر افتراسه غالباً، والله أعلم. ولم يختلف فى قتل الحية والعقرب، ولا اختلف (¬3) فى قتل الحلال الوزغ فى الحرم. قال مالك: ولو تركت لكثرت، وشأن المحرم يسير، وقد خرج مسلم الأمر بقتلها آخر الكتاب (¬4). والحدأة، بكسر الحاء مهموز، والجمع حِدأٌ مقصور مهموز، وكذا (¬5) جاء فى بعض الروايات، وقد يكون مفرداً يراد به المذكر، وأما رواية " الحديا " فكذا جاء هنا مقصوراً. قال ثابت: وصوابه الهمز على معنى التذكير، وإلا فحقيقته الحدياةُ (¬6)، وكذا قيده الأصيلى فى صحيح البخارى فى موضع (¬7) أو " الحدية " على التسهيل والإدغام. وقوله [فى] (¬8) الحية: " تقتل بصُغر لها ": أى بمذلةٍ وقهرٍ، كما قال: {وَهُمْ صَاغِرُون} (¬9)، ومن رواه " صُغْر لها " [بضم الصاد وإسكان الغين ضبطه فى المشارق] (¬10)، فمعناه: أى ذاك (¬11) ذلٌّ لها. معنى لفظ " العقور " هنا: الجارح، يقال: سرج مغفر: إذا كان يجرح [ظهر] (¬12) الدابة، قال الشاعر: .... فتنفست ... كتنفس الظبى العَقير (¬13) ¬

_ (¬1) فى س: يبح. (¬2) فى س: يقتلها. (¬3) فى س: اختلاف. (¬4) ك السلام، ب استحباب قتل الوزغ رقم (142). (¬5) فى س: وكذلك. (¬6) فى الأصل: الحديئة، والمثبت من س. (¬7) البخارى، ك الصلاة، ب نوم المرأة فى المسجد 1/ 119. (¬8) من س. (¬9) التوبة: 29. (¬10) سقط من س. (¬11) فى س: ذلك. (¬12) من س. (¬13) هذا البيت لمنَخَّل اليشكرى وتمامه: فلثمتها فتنفست ... كتنفس الظبى العقير انظر: اللسان، مادة " عقر ".

" خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِى الحِلِّ وَالحَرَمِ: الحَيَّةُ، وَالغُرَابُ الأَبْقَعُ، وَالفَارَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ، وَالحُدَيَّا ". 68 - (...) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِى اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِى الحَرَمَ: العَقْرَبُ، والفَارَةُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ ". (...) وحدُّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ. 69 - (...) وحدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِى الحَرَمِ: الفَارَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالغُرَابُ، وَالحُدَيَّا، وَالكَلْبُ العَقُورُ ". 70 - (...) وحدَّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِى الحِلِّ وَالحَرَمِ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يزَيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. 71 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أى المجروح، وقيل: الدهش، وجاء فى أكثر الأحاديث قتل هؤلاء الفواسق فى الحرم، فيقاس عليه قتل كل من يجب قتله فيه، وإقامة الحدود به ممن اجترحها فيه، أو فى غيره ثم لجأ إليه، وهذا قول لمالك وأصحابه والشافعى وغيرهما، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى التفريق بين ما اجترحه خارجاً (¬1) أو فيه، وبين ما فيه النفس و (¬2) غيرها، فقال: ما اجترحه خارجاً ووجب فيه إتلاف النفس من الحدود لا تقام فيه، ويضيق عليه، ولا ¬

_ (¬1) فى س: حارحاً، والمثبت من الأصل. (¬2) فى س: أو.

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلِّهَا فَوَاسِقُ، تُقْتَلُ فِى الحَرَمِ: الغَرَابُ، وَالحَدَأَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَارَةُ ". 72 - (1199) وحدَّثنى زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَمْسٌ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِى الحَرَمِ وَالإِحْرَامِ: الفَارَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ ". وَقَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ فِى رِوَايَتِهِ: " فِى الحُرُمِ وَالإِحْرَامِ ". 73 - (1200) حدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَتْ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَاسِقٌ، لا ـــــــــــــــــــــــــــــ يُكلمُ ولا يجالس ولا يبايع، حتى يضطر إلى الخروج منه فيقام عليه خارجاً. وما كان دون النفس أو اجترحه فى الحرم فيقام عليه، وروى عن ابن عباس وعطاء والشعبى والحكم نحوه، إلا أنهم لم يفرقوا بين ما فيه النفس أو غيره، وحجتهم قوله تعالى: {ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (¬1) والحجة عليهم أن من ضيق عليه هذا التضييق ليس بآمن، ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسرين: أنه خبر عما كان من قبل الإسلام، وعطفٌ على ما نص فيه (¬2) من الآيات، وقيل: آمن من النار، وحكى بعضهم أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُم} (¬3)، وروى عن ابن عمر وعائشة مثله، إلا أنه لا يهاج ولا يضيق عليه، فإذا خرج أقيم عليه الحد، وقال آخرون نحوه فى التفريق، إلا أنهم قالوا: يخرج [اللاجئ إليه من غيره] (¬4) فيقام عليه الحد خارجاً، وهو قول ابن الزبير والحسن ومجاهد [وحماد] (¬5)، وقيل: ظاهر الآية على البيت لا على الحرم. وقد اتفقوا أنه لا يقام ذلك عليه فى البيت ولا فى المسجد، ويخرج (¬6) منه فيقام خارجاً؛ لأن المساجد تُنزهُ عن إقامة الحدود. ¬

_ (¬1) آل عمران: 97. (¬2) فى س: عليه. (¬3) التوبة: 5. (¬4) من س. (¬5) ساقطة من س. (¬6) فى س: فيخرج.

حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: العَقْرَبُ، وَالغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالفَارَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ ". 74 - (...) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِى إِحْدَى نِسْوَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَمَرَ أَوْ أُمِرَ أَنْ يَقْتُلَ الفَارَةَ، وَالعَقْرَبُ، وَالحِدَأَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ، وَالغُرَابُ. 75 - (...) حدَّثنا شَيْبَان بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَهوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: حَدَّثَتْنِى إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الكَلْبِ العَقُورِ، وَالفَارَةِ، وَالعَقْربِ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابِ، وَالحَيَّةِ. قَالَ: وَفِى الصَّلاةِ أَيْضًا. 76 - (1199) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، لَيْسَ عَلَى المُحْرِمِ فِى قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَارَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ ". 77 - (...) وحدَّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَاذَا سَمِعْتَ ابْنَ عُمَرَ يُحِلُّ لِلْحَرَامِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ؟ فَقَالَ لِى نَافِعٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِى قَتْلِهِنَّ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَارَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ. ". (...) وحدَّثناه قُتَيْبَةَ وَابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ - جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، جمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا حرج على من قتلهن ": عمومٌ للمحرم والحلال لو لم يرد سواه، ولكن بنص (¬1) حديث ابن عمر رفع اللبس، بقوله: " لا جناح على من قتلهن فى الحرم والإحرام "، على رواية ابن أبى عمر فى كتاب مسلم، وفى رواية زهير بن حرب: " فى ¬

_ (¬1) فى الأصل: نص، والمثبت من س.

أَبُو كَامَلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلا ابْنُ جُرَيْجٍ وَحْدَهُ. وَقَدْ تَابَعَ ابْنَ جُرَيْجٍ، عَلَى ذَلِكَ، ابْنُ إِسْحَاقَ. 78 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ فَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خَمْسٌ لا جُنَاحَ فِى قَتْلِ مَا قُتِلَ مِنْهُنَّ فِى الحَرَمِ " فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 79 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهِ عَنْهُمَا - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " خَمْسٌ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ حَرَامٌ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ: العَقْرَبُ، وَالفَارَةُ، وَالكَلْبُ الَعَقُورُ، وَالغُرَابُ، وَالحُدَيَّا " - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى بْنُ يَحْيَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحُرم " بالضم، وكذلك بيانه في حديثه الآخر: " من قتلهن وهو حرام "، وفى حديث مالك: " ليس على المحرم فى [قتلهن] (¬1) جناح ". ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

(10) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها

(10) باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها 80 - (1201) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبٍ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِىَ اللهِ عَنْهُ - قَالَ: أَتَى عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيةِ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ - قَالَ القَوَارِيرِىُّ: قِدْرٍ لِى. وَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: بُرْمَةٍ لِى - وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِى. فَقَالَ: " أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأسِكَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر حديث كعب بن عجرة فى [حلق الرأس] (¬1)، وقوله - عليه السلام -: " هل يؤذيك هوام رأسك؟ " قال: نعم، قال: " فاحلق، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم [ثلاثة آصع على] (¬2) ستة مساكين "، أو " أنسك نسيكة "، [وفى الرواية الأخرى: " أو نسك ما تيسر " وفى الأخرى: " ثم ذبح شاة نسكاً "] (¬3)، وفى الأخرى: " أو تصدق بِفَرَقٍ بين ستة مساكين "، " وأطعم فرقاً بين ستة مساكين " والفرق: ثلاثة آصعٍ، وفى الأخرى: " أو أطعم ثلاثة آصُعٍ من تمر على ستة مساكين "، وفى الأخرى: " [أو] (¬4) أطعم ستة مساكين نصف صاع طعاماً لكل مسكين "، وكلها أحاديث متفقة المعنى فى التقدير والتخيير، على ما جاء فى كتاب الله تعالى من قوله عز وجل: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬5)، إلا ما جاء من التغيير فى رواية العذرى فى حديث عبد الله بن مَعْقلٍ، من رواية ابن أبى شيبة، بقوله: " أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكين صاع " (¬6) وهو وَهْم، وصوابه: رواية غيره: " لكل مسكينين " على التثنية. وفى هذا الحديث خلاف آخر فى قوله أولاً: " هلْ عندَك نسك؟ " قال: ما أقدر عليه، فأمره أن يصوم ثلاثة أيام، أو يُطعم ستة مساكين، ورواية ابن [مثنى] (¬7)، وابن بشارٍ: " هل تجد شاة؟ "، وعند ابن ماهان: " شيئاً " وهو وَهمٌ، وأما قوله فى ¬

_ (¬1) من هامش الأصل. (¬2): (¬4) من س. (¬5) البقرة: 196. (¬6) حديث محمد بن المثنى وابن بشار، وليس حديث أبى بكر بن أبى شيبة. (¬7) فى الصحيحة: المثنى.

قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَاحْلِق وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الروايات: " أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين ": معناه: مقسومةً على ستة مساكين. قال الإمام: إن حَلَق رأسه لعذر فعليه أحد ثلاثة أشياء: صيام، أو صدقة، أو نسك. وكذلك إذا حلقه لغير عذر فهو مخير - أيضاً - عندنا (¬1)، خلافاً لمن قال فى المختار: عليه الدم. وذهب بعض الناس إلى أنه إذا حلق رأسه ناسياً فلا دم عليه. قال القاضى: مذهب (¬2) أبى حنيفة والشافعى وأبى ثور إلى أنه لا يخير مع العمد وعدم الضرورة، ومعظم العلماء على وجوب الدم على الناسى (¬3)، وقال الشافعى فى أحد قوليه، وداود وإسحاق: لا دم عليه (¬4). وحكم التطييب واللباس فى هذا سواء عند هؤلاء كلهم، على ما تقدم من التخيير، والخلاف فى وجوهه، قال أحمد بن صالح: حديث كعب بن عجرة معمول به عند جميع العلماء. قال القاضى: ولم يقع فى شىء منه خلاف إلا فى الإطعام، فقد روى عن أبى حنيفة والثورى أن النصف صاع إنما هو البُرّ، وأما من التمر والشعير فصاع لكل مسكين، وهذا خلاف للحديث؛ لنصه على ثلاثة آصُعٍ من تمرٍ على ستة مساكين. ذكره مسلم، وذكر مثله فى الزبيب فى كتاب أبى داود (¬5)، وعن أحمد بن حنبل فى روايته: مُدٍّ من البُر أو نصف صاع من غيره (¬6)، وكذلك روى عن الحسن وبعض السلف: أن الإطعام لعشرة مساكين، والصيام عشرة أيام ولم يتابَعُوا عليه، واتفق غيرهم ومن جاء بعدهم على ستة مساكين وثلاثة أيام، ونص الحديث يحج هؤلاء المذكورين قبل. وفى قوله فى الحديث: " أطعم فرقا بين ستة مساكين "، وفى الروايات الأخر: " أطعم ثلاثة آصعٍ ": بيان مقدار الفرق، وأنه - كما قيل -: مقدار خمسة عشر رطلاً، إذ الثلاثة آصُعٍ ستة عشر رطلاً على مذهب أهل الحجاز، وهو بإسكان الراء، وقيل بالفتح أيضاً، وقد تقدم فى الطهارة. ¬

_ (¬1) فى ع: عندنا أيضاً. (¬2) فى س: ذهب. (¬3) قول أبى حنيفة ومالك والمزنى ورواية عن الشافعى. الحاوى 4/ 105. (¬4) انظر: الاستذكار 3/ 307. (¬5) أبو داود، ك المناسك، ب فى الفدية 1/ 430. (¬6) الاستذكار 13/ 303. ويروى عن الثورى وأصحاب الرأى. انظر: المغنى 5/ 384.

قَالَ أَيُّوبُ: فَلا أَدْرِى بِأَىِّ ذَلِكَ بَدَأَ. (...) حدَّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. بِمِثْلِهِ. 81 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: فِىَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬1) قَالَ فَأَتَيْتُهُ. فَقَالَ: " ادْنُهْ "، فَدَنَوْتُ. فَقَالَ: " ادْنُهْ "، فَدَنَوْتُ. فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ ". قَالَ ابْن عوْنٍ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرَنِى بِفَدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ، مَا تَيَسَّرَ. 82 - (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى لَيْلَى، حَدَّثَنِى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ يَتَهَافَتُ قَمْلاً. فَقَالَ: " أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَاحْلِقْ رَأْسَكَ ". قَالَ: فَفِىَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَن كَانَ مِنْكُمْ مَّرِيضًا أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " انسك شاة " (¬2)، وفى الرواية الأخرى: " انسك ما تيسر ": يدل أنه الشاة لتفسيره بها فى الحديث، وتسميتها نسكاً دليل أن فدية الأذى ليس حكمها حكم الهدى فى سوقها إلى مكة، وكذلك الإطعام، وليفعلها حيث شاء، وهو قول مالك وغيره، ولم يختلف قول الشافعى أن الدم والإطعام لا يكون إلا بمكة (¬3)، واختلف فيه قول أبى حنيفة، فقال مرة بقول الشافعى، ومرة قال: إنما ذلك فى الدم دون الإطعام، وهو قول أصحابه (¬4)، وقول عطاء، ولم يختلف فى الصيام أنه يكون حيث شاء (¬5). ¬

_ (¬1) البقرة: 196. (¬2) انظر: موطأ مالك، ك الحج، ب فدية من حلق قبل أن ينحر 1/ 417. (¬3) قال الشافعى فى غير " المختصر ": حكم الله تعالى يدل على أن كل نسيكة كانت فى حج أو عمرة فمحلها إلى البيت العتيق، ومعقول فى حكمه أنه أراد أن يكون فى جيران البيت العتيق من أهل الحاجة. انظر: السنن والآثار 7/ 367 (10366). (¬4) و (¬5) انظر: الاستذكار 13/ 308.

بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُك}. فَقَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ مَا تَيَسَّرَ ". 83 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ وَأَيُّوبَ وَحُمَيْدٍ وَعَبْدِ الكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ بِالحُدَيْبِيَةِ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ، وَالقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِهِ. فَقَالَ: " أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ هَذِهِ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَاحْلِقْ رَأْسَكَ، وَأَطْعِمْ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ - وَالفَرَقُ ثَلاثَةُ آصُعٍ - أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً ". قَالَ ابْنُ أَبِى نَجِيحٍ: " أَوِ اذْبَحْ شَاةً ". 84 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ زَمَنَ الحُدَيْبَيَةِ. فَقَالَ لَهُ: " آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْلِقْ رَأْسَكَ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ ". 85 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ}؟ فَقَالَ كَعْبٌ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: نَزَلَتْ فِىَّ، كَانَ بِى أَذَى مِنْ رَأْسِى، فَحُمِلتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِى. فَقَالَ: " مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟ " فَقُلْتُ: لا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قوله: " احلق رأسك، ثم اذبح نسُكاً ": حجةٌ لما عليه جماعة العلماء من أن الفدية إنما تكون بعد فعل يوجب ذلك عليه. وقوله: " والقمل يتهافت على وجهه ": أى يتساقط.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللغْوَ وَالاخْتِلافَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَال رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُومُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشتد به وجعه، حسبنا كتاب الله ". وقوله: " أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ": المراد بالمشركين هنا: اليهود، وكذا جاء مفسراً فى غير هذا الحديث. وقد كان المشركون قتلوا ودخلوا فى الإسلام. قال أبو عبيد عن الأصمعى: جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق فى الطول، وأما فى العرض فمن جدة وما والاها إلى أطوار الشام. وقال أبو عبيد: هى ما بين حفر أبى السماوة فى العرض (¬1) (*). وإنما سميت جزيرة؛ لإحاطة البحار بها وانقطاعها من الماء. وأصل الجَزْر: القطع، وأضيفت إلى العرب؛ لأنها الأرض التى كانت بأيديهم قبل الإسلام. وذكر الهروى عن مالك: جزيرة العرب المدينة. وقال المغيرة المخزومى: جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة بإخراج على مَنْ كان على غير الإسلام من هذه البلاد، ولا يمنع من التردد فيها مسافرين، وقاله مالك والشافعى وغيرهما، إلا أن الشافعى خص هذا الحكم بالحجاز وحده من أرض العرب والحجاز عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن. قالوا: ويضرب لهم حيث حلوا منه أجل ثلاثة أيام لينظروا فى حوائجهم، كما ضرب لهم ذلك عمر - رضى الله عنه - حين أجلاهم، ولا يدفنون فيه - عند الشافعى - موتاهم، ويخرجون إلى الدفن لغيرها ما لم يتغيروا. وأجاز أبو حنيفة استيطانهم هذه البلاد. قال الطبرى: سنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته إخراج كل من دان بغير الإسلام من كان بلد للمسلمين كانت، مما أسلم عليها أهلها، أو من بلاد العنوة إذا لم يكن بالمسلمين ضرورة إليهم، يريد إما لعمارة أرض ونحوها، كما أبقى عمر - رضى الله عنه - مَنْ أقر من ذمة الشام والعراق لعمارة أرضها، وإنما خص فى هذا الحديث جزيرة العرب لأنه لم يكن يومئذٍ للإسلام ظهور فى غيرها. فأما إقرارهم مع المسلمين فى مصر لم يتقدم لهم عقد صلحٍ قبل عقد الإقرار به فما لا نعلمه عن أئمة الهدى. وذكر أحاديث منها عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يبقى قبلتان بأرض " ومنها إخراج أهل الذمة من الكوفة إلى الحيرة. وعن ابن عباس - رضى الله عنه -: " لا يساكنكم أهل الكتاب فى مضاربها ". قال الطبرى: فالواجب على كل إمام إخراجهم من كل مصر غلب عليه الإسلام، إذا لم يكن من بلادهم التى صولحوا عليها، إلا أن تدعو ضرورة لبقائهم لعمارتها، فإذا كان فلا يدعوهم فى مصر مع المسلمين أكثر من ثلاثة أيام، وليسكنهم الخارج عنهم، وليمنعهم اتخاذ المساكن فى مصار المسلمين ويبيعها ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث للهروى 2/ 67. (*) قال معد الكتاب للشاملة: نص عبارة أبي عبيد كما في غريب الحديث للهروي 2/ 67، كالتالي: جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول وأما العرض فما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة.

(11) باب جواز الحجامة للمحرم

(11) باب جواز الحجامة للمحرم 87 - (1202) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. 88 - (1203) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا المُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِى عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَسَطَ رَأْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " احتجم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم وسط رأسه ": لا خلاف بين العلماء فى جواز ذلك له للضرورة، حيث كان من رأسه أو جسده، وأما لغير ضرورة فى جسده، وحيث لا يحلق شعراً فجمهورهم على جوازه، وهو قول سحنون من أصحابنا، ومالك يمنعه لغير ضرورة، وروى عن ابن عمر. قال الداودى: وروى عن النبى - عليه السلام - أنه قال فى حجامة وسط الرأس: " شفاء من النعاس والصداع والأضراس " (¬1). قال الليث: وليس وسط الرأس، لكن فى فاس الرأس وهو مؤخره، وأما وسط الرأس فقد يعمى، وإباحة الحجامة للمحرم لضرورة إخراجه الدم عند هيجانه وغلبته، وخوف تبيّغِهِ فيقتل إن لم يبادر بإخراجه، كما جاء فى الحديث الآخر من أمره - عليه السلام - بذلك لهذه العلة. واتفقوا إذا احتجم برأسه يحلق لها شعراً أنه يفتدى (¬2)، وجمهورهم على أن حكم حلق شعر الجسد كذلك، إلا داود فلا يرى فى حلق شعر الجسد لضرورة الحجامة دماً، والحسن يُوجب عليه الدم فى الحجامة، وفى هذا الحديث حجة لكل ما يدعو إليه المحرم من ضرورة، وزوال أذى عنه، وقطع عرقٍ وَبَطّ جراحٍ، وقطع ما انكسر من أظفاره ولا شىء عليه، ولا خلاف فى هذا. ¬

_ (¬1) الطبرانى فى الكبير، عن ابن عباس - رضى الله عنهما 11/ 29 والحاكم عن أبى سعيد 4/ 210. (¬2) الاستذكار 11/ 267.

(12) باب جواز مداواة المحرم عينيه

(12) باب جواز مداواة المحرم عينيه 89 - (1204) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَلَلٍ اشْتَكَى عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ عَيْنَيْهِ، فَلَمَّا كُنَّا بِالرَّوْحَاءِ اشْتَدَّ وَجَعُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَسْأَلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَ أَنِ اضْمدْهُمَا بِالصَّبِرِ، فَإِنَّ عُثْمَانَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، ضَمَّدَهُمَا بِالصَّبِرِ. 90 - (...) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنِى نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مَعْمَرٍ رَمِدَتْ عَيْنُهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَكْحُلَهَا فَنَهَاهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُضَمِّدَهَا بِالصَّبِرِ، وَحَدَّثَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى المحرم إذا اشتكى عينيه: " ضمدها بالصبر ": معناه: لطخهما، ولا خلاف فى مثل هذا، إذ ليس بطيب ولا زينة، [ولا] (¬1) المعاناة بكل الأدوية غير المطيبة، فإن اضطر إلى المطيب افتدى. ولا خلاف أن للمحرم أن يكتحل إذا احتاج إليه، والحجة عندهم ما جاء فى [هذا] (¬2) الحديث، ولا فدية عليه فيه ما لم يكن فيه طيب، وأما إن اكتحل فأباحه قوم وكرهه آخرون، وفى مذهبنا فى ذلك قولان: المنع، والكراهة، وعلى القول بالمنع فى إيجاب فدية عليه قولان، وبكراهة ذلك للزينة قال أحمدُ وإسحاق والثورى، وقال الشافعى: لا أرى عليه دماً، رجلاً كان أو امرأة. ¬

_ (¬1) و (¬2) من س.

(13) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه

(13) باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه 91 - (1205) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهَذَا حَدِيثُهُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ المِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم حديث غُسل المحرم رأسه إذا اغتسل، واختلاف المسْوَر وابن عباسٍ فى ذلك، وإرسال ابن عباسٍ إلى أبى أيوب؛ كيف كان يغسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه وهو محرم؟ وقول أبى أيوب لإنسان يصب على رأسه: اصبب، ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل. فيه رجوع الصحابة إلى الحجة بالسنة، وترك آرائهم واجتهادهم لها، وفيه أن ابن عباس كان عنده علم من أن أبا أيوب يعلم ذلك لقوله: " كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغسل رأسه "، وترجم عليه فى بعض نسخ مسلم: كيف [كان] (¬1) يغسل المحرم رأسه من الجنابة. وليس فى هذا الحديث مبيناً ولا فى غسل أبى أيوب لم كان؟، ولا خلاف فى اغتساله من الجنابة، ولا فى تحريكه بيديه. فيه زيادة على ما يفعله الماء ولأنها ضرورة لابد منها. وكأن المسور خشى من ذلك قتل الهوام وإلقائها بحركة اليد عن الرأس، وذلك مما لا يؤمن من صب الماء عليه لو لم يحرك، فهما سواء ودل كلامهم أن اختلافهم إنما هو فى التحريك للشعر لا فى صب الماء، أو فى اغتسال التبرد أو الغسل، إذ لا خلاف فى غسل رأسه من الجنابة. واختلف فى غسله تبرداً [وغسل رأسه بالماء] (¬2)، فجمهور العلماء على إجازته، كما قال عمر: لن يزيده الماء إلا شعثاً. واختلف فى التأويل على مذهب مالكٍ فى غسل رأسه بالماء لغير جنابة، فقيل عنه مثل هذا، وقيل: كراهته، إلا أنه كره غمس رأسه فى الماء، إما لأنه بتحريك يده عليه فى غسله أو فى غمسه قد يقتل بعض ما فيه من الدواب، وقد يتساقط بحركة يده عليه بعض شعره، وقيل: لعله رآه من باب تغطية الرأس. واختلف أصحابه فى ذلك، وفى الفدية على فاعله، وأجاز مالك غسل جسده من غير ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) سقط من س.

المُحْرِمُ رَأْسَهُ. فَأَرْسَلَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ، وَهُوَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِى إِلَيْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ. أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَّأَهُ حَتَّى بَدَا لِى رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ: اصْبُبْ. فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ. 92 - (...) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: فَأَمَرَّ أَبُو أَيُّوبَ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ جَمِيعًا، عَلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. فَقَالَ المِسْوَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لا أُمَارِيكَ أَبَدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ تدلك. واختلفوا فى غسل المحرم رأسه بالخطمى (¬1) والسدر، ففقهاء الأمصار على كراهية ذلك له، ومالك وأبو حنيفة يريان عليه إن فعل فدية، ولم ير عليه غيرهما فدية، وروى عن بعض السلف إباحة ذلك لمن كان ملبداً (¬2). وقوله: " فوجدته يغتسل بين القرنين ": هما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبهها من البناء يمُدّ بينهما خشبة يجر عليها الحبل ليُستقى عليها، أو تعلق منها البكرة. وقوله: " فسلمت عليه ": فيه دليلٌ على جواز السلام على المتطهر والمتوضئ بخلاف من هو على الحدث، وحديثه معه وسلامه عليه وهو بتلك الحال؛ لأنه كان مستوراً بثوب كما جاء فى الحديث. وقوله: " فقال لإنسان يصب، فصَّب على رأسه [فحرك رأسه] (¬3) بيديه ": حجةٌ لما تقدم، [وحجة] (¬4) فى أن معلم الطهارة إذا نوى معها التطهير لا يضره. ¬

_ (¬1) هى ضرب من النبات يغسل به الرأس. انظر: اللسان، مادة " خطم ". (¬2) فى س: ملبياً. (¬3) و (¬4) فى هامش الأصل.

(14) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات

(14) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات 93 - (1206) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ خَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِص، فَمَاتَ. فَقَالَ: " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِى ثَوْبَيْهِ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا ". 94 - (...) وحدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةً، إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحلته. قَالَ أَيُّوبُ: فَأَوْقَصَتْهُ - أَوْ قَالَ: فَأَقْعَصَتْهُ - وَقَالَ عَمْرٌو: فَوَقَصَتْهُ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفّنُوهُ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الذى وقص عن راحلته، فمات محرماً: " اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه فى ثوبيه، لا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً ": هذا الحديث مما اعتمد عليه الشافعى فى المحرم إذا مات؛ أنه لا يحنط ولا يغطى رأسه، وبه قال أحمد وإسحاق، وقال مالك والكوفيون والحسن والأوزاعى: إن المحرم يفعل به ما يفعل بالحلالِ، وقد احتج مالك على هذا بأن العمل إنما يلزم الإنسان ما دام حياً، وهذا هو الأَصلُ، وتأويل الحديث عند من قال بخلافه: أنها قضية فى عين مخصوصة لا تُعدّى إلا بدليل، وهذا حجة فى إحرام الرجل فى رأسه، ولا خلاف فيه. وقد اختلف العلماء فى تغطية المحرم وجهه مع اتفاقهم على وجوب إحرام رأسه، فذهب مالك إلى منعه للرجال، وأن إحرام الرجل فى رأسه ووجهه، والمرأة فى وجهها فقط، وهو قول أبى حنيفة، ولأصحابنا فى ذلك وجهان؛ هل هو على الوجوب أو الندب؟ وجمهورهم على أنه لا إحرام فى وجه الرجل، وأن نهيهم عن حنوطه فى حقهم لكونهم محرمين، ولأن فى تغطيته وتطييبه تمام المراد من غسله وتنظيفه وستره كسائر الموتى، ولقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنه (¬1) يبعث يوم القيامة ملبياً ": ولا علم لنا بهذه الصفة لغيره. وقوله: " اغسلوه بماء وسدر ": يدل أن حكم الإحرام ساقط عنه، إذ مثل هذا لا يجوز للمحرم من إزالة الدرن بالسدر وشبهه من الخطمى، وقد منعه مالك من أن يغسل ¬

_ (¬1) فى الأصل: أنه، وفى س: لأنه، والمثبت من الصحيحة المطبوعة.

ثَوْبَيْنِ، وَلا تُحَنِّطُوهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ - قَالَ أَيُّوبُ -: فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا - وَقَالَ عَمْرٌو -: فَإِنِّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يُلَبِّى ". 95 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ. قَالَ: نُبِّئْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلاً كَانَ وَاقِفًا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَ حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ رأسه بالخطمى و [أن] (¬1) يتدلك، وعليه فيهما الفدية إن فعل، ونحوه للشافعى وأبى حنيفة وصاحبيه وأبى ثور، إلا أن محمداً وأبا يوسف قالا: إن فعل فعليه صدقة، وقال أبو ثور: لا شىء عليه. وقولهم بهذا مع ما جاء فى الحديث يردُّ قولهم: إن حكمه ميتاً حكم المحرم. ورخص طاوس وعطاء ومجاهد للمحرم فى غسل رأسه بالخطمى، واختاره (¬2) ابن المنذر (¬3)، واحتج بهذا الحديث، واحتج به - أيضاً - الداودى على جواز ذلك للمحرم. وقوله: " فى ثوبيه ": كذا أكثر الروايات، وفى حديث الزهرانى (¬4) وابن بشار: " فى ثوبين "، فعلى الرواية الأولى يحتج به الشافعى فى بقاء حكم الإحرام عليه، وأن معناه: أن يكفن فى ثياب إحرامه، لا أنه منع من الزيادة عليه إن احتاج إليه، وهو عندنا على الخصوص لذاك الشخص؛ لأنها قضية فى عين وإخبارٌ [عن شخص معين] (¬5). ومن رواه: " ثوبين " فقيل: معناه ما تقدم، أى ثوبيه اللذين (¬6) عليه، ويحتمل أن يريد: [زِيدوا على ثوبه] (¬7) الذى أحرم فيه، وكان عليه ثوبين؛ ليكون [عليه] (¬8) ثلاثة، إذ الوتر فى الكفن مشروع. ومعنى: " خر ": سقط، و " وقص ": أى انكسر عنقه، وروى فى الحديث الآخر: " فأوقصته ناقته " وروى: " فوقصته " وهما صحيحان، وروى: " فأقعصته " وهو بمعنى: قتلته لحينه، ومنه قعاص الغنم، وهو موتها بداءٍ يأخذها فلا يلبثها، ويروى: " فأقعصته " كذا جاء رباعياً، ووجهه: فقعصته، ثلاثى، أو قصعته (¬9)، ومعناه: شدخته، وفضخته، من قولهم: قصعت القملة بين ظفرى: فضختها، وجاء ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: وأجازه. (¬3) انظر: التمهيد 4/ 270. (¬4) فى الأصل: الزهرى، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من س، والصحيحة المطبوعة. (¬5) فى س: وإخبار فى شخص بعينه. (¬6) فى الأصل: الذى، وما أثبتناه من س. (¬7) العبارة فى الأبىّ بلفظ: زائدين على الثوب. (¬8) من س. (¬9) فى الأصل: فقصعته، والمثبت من س.

96 - (...) وحدَّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَرَامًا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ وَقْصًا، فَمَاتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَأَلْبِسُوهُ ثَوْبَيْهِ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ القِيَامَةِ يُلَبِّى ". 97 - (...) وحدَّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ البُرْسَانِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنِ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَرَامٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا ". وَزَادَ: لَمْ يُسَمِّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ حَيْثُ خَرَّ. 98 - (...) وحدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلاً أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِى ثَوْبَيْهِ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فى رواية السمرقندى فى حديث أبى كامل: " وقصه (¬1) بعيره ": هو بمعنى ناقته فى الحديث الآخر، ويقال للناقة [أيضاً] (¬2): بعير أيضاً، هو اسم منطلقٌ على الذكر والأنثى، ويروى: " فإنه يبعث ملبياً "، ويروى: " ملبداً " ومعناه: على هيئته التى مات عليها وبعلامة حجه، فضيلة له، كما جاء فى الشهداء: أنهم يحشرون بسيوفهم على عواتقهم، وفى المكلوم فى سبيل الله يحشر وجرحه يثعب دماً (¬3). وذكر مسلم فى هذا الحديث: ثنا محمد بن الصباح، ثنا هشيم، ثنا أبو بشر، ثنا سعيد بن جبير. كذا لهم، وكان عند ابن أبى جعفر لابن ماهان: ثنا " أبو يونس " ¬

_ (¬1) فى الأصل: فوقصَتْه، وما أثبتناه من س، والصحيحة المطبوعة. (¬2) ساقطة من س. (¬3) سيأتى فى ك الإمارة، ب فضل الجهاد والخروج فى سبيل الله برقم (105).

99 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلاً كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ، فَمَات. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِى ثَوْبَيْهِ، وَلا تُمسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامةِ مُلَبِّدًا ". 100 - (...) وحدَّثنى أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَلا يُمَسَّ طِيبًا، وَلا يُخَمَّرَ رَأْسُهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوَمَ القِيَامَةِ مُلَبِّدًا. 101 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بِشْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَوَقَعَ مِنْ نَاقَتِهِ فَأَقْعَصَتْهُ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَنْ يُكَفَّنَ فِى ثَوْبَيْنِ، وَلا يُمَسَّ طِيبًا، خَارِجٌ رَأْسُهُ. قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ حَدَّثَنِى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: خَارِجٌ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّدًا. 102 - (...) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -: وَقَصَتْ رَجُلاً رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْسِلُوهُ بِمَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكان " أبى بشر " وهو وَهْم، والصواب: أبو بشر، كما جاء فى سائر الروايات بعده. وأبو بشر هذا هو العنبرى، واسمه الوليد بن مسلم يُعَدُّ فى البصريين. تفرد به مسلم، كذا قال الحاكم، وكذا نسبه وسماه البخارى فى تاريخه.

وَسِدْرٍ، وَأَنْ يَكْشِفُوا وَجْهَهُ - حَسِبْتُهُ قَالَ -: وَرَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُوَ يُهِلُّ. 103 - (...) وحدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَوقَصَتْهُ نَاقَتُهُ، فَمَاتَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْسِلُوهُ، وَلا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، وَلا تُغَطُّوا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى الباب: ثنا عبد بن حميد، أنبأنا عبيد الله بن موسى، أنا إسرائيل، عن منصور، عن سعيد بن جُبَيْر؛ أن ابن عباس ... الحديث. [كذا] (¬1) قاله مسلم، وهو مما استدركه عليه الدارقطنى، وقال: إنما سمعه منصور عن الحكم، وكذا أخرجه البخارى (¬2) عن منصور، عن الحكم، عن سعيد، وهو الصواب، وقيل: عن منصور عن سلمة، ولا يصح. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) البخارى، ك جزاء الصيد، ب المحرم يموت بعرفة 3/ 33.

(15) باب اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه

(15) باب اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه 104 - (1207) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ لَهَا: " أَرَدْتِ الحَجَّ؟ " قَالَتْ: وَاللهِ، مَا أَجِدُنِى إِلا وَجِعَةً. فَقَالَ لَهَا: " حُجِّى وَاشْتَرِطِى، وَقُولِى: اللَّهُمَّ، مَحِلى حَيْثُ حَبَسْتَنِى " وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ. 105 - (...) وحدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أُرِيدُ الحَجَّ، وَأَنَا شَاكِيَةٌ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُجِّى، وَاشْتَرِطِى أَنَّ مَحِلِّى حَيْثُ حَبَسْتَنِى ". (...) وحدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - مِثْلَهُ. 106 - (1208) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ وَأَبُو عَاصِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا وَعِكْرَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ضباعة بنت الزبير: " حجى واشترطى، وقولى: اللهم محلى حيث حبَسْتَنِى (¬1) "، قال الإمام: من الناس من ذهب إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، وأجاز الاشتراط، وجمهور الفقهاء على أن ذلك لا ينفع، وحملوا الحديث على أنها قضيةٌ فى عين خصت بها هذه المرأة. وفيه دلالة (¬2) على أن الإحصار بمرض لا يحل به المحرم من إحرامه، ولو كان يحل به لم يفتقر للشرط فى هذا الحديث. ¬

_ (¬1) فى ع: تحبسنى. (¬2) فى س: دليل.

مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: إِنِّى امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وَإِنِّى أُرِيدُ الحَجَّ، فَمَا تَأْمُرُنِى؟ قَالَ: " أَهِلِّى بِالحَجِّ، وَاشْتَرِطِى أَنَّ مَحِلِّى حَيْثُ تَحْبِسُنِى ". قَالَ: فَأَدْرَكَتْ. 107 - (...) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ ابْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ ضُبَاعَةَ أَرَادَتِ الحَجَّ، فَأَمَرَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَشْتَرِطَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 108 - (...) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو أَيُّوبَ الغَيْلانِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، وَهُوَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو - حَدَّثَنَا رَبَاحٌ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى مَعْرُوفٍ - عَنْ عَطَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِضُبَاعَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: " حُجِّى، وَاشْتَرِطِى أَنَّ مَحِلِّى حَيْثُ تَحْبِسُنِى". وفِى رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: أَمَرَ ضُبَاعَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اختلف العلماء فرقتين فى جواز الاشتراط، فمالك وأبو حنيفة، وبعض التابعين لا يرونه نافعاً، وروى كراهته عن ابن عمر، وتأول بعضهم الحديث بما ذكره وقال: أظنها كانت مريضة أو ذات عذر، فخصها بذلك، كما خص أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة لعلةِ مخالفة الجاهلية، وأجاز عمر وعلى وابن مسعود فى جماعةٍ من الصحابة والتابعين، وهو قول أحمد وإسحاق، وأبى ثور والشافعى القولين جميعاً، وقد تأوله آخرون على معنى النية بالتحلل بعمرةٍ، وقد جاء مفسراً من رواية ابن المسيب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر ضباعة أن تشترط: " اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة "، وعن عائشة نحوه، أنها كانت تقول: " للحج خرجت، وله قصدت، فإن قضيته فهو الحج، وإن حال دونه شىء فهو عمرة ". قال الأصيلى: لا يثبت فى الاشتراط إسناد صحيح، قال النسائى: لا أعلم أسنده عن الزهرى غير معمر، وغيره من جماعة الحفاظ لا يذكرونه، وقد أنكر الزهرى الاشتراط، وأنكره ابن عمر وغيره.

(16) باب إحرام النفساء، واستحباب اغتسالها للإحرام، وكذا الحائض

(16) باب إحرام النفساء، واستحباب اغتسالها للإحرام، وكذا الحائض 109 - (1209) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْبنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: نَفِستْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمِيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ يَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. 110 - (1210) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - فِى حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمِيْسٍ - حِينَ نُفِسَتْ بِذِى الحُلَيْفَةِ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نفست أسماء بنت عميس بالشجرة (¬1)، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر أن تغتسل وتهل "، قال القاضى: يقال فى الحيض والولادة: نُفِسَتْ وَنَفَسَتْ بالضم والفتح، والضم فى الولادة، والفتح فى الحيض أكبر، وحكى الحربى وغير واحدٍ أنه لا يقال فى الحيض إلا بالفتح، وحكى الوجهين فيهما صاحب الأفعال. قال الإمام: فى الحج ثلاثة أغسال: إحداها: للإحرام. والثانى: لدخول مكة. والثالث: للوقوف بعرفة. وآكدها غسل الإحرام. والحائض والنفساء يغتسلان للإحرام، والوقوف، ولا يغتسلان لدخول مكة؛ [لأنه] (¬2) لأجل الطواف، وهما لا يدخلان المسجد. قال القاضى: هذه الأغسال عندنا سنن مؤكدة غير واجبةٍ، وقد زاد بعض علمائنا فيها ¬

_ (¬1) فى ع: بذى الحليفة. والروايتان موجودتان. (¬2) من ع، وهامش س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غسل الطواف بالبيت وأوكدها غسل الإحرام، قال بعض أصحابنا عنه: إنه أوكد عنده من غسل الجمعة، ويستدل من قال بتأكيده بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنفساء به، وقد أطلق - أيضاً - مالك على جميعها الاستحباب. وبقولنا فى تأكيد غسل الإحرام قال الشافعى فى جماعة العلماء، ولم يقل بوجوبه إلا الحسن وعطاء فى أحد قوليه، وقال أهل الظاهر لهذا الحديث، وقال الكوفيون والأوزاعى: وهو يجزئ منه، كأنهم رأوه مستحباً، وروى عن عطاء أيضاً. وفى الحديث أن الحيض والنفاس لا ينافى عمل الحج كله، إلا ما يتعلق بدخول المسجد من الطواف والركوع بعده، وما يتصل به من السعى، كما قال - عليه السلام -: " وافعلى ما يفعل الحج غير ألا تطوفى بالبيت " (¬1) ولا خلاف بين العلماء فى ذلك كله، إذ لا يجوز دخول غير الطاهر المسجد، ولا صلاة بغير طهور. وفيه جواز الإحرام بغير صلاة؛ إذ لا تصح منها الصلاة، وقد تقدمت المسألة قبل. وقوله: " [بالشجرة] (¬2) "، وفى الرواية الأخرى: " بذى الحليفة "، وفى رواية مالك: " بالبيداء ": فكلها مواضع متقارب بعضها من بعض، والشجرة بذى الحليفة، والبيداء طرف منها، فمحتمل أن نزولها بسبب الولادة كان بالبيداء (¬3)، لتبعد عن الناس، فذكر فى هذا الحديث منزلها حقيقةً، وكان نزول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ بذى الحليفة من حيث أهل، وهناك بات، وهى عند الشجرة، فسمى منزل الناس كلهم باسم منزل إمامهم، والله أعلم. وفيه ما عُلمَ من عادة الصحابة من تحمل السنن بعضهم عن بعض بحضرة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واكتفائهم بذلك عن سماعها منه. وفيه سؤال الرجل عما يلزم من يقوم عليه ومراعاته (¬4) أمر دينهم ودنياهم. ¬

_ (¬1) سيأتى فى الباب القادم برقم (120). ورواه مالك فى الموطأ، ك الحج، ب دخول الحائض مكة 1/ 411، وكذا البخارى، ك الحج، ب تقضى الحائض المناسك كلها إلا الطواف 3/ 195، وأيضاً النسائى، ك الحج، ب ما يفعل من أهل بالحج وأهدى 5/ 245 مختصراً. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬3) الموطأ، ك الحج، ب الغسل للإهلال 1/ 322. (¬4) فى س: ومراعاة.

(17) باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه

(17) باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحلّ القارن من نسكه 111 - (1211) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ العُمرَةِ، ثُمَّ لا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا " قَالَتْ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَشَكَوتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " انْقُضِى رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِى، وَأَهِلِّى بَالحَجِّ وَدَعِى العُمْرَةَ ". قَالَتْ: فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حجة الوداع، فمنا من أهلّ بعمرة، ومنا من أهل بالحج " الحديث، وفيه: " ولم أهل إلا بعمرة "، قال الإمام: [ذكرت أنها أهلّت بعمرة] (¬1)، وذكرت (¬2) فى غير هذا: " خرجنا لا نرى إلا الحج ": فيحتمل أن يكون قولها أن ذلك كان اعتقادها [من] (¬3) قبل أن يهل، ثم أهلت بعمرة، ويحتمل أن تريد بقولها [لا ترى] (¬4) حكاية عن فعل [غيرها من] (¬5) فعل (¬6) الصحابة، ولم ترد نفسها. قال القاضى: وقال الداودى: وذكر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلَّ منتظراً لما يؤمر به من إفراد أو قران، أو تمتع، وذكر الخطابىّ (¬7) حديثاً فى ذلك عن جابر بن عبد الله، وأنه - عليه السلام - أحرم من ذى الحليفة إحراماً موقوفاً، وخرج ينتظر القضاء، فنزل الوحى عليه وهو على الصفا فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه هدى أن يحج، ومن ليس معه هدى أن يجعله عمرةً. واختلفت الآثار عن عائشة فيما فعلته اختلافاً كثيرًا فذكر [منها] (¬8) مسلم ما تقدم، وذكر - أيضاً - عنها فى حديث القاسم: " لبينا (¬9) بالحج "، وعنها فى حديثه - ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من هامش س. (¬2) فى ع: وقالت. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى هامش ع. (¬5) سقط من ع. (¬6) فى س: جل. (¬7) انظر: معالم السنن 2/ 302. (¬8) ساقطة من س. (¬9) فى س: لبيت.

قَضَيْنَا الحَجَّ أَرْسَلَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ. فَقَال: " هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتكِ " فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضاً - " خرجنا مهلين بالحج "، وفيه حين أمر الناس بالعمرة، قولها: " سمعت كلامك فمنعتُ العمرة " (¬1)، وقوله لها: " عسى الله أن يرزقكيها (¬2) " وفى حديث آخر عنها لا يذكر إلا الحج، وكل هذا يُصرح أنها أهلت بالحج، وذكر عنها من رواية الأسود: " نلبى لا نذكر حجاً ولا عمرة "، فاختلف تأويل العلماء فى الكلام على هذا، فقال مالك: ليس العمل على حديث عروة عن عائشة عندنا قديماً ولا حديثاً، وذهب بعضهم إلى [ترجيح الحديث بأنها كانت مهلةً بالحج، بدليل أنها رواية عمرة والأسود، والقاسم، وغلطوا] (¬3) رواية عمرة (¬4) فى العمرة، وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضى. ورجحوا - أيضاً - رواية غيره، بأن عروة قال فى حديث حماد بن زيد عن هشام عنه: حدثنى غير واحدٍ؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " دعى عمرتك " فقد أبان أنه لم يسمع الحديث منها، ولا بيان فى هذا، فقد يحتمل أنها ممن حدثه ذلك. قالوا: [ولأن] (¬5) رواية عمرة: والقاسم نسقت (¬6) عمل عائشة فى الحج من أوله إلى آخره؛ ولهذا قال القاسم فى رواية عمرة: " أنباتك بالحديث على وجهه "، وقالوا فى رواية عروة: إنما أخبر عن مآل حالها، وأن الجمع بين ذلك ممكن، وكان إهلالها بالحج كما نص عليه أولئك أولاً، وكما أنه الأثبت، والصحيح عن النبى - عليه السلام -[وأصحابه] (¬7)، ثم أهلت بالعمرة حين أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أصحابه] (¬8) بفسخ الحج فى العمرة، وهذا فسّرهُ القاسم فى حديثه، فأخبر عروة عنها باعتمادها الآخر، الذى جرى فيه الحكم فى حيضها قبل تحللها منه، ولم يذكر أول أمرها. وقد يعارض هذا بما جاء مما أخبرت به عن فعل الناس واختلافهم فى الإحرام مما سنذكره، وأنها هى إنما أهلت به بعمرة، فقد يتأول هذا على ثانى فعلها أو استقرار أمر الناس على مفرد أو قارن ممن (¬9) معه من الهدى، وتمتع بالعمرة إلى الحج كما سنذكره، ولم يكن معها هى هدى فلم تقرن، وأهلت حين الفسخ بعمرة، بخلاف من كان معه ¬

_ (¬1) فى نسخة النووى: " فسمعتُ بالعمرة " دون لفظ " فمُنعتُ العمرة ". (¬2) فى س: يرزقها. (¬3) سقط من س. (¬4) فى س: عروة. (¬5) فى الأصل: وبأن، والمثبت من س. (¬6) فى س: بسفت. (¬7) ساقطة من س. (¬8) من س. (¬9) فى س: من.

112 - (...) وحدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شَهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ هدى ممن أردف العمرة على حجة، كما سيأتى إن شاء الله. قال الإمام: واختلف الناس ما الأفضل: هل الإفراد أم القران أم التمتع؟ فقال مالك (¬1) وغيره: الإفراد، وقال أبو حنيفة (¬2) بالقران، وقال الشافعى (¬3) وأهل الظاهر: التمتع، وسننبه على ما احتج به هؤلاء، وعلى ما اختاروه فيما بعدُ. واختلف الرواة - أيضاً - فيما فعله النبى - عليه السلام - هل كان إفراداً أم قراناً أم تمتعاً؟ وقد اعترض بعض الملحدة على هذا الاختلاف، وقالوا: هى فعلةٌ واحدةٌ، فكيف اختلفوا فيها هذا الاختلاف المتضاد، وهذا يؤدى إلى الخلف فى خبرهم، وقلة الثقة بنقلهم، وعن هذا الذى قالوا (¬4) ثلاثة أجوبة: أحدها: أن الكذب إنما يدخل فيما طريقة النقل، ولم يقولوا: أنه - عليه السلام - قال لهم: إنى فعلت كذا، بل إنما استدلوا على معتقده بما ظهر لهم من أفعاله، وهو موضع تأويل، والتأويل يقعُ فيه الغلط، فإنما وقع لهم فيما طريقة الاستدلال لا النقل. والجواب الثانى: أنه يصح أن يكون - عليه السلام - لما أمر بعض أصحابه بالإفراد، وبعضهم بالقِران، وبعضهم بالتمتع، أضاف النقلة إليه ذلك فعلاً، وإن كان إنما وقع [ذلك] (¬5) منه قولاً، فقالوا: فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، كما قالوا: رجم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماعِزاً وقتل السلطان اللص، أى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمه والسلطان بقتله. والجواب الثالث: أنه يصح أن يكون - عليه السلام - قارناً، وقرن بين زمان إحرامه بالعمرة وإحرامه بالحج، فسمعت طائفة قوله الأول: " لبيك بعمرة "، فقالوا: كان معتمراً، وسمعت طائفة قوله آخراً: " لبيك بحج (¬6) " فقالوا: كان مفِرداً، وسمعت طائفة القولين معاً، فقالوا: كان قارناً، وهذا التأويل يكون فيه حجة لأبى حنيفة [فى قوله] (¬7): إن القران أفضل إذا كان هو الذى فعله - عليه السلام. قال القاضى: قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث من علمائنا وغيرهم، فمن ¬

_ (¬1): (¬3) انظر: الاستذكار 11/ 134 وما بعدها. (¬4) فى س: قالوه. (¬5) ساقطة من س. (¬6) فى الأصل: لحج، والمثبت من س، المطبوعة. (¬7) من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مجيز مُنْصفٍ، ومن مقصر متكلف، ومن مطيل مكثر، ومن مقتصد (¬1) مختصر، وأوسعهم [نفساً فى ذلك] (¬2) أبو جعفر الطحاوى الحنفى المصرى، فإنه تكلم فى ذلك فى نيف على ألف ورقة، وتكلم فى ذلك [أيضاً] (¬3) معه أبو جعفر الطبرى، وبعدهما أبو عبد الله بن أبى صفرة وأخوه المهلب، والقاضى أبو عبد الله بن المرابط، والقاضى أبو الحسن بن القصار البغدادى، والحافظ أبو عمر بن عبد البر، وغيرهم، وأولى ما يقال فى هذا على ما فحصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم (¬4)، مما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث: أن النبى - عليه السلام - أباح للناس فعل هذه الثلاثة أشياء ليدل على جواز جميعها؛ إذ لو أمر بواحد لكان غيره لا يجزئ، وإذا (¬5) كان - عليه السلام - لم يحج سوى هذه الحجة، فأضيف الكل إليه كما تقدم، وأخبر كل واحدٍ بما أمره (¬6) به، وأباحه [له] (¬7) ونسبه إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إما لأمره بذلك أو لتأويله عليه، وأما فى حقه - عليه السلام - فأخذ بالأفضل أنه إنما أهل بالحج مفرداً، وبه تظاهرت الأخبار الصحيحة. [وأما] (¬8) الروايات بأنه أهل معتمراً ضعيفةٌ إن لم تصرف إلى أمره، وفعل بعض الصحابة وما جاء بأنه (¬9) أهل بهما جميعاً، وأنه كان قارناً فحالة ثابتة (¬10) له، والله أعلم، وذلك حين [أمر] (¬11) أصحابه بالتحلل بالعمرة من حجهم؛ لمخالفة الجاهلية، إلا من معه الهدى، ممن لا يمكنه التحلل، فيكون - عليه السلام - حينئذ هو وغيره ممن ساق الهدى أردف العمرة، مواساةً لهم فى فعلها فى أشهر الحج، وتأنيساً لما كانوا ينكرونه، ولم يمكنه التحلل لأجل الهدى، واعتذر لهم بذلك عن مساواتهم له فى كل حال، فكان - عليه السلام - بفعله هذا قارناً وإن كان حكم القران عن مالك وكافة العلماء إرداف الحج على العمرة، ما لم يطف بالبيت، لم يختلفوا فى جواز هذا وكونه قراناً، وشذ بعض الناس فقال: لا يدخل إحرام على إحرام، كما لا تدخل صلاة على صلاة. واختلفوا فى إرداف العمرة على الحج، فأجاز ذلك أصحاب الرأى، وقالوا: يكون قارناً [اتباعاً] (¬12) لظاهر هذه الأحاديث، ومنعها غيرهم، واختلف قول الشافعى فى ذلك، وحُكى المنع عن أبى حنيفة وأصحابه أيضاً، [أن] (¬13) يكون فعل النبى - عليه السلام - هذا خصوصاً لضرورة الاعتماد حينئذ فى أشهر الحج بفسخ الحج فى العمرة، وكذا (¬14) ¬

_ (¬1) فى س: مقصرٌ. (¬2) فى س: فى ذلك نفساً. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى س: اختياريهم. (¬5) فى الأصل: وإذ، والمثبت من س. (¬6) فى الأصل: أمر، والمثبت من س. (¬7) من س. (¬8) ساقطة من س. (¬9) فى س: أنه. (¬10) فى س: ثانية. (¬11) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬12) و (¬13) سقطا من س. (¬14) فى س: وكذلك.

بِحَجٍّ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ ". قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِى، وَأَمْتَشِطَ، وَأَهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ العُمْرَةَ. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا قَضَيْتُ حَجَّتَى، بَعَثَ مَعِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتأول قول من قال: إنه متمتع، أى تمتع بالعمرة فى أشهر الحج، بفعلها مع الحج؛ إذ لفظة (¬1) المتعة بالعمرة تنطلق (¬2) على معانٍ كثيرة عند العلماء، سنذكرها بعد، فتجمع (¬3) الأحاديث وتأتلف على هذا، ولا يبعد رد ما جاء عن الصحابة فى فعل ذلك إلى مثل هذا مع الروايات الصحيحة أنهم أحرموا بالحج، فيكون الإفراد لما فعلوه أولاً، والقران لمن اعتمر ممن معه هدى وأردف عمرته على الحج والتمتع، لفسخهم الحج فى العمرة، ثم إهلالهم بالحج بعد التحلل منها، كما فعله كل من لم يكن معه هدى، والله أعلم بالصّواب. وقد قال بعض علمائنا: إنه - عليه السلام - أحرم منتظراً ما يؤمر به من إفراد أو تمتع أو قرانٍ؛ إذ كان أمر بالآذان بالحج مطلقاً، كما ذكرناه عن أحمد بن نصر الداودى وأبى سليمان الخطابى، وحديث جابر [بن عبد الله] (¬4)، قالوا: فأحرم بالحج مفرداً لظاهر أمر الله به له، فنقل ذلك عنه من سمعه حينئذ، ثم زاد فى تلبيته ذكر العمرة، ولعل ذلك لقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} (¬5)، فنقل ذلك عنه من سمع القرآن هنا تلبية أيضاً ولم يسمع ما قبله، ثم جاءه الوحى بالعقيق على ما جاء فى الحديث الصحيح بقوله: " صل فى هذا الوادى المبارك، وقل عمرة فى حجة " (¬6)، فنقل التمتع عنه من نقله، ولعل من نقل القران نقله من هذا اللفظ، وما تقدم قبل أبين وأحسن فى التأويل، والله أعلم. قال الإمام: وأما قوله لعائشة: " وأهلى لحج واتركى العمرة ": فقيل: ليس المراد هاهنا بترك العمرة إسقاطها جملة وإنما المراد ترك فعلها مفردة، وإرداف الحج عليها حتى تصير قارنة، ويؤيد هذا أن فى بعض طرقه: " وامسكى عن العمرة "، ويؤيده - أيضاً - أنه - عليه السلام - ذكر بعد هذا أنه قال لها يوم النفر (¬7): " يسعك طوافك لحجك وعمرتك " فأتت، فأمرها - عليه السلام - أن تمضى مع [عبد الرحمن أخيها] (¬8) فتعتمر، فإن عُورضنا فى هذا التأويل بقوله فى آخر الحديث لما مضت مع أخيها: " هذه مكان ¬

_ (¬1) فى س: لفظ. (¬2) فى س: ينطلق. (¬3) فى س: فتجتمع. (¬4) من س. (¬5) البقرة: 196. (¬6) البخارى، ك الحج، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العقيق وادٍ مبارك " 2/ 167. (¬7) فى س، ع: النفرة. (¬8) ثم فى س: أخيها عبد الرحمن.

ابْنَ أَبِى بَكْرٍ، وَأَمَرَنِى أَنْ أَعْتَمِرَ مِن التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِى، الَّتِى أَدْرَكَنِى الحَجُّ وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرتك " قلنا: يحتمل أن يكون ذلك لأنها أرادت أن تكون لها عمرة مفردة، كما كانت أحبت أن تفعل أولاً، فقال - عليه السلام - لها: هذه مكان التى أردت إفرادها. قال القاضى: ويدل عليه قوله - عليه السلام - فى حديث أبى أيوب الغيلانى: " فأهللت منها - يعنى من التنعيم -[بعمرة] (¬1)، جزاءً بعمرة الناس التى اعتمروا ". قال الإمام: وقد قيل: إنها كانت من جُملة من فسخ الحج فى عمرة، ولم تشرع فى العمرة حتى حاضت، فأمرها - عليه السلام - أن تبقى على حكم الحج من غير فسخ. قال القاضى: ويكون على هذا التأويل، وهو أظهر على ما قدمنا (¬2) أنها كانت حاجة. معنى قوله لها: " أهلى بالحج ": أى استديمى فعله، إذ لم يتفق لها فسخه بالعمرة والتحلل منه لأجل عذرها المذكور، ويعضد هذا قوله فى الحديث الآخر: " كونى فى حجك " ولأن رفض الإحرام لا يصح عند مالك وأصحابه، فلما لم يمكنها فسخ حجها فى عمرة بقيت على حجها، أوجدت (¬3) [هذا] (¬4) الإهلال به؛ إذ كانت نوت رفضه والتحلل منه، وقد قال مالك والشافعى وأبو حنيفة وأبو ثور ومن وافقهم، فى المعتمرة تحيض قبل الطواف، وتخشى فوت عرفة، أنها تهل بالحج، وتكون كمن قرن، خلافاً للكوفيين بأنها ترفض العمرة أخذاً بظاهر هذا الحديث، ومما يدل أن اعتمار عائشة غير قضاء، وإنما كان تحللاً منها رغبة فى عمرة منفردة كما فعله أكثر الناس، [وظاهر الأحاديث كلها أنَّ عائشة كانت قد أحرمت، خلافاً لما تأوله الداودى من قوله: يحتمل أنَّ عائشة لم تحرم بعد، وأن معنى قوله: " دع العمرة ": أى لا تهل بها وأهل بالحج، ولا معنى لهذا، لأَنَّ آخراً منه قد تقدم بالمدينة وهذا الكلام بمكة] (¬5). وقوله فى حديث جابر: " وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهلاً إذا هويت الشىء تابعها عليه "، قال الإمام: وقوله - عليه السلام - لها: " انقضى رأسك وامتشطى ": تأول بعض شيوخنا أنها تحمل على أنها كانت مضطرة لذلك لأذىً برأسها، فأباح لها ذلك كما أباح لكعب بن عجرة الحلاق لأذى برأسه، وقد ذكر فيه تأويل ثان فيه تعسف، وهو أنها ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى س: قدمناه. (¬3) فى الأصل: جدى، والمثبت من س. (¬4) ساقطة من س. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من س.

113 - (...) وحدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ أَكُنْ سُقْتُ الهَدْىَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ، فَلَيُهْلِلْ بِالحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ لا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلّ مِنْهُمَا جَمِيعًا ". قَالَتْ: فَحِضْتُ، فَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ أعادت الشكوى بعد جمرة العقبة، فأباح لها الامتشاط حينئذ، وهذا بعيد من ظاهر لفظ الخبر. قال القاضى: وقد ذكر الخطابى - أيضاً - فيه تأويلاً آخر، أنه كان من مذهبها: أن المعتمر إذا دخل مكة كان له أن يستبيح ما يستبيحه المحرم إذا رمى جمرة العقبة، ومالك قال: حديث عروة عن عائشة فى هذا ليس عليه العمل عندنا قديماً ولا حديثاً، وقد يكون هنا نقض الرأس والامتشاط حل شعرها لغسل الإحرام بالحج، لا سيما أن كانت لبدت، فلا يصح لها غسل للإهلال إلا بنقض ضفره، وإدخال أصابعها بالماء فيه؛ ليتحلل تلبيده، ويصل الماء إلى جميعه، [وقد] (¬1) يكون المراد بمشطه تسريحها له بأصابعها للغسل، لا بالمشط الذى يزيل القمل، ويذهب الشعث، هذا إذا قلنا: إنها كانت رفضت فعلها الأول من حج، ونوت فسخه فى العمرة، أو نوت رفض العمرة على القول أنها كانت اعتمرت، وعلى القول بأن العبادات ترتفض، ولقوله فى حديث جابر عنها فى هذا الحديث: " فاغتسلى ثم أهلى بالحج "، وقد جاء فى البخارى (¬2) من رواية بعضهم فى حديث عائشة: " هذه مكان عمرتى التى نَسَكْتُ "، فإن صحت هذه الرواية فهى مما يحتج بها من تأول أنها فعلت ذلك لضرورة وشكوى، ورواية أبى ذر، و (¬3) الأصيلى عن الجرجانى [فى] (¬4) هذا الحرف: " نسكت " وعند المروزى: " سكت " قال الأصيلى: معناه: سَكتَ (¬5) عنها، فهاتان الروايتان تدل أنها لم يرفضها، وقال بعضهم: إنما أمرها بنقض رأسها والامتشاط، يعنى بأصابعها، لتخليل شعر رأسها عند طهورها من الحيضة، وهذا فيه بُعدٌ؛ [لأن ظاهر] (¬6) أمره لها بذلك فى الحال لا فى المآل. وقوله - عليه السلام -: " من كان معه هدى فليهل بالحج مع العمرة "، قال الإمام: يحتمل أن يكون قال لهم ذلك عند عقد الإحرام ليكون ما فعلوه قراناً، أو (¬7) قال ذلك بعد ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) البخارى، ك العمرة، ب العمرة ليلة الحصبة وغيره 3/ 4. (¬3) فى س: فى. (¬4) من س. (¬5) فى س: سنكت، وهو تصحيف ولا وجه له. (¬6) فى الأصل: لأنه ظاهره، وما أثبتناه من س. (¬7) فى س: و.

دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى كُنْتُ أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِى؟ قَالَ: " انْقُضِى رَأْسَكِ، وَامَتَشِطِى، وَأَمْسِكِى عَنِ العُمْرَةِ، وَأَهِلِّى بِالحَجِّ ". قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَيْتُ حَجَّتِى أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِى، فَأَعْمَرَنِى مِنَ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِى الَّتِى أَمْسَكْتُ عَنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ إحرامهم بالعمرة المفردة، فيكون ذلك إردافاً، وقد قال أبو حنيفة: المعتمر فى أشهر الحج المريد للحج إذا كان معه هدى فلا يحل من عمرته، ويبقى على إحرامه حتى يحج، تعلقاً بظاهر هذا الحديث، وقد قلنا: [إنه] (¬1) يحتمل أن يكون أمرهم بذلك عند عقد الإحرام، فلا يكون له فيه حجة، وتعلق - أيضاً - بإخباره - عليه السلام - أن المانع له من الإحلال سوق الهدى، واعتذر بذلك لأصحابه لما أمرهم بالإحلال وهذا لا يسلم [له] (¬2)؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن معتمراً، وقد أخبرت عائشة أن الذين أهلوا بالعمرة طافوا وسعوا وحلوا، ولم يفرق بين من كان معه هدى أو لم يكن. قال القاضى: الذى يدل عليه المنصوص فى صحيح البخارى ومسلم وغيرهما من رواية عائشة وجابر وغيرهما، أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال لهم هذا [القول] (¬3) بعد إحرامهم بالحج ومنتهى سفرهم، ودنوهم من مكة بسرِف على ما جاء فى حديث عائشة، وبعد طوافه بالبيت وسعيه على ما جاء فى حديث جابر، ويحتمل تكراره الأمر بذلك بالموضعين، وأن العزيمة كانت آخراً، على ما تذكره بعد خبر أمرهم بفسخ الحج فى العمرة، ومخالفة الجاهلية بإنكار الاعتمار فى أشهر الحج، ولما امتنع من معه هدى الإحلال حتى يبلغ الهدى محله، ولم يمكنه فسخ حجه بعمرة أمره - عليه السلام - بالاعتمار، وإدخاله على الحج، فيكون قراناً، ويكون معنى " يهل بالحج مع العمرة ": أى يُضيف إلى حجه عمرة ويَجمعَهُما، وكان هذا - والله أعلم بمراد نبيه - للضرورة، إذ لم يمكنهم الفسخ حتى يكون جميعهم معتمراً، كما كان الفسخ لهم خاصة، للعلة المذكورة قبله، وبهذا يتأول قران من قرن ورواية من روى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن ليكون معتمراً كما اعتمروا، ويكون هذا بما روى عنه وعنهم بالتلبية بهما جميعاً، لا أن ذلك كان أول الإحرام، ويدل على أنهم كانوا مفردين أولاً قوله - عليه السلام -: " من لم يكن معه هدى فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل "، ولو كانوا قارنين لقال: فليجعلهما عمرةً، أو فليتحلل بعمرته. قال الإمام: [وقولها] (¬4): " وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً ": فيه حجة على أبى حنيفة فى قوله: " إن القارن لا يطوف طوافاً واحداً "، وقد ¬

_ (¬1) فى هامش س. (¬2) من س. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى هامش س.

114 - (...) حدَّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ ". قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالعُمْرَةِ وَالحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالعُمْرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تأول قولها: " طوافاً واحداً ": أى طوافين على صفةٍ واحدةٍ، وهذا فيه بعد، ويؤيد قولنا قوله - عليه السلام - أيضاً - المتقدم: " يسعك طوافك يجزيك لحجك وعمرتك ". قال القاضى: فى هذا الحديث دليل على أنها لم ترفض العمرة [كرهً] (¬1)؛ إذ جعل الطواف يجزئ لهما جميعاً (¬2)، على هذا كانت العمرة مقدمة أو مؤخرة على ما ذكرناه. قال الإمام: وذكر قول عائشة: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل بحج ": فيه حجةٌ لمالكٍ على أن الإفراد أفضل؛ لأن عائشة تعلم من حال النبى - عليه السلام - فى حله وحُرمهِ ما تعرف المرأة من زوجها، فكانت روايتها أرجح، ولمالك - أيضاً - حديث جابر، وقد استقصى فيه ما جرى فى حجته - عليه السلام - وذكر الإفراد. قال القاضى: وقد ذكر مسلم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد من رواية أبى سعيد، وابن عمر، وابن عباس - أيضاً - وعن أسماء نحوه. قال الإمام: ومما يرجح به الإفراد أن الخلفاء بعده - عليه السلام - ورضى الله عنهم - أفردوا، ولو لم يكن - عليه السلام - مفرداً لم يواظبوا على ذلك، ويتفقوا على اختيار الإفراد؛ إذ لا يتركون فعله - عليه السلام - ويفعلون خلافه؛ ولأن الإفراد لا جبران فيه، فكان أفضل مما يجبر بالدم. قال القاضى: تقدم الخلاف فى ذلك، وبقول مالك قال الشافعى - فى أحدِ قوليه - وهو قول الأوزاعى وأبى ثور وابن الماجشون، وجماعة من الصحابة والتابعين والمروى من فعل أبى بكر وعمر وعثمان -[رضى الله عنهم] (¬3) - مدة خلافتهم، واختلف فى ذلك عن على، وبقول أبى حنيفة فى تفضيل القِران قال الثورى والمزنى وإسحاق والطحاوى، وذكر أنه مذهب على وإسحاق وجماعة من التابعين وغيرهم، وبقول الشافعى الآخر - فى أن التمتع أفضل - قال أحمد بن حنبل، وحكى عن إسحاق، وذهب أبو يوسف إلى أن ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: سواه، والمثبت من الأصل. (¬3) سقط من س.

115 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ، مُوَافِينَ لِهِلالِ ذِى الحِجَّةِ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، فَلَوْلا أَنِّى أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ ". قَالَتْ: فَكَانَ مِنَ القَوْمِ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِى يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِى، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " دَعِى عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِى رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِى، وَأَهِلِّى بِالحَجِّ ". قَالَتْ: فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ، وَقَدْ قَضَى اللهُ حَجَّنَا، أَرْسَلَ مَعِى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِى وَخَرَجَ بِى إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَضَى اللهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ التمتع والقران سواء، وهو أفضل من الإفراد، مع أنه لا خلاف بين العلماء أن الجميع جائز ومباح (¬1). وما روى عن عمر وغيره فى إنكار المتعة يأتى الكلام عليه ومعناه إن شاء الله. وقال بعضهم: ليس شىء من ذلك أفضل من بعض، لأن النبى - عليه السلام - لم يحج إلا مرةً وهو لا يمكن جمعه هذه الوجوه الثلاثة فى مرة، ولا بد من فعل أحدها، فليس مما يثبت عنه من ذلك من فعل ما فعل، ما يدل أنه الأرجح، وإنما يستدل بالأرجح على ما ثابر عليه، وهذا يُعكس عليه بأن يقال: إذا لم يمكن الجمع فاختياره لما اختار يدل أنه الأفضل. قال الإمام: وقوله لصفية: " عقْرى حَلْقى ": معناه: عقرها الله، وأصابها بوجع فى حلقها، وهذا ظاهره الدعاء عليها، وليس بدعاء فى الحقيقة، وهذا من مذهبهم معروف. قال أبو عبيد: صوابه: عقرى حلقى؛ لأن معناه: عقرها الله عقراً، قال غيره: مثل شفاه الله شفياً، ورعاه رعياً، وقيل: عقرى حلقى، بغير تنوين صوابٌ؛ لأن معناه: جعلها الله كذلك، فالألف للتأنيث، مثل: غضبى وحُبلى، وقيل: عقرى، أى جعلها الله عاقراً، وحلقى من قولهم: حلقت المرأة قومها بشؤمها. قال القاضى: قيل: يقال للمرأة: عقرى حلقى: أى مشؤومةٌ مؤذية، وقيل: تعقر ¬

_ (¬1) شرح معانى الآثار 1/ 159، الاستذكار 11/ 134 وما بعدها، المغنى 5/ 251، معرفة السنن 7/ 65.

ولَمْ يَكُنْ فِى ذَلِكَ هَدْىٌ وَلا صَدَقَةٌ وَلا صَوْمٌ. 116 - (...) وحدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلالِ ذِى الحِجَّةِ، لا نَرَى إِلا الحَجَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ " وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَثْلِ حَدِيثِ عَبْدَةَ. 117 - (...) وحدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لهَلالِ ذِى الحِجَّةِ، مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهَمَا. وَقَالَ فِيهِ: قَالَ عُرْوَةُ فِى ذَلِكَ: إِنَّهُ قَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا. قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ فِى ذَلِكَ هَدْىٌ وَلا صِيَامٌ وَلا صَدَقَةٌ. 118 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَة فَحَلَّ. وَأَمَّا مَن أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَلَمْ يَحلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. 119 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قومها وتحلقهم. وقال الأصمعى: يقال ذلك لأمر يعجب منه، وقيل: هى كلمة تقولها اليهود للحائض. قال الأصمعى: والعرب تقول: أصبحت أُمّه حالقاً: أى ثاكلاً، وقيل: ثكلى فتحلق أمه رأسها، وهى عاقر لا تلد، وقال الداودى: معناه: أنت طويلة اللسان لما كلمته بما يكره مأخوذ من الحلق الذى منه خروج الصوت، وكذلك عَقْرى مثله، من العقيرة وهو الصوت، وهذا تفسير خرج عن قول جميعهم لغة ومعنى، وعن مقتضى الحديث ومفهومه. وقوله: " لا بأس انفرى ": دليل أنه لا يلزم الحائض طواف الوداع، ولا الصبر حتى

عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا نَرَى إِلا الحَجَّ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حِضْتُ. فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْكِى. فَقَالَ: " أَنَفِسْتِ؟ " - يَعْنِى الحَيْضَةَ. قَالَتْ - قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " إِنَّ هَذَا شَىْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِى مَا يَقْضِى الحَاجُّ، غَيْرَ أَلا تَطُوفِى بِالبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِى ". قَالَتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالبَقَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تطهر، وعليه كافة الفقهاء خلافاً لبعض السلف. وقول عائشة: " نفست " وقولها فى الحديث الآخر: " طمثت "، وفى الآخر: "عَرَكت ": بفتح الراء، كلها بمعنى: حضت، يقال: حاضت المرأة، وتحيضت ونَفِسَتْ ونُفِسَت وعَرَكتْ وطِمِثت وطَمْثَتْ ودرست وعَصَرتْ، وفى هذين الحديثين وغيرهما خروج النساء إلى الحج مع أزواجهن، ولا خلاف فى وجوب الحج على المرأة كالرجل إذا استطاعته، لكن اختلف هل المحَرَمُ من الاستطاعة أم لا؟ لنهيه - عليه السلام - عن سفرها مع غير ذى محرم، على ما سنذكره بعد عند ذكر هذا الحديث، واختلفوا هل لزوجها منعها من حج الفريضة؟ فجمهورهم على أن ليس له ذلك، واختلف قول الشافعى، فوافق على هذا مرة، وقال مرةً: له منعها، ولم يختلفوا أن له منعها من حج التطوع. وقول عائشة: " خرجنا نلبى لا نذكر حجاً ولا عمرةً "، قال الإمام: يحتمل أن يكون قولها: " لا نذكر ": أى لا تنطق بذلك، وهذا مذهب مالك أن النية تجزئ فى ذلك دون النطق، ويحتمل أن تكون أنها أرادت أنها عقدت إحرامها مبهماً، وهذا أحد التأويلات - أيضاً - فى إحرامه - عليه السلام - فى حجته أنه كان أولاً مبهماً، حتى أوحى إليه بتعيين ذلك على خلاف المذكور فيه، والأظهر من التأويلين الأول وأنها أرادت النطق؛ لأنها ذكرت - فيما تقدم - أنها كانت أهلّت بعمرة، فيبعد تأويل الإبهام عليها. قال القاضى: هذا هو الصحيح الذى لا يجب أن يقال سواه، وهى تصرح فى غير حديث بإهلالهم بالحج، ولا يصح ما روى من الإبهام عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الرواية عن جابر وغيره من الصحابة تخالف فى الآثار الصحيحة المشهورة، وقوله: " لولا إنى أهديت لأهللت بعمرةٍ ". وقوله: " لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى معى، حتى أشتريه ثم أحل "، قال الإمام: يتعلق به من يقول: إن التمتع أفضل؛ إذ لا يتمنى - عليه السلام - إلا ما هو أفضل، ويحتمل أنه يريد بهذا الفسخ الذى هو خاصٌ لأصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجل مخالفتهم الجاهلية، ولم يرد بذلك المتعة التى يذهب إليها المخالف.

120 - (...) حدَّثنى سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ أَبُو أَيُّوبَ الغَيْلانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ المَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نَذْكُرُ إِلا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وإنما قاله - عليه السلام - تطييباً لأنفس الناس؛ ولأنه لم يمنعه أن يفعل هو ما أمرهم به إلا ما معه من الهدى، ولولا ذلك لفسخ حجه فى عمرةٍ كما أمرهم به، لا أنه قال ذلك متمنياً، وفيه دليل أنه لم يكن معتمراً، وإنما كان مفرداً. وقول عائشة: " فقضى الله حجنا وعمرتنا، ولم يكن فى ذلك هدى ولا صدقة ولا صوم "، قال القاضى: أى أتمه، وفيه حجةٌ أنها كانت فى حج مفرد ولم تكن متمتعةً ولا قارنةً؛ إذ لم يختلف العلماء فى وجوب الدم أو الصوم لمن لم يجد هدياً فيهما، إلا داود فى إسقاط دم القران، وأن عمرتها التى كانت بعد حجها لم تكن قضاءً وأنها (¬1) كانت مبتدأةً، وأن الاعتمار بعد الحج ليس بمتعة، ويكون هنا إخبارها عن نفسها خاصةً وأنها (¬2) كانت أحرمت بالحج ثم نوت فسخه فى العمرة، فلما حاضت ولم يتم لها ذلك رجعت إلى حجها، فلما أكملته اعتمرت، فلم تكن على هذا متمتعةً ولا قارنةً، ويكون قوله على هذا: أن " اقضى عمرتك " على ظاهره، وعلى رواية: " استمرى على عمرتك ": أى إحرامك الأول، والحج تسمى عمرةً، أو يكون الدم والصيام إنما يجب على المتمتعين والقارنين القاصدين [لذلك] (¬3)؛ لرفع مشقة أحد السفرين على ما عللوا به وجوب الدم، ويكون غير القاصد لذلك بخلافهم، وأما من فسخ من هؤلاء حجه فى عمرةٍ أو أضافها إليه بحكم أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُظهر الاعتمار فى أشهر الحج مخالفة للجاهلية، وليعلموا به فى حضرته فتطمئن نفوسهم لما كانوا عهدوه قبل من غلظ إنكار ذلك، والله أعلم. وقولها: " وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر ": هذا حكم القارن والمفرد، أنه لا يحل حتى يتم حجه، وهذا ما لا اختلاف فيه، لكن تعارضه الأخبار الأخر، الذى ألزمهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها فسخ الحج [فى العمرة] (¬4)، وأنهم حلوا، ولعل قولها فيمن معه هدى، كما جاء مفسراً فى الحديث الآخر: " فأحل الناس إلا من كان معه هدى، وكان الهدى مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذوى اليسار من أصحابه " وهو أولى ما يحمل عليه، بل لا يصح سواه؛ إذ هو حديث واحد، وحجةٌ واحدةٌ. وقوله فى الحيض: " هذا شىء كتبه الله على بنات آدم ": وظاهره العموم، وهو يرد قول من قال: أول ما أرسل الحيض على بنى إسرائيل، ويرد هذا - أيضاً - قوله تعالى ¬

_ (¬1) و (¬2) فى س: وإنما. (¬3) من س. (¬4) فى س: بالعمرة.

الحَجَّ، حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِى، فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكِ؟ ". فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَوَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ العَامَ. قَالَ: " مَا لكِ؟ لَعَلَّكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى قصة إبراهيم وهو جد بنى إسرائيل: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فضَحِكَت} (¬1)، قال أهل التفسير: أى حاضت، وهو معروف فى لغة العرب. وقوله: " لا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى ": دليل على منع الحائض - وإن انقطع عنها دمها - من دخول المسجد، وهو فى هذا أشد؛ لأن الطواف صلاة، وتتصل به الركعتان، ولا صلاة بغير طهارة، وفيه تنزيه المساجد عن الأقذار، والحائض والجنب، وقد تقدم من هذا قبل. وقولها: " فلما كانت ليلةً الحصبة ": بسكون الصّاد، أى ليلة النزول بالمحصّبِ، كما جاء فى الرواية الأخرى: " فلما طفنا بالبيت ونزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المحصب " وهى ليلة النفر. [والمحصب] (¬2): هو موضع بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب، وإليها يُضاف، ولذلك قال الشاعر: بالمحصّب من منى (¬3). ويعرف - أيضاً - بالبطحاء، والأبطح، وهو خيف بنى كنانة (¬4). قال الخطابى: وهو فم الشعب الذى يخرج إلى الأبطح (¬5)، وهو منزل النبى - عليه السلام - فى حجته، وبه كانت تقاسمت قريش على بنى هاشم وبنى المطلب فى شأن الصحيفة وقد اختلف السلف فى التحصيب، وهو النزول يوم النفر به، وصلاة الظهر والعصر والعشاءين به، ويخرج منه ليلاً [إلى] (¬6) مكة كما فعل النبى - عليه السلام -[به] (¬7) اقتداءً بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال به بعضهم، وقاله الشافعى ومالك ولم يره بعضهم، وقال: إنما هو منزل نزله النبى - عليه السلام - ليكون أسمح لخروجه، يعنى للمدينة، مع اتفاقهم على أنه ¬

_ (¬1) هود: 71. (¬2) من س. (¬3) قال الأصمعى: المحَصَّب حيث يرمى الجمار وأنشد: أقام ثلاثاً بالمحصب من منى ... ولما يبن للناعجات طريق اللسان، مادة " حصب ". (¬4) وجاء حديث بهذا، ذكره ابن ماجة: ك المناسك، ب دخول مكة، من طريق عبد الرزاق 2/ 981، وفى مصنف عبد الرزاق 5/ 202. (¬5) قال الخطابى فى معالم السنن: والتحصيب إذا نفر الرجل من منى إلى مكة للتوديع، أن يقيم بالشعب الذى يخرجه إلى الأبطح، حتى يهجع بها من الليل ساعة، ثم يدخل مكة. انظر معالم السنن 2/ 431. وأظن أن كلمة القاضى: " فم " وهم وتصحيف من الناسخ أو القاضى، ولقد نقلها الأبى أيضاً. انظر السابق. (¬6) ساقطة من س. (¬7) ساقطة من س، ولا وجه لها.

نَفِسْتِ؟ " قُلْتُ: نَعَم. قَال: " هَذَا شَىْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَم، افْعَلِى مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَلا تَطُوفِى بِالبَيْتِ حَتَّى تَطهُرِى ". قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: " اجْعَلُوهَا عُمْرَةً "، فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْىُ. قَالَتْ: فَكَانَ الهَدْىُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِى اليَسَارَةِ، ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهَرْتُ، فَأَمَرَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْضْتُ. قَالَتْ: فَأُتِينَا بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ نِسَائِهِ البَقَرَ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس من نسك الحج، وسيأتى بعد هذا أمره لها ولعبد الرحمن أن تعتمر من التنعيم، يقتضى أن الإحرام بالعمرة إنما يكون من الحل؛ لأن النسك يقتضى الجمع بين الحل والحرم، وعمل العمرة كله فى الحرم فلابد من الإحرام لها من الحل، والمعتمر أقرب إلى البيت وهو قول الجمهور. واختلفوا فيمن اعتمر من مكة ولم يخرج إلى الحل، فذهب أصحاب الرأى، وأبو ثور [والشافعى فى قول: أن عليه دماً، كتارك الميقات، وقال عطاء: لا شىء عليه، وقال مالك] (¬1) والشافعى أيضاً: لا يجزئه ويخرج إلى الحل ثم يعيد عمل العمرة، وقال قوم: لابد من الإحرام من التنعيم خاصاً، وهو ميقات المعتمرين (¬2) من مكة. وقولها: " فأتينا بلحم [بقر] (¬3)، فقلت: ما هذا؟ قال: أهدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نسائه البقر ": فيه إهداء الرجل عن أهله ومن يمونه، وإن (¬4) لم يجب عليه ذلك، وهذه الهدايا - والله أعلم - كانت تطوعاً عنهن. وفيه جواز التطوع عن الرجل بالصدقة والعتق، وما يكون من باب المال، وإخراج الكفارات عمن وجبت عليه، وان لم تكن (¬5) بأمره. وعندنا فى هذا الباب اختلافٌ فى العتق الواجب بغير أمر المعتق عنه، وقد تأولها بعضهم أنه عن متعتهن أو قرانهن، ففيه جواز هذا البقر فى هذا، ولم يختلف فى جواز إهداء البقر إلا [شاذُّ] (¬6)، وقد روى أنه أهدى عن نسائه بقرة، [وروى أبو داود (¬7) أنه - عليه السلام - نحر فى حجة الوداع عن آل محمد بقرة] (¬8) واحدة، فيستدل بهذا من يرى الشريك فى الواجب، وقد تقدم الكلام والخلاف فيه، وأن مالكاً لا يراه، ويحتمل أنه ذبح عن كل واحدة بقرة، ويدل قوله: " البقر ": أنها جماعة، ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) فى س: المعتمر. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى س: وإنه. (¬5) فى س: يكن. (¬6) فى س: شاذاً. (¬7) أبو داود، ك الحج، ب فى هدى البقرة عن عائشة - رضى الله عنها 1/ 406. (¬8) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَتْ: فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِى عَلَى جَمَلِهِ. قَالَتْ: فَإِنِّى لأَذْكُرُ، وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، أَنْعُسُ فَيُصِيبُ وَجْهِى مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ، حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِى اعْتَمَرُوا. 121 - (...) وحدَّثنى أَبُو أَيُّوبَ الغَيْلانِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَبَّيْنَا بِالحَجِّ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِى. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ المَاجِشُونِ. غَيْرَ أَنَّ حَمَّادًا لَيْسَ فِى حَدِيثِهِ: فَكَانَ الهَدْىُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِى اليَسَارَةِ ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا، وَلَا قَوْلُهَا: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، أَنْعُسُ فَيصِيبُ وَجْهِى مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكون رواية من روى عنهن: " بقرة ": أى عن كل واحدة، وقد رواه [النسائى] (¬1) مفسراً؛ كذا عن نسائه بقرةً بقرةً، وهذا يرفع الإشكال، أو يكون أدخلهُن وشركهن فى ذلك مع نفسه كما يفعل فى الضحايا عن أهل البيت، كما قال: " عن آل محمد ". وقد اختلف المذهب عندنا فى تشريك أهل البيت فى هدى التطوع، وسيأتى الكلام عليه بعد هذا بأشبع إن شاء الله، وإذ قلنا: إنه تطوع فإنه يجوز الاشتراك فيه عند جميعهم، إلا فى أحد قولى مالك (¬2)، وأما قوله فى الرواية الأخرى فى هذا الحديث: " وضحى عن نسائه بالبقر ": فليس المراد بها الأضحية هنا، إذ لا أضحية على الحاج، وإنما معناه: أهدى، بدليل الروايات الأخر، لكن فى هذا اللفظ ما يُستروح إلى أنه تطوع، أى جعلها مكان الأضحية لغير الحاج. قال القاضى: قال مسلم فى هذا الباب: ثنا سليمان بن عبيد الله أبو أيوب الغيلانى. كذا لهم، وهو الصواب. ووقع عند السمرقندى: سليمان بن عبد الله. ¬

_ (¬1) هكذا فى س، وفى الأصل: الشيبانى: وهو وَهْم، والصواب ما ذكر؛ بدليل ذكر ابن القيم له فى تهذيبه على أبى داود، حيث ذكر أن النسائى ذكره عن إسرائيل عن عمار، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ذبح عنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حجنا بقرة بقرة. التهذيب 2/ 289. ولم نجدها فى نسخ النسائى التى تحت أيدينا من الصغرى والكبرى إلا بهذا الإسناد - أعنى إسناد ابن القيم - وبلفظ: " ذبح عنا رسول الله يوم حججنا بقرة " ك الحج، ب النحر عن النساء. الكبرى 2/ 452. (¬2) الاستذكار 12/ 318.

122 - (...) حدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوِيْسٍ، حَدَّثَنِى خَالِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الحَجَّ. 123 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، فِى أَشْهُرِ الحَجِّ، وَفِى حُرُمِ الحَجِّ، وَلَيَالِى الحَجِّ، حَتَّى نَزَلْنَا بِسَرِفَ، فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: " مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعهُ مِنْكُمْ هَدْىٌ، فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ. وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلا "، فَمِنْهُمُ الآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا، مِمِّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ. فَأَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مَعَهُ الهَدْىُ، وَمَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُمْ قُوَّةٌ، فَدَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - مهلين بالحج فى أشهر الحج وفى حرم الحج، وليالى الحج ": اختلف فى أشهر الحج، والمراد بقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَات} (¬1)، ما هى؟ فقيل: شوال وذو القعدة وذو الحجة، وهذا مشهور مذهب مالك، وروى عن ابن عباس وابن عمر وعامة العلماء على أنها شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة، والمراد عندهم بالآية فى أشهر معلومات، وروى مثله عن مالكٍ وابن عباس وابن عمر أيضاً، وقال الشافعى: شهران وتسعة أيام من ذى الحجة وليلة النحر دون يومه (¬2)، وفائدة الخلاف فى ذلك جواز تأخير طواف الإفاضة فى بقية الشهر ولا يكون عليه دم، وتأخيره حتى يخرج يوجب الدم، واختار ابن القصار هذا من قول مالك، وعلى القول الآخر - أيضاً - إذا غربت الشمس من يوم النحر حصل التحلل، وإن لم يطف ولم يرم جمرة العقبة. وقولها: " خرجنا موافين لهلال ذى الحجة ": على معنى المقاربة لقولها فى الحديث الآخر: " خرجنا لخمسٍ بقين من ذى القعدة "، وليس معناه: موافقين (¬3) للهلال. وقولها فى حديث القاسم حين أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحب أن يجعلها عمرةً: " فمنهم الآخذ [بها] (¬4) والتارك لها، ممن لم يكن معه هدىٌ " يدل أنهم بعد كلهم أصفقوا على فسخها فى عمرةٍ، والتحلل بها قوله - عليه السلام -: " افعلوا ما آمركم به "، وغضبه على من ترك فعل ذلك. ¬

_ (¬1) البقرة: 197. (¬2) انظر: القرطبى 2/ 405. (¬3) فى س: موافين. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

عَلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِى. فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكِ؟ ". قُلْتُ: سَمِعْتُ كَلامَكَ مَعَ أَصْحَابِكَ فَسَمعْتُ بِالعُمْرَةِ - فَمُنِعْتُ العْمْرَةَ - قَالَ: " وَمَا لَكِ؟ " قُلْتُ: لا أُصَلِّى قَالَ: " فَلا يَضُرُّكِ، فَكُونِى فِى حَجِّكِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا، وَإِنَّمَا أَنْتِ منْ بَنَاتِ آدَمَ، كَتَبَ اللهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ ". قَالَتْ: فَخَرَجْتُ فِى حَجَّتِى حَتَّى نَزَلْنَا مِنًى فَتَطَهَّرْتُ، ثُمَّ طُفْنَا بِالبَيْتِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ: " اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لْتَطُفْ بِالبَيْتِ، فَإِنِّى أَنْتَظِرُكُمَا هَاهُنَا ". قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فَأَهْلَلْتُ، ثُمَّ طُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَجِئْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى مَنْزِلِهِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ. فَقَالَ: " هَلْ فَرَغْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ، فآذَنَ فِى أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالبَيْتِ فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَدِينَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله لعائشة: " أو ما شعرت أنى أمرت الناس بأمر فإذا هم يتردَّدون " وقوله: " إنى أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديى لحللت كما تحلون " الحديث، وقولهم: " فحللنا وسمعنا وأطعنا ": فهذا يدل أنها كانت بعد عزمة منه، بعد أن خيرهم فى ذلك؛ لتأنس نفوسهم للاعتمار فى أشهر الحج وأيامه، ولا ينكرون ذلك على إلفهم فى الجاهلية، ألا تراه كيف قال فى حديث جابر: " فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا "، وقول عائشة فى هذا الحديث: سمعت كلامك مع أصحابك، فسمعت بالعمرة (¬1)، قال (¬2): " وما لك؟ " قالت: لا أصلى، قال: " لا يضرك، كونى فى حجك " كذا الرواية عند جمهور رواة مسلم، وفى كتاب ابن سعيدٍ: " فمنعت العمرة " وهو الصواب. وقوله: " كونى فى حجك ": أصح حجةً [على] (¬3) أنها لم تكن اعتمرت، ولا فسخت حجها، أى اثبتى على حجك. وقوله: " فعسى الله أن يرزقكها ": يعنى العمرة، والله أعلم، كما كان من اعتمارها بعد تمام حجها، وقد يحتمل أنه يريد أن يرزقك تمام حجك وتفوزى بأجره، وكذا ذكره البخارى (¬4). وقولها: " فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرجنا إلى المدينة ": فيه ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: العمرة. (¬2) فى نسخ الإكمال: فقال، والمثبت من الصحيحة المطبوعة. (¬3) ساقطة من س. (¬4) البخارى، ك الحج، ب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} 2/ 174.

124 - (...) حدّثنى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ المُهَلَّبِىُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ ابْنُ عُمَرَ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمَّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ مُفْرِدًا، وَمِنَّا مَنْ قَرَنَ، وَمِنَّا مَنْ تَمَتَّعَ. (...) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عُبيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَاءَتْ عَائِشَة حَاجَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة طواف الوداع، وأنه مشروعٌ مسنون، ولا خلاف فيه، وأبو حنيفة يوجبه. ومن سننه أن يكون آخر عمل الحج (¬1)، ويكون سفره بأثره وآخر عهده البيت (¬2)، ألا ترى كيف أخرهُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتمرت عائشة؛ لأنه كان ينتظرها بالمحصّب موضع مبيته، فلما أكملت ذلك طاف وخرج راجعاً، وهذا (¬3) قول جمهور العلماء، لكن رخص له مالك فى شراء بعض جهازه بعد طوافه وطعامه، وقاله الشافعى: إذا اشترى ذلك فى طريقه، ولم ير مالك طوله إلا يوماً وليلة (¬4) فى أَشْهَرِ قولَيه، ولم ير اليومَ والليلة طولاً فى قوله الآخر، وأجاز أبو حنيفة إقامته ما شاء بعد (¬5)، وغيرهم لا يجيزون له الإقامة بعده، قليلاً (¬6) ولا كثيراً؛ لقوله - عليه السلام -: " ليكن آخر عهده الطواف بالبيت "، فمتى بقى بعده عند هؤلاء شيئاً أو عند مالك يوماً وليلةً لزمه إعادة الطواف، وسيأتى الكلام عليه بعد. ويدل أنه غير واجب، وأنّ طواف الإفاضة يجزئ منه قوله لصفية حين حاضت: " أو ما كنت طفت يوم النحر؟ " قالت: بلى، قال: " لا بأس، انفرى ". واختلف فيمن تركه فخرج ولم يطف، مع اتفاقهم على أنه إن كان قريباً رجع على اختلاف بينهم فى حد القرب، واتفاقهم على أنه إن تباعد حداً لم يرجع، فقال مالك: لا (¬7) دم عليه، وهو أحد قولى الشافعى، وقال جمهورهم: عليه الدم، وقد ذكرنا من خالف فى الحائض فى حديث صفية. وترك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر صفية بوجوب الدم عليها وتعليمها ومن حضر ذلك، وهو موضع تعليم دليلٌ أنّه لا يلزم مع قوله: " لا بأس "، وحكم كل من كان خارج مكة فى طواف الوداع ما تقدم، قَربَ منها أو بَعُدَ، دون أهل مكة نفسها عند جمهور العلماء وكافتهم، خلافاً لأصحاب الرأى فيمن قرب كأهل المواقيت وشبههم أنهم كأهل مكة لا يلزمهم طواف وداع. ¬

_ (¬1) فى س: الحاج. (¬2) فى س: بالبيت. (¬3) فى س: وهو. (¬4) فى الأصل: ليلته، والمثبت من س. (¬5) فى س: بعده. (¬6) فى س: لا قليلاً. (¬7) فى الأصل: ولا.

125 - (...) وحدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنِ بِلَالٍ - عَنْ يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِى القِعْدَةِ، وَلا نُرَى إِلا أَنَّهُ الحَجُّ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ، إِذَا طَافَ بِالبَيْتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، أَنْ يَحِلَّ. قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: أَتَتْكَ، وَاللهِ، بِالحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَّهَابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِى عَمْرَةُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 126 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ. ح وَعَنْ القَاسِمِ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ، وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: " انْتَظِرِى، فَإِذَا طَهَرْتِ فَاخْرُجِى إِلَى التَّنْعِيمِ. فَأَهِلِّى مِنْهُ، ثُمَّ أَلْقَيْنَا عِنْدَ كَذَا وَكذَا - قَالَ: أَظُنَّهُ قَالَ: غَدًا - وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ - قَالَ - نَفَقَتِكِ ". 127 - (...) وحدَّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ القَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ، قَالَ: لا أَعْرِفُ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا مِنَ الآخَرِ؛ أَنَّ أُمَّ المُؤْمِنِينَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسَكِيْنِ. فَذَكَرَ الحَدِيثِ. 128 - (...) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولكنه على قدر نصبك أو نفقتك ": أى أجرك فى هذا بقدر تعبك وسعيك فى العمرة، أو نفقتك فى ذلك، وهذا قد استدل به من يكره العمرة من مكة بعد الحج، وقد سئل عنها علىّ، فقال: هى خير من لا شىء. وقال على - أيضاً -: هى خير من مثقال ذرةٍ. وقالت عائشة: العمرة على قدر النفقة. وكرهها جماعةٌ من السلف.

وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا نَرَى إِلا أَنَّهُ الحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَطَوّفْنَا بِالبَيْتِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْىَ أَنْ يَحِلَّ. قَالَتْ: فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْىَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الهَدْىَ، فَأَحْلَلْنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: " أَوْ مَا كُنْتِ طفْتِ لَيَالِىَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ ". قَالَتْ: قُلْتُ: لا. قَالَ: " فَاذْهَبِى مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهِلِّى بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُك مَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث الأسود عن عائشة: " فلما قدمنا تطوفنا بالبيت، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لم يكن ساق الهدى أن يحل ": ونحو هذا فى حديث جابر: لا يعارضه ما جاء فى الأحاديث الأخر: أنه أمرهم بذلك حين دنوا من مكة، ويحتمل على أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كرّر أمرهم بذلك وحضهم عليه، فأمرهم أولاً بفسخ الحج فى العمرة، فلما طافوا أمرهم بالتحلل، فعلى هذا يجمع بين الخبرين. وقوله: " فلقينى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مُصعد من مكة وأنا منهبطة "، أو " أنا مصعدة وهو منهبط منها ": كذا جاء فى حديث الأسود، وجاء فى حديث القاسم: فجئنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فى منزله، فقال: " هل فرغت؟ " قلت: نعم، فأذن فى أصحابه فخرج فمر بالبيت وطاف، وفى حديث صفية بنت شيبة عنها: " فأقبلنا حتى أتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالحصبة ": ووجه الجمع من هذه الروايات أن بعث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعائشة مع أخيها بعد نزوله بالمحصب هو مفسر فى الحديث، وأنه الموضع الذى جعلت [منزله] (¬1) ووعدها أن تلحقه به، وهو مفسر أيضاً فى حديث آخر، ثم إنه - عليه السلام - خرج بطواف الوداع ثم رجع، وكذلك ذكر البخارى أنه - عليه السلام - رقد رقدةً (¬2) فى المحصّب، ثم ركب إلى البيت فطاف به (¬3). ويدل عليه لقاؤها له وهى سائرة إلى مكة لقضاء عمرتها [وهو صادرٌ عنها] (¬4)، فلقاؤها له قبل تمام عمرتها وفى عملها، وفى انصرافه هو من الطواف ونزولها عليه بالمحصب بعد تمامها. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بسهم فى الهامش. (¬2) الرقُّاد: النوم، والرقدة: النومة. وفى التهذيب: الرقود: النوم بالليل، والرقاد: النوم بالنهار، والمرقد: المضجع، وكذا الرقدة أن يصبك الحر بعد أيام ريح وانكسار من الوهج، وأرقد بالمكان: أقام به وكذا السير. (¬3) البخارى، ك الحج، ب من صلى العصر يوم النحر بالأبطح 2/ 221، ب طواف الوداع 2/ 220. (¬4) سقط من س، ولا فائدة لها.

كَذَا وَكَذَا ". قَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِى إِلا حَابِسَتَكُمْ قَالَ: " عَقْرى حَلْقَى، أَوْ مَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: " لا بَأْسَ، انْفِرِى ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقِيَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَا منهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مَنهَبِطٌ مِنْهَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: مُتَهَبِّطَةٌ وَمُتَهبِّطٌ. 129 - (...) وحدَّثناه سُويْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُلَبِّى، لا نَذْكُرُ حَجًّا وَلا عُمْرَةً. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَنْصُورٍ. 130 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكنه يبقى بعد هذا من الإشكال [قولها] (¬1): فجئنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فى منزله، فقال: " هل فرغت؟ "، قلت: نعم، فأذن فى أصحابه، فخرج فمر بالبيت وطاف، فيحتمل أن طوافه هذا غير طواف الوداع، وأنه أعاد؛ لأن منزله بالأبطح كان بأعلى مكة، وخروجه من مكة إنما كان من أسفلها، فلما رحل إلى المدينة واجتاز بمكة ليخرج من أسفلها على عادته ومر بالمسجد، كرر الطواف ليكون آخر عهده البيت. وقد جاء فى البخارى من رواية الأصيلى فى هذا الموضع: " فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن طاف بالبيت لا (¬2) فلم يذكر فى هذه الرواية أنه أعاد الطواف، وقد يحتمل أن طوافه - عليه السلام - هذا هو طواف الوداع، وهو أولى تأويلاته، وأنه لم يطف قبل، وأن لقاءه لعائشة كان حين انتقل من المحصب كما روى عبد الرزاق فى مصنفه: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كره أن يقتدى الناس بإناخته فى البطحاء فبعث حتى أناخ على ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها (¬3) يحتمل أن لقاءه لها كان فى هذا الرحيل، ثم طاف بعد الوداع، والله أعلم. ¬

_ (¬1) من س. (¬2) البخارى، ك الحج، ب طواف الوداع 2/ 220. (¬3) لم أجده فى مصنف عبد الرزاق، ولم أعثر عليه - أيضاً - فى ابن أبى شيبة.

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِى الحِجَّةِ، أَوْ خَمْسٍ. فَدَخَلَ عَلَىَّ وَهُوَ غَضْبَانُ. فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رسُولَ اللهِ! أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ. قَالَ: " أَوَ مَا شَعَرْتِ أَنِّى أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ؟ " - قَالَ الحَكَمُ: كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ أَحْسِبُ - وَلَوْ أَنِّى اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الهَدْىَ مَعِى حَتَّى أَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَحلُّ كَمَا حَلُّوا ". 131 - (...) وحدَّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ الحُسَيْنِ عَنْ ذَكَوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِى الحِجَّةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشَكَّ مِنَ الحَكَمِ فِى قَوْلِهِ: يَتَرَدَّدُونَ. 132 - (...) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ، فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالحَجِّ. فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّفْرِ: " يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ " فَأَبَتْ. فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أو ما شعرت أنى أمرت الناس بأمر، فإذا هم يترددون - قال الحكم: كأنهم يترددون، أحسب - ولو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ... " الحديث: كذا وقع هذا الكلام، ومعناه صحيح وإن كان فيه إشكال، وزاد إشكاله تغييرٌ فيه فى قوله: قال الحكم: " كأنهم يترددون "، وإنما صوابه: كأنه يترددون، وكذا ذكره ابن أبى شيبة عن الحكم، ومعنى ذلك: أن الحكم شك فى لفظه - عليه السلام - هذا، مع (¬1) ضبطه لمعناه، و [هل] (¬2) قال: يترددون؟ أو مثل هذا اللفظ وما فى معناه، ألا تراه كيف قال بعده: " أحسب ": أى أظن أن هذا لفظه، ويدل عليه قول مسلم بعد فى حديث غندر: ولم يذكر الشك من الحكم فى قوله: " يترددون ". قوله - عليه السلام -: " لو [أنى] (¬3) استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ثم أحل ": فيه حجة أنه كان مهلاً بالحج، ويفسره قوله فى الحديث الآخر: " ولأهللت بعمرة "، وقوله هذا تطييب لأنفسهم لما رأى من توقفهم عن الإحلال إذ لم يحل هو لما كانوا من التأسى به. ¬

_ (¬1) فى س: موضع. (¬2) ساقطة من س. (¬3) ساقطة من الأصل.

التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ. 133 - (...) وحدَّثنى حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَابِ، حَدَّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا؛ أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ، فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافكِ بَالصَّفَا وَالمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ ". 134 - (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، حَدَّثَتْنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: يَا رَسُولُ اللهِ، أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِأَجْرَيْنِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِى بَكْرٍ أَنْ يَنْطَلِقَ بِهَا إِلَى التَّنْعِيمِ. قَالَتْ: فَأَرْدَفَنِى خَلْفَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ. قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِى أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِى، فَيَضْرِبُ رِجْلِى بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ. قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالحَصْبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فاعتمرت بعد الحج ": يدل أنها غير قاضية لعمرةٍ، وإنما هى مبتدئة لها. وقوله: فى الحديث الآخر بعده (¬1): " يجزئ عنك طوافك عن حجك وعمرتك ": احتج به من يقول: إنها قارنة، وأن القارن إنما عليه طواف واحد، أنها (¬2) لم ترفض عمرتها قبل، [وقد] (¬3) تقدم كلامنا على نسك عائشة فى خاصتها بما فيه كفاية ومعنى " يجزئ " هنا: يكفى. وقوله فى الحديث الآخر: " فأهللت بعمرة ": جزاء بعمرة الناس: أى عوضاً عنها، ومنه: جزاء الصيد، أى ما يقوم مقامه، وأصله مما يقوم من المكافأة عن الشىء. وقولها: " فأردفنى خلفه ": فيه جواز إرداف ذوى المحارم وقربهن من محارمهن، وهذا فى مراكب (¬4) الجمال وما شاكلها مما لا يضغط الأرداف الأجسامَ بعضها إلى بعض، والله أعلم، وقد احتج بعضهم بحديث عائشة [هذا] (¬5) واعتمارها الآن مع عمرتها الأولى؛ على جواز العمرة فى السنة مرتين. وسيأتى الكلام فى ذلك والخلاف فيه إن شاء الله. ¬

_ (¬1) فى الأصل: بعد، والمثبت من س. (¬2) فى س: إنما. (¬3) ساقطة من الأصل، وما أثبتناه من س. (¬4) فى س: مركب. (¬5) من س.

135 - (1212) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، أَخْبَرَهُ عَمْرُو بْن أَوْسٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ، فَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. 136 - (1213) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - بِعُمْرَةٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ، حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ. قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: " الحِلُّ كُلُّهُ "، فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بالطِيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - فَوَجَدَهَا تَبْكِى فَقَالَ: " مَا شَأَنُكَ " قَالَتْ: شَأْنِى أَنِّى قَدْ حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الحَجِّ الآنَ. فَقَالَ: " إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِى ثُمَّ أَهْلِّى بِالحَجِّ "، فَفَعَلَتْ وَوَقَفَت المَوَاقِفَ، حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالكَعْبَة وَالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها فى هذا الحديث من رواية صفية بنت شيبة: " فجعلت أرفع خمارى أحسر عن عنقى ": بكسر السين وضمها، أى أزيله وأكشفه. وقولها: " فتضرب رجلى بِعِلَّةِ الراحلةِ، قلت له: وهل ترى من أحدٍ؟ ": كذا وقع فى كتاب مسلم من جميع الروايات، وهو كلام مختل. قال بعضهم: صوابه ثفنه (¬1) الراحلة، [أى] (¬2) فخذها، يريد ما خشن من مواضع مباركها، قال أهل اللغة: كل ما والى الأرض من كل ذى أربع إذا برك فهو ثفنه. قال القاضى: وحتى الآن لا يستقيم الكلام على هذا، ولا جوابها بقولها: " هل ترى من أحد؟ ": ولأن رجل الراكب قلما تبلغ ثفنها، ووجدته بخط شيخنا القاضى التميمى: ¬

_ (¬1) فى الأبى: تفنه، بالتاء الفوقية، ولا وجه لها، إذ هى بهذا المعنى: الوسخ، أو الظرد، كما ذكر ابن برى. (¬2) ساقطة من س.

ثُمَّ قَالَ: " قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا ". فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَجِدُ فِى نَفْسِى أَنَّى لَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ. قَالَ: " فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ "، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ. (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ " بعلة " (¬1) بباء واحدة، وعلم عليه علامة الجيانى، وفى بعض الأصول: " ثقلة " (¬2)، وكل ذلك وهم، والصواب عندى فى ذلك: فيضرب رجلى بنعلة (¬3) السيف، يعنى أخاها لما حسرت خمارها عن عنقها، ولذلك قالت له: " وهل ترى من أحدٍ؟ " والله أعلم. وقوله فى حديث جابر عن عائشة: " حين طهرت وطافت ": يقال: طهرت المرأة من حيضها، بفتح الهاء وضمها، وقد تقدم. وقوله: " قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً ": يدل أن عمرتها لم ترتفض، كانت متقدمة على ظاهر حديث عروة أو متأخرة على حديث غيره، وأنها كانت قارنة على ما قدمناه، وفيه حجة أن الطواف الواحد يجزئ فى القران، وقد تقدم، وهو بيّن فى حديث طاوس، ومجاهد: " يجزئ [عنك] (¬4) طوافك وسعيك، طوافك لحجك وعمرتك "، وفى حديثها الآخر: " فإنما طافوا طوافاً واحداً ". وقولها: " وقد أحل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت ": تريد من العمرة التى كان أمر - عليه السلام - الناس بفسخهم حجهم بها. وقوله: " اغتسلى ثم أهلّى بالحج ": تقدم الكلام عليه، وقولها: " إنى أجد فى نفسى " الحديث، وأمر النبى - عليه السلام - أخاها [بإعمارها] (¬5)، يدل أن ذلك كله ليس بقضاء بل عمرة مبتدأة، ويدل عليه قوله فى الرواية الأخرى عنه: " وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [سهلاً إذا هويت الشىء تابعها عليه ": وفيه حسن العشرة مع الأزواج ومساعدتهن، ¬

_ (¬1) البعل: الأرض المرتفعة التى لا يصيبها مطر إلا مرةً واحدةً فى السنة، وقيل: كل شجر أو زرع لا يسقى. وقيل: يسقى، ويقال: الذكر من النخل. (¬2) الثقلة: ضد الخفة، ويقال: الثقل: الذنب، ويقال: ثقل الرجل: اشتد مرضه أو نعسه غالباً. (¬3) هكذا جاءت فى نسخ الإكمال. وأيضاً فى الأبى والنووى. وفى الحديث المطبوع " بعلة الراحلة ". ونعل السيف حديدة فى أسفل غمده، وقيل: هى الجلدة التى على ظهر السية. (¬4) ساقطة من س. (¬5) فى س: باعتمارها.

عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ - أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - وَهِىَ تَبْكِى، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ إِلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ. 137 - (...) وحدَّثنى أَبُو غَسَّانَ المِسْمعىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِى ابْنَ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ مَطَرٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - فِى حَجَّةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ. وَزَادَ فِى الْحَدِيث: قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً سَهْلاً، إِذَا هَوِيَتِ الشَّىْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ. فَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكرٍ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرِةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ. قَالَ مَطَرٌ: قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا حَجَّتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ مَعَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 138 - (...) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، مَعَنَا النِّسَاءُ وَالوِلْدَانُ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالبيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ لاسيما فيما هو من باب الطاعات، وما كان عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخلق العظيم] (¬1) وهو معنى قوله: " سهلاً ": أى حسن الخلق ميسراً مساعداً، لما وصفه الله تعالى. وقوله: " فكانت إذا حجت صنعت كما صنعت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": معناه - والله أعلم - من إفراد الحج، وهو كان مذهبها، وأما اعتمارها بعد الحج من التنعيم، فقد روى عنها أنها قالت: " وددت أنى صمت ثلاثة أيام، أو أطعمت عشرة مساكين ولم أعتمر من التنعيم "، وقالت: " العمرة على قدر النفقة "، وقد تقدم قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها نحو هذا. وقوله: " خرجنا (¬2) معنا النساء والولدان ": فيه حج الصبيان والحج بهم، وأن لهم حجاً، ويلزمهم من أحكامه ما يلزم الكبير فى كل شىء، ولا يسقط عنهم الفرض إذا بلغوا، وعلى هذا جمهور العلماء وأئمة الفتوى (¬3)، والسلف الصالح، وخالف أبو ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) فى الأصل: خرج، والمثبت من س، المطبوعة. (¬3) انظر: الاستذكار 13/ 331، المحلى 7/ 173.

" مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحْلِلْ ". قَالَ: قُلْنَا: أَىُّ الحِلِّ؟ قَالَ: " الحِلُّ كُلُّهُ ". قَالَ: فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَمَسِسْنَا الطِّيبَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالحَجِّ، وَكَفَانَا الطَّوَافُ الأَوَّلُ بِيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِى الإِبِلَ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِى بَدَنَةٍ. 139 - (1214) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَحْلَلْنَا، أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى. قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنَ الأَبْطَحِ. 140 - (1215) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَمْ يَطُفِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، إِلا طَوَاَفاً وَاحِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ حنيفة (¬1) فقال: لا يصح له إحرام ولا له حج، ولا يلزمه شىء من أحكامه، وإنما يحج به للتمرن (¬2) ويتعلم، [ويتجنب محظوراته] (¬3) للتعليم لا لغير ذلك، وكذلك يقول فى صلاته: إنها ليست له صلاة، وسيأتى الكلام على المسألة مستوعباً آخر الكتاب. وقوله: " فأمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشترك فى الإبل والبقر، كل سبعة منا فى بدنة ": يحتج به من يقول: الاشتراك (¬4) فى واجب الهدى، إن كان هذا الهدى للقران، أو التمتع الذى فعلوه كما تقدم، على أن [ذكر] (¬5) الاشتراك والهدى لم يأت فى هذا الحديث إلا فى هذه الرواية من طريق أبى خيثمة عن أبى الزبير عن جابر، وإنما قصة الاشتراك عمرة الحديبية، وسيأتى ذكرها إن شاء الله. وقوله: " أمرنا - عليه السلام - لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، فأهللنا من الأبطح ": قد تقدم الكلام على إهلال أهل مكة ومن بها، ومكانه ووقته، ويأتى منه أيضاً. والأبطح: هو بطحاء مكة، وهو المحصب والخيف، واستحباب مالك أن يكون إهلالهم من المسجد. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 13/ 331، المحلى 7/ 173. (¬2) فى س: ليتمرن. (¬3) فى الأصل: ويجنب أنه محظور، والمثبت من س. (¬4) فى س: بالاشتراك. (¬5) من س.

زَادَ فِى حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكرٍ: طَوَافَهُ الأَوَّلَ. 141 - (1216) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - فِى نَاسٍ مَعِىَ، قَالَ: أَهْلَلْنَا - أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحَجِّ خَالِصًا وَحْدَهُ. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقِدَمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِبحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِى الحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ: "حِلُّوا وَأَصِيبُوا النِّسَاءَ ". قَالَ عَطَاءٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ. فَقُلْنَا: لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلا خَمْسٌ، أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِىَ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِىَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا المَنى. قَالَ: يَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ - كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ بِيَدِهِ يُحَرِّكُّهَا - قَال: فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا. فَقَالَ: " قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّى أَتْقَاكُمْ للهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلا هَدْيِى لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، وَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدْىَ، فَحِلُّوا "، فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ عَلِىٌّ مِنْ سِعَايَتِهِ. فَقَالَ: " بِمَ أَهْلَلْتُ؟ ". قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا ". قَالَ: وَأَهْدى لَهُ عَلِىٌّ هَدْيًا. فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ؟ فَقَالَ: " لأَبَدٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عطاء فى أمره - عليه السلام - لهم أن يحلوا أو يصيبوا النساء، قال: " ولم يعزم عليهن ولكن أحلهن لهم ": يعنى لم يعزم فى وطء النساء، وأما فى الإحلال فكانت عزيمة. وقوله: " فقدم علىّ من سعايته ": أى من عمله، [قيل] (¬1) فى السعى فى الصدقات. قال بعض علمائنا: الذى فى غير هذا الحديث: إنما بعث علىّ أميراً لا عاملاً على الصدقة؛ إذ لا يجوز لبنى هاشم استعمالهم عليها، إذ لا تجوز لهم، وقد قال النبى - عليه السلام - للفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة حين سألاه ذلك: " إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " (¬2): قيل: يحتمل أن علياً ولى الصدقات وغيرها احتساباً، أو أعطى عمالته عليها من غير الصدقة، وهذا أشبه لقوله: " من سعايته "، والسعاية إنما ¬

_ (¬1) من س. (¬2) أحمد فى المسند عن أبى هريرة، بلفظ: " إن الصدقة لا تحل لآل محمد " 2/ 279، الدارمى، ك الزكاة، ب الصدقة لا تحل للنبى ولا لأهل بيته، بمعناه 1/ 325.

142 - (...) حدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكَ بْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَضَاقَتْ بهِ صُدُورُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا نَدْرِى أَشَىْءٌ بَلَغَهُ مِنَ السَّمَاءِ، أَمْ شَىْءٌ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ. فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، أَحِلُّوا، فَلَوْلا الهَدْىُ الَّذِى مَعِى فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ ". قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الحَلالُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أَهْلَلْنَا بِالحَجِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تختص بالصدقة، [وقد تكون على ما قاله من ذكرنا من إمارته. قال أبو عبيد: كل من ولى شيئاً على قوم فهو ساعٍ عليهم] (¬1). وقوله: فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهدِ وامكث حَراماً "، ومثله فى حديث أبى موسى فى الحديث [الذى] (¬2) بعده، وكان - أيضاً - قدم من اليمن، وأهلّ بما أهلّ به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " هل سقت من هدى؟ " قال: لا، فقال: " طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلّ ": اتفق أول الحديثين فى تعليق النية، واختلف آخرهما فى التحلل لأبى موسى والمكث لعلى حراماً. أخذ بظاهر هذين الحديثين الشافعى، وجوز الإهلال بالنية المبهمة، قال: ثم له بعد أن ينقلها لما شاء من حج أو عمرة، وله عنده أن ينتقل من نسك إلى غيره وخالفه سائر العلماء والأئمة، لقوله - عليه السلام -: " إنما الأعمال بالنيات " (¬3)، ولقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} (¬4)، ولقوله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} (¬5)، ولأن هذا كان لهؤلاء خصوصاً، إذ كان شرع الحج بعد، وما يفعله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك لم يستقر ولم يكمل بعد، فلم يمكنها الإقدام على أمرٍ بغير تحقيق، وأمره لأبى موسى بالإحلال على معنى ما أمر به غيره من الفتح بالعمرة لمن ليس معه هدى، وأمره لعلىٍ أن يهدى ويمكث حَرَاماً، إما لأنه - والله أعلم - كان معه هدى، وفى الحديث: " اهد وامكث حَرَامٌ "، أو يكون قد اعتقد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يهدى عنه، أو يكون قد خصه بذلك، أو لما كان النبى - عليه السلام - أمره بسوق هذه البدن من اليمن، فكان كمن معه هدى، ولا يظن أن هذه البدن من السعاية والصدقة بوجه؛ إذ لا يحل للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصدقة ولا يهدى منها، والأشبه ¬

_ (¬1) من س، وغير مثبتة فى الأصل. (¬2) ساقطة من س. (¬3) سيأتى إن شاء الله فى كتاب الإمارة، باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الأعمال بالنية " برقم (155). (¬4) البقرة: 196. (¬5) محمد: 33.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنّ علياً اشتراها باليمن كما اشترى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقيتها وجاء بها من المدينة على ما جاء فى حديث جابر بعد هذا وغيره، وفى الحديث غير الأم: أنه اشترى - عليه السلام - هديه بقديد (¬1)، وفى الأم بعد هذا فى حديث ابن عمر: " فساق الهدى معه من ذى الحليفة " (¬2)، وكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أعلمه أنه سيعطيه هدايا منها، ففى حديث جابر: أنه قدم ببدن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد يحتمل أنه كان له فيها هدى لم يحتج إلى ذكره فى الحديث، فلم يمكنه أن يحل، ويدل على هذا سؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبى موسى: " هل ساق معه هدياً؟ "، ولم يسأل علياً، فدل على علمه بأنه كان ممن أهدى أو ممن حكمه حكم من أهدى، واحتج الخطابى بحديث علىّ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قارناً، فلهذا أمر علياً أن يثبت، إذ لا يحل لقارن، واستدل بأمره بالهدى، والهدى لا يجب على غير القارن. قال القاضى: وهذا لا حجة فيه، لأنه قد أمر أبا موسى بالإحلال، وقد أهل بمثل ما أهل به علىّ من التعليق على إهلال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قارناً - كما زعم - كان حكمها سواء، وإنما ذلك لكون الهدى مع علىّ، كما قدمناه، ولا حجة له فى قوله: " وأهد "، وتخصيص ذلك بالقارن؛ لأن المتمتع - أيضاً - يلزمه الهدى، بل هو تنبيه - والله أعلم - على تسويغ الهدى الذى جاء به له، أى معك هدى فاهده (¬3)، وتأول الخطابى أن إحرامهما كان مختلفاً، فإحرام علىّ بمثل إحرام النبى - عليه السلام - وإحرام أبى موسى معناه عنده بمثل ما سنه وشرعه، وهذا تفريق (¬4) بعيد. وقول سراقة فى هذا الحديث: لعامنا هذا أم لأبد. فقال: " لأبد "، وفى الحديث الآخر: فشبك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصابعه، وقال: " دخلت العمرة فى الحج - مرتين - لا، بل لأبد الأبد "، قال الإمام: جمهور الفقهاء (¬5) على أن فسخ الحج فى العمرة إنما كان خاصاً للصحابة، وأنه - عليه السلام - إنما أمرهم بذلك ليخالفوا ما كانت الجاهلية عليه، من أنها لا تستبيح العمرة فى أشهر الحج، [وتقول] (¬6): إذا برأ الدّبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلَّت العمرة لمن اعتمر. وقال بعض أصحاب الظاهر: [بل] (¬7) ذلك جائز إلى الأبد، واحتجوا بقوله - عليه السلام -: لسراقة بل لأبد (¬8)، ويحتمل عندنا أن يريد بقوله: " [بل] (¬9) لأبد ": الاعتمار فى أشهر الحج لا فسخ الحج [فى العمرة] (¬10)، واحتجوا - أيضاً - بما فى بعض طرق هذا الحديث [لما قال سراقة: ألعامنا أم للأبد؟ فقال] (¬11): ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحج، ب طواف القارن عن ابن عمر بلفظ وأهدى هدياً اشتراه بقديد 2/ 192، كذا النسائى، ك المناسك، ب إذا أهل بعمرة هل يجعل معها حجاً الصغرى 5/ 158. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى باب وجوب الدم على المتمتع برقم (174). (¬3) فى س: فاهد. (¬4) فى الأصل: تفرق، والمثبت من س. (¬5) فى س: العلماء. (¬6) و (¬7) من ع. (¬8) فى ع: للأبد. (¬9) ساقطة من بعض نسخ ع. (¬10) فى هامش س. (¬11) من ع، س.

143 - (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ مُتَمتِّعًا بِعُمْرَةٍ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ النَّاسُ: تَصِيرُ حَجَّتُكَ الآنَ مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ فَاسْتَفَتيْتُهُ. فَقَالَ عَطَاءٌ: حَدَّثَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىُّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ سَاقَ الهَدْىَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالحَجِّ مُفْرَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ، فَطُوفُوا بِالبَيْتِ وَبَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ " دخلت العمرة فى الحج، [لا] (¬1)، بل لأبد الأبد "، ويحتمل عندنا أن يريد بقوله: " دخلت العمرة فى الحج ": أى جازت فى أشهر الحج، خلافاً لما كانت الجاهلية تعتقده، ويحتمل أن يكون دخولها فى الحج فى عمل القارن، وقد تأوله بعض من لم ير العمرة واجبة على أن المراد به سقوط فرض العمرة بالحج، فمعنى دخول العمرة فى الحج: سقوط وجوبها، وقد ذكر النسائى (¬2) [فى كتابه أنه سئل، فقيل له: ألعامنا أم للأبد؟ فقال] (¬3): إنه قال - عليه السلام - فى هذا الحديث: " لكم خاصةً "، فهذا يؤكد ما قلناه، ويحمل هذا - على الفسخ، وهو الذى لهم خاصةً، والأول على إجازة العمرة فى أشهر الحج، وهو الذى لهم، وللناس بعدهم. قال القاضى: قد ذكر مسلم بعد هذا فى حديث أبى ذرٍ: " كانت لنا رخصةٌ ": يعنى المتعة فى الحج (¬4)، وفى الحديث الآخر: " لأصحاب محمدٍ خاصةً " (¬5)، وذكر النسائى حديث سراقة، وفيه: تمتعنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا: لنا خاصة أم للأبد؟ فقال: " بل للأبد " (¬6)، وذكر حديث الحارث بن بلال عن أبيه، وفيه: فقلت: يا رسول الله، فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: " بل لنا خاصةً " (¬7)، فقد تبين بمجموع هذه الأحاديث وتفسير ما فُسرَ منها فى روايةٍ وبيانه لما أجمل فى غيرها - أن الخصوص لفسخ الحج فى العمرة، وعموم الإباحة فعل العمرة فى أشهر الحج. وقوله لمن أمره بالحل: " طوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا ": بين [هذه الزيادة] (¬8) ما لم يذكره فى الأحاديث الأخر، هذا لا خلاف فيه أن التحلل من العمرة بعد تمامها بالخلاف، وسيأتى الكلام على التحليق والتقصير بعد هذا. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) النسائى، ك الحج، ب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدى. الكبرى 2/ 366. (¬3) من ع. (¬4) سيأتى قريباً فى ب جواز التمتع برقم (161). (¬5) انظر السابق. (¬6) النسائى، ك الحج، ب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدى. انظر: الكبرى 2/ 397. (¬7) انظر السابق. (¬8) فى الأصل: بهذه الرواية، والمثبت من س.

الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَصَّرُوا، وَأَقِيمُوا حَلالاً، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِى قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةَ ". قَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ؟ قَالَ: " افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ، فَإِنِّى لَوْلا أَنِّى سُقْتُ الهَدْىَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِى أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ لا يَحِلُّ مِنِّى حَرَامٌ، حَتَّى يَبْلُغُ الهَدْىُ مَحِلَّهُ " فَفَعَلُوا. 144 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِىٍّ القَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ المُغِيرَةُ ابْنُ سَلَمَةَ المَخْزُومِىُّ، عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَنَحِلُّ. قَالَ: وَكَانَ مَعَهُ الهَدْىُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا ما قدمتم به متعة " قالوا: كيف يجعلها متعةً وقد سمينا (¬1) الحج؟: دليل على أن إحرامهم كان بالحج، وأن معنى رواية من روى أنهم تمتعوا إنما أخبر عن ثانى حالٍ، وهو فسخهم الحج فى العمرة، ثم الحج بعدها، وفيه حجة [على] (¬2) أن الإهلال للمكيين ومن بها يوم التروية، وقد تقدم الكلام فيه، وقد احتج داود بما جاءه فى هذه الأحاديث ومن روى فيها القران، على أنه لا دم على القارن؛ إذ لم يأتِ فى الحديث ذكر الدم، بخلاف ما جاء من النص على الدم على المتمتع، ولم ير القياس كما قاسه غيره. ¬

_ (¬1) فى الأصل: سميت، والمثبت من الصحيحة، س. (¬2) من س.

(18) باب فى المتعة بالحج والعمرة

(18) باب فى المتعة بالحج والعمرة 145 - (1217) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بالمُتْعَةِ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: عَلَى يَدَىَّ دَارَ الحَديثُ، تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ: إِنَّ اللهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَإِنَّ القُرآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ، فَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ، كَمَا أَمَرَكُمْ اللهُ، وَأَبِتُّوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ، فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ، إِلا رَجَمْتُهُ بِالحِجَارَةِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: فَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتكُمْ، فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُّمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم اختلاف ابن عباس وابن الزبير فى المتعة، وأن ابن الزبير كان ينهى عنها، وقول جابر: " على يدى دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة لله "، وفى بعض طرقه " فافصلوا حجكم من عمرتكم "، قال الإمام: اختلف فى المتعة التى نهى عنها عمر فى الحج، فقيل: هى فسخ الحج فى العمرة، وقيل: بل هى العمرة فى أشهر الحج، والحج بعدها، ولكون نهيه عن ذلك على جهة الترغيب فيما هو الأفضل الذى هو الإفراد، وليكثر تردد الناس إلى البيت. والتمتع عندنا له ستة شروط: أن يعتمر ويحج فى عام واحد، فى سفر واحد، ويقدم العمرة على الحج ويفرغ منها، ثم ينشئ الحج، ويوقع العمرة أو بعضها فى أشهر الحج، ويكون غير مكى، فإن اختل من هذه الشروط الستة شرط واحد لم يكن عليه دم. قال القاضى: جاء من الاختلاف فى المتعة فى الأم ما تقدم، وجاء فيه بعد هذا عن أبى موسى أنه كان يفتى بالمتعة، ويحتج بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بالإحلال بها، كما تقدم عنه، وقول عمر له: أن تأخذ بكتاب الله، فإن الله يأمر بالتمام، وذكر عن عثمان - أيضاً - أنه كان ينهى عن المتعة أو العمرة، ومخالفة علىّ له فى ذلك، وأنه أهل بهما جميعاً، وقول أبى ذر: كانت المتعة فى الحج لأصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصةً، وفى الرواية الأخرى: رخصةً، وقول عمران بن حصين: إن النبى - عليه السلام - أعمر طائفة من أهله فى

146 - (1216) وحدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثَ عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ العشر، فلم تنزل أنه فسخ ذلك، وفى الرواية الأخرى جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنها، وظاهر هذا فى حديث جابر وعمران، وأبى موسى: أن المتعة التى اختلفوا فيها إنما هى فسخ الحج والعمرة، ولذلك جاء ضرب عمر عليها، وما كان ليضربهم على مجرد التمتع فى أشهر الحج، وإنما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة: أنه كان خصوصاً قبل ذلك فى تلك الحجة من فسخ الحج فى العمرة. قال أبو عمر الحافظ: لا خلاف بين العلماء فى [أن] (¬1) التمتع المراد بقوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الْهَدْي} (¬2): أنه الاعتمار فى أشهر الحج قبل الحج، على ما تقدم من صفته، ومن التمتع - أيضاً - عند العلماء القران؛ لأنه تمتع بسقوط سفِره الثانى من بلده كما صنع الأول. ووجه ثالث من التمتع: فسخ الحج فى العمرة. والوجه الرابع: ما ذهب إليه ابن الزبير من تمتع المحصر بعدها أو عذر حتى تذهب أيام الحج، فيحل بالطواف بالبيت والسعى، وتمتع بحله إلى قابل، ثم يحج ويهدى، وأما نهى عمر عن متعة النساء فهو أمر كان خاصاً أولاً - كما جاء فى حديث أبى ذرٍ - ثم نسخ، وكان فيه خلاف فى الصدر الأول ثم وقع الإجماع، وسيأتى بيانه فى كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. وعلى ما ذكره من شروط التمتع الموجب للهدى الذى ذكر الله كافة فقهاء الأمصار، وروى عن الحسن إسقاط شرط الحج من عامه، ورأى أن على التمتع (¬3) فى أشهر الحج هدياً حج أو لم يحج، وروى عنه - أيضاً - إسقاط شرط العمرة [فى أشهر الحج] (¬4) وقال: إن اعتمر فى غير أشهر الحج ثم حج من عامه فعليه الهدى، وهذان القولان شاذان لم يقل بهما أحد من العلماء غيره، وروى عنه [أيضاً] (¬5) إسقاط شرط الإقامة وإلزام الهدى، وإن حج من عامه بعد أن رجع بعد العمرة إلى بلده. ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) البقرة: 196. (¬3) فى س: المتمتع. (¬4) و (¬5) زائدة فى س.

(19) باب حجة النبى صلى الله عليه وسلم

(19) باب حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 147 - (1218) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ حَاتِمٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِىُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَىَّ. فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ ابْنِ حُسَيْنٍ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِى فَنَزَعَ زِرِّى الأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّى الأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَىَّ وَأَنَا يَوْمئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ. يَا ابْنَ أَخِى، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ، وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَر وَقْتُ الصَّلَاةِ. فَقَامَ فِى نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكَبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤهُ إِلَى جَنْبِهِ، عَلَى الْمِشجَبِ فَصَلَّى بِنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث جابر الطويل قال القاضى - رحمه الله -: قد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا، وقد ألف فيه أبو بكر بن المنذر جزءًا كبيراً وخرج فيه من الفقه مائة نوع ونيفاً وخمسين [نوعاً] (¬1)، ولو تقصى لزيد على هذا العدد قريب منه، وقد تقدم الاحتجاج أثناء ما تقدم فيه من الكلام بنكت منه وسنذكر هنا فصولاً مما يحتاج إليه إلى التنبيه عليه من غامض فقه، أو مما يحتاج الاحتجاج به فى موضع الخلاف إن شاء الله، ففيه أولاً قول محمد بن على بن حسين لما دخل عليه: أنه سأل عن القوم حتى انتهى إلىَّ، لأن جابراً كان قد عمى حينئذٍ، وفيه الاهتيال بالداخلين على الرجل والسؤال عنهم لينزل كل واحدٍ منزله، كما جاء فى الحديث (¬2) ويعرف لأهل الحق حقه، كما فعل جابر وتقديمه فى السؤال لمحمد [بن على] (¬3) وتأنيسه له، وقوله: " مرحباً بك يا ابن أخى، سل عما شئت وحله إزاره بيده، وجعله كفه بين ثدييه ": كل هذ برأ بالزائر، ويستفاد من هذا إكرام الزائر بنزع ردائه، وخلع خفيه. وقوله: " وأنا يومئذ غلام شاب ": تنبيه أن موجب فعل جابر له ذلك تأنيساً له لصغره، ورقةً عليه؛ إذ لا يفعل هذا بالرجال الكبار، من إدخال اليد فى جيوبهم إكباراً لهم، وفيه أن لمس الغلمان الأجانب على وجه الرقة ولغير التلذذ جائز، بخلاف شباب الجوارى، وحكم لمسهم كالنظر إليهم، وإنما يحرم من لمس الغلمان والنظر إليهم، ما كان من ذلك على وجه التلذذ [وقد] (¬4) تقدم تفسير " مرحباً " (¬5). ¬

_ (¬1) زائدة فى س. (¬2) سبق فى أوائل المقدمة. (¬3) سقط من س. (¬4) ساقطة من س. (¬5) سبق فى كتاب الإيمان، ب الأمر بالإيمان بالله.

فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِى عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ بِيَدِهِ، فَعَقَدَ تِسْعًا. فَقَالَ: إِنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِى النَّاسِ فِى الْعَاشِرَةِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأَتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُليْفَةَ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِى بَكْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وحضر وقت الصلاة فقام فى ساجة ملتحفاً بها " وذكر صِغرها، قال: " ورداؤه على المشجب ": السّاجة: ثوبٌ كالطيلسان وشبهه، وكذا فى رواية الجمهور وهو الصواب، وعند الفارسى: " نساجة "، وفى كتاب ابن عيسى: " نساجَة "، وكذا رواه أبو ذر (¬1): " نساجة "، وقال: تعنى ثوباً ملففاً [وكذا] (¬2) قال بعضهم: وهو خطأ وتصحيف، والمشجب: أعواد توضع عليها الثياب، ومتاع البيت، وفيه جواز الصلاة بمثل هذا، وإمامة الأعمى، وقد مر منه فى الصلاة أتم من هذا. وقوله: " مكث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع سنين لم يحج ": يعنى فى المدينة، وقد روى أنه - عليه السلام - حج بمكه حجتين (¬3). وقوله: " ثم أذن فى الناس فى العاشرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاج، فقدم المدينة خلق كثير "، يحتج به من لم ير الحج على الفور، وقد تقدم أن فرض الحج كان فى سنة تسع، وقيل: خمس، والأول أصح. وأول من أقام للمسلمين الحج عتَّاب بن أَسِيْد (¬4) سنة ثمان، ثم أبو بكر سنة تسع. وحج - عليه السلام - فى سنة عشر، وقد يجيب عنه من خالفه بأنه - عليه السلام - إنما أخره حتى لا يرى منكراً بالمسجد الحرام؛ من حج المشركين وتلبيتهم، وطواف العراة، وقد جاء ذلك فى حديث مبيناً، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يحج ذلك العام، ثم ترك ذلك لأجل المشركين، ووجّه أبا بكر وعلياً، وقيل: بل كان النبى - عليه السلام -[قد] (¬5) أدى فرضه بمكة، وهذا يعترض عليه بأن الفرض إنما نزل بالمدينة، وبأنه لم يأمر الناس بالمبادرة للحج من فريضته. ¬

_ (¬1) فى س: أبو داود. انظر: أبا داود، ك الحج، ب صفة حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1/ 445. (¬2) زائدة فى س. (¬3) الترمذى، ك الحج، ب كم حج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3/ 169 برقم (815) وقال: حديث غريب، البيهقى فى السنن، ك الحج، ب من اختار القران: 5/ 12 عن جابر بن عبد الله، وعقب فقال: وكيف يكون هذا صحيحاً وقد روى من أوجه عن جابر فى إحرام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف هذا. وقد قال أبو عيسى الترمذى: سألت محمد بن إسماعيل البخارى عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث خطأ وإنما روى هذا عن الثورى مرسلاً. قال البخارى: وكان زيد بن الحباب إذا روى حفظاً ربما غلط فى شىء، وقد رواه البيهقى أيضاً، ك الحج، ب تأخير الحج 4/ 342 مرسلاً عن مجاهد. (¬4) هو ابن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس الأموى، أسلم يوم الفتح، وحج بالناس فيها وأمَّره أبو بكر على مكة إلى أن مات، وكان صالحاً فاضلاً، واستعمله عمر - أيضاً - وقد استعمله الرسول قبلهما على الطائف، روى عنه أصحاب السنن حديثاً واحداً، ومات فى آخر خلافة عمر. انظر: الإصابة 4/ 430. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: " اغْتَسِلِى، وَاسْتَثْفِرِى بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْواءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلف العلماء فى حجة أبى بكر سنة تسع، هل كانت حجة الإسلام بعد نزول فرضها، وهو الأظهر لوقوف جميع الناس بعرفة ولإنذار علىّ فيها ببراءة، وفيها ذكر النسىء وشرائع الحج، وقيل: بل كانت على غير الفرض، وعلى ما كانت عليه قبل الإسلام، والأول أظهر، وقيل بل كان يقع حج الناس تلك السنة فى ذى القعدة على تحقيق الحساب لأجل نسئ الجاهلية، فتركه - عليه السلام - للعام الثانى حتى وقع الحج بموضعه. ولهذا قال: " إن الزمان قد استدار كهيئة (¬1) يوم خلق الله السماوات والأرض " (¬2)، وقد أنكر هذا بعضهم، وقيل: بل كان حجه فى ذي الحجة صحيح كما تقدم، ذكره القاضى إسماعيل، وسيأتى الكلام على حديث استدارة الزمان فى موضعه من الكتاب. وفيه ما يستحب [من فعل الأئمة] (¬3) من إنذار الناس للتأهب للأمور العظيمة، لاسيما فى مثل هذه العبادة المفترضة ابتداء، الكثيرة الأحكام، المحتاجة إلى البيان بالقول والفعل، المضطر فيها إلى الاقتداء به - عليه السلام - ولهذا قال: " خذوا عنى مناسككم " (¬4). وقوله: " كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا مما يبين أنهم كانوا كلهم حجاجاً؛ إذ كان - عليه السلام - أحرم بالحج لائتمامهم به، وبعيدٌ أن يخالفوه فيما أحرم به، وهذا جائز، يقول فى حديثه: " وما عمل من شىء عملنا به "، ومن هذا [فى] (¬5) الحديث توقفهم عن التحلل بالعمرة لما لم يتحلل حتى أغضبوه واعتذر لهم، وقال: " افعلوا ما آمركم به "، وهذا علىٌّ وأبو (¬6) موسى لما غابا لم يقدما على تعيين شىء، وعلقا إحرامهما بما أحرم به - عليه السلام - وتقدم الكلام فى قصة أسماء بنت عميس. وقوله: " استثفرى " (¬7): أى اجعلى لنفسك كثفر (¬8) الدابة؛ ليمتنع ذلك الموضع من سيلان شىء من الدم، تنزيهاً للعبادةِ عن إظهار هذه النجاسة على صاحبها. إذ لم يقدر على أكثر من هذا، وتقدم الكلام على إحرامه من المسجد والخلاف فيه، وذكر الصلاة قبل الإحرام. وقوله: " ثم ركب القصواء ": ممدود بفتح القاف، ووقع عند العذرى بضم القاف ¬

_ (¬1) فى الأصل: كهيئته. (¬2) أحمد فى مسنده 5/ 73. (¬3) سقط من س. (¬4) سيأتى فى ك الحج، ب استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر راكباً برقم (310). (¬5) ساقطة من س. (¬6) فى الأصل: أبى. (¬7) فى س: استثبرى. (¬8) فى س: كثير.

الْبَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِى بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ رَاكبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أُظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأَوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَىْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنَّعْمَةَ لَكَ وَالْملْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ". وَأَهَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والقصر، وهو خطأ فى هذا الموضع، والصواب الفتح هنا والمد. قال الإمام: يعنى ناقته. قال ابن قيتبة: كانت للنبى - عليه السلام - نوق، منها: القصواء، والجدعاء، والعضباء. قال أبو عبيد: العضباء: اسم ناقة للنبى - عليه السلام - ولم تسم بذلك لشئ أصابها. قال القاضى: جاء هنا أنه ركب القصواء، وفى آخر الحديث أنه خطب على القصواء، وفى غير مسلم أنه خطب على ناقته الجدعاء (¬1) وفى حديث آخر على ناقةٍ خرماء (¬2)، وفى آخر مخضرمة (¬3). وفى الحديث: أنه كانت له ناقة لا تسبق تسمى: القصواء، وفى حديث آخر تسمى: العضباء (¬4)، فدليل هذا كله أنها ناقة واحدة، خلاف ما قال ابن قتيبة، وأن ذلك كان اسمها، أو وصفها لهذا الذى بها، خلاف ما قال أبو عبيد. لكن يأتى فى كتاب النذور ما يدل أن العضباء غير القصواء على ما بيناه هناك. قال الحربى: العضب والجدع والحزم والقصو والخضرمة مثلةٌ فى الأذن، قال ابن الأعرابى: القصواء التى قطع طرف أذنها، والجدع أكثر منه، وقال الأصمعى فى القصواء مثله، قال: وكل قطع فى الأذن جدع، فإن جاوز الربع فهى عضباء، والمخضرم: المقطوع الأذنين، فإذا اصطلمتا فهى صلماء، وقال أبو عبيدة: القصواء: المقطوعة الأذن عرضاً، والمخضرمة: المستأصلة، والعضباء: النصف فما فوقه، قال الحربى: فالحديث يدل أنه اسمها كان كانت عضباء الأذن، فقد جعل اسمها، قال الخليل: الخضرمة: قطع الواحدة، والعضباء: المشقوقة الأذن. وقوله: " نظرت إلى مد بصرى من بين راكب وماشٍ ": فيه جواز الحج للركبان ¬

_ (¬1) النسائى، ك الحج، ب الخطبة قبل يوم التروية 5/ 247 برقم (2993). (¬2) أحمد فى مسنده 78/ 4 من حديث قيس بن عائذ، 4/ 306 من حديث أبى كاهل. (¬3) أحمد فى مسنده 3/ 473، 5/ 412 من حديث مرة عن رجل من أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابن ماجة، ك المناسك، ب الخطبة يوم النحر 2/ 1016 برقم (3057) من حديث عبد الله بن مسعود. (¬4) البخارى، ك الجهاد، ب ناقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4/ 38.

النَّاسُ بِهَذَا الَّذِى يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشاة، وقد اختلف العلماء أيهما أفضل؟ فذهب مالك والشافعى فى آخرين إلى أن الركوب أفضل؛ لأنه الذى فعله النبى - عليه السلام - ولفضل النفقة فيه، ولأن فى راحة جسمه [من تعب المشى] (¬1) توفيراً على إقامة وظائف [مناسك الحج، والصبر على استيعابها. قال بعضهم: ولما فيه من تعظيم شعائر الحج بأبَّهة الركوب فى تلك] (¬2) المناسك. ولا خلاف بينهم أن الركوب فى الوقوف بعرفة أفضل لما ذكرناه، وذهب غيرهما إلى أن المشى أفضل؛ لما فيه من المشقة على النفس، ولأنها عبادة فى نفسها. وقد اختلف على هذا فى الراحلة، هل هى شرط فى الاستطاعة أم لا؟ فذهب أكثرهم على أنها القدرة على الحج على العموم، إما بنفسه إن قدر على المشى، أو بالراحلة إن لم تكن ممن تقدر على المشى مع الزاد ووجود السبيل. والاستطاعة فى اللغة: القدرة، وهو قول مالك فى كافتهم، وذكر (¬3) عن جماعة من السلف أن الاستطاعة: الزاد والراحلة، وهو قول أبى حنيفة والثورى وأحمد وإسحاق، وبه قال الشافعى (¬4). فلم يروا على من لا يملك راحلة حجاً، وإن قدر على المشى؛ لما فيه من المشقة، وأنه ليس من الاستطاعة، وأن الاستطاعة هنا بالمال، قاله مرة لمن قدر على هذا، وإن لم يستطع الركوب يستأجر عنه من يحج عنه، وسيأتى [تمام] (¬5) الكلام على هذا، وقد تأول القاضى إسماعيل ما جاء عن السلف من هذا التغليظ لمن ترك الحج بعد قدرته على الزاد والراحلة. وقوله: " فأهلّ بالتوحيد ": إشارة إلى قوله: " لا شريك لك "، ومخالفة لقول المشركين فى تلبيتهم، وقد تقدّمت، وتقدم الكلام على تفسير التلبية. وقوله: " وأَهَلَّ الناس بهذا الذى يهلون به، فلم يردّ [عليهم] (¬6) رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم شيئاً منه ": إشارة إلى ما رُوى من زيادة الناس فيها فى الثناء على الله والذكر، كما روى فى ذلك عن عمر، وذلك أنه كان يزيد: " لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرهوباً منك ومرغوباً إليك "، وعن ابن عمر " لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل "، وعن أنس: " لبيك حقاً تعبداً ورقاً ". والاستحباب عند أكثر العلماء أن تلبى بما لبى به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال مالك: وإن اقتصر عليها فحسن، وإن زاد فحسن. وقال الشافعى: الأفضل الاقتصار عليها إلا أن يزيد ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬2) سقط من س. (¬3) فى س: روى. (¬4) انظر: الاستذكار 2/ 59. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬6) زائدة فى س.

تَلْبِيَتَهُ. قَالَ جَابِرٌ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: لَسْنَا نَنْوِى إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ألفاظاً رويت عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثل قوله: " لبيك إله الحق " (¬1) ونحوه. وقول جابر: لسنا ننوى إلا الحج ولا نعرف العمرة، مع قوله فى الحديث الآخر قبل: " مهلّين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحج مفرد ": يرد كل ما خالفه من رواية: أن منهم من كان معتمراً أو متمتعاً وقارناً، وكيف وهو يقول: " لا نعرف العمرة " وكذلك كانوا لا يعرفون العمرة فى أشهر الحج حتى جاء الإسلام؛ ولذلك جعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمرَه كلها فى أشهر الحج على الصحيح، وسيأتى هذا، وقد أثبتنا قبل ترتيب هذه الأخبار وتأليف مختلفها، ومن خالف حديث جابر ومن وافقه، إنما هو إخبار عن مآل الحال واستقرار العمل كما تقدم. وقوله: " حتى أتينا [البيت] (¬2) ": فيه أن الواجب على داخل مكة لنسك البداية به، إلا مضطراً (¬3) يخشى على رَحْلِهِ، فله الصبر على تثقيفه وحرزه. والبداية بذلك لئلا يضيع. وفى قوله: " لا ننوى ": حجةٌ على أن التسمية [غير] (¬4) واجبة، وقد تقدم. وذكر البداية باستلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للركن وَرَملِه ثلاثاً ومشيه أربعاً؛ هذا طواف الورود. الحج ثلاثة أَطْوَاف: أولها: طواف الورود: وهو طواف القدوم، وهو سُنة لغير المكى عند جميعهم وأنه [لا] (¬5) رجوع على تاركه. واختلف هل على تاركه دم؟ فعن مالك روايتان، وإن كان مراهقاً فلا شىء عليه، فقال مالك مرة: إن كان غير مراهق فعليه دم، وقال - أيضاً - إنه يجزئه منه طواف الزيارة، وهو قول الشافعى وأصحاب الرأى، وأوقع مالك [عليه] (¬6) مرة أنه واجب، قالوا: معناه: وجوب السنن، وقال أبو ثور: عليه لغير المكى دم. والطواف الثانى: طواف الزيارة: وهو طواف الإفاضة، وهو فريضة بغير خلاف. والثالث: طواف الوداع: وهو طواف الصَّدْر، وهو سنة، وسيأتى الكلام على كثير منها فى مواضعها إن شاء الله. ¬

_ (¬1) النسائى فى الكبرى، ك الحج، ب كيف التلبية 2/ 354 برقم (3733)، ابن ماجة، ك المناسك، ب التلبية 2/ 974 برقم (2920). (¬2) ساقطة فى الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬3) فى س: مضطر. (¬4) و (¬5) سقطتا من س. (¬6) زائدة فى س.

أتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَملَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَرَأ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} (¬1) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِى يَقُولُ - وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَقْرَأ فِى الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ يَا أَيَّهَا الْكَافِرُون} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ. ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّه} (¬2) " أَبْدَأُ بِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والبداية [باستلام] (¬3) الركن الأسود (¬4) سُنة، وهى تحية المسجد ولا يبتدئ بالركوع. وقوله: " ثم نفذ إلى مقام إبراهيم، وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}، فجعل المقام بينه وبين البيت " وذكر ما قرأ به فى الركعتين: أجمع المسلمون على أن صلاة [الركعتين] (¬5) على الطائف بالبيت، وأن سنة ذلك أن تكون عند المقام، وأن من صلاها حيث شاء من المسجد أجزأه، وأن يُتبع كل أسبوع ركعتين. واختلفوا فى جواز جمع أسابيع ثم يركع آخرها ركوعا واحداً، فكرهه مالك وكافة فقهاء الأمصار (¬6)، وروى عن بعض السلف إجازته (¬7)، وهو قول أبى يوسف وأحمد وإسحاق (¬8) فمن نسيهما وهو بمكة ركعهما. واختلف عندنا هل يعيد الطواف لهما أم لا؟ واختلفوا فيمن نسى الطواف حتى خرج من الحرم أو رجع إلى بلاده، فرأى مالك عليه الدم (¬9)، ولم ير غيره عليه دماً، وقالوا كلهم: يركعهما متى ما ذكرهما حيث كان. قال الثورى: ما لم يخرج من الحرم (¬10). وقوله: " نبدأ بما بدأ الله به "، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبله: هذا المستحب فعله، وكلما فعل الراقى من ذلك أجزأه، ويُكره الجلوس عليهما، وهذا حكم الرجال، وأما النساء فيقفن أسفلهما لأجل مخالطة الرجال، إلا أن يكون الموضع ¬

_ (¬1) البقرة: 125. (¬2) البقرة: 158. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬4) انظر: الحاوى 4/ 134. (¬5) ساقطة من س. (¬6) انظر: الاستذكار 12/ 161. (¬7) منهم عائشة، والمسور بن مخرمة، ومجاهد. انظر: الاستذكار 12/ 166. (¬8) انظر: الاستذكار 12/ 166، 167. (¬9) و (¬10) انظر: الاستذكار 12/ 170.

بَدَأَ اللهُ بِهِ " فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِىَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ الله، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ "، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ. قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِى بَطْنِ الْوَادِى سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَىَ أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ دون رجال فحكمهن حكم الرجال حينئذ. [وبالبداية] (¬1) بالصفا هى السنة (¬2)، واحتجاج النبى - عليه السلام - بما بدأ الله به، احتج به من قال: إن الواو ترتيب لامتثال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، واحتج به من قال: لا ترتيب لقوله - عليه السلام -: " بما بدأ الله به "، وأنه إنما امتثل ذلك تأنيسًا لا التزاماً، ولو كانت الواو تعطى الرتبة لما احتاج إلى هذا التوجيه، وقد تقدم من هذا. واختلف فى وجوب السعى بين الصفا والمروة وسيأتى الكلام عليه فى حديث عائشة. واختلف فيمن نسى وبدأ بالمروة، فرأى مالك أن يلغى ذلك ويحسب من سعيه [من] (¬3) الصفا ويعد شوطاً (¬4)، وهو قول الشافعى والحسن وأصحاب الرأى والأوزاعى، وروى عن عطاء أنه إن جهل ذلك أجزأ عنه. وسنته أن يكون بعد الطواف، فمن سعى قبله كمن لم يسع عند مالك وجملة العلماء، وعليه ما على من لم يسع، إلا الثورى فإنه [قال] (¬5): يجزئه، فى أحد قوليه. وقال أبو حنيفة وصاحباه: عليه دم ولا إعادة عليه (¬6)، وحكمه عندنا إذا كان بالقرب أن يعيد السعى وحده حتى يأتى به بعد الطواف. وقوله: " فوحّد الله وكبّره " إلى آخر ما ذكره من الذكر والدعاء: مما يستحب أن يفعل، وهو من مواطن الدعاء، ويستحب تبيين الذكر والتكبير والتهليل ما جاء عن النبى - عليه السلام - وليس فيه دعاء مؤقت. وقوله: " حتى إذا انصبت قدماه فى بطن الوادى حتى إذا صعدنا مشى ": كذا فى جميع النسخ الواصلة إلينا من مسلم، ليس فى أصول شيوخنا فيها اختلاف، وفيه وَهْم وإسقاط لفظة رَمَل وبها يتم الكلام، وكذا جاء فى غير مسلم: " حتى إذا انصبت قدماه ¬

_ (¬1) فى س: البداية. (¬2) انظر: الاستذكار 12/ 200. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬4) انظر: الاستذكار 12/ 199. (¬5) ساقطة من س. (¬6) انظر: الاستذكار 12/ 202.

عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ: " لَوْ أَنَّى اسْتقْبلْتُ مِنْ أَمْرِى ما اسْتَدبَرتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدِىَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً "، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ، أَلعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِى الأُخْرَى، وَقَالَ: " دَخَلَتَ الْعُمْرَةُ فِى الْحَجِّ " مَرَّتَيْنِ " لا بَلْ لأَبَدٍ أبَدٍ "، وَقَدِمَ عَلِىُّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَانْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِى أَمَرَنِى بِهَذَا. قَالَ: فَكَانَ عَلِىٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَة، لِلَّذِى صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّى أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَقَالَ: " صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضتَ الْحَجَّ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ، إِنِّى أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ: " فَإِنَّ مَعِىَ الْهَدْىَ فَلَا تَحِلّ ". قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فى بطن الوادى رَمَل، حتى إذا صعدنا مشى " وعلى هذا ذكره الحميدى فى اختصار الصحيح، وفى الموطأ: " حتى إذا انصبت قدماه من بطن الوادى سعى حتى يخرج منه " (¬1) وهو بمعنى رَمِل، وهذه سنة - أيضاً - فى السعى. وقد اختلف على من لم يرمل فى الطواف والسعى، هل عليه إعادة أو دم؟ واختلف [فيه] (¬2) قول مالك. واختلف فى علة ذلك، فقيل: فعله النبى - عليه السلام - ليرى المشركون جلد أصحابه، كما فعل فى الطواف، وقيل: بل اقتدى بهاجر فى سعيها لطلبها الماء لولدها، على ما جاء فى الحديث. وقوله: " حتى إذا كان آخر طواف (¬3) على المروة ": قيل: فيه استحباب ما يقال فى الطواف بالبيت بين الصفا والمروة، وتسمية (¬4) ذلك طوافاً وسعياً، ولا يقال: شوطاً ولا دوراً. وقد كره ذلك الشافعى [وغيره من السلف] (¬5)، وتقدم أمره لهم بالإحلال. وقوله [لسراقة] (¬6): " دخلت العمرة فى الحج، لا بل لأبد أبدٍ "، وما ذكر من إحلال فاطمة على ما تقدم من إحلال غيرها بعمرة، وقول علىّ: فذهبت إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحرّشاً عليها: أى مغرياً بها، لما أنكر من إحلالها حتى أعلمه النبى - عليه السلام - بأمره بذلك، وتقدم الكلام على إهلال على كإهلال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى إحلال الناس. ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك الحج، ب جامع السعى 1/ 374 (131). (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) فى س: طوافه. (¬4) فى س: شبه. (¬5) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬6) زائدة فى س.

فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدِىِ الَّذِى قَدِمَ بِهِ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَالَّذِى أَتَى بِهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً. قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إِلا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَت الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فحل الناس كلهم وقصّروا إلا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن كان معه الهدى ": دليل على ما تقدم من أنهم كانوا مفردين، وفسخوا فى عمرة إلا من كان معه الهدى، ولو كانوا قارنين لم يمكنهم الإحلال. وفيه الإخبار بالعموم عن الأكثر، وقد صحت الأخبار أن عائشة لم تحلّ لعذرها المذكور، ولم تكن ممن معه هدى. وقوله: " فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ": يوم التروية - وهو اليوم الثامن من ذى الحجة - سمى بذلك لأن قريشاً كانت تحمل الماء من مكة إلى منى تسقيهم وتطعمهم فيرووا منه وهذا هو المستحب عند كثير من العلماء، ليكون إحرامهم متصلاً بسيرهم، وتلبيتهم مطابقة لمبادرتهم للعمل. واستحب بعضهم أن يكون ذلك أول هلال ذى الحجة ليلحقهم من الشعب إلى وقت الحج ما لحق غيرهم، والقولان عن مالك، وقد تقدم. وورد فى بعض طرق حديث جابر: " أهللنا من البطحاء "، وأجمع العلماء أن مُهلَّ أهل مكة من مكة بالحج، وقد تقدم هذا، وقد تقدم فى المواقيت الكلام على من أهلّ بالحج من مكة من أهلها، أو غيرهم من المتمتعين بها، والخلاف فى وقت استحبابه وموضعه، واستحباب مالك أن يكون من المسجد. وفيه أنه لا يتقدم إلى منى قبل يوم التروية، وقد كره ذلك مالك وأباحه غيره، واستحب مالك أن يكون خروجه إلى منى قدر ما يصلى، فيصلى بها الظهر. وذكر صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر بمنى، فيه سنة هذه الصلوات بمنى، والمبيت فيها وهو مستحب عند جميع العلماء، ولا حرج عليهم فى تركه. وفيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمرهم بطواف قبل الخروج، وأن ذلك غير لازم، ولو كان لأمرهم به - عليه السلام. وقد ذهب جماعة من العلماء إلى استحبابه. وقوله: " ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس فأمر بقيّة من شعر فضربت بنمرة فسار ": فى هذا أن السنة فى الخروج من منى هذا الوقت بعد طلوع الشمس، وفيه جواز

الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِى، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: " إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلا كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الركوب فى أعمال الحج، لاسيما ولما فيه من القوة على طول الوقوف للدعاء والذكر، ولاسيما فى حق النبى - عليه السلام - فى الوقوف بعرفة، فقد استحبه العلماء اقتداء بالنبى - عليه السلام - وما رُوى من طوافه راكباً وسعيه راكباً فليراه الناس، وليسمعوا قوله، ويروا فعله فيقتدوا به، وسيأتى الكلام على طوافه - عليه السلام - راكباً. وفيه جواز استظلال المحرم فى القباب والخيام ولا خلاف فيه. واختلف فى استظلال الراكب فى حال الوقوف، وكرهه مالك وأهل المدينة وأحمد بن حنبل، وأجاز ذلك غيرهم، وعليه عند مالك الفدية، وكذلك استظلاله عندنا فى سائر سفره فى الحج حال ركوبه، وكذلك لو كان نازلاً بالأرض أو راجلاً فاستظل بما يقرب من رأسه، وسيأتى بقية الكلام عليه. ونمرة المذكورة فى هذا الحديث موضع بعرفة، وهو الجبل الذى عليه أيضاً (¬1) الحرم على يمين الخارج من مأزَمَىْ منى إلى الموقف. ونمرة أيضاً موضع بقديد آخر. وقوله: " حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت ": أى ردّ عليها رحلها الذى تركب عليه. فيه أن وقت زيغ الشمس - وهو ميلها وزوالها - وقت الرواح إلى عرفة. وقوله: " فخطب ": هى من سنن الحج للأئمة عندنا فى قول جميع المدنيين والمغاربة، وقال الشافعى وأبو حنيفة: ليس عرفة بموضع خطبة، وهو قول العراقيين من أصحابنا، وزعموا أن هذه الخطبة إنما هى تعليم. وخطب الحج ثلاثة قبل يوم التروية بيوم: خطبة بعد صلاة الظهر فى المسجد الحرام عندنا، وقيل: قبل الزوال. الثانية: بعرفة، خطبتان يجلس فيهما (¬2)، وهو تعليم للناس لمناسكهم. والثالثة: بعد يوم النحر بيوم، وهو أول أيام الرمى، واحدة أيضاً بعد صلاة الظهر تعليم لما بقى من المناسك. ووافق أبو حنيفة فى جميعها وخالف الشافعى فى خطبة ثانى النحر وزاد خطبة [يوم النحر بعد الظهر] (¬3) ذلك [بعد] (¬4) يوم النفر. وفيه استدلال ¬

_ (¬1) فى س: أنصاب. (¬2) فى س: بينهما. (¬3) زائدة فى س. (¬4) ساقطة من س.

شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمىَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِى بَنِى سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا، رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بخطبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته لاتخاذ المنابر للخطابة (¬1)، مع اتخاذه هو له - عليه السلام. وفيه أن الوقوف على ظهور الدواب لمنافع وأغراض لراكبها جائز، ما لم يكن ذلك مجحفاً بالدابة أو لغير غرض صحيح، وأن النهى فى ذلك فى الأغلب والأكثر، ولمن يتخذ ذلك عادة للتحدث عليها لا لغير ذلك وشبهه، كما كانت تفعله الجاهلية، وأما من كان راكباً عليها فأخذه الحديث مع جماعة ولم [يطل] (¬2) ذلك كثيراً حتى يضرّ بها فلا يدخل فى النهى، ومن فعل ذلك قاصدًا لغرض صحيح كفعل النبى - عليه السلام - فى تبليغ كلامه من لم يسمعه، أو لخوف على الدابة إن تركها، أو على نفسه، فركبها ليحرزها أو يحرز نفسه بذلك - فلا حرج. وفيه أن تحريم الأموال والدماء على حد واحد ونهاية من التحريم وفيه ضرب الأمثال وقياس ما لم يعلم على ما علم [لقوله] (¬3): " كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ": لإصفاقهم (*) على تحريم ذلك وتعظيمه. وفيه وضعه - عليه السلام - أمور الجاهلية ورباها ودخولها، والبداية فى ذلك بما يختص به ليتأسى بذلك غيره، ويطيب بذلك نفس من بقى فى نفسه شىء من قرب عهده بالإسلام. وقوله: " وأول دم أضعه دم ابن ربيعة بن الحارث، [كان مسترضعاً فى بنى سعد فقتلته هذيل ": كان طفلاً صغيراً اسمه إياس بن ربيعة بن الحارث] (¬4) بن عبد المطلب، وقيل: اسمه حارثة، وقيل: آدم. قال الدارقطنى: وهو تصحيف، وما أراه تصحيفاً إلا من دم المذكور قبل، ويقال: " تمام " كان صبياً يحبو من البيوت، فأصابه حجر فى حرب كانت بين بنى سعد وبنى ليث بن بكر، [قاله] (¬5) الزبير، وسماه آدم. ورواه بعض رواة مسلم: " دم ربيعة بن الحارث " وكذا رواه أبو داود (¬6) عن سليمان بن عبد الرحمن، قيل: وهو وَهْم بين، وإنما هو ابنه [و] (¬7) ربيعة [و] (¬8) قد عاش بعد النبى - عليه ¬

_ (¬1) فى س: للخطبة. (¬2) ساقطة من س. (¬3) زائدة فى س. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم، ولم يثبت فى س. (¬5) ساقطة من س. (¬6) أبو داود، ك الحج، ب صفة حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1/ 440. (¬7) من س. (¬8) ساقطة من س. (*) قال معد الكتاب للشاملة: ما في المطبوعة خطأ ظاهر، ولعل صوابها: "لاتفاقهم"، ومما يؤكد ذلك، ما جاء في شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (11/ 397)، نقلا عن القاضي عياض، أنه قال: فيه أن تحريم الدماء والأموال على حد واحد ونهاية من التحريم، وفيه ضرب الأمثال وقياس ما لم يعلم على ما علم لقوله: "كحرمة يومكم هذا" يوم عرفة "في شهركم هذا" ذي الحجة "في بلدكم هذا" مكة (لاتفاقهم) على تحريم ذلك وتعظيمه ... ا. هـ.

كُلُّهُ، فَاتَّقُوا الله فِى النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَلَهُنَّ عَلَيْكُم رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ ". قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بإِصْبَعِهِ السَّبَابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتهَا إِلَى النَّاسِ: " اللَّهُمَّ، اشْهَدْ. اللَّهُمَّ، اشْهَدْ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام - إلى زمان عمر، وقال أبو عبيد: معنى قوله: " دم ربيعة " لأنه وَلىّ الدم فنسبه إليه. وقوله فى الوصاة بالنساء: " استحللتم فروجهن بكلمة الله "، قال الإمام: قيل: المراد " بكلمة الله "، قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَان} (¬1)، ويحتمل أن يكون " بكلمة الله " بإباحة الله تعالى لمنزله فى كتابه. قال القاضى: وقيل: المراد " بكلمة الله ": التوحيد وقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ إذا لا يحل لمن كان على غير الإسلام أن يتزوج مسلمة، قاله بكر القشيرى، وعن مجاهد فى قوله: {وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثَاقًا غَلِيظًا} (¬2): هى كلمة النكاح التى تستحل بها الفروج. وقوله: " ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرّح "، قال الإمام: قيل: المراد بذلك ألا يستخلين مع الرجال، ولم يرد زناها؛ لأن ذلك يوجب حدها، ولأن ذلك حرام مع من نكرهه نحن أو لا نكرهه، وقد قال: " أحداً تكرهونه ". قال القاضى: كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء، ولم يكن عيباً ولا ريبة عندهم، فلما نزلت آية الحجاب نهى عن ذلك. ومعنى " غير مبرح ": أى شديد شاق. والبرح: المشقة. وفيه إباحة تأديب الرجل زوجته. وفى قوله: " ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ": وإيجاب ذلك لهن. وقوله: فقال بإصبعه السّبابة ينكتها إلى الناس " اللهم اشهد ": كذا الرواية بالتاء باثنتين من فوقها، ¬

_ (¬1) البقرة: 229. (¬2) النساء: 21.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو بعيد المعنى قيل: صوابه (¬1): " ينكبها " بباء واحدة، وكذا رويناه عن شيخنا أبى الوليد هشام بن أحمد من طريق ابن الأعرابى عن أبى داود (¬2) فى تصنيفه (¬3) بالباء بواحدة وبالتاء اثنتين من طريق أبى بكر النجار عنه، ومعناه: يردها ويقلبها إلى الناس مشيراً إليهم. ومنه: نكَت كتابته: إذا قلبها، ثم ذكر أنه صلى بعد ذلك. فيه أن سنة خطبة عرفة قبل الصلاة كخطبة الجمعة دون غيرها. قال القاضى: [قال] (¬4) أبو عبد الله: أجمعوا أن الخطبة يوم عرفة قبل الصلاة، وأنه لو صلى الظهر فيها بغير خطبة أجزأته صلاته. وقوله: " ثم أذن ثم أقام ": دليل على أن الأذان متصل بالصلاة، وهو أحد أقوال مالك: أنه يؤذن فى آخر خطبة الإمام، حتى يكون فراغ الإمام من الخطبة، [مع] (¬5) فراغ المؤذن من الأذان، وهو قول الشافعى، وروى عن مالك - أيضاً - أنه يؤذن بعد تمام الخطبة، فيجلس الإمام على المنبر ويؤذن المؤذن، وروى عنه أنه يؤذن لها إذا جلس بين الخطبتين، وقال أبو ثور: يؤذن المؤذنون والإمام يخطب على المنبر قبل خطبته كالجمعة، وروى - أيضاً - مثله عن مالك، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً، وقال مثله بعد فى صلاته بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً (¬6)، أى لم يتنفل. هذه سنة صلاة الجَمْع فى عرفة ومزدلفة وليلة المطر ألا تتنفل بينهما إلا لمن يرى الأذأن لكل صلاة، فيباح التنفل ما دام يؤذن المؤذن لمن يخف [عليه] (¬7) ذلك، فقد رخص فيه، وجمعه فى عرفة والمزدلفة بأذان واحد وإقامتين، اختلف العلماء فى جمع الصلاة بمزدلفة للإمام لاختلاف الآثار؛ إذ روى هذا وروى الجمع بإقامة واحدة لهما، ولم يذكر أذاناً، وقد ذكر مسلم بعد هذا [وروى الجمع] (¬8) ولم يذكر إقامة لكل صلاة، فقيل بأذان واحد وإقامتين على حديث جابر، وإلى هذا ذهب أحمد وأبو ثور وعبد الملك ابن الماجشون والطحاوى، وقال مالك: يؤذن ويقيم لكل صلاة قياساً على سائر الصلوات، وهو مذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أذان واحد وإقامة واحدة، وقال الشافعى وأحمد - فى أحد قوليه - بإقامتين دون أذان لهما، وروى هذا عن القاسم وسالم، ومثله عندنا فى كتاب " الجلاب " فى عرفة ومزدلفة، وقال الثورى: تجزئ إقامة واحدة لا أذان معها، وحكى عن ابن عمر (¬9)، وأما جمع عرفة فقال ¬

_ (¬1) فى س: صوابها، والمثبت من الأصل. (¬2) أبو داود، ك الحج، ب صفة حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1/ 442. (¬3) فى س: مضيفه. (¬4) و (¬5) سقطتا من س. (¬6) انظر: الاستذكار 13/ 137، الحاوى 4/ 170. (¬7) فى هامش س. (¬8) من س. (¬9) الاستذكار 13/ 150، الطحاوى فى الشرح 2/ 213.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطحاوى: إنهم لم يختلفوا أن الأولى فيهما يؤذن لها ويقام (¬1)، وقد حكى شيوخنا الخلاف فى ذلك كالخلاف فى صلاة المزدلفة سواء. وقوله: فى صلاة عرفة ومزدلفة سواء، خالف أبو حنيفة فقال فى صلاة عرفة مثل قول الشافعى سواء، بأذان وإقامتين، وهو مذهب أبى ثور وقال أحمد: هما سواء بإقامتين دون أذان، وهو قول إسحاق، قالا: أو بأذان (¬2) وإقامتين إن شاء، واختار الطبرى على مذهبه العمل بما شاء من ذلك، ولا خلاف أن صلاتهما بعرفة هكذا بالجمع، وصلاة العشاءين بمزدلفة هكذا مع الإمام، وإنما اختلفوا [فيمن فاتته صلاة عرفة مع الإمام (¬3) فجمهورهم على أنه يجمع بينهما إتباعاً لفعله - عليه السلام - ولقوله: " خذوا عنى مناسككم " (¬4)، و " صلوا كما رأيتمونى أصلى " (¬5) وقال الكوفيون: يصليها من فاتته لوقتها، ولا يجوز الجمع إلا مع الإمام. قال الطحاوى: ولم يختلفوا أنَّ من صلاهما فى وقتهما غير الإمام أن صلاته جائزة، واختلفوا] (¬6) فيمن صلى قبل أن يأتى المزدلفة العشاءين، فذهب الكوفيون أنه لا يجزئه ويعيدهما، وإن صلّاهما بعد مغيب الشفق، وقاله ابن حبيب من أصحابنا، وقال مالك: لا يصليهما قبل المزدلفة إلا من به عذر أو بدابته، ولا يجمع هذا بينهما حتى يغيب الشفق، وقال محمد: يصليهما كل صلاة لوقتها، وقيل: يجزئه صلاته لهما فى وقتهما قبل مزدلفة، كان إمام الحاج أو غيره، وهو مروى عن جماعة من الصحابة والتابعين، وقاله الشافعى والأوزاعى وأبو يوسف وأشهب من أصحابنا وفقهاء أصحاب الحديث (¬7)، وفيه دليل أنه لا يجهر بالقراءة فى ظهر عرفة، وكونها سراً؛ إذ لو كان جهراً لنقل إلينا، وهو اتفاق من العلماء. وفيه دليل أن (¬8) أوقات هذه الصلوات للجمع. قال القاضى [رحمه الله] (¬9): قال الخطابى: سميت مزدلفة لاقتراب الناس بها إلى منى للإفاضة من عرفات (¬10)، يقال: ازدلف القوم: إذا اقتربوا، وقال ثعلب: لأنها منزلة من الله وقربة، قال: ومنه قوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَة} (¬11). وقال الهروى: سميت بذلك لاجتماع الناس بها. والازدلاف: الاجتماع. وقال الطبرى: سميت بذلك لازدلاف آدم إلى حواء، أو تلاقيهما بها. وقد يقال: سميت بذلك للنزول بها بالليل وفى زلفه ¬

_ (¬1) الطحاوى فى شرح معانى الآثار 2/ 214. (¬2) فى س: أذان. (¬3) فى س: الناس. (¬4) أحمد 3/ 318. (¬5) البخارى، ك الأذان، ب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة 2/ 111. (¬6) سقط من الأصل واستدرك بالهامش بسهم. (¬7) الاستذكار 13/ 161، الحاوى 4/ 174. (¬8) فى س: على. (¬9) من س. (¬10) فى س: عرفة. وانظر: غريب الحديث للخطابى 2/ 24. (¬11) الملك: 27.

ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَل حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وصلاة العشاءين بها ليلاً وهى (¬1) المشعر سميت بذلك بمعنى الأعلام، والمشاعر: المعالم، وهى جمع، سميت بذلك للجمع فيها بين العشاءين، وقيل: لاجتماع الناس [بها] (¬2). قال ابن حبيب: وهى قُرح أيضاً. قال القاضى: وقرح إنما هو موضع منها، فيه كانت تقف قريش فى الجاهلية، وهو داخل الحرم. [و] (¬3) سميت منى لما يُمْنَى بها من الدم، أى يراق، وقيل: لأن آدم تمنى بها الجنة. قال الطبرى: واختلف فى تسمية عرفة، فقيل: لأن جبريل حج بإبراهيم - عليه السلام - فكان يعرفه المواضع والمناسك، فيقول: قد عرفت (¬4)، وقيل: بل عرّفه عرفةَ، فقال: قد عرفت لأنه كان قد رآها مرة قبل ذلك، [والمعُرَّف] (¬5) موضع الوقوف بعرفة، والتعريف - الوقوف بها. وقوله: " حتى يأتى الموقف، فجعل نظرنا فيه إلى الصخرات، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة ": فيه أن سنة الوقوف هذه إلهية، واستحبوا هذا الموضع. والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا خلاف فيه. وقوله: " حتى غربت الشمس ": إبانة عن وقت الوقوف وأنه من بعد الزوال، ولا خلاف أنه لا يجزئ قبله. واختلف هل يكفى فيه وقوف النهار دون الليل؟ وهل محل الفرض الليل وحده، أو النهار والليل؟ مع أن الاتفاق على أن وقوف الليل يجزئ، وأكثرهم على أن وقوف النهار يجزئ إلا مالكاً، فإنه عنده فى معروف قوله كمن لم يقف (¬6) وفيه الاحتياط بالمكث حتى تزول الصفرة، وأن تحقق المغيب ليأخذ جزءاً من الليل، وكذا يجب الاحتياط للفطر والصلاة، لاسيما فيما تستره الجبال وخرج عنه أيضاً كقول الكافة، واختلف القائلون بالجواز، هل عليه إذا لم يقف دمٌ أم لا؟ وأجمعوا على أنه لا دم على من وقف بالليل دون النهار. وقوله: " وذهبت الصفرة حتى غاب القرص ": كذا فى النسخ كلها، قيل: لعل ¬

_ (¬1) فى س: وفى. (¬2) ساقطة من س. (¬3) من س. (¬4) ابن جرير الطبرى فى التفسير 2/ 167. (¬5) فى س: والمعروف، وهو تصحيف. قال ابن منظور فى لسانه: والمُعَرَّفُ فى الأصل موضع التعريف، وهو الوقوف بعرفة. مادة " عرف ". (¬6) الاستذكار 13/ 29، الحاوى 4/ 171.

وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لَلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: " أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَة "، كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً، حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وِإقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صوابه ووجه الكلام: " حين غاب القرص ". وقوله: " وجعل حبل المشاة بين يديه ": يريد صفهم ومجتمعهم. وحبل الرمل: ما طال منه وضخم، وقيل: حبل المشاة حيث تسلك الرّجالة، أى طريقهم، والأول أشبه بالحديث. وقوله: " وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مَوْركِ رَحْلِه ": مورك الرحل، بفتح الراء، ومَوْرَكَتُهُ أيضاً: قطعةٌ من أدم، يتورك عليها الرَاكب، تُجعل فى مُقدَّم الرحل، شبه المخدة الصغيرة. فيه الرفق فى السير من الراكب بالمشاة، كما جاء فى الحديث بعد هذا: " وهو كافّ ناقته " (¬1). وشنق: ضمّ وضيق، وما جاء فى الحديث من ضم رأسها يفسر (¬2) ذلك. وقوله: ويقول بيده: " أيها الناس، السكينة [السكينة] (¬3) ": فيه صفة الدفع من عرفة وسنتها، وهو سنة العبادات، لاسيما فى الجموع الكثيرة، مع ما فيه من الرفق والتؤدة لهم ولركابهم، وأمن الأذى مع ذلك، بخلاف العجلة. وقوله: " كلما (¬4) أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى يصعد "، قال الإمام: الحبال دون الجبال. قال ابن السكيت: الحبل [مستطيل] (¬5) من الرمل. قال القاضى: قال غيره: هو ما ضخم من الرمل وطال، وفى هذا الفعل الرفق بالدواب؛ لئلا يتكلف فى صعود ذلك مشقة مع مشقة الشنق، مع عادة الدواب من الترسل فى المشى فى الصعود. وقوله: " حتى تصْعَد ": ويروى تصعد ثلاثى ورباعى، ويقال: صَعِدَ فى الحبل، ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى ب التلبية والتكبير فى الذهاب من منى إلى عرفات فى يوم عرفات. (¬2) فى س: يبين. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى س: حتى، والمثبت من الصحيحة المطبوعة والأصل. (¬5) زائدة فى هامش س.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلّى الفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الحَرَامَ فَاسْتَقبَل الْقِبْلَةَ، فَدعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَر جِدًا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصْعَدَ وصعَّدَ وأصَعَد فى الأرض، ذهب مبتديًا للذهاب، وفى الرجوع: انحدر، وتقدم الكلام فى صلاته بالمزدلفة. وقوله: " ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى حين تبين لهُ الصبح بأذان وإقامة ": فيه سنة المبيت بمزدلفة (¬1) وصلاة الصبح بها غلساً، إلا لمن رخص له النبى - عليه السلام - ممن ضعف من أهله. وفيه الأذان فى السفر لصلاة (¬2) الأئمة حيث كانوا، خلافاً لمن قال: يقتصر المسافر على الإقامة. وقوله: " ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس ": فيه الوقوف بالمشعر، وكونه من المناسك، وقد قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَام} (¬3)، وقد اختلف فى وجوب الوقوف، فيه (¬4) وفيما تقدم استقبال القبلة للدعاء والذكر، وفيه سنة الذكر فيه بما فعله - عليه السلام - من التكبير والتهليل والدعاء، وفيه أن " جمعاً " (¬5) كلها موقف؛ إذ لم يخص منها موضعاً إلا ما خصَّهُ بقوله فى الحديث الآخر: " ارتفعوا عن بطن محسر " (¬6)، وفيه كون الدفع من مزدلفة بعد أن أسفر قبل طلوع الشمس، خلافاً للجاهلية، كانوا لا يفيضون من جمع حتى يروا الشمس على رؤوس الجبال، ويقولون: أشرق ثبير كما نغير (¬7)، وفى إردافه أولاً أسامة وآخراً الفضل، جواز ركوب الاثنين على الدابة، وخاصية هذين به - عليه السلام - من بين من حضره من آله، وأن ذلك من سنة أهل الفضل والتواضع، وقد روى - أيضاً - أنه أردف عليًا. ¬

_ (¬1) فى س: بعرفة، وهو تصحيف ظاهر، ووهم باطل. (¬2) قيد قبلها فى س " و "، وهو خطأ. (¬3) البقرة: 198. (¬4) قيدت فى نسخ الإكمال: وفيه، وأظن أنها بدون الواو يستقيم الكلام. (¬5) قال صاحب المراصد: هى المزدلفة، وسمى بذلك لأنه يجمع فيه بين صلاتى العشاءين وهى ضد التفرق. وقال المحقق: وأنشدوا: صلا القلب إلا من تذكرة ليلة ... بجمع وأخرى أَسعفت بالمحصَّب انظر: مراصد الاطلاع 1/ 346. قلت: لقد عنون بعض أصحاب السنن كأبى داود، قال: لتعجيل من جمع فى المناسك. (¬6) أخرجه أحمد فى المسند عن ابن عباس 1/ 219. (¬7) فى: س نفير.

وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضٌ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْل، فَحَوَّل الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْههُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُر، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلاً، ثُمَّ سَلَكَ الطَّريِقَ الْوُسْطَى الَّتِى تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ الَّتِى عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فمرت ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على وجه الفضل ": فيه سنة غض البصر خوف الفتنة، وأن [ذلك] (¬1) فى حق النساء والرجال جميعاً بعضهم لبعض، ألا تراه كيف قال فى الفضل: " وكان أبيض وسيماً حسن الشعر " يخاف فتنة الظعن به، وفتنته بهن. ولهذا وضع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على وجه الفضل ليمنع من الفتنتين، قال بعضهم: وهذا يدل على أن هذا ليس بواجب إذ لم ينهه. قال القاضى: أبو عبد الله بن المرابط: الاستتار للنساء سنة حسنة، والحجاب على أزواج النبى - عليه السلام - فريضة. قال القاضى وعندى أن فعله فى ذلك أبلغ فى النهى من القول، ولعل الفضل لم ينظر إليهن نظراً ينكره النبى - عليه السلام - وإنما خشى فتنة بعضهم لبعض أو كان هذا قبل نزول الآية بإدناء الجلابيب (¬2) عليهن. وقوله: " حتى أتى بطن محسّر فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى ": وهذه سنة السير فى هذا الموضع أن تحرك فيه الدابة، وسلوك هذه الطريق اتباعاً لفعله - عليه السلام. وقوله: " حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات، ليكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف ": كذا فى أكثر الأصول، وصوابه مثل: " حصى الخذف " وكذا رواه غير مسلم (¬3)، وكان فى كتاب القاضى ابن عيسى: " كل حصاة منها مثل حصا الخذف " وهو صوابٌ، لا خلاف أن جمرة العقبة - وهى هذه - من مناسك الحج، واختلف عندنا هل هى من فروضه وأركانه (¬4) أم لا (¬5)؟ فقال مالك: إن لم يرمها حتى ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: الحجاب. (¬3) أبو داود، ك المناسك، ب التعجيل من جمع 2/ 194. (¬4) قال ابن الحاجب فى مختصره: والفرض والواجب مترادفان. انظر: شرح مختصر ابن الحاجب 1/ 337. (¬5) وقد نُقِلَ الإجماع على وجوب رمى الجمار الكاسانى فى بدائع الصنائع 1/ 1121، الموسوعة الفقهية، مادة " حجَّ ".

الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِى، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًا، فَنَحَرَ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ خرجت أيام السنة، انفسد حجه وعليه دمٌ، وقال عبد الملك: يفسد حجه، وجمهور العلماء على أن عددها سبع (¬1) كما جاء فى الحديث، وسيأتى الكلام على تمامها بعده. وقوله: " مثل حصى الخذف " قال الإمام: قال الليث: الخذف رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك، أو تجعل مخذفة من خشبٍ ترمى بها بين إبهامك والسبابة. قال القاضى: [و] (¬2) هذا حد حصى الرمى، وقد روى نهى النبى - عليه السلام - عما سواه، وقال: " لا يقتل بعضكم بعضاً " (¬3). وقوله: " رمى من بطن الوادى ": هى سنة رمى جمرة العقبة، أن يكون من أسفلها، وحيث ما رمى فواسع، وسيأتى الكلام على هذا، وفيه أن رميها بعد طلوع [الفجر. وقد استدل بعضهم من هذا الحديث بأن رميها بعد طلوع] (¬4) الشمس، إذ دفع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أسفر جداً فلا تبلغ إليها إلا بعد طلوع الشمس، مع أمره - عليه السلام - بذلك فى حديث ابن عباسٍ، وسيأتى الكلام عليها وخلاف العلماء فيها بعد. وقوله: " ثم انصرف إلى المنحر ": دليل على أنه موضع معلوم بمنى، وقد قال - عليه السلام - فى الحديث الآخر: " هذا المنحر، وكل منى منحر " (¬5). قال مالك: إلا ما خلف العقبة، وقد قال ابن الأنبارى: إنما سميت منى من منيت الدم: إذا صببته، وذلك لما تمنى بها من الدماء، وقال غيره: بل لأن آدم تمنى بها الجنة. والنحر للحاج بمنى إجماع من العلماء. والنحر [بها] (¬6) عندنا بثلاثة شروط، إن انخرم منها واحد لم يصح النحر بها: أحدها: أن يكون الهدى قد وقف بعرفة. الثانى: أن يكون النحر فى أيام منى، وهى أيام التشريق، وهى الأيام المعدودات. الثالث: أن يكون النحر فى حج لا فى عمرة. ولا يجوز النحر بهذه الشروط بمكة ولا بغيرها، وهذا فى نقل (¬7) محمد، ومذهب ¬

_ (¬1) انظر: بدائع الصنائع 1/ 1121. (¬2) ساقطة من س. (¬3) أبو داود فى المناسك، ب فى رمى الجمار 1/ 455. (¬4) من هامش الأصل. (¬5) سيأتى فى الباب القادم، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف برقم (149). (¬6) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬7) فى نسخ الإكمال: نفل وهو تصحيف، وما أثبتناه قد جاء فى موطأ مالك برواية محمد بن الحسن، باب تقليد البدن 1/ 139.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك، وقال القاضى إسماعيل: إنه [يجوز] (¬1) إن نحر بمكة فى أيام منى، وحكى غيره أنه مذهب مالك (¬2)، وأجاز عبد الملك أن ينحر بمنزله ما لم يوقف به بعرفة، وأما فى العمرة فالنحر فى هديها بمكة حيث شاء منها، ولا خلاف فى هذا أيضاً فيما اشتملت عليه بيوتها، وقد قال - عليه السلام -: " فى العمرة هذا المنحر ": يعنى المروة وكل فجاج مكة وطرقها منحر (¬3)، وقد اختلف عندنا فيما خرج عن بيوتها من فجاجها، ويجزئ عند مالك (¬4) أن ينحر فى العمرة بمنى، فإن نحر بغير مكة ومنى فى الحج أو العمرة لم يجز عنده، وأجزأ عند أبى حنيفة (¬5) والشافعى إذا كان يأتى موضعاً (¬6) من الحرم، قالا: والمقصود مساكين الحرم [إلا لموضع] (¬7) منه، وأجمعوا (¬8) أنه لا يجوز فيما عدا الحرم، ولا يجوز لأحدٍ فى البيت والمسجد ذبح ولا نحر. وقوله: " فنحر ثلاثًا وستين [بدنة] (¬9) بيده ": [كذا لهم، وعند ابن ماهان: " بدنة " مكان " بيده "، وكلٌّ صوابٌ، لكن نحر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده هو المروى، وهو أصوب هنا إن شاء الله؛ لقوله] (¬10): " ثم أعطى عليًا فنحر ما نحر وكانت عدتها مائة ": على ما جاء فى الحديث. فيه تولى الرجل نسكه بيده (¬11)، وأنه أفضل. ويكره له إذا كان يقدر على ذلك توليته [لغير] (¬12)، وقوله: " إلى المنحر ": يدل أن البدن يختص بمنحر، وسيأتى تفسيره، وفيه كون النحر بعد الرمى. وقوله: " ثم أعطى عليًا فنحر ما نحر ": أى ما بقى، قال بعضهم: فيه جواز الاستنابة فى نحر النسك لغير صاحبها، وهو جائز بغير خلاف إذا كان المستناب مسلمًا. واختلف عندنا إذا كان كتابياً، لكن يضعف الاستدلال بها هنا؛ إذ جاء فى غير كتاب مسلم: أنه أعطاها عليًا يهديها عن نفسه (¬13)، وحكى بعض شيوخنا أنه رأى رواية أن من نحر أضحيته غيره كان عليه الإعادة (¬14) ولم تجزه، وتحمل هذا - والله أعلم - أنه بغير أمره، وهو موضع خلاف من أهل العلم فأما بأمره فلا. وقوله: " وأشركه معه فى هديه ": استدلوا به - أيضاً - على الاشتراك فى الهدايا، وقد تقدم ويأتى بعد، وعندى - أيضاً - أنه يضعف الاستدلال بكل حالٍ لما قدمناه من ¬

_ (¬1) فى الأصل: لا يجوز، والمثبت من س. (¬2) انظر: المنتقى للباجى 3/ 24، 25. (¬3) الموطأ، ك الحج، ب ما جاء فى النحر فى الحج 1/ 393. (¬4) و (¬5) انظر: الاستذكار 12/ 322. (¬6) فى الأصل: موضع، والمثبت من س. (¬7) فى س: لا المواضع. (¬8) الاستذكار 12/ 322. (¬9) من ع. (¬10) سقط من ع. (¬11) فى س: بنفسه. (¬12) فى س: غيره. (¬13) سيأتى فى باب الصدقة بلحوم الهدى وجلودها وجلالها برقم (348). (¬14) ذكره ابن عبد البر فى التمهيد. انظر: 2/ 107.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية من روى أنه لم يكن بشريك إشاعةً، وإنما أعطاه منها عددًا، وقال هنا: " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحر ثلاثاً وستين [بدنة] (¬1) بيده ": قيل: إشارة إلى [منتهى عمره] (¬2)، ونحر علىٌّ ما بقى. ذكر بعض أصحاب المعانى أن نحر النبى - عليه السلام - ثلاثاً وستين بدنة بيده إشارة إلى منتهى عمره، ويكون قد نحر عن كل عام من عمره بدنة. قال القاضى: والذى يظهر لى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحر بدن نفسه بيده، وهى التى أتى بها من ذى الحليفة، على ما ذكر مسلم فى حديث ابن عمر وهى التى كانت عدد ما جاء به من المدينة (¬3)، على ما ذكره الترمذى فى الحديث ثلاثاً وستين (¬4)، وأن البقية هى التى أتى بها علىّ، هى التى أعطاها له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على ما تقدم فى بعض الروايات، فلم يكن بها (¬5) حجة فى الاستنابة، ولا فى التشريك، ولكن يبقى هنا إشكال فى هبتها (¬6) بعد تقليدها وإشعارها، وقد وجبت بذلك لمقلدها ومهديها، وقد ذكر أصحاب الأخبار والمغازى أن علياً ساقها على أن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شاء منها، فإن كان قلدها وأشعرها عن نفسه على هذه النية، فقد أبقاها له النبى - عليه السلام - وتركها هدياً عنه، وأهدى هو ما أتى به من المدينة. وقوله: " ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت فى قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها (¬7) "، قال الإمام: لما كان الأكل من جميع لحمها فيه كلفة، جمعه فى قدرٍ واحدٍ ليكون تناوله من المرق كالأكل من الجميع. قال القاضى: يحتج بهذا على قولنا: إن من حلف ألا يأكل لحماً فشرب مرقه، أنه حانث لحصول اللحم فيه، إلا أن يكون له مقصد ونية، وذكر الداودى أنه روى أنه: " أخذ من كل بدنةٍ بضعةً صغيرة فينظمها فى خيطٍ فتطبخ ويأكلها " لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} (¬8)، والأكل باتفاق ليس بواجبٍ، لكنه من سننها، ويطعم باقيها، وقال النخعى: من شاء أكل ومن شاء لم يأكل، وسيأتى الكلام على الأكل من الهدايا، والخلاف فيها بعد هذا، وما ذكره الداودى حديث غير معروف منكر، وفى هذا الحديث من خصائص على - رضى الله عنه - فى تشريكه معه فى هديه وتفضيلِه بذلك دون غيره، واستدل به على جواز الأكل من هدى المتعة والقران، على القول أنه كان متمتعاً أو قارناً، ولا حجة فيه؛ لأن هذا لم ينص أنه كان للمتعة ولا للقران، وقد بينا أنه كان غير متمتع ولا قارن، ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) من س. (¬3) فى س: الحديبية. (¬4) الترمذى عن جابر، ك الحج، ب كم حج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3/ 196. (¬5) فى س: هنا. (¬6) فى س: هيئتها. (¬7) فى س: مرقتها. (¬8) الحج: 29.

غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِى هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِى قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ. فَقَالَ: " انْزِعُوا، بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَلَوْلا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ "، فَنَاولُوهُ دَلْوًا فَشَربَ مِنْهُ. 148 - (...) وحدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدثنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتى الكلام على الأكل من الهدايا والبدن. وقوله: " ثم ركب فأفاض بالبيت ": فيه أن وقت طواف الزيارة هو يوم النحر، قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (¬1)، وهذا هو الطواف الواجب [بإجماع] (¬2) وهو طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وهو ركن من أركان الحج عند جميعهم لا يجزئ دونه، واختلفوا فيمن طاف [غيره من] (¬3) طواف قدوم أو وداع أو تطوع، وترك طواف الإفاضة أو نسيه (¬4) حتى رجع إلى بلاده، فعن مالكٍ وأصحابه فى إجزاء طواف الوداع عنه روايتان، فأكثر العلماء ومشهور قوله أنه لا يجزئ، واختلف - أيضاً - عندنا هل يجزئ عن طواف الإفاضة طواف الوداع؟ الأشهر هنا أنه يجزئ، وكذلك طواف التطوع، ولم يختلف [العلماء] (¬5) أنه لا رمل فيه ولا سعى بعده، إلا لمن لم يطف طواف القدوم ولم يسع فيه. وقوله: فصلى بمكة الظهر فأتى بنى عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: " اتركوا بنى عبد المطلب لولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ": فيه بقاء هذه الحظية (¬6) والتكرمة لبنى [العباس] (¬7) كبقاء الحجابة لبنى شيبة وسنذكره، وفيه إشفاقه عليها حوطة على مكرمتهم؛ إذ لو نزع أحد الناس ذلك من النسك فاستعملوا ذلك [فيخرج الأمر] (¬8) عن يد بنى عبد المطلب، وقيل: لعله إشفاق - أيضاً - على أمته؛ لئلا يلحقهم بذلك حرج، والأول أظهر لمقتضى لفظه، وتعليله بغلبتهم لا بغير ذلك، والنزع: الاستقاء بالرشا، يقال منه: نزع بالفتح، ينزع بالكسر، ولم يأت فى هذا الباب على فعل ¬

_ (¬1) الحج 28. (¬2) ساقطة من س. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬4) فى س: ونسيه. (¬5) ساقطة من س. (¬6) فى الأبى: الخطة. (¬7) من س. وفى الأصل: المطلب، ومضروب عليها. (¬8) فى س: من النسك.

حَدَّثَنِى أَبِى، قَالَ: أَتَيْتُ جَابَر بْنَ عَبْدِ اللهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَزَادَ فِى الْحَدِيثِ: وَكَانَت الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيَّارَةَ عَلَى حِمَارٍ عُرْىٍ، فَلَمَّا أَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، لَمْ تَشُكَّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ سَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَنْزِلُهُ ثَمَّ. فَأَجَازَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ. حَتَّى أَتَى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [يفعل] (¬1) إلا نزع ينزع، وهنا يهنى، وإلا فكل ما جاء على فعل مما عينه أو لامه حرف حلق فمستقبله يفعل، بالفتح أيضاً. والنرح، بالحاء، الاستقاء بالدلو. وقوله: " فناولوه دلواً فشرب ": فيه استحباب الشرب من زمزم. ¬

_ (¬1) ساقطة من س.

(20) باب ما جاء أن عرفة كلها موقف

(20) باب ما جاء أن عرفة كلها موقف 149 - (...) حدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْن غيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَابِرٍ فِى حَدِيثِهِ ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٍ، فَانْحَرُوا فِى رِحَالِكُمْ. وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفُ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر، [فانحروا فى رحالكم ": توسعةً، وقد قال فى الحديث الآخر: " حتى أتى المنحر "، وقال فى الآخر (¬1): " هذا المنحر، ومنى كلها منحر] (¬2) "، وقد تقدم الكلام عليه. وقوله: " وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا، وجمْعٌ كلها موقف ": تعريف بتوسعة الأمر على أمته، وبيان لهم. وجَمْعٌ، بفتح الجيم، مُزدلفة سميت بذلك لاجتماع الناس بها، وقيل: لجمع العشاءين بها، وهو المشعر الحرام. واستحب العلماء الوقوف بموضع وقوف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن قدر عليه، وجاء فى رواية مالك: " عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عُرَنة " (¬3). اتفق العلماء [على] (¬4) أنه لا موقف فيه، واختلفوا إذا فعل. وبطن عرنة: وادى عرفة، كذا ذكره بضم العين والراء، وذكره ابن دريد بفتح الراء، قالوا: وهو الصواب (¬5)، وهو بطن وادى عرفة. قال ابن حبيب: وفيه مسجد عرفة، وهو من الحرم. واختلف فيمن وقف فى المسجد، فعند مالك يجزئ، وقال أصبغ: لا يجزئ، ورواه من بطن عرنة، وكذلك قال أبو مصعب فيمن وقف ببطن عرنة: إنه كمن لم يقف لنهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوقوف به، وحكى عن الشافعى، وقال مالك: حجه تام وعليه دم، حكاه عنهما ابن المنذر، وحجته [قوله] (¬6): " وعرفة كلها موقف " (¬7). وقوله: " وجَمْعٌ كلها موقف "، وفى رواية مالك: " وارتفعوا عن بطن محسّرٍ " (¬8): اتفق العلماء أيضاً على الأخذ بهذا، وترك الوقوف بمزدلفة ببطن محسّر، واستحبوا الوقوف ¬

_ (¬1) أحمد 1/ 76. (¬2) سقط من س. (¬3) الموطأ، ك الحج، ب الوقوف بعرفة والمزدلفة 1/ 388. وعرنة: هى واد بحذاء عرفات. انظر: اللسان، مادة " عرن ". (¬4) من س. (¬5) انظر: اللسان، مادة " عرن ". (¬6) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم، ولم تثبت فى س. (¬7) انظر: المغنى 5/ 266، 267. والمرجع عندنا، ما قاله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عرفة كلها موقف ". (¬8) انظر: الموطأ 1/ 388، الطبرانى فى الكبير 11/ 47، 119، 176.

150 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاَسْتَلَمهُ، ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث المنارة، وحيث يقف الأئمة [بين] (¬1) الجبلين. ومحسر ليس من المزدلفة. ¬

_ (¬1) فى الأصل: من، والمثبت من س.

(21) باب فى الوقوف وقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}

(21) باب فى الوقوف وقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} (¬1) 151 - (1219) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: قَالَتْ: كَانَ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقفُونَ بِعَرَفَةَ. فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ أَمَرَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِىَ عَرَفَاتٍ فَيَقفَ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم: " كانت قريش ومن دان بدينها يقفون بالمزدلفة، ويسمون الحمس، وأنهم كانوا يقولون: لا نفيض إلا من الحرم وسائر العرب يقف بعرفة، فلما جاء الإسلام أمر الله [تعالى] (¬2) نبيه أن يأتى عرفات فيقف، ثم يفيض منها "، وذكر أن أبا سيارة (¬3) كان يدفع بالعرب على حمارٍ عُرْىٍ (¬4)، وأن قريشًا لم تشك أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتصر على المشعر، وأنه أتى عرفات، وفسر فى الحديث أن الحمس قريشٌ وما ولدت (¬5). قال الإمام: قال أبو الهيثم: هم قريش، ومن ولدت قريش، وكنانة وجديلة قيس. سموا حمساً. [الأحمس: الشديد الصلب فى الدين والقتال، قد حمس بالكسر فهو حمس وأحمس بين الحمس والحماسة. والأحمس: الشجاع، وإنما سميت قريش وكنانة حُمساً لتشددهم فى دينهم؛ لأنهم كانوا لا يستظلون أيام منى، ولا يدخلون البيوت من أبوابها، ولا يساؤون السمن ولا يلقطون الجُلَّة، قاله الجوهرى فى الصحاح، لأنهم] (¬6) تحمسوا فى دينهم، أى تشددوا [فيه] (¬7) وكانوا لا يقفون بعرفة، يخرجون من الحرم، ¬

_ (¬1) البقرة: 199. (¬2) من س. (¬3) هو عميرة بن الأعلم، وقيل: عمير بن الأعلم، وقيل: عميرة بن الأعزل، له صحبة، مولى بنى بجالة، روى له النسائى وابن ماجة والبيهقى. انظر: تهذيب الكمال 33/ 398، الإصابة 4/ 733. (¬4) حديث رقم (148) من الباب السابق. (¬5) وقد ولدت قريش بطوناً كثيرة، منها: بنو هاشم، وبنو المطلب، وبنو أمية، وبنو تميم، وبنو كنانة، وبنو عدى، وبنو فهر، وبنو عامر، وبطون كثيرة. ولقد تقرشت قريش من قريش بن مخلد، وكان صاحب غيرهم أو النضر بن كنانة أو فهر بن مالك بن النضر. انظر: معجم قبائل العرب لعمر رضا كحالة، مادة " الحمس " وكذا " قريش ". (¬6) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. وكذا غير مثبتة فى س. راجع: تفسير ابن جرير 4/ 188. (¬7) من س.

152 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، إِلا الْحُمْسَ - وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ - كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً، إِلا أَنْ تُعْطِيهُمُ الْحُمْسُ ثِيَابًا، فَيُعْطِى الرِّجَالُ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ. وَكَانَتِ الْحُمْسُ لا يَخْرُجُون مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَبْلُغُونَ عَرَفَاتٍ. قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: الْحُمْسُ هُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}. قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقولون: نحن أهل الله، فلا يخرج من حرم الله، كانوا لا يدخلون البيوت من أبوابها (¬1)، وقال الحربى عن بعضهم: سُمُّوا حمسًا بالكعبة لأنها حمساء، حجرها أبيضُ يَضربُ إلى السواد (¬2). قال القاضى: وذلك قوله - عز وجل -: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} (¬3). قيل: المراد بالناس هُنا آدم - عليه السلام (¬4) - وقيل: إبراهيم [عليه السلام] (¬5) ومن معه، وقيل: بل سائر الناس غير الحمس الذين ابتدعوا الإفاضة من مزدلفة. وقوله: " كانوا يطوفون عُراةً ": يعنى العرب، إلا أن تعطيهم الحمس ثياباً، هذه كانت سيرة العرب فى الجاهلية؛ ولهذا أمر - عليه السلام - قبل حجه بعام ألّا يطوف بالبيت عريان إلا الحمس، فإنها كانت تطوف فى الثياب، أو مَنْ أعطاه الحمس من ثيابها، فمن لم يرد أن يطوف عرياناً ولم يجد ثوباً من ثياب الحمس، وطاف من العرب فى ثيابه، فإذا أكمل طوافه ألقاها فى الأرض، وليس غيرها، ولم يعُد إليها هو، ولا غيره، ولا انتفع بها، وكانت تسمى تلك الثياب المطروحة اللقى (¬6)؛ لإلقائها بالأرض، واختلف فى اشتقاق لفظة " الإفاضة " هنا، فقال الطبرى: معناه: الرجوع، أى يرجعون ¬

_ (¬1) انظر: معجم قبائل العرب، واللسان. (¬2) لم أجدها فى غريب الحديث المطبوع للحربى. (¬3) البقرة: 199. (¬4) لم نجد فى كتب التفسير أن المراد بالناس هنا آدم - عليه السلام - بل المشهور كما ذكر ابن جرير فى تفسيره: إما الناس: قريش، وإما إبراهيم، حيث قال: أولى القولين كما قال الضحاك: إبراهيم لولا الإجماع أنه الناس لقلت به. انظر: الطبرى فى تفسيره 4/ 187 وما بعدها. وكذا ابن كثير فى تفسيره 1/ 353. (¬5) من س. (¬6) فى الأبى: اللقاء، والمثبت من نسخ الإكمال.

عَرَفَاتٍ، وَكَانَ الْحُمْسُ يُفِيضُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ. يَقُولُونَ: لا نُفِيضُ إِلَّا مِنَ الْحَرَمِ. فَلَمَّا نَزَلَتْ: {أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}، رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ. 153 - (1220) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِى، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: وَاللهِ، إِنَّ هَذَا لَمِنَ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَاهُنَا؟ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنَ الْحُمْسُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من المشعر إلى منى (¬1)، وقال الأصمعى: الإفاضة: الدفعة، ومنه: فيض الدمع، قال الخطابى: أصل الفيض السيلان (¬2)، وقال جبير بن مطعم: " ضللت (¬3) بعيراً لى، فذهبت (¬4) أطلبه يوم عرفة، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقفاً مع الناس بعرفة، فقلت: هذا من الحمس، فما شأنه؟ " (¬5) كان هذا - والله أعلم - قبل الهجرة فى حج النبى - عليه السلام - بمكة، وجبير إذ ذاك كافراً؛ لأنه اختلف فى إسلامه، فقيل: يوم الفتح، وقيل: عام خيبر، فأنكر مخالفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقريش، وهذا يدل أن أمره بذلك كان بمكة قبل فرض الحج عليه (¬6). قال الإمام: ذكر مسلم فى الباب: ثنا أبو كريب، ثنا أبو أسامة، ثنا هشام عن أبيه. هكذا عند أبى أحمد والكسائى، وعند ابن ماهان: ثنا أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا أبو أسامة، فجعل " ابن أبى شيبة " بدلاً أبى كريب "، وحديث أبى موسى فى إهلاله وحجه تقدم. ¬

_ (¬1) الطبرى فى تفسيره 4/ 170. (¬2) انظر: الخطابى فى غريب الحديث 2/ 219. (¬3) فى الأصل: ظللت، وهو خطأ، والصواب من الصحيح المطبوع للبخارى، س. (¬4) فى س: فظللت. (¬5) البخارى، ك الحج، ب الوقوف بعرفة بلفظه وزيادة " هاهنا " 2/ 199. (¬6) أسد الغابة 1/ 324.

(22) باب فى نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام

(22) باب فى نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام 154 - (1221) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْن مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَالَ لِى: " أَحَجَجْتَ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " بِمَ أَهْلَلْتَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " فَقَدَ أَحْسَنْتَ، طُف بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَحَلَّ ". "قَالَ: فَطُفْتُ بِالْبيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنىِ قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِى، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ. قَالَ: فَكُنْتُ أُفْتِى بِهِ النَّاسَ، حَتَّى كَانَ فِى خِلَافَةِ عمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ. فَقَالَ لَه رَجُلٌ: يَا أَبَا مُوسَى - أَوْ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ - رُوَيْدَكَ بَعْضَ فُتْيَاكَ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِى مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِى النُّسُكِ بَعْدَكَ. فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ فُتْيَا فَلْيَتَّئِدْ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ، فَبِه فَائْتمُّوا. قَالَ: فَقَدِمَ عُمَرُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: إِنْ نَأَخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّ كِتَابَ اللهِ يَأْمُرُ بِالتَّمَامِ، وَإِنْ نَأخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حتَّى بَلَغَ الْهَدِىُ مَحِلَّهُ. (...) وحدّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فكنت أفتى الناس بذلك ": يعنى التمتع إلى الحج، كما جاء مفسراً بعد، إذ لم يكن هو ممن أهل بحج. وقول عُمرَ: " أن نأخذ بكتاب الله، فكتاب (¬1) الله يأمرنا بالتمام، وأن نأخذ سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحل حتى بلغ الهدى محله ": ظاهره إتمام الحج، وإنكار فسخ الحج فى العمرة لاحتجاجه بالآية وبفعل النبى - عليه السلام - وهو الأظهر، وقيل: يحتمل احتجاجه بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على أن [متعة التمتع] (¬2) والقران إنما هو من باب الأولى والأفضل، لا على منعه جملةً، وعليه يدل قوله فى الحديث الآخر بعده: " قد فعله ": يعنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه " ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن فى الأراك ثم يروحون فى الحج تقطر رُؤُوسُهُم "، وهذا مثل استحبابه الإهلال لأهل مكة ¬

_ (¬1) فى س: فكتب. (¬2) فى الأصل: منعه للتمتع، والمثبت من س.

155 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ. قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَالَ: " بِمَ أَهْلَلْتَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " هَل سُقْتَ مِنْ هَدْىٍ؟ ". قُلْتُ: لا. قَالَ: " فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ "، فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِى فَمَشَطَتنِى وَغَسَلَتْ رَأْسِى، فَكُنْتُ أُفْتِى النَّاسَ بِذَلِكَ فى إِمَارَةِ أَبِى بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ، فَإِنِّى لَقَائِمٌ بِالمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِى رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّكَ لا تَدْرِى مَا أَحْدَثَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِى شَأْنِ النُّسُكِ. فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَىْءٍ فَليَتَّئِدْ، فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فَبِهِ فَائْتَمُّوا، فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا الَّذِى أَحْدَثْتَ فِى شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} (¬1)، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَإِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الهَدْىَ. 156 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْن حُمِيدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أخْبرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِى إِلَى الْيَمَنِ. قَالَ: فَوَافَقْتُهُ فِى الْعَامِ الَّذِى حَجَّ فِيهِ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا مُوسَى، كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أَحْرَمْتَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ إِهْلالاً كَإِهْلَالِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " هَلْ سُقْتَ هَدْيًا؟ ". فَقُلْتُ: لا. قَالَ: " فَانْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَحِلَّ "، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا رأوا هلال ذى الحجة ليبعد ما بين إحرامهم وعمل الحج، ليظهر عليهم الشعث، وقيل: ونهى عمر وعثمان عن المتعة على ما تقدم، إما بفسخ الحج فى العمرة فيكون نهى لزوم، أو بالتمتع بالعمرة فى أشهر الحج فيكون نهى ندب وحض على الأولى عندهما من الإفراد، وكذلك نهى عثمان وعمر عن القران من هذا، وقد يكون ذلك ليفصل الحج من العمرة برحلتين وسفرين كما جاء فى حديث عمر: ليكثر قصّادُ البيت، ويتصل عمارته سائر ¬

_ (¬1) البقرة: 196.

157 - (1222) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِى مُوسَى، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِى بِالْمُتْعَةِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رُوَيْدَكَ بِبَعْضِ فُتْيَاكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِى مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِى النُّسُكِ بَعْدُ، حَتَّى لَقِيهُ بَعْدُ، فَسَأَلَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ فِى الأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُونَ فِى الْحَجِّ تَقْطُرُ رُؤُوسُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ العام، ومخالفة علىّ له فى ذلك ليُرىَ بجواز ذلك، ولئلا يظن الظان إذ نهى عنه الخليفةُ أن غير الإفراد لا يجوز، وقد قيل: إن نهى عمر عن المتعة وضربه عليها: أنه رأى الناس يميلون إليها لخفتها ويسارتها، فخشى ضياع الإفراد والقران، وجهل سُنتهما.

(23) باب جواز التمتع

(23) باب جواز التمتع 158 - (1223) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بْنُ شَقِيقٍ: كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَكَانَ عَلِىٌ يَأْمُرُ بِهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ لِعلِىٍّ: كَلِمَةً. ثُمَّ قَالَ عَلَىُّ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا قَدْ تَمتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَجَلْ، وَلِكنَّا كُنَّا خَائِفِينَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 159 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِىٌّ وَعُثْمَانُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - بِعُسْفَانَ، فَكَانَ عُثْمَان يَنْهَى عَن الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمَرَةِ. فَقَالَ عَلِىٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَنْهَى عَنْهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْكَ. فَقَالَ: إِنِّى لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ. فَلَمَّا أَنْ رَأَى عَلِىٌّ ذَلِكَ، أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا. 160 - (1224) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَتِ الْمُتْعَة فِى الحَجِّ لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. 161 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَيَّاشِ الْعَامِرِىِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً - يَعْنِى الْمُتْعَةَ فِى الْحَجِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عثمان: " أجل ": أى نعم. وقوله: " ولكنا كنا خائفين ": يعنى - والله أعلم - فسخ الحج. وقول أبى ذر: " لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصةً؛ متعة النساء ومتعة الحج ": تقدم أنه أراد فسخ الحج فى العمرة، وأن ذلك كان خاصاً فى حجة الوداع للعلة المتقدمة من مخالفة الجاهلية.

162 - (...) وحدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: لا تَصْلُحُ الْمُتْعَتَانِ إِلَّا لَنَا خَاصَّةً - يَعْنِى مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَمُتْعَةَ الْحَجِّ. 163 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، قَالَ: أَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىَّ وَإبْرَاهِيمَ التَّيْمِىَّ، فَقُلْتُ: إِنِّى أَهُمُّ أَنْ أَجْمَعَ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ الْعَامَ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِىُّ: لَكِنْ أَبُوكَ لَمْ يَكُنْ لِيَهُمَّ بِذَلِكَ. قَالَ قُتَيْبَة: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِى ذَرٍّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - بِالرَّبَذَةِ. فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ لَنَا خَاصَّةً دُونَكُمْ. 164 - (1225) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ الْفَزَارِىِّ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ، عَنْ غُنَيمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ الْمُتْعَةِ؟ فَقَالَ: فَعَلْنَاهَا، وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرُ بِالْعُرُشِ - يَعْنِى بُيُوتَ مَكَّةَ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى رِوَايَتِهِ: يَعْنِى مُعَاوِيَةَ. (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. وَفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: الْمُتْعَةُ فِى الْحَجِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول سعدٍ فى المتعة: " فعلناها وهذا - يعنى معاوية - كافر يومئذ بِالعُرُشِ "، قال الإمام: أى هو مقيم بعرش مكة، وهى بيوتها. [المعنى: أنى سبقته إلى الإسلام] (¬1). قال أبو العباس: يقال: أكتفر الرجل: إذا لزم الكُفُور، وهى القُرى، وفى حديث أبى هريرة: " ليُخرِجَنَّكُمُ الرُّومُ مِنْهَا كَفْراً كَفْراً " (¬2): أى قرية قرية، وفى حديث عمر: " [أهل] (¬3) الكفور هم أهل القبور " (¬4): يعنى القرى النائية عن الأمصار، ومجتمع أهل العلم. ¬

_ (¬1) من س، ع. (¬2) تهذيب تاريخ دمشق الكبير للإمام الحافظ المؤرخ ابن عساكر، تهذيب الشيخ عبد القادر بدران 5/ 315. (¬3) ساقطة من س. (¬4) البخارى فى الأدب المفرد ص: 203 (579) بلفظ: " لا تسكن الكفور، فإن ساكن الكفور كساكن القبور ". وبنحوه ذكره العجلونى فى كشف الخفاء 1/ 262 (812).

165 - (1226) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ لِى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: إِنِّى لأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ، يَنْفَعُكَ الله بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِى الْعَشْرِ، فَلمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ، ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ بَعْدُ، مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئىَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو عبيد: وسميت بُيوت مكة عرشاً لأنها عيدان تنِصب وتظلل [بها] (¬1)، ويقال (¬2) لها: عُرُوش، فمن قال: عروش فواحدها عرشٌ، ومن قال: عرش فواحدها عريشٌ، مثل قَليب وقُلُب. وفى حديث عمر: " إذا نظر إلى عروش مكة قطع التلبية "، والعُرْشُ فى غير هذا عِرْق فى أصل العنق، ومنه قول أبى جهل لابن مسعود [يوم بدر] (¬3): خذ سيفى فاحْتَزَّ بِهِ رأسى من عُرْشِى. قال القاضى: الأولى أن يحمل الكفر هاهنا على المعروف، وأن المراد بالمتعة المذكورة الاعتمارُ فى أشهر الحج، والإشارة بذلك إلى عمرة القضاء لأنها كانت فى ذى القعدة، وقد قيل: إن فى هذا الوقت كان إسلام معاوية، والأظهر (¬4) أنه من مسلمة الفتح، وأما غير هذه من عمرة الجعرانة وإن كانت أيضاً فى ذى القعدة، فمعاوية قد كان أسلم [ولم] (¬5) يكن مقيماً بمكة، وكان فى عسكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هوازن فى جملة أهل مكة، وكذلك فى حجة الوداع لم يكن معاوية ممن (¬6) تخلف عن الحج مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تخلف عنه غيره إلا أن يكون أراد فسخ الحج فى العمرة التى (¬7) صنعها من قدم] (¬8) مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمعاوية - أيضاً - لا يثبت أنه كان مقيماً بمكة حينئذٍ، وكيف وقد استكتبه النبى - عليه السلام - وكان معه بالمدينة، فلم يكن حينئذٍ مقيماً بمكة، وقال بعضهم: " كافر بالعَرْش ": بفتح العين وسكون الراء، وتأوله عرش الله [سبحانه] (¬9)، وهو تصحيف. وقول عمران بن حُصين:" أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ طائفة من أهِلهِ فى العَشْرِ، فلم تنزلْ آيةٌ تَنْسَخُ ذلك ": معنى هذا مبين فى الرواية الأخرى: " أنه - عليه السلام - جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه "، وفى الرواية الأخرى: " تمتعنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) فى س: وقد يقال. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬4) فى س: والأصح. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬6) فى س: فى من. (¬7) المثبت من س، وفى الأصل: الذى. (¬8) فى هامش س. (¬9) مثبتة من س.

166 - (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِى رِوَايَتِهِ: ارْتَأَى رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ - يَعْنِى عُمَرَ. 167 - (...) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ لِى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا عَسَى الله أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَى حَتَّى اكْتَوَيْتُ، فَتُرِكْتُ، ثُمَّ تَركْتُ الْكَىَّ فَعَادَ. (...) حدثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا قَالَ لِى عِمْرَان بْنُ حُصَيْنٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ. 168 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: بَعَثَ إِلَىَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فِى مَرَضِهِ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ، فَقَالَ: إِنِّى كُنْتُ مُحَدِّثَكَ بِأَحَادِيِثَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهَا بَعْدِى، فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَنِّى، وَإِنْ مُتُّ فَحَدِّثْ بِهَا إِنْ شِئْتَ: إِنَّهُ قَدْ سُلِّمَ عَلَىَّ، وَاعْلَمْ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابُ اللهِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ رَجُلٌ فِيهَا بِرأْيِهِ مَا شَاءَ. 169 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوَبةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابٌ، وَلَم يَنْهَنَا عَنْهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. 170 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: تَمَتَعْنَا مَعَ رسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينزل قرآن ينسخه ": فهو يحتمل لإجازة العمرة فى أشهر الحج، أو لإجازة القران. وقوله: " قال رجل برأيه ما شاء ": يعنى عمر، يريد فى نهيه عن ذلك وأمره

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ الْقُرْآنُ. قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. 171 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ: تَمَتَّعَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ. 172 - (...) حدَّثنا حَامدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى رَجَاءٍ. قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصِيْنٍ: نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِى كِتَابِ الله - يَعْنِى مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ. قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ بَعْدُ مَا شَاءَ. 173 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَال: وَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: وَأَمَرَنَا بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإفراد، ويتأول قوله: " جمع بين حجة وعمرة ": على ما تقدم من إضافته إليه وإن كان من فعل غيره، أو على ما تأولناه من إضافتها إلى الحج للقران.

(24) باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله

(24) باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله 174 - (1227) حدَّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَر - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْىَ مِنْ ذِى الْحُلَيْفَةِ. وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْىَ، وَمنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنهُ حَتَّى يَقْضِىَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن عمر: " تمتع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمرة إلى الحج ": قد مر من الحُجَّة على أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حج مفرداً، أو (*) من جملة من رواه ابن عمر صاحب هذا الحديث، وقد ذكره مسلم بعد هذا، ويتأول فى حديث ابن عمر هذا ما مر فى تأويل حديث غيره على قران ذلك بعد الإفراد، ومآل الحال لا فى الابتداء به. وقوله: " فأهل بعمرة ثم بالحج ": يعنى - والله أعلم - حين أراد القران بعد وصوله مكة، وإضافته العمرة إلى الحج التى أفردها على ما تقدم ليتأسى به الناس فى الاعتمار فى أشهر الحج قال: " لبيك بعمرة وحجة " (¬1)، كما جاء فى حديث أنسٍ، فبدأ بالعمرة، وهذا هو الاستحباب عند مالكٍ فى القران تقديم لفظ العمرة، وهذا حجةٌ له وتقدم الكلام على هذا. وقوله للمتمتعين: " فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام فى الحج وسبعةً إذا رجع (¬2) ": نص ما فى كتاب الله تعالى فيما يلزم المتمتع، وقد اختلف العلماء فى تفسير هذه الجملة، فقال جماعةٌ من السلف: ما استيسر من الهدى شاة، وهو قول مالك، وقال جماعة أخرى منهم: بقرة دون بقرة، وبدنة دون بدنةٍ (¬3)، وقيل: المراد: بدنة أو بقرة ¬

_ (¬1) حديث رقم (185) باب رقم 27. (¬2) فى س: رجعتم. (¬3) وهو قول ابن عمر. راجع: المنتقى للباجى 3/ 10، 11. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها: "و"؛ ليستقيم المعنى، والله أعلم.

فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ ليُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ "، وَطَافَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَىْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَام رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرَ وَأَفَاضَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَهْدَى وَسَاَقَ الْهَدْىَ مِنَ النَّاس. 175 - (1228) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى تَمَتُّعِهِ بِالْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَتَمِتُّعِ النَّاسِ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِى أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عبدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الله - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أو شاة (¬1)، وشُرِكَ فى دمٍ، وهذا عند مالك للحر دون العبد، إذ لا يهدى إلا أن يأذن له سيده وله الصوم، وإن كان واجداً للهدى، ولا يجوز عند مالكٍ وأبى حنيفة نحره قبل يوم النحر، وأجاز ذلك الشافعى بعد إحرامه بالحج (¬2). وأما قوله: " فليصم ثلاثة أيام فى الحج ": فذهب مالك والشافعى إلى أن ذلك لا يكون إلا بعد الإحرام، وهو مقتضى الآية والحديث، وقال أبو حنيفة والثورى: يصح له بعد الإحرام بالعمرة، وقيل: الإحرام بالحج ولا يصومُها بعد أيام الحج، وهذا تناقضٌ بين الاختيار، عندنا تقديمُها فى أول الإحرام، وآخر وقتها آخر أيام التشريق عندنا وعند الشافعى، فمن فاته صومها فى هذه الأيام - وهى أيام الحج - صامها عندنا بعد، وقال أبو حنيفة: آخر وقتها يوم عرفة، فمن لم يصمها إلى يوم عرفة فلا صيام عليه، ووجب عليه الهدى، وقال مثله الثورى إذا ترك صيامها أيام الحج، وللشافعى قولٌ كقول أبى حنيفة (¬3). وقوله: " وسبعة إذا رجع ": حمله مالك والشافعى - فى أحد قوليهما - أن [ظاهر] (¬4) المراد به هنا فى الآية: إذا رجع من منى، وأنه يصومها إن شاء بمكة أو بلده، وهو قول أبى حنيفة، ولمالك والشافعى قولٌ آخر: إن ظاهر المراد به: إذا رجعتم إلى بلادكم، وأنه لا يصومها حتى يرجع إلى أهله. وحمل بعضهم القولين أن مالكاً يستحب تأخيرها حتى يقدم بلده، وأن صومها ببلده أفضل لاحتمال المراد بالآية، وليأتى بالعبادة على ما يتفق عليه. ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القرطبى 2/ 378 فى قول الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعْمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُم} الآية [البقرة: 196]. (¬2) انظر: الاستذكار 12/ 322. وقد ذكر أن أبا حنيفة خالف مالكاً فى التطوع، فجوزه قبل النحر. (¬3) انظر: الاستذكار 13/ 372. (¬4) فى هامش س.

(25) باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا فى وقت تحلل الحاج المفرد

(25) باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا فى وقت تحلل الحاجّ المفرد 176 - (1229) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ حَفْصَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ - زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: " إِنِّى لَبَّدْتُ رَأْسِى، وَقَلَّدْتُ هَدْيِى، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ ". (...) وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالَكَ لَمْ تَحِلَّ؟ بِنَحْوِهِ. 177 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبيدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ - قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: " إِنِّى قَلَّدْتُ هَدْيِى، وَلَبدْتُ رَأْسِى، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الحَجَّ ". 178 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ حَفْصَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث حفصة حين قالت [له] (¬1): ما شأن الناس، حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: " إنى لبدت رأسى، وقلدت هدى " الحديث: تسميتها إياها عمرة يحتج به من قال: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قارناً بحج وعمرة، [وقد] (¬2) قيل: بل ظنت أنه كان ممن فسخ الحج فى العمرة، كما أمر به من لا هدى معه وهم كانوا الجمهور، وقيل: معناه: ما شأنك لم تحلل من إحرامك كما أحل الناس من إحرامهم الذين أحرموا معك، [وجعلوه] (¬3) عمرةً، فسميت الجميع بمآل حال الأكثر، وقيل: معنى " من عمرتك ": بعمرتك، أى لم تفسخ بالعمرة كما فسخوا، كما قال الله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) من س. (¬3) من س.

مَالِكٍ: " فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ ". 179 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِىُّ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِى حَفْصَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَحِلَّ؟ قَالَ: " إِنِّى لَبَّدْتُ رَأْسِى، وَقَلَّدْتُ هَدْيِى، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أَمْرِ اللَّه} (¬1) أى بأمر الله، وقيل: معنى " من عمرتك ": من حجك؛ لأن معناهما معاً القصد، وقال - محمد بن أبى صفرة: مالك يقول فى هذا الحديث: من عمرتك، وغيره يقول: ولم تحلل أنت من حجك. ¬

_ (¬1) الرعد: 11.

(26) باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران

(26) باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران 180 - (1230) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - خَرَجَ فِى الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا، وَقَالَ: " إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَسَارَ حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أَشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ بِهِ سَبْعًا، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَرَأَى أَنَّهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ، وَأَهْدَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن عمر: " إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فأهل بعمرة، ثم ذكر بعد أنه قال: " ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أنى قد جمعت الحج مع العمرة ": فيه جواز إرداف الحج على العمرة وهو قول جمهور العلماء، وقد تقدم الكلام فيه، وإنما قال: " أشهدكم ": ولم يكتف بالنية على ما تقدم؛ ليعرف من كان معه ويقتدى به فمن أعلمه أنه معتمر، وذلك انتقال نظره، وأنه بان له أن حكم الحج فى الحصر والعمرة سواء، وأنه إذا (¬1) كان التحلل جائزاً فى العمرة وليست محدودة بوقت، ففى الحج أجوز. وفيه قولهم بالقياس، والنظر فى الشريعة. وذكر أنه فَعَلَ فِعْلَ القارن، واكتفى بطوافٍ واحدٍ وسعى واحدٍ، فقوله: " إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": يعنى فى المآل والإحلال، وأما قوله أول الحديث: " أصنع كما صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أشهدكم أنى قد أوجبت [الحج] (¬2) عمرة " فيحتمل أن يريد فى المآل إن حيل بينه وبين البيت [وصد] (¬3)، كما جاء آخر الحديث، وقيل: إنه فى ابتداء الإحرام: أى أُهل بعمرة، كما كانت حالة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين صد فى عمرة الحديبية، وقيل: يحتمل أنه أراد الوجهين، من الانتهاء والابتداء، وهو أظهر، لاسيما أنه يشهد له قوله فى الحديث: " ما شأنهما إلا واحد، إن حيل بينى وبين العمرة حيل بينى وبين الحج "، وقد تقدم الكلام على بعض (¬4) هذا، ولم يُصد ابن عمر فى هذه الحجة، ولكنه توقع ذلك ولم يكن منه على يقين قبل إحرامه، ¬

_ (¬1) فى س: إذ. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬3) من س. (¬4) فى س: تعليل.

181 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدَ اللهِ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ كَلَّمَا عَبْدُ اللهِ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالا: لا يَضُرُّكَ أَلا تَحُجَّ الْعَامَ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ يُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. قَالَ: فَإِنْ حِيلَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ فَلَبَّى بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ خُلِّىَ سَبِيلِى قَضَيْتُ عُمْرَتِى، وَإِنْ حِيلَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ. ثُمَّ تَلَا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1)، ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إلا وَاحِدٌ، إِنْ حِيلَ بَيْنِى وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِى وَبَيْنَ الْحَجِّ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى ابْتَاعَ بِقُدَيْدٍ هَدْيًا، ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا بِحَجَّةٍ يَوْمَ النَّحْرِ. (...) وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ فِى آخِرِ الْحَدِيثِ: وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَحِلّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. 182 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْث. ح وَحَدَّثَنَا قُتيْبَةُ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنِّى أُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ. اشْهَدُوا - قَالَ ابْنُ رُمْحٍ: أُشْهِدُكُمْ - أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِى، وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَراهُ بِقُدَيْدٍ. ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحْلِقْ، وَلَمْ يُقَصِّرْ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى كَانَ يَوْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) الأحزاب: 21.

النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 183 - (...) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهَذِهِ الْقِصَّةِ. وَلَمْ يَذْكَرِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا فِى أَوَّلِ الْحَدِيثِ، حِينَ قِيلَ لَهُ: يَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. قَالَ: إِذَنْ أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى آخِرِ الْحَدِيثِ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَمَا ذَكَرَهُ اللَّيْثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان على يقين منه لم يكن حكمه حكم المحصور (¬1)؛ لأن من هذه [سبيله] (¬2) غرر بإحرامه فلا تثبت له رخصةُ المحصور، وسيأتى الكلام فى المسألة بعد هذا. ¬

_ (¬1) فى س: المحصر. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

(27) باب فى الإفراد والقران بالحج والعمرة

(27) باب فى الإفراد والقران بالحج والعمرة 184 - (1231) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلَالِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ المهَلَّبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمَرَ - فى رِوَايَةِ يَحْيَى - قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. 185 - (1232) وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِىّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا. قَالَ بَكْرٌ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ. فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ. فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ أَنَسٌ: مَا تَعُدُّونَنَا إِلَّا صِبْيَانًا! سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا ". 186 - (...) وحدّثنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول نافع عن ابن عُمر: " أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحج مفرداً "، وفى الرواية الأخرى: " أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وفى الأخرى: " بالحج وحده " موافق للأحاديث المتقدمة عن جابر وعائشة، وابن عباس وغيرهم، وبيانٌ للمشكل عنه من غير هذه الرواية، وتقدم التأويل فيما جاء عنه مخالفاً لهذا. وقول أنس: سمعت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لبيك عمرةً وحجاً ": يحتج به من قال: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قارناً، وإن القران كان أفضل، [وإن] (¬1) الجواب عنه والجمع بينه وبين ما تقدم: أن يكون هذا في الحالة الثانية لا فى أول إحرامه، على ما قدمنا الكلام عليه، وحَسّنا التأويل فيه بمجموع الأحاديث فأخبر أنس عما سمع آخراً من حال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حُجَّة لجواز القران، ويصح هذا التأويل أنه قد روى أبو أسماء عن أنسٍ: " خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصرح بالحج صراحاً، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرةً "، فجاء حديثه هذا يوافق حديث الجماعة، أو لعله لم يسمع إهلال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بالحج مفرداً، وإنما سمعه عند إضافة العمرة له (¬2) وهو أظهر فى إنكاره غير هذا، أو لعله لم ينكر ¬

_ (¬1) من س. (¬2) فى س: لها.

حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ رَأَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَنَسٍ فَأَخْبَرْتُهُ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ. فَقَالَ: كَأَنَّمَا كُنَّا صِبْيانًا! ـــــــــــــــــــــــــــــ الإفراد أولاً، وإنما أنكر لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يضف إليها (¬1) العمرة، ولا قرنها، وقيل: لعله سمع ذلك من غيره ممن كان بقربه، فجعله من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من أمره وإباحته، فأضافه إليه. قال أبو عبد الله بن أبى صُفرة: معنى قول أَنَسٍ: [أى] (¬2) أهل بحجة فعلاً وبعمرة أمراً، كما قال: " رجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجمنا [معه] (¬3) " رجموا هم فعلاً، ورجم - عليه السلام - أمراً، وقيل: لعله لم يضبط ذلك، وكذلك (¬4) أنكره عليه ابن عمر وعائشة، وقالا: كان أنس يدخل على النساء حينئذٍ متكشفاتٍ وهو صغير، وكذا قال أنس: " ما تعدونا إلا صبياناً ": وكيف وقد لوح البخارى بعلة حديث أنس من رواية أيوب عنه، فقال: وقال بعضهم: أيوب عن رجل عن أنس، وقد جاء الحديث من رواية أبى أسماء عن أنس، وفيه ما تقدم من تصريحه الحج مفرداً. ¬

_ (¬1) فى الأصل: إليه، والمثبت من س. (¬2) من س. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. وسيأتى هذا الحديث إن شاء الله فى كتاب الحدود. بلفظ: " ورجمنا بعده " باب رجم الثيب فى الزنى رقم (4). (¬4) فى س: ولذلك.

(28) باب ما يلزم من أحرم بالحج، ثم قدم مكة، من الطواف والسعى

(28) باب ما يلزم من أحرم بالحج، ثم قدم مكة، من الطواف والسعى 187 - (1233) حدّثنا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ وَبَرَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ لِى أَنْ أَطُوَفَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آتِىَ الْمَوْقِفَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لا تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِىَ الْمَوْقِفَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأتَى الْمَوْقِفَ، فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟ 188 - (...) وحدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَقَدْ أَحْرَمْتُ بِالْحَجِّ؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ ابْنَ فُلَانٍ يَكْرَهُهُ وَأَنْتَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْهُ، رَأَيْنَاهُ قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا. فَقَالَ: وَأَيّنَا - أَوْ أَيُّكُمْ - لَمْ تَفْتَنْه الدَّنْيَا؟ ثُمَّ قَالَ: رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَسُنَّةَ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعَ، منْ سُنَّةِ فُلَانٍ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن عباس: " لا تطف حتى تأتى الموقف "، ومخالفة ابن عمر له واحتجاجه بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو الذى عليه جماعة فقهاء الأمصار فى القادم: أنه لا يقف حتى يطوف ويسعى، وهو طواف الورود، إلّا المراهق. وهو سُنة عند جميعهم وقد تقدم، وجمهورهم على أنه ليس على أهل مكة أو من بها من غيرهم إذا أحرموا هذا الطواف، وقال عطاء: إن أحرم من جاور مكة أول العشر طاف حين يحرم. وقول السائل لابن عمر: " أنت أحب إلينا منه، رأيناه قد أفتنته الدنيا (¬1) ": كذا لجميعهم، وعند الهوزنى: " فتنة "، وهما لغتان صحيحتان عندهم، وأنكر الأصمعى " أفتنته "، وإنما قال ذلك لأن ابن عباس ولى البصرة ولم يتقلد ابن عمر شيئاً من الأمور [جملة] (¬2)، وقول ابن عمر: " وأينا لم تفتنه الدنيا ": قول، مثله فى فضله وخيره، وتواضعه وإنصافه. وتوله: " فتصدى لى الرجل " (¬3): أى تعرض. ¬

_ (¬1) فى س: الدنتى. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬3) سيأتى الحديث فى الباب التالى رقم (190).

189 - (1234) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ، فَطَافَ بِالبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِى امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، جَمِيعًا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِيَنارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سألنا ابن عمر عمن قدم بعمرة فطاف بالبيت ولم يطف بين الصفا والمروة، أيأتى امرأته؟ فقال له: قِدمَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين، وبين الصفا والمروة سبعاً ": وعلى هذا كافة العلماء، وأنه لا يحل المعتمر الطواف (¬1) دون السعى، إلا ما روى عن ابن عباس، وبه قال إسحاق: إن الطواف يحل المعتمر وإن لم يسع. ¬

_ (¬1) فى س: بالطواف.

(29) باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى، من البقاء على الإحرام وترك التحلل

(29) باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى، من البقاء على الإحرام وترك التحلل 190 - (1235) حدَّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ رَجُلاً منْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ لَهُ: سَلْ لِى عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ يُهَلُّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ أَيَحِلُّ أَمْ لا؟ فَإِنْ قَالَ لَكَ: لا يَحِلُّ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لا يَحِلُّ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إِلَّا بِالحَجِّ. قُلْتُ: فَإِنَّ رَجُلاً كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ: بِئْسَ مَا قَالَ. فَتَصَدَّانِى الرَّجُلُ، فَسَأَلَنِى فَحَدَّثْتُهُ. فَقَالَ: فَقُلْ لَهُ: فَإِنَّ رَجُلاً كَانَ يُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَمَا شَأْنُ أَسْمَاءَ وَالزُّبَيْرِ قَدْ فَعَلَا ذَلِكَ. قَالَ: فَجِئْتُهُ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: لا أَدْرِى. قَالَ: فَمَا بَالُهُ لا يَأْتِينِى بِنَفْسِهِ يَسْأَلُنِى؟ أَظُنُّهُ عِرَاقِيًّا. قُلْتُ: لا أَدْرِى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ كَذَبَ، قَدْ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عروة عن عائشة: " أول شىء بدأ به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قدم مكة: أنه توضأ ثم طاف بالبيت ": فيه الحجة أن حكم الطواف حكم الصلاة في الحاجة إلى الطهارة، وأنها شرط فى صحته، ولأنه تتصل به ركعتا الطواف، ولا تستباح باتفاق إلا بطهارة، وعلى هذا الشافعى والثورى وأحمد وإسحاق وكافة العلماء، إلا أبا حنيفة (¬1) وأصحابه وبعض سلف الكوفيين، فيرون أنه واجب فيه وليس بشرط، ويستحبون له إعادته، وإنه إن لم يمكنه [أن يعيده] (¬2) بطهارة حتى رجع إلى بلاده أجزأه عن ذلك دمٌ، وقال بعضهم: عليه الدم على كل حالٍ، وقال أبو ثور: يجزئ فى الناسى ولا يجزئ فى العامد، واختلف العلماء فيمن انتقض وضوؤه أثناء طوافه، فعند على وعطاء ومالك: يتوضأ ويبتدئ، قال مالك: ولا يضره ذلك فى سعيه، ويتمه بغير طهارة، وقال الشافعى: يتوضأ ويبنى، وهو قول النخعى وأحمد وإسحاق، قال الشافعى: فإن تطاول استأنف. وحكم التطوع فيه عند مالك حكم الصلاة إن شاء توضأ واستأنف أو ترك. وقوله: " ثم حج أبو بكر - رضى الله عنه - فكان أول شىء بدأ به الطواف بالبيت، ¬

_ (¬1) انظر: بدائع الصنائع 3/ 1102، المغنى 5/ 249، الحاوى 4/ 144، 145، التمهيد 8/ 215. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ. ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بَالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ. ثُمَّ عُمَرُ، مثْلُ ذَلِكَ. ثُمَّ حَجّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّل شَىْءِ بَدَأبه الطُوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ. ثُمَّ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِى - الزُّبَيْرِ بْنَ الْعَوَّامِ - فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْمهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، ثُمَّ آخِرُ منْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا بِعُمْرَةٍ. وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ أَفَلَا يَسْأَلُونَهُ؟ وَلا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَؤُونَ بِشَىْءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوَّلَ مِنَ الطَّوافِ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لا يَحِلُّونَ. وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّى وَخَالَتِى حِينَ تَقْدَمَانِ لا تَبْدَآنِ بِشَىْءٍ أَوَّلَ مِنَ الْبَيْتِ تَطُوفَان بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم لم يكن غيره " وذكر بمثل ذلك عن عمر وعثمان وسائر من ذكره، وفى كلها يقول: " ولم يكن غيره ": كذا فى كتاب مسلم فى جميع النسخ الواصلة إلينا، وفيه (¬1) تغييرٌ و [صوابه] (¬2): " ثم لم تكن عمرةٌ " وهكذا (¬3) رواه البخارى (¬4) وسقط عند مسلم. وبقوله: " عمرة " يستقيم الكلام، وليس لقوله: " ثم لم تكن غيره " معنى هنا، وقد كان غير ذلك العمل من النبى - عليه السلام - ومنهم من تمام الحج، ويدل على صحة هذا قوله فى الحديث نفسه: " وآخر من فعل ذلك ابن عمر ولم ينقضها بعمر " وكأن السائل لعروة إنما سأله عن فسخ الحج فى العمرة على مذهب من رأى ذلك، واحتج بأمر النبى - عليه السلام - لهم بذلك للعلة التى تقدمت، فأعلمه عروة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعل ذلك بنفسه ولا من جاء بعده، وقد تقدم الكلام على هذا. وقول عروة فى الحديث: " ثم حججت مع أبى، الزبير بن العوام ": أى مع والدى، وليس أبى هنا كنية، ولا الزبير مضافاً، بل هو بدل من أبى. وقوله: " ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدؤون بشىء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون ": فيه الحجة على أن أفضل عمل [الحاج] (¬5) الداخل الطواف بالبيت، وأنه لا يبدأ بالركوع، وتحية المسجد قبله، وفيه الحجة بعمل الخلفاء والسلف، وما عليه الكافة من سنة طواف الورود، وترك فسخ الحج فى العمرة، وأن ذلك كان خاصاً كما تقدم. وتكذيب عروة أول الحديث وآخره لمن قال خلاف ذلك، دليل على استقرار العمل على تركه. ¬

_ (¬1) فى س: وهو. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬3) فى س: وكذا (¬4) البخارى عن عائشة، ك الحج، ب من طاف بالبيت إذا قدم مكة 2/ 186، 187. (¬5) من س

ثُمَّ لا تَحلَّانِ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِى أُمِّى أَنَّهَا أَقْبَلَتْ هِىَ وَأَخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ قَطُّ، فَلَمَّا مَسَحُوا. الرُّكْنَ حَلُّوا وَقَدْ كَذَبَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ. 191 - (1236) حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا محَمَّد بْن بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْن جرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْر بْن حَرْبٍ - وَاللَّفْظ لَه - حَدَّثَنَا رَوْح بْن عبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْن جرَيْجٍ. حَدَّثَنِى مَنْصور بْن عَبْدِ الرَّحْمَن عَنْ أُمِّه صَفِيَّة بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرْجْنَا محْرِمَيْن. فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ مَعَه هَدْى، فَلْيقِم عَلَى إِحْرَامِهِ. وَمَنْ لَمْ يَكن مَعَه هَدْى، فَلْيَحْلِلِ. فَلَمْ يَكنْ مَعِى هَدْىٌ فَحَلَلْت، وَكَانَ مَع الزُّبَيْرِ هَدْى فَلَمْ يَحْلِلْ. قَالَتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِى، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى الزُّبَيْرِ. فَقَالَ: قُومِى عَنِّى. فَقُلْتُ: أَتَخشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟. 192 - (...) وحدّثنى عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَتْ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْج. غَيْرَ أَنَّهُ قَال: فَقَالَ: اسْتَرْخِى عَنِّى، اسْتَرْخِى عَنِّى. فَقُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولقد أخبرتنى أمى أنها أقبلت هى وأختها - يعنى عائشة - والزبير وفلان وفلان [بعمرة قط] (¬1)، فلما مسحوا الركن حلوا "، وحديث أسماء أيضاً بعده: " اعتمرت أنا وأختى عائشة والزبير وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا، ثم أهللنا بالحج ": ليس هذا اللفظ على عمومه، والمراد بالمسح بالبيت من عدى عائشة، فقد تقدم من الطرق الصحيحة أنها حاضت ولم تتمسح بالبيت ولم تطف، ولا تحللت بذلك من عمرتها كما تقدم، وإنما قصدت هنا الإخبار عن حجهم (¬2) مع أن النبى - عليه السلام - على الصفة التى ذكرت أول الحديث، كما أن عروة قصد إلى أن الطواف الورود، لا يُحل الحج، وأنه يحل المعتمر، وأن أولئك قدموا ومعهم عائشة بعمرة، أى معتمرون عمرة الفسخ التى أمرهم بها - عليه السلام - أو لما روى من اختلاف الناس، فيكونون ممن أهل بعمرة؛ فلذلك حلوا حين طافوا، ولم يتعرض لخبر عائشة وعذرها (¬3) وخصوصها من بينهم لذلك (¬4)، وقيل: لعل أسماء أشارت إلى عمرة عائشة التى فعلت بعد الحج مع (¬5) ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) فى س: حجتهم. (¬3) فى س: وعزمها. (¬4) فى س: بذلك. (¬5) فى الأصل: بعد، والمثبت من س.

أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟. 193 - (1237) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، وَأَحْمَدَ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ، كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ تَقُولُ: صَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَاهُنَا، وَنَحْنُ يَؤمَئِذِ خِفَافُ الْحَقَائِبِ، قَلِيل ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِى عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلاَنٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِىِّ بِالْحَجِّ. قَالَ هَارُونُ فِى رِوَايَتِهِ: أَنَّ مَوْلَى أَسْمَاءَ. وَلَمْ يُسَمِّ: عَبْدَ الله. ـــــــــــــــــــــــــــــ أخيها عبد الرحمن، وأما قول من قال: لعلها أرادت فى غير حجهم مع النبى، فخطأ؛ لأن فى الحديث النص أن ذلك كان فى حجهم مع النبى - عليه السلام. قال الإمام: ومعنى " مسحوا ": طافوا؛ لأن الطائف يمسح الركن، فعبر عن الطواف ببعض ما يفعل (¬1) فيه، ومنه قول ابن أبى ربيعة: ولما قضينا من منى كل حاجةٍ ... ومَسحَ بالأركان مِنهنَّ ماسحُ فكنى بالمسح عن الطواف، ويحتمل أن يكون " مسحوا بالركن ": أى طافوا وسعوا، وحذف ذكر السعى اختصاراً لما كان مرتبطاً بالطواف، ولا يصح دونه، ويؤيد هذا التأويل: أنها قالت قيما ذكره عنها بعد: " ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بالبيت [ولا بين الصفا] (¬2) والمروة ": إلا أن يتأول عليها أنها إنما أرادت بالإتمام الكمال لا الصحةَ، ويحتمل أن يكون ذلك على رأى من رأى أن السعى غير واجب، وفيه اختلاف بين الناس، وقد رأيت بعض أهل العلم أشار إلى أن من الناس من ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم حل، وإن لم يطف ويسع، وله أن يلبس ويتطيب، ويفعل ما يفعل الحلال، ويكون طوافه وسعيه كأنه عمل خارج عن الإحرام، كما يكون رمى الجمار، والمبيت بمنى عملاً خارجاً عن الإحرام. قال القاضى: لا حجة فى هذا لمن لم يوجب السعى؛ لأن هذا الحديث إنما هو عما فعلوا مع النبى - عليه السلام - فى حجة الوداع، والذى جاء فيه مفسراً: أنهم طافوا معه وسعوا، فيحمل ما أجمل وأشكل على ما فسر وبين. وقولها: " ونحن خفاف الحقائب ": جمع حقيبة، وهو كل ما حمل فى مؤخر الرحل أو القتب (¬3)، ومنه احتقب فلان كذا. والحجون، بفتح الحاء وضم الجيم مخفف، هو الجبل المشرف عند المحصب. ¬

_ (¬1) فى س: يدخل. (¬2) سقط من س. (¬3) فى الأصل: والقتب، والمثبت من س.

(30) باب فى متعة الحج

(30) باب فى متعة الحج (¬1) 194 - (1238) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّىِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاس - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ؟ فَرَخَّصَ فِيهَا، وَكَانَ ابْن الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا. فَقَالَ: هَذِهِ أُمُّ ابْنِ الزُّبَيْرِ تُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِيهَا، فَادْخلُوا عَلَيْهَا فَاسْأَلُوهَا. قَالَ: فَدَخلْنَا عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ. فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا. 195 - (...) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فَأَمَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَفِى حَدِيثِهِ الْمُتْعَةُ، وَلَمْ يَقُلْ: مُتْعَةُ الْحَجِّ. وَأَمَّا ابْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ مُسْلِمٌ - لا أَدْرِى مَتَعَةُ الْحَجِّ أَوْ مُتْعَةُ النِّسَاءِ. 196 - (1239) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْقُرِّىُّ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: أَهَلَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِحَجٍّ. فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا مَنْ سَاقَ الْهَدْىَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ. فَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْىَ فَلَمْ يَحِلَّ. 197 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْىُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ الله، وَرَجُلاً آخَرُ. فَأَحَلَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(31) باب جواز العمرة فى أشهر الحج

(31) باب جواز العمرة فى أشهر الحج 198 - (1240) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِى أَشْهُرِ الْحَجِّ مَنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِى الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَراً، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبْرِ، وَعفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. فَقَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ، مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَىُّ الْحِلَّ؟ قَالَ: " الْحِلُّ كُلُّهُ ". 199 - (...) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ البَرَّاءِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ، فَقَدِمَ لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِى الْحِجَّةِ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، وَقَالَ، لَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ: " مَنْ شَاءَ أَنْ يَحْعَلَهَا عُمْرَةً، فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كانوا يرون [أن] (¬1) العمرة فى أشهر الحج [من] (¬2) أفجر الفجور " يعنى الجاهلية، " ويجعلون المحرم صفراً ": يعنى النسىء، كانوا يُسمون المحرم صفراً ويحلونه ويُنسئون المحرم، أى يؤخرونه بعد صفر؛ لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر حرم تضيق بها الأمور عليهم، فرد الله تعالى ذلك عليهم. وقال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْر} الآية (¬3). وقوله: " ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر "، قال الإمام: " برأ الدبر ": يريدون دبر ظهر (¬4) الإبل عند انصرافها من الحج، كانت تدبر بالسير عليها إلى الحج، " وعفا الأثر " معناه: محى ودرس، ويكون عفا - أيضاً - بمعنى كثر، وهو من الأضداد - أيضاً - قال الله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} (¬5)، أى كثروا، ويروى: " عفا الوبر ". قال القاضى - رحمه الله -: قال الخطابى: " عفا الأثر " (¬6): أى أثر الدبر، وقال ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) من س. (¬3) التوبة: 37. (¬4) فى الأصل: ظهور، والمثبت من س، ع. (¬5) الأعراف: 95. (¬6) جزء حديث، أخرجه الإمام أحمد فى المسند عن أنس 3/ 143.

200 - (...) وحدّثناه إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْمُبَارَكِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَاد، أَمَّا رَوْحٌ وَيَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ فَقَالَا كَمَا قَالَ نَصْرٌ: أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ. وَأَمَّا أَبُو شِهَابٍ فَفِى روَايَتِهِ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُهِلُّ بِالْحَجِّ. وَفِى حَدِيِثهِمْ جَمِيعًا: فَصَلَّى الصُّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ، خَلَا الجَهْضَمِىَّ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ. 201 - (...) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّدُوسِىُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنَ الْعَشْرِ، وَهُمْ يُلبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. 202 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِذِى طَوًى، وَقَدِمَ لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِى الْحِجَّةِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحَوِّلُوا إِحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ، إِلا مَنْ كَان مَعَهُ الْهَدْىُ. 203 - (1241) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى " عفا الوبر ": أى ظهر (¬1) وكثر (¬2) وعلى الوجه الأول ذهب أثر الحجاج والمعتمرين من الطرق ودرَسَ. وقول ابن عباس: " قدم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يلبون بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرةً " دليل أن حجهم كان إفراداً. وقوله: " بذى طوى " بفتح الطاء مقصور، [هو هذا] (¬3) الوادى الذى بمكة، قاله الأصمعى، قال: والذى بطريق الطائف ممدود، وقد وقع فى كتاب البخارى لبعض الرواة بالمد (¬4)، وكذا ذكره ثابت، وضبطه الأصيلى مرةً بكسر الطاء، وضبطه غيره بالضم، ¬

_ (¬1) فى الأصل: طر والمثبت من س. (¬2) راجع: غريب الحديث 2/ 293، معالم السنن 2/ 420. (¬3) فى الأصل: هذا هو، والمثبت من س. (¬4) لعله يعنى: " طواء " فى حديث أبى طلحة، أن نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش. فقُذِفوا فى طوى من أطواء بدر. البخارى، ك المغازى، وانظر: الفتح رقم (3976)، وكذا أعلام الحديث فى شرح صحيح البخارى للخطابى 3/ 1707.

جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْىُ فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِى الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". 204 - (1242) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ الضُّبَعِىُّ قَالَ: تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِى نَاسٌ عَنْ ذَلِكَ. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَمَرَنِى بِهَا. قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَنِمْتُ، فَأَتَانِى آتٍ فى مَنَامِى فَقَالَ: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ بالَّذِى رَأَيْتُ. فَقَالَ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِى الْقَاسِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى بعض أهل اللغة: وطوى بضم الطاء مقصور بمكة، وذو طؤًا ممدود بالهمز حكاه ابن بطال. ومر الكلام على قوله: " دخلت العمرة فى الحج إلى يوم القيامة ".

(32) باب تقليد الهدى وإشعاره عند الإحرام

(32) باب تقليد الهدى وإشعاره عند الإحرام 205 - (1243) حدّثنا مُحَمَّدُ بِنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عَدِىٍّ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى حَسَّانَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِذِى الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِى صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَيْمَنِ، وَسَلتَ الدَّمَ، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ - فى هَذَا الإِسْنَاد - بِمَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ. وَلَمْ يَقلْ: صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ. 206 - (1244) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشْارٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: [صلى] (¬1) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذى الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها فى صفحة سنامها الأيمن، قال الإمام: الإشعار: الإعلام، وإشعار الهدى هو أن يجعل على البدنة علامة يعلم بها أنها من الهدى، العرب تقول: بيتاً شعار، أى علامة وما شعرت بكذا، أى علمت به، وشعائر الحج: علاماته وآثاره، ومشاعره: معالمه " سمى المشعر الحرام مشعراً لأنه من علامات الحج. وصفحة السنام: ناحيته، ذهب بعض الناس إلى أن الإشعار يكون فى الجانب الأيمن، أخذاً بهذا الحديث، المشهور من مذهب مالكٍ أن الإشعار [يكون] (¬2) فى الجانب الأيسر. قال القاضى -[رحمه الله] (¬3): فيه أن من ساق معه هدياً ونيته الإحرام بالحج أو العمرة فالمستحب له أن يشعره ويقلده من ميقاته، بخلاف من بعث بهديه وأقام، فهذا يشعره ويقلده من حيث بعثه، ولا خلاف بين العلماء فى جواز تقليد الهدى بعلامة له يُعرف [بذلك] (¬4)، وهو أن يعلق من عنقها نعل أو شىء. والشافعى والثورى يقلدها نعلين، وكذلك فعل ابن عمر، ومالك يجيز الواحد، وأجاز الثورى فم القربة وشبهها، والنعلان عنده أفضل، قال بعضهم: خصت النعلان ¬

_ (¬1) من س. (¬2) من س. (¬3) من س. (¬4) ساقطة من س، والمثبت من الأصل.

مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانَ الأَعْرَجَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِن بَنِى الْهُجَيْمِ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا هَذَا الْفُتْيا الَّتِى قَدْ تَشَغَّفَتْ أَوْ تَشَغَّبَتْ بِالنَّاسِ، أَنَّ منْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ؟ فَقَال: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ رَغِمْتُمْ. 207 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى حَسَّانَ. قَالَ: قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بذاك لدلالة السفر بها إلى محلها، وجمهورهم - أيضاً - على ذلك فى الإشعار والتقليد، وأنهما سُنتان، إلا أبا حنيفة فرأى (¬1) الإشعار مُثْلَة، وقال: إنما كان هذا قبل النهى عن المثلة، وخالفه كبار أصحابه فى ذلك، وقالوا بقول الكافة ولأنه لفائدة لمعنى (¬2) صحيح كالقصد والحجامة، والختان، وكما يجوز الكى والوشم لمعرفة المالك فيها، وكذلك الإشعار لمعرفة كونها هدياً، وكله إيلام، ولا حجةُ له فى تأويله، فقد أشعر النبى - عليه السلام - آخر أمره، والمسلمون بعده، والخلفاء. وجمهور العلماء وأئمة الفتوى على إشعارها فى الجانب الأيمن، والغنم تقلد ولا تشعر لأنه ليست لها أسمنة عند مالكٍ وأصحاب الرأى، وهى تقلد عند جمهورهم للحديث [الثابت] (¬3) فى ذلك (¬4)، قاله بعض أصحابنا، ولم يره مالك (¬5)، لعله لم يبلغه الحديث، ولم (¬6) يجر (¬7) عليه العمل. والإشعار هو: أن يشق فى سنامها شقاً يسيل دمها، والبقر تقلد ويُشعر منها ما كان له سنام ليعرف أنها هدى، فلا تستطيل يد عليها، ولا تؤكل [إن ضلت] (¬8)، ويطلب [بها] (¬9) صاحبها، فإن لم توجد نحرت [عنه] (¬10). واختلف أصحابنا فى إشعار ما لا سنام له من الإبل والبقر. وقول الرجل لابن عباس: " ما هذه الفُتْيا التى قد تَشغَّفَتْ بالناس - أو تشغبت - أن من طاف بالبيت فقد حل؟ فقال: سنة نبيكم وإن رغمتم "، قال القاضى: كذا ¬

_ (¬1) فى س: يرى، والمثبت من الأصل. (¬2) فى س: بمعنى. (¬3) ساقطة من س. (¬4) والحديث سيأتى إن شاء الله فى باب استحباب بعث الهدى إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه (64). (¬5) انظر: الاستذكار 12/ 265 وما بعدها. (¬6) فى س: أو لم. (¬7) فى الأصل: يجد، والمثبت فى س. (¬8) سقط من س. (¬9) ساقطة من س. (¬10) فى هامش الأصل.

الأَمْرَ قَدْ تَفَشَّغَ بِالنَّاسِ، مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ، الطَّوَافُ عُمْرَةٌ. فَقَالَ: سُنَّةُ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ رَغمْتُمْ. 208 - (1245) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءُ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يقُولُ: لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ وَلَا غَيْرُ حَاجٍّ إِلا حَلَّ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ يَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق} (¬1) قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ. فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ، وَكَاَنَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ روايتنا فيه هنا فى الحرف الأول: " تشغفت " بالشين والغين المعجمتين، وبعدهما الفاء أخت القاف. وكذا ذكر الحرف ابن أبى شيبة، [ووقع] (¬2) فى مسند أبى داود: " تفشغت " بتقديم الفاء على الشين والغين، وكذا - أيضاً - وقع فى [كتاب ابن أبى شيبة من رواية هشام عن قتادة، وقد ذكر مسلم فيه] (¬3) الحديث بعده هذا الأمر: " قد تفشع " (¬4). ومعنى الكلمة على هذه الرواية: فشت وانتشرت، يقال: تفشع له الولد: إذا كبر وانتشر، وقد يكون معنى ذلك كسلت الناس عن المتعة. قال الفراء: التفشغ والفشاغ: الكسل، قد يكون معناها: أفسدت حال الناس بوقوع الخلاف بينهم؛ من الفشاع، وهو نبات يلتوى على الثمار، وأما الرواية الأولى فإن لم تكن وهماً وقلباً فمعناه: علقت بقلوب الناس وشغفوا بها، وقد قال المفسرون فى قوله تعالى: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} (¬5) أى علقها (¬6)، وأما الحرف الثانى فى قوله: " أو تشعبت " بالعين المهملة، بعدها الباء بواحدة، فكذا رويناه عن الأسدى والتميمى من شيوخنا، وعند غيرهما: " أو تشغبت " بالغين المعجمة، وقد ذكر أبو عبيد هذا الحديث بهذا الحرف من غير شك، وذكر الخلاف لهذين الوجهين من العين والغين عن رواية، واختار هو العين المهملة، ومعنى هذا على رواية العين المهملة (¬7): فرقت الناس أو فرقت مذاهب الناس؛ من التشغيب، أى خلطت عليهم أمرهم، وقد تقدم شذوذ ابن عباس فى هذه المسألة، ومخالفة الجمهور له. قال الإمام: قال بعض شيوخنا: لعله يريد فيمن فاته الحج: أنه يحل بالطواف ¬

_ (¬1) الحج: 33. (¬2) فى هامش س. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك من الهامش بسهم. (¬4) فى س: كثر. (¬5) يوسف: 30. (¬6) ذكر الطبرى فى تفسيره عن ابن عباس قوله: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} يقول: عَلَّقها حبًّا. انظر: ابن جرير 16/ 64. (¬7) وقد ذكر ابن جرير عن الشعبى فى قوله: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} قال: المشغوف: المحب، والمشعوف: المجنون. السابق 16/ 64.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والسعى وهذا التأويل فيه بُعْد؛ لأنه قد قال بعد ذلك: وكان ابن عباس يقول: " لا يطف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل، فقيل له: من أين تقول ذلك؟ فقال: من قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق} (¬1)، قال: وكان يأخذ ذلك من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أمرهم أن يحلوا فى حجة الوداع ". ¬

_ (¬1) الحج: 33.

(33) باب التقصير فى العمرة

(33) باب التقصير فى العمرة 209 - (1246) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِى مُعَاوِيَةُ: أَعَلِمْتَ أَنِّى قَصَّرْتُ مِنْ رَأَسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ؟ فَقُلْتُ لَه: لا أَعْلَمُ هَذَا إِلا حُجَّةً عَلَيْكَ. 210 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ، أَوْ رَأَيْتُهُ يُقَصَّرُ عَنْهُ بِمِشْقَصٍ وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول معاوية: " قصرت من رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند المروة بمشقص ": يحتج به من قال: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان فى حجة الوداع متمتعاً، ويحتمل عندنا أن يكون ذلك فى غير حجة الوداع، وإنما كان فى بعض عُمرهِ - عليه السلام. قال القاضى: لا يصح هذا من (¬1) العمرة إلا أن يكون فى عمرة الجعرانة؛ لأن الصحيح أن معاوية [رضى الله عنه] (¬2) إنما أسلم يوم الفتح مع أبيه، أو على الرواية الأخرى له: ورأيته يقصر عنه فيصح فيما تقدم من عمرة قبل، ولا يصح أن يكون فى حجة الوداع؛ لأنه نص أنه حلق، ولم يختلف فى هذا. وقول ابن عباس له: " لا أعلم هذا، إلا حجة عليه ": يدل أنه إنما احتج عليه بالتحلل بالطواف من الحج؛ إذ لا يختلف أحد [فى التحلل] (¬3) به من العمرة، والصحيح ما تقدم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحلل (¬4) ولم يأت أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حل بوجهٍ إلا من تأويل ابن عباس، وقد تكلمنا على تأويل قول من قال: إنه كان متمتعاً بما لا يخالف هذا، ولا يوجب تحلله بحول الله [تعالى] (¬5). وقوله: " بمشقص وهو على المروة "، قال الإمام: قال: أبو عُبيد وغيره: نصل السهم إذا كان طويلاً ليس بعريض فهو مشقص، وجمعه مشاقص، فإذا كان عريضاً فهو ¬

_ (¬1) فى س: فى. (¬2) من س. (¬3) فى الأصل: بالتحلل، والمثبت من س. (¬4) فى س: يحل. (¬5) من س.

211 - (1247) حدَّثنى عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً، إِلا مَنْ سَاقَ الْهَدْىَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَرُحْنَا إِلَى مِنَى أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. 212 - (1248) وحدّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِى نضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالا: قَدِمْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ معبلة، وجمعه معابل. قال القاضى: قال أبو حنيفة: المشقص: كل نصل فيه عير، وهو الناتئ وسط الحربة، وقال الخليل: المشقص: سهم فيه نصل عريض تُرمى به الوحش، وقال الداودى: هو السكين ولا يصح قوله، وإنما أخذه على المعنى. وقوله: " نصرخ بالحج صُراخاً " فيه حجة لرفع الصوت بالإهلال (¬1) وأنه مشروع من غير إسرافٍ وليس بواجبٍ، خلافاً لأهل الظاهر فى وجوبه عندهم، كذلك فى مسجد منى والمسجد الحرام يرفع بها الصوت. واختلف فى غيرهما من المساجد، فعن مالك فى ذلك روايتان؛ أحدهما: الرفع كسائر المواضع، والأخرى: لا يرفع ويسمع نفسه ومن يليه لئلا يشهر نفسه بنِن أهل المسجد بأنه حاج ويخاف فتنته، وهذا مأمون فى المسجدين؛ لأن جميع من فيهما (¬2) بتلك الصفة، ولا ترفع المرأة بالتلبية صوتها لأن صوتها عورة. قال الإمام: خرج مسلم [بعد هذا] (¬3): حدثنا محمد بن حاتم، نا مهدى، نا سليم بن حيان، عن مروان، عن أنس؛ أن علياً لما قدم من اليمن الحديث. وقع عند ابن ماهان فى إسناده سُليمان بن حيان بضم السين وزيادة نون، وهو وهْم، وصوابه: سليم، [كما] (¬4) رواه أبو أحمد. قال القاضى: وكذا جاء فى الحديث الآخر بعده من رواية حجاج بن الشاعر بغير خلافٍ، وهو سليم بن حيان بن بسطامٍ الهذلى، بفتح السين وكسر اللام، بصرى روى عن أبيه، وقتادة، وسعيد بن ميناء، ومروان الأصفر، وعمرو بن دينار وغيرهم، يروى عنه ابن مهدى، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن سنان العوفى، وعبد الصمد بن ¬

_ (¬1) فى الأصل: بإهلال. (¬2) فى س: فيه. (¬3) من س. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

(1249) حدّثنى حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفا فِى الْمُتْعَتَيْنِ. فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُما عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الوارث، ويزيد بن هارون، وبهز وغيرهم، وخرَّج عنه البخارى ومسلم (¬1). وقول جابر فى المتعتين: " فعلناهما مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم نهانا عنهما عمر فلم نَعُدْ لهما ": أراد متعة النساء، ومتعة فسخ الحج فى العمرة، بدليل أن المتعة بالعمرة إلى الحج قد عمل بها الصحابة كثيرًا. ¬

_ (¬1) وكذا أبو داود والترمذى والنسائى، وانظر: تاريخ البخارى الكبير 4/ 2539، الجرح والتعديل 4/ 1367، تهذيب الكمال 11/ 348، تهذيب التهذيب 4/ 168.

(34) باب إهلال النبى صلى الله عليه وسلم وهديه

(34) باب إهلال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهديه (¬1) 213 - (1250) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثنا ابْنُ مَهْدِىِّ، حَدَّثَنِى سَلِيمُ ابْنُ حَيَّانَ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ - الأَصْغَرِ - عَنْ أَنَسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مَنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِمَ أَهْلَلْتَ؟ " فقَالَ: أَهْلَلْتَ بِإِهْلالِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " لَوْلا أَنَّ مَعِىَ الْهَدْىَ لأَحْلَلْتُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ ابْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، قَالا: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى رِوَايَةِ بهْزٍ " لَحَلَلْتُ ". 214 - (1251) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَحُمَيْدٍ؛ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسًا - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعاً: " لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا". 215 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَلى بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِى إِسْحَاقَ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ. قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقول: " لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا ". وَقَالَ حُمَيْدٌ: قَالَ أَنَسٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ ". 216 - (1252) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الأَسْلَمِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحاءِ، حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُما ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيدِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِىٍّ الأَسْلَمِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ " بِمِثْلِ حَدِيِثهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(35) باب بيان عدد عمر النبى صلى الله عليه وسلم وزمانهن

(35) باب بيان عدد عمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزمانهن 217 - (1253) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ أَنَسًا - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلُّهُنَّ فِى ذِى الْقَعْدَةِ إِلا الَّتِى مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ - أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ - فِى ذِى الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِى ذِى الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِى ذِى الْقَعْدَةِ، وَعمرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: كَمْ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَجَّةً وَاحِدَةً. وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هَدَّابٍ. 218 - (1254) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَوسَى، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمر أربع عُمر " وذكر أن جميعها فى أشهر الحج، إلا ما جاء من رواية ابن عمر: أن واحدة منها فى رجب، وأنكرت ذلك عليه عائشة، فسكت ولم يراجعها، وذلك دليل على إثبات قول عائشة وصحة روايتها؛ إذ لو كان ابن عمر على بصيرة مما قال لراجعها فى ذلك، وبين ما قال. وقَصْده - عليه السلام - بذلك فى أشهر الحج - واللهُ أعلم - لفضلها أولاً، ولمخالفة الجاهلية فى ذلك، وأنها كانت تستعظم ذلك، فقصد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بذلك] (¬1) تمريناً لقلوب المؤمنين على العمل به؛ لكن يبقى الإشكال فى الرابعة متى كانت؛ لأن الأولى: عمرة الحديبية فى ذى القعدة، والثانية: عمرة القضاء فى ذى القعدة، والثالثة: عمرة الجعرانة فى ذى القعدة، والرابعة: ذكر أنس أنها التى [كانت] (¬2) مع حجته، وهذا على تأويل أنس أنه كان قارناً، وقد ذكرناه ورد الصحابة ذلك عليه وأن الصحيح أنه كان مفرداً، وقد ردت عائشة على ابن عمر أنه اعتمر فى رجب، فجاء أن الصحيح من هذا ثلاث عمر، وقصد النبى - عليه السلام - والله أعلم - خصوص عمرته بذى ¬

_ (¬1) من س. (¬2) ساقطة من س.

قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً؛ حَجَّةَ الْوَدَاعِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى. 219 - (1255) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الْزُّبَيْرِ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ مُسْتَنِدَيْنِ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِنَّا لَنَسْمَعُ ضَرْبَهَا بِالسَّوَاكِ تَسْتَنَّ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَعْتَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَجَبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَيْ أُمَّتَاهُ، أَلا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قُلْتُ: يَقُول: اعْتَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَجَبٍ، فَقَالَتْ: يَغْفِر الله لأَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَعَمْرِى! مَا اعْتَمَرَ فِى رَجَبٍ، وَمَا اعْتَمَرَ منْ عُمْرَةٍ إِلا وَإِنَّهُ لَمَعَهُ. قَالَ: وَابْنُ عُمَرَ يَسْمَعُ. فَمَا قَالَ: لا، وَلا نَعَمْ. سَكَتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ القعدة [فى] (¬1) أشهر الحج مخالفة للجاهلية على ما تقدم. ولا يعلم للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمار إلا ما ذكرناه مما اتفق عليه، واختلف فيه، وقال الداودى: وقد قيل: إن عمرتيه كانتا فى شوال، عمرة فى ذى القعدة، وعلى أنها ثلاث عمر اعتمد مالك - رحمه الله - فى موطئه، وأدخل الآثار بذلك، وأن أخراها فى شوال (¬2)، وجاء من رواية أبى الحسن الدارقطنى أنه - عليه السلام - خرج معتمراً فى رمضان، فلعلها التى عملها فى شوال، وكان ابتداء خروجه لها فى رمضان - والله أعلم (¬3). وقوله: " أنه - عليه السلام - حج واحدة بعد ما هاجر؛ حجة الوداع وبمكة أخرى " جاء فى غيره أنه حج بمكة حجتين (¬4). ¬

_ (¬1) فى س: و. (¬2) مالك فى الموطأ، ك الحج، ب جامع ما جاء فى العمرة 1/ 347. (¬3) إلى هنا انتهى كتاب الحج من نسخة س. (¬4) أخرجه البيهقى فى دلائل النبوة عن مجاهد مرسلاً، بلفظ: " حج رسول الله ثلاث حجج: حجتين وهو بمكة قبل الهجرة، وحجة الوداع "، وكذا رواه عن جابر بلفظ: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حج ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر " الحديث، ك الحج، ب عدد حجات رسول الله وعمره، 5/ 454.

220 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاَهِدٍ. قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ الضُّحَى فِى الْمَسْجِدَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاتِهِمْ؟ فَقَالَ: بِدْعَةٌ. فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَرْبَعَ عُمَرٍ، إِحْدَاهُنَّ فِى رَجَبٍ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ وَنَرُدَّ عَلَيْهِ، وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ فِى الْحُجْرَة. فَقَالَ عُرْوَةُ: أَلا تَسْمَعِينَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: أَعْتَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، إِحْدَاهُنَّ فِى رَجَبٍ. فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا وَهُوَ مَعَهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِى رَجَبٍ قَطُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " لعمرى ": دليل على [جواز] (¬1) قول الرجل له، وإن كان كرهه مالك؛ لأنه من باب تعظيم غير الله، والمضاهاة له بالحلف بغيره، وقول ابن مسعود إذ رأى ناساً يصلون الضحى فى المسجد: " بدعةٌ " يعنى إظهار صلاتها فى المسجد والاجتماع لها، لا أن صلاة الضحى بدعة، وقد تقدم الكلام على هذا وغيره، والخلاف فيها فى الصلاة. ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل.

(36) باب فضل العمرة فى رمضان

(36) باب فضل العمرة فى رمضان 221 - (1256) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُنَا. قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ - سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا -: " مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّى مَعَنَا؟ " قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلا نَاضِحَانِ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهُ، قَالَ: " فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِى، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً ". 222 - (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ - يُقَالُ لَهَا: أُمُّ سِنَانِ -: " مَا مَنَعَكِ أَنْ تَكُونِى حَجَجْتِ مَعَنا؟ " قَالَتْ: ناضِحَانِ كَانَا لأَبِى فُلانٍ - زَوْجِهَا - حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهَمَا، وَكَانَ الآخَرُ يَسْقِى غُلامُنا. قَالَ: " فَعُمْرَةٌ فِى رَمَضَانَ تَقْضِى حَجَّةً - أَوْ حَجَّةً مَعِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فإن عمرة فى رمضان تقضى حجة - أو حجة معى " وفى الرواية الأخرى: " تعدل حجة "، ومعنى " تقضى ": تجزئ من أجرها وكذا جاء فى بعض الروايات: " تجزئ " (¬1)، وهو بمعنى تعدل، معنى ذلك فى الأجر والثواب، لا فى الإجزاء عن الفريضة بغير خلاف (¬2). وقوله: " لنا ناضحان ": أى بعيران. وقولها: " هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يستقى عليه غلامنا ": كذا للشنتجالى عن السجزى، وسقط عليه للعذرى، والفارسى، وعند ابن ماهان: نسقى عليه غلامنا، وأرى هذا كله تغييراً، وأن صوابه: " نسقى عليه نخلاً لنا " فتصحف منه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود، ك الحج، ب العمرة 1/ 459. (¬2) قال ابن بطال: يعنى تعدل حجة من حجات التطوع؛ لأن ثواب غير الواجب لا يعدل الواجب. انظر: الأبى، مع الإجماع أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض. الفتح 3/ 707.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ " غلامنا "، وكذا جاء فى البخارى، ويدل على صحته قوله فى الحديث قبله: " ننضح (¬1) عليه " وهو بمعنى: نسقى عليه وإنما يُسمى من الإبل النواضح التى يُستقى عليها الماء؛ لأنها تنضحه، أى تصبه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك العمرة، ب عمرة فى رمضان 3/ 4. وقال النووى فى شرحه للصحيح: المختار أن الرواية صحيحة وتكون الزيادة التى ذكرها القاضى محذوفة مقدرة: وهذا كثير فى الكلام 3/ 392. قلت: تصحيف القاضى للرواية لا وجه له؛ إذ وردت فى الصحيح للبخارى: " ننضح " وفى مسلم: " نسقى غلامنا "، فالروايتان مكملتان لبعضهما، وليس فى مسلم نقص.

(37) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى ودخول بلدة من طريق غير التى خرج منها

(37) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى ودخول بلدة من طريق غير التى خرج منها 223 - (1257) حدَّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مَنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ، وَيَدُخَلَ مَنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ، وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِنَ الثَّنِيَّة العُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّة السُّفْلَى. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ: العُلْيَا الَّتِى بِالْبَطْحَاءِ. 224 - (1258) حدّثنا مَحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ، دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا، وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان النبى - عليه السلام - يخرج - يعنى من المدينة - من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المعرس، وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى ": قيل فعله ذلك لأنه كان أسمح خروجه، كذا جاء فى الحديث، أى أسهل؛ ولأنه كان آخر أمره وداع البيت، فيأتى فى رجوعه بعد إلى أعلى مكة تكلف، وأن خروجه من هنالك لأسفلها أيسر وأسهل، وقيل: تأول فيه ما يتأول فى مخالفة الطريق فى العيد؛ ليتبرك به كل من فى طريقه، ويدعو له ويجيبهم عما يسألونه عنه، ولا يخص قوماً دون قوم، وليعمهم بدعائه، وقيل: ليغيظ المنافقين ومن فى قلبه مرض بإظهار أمر الإسلام وظهوره، وقيل: ليكثر خطاه وليكثر نوافله، وقيل غير هذا. والمعرس على ستة أميال من المدينة. وقوله: " الثنية العليا التى فى البطحاء " تفسير ذلك. وقوله فى الحديث الآخر: " دخل من كداء من أعلى مكة ": ممدود عندهم مفتوح الكاف، وعند السمرقندى مقصور، وقول هشام بن عروة: " وكان أبى أكثر ما يدخل من كُدى " بضم الكاف مقصورُ هنا، وقيل: صوابه شدِّ الياء آخره، وكذا اختلف فى الأعلى والأسفل فى كتاب البخارى أيهما المقصور، وأيهما الممدود، وقال أبو على القالى: " كدا " ممدود غير مصروف جبل بمكة، قال الشاعر (¬1): ¬

_ (¬1) هو ابن قيس الرقيات.

225 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مَنْ كَدَاءٍ مَنْ أَعْلَى مَكَّةَ. قَالَ هِشَامٌ: فَكَانَ أَبِى يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِليْهِمَا، وَكَانَ أَبِى أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مَنْ كَدَاءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أفْقَدْت من عبدِ شمسٍ كَدَاءُ ... فَكُدىُّ فَالركن فَالبطحاءُ وأما الكدى فجمع كدْية، هو الغليظ من الأرض، وقال غيره: " كدى ": جبل قريبُ من كدا. وقال ابن الأعرابى: " كدا " بالمد عرفةُ نفسها، وقال الخليل: و " كُدى " بالضم وشد الياء: جبلان، الأعلى منهما هو الممدود، وقال غيره: " كدى " مقصور مضموم بأسفل مكة، والمشدد لمن خرج إلى اليمن، وليس من طريق النبى - عليه السلام - فى شىء.

(38) باب استحباب المبيت بذى طوى عند إرادة دخول مكة، والاغتسال لدخولها، ودخولها نهارا

(38) باب استحباب المبيت بذى طوى عند إرادة دخول مكة، والاغتسال لدخولها، ودخولها نهاراً 226 - (1259) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وهُو الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاتَ بِذِى طَوًى حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ سَعِيدٍ: حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ. قَالَ يَحْيَى: أَوْ قَالَ: حَتَّى أَصْبَحَ. 227 - (...) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لا يَقْدِمُ مَكَّةَ إِلا بَاتَ بِذِى طَوًى. حَتَّى يصبِحَ وَيَغْتَسِلَ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا. وَيَذْكُرُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ. 228 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِىُّ، حَدَّثَنِى أَنَسٌ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ - عَنْ مُوسَى ابْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ بِذِى طَوًى، وَيَبِيتُ بِهِ حَتَّى يُصَلَّىَ الصُّبْحَ، حِينَ يَقْدمُ مَكَّةَ، وَمُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ، لَيْسَ فِى الْمَسْجِدِ الَّذِى بُنِىَ ثَمَّ، وَلَكنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ. 229 - (1260) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيْبِىُّ، حَدَّثَنِى أَنَسٌ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَىِ الْجَبَلِ الَّذِى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، يَجْعَلُ الْمَسْجِدَ - الَّذِى بُنِىَ ثَمَّ - يَسَارَ الْمَسْجِدِ الَّذِى بِطَرَفِ الأَكَمَةِ، وَمُصَلَّى رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر المبيت بذى طوى ودخول مكة نهاراً، وليس هذا من مناسك الحج، ولكنه يستحب أن يفعل فى ذلك ما فعله النبى - عليه السلام - تيمناً بفعله، واقتداء باختياره أن يفعل فى ذلك. قال أبو القاسم بن أبى صفرة: ودخول النبى - عليه السلام - مرة من أعلى مكة ومرة من أسفلها فإنما فعله ليرى الناس السعة فى ذلك، ففعل ما تيسر وتمكن منه، وفعل عروة ما قال عنه ما جاء فى الحديث، وكانت أقربهما إلى منزله.

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ، يَدَعُ مِنَ الأَكَمَةِ عَشْرَةَ أَذْرُع أَو نَحْوَهَا، ثُمَّ يُصَلِّى مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ منَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ، الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر اغتساله لدخول مكة، وهو عندنا من سنن الاغتسال المرغب فيها، لكن ليس فيه تدلك، وإنما هو صب ماء. وأغسال الحج نوعان: سنن مؤكدة وهو للإحرام ولدخول مكة، ومستحب مُرغبُ فيه وهو الوقوف بعرفة وبالمزدلفة وللطواف.

(39) باب استحباب الرمل فى الطواف والعمرة وفى الطواف الأول من الحج

(39) باب استحباب الرمل فى الطواف والعمرة وفى الطواف الأول من الحج 230 - (1261) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طَافَ بِالبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ، خَبَّ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. 231 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ مُوسَى بْنْ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُوَلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طَافَ فِى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوَّلَ مَا يَقْدمُ، فَإِنَّهُ يَسْعَى ثلاثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ يَمْشِى أَرْبَعَةٍ، ثُمَّ يُصَلِّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. 232 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالَ حَرْمَلَة: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ، إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ حِينَ يَقْدمُ، يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ. 233 - (1262) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: رَمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلاثًا، وَمَشى أَرْبَعًا. 234 - (...) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمَرَ عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَمَل مِنَ الْحَجَرِ إَلِى الْحَجَرِ وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ. 235 - (1263) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلَمَةَ بْن قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: رَأَيتُ رَسُول ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ. 236 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ الثَّلاثَةَ أَطْوَافٍ، مِنَ الْحَجَرِ إِلَىَ الْحَجَرِ. 237 - (1264) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِىُّ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالْبَيْتِ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشْى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَومَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ: فَقَالَ: صَدَقُوا، وَكَذَبُوا. قَالَ: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنَ الْهُزْلِ، وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ. قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاثًا، وَيَمشُوا أَرْبَعًا. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَنِى عَنِ الطَّوَاف بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ. يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ. هَذَا مُحَمَّدٌ. حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوت. قَالَ: وَكَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْىُ وَالسَّعْىُ أَفْضَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أطواف "، قال الإمام: الرمل عندنا مشروع خلافاً لمن لا يراه، واختلف عندنا فى وجوب الدم على من تركه، واختلف فى إعادة الطواف لمن تركه إذا كان بالقرب. فقال بعض الشيوخ: هذا الخلاف يبنى على الخلاف فى جواز فيضه، وفى الكتاب قيل لابن عباس فى الرمل: هو سنة، وإن قوماً يزعمون أنه سنة، فقال: " كذبوا وصدقوا ": يعنى صدقوا فى أنه مشروع، وكذبوا فى أنه سنة. قال القاضى: الرمل شدة الحركة فى المشى، ومنه الرمل لقصير الأعاريض الخفيفة، وهو الخبب أيضاً، وقد ذكره كذلك فى الحديث. قال الجوهرى: هو كالوثب الخفيف، وقد بين فى الحديث علة الرمل، وعلى أنه سنة الفقهاء أجمع. وروى الخلاف فى ذلك عن

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِىُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ قَوْمَ حَسَدٍ. وَلَمْ يَقُلْ: يَحْسُدُونَهُ. 238 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن ابْنِ أَبِى حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ. قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهِىَ سنَّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. 239 - (1265) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْن سَعِيدِ بْنِ الأَبْجَرِ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: أُرَانِى قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَصِفْهُ لِى. قَالَ: قُلْتُ: رَأَيْتُهُ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الصحابة، وأن المشى أفضل. وقوله: " رمَل من الحجر إلى الحجر ": هذا سنة الرمل عند العلماء، أن يكون فى جميع الثلاثة أشواطٍ، وهو نص فى هذا الحديث، وجاء فى الحديث الآخر فى قصة عمرة الحديبية وفيه: أمرهم أن يرملوا بثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، قيل: لأنهم كانوا حينئذ لا تقع عليهم أعين المشركين، وهذا لا يعارض فيه لأنها فى قصتين؛ الأولى فى الحديبية، وهذه التى فيها الرمل من الحجر إلى الحجر فى حجة الوداع، رفق بهم أولاً لما كان بهم من المرض، وأمرهم بالتجلد فى الثلاث جهات التى كانت تقع عليها فيها أعين المشركين حنِ جلسوا لهم [على] (¬1) فغيقعان، وأكمل الرمل فى الأدوار الثلاثة من الحجر إلى الحجر فى حجة الوداع حين قدروا على ذلك، وهو آخر فعليه. وقوله: " إن ذلك كان إذا طاف الطواف الأول ": هذا بيان فى هذه السنة، وأن ذلك إنما هو فى طواف الورود، وليس فى غيره من طواف الحج نفل، ويلزم فى طواف العمرة؛ لأنه مقام طواف القدوم وغيره. ولا رمل على النساء فى طواف ولا سعى. ويلزم أهل مكة وغيرهم إلا شىء روى عن ابن عمر فى سقوطه عن: المكيين، وكذلك ذكر فى الحديث علة الركوب بين الصفا والمروة، وأنه ليس سنه، وإنما ذلك لأن الناس كثروا على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فركب لئلا يؤذيه زحامهم، وكانوا كما قال: لا يُدفعون عنه، وأيضاً فإنه كان - عليه السلام - يعلمهم، وقال: " خذوا عنى مناسككم "، فركب ليروا كلهم أفعاله. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

الْمَرْوَةِ عَلَى نَاقَةٍ، وَقَدْ كَثُرَ النَّاسُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهُمْ كَانُوا لا يُدَعُّونَ عَنْهُ وَلا يُكْرَهُونَ. 240 - (1266) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِى الْحَجْرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنَ؛ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُم، هَؤُلاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. 241 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرُو، عَنْ عَطَاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ، لِيُرِىَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كانوا لا يُدعُّون عنه ولا يُكهرون ": كذا عن العذرى وابن ماهان، وعند الفارسى: " يكرهون "، والأول أصوب. قال الإمام: " لا يدعون ": أى لا يدفعون، من قول الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} (¬1). وقوله: " ولا يكهرون ": قد تقدم فى كتاب الصلاة قول أبى عبيدة: الكهر: الانتهار. وقوله: " وهنتهم الحمى ": أى أضعفتهم وأرقتهم. قال الفراء: يقال: وهنه الله وأوهنه. قال القاضى: " وجلدهم ": أى قوتهم. وقوله: " ثلاثة أشواط ": كذا جاء هنا، وقد تقدم قول من كره أن يقال: أشواط وأدوار إلا أطوافاً، كما جاء فى أكثر الأحاديث، وهذا من قول ابن عباس يدل على جوازه، ولعله إنما كره إيثاراً ليقال ما سماه الله به من قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (¬2). ¬

_ (¬1) الطور: 13. (¬2) الحج: 29.

(40) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين فى الطواف، دون الركنين الآخرين

(40) باب استحباب استلام الركنين اليمانيين فى الطواف، دون الركنين الآخرين 242 - (1267) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحَ مِنَ الْبَيْتَ، إِلا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. 243 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلمِ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ إِلا الْرُّكْنَ الأَسْودَ وَالَّذِى يَلِيهِ، منْ نَحْوِ دُورِ الْجُمَحِيِّينَ. 244 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَسْتَلِمُ إِلا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِى. 245 - (1268) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِى ناَفِعٌ عَنِ ابْن عُمَرَ، قَالَ: مَا تَرَكْتُ اسْتِلامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ؛ الْيَمَانِى وَالْحَجَرَ مُذْ رَأَيْتُ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمِهُمَا، فِى شِدَّةٍ وَلا رَخَاءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إلا] (¬1) يمسح الركنين اليمانيين "، وفى الآخر: " إلا الحجر والركن اليمانى "، وفى الآخر: " الركن الأسود والذى يليه ": كله متفق؛ لأن اليمانيين على أيمن البيت وركنان له، والآخرين بعض الحائط وليسا بركنين صحيحين؛ لأن الحجر وراءها، وجمهور العلماء على استلام الركنين اليمانيين دونهما، وروى عن بعض السلف استلام الجميع، وما حكى عن ابن الزبير لاستلامه الأربع، قال القابسى: لأنه كان بنى البيت على قواعده الأربع، فكانت أركاناً كلها. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

246 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِى خَالِدٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد الأَحْمَرُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتَهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ. 247 - (1269) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا الطّفَيْلِ الْبَكْرِىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمْ أَرَ رَسُوَلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيْينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ولو بنى الآن على [ما] (¬1) بناه ابن الزبير لاستلمت كلها، كما فعل ابن الزبير. وقوله: " ورأيت ابن عمر يستلم الحجر بيديه ثم قبل يده ": وذكره عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقبيل الحجر الأسود فى الطواف: من سنن الحج لمن قدر عليه، فإن لم يقدر وضع عليه يده ثم رفعها إلى فيه، فإن لم يقدر قام بحذائه وكبر، فإن لم يفعل فلا شىء عليه عند جميعهم (¬2). وجمهورهم على أنه يقبل يده، إلا مالكاً - فى أحد قوليه - والقاسم بن محمد فلم يريا تقبيل اليد، ولا يسجد عليه عند مالك وحده، وقال: هو بدعة، وجمهورهم على جواز فعل ذلك، ولا يقبل الركن اليمانى عند مالك ولكن يُستلم باليد، واختلف عنه فى تقبيل اليد فيه، ولا يلزم ذلك عند جميعهم للنساء (¬3). واستحب بعض السلف أن يكون لمسُ الركنين فى وتر الطواف (¬4) لا فى شفعه، وقال به الشافعى. وهذا كله فى أول شوط، ولا يلزمه فى بقيتها إلا أن يشاء (¬5). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) انظر: الاستذكار 12/ 157. (¬3) انظر: الاستذكار 12/ 147. (¬4) و (¬5) انظر: الاستذكار 12/ 153.

(41) باب استحباب تقبيل الحجر الأسود فى الطواف

(41) باب استحباب تقبيل الحجر الأسود فى الطواف 248 - (1270) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ وَعَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ. قَالَ: قَبَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَجَرَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَ وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلا أَنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ. زَادَ هَارُونُ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِى بِمِثْلِهَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَسْلَمَ. 249 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ، وَقَالَ: إِنِّى لأُقَبِّلُكَ وَإِنِّى لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَكِنَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ. 250 - (...) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامِ وَالْمُقَدَّمِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: رَأَيْتُ الأَصْلَعَ - يَعْنِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - يُقَبِّلُ الْحَجَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر حين قبل الحجر: " لقد علمت أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلك ما قبلتك ": فيه الاقتداء وترك الاعتراض على السنن بالعقول، وأن تقبيله الحجر ليس عبادة له بل لله تعالى؛ بامتثال أمره فيه، كأمره بسجود الملائكة لآدم، وشُرع مع ذلك التكبير للناس إظهاراً أن ذلك الفعل تذللاً له لا لغيره، أن التحسين والتقبيح إنما هو من قبل الشرع لا من قبل العقل، وأن كل ما جاء به الشرع فهو الحسن المحمود، وسر ذلك محض العبودية، وأن العبادات على ضربين: منها ما فُهم معناه وعلتها ومصلحتها، ومنها ما وضع لمجرد التعبد وامتثال الأمر وإطراح استعمال العقل وأكثر أمر الحج من هذا الباب؛ ولهذا جاء فى بعض التلبية: " لبيك بحجةٍ تعبداً ورقاً ". ومعنى " لا تضر ولا تنفع ": أى بذاتك وقدرتك، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع فى الجزاء عليه والثواب.

وَيَقُولُ: وَالله، إِنِّى لأُقَبِّلُكَ، وَإِنِّى أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَأَنَّكَ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلكَ مَا قَبَّلْتُكَ. وَفِى رِوَايَةِ الْمُقَدَّمِىِّ وَأَبِى كَامِلٍ: رَأَيْتُ الأُصَيلِعَ. 251 - (...) وحدّثنا يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وابْنُ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ. قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: إِنِّى لأُقَبِّلُكَ، وَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلا أَنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبَّلكَ لَمْ أُقَبِّلْكَ. 252 - (1271) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سويْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: ولَكِنِّى رَأَيْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا. وَلَمْ يَقُلْ: وَالْتَزمَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله فيه: " رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بك حفيًّا ": أى معتنياً، وجمعه أحفياء. قال القاضى: وقوله: " رأيت الأصلع ". يعنى عمر " يقبل الحجر ": فيه جواز ذكر الرجل بما فيه مما لا يكرهه، إذا لم يقصد به النقص والغض منه.

(42) باب جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب

(42) باب جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب 253 - (1272) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدُ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِى حجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. 254 - (1273) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ لأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَليُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. 255 - (...) وحدّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ؛ أَخْبَرَنَا محَمَّدُ - يَعْنِى ابْنَ بَكْرٍ - قَالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: طَافَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِيَرَاه النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ خَشْرَمٍ: وَلِيَسْأَلُوهُ فَقَطْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " طاف - عليه السلام - بالبيت على راحلته "، قال الإمام: تعلق بهذا من أجاز الطواف راكباً لغير عذر، ومذهب مالك أن الطواف لا يركب فيه إلا لعذر (¬1)، وقد ذكر فى هذا الحديث أنه فعل ذلك ليراه الناس ويسألوه، وهذا رآه - عليه السلام - عذراً، فلا يكون فيه حجة للمخالف. قال القاضى: قد علل فى الكتاب فى الحديث علة ذلك بقوله: لأن يراه الناس ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 12/ 186.

256 - (1274) حدّثنى الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى القَنْطَرِىُّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَافَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَعِيرِهِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ. 257 - (1275) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مَعْرُوفُ بْنُ خَرَّبُوذَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ. 258 - (1276) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّى أَشْتَكِى، فَقَالَ: " طُوفِى مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ " قَالَتْ: فَطُفْتُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ يُصَلِّى إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهُو يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وليشرف وليسألوه، كراهة أن يُصرف عنه الناس وهو مَضَربه بتزاحمهم عليه، وقد ذكر أبو داود أنه كان - عليه السلام - فى طوافه هذا مريضاً (¬1)، إلى هذا المعنى أشار البخارى عليه وتأوله، وكذا ترجم على هذا الحديث: باب المريض يطوف راكباً (¬2)، وأجاز ذلك الشافعى مع كراهته له، وألزم أبو حنيفة فيه الدم إن بَعُدَ إلى مثل الكوفة، وإن كان قريباً أعاد، وقول مالك كقول أبى حنيفة: إن لم يعد أهدى (¬3)، ومنه قوله فى حديث أم سلمة: شكوت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنى اشتكى. فقال: " طوفى من وراء الناس وأنت راكبة " على ما تقدم من جوازه للمريض، ولا خلاف فى ذوى الأعذار، وكونها من وراء الناس؛ لأن ذلك سنة طواف النساء مع الرجال، لئلا يختلطن بهم، ولئلا يضر مركبها - أيضاً - بالطائفين، وهذا يكون حكم الرجل إذا طاف راكباً لهذه العلة. وفى هذا كله حجة لنا ولمن قال بطهارة أبوال من يؤكل لحمه وروثه؛ إذ لو كان نجساً لم يدخل المسجد؛ إذ لا يؤمن من ذلك منه فيه. وفيه حجة لجواز طواف المحمول من عذر، ولا خلاف فى جوازه ووجوبه عليه. ¬

_ (¬1) أبو داود عن ابن عباس، ك المناسك، ب الطواف الواجب 1/ 434. (¬2) البخارى، ك الحج، ب المريض يطوف راكباً 2/ 190. (¬3) انظر: الاستذكار 12/ 186 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى هذا الحديث: " ويستلم الركن بِمحجنٍ معه، وَيُقَبِّلُ المِحْجَنَ ": على ما تقدم فيمن تعذر عليه التقبيل للحجر أيضاً. يضع يده عليه، فإن لم تمكنه فما يقوم مقام يده. والمحجن: عصا معقفةٌ، يتناول بها الراكب ما سقط له، ويحرك بطرفها بعيره للمشى. وقوله: فى حديث أم سلمة: " فطفت، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى إلى جانب البيت ويقرأ بالطور ": قيل: إنها صلاة الصبح، وإنها توخت الطواف حينئذ لخلاء البيت عن الرجال لكونهم فى الصلاة.

(43) باب بيان أن السعى بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به

(43) باب بيان أن السعى بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به 259 - (1277) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بِنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: قُلْتُ لَهَا: إِنِّى لا أَظُنُّ رَجُلاً، لَوْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَا ضَرَّهُ. قَالَتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ الله تَعَالَى يَقُول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّه} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1). فَقَالَتْ: مَا أَتَمَّ الله حَجَّ امْرِئٍ وَلا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. وَهَلْ تَدْرِى فِيمَا كَانَ ذَاكَ؟ إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ أَنَّ الأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَميْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ، يُقَالُ لَهُمَا: إِسَافٌ وَناَئِلَةٌ، ثُمَّ يَجِيؤوُنَ فَيَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، ثُمَّ يَحْلَقوُنَ. فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا، لِلَّذِى كَانُوا يَصْنَعُونَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّه} إِلَى آخِرِهَا. قَالَتْ: فَطَافُوا. 260 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِى أَبِى، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَى عَلَى جُنَاحًا أَلَّا أَتَطَوَّفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قالَتْ: لِمَ؟ قلتُ: لأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّه} الآيَةَ. فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. إِنَّمَا أُنْزِلَ هَذَا فِى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عروة لعائشة: " ما أرى على أحدٍ لم يطف بين الصفا والمروة شيئاً فقالت عائشة: بئس ما قلت ": قال الإمام: هذا من بديع فقهها ومعرفتها بأحكام الألفاظ، لأن الآية إنما اقتضى ظاهرها رفع الحرج عمن طاف بين الصفا والمروة، فليس هو ينص فى سقوط الوجوب فأخبرته أن ذلك محتمل، ولو كان نصاً فى ذلك لكان يقول: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، لأن هذا يتضمن سقوط الإثم عمن ترك الطواف، ثم أخبرته أن ذلك إنما كان لأن الأنصار تحرجت أن تمر بذلك الموضع فى الإسلام، فأخبرت أن لا حرج ¬

_ (¬1) البقرة: 158.

يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَجِّ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ فَلَعَمْرِى، مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ. 261 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ أَبِى عَمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النِّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ لَم يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْئًا، وَمَا أُبَالِى أَلَّا أَطُوفَ بَيْنَهُمَا. قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِى، طَافَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ. فَكَانَتْ سُنَّةً. وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهلَّ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِى بِالْمُشَلَّلِ، لا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلامُ سَأَلْنَا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِما} وَلَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ لَكَانَتْ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. قَالَ الزُّهْرِىُّ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِثِ بْن هِشَامٍ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا كَانَ مَنْ لا يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ: إِنَّ طَوَافَنَا بَيْنَ هَذَيْنِ الحَجَرَيْنِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ نُؤْمَرَ بِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليها، وقد يكون الفعل واجباً، ويعتقد المعتقد أنه قد يمتنع من إيقاعه على صفة، وهذا كمن عليه صلاة ظهر وظن أنه لا يسوغ له إيقاعها عند الغروب، فيسأل فيقال: لا حرج عليك إن صليت، فيكون هذا الجواب صحيحاً، ولا يقتضى نفى وجوب الظهر عليه (¬1). قال القاضى: قد ذكر مسلم هذه العلة التى ذكر، وذكر - أيضاً - من رواية ابن أبى شيبة، عن أبى أسامة، عن أناسٍ من الأنصار؛ أنهم كانوا فى الجاهلية لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكروا ذلك له، فأنزل الله الآية، ¬

_ (¬1) فى ع: عنه.

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَأَرَاهَا قَدْ نَزَلَتْ فِى هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ. 262 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّج أَنْ نَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (¬1). قَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوافَ بِهِمَا. 263 - (...) وحدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الأَنْصَارَ كَانَوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، هُمْ وَغَسَّانُ، يُهلُّونَ لِمَنَاةَ، فَتَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِى آبَائِهِمْ؛ مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَإِنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ أَسْلَمُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيم}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر نحواً منه من رواية الزهرى، ثم ذكر فى آخره: أن من العرب من كان يقول: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل الله الآية. قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فإذا هى نزلت فى قوله وهؤلاء. وقوله: " إن هذا للعلم "، ويروى: " العلم ": استحسان لقول عائشة، وتصويبٌ لتأويلها وتفسيرها. قال الإمام: قد اختلف الناس فى السعى بين الصفا والمروة. فقال بعض الصحابة: هو تطوعٌ، وأوجبه مالك، رأى أن الدم لا يجبره، وقال أبو حنيفة: هو واجب، ولأن الدم يجبره. ¬

_ (¬1) البقرة: 158.

264 - (1278) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: كَانَتِ الأَنْصَارُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَطوُفوُا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وبقول مالك قال الشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو عند جميعهم ركن من أركان الحج، وقاله جماعة من السلف، وقالوا: يرجع إليه أو إلى ما ترك فيه حتى يأتى به، فإن كان قد أصاب النساء قبل رجوعه أعاده قابلاً حجةً أو عمرةً، والواجب فى الحج منه السعى فى طواف واحدٍ وهو المتصل بطواف القدوم، فمن لم يسع فيه وسعى فى غيره فى أطواف الحج أجزأه منه (¬1). وقوله فى هذا الباب فى رواية أبى معاوية: " إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون فى الجاهلية لصنمين على شط البحر، يقال لهما: إساف ونائلة ": كذا رواية الكافة؛ وعند ابن الحذاء: " فى الجاهلية لمناة، وكانت صنمين على شط البحر، وذكر مثله، وكلاهما خطأ، والصواب ما جاء فى الروايات الأخر فى الباب: " يهلون لمناة " وفى الرواية الأخرى: " الطاغية التى بِالمُشَلَّل "، وهذا هو المعروف. ومناة: صنم كان نصبه عمرو بن لحى بجهة البحر بالمشلل بما يلى قديداً، وكذا جاء مفسرًا فى هذا الحديث فى الموطأ، وله كانت الأزد وغسّان تهل لحجها، وقال ابن الكلبى: مناة صخر لهذيل بقديد. وأما إساف ونائلة: فلم يكونا قط لجهة البحر، وإنما كان فيما يقال: رجلاً اسمه: إساف بن نقاد، ويقال: ابن عمرو، وامرأة اسمها: نائلة بنت ذئب، ويقال: بنت سهل، قبل: كانا من جرهم، زنيا داخل الكعبة فمسخهما الله حجرين، فنصبا عند الكعبة، وقيل: بل على الصفا والمروة ليُعتبر بهما ويتعظ، ثم حولهما قُصَى، فجعل أحدهما لصق الكعبة، والآخر بزمزم، وقيل: بل جعلهما جميعاً بزمزم، ونحر عندهما وأمر بعبادتهما، فلما فتح النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة كسرهما. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 12/ 201 وما بعدها.

(44) باب بيان أن السعى لا يكرر

(44) باب بيان أن السعى لا يكرر 265 - (1279) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمْ يَطُفَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، إِلا طَوَافًا وَاحِدًا. (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَقَالَ: إِلا طَوَافًا وَاحِدًا. طَوَافَهُ الأَوَّلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لم يطف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً، طوافه الأول ": يصحح ما قلنا: إنهم لم يسعوا فى غيرها من الأطراف المذكورة فى الحج.

(45) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع فى رمى جمرة العقبة يوم النحر

(45) باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع فى رمى جمرة العقبة يوم النحر 266 - (1280) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ جَعفَرٍ عَن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى حَرْمَلَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَاتٍ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّعْبَ الأَيْسَرَ - الَّذِى دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ - أَنَاخَ فَبَالَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، ثُمَّ قُلْتُ: الصَّلاةَ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: " الصَّلاةُ أَمَامَكَ "، فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى، ثُمَّ رَدِف الْفَضْلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ جَمْعٍ. (1281) قَالَ كُرَيْبٌ: فَأَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّى حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ. 267 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، كِلاهُمَا عَنْ عِيسىَ ابْنِ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ جَمْعٍ. قَالَ: فَأَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ الْفَضْلَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ اَلنَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. 268 - (1282) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنِى اللَّيْثُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلما بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشعب الأيسر - الذى دون المزدلفة - أناخ فبال؛ ثم جاء فصببت عليه الوضوء، فتوضأ وضوءاً خفيفاً "، وفى حديث آخر: " ليس بالبالغ "، وفى آخر: " فلم يسبغ الوضوء " ثم قال: " حتى أتى المزدلفة فصلى "، وجاء بعد هذا فى الحديث الآخر: " فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم

عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ فى عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا: " عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ " وَهُوَ كَافٌ نَاقَتَهُ. حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا - وَهُو مِنْ مِنًى - قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الِّذِى يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أقيمت الصلاة ": توهم لفظة: " لم يسبغ " أن الأول لم يكن وضوءاً للصلاة، وكذلك تأوله بعضهم، وقيل: بل وضأ بعض أعضاء وضوئه، وليس كذلك بل كان وضوؤه الأول للصلاة، ثم توضأ آخراً بالمزدلفة لعذر طرأ عليه، وليس يقال فى الاستنجاء: وضوءاً خفيفاً، ولا: ليس بالبالغ. ومعنى " لم يسبغ ": أى لم يكرره، وقد يكون وضوؤه بالمزدلفة لتمام الفضيلة بتكراره، وتمام عدده ثلاثاً - والله أعلم - ويدل على أنه وضوء للصلاة قوله: " ذهب إلى الغائط، فلما رجع صببت عليه من الإداوة فتوضأ وخففه " ليكون على طهارة أو لاستعجاله، فلما أتى مزدلفة أتم فضيلته بالتكرار، أو ابتدأ فرضه لحدث اعتراه - والله أعلم - ولا وجه لقول من قال: إنه توضأ وضوءين ليخص كل صلاة من الصلاتين التى جمع بعد بالمزدلفة بوضوء، على عادته من الوضوء لكل صلاة. إذ تكرار الوضوء قبل أداء فريضة به ممنوع، ومن السرف المنهى عنه، إنما الفضيلة فى تكراره بعد صلاة فرض به. وقوله: " فبال، وما قال: أَهَرَاقَ الماء ": إشعار بما يراده الحديث، كما سمعه بلفظ محدثه إياه، وأنه لم يورده بمعناه. وقوله: " الصلاة أمامك "، قال الإمام: اختلف عندنا فيمن صلى تلك الليلة الصلاتين فى وقتهما، هل يعيد إذا أتى المزدلفة أم لا؟ فقيل: يُعيد لهذا الحديث، وقيل: لا يعيد؛ لأن الجمع سُنة وذلك إذا ترك لا يوجب الإعادة، ولا يتوجه مثل هذا الخلاف فيمن ترك الجمع بين الظهر والعصر بعرفة؛ لأن المصلى للمغرب ليلة المزدلفة لما صلاها قبل الشفق صار كمن صلاها قبل وقتها، فإنه يعيدها فى وقتها، والذى أخر صلاة العصر يوم عرفة ولم يصلها مع الظهر، إن كان تركها بعد وقتها فصلاته لها بعد ذلك قضاء، فلا معنى لأن يقال له: صلها ثانيةً، كما قيل فى المغرب. قال القاضى: وقد قدمنا الكلام فى هذه المسألة بأشبع من هذا فى حديث جابر، وكذلك على قوله: " جمع بمزدلفة بين المغرب والعشاء بإقامةٍ واحدةٍ ". وقوله: " فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره فى منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها " (¬1): هذا سنة العمل عند العلماء اقتداء بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يؤخر حط الرحال حتى تصلى المغرب. ¬

_ (¬1) حديث رقم 276 فى الباب بعد التالى.

وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّى حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِى الْحَدِيثِ: ولَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّى حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ. وَزَادَ فِى حَدِيثِهِ: وَالنَّبِىُّ يُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الإِنْسَانُ. 269 - (1283) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلم يزل يلبى حتى رمى الجمرة "، قال الإمام: اختلف عندنا متى يقطع الحاج التلبية، هل عند الزوال؟ أو عند الرواح إلى الصلاة أو [إلى الموقف] (¬1)؟ ذهب المخالف إلى أنه لا يقطع حتى يرمى الجمرة، وتعلق بهذا الحديث، واختار ذلك بعض شيوخنا المتأخرين، واختلف القائلون بأنه لا يقطع حتى يرمى الجمرة، هل يقطع التلبية إذا رمى أول حصاة أو حتى تتم السبع. قال القاضى: اختلف عن الصحابة والسلف بالأقوال الثلاثة عن مالك، وذكر مسلم: " حتى رمى جمرة العقبة "، وذكر فى الحديث الآخر: " حتى بلغ الجمرة "، فالخلاف هنا مركب على هذين الحديثين، وقال الشافعى والثورى وأصحاب الرأى وأبو ثور: يقطعها مع أول حصاة، وقد حكى محمد بن المواز عن مالك أنه يكبر، وإن شاء لبى فى سفره من منى إلى عرفة. وقال ابن الجلاب: من أحرم من عرفة لبى حتى يرمى الجمرة (¬2)، وأخذ مالك فى مشهور مذهبه بما روى فى موطئه عن على وعائشة وابن عمر على اختلاف بينهم، مع اتفاق أنه قبل الوقوف (¬3)، هو مذهب أكثر أهل المدينة، وجمهور فقهاء الأمصار وجماعة من السلف على أنه يلبى حتى يرمى الجمرة (¬4)، وقال الحسن: يلبى حتى يصلى الغداة يوم عرفة ثم يقطع، وتقدم الكلام (¬5) على حصى الخذف وعلى ذكر محسرٍ فى حديث جابر. وقوله هنا: " والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشير بيده كما يخذف الإنسان " بيان وزيادة فى تفسير الخذف. وذكر مسلم أحاديث التلبية بجمعٍ وفى الإفاضة، وفى السير إلى عرفات [فأما فى ¬

_ (¬1) من ع، وهى فى نسخة الإكمال غير ظاهرة المعنى. (¬2) انظر: التمهيد 13/ 73، 74 وما بعدها، الاستذكار 11/ 158 وما بعدها. (¬3) الموطأ، ك الحج، ب قطع التلبية 1/ 138 رقم (44 - 46). (¬4) وهو قول الجمهور، ودليلهم ما جاء فى الشيخين من حديث الفضل بن عباس أنه لم يزل ملبياً حتى رماها. (¬5) راجع: الاستذكار 11/ 158 وما بعدها.

حُصَيْنٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ وَنَحْنُ بِجَمْعٍ: سَمِعْتُ الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، يَقُولُ فِى هَذَا الْمَقَامِ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ". 270 - (...) وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٍ، عَنْ كَثِيرٍ بْنِ مُدْرِكٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيْدَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ، فَقِيلَ: أَعْرَابِىٌّ هَذَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَنَسِى النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا؟ سَمِعْتُ الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِى هَذَا الْمَكَانِ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ". (...) وحدّثناهُ حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 271 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِىُّ، حَدَّثَنَا زِياَدٌ - يَعْنِى الْبَكَّائِىَّ - عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَالأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالا: سَمِعْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ، بِجَمْعٍ: سَمِعْتُ الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، هَاهُنَا، يَقُولُ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ "، ثُمَّ لَبَّى وَلَبَّيْنَا مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ التلبية] (¬1) فهم متفقون على ذلك، وأنه يرجع إليها بعد الطواف والسعى الذى للقدوم. واختلفوا متى يقطعها قبل ذلك؟ هل إذا دخل الحرم؟ أو إذا دخل مكة؟ أو إذا طاف؟ والثلاث روايات عن مالكٍ (¬2) وهذا فى أهل المواقيت، وأما التلبية بجمعٍ وفى الإفاضة فقد يحتج به من يقول: يلبى حتى يرمى الجمرة. ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل، وغير واضحة. (¬2) الموطأ، ك الحج، ب قطع التلبية 1/ 338 رقم (44 - 46).

(46) باب التلبية والتكبير فى الذهاب من منى إلى عرفات فى يوم عرفة

(46) باب التلبية والتكبير فى الذهاب من منى إلى عرفات فى يوم عرفة 272 - (1284) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ، مِنَّا الْمُلَبِّى وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ. 273 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَدَاةِ عَرَفَةَ، فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ، فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ. قَالَ: قُلْتُ: وَاللهِ، لَعَجَبًا مِنْكُمْ، كَيْفَ لَمْ تَقُولُوا لَهُ: مَاذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟ 274 - (1285) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ الثَّقَفِىِّ؛ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِى هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُهِلُّ المُهِلُّ مِنَّا، فَلا يُنكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّر الْمُكَبِّرُ مِنَّا، فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر: " غدونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من منى إلى عرفة "، وفى حديث آخر: " غداة عرفة، فمنا الملبى ومنا المكبر "، وفى الحديث الآخر: " يهل المهل فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه ": قد ذكرنا عن مالك أنه قال بمثل هذا وهذا فى الحج، وأما فى المعتمر فإن أحرم من التنعيم فإنه يقطع التلبية عند مالك إذا رأى البيت، وأما من أحرم بها من المواقيت فيقطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم، وعنه إن أحرم من الجعرانة أنه يقطع إذا دخل مكة، وعند الشافعى وأبى حنيفة: يقطعها المعتمر إذا ابتدأ الطواف، ولم يفرقا بين القرب والبعد. وقوله: " ونحن بجمع " (¬1): أى بمزدلفة، بفتح الجيم. سميت بذلك للجمع فيها ¬

_ (¬1) حديث رقم (272) من هذا الكتاب.

275 - (...) وحدّثنى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، غَدَاةَ عَرَفَةَ: مَا تَقُولُ فِى التَّلْبِيةِ هَذَا الْيَوْمَ؟ قَالَ: سِرْتُ هَذَا الْمَسِيرَ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ، وَلا يَعِيبُ أَحَدُنَا عَلَى صَاحِبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بين العشاءين، وقد يقال: لاجتماع الناس بها للوقوف. قال ابن حبيب: هى جمع ومزدلفة وقزحٌ والمشعر الحرام، وسميت مزدلفة لذلك؛ من جمع [الناس بها] (¬1)، وقيل: لقربهم من منازلهم بعد الإفاضة. والازدلاف: القربُ. ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل.

(47) باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتى المغرب والعشاء جميعا بالمزدلفة فى هذه الليلة

(47) باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتى المغرب والعشاء جميعاً بالمزدلفة فى هذه الليلة 276 - (1280) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ. فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاةَ. قَالَ: " الصَّلاةُ أَمَامَكَ "، فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسانِ بَعِيرَهُ فِى مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلاهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. 277 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ لِحَاجَتِهِ، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مَنَ الْمَاءِ، فَقُلْتُ: أَتُصَلِّى؟ فَقَالَ: " الْمُصَلَّى أَمَامَكَ ". 278 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ عَرَفَاتٍ، فَلَمَّا انْتَهَى اِلَى الشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ - وَلَمْ يَقُلْ أُسَامَةُ: أَرَاقَ الْمَاءَ - قَالَ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَضُوءاً لَيْسَ بِالْبَالِغِ. قَالَ: فَقلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، الصَّلاةَ. قَالَ: " الصَّلاةُ أَمَامَكَ " قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى بَلَغَ جَمْعًا، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. 279 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِى كُرَيْبٌ؛ أَنَّهُ سَأَلَ أُسَامَةَ بْنُ زَيْدٍ: كَيْفَ صَنَعْتُمْ حِينَ رَدِفْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: جِئْنَا الشِّعْبَ الَّذِى يُنِيخُ النَّاسُ فِيهِ للْمَغْرِبِ، فَأَنَاخَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ وَبَالَ - وَمَا قَالَ: أَهَرَاقَ الْمَاءَ - ثُمَّ دَعَا بِالْوَضُوءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا لَيْسَ بِالْبَالِغِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، الصَّلاةَ. فَقَالَ: " الصَّلاةُ أَمَامَكَ "، فَرَكِبَ حَتَّى جِئنَا الْمُزْدَلِفَةَ، فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ فِى مَنَازلهِمْ، وَلَمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَصَلَّى، ثُمَّ حَلُّوا. قُلْتُ: فَكَيْفَ فَعَلْتُمْ حِينَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَالَ: رَدِفَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَانْطَلَقْتُ أَنَا فِى سُبَّاقِ قُرَيْشٍ عَلَى رِجْلَىَّ. 280 - (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كَرَيْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى النَّقْبَ - الَّذِى يَنْزِلُهُ الأُمَرَاءُ - نَزَلَ فَبَالَ - وَلَمْ يَقُلْ: أَهَرَاقَ - ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، الصَّلاةَ. فَقَالَ: " الصَّلاةُ أَمَامَكَ ". 281 - (...) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءٍ - مَوْلَى سِبَاع - عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ الشِّعْبَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ، فَلَمَّا رَجَعَ صَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَجَمَعَ بِهَا بَيَنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. 282 - (1286) حدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ منْ عَرَفَةَ، وَأُسَامَةُ رِدْفُهُ. قَالَ أُسَامَةُ: فَمَا زَال يَسِيرُ عَلَى هَيْئَتِهِ حَتَّى أَتَى جَمْعًا. 283 - (...) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ، وَأَنَا شَاهِدٌ، أَوْ قَالَ: سَأَلْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَكَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ مِنْ عَرَفَاتٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَسِيرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لما أتى النقب " بفتح النون وسكون القاف، هو الطريق فى الجبل، وقيل النقب: الفرجة بين الجبلين. وقوله: " فما زال يسير على هِنته " بكسر الهاء وأوسطه نون، ومعناه على سكينته، ورواه بعضهم: " على هيئته " بفتح الهاء وأوسطه همزة. وقوله: " يسير العنق ": سير فيه رفق. وقوله: " فإذا وجد فجوة نص ": الفجوه: المكان المتع، " ونص ": أسرع، يعنى

284 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ حُمَيْدٍ: قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ. 285 - (1287) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِى عَدِىُّ بْنُ ثَابِتٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الْخَطْمِىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ. (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ ابْنُ رُمْحٍ فِى رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيَدَ الْخَطْمِىِّ، وَكَانَ أَمِيَراً عَلَى الْكُوفَةِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. 286 - (703) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا. 287 - (1288) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا سَجْدَةٌ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من زحام الناس الذى رفق فى السير بسبب ذلك، وليسرع إلى المناسك ليأتيها متسع الوقت، ويتمكن من تنسكه بها وعمله فيها من غير تضيق ولا استعجال وأصل الفجوة ما اتسع من الأرض، وقد رواه بعض رواة الموطأ: " فرجة " (¬1) والنص: الإسراع فى السير، وهو أرفعه. وقوله: " الذى أنزلت عليه سورة البقرة " (¬2) حجةٌ فى جواز قولك: سورة البقرة، [وسوره آل عمران، وهو هذا، وقد اختلف السلف، فأجازه بعضهم، وكرههُ بعضهم، فقال: يقال للبقرة التى يذكر فيها: البقرة] (¬3) والتى يذكر فيها آل عمران، قالوا: وخص هنا سورة البقرة: لأن معظم مناسك الحج فيها. وقوله: " صلى المغرب والعشاء بجمع ليس بينهما سجدة ": أى صلاة نافلة، وقد ¬

_ (¬1) رواية الموطأ ليحيى بن أبى يحيى " فجوة "، ك الحج، ب السير فى الدفعة 1/ 392. (¬2) حديث رقم (305) من هذا الكتاب. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

فَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّى بِجَمْعٍ كَذَلِكَ، حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ تَعَالَى. 288 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ، وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ. ثُمَّ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عمَرَ؛ أَنَّهُ صَلَّى مِثْلَ ذَلِكَ. وَحَدَّثَ ابْنُ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ مَثْلَ ذَلِكَ. 289 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: صَلاهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. 290 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، صَلَّى الْمَغْرِب ثَلَاثًا، وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جاءت السجدة بمعنى الركعة، وبمعنى الصلاة، وهذا حكم صلاة الجمع بين صلاتين؛ أنه لا تنفل بينهما، وقد تقدم الكلام عليه، ومن رخص فى ذلك مدة أذان المؤذن للآخرة. وقوله: " وصلى المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين ": أصل فى السنة فى تقصير الحاج بمنى وعرفة ومكة الصلاة الرباعية، مكياً كان أو غير مكى، إلا أهل منى بمنى، وأهل عرفه بعرفة، وأهل مكة بمكة، هذا قول مالك والأوزاعى، إلا الإمام فإنه يقصر وإن كان عندهم من سكان هذه المواضع، وذهب جمهور العلماء إلى أن هؤلاء يُتمون، وإنما يقصر من كان فى سفره ما تقصر فيه الصلاة على سنة القصر، ولا يختص الحاج بشىء من غيره، وذهب بعض السلف إلى مثل قول مالك، إلا أنه سوى الإمام وغيره، وأنه يقصر إن كان من أهل الموضع، وهو مذهب إسحاق. وقوله: فى حديث ابن عمر: " صلى المغرب والعشاء بجمع بإقامةٍ واحدةٍ ": حجة لمن قال بذلك، وقد تقدم الكلام عليه، أو يكون بإقامة واحدة لكل صلاة دون أذان، فيحتج به من قال بذلك أيضاً، وهو يحتمل أن يكون بأذان كما ثبت فى حديث جابر وهو حج واحد، لكن لم يتعرض هنا لذكر الأذان ولا نفيه، فيجمع بين الروايتين على هذا، ويبقى الإشكال فى إثبات جابر إقامتين، ونص ابن عمر على إقامةٍ واحدةٍ، فلعله يعنى بواحدة فى العشاء الآخرة. يعنى دون أذانٍ فيها، وبقيت الأولى بأذانٍ وإقامةٍ - والله أعلم.

291 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِى خَالِدٍ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ حَتَّى أَتَيْنَا جَمْعًا، فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى هَذَا الْمَكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم: ثنا أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا عبد الله بن نمير، ثنا إسماعيل بن أبى خالد، عن أبى إسحاق قال: قال سعيد بن جبير: أفضنا مع ابن عمر حتى أتينا جمعاً - وذكر الحديث، قال الدارقطنى: هذا عندى وهم من إسماعيل، وقد خالفه منهم شعبة والثورى وإسرائيل وغيرهم، فرووه عن أبى إسحاق، عن عبد الله بن مالك، عن ابن عمر، وإن كان إسماعيل ثقةً فهؤلاء أقوم بحديث أبى إسحاق منه، وهو أحد المائتين من الأحاديث التى استدركها وتتبعها الدارقطنى على مسلم والبخارى فى صحيحيهما (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الإلزامات والتتبع 1/ 396.

(48) باب استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر بالمزدلفة، والمبالغة فيه بعد تحقق طلوع الفجر

(48) باب استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحرِ بالمزدلفة، والمبالغة فيه بعد تحقق طلوع الفجر 292 - (1289) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاةً إِلا لِمِيقَاتِهَا، إِلا صَلاتَيْنِ: صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا. (...) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: قَبْلَ وَقْتِهَا بِغَلَسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن مسعود: " ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاةً إلا لميقاتها إلا صلاه المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها "، قال الإمام: من يقول إن الإسفار بالصبح أفضل تعلق بهذا الحديث، قال: وقول ابن مسعود يدل على أنه - عليه السلام - كان يؤخر صلاة الصبح، وأنه عجلها يومئذ قبل وقتها المعتاد. قال القاضى: لا حجة للمخالف فى هذا الظاهر، فقد تقدم من تغليس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصبح، وصلاته لها والنجوم بادية مشتبكة، وأن النساء ينصرفن ما يعرفن من الغلس، وغير ذلك ما لا يدفع فيه تأويل من تأول هذا ولا غيره. والمراد بهذا الحديث مخالفة عادته فى التغليس؛ إذ كان فى غير هذا اليوم يغلس بعض التغليس، وينتظر - والله أعلم - من يأتى المسجد من الجماعة ممن يصلى به وإن لم ينتظر كافتهم، وهاهنا الناس كلهم مستعدون، وجميعهم مستعجلون للإفاضة، فكان تغليسه الآن أكثر من سائر أوقاته وقبل ميقاته المعلوم له، كما كانت صلاته المغرب والعشاء مؤخرتين عن ميقاتهما المعهود لصلاته لهما فى غير جمع.

(49) باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى فى أواخر الليالى قبل زحمة الناس، واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة

(49) باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى فى أواخر الليالى قبل زحمة الناس، واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة 293 - (1290) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ - يَعْنِى ابْنَ حُمَيْدٍ - عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ، تَدْفَعُ قَبْلَهُ، وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً - يَقُولُ الْقَاسِمُ: والثَّبِطَةُ الثَّقِيلَةُ - قَالَ: فَأَذِنَ لَهَا، فَخَرَجَتْ قَبْلَ دَفْعِهِ، وَحَبَسنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا فَدَفَعْنَا بِدَفْعِهِ. وَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، فَأَكُونَ أَدْفَعُ بِإِذْنِهِ، أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ. 294 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِىِّ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مَنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِى كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ لا تُفِيضُ إِلا مَعَ الإِمَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " استأذنت سودة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة مزدلفة تدفع قَبْلَهُ وقَبْلُ حُطْمَة الناسِ، فأذن لها، وكانت امرأةً ثَبِطَةً " فسره فى الحديث: " الثقيلة "، وفى الرواية الأخرى: " ضخمةً ثبطة "، وحقيقته: المتأنية؛ لثقلها وضخامتها. ومعنى: " حَطْمَةِ الناس ": أى زحمتهم، ومنه سمى الحطيم لانحطام الناس عليه: أى ازدحامهم. واحتجت الشافعية بحديث سودة على مذهبهم فى جواز الرمى بعد نصف الليل قبل الفجر (¬1) وإنما حديث سودة هذا رخصة لأولى الأعذار فى الدفع من جمع الإفاضة بليل، والسنة المبيت بها، وصلاة الفجر بها غلساً، والوقوف بالمشعر حتى يسفر جداً، ثم الدفع قبل طلوع الشمس، كما فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث جابر وغيره من الأحاديث. قال الإمام: عندنا أن من ترك المبيت بالمزدلفة والوقوف بالمشعر حجه تام، وعليه دم ¬

_ (¬1) انظر: الحاوى 4/ 182.

295 - (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، فَأُصَلِّى الصُّبْحَ بِمِنًى، فَأَرْمِى الْجَمْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِى النَّاسُ. فَقِيلَ لِعَائِشَةَ: فَكَانَتْ سَوْدَةُ اسْتَأْذَنَتْهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، إِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً ثَقِيلَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهَا. 296 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 297 - (1291) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ قَالَ: قَالَتْ لِى أَسْمَاءُ - وَهِىَ عِنْدَ دَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند المخالف: يبطل حجه لقول الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (¬1)، والأمر على الوجوب. قال القاضى: لا خلاف أنه مشروع من المناسك والسنن المذكورة، إلا شيئاً روى عن عطاء، والأوزاعى: أن جمعاً منزل كسائر المنازل السفر، من شاء طواه ومن شاء نزل به رحل متى شاء. وفى إذن النبى - عليه السلام - بالليل لسودة وظعنه وضعفة أهله، وأن وقوفه هو بعد صلاة الصبح دونهم ولم يأمرهم بالوقوف - يدل أنه ليس بواجب، خلافاً للشافعى والنخعى وغيرهما القائلين أن من فاته الوقوف به بعد: فاته الحج، وذكر عن الأوزاعى (¬2)، واختلف عن الثورى، واختلف من لم يوجبه وهم الجمهور، هل على تاركه دم؟ فأوجب ذلك عليه الكوفيون وفقهاء أصحاب الحديث، وقال الشافعى: إن خرج منها بعد نصف الليل فلا شىء عليه، وإن كان قبلُ ولم يعد إليها افتدى بشاة، وقال مالك؛ من نزل بها فلا دم عليه، وإن مر ولم ينزل فعليه دم، وقد جاء عن ابن عمر فى تقديم ضعفة أهله: أنهم كانوا يقفون قبل أن يدفعوا قبل وقوف الإمام، فجعل الرخصة فى تعجيل الوقوف لا فى ¬

_ (¬1) البقرة: 198. (¬2) ونقل عن المزى فى الحاوى الكبير أنه قال: حكى عن خمسة من التابعين أنه ركن، وهم: الحسن وإبراهيم النخعى وعامر الشعبى والأسود وعلقمة، وبه قال أبو عبد الرحمن الشافعى، واستدلوا بالآية: {فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} وبالحديث: " من وقف بجمع فقد أدرك الحج، ومن فاته فقد فاته الحج " وقال: الآية تدل على الذكر دون المبيت، والحديث لم يصح. 4/ 177.

الْمُزْدَلِفَةِ - هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لا. فَصَلَّتْ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَى، هَلْ غَابَ القَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتِ: ارْحَلْ بِى. فَارْتَحَلْنَا حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ صَلَّتْ فِى مَنْزِلِهَا. فَقُلْتُ لَهَا: أَىْ هَنْتَاهُ، لَقَدْ غَلَّسْنَا. قَالَتْ: كَلا، أَىْ بُنَىَّ، إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ للْظّعُنِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى رِوَايَتِهِ: قَالَتْ: لا. أَىْ بُنَىَّ، إِنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِظُعُنِهِ. 298 - (1292) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ ابْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ؛ أَنَّ ابْنَ شَوَّالٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. 299 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عُمْرُو بْنُ دِينَارٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ شَوَّالٍ، عَنْ أُمَّ حَبِيبَة، قَالَتْ: كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نُغَلِّسُ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنىً. وَفِى رِوَايَةِ النَّاقِدِ: " نُغَلِّسُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ ". 300 - (1293) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يقُولُ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّقَل - أَوْ قَالَ فِى الضَّعَفَةِ - مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إسقاطه. واختلف عن مالك فى القدر المستحق من الزمان بمزدلفة، هل هو الليل كله أو جله، أو أقل زمان؟ حكى ذلك ابن خويز منداد. وقوله: " إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لظُعُنِه (¬1) ": أى نسائه. قال الإمام: سميت المرأه ظعينة باسم الهودج الذى تكون فيه، وظعينة الرجل: امرأته. قال القاضى: وقوله: " أى هنتاه ": وأصله من الهن، يكنى به عن الشىء، والأنثى هنة، فإذا وصلتها بالهاء قلت: يا هنتاه، ومن العرب من يقول: يا هنوه، وللرجل: يا هناه، ولا تستعمل كذا إلا فى النداء. وقوله: " لقد غلسنا ": أى رمينا بغلس، وهو أعلى السحر، وثقل الشىء بفتح القاف، نقل المسافر متاعه وجسمه. ¬

_ (¬1) فى ع: لضعنه، والمثبت من المطبوعة.

301 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ ابْنُ أَبِى يَزِيدَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. 302 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عُمْرٌو عَنْ عَطَاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. 303 - (1294) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ بِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَحَرٍ مِن جَمْعٍ فِى ثَقَلِ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: أَبَلَغَكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ بِى بِلَيْلٍ طَوِيلٍ؟ قَالَ: لا، إِلا كَذَلِكَ، بِسَحَرٍ. قُلْتُ لَهُ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَأَيْنَ صَلى الْفَجْر؟ قَالَ: لا، إِلا كَذَلِكَ. 304 - (1295) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِاللَّيْلِ، فَيَذْكُرُونَ اللهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ، وقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِك، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِى أُوْلَئِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان ابن عمر يُقَدِّم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعرالحرام بالمزدلفة بالليل "، وذكر قبل أن يقف الإمام، قال: ومنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وقال: أَرْخَص فِى أولئك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث. قال الإمام: مذهب الشافعى رمى الجمرة من نصف الليل، ويتعلق بأن أم سلمة قدمت قبل الفجر، وكان - عليه السلام - أمرها أن تفيض وتوافيه الصبح بمكة، وظاهر هذا عنده تعجيل الرمى قبل الفجر، ومذهب الثورى والنخعى: أنها لا ترمى إلا بعد طلوع الشمس (¬1)، ويتعلقان بحديثٍ فيه: أنه - عليه السلام - يقدم ضعفة أهله وأمرهم ألا يرموا حتى تطلع الشمس. ومذهب مالك: أن الرمى يحل بطلوع الفجر، ويتعلق بما ذكر [من حديث] (¬2) ابن عمر (¬3). قال القاضى: قد تقدم فى حديث جابر استحباب ما فعل النبى - عليه السلام. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 13/ 60. (¬2) من ع. (¬3) انظر: الاستذكار 13/ 51.

(50) باب رمى جمرة العقبة من بطن الوادى، وتكون مكة عن يساره، ويكبر مع كل حصاة

(50) باب رمى جمرة العقبة من بطن الوادى، وتكون مكة عن يساره، ويكبر مع كل حصاة 305 - (1296) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، مِنْ بَطْنِ الْوَادِى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رمى عبد الله جمرة العقبة من بطن الوادى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة "، وقال: " هذا مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة "، وإنكاره رميها من فوق العقبة، وفى الحديث الآخر: " فاستبطن الوادى، فاستعرضها فرماها من بطن الوادى ": كله بمعنى واحد، أى وقف فى بطنه ووسطه، ومعنى: " استعرضها ": أى وقف فى عُرض الجمرة، أى جانبها، وفى الحديث الآخر: " وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه ". رمى الجمرة من مناسك الحج، واختلف هل هى من واجباته وأركانه أم لا؟ وفى مذهبنا فيه الوجهان، وحكى الطبرى عن بعض الناس أن الجمار إنما جعل حفظاً للتكبير، ولو ترك الرمى تارك وكبر أجزأه، ونحوه عن عائشة. ورمى جمرة العقبة من حيث تَيسَّر من أعلى العقبة، أو أسفلها، أو أوسطها يجزئ، والمستحب من بطن الوادى من أسفلها، كما جاء فى الحديث: هذا كله قول كافة العلماء، أما سائر الجمرات فمن فوقها، ورميها بسبع حصيات. واختلفوا فيمن رماها بأقل، فجمهور العلماء على أن تارك ذلك دماً إذا فاته جبره أيام الرمى، وهو قول مالك والأوزاعى، وذهب الشافعى وأبو ثور إلى أن على تارك حصاةٍ مدّا من طعام وفى اثنتين مدين، وفى ثلاث فأكثر دماً وقال أبو حنيفة وصاحباه: لو ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث ففى كل حصاة نصف صاع، وإن كان أكثر من نصفها فعليه دم. وقال مالك: إن نسى جمرةً تامةً أو الجمار كلها عليه بدنةٌ، وإن لم يجد فبقرةٌ، فإن لم يجد فشاةٌ، وقال البصريون: على ناسى الجمرة والجمرتين دم، وقال عطاء فيمن رمى بخمسٍ، ومجاهد فيمن رمى بست: لا شىء عليه. واتفقوا أن بخروج أيام التشريق يفوت الرمى إلا العقبة، إلا ما قاله أبو مصعب: إنه يرمى متى ذكر، كمن نسى صلاةً يُصلها متى ذكرها (¬1). وقوله: " يكبر مع كل حصاة ": هى السنة، وبها أخذا مالك والشافعى، وبه عمل ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 13/ 222 - 224.

قَالَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أُنَاسًا يُرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا وَالَّذِى لا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَقَامُ الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. 306 - (...) وحدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ، وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلِّفُوا الْقُرْآنَ كَمَا أَلَّفَهُ جِبْرِيلُ، السُّورَةُ الَّتِى يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةَ، وَالسُّورَةُ الَّتِى يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ، وَالسُّورَةُ الَّتِى يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ. قَالَ: فَلَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهِ فَسَبَّهُ وَقَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَأَتَى جَمْرَةً الْعَقَبَةِ، فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِىَ فَاسْتَعْرَضَهَا، فَرَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ النَّاسَ يَرْمُونَهَا منْ فَوْقِهَا. فَقَالَ: هَذَا وَالَّذِى لا إلَهَ غَيْرُهُ، مَقَامُ الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. (...) وحدّثنى يَعْقُوبُ الْدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: لا تَقُولُوا سُورَةُ الْبَقَرَةِ. وَاقْتَصَّا الْحَدِيثَ بِمِثلِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. 307 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأئمة، وأجمعوا أنَّ من لم يكبر لا شىء عليه. والتكبير هنا برفع الصوت، وكان بعض السلف يدعو مع ذلك. وقوله: " هذا والذى لا إله إلا هو مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة ": حجة فى جواز سورة البقرة، وسورة آل عمران وسنة ذلك، وقد أنكر إبراهيم النخعى على الحجاج فى الأم نهيه عن ذلك، وقوله: " السورة التى يذكر فيها البقرة " وهو اختيار بعضهم أيضاً. وقول الحجاج " ألِّفُوا القرآن كما ألفه جبريل - عليه السلام - السورةُ التى يذكر فيها البقرة " الحديث، ولم ينكر عليه إبراهيم قوله: " ألفه جبريل " كما أنكر عليه ما تقدم، فإن كان يريد بقوله تأليف الآى فى كل سورة ونظمها على ما هى عليه فى المصحف الآن، فهو إجماع المسلمين، وأن ذلك توقيف من النبى - عليه السلام - وإن كان يريد تأليف السور بعضها إثر بعض، فهو قول بعض الفقهاء والقراء والمحققون على خلافه، وأنه اجتهاد من

مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ؛ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ عَبْد اللهِ، قَالَ: فَرَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ. وَقَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. 308 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. 309 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُحَيَّاةِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظ لَهُ - أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى أَبُو الْمُحَيَّاةِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللهِ: إِنَّ نَاسًا يَرمُونَ الْجَمْرَةَ مِنْ فَوْقِ العَقَبَةَ. قَالَ: فَرَمَاهَا عَبْدُ اللهِ مِنْ بَطْنَ الْوَادِى، ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَاهُنَا وَالَّذِى لا إِلَهَ غَيْرُهُ، رَمَاهَا الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمة وليس بتوقيف، وقد تكلمنا على هذا فى كتاب الصلاة (¬1) وتقديمة هنا النساء على آل عمران يدل أنه لم يرد إلا نظم الآى؛ لأن الحجاج إنما كان يتبع مصحف عثمان ولا يخالفه، ولم يرد فى الظاهر ترتيب السور - والله أعلم. ¬

_ (¬1) راجع: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف رقم (818).

(51) باب استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر راكبا. وبيان قوله صلى الله عليه وسلم: " لتأخذوا مناسككم "

(51) باب استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر راكباً. وبيان قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتأخذوا مناسككم " 310 - (1297) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِراً يَقُول: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِى عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحَرِ، وَيَقُولُ: " لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّى لا أَدْرِى لَعَلىِّ لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ ". 311 - (1298) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حججت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع، [وفيه قرابته على راحلته، ومعه بلال وأسامة، أحدهما يقود به، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشمس] " (¬1)، قال الإمام: ذهب بعض الفقهاء إلى جواز استظلال المحرم راكباً، وتعلق بهذا الخبر. ومالك يكره ذلك، وأجاب بعض أصحابه عن هذا بأن هذا القدر الذى وقع فى الخبر لا يكاد يدوم، وقد أجاز مالك للمحرم أن يستظل بيده، وقال ما يثبت ذلك. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا الاستظلال المذكور فى الحديث عند مقاربة الإحلال؛ لأن يرمى الجمرة يباح ذلك، فلعله يسهل فيه كما يسهل فى الطيب عند طواف الإفاضة، وقد روى أن عمر رأى رجلاً جعل ظلالةً على محمله، فقال: " أضح لمن أحرمت له " يعنى: أبرز إلى الضحاء. قال الرياشى (¬2): رأيت أحمد بن المعذل (¬3) فى يوم شديد الحرِّ فقلت ¬

_ (¬1) وفى ع الجملة هكذا: فرأيت أسامة وبلالاً، وأحدهما أخذ بخطام ناقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة. (¬2) فى الإكمال: الرقاشى والمثبت من ع. والرياشى هو: عباس بن الفرج العلامة الحافظ شيخ الأدب أبو الفضل البصرى النحوى، ولد بعد الثمانين ومائة، وحمل عن الأصمعى والطيالسى ومسدد ومحمد بن سلام، وعنه أبو داود والمبرد والحربى. انظر: السير 12/ 372، طبقات النحويين 97. (¬3) هو ابن غيلان بن حكم شيخ المالكية أبو العباس العبدى البصرى المالكى الأصولى شيخ إسماعيل القاضى تفقه بعبد الملك بن الماجشون ومحمد بن مسلمة، وكان من يحور الفقه صاحب تصانيف وفصاحة وبيان. قال أبو إسحاق الحضرمى: كان ابن المعذل من الفقه والسكينة والأدب فى غاية. قال الذهبى لم أر له وفاة. انظر: طبقات الشعراء 368، 370، الأغانى 3/ 251، العبر 1/ 434، السير 11/ 519.

تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعَهُ بِلالُ وَأُسَامَةُ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ به رَاحِلتَهُ، والآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّمْسِ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلاً كَثِيرًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدُ مُجَدَّعٌ - حَسِبْتُهَا قَالَتْ - أَسُوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكَتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ". 312 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ جَدَّتِهِ، قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلالاً، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ له: يا أبا الفضل، هلا استظللت، فإن فى ذلك توسعة للاختلاف فيه، فأنشد: ضحيت له كى استظل بظله ... إذا الظل أضحى فى القيامة قالصًا فوا أسفا إن كان سعيك باطلاً ... وواحسرتى إن كان حجك (¬1) ناقصا قال صاحب الأفعال: يقال ضحيت وضحوت ضحياً وضحواً: [إذا] (¬2) برزت للشمس، وضحيت ضحاء (¬3) أصابتنى الشمس، قال الله تعالى: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} (¬4). قال القاضى: قد قدمنا من الكلام فى هذا وكافة العلماء على جوازه. وقوله فى هذا الحديث: " وإن أمر عليكم عبدٌ مجدعٌ يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا ": الجدع: القطع، نبه بهذا على نهاية الخساسة والضعة فى أوصاف العبيد؛ إذ لا يكون بهذه الصفة إلا الوغدُ الدَّنِىُ منهم، المستعمل فى أرذل الأعمال وأخسها. وفيه ما يلزم من طاعة الأئمة إذا كانوا متمسكين بالإسلام، والدعوة لكتاب الله كيف ما كانوا هم فى أنفسهم وأنسابهم وأخلاقهم. قال الإمام: خرّج مسلم فى هذا الباب: ثنا أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن سلمة، عن أبى عبد الرحيم، عن زيد بن أبى أُنيْسَة - الحديث. ثم قال مسلم: واسم أبى عبد الرحيم خالد بن أبى يزيد، وهو خال محمد بن سلمة، روى عنه وكيعٌ وحجاج الأعور، ¬

_ (¬1) فى الإكمال والأبى: أجرك، والمثبت من ع. (¬2) من ع. (¬3) فى نسخ الإكمال: صحا. (¬4) طه: 119.

قَالَ مُسْلِمٌ: وَاسْمُ أَبِى عَبْدِ الرَّحِيْمِ، خَالِدُ بْنُ أَبِى يَزِيدَ. وَهُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ. رَوَى عَنْهُ وَكِيعٌ وَحَجَّاجٌ الأَعْوَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعضهم: هكذا فى رواية أبى أحمد والكسائى، وفى نسخة ابن ماهان: روى عن وكيع وحجاج، والأول هو الصواب.

(52) باب استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف

(52) باب استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف (¬1) 313 - (1299) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمَيدٍ قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(53) باب بيان وقت استحباب الرمى

(53) باب بيان وقت استحباب الرمى 314 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَن جَابِرٍ، قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَما بَعْدُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ. (...) وحدّثناه عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رمى - عليه السلام - الجمرة يوم النحر ضحىً، وأما بعدُ فإذا زالت الشمس "، قال القاضى: هذا أصل فى هذه السنة، وأراد بيوم النحر جمرة العقبة؛ إذ لا يُرمى يوم النحر غيرها، وقد تقدم أنه وقت استحباب رميها، وأما الجمارُ الآخر فبعد الزوال كما جاء فى الحديث، وهو قول كافة العلماء والسلف، إلا أن أبا حنيفة قال: يستحسن أن يكون فى اليوم الثالث قبل الزوال، قال: والقياس أنه لا يجوز إلا بعد الزوال، وخالفه صاحباه، وقال إسحاق: يجزئه فى اليوم الثالث قبل الزوال، وقال عطاء وطاوس: يجزئه فى الثلاثة الأيام قبل الزوال والسنة ترد هذا كله (¬1)، وقد قال - عليه السلام - وهو يرمى: " خذوا عنى مناسككم " (¬2). وجمرة العقبة يوم النحر ترمى بسبع حصيات - كما تقدم - والجمراتُ الأخر الثلاث فى الثلاثة الأيام بعدها ترمى كل يوم بأحدٍ وعشرين، كل جمرة بسبع، يبدأ بالتى تلى المسجد، وهى الدنيا، ثم الوسطى عند العقبة الأولى قرب مسجد منى، ويقف فى هاتين - عند مالك - ويدعو ويستقبل القبلة، ويقوم طويلاً للدعاء والذكر، وقيل: إنما يفعل هذا فى الأولى، وأما الوسطى فيأخذ إذا رماها ذات الشمال فى بطن المسيل، ثم يقوم مستقبل القبلة قياماً طويلاً، ويدعو ويهلل ويذكر الله على ما جاء فى حديث ابن عمر، وقاله محمد من أصحابنا، وأما الجمرة الثالثة فى العقبه حيث يرمى يوم النحر، ولا يقف عند هذه، وكذا جاء فى حديث ابن عمر، خرجه البخارى (¬3). يفعل هذا فى كل يوم من ¬

_ (¬1) حديث الباب، وحديث مالك فى الموطأ عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا ترمى الجمار فى الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس. انظر: الموطأ 1/ 408، وسنن البيهقى 5/ 149. وما ورد فى غير ذلك فهو إما رخصة أو الاستحباب. انظر: البدائع 3/ 1123. (¬2) سبق تخريجه قريباً فى بداية كتاب الحج، ب استحباب رمى جمرة العقبة ... إلخ برقم (310). (¬3) البخارى، ك الحج، ب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى 2/ 219.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأيام الثلاثة بعد يوم النحر فعدد الجمار فى هذه الأيام الثلاثة ثلاث وستون، وتتم بسبع جمرة العقبة يوم النحر سبعين حصاة. واختلف فى رفع الأيدى عند الدعاء عند الجمرتين، فقال به الكافة على ما جاء فى الحديث (¬1) واختلف فيه قول مالك. واختلفوا فيمن لم يقف عند الجمرتين، فكافتهم على أنه لا شىء عليه، إلا الثورى فإنه رأى أن يطعم شيئاً أو يُهريق دماً. وقوله: " وهو يرمى على راحلته " (¬2)، قال القاضى: ليس من سنة الرمى الركوب له ولا الترجل ولكن يرمى الرجل على هيئته التى يكون حينئذ عليها من ركوب أو مشى، ولا ينزل إن كان راكباً لرمى، ولا يركب إن كان ماشياً، وهذا فى جمرة العقبة، وأما الأيام بعدها فيرمى ماشياً لأن الناس نازلون بمنى منازلهم فيها، فيمشون للرمى ولا يركبون لأنه خروج عن التواضع حينئذ هذا مذهب مالك، واستحب أحمد وإسحاق الرمى ماشياً، وروى ذلك عن بعض الصحابة. وقوله: " ويرمى " يدل أنه رمىٌ لا طرحٌ، ولا وضع، وهو قول أصحابنا: أن الطرح والوضع لا يجزئ، وقال أصحاب الرأى: يجزئ الطرح، ولا يجزئ الوضع، ووافقنا أبو ثور، إلا أنه قال: إن كان يسمى الطرح رميًا أجزأ. ¬

_ (¬1) حديث ابن عمر السابق الذى فى النحر. (¬2) حديث رقم (310) من هذا الكتاب.

(54) باب بيان أن حصى الجمار سبع

(54) باب بيان أن حصى الجمار سبع 315 - (1300) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُو ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْجَزَرِىُّ - عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الاِسْتِجْمَارُ تَوٌّ، وَرَمْىُ الْجِمَارِ تَوٌّ، وَالسَّعْىُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَوٌّ، وَالطَّوَافُ تَوٌّ، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الاستجمار تَوٌّ، والسعى تَوٌّ، والطواف تَوٌّ ": قال الإمام: معناه وترٌ. وفى حديث الشَّعْبى: " فما مضت إلا توَّة ": أى ساعة واحدة، ويقال فى غير هذا: جاء فلان توًا، أى قاصداً لا يعرج على شىء. قال القاضى: وأما قوله آخراً: " إذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوٍّ " وقد ذكر الاستجمار أولاً، فتكراره إما أن يكون المراد أولاً الفعل والثانى عدد الأحجار، أو يكون أحدهما الاستطابة والثانى: البخور، والأول أظهر، واختلف الفقهاء، هل برمى جمرة العقبة يتم تحلل الحاج من كل شىء منع منه إلا النساء؟ وهو قول أبى ثور. أم حتى يحلق فيحل له - أيضاً - كل شىء إلا النساء؟ وهو قول الشافعى وأصحاب الرأى وجماعة من العلماء، أم يحل له بعض ويمنع من بعض حتى يطوف طواف الإفاضة؟ فذهب مالك إلى التفريق بين التحللين، وأنَّ برمى الجمرة حلٌ له كل شىء إلا النساء والطيب والصيد، وأن تحلله إنما يتم بطواف الإفاضة، وحينئذ يحل له كل شىء [مما] (¬1) منع من النساء والصيد والطيب وغير ذلك، وروى عن عمر. أن برمى جمرة العقبة يحل له كل شىء إلا النساء [والطيب، وعن عطاء: إلا النساء] (¬2) والصيد، ولا خلاف بينهم أن النساء لا يبحن إلا بعد الإفاضة (¬3). واختلف قول مالك إذا تطيب قبل الإفاضة فى وجوب الدم عليه للخلاف فى ذلك. وموانع الإحرام عندنا ضربان: أحدهما: فعل ما لا يباح استحلاله وهو الصيد والرفث، والرفث: الجماع، وكل ما فى معناه من الاستمتاع بالنساء، وما يدعو إلى ذلك من الطيب والعقود المختصة به كالنكاح. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬3) انظر: الحاوى 4/ 192، الاستذكار 13/ 227 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانى: إزالة ما لا يباح له اجتنابه وهو التفث، وهو الشعث، وترك حلق شعره وإزالته ومشطه وغسله بالغسول، وترك التنظيف، وقص الأظفار، والتطيب، ولبس المخيط والخفاف، وما يستر الرأس والوجه والأطراف فهذا الفصل وهو التفث يقع التحلل منه عندنا بالخلاف والفصل الأول لا يقع التحلل منه إلا الطواف، وهو آخر التحللين وغايته عند الجميع.

(55) باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير

(55) باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير 316 - (1301) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ: حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ " مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: " وَالْمُقَصِّرِينَ ". 317 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ، ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " وَالْمُقَصِّرِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث الحلق والتقصير ودعاؤه - عليه السلام - بالرحمة والغفران للمحلقين وتكريره ذلك دون المقصرين حتى سئل فدعا للجميع وقال: " للمقصرين،: قال الإمام: زعم بعض العلماء أن ذلك تحضيض على الحلاق لأجل أنه - عليه السلام - لما أمرهم فحلوا ولم يحل توقفوا استثقالاً لمخالفة أفعاله، فلفا عزم عليهم مالوا إلى التقصير لأنه أخف وأقرب شبهاً به - عليه السلام - إذ لم يحل، أو لأنهم لم يكونوا اعتادوا الحلاق. وقد اختلفوا فى الحلاق، فمذهبنا أنه عند التحلل نسك مشروع لأجل ظاهر الحديث، ولقوله سبحانه: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُون} (¬1) فوصفهم بذلك يقتضى كونه مشروعاً، وقال الشافعى: ليس بنسك وهو مباح كاللباس والطيب لأنه ورد بعد الحظر فحمل على الإباحة، ولأنه لو حلق فى حال الحج لافتدى كما إذا لبس وتطيب، ولو كان من النسك لم يلزمه فدية، كما لو رمى الجمار قبل وقتها، فان أقصى ما عليه أن يعيدها ولا يلزمه دم، وما ذكرنا من الظاهر يرد قوله. هذا وقد استقر فى الشرع تحريم السلام فى أثناء الصلاة المفروضة وأمر به فى آخرها ولم يكن ذلك على وجه الإباحة بل حمل على الوجوب، واختلف الناس أيضاً فى القدر الذى تتعلق به الفدية إذا حلق، والمشروع منه عند التحلل، فعند الشافعى أقله ثلاث ¬

_ (¬1) الفتح: 27.

318 - (...) أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ "، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " رَحَمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ ". قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " وَالْمُقَصِّرِينَ ". 319 - (...) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فى الْحَدِيثِ: فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ: قَالَ: " وَالْمُقَصِّرِينَ ". 320 - (1302) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: " اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: " اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: " وَلِلْمُقَصِّرِينَ ". (...) وحدّثنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا روْحٌ عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ شعرات، وعند أبى حنيفة: ربع الرأس، وعند أبى يوسف: نصفه، وعند مالك: كله فى التحلل، وتتعلق الفدية عنده بما يماط به الأذى (¬1). قال القاضى: ذكر بعضهم أن قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا إنما كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق، فما قام أحد له؛ لما وقع فى نفوسهم من الصلح. وذكر ابن إسحاق وغيره الخبر بذلك بكماله، وذكر عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية وقصّر آخرون، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم ارحم المحلقين " ثلاثاً، قيل: يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم، قال: " لأنهم لم يشكوا " (¬2). قال أبو عمر وكونه فى الحديبية هو المحفوظ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: بدائع الصنائع 3/ 1129، الحاوى الكبير 4/ 162. (¬2) ابن ماجة، ك المناسك، ب الحلق عن ابن عباس 2/ 1012 رقم (3045). (¬3) راجع: التمهيد 2/ 236، الاستذكار 13/ 307.

321 - (1303) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِىُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ جَدَّتِهِ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلاثًا. وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً. وَلَمْ يَقُلْ وَكِيعٌ: فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ. 322 - (1304) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىُّ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - كِلاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ رَأْسَهُ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وذكر مسلم فى الباب خلاف ما قالوا، وإن كانت جاءت أحاديثه مجملة غير مفسّرة موطن ذلك؛ لأنه ذكر من رواية ابن أبى شيبة ووكيع فى حديث يحيى بن الحصين عن جدته؛ أنها سمعت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين مرة واحدة، إلا أن وكيعاً لم يذكر حجة الوداع، وقد ذكر مسلم قبل هذا فى باب رمى الجمرة حديث يحيى بن حصين عن جدته هذه أم الحصين: " حججت مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع " (¬1) فقد جاء الأمر فى حديثها مفسّراً أنه فى حجة الوداع، فلا يبعد أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله فى الموضعين ووجهه أن التحليق أبلغ فى العبادة، وأدلّ على صدق النية فى التذلل لله لأن المقصر مُبق على نفسه من زينته التى أراد الله أين يكون الحاجُ مجانباً لها، لأنه الذى فعله - عليه السلام. وفيه دليل على أنه من النسك " إذ لو كان مباحاً لم يكن لتخصيص فاعل أحدهما بتكرار الترحم ولا لترحم لفاعلهما معنى. ¬

_ (¬1) سبق فى ب استحباب رمى جمرة العقبة ... إلخ برقم (311).

(56) باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمى ثم ينحر ثم يحلق، والابتداء فى الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق

(56) باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمى ثم ينحر ثم يحلق، والابتداء فى الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق 323 - (1305) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاقِ: " خُذْ " وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ. 324 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا. حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا أَبُو بَكْرِ فَقَالَ فِى رِوَايَتِهِ لِلْحَلاقِ: " هَا " وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبِ الأَيْمَنِ هَكَذَا. فَقَسَمَ شَعَرَهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ. قَالَ: ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَلاقِ وَإِلَى الْجَانِبِ الأَيْسَرِ، فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيْمٍ. وَأَمَّا فِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ قَالَ: فَبَدَأَ بِالشِّقِّ الأَيْمَنِ، فَوَزَّعَهُ الشَّعَرَةَ وَالشَّعَرَتَيْنِ بَيْنِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ بِالأَيْسَرِ فَصَنَعَ بِهِ مَثْلَ ذَلِك. ثُمَّ قَالَ: " هَاهُنَا أَبُو طَلْحَة "؟ فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِى طَلْحَةَ. 325 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا - وَالْحَجَّامُ جَالِسٌ - وَقَالَ بِيَدِهِ عَنْ رَأْسِهِ، فَحَلَقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ قَالَ: " احْلِقِ الشِّقّ الآخَرَ " فَقَالَ: " أَيْنَ أَبُو طَلْحَةَ؟ " فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. 326 - (...) وحدّثنا ابْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ يَخْبِرُ عَنِ ابْنِ سِيِرينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجَمْرَةَ، وَنَحَرَ نُسكَهُ وَحَلَقَ، نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِىَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقّ الأَيْسَرَ، فَقَالَ: " احْلِقْ "، فَحَلَقَه، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَة، فَقَال: " اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاس ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: " لم ينسكوا " قيل: فى أن الحلق أفضل وفائدة الخلاف هل هما نسك أم لا؟ لأن من يراهما نسكاً يوجب على تاركهما جملةً الدم، وهو قول مالك والثورى وإسحاق وأبى حنيفة وابن الحسن وبذلك يقول أبو حنيفة لو ترك ذلك حتى خرجت أيام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منى، وذهب الشافعى وأبو ثور وأبو يوسف وعطاء أنه لا شىء عليه فى ترك ذلك جملة، وهذا على قول الشافعى أنه ليس بنسك، وله قول آخر أنه نسك، فيوافق على قوله هنا الأول، واختلف القائلون أنه نسك هل هو على المحصر؟ فقال أبو حنيفة: ليس عليه ذلك وقاله صاحباه، واختلف فيه على أبى يوسف فأوجبه مرة، وقول كافة العلماء: أن المحصر فى الحلاق والتقصير كغيره. ولا خلاف أن الحلاق أفضل من التقصير، وأن التقصير يجزئ وأن الحلاق لا يلزم النساء، وأن شأنهن التقصير، وعند الكثير منهم أن الحلاق لا يباح لهن إلا من عذر لأنه مثلة فيهن (¬1)، وشذ الحسن فرأى أن الحلاق واجب فى أول حجة يحجها الإنسان، وجمهورهم على أنه من لبدّ أو عقص أو ضفّر، لزمه أن يحلق ولا يقصّر للسنة الواردة بذلك، قالوا: وعليه أن التقصير فى ذلك لا يعم شعره ومن سنته عموم تقصير شعره وهذا فيه ضعف، إلا أصحاب الرأى فجعلوا الملبّد والمضفّر لغيره يجزئه التقصير. وفى بداية النبى - عليه السلام - يحلق رأسه بالشق الأيمن مشهور سنته فى التيامن فى العبادات وغيرها (¬2)، وقسمته شعره - عليه السلام - على الناس تبركاً به واستشفاعاً إلى الله بأجزائه هو وما هو منه وتقرباً بذلك. وفيه حجة على طهارة الشعر وشعر الإنسان إذا انفصل عنه، وان كان قد اختلف العلماء فى ذلك كما تقدم فى كتاب الطهارة، وتخصيص شعر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجميع ما منه حياً وميتاً بالطهارة على أحد القولين هو الصحيح، وقد بسطنا الكلام فى ذلك فى كتاب الشفاء (¬3). وحكم الحلاق وسنته أن يكون بعد النحر وقيل الإفاضة، على ما جاء من فعله - عليه السلام - سواء فى هذا القارن والمفرد عند كافتهم، وذهب ابن الجهم من أصحابنا أن القارن لا يحلق حتى يطوف ويسعى. ¬

_ (¬1) راجع: التمهيد 7/ 267، بدائع الصنائع 3/ 1127، الحاوى 4/ 162. (¬2) يعنى الحديث الذى أخرجه البخارى، ك الوضوء، ب التيمن فى الوضوء والغسل عن عائشة بلفظ: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه التيمن فى تنعله وترجله وطهوره فى شأنه كله " 1/ 53. وكذا، ك اللباس، ب الترجيل عن عائشة، بلفظ مقارب 7/ 211. (¬3) انظر بإفاضة: كتاب الشفاء للمؤلف، باب نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه ونزاهته عن الأقذار 1/ 39 ط. الحلبى.

(57) باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمى

(57) باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمى 327 - (1306) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، بِمِنًى، لِلْنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. فَقَالَ: " اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ " ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ. فَقَالَ: " ارْمِ وَلا حَرَجَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمى، قال: " ارم ولا حرج " وقال آخر: لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر، قال: " انحر ولا حرج " وفى بعض طرقه: حلقت قبل أن أرمى، قال: " ارم ولا حرج "، [وفى بعضها هؤلاء الثلاثة، وفى بعضها: أفضت إلى البيت قبل أن أرمى، قال: " ارم ولا حرج " وفيه: كلما سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن شىء قدم ولا أُخر إلا قال: " افعل ولا حرج "] (¬1)، قال الإمام: الذى يفعله الحاج فى منى ثلاثة أشياء: رمى، ونحر، وحلق فإن قَدّم من ذلك واحداً على صاحبه فلا فدية عليه، إلا فى تقديم الحلاق على الرّمى، فإن عليه الفدية عندنا لأنه حلق قبل حصول شىء من التحلل، فأشبه من حلق عقيب الإحرام. وعند المخالف: لا فدية عليه؛ لما وقع فى بعض طرق هذا الحديث أنه قال: " ارم ولا حرج ": ويحمل هذا عندنا على نفى الإثم لا الفدية، وحمله المخالف على نفيها جميعًا، وهكذا حمل ابن الماجشون أيضاً قوله فى الحلق قبل النحر: " انحر ولا حرج "، على نفى الإثم لا الفدية؛ لأنه يرى أن من حلق قبل الذبح فقد أخطأ وعليه الفدية لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه} (¬2) والمشهور عندنا: لا فدية عليه، ويحمل قوله - عليه السلام -: " ولا حرج " على نفى الإثم والفدية جميعاً، ويحمل قوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه} على وصوله إلى منى [موضع نحره] (¬3) لا نحره، وفى بعض طرق هذا الحديث من غير كتاب مسلم: سعيت قبل أن أطوف (¬4)، وهذا لا أعلم أحداً قال به، واعتد بالسعى قبل الطواف إلا ما ذكر عن عطاء. وممنوعات الحج المتعلقة بأحوال نفس الإنسان المعتادة غالبًا [شيئان] (¬5): رفث، وإلقاء تفث. فالرفث: الجماع وما فى معناه، وإلقاء التفث: حلق الرأس، وتقليم ¬

_ (¬1) فى ع هذه العبارة مختصرة فى قوله: " إلى قوله: افعل ولا حرج ". (¬2) البقرة: 196. (¬3) سقط من الأصل، ع، واستدرك بالهامش بسهم. (¬4) أبو داود، ك المناسك، ب فيمن قدم شيئاً قبل شىء فى حجه، عن أسامة بن شريك 1/ 464. (¬5) من ع.

قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَىء قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ، إِلا قَالَ: " افْعَلْ وَلا حَرَجَ ". 328 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ التَّيْمِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَه. فَيَقُولُ الْقَائِلُ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى لَمْ أَكُنْ أَشْعُرُ أَنَّ الرَّمْىَ قَبْلَ النَّحْرِ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ الرَّمْىِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَارْمِ وَلا حَرَجَ ". قَالَ: وَطَفِقَ آخَرُ يَقُولُ: إِنِّى لَمْ أَشْعُرْ أَنَّ النَّحْرَ قَبل الْحَلْقِ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. فَيَقُولُ: " انْحَرْ وَلا حَرَجَ ". قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ، مِمَّا يَنْسَى الْمَرء وَيَجْهَلُ، مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ، وَأَشْبَاهِهَا، إِلا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " افْعَلُوا ذَلِكَ وَلا حَرَجَ ". (...) حدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ إِلَى آخِرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأظفار، وما فى معنى ذلك. ويمنع أيضاً من الصيد. والمحلل من جميع ذلك شيئان أيضاً: أحدهما: تحليل أصغر وهو جمرة العقبة فيحل به عندنا إلقاء التفث، وإن كنا نكره منه استعمال الطيب، ولكن إن فعله بعد الرّمى لم يفتد، ويمنع من النساء والصيد، خلافاً للمخالف فى إجازة الصيد (¬1)، ولنا عليه قول الله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ [صَيْد] (¬2) الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬3)، وهذا يسمى محرماً حتى يفيض لأن طواف الإفاضة أحد أركان الحج وفرض من فروضه، فلا تذهب عنه تسمية المحرم حتى يفعله، ولا معنى لتفرقة الشافعى فى إصابة النساء بين الفرج وغيره، لأن المنع فيهما واحد (¬4)، والثانى: تحليل أكبر وهو طواف الإفاضة فيحل به من كل شىء على الإطلاق؛ [إذ] (¬5) لم يبق بعده من أركان الحج وفروضه شىء إذا أتى به وقد رمى الجمرة. ¬

_ (¬1) يعنى الليث وأصحاب أبى حنيفة. راجع: بدائع الصنائع 3/ 1131. ودليلهم ما جاء عن معمر عن ابن المنكدر قال: سمعت ابن الزبير يقول: إذا رميتم الجمرة وحلقتم وذبحتم فقد حل كل شرع إلا النساء. ودليل مالك: ما جاء عن عبد الرزاق عن عطاء: فقد حل كل شىء إلا النساء والطيب وخلافاً للآية. الاستذكار 13/ 229. (¬2) ساقطة من الأصل، واستد ركت بالهامش بسهم. (¬3) المائدة: 96. (¬4) انظر: بدائع الصنائع 3/ 1131. (¬5) فى هامش الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " ارم ولا حرج " قيل: هى إباحة لما فعل وقدم وإجازة له، لا أمرٌ بالإعادة، كأنه قال: افعل ذلك كما فعلته قبل أو متى شئت ولا حرج عليك؛ لأن السؤال إنما كان عما انقضى وتم. قال القاضى: وَأَجمع العلماء أن سنة الحاج أن يرمى جمرة العقبة يوم النحر ثم يحلق بمنى، ثم يطوف طواف الإفاضة (¬1). ثم اختلفوا فيمن قدم شيئاً من ذلك على ما قبله، فمذهب مالك ما تقدم فى الثلاثة - النحر والحلق والرمى - من التفريق. واختلف قوله إذا قدم الإفاضة على الرّمى، فقيل: يجزيه وعليه الهدى، وقيل: لا يجزيه، وهو كمن لم يفض، وقال: يعيدها بعد الرمى والنحر، وكذلك قال: إذا رمى ثم أفاض قبل الحلاق، فقال مرة يجزيه، وقال: يعيد الإفاضة (¬2) بعد الحلاق، وقال فى الموطأ: أحبّ إلى أن يهريق دماً وإن قدّمها على الذبح (¬3)، وقال الشافعى وفقهاء أصحاب الحديث فى جماعة من السلف: لا شىء عليه فى الجميع، قدم منها ما قدم، وأخر ما أخر؛ لظاهر الحديث. وقال أبو حنيفة: على من حلق قبل أن يرمى أو ينحر دم، وخالفه صاحباه، (¬4)، وقال: وإن كان قارناً فحلق قبل النحر فدمان، وقال زفر: عليه ثلاثة (¬5)، وروى عن ابن عباس فيمن قدم شيئًا من النسك أو أخره: عليه دم، وليس بالثابت عنه (¬6). ونحوه عن ابن جبير وقتادة والحسن والنخعى، ولم يختلفوا فيمن يحل قبل الرمى: أنه لا شىء عليه. وفى قوله: لم أشعر فقال: " لاحرج " -، وهذا بيّن فى رفع الإثم والفدية معاً كما قال عطاء: هو عام فيهما وهذا بيّن فى رفع الحرج عن السّاهى ولم يفرق العلماء بين العامد والسّاهى فى ذلك، لكن رفع الحرج فى الإثم بالكلية عن السّاهى بيّن، وعنهما جميعاً فى الفدية (¬7)، ويبقى حكم المتعمد المتهاون فى الإثم، والأصل أن تارك سنة غير مؤثم إلا أن يتركها متهاوناً، فهاهنا يؤثم بالتهاون لا من نفس تركها وكذلك يختلف عندنا فى فساد العمل بترك السنة متهاوناً. ¬

_ (¬1) الاستذكار 3/ 321. (¬2) ودليله: ما جاء فى موطئه عنه عن نافع، عن عبد الله بن عمر؛ أنه لقى رجل من أهله يقال له: المجبر، قد أفاض ولم يحلق ولم يقصر، جهل ذلك فأمره عبد الله أن يرجع فيحلق أو يقصر، ثم يرجع إلى البيت فيفيض. الموطأ 1/ 397. (¬3) انظر: الموطأ، ك الحج، ب التقصير. ثم قال مالك: وذلك أن عبد الله بن عباس قال: من نسى من نسكه شيئاً فليهرق دماً. الموطأ 1/ 397. (¬4) انظر: البدائع 3/ 1130. (¬5) انظر: الاستذكار 13/ 324. (¬6) قال ابن عبد البر: وليست الرواية عنه بالقوية، ولم يفرق بين ساهٍ ولا عامد؛ انظر: الاستذكار، السابق. (¬7) قال ابن عبد البر: ولا أعلم لأهل العلم جواباً فى المتعمد فى ذلك ولو كان مخالفاً للجاهل والساهى لفرقوا بينه فى أجوبتهم فى كتبهم. انظر: الاستذكار، السابق.

329 - (...) وحدّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسِبُ، يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّ كَذَا وَكَذَا، قَبْلَ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا، لِهَؤُلاءِ الثَّلاثِ. قَالَ: " افْعَلْ وَلا حَرَجَ ". 330 - (...) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا رِوَايَةُ ابْن بَكْرٍ فَكَرِوَايَةِ عِيسَى، إِلا قَوْلَهُ: لِهَؤُلاءِ الثَّلاثِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ. وَأَمَّا يَحْيَى الأُمَوِىُّ فَفِى رِوَايَتِهِ. حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَن أَرْمِىَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ. 331 - (...) وحدّثثاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذَبَحَ. قَالَ: " فَاذْبَحْ وَلا حَرَجَ " قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ. قَالَ: " ارْمِ وَلا حَرَجَ ". 332 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَن عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَةٍ بِمِنًى، فَجَاءَهُ رَجُلٌ. بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. 333 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ. فَقَالَ: " ارْمِ وَلا حَرَجَ "، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إِنِّى ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ. قَالَ: " ارْمِ وَلا حَرَجَ "، وَأَتَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بينا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل " الحديث، وفى الرواية الأخرى: [" ووقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، قال رجل " وفى

آخرُ فَقَالَ: إِنِّى أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ. قَالَ: " ارْمِ وَلا حَرَجَ ". قَالَ: فَمَا رَأَيْتُهُ سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ إِلا قَالَ: " افْعَلُوا وَلا حَرَجَ ". 334 - (1307) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: فِى الذَّبْحِ، وَالْحَلْقِ، وَالرَّمْىِ، وَالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِير، فَقَالَ: " لا حَرَجَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواية الأخرى] (¬1): " ووقف على راحلته وطفق ناس يسئلونه "، وفى الرواية الأخرى: " وهو واقف عند الجمرة ": ذهب بعضهم إلى الجمع بين هذه الروايات وأنه موقف واحد. قال الداودى: ومعنى " خطب " هنا: أى وقف للناس يعلمهم، لا أنها من خطب الحج، وحكاه عن مالك. وقد يحتمل أن ذلك فى موطنين؛ أحدهما: على راحلته عند الجمرة، ولم يقل فى هذا: خطب، وإنما فيه: أنه سئل، وأنه وقف للناس يسألونه، والموطن الثانى: قيل: ذلك يوم النحر بعد صلاة الظهر، وذلك وقت الخطبة الثالثه من خطب الحج وهو أول أيام الرمى، يعلم فيها الإمام ما بقى للناس من مناسكهم، والله أعلم. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

(58) باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر

(58) باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر 335 - (1308) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى. قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّى الظُّهْرَ بِمِنًى. وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ. 336 - (1309) حدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ، قُلْتُ: أَخْبَرْنِى عَنْ شَىْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ. ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ مَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أفاض يوم النحرَ ": هى سنة الإفاضة ووقتها. وأجمع العلماء أنها لطواف الواجب من أطوفة الحج، ولم يختلفوا أن من أخره عن يوم النحر وأتى به أيام التشريق أنه يجزيه ولا شىء عليه، واختلفوا فيمن أبعده في أيام التشريق، فقال مالك: إن تطاول ذلك فعليه دم، وهو قول أبى حنيفة وقال مرة: لا شىء عليه، وهذا قول الكافة، فإن تركه حتى رجع إلى بلده فكافتهم على أنه يرجع فيطوف ولا يجزيه إلا ذلك، وروى عن عطاء والحسن: يحج من العام المقبل. قال عطاء: ويعتمر.

(59) باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، والصلاة به

(59) باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، والصلاة به 337 - (1310) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا عبدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابِن عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الأَبْطَحَ. 338 - (...) حَدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا صَخْرُ ابْنُ جُوَيْرِيَة، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحَصِيبَ سُنَّةً، وَكَانَ يُصَلِّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ. قَالَ نَافِعٌ: قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم نزول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمحصّب، واختلاف الصحابة هل هو من نسك الحاج أو لا؟ وقوله: " كان ابن عمر يَرى التحصيب (¬1) "، قال الإمام: سنة التحصيب (¬2) النوم بالشعب الذى يخرجه إلى الأبطح ساعة من الليل. قال القاضى: مذهب مالك الاقتداء بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، وأن يخرج إلى مكة آخر أيامها فيصلى الظهر بها، وينزل بأبطح مكة حيث المقيرة فيصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويدخُل مكة أول الليل لاسيما للآية، وهو واسع لغيرهم. والمحصّب: هو الأبطح، وهو البطحاء، وهو خيف بنى كنانة. والخيف: ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل. وقوله: " حالفت على بنى هاشم وبنى المطلب ": هذا هو الصحيح وفى بعض الروايات: " عبد المطلب " وهو خطأ، و " حالفت " بالحاء المهملة هنا: أى عاقدت حلفاءها وتقاسموا، واشتقاقه من الحلف باليمين، يعنى فى شأن الصحيفة التى تمالؤوا فيها على مقاطعة بنى هاشم بن عبد مناف وإخوتهم بنى المطلب بن عبد مناف. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ننزل غداً إن شاء الله بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر ": يريد به هذا، ونزوله فيه شكراً لله بما عوضه من الظهور فيه على عداه، الذين تقاسموا فيه على قطيعته ومضرته، وغيظ - أيضاً لعدوّه بذلك. وهو مستحب عند جميع العلماء، وهو عند الحجازيين أوكد منه عند الكوفيين، وكلهم مجمعون على أنه ليس من المناسك التى تلزم وإنما فيه اقتداء بأفعال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتبرك بمنازله. وقوله: " أسمح لخروجه ": أى أسهل وأقرب، يريد لخروجه إلى المدينة، ¬

_ (¬1) و (¬2) فى ع: التحصب.

339 - (1311) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نُزُولُ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ. إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 340 - (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الأَبْطَحَ. قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ. وَقَالَتْ إِنَّمَا نَزَلَهُ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّهُ كَانَ مَنْزِلاً أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ. 341 - (1312) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ - وَاللَّفْظ لأَبِى بَكْرٍ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَىْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 342 - (1313) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ يَسَارٍ. قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَمْ يَأمُرِنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ الأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِن مِنى، وَلَكِنِّى جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبَّتَهُ، فَجَاءَ فَنَزَلَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ، فِى رِوَايَةِ صَالِحٍ: قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ. وَفى روَايَةِ قُتَيْبَةَ قَالَ: عَنْ أَبِى رَافِعٍ، وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 343 - (1314) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وليجتمع إليه من معه مدة مقامه فيه بقية يومه ليرحلوا برحيله، وأكثر الأحاديث فى نزول النبى - عليه السلام - بالمحَصّب تنبئ أنه فى حجته. وقوله: " على ثقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": الثقل بفتح الثاء والقاف، متاع القوم

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " نَنْزلُ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ بِخَيْفِ بَنِى كنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ ". 344 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِى الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى: " نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِى كنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ ". وَذَلِكَ إِنَّ قُرَيْشًا وَبَنِى كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِى هَاشِمٍ وَبَنِى الْمُطَّلِبِ أَلا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلا يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَعْنِى بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ. 345 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْزُلَنَا - إِنْ شَاءَ اللهُ إِذَا فَتَحَ اللهُ - الْخَيْفُ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وما يحملونه على دوابهم، ومنه قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُم} (¬1) وفى هذا الحديث قال أبو بكر: فى روايته صالح قال: سمعت سليمان بن يسار، كذا لهم. وفى كتاب ابن أبى جعفر: فى رواية صالح، والأول الصواب لأن الحديث من طريق أبى بكر بن أبى شيبة وقتيبة وزهير جميعاً عن سفيان عن صالح عن سليمان، وقال أبو بكر عنه: قال: سمعت سليمان، فبين السماع وخرج عن باب العنعنة المختلف فيها. وقوله فى الحديث الآخر: " منزلنا - إن شاء الله غداً إذا فتح الله - الخيف ": يدل أنه سنة الفتح، فكان على هذا منزله فى السنتين، وكذلك جاء مفسّراً فى حديث أم هانئ، وقد ذكرناه فى الصلاة (¬2). ¬

_ (¬1) النحل: 7. (¬2) راجع: ك صلاة المسافرين وقصرها، ب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمانٍ، حديث رقم (80).

(60) باب وجوب المبيت بمنى ليالى أيام التشريق، والترخيص فى تركه لأهل السقاية

(60) باب وجوب المبيت بمنى ليالى أيام التشريق، والترخيص فى تركه لأهل السقاية 346 - (1315) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِىَ مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، كِلاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قَال الإمام: خرّج مسلم فى باب المبيت بمنى: حدثنا (¬1) أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا ابن نمير وأبو أسامة، قالا: ثنا عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر؛ " أن العباس استأذن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيت بمكة ليالى منى من أجل سقايته، فأذن له ". هكذا إسناده عند ابن ماهان، وكذا رواه الكسائى عن ابن سفيان، وكذا أخرجه ابن أبى شيبة فى مسنده (¬2) ووقع عند أحمد الجلودى: ثنا ابن أبى شيبة، ثنا زهير وأبو أسامة جعل زهيراً بدل ابن نمير وهو وَهْم. قَالَ القاضى: المبيت بمنى أيامها من سنن الحج، إلّا لذوى السقاية كالعباس، أو للرعاة ومن تعجل بالنصر. وعند مالك: على تارك ذلك الدم فى ليلة أو فى جميعها، ووافقه الشافعى فى ترك الجميع، ورأى فى تركه فى ليلة صدقةً درهماً، وفى ليلتين درهمين، وقال مرة: يطعم مسكيناً، ونحوه لأحمد، وقال أصحاب الرأى: لا شىء على تارك ذلك وقد أساء، وروى عن ابن عباس والحسن مثله، قال مالك: وأما تارك المبيت بها ليلة عرفة فلا شىء عليه (¬3). وفيه أن هذه السقاية ولاية لبنى العباس ومن حقوقهم، ومما أقر الإسلام من سيرة الجاهلية. ثم شرب النبى - عليه السّلام - من نبيذهم؛ فيه جواز سقيهم هناك النبيذ وغيره. ¬

_ (¬1) فى نسخة الإكمال: حدثا. (¬2) مخطوطة، وليست بأيدينا. (¬3) انظر: الحاوى 4/ 205.

347 - (1316) وحدّثنى مُحَمَّدُ بنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِىِّ. قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَأَتَاهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: مَالِى أَرَى بَنِى عَمِّكُمْ يَسْقُونَ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ؟ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَمْدُ للهِ، مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلا بُخْلٍ. قَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ، فاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ، وَقَالَ: " أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا " فَلا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه حجة لمن قال: إن صدقة آل النبى الذين لا تحل لهم الصدّقة حلالٌ بعضهم لبعض، وقد يحتج من يمنع هذا بجواز أكلهم صدقة التطوع - (¬1)، وإنما يحرم عليهم صدقة الفرض. وقد يقال: إن هذا ليس من الصدقة، وإنما خرج مخرج البرّ والضيافة والمعروف وهو الظاهر. وفيه أن ما وضع من الماء فى المساجد والطرق فشربه الأغنياء جائز؛ لأنه إنما وضع للكافة ولم يخص به الفقراء. قال مالك: ولم يزل ذلك من أمر الناس، وفيه النهى عن التقزز لشرب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنبيذهم، وقد قالوا له: إنهم يجعلون فيه أيديهم، ولم يجبهم إلى ما ذهبوا إليه من تخصيصه بشراب غيره كما جاء فى الحديث. وفيه فضل السّقى، لاسيما للحاج وأبناء السبيل، وأمره - عليه السلام - بالصدقة بلحوم بدنة وجلالها وجلودها، وألا يعطى الجزار منها شيئاً. سميت البدنة بدنة؛ لعظم جسمها، ومنه بدُن الرجل: كثر لحمه. واختلف العلماء فى بيع جلود الهدايا واستئجار جازرها بشىء منها، فذهب مالك: أن ذلك كله لا يجوز، وهو قول أبى حنيفة وابن حنبل فى إعطاء الجازر منها، وأجاز ذلك الحسن، وقال إسحاق وأحمد: لا بأس ببيع الجلد والصدقة بثمنه، وأجاز عطاء بيعه من هدى التطوع والانتفاع بثمنه إن كان تطوّعاً، ورخص أبو ثور فى بيعه، وأباح النخعىُ والحكمُ شراءَ مثل المنخل (¬2). ¬

_ (¬1) سبق فى ك الزكاة، ب الصدقة لا تحل لبنى هاشم، برقم (169). (¬2) انظر: الحاوى 4/ 187، 188، الاستذكار 12/ 281.

(61) باب فى الصدقة بلحوم الهدى وجلودها وجلالها

(61) باب فى الصدقة بلحوم الهدى وجلودها وجلالها 348 - (1317) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ عَلِىٍّ. قَالَ: أَمَرَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِها وَأَجِلَّتِهَا، وَأَلا أُعْطِىَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: " نَحْنُ نُعْطَيهِ مِنْ عِنْدِنَا ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ عَلِىٍّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمَا أَجْرُ الْجَازِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وجلالها ": فيه دليل أن النبى - عليه السلام - جلل بدنه. والتجليل عند العلماء يختص بالإبل دون البقر وغيرها، وتجليل البدن بما مضى به عمل السلف، ورآه أئمة العلماء مالك والشافعى وأبو ثور وإسحاق، وذلك بعد إشعارها لئلا تلتطخ بالدم، وهى [على] (¬1) قدر سعة حال المُهدى ولأنها تطوّع غيره دم ولا يحدد، وقال ابن حبيب: منهم من كان يحلل الوشى، ومنهم من يحلل الحبر والقباطى والملاحف والأزر، قال مالك: وتشق على الأسنمة إن كانت قليلة الثمن لئلا تسقط، وما علمت من ترك ذلك إلا ابن عمر استبقاء للثياب؛ لأنه كان يحلل الجلال المرتفعة من الأنماط والبُرُد والحبرة، وكان لا يحلل حتى يغدوا من منى، وروى عنه أنه كان يحلل من ذى الحليفة، وكان يعقد أطراف الجلال على أذنابها، فماذا مشى ليلة نزعها، فإذا كان يوم عرفة جللها، فإذا كان عند المنحر نزعها لئلا يصيبها الدم. قال مالك: أما الجلال فتنزع ليلاً [لئلا] (¬2) يخرقها الشوك، قال: وأحب إلىّ إن كانت الجلال مرتفعة أن يترك شقها، ولا يجللها حتى يغدو إلى عرفة ولو كانت بالثمن اليسير فمن حين يحرم يشق ويجلّل، وهذا فى الإبل [دون] (¬3) البقر والغنم. قال القاضى: وفى شقها على الأسنمة فائدة أخرى ليظهر الإشعار ولا يستتر من تحتها، وجاء فى هذا الحديث الصدقة بها وحكمها حكم الهدى. وقد كان ابن عمر يكسوها ¬

_ (¬1): (¬3) ساقطة من الأصل واستدركت بالهامش بسهم.

349 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ - أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى الحسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ؛ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا - لُحُومَهَا وَجُلُودهَا وَجِلالَهَا - فِى الْمَسَاكِينِ، وَلا يُعْطِىَ فِى جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِىُّ؛ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَلَىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الكعبة، ثم تصدق بها بعد ذلك لما كسيت الكعبة. وفى أمره - عليه السلام - لعلى بالقيام على بدنة وتولى أمرها، جواز الاستنابة فى قسمتها وفى الصدقة بها، وجائز أن يتولى ذلك بنفسه ويتركها للناس، كما قال فى الحديث الآخر: " وخلّ بين الناس وبينها " (¬1) قال بعضهم: وفيه جواز الاستنابة فى نحرها. قال القاضى: ليس فى هذا الحديث دليل؛ إذ قد جاء مفسّراً: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نحر بدنة بيده وولى الباقى علياً، وظاهره أن علياً إنما تولّى ما جعله النبى - عليه [السلام] (¬2) - له وسوّغه أن يهديه، وقد تقدم فى حديث جابر الكلام على هذا. ¬

_ (¬1) لا يوجد بهذا اللفظ، ولكن وجد بلفظ: " خل بينها وبين الناس ". الكنز (35399). (¬2) ساقطة من الأصل واستدركت فى الهامش بسهم.

(62) باب الاشتراك فى الهدى، وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة

(62) باب الاشتراك فى الهدى، وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة 350 - (1318) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدثَّنَا مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نحرنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " وفى الآخر: " خرجنا مهلّين بالحج، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشترك فى الإبل والبقر كل سبعة منا فى بدنة "، قال الإمام: يحتج بهذا الحديث من أجاز الاشتراك فى الهدى، ومالك (¬1) يمنعه فى الهدى الواجب، وعندنا فى هدى التطوع قولان، والشافعى (¬2) يجيزه فى الواجب، وإن كان بعضهم يريد اللحم وبعضهم يريد الفدية، وأبو حنيفة يجيزه إذا أراد جميعهم الفدية، ومنعه إذا أراد أحدهم اللحم وأصحابنا يحملون قوله: " فأمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشترك فى الإبل والبقر " على أنه هدى تطوع به ولم يكن هدياً واجباً، ومن منع من أصحابنا الاشتراك فى هدى التطوع بجملة على أن الثمن من عند رجل واحد، وإنما قصد أن يشركهم فى أجره. واحتج أصحابنا أن الواجب على مقتضى ظاهر القرآن هدى كامل لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي} (¬3) والجماعة إذا اشتركوا لم يتقرب كل واحد منهم إلا ببعض هدى، ولأن المعيب من الهدايا لا تجزئ لنقصه، مع كون مُهديه أراق دماً كاملاً، فمريق بعض الدم أحرى ألا يجزيه، وأما ما ذكره فى نحرهم فى الحديبية فيُحمل على أنه هدى تطوع، لأن المحصر بعدو إذا حلّ هل عليه هدى أم لا؟ ففيه قولان، والمشهور أن لا هدى عليه (¬4). وقد احتج من أوجب الهدى بقول الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي}، وحمله على حصر العدد، واستدل بقوله بعد ذلكَ: {فَإِذَا أَمِنتُم}، وبقوله: {فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا}، وظاهره أن المذكور الأول ليس بمرض (¬5). ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: ذكر ابن وهب عن مالك فى موطئه قال: إنما العمرة التى يتطوع الناس بها، فإن ذلك يجوز فيها الاشتراك، وأما كل هدى واجب فى عمرة وما أشبهها فإنه لا يجوز الاشتراك فيه. انظر: الاستذكار 13/ 319، 320. (¬2) انظر: الاستذكار 13/ 319، التمهيد 2/ 139. (¬3) البقرة: 196. (¬4) انظر: الحاوى 4/ 345. (¬5) فى المعلم: بمريض.

351 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِى الإِبلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِى بَدَنَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف الناس الموجبون للهدى على المحصر بظاهر هذه الآية هل ينحره بمكانه لأنهم نحروا بالحديبية الهدايا، أم لا ينحر إلا بمكة، لقوله تعالى هذه الآية: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (¬1). واختلفوا - أيضاً - إذا صده العدو عن حج تطوع فحل، هل عليه القضاء أم لا؟ فعندنا: لا قضاء عليه، وعند أبى حنيفة (¬2): عليه القضاء، ولو صده عن حج الفريضة فلا يسقط عنه حجة الفريضة لأجل الصد، وعليه إذا حل أن يأتى بها، وقال ابن الماجشون من أصحاب مالك (¬3): إذا صد بعد أن أحرم لحجة الفريضة وحل سقط عنه الفرض، وحكى الداودى فى كتاب النصيحة عن أبى بكر النعالى: الفرض يسقط عنه إذا أراد الحج وصدّه العدو وإن لم يحرم، وأظن أنه حكاه عن رجل آخر من أصحابنا، وكان بعض أصحابنا يستبشع هذا القول. قال القاضى: الذى قرأته فى كتاب النصيحة لأبى جعفر الداودى - رحمه الله - ما هذا نصه: أن من صُد - يعنى بعد إحرامه - لم يسقط عنه حج الفريضة، وزاد ابن القرظى: أنه إذا صد أجزأه من حج الفريضة وإن لم يكن أحرم، وهذا تعبد فى النظر. انقضى قوله. ولم أره نسب القول إلى النعالى ولا إلى غيره سوى ابن شعبان، والنعالى هو أبو بكر تلميذ ابن شعبان، وفقيه مصر فى وقته. قال الإمام: وأما إن صده المرض ومنعه من الوصول إلى البيت، فإنه لا يحل عندنا إلا بوصوله إلى البيت. فإذا وصل إليه وقد فاته الحج حلّ بعمرة، وكان عليه القضاء، وقال أبو حنيفة: المرض يبيح له التحلل كالعدو (¬4)، ولقوله - عليه السلام -: " من كسر أو عرج فقد حل " (¬5)، وحكى عن الفراء أنه يقال: أحصره المرض والعدو، [ولا يقال: حصِره إلا فى العدو خاصة، وحكى صاحب الأفعال: أحصره المرض والعدو] (¬6) معناه (¬7) من السير، وحصرت القوم: ضيقت عليهم، وحصرت الرجل وأحصرته: حبسته. ¬

_ (¬1) الحج: 33. (¬2) انظر: الاستذكار 13/ 103. (¬3) انظر: الاستذكار 13/ 103، المغنى 5/ 196 - 198. (¬4) انظر: بدائع الصنائع 3/ 1206 وما بعدها. (¬5) أحمد 3/ 450، أبو داود، ك الحج، ب الإحصار 1/ 431، الترمذى، ك الحج، ب ما جاء فى الذى يهل بالحج فيكسر أو يعرج 3/ 268 وقال: " حديث حسن صحيح "، ابن ماجه، ك المناسك، ب المحصر (3077). (¬6) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬7) فى المعلم: ومعناه.

352 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. 353 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كُلُّ سَبْعَةٍ فِى بَدَنَةٍ. فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِر: أَيُشْتَرَكُ فِى الْبَدَنَةِ مَا يُشْتَرَكُ فِى الْجَزُورِ؟ قَالَ: مَا هِىَ إِلا مِنَ الْبُدْنِ. وَحَضَرَ جَابِرٌ الْحُدَيْبِيَةَ. قَالَ: نَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةٍ. اشْتَرَكْنَا كُلُّ سَبْعَةٍ فِى بَدَنَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن بكير: الإحصار إحصار المرض، والحصر حصر العدو، قال: وروى عن ابن عباس أنه قال: " لا حَصْرَ إلا حصرُ العدو " (¬1) فاعلم أن الحصر يكون بالعدو، فإن حملت الآية على المرض فلا بد من إضمار " فحللتم "؛ إذ لا يلزم الهدى بنفس المرض، وإذا افتقرت الآية إلى إضمار فليس لأبى حنيفة أن يضمر " فحللتم " إلا ولنا أن نضمر " ففاتكم الحج فحللتم بعمرة "، وهكذا قوله - عليه السلام -: " من كسر أو عرج [فقد حل] (¬2) " (¬3) يحمله عندنا على أنه يحل بوصوله إلى البيت واعتماره، إذ ظاهره أن يحل بنفس الكسر والعرج، وهذا لا يصح، ولابد من حمله على تأويل يصح. وللشافعيه القائلين بأن الاشتراط فى الحج يصح - على ما تقدم بيانه - أن يحملوا الحديث على أنه اشترط الإحلال بالكسر والعرج. قال القاضى: أما حديث الحديبية فلا حجة فيه للمخالف بتةً، ممن يجيز الاشتراك فى الواجب، وهم كافة العلماء إلا مالكاً؛ لأنهم لم يجب عليهم شىء. قال مالك: وإنما اشتركوا يوم الحديبية لأنه كان تطوعاً (¬4) وإن قال قائل: فلعل هذا الدم هو الواجب على المحصر فى أحد القولين فالجواب أن منهم من لا يرى عليه دماً، والشافعى وأبو حنيفة اللذان يريانه، وهم معهم لا يوجبون الاشتراك فى الواجب إلا في دم المتعة، وأيضاً فإن هذا بالحديبية، وقد كانت - على ما جاء فى الأخبار - معهم قبل الحصر مشعرة مقلدة (¬5) وتلك لا تجزئ عن هدى يجب بعد، ولم يرو أنهم استأنفوا هدايا فيقال: إنها للحصر، وهذه الحجة لأحد القولين والصحيح منها والمشهور. ولعل هذه الهدايا - كما تأولها بعضهم - ¬

_ (¬1) تلخيص الحبير، باب الإحصار والفوات 2/ 309. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬3) سبق تخريجه فى الصفحة السابقة هامش (5). (¬4) انظر: الاستذكار 13/ 319، 320. (¬5) انظر: الاستذكار 13/ 320.

354 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَمَرَنَا إِذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِىَ، وَيَجْتَمِعَ النَّفَرُ مِنَّا فِى الْهَدَيَّةِ. وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ حَجِّهِمْ، فِى هَذَا الْحَدِيثِ. 355 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمُ عَن عَبْدِ الْمَلِك، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا نَتَمتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ، فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَن سَبْعَةٍ، نَشْتَرِكُ فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما دفعها لهم النبى - عليه السلام - وشركهم فيها كما ضحى عن أمته، ولا يجوز عند من رأى الاشتراك إلا فى الإبل والبقر ولا يجوز عندهم الزيادة على سبعة وتجوز لأقل من سبعة، وأما الشاة فلا تجزئ الاشتراك فيها عند الجميع (¬1). وقوله: " أيشترك فى البدنة ما يشترك فى الجزور، قال: ما هى إلا من البدن ": الجزور لا يكون إلا من الإبل، والجزور من الغنم، والبدنة الناقة التى تهدى إلى مكة، قيل سميت بذلك لعظم بدنها وسمنها. يقال: بدُن الرجل والمرأة بضم الدال: إذا كثرت لحومها. والهدى والهدية ما يهدى إلى مكة من البدن والهدى ما ابتدئ هديه عند الإحرام، والجزور ما اشترى بعد ذلك لينحر فكأنه ظهر للسائل أن شأن هذا أخف فى الاشتراك مما أهدى من البُدن، فقال له: إن الجزور لما اشتريت للنسك كان حكمها كالبدن. وقوله: " فأمرنا حين أحللنا أن نهدى ويجتمع النفر منا فى الهدى، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم ": حجة لوجوب الهدى على التمتع، كما قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الْهَدْي} (¬2)؛ لأن هؤلاء صاروا بإهلالهم فى أشهر الحج وانتظارهم الحج متمتعين، وقد تقدم الكلام عليها أول الباب. يحتج به من يجيز الاشتراك فى الهدى الواجب، ومن يجيز تقليد هدى التمتع عند التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج، وهى إحدى الروايتين عندنا، وللآجرى: لا تجزئ إلا بعد الإحرام؛ لأنه حينئذ صار متمتعاً ووجب عليه الدم، والقول الأول على أصل تقديم الكفارة قبل الحنث، أو تقديم الزكاة قبل الحول على من يقول بها، وقد تفرق بين هذه الأصول؛ إذ ظاهر الحديث يدل على ما قلناه؛ لقوله: " إذا أحللنا أن نهدى " ولأنه المفهوم أنه لأجل التمتع؛ لقوله فى الرواية الأخرى: " كنا نتمتع بالعمرة فنذبح البقرة عن سبعة ". ¬

_ (¬1) التمهيد 12/ 140. (¬2) البقرة: 196.

356 - (1319) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ بَقَرَةً يَوْمَ النَّحْرِ. 357 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِّهِ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ: عَنْ عَائِشَةَ، بَقَرَةً فِى حَجَّتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ذبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عائشة بقرة يوم النحر ": يؤيد أحد التأويلات المتقدمة قبل فى قوله [فى بعض الروايات: " ذبح عن نسائه بقرة " (¬1): أى عن كل واحدة والله أعلم وفى قوله] (¬2): " نحر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نسائه "، وفى الأخرى: " ذبح " حُجة فى أن البقر ينحر ويذبح أيضاً، وأن الوجهين فيهما جائزان. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك المناسك، ب فى هدى البقر 1/ 406، ابن ماجه، ك الأضاحى، ب عن كم تجزئ البدنة والبقرة برقم (3133). (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

(63) باب نحر البدن قياما مقيدة

(63) باب نحر البدن قياماً مقيدة 358 - (1320) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهى ابن عمر عن نحر البُدن باركةً، وقال: " ابعثها قياماً مقيدة تلك سنة نبيكم " هو قول كافة العلماء (¬1) وبه فسر قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} (¬2) إلا أبا حنيفة والثورى (¬3) فأجازا نحرها باركة وقياماً، وشذ عطاء فخالف واستحب نحرها باركة معقولة. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 12/ 258. (¬2) الحج: 36. (¬3) انظر: المغنى 5/ 298.

(64) باب استحباب بعث الهدى إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه، واستحباب تقليده وفتل القلائد، وأن باعثه لا يصير محرما، ولا يحرم عليه شىء بذلك

(64) باب استحباب بعث الهدى إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه، واستحباب تقليده وفتل القلائد، وأن باعثه لا يصير محرماً، ولا يحرم عليه شىء بذلك 359 - (1321) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهْدِى مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْيهِ، ثُمَّ لا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 360 - (...) وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَقُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَىَّ، أَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْىِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. 361 - (...) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْىِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَىَّ هَاتَيْنِ، ثُمَّ لَا يَعْتَزِلُ شَيْئًا وَلَا يَتْرُكُهُ. (362) - (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَن عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَىَّ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيهِ شَىْءٌ كَانَ لَهُ حِلاّ. 363 - (...) وحدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ. قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ وَأَبِى قِلابَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ بِالْهَدْىِ، أَفْتِلُ قَلائِدَهَا بِيَدَىَّ، ثُمَّ لَا يُمْسِكُ عَنْ شَىْءٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لا يُمْسِكُ عَنْهُ الْحَلالُ. 364 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدثَّنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤمِنِينَ، قَالَتْ: أَنَا فَتَلْتُ تِلْكَ الْقَلائِدَ مِنَ عِهْن كَانَ عِنْدَنَا، فَأَصْبَحَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلالاً، يَأْتِى الْحَلالُ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ يَأْتِى مَا يَأْتِى الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ. 365 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَقدْ رَأَيْتُنِى أَفْتِلُ الْقَلائِدَ لِهَدْى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَنَمِ، فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلالاً. 366 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رُبَّمَا فَتَلْتُ الْقَلائِدَ لِهَدْىِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُقَلِّدُ هَدْيَهُ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ، لا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحرِمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " لقد رأيتنى أفتل القلادة لهدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغنم " الحديث، قال الإمام: فيه دلالة على تقليد الغنم، وهو مذهب [ابن] (¬1) حبيب من أصحابنا والشافعى، والمشهور عندنا أنها لا تقلد. وفيه دلالة على [رد] (¬2) قول مَنْ يقول: إن من قلد هدياً وبعث به حرم عليه ما يحرم على الحاج وإن لم يحرم. قال القاضى: المعروف أن النبى - عليه السلام - إنما أهدى البدن، لكن هديه الغنم إنما كان مرة كما قالت فى حديث الأسود عنها ولم يأت ذكر الغنم إلا فى رواية الأسود عنها، وقد جاء فى بعض الروايات عنه ذكر الهدى ولم يذكر الغنم، وأكثر الروايات: " بُدْنَة "، وفى بعضها: " وأشعرها وقلدها " وفى بعضها: " فلم يحرم عليه شىء حتى نحر الهدى ": وإنما نُشعر وننحر البدن، وقد تأول بعضهم قول الأسود عنها: " أفتل قلائد هدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغنم ": أى من صوف الغنم، كما قالت فى الرواية الأخرى: " من عهن " لكن قوله فى بعض [روايات] (¬3) حديث الأسود: " كنا نقلد الشاة " يدفع هذا التأويل إن صحت هذه اللفظة، لكن للاختلاف فى إثباتها عن الأسود مع انفراده بها ومخالفته سائر الرواة عن عائشة يضعفها، وقد قدمنا الكلام فى الإشعار والتقليد فى قولها: " ثم أشعرها وقلدها، وبعث بها إلى البيت وأقام ": دليل على ما قدمناه؛ أن من ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) فى هامش ع المخطوطة. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

367 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَمًا، فَقَلَّدَهَا. 368 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنَّا نُقَلِّدُ الشَّاءَ فَنُرْسِلُ بِهَا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلالٌ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مِنْهُ شَىْءٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعث بهديه ولم يخرج بنفسه حاجاً ولا معتمراً، أنه يفعل ذلك فى موضعه، بخلاف من خرج فيفعله من ميقاته، وأنه لا يكون حراماً بتقليده وإشعاره حتى [ينوى] (¬1) الحج، وهو قول كافة العلماء والسلف وفقهاء الأمصار، وإنما فيه خلاف عن ابن عباس وابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير، وحكاه الخطابى عن أصحاب الرأى، وأنه إذا أشعر أو قلد فقد لزمه الإحرام. واختلف هؤلاء: هل التحليل كالتقليد والإشعار أم لا؟ وقولها: " من عهن ": هو الصوف، [قال الله تعالى {كَالْعِهْنِ الْمَنفُوش} (¬2) قال [الخليل - رحمه الله] (¬3) هو الصوف] (¬4) المصبوغ ألواناً (¬5). وقيل: كل صوف عهن. قال الإمام: خرّج مسلم فى هذا الباب: ثنا إسحاق بن منصور، ثنا عبد الصمد ثنا أبى، حدثنى محمد بن جُحادة [عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كنا نقلد الشاة " الحديث، (¬6) كذا هذا الإسناد عند ابن ماهان والرازى والكسائى، ووقع فى بعض النسخ المروية عن الجلودى: حدثنا إسحاق، أنا (¬7) عبد الصمد، عن محمد بن جُحادة. فسقط من الإسناد ذكر والد عبد الصمد الراوى، عن محمد بن جُحَادة، وهو خطأ، واسم والد عبد الصمد: عبد الوارث بن سعيد العنبرى، تميمى مولاهم البصرى، يكنى أبا عبيدة (¬8). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) القارعة: 5. (¬3) فى معالم السنن للخطابى: قال " عطاء " بدلاً الخليل " 2/ 293، وقال ابن كثير: قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وعطاء الخراسانى والضحاك والسدى: العهن الصوف. تفسير ابن كثير 8/ 496. وقال القرطبى عن الحسن: هو الصوف الأحمر. وقال عن أهل اللغة: العهن: هو الصوف المصبوغ، ولا يقال للصوف: " عهن " إلا أن يكون مصبوغاً. انظر: الجامع لأحكام القرآن 18/ 284، 20/ 165. (¬4) فى هامش الأصل. (¬5) انظر: معالم السنن للخطابى 2/ 293. (¬6) من ع. (¬7) فى ع: نا، والمثبت من الإكمال. (¬8) روى عن أبيه وعكرمة بن عمار وسليمان بن المغيرة وغيرهم، وعنه ابنه عبد الوارث وأحمد وإسحاق وعلى ويحيى وابن منصور وغيرهم. قال الحاكم: ثقه مأمون، وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، ذكره ابن حبان فى الثقات. روى له الجماعة. مات سنة ست أو سبع ومائتين. انظر: تاريخ البخارى 6/ 1848، رجال مسلم الورقة (112)، تهذيب الكمال 18/ 99، التهذيب 6/ 327.

369 - (...) حَدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ؛ أَنَّ عَبْد اللهِ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، حَتَّى يُنْحَرَ الْهَدْىُ، وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيِى، فَاكْتُبِى إِلَىَّ بِأَمْرِكِ. قَالَتْ عَمْرَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْىِ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَىَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِى، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَىْءٌ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ، حَتَّى نُحِرَ الْهَدْىُ. 370 - (...) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - وَهِىَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ - تُصَفِّقُ وَتَقُولُ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْىِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَىَّ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا، وَمَا يُمْسِكُ عَنْ شَىْءٍ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ، حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، كِلاهُمَا عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، بِمِثْلِهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرّج مسلم فى هذا الباب - أيضاً - بإثر هذا الحديث: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبى بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته أن ابن زياد كتب إلى عائشة؛ أن ابن عباس قال: " من أهدى هدياً ... " الحديث، كذا رُوى فى كتاب مسلم من جميع الطرق، والمحفوظ فيه: " أن زياد بن أبى سفيان "، وكذا وقع فى جميع الموطآت: " أن زياداً كتب ". قال القاضى: وكذا خرجه البخارى (¬1) على الصواب. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحج، ب من قلد قلائد بيده 2/ 207.

(65) باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها

(65) باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها 371 - (1322) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: " ارْكَبْهَا ". قَالَ: يَا رسُولَ اللهِ، إِنَّهَا بَدَنَةٌ. فَقَالَ: " ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ " فِى الثَّانِيَةِ أَوْ فِى الثَّالِثَةِ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىُّ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - للذى رآه يسوق بدنة: " اركبها " قَالَ: إنها بدنة قال: " اركبها، ويلك " فى الثانية [أو الثالثة، وفى رواية: " ويلك، اركبها] (¬1) "، قال الإمام: يتعلق بإطلاقه [و] (*) من يجيز ركوب البدن من غير حاجة، ويتعلق - أيضاً - بقوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} (¬2)، ولا تركب عند مالك إلا للضرورة؛ لقوله بعد هذا من طريق جابر: " اركبها بالمعروف إذا أُلجئت إليها، حتى تجد ظهراً "، وهذا حديث مقيد يقضى على الحديث المطلق، مع أنه شىء خرج لله فلا يرجع فيه، ولو استبيحت المنافع من غير ضرورة لجاز استئجارها، ولا خلاف فى منع ذلك. قال القاضى: ذهب أحمد وإسحاق، وأهل الظاهر إلى جواز ذلك؛ أخذاً بظاهر الحديث، ولقوله: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شعَائِرِ اللَّه} (¬3)، وقد روى ابن نافع عن مالك: لا بأس أن يركب الرجل بدنته ركوباً غير قادح، وأوجب ركوبها بعضهم لمطلق الأمر به، وقد علل بعضهم جواز ذلك لمخالفة ما كانت عليه الجاهلية فى البحيرة والوصيلة والسائبة والحامى من الحرج من الانتفاع بها واحتجوا - أيضاً - بقوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الآية، والعلة التى فى الحديث تقضى عليهم لجمهور العلماء، لاسيما وقد ورد فى غير كتاب مسلم: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يسوق بدنة وقد جُهد، فقال: " اركبها " (¬4)، وفيه حجة لأحد قولى مالك أنه إذا احتاج إليها فركب واستراح نزل. قال إسماعيل القاضى: وهو الذى يدل عليه مذهب مالك، وهذا خلاف ما ذكره ابن القاسم أنه لا يلزمه النزول، وحجته إباحة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له الركوب، فجاز له استصحابه، وقال أبو حنيفة والشافعى: إن نقضها هذا الركوب المباح له فعليه قيمة ذلك ويتصدق به. ¬

_ (¬1) سقط من ع. (¬2) الحج: 33. (¬3) الحج: 36. (¬4) البخارى، ك الحج، ب ركوب البدن 2/ 205، وأبو داود، ك المناسك، ب فى ركوب البدن 1/ 408. (*) قال معد الكتاب للشاملة: الصواب حذف الواو، انظر المعلم للمازري (2/ 105)

372 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّد رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " وَيْلَكَ، ارْكَبْهَا ". فَقَالَ: بَدَنَةٌ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " وَيْلَكَ ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ ارْكَبْهَا ". 373 - (1323) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ، وَأَظُنُّنِى قَدْ سَمِعْتُهُ منْ أَنَسٍ. ح وَحَدثَّنَا يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةٌ، فَقَالَ: " ارْكبْهَا " فَقَال: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: " ارْكَبْهَا " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. 374 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مُرَّ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدَنَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ. فَقَالَ: " ارْكَبْهَا ". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ. فَقَالَ: " وَإِنْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: فى قوله: " ويلك، اركبها ": تأديب من راجع العالم فى فتواه بغليظ الكلام. قال القاضى: وعلى رواية تقديم " ويلك " لا يتفق هذا، وهو لفظ يستعمل لمن وقع فى هلكةٍ، وهذا يدل على ما جاء فى الحديث أنه رآه قد جهد، وقد يستعمل ولا يراد بها هذا، وهى من الكلمات التى تُدْعم بها العرب كلامها، كقولهم: لا أم له، ولا أب له، وتربت يداه، وشبهه، وقد قال - عليه السلام - لأبى بصير: "ويل أمه، مِسْعر حرب " (¬1)، فقد تقدم من هذا المعنى فى كتاب الطهارة، وقد قيل: إن " ويلك " هنا قد تكون إغراء بما أمره به من ركوبها إذ رآه قد تحرج منه. وذكر مسلم فى الباب حديث ابن أبى شيبة: ثنا وكيع عن مسعر ... الحديث. قال: حدثنا أبو كريب، ثنا ابن بشر، عن مسعر. كذا عن السمرقندى، وكذا فى كتاب ابن أبى جعفر عن الطبرى وغيره، ووقع فى كتاب العذرى: ثنا " أبو بكر " مكان " أبى كريب ". وقوله فى حديث عمرو الناقد: أنبأنا حميد، عن ثابت، عن أنس، قال: ¬

_ (¬1) البخارى، ك الشروط، ب الشروط فى الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 3/ 257، وأبو داود فى الجهاد، ب فى صلح العدو 2/ 78، وأحمد فى المسند 4/ 331.

(...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ بشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، حَدَّثَنِى بُكَيْرُ بْنُ الأَخْنَسِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: مُرَّ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدَنَةٍ. فَذَكَرَ مِثْلهُ. 375 - (1324) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِر بْنَ عَبْدِ اللهِ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْىِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئتَ إِلَيْهَا، حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا ". 376 - (...) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ رُكُوبِ الْهَدْىِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ، حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأظننى قد سمعته من أنس. قال هذا الظان: إنه سمعه من أنس، وهو حميد، حقق سماعه من ثابت عن أنس، وشك فى سماعه من أنس.

(66) باب ما يفعل بالهدى إذا عطب فى الطريق

(66) باب ما يفعل بالهدى إذا عطب فى الطريق 377 - (1325) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ الضُّبَعِىِّ، حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ الْهُذَلِىُّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ مُعْتَمِريْن. قَالَ: وَانْطَلَقَ سِنَانٌ مَعَهُ بِبَدَنَةٍ يَسُوقُهَا، فَأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ، فَعَيىَ بِشَأْنِهَا، إنْ هِى أُبْدِعَتْ كَيْفَ يَأْتِى بِهَا. فَقَالَ: لَئِنْ قَدِمْتُ الْبَلَدَ لأَسْتَحْفِيَنَّ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَأَضْحَيْتُ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْبَطْحَاءِ قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ نَتَحَدَّثْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فَأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ ": بفتح الهمزة، يعنى البدنة " فَعيَى بشأنها إن هى أبدعت " بضم الهمزة وكسر الدال، قَال الإمام: أبدِع بمعنى كل وحَسَرَ، وأبدع الرجل: كلت ركابه أو عطبت، قاله صاحب الأفعال. قال القاضى: كذا رويناه: " أزحفت " رباعى بفتح الهمزة، قال الخطابى: كذا يقوله المحدثون، وصوابه الأجود: " فأزحفت " بضم الألف، يقال: زحف البعير: إذا قام من الإعياء، وأزحفه السفر (¬1)، وقال أبو عبيد الهروى: أزحف البعير، وأزحفه السير. وقال الهروى فى تفسير قوله: " أبدع بى ": أى طَلَعَت ركابى، يقال للرجل - إذا كلت ركابه أو عطبت وبقى منقطعًا به -: أُبدع به. وقال أبو عبيد: قال بعض الأعراب: لا يكون الإبداع إلا بظلع (¬2). قال القاضى: ما فى هذا الحديث يدل أن المراد به هنا العطب والوقوف بالكلية، ألا تراه قال: " أزحفت عليه فَعَيىَ بشأنها إن هى أُبْدِعَت ": أى لما كلت خشى أن تعطب أو تقف به، فكلامه يدل أن الإبداع أشد من الإزحاف على من كسر همزة " إن " فى قوله: " إن هى أُبدعت "، وضبطه بعض شيوخنا بالفتح: أى من أجل عطبها، فعلى هذا يأتى ما تقدم للهروى وغيره. قال الإمام: وقوله: " لأَسْتَحْفِيَنَّ عن ذلك ": معناه: لأكبرن السؤال، يقال: أحفى فى السؤال وفى العناية: أى استبلغ [فيهما] (¬3). قال القاضى: وقوله: كيف أصنع بما أبدع على منها؟ قال: " انْحرْهَا، ثم اصْبُغْ ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن للخطابى، ولكن بلفظ: " وأرحفه السير " 2/ 395، وغريب الحديث له - أيضاً - وبهذه اللفظة 2/ 40. (¬2) غريب الحديث للهروى 1/ 9، 10. (¬3) من ع.

شَأْنَ بَدَنَتِهِ. فَقَال: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتّ عَشْرَةَ بَدنَةً مَعَ رَجُلٍ وَأَمَّرَهُ فِيهَا. قَالَ: فَمَضَى ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ عَلَىَّ مِنْهَا؟ قَالَ: " انْحَرْهَا، ثُمَّ اصْبَغْ نَعْلَيْهَا فِى دَمِهَا، ثُمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلا تَأكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ " (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِثَمَان عَشَرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَلَمْ يَذكُرْ أَوَّلَ الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نعليها فى دمها، ثم اجعله على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك ": صفحتها: أى جانبها. قال الإمام: أمره أن يصَبغ قلائدها ليُشعر من يراها أنها هدى فيستبيحها على الوجه الذى ينبغى، [وقيل: معناه: أى لا ينتفع منها بشىء ولا بقلائدها ليمسكها يقلد به غيرها. والتأويلان مرويان عن مالك - رحمه الله] (¬1). وقال بعض العلماء: إنما نهاه أن يأكل منها هو وأهل رفقته حماية للذريعة أن يتساهل (¬2) فى نحرها قبل أوانه. قَال القاضى: أخذ بظاهر هذا الحديث - من أنه لا يأكل مما عطب من الهدى التطوع صاحبه أو سائقه ولا رفقته - ابنُ عباس، وقال به ابن المنذر، وقال مالك وجمهور العلماء: يخلى بين الناس وبينها يأكلونها، ولا يأكل هو منها شيئاً، وروى عن عائشة إباحة الأكل له منها، فإن أكل ضمنه عند مالك وغيره، وفى اقتصار النبى - عليه السلام - على هذا، وأنه لم يلزم فيه بدلاً (¬3)، ولا أمر به - حجة للجمهور من العلماء أنه لا بدل عليه فيما عطب من التطوع، وإنما يضمن الواجب المتعلق بذمته، وله الأكل منه والإطعام للأغنياء وغيرهم عند مالك وجمهور العلماء. واختلفوا هل له بيعه؟ فمنعه مالك، وأجازه الآخرون وعبد الملك من أصحابه. وأما إذا بلغ الهدى محله فاختلف العلماء فيما يأكل [منه] (¬4) صاحبه، فمشهور مذهبه أنه لا يأكل من ثلث من جزاء الصيد ونذر المساكين وفدية الأذى، ويأكل من سوى ¬

_ (¬1) سقط من جميع نسخ ع المطبوعة والمخطوطة. (¬2) فى بعض نسخ ع: يُتَسَهّل. (¬3) انظر: المغنى 5/ 434، الاستذكار 12/ 280 وما بعدها. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

378 - (1326) حدّثنى أَبُو غَسانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنِّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ: " إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَىْءٌ، فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا، فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِى دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك إذا بلغ محله، واجباً كان أو تطوعاً، ووافقه على ذلك جماعة من السلف وفقهاء الأمصار (¬1). واختلف المذهب إذا أحل، هل يغرم جميعه أو قدر ما أكل منه، وروى عن الحسن أنه يأكل (¬2) من جزاء الصيد والفدية، وقد روى عن مالك: إن فعل منهما فلا شىء عليه، وقال الشافعى وأبو ثور: ما كان أصله واجبًا فلا يأكل منه، وما كان تطوعًا أو نسكًا أكل منه وأهدى وادخر وتصدق، والمتعة والقران عنده نسك، ونحوه مذهب الأوزاعى. وقال أبو حنيفة وأصحاب الرأى: يؤكل من هدى القران والمتعة والتطوع، ولا يؤكل مما سوى ذلك. وحكى عن مالك أنه لا يأكل من دم الفساد، وعلى قياس هذا لا يأكل من دم الخير، كقول الشافعى والأوزاعى (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 5/ 434، الاستذكار 12/ 280. (¬2) جاءت فى المخطوطة مكررة، وهى حشو ولا معنى لها. (¬3) انظر: المغنى 5/ 434، الاستذكار 12/ 280 وما بعدها.

(67) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض

(67) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض 379 - (1327) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِى كُلِّ وَجْهٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ ". قَالَ زُهَيْرٌ: يَنْصَرِفُونَ كُلَّ وَجْهٍ، وَلَمْ يَقُلْ: فِى. 380 - (1328) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (¬1) "، قال الإمام: فى هذا الحديث إثبات طواف الوداع، وعندنا أنه مستحب ولا دم [فى تركه] (¬2)، وعند الشافعى: أن على تاركه الدم، وعند أبى حنيفة: أنه واجب، ويحتج مما فى هذا الحديث. ولنا عليه قوله فى حديث صفية لما أُخبر - عليه السلام - أنها حاضت، فقال: " أحابستنا هى؟ " ثم أخبر أنها أفاضت، فقال: " فلا إذاً "، فلو كان طواف الوداع واجباً لاحتبس من أجله، كما يُحتبس من طواف الإفاضة (¬3). قال القاضى: طواف الإفاضة (¬4) هو لازم عندنا لكل حاج ومعتمر غير المكى من الصغار والكبار والذكور والإناث والأحرار والعبيد، وكل من أخذ فى الرجوع إلى وطنه وإن قرب، وأما من خرج إلى العمرة فإن خرج إلى الجعرانة والتنعيم لم يلزمه عندنا وعند الشافعى، ويلزمه عند الثورى، وعليه دم إن تركه، وهو مذهبه ومذهب أبى حنيفة فى تارك طواف الوداع. واختلف قول الشافعى فى وجوب الدم عليه وحكمه الاتصال بالخروج وقد مضى الكلام على المتوانى بعده. واختلف أصحابنا إن خرج إلى المواقيت، واختلف قول الشافعى فى وجوب الدم على تاركه ولا دم عليه عندنا (¬5). وقوله: " إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ": حجة فى أن الحائض إذا كانت طافت ¬

_ (¬1) فى الأصل: البيت. (¬2) فى الإكمال: فيه، والمثبت من ع. (¬3) ودليل مالك أيضاً ما رواه فى موطئه عن هشام، عن عروة، عن أبيه؛ أنه قال: من أفاض فقد قضى الله حجه، فإنه إن لم يكن حبسه شىء فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وإن حبسه شىء أو عرض له فقد قضى الله حجه 1/ 370. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن طواف الوداع ليس من الحج لا يتعلق به. المبدع 3/ 255. (¬4) صحفت، فوهم وكتب مكانها: الوداع. وهو خطأ، والصواب ما كتبناه. انظر: المغنى 5/ 316، الاستذكار 12/ 184. (¬5) انظر: المغنى 5/ 316، الحاوى الكبير 4/ 194.

آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِض. 381 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ. إِذْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: تُفْتِى أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِمَّا لا، فَسَلْ فُلانَةَ الأَنْصَارِيَّةَ، هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَرَجَعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَضْحَكُ، وَهُوَ يقُولُ: مَا أَرَكَ إِلا قَدْ صَدَقتَ. 382 - (1211) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَذَكَرْتُ حيضَتَهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحَابِسَتَنَا هِىَ؟ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الإِفَاضَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلْتَنْفِرْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ طواف الإفاضة؛ أنه يجزئها من طواف الوداع، وهو مفسر فى حديث الأنصارية بعده، وفى حديث صفية، وعلى هذا جماعة الفقهاء ولا خلاف. وروى عن بعض السلف أنها لا تنفر حتى تودع، وكذلك فى آخر طواف الإفاضة إلى أيام منى، فإنه يجزئه إذا طافه أن يصدر به، وكذلك لو كان خروجه بإثر طوافه تطوع أو لحج أو عمرة أجزأه عن الوداع. وقوله: " إِمَّا لا فَسَلْ فلانة ": كذا عندهم وعند الطبرى: " إِمَّا لى " بكسر اللام، وكذلك قرأته بخط الأصيلى فى كتاب البخارى، والمعروف فى كلام العرب فتح اللام، إلا أن يكون على لغة من يميل، فالله أعلم. قال الإمام: قال ابن الأنبارى: قولهم: " افعل هذا إمّا لا "، معناه: افعل كذا وكذا إن كنت لا تفعل غيره، فدخلت فاصلة؛ لأنه كما قال تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} (¬1)، فالنفى بـ " لا " من الفعل، كما نقول: من يسلم عليك فسلم عليه، وإلا فلا. قال القاضى: وقوله فى حديث صفية: " أحابستنا هى " و " عقرى، حَلْقَى " و "طَمِثَتْ ": تقدم الكلام عليه [قريبًا؛ معنىً] (¬2) وفِقْهًا، ويستفاد من قوله: " أحابستنا ¬

_ (¬1) مريم: 26. (¬2) فى نسخة الإكمال: غريبًا ومعنى، ونظن أن الصواب ما كتبناه.

383 - (...) حدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى - قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَتْ: طَمِثَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ - زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ طَاهِرًا. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ. (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا ذَكرَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَفِيَّةَ قَدْ حَاضَتْ. بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. 384 - (...) وحدّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَحِيضَ صَفِيَّةُ قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ. قَالَتْ: فَجَاءَنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَحَابِسَتُنَا صَفِيَّةُ؟ " قُلْنَا: قَدْ أَفَاضَتْ. قَالَ: " فَلا، إِذَنْ ". 385 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُوَلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ قَدْ حَاضَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ طَافَتْ مَعَكُنَّ بِالْبَيْتِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ: " فَاخْرُجْنَ ". 386 - (...) حدّثنى الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ - لَعَلَّهُ قَالَ -: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ مِنْ صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ منْ أَهْلِهِ. فَقَالُوا: إِنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ هى ": أن الكرى تحبس عليها إذا لم تطف طواف الإفاضة - كما قال مالك - حتى تطهر أو يمضى أيامها أو أقصى ما يمسك النساء الدم والاستطهار، على اختلاف قوله فى هذا الأصل. وقال الشافعى: لا حبس عليها كرى ولتكر جملها، أو يحمل مكانها غيرها، وهذا كله فى الأمن ووجود المحرم، وأما مع خوف الطرق أو عدم المَحْرم فلا يحتبس باتفاق؛ إذ لا يمكن أن يسير بها وحده، ويفسخ الكرى ولا حبس عليهما الرفقة إلا أن يبقى لطهرها اليوم واليومان، قاله مالك.

حَائِضٌ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: " وَإِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ: " فَلْتَنْفِرْ مَعَكُمْ ". 387 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمدُ بنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْفِرَ، إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً. فَقَالَ. " عَقْرَى، حَلْقَى، إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا "، ثُمَّ قَالَ لَهَا: " أَكُنْتِ أَفضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: " فَانْفِرِى ". (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، جَمِيعًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِ الْحَكَمِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا لا يَذْكُرَانِ: " كَئِيبَةً حَزِينَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنها قد زارت يوم النحر ": يحتج به أهل العراق فى تسميتهم طواف الإفاضة طواف الزيارة، وكره هذا مالك. قيل فى توجيه كراهيته وكراهية من كره ذلك أقوال، أشدها ترك تسمية ما سماه الله به من الإفاضة والعدول عنه إلى غيره كما نهى النبى - عليه السلام - عن تسمية العشاء العتمة؛ لقول الله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء} (¬1) وقد قال الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} (¬2). ذكر مسلم فى هذا الباب: ثنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة عن الأوزاعى، لعله قال: عن يحيى بن أبى كثير، عن محمد بن إبراهيم التيمى كذا لهم، وسقط قوله: لعله قال: عن يحيى بن أبى كثير، عند الطبرى، وسقط " لعله قال " فقط لابن الحذاء، وأرى أن الاسم كله كان سقط من كتب بعضهم، أو شك فيه فألحقه على المحفوظ الصواب، وفيه على الجائز بقوله: " لعله ". ¬

_ (¬1) النور: 58. (¬2) البقرة: 199.

(68) باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء فى نواحيها كلها

(68) باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء فى نواحيها كلها 388 - (1329) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْن عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الكعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَة الْحَجَبِىُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَكَثَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلالاً حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: جَعَلَ عمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلاثَةَ أَعْمِدَةٍ ورَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت ومعه أسامة وبلال وعثمان بن أبى طلحة [فأجافوا عليهم الباب "، وفيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بين العمودين] (¬1)، [وذكر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى فيها] (¬2). قال الإمام: مالك يقول: لا يصلى فى الكعبة الفريضة، ويجوز أن يصلى فيها النافلة. والحجة للمنع قول الله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} (¬3)، وهذا لمن يكون خارجاً من البيت ممن يمكنه استقبال البيت واستدباره، ومن كان فيه فلابد أن يكون مستقبلاً ناحية ما. قال بعض الشيوخ: إنما منع مالك صلاة الفريضة فيه على وجه الكراهة، فمن صلى فيه الفريضة أعاد فى الوقت؛ لأنه إنما ترك سنة، وقد ذكر فى الآية التولية إلى المسجد، ولو صلى الفرض فى المسجد لأجزأه باتفاق، [ومعنى " أجافوا عليهم ": أى أغلقوا عليهم الباب] (¬4). ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) سقط من ع. (¬3) البقرة: 150. (¬4) من ع. قال ابن عبد البر فى تمهيده: والصواب من القول فى هذا الباب عندى: قول من أجاز الصلاة كلها فى الكعبة إذا استقبل شيئًا منها؛ لأنه قد فعل ما أمر به ولم يأت ما نهى عنه؛ لأن استدبارها هاهنا ليس بضد استقبالها؛ لأنه ثابت معه فى بعضها، والضد لا يثبت مع ضده، ومعلوم أن المأمور باستقبال الكعبة لم يؤمر باستقبال جميعها، وإنما توجه الخطاب إليه باستقبال بعضها، وقد ثبت أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى فيها ركعتين. انظر: التمهيد 15/ 319، الاستذكار 13/ 125. قلت: حديث ابن عباس: " أُمِرَ النَّاسُ أن يصلوا الى الكعبة ولم يؤمروا أن يصلوا فيها " هناك حديث الباب وحديث ابن عمر أنه صلى فى الكعبة؛ ولأن من نفى شيئًا وأثبته غيره لم يعد شاهداً، وإنما الشاهد المثبت. وابن عباس سمع من أسامة ولم يحضر، ويحتمل دخول البيت مرتين، فصلى فى الأولى ولم يصل فى الثانية.

389 - (...) حَدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَنَزَلَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِالْمِفْتَحِ، فَفَتَحَ الْبَابَ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَأَمَرَ بِالبَابِ فَأغْلِقَ. فَلَبِثُوا فِيهِ مَلِيًّا. ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: فَبَادَرْتُ النَّاسَ، فَتَلَقَّيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا، وَبِلالٌ عَلَى إِثْرِهِ. فَقُلْتُ لِبَلالٍ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اختلف العلماء فى الصلاة فى الكعبة، فقال مالك: لا يصلى فيها الفرض، ولا الوتر، ولا ركعتا الفجر، ولا ركعتا الطواف، ويصلى فيها التطوع. وقال الشافعى وأبو حنيفة والثورى: يصلى فيها كل شىء، وهو قول جماعة من السلف وبعض أهل الظاهر. وقال بعض الظاهرية: لا يُصلى فيها نافلة ولا فريضة، ونحوه مذهب ابن عباس، وأصبغ من أصحابنا يجعل المصلى فى البيت يعيد أبداً. وقع فى كتاب مسلم فى حديث أبى الربيع الزهرانى وقتيبة: " عثمان بن أبى طلحة " من رواية العذرى والسمرقندى ولغيرهما: " ابن طلحة "وكذا فى سائر الأحاديث، وكلاهما صواب، هو عثمان بن طلحة بن أبى طلحة، واسم أبى طلحة: عبد الله بن عبد العزى بن عثمان العبدرى، وقيل له: الحَجَبِى، بفتح الحاء والجيم؛ لأنه حجب البيت، وكذلك يقال لجميعهم: الحجبيون لهذا (¬1). وقوله: " فأغلقها عليه " وفى الرواية الأخرى: " وأمَرَ بالباب فأغلق " وفى الأخرى: " فأجاف عليهم الباب ": وهو بمعنى أغلق، يحتج به الشافعى، ومذهبه أنه إنما يصلى ¬

_ (¬1) وعثمان بن طلحة أو ابن أبى طلحة هو: عبد الله بن عبد العُزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب القرشى العبدرى حاجب الكعبة، له صحبة، أسلم فى الهُدنة، وهاجر مع خالد وعمرو، ثم سكن مكة وبها مات، وقيل: مات بأجنادين. روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين، وقيل: خمسة، واحد فى مسلم الذى معنا، وآخر فى أبى داود، حدث عنه ابن عمر وعروة وابن عمه. انظر: رجال مسلم 122، ابن سعد 5/ 448، البخارى فى الكبير 6/ 2194، الاستيعاب 3/ 1034، أسد الغابة 3/ 372، السير 2/ 10، تهذيب الكمال 19/ 395. قلت: سبب تسميتهم بالحجبيين ما رواه الطبرانى فى الكبير عن عبد الله بن المؤمل عن ابن أبى مليكة، عن ابن عباس؛ أن النبى قال: " خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم " يعنى الحجابة، والآخر عن أبى محذورة، قال: جعل رسول الله الأذان لنا ولموالينا، والسقاية لبنى هاشم، والحجابة لبنى عبد الدار. قال الهيثمى: رواه أحمد والطبرانى. انظر: المجمع 3/ 285. قلت: الحديثان حسنهما جماعة وضعفهما آخرون.

390 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، حَتَّى أَنَاخَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَقَالَ: " ائْتِنِى بِالْمِفْتَاحِ "، فَذَهَبَ إِلَى أُمِّهِ، فَأَبَتْ أَنْ تُعطِيَهُ. فَقَالَ: وَاللهِ، لَتُعْطِينِيهِ أَوْ لَيَخْرُجَنَّ هَذَا السيْفُ مِنْ صُلْبِى. قَالَ: فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ الْبَابَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. 391 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَالْلَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَجَافُوا عَلَيْهُم الْبَابَ طَوِيلاً، ثُمَّ فُتِحَ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَلَقِيتُ بِلالاً، فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ المُقَدَمَينِ، فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها إلى جدار من جدرها، وأن من صلى فيها إلى الباب وهو مفتوح فلا يجزئه؛ لأنه لم يستقبل منها شيئاً، وأن هذا فائدة أمره - عليه السلام - عنده بإغلاقها، ورد هذا أبو الحسن القصار وغيره بأنه يجيز الصلاة فى أرضها لو تهدمت لاستقباله بعض أرضها - وقال غيره: إنما أمر بإغلاق الباب لئلا يكثر عليه الناس، ويتأذى بزحامهم، ولئلا يصلوا بصلاته فيها فتتخذ سنة ويخشى أن يفرض عليهم، كما ترك قيام رمضان لذلك، ولو كان لا يجوز الصلاة إليه مفتوحاً لبينه - عليه السلام - حين أمر بإغلاقه؛ لأنه موضع بيان، وهذا كله يرد قول من قال فى زيادة البخارى من جَعْلِه الباب وراء ظهره (¬1): إنما فعل ذلك لئلا يستدبر شيئاً من البيت؛ لأنّا إن قلنا بأن الأرض قبلة لم يلتفت إلى غيرها، وإن رأينا جدارها، فالباب إذا أغلق كالجدار كما لو كانت جدرها كلها خشباً، من جنس الباب. وفيه تولية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجابة لهم، وإقرارها فى أيديهم على ما كانت فى الجاهلية، كما أقر السقاية لبنى العباس من بين سائر مآثر الجاهلية، وقال: " كل مأثرة فى الجاهلية هى تحت قدمى إلا سقاية الحاج وسدانة البيت " (¬2) وقال لبنى عبد الدار: " خذوها خالدةً ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحج، ب الصلاة فى الكعبة، عن ابن عمر بلفظ: " ويجعل الباب قبل الظَّهر، يمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذى قبل وجهه قريباً من ثلاثة أذرع فيصلى ... " 2/ 184. (¬2) وكذا حديث أحمد فى المسند بلفظ: " جعل رسول الله الأذان لنا ولموالينا، والسقاية لبنى هاشم، والحجابة لبنى عبد الدار " 6/ 401.

392 - (...) وحدّثنى حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنِ عَونٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بِنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْكَعْبَةِ، وَقَدْ دَخَلَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلالٌ وَأُسَامَةُ، وَأَجَافَ عَلَيْهِم عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْبَابَ. قَالَ: فَمَكَثُوا فِيه مَلِيًّا، ثُمَّ فُتِحَ الْبَابُ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَقِيتُ الدَّرَجَةَ، فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: هَاهُنَا. قَال: وَنسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُمْ: كَمْ صَلَّى. 393 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدَ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلمَّا فَتَحُوا كُنْتُ فِى أَوَّلِ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلالاً فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تالدة " (¬1)، وقال العلماء: لا يجوز لأحدٍ أن ينزعها منهم، قالوا: وهى ولاية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعظم مالك أن يشرك غيرهم فيها معهم، واختلاف بلال وأسامة فى هذه الأحاديث فى صلاة النبى - عليه السلام - فيها، وقول بلال: إنه صلى بين العمودين، وقول أسامة: إنه دعا فى نواحيه ولم يصل - حكم العلماء والأئمة بترجيح حديث بلال؛ لأنه أثبت وضبط ما لم يضبط أسامة (¬2)، وإنها الصلاة المعهودة لا الدعاء، ألا ترى ابن عمر كيف قال: " ونسيت أن أسأله "، وقوله عمر بن الخطاب فى حديثه: " صلى ركعتين " (¬3)، وقد اختلف على أسامة، فذكر مسلم فى حديث حميد بن مسعدة: ثنا خالد - يعنى ابن الحارث - ثنا عبد الله بن عون، وذكر الحديث - وفيه: " فدخلها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلال وأسامة وأجاف عليهم عثمان بن طلحة " وفيه: " فقلت: أين صلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ "، فقالوا: هاهنا، ونسيت أن أسألهم كم صلى؟ فعلى هذا أن جميعهم قد أخبره بذلك، ولكن أهل الصنعة، وهَّمُوا هذه الرواية، فقال أبو الحسن الدارقطنى (¬4): وَهِم ابن عون هنا، وخالفه غيره فأسندوه عن بلال وحده. ¬

_ (¬1) انظر: حديثى ابن عباس وأبى محذورة السابقين قريباً. والسدانة الآن يعرفون بالشيبيين؛ نسبة إلى عثمان ابن أبى طلحة، وهو ابن عم عثمان بن طلحة وله أيضاً صحبة. (¬2) يريد أنه رأى ما لم ير أسامة، ولا يحمل على معناه الحقيقى؛ لأنهما صحابيان - رضى الله عنهما. (¬3) الحديث أخرجه أبو داود فى ك الحج، ب الصلاة فى الكعبة، عن عبد الرحمن بن صفوان، قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل الكعبة؟ قال: صلى ركعتين 1/ 467. (¬4) انظر: الإلزامات والتتبع ص 480.

394 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَلَمْ يَدْخُلْهَا مَعَهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أُغْلِقَتْ عَلَيْهِمْ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَخْبَرَنِى بِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِى جَوْفِ الْكَعْبَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. 395 - (1330) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ بَكْرٍ، قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جَرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَسَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالطَّوَافِ وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِدُخُولِهِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَنْهَى عَنْ دُخُولِهِ، وَلَكِنِّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِى نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، حَتَّى خَرَجَ. فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِى قُبُلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ: " هَذِهِ الْقِبْلَةُ ". قُلْتُ لَهُ: مَا نَوَاحِيهَا؟ أَفِى زَوَايَاهَا؟ قَالَ: بَلْ فِى كُلِّ قِبْلَةٍ مِنَ الْبَيْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وهذا الذى ذكره مسلم من سائر الطرق: " فسألت بلالاً "، فقال: إلا إنه وقع عنده فى حديث حرملة عن ابن وهب: " فأخبرنى بلال - أو عثمان بن طلحة - أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فى جوف الكعبة " كذا عند عامة شيوخنا، وفى بعض النسخ: " وعثمان بن أبى طلحة " وكذا كان فى كتاب شيخنا الخشنى، وهذه تعضد رواية ابن عون، والمشهور انفراد بلال بالحديث بذلك. قالوا: ولا تتهاتر رواية أسامة ومخالفته لبلال فى قصة حضراها؛ إذ قد يمكن أن يغيب أسامة عنهم بعد دخوله لحاجة أو أمرٍ فلم يشاهد صلاته، وكيف وقد روى ابن المنذر فى ذلك حديثاً عن أسامة قال: " رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوراً فى الكعبة، فكنت آتيه بماء فى الدلو يضرب به الصور "، فهذا قد ذكر أن أسامة خرج لنقل الماء، وهذا الحديث فى يوم الفتح (¬1)، وكذلك حديث الصلاة فى الكعبة إنما كان يوم الفتح لا فى حجة الوداع، ألا ترى كيف قال فيه فى الأم: " أقبل عام الفتح "؟! وفيه: طلب المفاتيح من عثمان وإباية أُمّه إعطاءها، إلى آخر الخبر (¬2)، وهذا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود الطيالسى فى مسند أسامة بن زيد رقم (622) 1/ 87، وحديث الصلاة فى الكعبة هو الذى معنا. (¬2) وأقول: لعل مسلماً - رحمه الله - ذكره لبيان علته؛ لأنه - رحمه الله - قد ذكر رواية مالك وأيوب وعبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: سألت بلالاً. وأخرجه من حديث ابن شهاب عن سالم عن أبيه: سألت بلالاً. وأما رواية حرملة فقد شك هو أو ابن وهب: أسأل عبد الله بلالاً أو طلحة فنرد روايته إلى رواية من لم يشك، والله أعلم. انظر: الإلزامات والتتبع، وجاء فى إكمال الإكمال: ويمكن الجمع بأن يكون معنى قول بلال: صلى، أى التطوع، ومعنى قول أسامة: لم يصل، يعنى الفرض، والجمع بهذا على مذهب مالك 3/ 421.

396 - (1331) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَفِيهَا سِتُّ سَوَارٍ، فَقَامَ عِنْدَ سَارِيَةٍ فَدَعَا، وَلَمْ يُصَلِّ. 397 - (1332) وحدّثنى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنِى هُشيْمٌ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى - صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَدَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ فِى عُمْرَتِهِ؟ قَالَ: لَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ كله إنما كان فى الفتح، وجاء فى بعض الروايات: " ليفتح " وفى بعضها: " المفتاح "، وهما صحيحان. وقوله: " جعل عمودين عن يساره وعموداً عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه " ووقع فى الموطأ عكس هذا: " جعل عمودين عن يمينه وعموداً عن يساره " (¬1)، وجاء فى الرواية الأخرى: " أن صلاته كانت بين العمودين اليمانيين ". وذكر مسلم فى الباب: ثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد، جميعاً عن ابن بكر، قال عبد: أنا محمد بن بكر، وذكر حديث ابن عباس عن أسامة، كذا عند شيوخنا، وفى بعض النسخ جميعاً: عن أبى بكر، قال عبد: أنا محمد بن بكر، والصواب الأول، وهو محمد بن بكر البرسانى، يكنى بأبى عثمان، خرج عنه البخارى ومسلم عن ابن جريج، يروى عنه عبد بن حميد (¬2)، وأما حديث ابن أبى أوفى، وقوله حين سئل: أدخل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت فى عمرته؟ فقال: لا، فهذا مما يختلف فيه أنه لم يدخل ولم يصل وهى عمرة القضاء. قيل: لما كان فى البيت من الصور والأصنام ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها فلما فتح الله عليه وغيرها دخل البيت وصلى فيه (¬3). ¬

_ (¬1) الموطأ، ك الحج، ب الصلاة فى البيت [الكعبة] ودخولها وقصر الصلاة من رواية يحيى 1/ 398 ومن رواية محمد بن الحسن 162، وهى بعض رواية البخارى وأبى داود وأحمد، وقال البيهقى: وهو الصحيح. انظر: مختصر سنن أبى داود 2/ 439. (¬2) ويقال: أبو عثمان البَصْرِىُ وبُرسان من الأزد، روى عن حماد بن سلمة وابن جريج، وشعبة، وحميد ابن مهران، وسعيد بن أبى عروبة وغيرهم، وروى عنه ابن حنبل، وأبو الأشعث العجلى، وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، ويحيى بن معين وغيرهم. وقال أحمد: صالح الحديث، والعجلى قال: ثقة، وذكره ابن حبان فى الثقات. وفاته سنة ثلاث ومائتين. انظر: طبقات ابن سعد 7/ 296 تاريخ البخارى الكبير 1/ 96، الصغير 2/ 299، الكنى لمسلم ورقة 72، رجال البخارى 2/ 621، مسلم ورقة 153، وتهذيب الكمال 24/ 530، سير أعلام النبلاء 9/ 421، تهذيب التهذيب 3/ 192. (¬3) لقد ترك القاضى - رحمه الله - التعليق على حديث إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد على أنه ذكره إطراءً فى تعليقه على الأحاديث جملة. ونقول: قوله: " لما دخل البيت دعا فى ناحيته كلها، ولم يصل فيه ": أى لم يصل صلاة الجماعة المفروضة، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جواز النفل، خلافاً لأصبغ ومن تبعه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = نقل ابن حجر بن المهلب فى الفتح: قال المهلب شارح البخارى: يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرتين، صلى فى أحدهما، ولم يصل فى الأخرى وقال: قال ابن حبان: الأشبه عندى فى الجمع أن يجعل الخبران فى وقتين فى عام الفتح، أو يجعل حديث ابن عباس فى حجته التى حجها مع النبى فى حجة الوداع إن ثبت أنه دخلها، ويحتمل أن ابن عباس نفى رؤيته، كما يحتمل فى هذا المنقول عنه وهو أسامة - رضى الله عنه. انظر: الفتح 3/ 548 بتصرف. وقال النووى وغيره: يجمع بين إثبات بلال ونفى أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبى يدعو، فاشتغل أسامة بالدعاء فى ناحية، والنبى فى ناحية، ثم صلى النبى، فرآه بلال لقربه منه، ولم يره أسامة لبعده واشتغاله، ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أن يحجبه عنه بعض الأعمدة فنفاها عملاً بظنه وربما كانت الصلاة خفيفة، وربما أيضاً جاز له نفيها عملاً بظنه، وأما بلال فحققها فأخبر بها، والله أعلم. انظر: النووى بشرح مسلم 3/ 465 بتصرف ولقد سبق القول فيها ولله الحمد والمنة. وقوله: " فلما خرج ركع فى قبل البيت ركعتين، وقال: هذه القبلة " القُبُل بضم القاف والباء، ويجوز إسكان الباء كما فى نظائره ما استقبل منها، وقيل: مقابلها. وفى رواية فى الصحيح: " صلى ركعتين فى وجه الكعبة " وهو المراد بقولها، ومعناه: عند بابها. البخارى، ك الصلاة، ب {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] 1/ 110. وأما قوله: " هذه القبلة " قال الخطابى: معناه: أن أمر القبلة استقر فلا نسخ لا يتوجه للصلاة إلى غيره. انظر: أعلام الحديث 1/ 380، إكمال الإكمال 3/ 421، النووى 3/ 469، ابن حجر فى الفتح 3/ 545.

(69) باب نقض الكعبة وبنائها

(69) باب نقض الكعبة وبنائها 398 - (1333) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَت: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالكُفْرِ، لنَقَضْتُ الكَعْبَةَ، وَلجَعَلتُهَا عَلى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ البَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ، وَلجَعَلتُ لهَا خَلفًا ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " لولا حداثة [عهد] (¬1) قومك بالكفر لنقضت الكعبة، ولجعلتها على أساس إبراهيم، [فإن قريشاً حين بنت البيت استقصرت " وفى الرواية الأخرى: " اقتصرتها " وفى الأخرى: " قصّروا فى البناء " وفى الأخرى: " إن قومك قصرت بهم النفقة ": فيكون معنى " استقصرت ": أى قصرت عن تمام بنائها واقتصرت على هذا القدر، إذ قصرت بهم النفقة عن تمامها فتتفق الألفاظ كلها] (¬2). قال الإمام: [أخبر - عليه السلام - أن قريشاً اقتصرت عن تمام البيت على قواعد إبراهيم] (¬3)، وهذا دليل على أن الحِجْر من البيت. وعند مالك والشافعى: أن من طاف داخل الحِجر كمن لم يطف، وعند أبى حنيفة: يعيد إلا أن يرجع إلى بلده فعليه الدم، [وقد بين فى الكتاب ما جرى من قصة ابن الزبير وهدمه للكعبة وتغير بنائها ثم ما كان بعد ذلك من تغير بناء ابن الزبير] (¬4). قال القاضى: قد جاء مبيناً فى كتاب مسلم وغيره فى هذا الحديث شأن الحجر، وأنه من البيت. عن عائشة قالت: " سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجدر أمن البيت هو؟ " وفى الرواية الأخرى: " عن الحجر "، قال: " نعم "، قلت: " فلم لم يدخلوه " وفى الأخرى: " ولا دخلت فيها الحجر أو الجَدر ": بفتح الجيم والدال المهملة الجدار. وذكر الخبر وهو قول كافة العلماء، وهم مجمعون أن الطواف من ورائه، وإنما اختلفوا فيمن طاف فيه، هل يجزيه أم لا؟ على ما تقدم، وجمهورهم على أنه لا يجزيه، وكمن لم يطف أو لم يتم طوافه، إلا أبا حنيفة كما تقدم. ¬

_ (¬1) من ع والمطبوعة. (¬2) و (¬3) سقط من ع. (¬4) من ع.

399 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلمْ تَرَىْ أَن قَوْمَكِ، حِينَ بَنَوْا الكَعْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قول النبى - عليه السلام - هذا ترك بعض الأمور التى يستصوب عملها إذا خيف تولد ما هو أضرّ من تركه واستلاف الناس على الإيمان، وتمييز خير الشرين وإن سهل على الناس أمرهم، ولا ينفروا ويتباعدوا من الأمور على ما ليس فيه تعطيل ركن من أركان شرعهم. وقد اقتدى بهذا مالك - رحمه الله - فى هذه المسألة، فذكر أن الرشيد ذكر له أنه يريد هدم ما بنى الحجاج من الكعبة ويردها على بنيان ابن الزبير لهذا الحديث الذى جاء وامتثله ابن الزبير، وقال له مالك: ناشدتك الله يا أمير المؤمنين، ألا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك، لا يشأ أحد إلا نقض البيت وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس، فرحم الله مالكاً. وقوله: " ولجعلت لها خلفاً ": كذا بفتح الخاء وسكون [اللام] (¬1) ومعناه: باباً من خلفها، وقد جاء مفسرًا فى الحديث الآخر: " ولجعلت لها باباً شرقياً وباباً غربياً "، وفى البخارى: قال هشام بن عروة: " خلفاً " يعنى باباً (¬2). وفى الرواية الأخرى هنا: " أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه "، وقد رواه البخارى: " ولجعلت لها خلفين " (¬3)، وقد ذكر الحربى هذا الحديث هكذا وضبطه: " خِلفين " بكسر الخاء (¬4) وقال: الخالفة عمود فى مؤخر البيت، يقال: ورأيته خلف جمد، وقاله الهروى: " خلفين " بفتح الخاء وكذا ضبطناه على شيخنا أبى الحسين - رحمه الله - وذكر الهروى عن ابن الأعرابى: أن الخلف الظهر (¬5)، وهذا يفسر أن المراد الباب كما فسرته الأحاديث الأخر. وقول ابن عمر: " لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس على طريق التضعيف والتشكك فى روايتها، فقد كانت من الحفظ والضبط بحيث لا يستراب فيما تنقله، لكن كثيراً ما يأتى ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) البخارى، ك الحج، ب فضل مكة وبنيانها 2/ 180. (¬3) لم نعثر على رواية " خلفين " فى المطبوعة. (¬4) ما ذكره الحربى هو: " وقرئ على أبى نصر عن الأصمعى قال: إذا لهج الفصيل بالمصرورة صررتها رجل الغراب، بنكس طرف التودية الذى يلى الخلف المؤخر المقدم، وتحول طرفه الذى يلى الخلف المقدم فتشد به المؤخر ليكون الصر على سجيحته، وتنكس طرف الخلفين، فتصره على أقصى فخذها مما يلى الذئب لئلا يقدر أن يجعله فى فيه. غريب الحديث 2/ 424. (¬5) لم نعثر عليه فى غريب الحديث للهروى.

اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ " قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا تَرُدُّهَا عَلى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لوْلا حِدْثَان قَوْمِكِ بِالكُفْرِ لفَعَلتُ ". فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لئِنْ كَانَتْ عَائِشَة سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلامَ الرُّكْنَيْنِ اللذَيْنِ يَلِيَانِ الحِجْرَ، إِلا أَنَّ البَيْتَ لمْ يُتَمَّمْ عَلى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. 400 - (...) حَدثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا مَوْلى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى قُحَافَةَ، يُحَدِّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ - أَوْ قَالَ: بكُفْرٍ - لأَنْفَقْتُ كَنْزَ الكَعْبَةِ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَلجَعَلتُ بَابَهَا بِالأَرْضِ، وَلَأَدْخَلَتُ فِيهَا مِنَ الحِجْرِ ". 401 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ سَعِيدٍ - يَعْنِى ابْنَ مِينَاءَ - قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِى خَالتِى - يَعْنِى عَائِشَةَ - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، لوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لهَدَمْتُ الكَعْبَةَ فَأَلْزَقْتُهَا بِالأَرْضِ، وَجَعَلتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَابًا شَرْقِيًا وَبَابًا غَرْبِيًا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فى كلام العرب صور التقرير والتشكك والمراد به اليقين لقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (¬1)، وقوله: {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِي} الآية (¬2). وقوله: " ما أرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر. إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم " ليسا بركنين، وإنما هى بعض الجدار، فلذلك لم يستلمهما. وقد مر الكلام فى هذا الفصل. ¬

_ (¬1) الأنبياء: 111. (¬2) سبأ: 50.

402 - (...) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى سُليْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَمَّا احْتَرَقَ البَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ المَوْسِمَ، يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ - أَوْ يُحَرِّبَهُمْ - عَلى أَهْلِ الشَّامِ، فَلمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلىَّ فِى الكَعْبَةِ، أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِى بِنَاءَهَا، أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّى قَدْ فُرِقَ لِى رَأَىٌ فِيهَا، أَرَى أَنْ تُصلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا، وَتَدَعَ بَيْتًا أَسلمَ النَّاسُ عَليْهِ، وَأَحْجَارًا أَسْلمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لما احترق البيت زمان يزيد بن معاوية حين غزاه أهل الشام، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم ": يريد أن يجرئهم على أهل الشام أو يحزبهم، كذا لابن أبى ... (¬1) سعيد والفارسى، وغيرهما فى الأول: " يجرئهم " بالجيم والراء وهمزة بعدهما من الجرأة، أى شجعهم عليهم بإظهار قبيح أفعالهم. ورواه العذرى: " يجربهم " بالباء مكان الهمزة، ومعناه: يختبر ما عندهم فى ذلك من حمية وغضب لله وبيته، وعندهم كلهم فى الحرف الثانى: " يحربهم " بالحاء المهملة والراء والباء بواحدة، ومعناه: يغضبهم بما رأوه فُعل بالبيت، من قولهم: حزبت الأسد، وأسد محزّب، وقد يكون معنى " يحربهم " يحملهم على الحرب، ويحضهم عليها، ويؤكد عزائمهم منها لذلك، ورواه غير هؤلاء فى الحرف الثانى: " أو يحزبهم " بالحاء المهملة والزاى والباء بواحدة، ومعناه: أى يشد منهم، ويثبت عزائمهم عليهم ويمالئهم على حربهم، من قولهم: أمر حزيب، أى شديد، أو يكون: " يحزبهم ": يميل بهم إلى نفسه ونصرته فحزب الرجل من مال إليه، وتحازب القوم: تمالؤوا. وشورى ابن الزبير كافة الناس فى نقضها وبنائها ما يلزم الأمور العامة والقصص العظيمة التى لا تخص وتعم من المشورة، وألا يستبد بها ذو أمر بأمر، وقد أمر الله تعالى بهذا نبيه، ورأى ابن عباس أن تترك على ما هى، ويرم ما فسد ولا تنقض، اقتداء بما كان - عليه السلام - رآه أيضاً من تركها على ما وجدها عليه، وترجيح ابن الزبير رأيه فى نقضها بعد الاستخارة لاختلاف الصحابة عليه فى ذلك، واعتماد على ما ذكره النبى - عليه السلام - لعائشة من حرصه على ذلك: " لولا حدثان قومها بالكفر فتنفر قلوبهم "، وإذنه فى الرواية الأخرى لهم فى ذلك إن بدا لهم أن يبنوه، وأنه ليس عنده من النفقة ما يقوى به على بنائه، وأن العلتين قد زالتا لاستقرار الإسلام وفناء تلك الجهالة القريبة العهد بكفر وتمكن الإسلام ممن بقى منهم وفتح الله على المسلمين، ووجد ما ينفق فيها. ¬

_ (¬1) فى المخطوطة بياض، وهو صاحب نسخة لصحيح مسلم. راجع: مقدمتنا لهذا الكتاب.

وَبُعِثَ عَليْهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ، مَا رَضِىَ حَتَّى يُجِدَّهُ، فَكَيْفَ بَيْتُ رَبكُمْ؟ إِنِّى مُسْتَخِيرٌ رَبِّى ثَلاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلى أَمْرِى. فَلمَّا مَضَى الثَّلَاثُ أَجْمَعَ رَأيَهُ عَلى أَنْ يَنْقُضَها، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ، أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً، فَلمَّا لمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَىْءٌ تَتَابَعُوا، فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلغُوا بِهِ الأَرْضَ، فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً، فَسَتَّرَ عَليْهَا السُّتُورَ، حَتَّى ارْتَفَعَ بِناؤُهُ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنِّى سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لوْلا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، وَلَيْسَ عِنْدِى مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّى عَلى بِنَائِهِ، لكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلجَعَلتُ لَهَا بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس فى قوله - عليه السلام -: " ليس عندى من النفقة ما يقوينى به على بنائه "، وبين قوله فى الحديث الآخر: " لأنفقت كنز الكعبة فى سبيل الله " تنافر؛ إذ قد يمكن أنه - عليه السلام - لم يرد إنفاق كنز الكعبة فى بنائها الذى هو فى سبيل الله ولا غيره؛ لئلا تتقول قريش فى ذلك وتنكره كما تنكر البناء للكعبة؛ لعادتها فى تعظيم تغيير ذلك وتناول شىء من مالها، وإنما كان - عليه السلام - أراد استئلافهم وتسكين الأمور وتركها حتى يتمكن الإيمان فى قلوبهم؛ ولذلك - والله أعلم - لم يغير حجابة البيت ولا أخرجها عمن كانت بيده، وقد طلبها له آله، وقد كان عمر - رضى الله عنه - هَمَّ بقسمة مال الكعبة فخالفه بعض الصحابة فى ذلك، واحتجوا عليه بأن صاحبيه لم يفعلا فوقف عن ذلك، وقال له أُبى: إن الله قد بيّن موضع كل مال، ولأن فى إبقاء مالها وحليتها ترهيباً على العدو وإظهاراً للإسلام. وفى هذا الخبر من الفقه أن الأوقاف لا تصرف غير مصارفها. وفى تجويز النبى - عليه السلام - لفعله لولا مراعاة كفار قريش، دليل على جواز نقل ما جعل فى سبيل [من سبل] (¬1) الله إلى سبيل آخر، وهى إحدى الروايتين عندنا. وقول ابن عباس: " قد فرق لى فيها رأى ": أى كشف وبين، قال الله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} (¬2): فصلناه وأحكمناه. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) الإسراء: 106.

قَالَ: فَأَنَا اليَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ، وَلسْتُ أَخَافُ النَّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيه خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، حَتَّى أَبْدَى أُسا نَظَرَ النَّاسُ إِليْهِ، فَبَنَى عَليْهِ البِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الكَعْبَةِ ثَمَانِىَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا، فَلمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ، فَزَادَ فِى طُولِهِ عَشَرَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلَ لهُ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ. فَلْمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ ابْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ البِنَاءَ عَلى أُسٍّ نَظَرَ إِليْهِ العُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَكَتَبَ إِليْهِ عَبْدُ المَلِكِ: إِنَّا لسْنَا مِنْ تَلطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِى شَىْءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِى طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ البَابَ الذِى فَتَحَهُ، فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تتابعوا فنقضوه " ضبطنا هذا الحرف على أبى بحر وحده، " تتابعوا " بالتاء باثنتين تحتها، وعند غيره بالباء بواحدة، وهو بمعنى واحد، إلا أنه أكثر ما يُستعمل الياء باثنتين تحتها فى الشر خصوصاً، وليس هذا موضعه. وقوله: " فنقضوه - يعنى البيت - حتى بلغ الأرض، فجعل [ابن] (¬1) الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه ": صنع ذلك ليصلى الناس إلى تلك الستور وتكون قبلة لهم؛ إذ المقصود بالاستقبال البناء لا البقعة، ولو كان المقصود البقعة لاتفقوا على جواز الصلاة فى الكعبة وعلى استقبال الحجر مجرداً، وقد كان ابن عباس أشار عليه نحو هذا وقال له: إن كنت هادمها فلا تدع الناس بلا قبلة (¬2)، فقال له جابر: صلوا إلى موضعها فهى القبلة. وقد أجاز الشافعى الصلاة على هذه السبيل أن يصلى فى أرض الكعبة ويجزئه (¬3). وكذلك يجىء على قوله: " يجزئه أن يستقبل أرضها ". وتحديده - عليه السلام - أن يدخل من الحجر خمسة أذرع، وفى الرواية الأخرى: ستة أذرع، تحديد بين لمقدار ما فى الحجر من الكعبة. وقول عبد الملك: " لسنا من تلطيخ ابن الزبير فى شىء " يريد بذلك العيب لعمله، يقال: لطخت فلاناً بأمر قبيح، ورجل لطيخ: قذر. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) إتحاف الورى بأخبار أم القرى 2/ 70. (¬3) التمهيد 15/ 318.

403 - (...) حَدثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَالوَلِيدَ بْنَ عَطَاءٍ يُحَدِّثَانِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبِى رَبِيعَةَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدٍ: وَفَدَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَلى عَبْدِ المَلِكَ بْنِ مَرْوَانَ فِى خِلافَتِهِ. فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ - يَعْنِى ابْنَ الزُّبَيْرِ - سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا. قَالَ الحَارِثُ: بَلى، أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا. قَالَ: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ البَيْتِ، وَلوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْتُ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ مِنْ بَعْدِى أَنْ يَبْنُوهُ، فَهَلمِّى لأُرَيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ ". فَأَرَاهَا قَرِيبًا منْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَزَادَ عَلَيْهِ الوَلِيد بْنُ عَطَاءٍ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلجَعَلتُ لهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَينِ فِى الأَرْضِ شَرْقِيًا وَغَرْبِيًا، وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كَانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ " قَالَتْ: قُلْتُ: لا. قَالَ: " تَعَزُّزًا أَلا يَدْخُلهَا إِلا مَنْ أَرَادُوا، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلهَا يَدَعُونَهُ يَرْتَقِى، حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَفَعُوهُ فَسَقَطَ ". قَالَ عَبْدُ المَلِكِ لِلحَارِثِ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ ثُمَّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّى تَرَكْتُهُ وَمَا تَحَمَّلَ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ. 404 - (...) وَحَدَّثَنِى محمد بْن حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِىُّ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى الباب: ثنا محمد بن حاتم، ثنا محمد بن بكر. وفيه: قال عبد الله ابن عبيد: وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان. كذا لهم، وعند الفارسى: وفد الحارث بن عبد الأعلى، وهو خطأ. وهو الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة (¬1) المذكور أول الحديث وبعده فى الحديث الآخر فى الأم. ¬

_ (¬1) الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة، يقال: ابن عياش بن أبى ربيعة، روى عن النبى - عليه السلام - مرسلاً وعن عمر ومعاوية وعائشة وحفصة وأم سلمة، وعنه: سعيد بن جبير والشعبى ومجاهد والزهرى وغيرهم، وروى البخارى فى تاريخه عن الشعبى أن الحارث ماتت أمه وهى نصرانية فشيعها أصحاب رسول الله - عليه السلام. ذكره بعض من ألف فى الصحابة، وذكره ابن معين فى تابعى أهل مكة، وذكره ابن حبان فى التابعين والثقات. التهذيب 2/ 144، 145.

حَاتِمُ بْنُ أَبِى صَغِيرَةَ، عَنْ أَبِى قَزَعَةَ؛ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ إِذْ قَالَ: قَاتَلَ اللهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، حَيْثُ يَكْذِبُ عَلى أُمِّ المُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، لوْلا حَدَثَانُ قَوْمِكِ بِالكُفْرِ لنَقَضْتُ البَيْتَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الحِجْرِ، فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرُوا فِى البِنَاءِ ". فَقَالَ الحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى رَبِيعَةَ: لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ المُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ هَذَا. قَالَ: لوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ، لتَرَكْتُهُ عَلى مَا بَنَى ابْنُ الزُّبَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فنكت ساعة بعصاه ": أى ضرب بطرفها فى الأرض كما يفعل المتفكر فى الأمر المهتم به.

(70) باب جدر الكعبة وبابها

(70) باب جدر الكعبة وبابها 405 - (...) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الجَدْرِ؟ أَمِنَ البَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: فَلِمَ لمْ يُدْخِلوهُ فِى البَيْتِ؟ قَالَ: " إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ ". قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِه مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: " فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلوا مَن شَاؤُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُوا، وَلوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِى الجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلوبُهُمْ، لنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الجَدْرَ فِى البَيْتِ، وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ ". 406 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ مُوسَى - حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحِجْرِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى الأَحْوَصِ. وَقَالَ فِيهِ: فَقُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا لا يُصْعَدُ إِليهِ إِلا بِسُلمٍ؟ وَقَالَ: " مَخَافَةَ أَنْ تَنْفِرَ قُلوبُهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث سعيد بن منصور: " فأخاف أن تنكره قلوبهم ". كذا لجمهور الرواة، وحدثنا به الخشنى عن الهَوْزنى: " تنكه قلوبهم " هكذا كان عنده، وإن لم [يكن] (¬1) تصحيفاً ووهماً فوجهه بعيد ولا يكاد يصح له ها هنا معنى، وفى هذا الحديث: " لنظرت أن أدخل الجدر فى البيت "، قال الشيخ: لعله قال: " الحجر فى البيت " ثبت قول الشيخ فى الأصل للسمرقندى والعذرى، ولا وجه لتوهيمه الرواية؛ إذ المراد بالجَدْر أسُ الحجر، وقد تقدم أنه روى بالوجهين الجَدْر، الحائط، ويكون - أيضاً - ما يرفع من جوانب الشربات فى أصول النخل وهى كالحيطان لها، ومنه الحديث: " اسق حتى تبلغ الجَدْر " (¬2)، وهى فى هذا الحديث بقايا حائط البيت الذى لم يتم عليه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) سيأتى فى ك الفضائل، ب وجوب اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث رقم (129).

(71) باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت

(71) باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت 407 - (1334) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِليْهَا وَتَنْظُرُ إِليْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلىَ الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلى عِبَادِهِ فِى الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُت عَلى الرَّاحِلةِ، أَفَاحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: " نَعَمْ "، وَذَلِكَ فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الخثعمية: إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى شيخاً كبيراً، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفاحج عنه؟ قال: " نعم ". قال الإمام: يرى المخالف أن من عجز عن الحج وله مال، فعليه أن يستنيب من يحج عنه، ويحتج بهذا [الحديث] (¬1)، وبقوله فى حديث آخر: " أرأيت لو كان على أبيك دين " (¬2) الحديث. وعندنا أنه لا يعلم (¬3) الاستنابة، ولنا قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} (¬4)، وهذا ظاهره استطاعة البدن، ولو كان المال لقال: إحجاج البيت، وكأن الحج فرع بين أصلين: أحدهما: عمل بدن مجرد؛ كالصلاة والصوم فلا يستناب فى ذلك، والثانى: المال؛ كالصدقة وشبهه (¬5)، فهذا يستناب فيه. والحج عمل بدن ونفقة مال، فمن غلب حكم البدن رده إلى الصلاة والصوم، ومن غلب حكم المال ردَّه إلى الصدقات والكفارات. قال القاضى: لا حجة للمخالف بظاهر هذا الحديث؛ إذ ليس قولها: " إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى شيخاً كبيراً " مما يوجب دخوله فى هذا الفرض، بل أخبرت أن إلزام الله عباده الحج الذى وقع بشرط من استطاع إليه سبيلاً، كان وأبوها بصفة من لا يستطيع، وهذه الزيادة هنا بقوله: " على عباده " تقضى على الأحاديث التى فيها: " أدركته " ولم يذكر فيها هذه الزيادة، ثم استأذنته فى: هل لها أن تحج عنه؟ وهل يباح ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) النسائى فى الكبرى، ك الحج، ب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين 2/ 324، أحمد 4/ 5. (¬3) فى ع: يلزمه. (¬4) آل عمران: 97. (¬5) فى ع: وشبه ذلك.

408 - (1335) حَدَّثَنِى عَلِىّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لها ذلك أو له فيه أجر ومنفعة؛ هذا أظهر معانى الحديث وهو مذهب مالك ومن شايعه، وقال بقوله من السلف والخلف: إن الاستطاعة على العموم، وهى القدرة على الوصول كيف تأتى، وليس من شرطه الراحلة لمن يقدر على الوصول على رجليه من غير مشقة فادحة. واختلف شيوخنا: هل تراعى فى ذلك عادته أم لا؟ قال مالك: ما ذلك إلا قدر طاقة الناس، ولا صفة فيها أبلغ مما قال الله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} (¬1)، وذهب معظم الفقهاء إلى أن الاستطاعة الزادُ والراحلة، ولم يلزموا من لا يقدر على الراحلة ويقدر على المشى الحج. وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن الاستطاعة الزاد والراحلة (¬2)، ولكن لا يوافقون المخالف فى مآل قوله: وقد جاء حديث بهذا فى تفسير الاستطاعة، وتأويله عندنا: أنها أحد أنواع الاستطاعات لا أنه تفسير كلية الاستطاعة، وعليه يتأول ما أطلقه من ذلك بعض أصحابنا بدليل حال أبى الخثعمية، وهو ممن يستطيع مع وجود الزاد والراحلة (¬3)، مع أن أهل الحديث قد ضعّفوا راوى هذا التفسير فى الحديث، ولعمرى إنه ليبين إن صح ويشير إلى معنى الاستطاعة وهو السبب الموصل للبيت من الزاد والراحلة، وما فى معناها من صحة الجسم وأمان الطريق؛ إذ الزاد والراحلة فى طيهما، فما قام مقامهما من صحة البدن قام مقامهما فى الوجوب. ¬

_ (¬1) آل عمران: 97. (¬2) انظر: التمهيد 9/ 126 وما بعدها، تفسير القرطبى 4/ 145 وما بعدها. وقال عمر بن الخطاب: {مَنِ اسْتَطَاعَ الَيْهِ سَبِيلاً}: قال: الزاد والراحلة، وبه قال ابن عباس وعطاء وعمرو بن دينار وسعيد بن جبير والحسن. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندنا بالصواب قول من قال بقول ابن الزبير وعطاء أن ذلك على قدر الطاقة؛ لأن السبيل فى كلام العرب الطريق، فمن كان واجداً طريقاً إلى الحج لا مانع له من زمانة أو عجز أو عدو أو قلة ماء فى طريقه أو زاد أو ضعف عن المشى، فعليه فرض الحج لا يجزيه إلا أداؤه، فإن لم يكن واجداً سبيلاً، أعنى بذلك؛ فإن لم يكن مطيقاً الحج لتعذر بعض هذه المعانى التى وصفتها عليه، فهو ممن لم يجد إليه طريقاً ولا يستطيعه؛ لأن الاستطاعة إلى ذلك هو القدرة عليه. انظر: تفسير الطبرى 4/ 11، 12. (¬3) الحديث فى الترمذى، ك الحج، ب ما جاء فى إيجاب الحج بالزاد والراحلة برقم (813)، وقال فيه: " حديث حسن "، وقال: فيه ابن يزيد الخوزى قد تكلم فيه 3/ 168، وابن ماجه، ك المناسك، ب ما يوجب الحج، عن ابن عمر، وجاء عن ابن عباس 2/ 967، والبيهقى فى الكبرى، ب الرجل يطيق المشى، عن أنس، وهو من مراسيل الحسن، وكذا حديث ابن عمر وابن عباس، ثم قال: أما حديث ابن عمر ضعفه أهل العلم بالحديث، وأما حديث أنس فما أراه إلا وهماً. وروى عن عائشة أنها قالت: سئل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما السبيل إلى الحج؟ قال: " الزاد والراحلة "، والمحفوظ منها حديث الحسن عن قتادة. الكبرى 4/ 330.

شِهَابٍ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الفَضْلِ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اتفقوا أنه لا يلزم المريض والشيخ والضعيف ومن لا يقدر على مشى الحج بنفسه؛ إذ ليس بمستطيع لهذا، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬1)، وقد قال - عليه السلام -: " لا تحل الصدقة لغنى، ولا لذى مرة سوى " (¬2)، فقد ألحق صحة الجسم بوجود المال، وقال تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِر} (¬3). ثم اختلفوا بعد إذا عجز لجسمه، كالشيخ الهرم ومن لزمته علة، أو خفت أعضاؤه عن الركوب والمشى، وهذا هو المعضوب وله مال، هل تلزمه الاستنابة فى الحج عن نفسه على ما تقدم؟ فمالك لا يوجبه (¬4)، ومعظمهم يوجبونه؛ أخذاً بظاهر الحديث، وأن الاستطاعة بالمال استطاعة، فيحج غيره عن نفسه ممن يطيقه لذلك بأجر أو بغير أجر، فإذا وجد ذلك وقدر عليه وجب عليه الحج. وهذه النيابة عنه، وهذا مذهب (¬5) الشافعى ومن شايعه، وأبو حنيفة (¬6) وغيره يقول: إذا لم يجد ما يكرى به من يحج عنه لم يلزمه، وإن تطوع له به متطوع من ولدٍ أو غيره. ثم اختلفوا إذا صح هذا المعضوب وقد حج عنه، فجمهور هؤلاء أنه يستأنف الحج ولا يجزئه تلك النيابة، وقال أحمد وإسحاق (¬7): يجزئه ذلك، وإذا أوصى بها وهو ضرورة كانت عند مالك وأبى حنيفة من ثلثه، وعند الشافعى من رأس ماله. وقد قلنا: إنه لا ظاهر فيه للوجوب، وأن قولها: " فريضة الله على عباده أدركت أبى " حين فُرض الحج على عباده المستطيعين كان أبى بصفة من لم يُفرض عليه من عدم الاستطاعة، وما فى الرواية الأخرى: " إن أبى شيخ كبير، عليه فريضة الله فى الحج، وهو لا يستطيع أن يستوى على ظهر بعيره "، فقد قلنا: إن الرواية الثانية بقوله: " على عباده " تبين هذا الإشكال وترفعه، وقيل: يحتمل أنها ظنت أن ذلك يجب عليه، وقيل: يحتمل أن يكون على ظاهره، وأنه كان حين فرض الحج ممن يستطيع، وهو الآن ممن لا يستطيع. وقد اختلف فى فرض الحج متى كان؟ فقيل: سنة خمس، وقيل: سنة تسع، وإذا احتمل هذا لم يكن فى قولها ذلك، وإقرار النبى - عليه السلام - لها عليه حجة للمخالف، ومما استدلوا به قوله فى كتاب مسلم فى الحديث الآخر: " أرأيت لو كان على أبيك دين ¬

_ (¬1) الحج: 87. (¬2) أبو داود، ك الزكاة، ب من يعطى من الصدقة وحد الغنى 1/ 379، والنسائى، ك الزكاة، ب إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلهم 5/ 99، وابن ماجه، ك الزكاة، ب من سأل عن ظهر غنى 1/ 589. (¬3) الحج: 27. (¬4): (¬6) انظر: الاستذكار 12/ 62، 63. (¬7) انظر: المغنى لابن قدامة 5/ 21 وما بعدها.

يَا رَسُولَ اللهِ، إِن أَبِى شَيْخٌ كَبِيرٌ، عَليْهِ فَرِيضَةُ اللهِ فِى الحَجِّ، وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِىَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أكنت تقضينه؟ " (¬1) والدين واجب وليس هذا بظاهر، إذ لا يلزم الولى قضاء دين وَليه، وإنما تمثيله بقضاء الدين فى المنفعة لحجها عنه من الأجر بما تنفق عنه فيه، ولا سيما إن كان الميت قد نذره، كما جاء فى الحديث الآخر: " وعليها نذر " (¬2)، فصارت تلك النفقة كالدين عليها؛ إذ الحج يجمع عمل المال والبدن، فمن أداه عنه أبرأ ذمته منه كالدين، وبما يناله من بركة دعائها هناك كما ينتفع بأداء الدين وزوال تباعته إذا قضاه عنه، وقد روى فى هذا: " قيل: أينفعه؟ قال: كما لو كان على أحدكم الدين فيقضيه وليُّه " (¬3)، وليس هذه صورة الوجوب، وقد روى عبد الرزاق عن الثورى: أن رجلاً سأل النبى - عليه السلام -: أأحج عن أبى؟ قال: " إن لم يزده خيراً لم يزده شراً " (¬4) لكنه مما تفرد به عبد الرزاق عن الثورى. قال أبو عمرو: حديث الخثعمية عند مالك وأصحابه مخصوص بها، كما خص سالم مولى أبى حذيفة برضاعة الكبير عنده وعند المخالف، وقال غيره: فى حديث الخثعمية اضطراب لا تقوم به حجة، مرة جاء: " إن فريضة الله أدركت أبى " كما هنا، ومرة جاء: " إن أمى ماتت وعليها نذر " (¬5)، ومرة جاء: أن السائل رجل، ولكن قد يحتمل - أيضاً - أنها قصص متفرقة، ومذهب مالك والليث والحسن بن حيى: أنه لا يحج أحد عن أحد، إلا عن ميت (¬6) لم يحج حجة الإسلام ولا ثبوت عن فرضه. قال مالك (¬7): إذا أوصى، وكذلك عنده ولو كان أوصى بالتطوع. وحكى عن النخعى وبعض السلف: لا يحج أحد عن أحد جملة، وحكى عن مالك مثله وإن كانت وصية، وقال جمهور الفقهاء: يجوز أن يحج عن الميت عن فرضه ونذره (¬8)، وإن لم يوص بذلك ويجزى عنه، واختلف قول الشافعى فى الإجزاء عن الفرض، وأجاز أبو حنيفة والثورى وصية الصحيح بالحج عنه تطوعاً، وروى مثله عن مالك، وقال بعض أصحابنا: لا يجوز ذلك إلا الابن عن أبيه (¬9)، وقال آخرون: أو عن ذوى القرابة القريبة (¬10)، يعنون من الموتى. وقال سفيان والحسن بن على: لا تحج فى الوصية بالحج من لم يحج عن نفسه، وقاله ¬

_ (¬1) سبق تخريجه ص 281. (¬2) البخارى، ك الوصايا، ب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا وقضاء النذور على الميت 2/ 10، وأبو داود، ك الأيمان والنذور، ب فى قضاء النذر عن الميت 1/ 212. (¬3) مسند الحميدى 1/ 235 برقم (507). (¬4) المصنف، ك الوصايا، ب الصدقة عن الميت 9/ 60 (16341) بنحوه. (¬5) البخارى، ك الاعتصام، ب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين قد بين الله حكمها ليفهم السائل 3/ 135. (¬6): (¬8) انظر: التمهيد 9/ 134 وما بعدها. (¬9) و (¬10) انظر: التمهيد 9/ 135.

عَلى ظَهْرِ بَعِيرِهِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَحُجِّى عَنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعى (¬1) فيمن حج عن ميت، وأجاز ذلك مالك، والاختيار عنده أن يكون من حج عن نفسه، وقال مرة: لا يحج عنه ضرورة ولا من فيه رق، وجمهورهم يكره الإجازة فى ذلك. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وأجازها الشافعى (¬2)، وله قول بكراهتها ابتداء، فإذا وقعت مضت وهو قول مالك (¬3). وقد قال بعض أصحابنا بإجازتها فى الميت دون غيره. وفى قوله: - عليه السلام - لها: " نعم " دليل على صحة الرخصة فى ذلك، وجواز النيابة فيه على سبيل التطوع، كما قدمناه. وعلى أحد القولين عندنا فى هذا الأصل، وجواز حج المرأة عن الرجل، خلافاً للحسن (¬4) بن حيى وحده، لمخالفتها إياه فى الإحرام، ولباس المخيط والخلاف وغير ذلك. وهدا الحديث يرد عليه، لا سيما على مذهبهم فى أنها تقضى عنه حجة الفريضة، وقد تقدم الكلام على الاستنابة [فى العبادات وما يجوز منها فيه] (¬5) وما لا يجوز صدر الكتاب، وتقدم فى حديث جابر الكلام على نظر الفضل. وقيل: فيه جواز حج المرأة بغير ذى محرم؛ إذ لم يسألها النبى - عليه السلام - عن ذلك، وفى هدا ضعف، وفيه ما يلزم الأئمة من تغيير ما تخشى فتنته ومنع ما ينكر فى الدين. وفى صرف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه الفضل عن جهتها وتغطيته وجهه على ما جاء فى الحديث الآخر تغيير الأمر من الجهتين، وفيه دليل على إحرام المرأة فى وجهها، قيل: وفيه أن الحجاب مرفوع عن النساء، ثابت على أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نص التلاوة؛ إذ لم يأمرها النبى - عليه السلام - بستر وجهها، وقد يقال: إن هذا كان قبل نزول الآية بإدناء الجلابيب والستر. قال أبو عبد الله: والاستتار للنساء سنة حسنة والحجاب على أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فريضة. وفيه الحُجة للقول بالقياس وتشبيه ما اختُلف فيه أو أشكل على ما اتفق عليه وحُقِّق؛ ولهذا ترجم البخارى عليه فى بعض تراجمه: من شبه أصلاً بنظر ما بأصل مبين. قالوا: وفيه أن العمرة غير واجبة؛ إذ ذكرت الحج وفرضه وعجز أبيها عن ذلك ولم تذكر العمرة. ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 9/ 136. (¬2) و (¬3) انظر: التمهيد 9/ 137. (¬4) جاء فى التمهيد: وقال الحسن بن صالح بن حيى: يكره أن تحج المرأة عن الرجل، ولا يكره أن يحج الرجل عن المرأة؛ لأن المرأة تلبس والرجل لا يلبس. وفى حديث الخثعمية رد على الحسن، فى قوله السابق. التمهيد 9/ 136، 137. (¬5) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

(72) باب صحة حج الصبى، وأجر من حج به

(72) باب صحة حج الصبىّ، وأجر من حج به 409 - (1336) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو بَكْر: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ - مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقِىَ رَكْبًا بِالَرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: " مَنْ القَوْمُ؟ ". قَالوا: المُسْلِمُونَ. فَقَالوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: " رَسُولُ اللهِ "، فَرَفَعَتْ إِليْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًا فَقَالتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَلكِ أَجْرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إنه - عليه السلام - لقى ركباً بالروحاء فقال: " من القوم؟ " قالوا: المسلمون. قالوا: من أنت؟ قال: " رسول الله ": يحتمل أن هذا اللقاء كان ليلاً، ويحتمل أن يكون نهاراً، لكنهم ممن لم يهاجروا إلى المدينة ولا وفد عليه من الأعراب والقبائل الذين أسلموا، وقد تقدم فى حديث جابر أنه أُذّن فى الناس أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاج، فقدم المدينة خلق كثير ليأتموا به (¬1)، فلعل هؤلاء ممن قدم فلم يلقوه إلا هناك، ولذلك لم يعرفوه. وقوله: فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: " نعم، [ولك أجر] (¬2) "، قال الإمام؟ فيه حجة لنا وللشافعى (¬3) على أن الصغير ينعقد عليه الحج، ويجتنب ما يجتنب المحرم، وأبو حنيفة (¬4) لا يرى ذلك، وقد يقول أصحابه: يُحمل هذا على أنه يراد به تمرين الصغار على الحج. وإن قالوا: [يحتمل] (¬5) أن يكون هذا كان بالغاً. قلنا: فما فائدة السؤال: هل له حج؟ وهذا يبطل تأويلهم، وأيضاً فى بعض طرق الحديث فى غير كتاب مسلم: أن الصبى كان صغيراً (¬6). قال القاضى: قوله فى حديث مسلم: " رفعت امرأة صبياً لها ". يدل على صغره؛ إذ لا ترفعه غالباً إلا وهو بتلك الحال، لا سيما رفعه بذراعه، على ما جاء فى الموطأ (¬7): فأخذت بضبعى صبى لها، قال: وهى فى محفتها، وفى غيره: فأخرجته من محفتها (¬8). ولا خلاف بين أئمة العلم فى جواز الحج بالصبيان، إلا قوماً من أهل البدع منعوه، ولا يلتفت لقولهم. وفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضاً - لذلك وإجماع الأئمة والصحابة يرد قولهم، وإنما الخلاف ¬

_ (¬1) حديث جابر الطويل سبق برقم (147). (¬2) من ع. (¬3) انظر: الحاوى 4/ 206. (¬4) الاستذكار 13/ 332، وانظر: المغنى 5/ 45 وما بعدها. (¬5) فى هامش ع. (¬6) ابن ماجه، ك الحج، ب حج الصبى (2910) من حديث جابر بن عبد الله. (¬7) الموطأ، ك الحج، ب جامع الحج 1/ 422 (244) من حديث ابن عباس - رضى الله عنه. (¬8) مسند أحمد 1/ 219.

410 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًا لهَا، فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ " " نَعَمْ، وَلكِ أَجْرٌ ". 411 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًا فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ - " نَعَمْ، وَلكِ أَجْرٌ ". (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ للعلماء هل ينعقد حكم الحج عليهم كما ذكره، وفائدة الخلاف فى ذلك إلزامهم من الفدية والدم والجبر ما يلزم الكبير أم لا (¬1)؟ فأبو حنيفة لا يلزمهم شيئاً، وإنما يجتنب عنده ما يجتنب المحرم على طريق التعليم والتمرين. وسائرهم يلزمونه ذلك، ويرون حكم الحج منعقداً عليه؛ إذ جعل له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجًا. وأجمعوا أنه لا يجزئه إذا بلغ من الفريضة، إلا فرقة شذت، فقالت: إنه يجزئه ولم يلتفت العلماء إلى قولها. ثم اختلفوا فيمن أحرم وهو صبى فبلغ قبل عمل شىء من الحج، فقال مالك (¬2): لا يرفض إحرامه ويتم حجه، ولا يجزئه عن حجة الإسلام، قال: وإن استأنف الإحرام قبل الوقوف بعرفة أجزأه عن حجة الإسلام، وقال: يجزئه إن نوى بإحرامه الأول حجة الإسلام، وقال أبو حنيفة: يلزمه تجديد النية للإحرام ورفض الأول؛ إذ لا يترك فرض النافلة، وقال الشافعى: تجزئه ولا يحتاج إلى تجديد نية، ولذلك اختلفوا على هذا فى العبد يحرم ثم يعتق سواء. واختلف عن مالك فى الرضيع ومن لا يفقه، هل يحج به؟ وحمل أصحابنا أن قوله بالمنع إنما هو على الاستحباب لتركه والكراهة لفعله لا على التحريم، فقال كثير من العلماء: إن الصبى يثاب على طاعته ويكتب له حسناته دون سيئاته، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب. وقد اختلف هل هم مخاطبون على جهة الندب أم غير مخاطبين، إنما يخاطب أولياؤهم بحملهم على آداب الشريعة وتمرينهم عليها، وأخذهم بأحكامها فى أنفسهم وأموالهم؟ وهذا هو الصحيح، ولا يبعد مع هذا أن يتفضل الله بادخار ثواب ما عملوه من ذلك لهم. وقوله: " ولك أجر ": يعنى فيما تتكلفه من أمره بالحج وتعليمه إياه، وتجنبه ما يلزم فيه، وقد تقدم شىء من هذا الباب. ¬

_ (¬1) انظر: الحاوى 4/ 210 وما بعدها. (¬2) انظر: الاستذكار 13/ 322، التمهيد 1/ 110.

(73) باب فرض الحج مرة فى العمر

(73) باب فرض الحج مرة فى العمر 412 - (1337) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ ابْنُ مُسْلِمٍ القُرَشِىُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا ". فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلّ عَامٍ يَا رَسُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " قد فرض الله عيكم الحج [فحجُّوا] (¬1) "، فقال رجل: أكُلّ عام؟ [فسكت] (¬2) ثم قال: " لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم " الحديث، قال الإمام: اختلف الناس فى الأمر المطلق، فقال بعضهم: يُحمل على فعل مرة واحدة، وقال بعضهم: على التكرار. وقال بعضهم: بالوقف (¬3)، فيما زاد على مرة، وظاهر هذا أن السائل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما سأله لأن ذلك عنده يحتمل، فيصح أن يكون ذهب إلى بعض هذه الطرق، ويصح أن يكون إنما احتمل عنده من وجه آخر. وذلك أن الحج فى اللغة: قصد فيه تكرير، فيكون احتمل عنده التكرير من جهة اشتقاق اللفظ، وما يقتضيه من التكرار وقد تعلق بما ذكرنا عن أهل اللغة ها هنا من قال بإيجاب العمرة، وقال: لما كان قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (¬4) يقتضى على حكم الاشتقاق المتكرر، واتفق على أن - الحج لا يلزم إلا مرة واحدة - كانت العودة إلى البيت تقتضى أن تكون فى عمرة حتى يحصل التردد إلى البيت، كما اقتضاه الاشتقاق. قال القاضى: فيه ما كان - عليه السلام - من صفة الرأفة والرحمة بأمته، وفيه دليل على أنه كان له أن يشرع فى الدين برأيه ويجتهد فيه. وقد اختلف فى هذا الأصل لقوله: " لو قلت: نعم، لوجبت ". وقوله: " ذرونى ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم " الحديث: دليل على أن الأشياء على استصحاب حال الإباحة فيما لم ينزل فيه حكم. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) ساقطة من ع. (¬3) فى ع: إلى الوقف. (¬4) آل عمران: 97.

اللهِ؟ فَسَكَتَ. حَتَّى قَالهَا ثَلاثًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لوَجَبَتْ. وَلمَا اسْتَطَعْتُمْ "، ثُمَّ قَالَ: " ذَرُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بَشَىْءٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَدَعُوهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "، من قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1)، وقد قيل: إنها ناسخة لقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (¬2)، وقيل: لا نسخ فيها، وهى مفسرة ومُبينّة؛ لأن حق تقاته تعالى: هو امتثال العبد ما أمر به، وما أمره إلا بما استطاع، وما جعل عليه فى الدين من حرج. ¬

_ (¬1) التغابن: 16. (¬2) آل عمران: 102.

(74) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

(74) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره 413 - (1338) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلَاثًا، إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَة. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم "، قال الإمام: أبو حنيفة يشترط فى وجوب الحج على المرأة وجود ذى محرم (¬1)، والشافعى يشترط ذلك، أو امرأة واحدة (¬2)، ومالك لا يشترط شيئاً من ذلك (¬3). وسبب الخلاف معارضة عموم الآية لهذا الخبر، فعموم الآية قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ} (¬4) وهو يقتضى الوجوب وإن لم يكن ذو محرم، والحديث يخصص الآية (¬5)، فمن خصص الآية به اشترط المحرم، ومن لم يخصصها لم يشترط. وقد تحمل مالك الحديث على سفر التطوع، ويؤيد [مذهبه] (¬6) - أيضاً - أن يقول: اتفق على أن عليها أن تهاجر من دار الكفر وإن لم تكن ذو محرم، لما كان سفراً واجباً فكذلك الحج، وقد ينفصل عن هذا بأن يقال: إقامتها فى دار الكفر لا تحل، وتخشى على دينها ونفسها، وليس كذلك التأخر عن الحج، وأيضاً فإن الحج يختلف (¬7) فيه، هل هو على الفور أو التراخى؟ قال القاضى: لا خلاف فى وجوب الحج على المرأة كالرجل إذا استطاعته، وأن حكمها حكمه فى الاستطاعة على اختلاف العلماء فيها كما تقدم ذكره، إلا أن الحج لا يلزمها إن قدرت على المشى عندنا بخلاف الرجل، لأن مشيها عورة إلا فيما قرب من مكة، وجعل أبو حنيفة فيها ذا المحرم من جملة الاستطاعة (¬8) كما ذكر، إلا أن تكون دون مكة ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 13/ 236. (¬2) و (¬3) انظر: الاستذكار 13/ 237. (¬4) آل عمران: 97. (¬5) فى ع: ذلك. (¬6) فى هامش ع. (¬7) فى ع: مختلف. (¬8) انظر: التمهيد 9/ 126.

فِى رِوَايةِ أَبِى بَكْرٍ: فَوْقَ ثَلاثٍ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِى رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ: " ثَلاثَةً إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ". 414 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَاكُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةً ثَلاثِ ليَالٍ، إِلا وَمَعَهَا ذُو محْرَمٍ ". 415 - (827) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ - وَهُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ - عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَعْجَبَنِى، فَقُلْتُ لهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَقُولُ عَلىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لمْ أَسْمَعْ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ؛ مَسْجِدِى هَذَا، وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، أَوْ زَوْجُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بثلاث ليال، ووافقه على ذلك جماعة من أصحاب الرأى وفقهاء أصحاب الحديث، وروى عن النخعى والحسن، وذهب الحسن وعطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين ومالك والأوزاعى والشافعى إلى أنه ليس بشرط (¬1)، ويلزمها حج الفريضة دونه، وروى عن عائشة، لكن الشافعى - فى أحد قوليه - يشترط أن يكون معها نساء ولو كانت واحدة تقية مسلمة (¬2)، وهو ظاهر قول مالك على اختلاف فى تأويل قوله: " تخرج مع رجال ونساء " هل لمجموع ذلك أم فى جماعة من أحد الجنسين؟ وأكثر ما نقله أصحابنا عنه اشتراط النساء. وقال ابن عبد الحكم من أصحابنا: لا تخرج مع رجال ليسوا منها بمحرم، ولعل مراده على الانفراد دون النساء، فيكون وفاقاً لما تقدم عندنا. ولم يختلفوا أنه ليس لها أن تخرج فى غير فرض الحج إلا مع ذى محرم. وقال الباجى: وهذا عندى فى الانفراد والعدد اليسير، فأما فى القوافى العظيمة فهى عندى كالبلاد، يصح فيها سفرها دون نساء وذوى محارم، قال غيره: وهذا فى الشابة، فأما المتجالة فتسافر كيف شاءت للفرض والتطوع مع الرجال ودون ذوى المحارم (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 13/ 237. (¬2) الاستذكار 13/ 236 وما بعدها. (¬3) انظر: المنتقى 3/ 82.

416 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، فَأَعْجَبْنَنِى وَآنَقْنَنِى، نَهَى أَنْ تُسَافِرَ المَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. وَاقْتَصَّ بَاقِىَ الحَدِيثِ. 417 - (...) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلَاثًا، إِلا مَعَ ذِى مَحْرَمٍ ". 418 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ. قَالَ أَبُو غَسَّانَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلاثِ ليَالٍ، إِلا مَعَ ذِى مَحْرَمٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الرواية الواحدة عن أبى سعيد: " ثلاث ليال " وفى الأخرى: " يومين " وفى الأخرى: " أكثر من ثلاث " وفى حديث ابن عمر: " ثلاث " وفى حديث أبى هريرة: " مسيرة ليلة " وفى الأخرى عنه: " يوم وليلة " وفى الأخرى عنه: " ثلاثاً ": وهذا كله ليس يتنافر ولا يختلف، فيكون - عليه السلام - منع من ثلاث، ومن يومين، ومن يوم، أو يوم وليلة وهو أقلها، وقد يكون قوله - عليه السلام - هذا فى مواطن مختلفة، ونوازل متفرقة، فحدث كل من سمعها بما بلغه منها وشاهده، وإن حدث بها واحد فحدث مرات بها على اختلاف ما سمعها، وقد يمكن أن يلفق بينها بان اليوم المذكور مفرداً، والليلة المذكورة مفردة بمعنى اليوم والليلة المجموعين؛ لأن اليوم من الليل والليل من اليوم، ويكون ذكره يومين مدة مغيبها فى هذا السفر فى السير والرجوع، فأشار مرة بمسافة السفر ومرة بمدة المغيب، وهكذا ذكر الثلاث، فقد يكون اليوم الوسط بين السير والرجوع التى تقضى فيه حاجتها بحيث سافرت له، فتتفق على هذا الأحاديث، وقد يكون هذا كله تمثيلاً لأقل الأعداد؛ إذ الواحد أول العدد وأقله، والاثنان أول التكثير وأقله، والثلاث أول الجمع، فكأنه أشار أن مثل هذا فى قلة الزمن لا يحل لها السفر فيه مع غير ذى محرم (¬1)، فكيف بما زاد؟ ولهذا قال فى الحديث الآخر: " ثلاثة أيام فصاعداً " وبحسب اختلاف هذه الروايات اختلف الفقهاء فى تقصير المسافر وأقل السفر، فأبو حنيفة بالثلاث، ومالك ¬

_ (¬1) الاستذكار 13/ 238.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثٍ، إِلا مَعَ ذِى مَحْرَمٍ ". 419 - (1339) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةً ليْلةٍ، إِلَا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والشافعى باليوم والليلة واليومين، التى هى أقل ما وقع عليها اسم السفر بمقتضى هذا الحديث، على ما ذكرناه فى الصلاة. وقوله: " إلا ومعها ذو محرم ": عموم فى ذوى المحارم، وكراهة مالك سفرها مع ابن زوجها وإن كان ذا محرم منها، فإنما ذلك لفساد الناس بعد، وأن المحرمية عنهم فى هذا ليست فى المراعاة كمحرمية النسب، والمرأة فتنة ممنوع الانفراد بها لما جبلت عليه نفوس البشر من الشهوة فيهن، وسلط عليهم من الشيطان بواسطتهن، ولأنهن لحم على وضم (¬1) إلا ما ذب عنه، وعورة مضطرة إلى صيانة وحفظ وذى غيرة يحميها ويصونها، وطبع الله فى ذوى المحارم من الغيرة على محارمهن والذب عنهن ما يؤمن عليهن فى السفر معهم ما يخشى. وقوله: " فأعجبننى وآنقننى ": معنى " آنقننى ": أى أعجبتنى، وإنما جاز تكرار المعنى لاختلاف اللفظ، والعرب تفعل ذلك كثيرًا للبيان والتأكيد، قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (¬2)، والصلاة من الله الرحمة، وقال الله تعالى: {فَكَلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا} (¬3)، والطيب هنا الحلال، وأنشد للحطيئة: ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأى والبعد وقال آخر: يبكيك نأى بعيد الدار مغترب ... يا للكهول وللشبان للعجب والنأى: هو البعيد والمغترب، ومثله كثير فى حديث ابن مسعود - رضى الله عنه -: " إذا وقعت فى آل حاميم وقعت فى روضات أتأنق فيهن " (¬4) قال أبو عبيد: أى أتتبع محاسنهن. وقال أبو حمزة: معناه: أستلذ بقراءتهن. والمونق: المعجب، ومنه: منظر مونق. قال القاضى: وقوله: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث: فيه تعظيم ¬

_ (¬1) الوضم: كل شىء يوضع عليه اللحم من خشب أو بارية يوقى به من الأرض. انظر: اللسان، مادة " وضم ". (¬2) البقرة: 157. (¬3) الأنفال: 69. (¬4) الدر المنثور للسيوطى 5/ 344.

420 - (...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، إِلا مَعَ ذِى مَحْرَمٍ ". 421 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ المَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَليْلةٍ، إِلا مَعَ ذِى مَحْرَمٍ عَليْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه المساجد وخصوصها بشد الرحال إليها، ولأنها مساجد الأنبياء، ولفضل الصلاة فيها، وتضعيف أجرها، ولزوم ذلك لمن نذره، بخلاف غيرها مما لا يلزم ولا يباح بشد الرحال إليها إلا لناذر، ولا لمتطوع لهذا النهى، إلا ما ألحقه محمد بن مسلمة من مسجد قباء، وإلزامه إتيانه لمن نذره؛ لما روى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتى قباء راكباً وماشياً، وما روى عنه من فضل الصلاة فيه كما ذكر فى المساجد الأُخر، ولما روى أنه المسجد الذى أسس على التقوى على خلاف فيه، هل هو أو مسجد المدينة؟ وإنه مسجد المدينة (¬1) مذهب الجمهور والمذكور عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال الداودى: إتيان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجد قباء يدل أن ما قرب من المساجد الفاضلة من المصر فلا بأس أن يؤتى مشياً وركوباً، ولا يدخل فى النهى فى أعمال المطى لغير المساجد الثلاثة تأيد؛ لأن الأعمال وشد الرحال لا يكون لما قرب غالباً، وذهب بعضهم إلى أنه إنما يمنع أعمال المطى للناذر، وأما لغير الناذر ممن يرغب فضل مشاهد الصالحين فلا. قال الإمام: خرج مسلم فى باب " لا يحل لامرأة ": ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك بن أنس، عن سعيد بن أبى سعيد، عن أبيه، عن أبى هريرة، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال بعضهم: هكذا وقع فى نسخ عن أحمد وأبى العلاء والكتانى، وكذا رواه مسلم عن قتيبة، عن الليث، عن سعيد، ومسلم - أيضاً - والبخارى عن ابن أبى ذئب، [عن سعيد، عن أبيه، واستدرك عليهما الدارقطنى (¬2) إخراجهما عن ابن أبى ذئب] (¬3)، وعلى مسلم حديث الليث، واحتج بأن مالكاً ويحيى بن أبى كثير وسهيلاً قالوا: عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة، [فلم يذكروا " عن أبيه "] (¬4)، والصحيح عن مسلم فى ¬

_ (¬1) الترمذى، ك تفسير القرآن، ب تفسير سورة التوبة 5/ 280 برقم (3099). وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، من حديث عمران بن أبى أنس - رضى الله عنه. (¬2) الإلزامات والتتبع للدارقطنى ص 134. (¬3) فى هامش ع. (¬4) سقط من ع.

422 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا، إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا ". 423 - (1340) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، إِلا وَمَعَهَا أَبُوهَا، أَوْ أَبْنُهَا، أَوْ زَوْجُهَا، أَوْ أَخُوهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 424 - (1341) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: " لا يَخْلوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِى مَحْرَمٍ "، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِى خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّى اكْتُتِبْتُ فِى غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: " انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثه هذا عن يحيى بن يحيى، عن مالك، عن سعيد عن [أبى هريرة] (¬1)، ليس فيه والد سعيد، ولذلك خرجه أبو مسعود الدمشقى، وكذا (¬2) رواه [جل] (¬3) أصحاب مالك من رواة الموطأ عنه (¬4). قال القاضى: قال الدارقطنى: ورواه الزهرانى والفروى عن مالك فقالا: عن أبيه. وقوله: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ": كما تقدم من أمن غلبة الشهوة والفتنة عليهما لحضور ذى المحرم لغيرته عليها وذبه عنها. ¬

_ (¬1) في هامش ع. (¬2) فى ع: وكذلك. (¬3) زائدة فى ع. (¬4) فى ع: عن مالك.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ - يَعْنِى ابْنَ سُليْمَانَ - المَخْزُومِىِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلمْ يَذْكُرْ: " لا يَخْلوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتى خرجت حاجة، وإنى اكتتبت فى غزوة كذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك ": فيه وجوب الحج على النساء، وإلزام أزواجهن تركهن وندبهم (*) إلى الخروج معهن، وأن ذلك أفضل من خروجه للغزو؛ لأن المعونة على أداء الفريضة مؤكدة، وقد تكون فريضة فى بعض الوجوه.

___ (*) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوعة: "وندبهن"، وهو خطأ لغة، والصواب ما أثبتناه، وهو الموافق لما نقل عن القاضي عياض -رحمه الله-، في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل (7/ 170)

(75) باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره

(75) باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره 425 - (1342) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مَحْمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَليًا الأَزْدِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَلمَهُمْ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (¬1) اللهُمَّ، إِنَّا نَسْأَلكَ فِى سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى. اللهُمَّ، هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ. اللهُمَّ، أَنْتَ الصَّاحِبُ فِى السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ فِى الأَهْلِ. اللَّهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ وَسُوءِ المُنْقَلبِ، فِى المَالِ وَالأَهْلِ ". وَإِذَا رَجَعَ قَالهُنَّ. وَزَادَ فِيهِنَّ: " آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ". 426 - (1343) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ، يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المُنْقَلبِ، وَالحَوْرِ بَعْدَ الكُوْنِ، ودَعْوَةِ المَظْلومِ، وَسُوءِ المَنْظَرِ فِى الأَهْلِ وَالمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعوذ بك من وعثاء السفر "، قال الإمام: معناه: شدته ومشقته. وأصله من الوَعْث وهو الدَّهش، وهو الرمل الرقيق، والمشى فيه يشتد (¬2) على صاحبه، فجعله مثلاً لكل ما يشق على صاحبه. وقوله: " من الحور بعد الكور "، قال القاضى: هكذا رواية العذرى، وبعضهم بالراء، ورواه الفارسى وابن سعيد " بعد الكون " بالنون. قال القاضى: وهو المعروف فى رواية عاصم الأحول الذى ذكره مسلم، قال أبو إسحاق الحربى: يقال: إن عاصماً وهم فيه، وصوابه: " الكور " بالراء. قال الإمام: معنى " الحور بعد الكور ": النقصان بعد الزيادة، وقيل: معناه: ¬

_ (¬1) الزخرف: 13، 14. (¬2) فى ع: يشد.

427 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنِى حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ عَبْدِ الوَاحِدِ: " فِى المَالِ وَالأَهْلِ ". وَفِى رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ خَازمٍ قَالَ: يَبْدَأُ بِالأَهْلِ إِذَا رَجَعَ. وَفِى رِوَاَيَتِهِمَا جَمِيعًا: " اللَّهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعَثَاءِ السَّفَرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أعوذ بك من الرجوع عن الجماعة [بعد الكورى: أى] (¬1) بعد أن كنا فى الكور، [أى] (¬2) فى الجماعة، يقال: كار عمامته: إذا لفها، وحارها: إذا نقضها، وقيل: يجوز أن يكون أراد بذلك أعوذ بك أن تفسد أمورنا وتنتقض بعد صلاحها، كنقض العمامة بعد استقامتها على الرأس. ومن رواه: " بعد الكون " بالنون فقال أبو عبيد: سئل عاصم عن معناه، فقال: ألم تسمع إلى قولهم: حار، بعد ما كان يقول: إنه كان على حالة جميلة فما عن ذلك، أى رجع قال الله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ لَّن لن يَحُورَ} (¬3) أى لن يرجع. والحور: الرجوع. قال القاضى: وقال الحربى فى قوله: " الحور بعد الكور " بعد ذكره جميع ما تقدم ذكره. وقيل: فيه تعوذ من القلة بعد الكثرة. ¬

_ (¬1) و (¬2) من ع. (¬3) الانشقاق: 14.

(76) باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره

(76) باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره 428 - (1344) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَفَلَ مِنَ الجُيُوشِ أَوِ السَّرَايَا أَوِ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ، إِذَا أَوْفَى عَلى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَد كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: " لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، لهُ اَلمُلكُ وَلهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا أوفى على ثنية أو فدفد "، قال الإمام: الفدفد: الموضع الذى فيه غلظ ارتفاع، وجمعه فدفاد. قال القاضى: هذا قول أبى زيد، وقال ابن الأنبارى: الأرض الغليظة ذات الحصى، فلا تزال الشمس تبرق فيها، وقال غيرهما: فلاة فدفد: لا شىء فيها. ومعنى " آيبون ": راجعون، وقيل: تكبيره - عليه السلام - فى رجوعه إظهار لكلمة الإسلام، وتعظيم لله؛ لأن سفره - عليه السلام - إنما كان فى طاعته وإقامة شريعته ونصرة دينه من حج أو غزوٍ أو عمرة، وخصوصه بذلك كلما علا شرفاً، حيث قوى ما فتحه الله عليه من الأرض ومكن دينه فيها، ولأن مواضع الإعلان بالذكر مما علا وشرف كالأذان، وحمده له تعالى لما يستوجبه تعالى من ذلك، ولتمام نعمته بقفوله ومن معه سالمين ظاهرين مبلغين الأمل، عزيز الجانب، عائداً له تائباً مما لا يرضاه، ومثله مما عدده من نعم ربه وأظهره من نصره له، وصدقه بذلك وعده، وهزمه عدوه. وقوله: " وهزم الأحزاب وحده ": الظاهر أنه أراد بالأحزاب: قصة يوم الأحزاب خصوصاً، فيكون معنى " وحده ": أن هزمهم كان من قبله تعالى، وعلى غير أيدى البشر، كما قال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَروْهَا} (¬1) وعلى هذا المعنى ينعطف قوله: " صدق الله وعده " تكذيباً لقول المنافقين فى هذه القصة: {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا} (¬2)، وقيل: يحتمل أنه أراد به أحزاب الكفر فى سائر الأيام ¬

_ (¬1) الأحزاب: 9. (¬2) الأحزاب: 12.

(...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، كُلهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. إِلا حَدِيثَ أَيُّوبَ، فَإِنَّ فِيهِ التَّكْبِيرَ مَرَّتَيْنِ. 429 - (1345) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَقْبَلنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ، وَصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلى نَاقَتِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَهْرِ المَدِينَةِ قَالَ: " آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ "، فلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا المَدِينَةَ. (...) وَحَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمواطن، وقيل: يحتمل أن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق وعده " إلى آخره خبر عما تفضل الله به عليه وعلى أمته، ويحتمل أن يكون دعاء، كما يقال: غفر الله لك، وسمع الله لمن حمده. فيه جواز السجع فى الدعاء والكلام إذا كان بغير تكلف، وإنما نهى عنه من ذلك ما كان باستعمال وبروية؛ لأنه يشغل عن الإخلاص، ويقدح فى النية، وأما ما ساقه الطبع وقذف به قوة الخاطر دون تكلف ولا استعمال يباح فى كل شىء. وفى استعاذته - عليه السلام - هنا دعوة المظلوم، وتعظيم أمر الظلم، التنبيه على الحذر من دعوته، والإشعار أنها متقبلة، كما جاء فى غير هذا الحديث.

(77) باب التعريس بذى الحليفة، والصلاة بها إذا صدر من الحج أو العمرة

(77) باب التعريس بذى الحليفة، والصلاة بها إذا صدر من الحج أو العمرة 430 - (1257) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ التِى بِذِى الحُليْفَةِ، فَصَلى بِهَا. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. 431 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ المُهَاجِرِ المِصْرِىُّ، أَخْبَرَنَا الليْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ - وَاللفْظُ لهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُنِيخُ بِالبَطْحَاءِ التِى بِذِى الحُليْفَةِ، التِى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنِيخُ بِهَا، وَيُصَلى بِهَا. 432 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ المُسَيَّبِىُّ، حَدَّثَنِى أَنَسٌ - يَعْنِى أَبَا ضَمْرَةَ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَدَرَ مِنَ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ، أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ التِى بِذِى الحُليْفَةِ، التِى كَانَ يُنِيخُ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 433 - (1346) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ مُوسَى - وَهُوَ ابْنُ عُقْبَةَ - عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِىَ فِى مُعَرَّسِهِ بِذِى الحُليْفَةِ، فَقِيلَ لهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أناخ بالبطحاء، الذى بذى الحليفة وصلى بها "، وذكر أن عبد الله ابن عمر وسالماً كانا يفعلان ذلك، وابنه سالم يتحرى معرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. المعرس: تقدم تفسيره أنه موضع. قال أبو زيد: عرس القوم فى المنزل: نزلوا به، أى وقت كان من ليل أو نهار. وقال الخليل والأصمعى: التعريس: النزول آخر الليل. والنزول بالبطحاء بذى الحليفة فى الرجوع للحاج ليس من مناسك الحج، فعله من أهل المدينة من فعله تبركاً بأفعال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتتبعًا لمواضع نزوله ومواطنه، وهو كان شأن ابن عمر، وطلباً - أيضاً - لفضل الموضع، ولما جاء فيه من أنه قيل للنبى - عليه السلام -: إنك ببطحاء مباركة، وقد استحب مالك النزول فيه والصلاة به، وألا يجاوز

434 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ - واللفْظُ لِسُرَيْجٍ - قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِىَ، وَهُوَ فِى مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِى الحُليْفَةِ فِى بَطْنِ الوَادِى. فَقِيلَ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. قَالَ مُوسَى: وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالمُنَاخِ مِنَ الْمَسْجِدِ الذِى كَانَ عَبْدُ اللهِ يُنِيخُ بِهِ، يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الذِى بَبَطْنِ الوَادِى، بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلةِ وَسَطًا مِنْ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى يصلى فيه، وإن كان فى غير وقت صلاة، أقام به حتى يحل وقت الصلاة فيصلى فيه، وقيل: إنما كان مراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتعريس ببطحاء مباركة ذى الحليفة فى رجوعه، وللمقام به حتى يصبح؛ لئلا يفجأ الناس أهاليهم ليْلاً، كما نهى عنه تصريحاً فى غير هذا الحديث، حتى يبلغهم الخبر فتمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة، ويصلح النساء من شأنهن؛ لئلا تقع عين أو أنف منهن على ما يكره، فيقدح فى الألفة ودوام الصحبة. وقد تقدم اختلاف حاليه فى الخروج والدخول أول الكتاب وعلة ذلك.

(78) باب لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر

(78) باب لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر 435 - (1347) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنِى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِى الحَجَّةِ التِى أَمَّرَهُ عَليْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ فِى رَهْطٍ، يُؤَذِّنُونَ فِى النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بَالبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بعثنى أبو بكر فى الحجة التى أمره عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل حجة الوداع فى رهط، يؤذنون فى الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريان ": قد تقدم الكلام فى هذا الفصل. قال الإمام: وهذا قول مالك، وذهب الشافعى إلى أنه يوم عرفة، وحجتنا أن يوم النحر هو الذى يجتمع فيه جميع أهل الموسم من الحمس وغيرهم، وفيه كان الأذان، [وقد قال الله تعالى: {وَأَذانٌ] (¬1) مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} (¬2). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) التوبة: 3.

(79) باب فى فضل الحج والعمرة ويوم عرفة

(79) باب فى فضل الحج والعمرة ويوم عرفة 436 - (1348) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ عَنِ ابْنِ المُسَيِّب. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مَنْ يَوْم عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ ليَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ المَلائِكَةَ. فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ؟ ". 437 - (1349) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ سُمَىٍّ - مَوْلى أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " العُمْرَةِ إِلَىَ العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ، ليْسَ لهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى فضل يوم عرفة: " وإنه ليدنو، ثم يباهى بهم الملائكة "، قال الإمام: معناه يدنو دنو كرامة وتقريب، لا دنو مسافة ومماسة. قال القاضى: يتأول فيه ما يتأول فى النزول على أحد الوجوه المتقدمة، كما قال فى الحديث الآخر: " من غيظ الشيطان يوم عرفة لما يرى فيه تنزل الرحمة " (¬1)، وقد روى عبد الرزاق فى هذا الحديث: " إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهى بهم الملائكة " (¬2)، وقد يريد به دنو الملائكة إلى الأرض، أو إلى السماء الدنيا، بما نزل عليهم من رحمة الله، مباهاة الملائكة بهم عن أمره، كما جاء فى الحديث من قوله: " ثم يباهى بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء هنا؟ " تم الكلام فى كتاب مسلم مبتوراً، وذكر هذا الفضل كاملاً عبد الرزاق من رواية ابن عمر، وفيه ذكر وقوف عرفة، وأن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهى بهم الملائكة، يقول: " هؤلاء عبادى جاؤونى شعثاً غبراً، يرجون رحمتى، ويخافون عذابى ولم يرونى، فكيف لو رأونى؟ " (¬3). وذكرتا فى الحديث. وقوله: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما "، قال الإمام: معنى اعتمر البيت: زاره، والاعتمار: الزيارة، قال الشاعر: ¬

_ (¬1) الموطأ، ك الحج، ب جامع الحج 1/ 422 (245). (¬2) المصنف، ك الحج، ب فضل الحج 5/ 17 (8832). (¬3) المصدر السابق، ك الحج، ب فضل الحج 5/ 16 (8830).

(...) وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عَيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن المُخْتَارِ، عَنْ سُهَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يهل بالفدفد ركبانها ... كما يهل الراكب المعتمر وقال آخرون: معنى الاعتمار والعمرة: القصد، قال الشاعر: لقد سما ابن معْمر حين اعتمر أراد حين قصد. [قال القاضى] (¬1): اختلف الناس فى العمرة، هل هى واجبة أم لا؟ فذهب جماعة من السلف إلى وجوبها، وهو قول الأوزاعى والثورى وابن حبيب وابن الجهم من أصحابنا، وحكاه ابن المنذر عن أبى حنيفة، وذهب آخرون إلى أنها ليست بواجبة، وهو قول مالك ومشهور قول أبى حنيفة وأصحابه [وداود] (¬2). واختلفت الرواية فيها عن الشافعى، وأحمد وإسحاق وأبى عبيد وأبى ثور، إلا أن مالكًا يجعلها سنة مؤكدة، وبعض هؤلاء يجعلها مستحبة، وهو معنى قوله عند أصحابنا، ولا نعلم أحداً رخص فى تركها، خلافاً لمن تأول عليه وجوبها، والأصل فى ذلك قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬3)، وليس فى الآية دليل على وجوبها إلا من حيث قرانها مع الحج والاستدلال بهذا ضعيف. وقيل - أيضاً -: إذا كان الاتمام واجباً فالابتداء واجب، وهذا لا حجة فيه، لأن الطاعات غير الواجبات يلزم إتمامها بالدخول فيها، قال الله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬4)، فقيل: معنى " أتموا ": أقيموا، كما قال تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} (¬5)، أى فأتموا، وليس فى هذا - أيضاً - حجة؛ إذ ليس يلزم إذا وجدنا " أقيموا " بمعنى: " أتموا "، أن تجعلوا " أتموا " بمعنى " أقيموا "، فلا يستدل فى اللغة بالعكس مع اختلاف العلماء فى معنى تمامها، هل هو إكمالها بعد الشروع فيها وترك قطعها وهو الأظهر، بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. وقيل: إتمامهما أن يحرم لكل واحد منهما ابتداء ويستأنف له سفراً. قال على وغيره: إتمامهما أن يحرم لهما من دويرة أهله، وقيل غير هذا، وقرأ الشعبى: " والعمرة لله " ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) ساقطة من الأصل واستدركت بالهامش بسهم. (¬3) البقرة: 196. (¬4) محمد: 33. (¬5) النساء: 103.

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالرفع، ففصل بهذه القولة عطفه على الحج ليزيل الإشكال. وقوله: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ": بيّن المعنى فى تكفير السيئات بفعلها، وقيل: يحتمل أن يكون بمعنى، وفيه حض على تكرارها، واستدل به بعضهم على جواز العمرة فى السنة مراراً. وقد اختلف السلف فى الاعتمار فى السنة مراراً، فأجاز ذلك كثير، منهم الثورى وأبو حنيفة والشافعى وأكثر الفقهاء، ومنعه آخرون وقالوا: يستحب ألا يعتمر فى السنة إلا مرة، وكذلك فعل النبى - عليه السلام - فلم يكرر فى سفراته عمرة أكثر من مرة، وهو قول مالك، إلا أنه إن اعتمر أكثر من مرة لزمه تمام ذلك عنده، وقال كثير من أصحابه بجواز ذلك، وقال آخرون: لا يعتمر فى شهر أكثر من مرة. وأما وقتها: فلغير الحاج السنة كلها، ويوم عرفة، ويوم النحر، وكل حين. وأما للحاج فحين تغيب الشمس من آخر أيام التشريق، ونحوه للشافعى. قال مالك: سواء تعجل أو تأخر، فإن أحرم الحاج بعمرة قبل هذا لم تنعقد عندنا، إلا أن تكون فى آخر أيام التشريق بعد الرمى فتنعقد، وظاهر المدونة أنها لا تنعقد. وقد اختلف قول مالك، وقال أبو حنيفة: العمرة جائزة فى السنة كلها إلا يوم عرفة وأيام التشريق للحاج وغيره. وقوله: " والحج المبرور "، قال الإمام: وهو على وزن مفعول، من البر. يحتمل أن يريد أن صاحبه أوقعه على وجه البر، وأصله ألا يتعدى [بحرف] (¬1) جر، إلا أن يريد بمبرور وصف المصدر فيتعدى حينئذ إليه؛ إذ كل ما لا يتعدى من الأفعال فإنه يتعدى إلى المصدر. ومعنى " ليس له جزاء إلا الجنة ": أى لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه، ولابد أن يبلغ به إدخاله الجنة. قال القاضى: هذا الكلام كله إنما يتوجه على أن معنى المبرور ما أشار إليه، من أنه قصد به البر، وأما على غيره من التأويلات فلا يحتاج إلى حرف تعدية، فقد قيل: معنى " مبرور ": لا يخالطه شىء من مأثم، وقيل: المبرور: المتقبل، وقيل: الذى لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث ولا فسوق، وقيل: الذى لم تعقبه معصية. ¬

_ (¬1) فى ع: غير حرف.

438 - (1350) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَتَى هَذَا البَيْتَ فَلمْ يَرْفُثْ وَلمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلدَتْهُ أُمُّهُ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى عَوَانَةَ وَأَبِى الأَحْوَصِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: " مَنْ حَجَّ فَلمْ يَرْفُثْ وَلمْ يَفْسُقْ ". (...) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلم يرفث ولم يفسق "، قال القاضى: هذا من قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} (¬1). والرفث: الفحش فى القول، وقيل: الجماع، قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (¬2). قيل: هو كناية عن الجماع، يقال: رَفَثَ وَرَفِثَ يَرْفَثُ ويَرفِثُ بالفتح والكسر والضم فى المستقبل، وقد قيل: وأرفث. وقيل: الرفث: التصريح بذكر الجماع، قال الأزهرى: هى كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. وكان ابن عباس يخصه بما [خوطب] (¬3) به النساء. ومعنى " كيوم ولدته أمه ": يعنى بغير ذنب. وقيل: الفسوق هنا: السيئات، وقيل: المعاصى، وقيل: ما أصاب من محارم الله والصيد، وقيل: الفسوق: قول الزور، وقيل: الذبح للأنصاب، وقيل: لم يذكر هنا الجدال المذكور فى الآية مع الرفث والفسوق؛ لأن المجادلة ارتفعت، إنما كانت من العرب وسائر قريش فى موضوع الوقوف بعرفة أو المزدلفة، فأسلمت قريش وارتفعت المجادلة، ووقف الكل بعرفة. ¬

_ (¬1) البقرة: 197. (¬2) البقر ة: 187. (¬3) فى هامش الأصل.

(80) باب النزول بمكة للحاج، وتوريث دورها

(80) باب النزول بمكة للحاج، وتوريث دورها 439 - (1351) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ حُسَيْنٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَخْبَرَهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنْزِلُ فِى دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟ ". وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلا عَلِىٌّ شَيْئًا؛ لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وهل ترك لنا عقيل من دار؟! ": فسره فى الحديث نفسه؛ لأنه اختص هو وطالب بميراث أبى طالب؛ لأنهما كانا كافرين حين مات ولم يرثه علىٌ ولا جعفر؛ لأنهما كانا مسلمين، ولا يرث المسلم الكافر. وهذا الحديث أصل فى هذا - أيضاً - ولم يختلف فيه فقهاء الأمصار إلا ما روى عن إسحاق وبعض السلف، وأجمعوا أن الكافر لا يرث المسلم، وهذا بيّن فيما ترك أبو طالب، وبقى النظر فى قوله: " بترك دارك "، فأجاب بما تقدم. فلعله أضاف الدار إليه لسكناه فيها، وكان أصلها لأبى طالب؛ لأنه كان الذى كفله، وكان أكبر بنى عبد المطلب بعد موت عبد المطلب، فاحتوى على أملاكه وحازها لسنّه وعادة الجاهلية (*)، ويحتمل أن عقيلاً كان قد باع جميعها وأخرجها عن أملاكهم، كما فعل أبو سفيان وغيره بدور من هاجر من المؤمنين، وكذلك قال الداودى: إن عقيلاً باع ما كان للنبى - عليه السلام - ولمن هاجر من بنى عبد المطلب. وقال محمد بن أبى صفرة: فى الحديث حجة بأن من خرج من بلده مسلماً، وبقى أهله وولده فى دار الكفر، ثم غزاها مع المسلمين - أن ما فيها من ولده وماله بحكم البلد، كما كانت دار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حكم البلد، ولم ير نفسه أحق بها، وهذا مذهب مالك والليث. قال القاضى: فمذهب هذا القائل: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما ترك النزول فيها لأنها ليست له، وهى كغيرها من دور مكة فى حقه، ولو أنه كان هذا لعلل به - عليه السلام - ولم يعلل بما تقدم من أنه لم يترك لهم عقيل داراً، وقد قيل: إنه إنما ترك - عليه السلام - النزول بها وكرهه؛ لأنه ترك ذلك حين هاجر لله، فلم يرجع فيما تركه لله، كما ذكر عن غير واحد من الصحابة فى هذا. قوله: " هل ترك لنا عقيل من دار؟! ": دليل على بقاء ملك دور مكة لأربابها.

______ (*) قال معد الكتاب للشاملة: في المطبوعة: "وجازها لسنّة وعادة الجاهلية"، والصواب "وحازها ... "، والمعنى ورد في شرح السيوطي على مسلم (3/ 395)، وفيه: لِأَنَّهُ أكبر ولد عبد الْمطلب فاحتوى على أملاكه [وحازها وَحده لسنه على عَادَة الْجَاهِلِيَّة].

440 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ وَذَلِكَ فِى حَجَّتِهِ، حِينَ دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ. فَقَالَ: " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً؟! ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى حَفْصَةَ وَزَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلف فى مكة ودورها ورباعها هل هى مملوكة لأحد أم لا؟ على اختلاف فى دخولها، هل هى عنوة أو صلح؟ ومذهب مالك وأبى حنيفة والأوزاعى أنها عنوة، ومذهب الشافعى أنها صُلحية، لكن من رآها عنوة، قد قال: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منَّ على أهلها وسوى بينهم أموالهم ودورهم، ولم يجعلها فيئاً ولا قسمها. قال أبو عبيد: ولا نعلم مكة يشبهها شىء من البلاد. وكذلك اختلفوا فى كراء دورها وبيعها لهذا، وفى تأويل قوله: {سوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (¬1)، فقال جماعة من السلف: أهل مكة وغيرهم فى المنازل سواء، ولا يحل بيعها ولا كراؤها، وتأولوا الآية على هذا، وهو قول أبى حنيفة والثورى، وكره مالك بيعها وكراءها، وأجاز ذلك الشافعى وأبو يوسف وبعض السلف والصحابة، وتأولوا الآية على المسجد وهو للمصلين، ويكون الحديثان صحيحين. قالوا: وفيه حجة على أن للإمام إبقاء الأرض بعد افتتاحها عنوة بأيدى أربابها إن أسلموا أو لم يسلموا؛ لما يراه من استيلائهم إن كانوا مسلمين، أو ليضرب الجزية عليهم إن بقوا على دينهم وأقرهم بها، ويكون تركها لهم بتطييب نفوس أهل الجيش، كما فعل فى سبى هوازن، أو بتقويمها من الخمس. على أنه لم يرو أنه قسم من أموال أهل مكة شيئاً، وإنما كان تفضلاً منه وممن معه من المسلمين عليهم لقرباهم وليجبرهم، كما جاء فى لفظ الحديث الآخر؛ ولأن الله تعالى قد عوضهم بعد من أموال هوازن أضعاف ذلك. وفيه حجة لمن يقول: إن الغانمين لا يملكون الغنيمة بحوزها إلا بتمليك الإمام وقسمها بينهم؛ ولهذا ما اختلف فى قطع سارقهم منها وحدّ زانيهم ومن فيها، وسيأتى هذا فى ¬

_ (¬1) الحج: 25.

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ؟ وَذَلِكَ زَمَنَ الفَتْحِ. قَالَ: " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ؟! ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهاد. وفيه على قول من قال: إن عقيلاً باع ديار بنى عبد المطلب ملك المشركين لما حازوه من أموال المسلمين؛ إذ لو لم يملكوه لم يصح شراؤه لمن اشتراه منهم، ولأخذه من وجده فى المقاسم دون ثمن وسيأتى الكلام عليه أيضاً فى موضعه.

(81) باب جواز الإقامة بمكة، للمهاجرين منها بعد فراغ الحج والعمرة، ثلاثة أيام بلا زيادة

(81) باب جواز الإقامة بمكة، للمهاجرين منها بعد فراغ الحج والعمرة، ثلاثة أيام بلا زيادة 441 - (1352) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: هَلْ سَمِعْتَ فِى الإِقَامَةِ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ فَقَالَ السَّائِبُ: سَمِعْتُ العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمِىِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " للمُهَاجِرِ إِقَامَةُ ثَلاثٍ - بَعْدَ الصَّدَرِ - بِمَكَّةَ " كَأَنَّهُ يَقُولُ: لا يَزِيدُ عَليْهَا. 442 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِجُلسَائِهِ: مَا سَمِعْتُمْ فِى سُكْنَى مَكَّةَ؟ فَقَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: سَمِعْتُ العَلاءَ - أَوْ قَالَ. العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمِىِّ - قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُقِيمُ المُهَاجِرُ بِمَكَّةَ - بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ - ثَلَاثًا ". 443 - (...) وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ. فَقَالَ السَّائِبُ: سَمِعْتُ العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمِىِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ثَلاثُ ليَالٍ يَمْكُثُهُنَّ المُهَاجِرُ بِمَكَّةَ، بَعْدَ الصَّدَرِ ". 444 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ - وَأَمْلاهُ عَلَيْنَا إِمْلاءً - أَخْبَرَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر بمكة لا يزيد عليها ": بين هذا بقوله فى الرواية الأخرى: " بعد قضاء نسكه " وهو وقت صدر الناس آخر أيام منى بعد تمام نسكهم، فيقيم هو بعدهم لحاجة، لا أنه يقيم بعد أن يطوف طواف الصدر ثلاثة أيام، ويجزيه ما تقدم من طوافه، بل يعيده عند كافتهم، إلا ما ذكرناه عن أهل الرأى وقد تقدم. وفى هذا الحديث دليل على أن الثلاث ليست مدة إقامة، وهذا الأصل فى إقامة المسافر

عَوْفٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمِىِّ أَخْبَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مُكْثُ المُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاثًا ". (...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإتمامه الصلاة، وما أخذ به مالك فى الزيادة على الثلاث وهو أن ينوى إقامة أربعة أيام؛ إذ لم يجعل هنا الثلاث إقامة. وهذا الحديث حجة لمن منع المهاجر بعد الفتح من المقام بمكة وهو قول الجمهور، وأجاز ذلك جماعة لهم بعد الفتح، مع الاتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفتح، ووجوب سكنى المدينة لنصرة النبى - عليه السلام - ومواساتهم له بأنفسهم، ولفرارهم بدينهم من الفتنة. وأما لغير المهاجر - ممن أمن بعد ذلك - فلا خلاف فى جواز سكنى بلده له، مكة أو غيرها.

(82) باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام

(82) باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام 445 - (1353) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفَتْحِ - فَتْحِ مَكَّةَ -: " لا هِجْرَةَ، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتنفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ". وَقَالَ يَوْمَ الفَتْحِ - فَتْحِ مَكَّةَ -: " إِنَّ هَذَا البَلدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإنَّهُ لمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِى، وَلمْ يَحِلَّ لِى إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلتَقِطُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلى خَلاهَا ". فَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِلا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ: " إِلا الإِذْخِرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا ": فيه حجة لبقاء الجهاد، وكونه فرضاً. وقد اختلف العلماء فى هذا، هل سقط فرضه على الجملة إلا أن تقدح قادحة، أو يطرق العدو قوماً، أو هو باقٍ؟ والقولان عندنا، وسنبسطه فى الجهاد إن شاء الله تعالى. وقوله: " إن هذا البلد حرمه الله " إلى قوله: " ولم تحل لى إلا ساعة من نهار "، وقد قال - أيضاً - فى الحديث الآخر: " إنه دخلها وعلى رأسه المغفر "، وفى الحديث الآخر: " وعلى رأسه عمامة سوداء بغير إحرام "، وسقط قوله: " بغير إحرام "، عند ابن أبى جعفر من شيوخنا، وثبت لسائرهم، ففى إثباتهم الحجة أنه لم يكن محرماً. قال الإمام: قال بعض أصحابنا: لا تدخل مكة إلا بإحرام إلا لمثل إمام فى جيشه للضرورة، وقائل هذا اتبع الحديث على وجهه. واختلف قول مالك هل دخوله (¬1) بإحرام واجب أو مستحب؟ وأسقطه عمن يكثر تردده كالحطابين وأصحاب الفواكه. قال القاضى: اختلف قول الشافعى فى ذلك كاختلاف قول مالك، ويمنعه إلا للحطابين ومن يكثر تردده عليها، وأجاز ذلك أبو حنيفة والليث. قال أبو حنيفة: إلا لمن ¬

_ (¬1) فى ع: دخول مكة.

(...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. وَلمْ يَذْكرْ: " يَوْمَ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ " وَقَالَ بَدَلَ "القِتَالِ ": " القَتْلَ " وَقَالَ: " لا يَلتَقِطُ لقْطَتَهُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا ". 446 - (1354) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ العَدَوِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَىَ مَكَّةَ: ائْذَنْ لِى أَيُّهَا الأَمِيرُ، أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الغَدَ منْ يَوْمِ الفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ، وَوَعَاهُ قَلبِى، وَأَبْصَرَتُهُ عَيْنَاىَ حِينَ تَكَلمَ بِهِ، أَنَّهُ حَمِدَ اللهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا الله وَلمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لَامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولوا لهُ: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلمْ يَأْذَنْ لكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِى فَيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وليُبَلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ " فَقِيلَ لأَبِى شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلمُ بِذَلِكَ مِنْكَ. يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلا فَارًا بِدَمٍ، وَلا فَارًا بِخَرْبَةٍ. 447 - (1355) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَن الوَلِيدِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْن مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلمَةَ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قَامَ فِى النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَن مَكَّةَ الفِيلَ، وَسَلطَ عَليْهَا رَسُولهُ وَالمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لنْ تَحِلَّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِى، وَإِنَّهَا أُحِلتْ لِى سَاعَةً مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ منزله وراء المواقيت فلا يدخلها إلا بإحرام، وأجاز ابن شهاب لغير الحاج والمعتمر دخولها بغير إحرام، ورواه ابن وهب عن مالك، وإليه نحا البخارى، وهو قول أهل الظاهر، وروى عن الحسن والقاسم، وقال آخرون: حكم المواقيت فى المنع حكم من كان قبلها، وإليه ذهب الطحاوى. واختلفوا فيمن دخلها بغير إحرام، فقال مالك والشافعى والليث وأبو ثور: لا شىء عليه، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلزمه حج أو عمرة، وقاله الثورى وعطاء والحسن بن حُيىّ.

نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لنْ تَحلَّ لأَحَدٍ بَعْدِى، فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا يُخْتَلى شَوْكُهَا، وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنَّ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ ". فَقَالَ العَبَّاسُ: إِلا الإِذْخِرَ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّا نَجْعَلهُ فِى قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلا الإِذْخِرَ ". فَقَامَ أَبُو شَاهٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ - فَقَالَ: اكْتُبُوا لِى يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكْتُبُوا لأَبِى شَاهٍ ". قَالَ الوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِىِّ: مَا قَوْلهُ: اكْتُبُوا لِى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الخُطْبَةَ التِى سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 448 - (...) حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلمَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ خُزَاعَةَ قَتَلوا رَجُلاً مِنْ بَنِى ليْثٍ - عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ - بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَكِبَ رَاحِلتَهُ فَخَطَبَ فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ، وَسَلطَ عَليْهَا رَسُولهُ وَالمُؤْمِنِينَ، أَلا وَإِنَّهَا لمْ تَحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى وَلنْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعْدِى، أَلا وَإنَّهَا أُحِلتْ لِى سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ، ألا وَإِنَّهَا سَاعَتِى هَذِهِ، حَرَامٌ، لا يُخْبَطُ شَوْكُهَا، وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلا يَلتَقِطُ سَاقِطَتَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولا تحل لأحد بعدى ": قال الطبرى: أى للقتال الذى حل لى ومحاربة أهلها؛ لأنهم لا يكفرون فيقاتلون، ويحل منهم ما حل لى على طريق النهى، لا على طريق الخبر أنها تقاتل؛ إذ قد قاتلها الحجاج وغيره. وأخبر - عليه السلام - عن غلبة ذى السويقتين عليها وتخريبه لها، وإنما أخبر عن حكم قتال أهلها أنه لا يحل لأحد بعده، وذهب الطحاوى إلى أن هذا كان [خصوصاً] (¬1) للنبى - عليه السلام. وقوله: " [لا] (¬2) يعضد شجرها "، قال الإمام: أى [لا] (¬3) يقطع، يقال: عضّد واستعضد بمعنى [واحد] (¬4) كما يقال: علا واستعلا. قال القاضى: وقع فى الرواية الأخرى: " شجراؤها " وهو الشجر، قال الطبرى: معنى " يعضد ": لا يفسد ويقطع، وأصله من عضد الرجل؛ أصاب عضداً ويسود فى العين المعضد من السيوف ما يمتهن فى قطع الشجر. ومعنى " لا يختلى خلاها ": أى لا ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) و (¬3) ساقطة من ع. (¬4) زائدة فى ع.

إِلا منشِدٌ، وَمَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُعْطَى - يَعْنِى الدِّيَةَ - وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ يحصد كلؤها. والخلى المقصود الكَلأ الرطب، فإذا يبَس فهو حشيش وهشيم. واتفق الفقهاء أن النهى فيما نبت بأرضها مما لم يعانه البشر من الزراعة والخضر والقصيل، فإن هذا مُباحٌ زراعته واختلاؤه. واختلف فى الرعى فيما أنبته الله من خلاها، فمنع ذلك أبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وأجازه غيرهما. وقوله: " لا يخبط شوكها ": أى لا يضرب بالعصا ليتكسر ويتساقط رطبه من ورقه فتأكله الماشية. قال الإمام: الخبط، بالإسكان، مصدر خَبَطْت، وخَبْطُ الشجر: ضربه بالعصا ليتحات ورقه، واسم ذلك الورق خَبَط، بالفتح، وهو من علف الإبل والذى [يضرم به] (¬1) مِخبط، بكسر الميم، ويقال: خبطت واختبطت بمعنى. قال القاضى: قال الطبرى: فلا يجوز قطع أغصان شجر مكة التى أنشأ الله فيها مما لا صنع فيه لآدمى، وإذا لم يَجُز قطع أغصانها - يعنى وهو تفسير العضد - فقطع شجرها أحرى بالنهى. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على تحريم قطع شجر الحرم. قال الإمام: اختلف الناس فى قطع شجر الحرم، هل فيه جزاء أم لا؟ فعند مالك: لا جزاء فيه، وعند أبى حنيفة والشافعى: فيه الجزاء. واحتجوا بأن بعضَ الصحابة حكم فى دَوْحة ببقرة. ويحتج لمالك أن الجزاء لا يجب إلا بشرع، والأصل براءة الأمة، ولم يرد شرعٌ بذلك. قال القاضى: مذهب أبى حنيفة وصاحبه، وهو قول الشافعى على ما ذكره الطبرى: أن ذلك فيما لم يغرسه الآدمى من الشجر، وأما ما غرسه الآدمى فلا شىء عليه فيه، وهذا مذهب مالك عند شيوخنا، وحكى الخطابى أن مذهب الشافعى منع قطع ما غرسه الآدمى من شجر البوادى ونماه، وأنه وغيره مما أنبته الله سواء. واختلف قوله فى جزاء الشجر على اختلاف مالك وأبى حنيفة، وعند الشافعى: فى الدوحة بقرة، وما دونها شاة. وعند أبى حنيفة: يؤخذ منه قيمة ما قطع، يشترى به هدى، فإن لم يبلغ تصدق به بنصف صاع لكل مسكين. وأما قوله: " لا ينفر صيده "، قال الإمام: [فإن] (¬2) مذهب مالك أن صيد الحلال فى الحرم (¬3) يوجب عليه الجزاء، ولم ير ذلك داود ورأى الجزاء مختصاً بالإحرام لا بالحرم ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬2) زائدة فى ع. (¬3) فى ع: الحرام.

أَهْلُ القَتِيلِ - قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، يُقَالُ لهُ: أَبُو شَاهٍ. فَقَالَ: اكْتُبْ لِى ـــــــــــــــــــــــــــــ [كما اختص منع الطيب واللباس بالإحرام لا بالحرم] (¬1) وهذا غير صحيح؛ لأن الصيد محرم فى الحرم، ولو كان كاللباس والطيب لحل كما حلا. وحجة مالك عليه قوله تعالى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} (¬2)، ويعبر عمن حل بالحرم بأنه مُحرم، كما يقال فيمن حل بنجد: مُنجد، وبتهامة: مُتْهِم، قال الشاعر: قتلوا ابن عفان الخليفة مُحرماً ... ودعا فلم ير مثله مخذولاً يعنى ساكناً بالحرم، ولأن حرمة الحرم متأبدة والإحرام مؤقت فكان المؤبد أكثر. واختلف الناس - أيضاً - فى الحلال إذا صاد صيداً فى الحل، ثم أتى به الحرم فأراد ذبحه، فأجاز ذلك له مالك، ومنعه أبو حنيفة وقال: يرسله، ولمالك عليه: أنه لا يسمى صيداً ما كان فى اليد والقهر، فلم يكن داخلاً فى قوله: " لا ينفر صيده "، ولذلك اختلف مالك وأبو حنيفة فيمن صاد فى الحرم، هل يدخل فى جزائه الصيام؟ فأثبته مالك، ونفاه أبو حنيفة. ولمالك عموم الآية وفيها الصيام، ورأى أبو حنيفة أن ما يضمن ضمان إتلاف الأملاك فلا معنى لدخول الصيام فيه، واستدل بانه لو أطلقه لكان ضامناً له حتى يعود الصيد إلى الحرم، فصارَ الحرم كيد رجل فى ملك، يبرأ الغاصب بإعادة الملك إليه. قال القاضى: وقال الطبرى فى قوله: " لا ينفر صيدها ": حجة على تحريم اصطياده؛ لأنه إن نهى عن تنفيره فاصطياده آكد فى التحريم، وقال عكرمة: هو أن ينحيه من الظل إلى الشمس، ولا خلاف أنه إن نفره فسلم أنه لا جزاء عليه، إلا أن يهلك، لكن عليه الإثم لمخالفة نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا شىء روى عن عطاء أنه يطعم. وقوله: " ولا يحل سقطتها إلا لمنشد ": قال أبو عبيد: لمُعرف، وأما الطالب فيقال له: ناشد، وأنشدوا عليه: إصاخة الناشد للمنشد يقال: نشدت الضالة: إذا طلبتها، فإذا عرفتها قلت: أنشدتها. وأصل الإنشاد رفع الصوت، ومنه إنشاد الشعر. قال الإمام: عند مالك أن حكم اللقطة فى سائر البلاد حكم واحد، وعند الشافعى أن لقطة مكة بخلاف غيرها من البلاد، وأنها لا تحل إلا لمن يعرّفها، تعلقاً بهذا الحديث، ويحمل اللفظ على أصلنا على المبالغة فى التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود إلا بعد أعوام فتدعو الضرورة لإطالة التعريف بها بخلاف غير مكة. ¬

_ (¬1) زائدة فى ع. (¬2) المائدة: 95.

يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: " اكْتُبُوا لأَبِى شَاهٍ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلا الإِذْخِرَ، فَإِنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: معنى ما ذهب إليه أبو عبيد هو ما ذهب إليه المخالف، أى أنه لا تحل لملتقطها البتة، وليس يحل له إلا إنشادها والتعريف بها كما جاء فى الرواية الأخرى: " إلا لمعرف " وحكى معناه عن ابن مهدى، وحكى عن غيره: المنشد: الطالب، أى ربها، قال: ولا يجوز أن يقال للطالب: منشد، قال: وفيها قول ثالث: أراد أنه [إن] (¬1) لم ينشدها لم تحل له، أى لا تحل له إلا بعد الإنشاد وألا يجىء لها طالب. قال القاضى: وهذا يأتى على أنها وغيرها من لقطات البلاد سواء، وقال ابن قتيبة: معناه: أنه لا يحل التقاطها إلا بنية الإنشاد دون التعريف وإلا فليدعها، قال: لعل صاحبها ربما تذكَّرها، فطلبها حيث تركها فلم يجدها، فالواجب على من وجدها ألا يتعرض لها، إلا أن يأخذها لِيُعرفها. وقال غيره: معناه: لا يحل التقاطها إلا أن يسمع من ينشدها فيأخذها ويرفعها، وهذا حكم هذه. قال القاضى: وإنما فرّق من فرّق بين لقطة مكة وغيرها؛ لأن سائر المسافرين من البلاد النائية لغيرها لا يتكررون فى أسفارهم إليها غالباً، والغالب ترددهم سَنةً فى أسفارهم، فضرب الإنشاد للضالة هذه فى غير مكة سنة لهذا؛ لأنه إن كان صاحبها من أهل البلد أو مسافراً فيه أو بقربه، لابد يبلغه خبرها بالإنشاد سَنة، فإذا كملت السنة غلب اليأس أنها لغير حاضر، وأنها إما لميتٍ أو منقطع الغيبة بعيد. ومكة فكثير من الناس يرجع إليها ويتردد للحج والعمرة عليها، وإن لم يكن هو فلا ينفك الجماعة من أهل بلده وقرابته [من] (¬2) للحج، فيبلغه خبر لُقَطَتِه، فخصت بذلك دون غيرها عند هؤلاء، وهذا قول الشافعى وعبد الرحمن بن مهدى وغيرهما، وأما مالك وأصحابه فلقطة مكة وغيرها عندهم سواء، فى أنها لا تُملك وإنما له إمساكها بعد السَنة على ربها، أو تكرار إنشادها، أو يتصدق بها ويضمها لصاحبها، أو يستنفقُها على وجه السلف إن احتاج إليها ليغرمها لصاحبها، وقيل: ليس له هذا إلا أن يكون له وفاؤها وهو صحيح. فعلى هذا هم مجمعون على أنه لا يحل استنفاق لقطة مكة، وإنما اختلفوا فى غيرها بعد السنة، إلا ما ذكرناه على تأويل بعضهم، وسيأتى بقية الكلام عليها فى موضع ذلك من كتاب مسلم. وقول العباس: إلا الإذخر. فقال: " إلا الإذخر ": وهو نَبْت معلوم، وقد قال - عليه السلام -: " إن الله حرمها ولم يحرمها الناس " (¬3) فاستثناء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإذخر يدل على أنه مما لم يحرمه الله، وأن حرمتها هى فى نفسها من تحريم الله. ومن هذه المحرمات ما حرم الله ومنها ما حرمه - عليه السلام - أو جميعها من تحريمه - عليه السلام. وقال المهلب: وقد ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬3) البخارى، ك العلم، ب ليبلغ العلم الشاهد الغائب 1/ 37، الترمذى، ك الحج، ب ما جاء فى حرمة مكة (809)، ابن ماجة، ك المناسك، ب فضل مكة (3109)، أحمد 1/ 253، 315.

نَجْعَلهُ فِى بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلا الإِذْخِرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون الجميع مما حرمه الله، لكن قد أعلم رسوله بتحليل المحرمات عند الاضطرار، فكان هذا من ذلك الأصل، فحكم فيه بذلك الحكم باجتهاده [عليه السلام] (¬1). وقوله: " ولا فاراً بخربة ": كذا رويناه هنا بفتح الخاء وبالراء والباء بواحدة، وفسره بعضهم بالبليّة، وبعضهم بالسرقة فى جامع البخارى (¬2). وقال الخليل: هو [مشتق من] (¬3) الخَارب وهو اللص المفسد فى الأرض. ويقال: ما رأيتُ من فلان خربة، أى فساداً فى دينه أو شيئاً. والخربة: الفساد فى الدين، وقد تقدم الكلام على معنى " لا يعيذ عاصياً ولا فارًا بدمٍ " والخلاف فيه، ويأتى بعد منه إن شاء الله. وضبطه الأصيلى فى صحيح البخارى (¬4) بضم الخاء، ويصح على الفعلة الواحدة مما تقدم. ورواه الترمذى من بعض الطرق: " بِجزية " (¬5)، وأراه وهماً. وقوله: " اكتبوا لأبى شاه "، قال الإمام: فيه دليل على جواز تدوين العلم والسنن وكتبه فى الصحائف، ويحكى عن بعض السلف كراهية ذلك. قال القاضى: من كرهه من السلف فلأحاديث رويت فى ذلك منها عن أبى سعيد: " استأذنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الكتابة فلم يأذن لنا " (¬6)، وعن زيد بن ثابت: " أمرنا - عليه السلام - ألا نكتب شيئاً " (¬7)، وأخذ بذلك جماعة من الصحابة ومن بعدهم من التابعين، ومخافة الاتكال على الكتاب وترك الحفظ، ولئلا يكتب شىء مع القرآن، ثم جاءت أحاديث بالإذن فى الكتاب فى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (¬8)، وأجازه معظم الصحابة والتابعين، ووقع عليه بعد الاتفاق، ودعت إليه الضرورة، لانتشار الطرق، وطول الأسانيد، واستنباط المقالات، وكثرة النوازل، مع قلة الحفظ وكلال الفهم. وقوله: " من قتل له قتيل فهو بِخيْر النظرين؛ إما أن يُفدى، وإما أن يقتل ": فى الكلام اختصار، ومعناه: يفدى أى يقتل قاتله أو يَفدى، وتقيد عند بعض شيوخنا " يُقتل "، وهو أبين لا سيما مع رواية من روى: " يفادى "، ووقع فيه فى البخارى (¬9) اختلاف فى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬2) البخارى، ك العلم، ب الفهم فى العلم 1/ 28. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬4) البخارى، ك جزاء الصيد، ب لا يعضد شجر الحرم (1832). (¬5) الترمذى، ك الحج، ب ما جاء فى حرمة مكة (809). (¬6) الترمذى، ك العلم، ب ما جاء فى كراهية كتابة العلم (2665). (¬7) أحمد فى مسنده 5/ 182، أبو داود، ك العلم، ب فى كتاب العلم (3648). (¬8) أحمد فى مسنده 2/ 162، أبو داود، ك العلم، ب فى كتاب العلم (3646)، والدارمى، ك المقدمة، ب من رخص فى كتابة العلم 1/ 125. (¬9) البخارى، ك اللقطة، ب كيف تعرف لقطة أهل مكة 3/ 164.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظين، ووهم فى بعضها. وفى بعض رواياته: " إما أن يُفاد، وإما أن يعقل " وهو بمعنى ما تقدم. ففى قوله: " يَعْقل " و " يُفدى " حجة لإحدى الروايتين عن مالك أن أولياء القتيل بالخيار فى القتل، أو إلزام الدية للقاتل إجباراً، وهو قول الشافعى وأحمد وإسحاق وأبى ثور، وروى عن ابن المسيب وابن سيرين، وقال مالك أيضاً: ليس له إلا القتل أو العفو، ولا يجبر القاتل على الدية. وقد احتج من يقول بهذا القول بقوله فى بعض روايات البخارى: " يُفادى " (¬1) قال: وهذا لا يكون من اثنين، أى بتراضيهما وصلحهما على ذلك لا إجباراً. ¬

_ (¬1) البخارى، ك اللقطة، ب كيف تعرف لقطة أهل مكة 3/ 164.

(83) باب النهى عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة

(83) باب النهى عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة 449 - (1356) حَدَّثَنِى سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَحِلُّ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السَّلاحَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة ": هذا محمول عند أهل العلم على حمله لغير ضرورة ولا حاجة، فإن كان خوف وحاجة إليها جاز وهو قول مالك والشافعى [وعطاء] (¬1)، وكرهه الحسن البصرى تمسكاً بظاهر هذا الحديث، وحجة الآخر: دخول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام القضية بأشرطة من السلاح؛ القراب بما فيه، ودخوله يوم الفتح وعلى رأسِه المغفر، وأنَّ للضرورة حالة، وشذ من الجماعة عكرمة فرأى عليه إذا احتاجَ إليه [وحمله] (¬2) الفدية، ولعل هذا فى حاجته إلى المغفر والدرع وأشباهها، ولا يكون خلافاً منه فى دخول النبى - عليه السلام - وعلى رأسه المغفر، وجاء فى الرواية الأخرى: " وعلى رأسه عمامة سوداء "، ووجه الجمع بينهما: أن أول دخوله كان وعلى رأسه المغفر، وبعد ذلك كانت عليه العمامة؛ بدليل حديث عمر وابن حريث عن أبيه، وذكره مسلم؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب الناس وعليه عمامة سوداء، ولأن خطبته - عليه السلام - إنما كانت بعد غلبته على مكة وعند باب الكعبة، ويحتمل أن جابراً الذى ذكر أنه دخل مكة وعليه عمامة، ولم يتعرض الذى دعته إليه ضرورة الحرب، فلا يستدل به على أنه دخلها حلالاً، ويعرض لما رآه عليه بعد نزعه المغفر من العمامة بعد روال عذر الخوف ووضع أوزار الحرب؛ بدليل قوله: " بغير إحرام " والأظهر أنه دخل - عليه السلام - مكة غير محرم، وقد جاء فى حديث يحيى وقتيبة: " ولم يكن محرماً ". قال الباجى: وقد يحتمل أنه غطى رأسه لأذى أصابه، واضطره إليه ذلك الوقت، لو ثبت أنه دخل محرماً. قال القاضى: وقول الكافة إن هذا خصوص للنبى - عليه السلام - لقوله: " إنما أحلت لى ساعة من نهار " فخص منها بما لمَّ به غيره، ويكون كيف كان محرماً أو غيره مضطراً للباس المغفر، لما كان دخلها محارباً، ألا تراه لما غلب عليها وألقى أهلها بأيديهم، نزع المغفر عن رأسه، فيحتمل أن العمامة كانت تحت المغفر، صيانة لرأسه من برد المغفر وخشونته، فلما نزع المغفر ظهرت العمامة التى ذكر من ذكر أنه دخل مكة وهى على رأسه على ما ذكرناه. قال الخطابى: قيل: إنما أُحلت له فى تلك الساعة إراقةُ الدم دون الصيد وغيره، ما يحرم على المحرم. ¬

_ (¬1) و (¬2) سقطتا من الأصل، واستدركتا فى الهامش.

(84) باب جواز دخول مكة بغير إحرام

(84) باب جواز دخول مكة بغير إحرام 450 - (1357) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ القَعْنَبِىُّ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - أَمَّا القَعْنَبِىُّ فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَأَمَّا قُتَيْبَةُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ - وَقَالَ يَحْيَى - وَاللفْظُ لهُ -: قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَحَدَّثَكَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ وَعَلىَ رَأْسِهِ مِغْفَرٌ، فَلمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، فَقَالَ: " اقْتُلوهُ "؟ فَقَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ. 451 - (1358) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِىُّ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِىُّ - عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ - وَقَالَ قُتَيْبَةُ: دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - وَعَليْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. وَفِى رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. (...) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حَكِيمٍ الأَوْدِىُّ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِىِّ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَليْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول القائل له: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: " اقتلوه ": حجة للمالكية أنها يقام بها الحدود، وقد تقدم الخلاف فى ذلك، ولا حجة للمخالف بأنها أُحلت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعة من نهار. فالذى أحل له منها قتالها حتى استولى عليها. وقتله ابن خطل إنما كان بعد استيلائه عليه وإذعان أهلها. وإنما قتله بعد قوله: " ومن دخل المسجد فهو آمن " (¬1)، وقد دخل هذا المسجد؛ لأنه ممن لم يدخل فى أمانه، واستثناه وأمر بقتله وإن وجد متعلقاً بأستار الكعبة، على ما جاء فى الأحاديث الأخر، وقيل: لأنه ممن لم يلتزم الشرط وقاتل وبعد ذلك دخل المسجد، وكان قد ارتدّ عن الإسلام، وقتل مسلماً كان يخدمه، وجعل يهجو النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسبه. وقد احتج بعض أصحابنا بقتله على قتل من سب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا يضعف فى حق هذا للموجبات لقتله من غير هذا مما ذكرناه. وقوله فى آخر الحديث من رواية مالك: فقال: " اقتلوه "، فقال: نعم، أى أن ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الخراج والإمارة والفىء، ب ما جاء فى خبر مكة 2/ 144.

452 - (1359) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُسَاوِرٍ الوَرَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَعَليْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. 453 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَالحَسَنُ الحُلْوَانِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُسَاوِرٍ الوَرَّاقِ. قَالَ: حَدَّثَنِى - وَفِى رِوَايَةِ الْحُلْوَانِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو ابْنِ حُرَيْثٍ - عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المنْبَرِ، وَعَليْه عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَلمْ يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ: عَلىَ المَنْبَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مالكاً قال ليحيى بن يحيى حين أكمل الحديث: نعم؛ لأن يحيى قال أولاً فى روايته: قلت لمالك: حدثك ابن شهاب، وذكر الحديث، فلما أكمله قال مالك: نعم، أى كذا حدثنى ابن شهاب. وقد وقع فى بعض نسخ مسلم ما ذكرناه مفسراً بهذه الزيادة، يريد به عندى، فقال مالك: نعم، ولم تكن هذه الزيادة عند أحد من شيوخنا، لكنه صحح المعنى على ما قلناه، وهذا هو الذى يسميه أهل الحديث الإقرار فى العرض، ويشترط بعض الظاهرية هذا القول من الشيخ فى صحة العرض عليه والقراءة، وقد جاء فى هذا الحديث وغيره أن مالكاً عمل به، وجاء عنه أنه أنكره مرة لمن سأله إياه وقال: لم أفرغ لكم نفسى وسمعت عرضكم، وأقمت سقطه وزلله. والصحيح أنه غير لازم؛ إذ سكوت الشيخ إقرار كنطقه؛ إذ لا يحتج من ذى دين أنه يقرّ على خطأ فى مثل هذا، فلا معنى لاشتراطه، وهو مذهب الكافة، ومن فعله فعلى طريق التأكيد لا اللزوم والشرط.

(85) باب فضل المدينة، ودعاء النبى صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها. وبيان حدود حرمها

(85) باب فضل المدينة، ودعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها. وبيان حدود حرمها 454 - (1360) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِىِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لأَهْلِهَا، وَإِنِّى حَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّى دَعَوْتُ فِى صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَىْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأَهْلِ مَكَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن إبراهيم حرّم مكة ودعا لأهلها ". وقد تقدم أن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض (¬1)، وقال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} (¬2)، وفى الحديث الآخر: " ولم يحرمها الناس " (¬3)، [أى لم يعرفها الناس] (¬4) من قبل أنفسهم كما حرم الجاهلية أشياء، وأما إبراهيم فيحتمل أن تحريمه إياها بإعلام الله له أنه حرمها، فتحريمه لها بتحريم الله لا من قبل اجتهاده ورأيه، أو وكل الله إليه تحريمها فكان عن أمر الله، فأضيف إلى الله مرة لذلك، ومرة إلى إبراهيم بحكمه، أو لأنه كما جاء فى الحديث: " دعا لها فكانت تحريم الله لها بدعوته ". وقوله فى العمامة: " أرخى طرفها بين كتفيه ": حجة فى جواز إرخاء ذؤابة العمامة واستحبابه؛ لفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، وسيأتى فى كتاب اللباس حكمها وسنتها، ورواه بعض الرواة: " طرفيها " والأول الصواب المعروف. وقوله - عليه السلام -: " وإنى حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة "، قال الإمام: مذهب مالك أن المدينة حرم لهذه الأحاديث، وأنكره أبو حنيفة، واحتجوا له بأن هذا مما يعم فلا يقبل فيه خبر الواحد، وبقوله - عليه السلام - فى الحديث الآخر: " ما فَعل النغير يا أبا عمير؟ " (¬5) ¬

_ (¬1) البخارى، ك المغازى، ب أوطاس 5/ 197، أحمد 4/ 32. (¬2) النمل: 91. (¬3) الترمذى، ك الديات، ب ما جاء فى حكم ولى القتيل فى القصاص والعفو 4/ 21 (1406)، أحمد 6/ 285. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش. (¬5) البخارى، ك الأدب، ب الانبساط إلى الناس (6129)، ب الكنية للصبى قبل أن يولد للرجل (6203)، مسلم، ك الأدب، ب استحباب تحنيك المولود عند ولادته (2150)، أبو داود، ك الأدب، ب ما جاء فى الرجل يتكنى وليس له ولد (4969)، والترمذى، ك الصلاة، ب ما جاء فى الصلاة على البسط (333)، وابن ماجه، ك الأدب، ب المزاح (3720).

455 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ المُخْتَارِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلدٍ، حَدَّثَنِى سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا المَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، كُلهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى - هُوَ المَازِنِىُّ - بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا حَدِيثُ وُهَيْبٍ فَكَرِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِىِّ: " بِمِثْلَىْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ ". وَأَمَّا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ المُخْتَارِ، فَفِى رِوَايَتِهِمَا: " مِثْلَ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ ". 456 - (1361) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ - عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب عن الأول: أن الحديث شهر (¬1) عند أهل النقل وكثر واتفق على صحته، وقد يكون بيانه - عليه السلام - بياناً شافياً، ولكن اكتفى الناس بنقل الآحاد فيه، استغناء ببعض (¬2) عن بعض. وحديث النغير أجاب بعض أصحابنا [فيه] (¬3) بجوابين: أحدهما: أنه يمكن أن يكون قبل تحريم المدينة. والثانى: يمكن أن يكون أدخله من الحل ولم يعده فى حرم المدينة. قال: وهذا الجواب لا يلزم عندى على أصولهم، وقد ذكرنا من قولهم: إن الحلال إذا دخل الحرم بالصيد وجب عليه إطلاقه. واختلف عندنا إذا صاد الصيد فى حرم المدينة، فالمشهور ألا يجزأ عليه؛ لأن إثبات الحرمة لا يوجب إثبات الجزاء، والأصل براءة الذمة. وقال ابن نافع: فيه الجزاء، وقاسه على حرم مكة. قال القاضى: ومثل قول ابن نافع هذا قال ابن أبى ذئب وابن أبى ليلى وحكى القاضى أبو الحسن بن القصار عن بعض أصحابنا أنه لا يشبه بمذهب مالك. واختلف قول الشافعى فى ذلك، وكافة الناس على خلاف هذا القول، كما أنهم مخالفون لأبى حنيفة فى إباحة صيدها وقطع شجرها وحلها، وقد روى عن مالك كراهة أكله، قال: وليس كالذى يُصاد بمكة. قال بعض شيوخنا: وعلى القول فيه بالجزاء يكون حراماً. ¬

_ (¬1) فى ع: اشتهر. (¬2) فى ع: ببعضهم. (¬3) زائدة فى ع.

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّى أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا " - يُرِيدُ المَدِينَةَ. 457 - (...) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ خَطَبَ النَّاسَ، فَذَكَرَ مَكَّةَ وَأَهْلهَا وَحُرْمَتَهَا، وَلمْ يَذْكُرِ المَدِينَةَ وَأَهْلهَا وَحُرْمَتَهَا. فَنَادَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ. فَقَالَ: مَالِى أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَلمْ تَذْكُرِ المَدِينَةَ وَأَهْلهَا وَحُرْمَتَهَا، وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، وَذَلِكَ عَنْدَنَا فِى أَدِيمٍ خَوْلانِىٍّ، إِنْ شِئْتَ أَقْرَأتُكَهُ. قَالَ: فَسَكَتَ مَرْوَانُ ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما بين [لابتيها] (¬1) حرام "، قال الإمام: قال الأصمعى: اللابة: الأرض ذات الحجارة السود، وجمعها لابات فى القليل، ولاب ولوب فى الكثير، مثل قارة وقور، وشاجة وشوج، وباحة وبوح. قال الهروى: يقال: ما بين لابتيها أجهل من فلان، أى ما بين طرفى المدينة. قال القاضى: قال ابن حبيب: اللابتان: الحرتان؛ الشرقية والغربية. وللمدينة حرتان أخريان؛ حرة فى القبلة وحرة فى الجوف، ويرجع كلها إلى الحريين الغربية والشرقية لاتصالهما بهما؛ ولذلك حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بين لابتيها جميع دورها كلها فى اللابتين، وقد ردها حسان كلها حرة واحدة لاتصالها، فقال: لنا حَرّة ما طورة بجبالها ... بنى العز فيها بيته فتأثَّلا ومعنى " ما طورة " معطوفة بجبالها لاستدارتها. وقوله: " لا تقطع عضاهها، ولا يصاد صيدها ": نص فى تحريم الصيد وقطع شجرها، على ما تقدم لجمهور العلماء، خلافاً لأبى حنيفة وأصحابه فى إباحة ذلك فيها. والعضاه، مقصور: شجر له: شوك، واحده عضاهة وعِضهة وعضة، كالطلح والعوسج والبينوت. قال الخليل: ويقال له السدر أيضاً، مما له أرومة تبقى على الشتاء. قال أبو زيد: هو ما غلظ منه. قال ابن حبيب: أو تحريم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بين لابتى المدينة إنما ذلك فى الصيد خاصة، وأما فى قطع الشجر فبريد فى بريد فى دور المدينة كلها، بذلك أخبر مُطَرِّف عن مالك، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن وهب. وقد ذكر مسلم فى بعض طرقه: " إنى أحرم ما بين جبليها " وفى حديث أبى هريرة: " وجعل اثنى عشر ميلاً حول المدينة حِمًى " وهذا تفسير لما ذكره ابن وهب ورواه مطرف ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

458 - (1362) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى أَحْمَدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّى حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا، وَلا يُصَادُ صَيدُهَا ". 459 - (1363) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابِتَىِ المَدِينَةِ، أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا ". وَقَال: " المَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أَبْدَلَ اللهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلى لأَوَائِهَا وَجَهْدِهَا، إِلا كُنْتُ لهُ شَفِيعًا - أَوْ شَهِيدًا - يَوْمَ القِيامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عن مالك وعمر بن عبد العزيز، قال المهلب: قَطع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النخل فيها حتى بنى مسجده، يدل أن النهى لا يتوجه لقطع شجرها للعمارة وجهة الإصلاح، وأن يقطع شجراؤها وشوكها ليتخذ موضعه بنياناً وعمارة، وأنَّ توجّه النهى إنما هو القطع للفساد لبهجة المدينة وخضرتها، فى عين الوارد عليها والمهاجر إليها. قال القاضى: وقد ذكر ابن نافع عن مالك نحو هذا، قال: إنما نهى عنه لئلا يتوحش، ويبقى فيها شجرها ليستأنس به، ويستظل به من هاجر إليها. وحكى الخطابى وغيره أن قطع الشوك غير ممنوع لما فيه من الضرر، وقد ذكر مسلم فى حديث نغير: " ولا يختلا شوكها "، وقيل: بل قطعه - عليه السلام - للنخيل إنما هو قطع لما غرسه الآدمى، والنهى إنما يتوجه إلى ما أثبته الله مما لا صنع فيه لآدمى. وقوله: " لا يثبت أحد على لأوائها "، وفى الرواية الأخرى: " لا يصبر على لأوائها وجهدها ": اللأواء، ممدود، قال الإمام: هو الجوع وشدة الكسب. قال القاضى: وتفسيره قوله: " وجهدها "، وقيل: يحتمل أن تعود الشدة على الجوع، وعلى كل ما يشتد معه سُكناها ويستضر به. وقوله: " إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة ": سئلنا قديماً عن معنى هذا ولم خصص - عليه السلام - ساكن المدينة بهذا من شفاعته، ومع ما يثبت من ادخاره إياها لجميع أمته، وهل " أو " هنا للشك أو لغيره؟ ولنا على هذا جواب شافع مقنع فى أوراق اعترف بصوابه كل من وقف عليه، نذكر منه هنا لمعنى تليق بالموضع: والأظهر أن " أو "

460 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأَنْصَارِىُّ، أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا ليست للشك، خلاف من ذهب من شيوخنا إلى ذلك؛ إذ قد روى هذا الحديث جابر، وأبو هريرة، وابن عمرو، وأبو سعيد، وسعد بن أبى وقاص، وأسماء بنت عميس، وصفية بنت أبى عبيد، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا اللفظ، وبعيد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك ووقوعه من جميعهم وتطابقهم فيه على صيغة واحدة، بل الأظهر أنه كذا قاله النبى - عليه السلام - فإما أن يكون أعلم - عليه السلام - بهذه الجملة هكذا أو تكون [أو] (¬1) للتقسيم، ويكون أهل المدينة صنفين؛ شهيداً لبعضهم، وشفيعاً لآخرين، إما شفيعاً للعاصين وشهيداً للمطيعين، أو شهيداً لمن مات فى حياته وشفيعاً لمن مات بعده، أو غير ذلك مما الله [أعلم] (¬2) به، وهذه خاصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين فى القيامة، وعلى شهادته على جميع الأمة، وقد قال - عليه السلام - فى شهداء أحد: " أنا شهيد على هؤلاء " فيكون لتخصيصهم بهذا كله زيادة منزلة وغبطة وحظوة. وقد تكون " أو " هنا هى التى بمعنى الواو، فيكون لأهل المدينة شهيداً وشفيعاً، وقد روى: " إلا كنت له شهيداً أو له شفيعاً "، وإذا جعلناها للشك - كما ذهب إليه المشايخ - فإن كانت اللفظة الصحيحة الشهادة اندفع الاعتراض؛ إذ هى زائدة على الشفاعة المدخرة المجردة لغيرهم، وإن كانت اللفظة الصحيحة الشفاعة فاختصاص أهل المدينة بهذا، مع ما جاء من عمومها وادخارها لجميع أمته، أن هذه شفاعة أخرى غير العامة التى هى لإخراج أمته من النار، ومعافاة بعضهم منها بشفاعته فى القيامة، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات، أو تخفيف الحساب، أو ما شاء الله من ذلك، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة والمبرة؛ من إيوائهم فى ظل عرش الرحمن، أو كونهم فى روح وعلى منابرٍ، أو الإسراع بهم إلى الجنة، أو غير ذلك من خصوص المبرات الواردة لبعض دون بعض فى الآخرة - والله أعلم. وقوله: " لا يخرج أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ": ذهب بعضهم أن هذا خصوص مدة حياته - عليه السلام - وقال آخرون: هو عموم أبداً، وهذا أظهر؛ لقوله فى الحديث الآخر أول الكلام: " يأتى على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذى نفسى بيده، لا يخرج أحد منها رغبة عنها إلا أخلف الله فيها من هو خير منه " الحديث، وأن كلامه - عليه السلام - ممن يخرج عنها ممن كان مستوطناً بها. ¬

_ (¬1) و (¬2) سقطتا من الأصل، واستدركتا فى الهامش بسهم.

قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. وَزَادَ فِى الحَدِيثِ: " وَلا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ المَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلا أَذَابَهُ اللهُ فِى النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ أَوْ ذَوْبَ المِلحِ فِى المَاءِ ". 461 - (1364) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنِ العَقدِىِّ. قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالعَقيقِ، فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطَهُ، فَسَلبَهُ. فَلْمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ العَبْدِ، فَكَلمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلى غُلامِهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله فى النار ذَوْبَ الرصاص ": هذه الزيادة فى النار ترفع إشكال الأحاديث التى لم تذكر فيها، وأن هذا حكمه فى الآخرة، وقد يكون المراد به من أرادها فى حياة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الدنيا، فيكفى أمره، ويضمحل كيده كما يضمحل الرصاص، ويكون فى " النار " مقدماً فى اللفظ، كما قال فى الحديث الآخر: " كما يذوب الملح فى الماء "، أو يكون ذلك لمن أرادها فى الدنيا فلا يمهله الله، ولا يُمكن سلطانه، ويذهبه عن قرب، كما انقضى من شأن من حاربها أيام بنى أمية مثل مسلم بن عقبة، وهلاكه منصرفه عنها، ثم هلاك يزيد بن معاوية مرسلة على إثر ذلك، وغيرهم ممن صنع مثل صنيعهم. قيل: قد يكون الحديث فيمن كادها مغتالاً وطلب غرتها، فلا يتم له ذلك، خلاف من أتى ذلك جهارًا كالأمراء الذين استباحوها على ظاهر لفظة الحديث: " لا يكيد "، وهى فى الباب: ثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعمرو الناقد، كلاهما عن أبى حامد، قال أبو بكر: ثنا محمد بن عبد الله الأسدى (¬1)، وعند العذرى: الأزدى، وهو خطأ. وفيه فى حديث ابن أبى شيبة ثنا عامر بن سعد (¬2): " فسلبه " الذى يقطع شجراً، عن أبيه. وعند الصفدى: عمرو، والصواب عامر. وذكر فى الحديث عن سعد: سَلبَهُ الذى يقطع شجرًا أو يخبطه. وقال لما كلم فى ذلك: " معاذ الله أن أرد شيئاً نفَّلنيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". حجة فى تحريم المدينة ومنع لقطع شجرها، وعضد للحديث الآخر عنه - عليه السلام -: " من وجدتموه يصيد فى حرم المدينة ¬

_ (¬1) هو محمد بن عبد الله بن الزبير أبو أحمد الأسدى، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال مرة: ثقة. روى عنه أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبى شيبة، وحدث عن سفيان وأيمن بن نائل وغيرهما. انظر: التهذيب 9/ 254، 255. (¬2) هو عامر بن سعد بن أبى وقاص الزهرى المدنى، روى عن أبيه وعثمان والعباس بن عبد المطلب وغيرهم، وروى عنه ابنه داود ومحمد بن المنكدر وسعيد بن المسيب. ذكره ابن حبان فى الثقات. انظر: التهذيب 5/ 63، 64.

أَوْ عَليْهِمْ، مَا أَخَذَ مِنْ غُلامِهِمْ. فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ، أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلنِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَليْهِمْ. 462 - (1365) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْن أَبِى عَمْرٍو، مَوْلى المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِى طَلْحَةَ: " التَمِس لِى غُلامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِى ". فَخَرَجَ بِى أَبُو طَلْحَةَ يَرْدِفُنِى وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلمَا نَزَلَ. وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: ثُمَّ أَقَبَلَ، حَتَّى إِذَا بَدَا لهُ أُحُدٌ قَالَ: " هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ "، فَلمَّا أَشْرَفَ عَلى المَدِينَةِ قَالَ: " اللهُمَّ، إِنِّى أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَليْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ. اللهُمَّ، بَارِكْ لهُمْ فِى مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقطع شجرها فخذوا سلبه " (¬1)، ولم يثبت عند أئمة الفتوى هذا الحكم، فلم يقله أحد منهم بعد زمن الصحابة إلا الشافعى فى قوله القديم، فى صيد المدينة يؤخذ سلبه وفى فعل سعد (¬2). وما روى عن غيره من الصحابة فى الأمهات، من إنكارهم صيد حرم المدينة، وإطلاقه من يد من وجدوه، وتأديبهم عليه، واحتجاجهم تحريم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها، وكثرة من روى ذلك - يرد حجة أبى حنيفة المتقدمة. وقد ذكر مسلم من ذلك حديث أنس ورافع ابن خديج وعبد الله بن زيد بن عاصم وجابر وسعد وعلى وأبى هريرة وأبى سعيد وسهل ابن حنيف سوى من ذكر غيره. وقوله: [فى جبل أحد] (¬3) " هذا جبل يحبنا ونحبه "، قال الإمام: قيل: المراد: يحبنا أهله، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كما قال الله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (¬4)، أى حب العجل، وقال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬5) أى أهلها. قال القاضى: وقيل: هو على ضرب آخر من المجاز، أى نحن نحبه ونستبشر برؤيته، فلو كان هو ممن يعقل لأحبنا على سبيل مطابقة الكلام ومجانسة الألفاظ. وقيل: يحتمل ¬

_ (¬1) ذكره الهندى فى كنز العمال وعزاه لعبد الرزاق فى جامعه عن سعد بن أبى وقاص، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من وجدتموه يعضد أو يخبط عضاة المدينة بريداً فى بريد فلكم سلبه، فلم أكن أرد شيئًا أعطانيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " 14/ 138. وذكره ابن عساكر بلفظ: " من وجدتموه يقطع من الحمى شيئًا فلكم سلبه " 3/ 302، 10/ 296. (¬2) انظر: الأثر السابق. (¬3) زائدة فى ع. (¬4) البقرة: 93. (¬5) يوسف: 82.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ القَارِىُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنِّى أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابِتَيْهَا ". 463 - (1366) وَحَدَّثَنَاهُ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِى: هَذِهِ شَدِيدَةٌ: " مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلاً ". قَالَ: فَقَالَ ابْنُ أَنَسٍ: أَوْ آوَى مُحْدِثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون حقيقة، وأن الله جعل فيه أو [فى] (¬1) بعضه إدراكاً ومحبة، كما قيل فى تسبيح الحصى، وحنين الجذع وشبه ذلك، وتكون هذه من خوارق العادات، وجملة الآيات، وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: أن محبتنا له محبة من يعتقد أنه يحبنا، وقيل: أن تكون المحبة هنا عبارة عن الانتفاع بمن يحبنا فى الحماية والنصرة. وقوله: " من أحدث حدثاً، أو آوى محدثاً ": [أى أتى إثماً، أو آوى من أتاه وحماه وضمه إليه، وهو نحو قوله تعالى فى مكة: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬2)، ويقال: آوَى وَأوَى، فى اللازم والمتعدى، والقصر فى اللازم أشهر، والمد فى المتعدى أكثر، ولم نرو هذا الحرف إلا محدثاً، بالكسر] (¬3). قال الإمام: " فى محدث " روايتان، فتح الدال وكسرها، فمن فتح نسبة إلى نفس الأحداث، ومن كسر نسبة إلى فاعل الحدث. قال القاضى: وقوله - عليه السلام -: " فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً ": وعيد شديد لمن فعل ذلك، ممن استحل حرمتها، أو أحدث فيها. وقد استدلوا لما جاءت به اللعنة أنه من الكبائر. وقوله آخر الحديث من رواية حامد بن عمر: " قال: فقال ابن أنس: أو آوى محدثاً ": كذا عند عامة شيوخنا: " فقال ابن أنس " وهو الصحيح إن شاء الله، أن ابن أنس ذكّر أباه هذه الزيادة، وإلا فسياق الحديث كان من أوله من كلام أنس، فلا وجه لاستدراكه على هذا هو تلك اللفظة. وقد وقعت أول الحديث نفسه فى سياق أنس فى أكثر الروايات، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) الحج: 25. (¬3) سقط من ع.

464 - (1367) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسقطت عند السمرقندى. وسقوطها هناك، يشبه أن يكون الصحيح؛ ولذلك استدركت آخر الحديث - والله أعلم. وقوله: " لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً "، قال الإمام: اختلف فى تفسير ذلك، فقيل: الصرف: الفريضة، والعدل: التطوع. وقال الحسن: الصرف: النافلة، والعدل: الفريضة. وقال الأصمعى: الصرف: التوبة، والعدل: الفدية. وروى ذلك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال يونس: الصرف: الاكتساب، والعدل: الفدية. وقال أبو عبيدة: العدل: الحيلة، وقال قوم: العدل: المثل؛ لقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} (¬1) [معناه: صومتك ذلك صياماً] (¬2)، وقال بعضهم: العَدل والعِدل لغتان، لا فرق بينهما كالسَّلم والسِّلم. وقال الفراء: العَدل: ما عادل الشىء من غير جنسه. والعدلُ: ما عادل الشىء من جنسه. يقال: عندى عَدل ثوبك، أى قيمته. قال القاضى: وقيل: الصرف: الدية، والعدل: الزيادة، وروى عن الحسن فى معنى الصرف هنا التصرف فى العمل، فيحتمل أن يكون ما أوعد به من ترك قبول التوبة على ما فسّر به الصرف، وهى معرضة لجميع العاصين فى قبوله الطاعات، ولا يحبطها إلا الكفر على ما فسر به الصرف. والعدل إما أن يكون فعل ذلك مستحلاً، فأحبط الكفر أعماله، ولا يصح توبته إلا برجوعه إلى الإسلام، لا بإقلاعه عن ذلك الذنب وحده. وقيل: المراد هاهنا: لا يقبل توبته فى الآخرة، وهو فى الحديث مفسر: " لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً "، أى لا يعف عن ذنبه هذا فى الآخرة، واعترافه بخطئه فيه، إن لم يتب منه فى الدنيا، وأما توبة الدنيا فمقبولة إن شاء الله من كل ذنب. وسيأتى الكلام على ذلك فى موضعه إن شاء الله. وقيل: يكون أيضاً معنى: لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضى، وإن قبلت قبول جزاء؛ لأن الله لا يظلم عباده مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها. وقيل: قد يكون القبول هنا عبارة عن تكفير تلك السيئة والذنب بها، وقد قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (¬3). وتكون معنى الفدية هاهنا: لا يجد فى القيامة فِدى يفتدى به، بخلاف غيره من المذنبين الذين جاء من تفضل الله على من شاء منهم أن يفديه من النار باليهود والنصارى، ومن شاء من الكفار. وقيل: معنى لعنة الله هنا: يحتمل أن يراد به العذاب الذى يستوجبه على ذنبه، والطرد عن الجنان أولاً، ودخول النار حتى يخرجه الله منها. واللعنة معناها: الإبعاد، ¬

_ (¬1) المائدة: 95. (¬2) من ع. (¬3) هود: 114.

الأَحْوَلُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِىَ حَرَامٌ، لا يُخْتَلى خَلاهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. 465 - (1368) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئ عَلَيْهِ - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا اللهُمَّ، بَارِكْ لهُمْ فِى مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لهُمْ فِى صَاعِهِمْ، وَبَارِكْ لهُمْ فِى مُدِّهِمْ ". 466 - (1369) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّامِىِّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ يُحَدَّثُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، اجْعَلْ بِالمَدِينَةِ ضِعْفَىْ مَا بِمَكَّةَ مِنَ البَرَكَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يكون هذا كلعنة الكفار الذين يبعدون عن رحمة الله رأساً. ولعنة الملائكة والناس هنا: الدعاء عليهم بمثل هذا. وقد يكون لعنة الملائكة هنا ترك الدعاء لهم والاستغفار وإبعادهم عنه، وإخراجهم من جملة المؤمنين الذين يستغفرون لهم، كما حكى الله تعالى عنهم. وقوله: " اللهم بارك لهم فى مكيالهم وصاعهم ومدهم ": البركة تكون بمعنى النماء والزيادة، وتكون بمعنى الثبات واللزوم. فقيل: يحتمل أن تكون هذه البركة دينية بما تتعلق بهذه المقادير من حقوق الله فى الزكوات والكفارات، فيكون هنا بمعنى الثبات والبقاء بها للحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها. وتكون دنيوية من تكثير المكيل، والقدر بهذه الأكيال حتى يجزئ منه، ويكفى ما لا يجزى من غيره فى غير المدينة ومكانتها، أو ترجع البركة إلى التصرف بها فى التجارة وأرباحها، أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتهم وثمارهم، أو يكون للزيادة فيما يكال بها؛ لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه، لما فتح الله عليهم، ووسع من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف من الشام والعراق ومصر، حتى كثر الحملُ إلى المدينة، واتسع عيشهم، وانتقلوا عن ذلك إلى حال آخر، ورغد سائغ، حتى صارت هذه البركة فى الكيل نفسه غير ذلك، فانتقلوا عن مقاديرهم فى عيشهم المعلوم، من مد النبى - عليه السلام - إلى المد الهاشمى فزادوا فى مدهم مثل نصفه أو ثلثه أو مثله على الخلاف فى مقداره، فى هذا كله ظهور إجابة دعوة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم، وقبولها، قالوا: وفيه الندب إلى استعمال الكيل فيما يكال، وقيل: يحتمل أن هذا خاص بزمنه وزمن من تلاه من أئمة الحق بعده.

467 - (1370) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ - قَالَ: وَصَحِيفَةٌ مُعَلقَةٌ فِى قِرَابِ سَيْفِهِ - فَقْدَ كَذَبَ، فِيهَا أَسْنَانُ الإِبْلِ، وَأَشْيَاءُ مِنَ الجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث على - رضى الله عنه -: " من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة فقد كذب ": ردّ على الرافضة والشيعة فيما تدّعيه من إيداع أسرار العلم والشريعة لآل البيت، وتخصيصهم بما لم يطلع عليه سواهم، وتكذيب لهم، وهو مراد على - رضى الله عنه - بقوله هذا، وفيه أن علياً ممن كتب العلم قديماً، وممن كان يجيز كتب الحديث والعلم، وقد تقدم الكلام فى ذلك والخلاف فيه. وقوله: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ": كذا للرواة، وللعذرى: " عاير " بألف، هذان الاسمان هما اللذان جاءا فى الحديث الآخر، من كذا إلى كذا، فإما أن يكون فى ذاك الحديث لم يضبط الراوى الاسمين، أو كنى عنهما لإنكار مصعب الزبيرى وغيره هذين الكلمتين، وقال: ليس بالمدينة عير ولا ثور. قالوا: وإنما ثور بمكة. وقال الزبير: عير جبل بناحية المدينة. وأكثر الرواة فى كتاب البخارى (¬1) ذكروا عيراً. وأما ثور، فمنهم من كنى عنه [بكذا] (¬2)، ومنهم من ترك مكانه بياضاً، إذ اعتقدوا الخطأ فى ذكره. قال الإمام: قال بعض العلماء: ثور ها هنا وهْمٌ من الراوى؛ لأن ثوراً بمكة، والصحيح الى أُحد. قال القاضى: كذا قال أبو عبيد، كان الحديث أصله: " من عير إلى أحد " (¬3)، وذكر ما جاء فى هذا الحديث من الوعيد واللعنة على من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى لغير مواليه، مما يدل على عظم ذلك، لما فيه من كفر النعمة للمنعمين بالعتق وحق الآباء وولائهم وتربيتهم صغاراً، وتكلف مؤنهم من قطع الأنساب والأرحام التى أمر الله أن ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجزية، ب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم 6/ 273. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬3) قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقى فى طبعته على صحيح مسلم، نقلاً عن الفيروزآبادى فى قاموسه: تصحيف أبى عبيد لهذا الحديث خطأ، وأثبت لفظة ثور أنه فى المدينة وهو جبل صغير خلف أحد. وقال عبد الباقى: وقع بسبب هذا الخطأ ثلاثة من كبار المؤلفين أبو عبيد البكرى وابن الأثير وياقوت فى معجمه، ورد عليهم، وكذا ابن حجر فى الفتح. انظر: صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقى 2/ 995.

أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهِ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلاً، وَذِمَّةُ المُسْلِمينَ وَاحدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلاً ". وَانْتَهَى حَدِيثُ أَبِى بَكْرٍ وَزُهَيْرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ " وَلمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثَيْهِمَا: مُعَلقَةٌ فِى قِرَابِ سَيْفِهِ. 468 - (...) وَحَدَّثَنِى عَلى بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ إِلَى آخِرِهِ. وَزَادَ فِى الحَدِيثِ: " فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ، وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمَا: " مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ "، وَلَيْسَ فِى رِوَايَةِ وَكِيعٍ ذِكْرُ يَوْمِ القِيَامَةِ. (...) وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ المُقَدَّمِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَوَكِيعٍ. إِلا قَوْلهُ: " مَنْ تَوَلى غَيْرَ مَوَالِيهِ " وَذِكْرَ اللعْنَةِ لهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ توصل، واختلاط ذلك، ونقل المواريث وحقوق الولاء والولاية لغير أربابها، وظلمهم بذلك. وليس قوله: " بغير إذنهم " كالشرط لهذا المنع حتى يباح بالإذن، لكنه كالتأكيد والتنبيه على حق من له حق فى ذلك، والافتيات عليهم فيه، وقد يحتج بهذه اللفظة من يجيز هبة الولاء وبيعه، وسيأتى فى العتق. قال الداودى: ويحتمل قول: " من تولى قوماً بغير إذن مواليه " الحلف. ويحتمل الموالاة. قال: وفى الحديث المنع من مولاة من أقام بمكة من المسلمين بعد خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها إلى أن فتحت. وقوله: " وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم "، قال الإمام: فيه دلالة لمن أجاز أمان المرأة، ومن فى معناه، وقد تقدم القول فى ذلك. وقوله: " فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله ": يعنى نقض عهده. قال القاضى: يقال: أخفرت الرجل: إذا غدرته، وخفرته: إذا أجرته. وقوله: " لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها ": يعنى أن ترعى، وقيل: معنى " ترتع ": تسعى وتنبسط. والرتْعة بسكون التاء: حركتها للاتباع فى الخصب.

469 - (1371) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ الجُعْفِىُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُليْمَانَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " المَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلاِئكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ ". 470 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِى النَّضْرِ، حَدَّثَنِى أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِىُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. وَلمْ يَقُلْ: " يَوْمَ القِيَامَةِ " وَزَادَ: " وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ ". 471 - (1372) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المَسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ تَرْتَعُ بِالمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتُهَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا حَرَامٌ ". 472 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لابَتَىِ المَدِينَةِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا مَا ذَعَرْتُهَا، وَجَعَلَ اثْنَىْ عَشَرَ مِيلاً - حَوْلَ المَدِينَةِ - حِمًى. 473 - (1373) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِك بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما ذعرتها "، قال الإمام: الذعر: الفزع، ومنه قول زهير - هو ابن أبى سُلمى -: ولأَنْتَ أَشْجَع مِنْ أُسَامَةَ إِذْ ... دُعِيَت نَزَالِ وَلُجَّ فِى الذُّعْر (¬1) قال القاضى: وقيل: معناه هنا: أى ما نفرتها. وقد تقدم نهيه - عليه السلام - عن هذا. وقوله: " كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى النبى - عليه السلام " وذكر ¬

_ (¬1) الذى فى ديوان زهير: ولنعم حشو الدرع أنت إذا ... دعيتَ نزال ولج فى الذعر

جَاؤُوا بِهِ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللهُمَّ، بَارِكْ لَنَا فِى ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِى مَدِينَتِنَا، وَبَارك لَنَا فِى صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فى مُدِّنَا. اللَّهُمَّ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّى عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّى أَدْعُوكَ لِلمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ ". قَالَ: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ. 474 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ المَدَنِىُّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِأَوَّلِ الثَّمَرِ فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ، بَارِكْ لَنَا فِى مَدِينَتِنَا وَفِى ثِمَارِنَا وَفِى مُدِّنَا وَفِى صَاعِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ ". ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الوِلدَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ دعائه فيه. وفى المدينة كانوا يفعلون ذلك رغبة فى دعائه، ورجاء تمام ثمرهم لبركة ذلك، وإعلاماً له - عليه السلام - بابتداء صلاحها؛ لما يتعلق بها من حقوق الزكاة [والشرع وتوبة الخرّاص وبيان الزكاة] (¬1) وقد روى الخشنى هذا الحديث عن مالك أنه - عليه السلام - كان إذا أخذ ذلك، وضعه على وجهه، ثم قال ما تقدم. وفيه تخصيص الرئيس فى العلم والسلطان بالهدية والطرفة تفضيلاً له، وتقديماً ورجاء بركة دعائه. وفيه ما كان عليه - عليه السلام - من الرفق بالصغير والكبير، ومراعاة حقوق كل صنف منهم بحسبه، ودفع هذه الطرفة للصغار؛ إذ هم أولى بذلك لشدة حرصهم على مثل ذلك، وإعجابهم به، وقيل: يحتمل أن يفعل ذلك لطلب الأجر بدفعه لمن لا ذنب له، وإدخال المسرة عليه بذلك، وتخصيصه ذلك بأصغر وليد يحضره، لما لم يكن لقلتِه فيه ما نقسم على الولدان رحم أصغرهم به؛ إذ هو أولى بالألطاف ولقلة صبره، وحرصه وشرهه على مثل هذا بحسب صغره، وكلما كبر تخلق بأخلاق الرجال من الصبر والحياء وسماحة النفس، وقلة الشره. قال الإمام: وقد يكون لى فى معناه: أنه - عليه السلام - فعله تفاؤلاً بنمو الثمرة وزيادتها بأن يدفعها إلى من هو فى سن النماء والزيادة، ويكون هذا نحو ما تأول أهل العلم فى قلب الرداء فى الاستسقاء؛ أنه تفاءل لأن ينقلب الجدب خصباً. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

(86) باب الترغيب فى سكنى المدينة، والصبر على لأوائها

(86) باب الترغيب فى سكنى المدينة، والصبر على لأوائها 475 - (1374) حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُليَّةَ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ مَوْلى المَهْرِىِّ؛ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ بِالمَدِينَةِ جَهْدٌ وَشِدَّةٌ، وَأَنَّهُ أَتَى أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، فَقَالَ لهُ: إِنِّى كَثِيرُ العِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَتْنَا شِدَّةٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْقُلَ عِيَالِى إِلى بَعْضِ الرِّيفِ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ، لَا تَفْعَلِ، الزَمِ المَدِينَةَ، فَإِنَّا خَرَجَنَا مَعَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: حَتَّى قَدِمْنَا عُسْفَانَ، فَأَقَامَ بِهَا ليَالِىَ. فَقَالَ النَّاسُ: وَاللهِ، مَا نَحْنُ هَاهُنَا فِى شَىْءٍ، وَإِنَّ عِيَالنَا لخُلوفٌ. مَا نَأْمَنُ عَليْهِمْ. فَبَلغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا هَذَا الذِى بَلغَنِى مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ - مَا أَدْرِى كَيْفَ قَالَ - وَالذِى أَحْلِفُ بِهِ، أَوْ وَالذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لقَدْ هَمَمْتُ أَوْ إِنْ شِئْتُمْ - لا أَدْرِى أَيَّتُهُمَا قَالَ - لآمُرَنَّ بِنَاقَتِى تُرْحَلُ، ثُمَّ لَا أَحُلُّ لهَا عُقْدَةً حَتَّى أَقْدِمَ المَدِينَةَ ". وَقَالَ: " اللهُمَّ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّم مَكَّةَ فَجَعَلهَا حَرَمًا، وَإِنِّى حَرَّمْتُ المَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأزِمَيْهَا، أَلا يُهَرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أبى سعيد: " إن عيالنا لخُلوف " بضم الخاء، قال الإمام: أى لا راعى لهم ولا حامى. قال الأزهرى: يقال: الحى الخلوف، بمعنى المتخلفين المقيمين فى الدار، وبمعنى الغُيَّب الطاعنين. وقوله فى هذا الحديث: " ما هذا الذى يبلغنى من حديثكم - ما أدرى كيف قال - والذى أحلف به، أو الذى نفسى بيده ": شك من أبى سعيد فى أحد القسمين، وتحرى رواية لفظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: " لآمرن براحلتى ترحل ثم لا أحل لها عقدة حتى آتى المدينة ": أى لا أحل من رباط رحلى عليها شيئاً، بل أصل سيرى، وأدأبه حتى أصل المدينة ولا أريح ركابى، ولا أنزل عنها منزلاً لا أحط فيه عنها. وقوله: " حراما ما بين مأزمَيْها " بكسر الزاى، أى جبليها، كما قال فى الحديث الآخر: " جبليها "، وبه فسر ابن شعبان " مأزمى مكة ". وأما ابن دريد فى الجمهرة فقال: المأزم: المضايق، ومنه: مأزمى مِنى، وهذا يقرب مما تقدم؛ لأن المضايق متقطع الجبال بعضها من بعض. وقوله فى هذا الحديث: " لا يحمل فيها سلاح، ولا يخبط فيها شجرة ": تسويتها

سلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلا يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلفٍ. اللهُمَّ، بَارِكْ لَنَا فِى مَدِينَتِنَا. اللَّهُمَّ، بَارِكْ لنَا فِى صَاعِنَا. اللهُمَّ، بَارَكْ لَنَا فِى مُدِّنَا. اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى صَاعِنَا. اللهُمَّ، بَارِكْ لَنَا فِى مُدِّنَا. اللهُمَّ، بَارِكْ لَنَا فِى مَدِينَتِنَا. اللَّهُمَّ، اجْعَلْ مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ. وَالذِى نَفْسِى بيَدِهِ، مَا مِنَ المَدِينَةِ شِعْبٌ وَلا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ مَلكَانِ يَحْرُسَانِهَا حَتَّى تَقْدَمُوا إِليْهَا ". ثُمَّ قَالَ للنَّاس: " ارْتَحِلُوا "، فَارْتَحَلنَا، فَأَقْبَلْنَا إِلَى المَدِينَةِ، فَوَ الذِى نَحْلِفُ بِهِ أَوْ يُحْلفُ بِهِ - الشَّكُّ مِنْ حَمَّادٍ - مَا وَضَعْنَا رِحَالنَا - حِينَ دَخَلنَا المَدِينَةَ - حَتَّى أَغَارَ عَليْنَا بَنُو عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطفَانَ، وَمَا يَهِيجُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ شَىْءٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى حرمة مكة فى كل الأمور، ورد على أبى حنيفة. وقد جاء فى الحديث الآخر: " لا يختلى خلاها " كما قال فى مكة. وقوله: " لا يخبط فيها شجرة إلا لعلف ": حجة على جواز أخذ الورق للعلف، وإنه بخلاف قطع الأغصان، وخبطها ليتكسر حطباً، ولم يقع هذا الاستثناء فى حديث تحريم مكة، ويفسر هذا الاستثناء - والله أعلم - الحديث الآخر: " لا يخبط ولا يعضد، ولكن يهش هشاً رفيقاً "، والهش: تحريك الغصن ليسقط ورقه [قال صاحب العين، وقال غيره: هو خبط الشجر بالعصا ليسقط ورقه] (¬1)، قال الله تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (¬2) على ظاهره، ومعناه: لا تخبط لتكسر أغصانها، ولا يجوز أن يؤخذ منها إلا أن يحرك أو يضرب ضرباً رفيقاً لأخذ الورق للعلف. وقوله: " ما من المدينة شِعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها ": فيه فضل المدينة وحمايتها فى حياة النبى - عليه السلام - من العدو. والشِعب بكسر الشين: هو ما انفرج ما بين الجبلين. وقال يعقوب: هو الطريق فى الجبل. والنقَبُ، بفتح النون وضمها، مثله. وقيل: الطريق على رأس الجبل. قال الإمام: قال الأخفش: أنقاب المدينة طرقها وفجاجها. قال القاضى: وقوله: " ارتحلوا ": فيه ما كان عليه - عليه السلام - من مساعدة المسلمين والتيسير عليهم فى أمورهم. وقوله: " فما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة، حتى أغار علينا بنو عبد الله بن غطفان، وما يهيجهم قبل ذلك بشىء ": يعنى أن المدينة فى مغيبهم لم يحركهم عدو ولا ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬2) طه: 18.

476 - (...) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلى المَهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ، بَارِكْ لَنَا فِى صَاعِنَا وَمُدِّنَا، واجْعَلْ مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ - يَعْنِى ابْنَ شَدَّادٍ - كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 477 - (...) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ مَوْلى المَهْرِىِّ؛ أَنَّهُ جَاءَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ ليَالِىَ الحَرّةِ، فَاسْتَشَارَهُ فِى الجَلَاءِ مِنَ المَدِينَةِ، وَشَكَا إِليْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنْ لا صَبْرَ لهُ عَلى جَهْدِ المَدِينَةِ وَلأَوَائِهَا. فَقَالَ لهُ: وَيْحَكَ! لا آمُرُكَ بِذَلِكَ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلى لأَوَائِهَا فَيَمُوتَ، إِلا كُنْتُ لهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ القِيَامَةِ، إِذَا كَانَ مُسْلِمًا ". 478 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى أُسَامَةَ - وَاللفْظُ لأَبِى بَكْرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الوَلِيدِ ابْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: " إِنِّى حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لابَتِىَ المَدِينَةِ، كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ ". قَالَ: ثُمَّ كَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَأْخُذُ - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِدُ - أَحَدَنَا فِى يَدِهِ الطَّيْرُ، فَيَفُكُّهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ يُرْسِلهُ. 479 - (1375) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: أَهْوَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى المَدِينَةِ فَقَالَ: " إِنَّهَا حَرمٌ آمِنٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أثارهم مخوف، وهو معنى " تهيجهم " هنا، يقال: هاج الشر، وهاجت الحرب، وهاجها الناس ثلاثى، يعنى حتى وصلوا المدينة. ففيه تصديق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخبر به من حمايتها بالملائكة مدة مغيبهم، وبنو عبد الله بن غطفان كان يقال لهم فى الجاهلية: بنو عبد العُزى، فسماهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بنى عبد الله، فسمتهم العرب بنى مُحولة، لتحويل

480 - (1376) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةَ، عن هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهِىَ وَبِيئَةٌ، فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ وَاشْتَكَى بِلالٌ، فَلْمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكْوَى أَصْحَابِهِ قَالَ: " اللَّهُمَّ، حَبِّبْ إليْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِى صَاعَهَا وَمُدِّهَا، وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلىَ الجُحْفَةِ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ اسمهم، كذا حدثنا به أبو محمد الخشنى عن الطبرى عن الفارسى: بنو عبد الله على الصواب، وعند سائر شيوخنا. ونسخ مسلم من طريق ابن ماهان والجلودى: بنو عُبيد الله وهو خطأ. والجلاء بالفتح والمد: الانتقال عن الوطن، قال الله تعالى: {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} (¬1). وقوله: " قدمنا المدينة وهى وبيئة ": يقال: أرض وبيئة، مهموز مخفف؛ إذا كانت ذات وباء. هذا - والله أعلم - غير مخالف لنهيه - عليه السلام - عن القدوم عليه إذا سمع به بأرض؛ لأن ذلك فى الوباء العام، والطواعن النازلة، وهذا إنما هو من حال البلاد الوحمة بحرارة هَوائها، وقد يألفها الساكنون بها، ويختلف فيها حال النازل والوارد عليها، فتعتريهم أمراض لاختلاف الهواء عليهم، وقد نصب ذلك أهلها، وقد يستقلون منه كسائر الأمراض باختلاف. ووباء الطاعون إنما هو موت ذريع، وقد يقال: إن هذا قبل نهيه - عليه السلام - عن ذلك، كما كان؛ لأن هذا الحديث فى أول الهجرة والإسلام. وقوله: " وصححها وحول حماها إلى [الجُحفَةِ] (¬2) "، قال الإمام: قال بعض أهل العلم: كان سكانها يومئذ كفارًا. قال القاضى: قال الخطابى: كانوا يهوداً. وفيه جواز الدعاء على العدو الكافر بما يهلكه، ويشغله عن المسلمين، والدعاء للمسلمين بالصحة والسلامة، وفيه حجة لكافة المسلمين فى جواز الدعاء بالخير وكشف الضر، خلافاً لبعض المتصوفة فى أن [هذا] (¬3) عندهم قدح فى التوكل والرضا، وللمعتزلة فى قولهم: إنه لا فائدة فى الدعاء مع سابق القدر. والدعاء عندنا عبادة لا يأتى ولا يستجاب منه إلا ما سبق فى القدر كونه، خلافاً لمن ¬

_ (¬1) الحشر: 3. (¬2) هكذا نص الحديث، وفى الأصل: الحجنة. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

481 - (1377) حَدَّثَنِى زُهَيْرٌ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ صَبَرَ عَلى لأَوَائِهَا، كُنْتُ لهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ القِيَامَةِ ". 482 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ الأَجْدَعِ، عَنْ يُحَنَّسَ مَوْلى الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فِى الفِتْنَةِ، فَأَتَتْهُ مَوْلاةٌ لهُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ. فَقَالتْ: إِنِّى أَرَدْتُ الخُرُوجَ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! اشْتَدَّ عَليْنَا الزَّمَانُ. فَقَالَ لهَا عَبْدُ اللهِ: اقْعُدِى، لكَاعٍ! فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَصْبِرُ عَلى لأَوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ، إِلا كُنْتُ لهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بالبداء إن الدعاء يصرف القدر، على ظاهر ما جاء فى الآثار، وقد تقدم من هذا فى حديث أم حبيبة. وفى هذا آية للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلامة من علامات نبوته، فإن الجحفة من يومئذ، وبيئة متجنبة، لا يشرب أحد من مائها إلا حُمّ. و " يُحَنَّسُ " مَولى الزبير المذكور فى حديث مالك، كذا ضبطناه هنا عن القاضى الشهيد، وكذا أثبتنا فيه، وضبطناه عن أبى بحر بالفتح، وكذا روى فى كتاب الحاكم، وبالوجهين ضبطناه عن غيره فى غير مسلم. وقول ابن عمر لمولاته حين شكت إليه اشتداد الزمان، وشاورته فى الخروج عن المدينة: " اقعدى لكاع "، قال الإمام: يقال: امرأة لكَاع، وَرجل لُكَع. واللكع: اللئيم، وأيضاً: العبد، وأيضاً: العَىُ الذى لا يتجه لنطق ولا غيره أحد من الملاكيع، وهو الذى يجرح مع السَّلا من البطن. واللُكع - أيضاً -: الصغير، ومنه الحديث: أن النبى - عليه السلام - طلب الحسن فقال: " أثم لكع أثم لكع " (¬1) أى أثم صغير، وسُئل بلال بن جرير عن اللكع، فقال: هو فى لغتنا: الصغير. وإلى هذا ذهب الحسن؛ إذ قال لإنسان: يا لكع، يُريد: يا صغير فى العلم. قال أهل النحو: ومما لا يقع إلا فى النداء خاصة ولا يستعمل فى غيره قولهم للمؤنثة: يا خباث، ويا لكاع. وربما استعمل [فى الشعر] (¬2) فى غير النداء ضرورة قال الحطيئة: أطَوَّف ما أطوْف ثم آوى ... إلى بيت قعيدته لكاع ¬

_ (¬1) صحيح البخارى، ك البيوع، ب ما ذكر فى الأسواق 3/ 87 وسيأتى فى مسلم، ك فضائل الصحابة ب، فضائل الحسن والحسين (2421/ 57). (¬2) زائدة من ع.

483 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، عَنْ قَطَنٍ الخُزَاعِىِّ، عَنْ يُحَنَّسَ مَوْلى مُصْعَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ صَبَرَ عَلى لأَوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، كُنْتُ لهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ - يَعْنِى المَدِينَةِ ". 484 - (1378) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ جُحْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَصْبِرُ عَلى لأَوَاءِ المَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِى، إِلا كُنْتُ لهُ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا ". (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى هَارُونَ مُوسَى بْنِ أَبِى عِيسَى؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ القَرَّاظَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَثْلِهِ. (...) وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلى لأَوَاءِ المَدِينَةِ " بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقول ابن عمر لها ذلك على طريق الإنكار، والتبسيط بمثل هذا لمن يدل عليه الإنسان من حاشيته وآله، لا سيما استعماله فى الموالى. وقد يكون معناه هنا على نحو ما ذكر فى تأويل قول الحسن، أى يا قليلة العلم وصغيرة الحظ منه؛ لما فاتها من معرفة فضل المدينة، والذى عندى فى معنى قول الحسن إنما أورده على جهة الذم والسَّب، وعلى أصله بمعنى الوغد واللئيم؛ لأنه لم يخاطب به معياً، إنما خاطب به فى وعظه من صور اغتراره بالدنيا، وجمعه لها، ومخادعتِه الله ومرأياتِه بعمله، وشبه هذا. ومثل هذا جدير بغليظ القول والتأديب بالسبّ. وفى هذه الأحاديث دليل على فضل سُكنى المدينة، وأن ذلك محمول عندهم على استمرار هذا الفضل بعد وفاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى يوم القيامة، وقد بينه فى حديث أبى هريرة بقوله: " لا يصبر على لأوائها أحد من أمتى ".

(87) باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها

(87) باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها (¬1) 485 - (1379) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ، لا يَدْخُلهَا الطَّاعُونُ ولا الدَّجَّالُ ". 486 - (1380) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى العَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَأَتِى المَسِيحُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، هِمَّتُهُ المَدِينَةُ، حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ المَلائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَالكَ يَهْلِكُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق. وقوله: " أنقاب المدينة ": جمع نَقْب، وهو الطريق بين الجبلين. أراد: أنه لا يَطْلعُ الطاعون - ولا الدجال - من طريق المدينة. انظر: النهاية فى غريب الحديث 5/ 102.

(88) باب المدينة تنفى شرارها

(88) باب المدينة تنفى شرارها 487 - (1381) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَأْتِى عَلى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمَّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، هَلمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْمَلونَ. وَالذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أَخْلَفَ اللهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ، أَلا إِنَّ المَدِينَةَ كَالكِيرِ، تُخْرِجُ الخَبِيثَ، لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِىَ المَدِينَةُ شِرَارَهَا، كَمَا يَنْفِى الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ ". 488 - (1382) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَليْهِ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: " سَمِعْتُ أَبَا الحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأكُلُ القُرَى، يَقُولونَ: يَثْرِبَ وَهِىَ المَدِينَةُ، تَنْفِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تنفى شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد " وذكر أيضاً خبث الفضة، وخبثهما هو ما يخرج النار من قناهما وتخلصه منهما، الأظهر هنا أنه فى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه كان لا يصبر على الهجرة والمقام معه، إلا من ثبت إيمانه، وأما المنافقون وجهلة الأعراب ومن آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، فلا يصبرون على شدة المدينة ولا يحتسبون أجرهم فى ذلك، أولئك شرار الناس وخبثاؤهم، كما جرى للأعرابى فى الحديث الآخر لما أصابه وعك الحمى بها، واستقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيعته ولم يقلها النبى - عليه السلام - لأنه لا يحل ذلك، ولا يجوز للمهاجر أن يترك هجرته ويرفض بيعته على ذلك، وقد لعن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعل ذلك، وارتدَّ أعرابياً بعد هجرته، وهذا الأعرابى - والله أعلم - كان ممن بايع على المقام معه فيها، ولذلك ما سأله الإقالة من ذلك، وهذا أظهر الوجوه، وقيل: يحتمل أنه كان بعد الفتح وسقوط الهجرة، وإنما استقال من الإسلام فلم يقله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ لا تحل الرجعة إلى الكفر بعد الإيمان، ولا يسوغه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحد، وفى قصته ضرب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا المثل لمن خرج من المدينة، ولم ينتظر الإذن والإباحة، فدل على خبث طويته وضعف دينه. والوعك: الحمى، وما يوجد من الألم لها، ووعك كل شىء معظمه وشدته. وسيأتى الكلام على الهجرة وبيعة الأعراب فى الجهاد. وقوله: " أمرت بقرية تأكل القرى ": أى أمرت بالهجرة إليها وسُكناها. و " تأكل القرى " قيل: منها تُفتح، وقيل: منها يكون أكلها لما جلب من فى القرى المفتتحة إليها

النَّاسَ كَمَا يَنْفِى الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ ". (...) وَحَدَّثَنَا عمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: كَمَا يَنْفِى الكِيرُ الخَبَثَ. لمْ يَذْكُرَا اَلحَدِيدَ. 489 - (1383) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَصَابَ الأَعْرَابِىَّ وَعَكٌ بِالمَدِينَةِ، فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقِلنِى بَيْعَتِى. فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلنِى بَيْعَتِى، فَأَبَى. ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلنِى بَيْعَتِى، فَأَبَى. فَخَرَجَ الأَعْرَابِىُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِى خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وغنيمة أهلها من المهاجرين والأنصار أموالها. وقوله: " يقولون: يثرب وهى المدينة ": يعنى أنها تسمى يثرب، قيل: خص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسمها بالمدينة، وتسميتها فى القرآن يثرب حكاية عن قول من قالها من المنافقين والذين فى قلوبهم مرض. قال عيسى بن دينار: من سماها يثرب كتبت عليه خطيئة. وسماها أيضاً - عليه السلام - طيبة وطابة، وهذا على ما كان عليه - عليه السلام - من استحبابه الاسم الحسن وكراهته القبيح. ففى اسم " يثرب " من الثرب، والتثريب هو المؤاخذة بالذنب، يقال لمن فعل ما يلام عليه ولم يؤاخذ به: لا تثريب عليك، وثرّب فلان فلاناً على فعله، أى بكّته، والثرب الفساد أيضاً، قيل: وإنما كانت سميت يثرب بأرض هناك، المدينة ناحية منها، ولما فى اسم طيبة من الطيب الذى هو الرائحة المستحسنة، وهذا موجود فى المدينة. ذكروا أنه يوجد أبداً فى رائحة هوائها أو تربتها أو سائر أمورها، أو من الطيب الذى هو الاستحسان والموافقة، وكل موافق طيب، قال الله تعالى: {بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} (¬1)، ويقال: طاب لى هذا الأمر والعيش، أى فارقته المكاره ووافقنى حاله، أو من الطهارة التى هى ضد الخبث، كقوله تعالى: {الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (¬2)، سماها بذلك لفشو الإسلام بها، وتطهرها من الكفر والطيب والطاب لغتان بمعنى. وقوله: " تنفى خبثها " و " ينصع طيبها " أى خرج منها من لم يخلص إيمانه على ما تقدم، ويبقى من خلص إيمانه، قيل: معنى " ينصع ": يخلص، وقيل: يتقى ويطهره. ¬

_ (¬1) يونس: 22. (¬2) النور: 26.

490 - (1384) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - وَهُوَ العَنْبَرِىُّ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ - سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّهَا طَيْبَةٌ - يَعْنِى المَدِينَةَ - وَإِنَّهَا تَنْفِى الخَبَثَ كَمَا تَنْفِى النَّارُ خَبَثَ الفِضَّةِ ". 491 - (1385) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ تَعَالى سَمَّى المَدِيَنَةَ طَابَةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: معناه: يخلص ويصفو، أو الناصع الصافى النقى اللون، يعنى أنها تنفى من لا خير فيه، ويبقى فيها الطيبون. ذكر مسلم فى الباب: ثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأبو بكر بن أبى شيبة، قالوا: ثنا أبو الأحوص، كذا عند العذرى، وسقط أبو كريب لغيره.

(89) باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله

(89) باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله 492 - (1386) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ ابْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ أَبِى عَبْدِ اللهِ القَرَّاظِ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ عَلى أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَرَادَ أَهْلَ هَذِهِ البَلدَةَ بِسُوءٍ - يَعْنِى المَدِينَةَ - أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِى المَاءِ ". 493 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنَ عُمَارَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ القَرَّاظَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِى هُرَيْرَةَ - يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ - يُرِيدُ المَدِينَةَ - أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِى المَاءِ ". قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ، فِى حَدِيثِ ابْنِ يُحَنَّسَ، بَدَلَ قَوْلِهِ: " بسُوءٍ ": " شَرّا ". (...) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى هَارُونَ مُوسَى بْنِ أَبِى عِيسَى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو، جَمِيعًا سَمِعَا أَبَا عَبْدِ اللهِ القَرَّاظَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 494 - (1387) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ عُمَرَ ابْنِ نُبَيْهٍ، أَخْبَرَنِى دِينَارٌ القَرَّاظُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى حديث محمد بن حاتم وإبراهيم بن دينار: ثنا حجاج بن محمد، قال: وحدثنى محمد بن رافع، ثنا عبد الرزاق، كلاهما عن ابن جريج، قال: أخبرنى عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس [عن أبى عبد الله القراظ، كذا لكافة الرواة، والذى عند الطبرى: أخبرنى عبيد الله بن عبد الرحمن بن يحنس] (¬1)، والصواب الأول. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَرَادَ أَهْلَ المَدِينَةِ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِى المَاءِ ". (...) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ عُمَرَ بْنِ نُبَيْهٍ الكَعْبِىِّ، عَنْ أَبِى عَبْدِ اللهِ القَرَّاظَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " بِدَهْمٍ أَوْ بِسُوءٍ ". 495 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِى عَبْدِ اللهِ القَرَّاظِ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدًا يَقُولانِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، بَارِكْ لأَهْلِ المَدِينَةِ فِى مُدِّهِمْ " وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَفِيهِ: " مَنْ أَرَادَ أَهْلهَا بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِى المَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من أراد أهلها بِدَهْم أو بسوء " وهو بفتح الدال، قال الإمام: أى بغائلة وأمر عظيم. قال القاضى: ويقال: جيش دَهْم، أى كبير. والدهيماء والدُهَيم من أسماء الدواهى. وقد يصح هنا أن يكون من غزاها بجيش - والله أعلم. وقد تقدم الكلام فى هذا.

(90) باب الترغيب فى المدينة عند فتح الأمصار

(90) باب الترغيب فى المدينة عند فتح الأمصار 496 - (1388) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ، يَبُسُّونَ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ. ثُمَّ يُفْتَحُ اليَمَنُ، فَيَخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ، يَبُسُّونَ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ. ثُمَّ يُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ، يَبُسُّونَ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ ". 497 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى هِشَامُ بْنُ عُرْوةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُفْتَحُ اليَمَنُ، فَيَأْتِى قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يفتح اليمن، فيأتى قومٌ يَبِسون " بفتح الياء وكسر الباء وضمها، وبضم الياء وكسر الباء رباعياً أيضاً، قال الإمام: يعنى يتحملون بأهليهم، ويزينون لهم الخروج عنها إلى غيرها. يقال: فى زجر الدابة إذا سبقتها: بُس بس، لغة يمانية، زجر للسوق. ويقال فيه: بَسَسْت وأبَسسْت، وقول الله عز وجل: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} (¬1): أى فتتت فصارت أرضاً. قال القاضى: وقال الحربى: يقال: بسسْت الغنم والنوق للعلف: إذا دعوتها، والرجل: دعوته للطعام، فمعناه عنده: يدعون الناس إلى بلاد الخصب. قال أبو عبيد: معناه: يسوقون، والبس: سوق الإبل. وقال ابن حبيب: معناه: يزيّنون لهم البلاد، ويحببونها إليهم، ويدعونهم إلى الرحيل إليها عن المدينة، مأخوذ من إبساس الحلوبة كى يدر لبنها، وقوله فى الحديث: " ومن أطاعهم " يدل عليه، وكذلك ما جاء فى الحديث المتقدم: " يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء " (¬2). وقال الداودى: معناه: يبسون يزجرون الدواب إلى المدينة، فيفتون ما يطوون من الأرض، فيصير غباراً أو يفتنون من بها بما يضعون لهم من رغد العيش. وظاهر الحديث عندى أنه إنما أخبر عمن يحمل عنها لا من أتى إليها كما ذكر. ¬

_ (¬1) الواقعة: 5. (¬2) كتاب الحج، حديث (487).

أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خيرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ. ثُمَّ يُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأتِى قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ. ثُمَّ يُفْتحُ العِرَاقُ فَيَأتِى قَوْمٌ يَبُسُّوَنَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى: " يأتى قوم ": أى إلى المواضع التى ذكر أنها فتحت لا إلى المدينة. وهذا الحديث من أعلام نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ كان ذلك من فتح البلاد التى ذكر وانتقال الناس إليها، وقد ثبت فتح هذه البلاد على الترتيب الذى رتبه لهم - عليه السلام.

(91) باب فى المدينة حين يتركها أهلها

(91) باب فى المدينة حين يتركها أهلها 498 - (1389) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللفْظُ لهُ - أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلمَدِينَةِ: " ليَتْرُكَنَّهَا أَهْلُهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ مُذَللةً للِعَوَافِى " يَعْنِى السِّبَاعَ وَالطَّيْرَ. قَالَ مُسْلِمٌ: أَبُو صَفْوَانَ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ، يَتِيمُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَشْرَ سِنِينَ، كَانَ فِى حَجْرِهِ. 499 - (...) وَحَدَّثَنِى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الليْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لا يَغْشَاهَا إِلا العَوَافِى - يُرِيدُ عَوَافِىَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ - ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " للعوافى ": فسره فى الحديث: السباع والطير، وهو صحيح معروف فى اللغة. قال الإمام: هو مأخوذ من عفوته أعفوه: إذا أتيته تطلب معروفه، يقال: [فلان] (¬1) كثير الغاشية والعافية: أى يغشاه السؤال والطالبون. قال القاضى: وهذه من علامات نبوته - عليه السلام - فقد تركت على أحسن ما كانت حين انتقلت الخلافة عنها إلى الشام والعراق، وذلك الوقت أحسن ما كانت للدين علماً وكمالاً من رجاله، وديناً لتمام عمارتها، وغرسها، واتساع حال أهلها. ثم ذكر الإخباريون فى بعض الفتن التى تعاورتها وخاف أهلها على أنفسهم رحل عنها أكثر الناس، وبقيت ثمارها أو أكثرها للعوافى، وخلت مدة ثم تراجع الناس إليها، وحالها اليوم قريب من هذا، وقد خربت أطرافها وزالت أغلاقها. وقد حكى كثير من الناس أنهم رأوا ما أنذر به - عليه السلام - من تغذيه الكلاب على سوارى مسجدها، ومعنى: " تغذّى ": تبول، وأصله البول دفعة بعد دفعة، وهى صفة بول الكلاب. وقوله: " يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما ": أى يصيحان، ¬

_ (¬1) من ع.

يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا، حَتَّى إِذَا بَلغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ خَرَّا عَلى وُجُوهِهِمَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الله تعالى: {الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ} (¬1). وقوله: " فيجدانها وحشاً ": أى خلاء، قال الحربى: وحشى من الأرض أى خلاء، ويمشى وحشاً: أى وحده. وروى فى كتاب البخارى (¬2): " وحوشاً " فمعناها بين؛ لخلائها، عمرتها الوحوش كما قال للعوافى فى الطير والسباع، ويكون " وحشاً " أيضاً بمعنى وحوش، والوحش كل شىء توحش من الحيوان وجمعه وحوش. وقد يعبر بواحدة عن جنسه. وقال ابن المرابط: قوله: " فيجدانها وحوشاً ": أى أن غنمها صارت وحوشاً. قال: فيحتمل أن تصير وحوشاً غير غنم، ويحتمل أن تتوحش وتنفر من أصواتها. قال القاضى: وليس يدل الحديث على أن الضمير فى خرابها يعود على الغنم، وإنما يعود على المدينة كما قدمنا. رواية البخارى لهذا الحديث أتم، قال: " آخرُ من يحشر راعيان من مزينة " وذكر الحديث (¬3)، قيل: معناه: آخر من يموت بها فيحشر؛ لأن الحشر إنما هو بعد الموت، ويحتمل أن يتأخر حشرهما بحسب تأخر موتهما، وإن لم يكن بين حشر الناس أمد بعيد، قال الله تعالى: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} (¬4)، وكذلك صعقها أيضاً الصيحة الأولى يكون آخر من يموت بها، قال الله تعالى: {إن كَانَتْ إلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} (¬5). ¬

_ (¬1) البقرة: 171. (¬2) و (¬3) البخارى، ك فضائل المدينة، ب من رغب عن المدينة. (¬4) يس: 53. (¬5) يس: 29.

(92) باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة

(92) باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة 500 - (1390) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ عَبْد اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ المَازِنِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةَ ". 501 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ المَدَنِىُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الهَادِ، عَنْ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا بَيْنَ مِنْبَرِى وَبَيْتِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ ". 502 - (1391) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ منْ رِياضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِى عَلَى حَوْضِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة "، قال الإمام: يحتمل أن يكون يريد أن ذلك الموضع ينتقل بعينه إلى الجنة، ويحتمل أن يريد أن العمل فيه يؤدى إلى الجنة. قال القاضى: قال الطبرى: فى قوله: " بيتى " معنيان: أحدهما: أن المراد بالبيت هنا القبر، وهو قول زيد بن أسلم فى هذا الحديث، كما روى مفسراً " بين قبرى ومنبرى ". والثانى: أن البيت بيت سُكناه على ظاهره. وقد روى ما بينه: " بين حجرتى ومنبرى ". قال الطبرى: وإذا كان قبره فى بيته اتفقت الروايات؛ لأن قبره فى حجرته وهو بيته. وقوله: " ومنبرى على حوضى ": قيل: يحتمل أن منبره بعينه الذى كان فى الدنيا، وهو أظهر وعليه أكثر الناس، وأنكر كثير منهم غيره، وقيل: إن له هناك منبراً على حوضه، وقيل: إن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة، يورد الحوض والشرب منه.

(93) باب أحد جبل يحبنا ونحبه

(93) باب أحد جبل يحبنا ونحبه (¬1) 503 - (1392) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ القَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِىِّ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ. قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَفِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِىَ القُرَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى مُسْرِعٌ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَليُسْرِعْ مَعِى، وَمَنْ شَاءَ فَليَمْكُثْ ". فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلى المَدِينَةِ، فَقَالَ: " هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ". 504 - (1393) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنِى حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ. نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: " إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبِّنَا وَنُحِبُّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب المدينة تنفى شرارها.

(94) باب فضل الصلاة بمسجدى مكة والمدينة

(94) باب فضل الصلاة بمسجدى مكة والمدينة 505 - (1394) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللفْظُ لِعَمْرٍو - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، يَبْلغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " صَلاةٌ فِى مَسْجِدِى هَذَا، أَفْضَلُ مِنْ أَلفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " صلاة فى مسجدى هذا أفضل (¬1) من ألف صلاة فيما سواه " [ثم قال] (¬2): " [من المساجد] (¬3) إلا المسجد الحرام ". قال الإمام: اختلف الناس فى المراد بهذا الاستثناء، فعندنا أن المراد إلا المسجد الحرام، فإن مسجدى يفضله بدون الألف، وهذا بناء على أن المدينة أفضل [من مكة] (¬4)، وهو مذهب مالك، ويحتج له بما [تقدم] (¬5) قبل هذا من الأحاديث المرغبة فى سكناها، الدالة على فضلها. وقيل: إلا المسجد الحرام، فإنه أفضل من مسجدى، وهذا على أن مكة أفضل من المدينة ما سوى قبره - عليه السلام. قال القاضى: اجتمعوا على أن موضع قبره - عليه السلام - أفضل بقاع الأرض، وأن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، ثم اختلفوا فى أيّهما أفضل ما عدا موضع قبره - عليه السلام - فذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى تفضيل المدينة، وجعلوا الاستثناء على تفضيل الصلاة بألف على سائر المساجد إلا المسجد الحرام فبأقل من ألف، على ما تقدم عنهم، واحتجوا بما قال عمر: " صلاة فى المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه ". فيأتى فضل مسجد الرسول - عليه السلام - بتسعمائة، وعلى غيره بألف. وذهب أهل مكة والكوفة إلى تفضيل مكة، وهو قول ابن وهب وابن حبيب من أصحابنا، وحكاه الساجى عن الشافعى، وحملوا الاستثناء على ظاهره، إلا المسجد الحرام فالصلاة فيه أفضل، واحتجوا بحديث عبد الله بن الزبير عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه: " وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من الصلاة فى مسجدى بمائة صلاة "، فيأتى فضل الصلاة فى المسجد الحرام على غير مسجد النبى - عليه السلام - بمائة ألف صلاة. قال الباجى: الذى يقتضيه الحديث مخالفة حكم مسجد مكة لسائر المساجد، ولا يعلم منه حكمها مع المدينة. ¬

_ (¬1) فى ع: خير. (¬2) زائدة فى ع. (¬3) سقط من ع. (¬4) زائدة فى ع. (¬5) فى ع: قدمه مسلم.

506 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلاةٌ فِى مَسْجِدِى هَذَا، خَيْرٌ مِنْ أَلفِ صَلاةٍ فِى غَيْرِهِ مِنَ المَسَاجِدِ، إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ ". 507 - (...) حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ المُنْذِرِ الحِمْصِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِى عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ مَوْلى الجُهَنِيِّينَ - وَكَانَ منْ أَصْحَابِ أَبِى هُرَيْرَةَ - أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلاةٌ فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِن أَلفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَسَاجِدِ، إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرُ الأَنْبَيَاءِ، وَإِنَّ مَسْجِدَهُ آخِرُ المَسَاجِدِ. قَالَ أَبُو سَلمَةَ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ: لمْ نَشُكَّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ عَنْ حَدِيث رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنَعَنَا ذَلِكَ أَنْ نَسْتَثْبِتَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ الحَدِيثِ. حَتَّى إِذَا تُوُفِّىَ أَبُو هُرَيْرَةَ، تَذَاكَرْنَا ذَلِكَ. وَتَلاوَمْنَا أَلّا نَكُونَ كَلمَّنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِى ذَلِكَ حَتَّى يُسْنِدَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنْ كَانَ سَمِعَهُ مِنْهُ. فَبَيْنَا نَحْنُ عَلى ذَلِكَ، جَالسَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ الحَدِيثَ، وَالذِى فَرَّطْنَا فِيهِ مِنْ نَصِّ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْهُ. فَقَالَ لنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَشْهَدُ أَنِّى سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنِّى آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ مَسْجِدِى آخِرُ المَسَاجِدِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختلفوا هل هذا مخصوص بصلاة الفرض أو غير ذلك من العبادات؟ فذهب الطحاوى إلى تخصيص هذا التفضيل بصلاة الفرض، وذهب مطرف من أصحابنا إلى عموم ذلك فى النافلة وغيرها، قال: وجمعة بها خير من جمعة، ورمضان بها خير من رمضان، وقد روى عبد الرزاق فى تفضيل صوم رمضان بالمدينة ما فيه حجة لهم. قال القاضى: وقوله: " أفضل من ألف. صلاة " [أو " خير من ألف صلاة] (¬1) ": يقتضى الزيادة على هذا العدد والتضعيف بما أعلم الله به. وأما على قوله: " كألف صلاة ": فحد بين فى التضعيف. وقوله - عليه السلام - فى آخر الحديث من رواية ابن قارظ عن أبى هريرة: " فإنى آخر الأنبياء، وإن مسجدى آخر المساجد ": ظاهر جلى فى تفضيل مسجده لهذه العلة. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

508 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِىِّ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَأَلتُ أَبَا صَالِحٍ: هَلْ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ فَضْلَ الصَّلاةِ فِى مَسْجِدِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لا، وَلكِنْ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاةٌ فِى مَسْجِدِى هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلفِ صَلاةٍ - أَوْ كَأَلفِ صَلاةِ - فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَسَاجِدِ، إِلا أَنْ يَكُونَ المَسجِدَ الحَرَامَ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 509 - (1395) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلاةٌ فِى مَسْجِدِى هَذَا، أَفْضَلُ مِنْ أَلفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، كُلهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (...) وَحَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ مُوسَى الجُهَنِىِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، بِمِثْلِهِ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ، بِمِثْلِهِ. 510 - (1396) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ الليْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ذكر مسلم فى الباب: ثنا قتيبة وابن رمح عن الليث، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن ابن عباس؛ أن امرأة [اشتكت شكوى] (¬1) - الحديث، ¬

_ (¬1) سقط من ع.

أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى، فَقَالتْ: إِنْ شَفَانِى اللهُ لأَخْرُجَنَّ فَلأَصَليَنَّ فِى بَيْتِ المَقْدِسِ، فَبَرَأَتْ، ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الخُرُوجَ، فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ زَوجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَلمُ عَليْهَا، فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ. فَقَالتِ: اجْلِسِى فَكُلِى مَا صَنَعْتِ، وَصَلى فِى مَسْجِدِ الرَّسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هكذا إسناده من جميع طرق هذا الكتاب، عن إبراهيم بن عبد الله، وكذلك أخرجه أبو مسعود الدمشقى عن مسلم من حديث ابن عباس عن ميمونة، اتّبع فى ذلك الرواية ولم ينبه على ذلك، وإنما يحفظ هذا الحديث عن إبراهيم بن عبد الله عن ميمونة، ليس فيه ابن عباس. قال بعضهم: هكذا رويناه فى حديث الليث بن سعد. قال النسائى (¬1): روى هذا الحديث الليث عن نافع، عن إبراهيم، عن ميمونة، ولم يذكر ابن عباس، قال غيره: وكذلك رواه ابن جريج، وكذلك أخرجه البخارى (¬2) عن الليث، ولم يذكر فيه ابن عباس. قال الدارقطنى فى كتاب العلل (¬3): قد رواه بعضهم عن ابن عباس عن ميمونة، وليس يثبت. قال القاضى: قال البخارى فى التاريخ الكبير: إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس ابن عبد المطلب عن أبيه وميمونة، وذكر حديثه، هذا من طريق الليث وابن جريج ولم يذكر فيه ابن عباس، ثم قال: وقال لنا المكى عن ابن جريج، سمع نافعاً؛ أن إبراهيم بن معبد حدث [أنَّ] (¬4) ابن عباس حدثه عن ميمونة، قال: ولا يصح فيه ابن عباس (¬5). قال القاضى: وقال بعضهم: صوابه: إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس؛ أنه قال: إن امرأة اشتكت. وعن ابن عباس خطأ. وقد ذكر مسلم قبل هذا فى الباب حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وحديث موسى الجهنى عن نافع عن ابن عمر، وأتبعه بمعمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، وهذا مما استدركه الدارقطنى على مسلم، قال: ليس بمحفوظ عن أيوب، وعلل الحديث عن نافع بذلك، وقال: وقد خالفهم ابن جريج والليث، فروياه عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ميمونة. وقد خرج مسلم القولين، ولم يخرج البخارى رواية نافع بوجه (¬6). وقال البخارى فى التاريخ، وذكر رواية عبيد الله وموسى عن نافع، قال: والأول أصح (¬7)، ¬

_ (¬1) انظر: الصغرى، ك الحج، ب فضل الصلاة فى المسجد الحرام 5/ 168. (¬2) لم أجده فى صحيحه، بل ربما يعنى فى التاريخ الكبير 1/ 302. (¬3) الإلزامات والتتبع ص 387. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬5) انظر: التاريخ الكبير للبخارى 1/ 302. (¬6) الإلزامات والتتبع ص 387. (¬7) انظر: التاريخ الكبير 1/ 302.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " صَلاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مَنْ أَلفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَسَاجِدِ، إِلا مَسْجِدَ الكَعْبَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يعنى رواية إبراهيم بن عبد الله عن ميمونة كما قال الدارقطنى. وقوله: " [أن امرأة اشتكت] (¬1)، فنذرت أن تصلى فى بيت المقدس إن شفيت، فقالت لها ميمونة -[تعنى زوجة النبى] (¬2) -: اجلسى وصلى فى مسجد الرسول " الحديث، قال الإمام: ذهب بعض شيوخنا إلى ما قالت ميمونة، وأن المكى والمدنى إذا نذرا الصلاة فى بيت المقدس لا يخرجان إليه؛ لأن مكانهما أفضل. ولو نذر المقدسى الصلاة فى أحد الحرمين لأتاه؛ لأنه أفضل من مكانه. وقياس قول مالك على هذه الطريقة: أن المكى إذا نذر إتيان مسجد المدينة أتاه، وإن نذر مدنى إتيان مسجد مكة لم يأته؛ لأن مسجد المدينة عنده أفضل من مسجد مكة. وقال بعض شيوخنا: الأولى أن يأتى المكى مسجد المدينة، والمدنى مسجد مكة، [إذا نذراه] (¬3) ليخرجا من الخلاف الذى وقع فى فضل أحدهما على الآخر. ¬

_ (¬1) و (¬2) زائدتان فى ع. (¬3) سقط من ع.

(95) باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد

(95) باب لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد 511 - (1397) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، يَبْلغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِى هَذَا، وَمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد "، قال القاضى: وقد تقدّم لنا كلام فيه قبل، وأن مقتضى شد الرحال إنما يكون فيما بَعُد لا فيما قرب؛ ولهذا فرق شيوخنا بين نذر ما قرب من ذلك وما بعد، فيما عدا هذه الثلاثة مساجد؛ لفضلها الزائد، ولكونها مساجد الأنبياء. قال الإمام: إنما خص - عليه السلام - هذه المساجد لفضلها على ما سواها، فمن قال: لله علىّ صلاة فى أحدها، وهو فى بلد غير بلادها، فعليه إتيانها، وإن قال: ماشياً، فلا يلزمه المشى إلا فى حرم مكة خاصة. وأما المسجدان الآخران، فالمشهور عندنا أنه لا يلزمه المشى إليهما ويأتيهما راكباً إن شاء. وقال ابن وهب: بل يأتيهما ماشياً كما سمى، وهذا قياس على أصل المذهب؛ لاتفاقهم على أن من قال: علىَّ المشى إلى مكة، فعليه أن يمشى إليها. فدل ذلك على أن المشى طاعة. وقد نبه النبى - عليه السلام - على ذلك بقوله: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا " فذكر كثرة الخطا إلى المساجد (¬1). [وقيل أيضاً] (¬2): إن كان على أميال يسيرة أتى ماشياً، والمشى ضعيف. وقد ذهب القاضى إسماعيل إلى أن من قال: علىَّ المشى إلى المسجد الحرام أُصلى فيه، فإنه يأتى راكباً إن شاء، ويدخل مكة محرماً. وأحلَّ [الثلاثة مساجد] (¬3) محلاً واحداً فى سقوط المشى إليها، وإن نطق به إذا قصد الصلاة فيها. وإن نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة فلا يأتى إليها إذا لم تكن ببلده. قال بعض أصحاب مالك: إلا أن تكون قريبة على أميال يسيرة فيأتيها. وإن نذر أن يأتيها ماشياً، أتى ماشياً [كما قال] (¬4)، ورأى أن ذلك خارج عن شد الرحال المذكور فى الحديث. قال ابن حبيب: مثل أن ينذر صلاة فى مسجد بموضعه، ومسجد جمعة، والذى يصلى فيه. وألزم ابن عباس المدنىّ إذا نذر الصلاة بمسجد قباء أن يأتيه، واحتج لهذا ابن حبيب بما ذكره مسلم بعد هذا؛ لأنه - عليه السلام - كان يأتيه كل سبت. ¬

_ (¬1) سبق فى مسلم، ك الطهارة، ب فضل إسباغ الوضوء على المكاره حديث رقم (41)، وكذا الترمذى، ك الطهارة، ب ما جاء فى إسباغ الوضوء (51) وقال: حديث حسن صحيح. (¬2) فى هامش ع. (¬3) فى ع: المساجد الثلاثة. (¬4) زائدة فى ع.

512 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ ". 513 - (...) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الحَمِيدِ ابْنُ جَعْفَرٍ؛ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ أَبِى أَنَسٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ سَلمَانَ الأَغَرَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ؛ أَنَّ رَسُوَلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدِ: مَسْجِدِ الكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِى، وَمَسْجِدِ إِيليَاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: فإن قيل: إن مسجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل، فكيف أتاه وأنتم أصّلتم، ألا يؤتى إلا ما كان أفضل؟ قلنا: قد ذكرنا عن بعض أصحابنا أن هذا إنما يعتبر فى شد الرحال وأعمال المطى، وأما ما كان على أميال يسيرة فيؤتى إليه، وإن كان المسجد الأقرب منه مثله فى الفضل، ومسجد قباء قريب من المدينة. فإن قيل: هذا ما تساوى الفضل على ما قاله بعض أصحابكم على ما حكيت، والفضل ها هنا مختلف، ومسجده - عليه السلام - أفضل. قيل: الغرض من هذا أن النهى إنما وقع على أعمال المطى، وأما إذا لم تعمل ووجب الوفاء بالنذر، مع تساوى البقاع على ما حكيناه عن بعض أصحابنا، وجب وإن اختلف الفضل على هذه الطريقة؛ لأجل ورود الشرع بالوفاء بالنذر، فهو على عمومه. وخُص منها (¬1) أعمال المطى، وبقى ما سواه على أصله. وهذا اعتذار عما قاله ابن عباس وابن حبيب. وأما إتيان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يكن عن نذر، فلا مانع يمنع منه؛ لأن المتقرب حيث اتفق له أو خف عليه فعل القُربة. وقد ألزم مالك المكى إذا نذر الرباط بعسقلان - وشبه ذلك من السواحل - أن يخرج إليها وإن كان فيه أعمال المطى لغير المساجد الثلاثة؛ لأنَّ المطى أعملت لمعنى وهو الرباط، وذلك لا يوجد فى الثلاثة، والحديث إنما ورد فى أعمالها للصلاة لوجود ذلك المعنى من الصلاة فيها وزيادة [عليه] (¬2). قال القاضى: وقوله: " ومسجد الأقصى ": كذا جاء فى كتاب مسلم فى حديث عمرو الناقد، وهو من إضافة الشىء إلى نفسه وصفته، كما قالوا: مسجد الجامع، وتقدم مثله، قوله فى كتاب الصلاة: " ماء البارد " (¬3)، وفى الحديث الآخر: " مسجد إيلياء " وهو بيت المقدس بكسر الهمزة واللام ممدودة، وحكى فيه القصر أيضاً، ولغة ثالثة: " إليا " بسكون اللام. ¬

_ (¬1) فى ع: منه. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬3) راجع: ك الصلاة، ب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع حديث رقم (204).

(96) باب بيان أن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجدالنبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة

(96) باب بيان أن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجدالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة 514 - (1398) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الخَرَّاطِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: مَرَّ بِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قَالَ: قُلَتْ لهُ: كَيْفَ سَمِعْتَ أَبَاكَ يَذْكُرُ فِى الْمَسْجِدِ الذِى أُسِّسَ عَلى التَّقْوَى؟ قَالَ: قَالَ أَبِى: دَخَلْتُ عَلى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَىُّ المَسْجِدَيْنِ الذِى أُسِّسَ عَلى التَّقْوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ. ثُمَّ قَالَ: " هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا " - لِمَسْجِدِ المَدِينَةِ - قَالَ: فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنِّى سَمِعْتُ أَبَاكَ هَكَذَا يَذْكُرُهُ. (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ - قَالَ سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِى سَلمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى سَعِيدٍ فِى الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن المسجد الذى أسس على التقوى [فى الأمّ] (¬1) هو مسجده، يرد قول من زعم أنه مسجد قباء. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

(97) باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه وزيارته

(97) باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه وزيارته 515 - (1399) حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ قُبَاءً، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. 516 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأتِى مَسْجِدَ قُبَاءٍ، رَاكِبًا وَمَاشِيًا، فَيُصَلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَيُصَلِى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. 517 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِى قُبَاءً، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ الثَّقَفِىُّ - بَصْرِىٌّ ثِقَةٌ - حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى القَطَّانِ. 518 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِى قُبَاءً، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. 519 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِى قُبَاءً، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. 520 - (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم الكلام على زيارة النبى - عليه السلام - قباء، راكباً وماشيًا، وصلاته فيه.

دِينَارٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْتِى قُبَاءً كُلَّ سَبْتٍ، وَكَانَ يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ. 521 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِى قُبَاءً، يَعْنِى كُلَّ سَبْتٍ، كَانَ يَأْتِيهِ، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلهُ. 522 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَذْكرْ كُلَّ سَبْتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كل سبت ": فيه جواز تخصيص مثل هذا، وقد كره ابن مسلمة هذا مخافة أن يظن أن ذلك سنة له فى ذلك اليوم، ولعله لم يبلغه هذا الحديث. وفيه أيضاً حجة لجواز تخصيص الأئمة والصالحين بعض الأيام من الجمعة بنوع من القربات، أو بزيارة الإخوان، أو افتقاد بعض أمورهم، أو بجعله يوم راحته من أشغال العامة. وأمّا فى نفسه كان سبتًا أو غيره مما لم يتمالأ الناس كلهم على هذا فى يوم واحد فيظنه الجاهل سنة، ولعل مثل هذا هو الذى كره ابن مسلمة، وإن كان متقدّمو شيوخنا كرهوا تخصيص ذلك للحاكم بيوم معلوم، قالوا: ولكن إذا احتاج إلى ذلك من إجمام نفسه أو افتقار ضيعته، فعله أىَّ وقت احتاجه.

16 - كتاب النكاح

بسم الله الرحمن الرحيم 16 - كتاب النكاح (1) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم 1 - (1400) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِىُّ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ عَبْدِ اللهِ بِمِنًى، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ، فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً، لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ ". 2 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب النكاح قال القاضى: ذكر مسلم أول الباب حديث عثمان وعبد الله بن مسعود - رضى الله عنهما - لما فيه من الأمر بالنكاح، ثم جاء بأحاديث النهى عن التبتل فاستفتح بهما الكتاب؛ ليعلم أنه مشروع، وهذا من حسن التأليف، ثم عطف بعد ذلك على فصول أحكام النكاح وتوابعه على نسق التصنيف، وفى استخلاء عثمان لعبد الله فى الأخذ معه. فالتزويج توقير الخلة والمشايخ أن يتفاوضوا فى هذه الأمور بحضرة الناس وعوام الخلق. وقوله: " ألا نزوجك جارية شابة تذكرك بعض ما مضى من زمانك "، وفى الرواية الأخرى: " ترجع إليك ما كنت تعهد ": دليل على أن معظم المطلوب من النكاح الاستمتاع، وهو [من] (¬1) الشباب أمكن، وفيهن ألذ؛ لما هن عليه من رونق الشباب ونشاط الصغر وطيب الأفواه، وما يرغب من النساء، وإظهار الرغبة فى الاستمتاع الذى يتوفر عنه مساؤهن. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: إِنِّى لأَمْشِى مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِمِنًى، إِذْ لَقَيهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَقَالَ: هَلُمَّ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: فَاسْتَخْلَاهُ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللهِ أَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَالَ: قَالَ لِى: تَعَالَ يَا عَلْقَمَةُ. قَالَ: فَجِئْتُ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: أَلَا نُزَوِّجُكَ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَارِيَةً بِكْرًا، لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَئِنْ قلْتَ ذَاكَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. 3 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ لَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلما رأى عبد الله أن لا حاجة له قال: تعال يا علقمة ": دليل أن لمن كان المكتوم سره، والإخلاء من أجل حشمته، الأمر فى استدناء من شاء وإحضاره له لا لغيره؛ إذ السر سره، إن شاء أبداه، وإن شاء كتمه. قال الإمام: وقوله: " من استطاع منكم الباءة فليتزوج " [الحديث] (¬1): أصل الباءة فى اللغة: المنزل، ثم قيل لعقد النكاح؛ لان من تزوج امرأة بوأها منزلاً. والباه هاهنا: التزويج، وفيه أربعُ لغات: " الباءة " بالمد والهاء، و " الباء " بالمد بلا هاء، و " الباهة " بهاءين دون مد، و " الباه " بهاء واحدة دون مد وقد سمى الجماع نفسه: باه. وليس المراد بالذى وقع فى الحديث على ظاهره الجماع؛ لأنه قال: " ومن لم يستطع فعليه بالصوم "، ولو كان غير مستطيع للجماع لم يكن له حاجة للصوم. قال القاضى: لا يبعد أن تكون الاستطاعتان مختلفتين، فيكون المراد أولاً بقوله: " من استطاع منكم الباءة ": الجماع، أى من بلغه وقدر عليه فليتزوج، ويكون قوله بعد: " ومن لم يستطع ": يعنى على الزواج المذكور ممن هو بالصفة المتقدمة " فعليه بالصوم ". وأما قوله: " فليتزوج " فيتعلق به من يوجب النكاح بمجرد الأمر وهو عنده وعند جماعة من الفقهاء والمتكلمين على الوجوب. ولم يقل بوجوبه إلا داود ومن شايعه من أهل الظاهر مدة فى العمر. والواجب منه عندهم العقد لا الدخول لمجرد الأمر بالتزويج، وحكى بعضهُم عنهم أن الوجوب فى ذلك والأمر على الخصوص لا على العموم، وذلك لمن خشى على نفسه العنت بدليل قوله: " فإنه أغض للبصر "، فبين السبب للوجوب والعلة، وهذا إذا صح من مذهبهم فغير مخالف لمذهب الكافة. ¬

_ (¬1) زائدة فى ع.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: [المشهور] (¬1) من قول فقهاء الأمصار: أن النكاح مستحب على الجملة. وذهب (¬2) داود إلى وجوبه، وسبب الخلاف: تعارض الظواهر فلداود قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} (¬3)، والأمر على الوجوب، وله الحديث المذكور، وله قوله - عليه السلام - بعد هذا فى حديث ذكر فيه التزويج، وقال فيه: " فمن رغب عن سنتى فليس منى ". ولفقهاء الأمصار عليه أن الله تعالى خير فى الآية بين النكاح وملك اليمين، والتسرى غير واجب باتفاق، فلو كان النكاح واجبًا ما صح التخيير بينه وبين ملك اليمين؛ إذ لا يصح على مذهب أهل الأصول التخيير بين واجب وبين ما ليس بواجب؛ لأن ذلك مؤد إلى إبطال حقيقية الواجب، وأن يكون تاركه غير آثم، ولهم - أيضًا - قول الله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (¬4) ولا يقال فى الواجب: أنت غير ملوم إن فعلته، وهذا نحو ما قاله عروة لعائشة فى السعى: إنه لو كان واجبًا لم يقل لاجناح عليك فى فعله (¬5). وينفصلون عن حديث الباءة بأن داود إنما يوجب العقد خاصة دون الوطء، وذلك لا يحصل معه ما ذكر فى الحديث من تحصين الفرج وغض البصر. وقد قال بعض أصحابنا: إن قوله - عليه السلام - فى هذا الحديث: " ومن لم يستطع فعليه بالصوم " [فيه حجة على أن النكاح ليس بواجب؛ لأنه خيَّر بينه وبين الصوم] (¬6)، والصوم المذكور [هاهنا] (¬7) ليس بواجب، ونحى فى هذا إلى ما ذكرنا من التخيير بين النكاح وملك اليمين، وليس الأمر كذلك، لأنه فى الحديث رتب فقال: " ومن لم يستطع فعليه بالصوم "، وهذا غير مستحيل أن نجمع فيه بين واجب وغير واجب. ويصح أن يقول قائل: أوجبت عليك أن تفعل كذا، فإن لم تستطع فأندبك إلى كذا. وأما الحديث الذى فيه: " فمن رغب عن سنتى " فمحمله على من أراد أن يفعل من التبتل، وتحريم المحللات على نفسه ما قد فسر فى الحديث. قال الإمام: والذى يطلق من مذهب مالك: أن النكاح مندوب إليه، وقد يختلف ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) فى ق: وذكر، والمثبت من الأصل. (¬3) النساء: 3. (¬4) المؤمنون: 6. (¬5) سبق فى ك الحج، ب بيان أن السعى بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، رقم (262). (¬6) سقط من ق. (¬7) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع، ق.

4 - (...) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حكمه بحسب اختلاف الأحوال. فيجب تارة عندنا فى حق من لا ينكف عن الزنا إلا به، وقد وقع لبعض أصحابنا إيجابه على صفة، ومحمله أنه على مثل من هو على هذه الحالة. ويكون مندوبًا إليه فى حق من يكون مشتهيًا له، ولا يخشى على نفسه الوقوع فى المحرم، ولا ينقطع به عن أفعال الخير. ويكون مكروهًا لمن لا يشتهيه وينقطع به [عن عبادته وقرباته. وقد يختلف فيمن لا يشتهيه ولا ينقطع به] (¬1) عن فعل الخير، فيقال: يندب إليه للظواهر الواردة فى الشرع بالترغيب فيه. وقد يقال: يكون فى حقه مباحًا. قال القاضى: أما فى حق كل من يرجى منه النسل ممن لا يخشى العنت على نفسه، وإن لم يكن له إليه شهوة؛ فهو فى حقه مندوب [إليه] (¬2) لقوله - عليه السلام -: " فإنى مكاثر بكم الأمم " (¬3)، ولظواهر الحضِ على النكاح والأمر به، وكذلك فى حق كل من له رغبة فى نوع من استمتاع النساء، فإن كان ممنوعًا عن الوطء، لكن النكاح يغض بصره، وأما فى حق من لا ينسل ولا أرب له فى النساء جملة ولا مذهب له فى الاستمتاع بشىء منهن، فهذا هو الذى يقال فى حقه: إنه مباح إذا علمت المرأة بحاله، وقد يقال حتى الآن: إنه مندوب لعموم الأوامر بالتزويج، ولقوله: " لا رهبانية فى الإسلام " (¬4). وقوله: " فعليه بالصوم "، قال الإمام: [فيه إغراءٌ بالغائب، ومن أصول النحاة: ألا يغرى بغائب، وقد جاء شاذًا قول بعضهم: عليه رجلاً ليسنى، على جهة الإغراء] (¬5). قال القاضى: هذا الكلام الذى قاله - رحمه الله - موجود لبعضهم كما ذكره، وإن كان مجموعه ليس من قول أحد. ولكن على قائليه فى ذلك أغاليط ثلاثة: أولها: قول من قال: لا يجوز الإغراء بالغائب كما ذكره، وهو غفلة ووهم من قائله. ولفظ جاء على غير تأمل وتحصيل، وهو لفظ أبى محمد بن قتيبة وأبى القاسم الزجاجى وبعضهم، وصوابه: لا يجوز إغراء الغائب ولا يغرى غائب، وإنما يغرى الحاضر والشاهد. وأما الإغراء بالشاهد والغائب فجائز. وهذا نص أبى عبيد على الصواب فى هذا ¬

_ (¬1) سقط فى الأصل، واستدرك بالهامش. (¬2) ساقطة من ع. (¬3) النسائى، ك النكاح، ب كراهية تزويج العقيم 6/ 65، 66 عن معقل بن يسار، وابن ماجه، ك النكاح، ب تزويج الحرائر والولود (1863) عن أبى هريرة. (¬4) الدارمى، ك النكاح، ب النهى عن التبتل بلفظ: " إنى لم أومر برهبانية " 2/ 133 عن سعد بن أبى وقاص. (¬5) فى هامش ع.

عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يْنِ يَزِيدِ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّى عَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ، عَلَى عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث. فقال: فأغرى غائباً. ولا تكاد العرب تغرى إلا الشاهد. يقولون: عليك زيدًا ودونك عمراً وعندك، ولا يقولون: عليه، إلا فى هذا الحديث. وكذلك كلام سيبويه ومن بعده من أئمة هذا البيان فى هذا الباب، قالوا: وإنما يؤمر بمثل هذا الحاضر والخاطب، ولا يجوز: دونه زيدًا، ولا عليه عمرًا، وأنت تريد غير المخاطب لأنه ليس بفعل. ولا تصرف يصرفه، ولئلا يشبهوا ما لم يوجد من أمثلة الفعل بالفعل، وإنما جاز فى الحاضر لما فيه من معنى الفعل ودلالة الحال، ولأنك فى الأمر للغائب تحتاج له فعلاً آخر، كأنك قلت لحاضر: قل له أو أبلغه ليضرب زيدًا. فضعف عندهم ما يدخله من الالتباس فى أمر واحد أن يضمر فيه فعلين لشيئين. ولأنه ليس للمخاطب فعل ظاهر ولا مضمر عليه دلالة بأنك أمرته بتبليغ ذلك الغائب؛ ولأن هذه الكلمات وأخواتها ليست بأفعال، ولا تصرفت تصرفاتها، وإنما هى بمنزلة الأسماء المفردة، سميت بها الأفعال للإغراء والتحذير، فهى فى الحاضر تدل على الفعل. واستغنى بها عن إظهار الفعل، كما قد يستغنى أحياناً فى مجرد الأمر والنهى باسم المأمور به والمنهى عنه بدلالة الأحوال كقوله: لمن شام سيفاً، أو رفع سوطًا زيدًا، فأغنت الحال عن قولك: اضرب. ومثله: الطريق الطريق، الصبى الصبى، والأسد الأسد. أغنت الحال عن قوله: احذر، أو افسح، أو اتق. وكذلك إذا تشكى رجل من اهتضام، فتقول: عليك الأمير، أو دونك القاضى، دل ذلك على المراد. واستغنيت بهذا عن قولك: اشك، أو الزم. جاء من هذا كله، أن الإغراء والتحذير والأمر والنهى بهذه الكلمات، إنما هو للحاضر لما فيها من معنى الفعل الدال عليه الحال. فأما الغائب فلا يوجد ذلك فيه؛ لعدم حضوره، ومعرفته بالحالة الدالة على المراد، وعدم سماعه لهذه الأوامر، لكنه يغرى به، كما يغرى بالحاضر لا أنه يغرى هو كما يغرى الحاضر؛ لأن الإغراء والتحذير يصح فى الحاضر لمن يغرى به، أو يحذر منه من غائب وحاضر، كما تقدم. الغلط الثانى: عدَّ (¬1) جميعهم من هذا قولهم: عليه رجلاً ليْسنى. وإن هذا من إغراء الغائب. قال سيبويه: وهذا قليل، شبهوه بالفعل. وقال السّيرافى: وإنما أمر الغائب بهذا الحرف على شذوذ؛ لأنه قد جرى للمأمور ذكره، فصار كالحاضر، واشتبه أمره أمر الحاضر. ¬

_ (¬1) فى ق: عند.

ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: وَأَنَا شَابٌ يَوْمَئِذٍ. فَذَكَرَ حَدِيثًا رُئِيتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِى. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبَى مُعَاوِيَةَ. وَزَادَ: قَالَ: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى تَزَوَّجْتُ. (...) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: كان فى التقدير قابلاً، قال له: إن فلاناً يريد [بك] (¬1) كذا وكذا، وينازعك فى كذا، فقال: عليك غيرى، وأما أنا فلا أبالى به، ولست ممن أنازعه. ولكن تعليل سيبويه وما تقدم من حاجة هذا إلى فعل آخر يبلغ الغائب هذا. وضعفه عندهم، إذ ليس ثمّ ما يدل عليه يرد قوله. والذى عندى أن هذه الكلمة، ليس المراد بها حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته؛ ولهذا ما استجازوه وخصوه من إغراء الغائب [وإن كانت صورته فلهذا الغائب] (¬2) ولم يرد هذا القائل تبليغ هذا الغائب، ولا أمره بالتزام غيره، وطلبه ومعاندته بما جرى ذكره من ذلك، وإنما أراد الإخبار عن نفسه بقلة مبالاته للغائب، وأنه غير متأتٍ له منه ما يريد، وجاء بهذه الصورة التى تدل على تركه، حتى لا يصل منه إلى مراده، حتى يكون كمن اشتغل عنه بغيره. وكثيرًا ما يستعمل الناس فى كلامهم مثله، ونحوه قولهم: إليك عنى! أى اجعل شغلك بنفسك عنى، ولم يرد أن يُغريه بنفسه ولا أمره حقيقة بالشغل بها، وإنما مراده: تنح عنى ودعنى، وكن كمن شُغل عنى. الغلط الثالث: عدهم هذه اللفظة فى الحديث من إغراء الغائب حتى قال: قال أبو عبيد: فيه حجة لمن أجاز ذلك، وجعلها السيرافىّ من باب: عليه رجلاً ليْسنى، على ما تقدم. وأن ما جرى من الذكر له صار كالحاضر، فلذلك جاز. وكان بعض من لقيناه من أئمة العربية يقول: إنما جاز هذا فى هذا الحديث؛ لأن فى تبليغ الشاهد للغائب ما يغنى عن إضمار فعل التبليغ للغائب المستقبح. قال القاضى: والصواب: أنه ليس فى الحديث إغراء بغائب جملة، والكلام كله والخطاب للحضور الذين خاطبهم - عليه السلام - من الشباب، فقال: " من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ". قالها هاهنا فى عليه ليست لغائب، وإنما هى لمن خصه من الحاضرين بعدم الاستطاعة؛ إذ لا يصح خطابه بكاف المخاطب؛ لأنه لم يتعين منهم، ولإبهامه بلفظة " مَنْ "، وإن كان حاضرًا، وهذا كثير فى القرآن ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) من ق.

ابْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَأَنَا أَحْدَثُ الْقَوْمِ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ، وَلَم يَذْكُرْ: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى تَزَوَّجْتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والحديث والكلام. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ [الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء} الآية (¬1)، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ] (¬2) الصِّيَامُ} إلى قوله: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} الآية (¬3)، وقال: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا} (¬4). فهذه الهاءات الضمائر كلها للحاضر لا للغائب. ومثله لو قلت لرجلين: من قام الآن منكما فله درهم. فهذه الهاء من قام من أحد الحاضرين، وليست لغائب. وأما حكم تبليغ الشاهد الغائب، ودخول الغائب فى خطاب الحاضر، فحكم آخر من غير هذا الباب، وبأمر آخر غير هذا ممن حضه - عليه السلام - وأمره بتبليغ الشاهد الغائب، وقوله: " بلغوا عنى [رحمكم الله] (¬5)، ورحم الله امرأ سمع مقالتى فوعاها " وبعموم ألفاظ الجموع وألفاظ الإبهام، على ما يتحقق فى أصول الفقه والحمد لله. وكلام العرب فى الإغراء، قيل هذا كله. وقوله: " فإنه لو وجاء "، قال الإمام: قال ابن ولّاد وغيره: الوِجاء بكسر الواو ممدود (¬6) قال أبو عبيد: إذا كان الصوم يقطع النكاح. ويقال: للعجل إذ رُضّت أنثياه. وقد وجى وجاء، قال غيره: الوجاء أن يوجى العروق والخصيتان باقيتان بحالهما. والخصاء: شق الخصيتين واستئصالهما. والجب: أن يحمى الشفرة ثم تستأصل بها الخصيتان. قال القاضى: أصل الوجاء من الغمز، ومنه: وجى فى عنق فلان، إذا غمز عنقه ودفع. ومنه: وجاه بالخنجر وشبهه وَجْأ ساكن الجيم إذا نخسه به وطعنه. والوجؤ المصدر ساكن الجيم. وهو أيضاً الزق، ومنه: الوجيه، تمر يُبل باللبن أو السمن ويرض حتى يلزق بعضه ببعض. ومنه أخذ الوجاء، وهو غمز الأنثيين، أو رضهما بحجر ونحوه. قال أبو عبيد: وقد قال بعض أهل العلم: وَجاء، بفتح الواو، مقصور من الحفا، قال: والأول أجود فى المعنى. وقال أبو زيد: لا تقولوا: الوجاء إلا فيما لم يبرأ، وكان قريباً عهده. فإذا برأ لم يقولوه. قال الخطابى: وفى الحديث دليل على جواز المعاناة لقطع الباءة بالأدوية. ودليل على أن مقصود النكاح الوطء. ووجوب الخيار فى العُنّه. ¬

_ (¬1) البقرة: 178. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬3) البقرة: 183، 184. (¬4) الأحزاب: 31. (¬5) من ق. (¬6) فى نسخة ع: بالمد.

5 - (1401) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزوَاجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى هذا الباب عن عبد الرحمن بن يزيد، [قال] (¬1) دخلت أنا وعمى علقمة والأسود على عبد الله بن مسعود - الحديث. كذا عند شيوخنا، وهو الصواب. وفى بعض الروايات: دخلت أنا وعماى علقمة والأسود، وهو خطأ، إنما الأسود بن يزيد ابن قيس أخو عبد الرحمن بن يزيد لا عمه، وإنما عمه علقمة بن قيس. وقوله: " إن نفرًا من أصحاب النبى - عليه السلام - سألوا أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عمله فى السر " الحديث، وقوله - عليه السلام -: " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكنى أصلى وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى ": يحتج به من يقول بوجوب النكاح كما تقدّم. ولا حجة له فيه؛ إذ ذكر فى أول الحديث أن بعضهم قال: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش، ثم قرن - عليه السلام - ذكر النكاح بالأكل والنوم. وعلى جميعه رد قوله: " فمن رغب عن سنتى [فليس منى] (¬2) لا على النكاح وحده. ولا قائل يقول: بوجوب النوم على الفرش وأكل اللحم. فرد الكلام على النكاح وحده دون قرينة ولا دليل عليه: دعوى لا يلتفت إليها، فلم يبق إلا أن معناه ما تقدم. قال الطبرى: وفيه رد على من منع من استعمال الحلال والمباحات من الأطعمة الطيبة والملابس اللينة وآثر عليها غليظ الطعام وخشن الثياب من الصوف وغيره، وإن كان صرف فضلها فى وجوه البر؛ لأن حياطة جسم الإنسان، وصيانة صحته بذلك، آكد وأولى، واحتج بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّه} الآية (¬3)، وقوله: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُم} الآية (¬4). قال القاضى: وهذا باب قد اختلف فيه السلف كثيرًا، فمنهم من آثر ما قال الطبرى، ومنهم من آثر ما أنكره. واحتج هؤلاء بقوله فى ذم أقوام: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} (¬5)، وقد احتجّ عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - بذلك. وحجة الآخر عليهم: أن الآية نزلت فى الكفار؛ بدليل أول الآية وآخرها. والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخذ بالأمرين، وشارك فى الوجهين، فَلبِس مرةً الصوف، والشملة الخشنة، ومرة البردة والرداء الحضرمىّ، وتارة أكل القثاء بالرطب وطيب الطعام إذا وجده ¬

_ (¬1) ساقطة من ق. (¬2) من ق. (¬3) الأعراف: 32. (¬4) المائدة: 87. (¬5) الأحقاف: 20.

عَمَلِهِ فِى السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا بَالُ أَقْوَام قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّى أُصَلِّى وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى ". 6 - (1402) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ ابْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ، لا خْتَصَيْنَا. 7 - (...) وحدّثنى أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: رُدَّ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ومرة أكل الخوارى، ومختلف الطعام. كل ذلك - ليدل على الرخصة بالجواز مرة، والفضل والزهد فى الدنيا وملاذّها أخرى. وكان يحب الحلواء والعسل، ويقول: " حُبّب إلىّ من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عينى فى الصلاة ". وسيأتى الكلام على هذا الحديث. وفى قوله: " ما بال أقوام قالوا كذا ": فيه ما كان عليه - عليه السلام - من حسن معاشرته، وأدبه، وتركه مواجهة الناس بما يكرهون، وتسميتهم بأسمائهم على رؤوس الجميع، وتوبيخهم مُعَيَّنين، بل أبهم الأمر، وترك التعيين. وقوله: " ردّ على عثمان بن مظعون التبتل "، قال الإمام: التبتل: [هو]، (¬1) الانقطاع عن النساء، وترك النكاح [لمن استغنى عنه إلى] (¬2) الانقطاع إلى الله تعالى. ومنه الحديث: " لا رهبانية فى الإسلام ولا تبتل " (¬3)، قال الليث: البتول: كل امرأة منقطعة عن الرجال، لا شهوة لها فيهم. وقال أحمد بن يحيى: سميت فاطمة بالبتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها، وعن نساء الأمة ديناً، وفضلاً، وحسبًا. قال القاضى: قال الطبرى: التبتل: هو ترك لذات الدنيا وشهواتها، والانقطاع إلى ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) فى ع: ثم استعير منه. (¬3) جاه فى كشف الخفاء قال: قال ابن حجر: لم أره بهذا اللفظ، لكن فى حديث سعد بن أبى وقاص عند البيهقى: " إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنفية السمحة ". انظره: 2/ 528.

عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبْتُلُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا. 8 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ يَقُولُ: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ أَجَاز لَهُ ذَلِكَ، لَاخْتَصَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الله بالتفرغ لعبادته. ومنه قيل لمريم: البتول؛ لانقطاعها إلى الله بالخدمة. ومنه قولهم: صدقة بتلة، أى منقطعة عن مالكها. قال غيره: التبتل حرام. يعنى عن النساء. ومن الناس من يكون أصلح لدينه وأما الاختصاء فلا يحل أصلاً.

(2) باب ندب من رأى امرأة، فوقعت فى نفسه إلى أن يأتى امرأته أو جاريته فيواقعها

(2) باب ندب من رأى امرأة، فوقعت فى نفسه إلى أن يأتى امرأته أو جاريته فيواقعها 9 - (1403) حدّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِى عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً، فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ، وَهِىَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: " إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِى صُورَة شَيْطَانٍ، وتُدْبِرُ فِى صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِى نَفْسِهِ ". (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ أَبِى الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أن النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً. فَذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تمعس منيئة "، قال الإمام: أى تدبغ. وأصل المعس: الدلك، يقال منه: معسه يمعسه معساً. والمنيئة: الجلد أول ما يدبغ. قال الكسائى: يسمى منيئة، ما دام فى الدباغ. قال أبو عبيد: اسمه أول ما يدبغ منيئة على وزن فعيلة. ثم هو أفِيق وجمعه أَفَق، ثم يكون أديمًا. قال القاضى: هذا صواب الرواية، ووقع عند بعضهم فيه تصحيف لا يلتفت إليه، ولم تثبت روايته. وقوله - عليه السلام -: " إن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان ": معناه: الإشارة إلى الهوى والدعوى إلى الفتنة بحالها. وما جعل الله فى طباع الرجال من الميل إليها، كما يدعو الشيطان بوسوسته وإغوائه لذلك، وتزيينه. وقوله: " فإذا أبصر أحدكم امرأة "، وفى الحديث الآخر: " فأعجبته ووقعت [فى] (¬1) قلبه، فليأت أهله، فإن ذلك يردّ ما فى نفسه ": نبّه - عليه السلام - لدواء ذلك الداء المحرك للشهوة للنساء يُطفئها بالمواقعة، وإراقة ما تحرك من الماء، فتسكن الشهوة، وتذهب ما فى النفس. ولا يظن بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك مع زينب، حين رأى المرأة، أنه وقع فى نفسه مما رآه شىء، وقالت نفسه، فهو منزه - عليه السلام - عن ذلك، لكنه فعل ذلك ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

بِمثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهِىَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ: تُدْبِرُ فِى صُورَةِ شَيْطَانٍ. 10 - (...) وحدّثنى سَلَمَة بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ جَابِرٌ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَوَقَعَتْ فِى قَلْبِهِ، فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِى نَفْسِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ليقتدى به فى الفعل، ويمتثل أمره بالقول. وقد يكون - عليه السلام - عند رؤية شخص ظاهر الحسن يذكر من عنده به، فذهب فقضى حاجته منه.

(3) باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة

(3) باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة 11 - (1404) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى وَوَكِيعٌ وَابنُ بِشْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قيسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبدَ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ. فَقُلْنَا: أَلا نَسْتَخْصِى؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ. ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (¬1). (...) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا هَذِهِ الآيَةَ. وَلَمَ يَقُلْ: قَرَأَ عَبْدُ اللهِ. 12 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: كُنَّا، وَنَحْنُ شَبَابٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا نَسْتَخْصِى؟ وَلَمْ يَقُلْ: نَغْزُو. 13 - (1405) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " قلنا: ألا تستخصى فنهانا - عليه السلام - عن ذلك ": [فيه ما تقدم من النهى عن الخصاء والتبتل والانقطاع عن النكاح، وترك النسل الذى حض - عليه السلام - على تكثيره، وإبطال الحكمة فى خلق ذلك العضو، وتركيب الشهوة فيه لبقاء النسل، وعمارة الأرض، وذرء عباد الله فيها ليبلوا كيف يعملون، وليعبدوه جل اسمه، وتغيير خلق [عباد] (¬2) الله، وإفساد خاصية الذكورية] (¬3). وقوله: " ثم رخص لنا أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل "، قال الإمام: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزًا فى أول الإسلام، ثم ثبت أنه نسخ بما ذكر من الأحاديث فى هذا الكتاب وفى غيره، وتقرر الإجماع على منعه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة فى ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة، وبالحديث الذى فيه: " نهى عمر - رضى الله عنه - عن المتمتعين " الحديث. ويحمل ذلك على أن من خاطبه عمر قد خفى عنه النسخ، وأن عمر نهى عن ذلك تأكيدًا وإعلاناً بنسخه. وقد يتعلق ¬

_ (¬1) المائدة: 87. (¬2) من ق. (¬3) سقط من المعلم.

عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَسَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ، قَالَا: خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا - يَعْنِى مُتْعَةَ النِّسَاءَ. 14 - (...) وحدّثنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ - يَعْنِى ابْنَ الْقَاسِمِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانَا، فَأَذِنَ لَنَا فِى الْمُتْعَةِ. 15 - (...) وحدّثنا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مُعْتَمِرًا، فَجِئْنَاهُ، فِى مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ. ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ. فَقَالَ: نَعَم. اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ. 16 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقُبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ وَأَبِى بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ، فِى شَأنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. 17 - (...) حدَّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِى الْمُتْعَتَيْنِ. فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله سبحانه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الآية (¬1). ويحمل ذلك عندنا على النكاح الجائز المؤكد. قالوا: وقرأ ابن مسعود هذه الآية " فما استمتعتم به منهن إلى أجل " وقراءة ابن مسعود هذه الآية، ليست عندنا بحجة؛ لأنها من طريق الآحاد، والقرآن لا يثبت بخبر الواحد، ولا يلزم العمل بخبر الواحد فى مثل هذا المنقول على أنه قرآن على الصحيح من القول فى ذلك، وذهب زُفر إِلَى أنَّ من نكح نكاح متعة، فإن ¬

_ (¬1) النساء: 24.

18 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النكاح يتأبد. قال الإمام: وما أراه ذهب فى هذا [إلا] (¬1) إلى أن ذلك من باب الشروط الفاسدة إذا قارنت النكاح، فإنها تبطل، ويمضى النكاح. فكان حكم الشرع التأبيد فى النكاح، واشتراط هذا التأجيل فيه خلاف حكم الشرع، فبطل ذلك الشرط، ومضى النكاح على حكم الشرع. واختلفت الرواية فى كتاب مسلم، فى النهى عن المتعة، ففيه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ذلك يوم فتح مكة. [وقيل] (¬2): إنه نهى عن ذلك يوم خيبر (¬3). فإن تعلق بهذا من أجاز المتعة، وزعم أن هذا الخلاف يقدح فى الأحاديث الناسخة؛ لأنه يراه تناقضًا. قلنا: هذا خطأ، وليس بتناقض؛ لأنه يصح أن ينهى عن ذلك فى زمان، ثم ينهى عنه فى زمان آخر تأكيدًا وإشهارًا، فيسمع بعض الرواة نهيه فى زمان، ويسمع آخرون نهيه ذلك فى زمان آخر، فينقل كل فريق منهم ما سمعه، ولا يكون فى ذلك تكاذب ولا تناقض. قال القاضى: روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة، فذكر مسلم منهم ابن مسعود، وابن عباس، وسلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد الله، وسبرة بن معبد الجهنى، وليس فى هذه الآثار كلها أنها كانت فى الإقامة، وإنما جاءت فى مغازيهم، وعند ضروراتهم فى أسفارهم، وعدم النساء وبلادهم حارة، وصبرهم عنهن قليل. وقد ذكر فى حديث ابن أبى عمرة أنها كانت رخصة فى أول الإسلام لمن اضطرّ إليها، كالميتة والدم ولحم الخنزير ونحوه من ابن عباس. وذكر فى حديث مسلم من رواية سلمة بن الأكوع إباحتها فى يوم أوطاس. ومن رواية سبرة الجهنى إباحتها يوم الفتح، وهما واحد، ثم تحريمها حينئذ. وفى حديثهما ومن رواية علىّ تحريمها يوم خيبر. وهو قبل الفتح. وذكر غير مسلم عن على نهيه - عليه السلام - عنها فى غزوة تبوك من رواية إسحاق ابن راشد عن الزهرى عن عبد الله بن محمد بن على عن أبيه عن على - رضى الله عنه. ولم يتابعه أحد على هذا وهو غلط منه وهذا الحديث رواه مالك فى الموطأ (¬4)، وسفيان بن عيينة، والعمرى، ويونس وغيرهم عن الزهرى عن الحسن وعبد الله ابنى محمد بن على، وفيه يوم خيبر (¬5) وكذلك ذكره مسلم عن جماعة عن الزهرى، وهذا هو الصحيح. وقد ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) من ع، وفى نسخ الإكمال: وفيه. (¬3) حديث رقم (30) بالباب. (¬4) الموطأ، ك النكاح، ب نكاح المتعة 2/ 542 (41). (¬5) الترمذى، ك النكاح، ب ما جاء فى تحريم نكاح المتعة (1121).

الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَن إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ أَوْطَاسٍ، فِى الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا. ثُمَّ نَهَى عَنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ روى أبو داود فى حديث الربيع بن سبرة عن أبيه النهى عنها فى حجة الوداع، وقال أبو داود: وهذا أصح ما روى فى ذلك (¬1)، وقد روى عن سبرة - أيضاً - إباحة ذلك فى حجة الوداع. وقصته وقصة صاحبه والبردين التى ذكر مسلم حينئذ، ثم نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عنها] (¬2) حينئذ إلى يوم القيامة، وروى عن الحسن البصرى أيضًا: ما حلت قط إلا فى عمرة القضاء. وروى هذا عن سَبَرة الجهنى أيضًا. ولم يذكر مسلم فى حديث سبرة تعيين وقت إلا فى حديث أحمد بن سعيد الدارمى وحديث إسحاق بن إبراهيم. وحديث يحيى بن يحيى، فإنه ذكر فيه عام فتح مكة. قالوا: وذكر الرواية بإباحتها فى حجة الوداع خطأ؛ لأنه لم يكن ثم ضرورة ولا غربة، وأكثرهم حجوا بنسائهم. والصحيح فيها مجرد النهى، كما جاء فى غير رواية، ويكون تحديد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النهى عنها يومئذ لاجتماع الناس وتبليغ الشاهد الغائب، وإتمام الدين وتقرير الشريعة كما قرر غير شىء، وبين حله وحرامه، وبتّ تحريم المتعة حينئذ بقوله: " إلى يوم القيامة "، وعلى هذا يحمل ما جاء فى تحريم المتعة يوم خيبر فى عمرة القضاء يوم أوطاس ويوم الفتح وهو بمعنى يوم أوطاس؛ إذ هى غزوة متصلة واحدة، وأنه جدد النهى عنها فى هذه المواطن، إذ حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مدفع فيه من رواية الثقات الأثبات عن ابن شهاب لكن فى رواية سفيان عنه: " نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر " فتأول بعضهم بأن الكلام منقطع، وأن يوم خيبر مختص بتحريم الحمر الأهلية، وأرسل تحريم المتعة على غيرها ليوافق بين الأحاديث. وقال هؤلاء: الأشبه فى تحريم المتعة أنه كان بمكة، وأما لحوم الحُمر الأهلية فبخيبر بغير خلاف، وهذا حسن لو ساعدته سائر الروايات عن غير سفيان. والأولى ما قلناه وتقدم من تكرير التحريم، لكن يبقى بعد هذا ما جاء فى ذكر إباحته فى عمرة القضاء، ويوم أوطاس ويوم الفتح، فيحمل أنه - عليه السلام - أباحه لهم للضرورة بعد التحريم، ثم أطلق تحريمه بعد للأبد بقوله: " من يومكم هذا إلى يوم القيامة "، فيكون التحريم أولاً بعد الإباحة للضرورة عند ارتفاعه بخيبر وعمرة القضاء، ثم ¬

_ (¬1) أبو داود، ك النكاح، ب فى نكاح المتعة (2072). (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

19 - (1406) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِىِّ، عَنْ أَبِيهِ سَبْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتْعَةِ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ. فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا. فَقَالَتْ: مَا تُعْطِى؟ فَقُلْتُ: رِدَائِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ تأبيد التحريم بمكة فى الفتح وحجة الوداع، وتترك الرواية بتحليلها فى حجة الوادع، إذ هى مروية عن سبرة الجهنى. وروايات الأثبات عنه أنها فى يوم الفتح، ومجرد النهى يوم حجة الوداع، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه الجمهور، ووافقه عليه غيره من الصحابة من النص عنها قبل الفتح، وبترك ما انفرد به من روى عنه تحليلها يوم حجة الوداع، ويصحح رواية من روى عنه مجرد النهى فى حجة الوداع تأكيدًا وإبلاغًا. وأما قول الحسن: إنها كانت فى عمرة القضاء لا قبل ولا بعد، فبرده ثبات حديث خيبر وهى قبلها وما جاء فى إباحتها فى أحاديث يوم الفتح وأوطاس، مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سَبْرَةَ وهو راوى الروايات الأخر وهى أصح، فيترك ما خالف الصحيح. وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة والفسخ مرتين كما قيل فى مسألة القبلة. ولا خلاف بين العلماء أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل لا ميراث فيه، وفراقها بانقضاء الأجل من غير طلاق، ووقع الإجماع على تحريمها بعد من جميع العلماء إلا الروافض. واتفق السلف على تحريمها آخراً إلا ما روى عن ابن عباس من إجازتها، وقد روى عنه أنه رجع عن ذلك، وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن أنه يفسخ أبدًا قبل الدخول وبعده، إلا ما تقدم عن زفر. واختلف كبراء أصحاب مالك، هل يحد فاعله إذا دخل حد البكر والمحصن أو لا حد عليه؟ لشبهة العقد، وللخلاف المتقدم فيه، وأنه ليس من تحريم القرآن ولكنه يعاقب عقوبة شديدة، وهذا المروى عن مالك وأصل هذا عند بعض شيوخنا التفريق بين ما حرمته السنة أو حرمه القرآن، وأيضًا فالخلاف بين الأصوليين، هل يصح الإجماع على أحد القولين بعد الإجماع أم لا ينعقد؟ وحكم الخلاف باق، وهذا مذهب القاضى أبى بكر، وهذا على القول بعدم الصحة عند رجوع ابن عباس عنه، وأما على ما روى من رجوعه، فقد انقطع الخلاف جملة. وكلهم مجمعون أنه إن نكح نكاحًا مطلقًا لكن فى نيته ألا يمكث معها إلا مدة نواها، فإن النكاح جائز وليس نكاح متعة، وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور، لكن مالكًا قال: ليس هذا من الجميل، ولا من أخلاق الناس. وشذ الأوزاعى فقال: هو نكاح متعة لا خير فيه.

وَقَالَ صَاحِبِى: رِدَائِى. وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِى أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِى، وَكُنْتُ أَشَبَّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرَتْ إِلَى رِدَاءِ صَاحِبِى أَعْجَبَهَا، وَإِذَا نَظَرَتْ إِلَىَّ أَعْجَبْتُهَا. ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ وَرِدَاؤُكُ يَكْفِينِى. فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَىءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِى يَتَمَتَعُ، فَلْيُخَلِّ سَبِيِلَهَا ". 20 - (...) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ فَضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غُزِيَّةَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ؛ أَنَّ أَبَاهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتْحَ مَكَّةَ. قَالَ: فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ - ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ - فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِى، وَلِى عَلَيْهِ فَضْلٌ فِى الْجَمَالِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدَّمَامَةِ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدٌ. فَبرْدِى خَلَقٌ، وَأَمَّا بُرْدُ ابْنِ عَمِّى فَبُردٌ جَدِيدٌ غَضٌّ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ أَوْ بِأَعْلَاهَا فَتَلَقَّتْنَا فَتَاةٌ مِثْلُ الْبَكْرَةِ الْعنَطْنَطَةِ. فَقُلْنَا: هَل لَكِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْكِ أَحَدُنَا؟ قَالَتْ: وَمَاذَا تَبْذُلَانِ؟ فَنَشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَهُ. فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، وَيَرَاهَا صَاحِبِى تَنْظُرُ إِلَى عَطْفِهَا. فَقَالَ: إِنَّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ وَبُرْدِى جَدِيدٌ غَضٌّ فَتَقُولُ: بُرْدُ هَذَا لَا بَأسَ بِهِ، ثَلَاثَ مِرَارٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ اسْتَمْتَعْتُ مِنْهَا، فَلَمْ أَخْرُجْ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " من كان عنده منهن شىء، فليخل سبيلها ": يرد على زفر فى قوله: يبطل الشرط ويصح النكاح. وقوله - عليه السلام -: " ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا ": دليل على أن فى ذلك المسمى لا صداق المثل، وهو قولنا. وهو أصل فى كل نكاح فسخ لفساد عقده وتحريمه. وقوله: " كأنها بَكْرةٌ عَيْطَاء " [بالعين والطاء المهملتين، وبينهما ياء باثنتين تحتها: البكرة: الفتية] (¬1) من الإبل. قال الإمام: العيطاء: الطويلة العنق باعتدال. قال أبو عبيد فى مصنفه: هى العيطاء والعنقاء والعطيول، قال غيره: هى العنطنطة [أيضًا. قال أبو عبيد: والعنطنطة] (¬2): الطويلة، ولم يذكر العنق. قال القاضى: قال صاحب العين: العُنطنطة: الطويلة العنق مع حسن قوام. والعنط: طوال العنق. وقال الهروى: العيطاء: الطويلة العنق فى اعتدال، وهى العنطنطة أيضًا. ¬

_ (¬1) سقط من ع. (¬2) سقط من نسخ الإكمال، والمثبت من ع.

حَرَّمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا وَهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غُزِيَّةَ، حَدَّثَنِى الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِىُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ. فَذَكَرِ بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ. وَزَادَ: قَالَتْ: وَهَلْ يَصْلُحُ ذاكَ؟ وَفِيهِ: قَالَ: إِنَّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ مَحٌّ. 21 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِى الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِىُّ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّى قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِى الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنِّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَىءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا بَينَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَهُوَ يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. 22 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْد الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ، حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا. 23 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى، رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَمَتُّعِ مِنَ النِّسَاءِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِى مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ، حَتَّى وَجَدْنَا جَارِيَةً مِنْ بَنِى عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَخَطبْنَاهَا إِلَى نَفْسِهَا، وَعَرَضْنَا عَلَيْهَا بُرْدَيْنَا، فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ فَتَرَانِى أَجْمَلَ مِنْ صَاحِبِى، وَتَرَى بُرْدَ صَاحِبِى أَحْسَنَ مِنْ بُرْدِى، فآمَرَتْ نَفْسَهَا سَاعَةً، ثُمَّ اخْتَارَتْنِى عَلَى صَاحِبِى، فَكُنَّ مَعَنَا ثَلَاثًا، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بُرْدُ هذا خَلَق مَحّ " بفتح الميم وتشديد الحاء المهملة، قال الإمام: يقال:

أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِرَاقِهِنَّ. 24 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. 25 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ الْفَتْحِ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ. 26 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِىِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ زَمَانَ الْفَتْحِ - مُتْعَةِ النِّسَاءِ - وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ تَمَتَّعَ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَينِ. 27 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَام بِمَكَّةَ فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا أَعْمَى اللهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ - يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ. فَنَادَاهُ فَقَالَ: إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ، فَلَعَمْرِى لَقَدْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ إِمَامَ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِكَ. فَوَاللهِ، لَئِنْ فَعَلْتَهَا لأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مح الكتاب وأمح إذا درس. قال ابن القوطية: ومحّ الثوب وأمح إذا بلى. وأنشد غيره لقيس بن ذريح: تلوح مغانيها بحجر كأنها ... رداء يمان قد أمح عتيق قال القاضى: وقع فى تفسير الحرف فى أصل مسلم من روايتنا عن العذرى وابن سعيد: أى بان به. وقوله: " إن ناسًا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ": إنما عرض بابن عباس. وقوله: " إنك لجلف جاف "، قال الإمام: قال ابن السكيت: الجلف: هو الجافى. قال غيره: وجاز تكرار المعنى لاختلاف اللفظ. وقد تقدم نظير هذا، قال الهروى: أصل الجلف: الشاة المسلوخة بلا رأس ولا قوائم، ويقال للدّن أيضًا: جلف، ويشبه الرجل الأحمق بها لضعف عقله، والجافى، الغليظ، وفى حديث عمر: " لا تزهدن فى جفا

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِى خَالِدٌ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللهِ؛ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ فِى الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَهُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِى عَمْرَةَ الأَنْصَارِىّ: مَهْلاً. قَالَ: مَا هِىَ؟ وَاللهِ، لَقَدْ فُعِلَتْ فِى عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ. قَالَ ابْنُ أَبِى عَمْرَةَ: إِنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِى أَوَّلِ الإِسْلام لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللهُ الدِّينَ وَنَهَى عَنْهَا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِى رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِىُّ؛ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: قَدْ كُنْتُ اسْتَمْتَعْتُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِى عَامِرٍ، ببُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُتْعَةِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْتُ رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يحَدِّثُ ذَلِكَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنَا جَالِسٌ. 28 - (...) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَبْلَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِىُّ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ. وَقَالَ: " أَلا إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ ". 29 - (1407) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. (...) وحدّثناه عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحقو ": أى فى تغليظ الإزار. وقال الهروى فى تفسير صفته - عليه السلام -: ليس بالجافى، ولا المهين: أى الغليظ الخلقة، ولا المحتقر، ويقال: ليس هو بالذى يجفو أصحابه ويهينهم. قال غيره: والجافى فى غير هذا من صفات الأسد، كما قال ابن خالويه فى كتاب الأسد. قال غيره: والجفا من (¬1) الناس: التباعد. ¬

_ (¬1) فى ع، ق: بين.

بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ يَقُولُ لِفُلَانٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ تَائِهٌ، نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ. 30 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللهِ ابْنِىْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَلِىٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِىٍّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. 31 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنك لرجل تائِه ": هو المرتفع عن طريق القصد. قال القاضى: إنما المرتفع عن طريق القصد التياه، كذا قال الهروى. وأما التائِه فالحائر، وأصله من الأرض التيه، وهى التى لا يهتدى فيها بعلم. وقال صاحب الأفعال: تاه تيهاً وتوها: تكبر، وأيضاً: ذهب عقله. وقوله: " فجعلت تنظر إلى عطفها ": قال الأصمعى الأعطاف: الجوانب. قال أبو حاتم: ومنه قولهم: نظر فى أعطافه، وفى القرآن: {ثَانِيَ عِطْفِه} (¬1)، قال مجاهد: رقبته، ونحوه عن قتادة. وقال الخليل: عطف كل شىء من رأسه إلى وركه. قال الهروى: عِطْفا الرجل: ناحيتا عنقه، ومنكب الرجل عطفه. وقال الأصمعى: والعطف الإبط. وقوله: " فآمرت نفسها ": أى شاورت نفسها وتراءت فى أمرها بأمر القوم. وائتمروا إذا تشاوروا، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} (¬2)، قال: والمؤتمر الذى يهم بالأمر يفعله. والدمامة، بالدال المهملة: جفاوة، رجل ذميم: أى حقير، وهو القبح. قال الإمام: ذكر مسلم فى الباب: ثنا ابن بشار، ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عمرو بن دينار [قال] (¬3): سمعت الحسن بن محمد يحدث عن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع الحديث [بالإجماع] (¬4) ثم أردفه بقوله: حدثنى أميّة بن بسطام العيشى، حدثنى يزيد بن زريع، ثنا روح بن القاسم، عن عمرو بن دينار، عن الحسن - ¬

_ (¬1) الحج: 9. (¬2) القصص: 20. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬4) من ق.

ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللهِ ابْنِىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِىٍّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُلَيِّنُ فِى مُتْعَةِ النِّسَاءَ. فَقَالَ: مَهْلاً يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحْومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. 32 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يعنى الحسن بن محمد - عن سلمة وجابر -، الحديث. قال بعضهم: هكذا الإسنادان فى نسخة ابن ماهان، وسقط من نسخة أبى أحمد، الجلودى والكسائى من إسناد يزيد بن زريع ذكر الحسن بن محمد بن عمرو بن دينار وسلمة [وجابر وسلمة أنه وهم؛ لأن الحديث حديث الحسن بن محمد عن جابر وسلمة] (¬1) (*)، وكذلك رواه شعبة عن عمرو بن دينار [قال] (¬2)، سمعت الحسن بن محمد يحدث عن جابر وسلمة بذلك على ما تقدم. قال القاضى: قال لنا القاضى الشهيد: انظر قوله عن الحسن بن محمد عن سلمة فلم يدركه. قال القاضى: وقد ذكر مسلم فى الباب أيضاً قبل هذا: ثنا عثمان، ثنا جرير عن إسماعيل بن أبى خالد بهذا عطفًا على رواية إسماعيل عن قيس عن ابن مسعود، ثم قال: وثنا أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا وكيع، عن إسماعيل وجرير بهذا. كذا عند العذرى وابن سعيد وابن أبى جعفر، ولم يكن عند السمرقندى وجرير، وإثباته خطأ بيِّن، وإنما رواية جرير عن إسماعيل كما تقدم فى سند عثمان، ولعله كان مخرجًا بعد وكيع فغلط فى التخريج. وأخرج بعد إسماعيل وذكر أيضًا فى الباب بعد. ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدرى، ثنا بشر - يعنى ابن المفضل. كذا عند جميعهم، وفى بعض الروايات: ثنا أبو بكر، ثنا بشر. والصحيح الأول. ووقع فى الباب فى حديث حرملة عن ابن وهب قال ابن أبى عمرة: إنما كانت رخصة. كذا لهم، وفى كتاب العذرى قال ابن عمر، بغير هاء، وهو خطأ فاحش. وقوله فى هذا الحديث: فأخبرنى خالد بن المهاجر بن سيف الله. سيف الله هذا هو خالد بن الوليد المخزومى، وتسميته بسيف الله مشهور؛ لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: " إنه سيف من سيوف الله، سله الله على الكفار " (¬3). وفى الباب فى حديث سلمة بن شبيب بسنده ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬3) أحمد فى المسند 1/ 8 عن أبى بكر. (*) قال معد الكتاب للشاملة: العبارة في المعلم للمازري (2/ 132)، كالتالي: " ... وسقط من نسخة أبي أحمد الجلودي والكسائي من إسناد يزيد بن زريع ((ذكرُ الحسن بن محمد بن عمرو بن دينار وسلمة بن الأكوع وجابر، وسقوطه وهم))؛ لأن الحديث حديث الحسن بن محمد عن جابر وسلمة".

أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللهِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِمَا؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالبٍ يَقُولُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُوم الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن عمر بن عبد العزيز: حدثنى الربيع بن سبرة الجهنى عن أبيه. كذا فى الأصول، وهو الصحيح المتكرر فى سائر أحاديث الباب والمعلوم المشهور، [وكان فى كتاب شيخنا الصدفى من رواية العذرى: حدثنى ابن سبرة] (¬1)، وكذا قيدناه عنه، وقال لنا: هو خطأ وسائر من حدثنا به عن العذرى كان عنده ابن سبرة على الصواب. وقوله: " نهى عن لحوم الحمر الأنسية ": كذا ضبطناه عنهم بفتح الهمزة والنون، ورواه جماعة: " الإنسية ". والأنس، بفتحها: الناس، وكذلك: " الإنس " بكسر الهمزة. ولا خلاف بين العلماء فى الأخذ بحديث النهى عن أكل لحوم الحمر الإنسية، إلا شيئاً روى عن أبن عباس وعائشة وبعض السلف، وقد اختلف عنهم فى ذلك أيضاً. واختلفت الرواية عن مالك، هل ذلك على الكراهة أو التحريم؟ واختلف فى علة تحريمها بحسب ما جاءت به الآثار، فقيل: لأنها لم تكن قسمت، وقمل: خوف فناء الظهر والحمولة، وقيل: لأنها كانت جلالة، وقيل: نهى تحريم لغير علة، وسيأتى فى كتاب الأطعمة والذبائح تمام هذا. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

(4) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها فى النكاح

(4) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها فى النكاح 33 - (1408) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزَّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا ". 34 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ: الْمَرأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا. 35 - (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - قَالَ: ابْنُ مَسْلَمَةَ مَدَنِىٌّ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ وَلَدِ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها "، قال الإمام: الفروج تستباح فى الشريعة بالنكاح وملك اليمين ما لم يمنع من ذلك مانع، والمانع على قسمين: مانع يتأبد معه التحريم، ومانع لا يتأبد. فالذى يتأبد تحريمه على تفصيل نذكره، وهو خمسة أقسام: إحداها: يرجع إلى التحريم فيه إلى العين كالأم والأخت وشبهها ولا خلاف فى تأبيد تحريم ذلك، وباقيها يرجع التحريم فيها لعلة طرأت كالرضاع المشبَّه بالنسب ولا خلاف فى التأبيد به أيضاً، والصهر والنكاح والملاعنة لمن لاعانها، والمتزوجة فى العدة. فأما الصهر فهو أربعة أقسام: تزويج الرجل امرأة ابنه، والابن امرأة أبيه، فهذان القسمان يحرمان جميعاً [بالعقد] (¬1). والقسم الثالث: تزويج الربيبة، فإنها لا تحرم بالعقد ولا خلاف فى ذلك. والرابع: أم الزوجة، فمذهب الفقهاء وجمهور الصحابة أنه تحرم بالعقد على البنت، وذكر عن على ومجاهد أنها لا تحرم إلا بالدخول على البنت. وسبب الخلاف فى ذلك: قوله تعالى: {وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم ¬

_ (¬1) زيدت فى ع.

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ الأَخِ، وَلَا ابْنَةُ الأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ ". 36 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الْكَعْبِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ مِّن نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} (¬1) هل هذا النعت والتقييد راجع إلى النساء المذكورات آخر، أم [عائد على] (¬2) المذكورات أولاً وآخراً؟ والأرجح ما ذهب إليه الجمهور لوجوه، منها: أن الاستثناءات والشروط عند جماعةٍ من أهل الأصول تعود إلى أقرب المذكورات إليها وكذلك أصل النحاة أيضاً، ولأن العامل إذا اختلف لا يصح الجمع معه بين المنعوتات فى نعت واحد وإن اتفق إعرابها، وهذا من ذلك لأن النساء المذكورات أولاً مخفوضات بالإضافة، والمذكورات آخراً مخفوضات بحرف الجر، فلا يجمع بين نعت المخفوضات بالإضافة وبين نعت المخفوضات بحرف الجر لما ذكرناه. وأما الملاعنة فيتأبد تحريمها عندنا على من لاعنها وخالف فيه غيرنا، وكذلك المتزوجة فى العدة مختلف فى تأبيد تحريمها أيضًا. وأما الذى لا يتأبد معه التحريم ويرتفع بارتفاعه ويعود بعودته، فمنه ما يرجع إلى العدد كنكاح الخامسة، ومنه ما يرجع إلى الجمع كالجمع بين الأختين، والجمع بين المرأة وعمتها، ومنه ما يرجع إلى غير ذلك كالمجوسية والمرتدة وذات الزوج وشبه ذلك. فأما ما يحرم الجمع بينهن من النساء بالنكاح فيعقد على وجهين أحدهما: أن يقال: كل امرأتين بينهما نسبٌ لو كانت إحداهما ذكرًا حرمت عليه الأخرى، فإنه لا يجمع بينهما، وإن شئت أسقطت ذكر بينهما نسب وقلت بعد قوله: لو كانت إحداهما ذكرًا حرمت عليه الأخرى من الطرفين جميعًا. وفائدة هذا الاحتراز بزيادة النسب أو من الطرفين جميعًا مسألة نكاح المرأة وربيبتها؛ فإن الجمع بينهما جائز. ولو قدر أن امرأة الأب رجل لحلت له الأخرى لأنها أجنبيةٌ، ولأن التحريم لا يدور من الطرفين جميعًا. هذا حكم النكاح، وتدخل فيه عمة الأب وخالته وشبه ذلك من الأباعد؛ لأن العقد يشتمل على ذلك. ¬

_ (¬1) النساء: 23. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنُرَى خَالَةَ أَبِيهَا وَعَمَّةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ. 37 - (...) وحدّثنى أَبُو مَعْنِ الرَّقَاشِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الجمع بملك اليمين [بين من ذكرنا تحريم الجمع بينهما بالنكاح، ففيه اختلاف، فقيل: لا يجمع بين الأختين بملك اليمين] (¬1) وهو جُلّ قول الناس؛ لقول الله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْن} (¬2)، وقيل: ذلك بخلاف النكاح؛ لقول الله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} (¬3)، فعمّ، فصار سبب الخلاف أَىُّ العمومين أولى أن يقدم؟ وأىّ الآيتين [أولى] (¬4) أن يخص بها الأخرى؟ والأصح تقديم آية النساء والتخصيص بها؛ لأنها وردت فى نفس المحرمات وتفصيلهن، وكانت أولى من الآية التى وردت فى مدح قوم حفظوا فروجهم إلا عما أبيح لهم، وأيضاً فإن آية ملك اليمين دخلها التخصيص باتفاق؛ إذ لا تباح له بملك اليمين ذوات محارمه اللاتى يصح له ملكه لهن، وما دخله التخصيص من العموم ضعف. قال القاضى: أجمع المسلمون على الأخذ بهذا النهى فى الجمع بين الأختين، وفى الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها فى النكاح، أو فى الوطء بملك اليمين، وقد كان فى جمع الوطء بملك اليمين اختلاف من بعض السلف استقر بعد الإجماع عليه، إلا طائفة من الخوارج لا يلتفت إلى قولهم قالوا: يجمع بين الأختين بملك اليمين، وبالجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها عمومًا؛ تعلقًا بظاهر قوله: {وَأَن تجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْن}، ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم} (¬5)، وتعلقًا بأن أخبار الآحاد لا يخصص بها عموم القرآن. وهما مسألتا خلافٍ بين أهل الأصول. والصحيح جوازهما؛ لأن خبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبين مفسرٌ لما جاء به عن الله، ونحن متعبدون بامتثاله وللإجماع بإلحاق الجمع بين هؤلاء بالجمع بين الأختين مع هذه الآثار الصحيحة المفسرة لمجمل الآية المبين لها يرد عليهم. وعلة ذلك ما يفضى ذلك إليه من التقاطع والتدابر بغيرة الضرائر، وأنها العلة الموجودة فى الأختين. وقاس بعض السلف على هذا جملة القرابة، فمنع الجمع بين بنتى العمّ أو بنتى الخال، أو بنتى العمّة أو الخالة. وجمهور العلماء وأئمة الفتوى على خلاف هذا، وقصر التحريم على ما نص عليه أو ما ينطلق عليه لفظه من العمات والخالات وإن علون. وكذلك اختلفوا فى الجمع بين زوجة الرجل وابنته من غيرها، فأجازه جمهورهم إذا ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) النساء: 23. (¬3) النساء: 3. (¬4) من ع. (¬5) النساء: 24.

عَنْ يَحْيَى؛ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يجمعهما حرمة النسب، وخالف الحسن وابن أبى ليلى وعكرمة فلم يجيزوا الجمع بينهما، وعموم قوله: " لا يجمع بين المرأة وعمتها " يبين الرواية الأخرى: " لا تنكح العمة على بنت الأخ، ولا بنت الأخت على الخالة "، وأنه لا فرق بين نكاح إحداهما على الأخرى، وأن المنهى عنه الجمع بينهما فقدمت العمة أو الخالة، أو بنات أخواتهن أو إخوانهن، وكيف، وفى الحديث الآخر: " لا تنكح المرأة على عمتها " يجمع النهى بين الطرفين، وهذا النهى عن الجمع، وفى كتاب أبى داود: " لا تنكح الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى " (¬1). وهذا العموم شامل الوطء بالنكاح وملك اليمين، إلا إن عُقِدَ النكاح عليهما معًا أو فى الآخرة منهما لا يصح، إذ لا تراد إلا للوطء، وعقد مجرد الملك يصح إذ يراد به لغير الوطء، وقول ابن شهاب يرى عمة أبيها وخالة أبيها بتلك المنزلة صحيح؛ لأنه ينطلق عليها عمة وخالة وإن علون؛ إذ العمة هى كل امرأة لها عليك ولادة، فأخت الجدة للأب خالة، وأخت الجد للأم عمة. وقوله: " ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسم على سوم أخيه " (¬2)، وفى الرواية أخرى: [" حتى يأذن له " (¬3)، وفى الأخرى] (¬4): " حتى يذر " (¬5)، وفى الحديث الآخر: " لا يبع بعضكم على بيع أخيه " (¬6)، قال الإمام: معناه: لا يسم على سومه، وقد صرح بذلك فى حديث آخر من هذا الكتاب، وعلته ما يؤدى إليه من الضرر، وقد كره بعض أهل العلم بيع المزايدة فى الحلف خوفاً من الوقوع فى ذلك. وإن قلنا إنما يمنع من ذلك مع التراكن إلى البيع خرج بيع الحلف من ذلك، وكذلك الخطبة على خطبة الغير محملة عند أهل العلم على أن المنع إذا حصل التراكن؛ بدليل حديث فاطمة بنت قيس لما أخبرت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنها خطبها ثلاثة؛ فلم تنكر دخول بعضهم على بعضٍ [فى الخطبة] (¬7). وقوله لها: " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه "، ومعناه: أنه كثير الأسفار وقد يعبر عن ترك السفر وعن الإقامة بالمكان واجتماع الأمر فيه بإلقاء العصا، ¬

_ (¬1) أبو داود، ك النكاح، ب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء (2065) عن أبى هريرة. (¬2) حديث رقم (54) من هذا الكتاب. (¬3) حديث رقم (50) من هذا الكتاب. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬5) حديث رقم (56) من هذا الكتاب. (¬6) حديث رقم (49) من هذا الكتاب. (¬7) زائدة فى ع.

(...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَان، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 38 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ. وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ صَحْفَتَهَا. وَلْتَنْكِحْ. فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللهُ لَهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشاعر: فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر وذهب بعضهم إلى أن معنى: " لا يضع (¬1) عصاه عن عاتقه " الأدب ولم يرد به الضرب بالعصا، وعلى ذلك قول الشاعر: تركت أهل الصبا وشأنهم ... فلم تعد لى العصا ولم أعد معناه: لم ترفع على عصا اللوم والعذل لأنى عدلت عن اللهو والصبا، وقيل: المراد به: أنه يكثر الضرب. وفيه حجة على جواز الضرب اليسير للزوجة، لأن ظاهره إنكار الإكثار من الضرب. قال القاضى: قد جاء هذا الحديث بعد، وهناك سيعود الكلام عليه. وجاء فى كتاب مسلم هناك ما يستدل به على أحد التأويلين من قوله فيه: " ضرابٌ للنساء "، وسننبه على ذلك فى مكانه إن شاء الله. قال القاضى: قيل: معنى " لا يبع " هاهنا: أى يشترى. وأما بيعه سلعته على بيع أخيه فغير منهى عنه، والأولى أن يكون على ظاهره، وهو يعرض سلعته على المشترى يرخص ليزهده فى شراء تلك التى ركن إليها أولاً من عند الآخر، فيشتمل عليه النهى ويكون على ظاهره. والشراء والبيع ينطلق على المتبايعين معًا. واختلف عندنا فى هذا إذا وقع من الخطبة على الخطبة أو السّوم على السوم بعد التراكن، هل يفسخ العقد أم لا؟ فذهب الشافعى والكوفيون وجماعة من العلماء إلى إمضاء العقد، والنهى ليس على الوجوب. وقال داود: هو على الوجوب ويفسخ. ولمالك فيها قولان، ولكبراء أصحابنا، وقول ثالثٌ: الفسخ فى النكاح قبل البناء أو يمضى بعد، ولا خلاف أن فاعل ذلك عاصٍ. واختلفوا فى حد التراكن الذى يقع النهى عليه، هل هو مجرد الرضا بالزوج أو تسمية ¬

_ (¬1) فى ع: لا يرفع.

39 - (...) وحدّثنى مُحْرِزُ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَبِى عَوْنٍ، حَدَّثَنَا عَلِىّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ ابْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتهَا أَوْ خَالَتِهَا، أَوْ أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لتَكْتَفِئَ مَا فِى صَحْفَتِهَا. فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رَازِقُهَا. 40 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى وَابْنِ نَافِعٍ - قَالُوا: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: نَهَى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَبيْنَ المَرْأَة وَخَالَتِهَا. (...) وحَدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهَذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصداق؟ وقال الشافعى: إنما هو ممن أذنت المرأة لوليها أن ينكحها من رجل معين. قال الخطابى: وفى قوله: " على خطبة أخيه " دليل أن ذلك إذا كان الخاطب الأول مسلمًا ولا يضيق إذا كان يهوديًا أو نصرانيًا. وهذا مذهب الأوزاعى وجمهور العلماء على خلافه. وقال ابن القاسم من أئمتنا: وهذا فى غير الفاسق، وأما الفاسق فيخطب على خطبته، وقيل: معنى النهى إذا أذنت المخطوبة فى نكاح رجل بعينه، فلا يحل لأحدٍ أن يخطبها حتى يأذن الخاطب، وقيل فى معنى قوله: " لا يبع أحدكم على بيع أخيه "، أنه على قوله: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ". قال القاضى: وقوله: " ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما فى صحفتها، فإن الله رازقها ": لتنفرد بزوجها، وأكل الناس قلب الصحفات إذا كانت فارغة؛ ولهذا قال - عليه السلام -: " فإن الله رازقها ". قال أبو عبيد: ولم يرد الصحفة خاصةً، إنما جعلها مثلاً لحظها منها منه، كأنه إذا طلقها أمالت نصيبها منه إلى نفسها. قال الهروى: " تكتفئ ما فى إنائها " هو يفتعل من كفأت القدر: إذا كبتها لتفرغ ما فيها، وهذا مثلٌ لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها. قال الكسائى: أكفأتُ الإناء: كببته، وأكفأته وكفأته: إذا أملته، وقيل: هو كناية عن الجماع والرغبة فى كثرة الولد، والأول أظهر.

(5) باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته

(5) باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته 41 - (1409) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ ابْنِ وَهْبٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ، بِنْتَ شَيْبَةَ بْن جُبَيْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَان بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ. فَقَالَ أَبَانٌ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَنكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ ". 42 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، حَدَّثَنِى نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: بَعَثَنِى عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مَعْمَرٍ، وَكَانَ يَخْطَبُ، بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِهِ، فَأَرْسَلَنِى إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ. فَقَالَ: أَلَا أَرَاهُ أَعْرَابِيًّا " إِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ ". أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عُثْمَانُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 43 - (...) وحدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ مَطَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يَنْكِح المحرم ولا يُنْكَح ولا يخطب "، قال الإمام: اختلف فى نكاح المحرم، هل يجوز أم لا؟ فقيل: لا يجوز، وتعلق قائله بهذا الحديث وشبهه، وقيل: يجوز، وتعلق من قاله بما روى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكح ميمونة وهو محرم (¬1)، فيرجح من لا يجزيه مذهبه بأن النهى الوارد من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول، والذى ذكر من حديث ميمونة فعل، والقول مقدم على الفعل لأنه يتعدى، والفعل قد يكون مقصورًا عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد خُصصَ فى النكاح وغيره بخصائص، وقد روى أيضاً فى حديث ميمونة من طريق آخر: أنه تزوجها وهو حلال، وهذا مما يقوى مقدمة القول هاهنا بلا شك؛ لأن القول أولى بأن يقدم من فعل مختلف فيه، ويصح بناء الروايتين فى الفعل فيقال: رواية من روى أنه حلال هى الأصل، وتحمل الرواية الأخرى على أن قوله: " فينكحها وهو محرم ": أى حال فى الحرم لا عاقد الإحرام على نفسه، ومن حل فى الحرم قيل له: محرمٌ وإن كان حلالاً، فتبنى القولتان على هذا، وتخرجان عن التكاذب. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود، ك المناسك، ب المحرم يتزوج عن ابن عباس، برقم (1844).

وَيَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يُنْكَحُ المُحْرِمُ وَلَا ينْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ ". 44 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ ". 45 - (...) حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْب بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى هِلَالٍ عَنْ نُبيْهِ بْنِ وَهْبٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ مَعْمَرٍ أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ طَلْحَةَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فِى الحَجِّ، وَأَبَان بْنُ عُثْمَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانٍ: إِنِّى قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ. فَأُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ أبَانٌ: أَلَا أُرَاكَ عِرَاقِيًّا جَافِيًا! إِنِّى سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ ". 46 - (1410) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَلِىُّ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَةَ، عَنْ عمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ الزُّهْرِىَّ فَقَالَ: أَخْبَرَنِى يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ؛ أَنَّهُ نَكَحَهَا وَهُوَ حَلَالٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولا ينكح " فمعناه: ولا يعقد على غيره، ووجهه أنه لما كان ممنوعًا نكاح نفسه مدة الإحرام كان معزولاً تلك المدة عن أن يعقد لغيره، وشابه المرأة التى لا تعقد على نفسها ولا على غيرها. قال القاضى: الذى صححه أهل الحديث تزوجها حلالاً، وهو قول كبراء الصحابة ورواياتهم، ولم يأت عن أحدٍ منهم أنه تزوجها محرمًا إلا ابن عباس وحده، وبحديثه أخذ الكوفيون فى جواز ذلك، وخالفهم سائر الفقهاء وأئمة الفتوى، فمنعوا ذلك وردوه، إذا وقع، وقد قال بعضهم: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بعث مولاه أبا رافع بعقد نكاحها بمكة

47 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بوكالته، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، ثم وافى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محرمًا، فبنى بها بسرف حلالاً، واشتهر نكاحه بمكة عند وصوله لها وحلوله بها. قال الإمام: ذكر مسلم فى الباب: ثنا يحيى بن يحيى عن مالك، عن نافع، عن نبيه بن وهب؛ أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير. ثم ذكره بعد ذلك من حديث حماد بن زيد عن أيوب، عن نافع قال: ثنا نبيه بن وهب، قال: بعثنى عمر بن عبيد الله، وكان يخطب بنت شيبة بن عثمان على ابنه. كذا جاء فى حديث حماد بن زيد (¬1) وشيبة بن عثمان. قال بعضهم: وذكر أبو داود هذا الحديث، وزعم أن مالكًا وهم فيه. والقول عندهم قول مالك. قال أبو داود: رواه مالك عن نافع عن نبيه؛ أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان: إنى أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير (¬2). قال: رواه حماد بن زيد عن أيوب، فقال: ابنة شيبة بن عثمان، وكذلك قال محمد بن راشد عن عثمان بن عمر القرشى كما قال أيوب. قال الدارقطنى (¬3): الصواب ما قاله مالك، وهى ابنة شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان الحجبى، كذلك نسبها إسماعيل بن أمية عن أيوب، عن نافع، عن نبيه كما قال مالك، وكذلك قال عبد المجيد: عن ابن جريج، عن أيوب، عن نافع، وكذلك قال شعيب بن أبى حمزة: عن نافع، عن نبيه بن وهب، وكذلك قال سعيد بن أبى هلال: عن نببه بن وهب. فقد أصاب مالك فى قوله: بنت شيبة بن جبير، وتابعه هؤلاء الذين ذكرناهم، وإنما وهم من خالفهم، والله أعلم. وذكر الزبير بن بكار أن ابنته هذه تسمى أمة الحميد. قال القاضى: ولعل من قال: شيبة بن عثمان نسبه إلى جده، فلا يكون خطأ. ووقع فى الباب بعده فى حديث أبى غسان المسمعى: حدثنا عبد الأعلى، وحدثنى أبو الخطاب زياد بن يحيى، ثنا محمد بن سواء قالا: ثنا سعيد، عن مطر. كذا لهم وهو الصواب، ووقع عند الهوزنى: " شعبة " مكان " سعيد "، وإنما هو سعيد بن أبى عروبة. ¬

_ (¬1) فى ع: أيوب. (¬2) أبو داود، ك المناسك، ب المحرم يتزوج رقم (1841) 1/ 427. (¬3) انظر: الإلزامات والتتبع 1/ 358.

48 - (1411) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى يْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمَّ حَدَّثَتْنِى مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهْوَ حَلَالٌ. قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِى وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبان فى حديث عبد الملك بن شعيب بن الليث: " ألا أراك عراقياً جافياً ": كذا للعذرى والسمرقندى، ورواه السجزى " أعرابياً " مكان " عراقياً " وهو الصواب. وكذا جاء فى حديث المقدمى: " أعرابياً ": أى جاهلاً بالسنة كالأعرابى. والأعرابى هو البدوى. و " عراقى " هنا خطأ، إلا أن يكون قد عرف من مذهب أهل الكوفة حينئذ جواز نكاح المحرم، فيصح رواية " عراقياً ": أى آخذاً بقولهم فى هذا، وذاهباً مذهبهم.

(6) باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك

(6) باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك 49 - (1412) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا يَخْطُبْ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ ". 50 - (...) وحدّثنى زُهَيْرٌ بنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عَبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إِلَّا أَنْ يَأذَنَ لَهُ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 51 - (1413) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، أَوْ يَتَنَاجَشُوا، أَوْ يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، أَوْ يَبِعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِى إِنَائِهَا، أَوْ مَا فِى صَحْفَتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى أن يبيع حاضر لبادٍ أو يتناجشوا "، قال الإمام: وقوله: " لا يبع حاضر لبادٍ " فإن مالكًا منع ذلك جملةً، ومحمله عنده على أهل العمود ممن لا يعرف الأسعار، وأما من يقرب من المدينة ويعرف السعر فلا يدخل فى ذلك، فإن قيل: كيف؟ فقال هذا: وهل يجوز مضرة شخص فى ماله لمنفعة شخص آخر؟ قيل إنما نظر - عليه السلام - فى هذا للأكثر على الأول، ورأى مضرة أهل البوادى فى ذلك أخف؛ لأن ما يبيعونه إنما هو غل عندهم لا أثمان لها عليهم، وأهل الحضر يخرجون فى ذلك أثمانًا تشق عليهم، وإنما يباح الضرر على هذه الصفة لا مضرةً مطلقةً. واختلف عندنا فى الشراء للبادى هل يمنع كما منع البيع له؟ فقيل: هو بخلاف

زَادَ عَمْرٌو فِى رِوَايَتِهِ: وَلَا يَسُم الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. 52 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِع الْمَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا يَخْطُبِ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ الأُخْرَى لِتَكْتَفِئَ مَا فِى إِنَائِهَا ". 53 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ مَعْمَرَ: " وَلَا يَزِدِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ البيع؛ لأنه إذا صار الثمن فى يده أشبه أهل الحضر فيما يشترونه، فيجوز أن يشترى له الحاضر، فإن وقع البيع والنكاح على الصفات المتقدمة التى ذكر النهى عنها ففى فسخها اختلاف. قال القاضى: اختلف العلماء فى الأخذ بهذا الحديث، وفى تأويله، وهل هو على العموم أو على الخصوص، أو منسوخ فى زمان دون زمان، أو على الوجوب أو الندب؟ فمشهور مذهب مالك ما تقدم من العمل به على العموم واللزوم فى أهل البادية المتقدم وصفهم. وممن أخذ بالحديث على عمومه من الفقهاء الشافعى والليث، وقاله جماعة من صحابة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلف. وفى المذهب عندنا لمالك قول آخر؛ أنه على العموم التام فى كل بادٍ وكل طارئ على بلدٍ، وإن كان من أهل الحضر، وهو قول إصبع، وكأنه هنا تأول الظبية بالبدوى على الطارئ والجاهل بالسعر، كائناً من كان؛ إذ هو الغالب على الطارئ. ومفهوم العِلة فى الحديث بقوله: " دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض " (¬1)، وذهب أبو حنيفة وعطاء ومجاهد ومن قال بقولهم إلى أن الحديث معمول به، وأن ذلك مباح. ثم اختلفوا فى تأويل الحديث وعلة رده، فقال بعضهم: إنما كان ذلك مخصوصاً بزمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما اليوم فلا. وظاهر قول هؤلاء أنه منسوخ. وقال آخرون: بل يرده حديث " النصيحة لكل مسلم "، وإلى هذا أشار البخارى فى ¬

_ (¬1) سيأتى فى ك البيوع، ب تحريم بيع الحاضر للبادى بلفظ: " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " رقم (20).

54 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. أَخْبَرَنِى الْعَلَاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخَيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَتِهِ ". 55 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْعَلَاءِ وَسُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتابه وإدخاله فى الترجمة: " لا يبع حاضر لبادٍ ". وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه " (¬1) وإدخاله داخل الباب مع الحديث الذكور، وحديث النصيحة لله، ولرسوله ولعامة المسلمين. وقيل: بل كان هذا النهى عن تربص الحاضر بسلعة البادى الزيادة فى السوق لا أن يبيعها بسعر يومه؛ لأن البادى غير مقيم فيبيع بسعر يومه فيرتفق بذلك الناس. فإذا قال له الحاضرى: أنا أتربص لك بها وأبيعها لك، حَرَمَ الناس ذلك الرفق. وقيل: إنما ذلك فى البلاد الضيقة التى يستبين فيها الضرر وغلاء السعر إذا لم يبع الجالب متاعه، فأما البلاد الواسعة التى لا يظهر الضرر فى ذلك فيها فلا بأس، وقيل: ذلك على الندب ليس على الوجوب، ثم اختلف من أوجبه إذا وقع، فعند الشافعى وابن وهب وسحنون من أصحابنا يمضى، وعند ابن القاسم يفسخ لما لم يفت. قال الإمام: وأما قوله: " ولا تناجشوا " فصفة النجش عند الفقهاء: أن يزيد فى السلعة ليغتر به غيرهُ لا ليشتريها، فإن وقع ذلك وعلم أن التناجش من قبل البائع، كان المشترى بالخيار بين أن يمضى البيع أو يرده. وحكى القزوينى عن مالك أن بيع النجش مفسوخ، واعتل بأنه منهى عنه. وهكذا اعتل ابن الجهم لما رد على الشافعى فقال: الناجش عاصٍ، فكيف يكون من عصى الله يتم بيعه؟ ولو صح هذا نفذ البيع (¬2) فى الإحرام والعدة. قال أبو بكر: أصل النجش: مدح الشىء وإطراؤه، فمعناه: لا يمدح أحدكم السلعة ويزيد فى ثمنها وهو لا يريد شراءها، فيتبعه غيره ويزيد. وقال غيره: النجش: تنفير الناس عن الشىء إلى غيره. والأصل فيه تنفير الوحش [من مكان] (¬3) إلى مكان. قال القاضى: ذكر مسلم فى باب " لا يخطب على خطبة أخيه ": حدثنى أحمد بن ¬

_ (¬1) البخارى، ك البيوع، ب هل يبيع حاضر لباد؟ وهل يعينه أو ينصحه؟. (¬2) فى ع: العقد. (¬3) زائدة فى ع.

عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: " عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَخِطْبَةِ أَخِيهِ ". 56 - (1414) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم الدورقى، حدثنى عبد الصمد، ثنا شعبة عن العلاء، وسهيل عن أبيهما، عن أبى هريرة. كذا وقع. قال بعض شيوخنا: صوابه: عن أبويهما؛ لأن كل واحدٍ إنما حدث عن أبيه وليسا بأخوين، إلا على لغة من قال: أبيهما، بحذف الواو وفتح الباء، فيصح على هذا.

(7) باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه

(7) باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه 57 - (1415) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجهُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. 58 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ 59 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشغار " الحديث، قال الإمام: أصله فى اللغة: الرفع، يقال: شغر الكلب: إذا رفع رجله ليبول. وزعم بعضهم أنه إنما يقع ذلك من الكلب عند بلوغه الإنزال والإيلاء، فإن صح هذا كان التشبيه واقعاً متمكناً. وقال الهروى: قال بعضهم: والشغر أيضاً: البعد، ومنه بلد شاغر: إذا كان بعيدًا من الناصر والسلطان، وهو قول الفراء. وقال أبو زيد: يقال: اشتغر الأمر به: أى اتسع وعظم. وقال غيره: ويقال بلدةٌ شاغرة: أى مفتتنة، لا تمتنع من غارة. وقد علل بعض العلماء النهى عنه بأنه يصير المعقود به معقودًا عليه؛ لأن الفرجين كل واحدٍ منهما معقودٌ به ومعقودٌ عليه، وعلى هذه الطريقة يكون فساده يرجع إلى عقده، ويفسخ على هذا بعد الدخول وقبله. وزعم بعضهم أن ذلك [راجع] (¬1) لفساد الصداق، ولأنه كمن تزوج بغير صداق. وعلى هذا يمضى بالدخول على إحدى الطريقتين عندنا فى هذا الأصل. وقد روى عن ابن زياد فى كتاب خير من زنته عن مالك؛ أنه يفوت بالدخول، وتأول بعض شيوخنا أن يخرج من مذهبنا فيه قولاً ثالثاً: أنه يفوت بالعقد بها على أحد الأقاويل (¬2) عندنا [فيما فسد لصداقه] (¬3)، أنه يفوت بالعقد، وأن الفسخ فيه قبل ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) فى ع: الأقوال. (¬3) فى ع: فيما صداقه فاسد.

السَّرَّاجِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. 60 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا شِغَارَ فِى الإِسْلَامِ ". 61 - (1416) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَن أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: وَالشِّغَارُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِى ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِى، أَوْ زَوِّجْنِى أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِى. (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ - وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ - بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةَ ابْنِ نُمَيْرٍ. 62 - (1417) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدخول استحسان واحتياط. قال القاضى: ذكر بعض العلماء أن الشغار كان من نكاح الجاهلية. يقول: شاغرنى وليتى، أى عاوضنى جماعًا بجماع. قال أبو زيد: شغرت المرأة: رفعت رجليها عند الجماع. قال ابن قتيبة: كل واحدٍ منهما يشغر إذا نكح، وأصله للكلب. ولا خلاف بين العلماء فى كراهته ابتداء. واختلفوا إذا وقع، فأجازه الكوفيون إذا صحح بصداق المثل، وقاله الليث، وهو قول الزهرى، وعطاء وحكوه عن أحمد وإسحاق وأبى ثور والطبرى. وأبطله الشافعى ومالك على خلاف عنه فى وقت إبطاله على ما تقدم، ومذهب الأوزاعى على أحد قولى مالك فى إمضائه وفواته بالدخول. وحكى الخطابى - إبطاله عن أحمد وإسحاق وأبى عبيد. وكل من أمضاه يرى فيه صداق المثل. ولا خلاف أن حكم غير الابنتين من الإماء والأخوات وسائر النساء حكم البنتين، وقد ذكر مسلم فى حديث ابن أبى شيبة الأختين. أيضاً، وذكر رواية مسلم قال: إن تفسير الشغار من قول نافع لا من لفظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واختلف إذا سمى فى ذلك صداقاً، فكرهه مالك ورآه من باب الشغار ووجهه لا من صريحه، وبكراهته ومنعه قال الشافعى وغيره، لكنهم فرقوا بينه وبين صريحه، فقالوا:

جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا فات بالبناء مضى وكان لهما صداق المثل. وقال أحمد بن حنبل: إذا كان فى الشغار صداق فليس بشغار، وهو قول الكوفيين، قالوا: ولها ما سمى، وقاله ابن أبى حازم من أصحابنا.

(8) باب الوفاء بالشروط فى النكاح

(8) باب الوفاء بالشروط فى النكاح 63 - (1418) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِىِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ، مَا اسْتَحْلَلتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ ". هَذَا لَفْظ حَدِيثِ أَبِى بَكْرٍ وَابْنِ الْمُثَنَّى. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ الْمُثَنَّى قَالَ: " الشُّرُوطِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أحق الشروط أن يوفى به، ما استحللتم به الفروج " [" أحق " هنا بمعنى: أولى، لا بمعنى الإلزام، عند كافة العلماء وحمله بعضهم على الوجوب] (¬1). قال الإمام: اختلف الناس فيمن تزوج امرأة بشرط ألا يخرجها من بلدها وما أشبه ذلك من الشروط، فقال بعض العلماء: إن ذلك يلزم للحديث المتقدم، فإن علق الشرط بطلاق وعتاق لزم ذلك عند مالك، ولا يلزم عنده إذا لم يعلق بطلاق أو عتق، بل أوقعه شرطًا مجردًا. قال القاضى: واختلف عندنا، هل عقدُه على هذه الصفة مباح أو مكروه؟ فأجازه سحنون ابتداء، وكرهه غيره، وقال مالك: لا يحل ابتداء. وقال بعضهم: يفسخ به النكاح. وتأويل الحديث عند بعض علمائنا: أنه فيما وقع فى ذلك من شرط صداق ونحلة وجهازٍ ومؤنة، مما يدوم به الألفة، وتصلح به الصحبة، لا مما يناقض حكمها ويخالف موضوعها. وقوله: " ما استحللتم به الفروج " مما يؤكد الوفاء بها؛ إذ لكل شرط شرطته المرأة على زوجها حق فى استحلال فرجها، وقد يحتج به من يوجب الوفاء بها ويلزمه. وقوله - عليه السلام -: " كل شرطٍ ليس فى كتاب الله فهو باطل " يرد قولهم. ووقع فى آخر هذا الحديث قول مسلم: هذا لفظ حديث أبى بكر وابن المثنى، غير أن ابن مثنى قال: " الشروط ". كذا فى روايتنا عن شيوخنا وفى بعض النسخ " ابن نمير " فى الموضعين مكان " ابن مثنى "، ويشبه أن يكون الصحيح أحد الوجهين، فإن أول سند الحديث عن ابن نمير وابن مثنى وغيرهما. ¬

_ (¬1) زاد القاضى هذه العبارة عما فى المعلم.

(9) باب استئذان الثيب فى النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت

(9) باب استئذان الثيب فى النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت 64 - (1419) حدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأمَرَ، وَلَا تُنْكَح الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأذَنَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: " أَنْ تَسْكُتَ ". (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِى عُثْمَانَ. ح وَحَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - عَنِ الأَوْزَاعِىِّ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَان. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ. بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ هِشَامٍ وَإِسْنَادِهِ. وَاتَّفَقَ لَفْظُ حَدِيثِ هِشَامٍ وَشَيْبَانَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ. فِى هَذَا الحَدِيثِ. 65 - (1420) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بْنُ إدْرِيس، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ. سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى مُلَيْكَةَ يَقُولُ: قَالَ ذَكْوَان مَوْلَى عَائِشَةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُها أَهْلُهَا، أَتُسْتَأمَرُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ، تَسْتأمَرُ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلَتُ لَهُ: فَإِنَّهَا تَسْتَحْيى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَذَلِكَ إِذْنُهَا إِذَا هِىَ سَكَتَتْ ". 66 - (4121) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ. قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن فى نفسها [وإذنها

وَالْبِكْرُ تُسْتَأذَنُ فِى نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا "؟ قَالَ: نَعمْ. 67 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانٌ، عَنْ زِيَادٍ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الْفَضْلِ، سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الثَّيَبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ صماتها] (¬1) "، وفى حديث آخر: " الثيب أحق بنفسها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها "، وفى بعض طرقه: " والبكر يستأذنها أبوها فى نفسها، وإذنها صماتها "، قال الإمام: الأيم هاهنا: هى الثيب خاصة، والأيم فى غير هذا: التى مات زوجها أو طلقها، ومنه قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى منكم} (¬2) والبكر: التى لا زوج لها أيم أيضاً، وكذلك الرجل الذى لا امرأة له، ويقال: تأيمت المرأة: إذا أقامت لا تتزوج. وأنشد ثعلب: وقولا لها يا حبذا أنت هل ... بدا لها أو أرادت بعدنا أن تأيما قال أبو عبيد: يقال: رجل أيّم وامرأة أيّم، وإنما قيل ذلك للمرأة؛ لأن أكثر ما يكون فى النساء فهو كالمستعار فى الرجال. يقال: أيمٌ بين الأَيَمة، ويقال: الغزو مأيمة، أى يقتل الرجال فيصير نساؤهم أيامى، وقد آمت تئيم وإمت أنا، قال الشاعر: لقد أمت حتى لامنى كل صاحب ... رجاء بسلمى أن يئيم كما إمت وفى الحديث: كان يتعوذ من الأيمة، والعيمة والغيمة. فالأيمة أن يطول العُزبة، والعيمة شدة الشوق إلى اللبن. يقال: ماله آم وعام، أى فارق امرأته وذهب لبنه. والغيمة شدة العطش. قال القاضى: وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام صحيح من روايات الثقات، وإن اختلفت ألفاظهم فى بعضه من قولهم: الأيّم. وقال بعضهم: والثيب مفسرًا [وفى رواية بعضهم " اليتيمة " مكان " البكر " مفسّرًا أيضاً، ولم يذكره مسلم] (¬3)، وقد رواه شعبة كذا عند مالك، وعن مالك: رواه أكثر أقرانه ومن هو أكبر منهم، مثل أبى حنيفة، والليث ابن سعد وشعبة والثورى، وابن عيينة. وقد رواه مسلم أيضاً عن ابن عيينة عن زياد بن سعد بمثل تقييد مالك. واختلف فى معنى الأيّم هنا، مع اتفاق أهل اللغة أنه ينطلق على كل امرأة لا زوج لها، كانت صغيرة أو كبيرة، أو بكرًا أو ثيبًا. قاله الحربى وإسماعيل القاضى وغيرهما. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) النور: 32. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

68 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " الثَّيِّبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأيمة العزبة، ورجل أيّم وامرأة أيّم، وحكى أبو عبيد: أيّمةٌ، وحكى الحربى عن ابن الأعرابى فيما تقدم من قولهم: الغزو مأيمةٌ، ينبغى أن تكون ما أمه. ثم اختلف العلماء ما المراد بهذا الحديث؟ فذهب علماء الحجاز وكافة الفقهاء إلى أن المراد بها هاهنا: الثيب التى فارقها زوجها، واستدلوا بأنه أكثر استعمالاً فيمن فارق زوجه بموت أو طلاق، وبرواية الأثبات أيضاً فيه الثيب مفسرًا، وبمقابلته بقوله: " والبكر تستأمر فى نفسها ". فدل أن الأول من عدا البكر وهى الثيب، وأنه لو كان المراد بالأيّم كل من لا زوج له من الأبكار وغيرهن، وأن جميعهن أحق بأنفسهن، لم يكن لتفصيل الأيّم من البكر معنىً. وذهب الكوفيون وزفر إلى أن الأيّم هنا ينطلق على ظاهره فى اللغة، وأن كل امرأة - بكرًا أو ثيبًا - إذا بلغت أحق بنفسها من وليها، وعقدها على نفسها جائز. وهو قول الشعبى والزهرى وزفر، قالوا: وليس الولى من أركان صحة العقد، ولكن من تمامه [وجماله. وحجتهم: معنى اللفظ فى اللغة فى الأيّم] (¬1)، ولقوله: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} (¬2)، وذلك يصح من كل من لا زوج له. وقال الأوزاعى ومحمد بن الحسن وأبو يوسف: إن صحة العقد موقوف على إجازة القاضى. واختلف أيضاً فى قوله: " أحق من وليها " ما هو؟ هل هو بالإذن فقط، أو بالعقد والإذن؟ [فعند الكافة بالإذن لا غير، وعند هؤلاء: العقد والإذن] (¬3)، قال القاضى إسماعيل: لم يدخل الأب فى جملة الأولياء المذكورين فى الحديث؛ لأن أمره فى ولده أرفع، يعنى بقوله فى البكر، وقوله: " تستأمر فى نفسها " وهو قول مالك من رواية جماعةٍ، وأن المراد به هنا، اليتيمة، وحمل غيره الاستئمار هنا والاستئذان فى البكر على ظاهره فى ذوات الآباء، وأنه على الندب والترغيب لا على الوجوب، وروى - أيضاً - نحوه عن مالك، وقاله الشافعى وأحمد وإسحاق وابن أبى ليلى وغيرهم. وقال الكوفيون والأوزاعى يلزم ذلك فى كل بكرٍ. قال إسماعيل القاضى: فى الحديث معنيان: أحدهما: أن الأيامى كلهن أحق بأنفسهن من أوليائهن، وهم من عدا الأب من الأولياء. والثانى: تعليم الناس كيف تستأذن البكر. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) النور: 32. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتأذِنُهَا أَبُوهَا فِى نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتَهَا " وَرُبَّمَا قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال غيره: يحتمل قوله: " الأيّم أحق بنفسها ": فى كل من عقدٍ وغيره، كما قال داود وأبو حنيفة، ويحتمل أنه أراد أنها أحق بالرضا بخلاف البكر فى الأب، لكن لما قال - عليه السلام -: " أيما امرأةٍ نكحت بغير ولى فنكاحها باطل " (¬1) وقوله: " لا نكاح إلا بولى " (¬2) دل أن المراد بقوله: " أحق بنفسها " أنه الرضا دون العقد، وحق الولى فى العقد. ودل قوله: " أحق بنفسها من وليها " أن وليها فى إنكاحها حقًا، لكن حقها هى أكثر؛ لأن لفظة " أفعل ": تقتضى المفاضلة مع المشاركة، وحقها: هو أنه لا يتم ذلك إلا برضاها. وقوله: " وإذنها صماتها " اختلف فى مذهبنا، هل من شرط ذلك إعلامها بأن إذنها صماتها أم لا؟ مع اتفاقهم على استحباب ذلك وهو حكم ذات الأب عند من تقدم، واليتيمة عند الجمهور، وحكى الاسفرايينى قولاً لأصحابه: أن اليتيمة لابد لها من النطق بالرضا بخلاف ذات الأب. قال الخطابى: وذات الجد، وحكاه عن الشافعى. قال الإمام: اختلف الناس فى افتقار النكاح إلى ولىّ، فأوجبه مالك على الإطلاق، وأوجبه داود فى البكر خاصة، وأسقطه أبو حنيفة فى الثيبات وفى الأبكار البوالغ الجائزات الأمر. واعتبر أبو ثور إذن الولى خاصة. فلمالك قول الله تعالى: {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬3) فخاطب الأولياء ولو لم يكن لهم فى ذلك حق لما خطابهم بذلك، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " لا نكاح إلا بولى " وقد قال بعض أهل العلم: إن لفظ النهى للذات الواقعة إذا ورد فى الشرع، فإنه وإن حمل على نفى الكمال أو تردد بينه وبين الجواز - على ما سبق القول فيه قبل هذا - فإن ذلك إنما يكون فى العبادات التى لها موقعان، موقع إجزاء، وموقع كمالٍ. وأما النكاح والمعاملات فليس لها إلا موقع واحد وهو نفى الصحة. وأما داود فله قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الثيب [أحق بنفسها " الحديث المتقدم، ففرق فيه بين البكر والثيب] (¬4)، فلو كانا يستويان فى افتقارهما إلى الولاية لم يكن للتفرقة معنى، وقد نص فى الثيب أنها أحق بنفسها من وليها، وفى البكر أنها تستأمر، وهذا نص ما ¬

_ (¬1) الدارمى فى سننه، ك النكاح، ب النهى عن النكاح بغير ولى 2/ 137 عن عائشة. (¬2) الدارمى ك النكاح، ب النهى عن النكاح بغير ولى 2/ 137 عن أبى بردة عن أبيه. (¬3) البقرة: 221. (¬4) فى هامش ع.

" وصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذهب إليه من التفرقة. وأجاب أصحابنا عن ذلك: بأن المراد أنها أحق بنفسها فى تعيين الأزواج لا فى تولى العقد، كما قال داود: إنها أحق فيهما جميعاً. قال أصحابنا: والدليل لما قلناه: أن لفظة " أحق " من أبنية المبالغة وذلك يشعر بأن للولى حقاً ما معها، وليس إلا ما قلناه من تولى العقد. وأما أبو حنيفة فله القياس على البياعات، فإنها تنعقد وإن باشرتها المرأة بنفسها، وكذلك إجازتها لنفسها. وإذا ثبت أن بيعها وإجارتها لا يفتقر إلى ولاية، [والنكاح لا يخلو أن يكون بيعًا أو إجارة، وأى ذلك كان وجب ألا يفتقر إلى ولاية] (¬1) قياسًا على ما قلناه، وتحمل الظواهر الواردة بإثبات الولاية على الأمة والبكر الصغيرة، ويخص عمومها بهذا القياس وتخصيص العموم بالقياس مختلف فيه عند أهل الأصول. وأما أبو ثور فله قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل؛ فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له "، ودليل هذا الخطاب: أنها إذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح، وأيضاً فإن الولى إنما أثبت لما يلحقه من المعرة بأن تضع نفسها فى غير كفء، فإذا أذن سقط حقه فى ذلك، فلا معنى لتوليه العقد. والولى إذا تولى العقد تولاه على قسمين: أحدهما: يفتقر إلى إذن المنكحة. الثانى: لا يفتقر إلى ذلك. فأما الذى يفتقر إلى ذلك فالعقد على سائر الثيبات إلا ذات الأب إذا تثيبت قبل البلوغ، ففى افتقار عقد أبيها إلى استئذانها ثلاثة أقوال عندنا: إثباته على الإطلاق، [وإسقاطه على الإطلاق] (¬2)، وإثباته ما لم تبلغ فإذا بلغت سقط. وأما التى تثيبت بعد البلوغ فلا أعلم خلافاً بين الأئمة أنها لا تجبر، إلا شيئًا ذكر عن الحسن أن الأب يجبرها على الإطلاق، ولعله أراد التى تثيبت قبل البلوغ. وأما الذى لا يفتقر إلى إذن، فالسيد فى أمته، والأب فى ابنته البكر قبل أن تبلغ عند سائر العلماء، إلا من شذ منهم، ورأيت بعض العلماء حكى الاتفاق فى ذلك، والرد على هؤلاء الشواذ إن لم يثبت الاتفاق قبلهم قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيض} إلى قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْن} (¬3) فأثبت من لم تحض من نسائنا، فدل على صحة العقد عليها قبل البلوغ؛ إذ غير البالغ لا يصح منها أن تعقد. وهذا الجبر مختص بالآباء، فأما غيرهم من الأولياء فلا يملكون جبر هذه البكر، وإن كانت يتيمة على المشهور من المذهب عندنا. وعندنا قول شاذ: أن لغير الأب من الأولياء ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬3) الطلاق: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جبر البكر اليتيمة قياساً على الأب. وأما إذا بلغت البكر فجبر الأب إياها ثابت عندنا وعند الشافعى، استصحاباً لما اتفق عليه من ذلك، ولما ثبت بالدليل قبل البلوغ. وقال أبو حنيفة: لا يجبرها الأب إذا بلغت لما وقع هاهنا فى كتاب مسلم من قوله: " يستأمرها أبوها "، ويحمل هذا عندنا على الندب، وقد قال أبو داود: أبوها ليس بمحفوظ (¬1) فى هذا الحديث؛ لأن قوله: " الثيب أحق بنفسها " دليله أن البكر لا تكون أحق بنفسها، وقد جعل البكر البالغ أحق بنفسها كالثيب، وهذا ينافى دليل الخطاب الذى قلناه. فأما إذا عنَّستْ البكر فى بيت أبيها، فالمذهب عندنا على قولين فى جبره إياها على النكاح، فمن رأى أن العلة فى الجبر مجرد البكارة أثبته هاهنا لوجودها. ومن رأى أن العلة جهل البكر الصغيرة بالأمور نفاه هاهنا، لمعرفة هذه الأمور؛ لكبر سنها. وإذا كانت الثيوبة من زنًا، فالمذهب أيضاً عندنا على قولين فى تأثيرها فى رفع الجبر، فمن رأى أن الثيوبة من مجردها علة فى إسقاط الجبر أسقطه هاهنا. ومن رأى أنها تكون علة إذا انضاف إليها وصف آخر - وهو أن يكون بنكاح أو شبهة نكاح لم يسقط الجبر هاهنا. والولاية على قسمين: عامة وخاصة. فالعامة: ولاية الإسلام. والخاصة: ولاية النسب أو ما حل محله كالوصى أو ما تشبه به كالولى الأعلى، أو ما أقاله الشرع نائباً عنه كالسلطان. فولاية النسب أولى بالتقدمة من هذه الولايات المذكورة، إلا أن يكون وصّى من قبل الأب، ففى تقدمته فى البكر على أولياء النسب خلاف عندنا. وإنما دخل الولى لينفى عن نفسه المعرة أن تضع نفسها فى غير كفء. والمشهور عندنا أن الكفاءة معتبرة بالدين دون النسب. وفى اعتبار اليسار من الزوج فى الموسرة، واعتبار الحرية الأصلية فى متزوج العربية اضطراب فى المذهب. وحديث فاطمة بنت قيس فى تزويجها أسامة، وضباعة فى تزويجها المقداد بن الأسود - ردّ على من يقول: إن النكاح يفسخ. وقد حكى [أبو حامدٍ] (¬2) عن ابن الماجشون من أصحابنا: أنها إذا تزوجت غير كفء فسخ النكاح وإن رضوا أجمعون، ولعله يريد: إذا تزوجت فاسد الدين، ممن يغلب ¬

_ (¬1) أبو داود، ك النكاح، ب فى الثيب (2099) عن عبد الله بن الفضل. (¬2) فى هامش ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الظن أنه يفسد دينها، فيصير ذلك حقًا لله سبحانه، فيفسخ حينئذ. ولو تزوجت بغير ولى والزوجان يعتقدان إباحة ذلك أو يجهلان الحكم فيها، لم يكن فى ذلك حد. ولو كانا يعتقدان تحريم ذلك لم يكن فى ذلك حد أيضاً، إلا عند الصيرفى من أصحاب الشافعى فإنه [رأى] (¬1) فيه الحد وطرد. وقوله: ألا يكون فيه صداق ولا يلحق فيه نسبٌ، وحجته قوله: الزانية التى تنكح نفسها. ويحتج بأن النبيذ يحد شاربه ولا يرفع عنه الحد وجود الخلاف فيه، ومجمل قوله: الزانية التى تنكح نفسها على المبالغة عندنا فى التشبيه وشدة الزجر، لقوله فى حديث آخر فيمن تزوجت بغير إذن وليها: " فإن أصابها فلها مهرها ". وأما النبيذ فإنما لم يعتبر الخلاف فيه؛ لأن شاربه يحد وإن اعتقد تحليله، ولو اعتقد هذا تحليل النكاح بغير ولى ما حد، وقد قال بعض الناس: إنما حد شارب النبيذ وإن اعتقد تحليله؛ لأنها من مسائل الأصول التى لا يسوغ فيها طرق الاجتهاد المختلفة، وهذا عندى فيه نظر، وإثباتها من مسائل الأصول قد يعسر. وقال أبو حامد: النكاح بغير ولى له أصلان: أحدها الزنا. والآخر: النكاح الصحيح. والنكاح بغير ولى وقع جنسه صحيحًا، وإنما فسد للإخلال ببعض شروطه، والنبيذ ليس له أصل محلل يُرَد إليه، ولا أصله الإباحة، فحرم للإخلال ببعض شروطه، فلهذا افترقا فى الحد عندهم. قال القاضى: ناقض داود فى استعمال هذه الأحاديث أصله فى موضعين، فقضى بالمفسر منها على المجمل على طريق الكافة، وترك ظاهر اللفظ على مذهبه وليس من أصله، فخالف أبا حنيفة ومن قال بقوله فى البكر: أنها لا يعقد عليها إلا الولى، لعموم قوله: " لا نكاح الا بولى "، ووافقهم فى الثيب، لظاهر قوله: " هى أحق بنفسها من وليها "، وأصله فى مثل هذه الظواهر: إذا تعارضت طرحها، والرجوع إلى أستصحاب حال الأصل قبل ورود الشرع. فهذا موضع واحد ناقض فيه أصله. والآخر: أن مذهبه: أن إحداث قول ثالثٍ فى مسألة الخلاف فيها على قولين خرق إجماع، وهو مذهب بعض أهل الأصول، وقوله هو - هذا فى التفريق بين البكر والثيب - فى اشراط الولى فى العقد، وكونه ركناً من أركان صحة العقد فى البكر دون الثيب قولٌ لم يقلهُ قبله غيره، وإنما الخلاف فى أن ذلك فى الجميع لازم أو غير لازم. واتفقوا أن المراد بالولى فى هذا الحديث ذو الولاية الخاصة دون العامة. ثم اختلف القائلون باشتراط الولى فى صحة عقد النكاح، أو استحبابه من هو؟ أهو ولى الديانة عمومًا أو ولى النسب وما فى معناه من الولاء والوصاء خصوصًا؟ ثم الرجوع ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لولاية الديانة أو الحكم إنما يكون عند عدم ذلك، فمشهور مذهب مالك اشتراط ولاية القرابة، ومراعاة الأقعد فالأقعد، وهو قول الشافعى والليث بن سعد. وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور فى اشتراط ولى النسب نحوه، إلا أن أبا ثور قال: كل من يقع عليه اسم ولى فله أن ينكح، ولم يجعل للقعود حقًا. وقاله بعض أصحابنا، وحجتهم: قول عمر: " لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذى الرأى من أهلها أو السلطان " فحملوه على التسوية، وحمله الآخرون على الترتيب، قالوا كلهم: ويفسخ إذا وقع بغير ولى خاصٍ، وليس للولى الخاص إجازته. وحكى البغداديون عن مالكٍ قولاً آخر: أن ولاية الديانة ولاية فى كل أحد يمضى عقدها، وليس للولى الخاص فسخه، وقاله أبو حنيفة ومن وافقه ممن يستحب الولى، ولا يوجبه إلا أن تضع المرأة نفسها فى غير كفءٍ، فللولى فسخه عندهم للمعرة. وعلى هذا الخلاف يأتى توقف مالكٍ فى فسخه وإجازته فى المدونة على اختلاف لفظه والتأويل عليه، وعليه يأتى اختلاف أصحابه فى منع الولى من إجازته أو إباحة ذلك له، ومراعاة طول الدخول والإقامة عند بعضهم أو قربها. وهل الولاية من حقوق الله؟ فلا يلتفت إلى إمضاء الولى، أو من حقوق الولى؟ فيلتفت إلى ذلك، ولكثرة الاختلاف فى ذلك ومراعاته إذا نزل. وكذلك اختلف المذهب عندنا فى إنكاح الأبعد، مع وجود الأقعد مراعاة للخلاف، وهل تقديمه لقعدده (¬1) من حقوق الله فيفسخ على كل حالٍ، وهو قول المغيرة، أو من حقوق الولى فيكون له الخيار فى إمضائه أو رده، وبه قال جماعة منهم، أو من باب الأولى والأكمل فلا يكون له اعتراض فيه إذا وقع، وهو قول مالكٍ وقول الصحابة. وهذا كله فيمن عدا الأب فى ابنته البكر، والسيد في أمته، فلا خلاف فى أن لهما فسخ ما عقد بغير إذنهما واختلف هل لهما إجازته؟ فعندنا فى ذلك قولان، وعن مالك قول ثالث مشهور فى التفريق بين الشريفة والدنية (¬2) فأمضى ولاية الديانة فى الدنية وعند الضرورة فيها، ولم يمضها فى الشريفة وذات القدر، فلم يحك عن غيره مثله. واختلف مذهبنا من هم الأولياء الذين إليهم الإنكاح؟ أهم البطن أم الفخذ أم العشيرة أم العصبة؟ واختلف هل الولد من الأولياء الخاصة إذا لم يكن من عصبتها أم لا؟ فعندنا أنه ولى بكل حال. ¬

_ (¬1) القعدد: المراد به أقرب الأولياه وأقعدهم بها. راجع الاستذكار 16/ 38. (¬2) قال ابن عبد البر: ولا أعلم أحداً فرق بين الشريفة ذات الحسب والمال، ولا الدنيَّة التى لا حسب لها ولا مال إلا مالكاً فى رواية ابن القاسم وغيره عنه. السابق 16/ 47.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف فى تقديمه على الأب أو تقديم الأب عليه، وقال الخطابى: ليس بولى إلا أن يكون من العصبة، وقال أبو عمر: اختلفوا فى غير العصبة كالوصى [وذى] (¬1) الرأى والسلطان، مع اتفاقهم أن السلطان ولى من لا ولى له. ولا خلاف عندنا أن الوصى كالولى، وإنما اختلف من أحق بعقد نكاح البكر؟ هو أو الولى؟ كما تقدم. وأما الثيب فكلاهما ولىٌ لها وليس له. وفى قوله: " وليها ": ظاهره استواء الأنثى والذكر فى الولاية إذا كان له النظر عليها، وألا تنكح إلا بإذنهما ورأيهما؛ إذ لفظ " الولى " يقع للأنثى والذكر سواء كلفظ الوصى، وأن ذلك إنما يكون ممن له الرأى؛ ولهذا لا يجوز عند كافة من اشترط الولاية عقد الولى غير البالغ ولا العبد، ولا المجنون، ولا الكافر، ولا غير الرشيد. وكذلك فى معنى مراعاة الولى للذب عن حرمته والغيرة على عورته فى قوله: " لا نكاح إلا بولى " ما يشعر أنه بولى مخصوص بالرجال دون النساء، ولأنهم القوامون عليهن. ولا خلاف بين الحجازيين فى ذلك، إلا أنه روى عن مالك: أنها إن عقدت على الذكور مضى بخلاف الإناث. وعمدة مذهبه أنها لا تعقد على ذكر ولا أنثى، وكذلك عموم الولاية يقتضى كون ذلك الكافر فى ابنته الكافرة وفى أمته، وفى ذلك خلاف عندنا، والمشهور جوازه فى الأمة بحق الملك ومنعه فى الحرة، وكذلك اشترط الشافعى فيها العدالة وأبطلها بالفسق، وليس العدالة من شروطها عندنا على المشهور. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

(10) باب تزويج الأب البكر الصغيرة

(10) باب تزويج الأب البكر الصغيرة 69 - (1422) حّدثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: وَجَدْتُ فِى كِتَابِى عَنْ أَبِى أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتِّ سَنِينَ، وَبَنَى بِى وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. قَالَتْ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْرًا؛ فَوَفَى شَعْرِى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِى أُمُّ رُومَانَ، وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ، وَمَعِى صَوَاحِبِى، فَصَرَخَتْ بِى فَأَتَيْتُهَا، وَمَا أَدْرِى مَا تُرِيدُ بِى، فَأَخَذَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " تزوجنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا بنت ست سنين، وبنى بى [وأنا] (¬1) بنت تسع " الحديث، قال الإمام: رأيت لابن حنبل أنه جعل التسع سنين حداً للسن الذى يزوج فيه الأولياء البكر اليتيمة إذا رضيت؛ لأجل حديث عائشة هذا. وهذا لا معنى له، إلا أن يريد [أنه] (¬2) السن الذى تميز فيه ويعتد برضاها، أو يكون أراد أن هذا السن قد تحيض فيه بعض الجوارى. قال القاضى: قد التفت مالك إلى نحو هذا بشريطة الضرورة في صبيةٍ بنت عشر سنين تتكفف الناس، فقال: لا بأس أن تزوج برضاها وإن كانت لم تنبت. وحديث عائشة هذا أصل فى جبر الآباء بناتهن الأبكار وتزويج الصغار منهن. ولا خلاف بين العلماء فى جواز تزويج الأب ابنته الصغيرة التى لا يوطأ مثلها، ثم لا خيار لها فى ذلك إذا بلغت عند مالك والشافعى وفقهاء أهل الحجاز. وذهب أهل العراق إلى أن لها الخيار إذا بلغت. واختلف فى غير الأب، فمنع مالك والشافعى تزويج غير الأب من الأوصياء والأولياء صغار اليتامى، وهو أحد قول أحمد، وقاله الثورى وابن أبى ليلى وأبو ثور وأبو عبيد، واستثنى الشافعى من الأولياء الجد وجعله كالأب، قالوا: ويفسخ النكاح إذا وقع. واختلف عندنا إذا لم ينظر فيه حتى بلغت، هل يفسخ أبداً أم يفوت بالدخول؟ وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعى وجماعةٍ من السلف: يجوز ذلك ولها الخيار إذا بلغت، إلا أبا يوسف فقال: لا خيار لها، قالوا: ولا يزوجها وصىّ إلا أن يكون ولياً. وحكى ¬

_ (¬1) و (¬2) سقطتا من الأصل، واستدركتا بالهامش.

بِيَدِى، فَأَوْقَفَتْنِى عَلَى الْبَابِ. فَقُلْتُ: هَهْ هَهْ، حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِى. فَأَدْخَلَتْنِى بَيْتًا، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِى إِلَيْهِنَّ. فَغَسَلْنَ رَأسِى وَأَصْلَحْنَنِى، فَلَمْ يَرُعْنِى إِلا وَرَسُوَلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى، فَأَسْلَمْنَنِى إِلَيْهِ. 70 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِائِشةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِى وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطابى عن مالك وحماد بن أبى سليمان: للوصى أن يزوجها قبل البلوغ، وقاله شريح وعروة بن الزبير. وهذا الحديث أصل فى حد وقت الدخول إذا حصل التشاجر فى ذلك، فأوجب طائفة إجبار بنت تسع سنين على الدخول، وهو قول أحمد وأبى عبيد، وقال مالك والشافعى: حد ذلك أن تطيق الرجل، قال الشافعى: وتقارب البلوغ. قال أبو حنيفة: حد ذلك إطاقة الرجال وإن لم تبلغ التسع، ولأجلها منع زوجها منها إذا لم تطق ذلك وإن بلغت التسع، وهو نحو قول مالك. وحكم الزوج - أيضاً - فى ضمها والنفقة عليها حكم هذا، فحيث تجبر على الدخول يجبر هو على الإنفاق. قال الداودى: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً. وقولها: " فوعكت شهراً فوفى شعرى جُمَيَمةً ": أى كمل وانتهى لتمعطه بالمرض. والوعك: ألم الحمى، والأرجوحة: خشبة يلعب عليها الغلمان والجوارى، يوضع وسطها على مكان مرتفع، ويجلسون على طرفيها ويتحركون بها، فترتفع جهة وتنزل الأخرى، وتميل أحدهما بالآخر. وقولها: " فقلت هَهْ هَهْ ": حكاية صوت المبْهُور لأجل الترجح على الخشبة، ألا تراها كيف قالت بعده: " حتى ذهب نفسى " بفتح الفاء. وقول النساء لها: " على الخير والبركة وأيمن طائر ": فيه حجة لما يقال للمتزوج. وفى الحديث الآخر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رواية معاذ نحوه، وأنه دعا لرجل من الأنصار شهد إملاكه. فقال: " على الألفة والخير والطائر الميمون والسعة فى الرزق بارك الله لكم ". وروى عنه كراهة قول العرب فى ذلك: بالرفاء والبنين. وقال - عليه السلام - لابن

71 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهْىَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّت إِلَيْهِ وَهِىَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهْىَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ. 72 - (...) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْىَ بِنْتُ سِتٍّ، وَبَنَى بِهَا وَهْىَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهْىَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عوف: " بارك الله عليك، أولم ولو بشاة " (¬1) وفى حديث آخر: أنه قال: " بارك الله لكم وعليكم ". ومعنى الطائر هنا: الحظ، أى أيمن حظ وأفضله. يقال للحظ من الخير والشر: طائر، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِه} (¬2)، وقيل فى قوله تعالى: {طَائِرُكُم مَّعَكُم} (¬3) أى المقدور لكم من البخت والحظ. وقال الداودى: معناه: على خير ما يأتى ويُرجى؛ لأنهم كانوا ربما سرّهم استقبال الطائر إياهم واستبشروا به. قال القاضى: وأصله مستعار مما كانت العرب تتعيّفُ به وتتفال من الطير السائح والبارح، وليس كل ما استقبلهم كانوا يسرون به، وسيأتى الكلام عليه فى موضعه من الكتاب. وقولها: " فغسلن رأسى، وأصلحننى ": فيه جواز تزيين المرأة لزوجها، وجواز اجتماع النساء لذلك، ولما فيه من شهرة النكاح والدخول وهو مما يجب إشهاره وحضور النساء له، فقد يحتاج إليهن فى نوازل الأحكام. وقولها: " فلم يرعنى إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحى فأسلمننى إليه ": أى لم يفزعنى. والروع: الفزع، ويستعمل فى كل أمر يطرأ على الإنسان فجأة، من خير أو شر، فيرتاع لفجأته. وفيه جواز الابتناء بالأهل بالنهار، وعليه ترجم البخارى فى باب: الابتناء بالنهار بغير مركب ولا نيران (¬4). قال بعضهم: كلما اشتهر النكاح بمركب أو نيران كان أولى، ويكفى فى ذلك الإعلان. ومعنى النيران - والله أعلم - الولائم، كما قال فى الحديث الآخر: " أو يرى دخان أو كثرة السرج عند الزفاف بالليل "، والله أعلم. وقولها: " ومعها لعبها ": أى البنات التى يلعب بها الجوارى، يُريد: لِصغر سنها. فيه جواز اتخاذهن وإباحة لعب الجوارى بهن، وقد جاء فى الحديث الآخر رؤية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

_ (¬1) سيأتى قريباً برقم (79) بالباب بعد التالى. (¬2) الإسراء: 13. (¬3) يس: 19. (¬4) البخارى، ك النكاح، ب الابتناء بالنهار من غير مركب ولا نيران. الفتح 9/ 224.

(11) باب استحباب التزوج والتزويج فى شوال واستحباب الدخول فيه

(11) باب استحباب التزوج والتزويج فى شوال واستحباب الدخول فيه 73 - (1423) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى شَوَّالٍ، وَبَنَى بِى فِى شَوَّالٍ فَأَىُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّى قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِى شَوَّالٍ. (...) وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلَ عَائِشَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لذلك، وإقراره عليه. قالوا: لما فى ذلك من تدريبهن لتربية الأولاد وإصلاح شأنهن وبيوتهن. وقولها: " تزوجنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شوال، وبنى بى فى شوال، فأى نسائه كان أحظى عنده منى "، " وكانت تستحب أن يدخل نساؤها فى شوال ": كانت الجاهلية تكره هذا وتطير من ذلك؛ لما فى اسم شوال من قولهم: شالت نعامتهم، وشالت النوق بأذنابها: إذا رفعتها. وفيه إجبار الرجل ابنته على النكاح وتزويج الصغار.

(12) باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها

(12) باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها 74 - (1424) حدثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثنَا سُفْيانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْد النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتاهُ رَجُلٌ فَأَخْبرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصارِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ ". قَالَ: لا. قَالَ: " فَاذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِى أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا ". 75 - (...) وحدثنى يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا مَرْوانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن كَيْسَانَ عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِى عُيُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: للمتزوج: " اذهب فانظر إليها، فإن فى أعين الأنصار شيئاً "، قال الإمام: محمل هذا عندنا على أنه إنما ينظر عند التزويج إلى ما ليس بعورة منها كالوجه والكفين (¬1)؛ لأن ذلك ليس بمحرم على غيره، إلا إذا كانت شابةً فيمنع الغير من ذلك خوف الفتنة، لا لأجل العورة. وكره له مالك أن يستغفلها، ومعناه: أن ينظر إليها على غفلة وغرة من حيث لا تشعر، مخافة أن يطلع على عورتها. قال القاضى: هذا كله من [باب] (¬2) جواز النظر إليها قول مالك والشافعى وأحمد والكوفيين وجمهور العلماء. وقال الأوزاعى: ينظر إليها ويجتهد، وينظر مواضع اللحم منها. قال الشافعى وأحمد: وسواء بإذنها أو بغير إذنها إذا كانت مُسترة، وحكى بعض شيوخنا تاويلاً على قول مالك: أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها، لأنه حق لها وليس ببينٍ. ولا يجوز عندهم أن ينظر إلى عورتها، ولا وهى حاسرةٌ. وكره آخرون ذلك كله. والسنة تقضى عليهم مع الإجماع على جواز النظر للحاجة كالشهادة وغيرها. وأجاز داود أن ينظر إلى سائر جسدها تمسكاً بظاهر اللفظ، وأصول السنة أيضاً ترد عليهم. وقوله: " فإن فى أعين الأنصار شيئاً ": دليل على أن مثل هذا وقوله على الجملة دون تعيين ليس بغيبة، مع أيضاً أن قوله للنصيحة والتعريف خارج عن باب الغيبة، وأدخل ¬

_ (¬1) فى ع: اليدين. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

الأَنْصَارِ شَيْئًا " قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. قَالَ: " عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتهَا؟ ". قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ كأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِى بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ ". قَالَ: فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِى عَبْسٍ. بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى باب ما أمر به المسلمون من النصيحة لهم. وقوله: " كأنما تنحتون الفضة من عُرض هذا الجبل " بضم العين: أى تقشرون وتقطعون. والنّحات: النجار؛ لأنه يقشر الخشب بعضه عن بعض. قال الإمام: وعُرض الجبل والحائط وغيرهما: ما واجهك منه، وعُرض الشىء: ناحيته. قال القاضى: قال الحربى وغيره: العُرض: صفح الجبل وناحيته، وعرض المال والبحر والنهر: وسطه، وعرض الشىء: نفسه ويكون وسطه، وقعدت فى عرض الناس، أى وسطهم.

(13) باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير. واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به

(13) باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير. واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به 76 - (1425) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهلِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِى. فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأطَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ. فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا، جَلَسَتْ. فَقَامَ رجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ: " فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَىْءٍ؟ ". فَقَالَ: لا، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث التى جاءت تهب نفسها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، معناه: على وجه النكاح. واختص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهبة فى النكاح لقوله تعالى: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِين} (¬1). وقوله: " فنظر إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصعّد النظر وصوبه ثم طأطأ رأسه ": دليل على جواز النظر للمتزوج وتكراره وتأمل المحاسن على ما تقدم وأما النظرة الأولى فمباحة للجميع. وقوله: " فقال رجل: إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها " على ما تقدم، ولم يقل: فهبنيها؛ إذ ذلك خالص له - عليه السلام. قال الإمام: قال بعض الأئمة: فيه دليل على أن الهبة لا تدخل فى ملك الموهوب إلا بالقبول؛ لأن الموهوبة كانت جائزة للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد وهبتْ هذه نفسها فلم تصر زوجة بذلك، قاله الشافعى. قال القاضى: اختلف قول مالك فى الواهبة نفسها باسم النكاح على غير صداق إذا فات بالدخول، هل يفسخ أَو لا؟ ولا يختلف أنه يفسخ، قبلُ على المعروف دون الشاذ: أنه كنكاح التفويض، وقال ابن حبيب: إن عنى بالهبة غير النكاح ولم يعنِ به هبة ¬

_ (¬1) الأحزاب: 50.

" اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ ". فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ. فَقَالَ: لا، وَاللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْظُرْ وَلَوْ خَاتِمُ مِنْ حَدِيدٍ ". فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصداق فسخ قبلُ، وثبت بعد الدخول ولها صداق المثل، وإن أراد به نكاحها بغير صداق لم يجز، فإن أصدقها ربع دينار فأكثر لزم، وأوهمَه بعضُ شيوخنا فيما قال، وذلك أن الواهبة نفسها بغير معنى النكاح سفاح يثبت فيه الحد، وإنما الخلاف فيما أريد به النكاح. وفى قول الرجل هذا دليل على جواز الخطبة على الخطبة ما لم يتراكنا، لاسيما مع ما رأى من زهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها. قال الباجى: فيه جواز ذلك إذا كان باستئذان الناكح إذ هو حقه. قال القاضى: وعندى أن الاستدلال بهذا كله هنا ضعيف؛ لأنه لم يكن هنا خطبة إلا من المرأة للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى نفسها، والرجل إنما طلب المرأة وخطبها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يخطبها غيره قبله، حتى يقال: هى خطبة على خطبة. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل معك شىء؟ " وقال فى الموطأ (¬1) وغيره (¬2): " تُصدقها ": دليلٌ أنه لا نكاح إلا بصداق. وقوله: " لا أجد ": دليل على أنه لابد أن يكون الصداق مال بال، ويسمى مالاً دون ما ينطلق عليه اسم شىء، إذ النواةُ والخزفةُ المسعرة وشبه ذلك يقع عليه اسم شىء وهو مما لا يتعذر وجوده، وهم مجمعون على أنه لا يكون مثله صداقاً، ولا يصح به النكاح. وقوله: " التمس ولو خاتماً من حديد "، قال الإمام: تعلق به من أجاز النكاح بأقل من ربع دينار، لأنه خرج مخرج التقليل، ومالك منعه بأقل من ربع دينار، قياساً على القطع فى السرقة. قال القاضى: هذا مما تفرد به مالك التفاتاً؛ لقوله تعالى: {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكم} (¬3)، ولقوله: {وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً} (¬4)، فدل أن المراد مالهُ بالٌ من المال، وأقله ما استبيح به العضو فى السرقة وهو ربع دينار. وكافة العلماء من الحجازيين والمصريين والكوفيين والشاميين وغيرهم على جوازه بما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه مما فيه منفعة كالسوط والنعل ونحوه، وإن كانت ¬

_ (¬1) الموطأ، ك النكاح، ب ما جاء فى الصداق والحباء 2/ 526. (¬2) البخارى، ك النكاح، ب السلطان ولى 7/ 22. (¬3) النساء: 24. (¬4) النساء: 25.

فَقَالَ: لا، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا خَاتِمٌ منْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هذَا إِزَارِى - قَالَ سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاء - فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَىْءُ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَىْء "، فَجَلَسَ الرَّجُلُ، حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَليًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِىَ. فَلَمَّا جَاءَ قَال: " مَاذَا مَعَكَ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيمته أقل من درهم، وهو قول الشافعى وربيعة وأبى الزناد وابن أبى ذئب ويحيى بن سعيد، والليث بن سعد ومسلم بن خالد الزنجي، وسفيان الثورى والأوزاعى وابن أبى ليلى وداود، وفقهاء أصحاب الحديث، وابن وهب من أصحابنا، مع استحباب بعضهم أن يكون مالهُ بالٌ. وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشرة دراهم. وقال ابن شبرمة: أقله خسمة دراهم، اعتباراً - أيضاً - بالقطع فى السرقة عندهما. وكره النخعى أن يتزوج بأقل من أربعين، وقال مرةً: عشرة. قال بعض المالكية: وقوله: " ولو خاتماً من حديد " على طريق المبالغة لا التحديد؛ لقوله أولاً: " لا أجد شيئًا " وإنما المراد بقوله: التمس شيئًا أكثر قيمة من خاتم الحديد؛ إذ نفى الرجل أن يجد شيئًا، ولا ما هو أقل من خاتم الحديد، وقال بعضهم: لعله إنما طلب منه ما يقدمه لا أن يكون جميع مهره خاتم الحديد، وهذا يضعفه أن مذهب مالك استحباب تقديم ربع دينار لا أقل. قالوا: وفيه دليل على جواز اتخاذ خواتم الحديد. وقد اختلف السلف والعلماء فى ذلك، فأجازه بعضهم إذ لم يثبت النهى فيه. ومنعه آخرون وقالوا: كان هذا قبل النهى، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: " حلية أهل النار ". قالوا: ومطالبته له بذلك فى الحين، يدل أن من حكمه تعجيله أو تعجيل ما يصح أن يكون مهراً، ولو ساغ تأخير جميعه لسأله: هل ترجو أن تكسب فى المستقبل شيئاً أو تجده؟ ويزوجه على ذمته. وقوله: لا أجد إلا إزارى وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شىء "، وفى الرواية الأخرى: " جلست لا إزار لك ": دليل على أن إصداق المال تخرجه من يد مالكه، وأن من أصدق جاريةً حرمت عليه. وفيه أن الأثمان المبيعات لا تصح إلا بصحة تسليمها أو إمكانه، فمتى لم يمكن ذلك وامتنع لم ينعقد فيه بيع ولا به، سواء كان امتناع ذلك حساً كالطير فى الهواء، والحوت فى الماء، والآبق والشارد، أو شرعاً كالمرهون، ومثل هذا الذى لو أزال إزاره انكشف.

القُرْآنِ؟ ". قَالَ: مَعِى سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّدَهَا - فَقَالَ: " تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ". هَذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِى حَازِمٍ. وَحَدِيثُ يَعْقُوبَ يُقَارُبهُ فِى اللَّفْظِ. 77 - (...) وحدّثناه خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائِدَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، بَهذَا الْحَدِيثِ. يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ زَائِدَةَ قَالَ: " انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ ". 78 - (1426) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَإهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ - وَاللَّفْظ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن "، قال الإمام: هذه بالتعويض، كما يقال: بعتك ثوبى بدينار، ولم يرد أنه ملكه إياها لحفظه القرآن؛ إكراماً للقرآن؛ لأنها تصير بمعنى الموهوبة، وذلك لا يجوز إلا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال القاضى: قال غيره: قوله يحتمل وجهين؛ أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارًا مَا منه، ويكون ذلك صداقها، أى تعليمها إياه، وقد ورد هذا التفسير عن مالك، ويحتج به من يرى أن منافع الأعيان تكون صداقاً، وقد ذكره مسلم مفسراً: " اذهب فعلمها [من] (¬1) القرآن "، وفى رواية عطاء: " فعلمها عشرين آية ". وذهب الطحاوى والأبهرى وغيرهما أن هذا خاصٌ للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون غيره من الناس، ونحوه قال الليث ومكحول. قال الطحاوى: ولما كانت الموهوبة للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جائزة له فى النكاح جاز له هو - أيضاً - أن يَهبها فى النكاح. قال: ويصحح ذلك أن النبى - عليه السلام - قد ملكها له ولم يشاورها. قال القاضى: وهذا يحتاج إلى دليل. وتكون الباء هنا - على هذا - بمعنى اللام، أى لما حفظته من القرآن، وصِرت لها كفئاً فى الدين. وقد يكون مع هذا التقدير - أيضاً - أن ينكحها إياه لما معه من القرآن؛ إذ رضيه لها، ويبقى ذكر المهر مسكوتاً عنه إما لأنه أصدق عنه كما كفَّر عن الواطئ فى رمضان؛ إذ لم يكن عنده، وَوَدَىَ المقتول بخيبر؛ إذ ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يخلف أهله. كل ذلك رفقاً بأمته ورحمةً لهم، أو يكون أبقى الصداق فى ذمته وأنكحهُ نكاح تفويض حتى يتقوله صداق، أو حتى تكتسب بما معه من القرآن صداقاً، وليحرض بقوله هذا على تعليم القرآن وفضيلة أهله وشفاعتهم به. وأشار الداودى إلى أنه إنما أنكحها بلا مشورة ولا صداق لأنه كان - عليه السلام - أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما قال تعالى (¬1)، وإذا احتمل هذا كله لم يكن فيه حجة على جواز النكاح بغير صداق أو بما لا قدر له. قال الإمام: فيه دليل على جواز النكاح بالإجارة، وعندنا فى ذلك قولان: الجواز والكراهة، ومنعه أبو حنيفة فى الحُر وأجازه فى العبد، إلا أن تكون الإجارة تعليم القرآن، وهذا الذى استثناه بالمنع هو الذى وقع فى هذا الحديث إجازته، ولكنه طرد أصله فى أن القرآن لا يؤخذ عليه أجر ولم يذكر هنا فى الحديث اشتراط معرفة الزوج لفهم المرأة، وسرعة قبولها لما تتعلمه، وهذا محمله على أن أفهام النساء متقاربة، ومبلغها معروف أو فى حكم المعروف. قال القاضى: يجوز أن كون المنافع صداقاً على الإطلاق. قال الشافعى وإسحاق والحسن بن حَىّ: وبكراهته قال أحمد. وروى عن مالك وعن أصحابه قولان: الجواز ابتداء ومطلقاً، ويفسخ ما لم يدخل، وروى مثله عن مالك أيضاً. قال الإمام: قال الرازى: فيه دلالة على أن من خطب إلى رجل فقال له الآخر: زوجتك، أن النكاح لازم، وإن لم يقل له الآخر: قبلت، بخلاف البيع. قال الإمام: لأن لفظ الحديث: " إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها "، وقال فى الآخر: " قد ملكتكها بما معك من القرآن "، ولم يقل: إنه قال: قبلت. قال القاضى: ترجم البخارى بمعنى هذا على هذا الحديث (¬2)، قال المهلبُ: بساطُ الكلام أغنى عن ذلك، وكذلك فى كل راغب فى النكاح وإلا فيسأل الزوج: هل رضى بالصداق أم لا؟ وقول الرازى بخلاف البيع غير مسلم عندنا لو كان سمى ثمناً، فقال: بعنى هذا الثوب بدينارٍ، فقال: قد فعلت، أو بعتكه للزم، وإن لم يقل له الآخر: قد قبلت، ولا يحتاج فى النكاح لذكر العوض لجواز نكاح التفويض بخلاف البيع، فإن كان أراد الرازى هذا الافتراق فصحيحٌ، وإلا فهو ما قلناه. قال الإمام: وفى الحديث - أيضاً - دلالة على انعقاد النكاح بغير لفظ النكاح ¬

_ (¬1) إشارة إلى الآية رقم (6) من سورة الأحزاب. (¬2) البخارى، ك النكاح، ب التزويج على القرآن وبغير صداق. الفتح 9/ 205.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتزويج، خلافًا للشافعى والمغيرة؛ لأنه ذكر هنا تمليكها. وفى البخارى: " قد ملكتها "، وفى بعض طرقه: " قد أمكنّاكها "، وعند أبى داود: " ما تحفظ من القرآن؟ ". قال: سورة البقرة والتى تليها، قال: " قم فعلمها عشرين آيةً وهى امرأتك " (¬1). قال القاضى: روايتنا فى مسلم: " مُلِكتها " بضم الميم وكسر اللام عن غير واحدٍ، وروينا الحرف عن الخشنى: " قد ملكتكها "، كما ذكر البخارى، وذكر في الرواية الأخرى: " زوجتكها "، وقد قال أبو الحسن الدارقطنى: إن رواية من رواه " ملكتها " وَهْم، ورواية من قال: " زوجتكها " الصواب، وهم أكثر وأحفظ. واختلف العلماء فى عقد النكاح بلفظ الهبة، مثل أن يقول الرجل: وهبت لك ابنتى على صداق كذا، فمنعه الشافعى وأبو ثور والمغيرة وابن دينار من أصحابنا، وأبو حنيفة ابتداء والثورى ومن تابعهم، وقالوا: لا يصح عقد النكاح إلا بلفظ النكاح أو التزويج. وكما لا ينعقد هبة ولا بيع بلفظ النكاح، كذلك لا ينعقد بهما النكاح، وبخصوص الهبة للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحكى ابن المواز نحوه عن مالكٍ وأصحابه، سمَّى صداقاً أم لا. وأنه لم يختلفوا فيه أنه يفسخ قبل، واختلفوا فى فسخه بعد الدخول. وبإمضائه بعد الدخول قال أبو حنيفة، وبفسخه أبداً قال الشافعى، وروى ابن القاسم عن مالك إجازته، وقال: هو كالبيع عنده بلفظ الهبة، وقال من قال بهذا القول: إنما خُص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهبة دون صداق وهذا هو حقيقة مذهبنا عند البغداديين. قال ابن القصار: يصح النكاح بلفظ الهبة والصدقة والبيع إذا قصد به النكاح، ذكر الصداق أو أطلقوه، ولا يصح بلفظ الرهن ولا بلفظ الإجارة والعارية والوصية، ومن أصحابنا من أجازه بلفظ الإحلال والإباحة، وجوز هو منع ذلك؛ إذ ليسا بعقد والهبة عقد. وأصل مذهب الشافعى أنّه لا يجوز بغير لفظ النكاح والتزويج، وأبو حنيفة يجيزه بكل لفظ يقتضى التمليك على التأبيد، وقد ذكر عنه فى الهبة ما تقدم. وقيل فى هذا الحديث من الفقه غير ما تقدم: جواز خطبة المرأة نفسها للرجال، وجواز سكوت المسؤول عن علم أو حاجة عن السائل إذا لم يوافقه جواب سؤاله، وحسن أدب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ سكت عن جوابها ولم يُخجلها بأن يقول: لا حاجة لى بك. وفيه من حسن أدبها هى؛ إذ سكت عنها أن لم تُلح عليه فى الجواب وتركته ونظرهُ. وفيه الكفاءة فى حق الدين والحرية لا فى المال، وجواز تزويج المعسر. قال الخطابى: وفيه دليل إجازة إنكاح المرأة دون أن تسأل: هل هى فى عدة أم لا؟ حملاً على ظاهر الحال، والحكام يبحثون عن ذلك احتياطاً. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك النكاح ب فى التزويج على العمل يعمل (2112) عن أبى هريرة.

لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُه لأَزْوَاجِهِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًا. قَالَتْ: أَتَدْرِى مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه دليل أن سكوت كل من عقد عليه عقد فى جماعة لازم إذا لم يمنعه من الإنكار خوف أو حياء أو آفة فى سمع أو فهم، وجواز استمتاع الرجل بشهوة زوجته، وما اشترى من صداقها لقوله: " ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شىء "، وفى قول هذا نظر؛ إذ ما قاله - عليه السلام - من هذا حجة فى منع صداقها إياه وتعذر تسليمه على ما تقدم لا على إباحة لبسه له. قالوا: وفيه جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وهو مذهب كافة العلماء. ومنعه أبو حنيفة إلا للضرورة. وعلى هذا اختلفوا فى أخذ الأجرة على الصلاة وعلى الأذان وسائر أفعال البر. فروى عن مالكًا كراهة جميع ذلك فى صلاة الفرض والنفل، وهو قول أبى حنيفة وأصحابه، إلا أن مالكًا أجازها على الأذان، وأجاز الإجارة على جميع ذلك ابن عبد الحكم، وهو قول الشافعى وأصحابه، قالوا: وأعمال البر أولى ما أخذ عليها الأجر، ومنع ذلك ابن حبيب فى كل شىء، وهو نحو قول الأوزاعى، وقال: لا صلاة له. وروى عن مالك إجازته فى النافلة، وروى عنه إجازته فى دون النافلة؛ إذ لابد له من عمل الفريضة فلا تؤثر فيها الأجرة. وفيه جواز الأجرة على تحفيظ القرآن؛ إذ لم يذكر مدة الإجارة وإنما شرط فى ظاهره التعليم. واستدل بعضهم بإنكاح النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها بأن الإمام أولى بإنكاح المرأة إذا ولته أمرها من الولى. وهذا لا حجة فيه؛ إذ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف غيره، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وليس فى هذا الحديث - أيضاً - بيان أنها ذات ولى، ولا خلاف عندنا أن ولىّ القرابة أولى من السلطان. واختلف إذا كان بعيد القرابة كالرجل من البطن، فعبد الملك يقول: السلطان أولى، وظاهر المذهب: الولى أولى. وقوله: " كان صداق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنسائه ثنتى عشرة أوقية وَنَشّاً " وفسر النَشّ بنصف أوقية، قال: " فذلك خمسمائة درهم ": قال الخطابى: هذا اسم موضوع لهذا القدر ليس مشتقاً من شىء، وقال كراعٌ: النش نصف الشىء. ولا خلاف بين العلماء أنه لا حدَّ لأكثر المهر، وأما أقله فقد تقدم الكلام فيه، وقد

قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَزْوَاجِهِ. 79 - (1427) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ - عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ. فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: " فَبَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ نهى عمر عن التغالى فى صدقات النساء، وقال: " لو كانت مكرمة أو تقوى لكان الأولى بها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه ما أصدق امرأةً من نسائه ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من ثنتى عشرة أوقية " (¬1)، ولم يذكر فيها النش، وهو قريب من الحديث الأول. ولا يُعترض عليه بحديث أم حبيبة وأن النجاشى أمهرها عنه أربعة آلاف درهم، فهذا شىء فعله النجاشى وتطوع به، ولم يبتدئه النبى - عليه السلام - ولا أداه من ماله. وقوله: رأى على عبد الرحمن أثر صفرة، فقال: " ما هذا؟ ": فيه افتقاده لأموره فى الرجل الفاضل أمور أصحابه (*)، والسؤال عما يختلف عليه من أحوالهم، وليس هذا من كثرة السؤال المنهى عنه. وقوله: " أثر صفرة "، وفى حديث آخر: " وضر صفرة "، وهو مثل أثرها، وظاهره - والله أعلم - ما قيل: إنه [ما] (¬2) تعلق به من طيب العروس وعبيرها، ولطخ بجلده أو ثوبه من ذلك. وهذا أولى ما قيل فيه. وقد جاء فى حديث آخر: " وبه ردعٌ من رعفران " وهو الأثر، فلا يكون [هذا] (¬3) داخلاً فى النهى عن تزعفر الرجال؛ لأن ذلك ما قصدوه وتشبهوا فيه بالنساء. وقيل: فيه الرخصة فى ذلك للعروس، وقد جاء فى ذلك أثر، ذكره أبو عبيد: أنهم كانوا يرخصون فى ذلك للشباب أيام عرسه. وقيل: لعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر عليه لأنه كان يسيراً. وقيل: كان من ينكح أول الإسلام [كان] (¬4) يلبس ثوباً مصبوغاً بصفرةٍ، علامة ¬

_ (¬1) أبو داود، ك النكاح، ب الصداق 1/ 485. (¬2): (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهام بسهم. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صواب العبارة: "فيه (تفقد الإمام والرجل) الفاضل أمور أصحابه"، ومما يؤيد ذلك ما جاء في شرح النووي على مسلم (9/ 216) بنحو هذه العبارة: "فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْفَاضِلِ تَفَقُّدُ أَصْحَابِهِ وَالسُّؤَالُ عَمَّا يَخْتَلِفُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ"، والله أعلم.

80 - (...) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلىَ وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ". 81 - (...) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَأَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ". (...) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً. 82 - (...) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: رَآنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَىَّ بَشَاشَةُ الْعُرْسِ. فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ: " كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ " فَقُلْتُ: نَوَاةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ للسرور. وهذا غير معروف، على أنّ بعضهم جعله أولى ما قيل فى هذا، وقيل: يحتمل أن يكون ذلك فى ثيابه. ومذهب مالك وأصحابه جواز لباس الثياب المزعفرة للرجال، وحكاه مالك عن علماء المدينة، وهو مذهب ابن عمر وغيره من المسلمين، وحجتهم: قول ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصبغ بالصفرة (¬1). وحكى ابن شعبان عن أصحابنا كراهة ذلك فى اللحية، وكره الشافعى وأبو حنيفة ذلك فى الثياب واللحية، وقد مر الكلام فى هذا فى أول [كتاب] (¬2) الحج، ويأتى منه فى اللباس. وقوله فى الرواية الأخرى: " بشاشة العروس "، قال الإمام: البشاشة: السرور والفرح، يقال: تبشبش فلان بفلان: إذا أنَّسه. وأصله من البشاشة، والبشُّ: فرح ¬

_ (¬1) سيأتى فى ك اللباس إن شاء الله. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

وَفِى حَدِيثِ إِسْحَاقَ: مِنْ ذَهَبٍ. 83 - (...) وحدثنا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ - قَالَ شُعْبَةُ: وَاسْمُهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَبْدِ اللهِ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَن تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصديق بالصديق. قال الليث: بششت بالرجل: إذا أقبلت عليه وتلطفت له فى المسألة. قال القاضى: قال الحربى: بشاشة العرس: أى أثره وحسنه. وقوله - عليه السلام -: " كم أصدقتها؟ ": دليل على أنه لابد فى النكاح من الصداق. وقد يشعر ظاهره أنه يحتاج إلى تقدير؛ لأنه جاء بلفظة " كم " الموضوعة للتقدير، فيحتج به المالكية والحنفية فى أن أصل النكاح مقدّر على ما تقدم. وقوله: " وزن نواةٍ من ذهب "، قال الإمام: النواة: خمسة دراهم، والأوقية: أربعون درهماً، والنش: عشرون. قال القاضى: قال الخطابى: النواة: اسم معروف لقدرٍ معروف، فسروها بخمسة دراهم من ذهب. قال القاضى بهذا فسرها ابن وهب وغيره من المالكية وأكثر العلماء. وقال أحمد بن حنبل: النواة: ثلاثة دراهم وثلث. وقيل: المراد بها هنا: نواة التمر، أى وزنها من ذهبٍ، والأول أظهر وأصح، وقال بعض أصحاب مالك: النواة بالمدينة ربع دينار. وظاهر كلام أبى عبيد: أنه دفع خمسة دراهم. قال: ولم يكن ثم ذهب، إنما هى خمسة دراهم تسمى نواة، كما تسمى الأربعون أوقية. وقد روى فى حديث عبد الرحمن: " وزن نواة من ذهبٍ ثلاثة دراهم وربع "، وأراد أن يحتج هذا بأنه أقل الصداق. وهذا لا يصح له؛ لأنه قال: " من ذهب " وذلك أكثر من دينارين، وهذا ما لم يقله أحد، وإنما هى غفلة من كاتبه، بل فيه حجة على من يقول: إنه لا يكون أقل من عشرة دراهم، وقد وهّم الداودى رواية من روى: " وزن نواةٍ "، وأن الصحيح عنده: " نواةً " ولا وهم فيه على كل تفسير؛ لأنه إن كانت نواة تمر - كما قال - أو كان عندهم النواة مثقالاً معلوماً - كما تقدم - فكل يصلح أن يقال فيه: وزن كذا. وقوله: " بارك الله عليك ": حجة فيما يقال للمتزوج، وقد تقدم الكلام عليه. وقوله: " أولم ولو بشاةٍ ": قال صاحب العين: الوليمة: طعام النكاح، وقال الخطابى: هى طعام الإملاك. وقال غيره: الوليمة: طعام العرس والإملاك خاصةً.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: مِنْ ذَهَبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: الوليمة: عندنا مستحبة ليست بواجبة، خلافاً لداود، وأحد قولى الشافعى فى إيجابها أخذاً بهذا، وحمله على الوجوب. ولقوله: " ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله " (¬1)، ومحمل قوله: " أولم [بشاة] (¬2) " على الندب عندنا، ولا حجة لهم فى قوله: " ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله "؛ لأنه إنما أطلق ذلك علة فى ترك الإجابة، وهى لو كانت واجبة ما دل ذلك على وجوب الوليمة، كما قيل: إن الابتداء بالسلام ليس بواجب والرد واجبٌ. فكذلك غير بعيد أن تكون الدعوة غير واجبة، والإجابة واجبة. وقد قال بعض البغداديين من أصحابنا: لا يمنع أن يطلق على من أخلّ بالمندوب تسميته عاصٍ؛ لأن المعصية مخالفة الأمر، والمندوب مأمور به. قال القاضى: استدل بعضهم من ظاهر القصة على جواز الوليمة بعد الدخول، وقال بعضهم: ليس فى الحديث ما يدل عليه، والأول أظهر. وظاهر قول مالكٍ فى كتاب محمدٍ استحبابها بعد الدخول، وهو قول غيره، ووجهه شهوة الدخول والابتناء لما يتعلق به من الحقوق، ولأنه فرق بين النكاح والسفاح، والرواية الأخرى عنه جوازها بعد الدخول، وحكى ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء، واستحبها بعض شيوخنا قبل البناء حتى يكون الدخول بها. وقوله: " ولو بشاة ": دليل على [أن] (¬3) التوسعةَ فيها لأهل الواجد بالذبح وغيره، وأن الشاة لأهل الجدة والقدرة أقل ما يكون وليس على طريق التحديد، وأنه لا شىء أقل منها لمن لم يجدها، بل على طريق الحض والإرشاد. ولا خلاف أنه لا حد لها، ولا توقيت. وقد ذكر مسلم بعد هذا - فى وليمة صفية - الوليمة بغير اللحم، وفى وليمة زينب: " أشبعنا خبزاً ولحماً "، فكل جائز وبقدر حال الرجل وما يجد. واختلف السلف فى أثر تكرارها أكثر من يومين بإجازته وكراهيته. واستحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعاً. قال بعضهم: وذلك إذا دعى فى كل يوم من لم يُدع قبله ولم يكرر عليهم. وكرهوا فيها المباهاة والسمعة. وذكر بعد هذا قوله - عليه السلام -: " إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها "، ¬

_ (¬1) سيأتى قريباً برقم (110). (¬2) من ع. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الرواية الأخرى: " عرساً كان أو غيره "، [وفى الأخرى: " آتوا الدعوة "] (¬1) وفى الأخرى: " إذا دعى أحدكم لكراع فليجب "، وفى الأخرى: " لطعام "، وفى الأخرى: " لعرسٍ "، وفى الأخرى: " ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله ": وإنما تقدم الكلام عليه هنا لاتصاله بالمسألة، فلم يختلف العلماء فى وجوب الإجابة فى وليمة العرس، واختلفوا فيما عداها، فمالك وجمهورهم: على أنه لا تجب، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه فى كل دعوة، عرساً كان أو غيره، بظاهر الألفاظ الأخر التى ذكرناها. وقال الشافعى: ذلك واجب فى الوليمة، ولا أرخص فى ترك غيرها من الدعوات التى لا يقع عليها اسم وليمة كالختان والإملاك والنفاس، وحادث سرورٍ، ولا يبين إلىّ أن تاركها عاصٍ كتارك الوليمة، ولمالك فى المدونة أن هذا فى طعام العرس، وليس فى الإملاك، وهذا على مالهُ فى كتاب محمد أنها بعد البناء، وهو الذى يسمى عنده وليمةً وعرساً. وفى مسلم عن عبيد الله - هو العمرى - نحوه قال: إنه كان ينزّلهُ على العرس؛ أى يتأوله فيه ويجعله مراد الحديث، فكذلك اختلف السلف فى إجابة ماعدا الوليمة، وحمل من خص ذلك بالعرس أن غيرها على الندب، والأوامر فى ذلك على التخصيص لا على الإيجاب، وخص الوليمة بالإيجاب نصه فيها على العصيان، وأن الوليمةَ اسم يختص لطعام العُرس والإملاك على ما تقدم. وكره مالك لأهل الفضل الإجابة للطعام يدعون إليه، وتأوله بعض أصحابنا على غير الوليمة، وتأوله بعضهم على غير طعام أسباب السرور المتقدمة مما يُصنع تفضلاً. واختلف فى وجوب الأكل للمفطر فيها، فلأهل الظاهر فيها قولان، وقد خرجهم الباجى على مذهبنا من قول مالك وأصحابه. وقال الشافعى: إذا كان مفطراً أكل، وإن كان صائماً صلى، أى دعى، على ما جاء فى الحديث. قال مالك: يجيب وإن لم يأكل وإن كان صائماً، وعن إصبغ تخفيف ذلك، فرأى أن الإجابة إنما تتعين، فظاهرُه وجوب الأكل عندهم. وكذلك اختلف قول أهل الظاهر فى وجوب الأكل فى كل دعوة بناء على وجوب الإجابة فيها على قولهم، واختلف السلف ومن بعدهم إذا كان فيها لعبٌ مباحٌ أو منكر، والاكثر فى المنكر ألا تحضر معه، وأبو حنيفة وبعضهم يجيزه، وعندنا فيه قولٌ شاذ والأكثر فى المباح الحضور إلا لأهل الفضل والهيئات، وفى مذهبنا فى هذا قولان. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

(14) باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها

(14) باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها 84 - (1365) حدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِى طَلْحَةَ. فَأَجْرَى نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى زُقَاقِ خَيْبَرَ، وِإنَّ رُكْبَتِى لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْحَسَرَ الإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّى لأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: " اللهُ أَكْبَرُ؛ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ " قَالَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ. فَقالُوا: مُحَمَّدٌ، وَاللهِ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى حديث أنس: " فأجرى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى زقاق خيبر ": فيه أن إجراهم الخيل والتصرف عليها لأهل الفضل والشجاعة مباح مستحب فى مواطنه، وحيث يحتاج إليه أو يمرن نفسه عليها، أو يروض فرسه به. وقوله: " وانحسر الإزار عن فخذِ نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنى لأرى بياض فخذه ": حجة لمن لا يرى الفخذ عورة، وقد ذكرنا الخلاف فيه فى كتاب الطهارة. وقوله: " محمدٌ والخميس " برفع السين، قال الإمام: قال الأزهرى: الخميّس: الجيش، سمى خميساً لأنه مقسوم على خمسة: المقدمة، والساقة، والميمنة، والميسرة، والقلب. وقال غيره: سمى [الجيش] (¬1) خميساً؛ لأنهم يُخمسون الغنائم فيه. قال القاضى: هذا بعيد؛ لأن الخميسَ فيه إنما جاء فى الشرع، وإنما كان قبل ذلك المرباع، يأخذ الرئيس الربع. وقوله: " الله أكبر خربت خيبر ": قيل: فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رآهم خرجوا بآلة الخراب والهدم، لقوله: " خرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم ومرورهم "، وهذا من الفأل الحسن فى حقه - عليه السلام - وحق المسلمين الذى كان يستحبه، وليس من الطيرة المذمومة. والمكاتل: القفف. والمرور: قيل: الحبال؛ لأنها تمرُ، أى تُفتل، كانوا يصعدون ¬

_ (¬1) من ع.

قَالَ: وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجُمِعَ السَّبْىُ. فَجَاءَهُ دَحْيَةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنى جَارِيَةً مِنَ السَّبْىِ. فَقَالَ: " اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً "، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ. فَجَاءَ إِلَى نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللهِ، أَعْطَيْتَ دَحْيَةَ، صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ، سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ؟ مَا تَصْلُحُ إِلا لَكَ. قَالَ: " ادْعُوهُ بِهَا ". قَالَ: فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبِىِ غَيْرَهَا ". قَالَ: وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ بها للنخيل، واحدها مَرْ ومِرٌ، بالفتح والكسر. قيل المرور: المساحى، واحدها مَرٌ بالفتح، وقيل: يقال لها: الحراب من اسمها، لجمعه حروفه، وقد يحمل أنه خبر على وجه الدعاء بخرابها، وسيأتى الكلام على ما فى بقية الحديث فى الجهاد. قيل: وفيه سُنة التكبير عند الظهور، والفتوحات، ورؤية الهلال والإشراف على المدن؛ لأنه إعلام وثناء على الله، واعتراف بجلاله، وشكر له بجميل ذكره على ما أولاه من فضله. وقوله: " وأصبناها عنوةً ": سيأتى الكلام فى حكم خيبر، وما كان منها عنوة وصلحاً، وأن جميعها لم يكن عنوةً، وحصن الوطيح وحصن السَّلالم منها صلح، وسنذكرهما وغيرهما فى موضعه. وقوله لدحية حين سأله جارية من السبى: " اذهب فخذ [جارية] (¬1) فخذ صفية، وذكر استرجاع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الإمام: يحتمل عند ما جرى له مع دحية وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك برضا دحية وطيب نفسه، فيكون معاوضة جارية بجارية. فإن قيل: الواهب منهى عن شراء هبته، فكيف عاوضه هنا عما وهبه؟ قلنا: لم يهبه من مال نفسه فينهى عن الارتجاع، وإنما أعطاه من الله على جهة النظر، كما يعطى الإمام النفل لأحد أهل الجيش نظراً، فيكون ذلك خارجاً عن ارتجاع الهبة وشرائها، والتأويل. الثانى: له أن يكون إنما قصد - عليه السلام - إعطاء جارية من حشو السبى ووخشه، فلما أطلع أن هذه من جياده، وأن ليس من المصلحة إعطاء مثلها لمثله، وقد يؤدى ذلك إلى المفسدة، استرجعها لأنها خلاف ما أعطى. لكن فى بعض طرق هذا الحديث قال: " وقعت فى سهم دحية جارية جميلةٌ فاشتراها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها، وهى صفية " ففى الرواية: أنه أخذها فى قسمة ولم يذكر الهبة، وفيها: أنه اشتراها منه. فعلى هذا يستغنى عن الاعتذار عن ارتجاع الهبة. قال القاضى: قال بعضهم: فيه أن الإمام إذا أعطى ونفَّل ما لم يعلم مقداره أن له استرجاعه والتعويض منه، وليس له أخذه بغير عوض. وفيه بيع العبيد والحيوان كبيراً ¬

_ (¬1) زائدة فى ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقليل، يداً بيد، وواحداً بآخر، على اختلاف ألفاظ الحديث وإنما يراعى اختلاف العدد والجنس مع الأجل إلا فى النقد. وفيه أن قوله: " جارية من السبى " فى الحديث الواحد: دليل على أنه لم يقع على طريق المشاحة بل على المكارمة؛ إن لم تحضر حينئذٍ ولم يرها، فلم يكن بيعاً، وإنما كان استرجاعاً على تطييب نفسه بالعوض ويجمع بين هذا وبين قوله فى الرواية الأخرى: " فاشتراها بسبعة [أرؤس": أن دحية شح بحقه فيها وتمييزها فى حقه. ولم يرض فى أخذ العوض عنها بجارية حتى أرضاه النبى - عليه السلام - بسبعة] (¬1)، فيجمع الأحاديث كما فعل فى سبى هوازن. وقوله لهم: " فمن شاء أن يكون على حقه، حتى نعطيه من أول ما يفىء الله علينا ": تطيباً لأنفسهم. فيه إعطاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفية لدحية حين سأله جارية من السبى، ولم يأت فى الحديث أنه بعد القسم. [وصفية مما أصيبت من العنوة، ولم تكن فيها لأنها من حصن الغموص] (¬2)، وهو مما أخذ عنوةً، وبها أخذت صفية على ما ذكر ابن إسحاق فيحتمل أنها مما كان خلص للخمس، فنفله النبى - عليه السلام - إياها، أو قل القسم حتى يحسبها من الخمس. لكن جاء فى الحديث الآخر: أنها خرجت فيمن سهمه، فوجه الجمع بين الحديثين أن يجعل السهم هنا لغير القسم؛ لأن من ملك شيئاً وحصل عنده قد يقال له ذلك، ويستعار له اسم السهم الذى يكون فى القرعة. والأولى عندى أن تكون صفية فيئاً؛ لأنها كانت زوجة كنانة بن الربيع، وهو وآل بيته من بنى أبى الحُقيق قد صالحوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشرط عليهم ألا يكتموا كنزاً، فإن كتموه فلا ذمة لهم، وأنه سألهم عن كنز حيى بن أخطب فكتموه، وقالوا: أذهبته النفقات، ثم عثر عليه عندهم فاستباحهم وسباهم، وذكر ذلك أبو عبيد وغيره. فصفية لاشك ممن سبى من نسائهم، وممن دخلت أولاً فى صلحهم، فقد صارت فيئاً لا تخمس، وللإمام وضعه حيث أراه الله، فهذا وجهه عندى. قال الإمام: وأما قوله: " جعل عتقها صداقها ": فإن الناس اختلفوا فى هذا، فمنهم من أجاز ذلك لظاهر [هذا] (¬3) الحديث، ومالك وغيره من الفقهاء يمنع ذلك، وقال الشافعى: هى بالخيار إذا أعتقها، فإن امتنعت من تزويجه فله عليها قيمتها. فأما مالك وغيره - ممن وافقه - فيحمل هذا على أنه من خصائص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه خص بالموهوبة، وأجيز له النكاح بغير مهر فلا يقاس غيره عليه فيما خُص - عليه السلام - به، والاعتبار عند بعض أصحابنا يمنع من ذلك أيضاً؛ لأنه إن قدر أنها عقدت على نفسها ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬2) كتبت فى الهامش ولم يشر إليها بسهم. (¬3) زائدة فى ع.

فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا. فَقَالَ: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَىْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ ". قَالَ: وَبَسَطَ نِطَعًا. قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِىءُ بِالأَقِطِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِىءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِىءُ بِالسَّمْنِ. فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَاَنَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 85 - (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ ثَابِتٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ ثَابِتٍ وَشُعَيْبِ بْنِ حَبْحَابٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدثنَاً قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النكاح قبل عتقها فذلك لا يصح؛ إذ لا ملك لها فى نفسها حينئذ، ولا يصح - أيضاً - عقد الانسان نكاحه من أمته. وإن قدر أنها عقدت بعد عتقها فلم يقع منها بعد ذلك رضاً تطالب به، وإن كان يقدر قبل عتقها بشرط أن تعتق فقد عقدت الشىء قبل وجوبه، والتزامها فى هذا وجوب الشىء عليها قبل أن يجب لها لا يلزمها على الطريقة المعروفة عندنا. وأما حجة الشافعى: فإنه يقول: إنها عتق بعوض، فإذا بطل العوض فى الشرع رجع فى سلعته أو فى قيمتها إن لم يمكن الرجوع فيها، وهذه لا يمكن الرجوع فيها. فإن تزوجته بالقيمة الواجبة له عليها صح ذلك عنده. قال القاضى: وأيضاً فإن قوله: " وجعل عتقها صداقها ": إنما هو من قول أنسٍ، لم يسنده، فلعله تأويل منه إن لم يُسم لها صداق - والله أعلم. وبقول مالك فى هذا قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر، وبإجازة ذلك قال الثورى وإسحاق وأحمد والأوزاعى وأبو يوسف، ويروى عن ابن المسيب والحسن والنخعى والزهرى. وقيل: معنى " جعل عتقها صداقها ": أى لم يجعل لها صداقاً كالموهوبة المخصوصة له. وقوله: " دفعها إلى أم سليم تصنعها له وتهيئها ": أى تزينها وتصلحها. فيه جواز مثل هذا ما لم يكن بالوجه المنهى عنه؛ من الوصل والوشم وشبهه. وقوله: " حتى إذا كان الطريق جهزتها له أم سليم، وأهدتها له من الليل ": فيه الابتناء بالليل فى السفر، وجواز إقامة الإمام فى حاجته بالجيش ما لم يضر لهم؛ لأنه قد روى أنه أقام عليه ثلاثاً، خرجهُ البخارى (¬1) وأن الثلاث فى حُكم السفر ليست بإقامة، وهذا يؤكد حق الزوج الثيب فى الثلاث. ¬

_ (¬1) البخارى، ك النكاح، ب البناء فى السفر، عن أنس.

عَنْ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عن شُعَيْبِ بْنِ الحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ شُعَيْبِ ابْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ، كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا. وَفِى حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ: تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ وَأَصْدَقَهَا عِتْقَهَا. 86 - (154) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الَّذَى يُعْتِقُ جَارِيَتهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا: " لَهُ أَجْرَانِ ". 87 - (1365) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِى طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدَمِى تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ، وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمَ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ". قَالَ: وَهَزَمَهُمُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَوَقَعَتْ فِى سَهْمِ دَحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا - قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَتَعْتَدُّ فِى بَيْتِهَا، وَهِىَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ. قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فُحِصَتِ الأَرْضُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وتعتد فى بيتها ": أى تستبرئ؛ لأنها كانت مسبية، أى فى بيت أم سليم ثم حينئذ تهيئها له، والواو لا ترتب. وقوله - عليه السلام -: " من كان عنده شىء فليجئ به ": فيه انبساط الرجل مع أصدقائه وحاشيته وآله، واستدعاء مثل هذا ممن يعرف سروره به وصحبته فيه. وقوله: " فجعل الرجل يجىء بالإقط، والرجل يجىء بالتمر، والرجل يجىء بالسمن، فحاسوا حيساً "، وفى الحديث الآخر: " فجعلوا من ذلك السواد سواداً حَيْسًا ": السواد: كل شخص ظاهرٍ، وسواد الشىء: شخصه، يعنى أنهم جعلوا من ذلك مواضعه، وشغل ذاته موضعه، ومنه سواد العراق للعامر من أرضه، والظاهر عمارته منها.

أَفَاحِيصَ، وَجِىءَ بِالأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا، وَجِىءَ بِالأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبِعَ النَّاسُ. قَالَ: وَقَالَ النَّاسُ: لا نَدْرِى أَتَزَوَّجَهَا أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ. قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِىَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحُجبْهَا فَهِىَ أُمُّ وَلَدٍ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا. فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةَ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعْنَا. قَالَ: فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضبَاءُ، وَنَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ. فَقَامَ فَسَتَرَهَا، وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ. فَقُلْنَ: أَبعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَوَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِى، وَاللهِ لَقَدْ وَقَعَ. 87 م - (1428) قَالَ أَنَس: وَشَهِدْتُ وَليمَةَ زَيْنَبَ، فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا. وَكَانَ يَبْعَثُنِى فَأَدْعُو النَّاسَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ وَتَبعْتُهُ. فَتَخَلَّفَ رَجُلانِ اسْتأنَسَ بهِمَا الْحَدِيثُ، لَمْ يَخْرُجَا. فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ: " سَلامُ عَلَيْكُمْ، كَيفَ أَنْتُم يَأَهْلَ الْبَيْتِ؟ ". فَيقُولُونَ: بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَيَقُولُ: " بِخيْرٍ "، فَلمَّا فَرَغَ رَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ إِذَا هُوَ بِالرجُلَيْنِ قَدِ اسْتَأنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ. فَلَمَّا رَأَيَاهُ قَدْ رَجَعَ قَامَا فَخَرَجَا. فَوَاللهِ، مَا أَدرِى أَنَا أَخْبَرْتُهُ أمْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ بِأَنَّهُمَا قَدْ خَرَجَا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ أَرْخَى الْحِجَابَ بَيْنِى وَبَينَه، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَة {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: والحيس: تمر وأقط وسمن، وقد تقدم ذكره، وقد بينه فى الحديث [بقوله: " إن الرجل كان يجىء بالأقط، ويجىء الرجل بالتمر، ويجىء الرجل بالسمن، فحاسوا حيساً "] (¬1). وقوله: " فحصت الأرض أفاحيص، وجىء بالأنطاع ": يقال: فحصت عن الشىء: إذا كشفت عنه، وفحصت التراب: قلبته، وفحص الطائر مفحص لبيضه سواء. والأفاحيص واحدها أفحوص. والأنطاع واحدها نِطعٌ، وفيه أربع لغات: نِطَعٌ، ونطْعٌ، وَنَطَعٌ، ونَطْعٌ. وقوله: " فعثرت [الناقة] (¬2) العضباء ": هو اسم لها لا صفة. قال أبو عبيد: أما ناقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنها تسمى العضباء، وليس لشىء كان بأذنها. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) من الصحيحة المطبوعة.

يُؤْذَنَ لَكُمْ} الآيَةَ (¬1). 88 - (1365) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِى بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدَحْيَةَ فِى مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَيَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا فِى السَّبْىِ مِثْلَهَا. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى دَحْيَةَ فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّى فَقَالَ: " أَصْلِحِيهَا ". قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا جَعَلَهَا فِى ظَهْرِهِ نَزَلَ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْقُبَّةَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيأتِنَا بِهِ ". قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِىءُ بفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّوِيقِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوادًا حَيْسًا، فَجَعَلُوا يَأكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحَيْسِ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قد مضى الكلام على هذا فى الحج، وأن الأولى خلاف ما قال أبو عبيد، وكونه صفة لها أو صفة واسماً معاً هو الصحيح إن شاء الله. قال ابن وضاح: الحيسُ: التمر ينزع نواه ويخلط بالسويق، والأول معروف (¬2). وقوله: " حين بزغت الشمس ": أى حين ابتداء طلوعها وهو بزوغها. وقوله: " وندر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وندرت " بالنون: أى سقط وسقطت: وأصله الشىء يسقط من الشىء ويخرج منه، ومنه نوادر الكلام. وقوله: " هششنا إليها ": كذا عند أبى سعيد السجزى، وعند غيره: " هشنا " إليها بتشديد الشين، وكلاهما صوابٌ، وهو بكسر الشين فى الماضى وفتحها فى المستقبل، كذا قيدته فى كتاب الهروى على أبى الحسين، ونحوه فى كتاب العذرى، ومعنى " هششنا ": نشطنا وخففنا وبادرنا. وقال " شمرٌ " فى قوله: " فهششت إلى امرأتى ": أى فرحتُ واستهيأت، وهو مما تقدم. ومن قال: " هَشّنا " فعلى الإدغام ولالتقاء المثلين، ولغة من قال من العرب: هُزت بسيفى، وهى لغة بكر بن وائلٍ. ورواه بعضهم بفتح الهاء على لغة من قال من العرب: ظلت أفعل كذا من ظللت. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 53. (¬2) من هنا إلى (باب الطلاق) لم يذكر المعلم أى شىء عنها.

هَشِشْنَا إِلَيْهَا، فَرَفَعْنَا مَطِيَّنَا، وَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطِيَّتَهُ. قَالَ: وَصَفِيَّةُ خَلْفَهُ قَدْ أَرْدَفَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَعَثَرَتْ مَطِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصُرِعَ وَصُرِعَتْ. قَالَ: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلا إِلَيْهَا، حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَهَا. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ: " لَمْ نُضَرَّ ". قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ، فَخَرَجَ جَوَارِى نِسَائهِ يَتَرَائَيْنَهَا وَيَشْمَتْنَ بِصَرْعَتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وردت بمعنى: رددت، ممن لا يرى التضعيف ويسهل. ووقع عند القاضى الصدفى عن العذرى: " هِشْنَا " بكسر الهاء وسكون الشين، ووجهه من هاش يهيش. قال الهروى: هو بمعنى قولهم: هش. قال شمرٌ: يقال: هاش بمعنى طرب، قال: فكبر للرؤيا وهاش فؤاده، وكما قالوا: نمت من نام، وقد يكون " هِشنا " من هششنا، على لغة من قال: ظلت أفعل كذا، حكاها سيبويه فى الشاذ. وقوله: " فخرج جوارى نسائه ": أى الصغار الأسنان منهن، ومن لم تُسَمَّنْه السِنُ والحُنْكَة. قوله: " يَتَرَاءيْنها وَيَشْمَتنَ بصرْعتاها ": لما جبل الضرائر عليه من الغيرة، لا سيما بالطارئة عليهن. وفى حديث صفية جواز نكاح الرجل معتقته، وقد جاء فى الحديث فى ذلك: " له أجران ". وقوله: " فقالوا: إن حجبها فهى امرأته ": استدل به بعضهم أنها بغير صداق كالموهوبة، ولو كان إنما نكحها على أن عتقها صداقها كما زعم المخالف وظن، أليس لم يخف عليهم أنها زوجه؟ ويكون قوله فى الحديث الآخر: " أعتقها وتزوجها " إخبار عما استبان بعد ذلك من حالها لهم بعد الحجاب، واستدلالهم بالحجاب على أنه تزوجها. وفيه دليل عند بعضهم على إجازة النكاح بغير شهود إذا أعلن، وأنه ليس من شرط صحة عقده الشهود، وهو قول مالك والزهرى وأهل المدينة وأبى ثور وجماعة من العلماء والسلف والصحابة. وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز إلا بشاهدى عدل وهو قول جماعة من الصحابة والسلف والثورى والأوزاعى والشافعى وأحمد، وقال أبو حنيفة مثله إلا أنه لا يشترط العدالة، ولكن هو شرط عند الجميع فى الدخول. ولم يختلفوا أن كل نكاحٍ استسر وليس فيه شاهدان فهو نكاح سر لا يحل ويفسخ. واختلفوا فى استسراره مع الشاهدين، فمذهب جمهور الفقهاء وأئمة الأمصار ويحيى بن يحيى من أصحابنا على أنه ليس بنكاح سِر، وهو عند مالك نكاح سر يفسخ، دخل أو لم يدخل، ولا فرق عنده كان شاهدين أم لا.

(15) باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العرس

(15) باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العرس 89 - (1428) حدّثنا مُحَمَدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ. ح وَحَدِثنِى مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِت، عَنْ أَنَس. وَهَذَا حَديثُ بَهْزٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: " فَاذْكُرْهَا عَلَىَّ ". قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِىَ تُخَمَّرُ عَجِينَهَا. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُها عَظَمَتْ فِى صَدْرِى، حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِى وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِى. فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُكِ. قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّى. فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ. قَالَ: فَقَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ، فَخَرَجَ النَّاسُ وَبَقِىَ رِجَالٌ يَتَحَدّثُونَ فِى الْبَيْتِ بَعْدَ الطَّعَامِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعْتُهُ، فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُّ حُجَرَ نِسَائِهِ يُسَلَّمُ عَلَيْهِنَّ، وَيَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ قَالَ: فَمَا أَدْرِى أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا أَوْ أَخْبَرَنِى. قَالَ. فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ فَأَلْقَى السِّتْرَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ، وَنَزَلَ الْحِجَابُ. قَالَ: وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث فى قصة زينب: " وأمر النبى - عليه السلام - لزيد أن يذكرها عليه أن يخطبها ": ومعنى " اذكرها علىّ ": أى اخطبها لنفسها علىَّ، أى لى أو عنى. فـ " على " تأتى بمعنى الحرفين. فيه جواز مثل هذا لمن طلقها إذا علم طيب قلبه بذلك، وأنه لا يكرهه مثل حال زيد مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: " ما أستطيع أن أنظر إليها؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرها ": بفتح الهمزة، أى من أجل أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرها. وقوله: " فنكصت على عقبى ": أى رجعت وانصرفت. وقوله: " فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل عليها بغير إذن ": لأنها زوجته، وأن الله أعلمه أنه زوجه إياها. وفى خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودورانه على نسائه حتى يقوم الجالسان عنه حسن الأدب مع

زَادَ ابْنُ رَافِعٍ فِى حَدِيثِهِ: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاه} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} (¬1). 90 - (...) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كَامِلٍ: سَمِعْتُ أَنَسًا - قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى امْرَأَةٍ - وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ: عَلَى شَىْءٍ - مِنْ نِسَائِهِ، مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، فَإِنَّهُ ذَبَحَ شَاةً. 91 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ - وَهُو ابْنُ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْد الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ. فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ: بِمَا أَوْلَمَ؟ قَالَ: أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى تَرَكُوهُ. 92 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، وَعَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، كُلُّهُمْ عَنْ مُعْتمِرٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ حَبِيبٍ - حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى. حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا. ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثونَ. قَالَ: فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مِنَ الْقَوْمِ. زَادَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى فِى حَدِيثِهِمَا قَالَ: فَقَعَدَ ثَلاثَةٌ، وَإِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَومُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَاَنْطَلَقُوا. قَالَ: فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا. قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَىَ الْحِجَابَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الصاحب واحتمال أذاه، وما كان عليه - عليه السلام - من حسن الخلق والعشرة، وأنه - عليه السلام - لما كره جلوسهما لم يأمرهما بالقيام، وتلطف أولاً بالتهيؤ للقيام ليقوما، فلما لم يقوما تلطف بخروجه ورجوعه ليفهما فيقوما كما كان. وفيه كراهة التطويل والجلوس عند العروس، ومن يعلم أن له شغلاً وتفرغاً لأمر من أمور نفسه أو أمور المسلمين. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 53.

وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاه} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} (¬1). 93 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحِجَابِ. لَقَدْ كَانَ أُبَى بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِى عَنْهُ. قَالَ أنَسٌ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَروسًا بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. قَالَ: وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَام بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَ مَا قَامَ الْقَوْمُ، حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَشَى فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ، فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ الثَّانِيَةَ، حَتَّى بَلَغَ حُجْرَةَ عَائِشَةَ، فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ قَامُوا، فَضَرَبَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ بِالسِّتْرِ، وَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ. 94 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ - يَعْنِى ابْنِ سُلَيْمَانَ - عَنِ الْجَعْدِ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ. قَالَ: فَصَنَعَتْ أُمِّى أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا فَجَعَلَتْهُ فِى تَوْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْ بَعَثَت بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّى، وَهِىَ تُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّى تُقْرِئُكَ السَّلامَ وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللهِ؛ فَقَالَ: " ضَعْهُ " ثُمَّ قَالَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِى فُلانًا وَفُلانًا وفُلانًا، وَمَنْ لَقِيتَ " وَسَمَّى رِجَالاً. قَالَ: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ. قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاءَ ثَلاِثِمِائَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أنس: " وكان يبعثنى فأدعوا الناس "، وفى الحديث الآخر: " اذهب فادع فلاناً وفلاناً ومن لقيت ": فيه الاستنابة فى دعوة الوليمة، وتخصيص الدعوة بالمعينين، وجواز ذلك فيمن يختص من الإخوان لقوله: " فلاناً وفلاناً ". وجواز تفويض ذلك للرسول؛ لقوله: "ومن لقيت "، وإذا لم يعين صاحب الوليمة من يدعوه رسوله لها وقال له مثل هذا، لم يلزم المدعوُ ولم يتأكد عليه الإجابة. وقوله: " ومن لقيت "، وفى رواية السمرقندى فى حديث قتيبة: " أو من لقيت " وهو وهم، والصواب الأول كما فى سائر الأحاديث. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 53.

وَقَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَنَسُ، هَاتِ التَّوْرَ ". قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلأَتِ الصُفَّةُ وَالْحُجْرَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، وَلْيَأكُل كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَليه ". قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ حَتَّى أَكَلُوا كُلهُمْ. فَقَاَلَ لِى: " يَا أَنَسُ، ارْفَعْ ". قَالَ: فَرَفَعْتُ، فَمَا أَدْرِى حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ. قَالَ: وَجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهمْ يَتَحَدَّثُونَ فِى بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسٌ، وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ. فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهَ فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ رَجَعَ. فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَعَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَاَبْتَدَرُوا الْبَابَ فَخَرجُوا كُلُّهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ وَدَخَلَ، وَأَنَا جَالِسٌ فِى الْحُجْرَةِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إلا يَسِيرًا حَتَّى خَرَجَ عَلَىَّ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِي} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ الْجَعْدُ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِهَذِهِ الآيَاتِ، وَحُجِبْنَ نِسَاءُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 95 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ أَهْدَتْ لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا فِى تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِى مَنْ لَقِيتَ مِنَ المُسْلِمِينَ "؟ فَدَعَوْتُ لَهُ مَنْ لَقِيتُ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيَأكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ. وَوَضَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى الطَّعَام فَدَعَا فِيهِ. وَقَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. وَلَمْ أَدَعْ أَحَدًا لَقِيتُهُ إِلا دَعَوْتُهُ، فَأَكَلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أنس: " فصَنَعْت أُمى أم سليم حيسًا فجعلته فى تورٍ "، وذكرت توجيهها إياه به إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التور: آنية من حجارةٍ كالقدح مذكر، قيل: هو عَربى، وقيل: دخيل. فيه إهداء الطعام للعروس، وهو مما يستحب لشغلهم بالعرس، كما يستحب بالجنائز لشغلهم بالميت. وفيه دعاء العروس إخوانه لأداء ما يُهدى له من ذلك مما فيه فضل عن حاجته وحاجة أهله. وهذا الحيس قد كان فيه من البركة ما أكل منه زهاء ثلاثمائة، كما جاء فى الحديث. وفيه أن من آيات النبوة تكثير القليل. قال الإمام: " زهاء ثلاثمائة ": أى مقدارها. وزهاء، ونُهاء، ولهاء بمعنى واحد.

حَتَّى شَبِعُوا، وَخَرَجُوا، وَبَقِىَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَطَالُوا عَلَيْه الْحَدِيثَ. فَجَعَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحْيى مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ شَيْئًا. فَخَرَجَ وَتَرَكَهُمْ فِى البَيْتِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} قَالَ قَتَادَةُ: غَيْرَ مُتَحيِّنِينَ طَعَامًا {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} حَتَّى بَلَغَ: {ذَلِكمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وهذه القصة هى فى عرس زينب بينها مسلم والبخارى (¬2) فى بعض أحاديثهما، وهى وإن أشبه بقية الخبر فيها من جلوس من جلس، ونزول الحجاب وخبر وليمتها بالخبز واللحم فى بعض الروايات، فهما قضيتان - والله أعلم، أحدهما: وليمته التى قصد وأشبعهم فيها خبزاً ولحماً. والثانية: هذه التى دعاهم لما أهدته له أم سليم من الحيس فيها كانت الآيةُ والبركة، ولم يأت ذلك فى وليمته باللحم، وفيها كانت قصة الحجاب. ويحتمل أن ذكرها فى قصة وليمة اللحم وهم من الرواة. والأشبه أنها كانت فى وليمة الحيس، وهو ظاهر سياق الأحاديث، ولا يمكن تكرارها مرتين إذ نزول آية الحجاب فى الأولى منهما، ونهيهم عن فعلهم ذلك يكفى عن المخالفة بعد، وأراه وهماً من بعض الرواة، وتركيب قصةٍ على أخرى - والله أعلم - على أن ظاهر قصة زينب فى الوليمة باللحم أن فيها - أيضًا - آيةٌ، وذلك أنه ذكر فى الرواية الواحدة أنه ذبح شاة، وفى الأخرى: " أشبع الناس خبزاً ولحماً "، وقال: " حتى تركوه ". وهذا لا يكون من شاة واحدة للناس. وفى إرخاء الستر فى وجه أنسٍ جواز فعل مثل هذا مع خادم الرجل ومن لا يحتشمه، وأنه أولى من قوله: لا يدخل، ولما كان عليه - عليه السلام - من حسن الخلق والعشرة. وقوله: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ}: فسره قتادة فى الأم غير متحينين طعاماً معنى " غير ناظرين ": غير منتظرين إدراكه ونضجه، والإناه: الحين والوقت، أى مترقبين حينه. والصفّة مثل الظلة والسقيفة. وقوله: " حين اشتد النهار " هى رواية ابن الحذاء، ولغيره: " امتد " وهما بمعنى اشتد النهار: ارتفع. وقوله: " ووعظ القوم بما وعظوا ": أى عوتبوا، ونحو منه الحديث الآخر: " يعظ أخاه فى الحياء " (¬3). ¬

_ (¬1) الأحزاب: 53. (¬2) البخارى، ك النكاح، ب الصفرة للمتزوج. (¬3) سبق فى مسلم، ك الإيمان، ب بيان عدد شعب الإيمان (59).

(16) باب الأمر بإجابة الداعى إلى دعوة

(16) باب الأمر بإجابة الداعى إلى دعوة 96 - (1429) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دعِىَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأتِهَا ". 97 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيُجِبْ ". قَالَ خَالِدٌ: فَإِذَا عُبَيْدُ اللهِ يُنَزِّلُهُ عَلَى الْعُرْسِ. 98 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ ". 99 - (...) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائْتوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ ". 100 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ، عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ ". 101 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِىُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ دُعِىَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ ". 102 - (...) حدَّثنى حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةُ الْبَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَّيَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ ". 103 - (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْن عُمَرَ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتمْ لَهَا ". قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَأْتِى الدَّعْوَةَ فِى الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ، وَيَأتِيهَا وَهُوَ صَائمٌ. 104 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى كُرَاعٍ فَأَجِيبُوا ". 105 - (1430) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ". وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الْمُثَنَّى: " إِلَى طَعَامٍ ". (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 106 - (1431) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دُعِىَ أَحدُكمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ ". 107 - (1432) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ ورَسُولَهُ. 108 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِىِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قَال الإمام: قوله: " وإن كان صائماً فليصل ": أى فليدع لأرباب الطعام بالمغفرة والبركة. وقوله: " بئس الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين "، وفى الرواية الأخرى: " شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى لها من يأباها ": أكثر ما جاء هذا الحديث من رواية مالك وغيره موقوفاً على أبى هريرة لم يذكروا فيه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

كَيْفَ هَذَا الْحَدِيثُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ؟ فَضَحِكَ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَ أَبِى غَنِيًا، فَأَفْزَعَنِى هَذَا الْحَدِيثُ حِينَ سَمِعْتُ بِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ الزُّهْرِىَّ فَقَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: شَرَّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. 109 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ. وَعَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ. نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، نَحْوَ ذَلِكَ. 110 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الأَعْرَجَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلَيمَةِ. يُمنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وُيدْعَى إلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن عدّوه فى المسند: " ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله " قد جاء هذا من روايةٍ أخرى عن مالك وغيره عن أبى هريرة قال: قال رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شر الطعام " الحديث، وذكر مسلم الوجهين. فأما إن كان من قول أبى هريرة فأخبر بحال الناس، وصورة القضية عند الناس من اختصاصهم بها أهل اليسر دون أهل الحاجة، وأن الأولى كان بهذا الفقراء لسد خلتهم، وأن الخير فى الأفعال كثرة أجرها، وذلك غير موجود فى الأغنياء، وإنما هو نوع من المكارمة. وإن كان رفَعَه هو الصحيح فهو إخبارٌ منه - عليه السلام - عن صفة ما يكون بعده. وقد كره العلماء اختصاص الأغنياء بالدعوة. واختلف إذا فعل ذلك، فقال ابن مسعود: إذا خصَّ الغنى وترك الفقير أمرنا ألا نجيب. وقال ابن حبيب: من فارق السنة فى وليمة فلا دعوة له. وقال أبو هريرة: أنتم العاصون فى الدعوة. ودعا ابن عمر فى وليمته الأغنياء والفقراء، فجاءت قريش ومعها المساكين، فقال ابن عمر للمساكين: هاهنا فاجلسوا، لا تفسدوا عليهم ثيابهم، فإنا سنطعمكم مما يأكلون.

(17) باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها، ثم يفارقها، وتنقضى عدتها

(17) باب لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره ويطأها، ثم يفارقها، وتنقضى عدتها 111 - (1433) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِى فَبَتَّ طَلاقِى، فَتَزَوّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدَبَةِ الثَّوْبِ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى تَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقُ عُسَيْلَتَكَ ". قَالَتْ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ، وَخَالِدٌ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ. فَنَادَى: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَسْمَعُ هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى خبر عبد الرحمن بن الزبير. لم يختلف أن هذا بفتح الزاى، وهو الزبير ابن باطيا اليهودى، وابنه عبد الرحمن هذا. وهُدبة الثوب: طرفه الذى لم ينسج. قال الحربى: هدبة الثوب: شىء ينقض من طوله ويُفتلُ (¬1) قال غيره: ثشبه بهدب العين وهو شعرها الذى على شفرها. [وقوله: " حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتك "، قال الإمام: قال أحمد بن يحيى هذا كناية عن حلاوة الجماع. قال أبو بكر: شبه لذة الجماع بالعسل، وأنث لأن العسل يذكر ويؤنث، فمن أنثه قال فى تصغيره: عسيلة، ويقال: إنما أنث على معنى النطفة، ويقال: إنما أنث لأنه أراد قطعة من العسل، كما قالوا: ذو الثدية، فأنثوا على معنى قطعة من الثدى. قال الإمام: جمهور العلماء على أن المطلقة ثلاثاً لا تحل بمجرد العقد حتى يدخل بها ويطأها. وانفرد ابن المسيب ولم يشترط الوطء وحمل قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَه} (¬2) على العقد دون الوطء، كما حمل قوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (¬3) على العقد. وهذا الحديث حجة عليه؛ لأنا إن سلمنا أن النكاح ينطلق على ¬

_ (¬1) لم نعثر عليه فى غريب الحديث للحربى. (¬2) البقرة: 230. (¬3) النساء: 22.

112 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ - قَالَ أَبُو الطَّاهِر: حَدَّثَنَا، وَقَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى يُوُنسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فبَتَّ طَلاقَهَا، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَجَاءَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا كَانتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ، فَطَلَقَّهَا آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العقد حقيقة حتى يصح دخوله فى ظاهر الآية، كان هذا الحديث مخصصاً لها مبيناً للمراد بها فيرجع إليه] (¬1). وقوله: " حتى تذوقى عسيلته ": تنبيهٌ على وجود اللذة، وكنى عنها بالعسل. ولعل توحيده هاهنا بقوله: "عسيلته " إشارة إلى الفعلة الواحدة والوقاع الواحد؛ لئلا يظن أنها لا تحل إلا بوطء متكرر، وقد قال بعض أهل العلم: أنه لو وطئها وهى نائمةٌ لم تحل بهذا الوطء؛ لأنها لم تذق العسيلة، وقد شرط فى الحديث ذوق الزوجين جميعاً لذلك. واختلف عندنا، هل تحل بالوطء الفاسد فى عقد نكاح صحيح؟ فقيل: تحل لأنه يسمى نكاحاً، ولوجود اللذة به المنبه عليها فى الحديث. وقيل: لا تحل؛ لأن محمل ظواهر الشرع وألفاظه على ما يصح فى الشرع دون ما لا يصح. قال القاضى: قال بعض العلماء: ما أظن سعيد بن المسيب بلغه الحديث فأخد بظاهر القرآن وشذ فى ذلك، ولم يقل أحد بقوله من العلماء إلا طائفة من الخوارج. كما شذ الحسن فى قوله: لا يحلها إلا بوطء فيه إنزال، التفات إلى معنى العسيلة، وقال: هو الإنزال، وفى شكوى المرأة زوجها الذى معه كالهدبة. وجاء فى غير مسلم: " مالى إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عنى من هذه، وأخذت هدبة من ثوبها، فقال: كذبت، والله إنى لأنفضها نفض الأديم " وذكره البخارى (¬2). وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها: " أتريدين أن ترجعى إلى رفاعة " يعنى زوجها الأول: دليل على التطليق بعدم الجماع، وأنه من. حقوق الزوجة، وهو قول كافة العلماء، ونضرب فى ذلك عندهم سنة يؤجل فيها للاختبار، وهذا ما لم يكن مجبوباً، أو من لا يرجى منه الوطء جملةً لعدم آلة ذلك عنده، فهذا يطلق عليه ولا يؤجل، وقال بعض السلف: عشرة أشهر. وخالف داود الكافة ورأى أنه لا يطلق عليه بالعنَّة ولا يؤجل، ولم يقل به أحد من السلف إلا ابن علية والحكم قالوا: والإجماع يرد قولهم، وحجتهم: ظاهر الحديث، فإن النبى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) البخارى، ك اللباس، ب ثياب الخضر 7/ 192.

ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّهُ - وَاللهِ - مَا مَعَهُ إِلا مِثْلُ الْهُدْبَةِ. وَأَخَذَتْ بِهُدْبةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا. قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا، فَقَالَ: " لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ ". وَأَبُو بَكْر الصِّدِّيقُ جَالِسٌ عِنْدَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالِد ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. قَالَ: فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِى أَبَا بَكْرٍ: أَلا تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ 113 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجُهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ. فَجَاءَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. 114 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ، فَيُطَلَّقُهَا، فَتَتَزَوَّجُ رَجُلاً، فَيُطَلَّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، أَتحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ؟ قَالَ: " لا، حَتَّى يَذوقَ عُسَيْلتَهَا ". (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يطلق عليه ولا أجَّلَهُ، وليس لهما فيه حجة، بل هى عليهما دليل؛ لقوله - عليه السلام -: " أتحبين أن ترجعى إلى رفاعة " دليل أن شكواها يوجب الفراق، ولأنه قد ناكرها فى ذلك، كما ذكروا فى الموطأ أنه طلقها، وذاك الحديث إخبار عن حال الحال بعد هذا المجلس فيؤلف بذلك بين الحديثين. وذهب مالك ومعظم أئمة الفتوى أنه متى وطئها مرة لم يؤجل ولم يكن لها قيام، وذهب بعضهم إلى أنه كلما أمسك عنها أجل سنةً كالعنين، وقال أبو ثور نحوه. وتبسم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما من تفطنها لمرادها الرجوع إلى زوجها الأول، أو تعجباً من تصريحها بشكواها مما عادة النساء الاستحياء منه، ألا ترى إنكار خالدٍ قولها، وقوله: " ألا تسمع ما تجهر به عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا تزجر هذه ". وذكر فى الباب: ثنا محمد بن العلاء، ثنا أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.

115 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَأَرَادَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: " لا، حَتَّى يَذُوقَ الآخِرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا، مَا ذَاقَ الأَوَّلُ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابن سَعِيدٍ - جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفِى حَدِيثِ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع عند العذرى فيما أخبرنا به عنه الأسدى: عن هشام بن سعد، وهو خطأ، إنما هو هشام بن عروة.

(18) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع

(18) باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع 116 - (1434) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالا: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِى أَهْلَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزقْتَنَا. فَإِنَّهُ، إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِى ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا ". (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَهُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنِ الثَّوْرِىِّ، كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيْرَ أَنَّ شُعْبَةَ لَيْسَ فِى حَدِيثِهِ ذِكْرُ: " بِاسْمِ اللهِ ". وَفِى رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِىِّ " بِاسْمِ اللهِ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ: قَالَ مَنْصُورٌ: أُرَاهُ قَالَ: " بِاسْمِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى الحديث: " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد فى ذلك لم يضره الشيطان أبداً ": قيل لهذا الضر: هو ألا يُصرع ذلك المولود، وقيل: لا يَطعن فيه الشيطان عند ولادته، كما جاء فى الحديث (¬1). ولم يحمله أحد على العموم فى جميع الضرر والوسوسة والإغواء. ¬

_ (¬1) انظر: مسند الحميدى (1042)، مسند أحمد 2/ 274.

(19) باب جواز جماعه امرأته فى قبلها من قدامها ومن ورائها، من غير تعرض للدبر

(19) باب جواز جماعه امرأته فى قبلها من قدامها ومن ورائها، من غير تعرض للدبر 117 - (1435) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِىَ قُبُلِهَا، كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَل. فَنَزَلَت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} (¬1). 118 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أُتِيَتِ الْمَرْأَةُ، منْ دُبُرِهَا فِى قُبُلِهَا، ثُمَّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ. قَالَ: فَأُنْزِلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم سبب نزول قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُم} الآية، قال الإمام: اختلف الناس فى وطء النساء فى أدبارهن، هل ذلك حرام أم لا؟ وقد تعلق من قال بالتحليل بظاهر الآية، وانفصل عنها من يحرم بأن المراد بها ما نزلت عليه من السبب، والرد على اليهود فيما قالت، والعموم إذا خرج على سبب قصر عليه عند بعض أهل الأصول، ومن قال بتعدّيه وحمله على مقتضى اللفظ من التعميم كانت الآية حجةٌ له فى نفى التحريم، لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع منه، فيكون ذلك تخصيصاً للعموم بأخبار الآحاد، وفى ذلك خلاف بين الأصوليين. وقد قال بعض الناس منتصراً للتحريم: أجمعت الأمة على تحريم المرأة قبل عقد النكاح. واختلف بعد العقد، هل حل هذا العضو منها أم لا؟ فيستصحب الإجماع على التحريم حتى ينقل عنه ناقل، وعكسه الآخرون، وزعموا أن النكاح فى الشرع يبيح المنكوحة على الإطلاق، فنحن مستصحبون لهذا حتى يأتى دليل يدل على استثناء بعض الأعضاء. قال القاضى: ظاهر لفظ الحديث يقتضى أنه موضع الولد. والحرث كناية عن الجماع، ¬

_ (¬1) البقرة: 223.

119 - (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِىِّ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِد يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِىِّ. ح وَحَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ الْمُخْتَارِ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ النُّعْمَانِ، عَنِ الزُّهْرِىِّ: إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرُ مُجَبِّيَةٍ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِى صِمَامٍ وَاحِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويسمى به النساء؛ لأنهن مُزدرع، و {أَنَّى شِئْتُم} هنا يحتمل معنى: كيف شئتم، كما جاء فى الحديث، ويحتمل: حيث؛ إذ اللفظ يحتملهما معاً. وبساط الحديث يقضى بأنه كيف، وإباحة عموم صور الحرث إلا مواضعه، وجل الناس على منعه من الطاهر والحائض، وحكى بعضهم الاتفاق على منعه من الحائض. ولأصحاب الشافعى فى هذا الوجه قولان، فمنهم من قال: إنه حلال منهما، ومنهم من فرق، والثالث مذهب الجمهور: المنع بكل حال. وقوله: " مُجبِّيَةً "، قال الإمام: يعنى على وجهها. قال أبو عبيد فى حديث عبد الله، وذكر القيامة فقال: " ويجبون تجبية رجل واحد قياماً لرب العالمين ". والتجبية تكون فى حالتين: أحدهما: أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم، والوجه الآخر: أن ينكب على وجهه باركًا. قال: وهذا الوجه هو المعروف عند الناس، وقد حمله بعضهم على أنهم يخرون سجداً، فجعل السجود هو التجبية (¬1). وقوله: " فى صمام واحدٍ ": أى فى جحر واحدٍ. قال القاضى: أصل الصمام: صمام القارورة، وهو ما يُشد به فمها وثقبها. ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث لأبى عبيد 4/ 76.

(20) باب تحريم امتناعها من فراش زوجها

(20) باب تحريم امتناعها من فراش زوجها 120 - (1436) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلاِئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " حَتَّى تَرْجِعَ ". 121 - (...) حدَّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَروَانُ عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِى ابْنَ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأبَى عَلَيْهِ، إِلا كَانَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا، حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا ". 122 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلَمْ تَأْتِهِ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " إذا باتت المرأة هاجرة لفراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى تصبح "، وفى الحديث الآخر: " إلا كان - يعنى الله - ساخطًا عليها حتى يرضى عنها " يعنى زوجها: وعيدٌ شديدٌ فى حق الأزواج، ولزوم طاعتهن، وأن منع الحقوق فى النفوس والأموال سواء.

(21) باب تحريم إفشاء سر المرأة

(21) باب تحريم إفشاء سر المرأة 123 - (1437) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ حَمْزَةَ العُمَرِىِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ". 124 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الَرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمْعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُر سِرَّهَا ". وَقَالَ ابْنُ نُميرٍ: " إِنَّ أَعْظَمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من أشر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة، الرجل يفضى إلى امرأته وتفضى إليه، ثم يفشى سرها ": جاء فى النهى عن هذا أحاديث كثيرة، ووعيدٌ شديد، وذلك فى وصف ما يفعله من ذلك وكشف حالها فيه، فإنه من كشف العورة، ولا فرق بين كشف العورة بالنظر أو بالوصف، كما جاء فى الحديث الآخر. وأما ذكر المجامعة والخبر عنه على الجملة فغير منكر؛ إذا كان لفائدة ومعنى، كما قال - عليه السلام -: " إنى لأفعله أنا وهذه "، وقوله: " هل أعرستم الليلة؟ ". وذكر ذلك لغير فائدة - أيضاً - ليس من مكارم الأخلاق، ولا من حديث أهل المروءات والسمت. وقوله: " من أشر الناس ": أهل النحو يأبون أن يقال: فلان أشر أو أخير من فلان، وإنما يقال: شرٌ وخيرٌ، وهو مشهور كلام العرب عندهم، قال الله تعالى: {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا} (¬1)، وقال: {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا} الآية (¬2)، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللفظين على وجهها، وهى حجة عليهم باستعمال الوجهين. ¬

_ (¬1) مريم: 75. (¬2) مريم: 76.

(22) باب حكم العزل

(22) باب حكم العزل 125 - (1438) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى رَبِيعَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو صِرْمَةَ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ. فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، هَل سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْعَزْلَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ بَلْمُصْطَلِقَ، فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ، فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِى الْفِدَاءِ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ. فَقُلْنَا: نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظهُرنَا لا نَسْأَلُهُ؛ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لا عَلَيْكُمْ أَلا تَفْعَلُوا، مَا كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِىَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا ستَكُونُ ". 126 - (...) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، فِى مَعْنَى حَدِيثِ رَبِيعَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". 127 - (...) حدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا فَكُنَّا نَعْزِلُ، ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَنَا: " وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا هِىَ كَائِنَةٌ ". 128 - (...) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم أحاديث العزل، وذكر سؤالهم عنه فى غزوة بلمصطلق. وهى غزوة المرُيسيع. وكذا ذكره مسلم من رواية ربيعة، وكذا قاله أبو الزناد، قال أهل الحديث: وهو أولى من رواية ابن عقبة: أنه كان فى غزوة أوطاس. قال أهل الحديث وقد ذكر مسلم رواية ابن عقبة مختصرًا وقال بمعنى حديث ربيعة، ومعنى " بلمصطلق ": أى ببنى المصطلق.

سَمِعْتَهُ منْ أَبِى سَعِيدٍ؟ قَالَ نَعَمْ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَلَيْكُمْ أَلا تَفْعَلُوا، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ ". 129 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ وَبَهْزٌ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَس بْنِ سِيرينَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِهِم: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِى الْعَزْلِ: " لا عَلَيْكُمْ أَلا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنَّمَا هُو الْقَدَرُ ". وَفِى رِوَايَةِ بَهْزٍ قَالَ شُعَبَةُ: قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِى سَعِيدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله أردنا أن نستمتع ونعزل، فسألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فقال: " لا عليكم ألا تفعلوا، فإنما هو القدر " الحديث، وفى الحديث الآخر: " فلم ينهنا "، وفى الآخر: " كنا نعزل والقرآن ينزل "، وفى الآخر: " اعزل إن شئت ": كلهُ دليل على جواز العزل على الجملة، لكن فهم من قوله: " لا عليكم ألا تفعلوا " الحسن وابن سيرين النهى. فقال الحسن فى الكتاب: لكأنَّ هذا زجرٌ. وقال ابن سيرين: هو أقرب إلى النهى. ومثله قوله فى الحديث الآخر: " فلم يفعل ذلك أحدكم "، وفى الآخر: " وإنكم لتفعلون " ثلاثاً: فظاهره كله الكراهة والإنكار، وقيل: قوله: " لا عليكم ألا تفعلوا " يحتمل إباحة العزل، ويحتمل إباحة غيره بدلالة قوله: " ما من نسمةٍ كائنةٍ إلا وهى كائنة ". وفى الحديث الآخر: " ذاك الوأد الخفى " (¬1)، وذكر: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَت} (¬2)، الوأد: قتل البنات الصغار كما كانت تصنع العرب، ثم استعمل فى الذكور والإناث. وكانت العرب تفعله لعلتين: للغيرة على البنات، ولتخفيف مؤن العيال، قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} (¬3) الآية، وليس مقتضى قوله هذا التحريم بل التشبيه، كما قيل فى الرياء: " الشرك الخفى "، لكن فيه دليل الكراهة. وبكراهته قال بعض الصحابة، وبإجازته قال كثير منهم، ومن التابعين وفقهاء الأمصار. واختلفوا هل للمرأة فى ذلك حق؟ فرآه مالك والشافعى وأصحابهما حقًا لها إذا كانت حرة، فلا يعزل عنها إلا بإذنها، وكأنهم رأوا الإنزال من تمام لذتها وحقها فى الولد، ¬

_ (¬1) سيأتى فى نفس الكتاب، ب جواز الغيلة وهى وطء المرضع وكراهة العزل برقم (141). (¬2) التكوير: 8. (¬3) الإسراء: 31.

130 - (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كَامِلٍ - قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَ بَشْرِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَدَّهُ إِلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: لا عَلَيْكُمْ أَلا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ ". قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَوْلهُ: " لا عَلَيْكُمْ " أَقْرَبُ إِلَى النَّهْىِ. 131 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: فَرَدَّ الحَدِيثَ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ. قَالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " وَمَا ذَاكُمْ؟ ". قَالُوا: الرَّجُلُ تَكُوَنُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ. وَالرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ. قَالَ: " فَلا عَلَيْكُمْ أَلا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ ". قَال ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ الْحَسَنَ فَقَالَ: وَاللهِ، لَكَأَنَّ هَذَا زَجْرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يريا ذلك لازماً فى الأمة. قال مالك: إلا أن تكون زوجةً فلا يعزل عنها إلا بإذن أهلها، وهذا لمراعاة حق الولد. قال بعض متأخرى شيوخنا: ورأى أيضًا إذنها فى ذلك لحق عقد الزوجية، بخلاف وطئها بالملك. قال الإمام: إنما سألوه عن ذلك؛ لأنه قد يكون وقع فى نفوسهم أن ذلك من جنس الموءودة. وفى كتاب مسلم بعد هذا: أنه سئل - عليه السلام - عن العزل، فقال: " ذلك الوأد الخفى " لأنه كالفرار من القدر، وقد كرهه ابن عمر. فأخبرهم - عليه السلام أن ذلك جائز، وأن المقدر خلقه لابد أن يكون، فالعزل عن الحرة لا يجوز إلا برضاها لحقها فى الولد، والعزل عن الأمة بملك اليمين جائز من غير رضاها؛ ولا حق لها فى وطء ولا استيلاد. [وقول الحسن: " والله لكأن هذا زجر ": أى نهى. ومعنى] (¬1) العزل: أن يعزل الرجل الماء عن رحم المرأة إذا جامعها حذر الحمل. قال القاضى: وقوله: غزونا بلمصطلق وأصبنا كرائم العرب، فطالت علينا العُزبة، فأردنا أن نستمتع ": فيه حجة للجمهور فى جواز استرقاق العرب؛ لأن [بنى] (¬2) ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) استدركت فى الهامش.

(...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثْتُ مُحَمَّدًا، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ - يَعْنِى حَدِيثَ الْعَزْلِ - فَقَالَ: إِيَّاىَ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سيرينَ، قَالَ: قُلْنَا لأَبِى سَعِيدٍ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذكُرُ فِى الْعَزْلِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ. إِلَى قَوْلِهِ: " القَدَرُ ". 132 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ - قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " وَلِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ - وَلَمْ يَقُلْ: فَلا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ - فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلا اللهُ خَالِقُهَا ". 133 - (...) حدَّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ صَالِحٍ - عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَبِى الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، سَمِعَهُ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: " مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُوَنُ الْوَلَدُ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَلْقَ شَىءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَىْءٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المصطلق من خزاعة. ومنع ذلك الشافعى وأبو حنيفة وابن وهب من أصحابنا وقالوا: لا تقبل منهم جزيةٌ إن أسلموا وإلا قوتلوا، وجاز وطء سبيهم؛ لأنهم كانوا ممن دان بدين أهل الكتاب - والله أعلم. ولا يصح قول من زعم من الشارحين: لعلهم وإن كانوا على شرك العرب قد أسلموا، فإن فى الحديث: " وأحببنا الفداء "، ولا يصح [استعمال هذا اللفظ فيمن أسلم، ولا يجوز ولا يصح] (¬1) قول من قال: أن كانوا على الشرك. فلعل هذا كان جائزاً أول الإسلام ثم نسخ، ويحتاج هذا إلى نقل صحيح. وفيه حجة لما عليه جمهور الفقهاء من أن بيع أمهات الأولاد لا يجوز؛ إذ الفداء بيع، وقد تقرر عندهم منعه لسبب الحمل. وقال بعضهم: إنما فيه حجة لمنع بيعهن حبالى فقط ¬

_ (¬1) استدرك فى الهامش.

(...) حدَّثنى أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْبَصْرِىُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ الْهَاشِمِىُّ عَنْ أَبِى الوْدَّاكِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 134 - (1439) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ لِى جَارِيَةً هِىَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوف عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ. فَقَالَ: " اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا "، فَلَبِثَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ. فَقَالَ: " قَدْ أَخْبَرتُكَ أَنَّهُ سَيَأتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ". 135 - (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرو الأَشْعَثِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ حَسَّانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِى جَارِيَةً لِى، وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا أَرَادَهُ اللهُ ". قَالَ: فَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِى كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَكَ حَمَلَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُوُلهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لأجل استرقاق الولد، وهذا الذى عليه إجماع المسلمين ما لم تضع. قال القاضى: وقوله للذى أخبره: أن جاريته التى عزل عنها قد حبلت: " قد أخبرتك أنه يأتيها رزقها ": فيه دلالة على إلحاق الولد مع العزل فى الإماء والحرائر، وذلك لأن الماء يتفلت. ولم يختلف عندنا فى لحاقه مع العزل إذا كان الوطء فى الفرج. واختلف اذا كان الوطء فى غير الفرج لفساد الماء بمباشرة الهواء، قالوا: ولو كان العزل البيِّن الذى لا يشك أنه لم يتفلت منه شىء فى الفرج لم يلحق. وفيه حجة لمن لا يرى الأمة فراشاً، وهو مذهب الشافعى. ومالك يراها فراشاً إذا عرف وطأه لها. وقال بعض أصحابه: أو كانت من العلى التى لا تراد إلا للوطء إلا أن تدعى فى هذا كله استبراء على المشهور، ومن كبراء أصحابنا من قال: لا ينفيه الحيض. وذكر مسلم فى الباب: ثنا [أبو] (¬1) الربيع الزهرانى وأبو كامل الجحدرى، واللفظة له، قالا: ثنا حماد بن زيد، ثنا أيوب، عن محمد، عن عبد الرحمن بن بشر. هذا هو الصحيح، وهو محمد بن سيرين، وكذا لجميع شيوخنا: عن محمد بن عبد الرحمن ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

(...) وحدّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ - قَاصُّ أَهْلِ مَكَّةَ - أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ عَدِىٍّ بْنِ الْخِيَارِ النَوْفَلِّىُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ. 136 - (1440) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ وَالقُرآنُ يَنْزِلُ. زَادَ إِسْحَاقُ: قَالَ سُفْيَانُ: لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ، لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ. 137 - (...) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ عَطَاءٍ. قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: لَقَدْ كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 138 - (...) وحدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِى ابْنَ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْد رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن بشر، وهو خطأ. قال الإمام: وذكر مسلم فى الباب: ثنا حجاج بن الشاعر، ثنا أبو أحمد الزبيرى، ثنا سعيد بن حسان - قاص أهل مكة - قال: أخبرنى عروة بن عياض بن عدى بن الخيار النوفلى. هكذا فى الإسناد عروة بن عياض، وكذلك رواه ابن عيينة وأبو أحمد الزبيرى، كلاهما [قال] (¬1) عن سعيد بن حسان، عن عروة بن عياض، مسمى. قال البخارى: عروة أخشى ألا يكون محفوظاً؛ لأن عروة هو ابن عياض بن عمرو القارئ. ورواه أبو نعيم عن سعيد بن حسان، عن ابن عياض، ولم يسمه. قال القاضى: وقوله: " هنا جارية هى خادمنا وسانيتنا ": أى التى تستقى لنا. والسانية: المستقية من الدواب وغيرها. كذلك روايتنا فى هذا الحرف عن جل الرواة، ووقع فى بعض النسخ عن ابن الحذاء: " وسايسُنا "، ومعناه: خادم الدابة، والأول أوجه وأصوب. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

(23) باب تحريم وطء الحامل المسبية

(23) باب تحريم وطء الحامل المسبية 139 - (1441) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ. فَقَالَ: " لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا؟ ". فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ؟ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى بامرأةٍ مُجِحٍّ على باب فسطاط، فقال: لعله يريد أن يلم بها ": هذا الحرف بضم الميم وكسر الجيم وبعده حاءٌ مهملة، قال الإمام: المُجِحّ هاهنا: الحامل التى قربت ولادتها، وإنما غلَّط - عليه السلام - فى هذا لما استقر فى شريعته من النهى عن وطء الحامل. وقوله: " كيف يورِّثهُ وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ ": إشارةٌ إلى أنه قد ينمو الجنين بنطفة هذا الواطئ لأمه حاملاً فيصير مشاركاً فيه لأبيه وكان له بعض الولد فإذا حصلت المشاركة منع الاستخدام. وهذا مثل قوله - عليه السلام -: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يسق ماءه ولد غيره "، وفى هذا كله دليل على أن السِّباء يهدم النكاح، وهو مشهور مذهبنا، سبيا مجتمعين أو مفترقين، ويأتى الكلام عليه. قال ابن عباس: نهى - عليه السلام - وطء الحبالى حتى يضعن ما فى بطونهن. قال القاضى: هذا حكم كل حاملٍ [من وطء] (¬1) صحيح. واختلف فى المرأة تزنى [فتحمل] (¬2) وبين (*) حملها، هل يطؤها زوجها؟ فأجازه أشهب، وكرهه مالك وغيره من أصحابنا. واتفقوا على كراهيته ومنعه من وطئها فى ماء الزنا ما لم يتبين الحمل، مع اتفاقهم أنه إن فعل فإنها لا تحرم عليه. وكذلك اتفقوا أنها لا تتزوج فى استبراء الزنا أو حمله. واختلفوا إذا كان ذلك، هل تحرم عليه كالعدة الصحيحة أو لا تحرم؟ يحرمُ فى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها: "ويبين"، والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمل دون غيره. قال الإمام: روى هذا الحديث شعبة عن يزيد بن خُمير. وخُمَير هذا بضم الخاء المعجمة، وهو خُمير الرَّحبى بفتح الراء والحاء المهملة بعدها باء بواحده تحتها، منسوب إلى بنى رَحَبة، بطن من حمير، وهو رحبةُ بن زرعة بن سبأ الأصغر بن كعب بن زيد بن شهل. قال القاضى: وجدتُ هذا الاسم مضبوطاً بالشين المعجمة، وأراه الصحيح منه.

(24) باب جواز الغيلة وهى وطء المرضع، وكراهة العزل

(24) باب جواز الغيلة وهى وطء المرضع، وكراهة العزل 140 - (1442) وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْت وَهْبِ الأَسَدِيَّةِ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ ". قَالَ مُسْلِمٌ: وَأَمَّا خَلَفٌ فقَالَ: عَنْ جُذَامَةَ الأَسَدِيَّةِ. وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ يَحْيَى بِالدَّالِ. 141 - (...) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ، حَدَّثَنِى أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرُوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ - أُخْتِ عُكَّاشَةَ - قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى أُنَاسِ، وَهُوَ يَقُولُ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِى الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلادَهُمْ، فَلا يَضُرُّ أَوْلادهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة " الحديث: الغيلة، بكسر الغين، إذا كانت فيها الهاء، فإن لم تدخل الهاء فهى بفتح الغين المعجمة. وقد ذكر مسلم أيضاً [فيه] (¬1) فى بعض الروايات: " الغِيَال " وهو صحيح. وقال بعضهم: والغَيلة، بالفتح: المرة الواحدة. قال الإمام: الغيلة: الاسم من الغيل، وهو أن يجامع الرجل امرأته وهى ترضع. وقد أغال الرجل وأغيل: إذا فعل ذلك. قال ابن السكيت: الغيل: أن ترضع المرأة وهى حامل، يقال منه: غالت وأغيلت. قال القاضى: بالأول فسَّر مالك فى الموطأ الغيلة، وهو قول الأصمعى وغيره من اللغويين. قيل: ووجه كراهته خوف مضرته أن الماء يكثر اللبن، فقد يغيره. وأهل الطب يقولون: إن ذلك اللبن كاره. قال ابن حبيب: والعرب تتقيه، ولأنه يخشى أن يكون منه حمل فلا يفطن له أولاً، فيرجع إلى إرضاع الحامل. قال ابن حبيب: سواءٌ ¬

_ (¬1) من هامش الأصل.

ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَلِكَ الْوَأدُ الْخَفِىُّ ". زَادَ عُبَيْدُ اللهِ فِى حَدِيثِهِ عَنِ الْمُقْرِئِ: وَهِىَ: {وَإذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} (¬1). 142 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الأَسَدِيَّةِ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلَ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِى أَيُّوبَ، فِى الْعَزْلِ وَالغِيلَةِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " الغِيَالِ ". 143 - (1443) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَقْبُرِىُّ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنِى عَيَّاشُ بْنُ عبَاسٍ؛ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أخْبَرَ وَالِدَهُ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ؛ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى أَعْزلُ عَنِ امْرَأَتِى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ "، فَقَالَ الرَّجُلُ: أشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا، أَوْ عَلَى أَوْلادِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارّا، ضَرَّ فَارِسَ والرُّومَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أنزل أو لم ينزل. قيل: لعله وإن لم ينزل فقد تنزل المرأة فيضر ذلك باللبن. وقال بعض اللغويين: الغيلةُ والغَيْلَةُ: أن ترضع المرأة وهى حامل. وقال بعضهم: لا يقال بفتح الغين إلا مع حذف الهاء، وقال بعضهم يقال: الغيلة بالفتح للمرة الواحدة. وحكى لنا شيوخنا عن أبى مروان بن سراج الوجهين مع إثبات الهاء فى الرضاع. فأما الغيل فبالكسر لا غير، وقال بعضهم - وهو ابن أبى زمنين -: إن الغيلة إنما معناها من الضرّ، يقال: خفت غايلته: أى ضرّهُ - وهذا بعيد، فإن الحرف إذا كان بمعنى الضر والهلاك من ذوات الواو، والاسم منه الغول، قال الله تعالى {لا فِيهَا غَوْل} (¬2) أى لا يغتال عقولهم ويذهب بها، ويصيبهم منها وجع وألم. وفيه من الفقه جوازه إذا لم ينه عنه - عليه السلام -، إذ رأى الجمهور لا يضره وإن أضر بالقليل، وإباحته فى - الحديث الآخر بعدُ، أبين من قوله: " لم يفعلُ ذلك، لو كان ذلك ضاراً ضر فارس والروم " وتروى " ضارَّ " وهما بمعنى ضارَهُ يضره ضيراً مخفف، وضرّره يضرّه ضيراً وضراً. وفيه أنه - عليه السلام - كان يجتهد فى الأحكام برأيه، وهى مسألة اختلف فيها أرباب الأصول، وقد تقدم منه. ¬

_ (¬1) التكوير: 8. (¬2) الصافات: 47.

وَقَالَ زُهَيْرٌ فِى رِوَايَتِهِ: " إِنْ كَانَ لِذَلِكَ فلا، مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِسَ وَلا الرُّومَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم اختلاف الرواة عن مالك فى سند هذا الحديث فى ضبط اسم جُدَامَة بنت وهب، وضبط يحيى بن يحيى له بالدال المهملة، وقول خلف بن هشام فيه بالذال المعجمة، وكذا ذكره من غير رواية مالك، ثم قال مسلم: والصحيح ما قاله يحيى. قال الإمام: قال بعضهم هى: " جُدامة " بضم الجيم وبالدال المهملة، هكذا قال مالك. وقال سعد بن أبى أيوب، ويحيى بن أيوب: بالذال المعجمة، والصواب ما قاله مالك. وجُدامة فى اللغة: ما لم يندق من السنبل، كذلك قال أبو حاتم، وقال غيره: إنها لَحات البر، فما بقى فى الغربال من قصبه فهو الجدامة. قال القاضى: جاء فى حديث سعيد فى هذا الباب: عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة. قال بعضهم: لعله أَخو عكاشة، على من قال: إنها جدامة بنت وهب بن محصن وقال آخرون: عكاشة بن وهب أخو جدامة آخر. وقال الطبرى: جدامة بنت جندل هاجرت، قال: والمحدثون قالوا فيها: جدامة بنت وهيب. وعكاشة بن محصن، وهو بشد الكاف، كذا ضبطناه، وكذا جاء فى الشعر. وقوله وقد سُئل عن العزل: " ذاك الوأد الخفى "، قال الإمام: الوأدُ: قتل البنت وهى حية، وجاء فى الحديث نهى عن وأد البنات، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} (¬1) قال بعضهم: سميت موءودة لأنها تثقل بالتراب فقال منه: وأدت المرأة ولدها وأداً. قال: وذكر مسلم بعد هذا حديثًا فيه: ثنا حيوة، ثنا عياش بن عباس؛ أن أبا النضر حدثه. قال بعضهم: حيوة هذا هو حيوة بن شريح التميمى، يكنى أبا زرعة، وهو عياش بالياء المعجمة باثنتين من تحتها وشين معجمة، وهو ابن عباس بالباء بواحدة والسين المهملة، وهو القبانى بكسر القاف وإسكان التاء منسوب إلى قبّان، بطن من رُعَين. وعياش - هذا - رجل مصرى، يكنى أبا عبد الرحيم. ¬

_ (¬1) التكوير: 8.

17 - كتاب الرضاع

بسم الله الرحمن الرحيم 17 - كتاب الرضاع (1) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة 1 - (1444) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا، وَإِنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأذِنُ فِى بَيْتِ حَفْصَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأذِنُ فِى بَيْتِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُرَاهُ فُلانًا " لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولُ اللهِ، لَوْ كَانَ فُلانٌ حَيًّا - لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ - دَخَلَ عَلَىَّ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلادَةُ ". 2 - (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِىُّ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى (¬1): وذكر مسلم حديث الذى استأذن فى بيت حفصة فقال - عليه السلام -: " أراه فلاناً " لعمّ حفصة من الرضاعة، وقول عائشة: لو كان فلان حياً - لعمها من الرضاعة - دخل علىّ؟ قال: " نعم "، ثم قال آخر الحديث: " إن الرضاعة تحرّم ما تحرّم الولادة "، وقال لعائشة فى حديث أبى القعيس عمها من الرضاعة: " ائذنى له " (¬2)، وفى بعض طرقه: فقالت: إنما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل، فقال: " إنه عمك، فليلج عليك " (¬3) وفى الرواية الأخرى: " لا تحتجب منه، إنه يحرم من الرّضاعة ما يحرم من النسب " (¬4)، وفى الحديث الآخر: " وكان أبو القعيس أباً لعائشة " (¬5) كذا ¬

_ (¬1) كتاب جديد " الرضاع " ولم يشر القاضى إلى أنه كتاب جديد، وإنما ضمه إلى كتاب النكاح. (¬2) حديث رقم (3) بالباب التالى. (¬3) حديث رقم (7) بالباب التالى. (¬4) حديث رقم (9) بالباب التالى. (¬5) حديث رقم (6) بالباب التالى.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى بَكرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم، وهو الصحيح. ورواية الباجى: " أخا عائشة "، وهو وَهْم، وإن كان قد جاء من رواية عائشة أن أبا القعيس هو عمّها من الرضاعة، والأول أصح. قال القابسى: هما عمان لعائشة: أحدهما: أخو أبيها أبى بكر من الرضاعة [أرضعتهما امرأةٌ واحدة. والثانى: أخو أبيها من الرضاعة] (¬1) يعنى أخا أبى القعيس، كما قال: أرضعتك امرأة أخى. قال ابن أبى حازم هما واحد فى الحديثين، والأشبه قول أبى الحسن؛ إذ لو كان واحداً لم تحتج للامتناع منه ولحجابه بعد إعلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها بذلك أو نسبوا لها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عمها الميت: لو كان حياً أو كان أبو القعيس هو الأول، ولاكتفت بذلك لإعلام النبى - عليه السلام - لها، حكم ذلك على أن بعضهم رجح قول ابن أبى حازم وقال: لعل عم حفصة كان خلاف عمها هى أفلح، إما أن يكون أخوهما شقيقاً والآخر لأبٍ أو لأم فقط، أو يكون أحدهما أعلى فى العمومة والآخر أدنى، أو يكون أحدهما أرضعته زوجة أخيه بعد موته والآخر فى حياته، فأشكل هذا الآخر عليها فى حديث حفصة حتى سألت عن حكم ذلك وحقيقته. قيل: وفى أحاديث عائشة حجة أن قليل الرضاعة وكثيرها يحرم؛ إذا لم يقع فيها سؤال عن عدد الرضعات، واكتفى فيها بأنه عم من الرضاعة مجملاً ولم يفصل. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

(2) باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل

(2) باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل 3 - (1445) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَن عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ أَفْلَحَ، أَخَا أَبِى القُعَيْسِ، جَاء يَسْتَأذِنُ عَلَيْهَا - وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ - بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ، قَالَتْ: فَأَبَيْتُ أَن آذَنَ لَهُ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِى صَنَعْتُ، فَأَمَرَنِى أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَىَّ. 4 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: أَتَانِى عَمِّى مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَفْلَحُ بْنُ أَبِى قُعَيْسٍ. فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ: قُلْتُ: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِى المَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِى الرَّجُلُ. قَالَ: " تَرِبَتْ يَدَاكِ، أَوْ يَمِينُكِ ". 5 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهُ جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِى الْقُعَيْسِ يَسْتَأذِنُ عَلَيْهَا، بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ. وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ أَبَا عَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: وَاللهِ، لا آذَنُ لأَفلَحَ، حَتَّى أَسْتَأذِنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ أَبَا القُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِى، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِى امْرَأَتُهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِى الْقُعَيْسِ جَاءَنِى يَسْتَأَذِنُ عَلَىَّ فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأذِنَكَ. قَالَتْ: فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائْذَنِى لَهُ ". قَالَ عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا تحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ. 6 - (...) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: اختلف الناس فى لبن الفحل، هل يقع به الحرمة؟ فأوقع به ذلك جمهور الفقهاء، وذكر عن ابن عمر وعائشة وغيرهما [من الفقهاء] (¬1) أنه لا يؤثر ولا يتعلق به التحريم، وحجتهم فى ذلك قول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} (¬2)، ولم يذكر البنت كما ذكرها فى تحريم النسب، ولا ذكر من ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل. (¬2) النساء: 23.

بِهَذَا الإِسْنَادِ. جَاءَ أَفْلَحُ أَخْو أَبِى الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. وَفِيهِ: " فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكَ ". وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ زَوْجَ الْمَرْأَةِ الَّتِى أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ. 7 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ عَمِّى مِنَ الرَّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَىَّ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتأَمِرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: إِنَّ عَمِّى منَ الرَّضَاعَةِ اسْتَأذَنَ عَلَىَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ عَمُّكِ ". قُلْتُ: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِى الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِى الرَّجُلُ. قَالَ: " إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ ". (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ أَخَا أَبِى الْقُعَيْسِ اسْتَأذَنَ عَلَيْهَا. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. (...) وحَدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَأذَنَ عَلَيْهَا أَبُو الْقُعَيْسِ. 8 - (...) وحدّثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَت: اسْتَأذَنَ عَلَىَّ عَمِّى مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَبُو الْجَعْدِ، فَرَدَدْتُهُ - قَالَ لِى هِشَامُ: إِنَّمَا هُوَ أَبُو القُعَيْسِ - فَلَمَّا جَاءَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِك. قَالَ: " فَهَلا أَذِنْتِ لَه؟ تَرِبَتْ يَمِينُكِ أَوْ يَدُكُ ". 9 - (...) حَدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ يُسَمَّى أَفْلَحَ. اسْتَأذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ. فَأَخْبَرَتْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون من جهة الأب كالعمة كما ذكر ذلك فى النسب. ولا حجة لهم فى ذلك؛ لأنه ليس بنص، وذكر الشىء لا يدل على سقوط الحكم عما سواه، وهذا الحديث نص فيه على إثبات الحرمة فيه لعائشة، فكان أولى بأن يقدم. قال القاضى: لم يقل أحد من أئمة الفقهاء وأهل الفتوى بإسقاط حرمة لبن الفحل إلا أهل الظاهر وابن عُلية.

لَهَا: " لا تَحْتَجِبِى مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ ". 10 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَت: اسْتَأذَنَ عَلَىَّ أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ. فَأَرْسَلَ: إِنِّى عَمُّكِ، أَرْضَعَتْكِ امْرأَةُ أَخِى، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " لِيَدْخُلْ عَلَيْكِ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وجاء فى كتاب مسلم فى آخر الباب فى حديث محمد بن يحيى: استأذن عليها أبو القعيس. والمعروف أَخو أبى القعيس كما جاء فى الأحاديث الأخر، وسماه فيها أفلح، وهو الأشبه عند أهل الصنعة، وجاء فى حديث أبى بكر بن أبى شيبة: أفلح بن أبى قعيس، وفى حديث الحلوانى استأذن على عمى أبو الجعد، فيحتمل أنها كنيته: أفلح، كما قيل: إن اسم أبى قعيس الجعد - والله أعلم. وقد تقدم الكلام فى كتاب الطهارة على قوله: " تربت يمينك ". وذكر مسلم فى الباب: ثنا أبو بكر، ثنا أسامة، وحدثنى أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلى، ثنا على بن هاشم بن بُريد، جميعًا عن هشام، قال الإمام: قال بعضهم: هو البريد، بباء بواحدة مفتوحة وراء مهملة مكسورة، يكنى أبا الحسن العايذى بذال معجمة وعين مهملة، مولى لهم، وهو كوفى خزاز، بخاء معجمة وزايين. روى له مسلم وحده دون البخارى. قال القاضى: بقى إشكال فى ضبطه البريد المتقدم، وذلك أن الحرف الذى بعد الراء ياء باثنتين من تحتها، وكثيراً ما يشتبه بالبرند مثله، إلا أن الحرف الذى بعد الراء نون وهو عرعرة بن البرند. واختلف فى ضبط الباقى هذا، فأكثرهم يقولها بالكسر، وهو قول الدارقطنى وعبد الغنى وابن ماكولا، وحكى ابن الفرضى فيه فتح الباء أيضاً كالأول.

(3) باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة

(3) باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة 11 - (1446) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ عَلِىٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالَكَ تَنَوَّقُ فى قُرَيْشٍ وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ: " وَعِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ قُلَتُ: نَعَمْ بِنْتُ حَمْزَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهَا لا تَحِلُّ لِى، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةَ ". (...) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ. كُلُّهُم، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 12 - (1447) وحدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْن عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ. فَقَالَ: " إِنَّهَا لا تَحِلُّ لِى، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ ". 13 - (...) وحدّثناه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّان. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مِهْرَانَ الْقُطَعِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلَىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِإِسْنَادِ هَمَّامٍ، سَوَاءً. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ شُعْبَةَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: " ابْنَةُ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ ". وَفِى حَدِيثِ سَعِيدٍ: " وَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ ". وَفِى رِوَايَةِ بِشْرِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول علىّ: " مالك تنوق فى قريش، وتدعنا ": بفتح النون أى يختار ويبالغ فى الاختيار. والتنوق: المبالغة فى الشىء، والتنقه: الاختيار، كذا رواية هذا الحرف عند أكثرهم، ووقع عند العذرى والهروى وابن الحذاء: " تنوق " بضم التاء، ومعناه: يميل ويشتهى ويبرع. وقول أم حبيبة للنبى - عليه السلام -: " أُخبرت أنك تخطب درة بنت أبى سلمة "

14 - (1448) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: قِيلَ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِ ابْنَةِ حَمْزَةَ؟ أَوْ قِيلَ: أَلا تَخْطُبُ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: " إِنَّ حَمْزَةَ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث. كذا ضبطناه درّة بضم الدال المهملة وهو الصحيح، ووقع فى كتاب ابن أبى جعفر فى حديث ابن رمح بعد هذا: " ذرة " بفتح الذال المعجمة، والصحيح ما لغيره، كما تقدم.

(4) باب تحريم الربيبة وأخت المرأة

(4) باب تحريم الربيبة وأخت المرأة 15 - (1449) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِى سُفْيَانَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لَكَ فِى أُخْتِى بِنْتِ أَبِى سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: " أَفْعَلُ مَاذَا؟ " قَلْتُ: تَنْكِحُهَا. قَالَ: " أَوَ تُحِبِينَ ذَلِك؟ " قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِى فى الْخَيْرِ أُخْتِى. قَالَ: " فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لِى ". قُلْتُ: فَإِنِّى أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ. قَالَ: " بِنْتَ أُمّ سَلَمَةَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِى فِى حِجْرِى، مَا حَلَّتْ لِى، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِى وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَىَّ بِنَاتِكُنّ وَلا أَخَوَاتِكُنّ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لو لم تكن ربيبتى فى حجرى ما حلت لى "، قال الإمام: جمهور الفقهاء على تحريم الربيبة وإن لم تكن فى الحجر ويرون هذا التقييد المذكور فى القرآن، وهو قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُم} (¬1) تنبيهاً على غالب الحال، لا على أن الحكم مقصور عليه، وداود يرى ذلك تقييداً يتعلق الحكم به، ويحلل الربيبة إذا لم تكن فى الحجر، وهكذا وقع فى الحديث. وذكر الحجر فى هذا الحديث يؤكد عنده ما قال. قال القاضى: وقوله: " أرضعتنى وأباها أبا سلمة ثويبة " بضم الثاء المثلثة أولاً بعد الواو وياء التصغير بعدها بالواحدة. وثويبة هذه مولاة أبى لهب، وكانت أرضعت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة. وقوله: " لست لك مُخْلية ": بضم الميم وسكون الخاء، أى خالية من ضرة غيرى. وقوله: " لا تعرضن علىّ بناتكن وَلَا أَخوَاتِكُنّ ": دليل أن أم حبيبة حين سألته نكاح أختها وذكرت له خبر بنت أبى سلمة لم يكن عندها علم من تحريم الجمع بين ¬

_ (¬1) النساء: 23.

16 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ شِهَابٍ كَتَبَ يَذْكُرُ؛ أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ زَينَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ حَدَّثَتهُ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهَا؛ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، انكِحْ أُخْتِى عَزَّةَ. فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُحِبِّينَ ذَلِك؟ ". فَقَالَتْ. نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِى فِى خَيْرٍ، أُخْتِى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنَّ ذَلِكِ لا يَحِلُّ لِى ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةُ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ. قَالَ: " بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ؟ ". قَالَت: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِى فِى حَجْرِى مَا حَلَّتْ لِى، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِى وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْن عَلَىَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَتِكُنَّ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ عبدُ المَلِكِ بْنُ شُعيْبٍ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِى يَعُقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، كِلاهُمَا - عَنِ الزُّهْرِىِّ. بِإِسْنَادِ ابْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْهُ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِى حَدِيثِهِ عَزَّةَ، غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأختين، ولا من تحريم نكاح الربيبة - والله أعلم. وكذلك على - رضى الله عنه - فى ذكره له بنت حمزة، يحتمل أَنَّه لم يعلم حينئذ حكم تحريم لبن الفحل، أو لم يكن عنده علم من كون حمزة أخاً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاعة. وقوله: " لا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن ": إشارة إلى المرأتين المذكورتين فى الحديث؛ عزة أخت أم حبيبة ودُرة بنت أم سلمة وأمثالهما، وعزة هذه لا تعرف فى بنات أبى سفيان، ولا تعلم إلا من هذا الحديث.

(5) باب فى المصة والمصتان

(5) باب فى المصة والمصتان 17 - (1450) حدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيم. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ ابْنُ سُلَيْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سُوَيْدٌ وَزهُيْرٌ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ -: " لا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تحرم المصة ولا المصتان "، وفى الرواية الأخرى: " الإملاجة والإملاجتان "، وفى الأخرى: هل تحرم الرضعة؟ فقال: " لا "، قال الإمام: اختلف الناس فى القدر الواقع به الحرمة من الرضاعة، فمذهب مالك: أنه يقع مما قل أو كثر مما وصل إلى الجوف، لقوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} (¬1)، والمصة توجب تسمية المرضعة أماً من الرضاعة، وقد قالوا فى الجواب عن هذا: إنما يكون ما قلتموه دليلاً لو كان صيغة اللفظ: واللاتى أرضعنكم أمهاتكم. فيثبت كونها أماً بما قال من الرضاعة. قلنا: مفهوم الكلام: وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم لأجل أنهن أرضعنكم، فيعود هذا إلى معنى ما قالوه، وتوجب تعليق الحكم بما يسمى رضاعاً. وذهب داود إلى اعتبار ثلاث رضعات لأجل هذا الحديث، وقد نص فيه على سقوط الحرمة بالرضعة والرضعتين. ونقول: لو سلمت كون القرآن ظاهراً فيما قلتم لكان هذا مبيناً له، وبيان السنة أحق أن يتبع. وقد وقع فى بعض الأحاديث: " إنما الرضاع ما فتق الأمعاء " (¬2) ووقع: ما أنشز اللحم بالراء والزاى، فبالراء معناه: شدّهُ وأنماه، وأنشر الله الميت: أى أحياه. وبالزاى معناه: زاد فيه وعظمه، مأخوذاً من النشز وهو الارتفاع، وقرئ فى السبع: {إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} (¬3) بالراء والزاى، وهذا يقوى عند داود نفى الحرمة بالمصة والمصتين؛ إذ لا يفتقان الأمعاء ولا ينشزان العظم، وهذا لم يسلمه له أصحابنا، وزعموا أن للمصة الواحدة قسطاً فى فتق الأمعاء ونشز العظم. ¬

_ (¬1) النساء: 23. (¬2) الترمذى، ك الرضاع، ب ما ذكر أن الرضاعة لا تحرم إلا فى الصغر دون الحولين (1152). (¬3) البقرة: 259.

18 - (1451) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كُلُّهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ، قَالَتْ: دَخَلَ أَعْرَابِىٌّ عَلَى نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى بَيْتِى. فَقَالَ: يَا نَبِى اللهِ، إِنِّى كَانَتْ لِى امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمَتِ امْرَأَتِى الأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتِى الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُحَرِّمُ الإِمْلاجَة وَالإِمْلاجَتَانِ ". قَالَ عَمْرٌو فِى رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند الشافعى: لا تقع الحرمة بأقل من خمس رضعات، وحجته فى ذلك: ما رواه مسلم بعد هذا عن عائشة - رضى الله عنها - أنها قالت: " كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نُسخن خصى معلومات، فتوفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهى فيما يقرأ من القرآن " (¬1). وقد شذ بعض الناس - أيضاً - ورأى التحريم لا يقع إلا بالعشر، وهذا الحديث لا حجة فيه؛ لأنه محال على أنه قرآن، وقد ثبت أنه ليس من القرآن الثابت، ولا تحل القراءة به ولا إثباته فى المصحف؛ إذ القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد، وهذا خبر الواحد فيسقط التعلق به. فإن قيل: هاهنا وجهان: أحدهما: إثباته قرآناً، والثانى: إثبات العمل به فى عدد الرضعات، فإذا امتنع إثباته قرآناً نفى (*) الآخر وهو العمل به لا مانع يمنع منه؛ لأن خبر الواحد يدخل فى العمليات، وهذا منها. قلنا: هذا قد أنكره حذاق أهل الأصول وإن كان قد مال إليه بعضهم، واحتج المنكرون له بأن خبر الواحد إذا توجهت عليه القوادح واستريب توقف عنه، وهذا جاء آحاداً، وإنما جرت العادة أنه لا يجىء إلا تواتراً، فلم يوثق به كما وثق بأخبار الآحاد فى غير هذا الموضع، وإن زعموا أنه كان قرآناً ثم نسخ، ولهذا لم يشتغل به أهل التواتر. قيل: قد كفيتم مؤنة الجواب؛ إذِ المنسوخ لا يعمل به، وعليه يحمل عندنا قول عائشة: " فتوفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهى فيما تقرأ من القرآن "، يعنى من القرآن المنسوخ، فلو أرادت: فيما تقرأ من القرآن الثابت لاشتهر عند غيرها من الصحابة كما اشتهر سائر القرآن. وقوله: " الإملاجة والإملاجتان ": قال أبو عبيد: يعنى المصة والمصتين. والملجُ: المص، يقال: ملجَ الصبى أمه يملجُها وملجَ يملجُ، وأملجَت المرأة صبيها، والاملاجَة: أن يمص لبنها مرة واحدة، وأما " الرضاعة " فقال ابن السكيت وغيره: فيها لغتان؛ كسر ¬

_ (¬1) حديث رقم (24) بالباب التالى. (*) قال معد الكتاب للشاملة: كذا في المطبوعة، ولعلها: "بقي"؛ ليستقيم المعنى، والله أعلم.

19 - (...) وحدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمَسِمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ أَبِى الْخَلَيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَالَ: يَا نَبِىَّ اللهِ، هَلْ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: " لا ". 20 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوِ الرَّضْعَتَانِ، أَوِ الْمَصَّةُ أَوِ الْمَصَّتَانِ ". 21 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا إِسْحَاقُ فَقَالَ كَروَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ: " أَوِ الرَّضْعَتَانِ أَوِ المَصَّتَانِ " وَأَمَّا ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فَقَالَ: " وَالرَّضْعَتَانِ وَالْمَصَّتَانَ ". 22 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تُحَرِّمُ الإِمْلاجَةُ وَالإِمْلاجَتَانِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الراء وفتحها، وكذلك الرِضاع، وقد رضَعَ بفتح الضاد وبكسرها لغتان، ورضُع بضم الضاد إذا كان لئيماً فهو راضع، وجمعه رُضع، ومنه قول ابن الأكوع: واليوم يوم الرضع أى بعد هلاك اللئام. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرضاعة من المجاعة " (¬1): أى أن الذى يعنى من الجوع اللبن هو الرضيع الذى له حرمة. قال القاضى: تكلم أصحابنا على حديث المصة والمصتين، قالوا: لعل هذا حين كان يعتبر فى التحريم العسر والعدد قبل نسخه، وأما من قال: إنه من قول عائشة فلا يسلم له؛ إذ قد روى عنها مرفوعاً من طرق صحاح وعن الزبير وغيرهما. وذكره مسلم من رواية أم الفضل أيضاً، وعلله بعضهم بالاضطراب عن عائشة فى أحاديث الرضاع، وأن ابن الزبير قال فى حديثها هذا مرة عنها، ومرة عن أبيه، ومرة عن ¬

_ (¬1) باب إنما الرضاعة من المجاعة، حديث رقم (32).

23 - (...) حدَّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ، سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُحَرِّمُ المَصَّةُ؟ فَقَالَ: " لا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لما اضطرب رجعنا إلى عموم ظاهر القرآن ومفهوم الاعتبار وتنزيل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له منزلة تحريم النسب، وليس لذلك عدد إلا مجرد الوجود فكذلك الرضاع، وقياساً على تحريم الوطء بالصهر وغير ذلك، ولا اعتبار فيه بعدد. قال الإمام: وأخرج مسلم فى الباب: ثنا حبان، عن همام. وحبان هذا بحاء مهملة مفتوحة وباء منقوطة بواحدة، وهو حبان بن هلال الباهلى البصرى (¬1)، يكنى أبا حبيب، يروى عن همام بن يحيى وشعبة وغيرهما. ¬

_ (¬1) هو أبو حبيب البصرى، روى عنه أحمد بن سعيد الدارمى وإسحاق بن منصور وأحمد بن فراس، وثقه ابن معين والترمذى والنسائى وابن سعد. مات سنة ست عشرة ومائتين. انظر: التهذيب 2/ 170، رجال مسلم 1/ 165.

(6) باب التحريم بخمس رضعات

(6) باب التحريم بخمس رضعات (¬1) 24 - (1452) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَات مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ: بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ. 25 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عَمْرَةَ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ - وَهِىَ تَذْكُرُ الَّذِى يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ - قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَ فِى الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعلُومَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا: خَمْسٌ معْلُومَاتٌ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِى عَمْرَةُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(7) باب رضاعة الكبير

(7) باب رضاعة الكبير 26 - (1453) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَرَى فِى وَجْهِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِن دُخُولِ سَالِمٍ - وهُوَ حَلِيفُهُ - فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْضِعِيهِ ". قَالَتْ: وَكيَفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ ". زَادَ عَمْرٌو فِى حَدِيثِهِ: وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ أَبِى عُمَرَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث سالم: " أرضعيه، فقالت: كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ ". الحديث، قال الإمام: اختلف الناس فى رضاع الكبير، فجمهور العلماء على أنه لا يؤثر. وذهب داود إلى أنه يؤثر لأجل هذا الحديث، وقد قال فيه: " أرضعيه تحرمى عليه "، وحمله الجمهور على أن ذلك من خصائص سهلة، وقد ثبت أن أم سلمة وسائر أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منعن أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحدٌ، وقلن لعائشة: إنه خاص فى رضاعة سالم وحده. ولنا على داود قول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة} (¬1) وتمامها بالحولين على [ظاهر القرآن يمنع أن يكون حكم ما بعد الحولين كحكم الحولين، وهذا ينفى] (¬2) رضاعة الكبير. وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى كتاب مسلم بعد هذا: " إنما الرضاعة من المجاعة " لما وجد رجلاً عند عائشة، فقالت: يا رسول الله، أخى من الرضاعة، فقال: " أنظرن إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة " (¬3)، وفى بعض الأحاديث فى [غير] (¬4) كتاب مسلم: " لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء والثدى وكان قبل الفطام " (¬5) وهذا ينفى رضاعة الكبير. وعندنا فى الرضاع بعد الحولين اضطراب فى المذهب، هل الأيام اليسيرة حكمها حكم الحولين أو الشهر؟ وقيل غير ذلك فى المذهب، وهذا كله راجع عندى إلى خلاف فى حال، وهو القدر الذى جرت العادة فيه باستغنائه بالطعام عن الرضاع. وقد قال أبو حنيفة: أقصاه ثلاثون شهراً، وليس كما قال. وقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} (¬6) أمر تضمن أقل الحمل وأكثر ¬

_ (¬1) البقرة: 223. (¬2) سقط من الأصل، وما أثبت من ع. (¬3) حديث رقم (32)، باب إنما الرضاعة من المجاعة. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬5) سبق تخريجه قريباً. (¬6) الأحقاف: 15.

27 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِىِّ، قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِى حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِى بَيْتِهِمْ. فَأَتَتْ - تَعْنِى ابْنَةَ سُهَيْلٍ - النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعقَلَ مَا عَقَلُوا، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّى أَظُنُّ أَنَّ فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِى عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِى فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ "، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الَّذِى فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ. 28 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ؛ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِى بَكْرٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو جَاءَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ سَالِمًا - لِسَالِمِ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ - مَعَنَا فِى بَيْتِنَا، وَقَدْ بَلغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ. قَالَ: " أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِى عَلَيْهِ ". قَالَ: فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُه، ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ حَدَّثْتَنِى حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: فَحَدِّثْهُ عَنِّى؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرضاع، فلا معنى لاعتباره فى الرضاع وحده. وقال زفر: ثلاث سنين. والتحقيق فى ذلك ما قلناه أولاً؛ من اعتبار حال استغنائه بالرضاع عن الطعام على أصل المذهب. وتضمن أيضاً قوله: " إنما الرضاع ما فتق الأمعاء "، و " إنما الرضاعة من المجاعة " الرد على داود فى قوله: لا يحرم الرضاع حتى يلتقم الثدى، ورأى أن قوله سبحانه وتعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} (¬1) إنما ينطلق على ملتقم الثدى. وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على اعتبار ما فتق الأمعاء، وهذا يوجد فى اللبن الواصل إلى الجوف صباً فى الحلق أو التقاماً للثدى، ولعله هكذا كان رضاع سالم، يصبه فى حلقه دون مسه ببعض أعضائه ثدى امرأة أجنبية. قال القاضى: قوله فى الحديث: " أرضعيه يذهب ما فى نفس أبى حذيفة "، وفى الطريق الآخر: " تحرمى عليه ": قد حملها أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخصوص كما تقدم، بدليل الكتاب لقوله: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة} (¬2)، وبدليل الحديث الآخر، قوله: ¬

_ (¬1) النساء: 23. (¬2) البقرة: 233.

29 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدٌ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْغُلامُ الأَيْفَعُ الَّذِى مَا أَحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَىَّ. قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسْوَةٌ قَالَتْ: إِنَّ امْرَأَةَ أَبِى حُذَيْفَةَ قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَىَّ وَهُوَ رَجُلٌ، وَفِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَىْءٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ ". 30 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ - وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ - قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ نَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ تَقُول: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ لِعَائِشَةَ: وَاللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ " لا رضاع بعد فطام " (¬1) وقوله: " إنما الرضاعة من المجاعة " (¬2)، ولأن الخطاب فى سالم قضية فى عين لم يأت فى غيره، وسبق له تبنّ وصفة لا توجد بعد فى غيره، فلا تقاس عليه، مع ما لأمهات المؤمنين من شدة الحكم فى الحجاب واختصاصهن بالتغليظ فى ذلك، وقد جاء فى الموطأ والبخارى وغيرهما: أن أبا حذيفة كان تبناه فى الجاهلية (¬3) وهو سالم ابن معقل مولى سلمى بنت يعار الأنصارية، زوج أبى حذيفة قبل سَهْلَة بنت سهيل. وقيل فى اسمها غير هذا، ودليل مذهب عائشة عند بعضهم: أنها إنما أخذت بذلك فى الحجاب خاصة دون التحريم، ألا ترى قولها: " فكانت تأمر بذلك من يجب أن يدخل عليها من الرجال ". قال ابن حبيب: وقد رأى كثير من العلماء رضاعة الكبير فى الحجاب به لأزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [جائزة] (¬4)، وفيما بين المسلمين محرمة. وأجمعوا على أن تحريمها فى النكاح ليس كتحريمها فى الحجاب والحرمة، قال ابن المواز: لو أخذ بهذا فى الحجابة لم أعبْهُ وتركه أحب إلىَّ، وَمَا عَلمت من أخذ به عاماً إلا عائشة. قال الباجى: قد انعقد الإجماع على خلاف التحريم برضاعة الكبير (¬5)، يعنى: لأن الخلاف إنما كان فيه أولاً ثم انقطع، وهو معنى قول ابن حبيب. قال بعضهم: وحملوا ما جاء فى ذلك من حديث سالم على الخصوص أو على النسخ. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطنى، ك الرضاع 4/ 175. (¬2) حديث رقم (32) باب إنما الرضاعة من المجاعة. (¬3) البخارى، ك النكاح، ب الأكفاء فى الدين (5088) عن عائشة، الموطأ، ك الرضاع، ب ما جاء فى الرضاعة بعد الكبر 2/ 605 من حديث عروة بن الزبير. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬5) انظر: المنتقى للباجى 4/ 155.

مَا تَطِيبُ نَفْسِى أَنْ يَرَانِى الغُلامُ قَد اسْتَغْنَى عَنِ الرَّضَاعَةِ. فَقَالَتْ: لِمَ؟ قَدْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ إِنِّى لأَرَى فِى وَجْهِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْضِعِيهِ "، فَقَالَتْ: إِنَّهُ ذو لِحْيَةٍ. فَقَالَ: " أَرْضِعِيهِ، يَذْهَبْ مَا فِى وَجْهِ أَبِى حُذَيْفَةَ ". فَقَالَتْ: وَاللهِ، مَا عَرَفْتُهُ فِى وَجْهِ أَبِى حُذيفَةَ. 31 - (1454) حدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ؛ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: أَبى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَقلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللهِ، مَا نَرَى هَذَا إِلا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ، وَلا رَائِينَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن أبى مليكة فى حديثه عن القاسم: فمكثت سنة أو قريباً منها لا أحدث به رهبة: أى من خوفه ومن أجل خشيته. وانتصب على عدم الخافض. وقول أم سلمة لعائشة: " يدخل عليك الغلام الأيفع "، قال الإمام: هو الذى شارف الاحتلام ولما يحتلم، وجمعه أيفاع، وقد أيفع الغلام فهو يافع، ويفع الغلام أيضاً لغة، وغلام يافع ويفعة. فمن قال: يافع ثنّى وجمع، ومن قال: "يفعة" كان فى الاثنين والجمع بلفظ الواحد. ويروى ابن شهاب بعد هذا حديثاً عن أبى عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أمه زينب. قال بعضهم: أبو عبيدة هذا لا يوقف على اسمه، وهو أبو عبيدة بن عبد الله ابن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصى. قال القاضى: وقوله: " فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة، ولا رائينا ": أحد مرفوع بدل من هو على مذهب نحاة أهل البصرة، وقد يكون فاعلاً بداخل على مذهب أهل الكوفة، ويكون هو هنا بمعنى الأمر والثبات.

(8) باب إنما الرضاعة من المجاعة

(8) باب إنما الرضاعة من المجاعة (¬1) 32 - (1455) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِى رَجُلٌ قَاَعِدٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ. قَالَتْ: فَقَالَ: " انْظرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا جمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِىُّ عَنْ زَائِدَةَ، كُلُّهُم عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، بِإِسْنَادِ أَبِى الأَحْوَصِ. كَمَعْنَى حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: " مِنَ الْمَجَاعَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق، وفى باب المصة والمصتان.

(9) باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبى

(9) باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبى 33 - (1456) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ، أَبِى الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِى عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقُوا عَدُوًّا، فَقَاتَلُوهُمْ، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ، وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايا. فَكَان نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِى ذَلِكَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1) أَىْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتهُنَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى سبى أوطاس: فكان ناساً تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله تعالى فى ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}: معنى " تحرجوا ": خافوا الحرج والإثم. وقوله فى الحديث الآخر: " تجوبوا ": بمعناه: أى خافوا الجوب وهو الإثم. كذا رواه فى حديث يحيى بن حميد: عبد الله بن سعيد، ورواه السمرقندى: " تحرجوا " مثل الأول، وعند غيرهم: " تخوفوا " وكله بمعنى. وغشيانهن: أى جماعهن. قال الإمام: السبى عندنا فى المشهور يهدم النكاح بهذه الآية، وسواء سُبى الزوجان معاً أو مفترقين. وقال ابن بكير عن مالك: إن سبيا جميعاً واستبقى الرجل أقرا على نكاحهما. ووجه المشهور من جهة الاعتبار أن بسبيها ملكت منافعها ورقبتها، فسقط ملك الزوج عن ذلك؛ لاستحالة ملك واحد بين مالكين هاهنا، وكأنه رأى - أيضاً - أنها إذا جاءت بأمان ثم سبى الزوج، كان تمكينه منها عيب على سيده، ولسيده أن يمنعه كما يعيبه. فلهذا لم يفترق الحال فى المذهب المشهور. ورواية ابن بكير اعتل لها فى كتابه بأنهما إذا سبيا معاً واستبقى الرجل فقد صار له علينا عهد للموضع، هذا العهد وجب أن يكون أحق بها من المالك. هذا الذى اعتل به ¬

_ (¬1) النساء: 24.

34 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ؛ أَنَّ أَبَا عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِىَّ حَدَّثَ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَرِيَّةً. بِمَعْنَى حَدِيثِ يَزِيدَ ابْنِ زُرَيْعٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْهُنَّ فَحَلالٌ لَكُمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ: إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَاَدَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن بكير. ويحتمل عندى أن يحمل على أنهما لما أقرّا لزم إقدار ما فى يد الزوج من العصمة؛ لأن إقرار الزوج إقرار لما يملك حتى ينتزع منه فى ثانى حال، وهذا الملك لا يصح انتزاعه فى ثانى حال. وقد اختلف الناس - أيضاً - فى الأمة إذا بيعت وهى تحت زوج، هل يكون بيعها فسخاً لنكاحها؛ فأبى من ذلك مالك وجمهور الفقهاء، وذهب بعض الصحابة إلى أن ذلك فسخ للنكاح؛ أخذاً بعموم هذه الآية، وهو قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1)، ولم يفرق بين ما ملكت أيماننا سبى أو شراء، وهذا على عمومه عندهم. وتحقيق القول فى هذه المسألة: أن هذا عموم خرج على سبب، فمن رأى قصر العموم إذا خرج على سبب لم تكن فيه حجة على جمهور الفقهاء؛ لأنه كأنه قال: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1) بالسبى. وإن قلنا: إن العموم إذا خرج على سبب يجب حمله على مقتضى اللفظ فى التعميم، اقتضى ذلك فسخ نكاح الأمة بالشراء كما ينفسخ بالبيع، لكن حديث بريرة فى شراء عائشة لها ثم لم يفسخ ذلك نكاحها، بل خيّرها - عليه السلام - لما عتقت فى فسخ النكاح (¬2)، ذلك على أن البيع لا يفسخ نكاح الأمة ذات الزوج، ولكن هذا خبر واحد فى تخصيص عموم القرآن، فهل تختص به أم لا؟ فيه خلاف بين أهل الأصول، فعلى هذا يخرج اختلاف العلماء فى ذلك. وقد قال بعض أهل العلم مفرقًا بين السبى والشراء، بأن السبى حدوث ملك لم يكن أو كأنه لم يكن، والشراء انتقال ملك إلى ملك، فكأن الأول أثر نقصاً فأثر فى النكاح نقصاً، والثانى لم يحدث ملكاً ولم يكن فلم يؤثر. ¬

_ (¬1) النساء: 24. (¬2) سيأتى فى ك العتق، ب إنما الولاء لمن أعتق، برقم (10).

35 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَة، عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ. قَالَ: أَصَابُوا سَبْيًا يَوْمَ أَوْطَاسٍ، لَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَتَخَوَّفُوا، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1). (...) وحدّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " فهن حلال لكم إذا انقضت عدتهن ": دليل صحة أنكحة أهل الشرك ولحوق الأنساب بها، ولولا ذلك لم يحتج إلى العدة. ووقع فى بعض الروايات: " يوم خيبر " وهو خطأ، والصواب: " يوم حنين "، كما فى أكثر النسخ، وكذا عند عامة شيوخنا، وهو يوم أوطاس. قال الإمام: خرج مسلم هذا الحديث من طريق سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، عن أبى الخليل، عن أبى علقمة الهاشمى، عن أبى سعيد الخدرى، ثم أردفه بحديث شعبة عن قتادة، عن أبى الخليل، عن أبى سعيد. فلم يذكر أبا علقمة فى حديث شعبة، وقال بعضهم: كذا فى نسخة الجلودى وابن ماهان، وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقى، وأما فى نسخة ابن الحذاء ففيها ذكر أبى علقمة بن أبى الخليل وأبى سعيد، ولا أدرى ما صحته. قال القاضى: هذا قول الجيانى، وقد قال غيره: إن إثباته الصواب. ¬

_ (¬1) النساء: 24.

(10) باب الولد للفراش، وتوقى الشبهات

(10) باب الولد للفراش، وتوقى الشبهات 36 - (1457) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زمْعَةَ فِى غَلامٍ. فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ أَخِى، عُتْبَةُ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِى يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِى مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم أحاديث اختصام سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة فى ابن وليدة زمعة؛ وقول سعد: " ابن أخى عهد إلى أنه ابنه، انظر إلى شبهه "، وقول عبد: " أخى، ولد على فراش أبى من وليدته "، وقوله: " فرأى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبهاً بيناً بعتبة "، وقوله: " هو لك يا عبد، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبى منه يا سودة "، قالت: فلم ير سودة قط، قال الإمام: يتعلق بهذا الحديث فصول، منها: بماذا تكون الأمة فراشًا؟ [وبماذا تكون الحرة فراشاً؟] (¬1) وما الفرق بين الحرة والأمة فى ذلك؟ فأما الحرة فتكون فراشًا بالعقد وهذا متفق عليه. قال القاضى: هذا لشريطة إمكان الوطء ولحوق الولد فى مدة يلحق الولد من مثلها، هذا قول عامتهم، وشذ أبو حنيفة فشرط مجرد العقد وقال: لو طلق عقيب العقد من غير إمكان وطء، فجائت بولد لستة أشهر من حينئذ لحق به. قال الإمام: وأما الأمة فإنها تكون فراشاً بالوطء عندنا، فإذا جاءت بولد بعد اعتراف سيدها بوطئها وثبوت ذلك عليه إن أنكره لحق به الولد إلا أن ينفيه بعد دعوى الاستبراء فينتفى منه. واختلف فى يمينه ذلك على قولين. وقال أبو حنيفة: إنما يكون فراشاً إذا ولدت ولداً سيلحقه، فما جاءت به بعد ذلك فهو ولده إلا أن ينفيه، وتعلق في ذلك بأن الأمة لو كانت فراشاً بالوطء لكانت فراشاً بالعقد كالحرة، وبأن ذلك يوجب أن يتعلق بها ما يتعلق بالحرة من الأحكام على صاحب الفراش، وهذا الذى قاله غير صحيح؛ لأن الحرة إنما تراد للوطء خاصة، فالعقد على نكاحها أُنزل فى الشرع منزلة وطئها. ولما كان هذا المقصود به والأمة تشترى لأشياء كثيرة غير الوطء، فلم يجعل العقد عليها يصيّرها فراشاً، فإذا حصل الوطء ساوت الحرة هاهنا فكانت فراشاً. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا هو الجواب عن السؤال الثالث الذى ذكرناه وهو التفرقة بين الحرة والأمة فى الفراش. وهذا التعليل قاد بعض شيوخنا إلى زعم أن الشاب العزب إذا اشترى [جارية عليه] (¬1) لا تراد غالباً إلا للتسرى، وفُهم أن ذلك غرضه منها، وظهر من الحال أنه يسلك بها مسلك السرية، فإنها تكون فراشاً وإن لم يثبت وطئها، ورأى أن هذه الأوصاف تلحقها بالحرة وترتفع منها العلة المفرقة بين الحرة والأمة. وتعلق بعض الشيوخ فى نصرة هذا المذهب، كما وقع فى كتاب العدة من المدونة فى أم الولد إذا مات زوجها وسيدها، ولم يدر أولهما موتاً، فإن عليها أقصى الأجلين مع حيضة إذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال، ورأى أنه إذا أمكن أن تحل لسيدها علق على ذلك الحكم المتعلق بوطئها. وانفصل بعضهم عن ذلك بان أم الولد قد صارت كخزانة لسيدها بما تقدم من استيلادها فبهذا لم يعتبر اعترافه بالوطء بعد رجوعها إليه عن عصمة زوجها بخلاف الأمة التى لم تلد قط. وقد تنازع فى هذا الحديث أصحاب أبى حنيفة وأصحاب مالك، فقال أصحاب مالك: فإن الولد هاهنا ألحق بِزمعة ولم يثبت أن هذه الأمة ولدت منه فيما قبل، فدل ذلك على بطلان قول أبى حنيفة: أن الولد لا يلحق إلا إذا تقدمه ولد مستلحق. وقال أصحاب أبى حنيفة: فإن هذا الحديث لا حجة لكم فيه؛ لأنه لم يذكر - أيضاً - أن زمعة اعترف بوطئها، وإنما ذكر أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألحقه بزمعة، وهذا الظاهر لم يقل به أحد منا ولا منكم فوجب ترك التعلق بهذا الحديث. والجواب عن هذا: أن مجمله على أن زمعة علم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلته بها باعترافه عنده - عليه السلام - أو باستفاضة ذلك عنه. وهذا التأويل يضطرنا إليه ما ذكرتموه من اتفاقنا على منع إلحاق ولدها بالميت إلا بعد سبب ما. ولكن اختلافنا فى السبب ما هو؟ فقلنا: اعترافه بالوطء، وقلتم: استلحاق ولد قبل هذا وولد قبل هذا، معلوم أنه لم يكن، واعتراف زمعة بالوطء لا يصح دعوى العلم بأنه لم يكن، فامتنع تأويلكم وأمكن تأويلنا، فوجب حمل الحديث عليه. ويتعلق بهذا الحديث فصل آخر وهو: استلحاق الأخ لأخيه، وعندنا أن ذلك لا يصح، وعند الشافعى أنه يصح إذا لم يكن وارث سواه. ويتعلق الشافعى بظاهر هذا الحديث، فإنه لم يثبت أن زمعة ادعاه ولداً، ولا أنه اعترف بوطئه، فدل ذلك على أنّ المعول عليه كان على استلحاق أخيه له. وهذا لا نسلمه، لما قدمناه من أنه يمكن أن يكون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت عنده وطء زمعة فألحق الولد لأجل ذلك، ومن ثبت وطؤه لا يفتقر عندنا إلى اعترافه، وإنما يصعب هذا على ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب أبى حنيفة ويعسر عليهم الانفصال عما قاله الشافعى؛ لما قررناه من أن ولداً سابقاً لم يكن والوطء لا يعتبرونه، فلم يبق لهم إلا تسليم ما قاله [الشافعى] (¬1) لما ضاقت عليهم الحيل فى هذا الحديث لما قررناه. قال بعضهم: فإن الرواية فى هذا الحديث: " هو لك عبد "، وأسقط حرف النداء الذى هو " يا "، قالوا: وإنما أراد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الولد لا يلحق بزمعة، وأنه ابن أمته و " عبد " هو وارثه، فيرث هذا الولد وأمه. وهذه الرواية التى ذكروها غير صحيحة ولو صحت لرددناها إلى الرواية المشهورة وقلنا: ليس الأمر كما فهمتم، وإنما يكون المراد: يا عبد، فحذف حرف النداء كما قال تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (¬2) فحذف حرف النداء، ولأجل الاشتراك وقع عليهم الغلط، هل المراد عبد بمعنى: قن؟، أو المراد عبد اسم لهذا الرجل منادى بحذف حرف النداء؟ وكذلك دعواهم فى بعض الطرق: أنه لما أمر سودة بالاحتجاب، قال: " ليس بأخ لك " رواية لا تصح وزيادة لا تثبت. فإن قيل: لو لم تكن ثابتة لما أمرها بالاحتجاب. قيل: ذلك على جهة الاحتياط، لما رأى الشبه بعتبة، وقد جعله بعض أصحابنا أصلاً فى الحكم بالشىء بحكم واحد بين الحكمين لأنه ألحقه بزمعة، وذلك يقتضى ألا يكون تحتجب سودة منه، وأمر سودة بالاحتجاب، وذلك يقتضى ألا يكون ولداً لزمعة ولا أخاً لسودة، ولكنه قضى فى الالحاق لحكم الفراش وقضى فى الاحتجاب بحكم الاحتياط. وقد كان عارض من أصحابنا الشافعى فيما عول عليه بأن سودة بنت زمعة، فلم يثبت استلحاق عبد لهذا الولد دونها، والولد إنما يستلحق إذا استلحقه جميع الورثة، وعبد ليس لجميع الورثة. وانفصلت الشافعية عن هذا بأن زمعة مات كافراً وسودة مسلمة لم ترثه، فصارت كالعدم. فانحصر الأمر إلى [ولد و] (¬3) عبد، فصار كأنه جميع الورثة، وأجاب أصحابنا بأنها ابنته، وإنما منعت ميراثه لاختلاف الدينين، فكان الواجب اعتبار رضاها بهذا النسب، وألا تلحق عليها أخوها ما لم ترضه. وقد سلم ابن القصار عنا أنا نقول: إن جميع الورثة إذا اعترفوا بإلحاق النسب بالميت وإن لم يكونوا عدولاً، وزعم أن ذلك مذهبنا. قال: والقياس خلافه. وهذا عندى وهم منه على المذهب، وإنما هذا مذهب الشافعى كما قدمناه عنه. ورأى الشافعى أن الورثة إذا أجمعوا حلوا محل الميت، وإذا اختلفوا لم يصح أن يحلوا محل الميت، مع اختلافهم. ولعل ابن القصار رأى شيئاً فى المذهب تأول منه على المذهب هذا الذى ذكرناه عنه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) يوسف: 29. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قال بعض أصحابنا فى الرد على الشافعى: لو كان جميع الورثة إذا أجمعوا على إلحاق نسب بالميت لحق به وحلوا محل الميت، للزم إذا أجمعوا على نفى حمل أمة وطئها أن ينتفى عن الميت حملها، ويحلون محل الميت فى ذلك كما حلوا فى استلحاق النسب، فيجب أن يحلوا محله فى نفى النسب، وهذا لا يلزمه لأن هذا الحمل أحد الورثة ومن أصله [مراعاة] (¬1) إجماع جميع الورثة، فإِجماعهم فى استلحاق يمكن، وفى هذا النفى يستحيل، فلهذا افترقا. وقد تعلق بهذه المسألة التى نحن فيها اعتراف بعض الورثة بوارث؛ مثل أن يعترف أحد الأخوين بأخ ثالث، وهذه مسألة اختلاف أيضاً. فعندنا أن المقر يعطيه ما فضل فى يده، مما لو قسمت التركة على الجميع لاستحقه هذا المقر له من يد هذا المقر، وقال بعض أصحابنا: بل يساويه فيما فى يده وتقدر ما أخذ سائر الورثة كأنه لم يكن، وكانّ الجائحة فيه على المقر والمقر له متساوية لتساويهما فى النسب، ولا معنى لتفضيل أحدهما على الآخر، وكأنه فى القول المشهور الذى قدمناه رأى أن الجائحة لا يختص بها هذان الوارثان، وكان المقر إنما اعترف له بالفاضل خاصة فلا يزداد عليه. وذهب بعض الناس إلى طريقة ثالثة وهى: أن هذه الفضلة التى قالها الأولون لا يختص بها المقر له بل يأخذ لها نصفها، ويأخذ بقية الورثة النصف الآخر. ووجه هذا عندى أن المقر تضمن إقراره شيئين: أحدهما: أن الفضلة لا يستحقها فى نفسه، والثانى: أن مستحقها هذا المقر له، فيقول له بقية الورثة: أنت إذا اعترفت بأنك لا تستحقها عادت على ملك ميتنا، وإذا عادت على ملك ميتنا وجب أن ترثها ورثته، ونحن ورثته، ونحن نستحقها، أو يقول المقر له: بل أنا المستحق لها لاعتراف من سلمتموها له أنها لى دونكم، ولو لم يعترف لم يكن لكم طريق إليها، فيصير ذلك كما لو يتداعاه رجلان، فيقسم بينهما نصفين. وذهب الشافعى إلى أن المقر له لا يستحق شيئاً، ووجه هذا: أن نسبه لم يثبت، والميراث إنما يكون ثابتاً بعد ثبوت النسب وهو فرع عنه، وإذا سقط الأصل سقط فرعه، وما أبنى عليه. وهذا يضارع طريقة أشهب عندنا إذا شهد له شاهد بالنسب أنه لا يأخذ المال، قال: لأن المال وإن قضى فيه بالشاهد الواحد فالنسب لا يقضى فيه بالواحد، والمال فرع عن النسب، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع، وإنما أردنا بما ذكرناه عن أشهب التنبيه على تناسب الطريقين لا إلزامه أن يقول بمذهب واحد فى المسألتين. وفى قوله فى الحديث: إنه أمرها بالاحتجاب لشبهه بعتبة، دلالة على القضاء بالاشتباه وتقوية القول بالقافة. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع.

فَقَالَ: " هُوَ لَكَ يَا عبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِى مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ ". قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَوْلَهُ: " يَا عَبْدُ ". (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّ مَعْمَرًا وَابْنَ عُيَيْنَةَ، فِى حَدِيثِهِمَا: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " وَلَمْ يَذْكُرَا: " وَلَلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وللعاهر الحجر ": العاهر: الزانى، وقيل: معناه: أن الحجر يرجم به الزانى المحصن، وقيل: معناه: الزانى له الخيبة ولا حظ له فى الولد؛ لأن العرب تجعل هذا مثلاً فى الخيبة، كما يقال: له التراب إذا [أرادوا] (¬1) الخيبة. والعهر: الزنا، ومنه الحديث: " اللهم أبدله بالعهر العفة " (¬2) وقد عهر الرجل إلى المرأة يعهر: إذا أتاها للفجور، وقد عهرت وهى تعيهرت: إذا زنت. قال الإمام: قد أشبعنا الكلام على هذا الحديث، ولم يجمع فيه أحد من المصنفين فيما علمت هذا الفصول كما جمعناه هاهنا، والله الموفق. قال القاضى: كانت سنة الجاهلية إلحاق النسب بالزنا، وكن يساعين الإماء ويستأجرونهن لذلك، فمن اعترفت الأم أنه ابنه لحق به، فجاءت سنة الإسلام بإبطال ذلك وإلحاق الأنساب بالعقود الصحيحة والأفرشة الثابتة، لا بطريق الزنا. فلما تخاصم سعد وعبد، وقام سعد بما عهد به إليه أخوه عتبة من سيرة الجاهلية إذ مات مشركاً، ولعل إلحاقه به مدة الجاهلية لم يكن قبل، إما لأن الأم لم تعترف له به، أو لأن الدعوى فيه لم تكن إلا بعد الإسلام، أو لأن إلحاقه مع منازعة المالك فيه كان عندهم لا يصح، وإلا فلو صح استلحاقه له قبل ولم ينازع فيه لمضى النسب له على الأصل فى إلحاق أنسابهم وما لاطوه بأنفسهم. وقد قال ابن كنانة وابن القاسم من أصحابنا: إن دعوى الجاهلية والمتحمل بعد إسلامه ولداً من الزنا يلحق به، وما لم يكن ثمّ دعوى أقوى من فراش زوج أو سيد. واحتج عبد لحكم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشريعته من قوله: " أخى ولد على فراش أبى "، فحكم له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمقتضى شريعته، وأبطل سنة الجاهلية. وفى قوله: " الولد للفراش، مع قوله: رأى " شبهاً بينًا ": دليل على أن الشبه ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) انظر: النهاية فى غريب الحديث 3/ 326.

37 - (1458) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْولَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم القافة لا يكون إلا عند عدم ما هو أقوى منه من الأدلة، فأما مع وجوده فلا اعتبار له كما يحكم به فى مسألة المتلاعنين. وقد جاء على الشبه المكروه. ولحكمه بالفراش هنا قيل: وفيه القضاء فى المسألة بحكمين إلحاق الولد بالفراش ثم الحكم بالحجاب للشبه، وهذا - والله أعلم - هنا على الاستحباب وخاصة فى حق سودة لعظم حقوق أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزيادتهن على غيرهن فى وجوب الحجاب عليهن وتغليظه فيهن؛ إذ لا يحرم وطء الزنا شيئاً ولا يوجب حكماً ولا يقع به حرمة على صحيح مذهب مالك وقول الشافعى وأبى ثور. وذهب أهل الرأى والثورى والأوزاعى وأحمد إلى تحريمه بذلك وأنه مجرى الوطء الحلال فى التحريم منه، واحتجوا بهذا الحديث، وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسودة بالاحتجاب منه، وهو أحد قولى مالك. وحملوا أمره هنا على الوجوب، والأول حملوه على الاستحباب والاستظهار كما تقدم، إلا ما ذهب إليه جمهورهم من نكاح الإبنة من الزنا. وعبد الملك ابن الماجشون يجيز ذلك طرداً للأصل وإبطالاً لحكم الحرام. وقال المزنى: يحتمل أن يكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجابهم عن المسألة وأعلمهم بالحكم أنه كذلك يكون، إذا ادعى صاحب الفراش الولد وصاحب الزنا، لا على أنه يلزم عتبة دعوى أخيه سعد، ولا يلزم سعد دعوى ابنه عبْد، وبين ذلك بقوله: " احتجبى منه ". وإلى هذا ذهب الباجى وقال: هذا أصح الأقوال، وذهب أن قوله: " هو لك يا عبد ": أى [عبد] (¬1) لما لم يثبت نسبه، وإنما أقر له عبد بالأخوة، فبقى ملكاً له؛ لأنه ابن مملوكة أبيه، فلم يكن بذلك أخاً لسودة، ولا يثبت بينهما بذلك توارث ولا حكم إذ لم يثبت اعتراف زمعة به، قال: ولو كان استلحقه بزمعة لما نهى عنه سودة ولا أمرها بقطع رحمه، وقد خصهن على مداخلة الأخ والعم من الرضاعة وأمر عائشة أن يلج عليها عمها، وقول عائشة فى العلة، لما رأى من شبهه بعتبة تأويل منها، إذ قد يكون على تأكيد المنع، فهذا كله يكون أمره بالاحتجاب عند هؤلاء واجباً لا احتياطاً. قيل: وفى هذا الحديث أن القضاء بالظاهر لا يحل الأمر في الباطن، كما جاء فى الحديث الآخر المشهور؛ لأنه هنا حكم بالولد لزمعة وأمر أخته بالاحتجاب منه للشبه، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

(...) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ؛ وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ. أَمَّا ابْنُ مَنْصُورٍ - فَقَالَ: عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَأَمَّا عَبْدُ الأَعْلَى فَقَالَ: عَنْ أَبِى سَلَمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَقَالَ زُهَيْرٌ: عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَقَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ مَرَّةً عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِى سَلَمَةَ. وَمَرَّةً عَنْ سَعِيدٍ أَوْ أَبِى سَلَمَةَ. وَمَرَّةً عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان الحكم والقضاء يحل ويرفع الحرج لم يحتج إلى هذا. واختلف فى قوله: " الولد للفراش "، فأصحاب أبى حنيفة يحملونه على أن المراد صاحب الفراش، ولذلك لم يشترطوا، وإن كان الوطء فى الحرة واحتجوا بقول جرير: باتت تعانفه وبات فراشها ... خلق أتعباه فى التراب قتيلا يعنى زوجها. وعند الجماعة: أن الفراش هنا كما يعبر به عن الزوج يعبر به عن الزوجة، والأظهر إنما يعبر به عن الفراش المعروف، وأنه المراد به هنا، وهى حالة الافتراش: أى الولد، للحالة التى يكون فيها الافتراش، فيفهم من هذا مقصد تأتى الوطء، وعلى هذا يأتى قوله - عليه السلام - فى ابن وليدة زمعة: " الولد للفراش "؛ أن وطأه وافتراشه لها كان معلوماً قبل - والله أعلم. وقد قيل: إن إيقاع الفراش على الزوج لا يعلم من اللغة. وقوله هنا: " الولد للفراش ": عموم فى الحرائر والإماء، وقد احتج بظاهر قوله وعمومه: " الولد للفراش، وللعاهر الحجر " الشعبى ومن قال بقوله فى إلحاق الولد المنفىّ لفراشه، وأنه لا ينتفى بلعان ولا غيره، ولا ينفع أباه نفيه، وهو شذوذ من القول. وقد حكى عن بعض أهل المدينة، ولا حجة فيه؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذا فى نازلة ولد الأمة المدّعى فيه غير سيدها، وقد حكم - عليه السلام - فى ولد الزوجات بخلاف ذلك، ولاعن وألحقه بأمه دون الزوج، على ما سيأتى مبيناً فى اللعان.

(11) باب العمل بإلحاق القائف الولد

(11) باب العمل بإلحاق القائف الولد 38 - (1459) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ومُحَمَّدُ بْنُ رمحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَىَّ مَسْرُورًا، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ. فَقَالَ: " أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ ". 39 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا. فَقَالَ: " يَا عَائشَةُ، أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِىَّ دَخَلَ عَلَىَّ، فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة - رضى الله عنها -: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل علىّ مسروراً تبرق أسارير وجهه [قال] (¬1): " ألم ترىْ أن مُجزِّزاً نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة، فقال: [إن] (*) بعض هذه الأقدام لمن بعض "، وفى الرواية الأخرى: " فسُرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، وأعجبه "، قال الإمام: " أسارير وجهه ": يعنى الخطوط التى فى جبهته مثل التكسّر، واحدها سرة وسرُر، والجمع أسرار، وأسارير جمع الجمع، وفى صفته - عليه السلام -: " ورونق الجلال يطّرد فى أسرّة جبينه ". قال القاضى: ومعنى ذلك قوله فى الرواية الأخرى: " مسروراً ": لأن المسرور ينطلق وجهه، ويجرى البشر فيها، بخلاف المقطب والحزين. و " مُجزّز ": بفتح الجيم وكسر الزاى الأولى هو المعروف، وكذا ضبطه الحفاظ، وقيدناه عن شيوخنا، واختلف فيه الرواية عن الدارقطنى وعبد الغنى فيما حكيناه عن ابن جريج [فالذى قيدناه عن القاضى الشهيد فى كتاب الدارقطنى وعبد الغنى أن ابن جريج] (¬2) كان يقول فيه: " مُجزّز " بفتح الزاى، والذى قيده عنه الجيانى وَأَبُو عمر بن عبد البرّ: " محزرٍ " بحاء مهملة ساكنة وراء مكسورة. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (*) قال معد الكتاب للشاملة: زدناه لاستقامة العبارة لغة، وما أضفناه من نص الحديث.

40 - (...) وحدّثناه منصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ قَائِفٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ ابْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْجَبَهُ، وَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ. (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَابْنُ جرَيْجٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ وَزَادَ فِى حَدِيثِ يُونُسَ: وَكَانَ مُجَزِّزٌ قائِفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ والصواب فيه الأول، وهو من بنى مدلج، وكانت القيافة فيهم وفى بنى أسد، تعترف العرب لهم بذلك. قال الزبير بن بكار: إنما قيل له مُجزّز؛ لأنه كان إذا أخذ أسيراً يحلق لحيته، وقال غيره: جزَّ ناصيته. ومعنى " آنفاً ": أى قبل، وقيل: أول وقت نحن فيه قربت. قال الإمام: كانت الجاهلية تقدح فى نسب أسامة؛ لكونه أسود شديد السواد، وكان زيد أبوه أبيض من القطن، هكذا ذكره أبو داود (¬1) عن أحمد بن صالح، ولما قضى هذا القايف بإلحاق هذا النسب مع اختلاف اللون - وكانت الجاهلية تصغى إلى قول القافة - سر بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكونه كافاً لهم عن الطعن فيه. قال القاضى: قال غير أحمد: كان زيد أزهر اللون، وكان أسامة شديد الأدمة، زيد ابن حارثة عربى صريح من كلب، أصابه سباء، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، فوهبته للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتبناه، فكان يدعى زيد بن محمد، حتى نزلت: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} (¬2) فقيل: زيد بن حارثة، وابنه أسامة، أمه أم أيمن بركة، وتدعى أم الظباء مولاة عبد الله بن عبد المطلب، ورابّة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم أر لأحد أنها كانت سوداء، إلا أن أحمد بن سعيد الصدفى ذكر فى تاريخه من رواية عبد الرزاق عن ابن سيرين؛ أن أم أيمن هذه كانت سوداء، فإن كان هذا فلها خرج [أسامة] (¬3) لكن لو كان هذا صحيحاً لم ينكر الناس لونه لمعرفتهم بأمّه؛ إذ لا ينكر أن يلد الأبيض أسود من سوداء، وقد نسبها الناس فقالوا: أم أيمن بركة بنت محصن بن ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة ابن عمرو بن النعمان. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الطلاق، ب فى القافة (2267). (¬2) الأحزاب: 5. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر مسلم فى كتاب الجهاد عن ابن شهاب؛ أن أم أيمن كانت من الحبشة، وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب أبى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكذا ذكره الواقدى، وأما زوجها عبيد قبل [ذلك] (¬1) فكان حبشياً، إلا أن يكون معنى قول ابن شهاب " حبشية ": أى من مهاجرة الحبشة فمحتمل، فقد كانت منهن، كما قال عمر لأسماء بنت عميس: الحبشية هذه، والمعروف أنه كانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بركة أخرى حبشية، كانت تخدم أم حبيبة، فلعله اختلط أمرهما لاشتباه اسمهما. وقد قال أبو عمر بن عبد البر: وأظنها أم أيمن، وذكر بعض المؤرخين، أن أم أيمن هذه، من سبى جيش أبرهة صاحب الفيل، لما انهزم عن مكة، أخذها عبد المطلب من فَلّ عسكره - والله أعلم. وهذا يؤكد - أيضاً - ما ذكر عن ابن سيرين - والله أعلم. قال الإمام: اختلف الناس فى القول بالقافة، فنفاه أبو حنيفة، وأثبته الشافعى، ونفاه مالك فى المشهور عنه فى الحرائر وأثبته فى الإماء، وقد روى الأبهرى عن الرازى عن ابن وهب عن مالك؛ أنه أثبته فى الحرائر والإماء جميعاً. والحجة فى إثباته حديث مجزّز هذا ولم يكن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليسرّ بقول الباطل، وما تقدم - أيضاً - فى حديث عبد بن زمعة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى شبهه بعتبة، أمر سودة بالاحتجاب منه، ولأن الفراش إنما قضى به من جهة الظاهر، ولا يقطع منه على أن الولد لصاحب الفراش، فإذا فقدنا الفراش المؤدى لغلبة الظن، تطلبنا الظن من وجه آخر، وهو الشبه. واحتج من نفاه بأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعن فى قصة العجلانى، ولم يؤخر حتى تضع (¬2)، ويرى الشبه، وقد ذكر - أيضاً - فى قصة المتلاعنين، إن جاءت به على صفة كذا، فهو لفلان، ثم لم ينقض حكمه لما جاءت به على الصفة المكروهة ولا حدّها، فدل ذلك على أن الشبه غير معتبر، وانفصل عن هذا بأن هاهنا فراشاً يرجع إليه، وهو مقدم على الشبه، فلم ينقض الحكم المبنى عليه بظهور ما يخالفه، مما ينحط عن درجته، كما لم ينقض الحكم بالنص، إذا ظهر فيما بعد أن القياس بخلافه. وحجة التفرقة، أن الحرائر لهن فراش ثابت يرجع إليه، ويعول فى إثبات النسب عليه، فلم يلتفت إلى تطلب معنى آخر سواه أخفض منه رتبة، والأمة لا فراش لها، فافتقر إلى مراعاة الشبه. قال القاضى: جمهور العلماء على الأخذ بهذا إلا ما حكاه عن أبى حنيفة والثورى وأصحابهما وإسحاق. ثم أختلف القائلون، هل هو عموم فى أولاد الحرائر والإماء، أم يختص بالإماء على ما تقدم؟ ثم اختلفوا؛ هل يحتاج فيه إلى اثنين، وأنه بمعنى الشهادة، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) سيأتى فى ك اللعان برقم (1).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو [قول] (¬1) مالك والشافعى، أو يكتفى فيه بواحد، وهو قول ابن القاسم من أصحابنا. ولا خلاف بين القائلين بذلك فيما قالوه أنه إنما يكون ذلك فيما أشكل من الفراشين الثابتين، كالمشترى والبائع يطآن الأمة فى طهر واحد، قبل الاستبراء من الأول فتحمل، فتأتى بولد لأكثر من ستة أشهر من وطء الثانى، وأقل من أقصى أمد الحمل من وطء الأول، وإن كان هذا الوطء الآخر ممنوعاً منه صاحبه، فله شبهة الملك، وصحة عقده؛ ولهذا فرق مالك فى مشهور قوله بين النكاح والملك فى هذا، إذ لا يصح عقد النكاح في العدة، بخلاف عقد الشراء والاستبراء، ولم يعذره بالجهل والغفلة، لوجوب البحث والتقصى، وتفريطه فى ذلك يرجح العقد الصحيح والوطء الصحيح دون غيره، ورأى فى القول الآخر: أن الجهل بحكم النكاح فى العدة أو النسيان عذر والعقد على ذلك شبهة، توجب للفراش حكماً، كما لو لم يكن فراش متقدم مع فساد العقد وتحريم الوطء فى لحوق الولد لشبهة العقد. واختلفوا إذا ألحقته القافة بمدعييه معاً، هل يكون ابناً لهما؟ وهو قول سحنون، وأبى ثور، وقيل: يترك حتى يكبر، فيوالى من شاء منهما، وهو قول عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - وقاله مالك والشافعى. وقال عبد الملك بن الماجشون ومحمد بن مسلمة: يلحق بأكثرهما له شبهاً، قال ابن مسلمة: إلا إن علم الأول فيلحق به. وكذلك اختلف الآبون من القول بالقافة، فى حكم ما أشكل وتنوزع فيه، فقال أبو حنيفة: يلحق الولد بالرجلين إذا تنازعا فيه، وكذلك بامرأتين، وقال أبو يوسف: يلحق برجلين ولا يلحق بامرأتين، وقال محمد بن الحسن نحوه، يلحق بالآباء وإن كثروا، ولا يلحق إلا بأم واحدة. وقال إسحاق: يقرع بينهم، وقاله الشافعى فى القديم. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

(12) باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف

(12) باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف 41 - (1460) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا. وَقَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكَ سَبَّعْتُ لِنِسَائِى ". 42 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ، وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا: " لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ ثُمَّ دُرْتُ ". قَالَتْ: ثَلِّثْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله لأم سلمة: " ليس بك على أهلك هوان ": [ومعناه: لا يلحقك هوان] (¬1)، ولا يتعلق بك، بل توفى حقك من المقام والتأنيس به، وذلك لما أخذت بثوبه حين أراد الخروج، ففهم منها استقلال مقامه عندها والاستكثار منه، فبين لها ما لها وما عليها من ذلك، وأنه إن زادها على حقها، وجب أن يزيد لنسائه، فيطوّل عليها مغيبته، فآثرت القنوع بحقها من الثلاث، ثم يعطى نساءه من بعدها أيامهن المعلومة، ثم يرجع إليها، فيقرب رجوعه إليها ونوبتها منه. وفيه لطف ورفق لمن خشى منه كراهة الحق، حتى يتبين له وجه ترجيحه، فيرجع إليه. والمراد بأهلك هنا: هو نفسه - عليه السلام -: أى لا أفعل فعلاً يظهر به هوانك علىّ أو تظنيه بى. وقوله: " إن شئت سبعت عندك، كان شئت ثلثت، ثم درت "، قالت: ثلّث، وفى بعض طرقه: " إن شئت زدتك وحاسبتك به، للبكر سبع وللثيب ثلاث "، وفى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

(...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ، لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلاثٌ ". (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 43 - (...) حدّثنى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَن أُمِّ سَلَمَةَ، ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، هَذَا فِيهِ. قَالَ: " إِنْ شِئْتِ أَنْ أُسَبِّعَ لَكِ وَأُسَبِّعَ لِنِسَائِى، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض طرقه: " إن شئت أن أسبع لك وأسبع لنسائى، وإن سبعت لك سبعت لنسائى "، قَالَ الإمام: العدل بين الزوجات مأمور به، قال الله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} الآية (¬1)، وقال - عليه السلام -: " من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة شقه مائل " (¬2) وفى الترمذى: " وشقه ساقط " (¬3)، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: " اللهم قسمتى فيما أملك، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك " (¬4). وعند أبى داود: يعنى القلب، وعندى أن ذلك هو المشار إليه بقوله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} يعنى فى محبة القلب وميل الطبع الغير مكتسب. قال القاضى: وجعلوا حكم الجماع مثله، إذا لم يقصد ذلك لاستحسانه لإحداهما دون الأخرى، لكنه إنما ينشط للواحدة أكثر من الأخرى، إذ لا اكتساب له فى هذا أيضاً، ولا خلاف فى القسم فى كونه عندهن ليلاً، وأن يفرد كل واحدة ليلتها، وكذلك قول ¬

_ (¬1) النساء: 129. (¬2) أبو داود، ك النكاح، ب فى القسم بين النساء (2123). (¬3) الترمذى، ك النكاح، ب ما جاء فى التسوية بين الضرائر (1141). (¬4) أبو داود، ك النكاح، ب فى القسم بين النساء (2134)، الترمذى، ك النكاح، ب ما جاء فى التسوية بين الضرائر (1140).

44 - (1461) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا. قَالَ خَالِدٌ: وَلَوْ قُلْتُ: إِنَّهُ رَفَعَهُ لَصَدَقْتُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ كَذَلِكَ. 45 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ وخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا. قَالَ خَالِدٌ: وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عامة العلماء فى النهار. وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك فى الليل دون النهار، ولا يدخل لإحداهما فى يوم الأخرى وليلتها لغير حاجة. واختلفوا فى دخوله لحاجة وضرورة، أو لأخذ ثيابه أو وضعها، أو افتقاد متاعه، أو لعيادتها، والأكثر لمالك وأصحابه وغيرهم جواز ذلك، وقال أيضاً: لا يفعله إلا من عذر لابد منه، ومنعه فى كتاب ابن حبيب. وكذلك يعدل بينهن فى النفقة والكسوة، إذا كن معتدلات الحال، فلا يلزمه ذلك إذا اختلفت أحوالهما فى المناصب والمناسب، وأجاز مالك أن يفضل إحداهما فى الكسوة على غير وجه الميل. قال الإمام: والبكر إذا تزوجت أقام عندها سبعاً، وعند الثيب ثلاثاً، لأجل هذا الحديث، ولا قضاء عليه بعد ذلك لمن عنده من النساء، ولا يحاسب هذه الجديدة بهذه الأيام. وقال أبو حنيفة بأنها تحاسب، ورأى أن العدل والمساواة واجب فى الابتداء كوجوبه فى الاستدامة والاستمرار، وقوله - عليه السلام -: " للبكر سبع " يرد ما قال؛ لأن هذه لام التمليك، ومن ملك الشىء لا يحاسب به، ولأنه لا معنى للتفرقة بين البكر والثيب ولا معنى له للاقتصار فى العدد على الثلاث والسبع، إذا كان القضاء واجباً فى جميع الأعداد. وتعلق أبو حنيفة بالقاعدة الواردة بالعدل، وهى مخصوصة بهذا الحديث، وتعلق أيضاً لقوله لأم سلمة: " وإن سبعت لك سبعت لنسائى "، وهذا ما اختلف المذهب فيه عندنا؛ فمذهب مالك فيما ذكره ابن المواز عنه أنه ليس له أن يسبع عند الثيب، ويمكن عندى أن يكون مالك رأى ذلك من خصائص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه خُصَّ فِى النكاح بأمور لم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تجز لأمته. وقال ابن القصار: إذا سبّع للثيب سبّع لبقية نسائه أخذاً بظاهر هذا الحديث، ولا يدل عنده على سقوط الثلاث لها كما قال أبو حنيفة؛ لأنه يحمل على أن الثلاث تجب لها من غير محاسبة، بشرط ألا تختار السبع، وإن اختارت السبع والتوافر عاجلاً حوسبت، وهذا لا إحالة فيه، ولا يعد فى أن يجب للإنسان الحق بشريطة على صفة، ويسقط عند فقدها. واختلف المذهب عندنا، هل ذلك حق للمرأة، أو حق للزوج؟، فقيل: هو حق للمرأة بقوله: " للبكر سبع "، وهذه لام التمليك، وقيل: هو حق للزوج على بقية نسائه لحاجته إلى اللذة بهذه الجديدة، فجعل له فى الشرع زيادة فى الاستمتاع. وإذا قلنا بأنه حق لها، هل يجبر عليه أو لا؟ اضطرب أهل المذهب فيه أيضاً. قال القاضى: اختلف العلماء، هل هذا الحق للثيب والبكر خاصة، فيمن له زوجات دون من لا زوجة له إلا هذه المتزوجة، أو هو على العموم فى الجميع؟ قال أبو عمر بن عبد البرّ: عند أكثر العلماء أن هذا واجب لها، كان عند الرجل زوجة أو لا، لعموم قوله: " إذا تزوج البكر أقام عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً "، ولم يخص من له زوجة من غيره. قال غيره: معنى الحديث فيمن له زوجة غير هذه؛ لأن من لا زوجة له مقيم مع هذه دهره، مؤنس لها، مستمتع دون قاطع، فلا معنى للمقام الذى احتيج للبكر لتأنيسها سبعاً متصلاً، حتى يستحكم ويستقر، وليقضى لذته هو منها لجدتها، ولئلا يقطع دورانه على غيرها تأنيسها، ويقطع ذلك عليه مراده وميله لجديدة. وجعلت دون ذلك للثيب؛ لممارستها الرجال قبل، وأنها إنما تحتاج مع هذا الجديد دون ما تحتاج البكر، وهذا من المعروف الذى أمره الله بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف} (¬1)، وهذا هو الأظهر لقوله فى الحديث نفسه: " إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً ". وما تقدم من أنها حقوق لهما، لا يحاسبهما به غيرهما، ويستأنف القسم بعد الثلاث أو السبع، وهو مذهب مالك والشافعى وأحمد وإسحاق والطبرى وأبى ثور وجماعة العلماء، خلافاً لأهل الرأى والحكَم وحماد، فى أن الثيب والبكر فى القسم سواء، ولذلك الطارئة مع من عنده من النساء سواء، فما جلس عند الطارئة حاسبها به، وجلس عند سائر أزواجه مثله، وإن زاد يوماً واحداً. وللأوزاعى فِى قوله: يجلس عند البكر سبعاً، فإذا تزوج البكر على الثيب مكث ثلاثاً، وإذا تزوج الثيب على البكر، مكث يومين. وهذا قول الحسن وابن المسيب. وقال سفيان كقول أبى حنيفة، إلا أنه قال: إن تزوج البكر على الثيب قعد عندها ليلتين، ثم قسم، والسُّنة المتقدمة تخالفهم. ¬

_ (¬1) النساء: 19.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الخطابى: وقوله: " إن شئت سبعت لك وسبعت لنسائى " لا حجة فيه؛ لسقوط حقها إذا لم يسبع لها، وهو الثلاث، ولو كان ذلك لم يكن للتخيير معنى؛ إذ لا يخير الإنسان بين جميع الحق وبعضه، ولم يختلفوا أنه إذا سبّع أنه يسبع لبقية نسائه، وبه قال الشافعى وأحمد بن حنبل، وقاله النخعى والشعبى وأنس بن مالك. وقوله: " وإن شئت ثلثت ثم درت ": حجة على المخالف، أنها لا تحاسب بالثلاث، ولا البكر بالسبع، لقوله: " درت "، وفرق بين هذا وبين قوله: "وإن شئت سبعت، وإن سبعت لك سبعت لنسائى "، وهو بيّن. وفى " دُرت " حجة لمن ذهب أن القسم لا يكون إلا يوماً يوماً، وإليه ذهب ابن المنذر، وهو قول مالك. وذهب الشافعى إلى جواز قسمه بينهن ثلاثاً ثلاثًا، ويومين يومين. ولم يختلفوا إذا كان القسم أكثر من يومين بتراضيهن أجمع أنه جائز. وذكر مسلم فى سند حديث أم سلمة فى الباب رواية يحيى بن سعيد عن سفيان، عن محمد بن أبى بكر، عن عبد الملك بن أبى بكر، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه، عن أم سلمة. كذا صحيحه هنا فى أصولنا، ووقع فيها فى بعض النسخ اختلال لا يلتفت إليه. قال الدارقطنى: خرجه مسلم متصلاً هنا، وكذلك من حديث حفص بن غياث بعد هذا، وقد أرسله عبد الله بن أبى بكر وعبد الرحمن بن حميد، عن عبد الملك بن أبى بكر، عن أبى بكر بن عبد الرحمن؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً وهو مما تتبعه الدارقطني على مسلم. قال القاضى: ولا تتبع على مسلم فيه؛ إذ قد بين علته، وهذا يدل على ما ذكرناه أول الكتاب؛ أن ما وعد به من ذكر علل الحديث، قد وفى به وذكره فى الأبواب، خلاف من ذهب إلى أنه مات قبل تمام الكتاب، على ما ذهب إليه أبو عبد الله الحاكم. وقوله فى حديث: ليس فى هذا الحديث السنة، كذلك يلحق بالمسند عند أئمة العلماء؛ لأن الصحابى إذا قال: السنة كذا، فهو مسند، إذ لا يحيل بالسنة إلا على ما عهد من النبى - عليه السلام - وسنته، وقد رفعه غير واحد عن أنس. وقد اختلف قول مالك: هل المقام هذه المدة عندها إذا كان له امرأة أخرى على الزوج على الوجوب؟ وهى رواية ابن القاسم عنه، أو على الاستحباب؟ وهى رواية ابن الحكم.

(13) باب القسم بين الزوجات، وبيان أن السنة أن تكون لكل واحدة ليلة مع يومها

(13) باب القسم بين الزوجات، وبيان أن السنة أن تكون لكل واحدة ليلة مع يومها 46 - (1462) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لا يَنْتَهِى إِلَى الْمَرْأَةِ الأُولَى إِلا فِى تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِى بَيْتِ الَّتِى يَأتِيهَا. فَكَانَ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ، فَجَاءَتْ زَيْنَبُ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ: هَذِهِ زَيْنَبُ. فَكَفَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ. فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ، فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن، لا ينتهى إلى المرأة الأولى إلا فى تسع، فكن يجتمعن كل ليلة فى بيت التى يأتيها ": هذا حجة فى أن الزوج لا يأتى غير صاحبة القسم فى بيتها لغير حاجة كما تقدم؛ وأما مجيئهن عند هذه، فبرضاهن واتفاقهن على هذا، وإلا فمن حق صاحب القسم أن يمنعهن. وقوله: " وكان فى بيت عائشة، فجاءت زينب فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكف يده ": حجة على أنه لا يباح له الاستمتاع بواحدة منهن فى يوم الأخرى، ودلّ أن مد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده، إنما كان وهو يظنها عائشة صاحبة اليوم، لكون ذلك ليلاً، ولم تكن لهن مصابيح، لكن البخارى قد روى أنه كان إذا انصرف من العصر، دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، وذكر حديث حفصة (¬1). قال بعضهم: وهذا كان منه فى النادر، إذ لم يكن القسم فرضاً عليه، كما سنذكره، وقد يكون هذا منه بمراضاة صاحبة اليوم أن يستمتع بغيرها فى يومها، ولا خلاف فى جواز ذلك. وقوله: " فتقاولتا حتى استخبتا ": كذا عند كافة الشيوخ بالخاء المعجمة، بعدها باء بواحدة مفتوحتين، من السَّخب، وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها، وتقال بالصاد أيضاً، كما قال: تقاولتا، كثر الكلام بينهما من أجل الغيرة عليه. ووقع فى رواية السمرقندى: " استحثيا " بسكون. الحاء المهملة، وبعدها ثاء مثلثة وبعدها ياء باثنتين تحتها، ومعناه - إن لم يكن تصحيفاً -: حثت كل واحدة فى وجه ¬

_ (¬1) البخارى، ك النكاح، ب دخول الرجل على نسائه فى اليوم، الفتح (5216).

فَقَالَ: اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَى الصَّلاةِ، وَاحْثُ فِى أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ. فَخَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: الآنَ يَقْضِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ، فَيَجِىءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِى وَيَفْعَلُ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ لَهَا قَوْلاً شَدِيدًا، وَقَالَ: أَتَصْنَعِينَ هَذَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخرى التراب. فيه ما كان عليه - عليه السلام - من حسن الخلق، ومداراة الجميع، ومن جميل العشرة. وذكر خروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصلاة بعد هذا، وقد ذكر مدّ يده إلى زوجته، ولم يذكر أنه توضأ، فقد يحتج به الكوفيون فى سقوط الوضوء من الملامسة، كما تقدم فى كتاب الطهارة، ولا حجة له، وليس فى الحديث أنه لمس، وإنما قال: " مدّ يده "، فكان كفاقد اللذة بقلبه، ولم يلمس ولم يلتذ. وقوله: " واحث فى أفواههن التراب ": مبالغة فى التسكيت لمن لم يسكت عن كلام يكره، ومرَّ مثله فى الجنائز فى خبر معفر (¬1). ¬

_ (¬1) سبق فى ك الجنائز، ب التشديد فى النياحة رقم (30).

(14) باب جواز هبتها نوبتها لضرتها

(14) باب جواز هبتها نوبتها لضرتها 47 - (1463) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَى أَنْ أَكُونَ فِى مِسْلاخِهَا منْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِى مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَاَئِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا، وَيَوْمَ سَوْدَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث سودة وقول عائشة: " أن أكون فى مسلاخها ": أى فى جلدها، وحقيقة ذلك أن تكون هى؛ لأن أحداً لا يكون فى جلد غيره ولا فى غير جلده. وقوله: " من امرأة فيها حدة ": من هنا للسان واستفتاح الكلام، والخروج من وصف إلى مخالفه، ولم ترد عائشة بهذا عيبتها، إذ لم تقصد تنقيصها، بل كثير من الناس يتفاخر بها ويحسبها رجلة، وضدها فسولة وضعة، وخير الأمور أوساطها. وقولها: " فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة ": فيه جواز مثل هذا؛ لأنه حقها، وجائز أن تأخذ منه على هذا مالاً، لتهب حقها فى الوطء أو تعطيه، على أن يمسكها كيف شاء، من أثرة أو غير أثرة، وهو معنى قوله تعالى: {وَإِن امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية (¬1). واحتج به ابن المنذر أن قسم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما كان مُيَاوَمَة، وأنه سنة لا تخالف، وقد تقدم الكلام فيه، وليس ببين. وفيه أن القسم من حق المرأة، ولها إسقاطه، وأن تراضى الضرات بالتفاضل بينهن جائز عليهن، ومباح للزوج لا حرج عليه فيه، ولا يدخل فى النهى لانه حقها وهبته، لكن لها عند مالك الرجوع فيه متى شاءت، وللزوج - أيضاً - ألا يرضى بجعل يومها لمن وهبته له من ضراتها. وقوله: " فكان يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة ": لا يفهم منه توالى اليومين على ظاهر اللفظ، بل يومها المعلوم ويوم سودة المعلوم، كان ثالثاً فى القسم أو رابعاً، إلا أن تكون كانت تالية لعائشة أو سابقة، فيكون متوالياً، ويحتمل ذلك لأنهما متواليتين فى زواجه لهما، على خلاف من هى منهما قبل صاحبتها، على [ما] (¬2) نذكرهُ بعد هذا، فيحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجرى القسم وترتيبه على رتبة تقدمهن فى النكاح وتواليهن - والله أعلم. ¬

_ (¬1) النساء: 128. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

48 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ شرِيكٍ: قَالَتْ: وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بَعْدِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجرى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم العدل بين نسائه، مجرى الحقوق اللازمة، وألزم ذلك نفسه، وإن لم يكن لازماً له، لتقتدى بذلك أمته للزوم ذلك لها، وليظهر العدل بين نسائه، فيطيب قلوبهن، ويحسن معه عشرتهن، ولا يدخل بينهن من التحاسد والعداوة ما يكدر صحبتهن، كما قال تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} (¬1) قيل: أى لا يحزن إذا كان هذا منزلاً عليك ويرضين بما فعلت من تقريب أو إرجاء؛ إذ كان العدل بينهن فى حقه غير واجب، قال الله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء} (¬2). قال قتادة: هذا شىء خص الله به نبيه - عليه السلام - لا ليس لأحد غيره، كان يدع المرأة من نسائه ما يشاء، بغير طلاق، فإذا شاء راجعها، وهو معنى قوله: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْك} (¬3). وقيل: أرجأ واحدة منهن، ولكن وُهب نسوة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسمهن، والظاهر التخيير. قيل: ولا يبعد أن يكون اختار الإيواء لجميعهن إلا سودة، لرضاها بترك يومها، وسيأتى الكلام بعد فى هذا. وقول عائشة عنها: " وكانت [أول] (¬4) امرأة تزوجها بعدى ": كذا ذكره مسلم من رواية يونس عن شريك، وهكذا قال يونس - أيضاً - عن ابن شهاب، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وروى عقيل بن خالد عن ابن شهاب خلافه، وأنه - عليه السلام - تزوج سودة قبل عائشة، قال ابن عبد البر: وهذا قول قتادة وأبى عبيدة. وذكر مسلم حديث الموهوبة واللائى وهبن أنفسهن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا من خصائصه - عليه السلام. وقول عائشة فى ذلك: " أما تستحى المرأة أن تهب نفسها، فأنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآية، فقلت: إن ربك ليسارع فى هواك ": اختلف السلف فى هذه الآية، فقيل: هى ناسخة لقوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْد} (¬5)، مبيح له أن يتزوج ما شاء. قال زيد بن أسلم: تزوج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد نزول هذه الآية ميمونة ومليكة وصفية وجويرة، وقالت عائشة: ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى أحل الله له النساء، ¬

_ (¬1): (¬3) الأحزاب: 51. (¬4) من الصحيحة المطبوعة. (¬5) الأحزاب: 52.

49 - (1464) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللاتِى وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقُولُ: وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} (¬1) قَالَتْ: قُلْتُ: وَاللهِ؛ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلا يُسَارِعُ لَكَ فِى هَوَاكَ. 50 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: أَمَا تَسْتَحْيى امْرَأَةٌ تَهبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ؟ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء} فَقُلْتُ: إِنَّ رَبَّكَ لَيُسَارِعُ لَكَ فِى هَوَاكَ. 51 - (1465) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أخَبَرَنِى عَطَاءٌ، قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل بعكس هذا، وأن قوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْد} ناسخة للأخرى، وناسخة لقوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآية (¬2). وقيل: هذه الآية محكمة، وكما حرّم عليهن النكاح بعده - عليه السلام - حرّم عليه أن يتزوج على نسائه. وقيل: معناها: لا يحل لك الاستبدال بهن، ولك الزواج عليهن. وقيل: المراد: لا يحل لك النساء من بعد المسلمات، فخرج نكاح الكوافر خاصة. فى قوله فى الحديث بعد هذا: " فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعدما نزلت، يستأذننا إذا كان يوم المرأة منا " (¬3): دليل على ما تقدم، من أن قسمه لم يكن واجباً عليه، وإنما كان يقع منه تطييبًا لنفوسهن، وحسن عشرة لهن، وليقتدى به فى ذلك من يجب عليه. وقول عطاء: " حضرنا جنازة ميمونة بسرف مع ابن عباس ": لا خلاف أنها توفيت بسرف، وفى الموضع الذى بنا بها فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفية عقد نكاحها معه، وكان اسمها فيما ذكر: " برّة " فسماها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ميمونة. قال ابن شهاب: وهى التى ¬

_ (¬1) الأحزاب: 51. (¬2) الأحزاب: 50. (¬3) البخارى، ك التفسير، ب سورة الأحزاب 6/ 147.

رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلا تُزَعْزِعُوا، وَلا تُزَلْزِلُوا، وَارْفُقُوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعٌ، فَكَانَ يَقْسِمُ لثمَانٍ وَلا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ. قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِى لا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىِّ بْنِ أَخْطَبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهبت نفسها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: هى أم شريك، وقيل: زينب بنت خزيمة. وقوله: " وكان عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع، فكان يقسم لثمان، ولا يقسم لواحدة ": هذا مما خص به النبى - عليه السلام - أيضاً. قال الشافعى: إن الله تعالى لما خص به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وحيه، وأبان بينه وبين خلقه بما فرض عليهم من طاعته، افترض عليه أشياء، خففها على خلقه، ليزيد بها قربة إليه، وأباح له أشياء حظرها على خلقه، زيادة فى كرامته، وتبييناً لفضيلته، فمن ذلك؛ أن كل من ملك زوجة فليس يخيّرها، وأمره الله أن يخير نساءه فاخترنه، وقال: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْد} (¬1). قالت عائشة: ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أحل الله له النساء التى حظرت عليه، وقال تعالى: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِي} الآية (¬2)، وقال: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} الآية (¬3)، فأبانهن من النساء، وخصه بأن جعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم. وقال الخطابى كلاماً معناه: أن الله - عز وجل، اختار لنبيه - عليه السلام - من الأمور أفضلها، وجمع له الفضائل التى يزداد بها فى نفوس العرب جلالة وفخامة، وكانت العرب تفاخر بقوة النكاح، وكان - عليه السلام - من قوة البنية، واعتدال المزاج، على ما شهدت له الأخبار، ومن هو بهذه الصفة من كمال الخلقة، كان دواعى هذا أغلب عليه، وكان ما عداها منسوباً إلى نقص الجبلة، وضعف النجيزة، فأبيح له الزيادة على أربع، ومنع غيره من أمته ذلك، لغلبة الخوف ألا يعدلوا فيهن، ولا يقوموا بحقوقهن، وأمن ذلك منه - عليه السلام - ويدل على هذا قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية إلى قوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} (¬4) فعلق الحكم بالعلة المقرونة بالذكر، وهى من خوف ألا يعدلوا، وكانت العلة مرتفعة فى حقه - عليه السلام. قال: ويبين ذلك إباحته من الإماء كان بغير حد ولا عدد، بقوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} إذ لم يكن للإماء من الحق ما للحرائر من التسوية والتعديل. قال: وأيضاً فإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجوز عليه مواقعة ما لا يحل من الاستمتاع ولا تطلّع ¬

_ (¬1) الأحزاب: 52. (¬2) الأحزاب: 50. (¬3) الأحزاب: 32. (¬4) النساء: 3.

52 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَالَ عَطَاءٌ: كَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا؛ مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ النفس إلى ما فى أيدى رجال أمته، ولم يتسع أولاً حاله لاقتناء الإماء ليستكثر منهن، فوسع عليه فى الحرائر، واختير له أفضل النوعين. ولهذا قال بعض السلف: إنه لم يكن يجوز له - عليه السلام - نكاح حرائر الذميات بخلاف أمته، قال غيره: لئلا تكون كافرة أماً للمسلمين. قال الخطابى: ولأنه - عليه السلام - حض على النكاح، ونهى عن التبتل، فكان - عليه السلام - أولاهم باستيفاء ما دعى إليه، والاستكثار فيه، ليفتدى به الإماء، إلا ما خص به من ذلك. وقول عطاء: التى لا يقسم لها صفية بنت حيى، كذا جاء فى هذا الحديث. قال الطحاوى: وهو وهم، وصوابه: سودة كما تقدم، فى الأحاديث المتقدمة إذ وهبت يومها لعائشة، وإنما غلط فيه ابن جريج، وهو راوى هذا الحديث عن عطاء. قال القاضى: قد ذكر غيره فى قوله تعالى: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآية (¬1): كان ممن آوى إليه عائشة وأم سلمة وزينب وحفصة وكان قسمه من نفسه وماله فيهن بالسواء. وكان ممن أرجأ سودة وجويرة وصفية وأم حبيبة وميمونة، فكان يقسم لهن ما شاء، فهذا يدل أن القسم فى حقه - عليه السلام - غير واجب، ولعل رواية ابن جريج هنا صحيحة، وأخبر عن آخر أمره - عليه السلام - وأنه توفى وقد آوى جميعهن إلا صفية، فأرجأها ولم يقسم لها، إذ كان قد جعل الله له أن يؤوى إليه من يشاء ويرجى من يشاء. وقوله: " قال عطاء: كانت آخرهن موتاً، ماتت بالمدينة ": ظاهره أنه أراد ميمونة المذكورة وَفَاتُهَا، وقد ذكر أول الحديث أنها توفيت بسرف، وسرف عنى ستة أميال من مكة، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: اثنا عشر ميلاً. ولا خلاف أن ميمونة توفيت بسرف، فقوله: " بالمدينة " على هذا وهم. وهى آخرهن موتاً، فقيل: إنها ماتت سنة ثلاث وستين، وقيل: سنة ست وستين، وقد قيل: إنها توفيت سنة إحدى وخمسين قبل عائشة، فإن عائشة توفيت بعد هذا سنة سبع، وقيل ثمان وخمسين، وأما صفية فتوفيت سنة خمسين، وزينب توفيت آخر أيام عمر بن الخطاب. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 51.

(15) باب استحباب نكاح ذات الدين

(15) باب استحباب نكاح ذات الدين 53 - (1466) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك "، قال الإمام: فى ظاهر هذا حجة لقولنا: إن المرأة إذا دفع لها فى الصداق الزوج ليسارها، ولأنها تسوق إلى بيته من الجهاز ما جرت عادة أمثالها به، وجاء الأمر بخلافه، فإن للزوج مقالاً فى ذلك، ويحط من الصداق الزيادة التى زادها لأجل الجهاز، على الأصح عندنا على أصلنا، إذا كان المقصود من الجهاز فى حكم التبع، لاستباحته البضع، كمن اشترى سلعتين فاستحقت الأدنى منهما، فإنه إنما ينقضى البيع فى قدر المستحقة خاصة. وقوله: " لحسبها ": قال الهروى: احتاج أهل العلم لمعرفة الحسب؛ لأنه مما يعتبر فى مهر مثل المرأة، قال شمر: الحسب: الفعال الحين للرجل وآبائه، مأخوذ من الحساب، إذا حسبوا مناقبهم، وذلك أنهم إذا تفاخروا عدّ كل واحد منهم مناقبه، ومآثر آبائه، وحسبوا. فالحسب: العدد، المعدود حسبٌ، كالنَّقْضِ والنَّقَضِ، والخَبْطِ والخَبَطِ. وفى حديث آخر: " كرم الرجل دينه، وحسبه خلقه " (¬1). وللحسب معنى آخر، وهو عدد ذوى قرابته. بيان ذلك حديثه - عليه السلام - لما قدم عليه وفد هوازن يكلمونه فى سبيهم، قال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اختاروا: إما المال، وإما السبى "، فقالوا: أما إذ خيرتنا بين المال والحسب، فإنا نختار الحسب، فاختاروا أبناءهم ونساءهم (¬2) وفى حديث سماك: " ما حسبوا ضيفهم " أى ما أكرموه، وفى حديث ¬

_ (¬1) الدارقطنى 3/ 303 (214)، الحاكم 1/ 123، 124 وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الذهبى: فيه مسلم بن خالد الزنجى المكى وهو ضعيف، وما خرج له، ابن حبان فى الإحسان (483)، كشف الخفا 2/ 109 (1924)، وذكره ابن عدى فى الكامل 6/ 111 فى ترجمة مسلم بن خالد؛ أبو خالد الزنجى مكى وذكره ابن حبان فى الثقات وقال ابن عدى فى الكامل فى الثقات: وقال البخارى: منكر الحديث، وقال ابن المدينى: ليس بشىء، ولفظ الحديث: " كرم المرء دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه "، من حديث أبى هريرة. (¬2) النسائى، ك الهبة، ب هبة المشاع (3688) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أحمد 2/ 184، 218.

54 - (715) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: تزَوَّجْتُ امْرَأَةً فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " يَا جَابِرُ، تَزَوَّجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " بِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟ ". قُلْتُ: ثَيِّبٌ. قَالَ: " فَهَلا بِكْرًا تُلاعِبُهَا؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِى أَخَواتٍ، فَخَشِيتُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنِى وَبَيْنَهُنَّ. قَالَ: " فَذَاكَ إِذَنْ، إِنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ طلحة: هذا ما اشترى طلحة [من فلان] (¬1) بكذا وكذا درهماً. والحسب الطيب، أى الكرامة وطيب النفس، وحسبت الرجل: أجلسته على الحسبانة، وهى الوسادة. قال القاضى: ظاهر كلامه إباحة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النكاح للمال والحسب وبقية الأوصاف، وهو كما قال، لكنه آثر - عليه السلام - مقصد الدين، وحض عليه وأغرى به وقال الداودى فى معناه: إنما أخبر - عليه السلام - بما يفعله الناس، ليس أنه أمر بذلك، وقد تقدم القول على قوله: " فعليك بذات الدين تربت يداك "، وقول من قال: افتقرت وتعبت إن لم تفعل، وقول من قال: معناه: لله درك إن فعلت ما أمرتك به، وغير ذلك من معانى " تربت يداك " فى كتاب الطهارة. واختلف العلماء فى مراعاة الكفاءة فى النكاح، وما هى؟ فعند مالك: الكفاءة: الدين، والمسلمون بعضهم لبعض أكفاء، والمولى كفء للقرشية، وروى مثله عن عمر وابن مسعود وجماعة من الصحابة والتابعين. وقال غيره: الكفاءة معتبرة فى الحال والنسب، فعند أبى حنيفة: قريش كلهم أكفاء، وليس غيرهم من العرب لهم بكفء وكذلك العرب أكفاء بعضهم لبعض، وليس الموالى لهم بأكفاء، وممن له من الموالى آباء فى الإسلام بعضهم لبعض أكفاء، وليس المعتق نفسه بكفء لمن له الآباء فى الإسلام. وقال الشافعى: ليس نكاح غير الكفء بمحرّم فأردّه، وإنما هو حق للمرأة والأولياء، فإن تراضى جميعهم بغير كفء جاز. وقال الثورى: يفرق بين العربية والمولى، ويشدّد فى ذلك. وقال أحمد: قال الخطابى: الكفاءة فى قول أكثر العلماء فى أربعة: الدين والنسب والحرية والصناعة. واعتبر بعضهم السلامة من العيوب واليسار. قال بعض شيوخنا: الكفآء فى الدين: المتشاكلون كان كان بينهم تفاضل، وكذلك يكون أيضًا المراعاة فى الحال والنسب والمال، لا أنه يكون بقدر واحد وغير متقارب، بل ¬

_ (¬1) سقط عن الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكونان ممن ينطلق عليه اسم الشرف واسم الحسب أو المال، وإن كان بعضهم أعلى درجة فيه من بعض، إلا أن يكون إحداهما خالياً منه بالكلية. وفى قوله: " تنكح لمالها " قال بعضهم: فيه دليل أن للرجل الاستمتاع بمال الزوجة وأنه يقصد لذلك، وإلا فكانت كالفقيرة، ولم يكن بهذا الكلام فائدة، فإن طابت به نفسها فهو حلال وإن منعت فله بقدر ما بذلك من الصداق. وعلى هذا اختلفوا فى إجبارها على التجهيز بصداقها، فألزمها ذلك مالك ولم يجز لها منه قضاء دين ولا نفقته لغير جهازها، إلا أن تنفق اليسير من الكثير. وقال الكوفيون: لا تجبر على شىء، وهو مالها تفعل فيه ما تشاء.

(16) باب استحباب نكاح البكر

(16) باب استحباب نكاح البكر 55 - (...) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَم. قَالَ: " أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ ". قُلْتُ: ثَيِّبًا. قَالَ: " فَأَيْنَ أَنَتَ مِنَ العَذَارَى وَلِعَابِهَا؟ ". قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُهُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ جَابِرٍ. وَإِنَّمَا قَالَ: " فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجابر: " فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك "، قال الإمام: قال بعضهم: يحتمل أن يكون أراد بقوله: " تلاعبها " من اللعاب، ويدل عليه ما فى بعض طرق مسلم: " فأين أنت من العذارى ولعابها "، وما جاء فى الحديث الآخر: " أنهن أطيب أفواهاً، وأنتق أرحاماً " (¬1)، ورواية أبى ذر فى البخارى، من طريق المستملى: " ولعابها " بالضم (¬2). قال القاضى: أكثر المتكلمين على الحديث حملوا الملاعبة، من اللعب، بدليل قوله فى الحديث: " تضاحكها وتضاحكك "، وفى كتاب أبى عبيد: " تداعبها وتداعبك "، وروايتنا فى كتاب مسلم: " لِعابها " بكسر اللام، وهو مصدر لاعب، من الملاعبة، كالقتال من المقاتلة. وفى الحديث فضل تزويج الأبكار، ولاسيما للشباب. وفيه سؤال الإمام رعيته عن أمورها، وتفقده مصالحها، وأن مرغوب النكاح الاستمتاع والاستلذاذ، وبقدر ذلك تكون الألفة، وذلك فى الأبكار أوجد. وفيه جواز ملاعبة الأهل والترغيب فيها، وقد مدح الله تعالى نساء أهل الجنة فقال: {عُرُبًا أَتْرابًا} (¬3). قيل: العُرب: المتحببات لأزواجهن، وقيل: الحسنة التبعل، وهو من هذا. وقول جابر فى اعتذاره عن زواج الثيب ما ذكر من قيامها على أخواته، وتصويب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك له، ما هو الأولى من إيثار مصلحة الحال والنفس والآل على شهواتها ولذاتها. وفيه ما يلزم المرأة من القيام بمصالح زوجها، وما تندب إليه من برّ إليه، والقيام ¬

_ (¬1) سنن سعيد بن منصور رقم (513) بلفظ: " إنهن أطيب أفواهاً، وأعز أخلاقاً، وأفتح أرحاماً ". ط دار الكتب العلمية. (¬2) انظر: الفتح 9/ 122. (¬3) الواقعة: 37.

56 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ - أَوْ قَالَ: سَبْعَ - فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا. فَقَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جَابِرُ، تَزَوَّجْتَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ " أَوْ قَالَ: " تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ - أَوْ سَبْعَ - وَإِنِّى كَرِهْتُ أَنْ آتِيَهُنَّ أَوْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَجِىءَ بِامْرَأَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ. قَالَ: " فَبَارَكَ اللهُ لَكَ "، أَوْ قَالَ لِى خَيْرًا. وَفِى رِوَايَةِ أَبِى الرَّبِيعِ: " تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ؟ "، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ قَالَ: " أَصَبْتَ "، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 57 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزَاةٍ، فَلَمَّا أَقْبَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِى قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِى رَاكِبٌ خَلْفِى، فَنَخَسَ بَعِيرِى بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِى كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " مَا يُعْجِلُكَ يَا جَابِرُ؟ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ؛ فَقَالَ: " أَبِكْرًا تَزَوَّجْتهَا أَمْ ثَيِّبًا؟ ". قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ على أموره وإن لم يجب ذلك عليها. وقوله: " تعجلت على بعير لى قَطُوفٍ ": هو البطىء المشى، قاله أبو زيد. وقال الخليل: هو البطىء المتقارب الخطو، وقد جاء فى الرواية الأخرى مفسراً من قوله: " فأبطأ بى جملى "، وفى الأخرى: " على ناضحٍ، إنما هو فى أخريات الناس ". والناضح: الجمل، سمّى بذلك لأنه ينضح عليه الماء! أى يستقى به. قال الإمام: القطوف: الذى يقارب الخطو فى سرعة، قال الثعالبى: إذا جاء الفرس يمشى وثباً وثباً فهو قطوف، فإن كان يرفع يديه ويقوم على رجليه فهو شبوب، فإذا كان يلتوى براكبه حتى يسقط عنه فهو قموص، فإذا كان مانعاً ظهره فهو شموس. وقوله: " فنخس بعيرى بعنزة ": قَال أبو عبيد فى مصنفه: هى قيد نصف الرمح أو أكبر شىء، وفيها زج مثل زج الرمح، قال الثعالبى: فإن طالت شيئًا فهى نيزك،

قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: " هَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ ". قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ. فَقَالَ: " أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلاً - أَى عِشَاءً - كَىْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ ". قَالَ: وَقَالَ: " إِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ ". (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِىَّ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِى جَمَلِى، فَأَتَى عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِى: " يَا جَابِرُ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " مَا شأنُكَ؟ ". قُلْتُ: أَبْطَأَ بِى جَمَلِى وَأَعْيَا فَتَخَلَّفْتُ. فَنَزَلَ فَحَجَنَهُ بِمِحْجَنِهِ. ثُمَّ قَالَ: " ارْكَبْ "، فَرَكِبْتُ، فَلَقدْ رَأَيْتُنِى أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَتَزَوَّجْتَ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومِطْرد، فإذا زاد طولها وفيها سنان عريضة فهى آلة وحربة. قال القاضى: جاء فى الرواية الأخرى: " فحجنه بمحجن ": أى نخسه به، والمحجن عصا فيها تعقف، يلتفظ بها الشىء من الأرض، وتلوى بها عنق الشاة، وتحبس إذا ندَّت. وقوله: " فلقد رأيتنى أكفه ": أى أحبسه، وفى الرواية الأخرى: " فانطلق بعيرى كأجود ما أنت راء من الإبل ": فيه معجزة من معجزاته، وعلامة من علامات نبوته، وبركة من بركات لمسه ويده - عليه السلام. وقوله: " فلما أقفلنا ": كذا لابن ماهان، ولابن سفيان: " أقبلنا " ووجه الكلام: " قفلنا " ثلاثى، يقال: قفل الجيش والرفقة، وأقفلهم الأمير وقفلهم وقفّلهم أيضاً، قيل: لعله " قفلنا "، وقد يحتمل على الرواية أن يكون " أقفلنا " بفتح اللام، أى أقفلنا النبى - عليه السلام - المذكور قبل، وأقفلنا على ما لم يسقى فاعله، أو يكون: أقفل بعضنا بعضاً بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك. وقوله: " أمهلوا حتى ندخل ليلاً - أى عشاء - كى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة "، قال الإمام: الاستحداد: استفعال من الحديد، يعنى الاستحلاق به، وقد تقدم ذكره. والمغيبة: التى غاب عنها زوجها، يقال: [غابت المرأة، أى غاب عنها زوجها] (¬1) فهى مغيبة بالهاء، وأشهدت إذا حضر زوجها، فهى مُشْهد بغير هاء. ¬

_ (¬1) سقط من نسخ الإكمال، والمثبت من ع.

فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ ". فَقُلْتُ: بَلْ ثَيِّبٌ. قَالَ: " فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ ". قُلْتُ: إِنَّ لِى أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ. قَالَ: " أَمَا إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ ". ثُمَّ قَالَ: " أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَاشْتَرَاهُ مِنِّى بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجَدِ. فَقَالَ: " الآنَ حِينَ قَدِمْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَدعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ". قَالَ: فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَمَرَ بِلالاً أَنْ يَزِنَ لِى أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِى بِلالٌ، فَأَرْجَحَ فِى الْمِيزَانِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ. فَلَمَّا وَلَّيْتُ قَالَ: " ادْعُ لِى جَابِرًا "، فَدُعِيتُ، فَقُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَّى الْجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ أَبْغَضَ إِلَى مِنْهُ. فَقَالَ: " خذْ جَمَلَكَ، وَلَكَ ثَمَنُهُ ". 58 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا فِى مَسِيرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ، إِنَّمَا هُوَ فِى أُخْرَياتِ النَّاسِ. قَالَ: فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَوْ قَالَ: نخَسهُ - أُرَاهُ قَالَ - بِشَىءٍ كَانَ مَعَهُ. قَالَ: فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَقَدَّمُ النَّاسَ، يُتَازِعُنِى حَتَّى إِنِّى لأَكُفُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال الداودى فى قوله: " تستحد المغيبة " توقير المرأة منها ذلك مدة مغيب زوجها لتدل على صحتها، وهذا إن كان يشير أنه سنة، فلا أصل له، ولا هو بين من الحديث، وإنما أشار في الحديث إلى ما جرت به عادتهن غالباً. وفيه حضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مكارم الأخلاق، وحسن العشرة، والتأنى وترك العجلة، واستجلاب كل ما يوجب الألفة، ودوام الصحبة، وألا يستغفل أهله ويطرقهم؛ لئلا يجد منهم رائحة وشعثاً يكرهه، ويكون سبب زهده وبغضه فيهن، وإمهالهم هنا حتى يدخلوا ليلاً يسبق خبرهم إلى أزواجهم فيستعدوا لهم. ولا يعارض هذا النهى عن أن يطرق الرجل أهله ليلاً؛ لأن ذلك إذا لم يتقدمه خبر ليلاً، يستغفلهم، ويرى منه ما يكره من هذا وغيره بل هو موافق له، وقد جاء هذا مبيناً فى حديثه الآخر الذى ذكره فى الجهاد: " كان لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشية " (¬1). وقوله: " فإذا قدمت فالكيس الكيس "، قال ابن الأعرابى: الكيس: الجماع، ¬

_ (¬1) سيأتى فى ك الإمارة رقم (180).

قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَبِيعُنِيهِ بِكَذَا وَكَذَا؟ وَاللهُ يَغْفِرُ لَكَ ". قَالَ: قُلْتُ: هَوَ لَكَ يَا نَبِىَّ اللهِ. قَالَ: " أَتَبِيعُنِيهِ بِكَذَا وَكَذَاَ؟ وَاللهُ يَغْفِرُ لَكَ ". قَالَ: قُلْتُ: هُوَ لَكَ يَا نَبِىَّ اللهِ. قَالَ: وَقالَ لِى: " أَتَزَوَّجْتَ بَعْدَ أَبِيكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " ثَيِّبًا أَمْ بِكْرًا؟ ". قَالَ: قُلْتُ: ثَيِّبًا. قَالَ: " فَهَلا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا، وَتُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا؟ ". قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكَانَتْ كَلِمَةً يَقُولُهُا الْمُسْلِمُونَ، افْعَلْ كَذَا وَكَذَا، وَاللهُ يَغْفِرُ لَكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والكيس: العقل، فكأنه جعل طلب الولد عقلاً، ومنه الحديث: " أى المؤمنين أكيس " (¬1) أى أعقل. وقوله حين قدم: " ادخل فصلِّ ركعتين ": سنة فى صلاة القادم من السفر. ودفعه له ثمن الجمل من مكارم أخلاقه - عليه السلام. سيأتى بقية الكلام على ما فى هذا الحديث فى البيوع. ¬

_ (¬1) ابن ماجة، ك الزهد، ب ذكر الموت والاستعداد له (4259) من حديث ابن عمر، وقال صاحب الزوائد: فروة بن قيس مجهول، وكذلك الراوى عنه، وخبره باطل. ورواه أيضاً الدارمى 1/ 156.

(17) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة

(17) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة (¬1) 59 - (1467) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوةُ، أَخْبَرَنِى شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هنا الباب بغير تعليق.

(18) باب الوصية بالنساء

(18) باب الوصية بالنساء 60 - (1468) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى ابْنُ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضلَعِ، إِذَا ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمَتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عَوَجٌ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِى الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَمِّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً. 61 - (...) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى عُمَرَ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عَوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلاقُهَا ". 62 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ. وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ منْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ. اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ". 63 - (1469) وحدّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُوُنُسَ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِى أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرهَ مِنْهَا خُلُقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج " الحديث: فيه الحض على الرفق بهن، ومداراتهن، وألا يتقصّى عليهن فى أخلاقهن، وانحراف طباعهن، لقوله: " إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته استمتعت به ". وقوله: " لا يفرك مؤمن مؤمنة ": أى لا يبغضها، ليس على النهى بل على الخبر: أى لا يبغضها بغضاً تاماً: أى أن بغض الرجال للنساء، بخلاف بغض النساء للرجال،

رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ " أَوْ قَالَ: " غَيْرَهُ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا عِمْرَانُ بْنُ أَبِى أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا تراه كيف قال: " إن كره منها خلقاً رضى منها آخر ". وأصل الفَرْك إنما هو فى النساء، واستعمل فى الرجال قليلاً وتجوزاً، كما جاء هنا، وكما قال فى الخبر المعروف: "حسناً فلا تفرك ": أى لا تبغض.

(19) باب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر

(19) باب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر 64 - (1470) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بَنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو ابْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ - مَوْلَى أَبِى هُرَيْرَةَ - حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْلا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ ". 65 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ. مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ، وَلَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ. وَلوْلا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لولا حواء لم تخن أنثى زوجها ": يعنى أنها أمهن فأشبهنها بالولادة ونزع العرق، لما جرى لها فى قصة الشجرة مع إبليس، وأن إبليس إنما بدأ بحواء فأغواها وزين لها، حتى جعلها تأكل من الشجرة، ثم أتت آدم فقالت له مثل ذلك حتى أكل أيضاً هو. وقوله: " ولولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام، ولم يخنز اللحم "، قال الإمام: يقال: خنز اللحم، بفتح النون فى الماضى، وبكسرها فيه أيضاً، والمصدر فيه خنزاً وخنوزاً، إذا تغير وأنتن، ومثله خزن بكسر الزاى، يخزن خزناً وخزناً، قال طرفة: نحن لا يخزن فينا لحمنا ... إنما يخزن لحم المدخر ويروى: إنما يخنز لحم المدخر قال القاضى: تفسيره: لما نزل على بنى إسرائيل المن والسلوى، كان المن يسقط عليهم فى مجالسهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، كسقوط البلح، فيؤخذ منه بقدر ما يكفى ذلك اليوم، إلا يوم الجمعة فيأخذون منه للجمعة والسبت، فإن تعدوا إلى أكثر فسد.

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِم لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكْمَال المُعلِم بِفَوَائِدِ مُسْلِم لِلإمَام الحَافظ أبى الفضل عيَاض بن مُوسَى بن عيَاض اليَحْصَبِى ت 544 هـ تحْقِيق الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل الجزءُ الخَامِسُ

حقوق الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - ج. م. ع - المنصورة الإدارة: ش الإمام محمد عبده المواجه لكلية الآداب ص. ب 230 ت: 342721/ 356220/ 356230 فاكس 359778 المكتبة: أمام كلية الطب ت 347423

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِم لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكْمَال المُعلِم بِفَوَائِدِ مُسْلِم

18 - كتاب الطلاق

بسم الله الرحمن الرحيم 18 - كتاب الطلاق (1) باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وأنه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها 1 - (1471) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمىَّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِىْ حَائِضٌ فِى عَهْدِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الطلاق حديث ابن عمر، وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، لما طلق امرأته وهى حائض أن يراجعها، ثم يتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وان شاء طلق -[الحديث] (¬1)، قال الإمام: الطلاق فى الحيض محرم، ولكنه إن وقع لزم، وقد ذكرها هنا ابن عمر، أنه اعتد بها، وذهب بعض الناس ممن شذ أنه لا يقع الطلاق، وذكر فى هذا الحديث، أنه لم يعتد بها، ورواية مسلم ها هنا أصح، وهكذا ذكر بعض الناس أيضاً أنه طلقها ثلاثاً وذكر مسلم عن ابن سيرين أنه أقام عشرين سنة يحدثه من لا يهتم، أنه طلقها ثلاثاً، [وذكر مسلم] (¬2): حتى لقى الباهلى وكان ذا ثبت، فحدثه عن ابن عمر، أنه طلقها تطليقة، وقد نص مسلم على أنها تطليقة واحدة، من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر، وأمره بمراجعتها واجب عندنا، خلافاً لأبى حنيفة والشافعى، ولا حجة لهما إن قالا: فإن الآمر لابن عمر بالمراجعة أبوه - رضى الله عنه - وليس لأبيه أن يضع الشرع، لأن أباه إنما أمره بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو مبلغ [إليه] (¬3) أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومما يسأل عنه فى هذا الحديث، أن يقال: لم أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤخر الطلاق إلى طهر آخر بعد [هذا] (¬4) الطهر الذى يلى حيضة الطلاق، وأجاب الناس عن هذا بأجوبة كثيرة: أحدها: أن الطهر الذى يلى الحيض والحيضة التى قبلها الموقع فيها الطلاق، كالقرء ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) من ع. (¬3) و (¬4) فى هامش ع.

بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِى أَمَرَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الواحد، فلو طلق فيه لصار كموقع طلقتين فى قرء واحد، وهذا ليس هو طلاق السنة. والجواب الثانى: أنه عاقبه بتأخير الطلاق تغليظاً عليه، جزاء عما فعل من المحرم عليه وهو الطلاق فى الحيض. وهذا معترض؛ لأن ابن عمر لم يكن ليعلم الحكم ولا تحقق التحريم فتعمد ركوبه، وحاشاه من ذلك، فلا وجه لعقوبته. والجواب الثالث: إنه إنما أمره بالتأخير لأن الطهر الذى يلى الحيضة الموقع الطلاق فيها ينبغى أن ينهى عن الطلاق فيه حتى يطأ فيه فيتحقق الرجعة لئلا يكون إذا طلق فيه قبل أن تمس كمن ارتجع للطلاق لا للنكاح. واعتُرض هذا بأنه يوجب أن ينهى عن الطلاق قبل الدخول، لئلا يكون نكح أيضاً للطلاق لا للنكاح. والجواب الرابع: أنه إنما نهى عن الطلاق فى هذا الطهر، ليطول مقامه معها، والظن [من] (¬1) ابن عمر أنه لا يمنعها حقها من الوطء، فلعله إذا وطئها ذهب ما فى نفسه منها من الكراهة وأمسكها، ويكون ذلك حرصاً على ارتفاع الطلاق، وحضاً على استقبال الزوجة. وذكر هاهنا فى الحديث: " وإن شاء طلق قبل أن يمس ": والطلاق فى الطهر، يكره إذا مسّ فيه، والعلة فى ذلك: أنه فيه تلبيس، فلا يدرى هل حملت فتكون عدتها بوضع أم لم تحمل فتكون عدتها الأقراء، وقد تظهر حاملاً، فيندم على الفراق، وقد ذهب بعض الناس إلى أنه إن فعل أمر بالرجعة، كما يؤمر بها من طلق فى الحيض. واختلف المذهب عندنا إذا لم يرتجعها [المطلق فى الحيض] (¬2)، حتى جاء الطهر الذى أبيح له الطلاق فيه، فل يجبر على الرجعة فيه لأنه حق عليه، فلا يزول بزوال وقته؟ أم لا يجبر على ذلك لأنه قادر على إيقاع الطلاق فى الحال، فلا معنى للارتجاع؟. قال القاضى: وقول مسلم: " جوّد الليث فى قوله: تطليقة واحدة ": يعنى أنه حفظ وأتقن ما لم يتقنه غيره من ذلك، ممن لم يفسّر كم الطلاق، أو من غلط فيه ووهم ممن قال: إنه طلقها ثلاثاً، وقد بين ذلك مسلم - رَحمه الله - فى أحاديثه. وقوله: " فتلك العدة التى أمر الله أن يطلق لها النساء ": واختلف العلماء فى صفة ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) زائدة فى ع.

(...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ - وَاللفظُ لِيَحْيَى - قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ - وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ - عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِىَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجَعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ منْ حَيْضَتِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِى أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. وَزَادَ ابْنُ رُمْحٍ فِى رِوَايَتِهِ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ لأَحَدِهِمْ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِى بِهَذَا، وَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ، وَعَصَيْتَ اللهَ فِيمَا أَمَرَكَ مِنْ طَلاقِ امْرَأَتِكَ. قَالَ مُسْلِمٌ: جَوَّدَ اللَّيْثُ فِى قَوْلِهِ: تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً. 2 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْىَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيَدَعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُجاَمِعَهَا، أَوْ يُمْسِكْهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِى أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ". قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا صَنَعَتِ التَّطْلِيقَةُ؟ قَالَ: وَاحِدَةٌ اعْتَدَّ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ طلاق السنة، فقال مالك وعامة أصحابه: هو أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة فى طهر لم يمسها فيه، ثم يتركها حتى تحل عدتها، وقاله الليث والأوزاعى. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هذا أحسن الطلاق، وله قول آخر: [أنه] (¬1) إن شاء يطلقها ثلاثاً طلقها فى كل طهر مرّة، وكلاهما عند الكوفيين طلاق سنة، وقاله ابن مسعود. واختلف فيه قول أشهب، فقال مرة مثله، وأجاز أيضاً ارتجاعها ثم يطلق ثم يرتجع ثم يطلق فيتم ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

(...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ عُبَيْدِ اللهِ لِنَافِعٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى فِى رِوَايَتِهِ: فَلْيَرْجِعْهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلْيُرَاجِعْهَا. 3 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِى أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ يَقُولُ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا. وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلاثًا، فَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلاقِ امْرَأَتِكَ. وَبَانَتْ مِنْكَ. 4 - (...) حدّثنى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ - وَهْوَ ابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ - عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاث، وليس هذا عند غير هؤلاء طلاق سنة بل هو مكروه. وقال الشافعى وأحمد وأبو ثور: ليس فى عدد الطلاق سنة ولا بدعة، وإنما ذلك فى الوقت، وما جاء من قوله هنا فى الحديث يدل على أن ما عدا ما وصف فيه طلاق بدعة. لكن أجمع أئمة الفتوى على لزومه إذا وقع إلا من لا يعتد به من الخوارج والروافض وحكى عن أبى علية. وفى قوله: " فليراجعها ": دليل أن الطلاق غير البائن، لا يحتاج إلى ولىّ ولا رضا المرأة، قاله الخطابى، وليس ببين. قال بعض علمائنا: وجه الحكمة فى الطلاق فى طهر لم يمسّ فيه لتكون الحيضة براءة للرحم قبل الطلاق، مبالغة فى البراءة، كما أن مالكاً قد استحسن ذلك فى الجارية المبيعة قبل بيعها، وإن لم تجز مشتريها، وكما أن الثنتين من الثلاث بعد الطلاق للمبالغة والبراءة واقعة للواحدة بعد الطلاق، بدليل أنها إذا تزوجت بعد حيضة، فالولد من الثانى، فدل أن الواحدة هى للبراءة وقبلها من الأول، وإن كان ممكن أنها إذا تزوجت بعد حيضة منهما جميعاً لمدة فراق الأول ونكاح الثانى،

قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِى وَهْىَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرَ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى ـــــــــــــــــــــــــــــ فدل أن الواحدة هى للبراءة، وتمييز الأنساب، وما بعدها مبالغة، كذلك ما قبلها، وقبل الطلاق. وذهب بعض شيوخنا إلى أن الحيضتين الأخريين عبادة، والاستبراء حاصل بالأولى كحكم الأربعة أشهر وعشر للمتوفى، وكونها عبادة، فألزمت من استبرأ لها، من صغيرة وغير مدخول بها، حتى أن الحسن وعطاء فى أخرى رأوا إلزامهن الأربعة الأشهر وعشراً، من حين تصح عندهن الوفاة، وإن تقدمت قبل ذلك، لكونها عبادة، وروى مثله عن على بن أبى طالب، وفقهاء الفتيا. ومعظم السلف من الصحابة والتابعين لا يرون ذلك وأنها تلزم من يوم الموت، فإن لم يعلم به حتى انقضت لم يلزمها شىء، وإن بقى منها شىء فما بقى لا غير. وذكر يحيى بن إسحاق فى كتابه عن ابن أبى حازم والمغيرة أن المطلقة فى طهر مُسَّت فيه لا يعتد به فى أقرائها، وتستأنف ثلاثة أطهار غيره على أصولهم. قال الإمام: فيه دلالة لقول مالك أن الأقراء التى تعتد بها المرأة، هى الأطهار، خلافاً لأبى حنيفة فى قوله: إنها الحيض؛ لأنه قال: " فأن شاء طلق "، يعنى عند طهرها، ثم قال: " فتلك العدّة التى أمر الله أن يطلق لها النساء "، ومعنى " لها ": أى فيها، فأثبت - عليه السلام - الطهر عدة، ولا تعلق لهم بقوله: " فتلك " وأن هذا لفظ تأنيث فتحمل على الحيضة، وأنه لو كان المراد به الطهر لقال فذلك؛ لأن المراد هاهنا تأنيث الحالة أو تأنيث العدة. وكذلك تعلق أيضاً من تعلق من أصحابنا، بدخول الهاء فى الثلاث، فى قوله سبحانه: {ثَلاثَةَ قُرُوء} (¬1) أنه دلالة على أن المراد [فى القرآن] (¬2) بالأقراء: الأطهار، ولو أراد الحيضة لقال عز من قائل: " ثَلاث قُرُوء "؛ لأن العرب تدخل التاء فى عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة، وتحذفها من المؤنث، فإثباتها فى قوله: {ثَلاثَةَ قُرُوء} يدل على أن المراد الأطهار، وهذا غلط؛ لأن العرب قد تراعى فى التذكير والتأنيث اللفظ المقرون به العدد، فتقول: ثلاثة (¬3) منازل، وهى تريد ثلاث ديار، وإن كانت الدار مؤنثة؛ لأن لفظ المنزل مذكر. وقد يعتبر المعنى أحياناً، قال ابن أبى ربيعة: ¬

_ (¬1) البقرة: 228. (¬2) فى هامش ع. (¬3) فى نسخ الإكمال: ثلاث.

حَيْضَتِها الَّتِى طَلَّقَها فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطلِّقها، فلْيُطَلِّقْها طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِها قَبْلَ أَنْ يَمَسُّها، فَذَلِكَ الطَّلاقُ لِلْعَدَّةِ كَما أَمَرَ اللهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فكأن مِجَنَّى، دون من كنت أتقى ... ثلاث شخوص كاعِبان ومُعْصِر فأنث على معنى الشخوص، لا على [معنى] (¬1) اللفظ، وحكى أبو عمر وابن العلاء أنه سمع أعرابياً يقول: [فلان] (¬2) جاءته كتابىّ فاحتقرها، قال: فقلت له القول: جاءته كتابى، فقال: أليس بصحيفة، فأخبر أنه أنّث مراعاة للفظ الصحيفة الذى لم يذكره لما كانت فى المعنى هى الكتاب المذكور، ونحو من هذا قول الشاعر: أتهجر بيتنا بالحجاز تلفقت به ... الخوف والأعداء أم أنت زائر أراد المخافة، فأنث لذلك. وقال آخر: غفرنا وكانت من سجيتنا الغفر أنث الغفر لأنه أراد المغفرة. وقد تعلق أصحاب أبى حنيفة بأن المصير إلى القول بالأطهار خروج عن ظاهر القرآن؛ لأن القرء فى اللغة يطلق على الطهر وعلى الحيض، وهو من الأسماء المشتركة، فإذا طلّق وقد مضى من الطهر شىء، فعندكم أنها تعتد ببقية الطهر، وهذا يوجب كون العدة قرأين وبعض ثالث. فإذا قلنا بالحيض، كانت العدة ثلاث أقراء كوامل؛ إذ لا يصح الطلاق فى الحيض، وقد أدى بابن شهاب هذا الاعتراض إلى أن ركب أن الطهر الذى وقع الطلاق فيه، وقد ذهب بعضه لا يعتد به، ويستأنف ثلاث تطهيرات (¬3) سواء، وهذا مذهب انفرد به كل من قال بأن الأقراء هى الأطهار، يعتد بالطهر وإن مضى أكثره. وقال بعضهم - مجيباً عن قول أصحاب أبى حنيفة -: إن القرء: التنقل من حال إلى حال، فالمستحق لهذه التسمية على موجب هذا الاشتقاق، وعلى ما أصّلناه آخر زمن الطهر الذى يليه الحيض، ويعقبه الانتقال من حال إلى حال، فعلى هذا يسقط ما قاله أصحاب أبى حنيفة، ويكون الاعتداد بثلاثة أقراء كوامل، وإن ذهب بعض الطهر. وأجاب بعض أصحابنا - أيضاً - بجواب آخر، فقال: غير بعيد تسمية الشيئين وبعض الثالث ثلاثة، وقد قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَات} (¬4)، وهى شهران وعشرة أيام. ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) من ع. (¬3) فى ع: طهارات. (¬4) البقرة: 197.

وَكَانَ عَبْدُ اللهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اختلف السلف ومن بعدهم من العلماء واللغويين، فى مقتضى لفظة القرء في الآية، هل هو الحيض أو الطهر؟ أو هو منطلق عليهما حقيقة فيهما مشترك اشتراكا لا يظهر رجحان أحدهما على الآخر؟ مع أنه لا خلاف بينهم فى إطلاقه فى اللغة عليهما. وقيل: هو حقيقة فى الحيض، مجاز فى الطهر وقيل: هو مشتق من الوقت، وهو محتمل للوجهين، وقيل: من الجمع والتأليف، وهو ظاهر فى الطهر، وعليه شاهد قولهم: لم تقرأ جَنبنا. وقيل: من الانتقال من حال إلى حال، وهو المراد بالقرء، لا أنه اسم للطهر ولا للحيض، من قولهم: قرأ النجم: إذا أفل، وقرأ إذا طلع، كأنه قال: يتربصن بأنفسهن ثلاثة أدوار وثلاثة انتقالات [وهذا] (¬1) ظاهر فى الطهر والحيض جميعاً، ويستقيم الكلام بانتقالها من الطهر إلى الحيض. قلنا: ولا يستقيم بانتقالها من الحيض إلى الطهر؛ إذ السنة الطلاق فى الطهر لا فى الحيض، ويعضد هذا أن براءة الرحم إنما تعرف بالانتقال من الطهر إلى الحيض. ولهذا كانت براءة استبراء الإماء إذا دل مجىء الحيض غالباً على براءة الرحم، ولا يستدل بانتقالها من الحيض إلى الطهر على ذلك؛ إذ قد تحمل الحائض آخر حيضها، فكانت الثلاث فى الحرائر كالواحدة فى استبراء الإماء. حكاه القاضى إسماعيل عن أبى عبيدة، وهذا اختيار الإمام أبى القاسم الطبرى والشافعى، ومتأخرى محققى أصحابنا، وهو حسن دقيق. ثم اختلف القائلون: إنها الحيض، متى تنقض بها العدة؟ فقال أبو حنيفة وأصحابه: حتى تغتسل من الثالثة، أو يذهب وقت صلاة، وهو قول جماعة من البصريين. وقال الثورى وزفر: حتى تغتسل من الثالثة، وقاله جماعة أيضاً، منهم: عمر وعلى وعبيد الله وإسحاق وأبو عبيد. وقال الأوزاعى في آخرين: بانقطاع الدم حلت، وعن إسحاق إذا طلعت فى الثالثة انقطعت الرجعة، ولكن لا تتزوج حتى تغتسل، مراعاة واحتياطاً للخلاف. واختلف القائلون أيضاً: إنها الأطهار، متى تحل؟ هل بأول قطرة من دم تراها بعد انقضاء أمر آخر الأطهار؟ أم حتى يستمر حيضها مستقيمة؟ والقولان عندنا معروفان فى ذلك، وعلى هذا اختلافهم فى أقل الحيض كم هو. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

كَما أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مرهُ فليراجعها ": اختلف العلماء، هل هذا الأمر على الوجوب المطلق فى الحيض؟ وهو قول مالك وأصحابه، أو على الترغيب والحض؟ وإليه ذهب الأوزاعى والكوفيون والشافعى وأحمد وفقهاء أصحاب الحديث، قالوا: يؤمر ولا يجبر، ليقع الطلاق سنة. قال الإمام: الرجعة تصح فى كل طلاق تقاصر عند نهاية ما يملك منه وليس معه فداء، ووقع بعد وطء المرأة بعقد صحيح ووطء جائز، وهى تصح عندنا بالقول ولا خلاف فى ذلك وتصح عندنا - أيضاً - بالفعل الحال محل القول، الدال فى العادة على الارتجاع بالوطء والتقبيل واللمس، بشرط القصد إلى الارتجاع به، وأنكر الشافعى صحة الارتجاع بالفعل أصلاً، وأثبته أبو حنيفة وإن وقع من غير قصد، وهو قول ابن وهب من أصحابنا فى الواطئ بغير قصد، وهذه المسألة مبنية عندى على مسألة قبلها وهى المطلقة طلاقاً رجعياً، هل يوصف وطؤها بأنه محرم أم لا؟ فعندنا وعند الشافعى: أنه محرم، وأبى ذلك أبو حنيفة. وتجاذب المختلفون فى هذا قوله تعالى: {وبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِك} (¬1)، فقال الحنفيون: قوله تعالى: {وبُعُولَتُهُنَّ} يدل (¬2) على إثبات الزوجة والزوجية، فإذا ثبتت يستحيل معها تحريم الوطء، ولا دليل يلجئ إلى أن المراد: من كان بعلاً لهن؛ لأن ذلك مجاز وتعلق المالكيون بقوله تعالى: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} والردّ لا يكون إلا لما ذهب، ولا ذاهب (¬3) إلا تحليل الوطء. وتجاذبوا (¬4) - أيضاً - طرق الاعتبار؛ لأن المطلقة طلاقاً رجعياً يثبت لها التوارث، وتستحق النفقة، كمن لم يطلق، وتجب عليها العدة وتسرى إلى البينونة، بخلاف الزوجة، فكل واحد من المختلفين مدها إلى الأجل الموافق لمذهبه. وإذا ثبتت هذا، وصح بناء المسألة التى أشرنا إليها عليه، قلنا: إذا كان الوطء عند أبى حنيفة غير محرم فلا معنى لقصد الإستباحة بالأفعال؛ إذ الفعل فى نفسه غير محرم فيستباح، وإذا قلنا بأن الوطء محرم فلا يستباح الشىء نفسه، وإنما يستباح بغيره، فماذا ¬

_ (¬1) البقرة: 228. (¬2) فى ع: دال. (¬3) فى ع: ذهاب. (¬4) فى ع: وتجاذبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون هذا الغير؟ قصره الشافعى على الأقوال النطقية وقصرها أصحابنا على المقصود. وأشار بعض المتأخرين من شيوخنا إلى ترك التعويل على القصد بمجردة دون أن يضامه قول نفسى، وهو إيجاب الارتجاع فى النفس، فيكون الاختلاف على طريقة هذا الشيخ بيننا وبين الشافعى فى تعيين القول، ونحن متفقون على إثبات أصله، لقول الشافعى: القول النطقى، ونحن نقول: القول النفسى إذا صدر عنه ما يدل عليه من الأحوال التى أشرنا إليها، ويختلف معه فى الفعل على حسب ما قدمناه. والإشهاد على الرجعة اختلف الناس فيه أيضاً، هل يجب أم يستحب؟ ومدار الاختلاف على قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُم} (¬1)، فالأمر بالشهادة ورد بعد جملتين، فهل تعود إلى قربهما إليه أو إليهما جميعًا؟ على اختلاف أهل الأصول فى هذا الأصل فمن رأى عَوْد مثل هذا على أقرب المذكورات، إن لم يكن فى الآية دلالة على إثبات الإشهاد [على الرجعة] (¬2) فضلاً عن تفصيل حكمه، ومن رأى أن مثل هذا يعود إلى سائر الجمل، وقال: بأن الأمر مجردة على الندب، استحب الإشهاد على الرجعة، ومن قال: مجردة على الوجوب، أوجب الإشهاد على الرجعة. وإن عورض أن الإشهاد على الطلاق، وهو أقرب المذكورين على الندب، قال: خروجه بدليل لا يوجب خروج الجملة الأولى عن الأصل. وقوله فى بعض طرقه: " ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً ": فيه دلالة على جواز طلاق الحامل على الإطلاق دون التفصيل، وهو أحد القولين عندنا فى طلاقها وهى حائض، وقد منعه بعض أصحابنا، كما منع أيضاً طلاق من لم يدخل بها وهى حائض، وأجازه الآخرون، وهذا راجع إلى الاختلاف فى النهى عن الطلاق فى الحيض، فمن رأى أنه معلّل بتطويل العدَّة، أجازه فى الحامل وفى التى لم يدخل بها؛ إذ الحامل من عدتها الوضع، ولا تطويل فيها، ومن لم يدخل بها لا عدة عليها أصلاً، فتوصف بطولٍ أو قصر، ومن رآه غير معلّل، منع الطلاق فى المسألتين جميعاً. هكذا أورد شيوخنا فى التدريس، وفيه نظر؛ لأن قضية ابن عمر [قضية] (¬3) فى عين، فإذا قلنا: إن النهى غير معلّل، افتقر المنع فى المسألتين إلى دليل على القول بأن القضايا فى الأعيان لا تتعدى، وكون مجرد النهى غير معلل لا يوجب الحكم فى المسألتين بالمنع. وأما الطريقة الأخرى - وهو إثبات التعليل - فإنما يصح ما قالوه فيها - أيضاً - على ¬

_ (¬1) الطلاق: 2. (¬2) فى هامش ع. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

حَرْبٍ، حَدَّثَنِى الزُّبَيْدِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَاجَعْتُهَا، وَحَسَبْتُ لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِى طَلَّقْتُهَا. 5 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظ لأَبِى بَكْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - مَوْلَى آل طَلْحَةَ - عَنْ سَالِمٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهىَ حَائِضٌ. فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ ليُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلاً ". 6 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيم الأَوْدِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ - وَهْوَ ابْنُ بِلالٍ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ. فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " مُرْه فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحيِضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَ بَعْدُ أَوْ يُمْسِك ". 7 - (...) وحدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ القول بأن العلة إذا ارتفعت، ارتفع حكمها، وهذا فيه تفصيل وتحقيق. قال القاضى: " وفى قوله مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ": دليل على صحة ما أوقع من الطلاق؛ إذ لا تكون رَجِعة إلا بعد فراق، ويؤكده قوله بعد فى حديث: " ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق ". قال الإمام: وقوله: " أرأيت إن عجز أو استحمق ": فى الكلام حذف، وتقديره: أفيرتفع عنه الطلاق، إن عجز أو استحمق. قال القاضى: معناه: إن عجز عن الرجعة، وفعل فعل العجاز أو فعل الحمقى، وقيل: " أرأيت إن عجز فى المراجعة التى أمر بها ": يعنى حين فاته وقتها بتمام عدتها، أو ذهاب عقله فلم يمكنه بعد فى الحالتين مراجعة، أتبقى معلقة لا ذات زوج ولا مطلقة؟ فلابد من احتسابه بذلك الطلاق الذى أوقعه على غير وجهه، كما لو عجز عن بعض فرائضه فلم يقمه، أو استحمق فضيّعه، أكان يسقط عنه؟ وهذا إنكار كثير، وحجة على من قال: لا يعتد به، وقائله راوى القصة، وصاحب النازلة، وقد جاء مفسراً فى حديث آخر: " أرأيت إن كان ابن عمر عجز واستحمق، فما يمنعه أن يكون طلاقاً "، وقوله فى

أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: مَكَثْتُ عِشْرِينَ سَنةً يُحَدِّثُنِى مَنْ لا أَتَّهِمُ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا وَهىَ حَائِضٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَجَعَلْتُ لا أَتَّهِمُهُمْ، وَلا أَعْرِفُ الْحَدِيثَ، حَتَّى لَقِيتُ أَبَا غَلابٍ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ البَاهِلِىَّ - وَكَانَ ذَا ثَبتٍ - فَحَدَّثَنِى؛ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيْقَةً وَهىَ حَائِضٌ فَأُمِرَ أَنْ يَرْجِعَهَا. قَالَ: قُلْتُ: أَفَحُسِبَتْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَمه، أَوَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟. (...) وحدّثناهُ أَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ. 8 - (...) وحدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاع. وَقَالَ: " يُطَلِّقُهَا فِى قُبُلِ عِدَّتِهَا ". 9 - (...) وحدّثنى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرقِىُّ، عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتهُ وَهى حَائِضٌ. فَقَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ فَإِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتهُ وَهىَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ؟ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمَّ تَسْتَقْبِلَ عِدَّتهَا. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتهُ وَهىَ حَائِضٌ، أَتعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ فَقَالَ: فَمَه، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث [الآخر] (¬1): " وحسبت لها التطليقة التى طلقها "، وقول نافع: " اعتد بها ". وقوله: " فَمه ": [استفهام] (¬2)، معناه التقرير: أى فمما يكون إن لم يحتسب بتلك التطليقة، أهى؟، هل يكون إلا ذلك؟ فأبدل من الألف هاء كما قالوا: مهما، وإنما هى مَامَا، أى: أى شىء. وقوله: " أما أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنى بهذا ": يعنى الرجعة، هذا لفظ مشكل، قيل: معنى " أما أنت " بفتح الهمزة: أى إن كنت، فحذفوا الفعل الذى يلى أن، وجعلوا " ما " عوضاً من الفعل، وفتحوا " أن " وأدغموا النون فى " ما " وجاءوا " بأنت " مكان العلامة فى " كنت "، يدل عليه قوله بعد: " وإن ¬

_ (¬1) و (¬2) سقطتا من الأصل واستدركتا فى الهامش.

أَوَ إِنْ عَجَزَ وَاستَحْمَقَ؟ 10 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتاَدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِى وَهىَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهَرَتْ، فَإِنْ شَاءَ فَلْيُطَلِّقْهَا " قَالَ: فَقُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: أَفَاحْتَسَبْتَ بِهَا؟ قَالَ: مَا يَمْنَعُهُ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحَمَقَ؟ 11 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ امْرَأَتِهِ الَّتِى طَلَّقَ؟ فَقَالَ: طَلَّقْتُهَا وَهْىَ حَائِضٌ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهَرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا لِطُهْرِهَا ". قَالَ: فَرَاجَعْتُهَا ثُمَّ طَلَّقْتُهَا لِطُهْرِهَا. قُلْتُ فَاعْتَدَدْتَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةَ الَّتِى طَلَّقْتَ وَهْىَ حَائِضٌ؟ قَالَ: مَالِىَ لَا أَعْتدُّ بِهَا؟ وَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ. 12 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عمَرَ قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِى وَهْىَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ:" مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ إِذَا طَهَرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا ". قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: أَفَاحْتَسَبْتَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: فَمَهْ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ. قَالا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَاد .. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِهِمَا: " لِيَرْجِعْهَا ". وَفِى حَدِيثِهِمَا: قَالَ قُلْتُ لَهُ: أَتَحْتَسِبُ بِهَا؟ قَالَ: فَمهْ. 13 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كنت طلقتها ثلاثاً، فقد حرمت عليك ". وأبو غَلاَب يونس بن جبير، بفتح الغين وتخفيف اللام، كذا قيدناه عن أبى بحر، وقيدناه عن أبى علىّ بتشديد اللام، وكذا ذكره الأمير أبو نصر.

أَخْبَرَنِى ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ بْنِ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا، فَذَهَبَ عُمَرُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا. قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لأَبِيهِ. 14 - (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرِيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنُ أَيْمَنَ - مَوْلَى عَزَّةَ - يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ ذَلِكَ: كَيْفَ تَرَى فِى رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهىَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيُرَاجِعْهَا " فَرَدَّهَا. وَقَالَ: " إِذَا طَهَرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِى قُبُلٍ عِدَّتِهِنَّ ". (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ابن جريج، عن ابن طاووس، عن أبيه؛ أنه سمع ابن عمر الحديث، وفى آخره: قال: لم أسمعه يزيد على ذلك لأبيه، كذا رويناه وهو مشكل، فيه تلفيف، حتى قرأه بعضهم: " لابنه " مكان " لأبيه "، وهو تصحيف، والكلام الأول مستقبل، وتفهيمه وتقويم الكلام: أن القائل: " لم أسمعه يزيد على ذلك " هو ابن طاووس، يعنى: لم يسمع أباه يزيد على ما رواه من الحديث ولا ذكر زيادة غيره، والهاء فى " لم أسمعه " عائدة على أبيه طاووس، وبين ذلك ابن جريج بقوله: " لأبيه "، والهاء فى " لأبيه " عائدة على ابن طاووس. وقول ابن عمر: " وقرأ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِى قُبُلٍ عِدَّتِهِنَّ "، وفى غيره: " لقبل عدتهن ": أى فى استقبال عدتهن، وهذه قراءة ابن عمر وابن عباس، وفى قول ابن مسعود: " لقبل طهرهن "، قال القشيرى وغيره: وهذه قراءة

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ - مَوْلَى عُرْوَةَ - يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ؟ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ حَجَّاجٍ. وَفِيهِ بَعْضُ الزِّيَادَةِ. قَالَ مُسْلِمٌ: أَخْطَأَ حَيْثُ قَالَ: عُرْوَةَ. إِنَّمَا هُوَ مَوْلَى عَزَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على التفسير لا على التلاوة، وهو يصحح أن المراد بالأقراء الأطهار؛ إذ لا تستقبل عدة الحيض عند الجميع؛ إذ لا يجتزى بها عند أحد من الطائفتين. وقوله: " فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً ": فيه أن طلاق الحامل طلاق سنة أى وقت شاء من الحمل، ما لم تقرب ويضر فى حد المرض، وهو قول كافة العلماء. قال الشافعى: ويكون الطلاق فيه عليها متى شاء، حتى يتم الثلاث على الصلة. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجعل بين التطليقتين شهراً. قال مالك ومحمد [ابن الحسن] (¬1) وزفر: لا يوقع فيها أكثر من واحدة حتى تضع. وقوله فى سند هذا الحديث: عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة، كذا هو فى حديث هارون عند جميع الرواة، ووقع عند العذرى: مولى عروة، وهذا غلط، وقد بينه مسلم بعد هذا فى حديث محمد بن رافع، وروايته فيه: مولى عروة. وقول مسلم فيه " أخطأ حيث قال: عروة، وإنما هو مولى عزة " على أنه وقع عند السمرقندى والشنتجالى والطبرى فى حديث ابن رافع: " عزة "، هو غلط فى الرواية عنه، وإن كان هو الصواب؛ إذ قد بين مسلم أنه غلط فيه كما تقدم. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

(2) باب طلاق الثلاث

(2) باب طلاق الثلاث 15 - (1472) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الطَّلاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِى بَكْرٍ وَسَنَتْين مِنْ خِلافِةِ عُمَرَ، طَلاقُ الثَّلاثِ وَاحِدَةً. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجلُوا فِى أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ. فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ. 16 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوحُ بْنُ عبَادَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُريْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُريْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَتِ الثَّلاثُ تُجْعَلُ وَاحِدةً عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِى بَكْرٍ، وَثَلاثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ. 17 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ ابْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّ أَبَا الصَّهْباءِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ، أَلَمْ يَكُنِ الطَّلاقُ الثَّلاثُ علَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِى بَكْرٍ وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، فَلمَّا كَانَ فِى عَهْدِ عُمَرَ تَتَابَعَ النَّاسُ فِى الطَّلَاقِ، فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن عباس: " كان الطلاق على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر - وعند الطبرى: سنين من خلافة عمر - طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا فى أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم "، وفى طريق أبى الصهباء أنه قال لابن عباس: " أتعلم أنها كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وثلاثاً من إمارة عمر؟ فقال ابن عباس: نعم " وفى طريق آخر عن أبى الصهباء: " ألم يكن طلاق الثلاث على عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر واحدة؟ قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد كان ذلك، فلما كان فى عهد عمر - رضى الله عنه - تتابع الناس فى الطلاق، فأجازه عليهم "، وفى كتاب أبى داود نحو هذا عن أبى الصهباء، إلا أنه قال: " كان الرجل إذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها، جعلوه واحدة "، قال الإمام: طلاق الثلاث فى مرة واحدة واقع لازم عند كافة العلماء، وقد شذ الحجاج بن أرطاة وابن مقاتل فقالا: لا يقع، وتعلقا فى ذلك بمثل هذا الخبر، وبما قلناه؛ أنه واقع فى بعض الطرق أن ابن عمر طلقها ثلاثاً فى حيض، لكنه لم يحتسب به، وما وقع فى حديث ركانة أنه طلقها ثلاثاً، وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجعتها. والرد على هؤلاء قوله تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬1)، يعنى أن المطلق قد يكون له ندم، فلا يمكن تلافيه لوقوع البينونة، فلو كانت الثلاث لا تقع أصلاً، لم يكن طلاق يبتدأ يقع إلا رجعياً فلا معنى للندم. وأما حديث ركانه فصحيحة أنه طلق امرأته البتة فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إلا واحدة، فقال: " ما أردت؟ "، قال: واحدة. قال: " آلله "، قال: والله، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هو على ما أردت " فلو كانت الثلاث لا تقع، لم يكن لتحليفه معنى، وهذه الرواية أصح من روايتهم؛ أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً؛ لأن رواتها أهل بيت ركانة وهم أعلم بقصة صاحبهم. وإنما روى الرواية الأخرى بنو رافع ولم يسمَّوا، ولعلهم سمعوا أنه طلقها البتة، وهم يعتقدون أن البتة هى الثلاث، كرأى مالك فيها، فعبروا عن ذلك بالمعنى، وقالوا: طلقها ثلاثاً، لاعتقادهم أن البتة هى الثلاث. وأما حديث ابن عمر، فقد ذكرنا أن الصحيح منه أنها واحدة، وقد ذكر مسلم من طريقتين. وأما قول ابن عباس: " كان الطلاق الثلاث واحدة، على عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فقال بعض العلماء البغداديين: المراد به أنه كان المعتاد فى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تطليقة واحدة، وقد اعتاد الناس الآن التطليق بالثلاث، فالمعنى: كان الطلاق الموقع الآن ثلاثاً، يوقع واحدة فيما قبل، إنكاراً لخروجهم عن السنة. ورواية أبى الصهباء فى أحد الطريقين: " تعلم أنها كانت الثلاث تجعل واحدة " يحتمل - أيضاً - هذا المعنى الذى قاله هؤلاء، وإن كان هذا اللفظ الثانى أبعد من الأول قليلاً لقوله: " كانت الثلاث تجعل واحدة "، ولكن يصح أن يريد: كانت الثلاث الموقعة الآن تجعل واحدة، بمعنى: يوقع واحدة. وقال آخرون: يمكن أن يكون المراد به فيمن كرر لفظ الطلاق، فقال: أنت طالق، ¬

_ (¬1) الطلاق: 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنت طالق، فإنها كانت عندهم محمولة فى القديم على التأكيد، فصار الناس الآن يحملونها على التحديد، فألزموا ذلك لقصدهم له. وقد زعم بعض من لا خبرة له بالحقائق، أن ذلك كان ثم نسخ. وهذا غلط فاحش لأن عمر - رضى الله عنه - لا ينسخ، ولو نسخ - وحاشاه منه - لبادرت الصحابة إلى إنكار ذلك عليه، وإن كان يريد أنه نسخ فى حياة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمعنى ما أراد صحيح، لكنه يخرج عن ظاهر الخبر فى قوله: " كان على عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر "؛ لأنه إذا نسخ فى عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصدق الراوى فيما قال، فإن قال: كان الصحابة قد تجتمع على النسخ، فيسمع ذلك منها، قلنا: صدقت، ولكن يستدل بإجماعها على أن عندها نصّاً نسخت به نصّاً آخر، ولم ينقل إلينا الناسخ اكتفاء باجتماعها، وإما أن تنسخ من تلقاء نفسها، فمعاذ الله؛ لأنه إجماع على الخطأ، وهى معصومة منه. ولو قدر أن النسخ ظهر لهم فى أيام عمر، وقد أجمع عصر أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - على خلاف حكم الناسخ، لم يصح ذلك، ولأنه لا يكون إجماعاً على الخطأ، ونحن لا نراعى انقراض العصر، وهو مذهب المحققين من أهل الأصول. وأما رواية أبى داود عن أبى الصهباء؛ أن ذلك كان فيمن لم يدخل بها، فقد ذهب إلى هذا المذهب قوم من التابعين، من أصحاب ابن عباس، ورأوا أن الثلاث لا تقع على غير المدخول بها؛ لأنها بالواحدة تبين، وبقوله: أنت طالق، بانت. وقوله ثلاثاً، كلام وقع بعد البينونة فلا يعتد به، وهذا باطل عند جمهور العلماء؛ لأن قوله: أنت طالق، أعناه: ذات طلاق، وهذا اللفظ يصلح للواحدة كما ذكر. وقولهم: " ثلاثاً " تبين لمعنى قوله: ذات طلاق، فلا يصح إطراحه. قال القاضى: قوله: " كانت لهم فيه أناة ": أى مهلة وبقية استمتاع وانتظار للرجعة، كما قال تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬1). وقوله: " فلما كانت فى عهد يتايع الناس فى الطلاق، فأجازه عليهم ": كذا روايتنا عن أكثرهم: " يتايع " بياء باثنتين تحتها، وكان عند ابن أبى جعفر: " تتابع " بياء واحدة، وهما بمعنى، إلا أن الياء باثنتين إنما تستعمل فى الشر، وهى أليق بهذا المعنى. ومعنى: " هات من هناتك ": أى من أخبارك وأمورك، وكأنها هنا فيما يستغرب وينكر، كأنه قال: من فتواك المنكرة وأخبارك المكروهة، يقال: فى فلان هنات: أى أشياء منكرة. وهى جمع هنة، ولا يستعمل هكذا إلا فيما يكن عنه. وأما الهنة والهنات تحملا فى غير هذا، فيستعمل فى كل شىء، ويكنى عن كل أمر وقد تقدم من شرحه. ¬

_ (¬1) الطلاق: 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن إيقاع الثلاث واحدة، وهو مذهب طاووس؛ أخذًا بظاهر الحديث. وقيل: هو مذهب الحجاج بن أرطاة، ومحمد بن إسحاق، وقد روى عنهما، أنه لا يلزم منها شىء. وهذان قولان لم يقل بهما أحد من فقهاء الأمصار وأئمة الفتوى.

(3) باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق

(3) باب وجوب الكفارة على من حرّم امرأته ولم ينو الطلاق 18 - (1473) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ - يَعْنِى الدَّسْتَوائِىَّ - قَالَ: كَتَبَ إِلَىَّ يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيد بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِى الْحَرَامِ: يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1). 19 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلامٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ؛ أَنَّ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِىَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. 20 - (1474) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُريْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يُخْبِرُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تُخْبِرُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً. قَالَتْ: فَتَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ؛ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ: إِنِّى أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ " فَنَزَلَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك}. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول فى الحرام: " يمين يكفرها "، وقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، وذكر حديث سب نزول قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} (¬2)، وتواطؤ عائشة وحفصة على قولهما: " أجد منك ريح مغافير "، قال الإمام: إذا قال لزوجته: أنت علىّ حرام، فاختلف المذهب فى ذلك. فالمشهور أنها ثلاث تطليقات، يكون كما قيل فى غير المدخول بها خاصة، ولعبد الملك فى المبسوط: لا ينوى فى أقل وإن لم يدخل، وعند أبى مصعب ومحمد بن عبد ¬

_ (¬1) الأحزاب: 21. (¬2) التحريم: 1.

إِلَى قَوْلِهِ: {إِن تَتُوبَا} (¬1) لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (¬2) لِقَوْلِهِ: " بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً ". 21 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعُلا وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ. فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْهُنَّ. فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِى: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمَهَا عُكَّة مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً. فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ، لَنَحتالَنَّ لَهُ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، وَقُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم: هى لمن لم يدخل بها واحدة، وللمدخول بها ثلاث. وذكر ابن خويز منداد عن مالك: أنها واحدة بائنة، وإن كانت مدخولاً بها، وحكى ابن سحنون عن عبد العزيز ابن أبى سلمة أنها واحدة رجعية. وقد اختلفت أجوبة مالك وأصحابه، فى كنايات الطلاق، فسلكوا فيها طرقاً مختلفة، ففى بعضها يحمل اللفظ على الثلاث، ولا ينوى فى أقل، وفى بعضها [ينوى فى أقل وفيه] (¬3) يحمل على الواحدة حتى ينوى أكثر منها، وفى بعضها: ينوى قبل الدخول ولا ينوى بعده، وبعضها فيمن لم يدخل بها واحدة، وفى الدخول بها ثلاث. هذا جملة ما يقولونه فى ذلك، ويختلفون فى بعض الألفاظ من أى هذه الأقسام هو تفصيل ذلك، وذكر الروايات فيه وتعديد الألفاظ فيه طول، ولكنا نعقد أصلاً يرجع إليه جميع ما وقع فى الروايات على كثرتها، ويعلم منه سبب اختلافهم، فيما اختلفوا فيه، ووجه تفرقتهم فيما فرقوا فيه، ووجه التنويه فى [بعض] (¬4) دون بعض. فاعلم أن الألفاظ الدالة على الطلاق، إما أن تدل عليه بحكم وضع اللغة، وبحكم عرف الاستعمال، أو لا تكون لها دلالة عليه أصلاً، وإن لم يكن لها دلالة عليه فلا فائدة فى ذكرها ها هنا، وإن كانت لها دلالة عليه فلا تخلو إما أن تكون دلالتها عليه فى اللغة أو فى الاستعمال تتضمن البينونة والعدد بقولهم: أنت طالق ثلاثاً فهذا لا يختلف فى وقوع الثلاث وأنه لا ينوى، ولا يفترق الجواب فى المدخول بها وغير المدخول بها، ويكون ¬

_ (¬1) التحريم: 1 - 4. (¬2) التحريم: 3. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

فَقُولِى لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: لا. فَقُولِى لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ - وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ - فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكَ: سَقَتْنِى حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ. فَقُولِى لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. وَسَأَقُولُ ذَلِكَ لَهُ، وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ. قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَالَّذِى لا إِلَهَ إِلا هُوَ، لَقَدْ كَدْتُ أَنْ أُبَادِئَهُ بِالَّذِى قُلْتِ لِى، وَإِنَّهُ لَعَلَى الْبَابِ، فَرَقًا مِنْكَ. فَلمَّا دَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: " لا ". قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: " سَقَتْنِى حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ ". قَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَىَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَتْ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ دلالتها على البينونة وانقطاع الملك خاصة، فينظر فى ذلك، هل يصح انقطاع الملك والبينونة بالواحدة أو لا يصح فى الشرع إلا بالثلاث؟ وهذا أصل مختلف فيه، إذا لم تكن معه معاوضة، أو يكون يدل على عدد غالباً قد يسمتعمل فى غيره نادراً، فيحمل مع عدم القصد على الغالب، ومع وجود القصد على النادر إذا قصد إليه وجاء مستفتياً فيه، وإن كانت عليه بينة، فتختلف فروع هذا القسم، وإن كان يستعمل فى الأعداد استعمالاً متساوياً وقصد إلى أحد الأعداد، قبل منه، جاء مستفتياً أو قامت عليه بينة، وإن لم يكن له قصد فهذا موضع الاضطراب. فمن أصحابنا من يحمله على أقل الأعداد واستصحاباً لبراءة الذمة، وأخذاً بالمتيقن ودون ما زاد، ومنهم من يحمله على أكثر الأعداد أخذاً بالاحتياط، واستظهاراً فى صيانة الفروج، ولا سيما على قولنا: إن الطلقة الواحدة تحرّم، فكان الاستباحة بالرجعة مشكوك فيها هنا، ولا تستباح الفروج بالشك. فاضبط هذا، فإنه من أصرار العلم، وإليه ينحصر جميع ما قاله العلماء المتقدمون فى هذه المسائل، وبه تضبط مسائل الفتوى فى هذا الفن، وأقرب مثال يوضح لك هذه الجملة، ما نحن فيه من مسألة القائل: الحلال علىّ حرام، فقولهم فى المشهور أنها ثلاث، وينوى فى غير المدخول بها فى أقل، بناء على أن هذا اللفظ وضع لإبانة العصمة، وأنها لا تبين بعد الدخول بأقل من ثلاث، وتبين قبل الدخول بواحدة، ولكنها فى العدد غالباً فى الثلاث، ونادراً فى أقل منه، فحملت قبل الدخول على الثلاث، ونوى فى أقل. وقول عبد الملك: لا ينوى فى أقل وإن لم يدخل بها، بناء على أنها موضوعة للثلاث، لقوله: أنت طالق ثلاثاً، ويلحق بأول الأقسام التى ذكرنا. وقول أبى مصعب: هى فى التى لم يدخل بها واحدة، والمدخول بها ثلاث، بناء

عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: " لا حَاجَةَ لِى بِهِ ". قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ. قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِى. (...) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بَنْ بِشْرِ بْنِ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، بِهَذَا سَوَاءً. وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنها لا تفيد عدداً، وإنما تفيد البينونة لا أكثر، والبينونة تصح فى غير المدخول بها بواحدة، ولا تصح فى المدخول بها إلا بالثلاث، على إحدى الطريقتين التى ذكرنا. وقول ابن خويزمنداد عن مالك: أنها واحدة ثابتة، وإن كانت مدخولاً بها، بناء على أنها لا تفيد عدداً، كطريقة أبى مصعب، ولكن عنده أن البينونة تصح بعد الدخول بواحدة. فمن هاهنا افترقت طرقهم. وقول ابن أبى سلمة، بناء على أنها تفيد انقطاع الملك على صفة، ولا تستعمل غالباً فى الثلاث، فحكم. لكونها واحدة لصحة معنى اللفظ فى الواحدة، وهى كونها محرمة عندنا وإن كانت الطلقة رجعية، وهكذا محتمل قول عبد الملك وربيعة فى الخلية والبرية، والبائنة: أنها فى غير المدخول بها واحدة، مأخوذ من إحدى هذه الطرق التى ذكرنا. وتنويه أشهب فى الخلية والبرية وإن كانت مدخولاً بها على ما حكى عنه أبو الفرج، يؤخذ - أيضاً - من إحدى هذه الطرق التى قدمنا. وعلى هذا يخرج من المسائل ما لا يحصى كثرة فاحتفظ به فإنه عقد حسن. وقد كثر اختلاف الصحابة فى مسألة القائل: الحلال علىّ حرام ومن سواهم من العلماء، هل هو ظهارٌ أو يمين تكفر، ولا يلزم فيه شىء إلا فى الزوجة كما قال مالك: والذى يلزم فى الزوجة فيه الخلاف الذى ذكرناه وفى بعض ما أوردناه كفاية. قال القاضى: للعلماء خلاف كثير فى الحرام، فمنها هذه الأقوال المتقدمة الخمسة، ومشهور قول مالك منها بقول جماعة، منهم: على وزيد والحسن والحكم، وبقول عبد الملك، قال ابن أبى ليلى، وفيها ثمانية أقوال أُخر، منها قول ابن شهاب: أن له نيته ولا تكون أقل من واحدة. وقول سفيان: إن نوى ثلاثاً فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى يميناً فيمين، وان لم ينو شيئاً فلا شىء، هى كذبة. وقول الأوزاعى وأبى ثور مثله، إلا أنه قال: وإن لم ينو شيئاً فكفارة يمين. وقول الشافعى: إن نوى الطلاق فما أراد من عدده وإن كان نوى واحدة فهى رجعية،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى مثله عن أبى بكر وعمر وغيرهم من الصحابة والتابعين، وإن أراد تحريمها فكفارة يمين، وليس بمُولٍ. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن نوى الطلاق فواحدة بائنة، إلا أن ينوى ثلاثاً، فإن نوى اثنتين فهى واحدة، وإن لم ينو شيئاً فهى يمين وهو مول، وإن نوى الكذب، فليس بشىء، وقال مثله زفر إلا أنه قال: إذا نوى اثنتين لزمتاه، وقال إسحاق: فيها كفارة الظهار، وقال بعض التابعين: هى يمين يكفرها ما يكفر اليمين، وذكره مسلم عن ابن عباس، وقيل: هى كتحريم الماء والطعام، لا يلزمه فيه شىء، وهو قول الشعبى ومسروق وأبى سلمة، وهو قول أصبغ. وهذا فى الحرائر، وأما فى الإماء فلا يلزم التحريم فيهن عند مالك، كالطعام، وذلك لغو فيما عدا الأزواج، وذهب عامة العلماء إلى أن عليه كفارة يمين لمجرد التحريم، وقال أبو حنيفة: إذا قال ذلك حرم عليه ما قاله فيه من طعام وغيره، ولا شىء عليه، حتى إذا تناوله لزمته كفارة يمين، وأم الولد كالأمة على ما تقدم. وقوله: " إنى أجد منك ريح مغافير "، قال الإمام: المغافير جمع مغفور، وهو صمغ حلو كالناطف، وله رائحة كريهة، ينفخه شجر يقال له: العرفط وهو بالحجاز. وقوله: " جَرسَتْ نَحْلُه ": أى أكلت، قال أبو عبيد فى مصنفه: يقال: جرست النحل تجرس جرساً: إذا أكلت لتعسل. قال الهروى: ويقال: النحل جوارس، بمعنى: أواكل. قال القاضى: وقع فى الأصل: " مغافر " بغير ياء التعويض، والصواب إثباتها؛ لأنها عوض من الواو أتى فى المفرد، وإنما جاءت محذوفة فى ضرورة الشعر. وقال بعضهم: العرفط نبات له ورقة عريضة تفترش على الأرض له شوكة حجناء، وثمرة بيضاء كالقطن، مثل زر القميص، خبيث الرائحة، وتخبث رائحة راعيه ورائحة ألبانها، حتى يتأذى منه الناس، وزعم المهلب أن رائحة المغافير والعرفط حسنة، وهو خلاف ما يقتضيه الحديث، وما قاله الناس، قال أهل اللغة: العرفط من شجر العضاة، وهو كل شجر له شوك، وقيل: رائحته تشبه رائحة النبيذ، وكان النبى - عليه السلام - يكره أن يوجد منه رائحة تكره. وقوله: " عكة من عسل ": هى أصغر من القربة. وقولها: " فكدت أن أبادئه فَرَقاً مِنْكِ ": أى ابتداؤه بالكلام قبل أن تدنو منى خوفاً منك، وفى رواية ابن الحذاء: " أناديه " من النداء، وليس بشىء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذا الحديث إفشاء السر ذنب تجب التوبة منه، لقوله تعالى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} (¬1)، وكذلك التظاهر على الزوج وعلى المؤمن فيما يضر به، ويتأذى منه، ويقطع منفعة عنه. وفيه كرامة نبينا - عليه السلام - وهذه الأمة، بأن الله لم يلزمها ما حرمته على نفسها، كما فعل بمن تقدم من الأنبياء والأمم. وقوله: فنزل: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} (¬2): قد اختلف فى سبب نزولها، فجاء عن عائشة: أنه فى هذه القصة، وعن زيد بن أسلم: أنها نزلت فى تحريمه عليه مارية جاريته، وحلفه ألا يطأها. ولا حجة لمن أوجب فى التحريم بظاهر الآية كفارة يمين بقوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم} (¬3) لما روى أنه قال: " والله لا أطؤها "، ثم قال: " هى علىّ حرام "، وروى مثل ذلك من حلفه على شربه العسل المذكور وتحريمه، ذكره ابن المنذر فى رواية البخارى: " لن أعود له وقد حلفت، لا تخبرى بذلك أحداً " (¬4). وقال الطحاوى: قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شرب العسل: لن يعود إليه، ولم يذكر يميناً، لكن قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم} يوجب أن يكون قد كان هناك يمين. قال القاضى: قد ذكرنا ما فى كتاب البخارى من قوله: " قد حلفت، لا تخبرى بذلك أحداً "، فهذه يمين إن نوى بها الحلف بالله، وهو ظاهره. وقد استدل بعض العلماء بقوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} على أن ما عدا الزوجات لا يحرم بلفظ التحريم من الإماء وغيرهن على ما تقدم لإباحة ذلك فى الحرة بالطلاق. وقوله: " كان - عليه السلام - يحب الحلواء والعسل ": حجة فى استعمال مباحات الدنيا، وأكل لذيذ الأطعمة. والحلواء هنا: كل طعام مستحلى. ودورانه المذكور فى الحديث بعد العصر على نسائه إما لأن حكمه فى القسم بخلاف غيره كما تقدم فإن العدل غير واجب، لكنه كان مع هذا يعدل، فيفعل هذا فى كل واحدة، ليسوى بينهن فى نفسه، وأما على وجوب القسم، فإنما لكل واحدة يومها، ولا يسوع مثل هذا معهن إلا برضى جميعهن؛ لأنها مشاركة فى يومها لهن، وقد يحتج بهذا من يرى العدل إنما يختص بالمبيت لا فى الزيادة، وقد تقدم هذا وقد جاء فى الأم: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأذننا إذا كان فى يوم المرأة منا "، وهذا يوضح صحة ما تأولناه قبل، وقال الداودى: كان جعل ما بعد العصر ملغى، كأنه يشير إلى ما تقدم، أن جعله وقتاً مشتركاً لجميعهن. وذكر فى حديث حجاج عن ابن جريج؛ أن التى شرب عندها العسل زينب، وأن ¬

_ (¬1) التحريم: 4. (¬2) التحريم: 1. (¬3) التحريم: 2. (¬4) البخارى، ك التفسير، ب سورة التحريم. الفتح (4912).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتظاهرتين عائشة وحفصة، وكذلك جاء فى حديث ابن عباس وعمر؛ أن المتظاهرتين هما. وذكر مسلم - أيضاً - من رواية أبى أسامة عن هشام أن حفصة هى التى شرب عندها العسل، وأن عائشة وسودة وصفية هن اللواتى تظاهرن عليه، والأول أصح. قال النسائى فى حديث حجاج: إسناد جيد صحيح غاية. قال الأصيلى: حديث الحجاج أصح طرقه، وهو أولى بظاهر كتاب الله وأكمل فائدة، يريد بقوله: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْه} (¬1)، فهما اثنتان لا ثلاثة كما جاء فى رواية أبى أسامة، وأن المتظاهرتين عائشة وحفصة كما قال فيه، واعترف به عمر - رضى الله عنه - وانقلبت الأسماء فى الرواية الأخرى. كما أنه الصحيح فى أمر العسل، لا فى قصة أم إبراهيم، كما جاء فى غير الصحيحين (¬2)، ولم يأت بتلك القصة طريق صحيح، قال النسائى: حديث عائشة فى العسل إسناده جيد صحيح غاية. وقوله: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيَّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (¬3) لقوله: " بل شربت عسلاً " كذا جاء فى مسلم، وفيه اختصار وتمامه: " ولن أعود إليه وقد حلفت، لا تخبرى بذلك أحداً، على ما رواه البخارى، فهذا أحد الأقوال فى ذلك، وذلك لئلا تبلغ الأخرى الخبر، وأنه فعله ابتغاء مرضاة أزواجه، فيتغير قلبها. وقيل بل ذلك فى قصة مارية، واستكتامه حفصة ألا تخبر بذلك عائشة. قيل: بل أسر إلى حفصة أن الخليفة بعده أبو بكر ثم عمر. ¬

_ (¬1) التحريم: 4. (¬2) الطبرانى فى الكبير رقم (11130) وقال الهيثمى فى المجمع: ورواه الطبرانى فى الأوسط من طريق موسى ابن جعفر بن أبى كثير عن عمه. وقال الذهبى: مجهول وخبره ساقط. (¬3) التحريم: 3.

(4) باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية

(4) باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية 22 - (1475) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجَيبِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِى. فَقَالَ: " إِنَّى ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا، فَلا عَلَيْكِ أَلا تَعْجَلِى حَتَّى تَسْتَأمِرِى أَبَوَيْكِ ". قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَىَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأمُرَانِى بِفِرَاقِهِ. قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنَتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً. وَإِن كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا " (¬1). قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِى أَىِّ هَذَا أَسْتَأمِرُ أَبَوَىَّ؟ فَإِنِّى أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. 23 - (1476) حدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَويَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأذِنُنَا، إِذَا كَانَ فِى يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا، بَعْدَ مَا نَزَلَتْ: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء} (¬2). فَقَالَتْ لَهَا مُعَاذَةُ: فَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأذَنَكِ؟ قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ: إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَىَّ لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِى. (...) وحدّثناه الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " لما أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتخيير أزواجه بدأ بى " الحديث: وفيه أنه خير نساءه فلم يكنّ طوالق. قال الإمام: التخيير عندنا والتمليك حكمهما مفترق، ففى التمليك، وهو قوله: " أمرك بيدك "، له التناكر فى الثلاث إذا نوى أقل، وفى التخيير لا مناكرة له، وقال ابن الجهم من أصحابنا: له المناكرة فى التخيير، ويصدّق أنه أراد واحدة، وتكون بائنة، ¬

_ (¬1) الأحزاب: 28، 29. (¬2) الأحزاب: 51.

الإِسْنَادِ، وَنَحْوَهُ. 24 - (1477) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْن أَبِى خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَعُدَّهُ طَلاقًا. 25 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَن مَسْرُوقٍ، قَالَ: مَا أُبَالِى خَيَّرْتُ امْرَأَتِى وَاحِدَةً أَوْ مِائَةً أَوْ أَلفًا، بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِى. وَلَقَدْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفَكانَ طَلاقًا؟ 26 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ. فَلَمْ يَكُنْ طَلاقًا. 27 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ وإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا كلّه يعرف وجه التحقيق فيه، من العقد الذى قدمناه قبل هذا، فكأنهم فى المشهور من المذهب، رأوا أن التخيير وضع للبينونة ولا يكون فى المدخول بها بأقل من ثلاث، فلم يمكنوه من المناكرة، ورأى ابن الجهم، أنها تكون بالواحدة البائنة، فمكنه من المناكرة. وفرق المذهب بين التخيير والتمليك لهذا المعنى أيضاً، وهو أن التخيير جرى الاستعمال فيه بالبينونة، فلم يجر الاستعمال بذلك فى التمليك، فافترق حكمهما، وإذا ملكها عدداً، فلا يخلو - أيضاً - أن نورده بلفظ لا يدل الاقتصار على ما تضمنه، أو لفظ يدل على الاقتصار عليه، فإن كان بلفظ لا يدل على الاقتصار، فقضت بالأقل، فلها ذلك، لأنه ملكها العدد فما دونه، وإن قضت بأكثر، ففى لزوم العدد الذى ملكها خلاف أيضاً، وإن قضت بأقل ففى لزوم ما قضت به أيضاً خلاف. ووجه الخلاف فى الأكثر إذا قضيت به هل يسقط ما ملكها أو يثبت؟ أن من أسقطه رأى أنه ملكها على صفحة، فقضت بخلافها، فلا يلزمه ما قضت به؛ لأنه إذا ملكها تطليقتين فقضت بالثلاث، فإن الثلاث غير التطليقتين، فلا يلزمه التطليقتان وقد قضت بغيرهما، ووجه القول باللزوم، أن الزائد على ما تملكه كالعدد، فكأنها لم تنطق به واقتصرت على ما تملكه فلزمه.

عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرْنَاهُ. فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلاقًا. 28 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَاهُ. فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَيْنَا شَيْئًا. (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَن مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. بِمِثْلِهِ. 29 - (1478) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ. قَالَ: فَأُذِنَ لأَبِى بَكْرٍ، فَدَخَلَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأذَنَ فَأُذِنَ لَهُ. فَوَجَدَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، حَوْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووجه الخلاف أيضاً، إذا ملكها عدداً فقضت بأقل، إن من لم يلزمه فلأنها قضت على غير الصفة التى أعطاها، فلا يلزمه ما قضت به، لا سيما وللمُملّك فى الأعداد غرض؛ لأن الأكثر منها يسقط النفقة، ويحل لأخت المطلقة، ولا يلزم خلاف غرضه، وكمن باع منه ثلاث أثواب، فأراد قبول واحد منها، فليس ذلك له. وقد ألزم ابن القصار إذا ملكها أمرها، وأمر امرأة أخرى معها فطلقت نفسها خاصة، أن ذلك لا يلزمه، ورأى أنه فى معنى من ملك عدداً فقضت عليه بأقل منه. ومسألة ابن القصار هذه للنظر فيها عندى مجال، وتفتقر إلى تفصيل، ووجه القول بأنه إذا قضت بأقل لزم، أنه كمن وهب ثلاثة أثواب، فقبل واحداً منها، وهذا للآخرين أن ينفصلوا منه، ويقولوا: لو صح أن يكون له غرض فى قبوله منه الثلاثة جميعاً، لم يكن الموهوب من قبول واحد. وقولها: " فلم يعد ذلك طلاقاً ": فيه رد على من يقول: إنه يلزمه الطلاق وإن اختارت الزوج. قال القاضى: وقولها: " فلم يكن طلاقاً " وفى الرواية الأخرى: " فاخترناه فلم يعد علينا شيئاً ": اختلف العلماء فى التخيير إذا اختارت المرأة نفسها ما يكون؟، فقيل

نِسَاؤُهُ، وَاجمًا سَاكِتًا. قَالَ: فَقَالَ: لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِى النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأتُ عُنقَهَا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " هُنَّ حَوْلِى كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِى النَّفَقَةَ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهاَ. فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا. كِلاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. فَقُلْنَ: وَاللهِ، لا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ القولان المتقدمان عندنا: أنها ثلاث بكل حال، وهو مشهور قول مالك، وقاله الليث والحسن. ثم اختلف عندنا إذا قضت بأقل من ثلاث، فقال مالك: لا يلزمه وسقط ما بيدها، وقال أشهب: ترجع على خيارها. وقال عبد الملك: هى ثلاث بكل حال، وقيل: إنها واحدة بائنة، وهو قول أبى حنيفة، وحكى عن مالك، وروى عن على بن أبى طالب. وقيل: واحدة رجعية، وهو قول عبد العزيز والشافعى والثورى وابن أبى ليلى وأبى يوسف، وحكى ابن سحنون عن أبيه نحوه، وروى عن عمر وابن مسعود. وقالت فرقة: هو ما قضت به الزوجة من واحدة أو أكثر، وقيل: هو على ما نواه الزوج، وله مناكرتها فى الخيار كالتمليك، والطلقة بائنة، وهو قول ابن الجهم من أصحابنا وغيره. وقال بعضهم: تكون رجعية. وقالت فرقة: ليس للمخيرة ولا للمملكة شىء من الطلاق. واختلفوا إذا اختارت زوجها، فكافتهم على أنه لا يلزم فيه شىء، وهو قول جماعة السلف، وأئمة الفتوى، ومشهور مذهب مالك، وروى عن على وزيد بن ثابت والحسن والليث: أن نفس الخيار طلقة واحدة بائنة، وإن اختارت زوجها، وحكاه الخطابى والنقاش عن مالك، ونحوه عن ربيعة فى - التمليك، قال: وإن اختارت نفسها فثلاث ولا يصح هذا عن مالك، والأحاديث الصحيحة ترده. وكذلك اختلف شيوخنا: هل إيقاع الخيار مكروه وبدعة، أو مباح وسنة، فقيل: ذلك مكروه لما تضمن من إيقاع الثلاث، وقيل: غير مكروه، فليس بنفس الطلاق الثلاث، وإنما هو تخيير فى الإقامة أو فى الفرقة؛ ولأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمر به وفعله. وقيل: إنما أمر الله نبيه بتخيير أزواجه بين الدنيا والآخرة، فمن آثرت الدنيا طلقها بالطلاق الذى أمره الله به، فليس فيه حجة [فى] (¬1) التخيير فى الطلاق، ولا فى إباحة التخيير، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ حَتَّى بَلَغ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬1) قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ. فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا، أُحِبُّ أَلا تَعْجَلِى فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِى أَبَوَيْكَ ". قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَتَلا عَلَيْهَا الآيَةَ. قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَسْتَشِيِرُ أَبَوَىَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَلا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِى قُلْتُ. قَالَ: " لا تَسْأَلَنِى امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِى مُعَنِّتًا وَلا مُتَعَنِتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِى مُعَلمًا مُيَسِّرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا حجة لجواز إيقاع الثلاث. قال الإمام: وقوله: " وجأت عنقها ": أى دققته، ومنه الحديث: " فليأخذ سبع تمرات فليجأهن " (¬2): [أى فأدقهن] (¬3). قال القاضى: هذا أصل الوجاء، وليس كل دق فى العنق وجاء، وإنما هو شبه الطعن والغمز يقال: وجأت البعير: إذا طعنته فى منخره، ووجأت الوتد: ضربته، ووجأته بالسكين: طعنته به. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 28، 29. (¬2) أبو داود، ك الطب، ب فى تمرة العجوة (3875). (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

(5) باب فى الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه}

(5) باب فى الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} (¬1) 30 - (1479) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ سِمَاكٍ أَبِى زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ. فَقَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: لأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ، أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأنِكِ أَنْ تُؤْذِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: مَالِى وَمَالَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. فَقُلْتُ لَهَا: يَا حَفْصَةُ، أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأنِكِ أَنْ تُؤْذِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ واللهِ، لَقَدْ عَلمْتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُحِبُّكِ، وَلَوْلا إِنَّا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ. فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: هُوَ فِى خِزَانَتِهِ فِى الْمَشْرُبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " فعليك بعيبتك ": تريد ابنته، قيل: العيبة الابنة. قال الإمام: أى بخاصتك وموضع سرّك، ومنه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأنصار كرشى وعيبتى " (¬2) قال ابن الأنبارى: يعنى " كرشى " أصحابى وجماعتى الذين أعتمد عليهم، وأصل الكيرش فى اللغة: الجماعة، وجعل الأنصار عيبته: خصوصيته إياهم؛ لأنه يطلعهم على أسراره، قال غيره: فمعنى " عيبتى ": خاصتى وموضع سرّى، قال أهل اللغة: والعيبة فى كلام العرب، معناها: ما يجعل فيه الرجل أفضل ثيابه، وحرّ متاعه، وأنفسه عنده. قال القاضى: كذا رواية العذرى والفارسىّ وكافة الرواة، وهو الصواب على ما تقدم، ورواه بعضهم عن السجزى: " بغيبتك " وليس بشىء، وعند ابن ماهان: " بنفسك ". وقوله: " هو فى المشرُبة "، قال الإمام: فيها لغتان: فتح الراء وضمها. ورباح المذكور فى هذا الحديث هو بفتح الراء، وباء واحدة تحتها. ¬

_ (¬1) التحريم: 4. (¬2) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب قول النبى: " اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم " (3801)، مسلم، ك فضائل الصحابة، ب من فضائل الأنصار وقريش (3907)، أحمد 3/ 156.

فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِداً عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ، مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ - وَهوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِرُ - فَنَادَيْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأذِنْ لِى عِنْدَكَ عَلَى رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الغُرْفَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَىَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأذِنْ لِى عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الغُرْفَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَىَّ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِى فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأذِنْ لِى عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنِّى أَظُنُّ أَنَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنِّى جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ. وَاللهِ، لَئِنْ أَمَرَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ عُنُقِهَا لأَضْرِبْنَّ عُنُقَهَا، وَرَفَعْتُ صَوْتِى، فَأَوْمَأَ إِلَىَّ أَنِ ارْقَهْ. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِير، فَجَلَسْتُ. فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِى فِى خِزَانَة رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِى ناَحِيَة الغُرْفَةِ، وَإِذَا أَفَيقٌ مُعَلَّقٌ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاىَ. قَالَ: " مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، وَمَالِى لا أَبْكِى؟ وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لا أَرَى فِيهَا إِلا مَا أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِى الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفْوتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. فَقَالَ: " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟ ". قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلْتُ وَأَنَا أَرَى فِى وَجْهِهِ الغَضَب. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأنِ النِّسَاءِ؟ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مَعَكَ وَمَلائِكَتَهُ وَجَبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَاَلْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ. وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ - وَأَحْمَدُ اللهَ - بِكَلامٍ إِلا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ يُصَدِّقُ قَوْلِى الَّذِى أَقُولُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، آيَةُ التَّخْيِيرِ {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُن} (¬1) {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِير} (¬2) وَكَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قَالَ: " لا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُوَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) التحريم: 5. (¬2) التحريم: 4.

يَنْكُتُونَ بِالحَصَى، يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ ". فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ، وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا، ثُمَّ نَزَلَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلْتُ. فَنَزَلْتُ أَتَشَّبَثُ بِالْجِذْعِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كُنْتَ فِى الْغُرْفَة تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ "، فَقُمْتُ عَلَى بَاب الْمَسْجِدِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِى: لَمْ يُطَلَّقْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (¬1) فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الأَمْرَ، وَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - آيَةَ التَّخْيِيِر. 31 - (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - أَخْبَرَنِى يَحْيَى. أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ. قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ، فَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأَرَاك لِحَاجَةٍ لَهُ. فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: وَاللهِ، إِنْ كُنْتُ لا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةً فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ. قَالَ: فَلا تَفْعَلْ. مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِى مِنْ عِلْمٍ فَسَلْنِى عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتُ أَعْلَمُهُ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ، إِنْ كُنَّا فِى الْجَاهِلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلم أزل أحدثه حتى كشر ": قال ابن السكيت: كشر وابتسم وبَسم وافْترّ وأنكل كله بمعنى واحد، فإن زاد قيل: قهقه، وزهْدق وكركر، فإن أفرط قيل: استغرب ضحكاً، وقال صاحب الأفعال: كشَّر: أبدى أسنانه تبسماً أو غضباً. قال القاضى: فيه بسط نفس الغضبان، وتسلية لمغتم بما يباح من الحديث، لا بالسخف من الكلام والأفعال، ومثله قوله فى الرواية الأخرى: " لأقولن شيئاً أضحك به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬2). ¬

_ (¬1) النساء: 83. (¬2) حديث رقم (29) بالباب السابق.

مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا فِى أَمْرٍ أَأْتَمِرُهُ، إِذْ قَالَتْ لِى امْرَأَتِى: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ لَهَا: وَمَالَكِ أَنْتِ وَلِمَا هَاهُنَا؟ وَمَا تَكَلُّفُكِ فِى أَمْرِ أُرِيدُهُ؟ فَقَالَتْ لِى: عَجَبًا لَكَ، يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. قَالَ عُمَرُ: فَآخُذُ رِدَائِى ثُمَّ أَخْرُجُ مَكَانِى، حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى حَفْصَةَ. فَقُلْتُ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّك لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللهِ، إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ. فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّى أُحَذِّرُكِ عَقُوبَةَ اللهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ. يَا بُنَيَّةُ، لا تَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِى قَدْ أَعَجَبَهَا حُسْنُهَا، وَحُبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، لِقَرَابَتِى مِنْهَا، فَكَلَّمْتُهَا. فَقَالَتْ لِى أُمُّ سَلَمَةَ: عَجبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! قَدْ دَخَلْتَ فِى كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَبْتَغِى أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ! قَالَ: فَأَخَذَتْنِى أَخْذًا كَسَرَتْنِى عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ منْ عِنْدِهَا، وَكَانَ لِى صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ، إِذَا غِبْتُ أَتَانِى بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ حِيْنَئِذٍ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا، فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنا مِنْهُ، فَأَتَى صَاحَبِى الأَنْصَارِىُّ يَدُقُّ الْبَابَ، وَقَالَ: افْتَحْ، افْتَحْ. فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِىُّ؟ فَقَالَ: أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، اعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ. فَقُلْتُ: رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ ثُمَّ آخُذُ ثَوْبِى فَأَخْرُجُ، حَتَّى جِئْتُ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَشْرُبَةٍ لَهُ يُرْتَقَى إِلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغُلامٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ عَلَى رَأسِ الدَّرَجَةِ. فَقُلْتَ: هَذَا عُمَرُ. فَأُذِنَ لِى. قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ. فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيث أُمَّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِير مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَىْءٌ. وَتَحْتَ رَأسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَضْبُورًا، وَعِنْدَ رَأسِهِ أَهُبًا مُعَلَّقَةً، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيْتُ. فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكَ؟ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا تَرْضَىَ أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدُّنْيَا وَلَكَ الآخِرَةُ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " فبينا أنا فى أمر أأتمره ": أى أرتئى فيه وأشاور نفسى، يقال: ائتمر رأيه وشاور نفسه وارتأى قبل مواقعة الأمر.

32 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ عُمَرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. كَنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: شَأنُ الْمَرْأَتَيْنِ؟ قَالَ: حَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ. وَزَادَ فِيهِ: وَأَتَيْتُ الْحُجَرَ، فَإِذَا فِى كُلِّ بَيْتٍ بُكَاءٌ. وَزَادَ أَيْضًا: وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا، فَلَمَّا كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نَزَلَ إِلَيْهِنَّ. 33 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ - وَهُوَ مَوْلَى الْعَبَّاسِ - قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَبِثْتُ سَنَةً مَا أَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا، حَتَّى صَحبْتُهُ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا كَانَ بِمَرَّ الظَّهْرَانِ ذَهَبَ يَقْضِى حَاجَتَهُ. فَقَالَ: أَدْرِكْنِى بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَرَجَعَ ذَهَبْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ. وَذَكَرْتُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟ فَمَا قَضَيْتُ كَلامِى حَتَّى قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. 34 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ - وَتَقَارَبَا فِى لَفْظِ الْحَدِيث - قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا - وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬1) حَتَّى حَجَّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَه، فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ عُمَرُ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإِدَاوَةِ. فَتَبَرَّزَ. ثُمَّ أَتَانِى فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ، فَتَوَضَّأَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ قَالَ عُمَرُ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ - قَالَ الزُّهْرِىُّ: كَرِهَ وَاللهِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ - قَالَ: هِىَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. ثُمَّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ. قَالَ: كُنَّا - مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ. قَالَ: وَكَانَ مَنْزِلِى فِى بَنِى أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) التحريم: 4.

بِالْعَوَالِى، فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِى، فَإِذَا هِىَ تُرَاجِعُنِى، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِى. فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ. فَقُلْتُ: أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: أَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ، أَفَتَأمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هِىَ قَدْ هَلَكَتْ، لا تُرَاجِعِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تَسْأَلِيهِ شَيْئًا، وَسَلِينِى مَا بَدَا لَكِ. وَلا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِىَ أَوْسَمُ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ - يُرِيدُ عَائِشَةً. قَالَ: وَكَانَ لِى جَارٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَيَأَتِينِى بِخَبَرِ الْوَحْىِ وَغَيْرِهِ، وَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِى، ثُمَّ أَتَانِى عِشَاءً فَضَرَبَ بِأَبِى، ثُمَّ نَادَانِى، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْتُ: مَاذَا؟ أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ: لا. بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَطْوَلُ، طَلَّقَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا كَائِنًا، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الصُبْحَ شَدَدْتُ عَلَىَّ ثِيَابِى، ثُمَّ نَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَهْىَ تَبْكِى. فَقُلْتُ: أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: لا أَدْرِى، هَاهوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِى هَذِهِ الْمَشْرُبَةِ. فَأَتَيْتُ غُلامًا لَهُ أَسْوَدَ. فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَىَّ. فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ، فَإِذَا عِنْدَهُ رَهْطٌ جُلُوسٌ يَبْكِى بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِى مَا أَجِدُ، ثُمَّ أَتَيْتُ الغُلامَ فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَىَّ. فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَت، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا -، فَإِذَا الغُلامُ يَدْعُونِى. فَقَالَ: ادْخُلْ، فَقَدْ أَذِنَ لَكَ، فَدَخَلَتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِىءٌ عَلَى رَمْلِ حَصِير، قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ. فَقُلْتُ: أَطَلَّقْتَ، يَا رَسُولَ اللهِ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَىَّ وَقَالَ: " لا ". فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ، لَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ وَكُنَّا - مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ. فَتَغَضَّبْتُ عَلَى امْرَأَتِى يَوْمًا، فَإِذَا هِىَ تُرَاجِعُنِى، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِى. فَقَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " على رمال حصير": قال ابن القوطية: رملت الحصير رملاً وأرملته: إذا نسجته، قال القاضى: تفسير هذا قوله فى الحديث الآخر: " وإذا الحصير قد أثر فى جنبه "،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجاء فى حديث إسحاق: " متكئ على رَمْل حصير، قد أثر فى جنبه ": أى أثر نسجها فى جنبه. و" متكئ " هنا بمعنى: مضطجع، فى الحديث الآخر. وتأثير الرمال فى جنبه يدل عليه. وكل متمكن متكئ، وعليه تأول الخطابى قوله - عليه السلام -: " أما أنا فلا آكل متكئًا " (¬1): أى متمكناً فى قعودى له كالمتربع ونحوه، بدليل قوله آخر الحديث: " بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد "، وكما جاء فى الحديث الآخر: " أنه أكل مقعياً "، وأنكر تأويل من تأول أنه الميل على جنب. وقوله: " واجماً ساكتاً ": أى مطرقاً كالمغضب. " وأُسكُفة المشربة " بضم الهمزة والكاف: عتبة الباب السفلى. و " فقير الخشب " بتقديم الفاء، فسَّره فى الحديث بالجذع يرقى عليه، وهو الذى جعلت فيه فِقَر كالدرج يصعد عليها، أُخذ من فقار الظهر، ومنه: فقار السيف، فقيل للجذع: فقر، بمعنى مفقور، وفقار الظهر: خرزات عظامه التى بطوله، وفقار السَّيف حزوز بظبتيه فى متنه شبهت بفقار الظهر. وقوله: " يرتقى إليها بعجلة ": كذا روايتنا عن ابن عيسى، وعند غيره: " بعجلها "، والأول أوجه وأبين. والعجلة: درجة من النخل، قاله القتبى. وقوله: " حتى تحسر الغضب عن وجهه ": أى زال وانكشف. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: " لا تعجلى حتى تستأمرى أبويك " وقد علم أن أبوىّ لم يكونا ليأمرانى بفراقه، لكراهته - عليه السلام - فراقها، وخوفه أن تبادر بذلك إذا جعل ذلك إليها، لما فى ظاهره من الزهو بتخييرها، وأنفة النساء عند مثل هذا، مع صغر سنها. وقولها: " لا تخبر امرأة من نسائك بالذى قلت " غيرة منها، وحرصاً على التفرد بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاستكثار منه. وقوله: " إن الله لم يبعثنى معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثت معلماً ميسّراً ": أصل العنت الشدة وإدخال المشقة: أى لم يبعثنى بهذا لغيرى ولا فى خاصتى، وآخر الحديث يدل عليه، وهو قوله: " ميسّراً "، ورواه بعضهم: " مبتسراً "، والأول أولى، لمطابقته معناه. والقرظ: الصمغ، معروف. والأفيق، بفتح الهمزة: الجلد لم يتم دباغه. والإهاب: ما لم يدبغ، جمعه أُهبٌ وأَهبٌ. و" وينكتون الحصى ": أى يضربون به الأرض، فعل المشغول السّر والواجم. كما قال امرؤ القيس: أعد الحصى ما تنقضى عبراتى وتبرَّز: أتى البَراز، بفتح الباء، وهى الأرض البارزة عن البيوت والمساكن، يأتونها ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأطعمة، ب الأكل متكئًا (5398).

مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ، أَفَتَأمَنُ إِحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هِىَ قَدْ هَلَكَتْ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: لا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِىَ أَوْسَمُ مِنْكِ وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ. فَتَبَسَّمَ أُخْرَى. فَقُلْتُ: أَسْتَأنِسُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " نَعَمْ "، فَجَلَسْتُ، فَرَفَعْتُ رَأسِى فِى الْبَيْتِ. فَوَاللهِ، مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ، إِلا أُهَبًا ثَلاثَةً. فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ، وَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ لقضاء الحاجة. وقوله: " أوسم ": أى أجمل، والوسامة: الجمال. وذكر فى الحديث الأول: أن التى شرب عندها العسل زينب، وفى الحديث بعده: أنها حفصة، والأول الصواب؛ بدليل الأحاديث الأخر فى الباب، والذى بعده أن حفصة إحدى المتظاهرتين عليه. وفى حديث عمر وإشارته على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لتطليق أزواجه: جواز مثل هذا إذا كان على وجه المصلحة. فى تأديب عمر وأبى بكر لبنتيهما: جواز ذلك للآباء لكبار الأبناء ومتزوجاتهن. وفيه اهتمام المسلمين لما أهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واجتماعهم لذلك وبكاؤهم واستعظامهم ذلك. وفيه وجوب الاستئذان على المرء فى منزله، وإن عرف أنه وحده، وتكرار الاستئذان إذا لم يؤذن، والعودة لذلك، وسيأتى فى بابه الكلام عليه. وجواز اتخاذ الأئمة والكبراء الحجاب عند انفرادهم لما يهمهم، وأنه إذا فهم الحاجب بالسكوت المنع لم يستأذن؛ إذ قد سمع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استئذان عمر فسكت، فنظر إليه الغلام ولم يستأذن ولا أذن لعمر، والغالب من حال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان لا يتخذ على بابه بواباً. وفى فعل عمر من ملاطفة أمر النبى - عليه السلام - وتسليته بعد استئذانه فى الاستئناس وإضحاكه إياه: ما يقتدى به من فعله، وأنه لا بأس بمثل هذا من التلطف بالكلام الحسن المباح، لا بالسخف والمجانة ومحاكاة الناس. وقوله: " أستأنس ": من هذا المعنى، لينبسط فى الكلام لئلا يأتى بما لا يوافق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديثه، فيزيده هماً وحزناً فلم يرد أن يحدث بغير ما هم فيه حتى يستأذن، وهو من الأدب اللازم بين يدى الأكابر والعلماء. وقال إسماعيل القاضى: معنى يستأنس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا: فى الإذن، واحتج بذلك على قوله: {حَتَّى تَسْتَأنِسُوا} (¬1). وفيه ما كان عليه - عليه السلام - من التقلل من الدنيا والزهد فيها والقناعة بالدّون منها. وفيه جواز سكنى الغرف، واتخاذ الخزانة لأثاث المرء. وفيه ما كانوا عليه من الحرص على طلب العلم والتناوب فيه، وحمل بعضهم عن بعض كفعل عمر والأنصارى. وفى خدمة ابن عباس لعمر ما يجب للأئمة والعلماء وأهل الفضل من الحق، وخدمة الفضلاء بعضهم لبعض، وبر الصغار بالكبار وهبته تلك المدة عن سؤاله عن تفسير الآية، لما كانت إحدى المتظاهرات [على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2) حفصة ابنته؛ ولذلك قال له: " واهاً لك يابن عباس ": وهى لفظة توضع للتعجب، كما قال فى الرواية الأخرى: " واعجباً لك يا ابن عباس "، ألا ترى الزهرى كيف قال: كره والله، والله ما أسأله عنه ولم يكتمه، وهذا يرد ما تأوله بعضهم فى هذا أنه إنما تعجب، وأنكر عليه أنه لم يعلم من هما إلى الآن، مع حرصه على العلم. وفى قوله: " إن كان عتاباً كان خالياً " على ما جاء فى رواية البخارى (¬3): ما يدل برفع ابن عباس لذلك. وفيه ما كان عليه - عليه السلام - من حسن الصحبة وجميل العشرة مع أزواجه والصبر على غيرتهن وأخلاقهن، كما خص عليه - عليه السلام - فى حسن عشرة النساء، والصبر على اعوجاجهن، والاستمتاع بهن على ذلك. وفيه أن هجرانهن له لم يكن فى منع حق له عليهن، وإنما كان فى ترك الكلام والإعراض وتيسير الوجه بما طبعن عليه من ذلك، وحملتهن عليه الغيرة. وفيه المخاطبة بأجمل الألفاظ وأحسنها، بقوله: " إن كانت جارتك "، ولم يقل: ضرتك، والعرب تفعل ذلك، لما فى لفظة " الضرة " من الاسم المكروه. وفيه جواز قرع الباب للاستئذان، وشدة القرع فيه للأمور المهمة. وجواز النظر إلى ما لم يستر فى بيت المزور، لا سيما الصاحب، وقد جاء النهى عن فضول النظر وكراهيته عن السلف. وفيه هجره - عليه السلام - لهن فى غير بيوتهن تأديباً لهن، قال بعضهم: لما فيه من الرفق؛ إذ هجرانهن مع الكون معهن آلم لقلوبهن. قال القاضى: الأمر بالعكس أولى، بل بعده عنهن أغيظ لهن وأشد حسرة، وهذا مما اختلف فيه العلماء. وذهب بعضهم أنه لا يكون ذلك إلا فى بيوتهن، وفيه حديث، ¬

_ (¬1) النور: 27. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬3) البخارى، ك المظالم، ب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة فى السطوح وغيرها. الفتح (2468).

لا يَعْبُدُونَ اللهَ. فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ: " أَفِى شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ". فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِى يَا رَسُولَ اللهِ. وَكَانَ أَقْسَمَ أَلا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ، حَتَّى عَاتَبَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ. 35 - (1475) قَالَ الزُّهْرِىُّ: فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَدَأَ بِى. فَقُلْتُ. يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَلا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. أَعُدُّهُنَّ. فَقَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " ثُمَّ قَالَ: " يَا عَائِشَةُ إِنِّى ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلا عَلِيْكِ أَلا تَعْجَلِى فِيهِ حَتَّى تَسْتَأمِرِى أَبوَيْكِ ". ثُمَّ قَرَأَ عَلَىَّ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِك} حَتَّى بَلَغَ: {أَجْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا حجة عليه، وقد نبه عليه البخارى وترجم به (¬1)، ورجح حديث عمر. وفيه جواز القسم على مثل هذا، وقد قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُن} (¬2) الآية. وقد اختلفت فى معنى قوله تعالى هذا، فقيل: هجرانها فى المضجع أن ينام معها ولا يجامعها، وقيل: ينام معها فيه ويوليها ظهره ولا يكلمها، وقيل: يهجرها بلسانه ويغلظ لها بالقول ولا يدع جماعها. وفى قول عمر: " رغم أنف حفصة ": جواز قول مثل هذا وقاله عمر بن عبد العزيز وابن حبيب، وقد كرهه مالك، ومعناه: ذل أنفها ولصق بالتراب، وهو الرغام، من الذلة. وفيه قوله: " إن كانت جارتك " يريد: ضرتك، وكانوا يكرهون تسميتها ضرّة لما فى لفظه من الضر. وقوله: " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى الدنيا ": يحتج به من يفضل الفقر على الغنى، لما فى مفهوم هذا أن بمقدار ما يتعجل من طيبات الدنيا يفوته من الآخرة ما كان يدخر له لو لم يستعجله، وقد يتأوله الآخرون بأن المراد أن حظ هؤلاء من النعيم ما نالوه فى الدنيا، ولا حظ لهم فى الآخرة لكفرهم. قال الإمام: ذكر مسلم فى هذا الباب: حدثنا عن سفيان بن عيينة [أبو عبد الله] (¬3)، قال البخارى: ولا يصح ابن حنين وهو مولى العباس هكذا يقول ابن عيينة، قال البخارى: ولا يصح قوله، وقال مالك: مولى آل زيد بن الخطاب، وقال محمد بن جعفر ¬

_ (¬1) البخارى، ك النكاح، ب هجرة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه فى غير بيوتهن. الفتح (5202). (¬2) النساء: 34. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

عَظِيمًا (¬1). قَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ - وَاللهِ - أَنَّ أَبَوَىَّ لَمْ يَكُونَا لِيأمُرَانِى بِفِرَاقِهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَوَفِى هَذَا أَسْتَأمِرُ أَبوَىَّ؟ فَإِنَّى أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِى أَيُّوبُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لا تُخْبِرْ نِسَاءَكَ أَنِّى اخْتَرْتُكَ. فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ أَرْسَلَنِى مُبَلِّغًا وَلَمْ يُرْسِلْنِى مُتَعَنِّتًا ". قَالَ قَتَادَةُ: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬2): مَالَتْ قُلُوبُكُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أبى كثير: مولى بنى زريق. قال القاضى: الصحيح عندهم قول مالك، وحديثه عند أهل المدينة. وذكر فى الحديث: أنه آلى من نسائه شهراً. الإيلاء: الحلف، وأصله: الامتناع من فعل الشىء. آلى إيلاء، وتَأَلَّى تألّياً وائتلى ائتلاء، وصار فى عرف الفقهاء مختصاً بالحلف على الاعتزال من جماع الزوجات إلا ما حكى عن ابن سيرين من أنه محمول على كل حلف عليهن، من جماع أو كلام أو إنفاق. ولا خلاف بين العلماء، أن مجرد الإيلاء، لا يوجب فى حينه طلاقاً ولا حكماً. واختلفوا، هل له تقدير ومدة به يجب حكمه الذى نص عليه بقوله: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر} (¬3) الآية أم لا؟ مذهب علماء الحجاز والمدنيين وجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم: إلى أن ذلك لمن حلف على أكثر من أربعة أشهر، فمن حلف على أربعة فأقل، فليس بمولٍ. وذهب الكوفيون إلى أن ذلك لمن حلف على أربعة أشهر فأكثر، لا على أقل. وشذ ابن أبى ليلى وابن شبرمة والحسن فى آخرين منهم، فقال: إن حلف على ألّا يجامعها يوماً أو أقل، ثم تركها حتى مضت أربعة أشهر فهو مولٍ تعلقاً بظاهر الآية. وروى عن ابن عمر عكس هذا، أن كل من وقت ليمينه وقتاً وضرب مدة وإن طالت، فليس بمول، وإنما المولى من حلف [على] (¬4) الأبد. ولا خلاف بينهم أنه لا يقع عليه طلاق قبل الأربعة أشهر، ولا خلاف أنه إن أحنث نفسه قبل تمامها، أن الإيلاء ساقط عنه. ثم اختلفوا اختلافاً آخر: هل بانقضاء الأربعة الأشهر يقع الطلاق؟ وهو قول الكوفيين كلهم ويقدرون الآية: فإن فاؤوا فيهن، أم حتى يوقف الزوج فإمّا فاء وإمّا طلق، أو طلّق عليه السّلطان؟ هو قول علماء الحجاز والمدينة ومصر وكافة فقهاء أصحاب الحديث وأهل الظاهر، وتقدير الآية عند هؤلاء: فإن فاؤوا بعدهن، وهو مشهور قول مالك وأصحابه، ¬

_ (¬1) الأحزاب: 28، 29. (¬2) التحريم: 4. (¬3) البقرة: 226. (¬4) ساقطة بالأصل، واستدركت بالهامش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى عنه مثل قول الكوفيين وقال أشهب من أصحابنا: إن قال: أنا أفئ، أمهل حتى تنقضى عدتها، فإن لم يف بانت منه. ثم اختلف القائلون بوقوع الطلاق بالقضاء الأربعة الأشهر، هل هو بائن أو رجعى؟ وأما الآخرون فلا خلاف بينهم أنها رجعية، إلا أن مالكاً يقول: لا يصح فيها الرجعة حتى يطأ الزوج فى العدة، ولم يحفظ هذا الشرط لأحد سواه. وكذلك اختلفوا إذا وقع الطلاق وقد حاضت ثلاثاً فى الأربعة الأشهر، هل تحتاج إلى استئناف عدة؟ وهو قول الكافة، أم لا تحتاج إليها وتلك تُغنيها وتتزوج مكانها؟ وهو قول جابر ببن زيد، وقال به الشافعى فى القديم. وكذلك اختلفوا: هل يكون غير قاصد الضرر والحالف فى الرضا وعلى غير الغضب، مولياً أو لا؟ فكافتهم على أنه يكون مولياً بكل وجه. وذهب مالك والأوزاعى إلى أنه لا يكون مولياً، إذا حلف لمصلحة ولده حتى تفطمه، وهو قياس قولهم فى شبه هذا، مما لم يقصد به الضرر، وبه قال أبو عبيد، وعن على وابن عباس قالا: إنما يكون مولياً، إذا حلف على وجه الغضب، وأمّا على وجه الرضا فلا يكون مولياً. وقوله تعالى فى الآية: {فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} (¬1) يشعر بأن الإيلاء إنما له هذا الحكم، إذا قصد به الإضرار؛ إذ عنه يكون الغفران والرحمة، وقيل: غفور فى اجترامهم بالحلف على ذلك وتحنيث أنفسهم بالفىء رحيم بهم، وقيل: غفور فيما زاد على الأربعة الأشهر؛ إذ قد أباح له التربص فيها فما زاد فهو محظور. وفيه حجة لمشهور قول مالك والكافة. وقوله: " فجلست فأدنى عليه إزاره ": فيه أن مجالسة الرجل لغيره وإن كان ممن يختص به، بخلاف جلوسه وحده من التحفظ والتستر، لما تدعو إليه الضرورة من كشف جسده؛ لأن ذلك من المروءة والسمت. وفى بداية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: فضيلتها على غيرها وأثرتها عنده، وكذلك بدايته بالدخول عند تمام الشهر عندها، يحتمل أنها كانت نوبتها بعد التى خرج عنها قبل يمينه، ويحتمل أنه ابتدأ القسم الآن فبدأ بها، ويحتمل أنه بدأ بالدخول عندها ثم دخل إلى سائر نسائه فسوّى بينهن واستمر بعدُ قسمه على ما أراد من ذلك. وقوله فى الحديث من رواية ابن أبى شيبة: " اللتين تظاهرتا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": توقيراً لهما، وبِرًا أن يقول فى هذا الحديث: تظاهرتا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكنى بعهده واكتفى به عن غيره، وقد جاء فى الحديث الآخر مبيناً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْه} (¬2). ¬

_ (¬1) البقرة: 226. (¬2) التحريم: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله لعائشة: " إن الشهر تسع وعشرون ": فيه حجة لابن عبد الحكم، أن من عليه صيام شهر، فصامه بالأيام أنه يجزيه، خلاف قول مالك وأصحابه: أنه يتم ثلاثين؛ إذ ليس فى هذا الحديث صومه للهلال، بل قول عائشة: " أعدّهن عدّا " يدل على ما قلناه.

(6) باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها

(6) باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها 36 - (1480) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؛ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ. فَقَالَ: واللهِ، مَالَكِ عَلَيْنا مِنْ شَىْءٍ. فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ "، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: " تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِى، اعْتَدِّى عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِى ". قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ؛ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ، انْكِحِى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ "، فَكَرِهْتُهُ. ثُمَّ قَالَ: " انْكِحِى أُسَامَةَ "، فَنَكَحْتُهُ. فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ. 37 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى حَازِمٍ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ كِلَيْهِمَا عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث فاطمة بنت قيس قال الإمام: خرج مسلم فى حديث فاطمة بنت قيس: " أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة "، هكذا يقول ابن شهاب: عن أبى سلمة وعن عبيد الله بن عبد الله؛ أن أبا عمرو بن حفص. وكذا قال مالك: عن عبد الله بن يزيد عن أبى سلمة أبو حفص بن المغيرة، وهكذا قال الأوزاعى. عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة، وقال شيبان وأبان العطار: عن يحيى أن أبا حفص بن عمرو، فقلنا: والمحفوظ ما قالت الجماعة، وذكر الدولابى عن النسائى: أن اسم أبى عمرو هذا " أحمد ". قال القاضى: الأشهر فى اسمه كنيته. وقوله: " طلقها ": هذا هو الصحيح والذى جاءت به الرواية من الحفاظ، على اختلاف صفة الطلاق، هل ثلاث أو البتة أو آخر ثلاث تطليقات على ما سيأتى تفسيره.

حَازِمٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: وَاللهِ، لأُعْلِمَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ لِى نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الَّذِى يُصْلِحُنِى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِى نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لا نَفَقَةَ لَكِ، وَلا سُكْنَى ". (...) حدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْث عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِى أَنَسٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، فَأَخْبَرَتْنِى؛ أَنَّ زَوْجَهَا الْمَخْزُومِىَّ طَلَّقَهَا، فَأَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نَفقَةِ لَكِ، فَانْتَقِلِى، فَاذْهَبِى إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَكُونِى عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ ". 38 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى - وَهْوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ - أُخْتَ الضَّحَّاكَ ابْنِ قَيْسٍ - أَخْبرَتْهُ؛ أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِىَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد جاء فى آخر الكتاب فى حديث الجساسة لفظ يوهم أنه مات عنها، وليس هذا على ظاهره، أو يكون وهماً من راويه، وقد تكلمنا عليه بما يستغرب هناك، فانظره. قال الإمام: خرج مسلم فى حديث فاطمة بنت قيس: أن زوجها طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شىء، فجاءت إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له، فقال - عليه السلام -: " ليس لك عليه نفقة "، فأمرها أن تعتد فى بيت أم شريك، ثم قال: " تلك امرأة يغشاها أصحابى، اعتدى عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللت فأذنينى " قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبى سفيان وأبا جهم خطبانى، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، فانكحى أسامة بن زيد " فكرهته، ثم قال: " انكحى أسامة بن زيد "، فنكحته فجعل الله فيه خيراً، واغتبطت به، وفى بعض طرقه قال: " لا نفقة لك ولا سكنى "، وفى بعض طرقه: طلقها ثلاثاً [طلاق الماضى فطلق خالد فى فرقه، وقالوا: إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثاً] (¬1) فهل ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

الْيَمَنِ. فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ. فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِى نَفَرٍ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ. فَقَالُوا: إِنَّ أَبَا حَفْصٍ طَلَقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ". وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: " أَلا تَسْبِقِينِى بِنَفْسِكِ "، وَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ. ثُمَّ أَرْسَل إِلَيْهَا: " أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ يَأتِيهَا المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ، فَانْطَلِقِى إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، فَإِنَّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ "، فَانْطَلَقَتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. 39 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَ: كَتَبْتُ ذَلِكَ مِنْ فِيهَا كِتَابًا. قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِى مَخْزُومٍ فَطَلَّقَنِى الْبَتَّةَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى أَهْلِهِ أَبْتَغِى النَّفَقَةَ. وَاقْتَصُّوا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو: " لا تَفُوتِينَا بَنَفْسِكِ ". 40 - (...) حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أَبِى عَمْرِو بْنِ حَفْصِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَفْتِيهِ فِى خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، فَأَبَى مَرْوَانُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِى خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ بَيْتِهَا. وَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لها من نفقة؟ وأرسل إليها: " ألا تسبقينى بنفسك "، وفى بعض طرقه: " طلقها آخر ثلاث تطليقات، فجاءت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستفتيه فى خروجها من بيتها "، وفى بعض طرقه:

شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. مَعَ قَوْلِ عُرْوَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ. 41 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - واللَّفْظُ لِعَبْدٍ - قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيْرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيتْ مِنْ طَلاَقِهَا، وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ بِنَفَقَةٍ، فَقَالا لَهَا: وَاللهِ، مَالَكِ نَفَقَةٌ إِلا أَنْ تَكُونِى حَامِلاً. فَأَتَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلهُمَا. فَقَالَ: " لا نَفَقَةَ لَكِ "، فَاسْتَأَذَنَتْهُ فِى الانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالَتْ: أَيْنَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: " إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ " وَكَانَ أَعْمَى، تَضَع ثَيَابَهَا عِنْدَهُ وَلا يَرَاهَا. فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتَهَا أَنْكَحَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلهَا عَنِ الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَتْهُ بِهِ. فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إِلا مِنِ امْرَأَةٍ، سَنَأخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِى وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ، حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ: فَبَيْنِى وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ. قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (¬1) الآيَةَ. قَالَتْ: هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ، فَأَىُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلاَثِ؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لا نَفَقَةَ لَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً؟ فَعَلاَمَ تَحْبِسُونَهَا؟ 42 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ وَحُصَيْنٌ وَمُغِيرَةُ وَأَشْعَثُ وَمُجَالِدُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ وَدَاوُدُ، كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِىِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْس، فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ. فَقَالَتْ: فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى السَكْنَى وَالنَّفَقَةِ. قَالَتْ: فَلَمْ يَجْعَلْ لِى سُكْنَى وَلا نَفَقَةً، وَأَمَرَنِى أَنْ أَعْتَدَّ فِى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ وَدَاوُدَ وَمُغِيرَةَ وَإِسْمَاعِيلَ وَأَشْعَثَ عَنِ الشَّعْبِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَنْ هُشَيْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت من طلاقها "، وفى بعض طرقه عن فاطمة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فى المطلقة ثلاثاً: " ليس لها سكنى ولا نفقة "، وفى بعض طرقه قال عمر: " لا ¬

_ (¬1) الطلاق: 1.

43 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِث الْهُجَيْمِىُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِىُّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابٍ، وَسَقَتْنَا سَويقَ سُلْتٍ، فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ قَالَتْ: طَلَّقَنِى بَعْلِى ثَلاثًا، فَأَذِنَ لِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَعْتَدَّ فِى أَهْلِى. 44 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا، قَالَ: " لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلانَفَقَةٌ ". 45 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: طَلَّقَنِى زَوْجِى ثَلاثًا، فَأَرَدْتُ النُّقَلَةَ، فَأَتَيْتُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " اَنْتَقِلِى إِلَى بَيْتِ ابْنِ عَمِّكِ عَمْرِو - ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَاعْتَدِّى عِنْدَهُ ". 46 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: كُنْتَ مَعَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِى الْمَسْجِد الأَعْظَمِ، وَمَعَنَا الشَّعْبِىُّ، فَحَدَّثَ الشَّعْبِىُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلا نَفَقَةً، ثُمَّ أَخَذَ الأَسْوَدُ كفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ. فَقَالَ: وَيْلَكَ! تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا. قَالَ عُمَرُ: لا نَتْرُكُ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لا نَدْرِى لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (¬1). (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى أَحْمَدَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، بِقِصَّتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نترك كتاب ربنا وسنة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقول امرأة جهلت أو نسيت لها السكنى والنفقة "، قال الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} الآية، وفى بعض طرقه: " أما معاوية ¬

_ (¬1) الطلاق: 1.

47 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى بَكْرِ ابْنِ أَبِى الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ الْعَدَوِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: إِنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً. قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِى " فَآذَنْتهُ. فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْم وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ للنِّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ". فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ! أُسَامَةُ! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طَاعَةُ اللهُ وَطَاعَةُ رَسولِهِ خَيْرٌ لَكِ ". قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ فَاغْتَبَطْتُ. 48 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى الْجَهْمِ، قَالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: أَرْسَلَ إِلَىَّ زَوْجِى - أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَة - عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ بطَلاَقِى، وَأَرْسَلَ مَعَهُ بِخَمْسَةِ آصُعِ تَمْرٍ، وَخَمْسَةِ آصُعِ شَعِيرٍ. فَقُلْتُ: أَمَا لِى نَفَقَةٌ إِلا هَذَا؟ وَلا أَعْتَدُّ فِى مَنْزِلِكُمْ؟ قَالَ: لا. قَالَتْ: فَشَدَدْتُ عَلَىَّ ثِيَابِى، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " كَمْ طَلَّقَكَ؟ ". قُلْتُ: ثَلاثًا. قَالَ: " صَدَقَ، لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ، اعْتَدِّى فِى بَيْتِ ابْنِ عَمِّكِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ ضَرِيرُ البَصَرِ، تُلقِى ثَوْبَك عِنْدَهُ. فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فَآذِنِينِى ". قَالَتْ: فَخَطَبَنِى خُطَّابٌ، مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الْجَهْمِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ تَرِبٌ خَفِيفُ الْحَالِ، وَأَبُو الْجَهُمِ مِنْهُ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ - أَوْ يَضْرِبُ النِّسَاءَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا - وَلَكِنْ عَلَيْكِ بِأُسَامَةَ ابْنِ زَيْدٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فرجل ترب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء "، وفى بعض طرقه: " أن عائشة - رضى الله عنها - قالت: ما لفاطمة بنت قيس خير فى أن تذكر هذا الحديث "، وفى بعض طرقه: " يا رسول الله، طلقنى ثلاثاً وأخاف أن يقتحم علىّ " فأمرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتحولت، قال الإمام: اختلف الناس فى المطلقة البائن الحائل هل لها السكنى والنفقة، فقال بعضهم: لها السكنى والنفقة وقد ذكره مسلم عن عمر، وهو قول أبى حنيفة، وقال آخرون: لا سكنى لها ولا نفقة [وهو قول ابن عباس وأحمد، وآخرون: لها السكنى ولا نفقة لها] (¬1) وهو مذهب مالك. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

49 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ، حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى الْجَهْمِ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَسَأَلْنَاهَا فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِى عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَخَرَجَ فِى غَزْوَةِ نَجْرَانَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِىٍّ. وَزَادَ: قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ فَشَرَّفَنِى اللهُ بِأَبِى زَيْدٍ، وَكَرَّمَنِى اللهُ بِأَبِى زَيْدٍ. 50 - (...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو سَلَمَةَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَحَدَّثَتْنَا؛ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا طَلاَقًا بَاتًّا. بِنَحْوِ حَدِيثِ سُفْيَانَ. 51 - (...) وحدّثنى حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا حَسَنُ ابْنُ صَالِحٍ، عَنِ السُّدِّىِّ، عَنِ الْبَهِىِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: طَلَّقَنِى زَوْجِى ثَلاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى وَلا نَفَقَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما من أثبت لها السكنى والنفقة، فتعلق بقول الله سبحانه: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُم} (¬1) وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه، وهذا عنده توجب لها النفقة. وقول عمر: " لا ندع كتاب ربنا ": فالذى يظهر فى كتاب ربنا إثبات السكنى خاصة، وفى قول عمر هذا، إشارة إلى ترك تخصيص القرآن بأخبار الآحاد، وإن كان أراد بقوله: " جهلت أو نسيت "، جواز ذلك عليها، وأما إن كان قطع به فلا إشارة فيه لذلك، ويحتمل أن يكون رأى حكم السكن مستقراً، فيكون هذا الخبر نسخاً، والنسخ لا يكون بأخبار الآحاد باتفاق، بعد زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحجة من يقول: لا سكنى لها ولا نفقة ما رواه مسلم ها هنا من قوله: " لا نفقة لك ولا سكنى " وحجة مالك، أن إثبات السكنى مأخوذ من ظاهر القرآن كما قدمنا، وهذا خبر واحد [فقد] (¬2) لا يخص به العموم، وقد يعتل بما اعتل به ابن المسيب من قوله: تلك امرأة فتنت الناس أنها كانت لسنة، فوضعت على يد ابن أم مكتوم، وعن ابن المسيب أيضاً -: تلك امرأة استطالت على أحمائها بلسانها، فأمرها - عليه السلام - أن ¬

_ (¬1) الطلاق: 6. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

52 - (1481) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: تَزَوَّجَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ، فَطَلَّقَهَا فَأَخْرَجَهَا مِنْ عِنْدِهِ، فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عُرْوَةُ، فَقَالُوا: إِنَّ فَاطِمَةَ قَدْ خَرَجَتْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ خَيْرُ فِى أَنْ تَذْكُرَ هَذَا الْحَدِيثَ. 53 - (1482) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَوْجِى طَلَّقَنِى ثَلاَثًا، وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَى. قَالَ: فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ. 54 - (1481) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطَمَةَ خَيْرٌ أَنْ تَذْكُرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنتقل، أو يكون ذلك لأنها خافت فى ذلك المنزل بدليل ما رواه مسلم من قولها: أخاف أن يقتحم علىّ، وقال: إن المسكن لم يكن لزوجها، ولو كان السكنى ساقطاً، لم يأمرها أن تعتد فى بيت ابن أم مكتوم، ويقصرها على منزل معين. وأما إسقاط مالك النفقة، فلقول الله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬1)، ودليل هذا الخطاب: أنهن إن يكن حوامل، فلا يلزمنا الإنفاق عليهن، مع التصريح فى حديث فاطمة بإسقاط النفقة، ولا مدخل للتأويل فى هذا، كما دخل فى السكنى، فأكد هذا الخبر دليل خطاب القرآن، فصار مالك إليه. قال القاضى: ولم يُختلَف فى المتوفى عنهن أزواجهن أنه لا نفقة لهن، والإجماع على وجوب النفقة والسكنى للمبتوتة كما تقدم. واختلفوا فى السكنى لها وفى مقامها فى بيتها، فعامتهم على وجوب المقام عليها كالمعتدة وخالف داود وأهل الظاهر فلم يرووا ذلك عليها، وروى عن بعض السلف، ورأى مالك وجوب السكنى لها على الزوج، إذا كان مسكنه، أو استوجب كراه لمدة على اختلاف بين أصحابه فى التأويل عليه فى اشتراط النقد، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا سكنى عليه جملة، وعن مالك قولة شاذة نحو هذا، وأشار إليه القاضى أبو الحسن بن القصار وقال: هو القياس كالنفقة. قال الإمام: وفى هذا الحديث فوائد كثيرة، قال بعض العلماء: فيه دلالة على جواز ¬

_ (¬1) الطلاق: 6.

هَذَا. قَالَ: تَعْنِى قَوْلَهَا: لا سُكْنَى وَلا نَفَقَةَ. (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِعَائَشَةَ: أَلَمْ تَرَىْ إِلَى فُلاَنَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ؛ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ، فَخَرَجَتْ، فَقَالَتْ: بِئْسمَا صَنَعَتْ. فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِى إِلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لا خَيْرَ لَهَا فِى ذِكْرِ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ استفتاء المرأة، وسماع المفتى كلامها، وجواز الخطبة على الغير إذا لم يقع تراكن، وجواز أمر المستشار بغير من استشير فيه، وذكر عيوب الرجال للضرورة إلى ذلك عند المشورة، من قوله: " صعلوك "، " ولا يضع عصاه "، وجواز التعريض فى العدة من قوله: " لا تفوتينا بنفسك "، جواز الضرب اليسير للمرأة من قوله: " لا يضع عصاه "، فإنما ذمّه بالكثرة. وفيه جواز المبالغة فى الكلام، وأن ذلك لا يكون كذباً، ولا فى الأيمان حنثاً، كقوله: " لا يضع عصاه " ومعلوم أنه قد يضعها، وجواز نكاح من ليس بكفء فى النسب؛ لأن أسامة مولى وفاطمة قرشية، ودلالة على زيارة الرجال المرأة إذا أمن عليها، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تلك امرأة يغشاها أصحابى ". وزعم بعضهم أن فيه دلالة على جواز الطلاق ثلاثاً، وقد تأول بعضهم أن ما وقع فى بعض الطرق من قوله: " طلقها ثلاثاً "، معناه طلقها آخر تطليقة كانت له فيها، وقد ذكر مسلم فى بعض طرقه: " فطلقها آخر ثلاث تطليقات ". وقال بعض العلماء: لا يكون فى هذا حجة لأن المطلق غائب فلا يمكن الإنكار عليه، وأما الطرق الذى ذكرها مسلم عن الشعبى عن فاطمة بنت قيس عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المطلقة ثلاثاً، قال: ليس لها سكنى ولا نفقة، فيحمل هذا عندنا على أن المراد به كما ورد فى الأحاديث المتقدمة، وإن كان ظاهر هذا العموم، والعموم يمنع تأويل ما ذكرناه فى السكنى عن فاطمة، لكن إذا حمل هذا على أن المراد به ما تقدم من الأحاديث، من فتوى فاطمة، صح ما تقدم فيه من التأويل. قال القاضى: وفى هذا الحديث من الفقه سوى ما تقدم: جواز نظرة الفجأة ومنع ما سواها، لقوله: " يغشاها أصحابى ": أى يلمون بها ويزورونها، فلا يؤمن تكرار نظرهم إليها، وعليها هى أيضاً من المضرة والحرج إن تحفظت وانقبضت على طول مقامهم وتكرارهم ما لا يخفى، ولما يخشى عليها من انكشاف ما لا يجوز للرجل النظر إليه من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأجنبية جملة، بكثرة تكرارهم وملازمتهم وتحدثهم عندها، كما جاء فى حديث آخر. وكانت أم شريك هذه قرشية عامرية اسمها: غزية، ويقال: غزيلة وقد ذكرها بعضهم فى أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل فيها: أنصارية، وقد ذكر مسلم أنها من الأنصار بعد آخر الكتاب فى حديث الجساسة، وهناك يأتى الكلام بأتم من هذا. وذكر هنا عند ابن عمك عمرو بن أم مكتوم وكذلك جاء فى آخر الكتاب: وذلك رجل من بنى فهر، من البطن الذى هى منه، والمعروف خلاف هذا وليسا من بطن واحد، هى من بنى محارب بن فهر، وهو من بنى عامر بن لؤى. واختلف فى اسم ابن أم مكتوم، فقيل: عمرو كما هاهنا، وقيل: عبد الله، وكذا ذكره فى الموطأ وآخر الكتاب، وقيل غيره، والخلاف فى ذلك كثير. وقال بعضهم: وفيه حجة أن نظر المرأة إلى الرجل وكونها معه إذا لم تنفرد به جائز، وأن ما ينكشف من الرجال للنساء فى تصرفهم لا حرج فيه غير العورات، بخلاف النساء معهم. فقد تقدم هذا فى الكلام على العورات، وهذا يرد الحديث الآخر من قوله - عليه السلام - لميمونة وأم سلمة: " احتجبا منه " (¬1) يعنى ابن أم مكتوم، قالتا: إنه أعمى فقال: " أفعمياوان أنتما "؛ لأن راوى هذا الحديث نبهان مولى أم سلمة، وهو ممن لا يحتج بحديثه. قال القاضى: لا يختلف أن على النساء من غض البصر عن الرجال ما على الرجال من غضه عنهن، كما نص الله تعالى [عليه] (¬2)، وأمر الكل بذلك، ووجه الجمع بين هذين الحديثين على تسليم صحتهما، وأن غض البصر فى الوجهين عن النظرة الثانية، واجب من الجميع، ثم حديث فاطمة: أمرت بالاعتداد [عندها] (¬3) وخُصّ به دون غيره؛ إذ لا يرى ما ينكشف منها، ألا تراه كيف قال: " تضعين عنده ثيابك "، وإذا وضعت خمارك لم يرك وأمن منه لعماه، ما يخشى من غيره من تردد نظره إليها، بحكم الملازمة والمجاورة، أو لكثرة تحفظها هى وإدخال المشقة عليها من غيره ممن له بصر، ممن كان يغشى أُم شريك. وأما حديث نبهان فتختص بزيادة حرمة أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهن كما غلظ الحجاب على الرجال فيهن، غلّظ عليهن فى حق الرجال - أيضاً - لعظم حرمتهن، وإلى هذا أشار أبو داود وغيره من العلماء. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك اللباس، ب فى قوله عز وجل: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَات} [النور: 31] (4112)، الترمذى، ك الأدب، ب ما جاء فى احتجاب النساء من الرجال (2778)، أحمد 6/ 296. (¬2) و (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه مراعاة الأموال فى النكاح، ولا سيما فى حق الأزواج، إذ بها تقوم حقوق المرأة. وفيه جواز إخراج المعتدة إذا آذت وفحشت على أهل الدار، وقد قال الله تعالى: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (¬1) قال ابن عباس: هى النشوز وسوء الخلق، ونحو منه عن عائشة، وقيل: هو أن تأتى فاحشة فتخرج لإقامة الحد. وقيل: معناه: إلا أن يأتين بفاحشة بخروجهن: أى أن خروجهن هى الفاحشة، فيكون " إلّا " هاهنا بمعنى " لكن ". وقيل: الفاحشة بذاؤها على أهل زوجها، وهو قريب من القول الأول، وقد ذكر فى خبر فاطمة بعض هذا، وهو الإشارة فى كتاب مسلم من قولها: " لا خير لها فى ذكر ذلك ". وفيه حجة لإخراج كل مؤذ لجيرانه عنهم من منزله، لإخراج هذه من حقها [فى] (¬2) السكنى. وقد قال مالك وأصحابه فى مثله: إن المنزل يباع عليه أو يكرى. وفيه جواز خروجها إذا خافت من المنزل، أو انتقل أهل الموضع، لقولها: " أخاف أن يقتحم علىّ ". وأما قولهم: فيه جواز التعريض، فبعيد؛ إذ ليس فى قوله - عليه السلام -: " لا تسبقينى بنفسك " غير أمرها بالتربص، ولم يُسمّ لها زوجاً. وكذلك قوله: " آذنينى " وإنما يكون التعريض من الزوج أو ممن يتوسط له، بعد تعيينه ومعرفته، وأما فى مجهول فلا يصح فيه التعريض؛ إذ لا يصح فيه مواعدة، ولو أن ولىّ المرأة أو أجنبياً منها قال لها: إذا أكملت عدتك زوجتك، أو لا تتزوجى من أحد إذا أكملت عدتك حتى أعلمه. وتشاورينى فيه، لما كان تعريضاً ولا مواعدة، ولكن فى الحديث حجة على منع التعريض والخطبة والمواعدة فى العدة، إذ لم يذكر لها - عليه السلام - مراده، ولا واعدها عليه ولا خطبها لأسامة. وأجمعوا على أن النكاح فى العدة حرام يفسخ وأن المواعدة فيها حرام كما نص الله عليه فيهما. واختلفوا فى صداق المدخول بها، فجمهورهم أن لها عليه مهر مقدم الصداق بما استحل منها، وذكر عن مسروق أن صداقها فى بيت المال، وروى عن عمر، وروى عنه الرجوع عنه. واختلفوا هل يحل له نكاحها بعد تمام العدة؟ فقال مالك فى مشهور قوله والليث ¬

_ (¬1) الطلاق: 1. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأوزاعى: إذا وطئ فى العدة أو بعدها لا يحل له نكاحها أبداً، قال مالك: ولا يحل له وطؤها بملك يمين. وقد قضى به عمر بن الخطاب. وقال أبو حنيفة والشافعى: لا بأس أن يتزوجها، وهو قول الثورى وعبد العزيز، وقد قضى به على مرويه، قال ابن نافع من أصحابنا فى المبسوطة: وقال المغيرة وغيره: إِنْ وطئ فى العدة حرمت عليه، ولا تحرم عليه بالوطء بعدها وأشار إليه مرة مالك، وقيل: حرم عليه بالعقد وإن لم يطأ، وحكى عن مالك. واختلف أئمتنا فى القبلة والمباشرة فى العدة، هل هى كالوطء أم لا؟ واختلف قول مالك فيمن وعد فى العدة وعقد بعدها، هل يفسخ بقضاء أم لا؟ واختلف عندنا بعد القول بالفسخ إذا وطئ فى هذا العقد هل يتأبد به التحريم أم لا؟ ويجوز له نكاحها وهو مشهور قوله، ولم يختلفوا أنه لا يفسخ نكاح من وعد فى العدة بخلاف من واعد؛ لأن المواعدة منهما جميعاً، والوعد من أحدهما مع كونهما سواء فى المنع ابتداء، لكن الوعد مكروه والمواعدة حرام. واختلف عن مالك إذا تزوجها ووطئها فى العدة عالماً بالتحريم، هل تحرم للأبد ويعاقب؟ وهى إن علمت ويلحق به الولد ويجب عليه الصداق، أو حكمهما حكم الزانيين ويحدان، ولا يلحق بهما ولد ولا يحرم عليه ولا يجب فيه صداق؟ وقوله: " فاتحفتنا برطب ابن طاب وسقتنا سويق سلت ": فيه الكرام الفواضل الرجال والإفضال على الزائرين (*) والقاصدين لطلب العلم، وفيه احتجاج عمر بقوله: " لا ندع كتاب الله لحديث امرأة ". وما ذهب إليه عمر ومسروق وغيرهما حجة لمن رأى من الأصوليين أن العموم فى القرآن لا يخصص بخبر الآحاد. ووجه اختلاف ألفاظها عندى فى سبب خروجها من قولها: " فلم يجعل لى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكنى " مع قولها: " أخاف أن يقتحم علىّ " وقولها: " إنه قال لها: لا سكنى لك ": أى لهذه العلة التى ذكرت. وفى إنكار عائشة على فاطمة فُتياها فى المسألة على العموم: وجوب الإنكار على من يفتى بما لم يحط به علماً، إذ ظنت فاطمة عموماً طلاقاً وأيًّا كان لعلة (**)، وهذا الذى أنكرت عليها عائشة لا غيره، وكذلك إطلاق الفتيا بغير بيان وتعميمها للعامة بما يجب إنكاره على فاعله لأنه يدخل اللبس. وكذلك إنكار عمر وقوله: " لا ندع كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لها السكنى والنفقة ": ليس معناه فى وجوب النفقة وإنما يريد فى السكنى. قال الدارقطنى: قوله: " وسنة نبينا " غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات، قال القاضى إسماعيل: الذى فى كتاب ربنا النفقة لذوات الأحمال، ونحسب الحديث: ولها السكنى؛ لأن السكنى

__ (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صواب العبارة: "فيه إكرام الفواضل من الرجال، والإفضال على الزائرين"، والله أعلم. وقال النووي في شرحه (10/ 103): "وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الضِّيَافَةِ وَاسْتِحْبَابُهَا مِنَ النِّسَاءِ لِزُوَّارِهِنَّ مِنْ فُضَلَاءِ الرِّجَالِ وَإِكْرَامُ الزَّائِرِ وَإِطْعَامُهُ". (**) قال معد الكتاب للشاملة: هذه العبارة غير منضبطة، ولم تتح لنا النسخ الخطية لهذا الموضع لتحريره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موجود فى كتاب الله بقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ} (¬1) الآية، وزاد أهل الكوفة فى الحديث عن عُمر: والنفقة. قال القاضى: وفى تخصيص الله تعالى أولات الأحمال بالنفقة، دليل على أنه لا نفقة لغيرها، واحتجاجها بالآية: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِن} (¬2) وقوله: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬3)، وقولها هذا لمن كانت له مراجعة بطلاق السبه، وقوله: {لا تُخْرِجُوهُنَّ} عموم فى المطلقات هذه وغيرها، فأى أمر يحدث بعد الثلاث لا حجة لها ولا يخالف فيه؛ لأن هذه العلة لم تأت للإخراج، وإنما جاءت لعلة النهى عن تعدى حدود الله فى الزيادة على طلاق الواحدة ومخالفته، وكذلك قوله: " فخاصمته فى السكنى " (¬4): أى خاصمت فى تركها والخروج عن المنزل فتتفق الأحاديث على هذا، وكذلك قولها: " أمرنى أن أعتدّ فى أهلى " (¬5) فوافق لقوله: " انتقلى إلى ابن عمك ابن أم مكتوم " (¬6) إذ هو من أهلها. ولا حجة للمخالف فى إنكار عمر وعائشة عليها فى إسقاط النفقة؛ إذ ليس فى ذلك بيان، وإنما أنكر إسقاط السكنى، ويدل عليه قول عمر: " لا ندع كتاب الله وسنة نبيه ". وفى قوله فى أبى جهم: " ضرّاب للنساء " (¬7) وفى الرواية الأخرى: " فيه شدّة على النساء " (¬8) حجة لصحة أحد التأويلين فى معنى: " لا يَضع عصاه عن عاتقه " (¬9) على أنه قد جاء فى حديث آخر ما يدل على التأويل الآخر أن المراد به كثرة أسفاره. وفيه جواز ضرب النساء وتأديبهن إذ أخبر عنه بهذه الصفة، ولم ينه عنه إذ لعله كان يؤدبهن فيما يجب كما أمره الله وذمه بالإكثار منه، لكنه من لا يفعل ذلك ويتخلق بالحلم وأخلاق النبى - عليه السلام - أفضل. قال علماؤنا: ولم يختلف فى ضربهن فيما نص الله عليه من النشوز والامتناع عن الاستمتاع. قال القاضى أبو عبد الله بن المرابط: واختلف فى ضربهن فيما يجب عليهن من خدمة بيوتهن. قال القاضى: وهذا على من أوجب عليهن ذلك، وقد ذكرناه، ولا خلاف أن الإفراط ومجاوزة الحد فى أدبهن ممنوع، والمداومة عليه مكروه. وقد نهى النبى - عليه السلام - عن ذلك جملة؛ إذ ليس من مكارم الأخلاق، وفى حديث آخر. ¬

_ (¬1) الطلاق: 6. (¬2) الطلاق: 1. (¬3) الطلاق: 1. (¬4) حديث رقم (42) بالباب. (¬5) حديث (43) بالباب. (¬6) حديث رقم (45) بالباب. (¬7) حديث (47) بالباب. (¬8) حديث رقم (48) بالباب. (¬9) حديث (36) بالباب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى معاوية " ترب لا مال له " (¬1): بمعنى فقير، ترب الرجل: إذا افتقر، ورجل ترب. وقوله: " أبو جهم " وأبو جهيم المعروف على التكبير، ولا ينكر فى التصغير، وهو أبو جهم بن حذيفة القرشى [العذرى] (¬2)، وهو صاحب الإبنجانية، وكذا رواه جميع الناس: " أبو جهم " ولم ينسبوه، إلا يحيى بن يحيى الأندلسى، فقال: أبو جهم ابن هشام. وهو غلط لا يعرف فى الصحابة أبو جهم بن هشام، ولم يوافق أحد يحيى ابن يحيى على ذلك من رواة الموطأ وغيرهم. وقوله: " سنأخذ بالعصمة التى وجدنا الناس عليها " (¬3): أى بالثقة والأمر القوى الصحيح. ورواه السمرقندى: " بالقضية " وله معنى يتجه، ولكن لاشك أن الأول الصواب. وذكر مسلم: حديثاً فى الباب عن سفيان عن أبى بكر بن أبى الجهم بن صخير. كذا للفارسى والشنتجالى وعند العذرى والهوزانى على التكبير، وعند بعضهم: " حُجير " وهو خطأ والأول الصواب، وبالتصغير ذكره البخارى فى تاريخه (¬4). وقولها: " فشرفنى الله بابن زيد وكرمنى بابن زيد ": وكذا لكافة الرواة وعند السمرقندى: " بأبى زيد " (¬5) فيهما وثبتت الروايتان عند ابن [أبى] (¬6) جعفر، وكل صحيح، وهو أسامة بن زيد، ويكنى بأبى زيد، وقيل: أبو محمد. ¬

_ (¬1) حديث رقم (47) بالباب. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬3) حديث رقم (41) بالباب. (¬4) البخارى فى التاريخ 8/ 12 من كتاب الكنى. (¬5) وكذا فى النسخة المطبوعة لدينا للصحيح فى حديث رقم (49). (¬6) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

(7) باب جواز خروج المعتدة البائن، والمتوفى عنها زوجها، فى النهار، لحاجتها

(7) باب جواز خروج المعتدة البائن، والمتوفى عنها زوجها، فى النهار، لحاجتها 55 - (1483) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِى أَبُو الْزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: طُلِّقَتْ خَالَتِى، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " بَلَى، فَجُدِّى نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِى أَوْ تَفْعَلِى مَعْرُوفًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - للمعتدة التى سألته الخروج لجداد نخلها: " بلى، فجدى نخلك، فعسى أن تصدقى وتفعلى خيراً ": حجة لمالك والليث فى جواز خروج المعتدة بالنهار، وأن لزوم منزلهن إنما هو بالليل، وهو قول الثورى والليث والشافعى وابن حنبل، وسواء عند مالك كانت رجعية أو مبتوتة. وقال الشافعى: فى الرجعية: لا تخرج ليلاً ولا نهاراً، وإنما تخرج نهاراً المبتوتة. وقال أبو حنيفة: ذلك فى المتوفى عنها، وأما المطلقة فلا تخرج ليلاً ولا نهاراً. وقال محمد بن الحسن: لا يخرج الجميع ليلاً ولا نهاراً، وقد احتج أبو داود بهذا الحديث فى الباب على أنها تخرج بالنهار لقولنا، ووجه استدلالنا: أن الجداد الذى يخرج إليه فى الحديث إنما هو بالنهار عرفاً وشرعاً. وقد نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جداد الليل، وأيضاً فإن نخل الأنصار وأموالهم ليست من البعد بحيث يحتاج إلى المبيت فيها إذا خرج بالنهار، فظاهره بكل وجه أن استئذانها إنما لخروج النهار.

(8) باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها، بوضع الحمل

(8) باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها، بوضع الحمل 56 - (1484) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - قَالَ حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا - وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهَبٍ - حَدَّثَنِى يُونُسُ بْن يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَرْقَمِ الْزُّهْرِىِّ، يَأَمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ، فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ؛ أَنَّ سُبَيْعَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَهُوَ فِى بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّىَ عَنْهَا فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهْىَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَك - رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدَّارِ - فَقَالَ لَهَا: مَالِى أَرَاكِ مُتَجَمِّلَةً؟ لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النّكَاحَ، إِنَّكِ، وَاللهِ، مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث [سبعة] (¬1) الأسلمية قال الإمام: ذكر مسلم حديث سبعة لما توفى عنها زوجها فوضعت حملها، فأخبرها النبى - عليه السلام - أنها خلت. اختلف الناس فى الحامل المتوفى عنها زوجها، فالمشهور عندنا أنها بوضع الحمل تنقضى عدتها وإن وضعت قبل انقضاء أربعة أشهر وعشر؛ لقول الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬2)، فعم ولم يفرق بين عدة وفاة ولا عدة طلاق لأجل حديث سبيعة هذا. وقد قال بعض أصحابنا: عليها أقصى الأجلين؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (¬3) الآية ولم يفرق بين أن تكون حاملاً أو حائلاً، فرأى أن هذه الآية توجب التربص أربعة أشهر وعشراً] (¬4)، فإذا انقضت فلابد من طلب الوضع لأجل الآية الأخرى، ولأنه لا يصح نكاح الحامل فأخذ بموجب الاثنين ¬

_ (¬1) فى النسخة المطبوعة للصحيح: سبيعة. (¬2) الطلاق: 4. (¬3) البقرة: 234. (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِى ذَلِكَ، جَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِى حِينَ أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَفْتَانِى بِأَنِّى قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِى، وَأَمَرَنِى بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِى. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَلَا أَرَى بَأسًا أَنْ تَتَزَوَّجَ حِينَ وَضَعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِى دَمِهَا، غَيْرَ أَلا يَقْرُبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ. 57 - (1485) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَار؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنَ عَبَّاسٍ اجْتَمَعَا عِنْدَ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَهُمَا يَذْكُرَانِ المَرْأَةَ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ. فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جميعاً، وقد قال ابن مسعود: آية النساء الصغرى نزلت آخراً [يعنى] (¬1) سورة الطلاق، وفيها البراءة بالوضع للحمل، فأشار إلى أنها تقضى على آية البقرة. وهذا ترجيح المذهب المشهور، والعمومان إذا تعارضا وجب بناؤهما عند أكثر الأصوليين، وإن لم يكن فى البناء طرق مختلفة طلب الترجيح. وقد حصل هاهنا بحديث سبعة وبما قاله ابن مسعود. قال القاضى: لحديث سبيعة قال جميع العلماء وأئمة الفتوى، إلا ما روى عن على وابن عباس من آخر الأجلين. واختاره سحنون من أصحابنا، وقد روى عن ابن عباس الرجوع عنه والظاهر من الآية أنها معطوفة على المطلقات، إلا أنه عموم نزل على ما قاله ابن مسعود بعد آية المتوفى ولا دليل على التخصيص، فوجب الحكم بالعموم المتأخر، وعضده خبر سبيعة [وهذا أولى من قول من قال هى ... (¬2) لآية البقرة ... (¬3)] (¬4) من آخر حكم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن قصة سبيعة الأسلمية كانت بعد حجة الوداع. وزوجها المتوفى هو سعد بن خولة المتوفى بمكة حينئذ. وقوله: " قد حللت حين وضعت "، وقول ابن شهاب: " وإن كانت فى دم نفاسها لا أرى بأساً أن تتزوج ": هو الذى عليه جمهور العلماء وأئمة الأمصار أنها بتمام الوضع وإن كان واحداً أو آخر [وضع] (¬5) الولدان كان أكثر حلّ، ولو كان زوجها بعد لم يقبر ولا ينتظر طهرها وشذ الحسن والشعبى وإبراهيم وحماد فقالوا: لا تنكح ما دامت فى دم ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) و (¬3) بياض فى الأصل. (¬4) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

ابْنُ عَبَّاسٍ: عِدَّتهَا آخِرُ الأَجَلَيْنِ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَدْ حَلَّتْ. فَجَعَلا يَتنَازَعَانِ ذَلِكَ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنا مَعَ ابْنِ أَخِى - يَعْنِى أَبَا سَلَمَةَ - فَبَعَثُوا كُرَيْبًا - مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَجَاءهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: إِنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعَدْ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، وَإِنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هَارُونَ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ اللَّيْثَ قَالَ فِى حَدِيثِهِ: فَأَرْسَلُوا إِلَى أُمَّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يُسَمِّ كُرَيْبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ نفاسها. وهذا الحديث وغيره من الأحاديث يرد عليهم، ولعلهم تعلقوا [بقوله] (¬1) فى حديث سبيعة: " فلما تعلّت من نفاسها " [ومعناه: طهرت من دم نفاسها] (¬2). يقال: تعلت المرأة من دم نفاسها فهى تتعلى: إذا طهرت منه. قال الخليل: ولا حجة فيه لأن النبى - عليه السلام - لم يُعلل جواز النكاح لها بذلك بل علله بنفس الوضع، وإنما أخبر عنها هى المخبر؛ أنها حين تعلت من نفاسها فعَلَتْ ما فعلت، وليس فعلها مما يوجب حكماً. وفى ظاهر قوله: " حللت حين وضعت، ولم تفصّل ولداً كاملاً أو سقطاً أو غيره، حجة للكافة من أن ذلك يبريها كيف كان من غير مراعاة لتمام خلقه، بل بكل مضغة وعلقة مما يعلم أنه سقط، خلافاً لأحد قولى الشافعى؛ أنها لا تنقضى عدتها إلا بوضع ولد كامل. وقوله: " أنها ولدت بعد وفاة زوجها بليال فأمرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تتزوج ": يدل أنها لم تنتظر انقطاع الدم. وقول أبى السنابل لها: " والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر ": قيل: إنما قال لها ذلك لتتربص لقوله: حتى يأتى أولياؤها إذا كانوا غُيباً فيتزوجها هو، إذا كان لزمها غرض، وكان رجلاً كبيراً ومالت إلى نكاح غيره كما جاء فى حديث مالك (¬3). ويحتمل أنه حمل الآية على العموم لكل متوفى عنها كما حملها غيره، حاملاً كانت أو غير حامل كما تقدم. ولعل الغائب من أوليائها - على التنزيل الأول - كان ممن ترجع إلى رأيه ولا تخالفه؛ إذ لو لم يكن لها ولى حاضر جملة لم يكن بد من انتظاره فى القرب. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬3) الموطأ، ك الطلاق، ب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً 2/ 589 (83).

(9) باب وجوب الإحداد فى عدة الوفاة وتحريمه فى غير ذلك، إلا ثلاثة أيام

(9) باب وجوب الإحداد فى عدة الوفاة وتحريمه فى غير ذلك، إلا ثلاثة أيام 58 - (1486) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلاثَةَ. قَالَ: قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ تُوُفِّىَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا. ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ، مَالِىَ بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ". (1487) قَالَتْ زَيْنَبُ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّىَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ، مَالِى بِالطِّيبَ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: " لا يَحِلُّ لاِمْرَأَة تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميت فوق ثلاث [إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً] (¬1) "، قال الإمام: الحداد: الامتناع من الزينة والطيب، ويقال منه: أحدت المرأة وحدّت، ومنه قيل للبواب: حداد؛ لمنعه الداخل والخارج [إلا بإذن] (¬2). ولما نزل قوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر} (¬3) قالت الكفرة: ما رأينا سجانين بهذه العدة. فقالت الصحابة: لا تقاس الملائكة بالحداديين، يعنون بالسجانين. ومنه سمى الحديد حديداً للامتناع به، أو لامتناعه على من يحاوله. ومنه حديد النظر بمعنى: امتناع تقلبه فى الجهات، قال النابغة: إلا سليمان إذ قال الإله له قم ... فى البرية فاحددهاعن الفند ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) سقط من ع. (¬3) المدثر: 30.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أى فامنعها، وإنما منعت المعتدة فى الوفاة من الزينة والطيب ولم تمنع منع المعتدة فى الطلاق؛ لأن الزينة والطيب يدعوان إلى النكاح ويوقعان فيه، فنهى عنهما ليكون الامتناع زجراً عن النكاح، لما كان [من] (¬1) الزوج فى الوفاة معدوماً لا يحامى عن نسبه، ولا يزجر عن زوجته، بخلاف المطلق الذى هو حى، ويحتفظ على المطلقة لأجل نسبه، فاستغنى بوجوده من زاجر آخر. قال القاضى: قال علماؤنا: لهذا ما عم الاعتداد فى جميع نساء الموتى مدخول بها وغيرها بخلاف المطلقات، استظهاراً لحجة الميت الغائبة؛ إذ لعله لو كان حياً لتبين أنه قد دخل بها، كما أنا لا نحكم فيما ثبت عليه من الديون والحقوق إلا بعد تميز الطالب، استظهاراً لحجته لعدمه، قالوا: وهى الحكمة فى الزيادة فى أمر عدتها على عدة المطلقة؛ لأنه لما عُدم استظهرنا له بأتم البراءة وأوضحها، وهو الأمد الذى يظهر فيه يقين الحمل بحركة الجنين وذلك فى الزيادة على الأربعة الأشهر [قال أبو العالية من السلف الصالح: ضمت العشر إلى الأربعة] (¬2) لأن فيها ينفخ الروح. قالوا: ولهذا خصت عدة المتوفى - أيضاً - بما تستوى به معرفة الكل من أمد الزمان، ولم يوكّل ذلك إلى أمانة النساء فيجعل بالإقراء كالمطلقات، كل ذلك حَوطَة لموت الزوج، وعدم المحامى عن نسبه، ولما كان الصغار من الأزواج، ومن لم يبلغ حد الوطء والحمل شاذاً فى الزوجات شملهن الحكم، وعمتهن الحوطة حماية للذريعة، واتقاء للشبهة. وفى قوله: " لا تحل لمؤمنة ": حجة لأحد القولين لمالك أن الإحداد يختص بالمؤمنات دون الكتابيات؛ إذ ظاهره اختصاصه بالمؤمنات. وعلى قوله الآخر: أن الإحداد يلزم الكتابيات فيكون هذا القول على التغليظ للمؤمنات. وبالقول الأول قال أبو حنيفة والكوفيون وابن نافع وابن كنانة وأشهب من أصحابنا. وبالثانى قال الشافعى وعامة أصحابنا. وفى عمومه دليل على وجوب الإحداد لجميع الزوجات المدخول بها وغيرها والصغار والكبار والإماء والحرائر. وأجمعوا أنه لا إحداد على أمة أو أم ولد إذا توفى عنهن ساداتهن وهو قول كافة العلماء فى جميع ما ذكرناه، وقال أبو حنيفة: لا إحداد على الأمة ولا على الصغيرة. ولا خلاف فى أن المطلقة واحدة لا إحداد عليها. واختلف فى الإحداد على المطلقات ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاث، فمذهب مالك والليث والشافعى وربيعة وعطاء وابن المنذر لا إحداد عليها، ومذهب أبى حنيفة والكوفيين وأبى ثور والحكم وأبى عبيد؛ أن المطلقة ثلاثاً كالمتوفى عنها فى وجوب الإحداد. قال الشافعى وأحمد وإسحاق: الاحتياط أن تبقى المطلقة الزينة وذهب الحسن البصرى وشذ وحده إلى إبطال الإحداد جملة على المطلقة والمتوفى. وقوله: " إلا على ميت ": يدل على اختصاص ذلك بالأموات دون المطلقات على ما ذهب إليه الجمهور. وقوله هذا محمول عند القائلين به على الوجوب لا على الندب. وقد أشار الباجى أن هذا من باب ورود لفظة " أفعل " بعد الحظر أنها تحمل على الوجوب، على ما ذهب إليه بعض الأصوليين، خلافاً لمن رآها على الإباحة، وليس هذا الحديث من هذا، ولا فيه ورود أمر بعد حظر، وإنما فيه استثناء من عموم الحظر، فلولا الاتفاق على حمله على الوجوب وأدلة الحديث الآخر. وقوله - عليه السلام - فى حديث أم سلمة فى الكحل: " لا " وما يبينه فى حديث أم عطية أكانت الإباحة أظهر فيه؟ وقوله: "أربعة أشهر وعشراً ": وهو لفظ عدد المؤنث ولو كان هذا على ظاهره لاختصت به الليالى. وقال المبرّد: أنّث العشر لأنه أراد به المدة، وقيل: أراد بذلك الأيام بلياليهن، وإلى هذا ذهب كافة العلماء، وأنها عشرة أيام بعد أربعة أشهر. وقال الأوزاعى: والأصح [القول] (¬1) الأول وأنها تختص بعشر ليال وتحل فى اليوم العاشر. وحجتهم: تأنيث العشرة. وقوله: " أربعة أشهر وعشر ": احتج به قوم على أن ما زاد على هذا العدد إذا كانت حاملاً لا يلزم فيه إحداد. وقد قال أصحابنا: عليها الإحداد حتى تضع وإن تمادى أمرها. وقوله فى هذا الحديث: " خلوق أو غيره ": الخلوق طيب مختلط. وقوله: " ثم مسحت بعارضيها ": قال ابن دريد: عارضا الإنسان له موضعان: أحدهما: صفحة العنق فى بعض اللغات. والثانى: ما بعد الأنياب من الأسنان. وفى كتاب العين عارضة الوجه: ما يبدو منه، والعارضان: شقا الفم، والعوارض: الثنايا. وليس هذا المراد فى الحديث، وإنما هو الأول. وقوله فى حديث أم سلمة فى المشتكية عينيها فى منعها الكحل: " لا، إنما هى أربعة أشهر وعشر ": ظاهر فى وجوب الامتناع من الزينة والإحداد، وقد نص عليه بعد فى حديث أم عطية من قوله: " لا تكتحل، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تمس طيباً " الحديث، لكنه قد جاء فى حديث أم سلمة الآخر فى الموطأ: " اجعليه بالليل ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وامسحيه بالنهار " (¬1)، قالوا: ووجه الجمع بين الحديثين أن النهى عنه بالليل لمن اضطر إليه ليس على الإيجاب لكن على الندب لتركه، والكراهة لفعله، وقد اختلف فى ذلك. وقد أجاز الكحل للحادِّ - إذا خافت على عينيها - سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار، وقاله مالك فى المختصر (¬2) إذا لم يكن فيه طيب، وقال فى غيره: وإن كان فيه طيب إثمد أو غيره، قال ابن المنذر والأسود وغيره، وقاله الكوفيون والنخعى وعطاء والشافعى قال: وتكتحل ليلاً وتمسحه بالنهار كما جاء فى الحديث. قال الشافعى: وكل كحل فيه زينة للعين فلا تكتحل به الحادِّ إثمد أو غيره، ولا بأس بغيره عند الضرورة كالفارسى إذا [] (¬3) بزينة بل لا يزيد العين إلا فتحا عند الاضطرار كما تقدم. وقد حكى الباجى ونحوه عن مالك: كان فيه طيب أو لم يكن، فيه سواد أو صفرة، قال: وإن اضطرت إلى ذلك. قال الإمام: [ويتأول هذا الحديث على مذهبنا من نهيه - عليه السلام] (¬4) أنه لم يتحقق الخوف على عينها، وإنما فهم - عليه السلام - أن ذلك على جهة العُذر عنده، لا على أن الخوف ثبت، ولو ثبت الخوف حتى اضطرت [إليه] (¬5) لجاز ذلك لها. وقوله: " قد كانت إحداكن ترمى حولاً ": دليل على نسخ الحول فى عدة الوفاة. ولا خلاف فى سقوط حكمه، لكن اختلف فى معناه كيف كان، فقيل: كان لها النفقة من مال المتوفى والسكنى سنة ما لم تخرج، فنسخت النفقة بآية المواريث والحول بقوله: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (¬6). وقال مجاهد: كانت تعتد عند أهل زوجها سنة واجباً، فانزل الله تعالى: {مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُم} الآية (¬7)، والعدة كما هى عليها واجبة فجعل الله تعالى لها تمام السنة وصية، إن شاءت سكنت وإن شاءت خرجت. وقال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها، فتعتد حيث شاءت. وأكثر العلماء على أن آية الأربعة أشهر وعشر ناسخة لها، وهو مما تأخر منسوخه فى التلاوة فى سورة واحدة وتقدم ناسخه، وليس فى القرآن غير هذه القصة وحدها، وأما ¬

_ (¬1) الموطأ، ك الطلاق، ب ما جاء فى الإحداد 2/ 598 (105). (¬2) الموطأ، ك الطلاق، ب ما جاء فى الإحداد 2/ 599 (106). (¬3) مطموسة فى الأصل. (¬4) فى ع: وهذا يتأول على مذهب مالك. (¬5) فى ع: معه إلى الكحل. (¬6) البقرة: 234. (¬7) البقرة: 240.

(1488) قَالَتْ زَيْنَبُ: سَمِعْتُ أُمِّى أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَتِى تُوُفِّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا، أَفَنَكْحلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لا. ثُمَّ قَالَ " إِنَّمَا هِى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانتْ إِحْدَاكُنَّ فِى الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِىِ بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأسِ الْحَوْلِ ". (1489) قَالَ حُمَيْدٌ: قُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِى بِالْبَعَرَة عَلَى رَأسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ، إِذَا تُوُفىَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلا شَيْئًا، حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ. ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ، حَمِارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ، فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَىْءٍ إِلا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِى بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تقديم ذلك وتأخير من سورتين موجود والإجماع متفق على أن الحول منسوخ، وأن عدة المتوفى أربعة أشهر وعشر، وبينه هذا الحديث المتقدم، وعلم منه أنه نسخه. وقيل: بل هو خص للأزواج على الوصية بتمام السنة لمن لا يرث من الزوجات، وما تقدم من نسخ الآية أشهر وأعرف. وقوله: " قد كانت إحداكن فى الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول ": فسره فى الحديث. قال الإمام: قال بعض العلماء: معنى رميها بالبعرة إشارة إلى أن طول مقامها فى سوء تلك الحال أسفاً على الزوج هين لما توجبه المراعاة وكرم العشرة، كما يهون الرمى بالبعرة. وقال بعضهم: معناه: أنها رمت بالعدة وراء ظهرها كما رمت بالبعرة. وقوله: " دخلت حفشاً ": الحفش: الخص الحقير. وفى الحديث أنه قال لبعض من وجهه ساعياً [فرجع بمال] (¬1): " هلا قعد فى حفش أمّه ينتظر، هل يهدى إليه أم لا؟ ". قال أبو عبيد: الحفش: الدرج، وجمعه أحفاش. شبه بيت أمه فى صغره بالدرج. وقال الشافعى: الحفش: البيت الذليل القريب السمك، سمى به لضيقه. والتحفش: الانضمام والاجتماع وكذلك قال ابن الأعرابى. ¬

_ (¬1) زائدة فى ع.

59 - (1486) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: تُوُفِّىَ حَمِيمُ لأُمِّ حَبِيبَةَ، فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَمَسَحَتْهُ بِذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: إِنَّمَا أَصْنَعُ هَذَا، لأَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَعَشْرًا ". (1488/ 1487) وَحَدَّثَتْهُ زَيْنَبُ عَنْ أُمِّهَا، وَعَنْ زَيْنَبَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 60 - (1488) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهَا؛ أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّىَ زَوْجُهَا، فَخَافُوا عَلَى عَيْنِهَا، فَأَتُوا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتأذَنُوهُ فِى الْكُحْلِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَكُونُ فِى شَرِّ بَيْتِهَا فِى أَحْلاسِهَا - أَوْ فِى شَرِّ أَحْلاسِهَا فِى بَيْتِهَا - حَوْلاً، فَإِذَا مَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ فَخَرَجَتْ، أَفَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقيل: الحفش مثل القفة من الحوض، تجمع المرأة فيه غزلها وأسبابها، وهذا عن قول أبى عبيد: هو الدرج. وقوله: " فى شر بيتها وشر أحلاسها " يفسره قوله فى الحديث الآخر: " [شر] (¬1) ثيابها "، وهو مأخوذ من أحلاس الدواب، وهى كالمسوح تجعل على ظهورها، وكذلك أحلاس البيوت. قال صاحب العين: هى كالمسوح. وقوله: " ثم تؤتى بدابة فتفتض به، فقلّما يفتض بشىء إلا مات ": كذا روايتنا فى مسلم بالفاء والضاد المعجمة، وهو المعروف فى الحديث. قال الإمام: قال القتبى: سألت الحجازيين عن الافتضاض، فذكروا أن المعتدة كانت لا تغتسل ولا تمس ماء ولا تقلم ظفراً ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر، ثم تفتض؛ أى تكسر ما هى فيه من العدة بطائر يمسح به قبلها وتنبذه، فلا يكاد يعيش، وقال غيره: الفض: الكسر والقطع، ومنه: فض الختم. وذكر الهروى أن الأزهرى قال: رواه الشافعى: " فتقبص " بالقاف والباء بواحدة والصاد ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

(...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، بِالْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا: حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِى الكُحْلِ، وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُخْرَى مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ تُسَمِّهَا زَيْنَبَ. نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. 61 - (1488/ 1486) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيَبَةَ، تَذْكُرَانِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ بِنْتًا لَهَا تُوُفِّىَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَاشْتَكَتْ عَيْنُهَا فَهِىَ تُرِيدُ أَنْ تَكْحُلَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَرْمِىِ بِالْبَعَرَةِ عِنْدَ رَأسِ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا هِىَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ". 62 - (1486) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُييَنْةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أَتَى أُمَّ حَبِيبَةَ نَعِىُّ أَبِى سُفْيَانَ، دَعَتْ فِى الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِصُفْرَةٍ، فَمَسَحَتْ بِهِ ذِرَاعَيْهَا وَعَارِضَيْهَا، وَقَالَتْ: كُنْتُ عَنْ هَذَا غَنِيَّةً، سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَحِلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ مهملة، وذكر أنه مفسر فى بابه ولم يذكر فى باب القاف [والباء والصاد] (¬1) إلا القبض وهو الأخذ بأطراف الأصابع، قال: وقرأ الحسن: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} (¬2)، وفى بعض أحاديث مسلم: " فإذا مر كلب رمت ببعرة "، يريد - والله أعلم -: إذا مر فافتضت به. قال القاضى: قال مالك فى تفسير " تفتض ": تمسح به جلدها كالنشرة. وقال ابن وهب: تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل: معناه: تمسح به ثم تفتض: أى تغتسل بالماء العذب. والافتضاض: الاغتسال بالماء العذب للإنقاء وإزالة الوسخ حتى يصير كالفضة. قال الأخفش: تفتض: تتنظف وتنتقى، مأخوذ من الفضة، شبها بنقائها وبياضها. وقيل: تفتض: تفارق ما كانت عليه. وقوله: " توفى حميم لأم حبيبة "، وفى رواية العذرى: " توفى حميمة ": الحميم: القريب والخاصة، وأصله: كل من يُحمك أمره: أى يحزنك، وأصله من الحميم، وهو الماء الحار. ¬

_ (¬1) زائدة فى ع. (¬2) طه: 96.

لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ". 63 - (1490) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِى عُبَيْدٍ حَدَّثَتْهُ عَنْ حَفْصَةَ، أَوْ عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ عَنْ كِلتيِهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ - أَوْ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ - أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إِلا عَلَى زَوْجِهَا ". (...) وحدّثناه شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ نَافِعٍ. بِإِسْنَادِ حَدِيثِ اللَّيْثِ، مِثْلَ رِوَايَتِهِ. 64 - (...) وحدّثناه أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِى عُبَيْدٍ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ وَابْنِ دِينَارٍ. وَزَادَ: " فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ". (...) وحدّثنا أَبُو الْرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. 65 - (1491) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا - وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجِهَا ". 66 - (938) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: رواه الجلودى وغيره: " حميم لأم حبيبة " وهو الصواب، ووقع فى نسخة ابن الحذاء: " حميم لأم سلمة "، وذكر رواية مالك فى حديث، وفيه ما يدل أن صوابه: " أم حبيبة " والله أعلم.

عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلا تَكْتَحِلُ، وَلا تَمَسُّ طِيبًا، إِلا إِذَا طَهَرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: " عِنْدَ أَدْنَى طُهْرَهَا. نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ ". 67 - (...) وحدّثنى أَبُو الْرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ": إشارة إلى خشن الثياب وما لا كثير زينة فيه من المصبوغ. قال القاضى: قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه لا يجوز لها لباس المصبغة والمعصرة إلا ما صبغ بالسواد ورخص فى السواد مالك والشافعى وهو قول عروة. وكره ذلك الزهرى وكره عروة والشافعى العصب وهى برود اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ معصوباً، ثم ينسج فيتوشى. وأجاز ذلك الزهرى لها، وأجاز مالك غليظه. قال أحمد بن نصر: قوله: " ثوب عصب " يعنى: الخضرة وهى الجبر. وقوله: " الخضرة " ليس بصواب. قال ابن المنذر: ورخص كل من يحفظ عنه العلم فى البياض. قال القاضى: ذهب الشافعى إلى أن كل صبغ زينة فلا تلبسه الحاد، غليظاً كان أو رقيقاً. ونحوه للقاضى أبى محمد عبد الوهاب قال: كل ما كان من الألوان يتزين به النساء لأزواجهن فتمنع منه الحاد، ومنع بعض متأخرى شيوخنا من جيد البيّاض الذى يتزين به ويجمل، وكذلك الرفيع من السواد. وقوله: " ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قُسط أو أظفار ": النبذة: الشىء اليسير، وأدخل فيه الهاء لأنه بمعنى القطعة. وإنما رخص لها فى هذا كما قال فى الحديث: " ورخص للمرأة فى طهرها " لأجل قطع الروائح الكريهة والتنظف، لا على معنى التطيب والتزين، مع أن القُسط والأظفار ليس من مؤنث الطيب المستعمل نفسه فى ذلك، فرخص فى اليسير منه للضرورة، وظاهره [التبخر] (¬1) بهما. وقال الداودى: معناه: أن تستحق القسط وتلقيه فى الماء آخر غسلها ليذهب برائحة الحيض، كما قال ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم

عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلا نَكْتَحِلُ، وَلا نَتَطَيَّبُ، وَلا نَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَقَدْ رُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ فِى طُهْرِهَا، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضهَا، فِى نُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ للمستحاضة: " خذى فرصة ممسكة فتتبعى بها أثر الدم "، والأول أظهر. والقسط ليس بطيب برائحته إلا فى البخور وكذلك الأظفار، لا سيما مع القسط، فهو بخور مستعمل معروف، والقسط معلوم من الأنواع المستعملة فى البخور، وأكثر ما يستعمل هو والقسط مع غيره لا بمجرده، وقد رواه بعضهم فى كتاب البخارى: " قسط أظفار " (¬1) وهو خطأ. وعند بعضهم: " قسط ظَفَار ". وظفار مدينة باليمن تنسب إليها. ولهذا وجه، ومن رواه: " وأظفار " أو " أظفار " أحسن - والله أعلم. ¬

_ (¬1) البخارى عن أم عطية، ك الطلاق، ب تلبس الحادة ثياب العصب 7/ 78.

19 - كتاب اللعان

بسم الله الرحمن الرحيم 19 - كتاب اللعان 1 - (1492) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُوَيْمِرًا العَجْلانِىَّ جَاءَ إِلى عَاصِمِ بْنِ عَدِىٍّ الأَنْصَارِىِّ فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ يَا عَاصِمُ، لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً، أَيَقْتُلهُ فَتَقْتُلونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَسَلْ لِى عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأتِنِى بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسْأَلَةَ الَّتِى سَأَلْتُهُ عَنْهَا. قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ، لا أَنْتَهِى حَتَّى أَسْأَلهُ عَنْهَا. فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِه رَجُلاً، أَيَقْتُلهُ فَتَقْتُلونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِى صَاحَبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأَتِ بِهَا ". قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاعَنَا - وَأَنَا مَعَ النَّاسِ - عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث اللعان ذكر مسلم حديث العجلانى وامرأته وقوله: " يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه؟ " فيه: يجوز السؤال لئلا يصرح بالقذف فيجب عليه الحد فى الرجل، ولا يخلصه منه لزوجته إلا لعانه، خلافاً للشافعى فى إسقاطه عنه الحد فى الرجل بلعان زوجته؛ لأنه عنده بحكم أشيع (¬1). قال الخطابى: وذلك إذا دخله فى لعانه، ولأنه فى ترك تسميته لأحد عليه حتى يصرح باسمه، خلافاً للشافعى فى حده وإن لم يسمه إِنْ لم يلتعن، أو لعله كان يعتقد أن ذلك يجب عليه فى زوجته فلذلك لم يصرح، أو ¬

_ (¬1) لا تستعمل الدلالة فى مثل هذا المعنى ولا يقضى إلا بالظاهر أبداً. وعبارة الشافعى: فأخبر أن النبى - عليه السلام - لم يستعمل دلالة صدقه عليها وحكم بالظاهر بينه وبينها. انظر: مختصر المزنى 4/ 152، 153.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبهم الأمر حتى يرى كيف يكون الحكم فيه، فيعمل بحسب ذلك من كتمه أو إبدائه. وقوله: " أيقتله فتقتلونه؟ ": يحتمل أن يكون سؤالاً عن هذا الحكم إذا فعله، ويحتمل أنه علم الحكم ولكنه قاله على سبيل التوصل إلى وجه آخر غيره، يصل به إلى شفاء غيظه، وإزالة غيرته، واحتج بعض الشافعية به على أنه لأحد فى التعريض ولا حجة فيه؛ إذا لم يسم المعرَّض به ولا أشار إليه. قال الإمام: وجعله بعض الناس حجة على الزوج إذا قتل رجلاً، وزعم أنه وجده مع امرأته، أنه يقتل به ولا يصدق إلا ببينة؛ لأنه - عليه السلام - لم ينكر عليه ما قال. قال القاضى: قد يكون سكوته - عليه السلام - لئلا يتسبب بذلك أهل الأذى والشر إلى القتل، فيدعون هذا السبب لكل من قتلوه. وقد اختلف العلماء فى هذه المسألة، واختلف فيها فى مذهبنا. فجمهور العلماء على أنه يقتل به إن لم يأت بأربعة شهداء، وهو قول الشافعى وأبى ثور، قالا: ويسعه فيما بينه وبين الله قتله، قال أحمد وإسحاق: يهدر دمه إذا جاء بشاهدين. واختلف أصحابنا، هل يهدر دمه إذا قامت البينة إذا لم يكن المقتول محصناً؟ فهذا ابن القاسم: هما سواء ويهدر دمه، واستحب الدية فى غير المحصن. وقال ابن حبيب: إن كان المقتول محصناً فهذا الذى ينجى قاتله البينة من القتل. وقد اختلف عن عمر فى هدر دم مثل هذا. وروى عن على: يقاد منه. وقوله: " وجد مع امرأته ": دليل أن حكم اللعان إنما هو فيمن رماها برؤية ذلك فى حال الزوجية، لا قبلها ولا بعدها، فعنه وقع السؤال، وفيه جاء الحكم. ولا خلاف فى المذهب فيمن قال لامرأته: زنيت أو رأيتك تزنى قبل أن أتزوجك، أنه لا لعان ويحد، وهو قول جماعة العلماء، خلافاً لأبى حنيفة: أنه تلاعن. وكذلك لو قال لها [بعد] (¬1) أن بت طلاقها: رأيتك الآن تزنى، حدَّ. بخلاف لو قذفها الآن برؤية وقت الزوجية، أو نفى ولد أو حمل، أو قذفها وهى زوجة، ثم بت طلاقها، فإنه يلاعن عندنا وعند جمهور العلماء. وأبو حنيفة والثورى يقولان: لأحد فى هذا ولا لعان. وقالت طائفة: يحد ولا يلاعن، وأجمعوا أنه لو قذفها ثم تزوجها، أنه يحد ولا يلاعن. وقوله: " فكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسائل وعابها ". قيل يحتمل: إنه كره قذف الرجل امرأته ورميها من غير بينة، لاعتقاده أن الحد يجب عليه، وذلك قبل نزول حكم اللعان بذلك، قوله فى الحديث الآخر لهلال بن أمية: " البيِّنة وإلا حدٌّ فى ظهرك " الحديث (¬2)، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) البخارى، ك الشهادات، ب إذا دعى أو قذف فله أن يلتمس البينة 3/ 233.

كَذَبْتُ عَليْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا، قَبْلَ أَنْ يَأمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه فنزل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُم} الآية (¬1). ويحتمل أنه كره السؤال لما فيه من قُبْح النازلة والفاحشة، وهتك ستر المسلم، أو لما كان من نهيه عن كثرة السؤال، إما سداً لِباب سؤال أهل التشغيب من الجهلة والمنافقين وأهل الكتاب، أو لما يخشى من كثرة السؤال من التضييق عليهم فى الأحكام، التى لو سكتوا عنها لم يلزموها وتركوا إلى اجتهادهم، كما قال: " اتركونى ما تركتكم، فإنما هلك ممن كان قبلكم بكثرة سؤالهم أنبيائهم " (¬2)، ولما جاء عنه: " أعظم الناس جُرماً من سأل عما لم يحرم فحرم من أجل مسألته " (¬3). قال الإمام: المسائل إذا كانت مما يضطر إليها السائل فلا بأس بها، وقد كان - عليه السلام - يُسأل عن الأحكام فلا يكره ذلك وإن كان على جهة التعنيت فهو منهى عنه. وعاصم هذا إنما سأل لغيره، ولعله لم تكن به ضرورة إلى ذلك. وقوله: " قد أنزل فيك وفى صاحبتك، فاذهب فأت بها "، قال القاضى: يحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرف أن عويمراً - صاحب المسألة - حين كرر السؤال له عنها إما بما دل عليه من قوله أو حاله بما لم يذكر فى الحديث، أو بوحى أوحى إليه عند نزول آية اللعان. وقوله: " فتلاعنا ": أجمع المسلمون على صحة حكم اللعان بين الزوجين؛ إذا ادعى رؤية، وكذلك قال الجمهور: إذا نفى ولداً. واختلفوا فيما بعد ذلك، فقالت فرقة: لا لعان فى القذف المجرد، وهو أحد قولى مالك وقول الليث وأبى الزناد والبتى ويحيى بن سعيد، وأن فى هذا الحد بكل حال، وقال الكوفيون والشافعى والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث باللعان فى القذف المجرد، وروى أيضاً عن مالك. واختلفوا إذا أقام الزوج البينة على زناها، فعند مالك والشافعى: يلاعن؛ إذ لا عمل للشهود فى نفى الولد. وقال أبو حنيفة وداود: إنما اللعان لمن لم يأت بأربعة شهداء، فمن أتى بهم فلا لعان. واختلفوا فى اللعان بنفى الحمل وفى وقته، فمذهب الكوفيون (¬4) إلى أنه لا لعان إلا أن ينفيه ثانية بعد الولادة، وهو قول عبد الملك بن الماجشون، كذا حكاه عنه أبو عمر بن عبد البر، وذهب الشافعى إلى أن كل من نفى الحمل يلاعن، وهو قول أحمد وداود وأبى ¬

_ (¬1) النور: 6. (¬2) أحمد فى مسنده 2/ 48 عن أبى هريرة. (¬3) البخارى، ك الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال 9/ 117 عن سعد بن أبى وقاص. (¬4) هكذا الأصل، والصواب: الكوفيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثور وحكى عنه أنه لا يلاعن حتى تلد، وهو المعروف عن عبد الملك، وروى عن مالك وعبد العزيز وأشهب. وعن مالك وأصحابه فى ذلك ثلاثة أقوال أيضاً: يلاعن إذا ادْعى رؤية واستبراء معاً، ويلاعن بالجملة دون استفسار، ويلاعن بدعوى الاستبراء ولا يلاعن إن لم يدعه إلا أن تلد لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية، ونحوه عن أبى يوسف وابن الحسن إلا أن يكون مقراً بالحمل، أو رآ فلم ينكره، فلا ينتفى بلعان عندنا فى المشهور، وهو قول العلماء. وذهب الكوفيون إلى أنه يلاعن. وعندنا رواية أخرى: أنه إن ادعى رؤية فله نفيه، ورواية ثالثة: أنه متى أقر بالحمل لم يلاعن للرؤية؛ إذ مقتضى اللعان نفى الحمل، حكاها ابن المواز والبغداديون، ثم اختلف على القول بنفيه فى هذه المسألة إذا كان قد لاعن للرؤية، هل يكفيه لعان الرؤية أم لا ينفيه إلا بلعان ثان؟ وذهب طائفة إلى أن المولود على فراش الرجل لا ينفى بلعان بتة. وكذلك اختلفوا فى لعان المملوك وزوج الكتابية، فعند مالك: اللعان بين كل زوجين عبدين أو حرين، أو أحدهما حر والزوجة كتابية، لكن إنما يكون فى حق زوج الكافرة والأمة فى نفى الحمل لا فى مجرد القذف؛ إذ لأحد على قاذفها ولا يلزم الكافرة لعان أو لأحد عليها إلا أن يشاء لنفى المعرة. وقال الحسن: لا لعان بين المماليك. قال أبو حنيفة: وكذلك إن كان أحدهما مملوكاً أو الزوجة ذمية. وقال البتى: كل قاذف لزوجة يلاعن، ونحوه مذهب الشافعى. قال الإمام: أصل اللعان فى الشريعة: الضرورة لحفظ الأنساب ونفى المعرة عن الأزواج وقد اختلف المذهب فيمن قذف زوجته، هل يلاعن على الجملة؟ أو حتى يتبين وجه دعواه؟ فمن رأى أن نفى الحد عن الزوج إذا رمى زوجته مقصود فى الشرع فى نفسه مكنه من ذلك. وكذلك اضطرب المذهب - أيضاً - إذا ادعى الرؤيا للزنا، هل لا ينتفى الولد حتى يدعى مع ذلك الاستبراء؟ أو ينتفى وإن لم يدع استبراء وإن كان الحمل ظاهراً؟ فأحد الأقوال: أنه ينتفى الولد ولو كان الحمل ظاهراً، وقال بعض شيوخنا: ليس لهذا وجه، إلا أن تكون مشاهدته لزناها الآن علماً عنده على اعتيادها لذلك، ويغلب على ظنه منه أن الولد الذى هو حمل ظاهر من زنى آخر، فأبيح له نفيه بهذا الظن، كما يباح له نفيه بإراقة الدم وإن كان لا يؤدى إلى الظن؛ لأن الحامل قد تحيض. ومن أنكر من أصحابنا أن ينفى الحمل الظاهر قال: فإن الولد للفراش. وقصارى ما فى هذا التجويز أن تكون خانته قبل، ولا ينتفى الفراش وأحكامه بالتجويز المجرد. ومن أصحابنا من لا يوجب الاستبراء ولكنه شرط: ألا يكون الحمل ظاهراً؛ لأن ظهوره مع ثبوت الفراش كالشاهد عليه بأنه منه، وإذا لم يكن ظاهراً فلا شاهد عليه يمنعه من نفيه.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ المُتَلاعِنَيْنِ. 2 - (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِىُّ؛ أَنَّ عُوَيْمِرًا الأَنْصَارِىَّ مِنْ بَنِى العَجْلانِ، أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِىٍّ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَأَدْرَجَ فِى الحَدِيثِ قَوْلهُ: وَكَانَ فِرَاقُهُ إِيَّاهَا بَعْدُ سُنَّةً فِى المُتَلاعِنَيْنِ. وَزَادَ فِيهِ: قَالَ سَهْل: فَكَانَتْ حَامِلاً، فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلى أُمِّهِ، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللهُ لهَا. 3 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ عَنِ المُتَلاعِنَيْنِ وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهِمَا، عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِى بَنِى سَاعِدَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَته رَجُلاً؟ وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَزَادَ فِيهِ: فَتَلاعَنَا فِى الْمَسْجِدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَاكُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاعِنَيْنِ ". 4 - (1493) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى بعض طرق الأحاديث: " ما وطيتها مُذ كذا ": فتعلق بهذا أصحابنا من لم يمكنه من النفى إلا بالاستبراء، ومن لم يعتبره من أصحابنا تعلق بظاهر القرآن ولم يذكر فيه استبراء، وكذلك فى [بعض] (¬1) طرق الأخبار لم يذكر فيه استبراء، وهذا العموم لا يخص بقوله: " ما وطيتها مذ كذا " لأنه لم يذكر الحكم إذ لم يذكر بذلك، فيكون تخصيصاً. وقوله: " فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، قال القاضى: فيه أن سنة التلاعن ألا يكون مكتوماً، ويكون مشهوراً بحضرة الناس، وأن سنته أن يكون بحضرة الإمام، أو من يستثنيه الإمام لذلك من الحكام، وهذا إجماع أنه لا يكون إلا بسلطان، وقوله: " فى المسجد ": يبين أن سنة كونه فى المسجد، ولم يختلفوا فى ذلك، إلا قول عبد الملك: أنه يكون فى المسجد أو عند الإمام، وقد يستحب أن يكون بإثر صلاة وبعد العصر أولى، وأى وقت كان جاز. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلتُ عَنِ المُتَلاعِنَيْنِ فِى إمْرَةِ مُصْعَبٍ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ: فَمَضَيْتُ إِلى مَنْزِلِ ابْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ. فَقُلْتُ لِلغُلامِ: اسْتَأذِنْ لِى. قَالَ: إِنَّهُ قَائِلٌ. فَسَمِعَ صَوْتِى. قَالَ: ابْنُ جُبَيْرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ادْخُلْ. فَوَ اللهِ، مَا جَاءَ بِكَ، هَذِهِ السَّاعَةَ إِلا حَاجَةٌ. فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْذَعَةً، مُتَوَسِّدٌ وِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، المُتَلاعِنَانِ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! نَعَمْ. إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلمْ يُجِبْهُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِى سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِى سُورَةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (¬1) فَتَلاهُنَّ عَليْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً، قبل أن يأمرَه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الإمام: احتج بهذا [الشاهد] (¬2) على جواز الطلاق ثلاث فى كلمة واحدة، وانفصل أصحابنا عن هذا بأنها قد بانت منه باللعان، فوقعت الثلاث على غير زوجة، فلم يكن لها تأثير. قالوا: لأنه خرج النسائى عن محمود بن لبيد قال: أخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضبان فقال: " أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حىّ " وقام رجل آخر فقال: يا رسول الله، ألا أقتله (¬3). فالأخذ بالمنع بهذا الحديث أولى من حديث المتلاعنين، مع الاحتمال الذى فيه. وقد اختلف الناس - أيضاً - فى المتلاعنين، هل تقع الفرقة بنفس اللعان، أو حتى يقضى القاضى بالفراق، فقال أبو حنيفة: حتى يقضى القاضى بالفراق، لقوله: " فرق بينهما "، وهذا إشارة للحكم. وعندنا: أنه لا يفتقر إلى حاكم، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى طريق آخر: " أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها "، ولقوله: فَفَارَقها عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذاكم التفريق بين كل متلاعنين "، ولم يعتبر قضية القاضى. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا سبيل لك عليها ": حمله جمهور العلماء على العموم، فلا تحل له أبداً، قال بعض أصحابنا: ومن جهة المعنى كأنه أدخل لبساً فى النسب فعوقب ¬

_ (¬1) النور: 6 - 9. (¬2) غير واضحة فى الأصل، ويرجح أنها كما أثبت. (¬3) النسائى، ك الطلاق، ب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ 6/ 142.

الآخِرَةِ. قَالَ: لا، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا كَذَبْتُ عَليْهَا. ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخَرِةِ. قَالتْ: لا، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنَّهُ لكَاذِبٌ. فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالخَامِسَةُ أَنَّ لعْنَةَ اللهِ عَليْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ. ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لمِنَ الكَاذِبِينَ، وَالخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَليْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِىٌّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ أَبِى سُليْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلتُ عَنِ المُتَلاعِنَيْنِ - زَمَنَ مُصْعَبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - فَلمْ أَدْرِ مَا أَقُوَلُ: فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ المُتَلاعِنَيْنِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. 5 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمُتَلاعِنَيْنِ: " حِسَابُكُمَا عَلى اللهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لا سَبِيلَ لَكَ عَليْهَا ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالِى؟ قَالَ: " لا مَالَ لَكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتحريم المؤبد، كأحد التعليلين عندنا فى الناكح فى العدة، وانفرد البتىُّ فقال: بأن اللعان لا يؤثر فى الفراق، وهذا الحديث حجة عليه. واختلف الناس - أيضاً - القائلون بتأبيد التحريم إذا أكذب نفسه، هل تحل له أم لا؟ فعندنا: لا تحل له، وان أكذب نفسه أخذاً بعموم قوله: " لا سبيل لك عليها " ولم يفرق. وقال أبو حنيفة: إذا أكذب نفسه حلت له لارتفاع [حقيقة] (¬1) المعنى المانع لإكذابه نفسه. واختلف المذهب عندنا على قولين، مع قولنا بأن بنفس التلاعن يقع التحريم من غير افتقار لحكم، هل يقع التحريم بلعان الزوج وحده، أم حتى يلتعنا جميعاً؟ فقيل: بالتعان الزوج وحده؛ لأن التحريم والفراق أمر مقصور عليه، فيختص بما يكون منه، ولا يفتقر إلى ما يكون من شخص آخر. وقيل: لا يقع ذلك حتى يلتعنا جميعاً؛ لأن هذه الأحاديث إنما وقع فيها الألفاظ الدالة على الفراق بعد التعانهما جميعاً، ولا يتعدى ما وقع فيها. قال القاضى: اختلف العلماء إذا أبى الزوج الالتعان أو إذا التعنَ الزوجُ وأبت هى، ¬

_ (¬1) غير واضحة فى الأصل، ولعلها كما هو مثبت.

إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَليْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْللتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَليْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا". ـــــــــــــــــــــــــــــ فعند الجمهور: يُحَدُّ وتُحَدُّ، وعند أبى حنيفة: يحبسان أبداً حتى يلتعنا. وقول ابن شهاب: " فكانت بعدُ سنة المتلاعنين ": فيه تأويلان: أحدهما: الفرقة بانقضاء اللعان. والثانى: استحباب إظهار الطلاق بعد اللعان عليها. ذهب إليه ابن نافع وعيسى بن دينار من أصحابنا فى هذا الحديث واستحباه، فإن لم يفعل فهو فراق. وفى قوله: " كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها " أيضاً تأويلان: أنه أراد الدعاء بذلك بفضيحة نفسه إن أمسكها. والثانى: إن إمساكى لها بعد ما قلته عنها دليل على كذبى. قال محمد بن أبى صفرة: اللعان لا يقطع العصمة؛ لقول عويمر: " كذبت عليها إن أمسكتها "، فأحدث طلاقاً يقطع العصمة، ونزه نفسه عن أن يقوم عليه دليل كذب بإمساكها، فجعل النبى - عليه السلام - فعله سنة. وتأوله بعض شيوخنا أنه كقول أبى حنيفة، وليس كذلك، بل هو عندى نحو ما تقدم لابن نافع. وقوله: " قبل أن يأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": يقتضى أن الفرقة تقع بغير حكم، وهو قول كافة العلماء كما تقدم. وقوله: ففارقها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذاكم التفريق بين كل متلاعنين ": ومعناه عندنا تبيينه - عليه السلام - الحكم لا إيقاع الفراق، بدليل قوله: " قبل أن يأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك "، ولقوله: " فكانت تلك سنة المتلاعنين "، وقيل: إشارة إلى تأبيد التحريم، وهو قول كافة العلماء. وقد جاء فى حديث ابن شهاب من رواية ابن وهب: فمضت سنة المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعا. وشذ بعضهم فقال: هو ثلاث. قال ابن لبابة: إن لم يطلق هو [ثلاثاً] (¬1)، طلق عليه الإمام. ولم يمنعه من مراجعتها بعَد زوجٍ، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وعبيد الله بن الحسن: هى واحدة بائنة وتقدم قول البتى: أنه لا فرقة به، وحكاه الطبرى عن جابر بن زيد: فإن أكذب نفسه بعد اللعان والفراق، جُلد الحدّ، ولم ترجع إليه أبداً عند مالك وأهل الحجاز وفقهاء الأمصار، وخالفه أبو حنيفة فقال: يكون خاطباً من الخطاب وتحل له، وقال عبد العزيز نحوه، وروى عن الشعبى: أنها ترد إليه. ولم يختلف فقهاء الأمصار بأن مجرد قذف الرجل لزوجِه لا يحرّمها عليه، إلا ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

قَالَ زهُيْرٌ فِى رِوَايَتِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أبا عبيد فقال: إنه يحرم. وقوله فى الحديث الآخر: " وكانت حاملاً، فكان ابنها ابن أمة ": حجة بانتفاء الحمل بلعان الرؤية، وهو مشهور مذهبنا إذا لم يكن الحمل ظاهراً وادعى استبراء، وقيل: يحتاج إلى لعان ثان. وقوله: فى الحديث: " فألحق الولد بأمه ": أى لا أب له، وقيل: بل أقام أمه مقام الأب والأم، وفى الرواية الأخرى: " فكان لأمه مثله ": أى لا يدعى لأب إلا لأمه، أو ليس له أب سوى أمّه، وإنما ينسب إلى قوم أمه أو مواليها إن كانت مولاة، على ما يأتى بعد. وقوله: " ثمّ جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها ": لا اختلاف فى هذا، ولا فى توارثه مع أصحاب الموارثات من قبل أمه؛ كجدته وأخوته، أنهم يتوارثون على أنهم إخوة لأم، وأما توأم ولد الملاعنة، فعلى أنهم أشقاء، وما بقى بعد أصحاب السهام منهم فلموالى أمه إن كانت مولاة، أو لجماعة المسلمين إن كانت عربية، هذا قول مالك والزهرى والشافعى وأبى ثور. وقالت طائفة: يرثه ورثة أمه، وقاله الحكم وحماد، وقال آخرون: عَصَبته عصبة أمه، وروى عن على وابن مسعود وعطاء وابن عمر، وبه قال أحمد بن حنبل، وقالت طائفة: أمه عَصَبة، فما بقى عن أهل السهام فلها، وقال أبو حنيفة: يردّ ما فضل عن ورثته إن كانوا ذوى أرحام. وقوله: " فقال: اللهم افتح، وجعل يدعو " (¬1): قال الخطابى: معناه: اللهم احكم أو بيّن الحكمة، والفتاح: الحاكم، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بَالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيم} (¬2). وقوله: " فنزلت هذه الآية - يعنى آيات اللعان - فتلاهن عليه، ووعظه " وذكر أنّه دعا المرأة، ففعل بها مثل ذلك: سنة فى وعظ المتلاعنين، وذهب الشافعى أن الإمام يعظ كل واحد بعد تمام الرابعة وقبل الخامسة. قال الطبرى: فيه أنه يجب للإمام أن يعظ كل من يحلفه. وقوله: " بدأ بالرجل ": هى سنة الحكم، البداية به؛ لأنه القاذف الذى يدرأ الحد عن نفسه بشهادته، والذى بدأ الله به، وأيمانه كالشهود على دعواه، ويسقط به عنه ما لزمه من الحد، ويثبت عليها هى الحد، إلا أن الله تعالى جعل لها مخرجاً بأيمانها أيضاً، مقابلة لأيمانه كمعارضة الشهادة، فينتفع بذلك ويسقط بها ما وجب عليها، وهذا ما ¬

_ (¬1) حديث رقم (10) بالكتاب. (¬2) سبأ: 26.

سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجمع عليه العلماء. وقوله: " فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ": قال ابن المنذر فى رواية من رواه فى الحديث: " فجاء فشهد "، وكذا ذكره البخارى (¬1)، دليل على تلاعنهما قائمين. ولا خلاف فى وجوب اللعان بهذا القول، وأنه صفة اليمين، لكن اختلف العلماء فى زيادات وبيانات فى هذه اليمين، حسب دعوى الزوج، من رؤية أو مجرد قذف أو نفى حمل، اختلافاً [لا يؤول إلى تنافر] (¬2)، وإنما هو حكمٌ بالتمام والكمال، والأمر المتقارب مما هو معروف فى مذهبنا، مشهور من مذهب غيرنا، هل يقول: أشهد بالله أو أعلم بالله، وهل يزيد بعد قوله: أشهد بالله الذى لا إله إلا هو أم لا؟، وهل تزيد فى دعوى الرؤية بعد قوله: إنى لمن الصادقين، لرأيتها تزنى كالمزود فى المكحلة، كما يقول الشهود، أم يقتصر على قوله: رأيتها تزنى، فقط؟ وهل قوله: إنى لمن الصادقين لازم، أم يكفيه الحلف على نص دعواه الذى فيه تصديقه؟ وكذلك هل يقتصر فى نفى الحمل على قوله: لزنت، أو يزيد: ما هذا الحمل منى؟ هل يزيد: لقد استبرأت أم لا؟ ويكون يمين المرأة على تكذيبه بحسب هذا. وكل هذا مختلف فيه فى مذهبنا. وهل تجزئ اللعنة فى الغضب أم لا؟ وهل يقوم قوله: " ما كذب عليها فى الخامسة " مقام قوله: " إنى لمن الصادقين "؟ وهى أيضاً فى الخامسة أم لا يجزئ إلا ما نص الله تعالى عليه؟. ذهب الشافعى، ونحوه. مذهب الليث والثورى وأبى حنيفة أنه يقول: " أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا " ويشير إليها، وإن كان نفى حملاً زاد: " وما هذا الحمل منى ". وقال زُفر: مثل هذا، إلا أنه قال: إنه يخاطبها وتخاطبه، بقوله: " فيما رميتك به " وتقول هى: " فيما رميتنى به ". وقوله: " ثم ثنى بالمرأة ": هذه سنة هذا الحكم. واختلف عنه ما إذا ابتدأت المرأة باللعان ثم لاعن الزوج، هل يجزيها؟ وهو قول أبى حنيفة أم تعيد اللعان؟ ¬

_ (¬1) البخارى، ك الطلاق، ب يبدأ الرجل بالتلاعن 7/ 69 عن ابن عباس. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

6 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَّقَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَخَوَىْ بَنِى العَجْلانِ. وَقَالَ. " اللهُ يَعْلمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ اللعَانِ؟ فَذَكَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى هذا الحديث: " ثم فرق بينهما ": حجة الجماعة على ما تقدم. وقوله: " الله يعلم أن أحدكما كاذب ": ظاهره أنه بعد الملاعنة، وحينئذ تحقق الكذب عليهما جميعاً، ووجبت التوبة. وذهب الداودى أنه إنما قاله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل اللعان لا بعده، تحذيراً لهما ووعظاً، والأول أظهر وأولى بمساق الكلام. وفيه رد على من ذهب من النحاة، أن أحدًا لا تستعمل إلا فى النفى، وقول بعضهم: لا تستعمل إلا فى الوصف، وأنها لا توضع موضع واجب، ولا توقع موقع واحد، وقد أجاز هذا المبرد، وجاء فى هذا الحديث فى غير وصف ولا نفى وبمعنى واحد، وقد قال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِم} (¬1). قال الخطابى: وفيه أن البينتين إذا تعارضتا تهاترتا وسقطتا. وقال المهلب: فى حديث المتلاعنين من الفقه: أن المختلفين المتضادين اللذين يعلم أن أحدهما كاذب أنهما لا يعاقبان، لعذر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتلاعنين ولم يقم عليهما حداً، وكل واحد مكذب لصاحبه، قال نحوه أبو عبد الله. جاء فى هذه الأحاديث هلال بن أمية [وهو خطأ، والصحيح أنه " عويمر ". وقال الطبرى يستنكر قوله فى حديث هلال] (¬2): وانما هو " عويمر " وهو الذى قذفها بشريك ابن سحماء، وكانت هذه القصة فى شعبان سنة تسع من الهجرة، وقال غيره: هما قصتان، ويحتمل أنهما كانتا متفاوتتى الوقت، فنزل القرآن فيهما، وسميت ملاعنة وفيها لعان وغضب؛ لأنها بمعنى من سخط الله وإبعاده من رحمته، وغلب لفظ اللعان؛ لأنه الذى بدأ به فى الآية، والحكم أو لتغليب الرجل. وقول ابن جبير: " سئلت عن المتلاعنين، فما دريت ما أقول "، من إنصاف العلم، وحقيقة الورع، حسب ما كان عليه ابن جبير. وقوله: " ومضيت إلى ابن عمر باحثاً عن المسألة ": فيه ما كانوا عليه من الحرص على العلم والأخذ فيه بالحقيقة. ¬

_ (¬1) النور: 6. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

7 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللفْظُ لِلمِسْمَعِىِّ وَابْنِ الْمُثَنَّى - قَالوا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ - قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمْ يُفَرِّق المُصْعَبُ بَيْنَ المُتَلاعِنَيْنِ. قَالَ سَعِيدٌ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: فَرَّقَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَخَوَىْ بَنِى العَجْلانِ. 8 - (1494) وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللفْظُ لَهُ - قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلاً لاعَنَ امْرَأَتَهُ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلحَقَ الوَلدَ بِأُمِّهِ؟ قَالَ نَعَمْ. 9 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالا: لاعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَامْرَأَتِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. (...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. 10 - (1495) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الغلام له: " أنه قائل ": أى نائمٌ القائلة لوقت نومه فيها. فى ذلك أنه لا يشق على العالم ومن يحتاج إليه فى أوقات راحاتهم ونومهم ويترك لهم أوقات لذلك. وقول ابن عمر لما سمع صوته ابن جبير: " والله ما جاء بك فى هذه الساعة إلا حاجة ": دليل على ما قدمناه، أن عادتهم كانت ألا يقصدوا مثله فى هذا الحين. وقوله: " فوجدته مفترشاً بردعة متوسداً مرفقة حشوها ليف " (¬1)، فى رواية غير مسلم: " برذعة رحله " (¬2): أى رحل بعيره. فيه ما كانوا فيه من الاقتصاد والتقلل من الدنيا، واهتبال ابن عمر من قصده وسؤاله عن حاجته وما جاء به. إذ علم بشاهد الحال أنها مهمّة. ¬

_ (¬1) الدارمى، ك النكاح، ب فى اللعان 2/ 150. (¬2) أحمد فى مسنده 5/ 165.

إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: إِنَّا - ليْلةَ الجُمُعَةِ - فِى المَسْجِدِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَتَكَلمَ جَلدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ؛ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ. وَاللهِ، لأَسْأَلنَّ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلهُ. فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَتَكَلمَ جَلدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ. فَقَالَ: " اللهُمَّ، افْتَحْ "، وَجَعَلَ يَدْعُو. فَنَزَلتْ آيَةُ اللعَانِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُم} (¬1) هَذِهِ الآيَاتُ، فَابْتُلِى بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَجَاءَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلاَعَنَا، فَشَهِدَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لمِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ لعَنَ الخَامِسَةَ أَنَّ لعْنَةَ اللهِ عَليْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ. فَذَهَبَتْ لِتَلَعَنَ، فَقَالَ لهَا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَهْ "، فَأَبَتْ فَلَعَنَتْ. فَلمَّا أَدْبَرَا قَالَ: " لعَلَّهَا أَنْ تَجِىءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا " فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا. (...) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُليْمَانَ، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهِذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 11 - (1496) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَأَنَا أَرَى أَنَّ عِنْدَهُ مِنْهُ عِلمًا، فَقَالَ: إِنَّ هِلالَ بْنِ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ أَخَا البَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لأُمِّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لعلها أن تجىء به أسود جعدٌ " الحديث: فيه دليل أنه لا حكم بالظنون والشبه والدلائل، مع وجود ما هو أقوى منها، كما تقدم فى حديث ابن زمعة. قال الإمام: هذا دليل على جواز لعان الحامل فى حال حملها، وقد قال بعض أصحابنا: إنه إذا لاعن لنفى النسب لا يحل استبرائه ولم يشاهد زنا، فإنه لا يجب أن يلاعن وهى حامل؛ لجواز أن يكون ريحاً يتفشّ، وانفصل عن هذا الآخرون، أن الحمل قد يقطع عليه، والغلط فيه بالريح نادر، وقد علق فى الشرع أحكام على الحمل، منها إيجاب النفقة لها بالحمل، وردها بعيب الحمل ولم يسقط فى الشريعة لاعتبار ذلك. وقوله: " قذف امرأته بشريك بن سحماء " الحديث، قال الإمام: اختلف الناس إذا قذف الرجل زوجته بشخص بعينه، هل يحدّ له أم لا؟ وإن لاعن لزوجته، فعند مالك: ¬

_ (¬1) النور: 6.

لاعَنَ فِى الإِسْلام. قَالَ: فَلاعَنَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قَضِىءَ العَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ ". قَالَ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه يحد للرجل؛ لأن الأصل إثبات الحد على القاذف، وإنما سقط عن الزوج بلعانه لأجل الضرورة إلى ذلك، وأنه لا يستغنى عن ذكر زوجته، وأما الزانى بها فلا ضرورة به إلى ذكره، وهو غنى عن قذفه، فبقى على الأصل فى وجوب الحدّ له. وقال الشافعى: لا يُحد للرجل إذا أدخله فى لعانه، وتعلق بأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحد الزوج لشريك بن سحماء وقد سمّاه، وقال بعض أصحابنا: لا حجة له فيه لوجهين: أحدهما: أن شريكًا كان يهودياً. والثانى: أن شريكًا لم يطلب حده، ولا قام بطلب عرضه، فلم يكن فى ذلك تعلق. قال القاضى: لا يصح قول من قال: كان شريك يهودياً، وهو باطل. وهو شريك ابن عبدة بن مغيث، وهو بلوىٌّ حليف للأنصار، وهو أخو البراء بن مالك لأمّه، كما جاء بعد هذا آخر الباب. وقوله لرسول الله: الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا "، فقال سعد: بلى والذى أكرمك بالحق، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسمعوا ما يقول سيدكم " (¬1)، قال الإمام: معنى ذلك عندى أن قوله: " بلى " بمعنى: أنه لا تتركه نفسه لذلك، وأن طباعه ربما غلبته، وتستولى عليه الغيرة حتى يقتله، وإن كان عاصياً لك (¬2) فى ذلك، لا على أنه ردَّ قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقصد مخالفته. وقوله: " إن جاءت به أكحل جعداً أحمش الساقين ": قال الهروى: الجعد فى صفات الرجال يكون مدحاً، ويكون ذماً، فإذا كان مدحاً فله معنيان: أحدهما: معصوب الخلق شديد الأسر، والثانى: أن يكون شعره غير سبط؛ لأن السبوطة أكثرها فى شعور العجم. وأما الجعد المذموم فله معنيان: أحدهما: القصير المتردد، والآخر: البخيل. يقال: جعد اليدين وجعد الأصابع: أى بخيل. وفى حديث آخر: " إن جاءت به جعداً قططاً " (¬3): القِطط: الشديد الجعودة، ¬

_ (¬1) حديث رقم (14) بالكتاب. (¬2) فى ع: ذلك. (¬3) البخارى، ك الطلاق، ب قول الإمام: اللهم بين 7/ 72، والنسائى، ك الطلاق، ب قول الإمام اللهم بين، برقم (3471).

12 - (1497) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ المُهَاجِرِ وَعِيسَى بْنُ حَمَّادٍ المِصْرِيَّانِ - وَاللفْظُ لابْنِ رُمْحٍ - قَالا: أَخْبَرَنَا الليْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ التَّلاعُنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِىٍّ فِى ذَلِكَ قَوْلاً، ثُمَّ انْصَرَفَ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِليْهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلاً. فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلا لِقَوْلِى. فَذَهَبَ بِهِ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِاَلذِى وَجَدَ عَليْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًا، قَلِيلَ اللحْمِ، سَبْطَ الشَّعَر. وَكَانَ الَّذِى ادَّعَى عَليْهِ أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ، خَدْلاً، آدَمَ، كَثِيرَ اللَّحْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، بَيِّنْ " فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِى ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: رجل جعد، [وشعر جعد] (¬1): بيّن الجعودة، وقططٌ: بيّن القطوطة. وقوله: " حمش الساقين ": أى دقيق الساقين. قال الهروى: يقال: امرأة حمشاء الساقين، كرعاء اليدين: إذا كانت دقيقتهما. قال غيره: والحموشة: دقة الساقين. وقوله: " إن جاءت به سبطاً قضىء العين ": السبوطة: استرسال الشعر وانبساطه. ورجل سبْط وسبَط بفتح الباء وكسرها، لغتان من السبوطة، وكذلك شعر سبْط، وسبَط. وقد سبط شعر الرجل سبوطة، وقضىء العين: أى فاسد العين. قال ابن دريد فى الجمهرة: يقال: قضيت عين الرجل: إذا احمرت ودمعت، وقد قضيت القربة تقضّيا وقضاء فهى قضية، على وزن فَعِلة (¬2) إذا عضنت وتهافتت، قال ابن ولاد: وسقاء قضى: [إذا طال مكثه فى مكان ففسد وبلى، والقضؤ مقصور مهموز: العيب. قال ابن دريد: [وقضى] (¬3) حسب الرجل قضاء وقضوا وقضاة: إذا دخله عيب، وإن فى حسبه لقضاة. ولا تفعل كذا قال فيه: قضاه علىّ. قال الهروىّ: وقضى الثوب: إذا تفزَّر (¬4) وتشقق. قال غيره من طُول البلى. وقوله فى صفة الذى وجده عند أهله: " خدلاً، آدم ": الخدل، بخاء معجمة مفتوحة ودال مهملة: الممتلئ الساق والآدم: الشديد السُّمرة، وجمعه أُدْم مثل أحمر وحُمْر، وأما آدم إِذا كان اسماً، فهو مشتق من أدمة الأرض، وأُدمتها: أى وجهها، فسمّى بما خُلق منه، وجمعه آدميون. قال القاضى: وفى قوله - عليه السلام -: " إن جاءت به على صفة كذا التى ذكرها ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬2) فى ع: فعيلة. (¬3) سقط من ع. (¬4) فى ع: تفرق.

فَلاعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا. فَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ فِى المَجْلِسِ: أَهِىَ الَّتِى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ رَجَمْتُ أُحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ؟ ". فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِى الإِسْلام السُّوءَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِى سُليْمَانَ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِر المُتَلاعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ. وَزَادَ فِيهِ - بَعْدَ قَوْلِهِ كَثِيرَ اللَّحْمِ - قَالَ: جَعْدًا قَطَطًا. 13 - (...) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللفْظُ لِعَمْرٍو - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ. وَذُكِرَ المُتَلاعِنَانِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَقَالَ ابْنُ شَدَّادٍ: أَهُمَا اللَّذَانِ قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لرَجَمْتُهَا؟ ". فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا، تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلنَتْ. قَالَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو لفلان، يعنى زوجها، وإن جاءت به على صفة كذا فهو لفلان، يعنى الذى رماها به ". وفى الحديث الآخر: " لعلها أن تجىء به كذا على الصفة التى ذكر "، وفى رواية البخارى: " فلا أراها إلا صدقت، وإن جاءت به كذا فلا أحسبه إلا صدق " (¬1): ظاهره أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك على التفرس وغلبة الظن بقوله: " لا أراها " و " لعلها "، ولو كان بوحى وإعلام من الله بذلك، لم يقل: أراها وأحسبه. وفيه النظر بالأشباه، والقيافة إنما هى فى الفراشين المشتبهين، وأما الفراش الذى لا شبهة فيه، فلا حكم له بحال، وأن إقامة الحدود ونفى الأنساب وقطعها لا يحتج فيها بمثل هذا، إلا فى القطع واليقين، وفيه أن ذكر الأوصاف المذمومة للضرورة، والتجلية للتعريف ليس بغيبة. قال الإمام: وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسمعوا إلى ما يقوله سيدكم ". قال ابن الأنبارى وغيره: السيد: الذى يفوقُ فى الفخر قومه، والسيد أيضاً: الحليم، وأيضاً: الحسن الخلق، وأيضاً: الرئيس، قال الشاعر: فإن كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخلِ وأنشد ابن قتيبة: قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ¬

_ (¬1) ك الطلاق، ب التلاعن فى المسجد 7/ 70.

أَبِى عُمَرَ فِى رِوَايَتِهِ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ. 14 - (1498) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الأَنْصَارِىَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ". قَالَ سَعْدٌ: بَلى، وَالَّذِى أَكْرَمَكَ بِالحَقِّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْمَعُوا إِلى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ ". 15 - (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِى رَجُلاً، أَأَمْهِلهُ حَتَّى آتِى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". 16 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلدٍ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ بِلالٍ، حَدَّثَنِى سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِى رَجُلاً، لم أَمَسَّهُ حَتَّى آتِىَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ ". قَالَ: كَلا، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ! إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلَهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْمَعُوا إِلى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ، إِنَّهُ لغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّى ". 17 - (1499) حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، وَأَبُو كَامِلٍ فَضَيْلُ بْنُ حُسَيْنِ الجَحْدَرِىُّ - وَاللفْظُ لأَبِى كَامِلٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ - كَاتِبِ المُغِيرَة - عَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِى لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ. فَبَلغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَتَعْجَبُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لضربته بالسيف غير مصفح ": أى غير ضارب بصفح السيف، وصفحا السيف: وجهاه، وغراره: حدّاه. قال القاضى: وقول عاصم: " ما ابتليت بهذا إلا لقولى "، وفى أول الحديث: " فقلت فى ذلك قولاً ": قيل: لعله قال نحو قول سعد، أو غير من امتحن بذلك، أو وبخه على ذكره فعوقب بأن أصاب ذلك رجلاً من قومه، حتى احتاج لسؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أمره. وقوله فى خبر سعد: " إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير منى، من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " الحديث، الغيرة: أصلها المنع، فأخبر - عليه السلام - أن سعداً غيور، مانع لحرمته، وأنه من خلق أهل الإيمان والكمال، وأخبر أنها

مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَ اللهِ، لأَنَا أَغَيْرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغَيْرُ مِنِّى، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا شَخْصَ أَغَيْرُ مِنَ اللهِ، وَلا شَخْصَ أَحَبُّ إِليْهَ العُذْرُ مِنَ الله، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللهُ المُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمَنْذِرِينَ، وَلا شَخْصَ أَحَبُّ إِليْهَ المِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الجَنَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من أوصافه هو - عليه السلام - وخلقه، وأنه أغير منه بحسب منيف منزلته، وأخبر أن الله أغير من الكل، وفَسَّر [ذلك] (¬1) بقوله: " من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "، وهذا هو حقيقة الغيرة من المنع الذى قدمناه. وقد جاء فى حديث آخر مفسَّراً، قال: " وغيرة الله أن يأتى المؤمن ما حرّم الله " (¬2)، لكنها فى البشر يقترن بها تغير حال وصفات بطش وانزعاج زائد على مجرد المنع. إذ هم محلّ التغيير واختلاف الحال، والله تعالى لا يليق به شىء من ذلك. وقوله: " لا شخص أغير من الله ": قيل يحتمل أن يكون معناه: لا ينبغى لشخص أن يكون أغير من الله، وهو تعالى لم يعجل ولم يبادر عقوبة عباده فى اقترافهم ما نهاهم عنه ومنعهم. منه، بل حذرهم وأنذرهم وأعذر إليهم وأمهلهم، فينبغى أن يتأدب بأدبه، ويستن بسنته، وكان هذا ردّ لقول سعد: أأمهله حتى آتى بأربعة شهداء؟ وقوله: " لضربته بالسيف غير مصفح " فصحح هذا التأويل. وقوله: " ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين ": أى الإعذار والإنذار لخلقه، قبل أخذهم بالعقوبة، وعلى هذا لا يكون فى ذكر الشخص هنا ما يشكل، وقد يكون ذكر الشخص تجوّزاً، والله تعالى متعال عن التشخص، وإنما وقع الشخص على غيره على معنى شىء واحد، وقيل: قد يكون الشخص بمعنى المرتفع: أى لا مرتفع أرفع من الله؛ لأن الشخص ما شخص وظهر ونما وارتفع. وقوله: " ولا أحب إليه المدحة من الله "، قال الإمام: المِدحة، بكسر الميم، لا تكون إلا مع إدخال الهاء للتانيث، فإذا ذهبت الهاء وبقى لفظ التذكير فتحت الميم، فيقال: هو المدح وهى المدحة. قال القاضى: وقوله: " من أجل ذلك وعد الجنة ": معناه - والله أعلم -: أنه لما وعدها ورغب فيها، أكثر السؤال له، والطلب إليه، والثناء عليه، ولا يحتج بهذا على ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬2) سيأتى فى مسلم، ك التوبة، ب غيرة الله وتحريم الفواحش، برقم (36)، أحمد فى مسنده 2/ 343، 520، الترمذى، ك الرضاعة، ب ما جاء فى الغيرة (1168) وقال: حديث أبى هريرة حديث حسن غريب.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. وَقَالَ: غَيْرَ مُصفَحٍ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جواز استجلاب الإنسان الثناء على نفسه ومدحه، فهذا مذموم قصده منهىّ عنه، فأما حبه بالقلب، فما لا يجد المرء منه بداً، والله تعالى مستحق للمدح ومستوجب له، والعباد فالنقص لهم لازم، وإن استحقوا المدح من جهة ما، مع أن المدح يفسد قلوبهم، ويعظمهم فى نفوسهم حتى يستحقروا غيرهم؛ ولهذا قال - عليه السلام -: " احثوا التراب فى وجوه المداحين " (¬1)، وقال: " لو سمعها ما أفلح "، وقال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (¬2). وقوله: " لو كنت راجماً بغير بينة لرجمت هذه "، وذكر امرأة كانت تظهر السوء فى الإسلام، وفى الرواية الأخرى: " أعلنت ": فيه حجة ألاَّ تقام الحدود بكثرة السماع، وغلبة الظنون، إذا لم يكن على أصل شرعى، من بينة أو إقرار أو ما يقوم مقام ذلك. وقوله: يا رسول الله، مالى، قال: " لا مال لك " (¬3). الحديث: صداق الملاعنة واجب بالإجماع. قال ابن المنذر: وفيه دليل على أنه لا رجوع عليه بالمهر وإن أقرت بالزنا، لقوله: " وإن كنت صادقاً عليها، فبم استحللت من فرجها " (¬4). قالوا: وحديث هذا الباب يوجب الصداق بالدخول. واختلف فى الملاعنة إذا لم يدخل بها، فعند جماعة فقهاء الأمصار: أنها كغيرها لها نصف صداقها، وقاله مالك، قال الزهرى: لا صداق لها جملة؛ لأنه فسخ، وحكاه البغداديون عن المذهب، وهو على أصل المذهب أنه فسخ، وليس إيجاب نصف الصداق بالذى يقتضى أنه ليس بفسخ على ما أشار إليه بعضهم، بل لتعارض أيمانهما التى قامت مقام تعارض الشهادات فى وجوب الصداق أو إسقاطه، فقسم بينهما لاستواء دعواهما فيه على أصلنا، أو مراعاة لاختلاف العلماء، هل هو فسخ أو طلاق؟ وقال الحكم وحماد وأبو الزناد: لها الصداق كله؛ إذ ليس بطلاق. وقوله: " سألت أنساً وأنا أرى عنده علماء، فقال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك من أمه ". وفى رواية السمرقندى: " وكان أخاه لأمه " (¬5) قد شكل هذا ويظن أنه راجع إلى أنس بن مالك؛ إذ البراء بن مالك أخوه، ¬

_ (¬1) أحمد فى مسنده 6/ 25، مسلم، ك الزهد والرقائق، ب النهى عن المدح رقم (68)، وأبو داود، ك الأدب، ب فى كراهية التمادح (4804)، الترمذى، ك الزهد، ب ما جاء فى كراهية المدحة والمداحين (2393)، ابن ماجة، ك الأدب، ب المدح (3742) كلهم عن المقداد بن عمرو. (¬2) النجم: 32. (¬3) و (¬4) حديث رقم (5) بالكتاب. (¬5) هى رواية النسخة المطبوعة لحديث رقم (11) بالكتاب.

18 - (1500) وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ - وَاللفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلاً منْ بَنِى فَزَارَةَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِى وَلدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ لَكَ مِنْ إِبْلٍ؟ " قَالَ نَعَمْ. قَالَ: " فَمَا أَلوَانُهَا؟ ". قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: " هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ " قَالَ: إِنَّ فِيهَا لوُرْقًا. قَالَ: " فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ ". قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: " وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ ". 19 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلدَتِ امْرَأَتِى غُلامًا أَسْوَدَ، وَهُوَ حِينَئذٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ. وَزَادَ فِى آخِرِ الحَدِيثِ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِى الانْتِفَاءِ مِنْهُ. 20 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللفْظُ لِحَرْمَلةَ - قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِى وَلدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ، وَإِنِّى أَنْكَرْتُهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " مَا أَلوَانُهَا؟ " قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: " فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَنَّى هُوَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد وهم فى هذا ابن خيثمة فذكرهما فى الأخوة للأم، ولعله من ظاهر هذا الحديث وَهم واتبعه أبو عمر فيه، وليس كذلك، إنما هو أخوه لأبيه لا من أمه. كذا قال البخارى والعُصْفرى وغيرهما فيه، وإنما أراد بذلك شريك بن سحماء هو أخو البراء بن مالك لأمه، وهو ظاهر فى الحديث بيّن. وشريك بلوىّ حليف للأنصار وقول ابن جبير: " فرق المصْعَب بين المتلاعنين "، كذا لابن الحذاء، ولغيره: " لم يفرق " (¬1) قيل: صوابه " لِمَ فرق ". وقوله للذى أنكر لون ولده: " ألك من الإبل؟ " قال: نعم - الحديث، إلى قوله: " هل فيها من أورق؟ "، قال الإمام: هو الأسمر، وهو من الورقة، ومنه قيل للرماد: أورق، وللحمامة ورقاء. ¬

_ (¬1) حديث رقم (7) بالكتاب.

قَالَ: لعَلهُ يَا رَسُولَ اللهِ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَهَذَا لعَلهُ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَلغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: فى هذا الحديث حجة للقول بالقياس، والاعتماد وضرب الأمثال والأشباه لتقريب الأفهام، وعرض الغامض المشكل على البيّن الظاهر. ومعنى قوله: " فلعل عرقاً نزعه ": أى أشبهه وأظهر لونه. والعرق هنا: الأصل من النسب، شبه بعرق الثمرة، يقال: فلان مُعْرِق فى الحسب وفى اللؤم والكرم. وأصل النزع: الجذب، كأنه جذبه لشبهه به، يقال منه: نزع [ينزع، وهو مما شذ عن الأصل مما جاء على فَعَل يَفْعلُ فيما عينه من حروف الحلق أو لامه، وأصله المطرد فَعل يفعَلُ، يقال منه: نزع] (¬1) الولد لأبيه، ونزع إليه، ونزعه أبوه إليه كله. وفى هذا الحديث أن التعريض اللطيف إذا لم يقصد به المشاتمة، وكان لمعنى وضرورة أو شكوى أو استفتاء فلا حد فيه، وقد استدل به من لا يرَى الحد فى التعريض والكناية، وهو مذهب الشافعى، ولا فى قول القائل: ليس هذا الولد منى، وهو مذهب الخطابى. ولا حجة له فى هذا الحديث؛ إذ ليس فيه شىء من ذلك وإنما فيه إنكاره لونه، لا إنكاره الولد ونفيه له. تم الجزء الثالث، والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل. نتلوه فى الرابع - إن شاء الله - كتاب العتق. ومن الفراغ من نسخه الثالث والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة سبعين وستمائة. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

20 - كتاب العتق

بسم الله الرحمن الرحيم 20 - كتاب العتق 1 - (1501) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَن اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بْنُ حَازِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب العتق قوله - عليه السلام -: " من أعتَق شِرْكًا [له] (¬1) فى عبد (¬2)، فكان (¬3) له مالٌ يبلغ ثمن العبدِ قُوِّم عليه (¬4) قيمة العدْل، [وأعطى شركاؤه] (¬5) حِصَصَهُم، وعتق عليه العبدُ "، وفى الرواية الأخرى: " من أعتق شِقْصًا له فى عبدٍ فَخلاصُه فى ماله إن كان له مالٌ، فإن لم يكن له مال استُسْعِى العبدُ غير مشقوق عليه "، وفى الرواية الأخرى: "إن لم يكن له مالٌ قُوِّمَ عليه العبدُ قيمة عَدْلٍ، ثُمَّ يُسْتَسْعى فى نصيب الذى لم يُعْتِقْ "، وفى الرواية الأخرى - فى المملوك بين الرجلين فَيُعْتق أحدُهما - قال: " يضمنُ "، قال القاضى: فى ذكر الاستسعاء هاهنا خلافٌ. قال أبو الحسن الدارقطنى: روى هذا الحديث شعبة وهشام عن قتادة - وهما أثبت - فلم يذكرا فيه الاستسعاءَ، ووافقهما همامٌ وَفَصَل الاستسعاء من الحديث، فجعله من [رأى] (¬6) قتادة، وعلى هذا أخرجه البخارى (¬7) وهو الصواب، وسمعت أبا بكر النيسابورى يقول: ما أحسن ما رواه همام وضبطه، ففصل قول قتادة. ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى س: عبده. (¬3) فى س: وكان. (¬4) فى س: له. (¬5) فى ق، والمطبوعة: فأعطى شركاءه. (¬6) جاء فى الإلزامات: " رواية "، وأكدَّها المحقق فى تعليقه عليها بأنها فى النسخة الأخرى التى لديه " رواى" ونسخة القاضى فيما نرى أصوب وأدق. راجع: الإلزامات 183. (¬7) ك العتق، ب إذا أعتق نصيباً فى عبد وليس له مال استسعِىَ العبدُ غير مشقوق عليه على نحو الكتابة 3/ 190.

(1) باب ذكر سعاية العبد

حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اْلوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. (1) باب ذكر سعاية العبد 2 - (1502) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - فِى الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمَا - قَالَ: " يَضْمَنُ ". 3 - (1503) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشيِرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقال الأصيلى وابن القصار وغيرهما: من أسقط السِّعاية أولى ممن ذكرها؛ لأنها ليست فى الأحاديث الأخر من رواية ابن عمر. قال أبو عمر بن عبد البر: الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكرها (¬1). قال غيره: وقد اختلف فيه عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، فمرَّةً ذكر فيه السِّعَاية ومَرَّةً لم يذكرها (¬2)، فدل أنها ليست عنده من متن الحديث كما قال غيره. ومعنى الاستسعاء فى هذا الحديث: تكليفه الاكتساب والطلب لقيمة شقص الآخر على قول الأكثرين، وقيل: يخدم سيده بقدر ماله من الرق، فعلى هذا تتفق الأحاديث. ¬

_ (¬1) التمهيد 14/ 273، الاستذكار 23/ 120. قال: وأصحاب قتادة الذين هم الحجة على غيرهم عند أهل العلم ثلاثة: شعبة، وهشام، وسعيد ابن أبى عروبة، فإذا اتفق منهم اثنان منهما حجة على الواحد عندهم، وقد اتفق شعبة وهشام على ترك ذكر السعاية فى هذا الحديث، فضعف بذلك ذكر السعاية. (¬2) من هؤلاء: روح بن عبادة، ويزيد بن زريع، وعبدة بن سليمان، وعلى بن مِسْهر، ومحمد بن بكر، ويحيى بن سعيد، ومحمد بن أبى عدى، هؤلاء أثبتوا السعاية. الاستذكار 23/ 120.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِى عَبْدٍ، فَخَلاَصُهُ فِى مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، اسْتُسْعِىَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " غير مشقوق عليه ": أى غير مكلف ما فيه مشقة. وقوله: " شقصاً "، قال الإمام: الشقص: النصيب، ومثله الشقيص، وكذلك قوله: " من أعتق شركاً "، الشرك: النصيب، ومنه قول الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْك} (¬1)، أى من نصيب، ويكون الشرك فى غير هذا الشريك، قال الله تعالى: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} (¬2)، ويكون الشرك - أيضاً - الإشراك، يقال: شركته فى الأمر أشركه شركًا، ومنه حديث معاذ: " أجاز بين أهل اليمن الشرَك "، أراد الاشتراك فى الأرض. وقوله: " فقد عتق منه ما عتق ": قال: عتَقَ العبدُ فى نفسه: إذا سار حرّا وأعتقه سيّده. قال القاضى: قوله: " من (¬3) أعتق شِرْكًا له فى مملوك ": لفظه عام فى كل معتِق من ذكر أو أنثى، ممن يقع عليه الخطاب أو ينتهى حكمه إليه، وكذلك ألزمنا التقويم (¬4) إذا كان العبد كافرًا بين مسلمين أو بين مسلم ونصرانى، فأعتق المسلم نصيبَه لحق الشريك معه، ولتوجه الخطاب للمسلم. وقد اختلف عندنا إذا أعتق النصرانىُّ، هل يُقوَّمُ عليه لحق شريكه المسلم، أم لا؟ إذ هو حق الله تعالى [أو بين المعتِقُ والمعتقُ وهما نصرانيان لا يتوجه لهما الخطاب، وكذلك اختلف عندنا إن كان العبد مسلماً بين نصرانيين فأعتق أحدهما نصيبه، أو بين نصرانى ومسلم، فأعتق النصرانى نصيبه على الخلاف هل الحق للشريك فى تبعيض عبده عليه أو للعبد فى حقه تكملة عتقه؟ والله أعلم] (¬5). قال القاضى أبو محمد: فيه ثلاثة حقوق: حق لله - تعالى - وللشريك، وللعبد، فعلى مراعاة هذه الحقوق وقع الخلاف، وتصوير الصور فى المسألة على ما تَقدَّم، ويأتى إن ¬

_ (¬1) سبأ: 22. (¬2) الأعراف: 190. (¬3) فلفظة " من " تحتمل أن تكون شرطية، وتحتمل أن تكون موصولة، وهى على كلا الحالين من صيغ العموم، فتتناول كل من يلزم عتقه من الأحرار المسلمين، فكل من أعتق من هؤلاء شركاً له فى عبد وهو ملىء فإنه يقوَّم عليه، فلا يقوم على الصبى والمجنون؛ إذ لا يلزمهما عِتق من أعتقاه، وكذلك العبد إلا أن يأذن له سيده، فإن أذن له أو أمضى عتقه، لزمه، وقدم عليه، ولا يصح العتق الشرعى من الكافر؛ لأنه ليس بمخاطب بالفروع على الصحيح؛ ولأن العتق قربة وليس الكافر من أهلها. إكمال 4/ 152. (¬4) التقويم: أن يقوم نصيب صاحبه يوم العتق قيمة عدل، ثم يعتق عليه، قال أبو عمر: وكذلك قال داود وأصحابه فى هذه المسألة، إلا أنه لا يعتق عليه حتى يؤدى القيمة إلى شريكه، وهو قول الشافعى فى القديم، وقال الشافعى: من أعتق شركًا له فى عبدٍ قوِّم عليه قيمة عدل، وأعطى شركاءه حصصهم، وعتق العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق. التمهيد 14/ 268. (¬5) سقط من ق.

4 - (...) وحدّثناه عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: " إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قِيَمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء الله تعالى. وقوله: " قُوِّم عليه ": محمولٌ على الوجوب، ولا تخيير فى الرضا يعم تبعيض العتق لا للعبد ولا للشريك، مراعاة لحق الله - تعالى - فى ذلك. واختلف عندنا، هل للشريك التخيير فى أن يعتق نصيبه أو يُقَوَّمُ؟ وهو المشهور، أو ليس له إلا التقويم فى هذا، وأنه قد وجب عتق جميعه على معتق نصيبه بحكم السراية (¬1)؟ على ما سيأتى من اختلاف العلماء والمذاهب فى هذا، ولا خلاف فى بقاء عتق نصيب المعتق بكل حال بين علماء الأمصار، إلا ما روى عن ربيعة من إبطال عتق المعتق لنصيبه معسراً كان أو موسرًا (¬2)، وهذا قول لا أصل له مع مخالفته جميع الأحاديث. واختلفوا فى الحكم فى نصيب شريكه إذا كان المعتق موسرًا على ستة أقوال: أحدها: أن العبد عتيق نفسه، ويقوَّم نصيبُ صاحبه عليه بكل حال. وولاؤه كله له، هذا قول الثورى والأوزاعى، وابن أبى ليلى، وابن شبرمة، وأبى يوسف، ومحمد ابن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وحكى مثله رواية عندنا فى المذهب (¬3)، وقاله الشافعى فى الجديد، وأن حرية بعضه قد سرت فى جميعه، وحكمه من يومئذ حكم الحر فى الوراثة وسائر أحكام الأحرار، وليس للشريك فيه غير قيمته على المعتق، كما لو قتله، وأنه إذا عتق نصيبه كان عتقه باطلاً (¬4)، وأن المعتق إن أعسر قبل أخذه بالقيمة أتبعه الشريك بها ديناً، وكذلك لو مات المعتق قبل نهاية عتق جميعه قُوِّم عليه، ولو استغرق تركته. القول الثانى: أنه لا يعتق بالسراية وإنما يعتق بالحكم، وأن العبد بحكم العبودية فى نصيب الشريك حتى يحكم بالتقويم، وأن المعتِق إن مات قبل التقويم لم يُقوَّم عليه ولا على ورثته، وأن الشريك بعد عتقه مخير فى نصيبه إن شاء قومَّه عليه وإن شاء أعتقه، ¬

_ (¬1) هى عتق البعض عتق الجميع، وسيأتى قريباً إن شاء الله. (¬2) قال أبو عمر: وما أشك أنه لم يبلغه - الحديث - ولا علمه. الاستذكار 23/ 126، التمهيد 14/ 234. (¬3) قالوا: يعتق بتلاً - أى قطعًا. التمهيد 14/ 277. (¬4) يعنى عتق الثانى، لأنه بعتق الأول صار حراً. راجع: التمهيد 14/ 279. قال: وتحصيل مذهب الشافعى ما قاله فى الجديد: أنه إذا كان المعتق لحصته من العبد موسراً، عتق جميعه حين أعتقه، وهو حر من يومئذ، ويورث، وله ولاؤه، ولا سبيل للشريك على العبد، وعليه قيمة نصيب شريكه، كما لو قتله، وجعل عتقه إتلافاً، هذا كله إن كان موسرًا فى حين العتق للشقص، وسواء أعطاه القيمة أو منعه، وإن كان معسراً فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه، أو يخدمه يوماً ويخلى لنفسه يوماً، ولا سعاية عليه. الأم 2/ 354، التمهيد 14/ 279.

يُسْتَسْعَى فِى نَصِيبِ الَّذِى لَمْ يُعْتِقْ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن أعتقه كان الولاء بينهما، وإن كان المعتق معدماً بقى الشريك على نصيبه فى العبد ولم يعتق منه غيرُ حصةِ العبد، وإن كان المعتِق موسراً بقيمة بعض نصيب شريكه (¬1) قُوِّم عليه منه بقدر ذلك، وَهذا مشهور قول مالك وأصحابه (¬2) " وقول الشافعى فى القديم، وبه قال داود وأهل الظاهر، ثم اختلفوا هل بمجرد التقويم يكون حرًّا أو لا بتمام الحكم؟ والأول هو الصحيح من مذهبنا. القول الثالث: قول أبى حنيفة: إن الشريك مخيَّر، إن شاء استسعى العبدَ فى نصف قيمته، وإن شاء أعتق نصيبه والولاء بينهما، وإن شاء قَوَّم على شريكه نصيبَه، ثم يرجع المعتق بما دفع إليه العبد يستسعيه فى ذلك، والولاء كله له، قال: والعبد فى هذه السعاية بمنزلة المكاتب فى جميع أحكامه. القول الرابع: قول عثمان البتى (¬3): لا شىء على المعتق إلا أن تكون جارية رابعة (¬4) تراد للوطء، فيضمن ما أدخل على صاحبه فيها من الضرر. القول الخامس: حكاه ابن سيرين؛ أن القيمة فى بيت المال. وهذان القولان شاذان مخالفان للحديثين جميعًا، حديث ابن عمر وحديث أبى هريرة، وكذلك مذهب أبى حنيفة، لم يقل بواحد من الحديثين، وهذه سنة خارج عنها (¬5). القول السادس: حكى عن إسحاق بن راهويه؛ أن هذا الحكم فى الذكور من العبيد دون الإناث، ولم يذكر فى الحديث، وهذا أشد الأقوال. هذا حكم الموسر. وكذلك اختلفوا فى المعسر على أربعة أقوال: فقول مالك والشافعى وأحمد وأبى (¬6) عبيد: لا يتبع بشىء، وينفذ عتق نصيبه الذى أعتق، كما جاء فى حديث ابن عمر وغيره، ولا سعاية عليه، وعلى هذا جمهور علماء الحجاز؛ لقوله فى ¬

_ (¬1) بأن يكون نصف عبده من ذى رحم محرمٍ. انظر: البدائع 5/ 22074. (¬2) جاء فى التمهيد والاستذكار: وإن كان المعتق موسرًا ببعض نصيب شريكه، قوِّم عليه بقدر ما يوجد معه من المال، ورق بقية النصيب لديه، ويقضى بذلك عليه كما يقضى فى سائر الديون. التمهيد 14/ 278، الاستذكار 23/ 121. (¬3) فقيه البصرة، أبو عمرو، عثمان البتِّى، نسبة إلى بيع البُتوت وهى الأكسية الغليظة، حدث عن أنس بن مالك، والشعبى، والحسن، وعنه شعبة، وسفيان، وهشيم بن زريع، وابن عُليَّة، وعيسى بن يونس. كان صاحب رأى وفقه. تهذيب الكمال 19/ 492، سير 6/ 148. (¬4) الرابعة: المنتجة، وقد نقلها الأبى: رفيعة 4/ 154، وفى الاستذكار: رائعة. (¬5) القاضى هنا مردِّد لكلام ابن عبد البر. راجع: التمهيد 14/ 234. (¬6) فى الأصول: وأبو.

(...) حدّثنى هَارُونُ بن عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الإِسْنَادِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، وَذَكَرَ فِى الْحَدِيثِ: قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث: " وكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّم عليه " إلى قوله: " وإلا فقد عتق منه ما عتق "، وهذا اللفظ ثابت من رواية مالك وغيره فى الحديث، وسقطت هذه اللفظة عند القعنبى وابن بكير فى رواية، وسقوطها عند الحفاظ وهم ممن سقطت عليه، والمعروف لكافة رواة نافع ورواة مالك عنه ثباتها وصحتها. واختلف فى قول مالك فى مراعاة العُسْرِ، هل بمجرد يوم العتق؟ أو باتصاله إلى يوم الحكم؟ وقال الكوفيون باستسعاء العبد فى حصته لشريكه (¬1)، وبه قال الأوزاعى وإسحاق وابن أبى ليلى، وابن شبرمة. ثم اختلفوا فى رجوع العبد يَرُد على المعتق (¬2)، فقال ابن أبى ليلى وابن شبرمة: رجع عليه، ولم ير أبو حنيفة وصاحباه الرجوع، وهو عند أبى حنيفة بحكم المكاتب مُدَّة السعاية، وعند الآخرين هو حرٌّ بالسرايا، وقال زفر: يُقوَّم على المعتق، كان معسراً أو موسراً، يؤديها فى العسر متى أيسر (¬3)، وقاله بعض البصريين، وقال آخرون: إذا كان معسرًا بطل عتقه. وهذان القولان شاذان مخالفان للأقوال كلها أيضاً، وفى هذا الحجة القوية: أن من أعتق بعض عبده أنه يكمل عليه عتقه، وهل يجبر ذلك بالحكم أو بالسراية فن ذلك؟ فيه عندنا روايتان، وعلى هذا جماعة علماء أهل الحجاز والعراق دون استسعاء، إلا ما ذهب أبو حنيفة من أنه يستسعى لمولاه فى بقية القيمة، وخالفه صاحباه فى ذلك فقالوا بقول الجماعة، لكنه روى عن ربيعة وطاوُس وحماد والحسن على خلاف عنه نحو قوله، وقاله أهل الظاهر. وذكر عن الشعبى وعبيد الله بن الحسن يعتق الرجل من عبده ما شاء. وقوله: " قيمة عدل ": يريد: لا زيادة ولا نقص. وقوله: " عتق عليه "، وفى كتاب أبى داود: " ثم عتق عليه " (¬4): حجة لقول مالك ومن وافقه إن عتقه بعد التقويم والحكم لأبى السراية. قال الإمام: الحكم بالتقويم هاهنا لما يلحق الشريك من الضرر بعيب العتق، ولحق ¬

_ (¬1) والولاء كله للمعتق، وهو بمنزلة الحر فى جميع أحكامه ما دام فى سعايته من يوم أعتِق، يرثُ، ويورث. (¬2) جعل ابن أبى ليلى وابن شبرمة للعبد أن يرجع على المعتق بما سعى فيه متى أيسر. راجع: الاستذكار 23/ 125. (¬3) قال أبو عمر: لم يقل زفر بحديث ابن عمر ولا بحديث أبى هريرة فى هذا الباب السابق. (¬4) أبو داود، ك العتق، ب فيمن روى أنه لا يستسعى (3947).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله - تعالى - فى إكمال الحرية. وإن كان للشريك مال، فهل يعتق نصيب من لم يعتق بالسراية أو بالتقويم؟ فيه اختلاف فى المذهب. وإن كان الشريك معسرًا، فهل لمن لم يعتق اتباعه بالقيمة فى ذمته وإكمال العتق عليه؟ فيه - أيضاً - قولان فى المذهب. وعند أبى حنيفة أن المعتق إن كان موسرًا كان للآخر أن يعتق نصيبه، أو يضمن شريكه، أو يستسعى العبد، وإن كان معسرًا كان لشريكه العتق والاستسعاء، وتعلق مالك فى نفى الاستسعاء، بقوله فى طريق ابن عمر: " والا فقد عتق منه ما عتق "، وظاهر هذا ينفى الاستسعاء وتعلق أبو حنيفة برواية أبى هريرة فى الاستسعاء، وقد قال بعض أصحابنا: إنها زيادة من كلام قتادة تلبس على بعض الرواة فأضافها إلى نفس الحديث، وقد ذكر ابن المنذر ما يصحح ما قاله أصحابنا، وذكر فى سند الحديث على بعض رواته قال: وكان يفتى قتادة، وذكر الاستسعاء على أنه يحتمل أن يكون معنى قوله: " يستسعى [العبد] (¬1) فى نصيب الذى لم يعتق "، أى يخدمه بقدر نصيبه لئلا يظن أنه يحرم عليه استخدامه، وإن كان قد وقع فى بعض الروايات فى الاستسعاء فى القيمة، وهذه الرواية تمنع هذا التأويل. وقال بعض أصحابنا: لعل الراوى نقل بالمعنى ولما سمع الاستسعاء فى النصيب عبر عنه بالقيمة على ما فهم، وهذا عندى لا يعول عليه؛ لأنه سوء ظن بالرواة، وتطريق إلى إفساد أكثر الأحاديث. وقد قالوا - أيضًا - هم فى تأويل الحديث الذى تعلقنا به: [إن قوله] (¬2): " وإلا فقد عتق منه ما عتق " إنما أراد أن العتق برد واستقر، وأن تعذر الاستكمال لا يرفع ما وقع فيه، والذى قالوه يحتمل، وإنما يبقى النظر فيما قلناه، هل هو الأظهر من المحتملات؟ والظواهر يقع بها الترجيح، ويرجح بعضها على بعض، وقد نبهنا على ما فى روايتهم من الاحتمال وما فى روايتنا، ولم يبق إلا التمسك بالأظهر. وفى غير كتاب مسلم: عن جابر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعتق عبدًا وله فيه شركاء وله وفاء، فهو حر، ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم، وليس على العبد شىء " (¬3). وفى هذا الحديث ثلاث فوائد: العتق بالسراية؛ لقوله: " فهو حر "، والتعليل بحق الشركاء؛ لقوله: " لما سار من مشاركتهم "، ونفى السعاية؛ لقوله: " وليس على العبد شىء ". وقوله هاهنا فى رواية أبى هريرة: " قوم عليه العبد ": إشارة إلى تقويم العبد كاملاً، ويعطى قيمة نصفه بنسبة قيمة الكل إن كان قادرًا على أن يدعو شريكه لبيع جملته، فيحصل له نصف الثمن الحاصل فى الجميع، فإذا منعه من هذا ضمن له ما منعه منه، وقد ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم. (¬3) البيهقى فى السنن، ك العتق، ب من أعتق شركًا له فى عبد وهو موسر 10/ 276.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال هذا بعض أهل العلم. واختلف المذهب فى الشريكين إذا أعتقا وسهامهما مختلفة، ولهما شريك ثالث، هل يضمنان على التساوى لأنهما اشتركا فى الإتلاف؟ ولو انفرد كل واحد منهما فأعتق لضمن جميع نصيب شريكه، من غير أن يعتبر قلة نصيبه أو كثرته، أو يكونان يضمنان بعد أملاكهما؛ لأن كونهما مالكين نفذ لهما العتق، فلمالك إذًا مدخل فى هذا فوقعت الغرامة لعذره، وقد غلط ابن راهويه وذهب إلى أن معتق نصف الأمة لا يضمن بقيمتها؛ لأنه لم يذكر فى الحديث إلا العبد، وأنكر حذاق أهل الأصول هذا، ورأوا أن الأمة فى معنى العبد، وأن هذا لا يلتبس على أحد سمع هذا اللفظ، وقالوا: إذا كان الفرع فى معنى الأصل قطعًا صار كالمنصوص عليه. قال القاضى: وقوله: " وإلا فقد عتق منه ما عتق ": ظاهره أنه من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك رواه مالك وعبيد الله العمرى، ووصلاه بالحديث من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه أيوب عن نافع، فقال: قال نافع: " وإلا فقد عتق منه ما عتق "، ومرة قال أيوب: لا أدرى أشىء قاله نافع أم هو من الحديث؟ ولهذا قال ابن وضاح: إنه ليس من لفظ الحديث، وما قاله مالك وعبيد الله أولى، وقد جوداه، وهما أثبت فى نافع من أيوب عند أهل هذا الشأن، فكيف وقد شك أيوب - كما تقدم - وقد رواه يحيى بن سعيد عن نافع، وقال فى هذا الموضع: ولهذا جاز ما صنع. فجاء به على المعنى، وهذا كله يرد على من رأى الاستسعاء وإكمال عتقه بكل حال؛ إذ قوله: " فقد عتق فيه ما عتق " إيجاب لما عتق منه، ونفى لما عداه.

(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

(2) باب إنما الولاء لمن أعتق 5 - (1504) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَاْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَن عَائِشَةَ؛ أَنَّها أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِى جَارِيَةً تُعْتقُهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ". 6 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُها فِى كِتَابَتهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا. فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِى إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أحَبُّوا أَنْ أَقْضِىَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث بريرة ذكر فيه أن عائشة أرادت أن تشترى جارية تعتقها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءَها لنا، فذكرت ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا يمنعك ذلك، فإن الولاء لمن أعتق "، وفى الرواية الأخرى: أنها كانت مكاتبة، وذكر نحوه، وفيه: " ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست فى كتاب الله " الحديث، قال الإمام أبو عبد الله: حديث بريرَة هذا فيه فقه كثير، والذى يحتاج إلى ذكره هاهنا الكلام فى جواز بيعها ابتداءً. وقد اختلفت أقوال العلماء فى بيع المكاتب على الجملة، فأجازه بعضهم ومنعه بعضهم، والجواز على أنه يتأدى منه المشترى لا على أنه تبطل كتابته؛ لأن هذا لم نعلم من يذهب إليه، وكذلك - أيضاً - أجاز مالك بيع كتابته خاصة ويؤدى للمشترى، فإن عجز رق له، منع من ذلك ابن أبى سلمة وربيعة، وهو مذهب أبى حنيفة والشافعى ورأوا ذلك غرراً وجهلاً بالمشترى؛ لأنه لا يدرى ما يحصل له، هل نجوم أم رقبة؟ وأجاز بعض أهل العلم بيع المكاتب للعتق لا للاستخدام، وإن رضى بالبيع وقد عجز عن الأداء لفقره وضعفه عن التكسب جاز بيعه، وإن كان ظاهر المال ففى رضاه بالعجز [قولان، فمن مكنه منه أجاز بيعه إذا رضى بالعجز والبيع، ومن منعه من ذلك لم يجز بيعه، والقولان فى المذهب عندنا، وكذلك إن لم يكن له مال ظاهر، ولكنه قادر على التكسب، وتحصيل النجوم التى تعتق بها فى رضاه بالعجز] (¬1) اختلاف فى المذاهب. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

وَلاؤُكٍ لِى، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرة لأَهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى بيع العبد القن بشرط العتق من مشتريه اختلاف بين الناس، أجازه مالك والشافعى، ومنعه أبو حنيفة، ولكنه قال: إن وقع البيع مضى بالثمن، وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، فقالا: يمضى بالقيمة. فإذا تقرر هذا كله قلنا بعده: لابد من تطلب تأويل لبيع بريرة وهى مكاتبة عند من منع بيع المكاتب، فيقول من حكينا عنه: إن بيعه جائز للعتق لا للخدمة، إنما جازها هنا لأن عائشة اشترتها للعتق وأنا أجيزه، ومن يجيز بيع كتابة المكاتب يقول: لعلها اشترت كتابتها، ويحتج بقوله هاهنا فى كتاب مسلم: " فإنى أحب أن أقضى عنك كتابتك ". وهذا ظاهره أنها لم تشتر الرقبة، ومن يمنع بيع المكاتب وبيع كتابته يقول: عجزت ورضيت بالبيع؛ فلهذا اشترتها عائشة، وأما شراء العبد القن بشرط الاعتاق فيتعلق بهذا الحديث من يجيزه ويقول: قد اشترتها عائشة بشرط العتق، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابتاعى وأعتقى "، وهذا يصحح ما ذهبت إليه. ومن يمنع بيع العبد القن بشرط العتق قد ينازع فى هذا، ويمنع من كون عائشة مشترية، وقد يحمله على قضاء الكتابة عن بريرة أو على شراء الكتابة خاصة. وإن كان أحد جمع بين هذين المذهبين؛ منع البيع للعتق وجواز بيع الكتابة، هذا وجه من الكلام على هذا الحديث. وأما الوجه الثانى - وهو المشكل فى هذا الحديث -: فما وقع فى طرق ابن هشام هاهنا، وهو قوله عنه - عليه السلام -: " اشتريها وأعتقيها واشترطى لهم الولاء "، فيقال: كيف أمرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا، وفيه عقد بيع على شرط لا يجوز، وفيه تغرير بالبائعين؛ إذ شرطت لهم ما لا يصح وخدعتهم، ولما صعب الانفصال من هذا على بعض الناس أنكر هذا الحديث أصلاً، يحكى ذلك عن يحيى بن أكثم، وقد وقع فى كثير من الروايات سقوط هذه اللفظة، وهذا مما يشجع يحيى على إنكارها. وأما المحصلون من أهل العلم فطلبوا لذلك تأويلاً، واختلفوا فيه، فقال بعضهم: "لهم " هاهنا بمعنى " عليهم "، فيكون معناه: اشترطى عليه الولاء، وعبر عن " عليهم " بلفظ " لهم "، كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} (¬1) بمعنى: عليهم، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (¬2) أى فعليها. وقال آخرون: معنى " اشترطى " هاهنا: أظهرى حكم الولاء. قال أوس بن حجر يذكر رجلاً تَدَلَّى من رأس جبل يحمل إلى بيعه ليقطعها فيتخذ منها قوسًا، واشترط فيها نفسه وهو معهم، وألقى بأسباب له وتوكلاً، ومعناه: جعل نفسه علماً لذاك الأمر. وفيه قيل: أشراط الساعة، بمعنى: علاماتها. ومنه سموا: أصحاب الشرط؛ لأنه كان ¬

_ (¬1) الرعد: 25. (¬2) الإسراء: 7.

عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ لَنَا وَلاؤُكِ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم فى القديم علامات يعرفون بها. ومن الشرط فى كذا، بمعنى: أنه علم عليه. وقال آخرون: إنما المراد بهذا الزجر والتوبيخ؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين لهم أن هذا الشرط، فلما أخذوا يتقاحمون على مخالفته قال لعائشة هذا اللفظ بمعنى: لا تبالى بشرطهم لأنه باطل مردود، وقد سبق بيانى لهم ذلك لا على الإباحة لهم والأمر لها بذلك. وقد ترد لفظة " افعل " وليس المراد اقتضاء الفعل، ولا الإذن فيها، كما قال تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} (¬1)، {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} (¬2). وأما الوجه الثالث: فإنه الكلام على قوله: " الولاء لمن أعتق " ولا خلاف بين العلماء فى معتق عبده عن نفسه أن ولاءه له. واختلفوا إذا أعتقه عن غيره رجل بعينه، أو عن جميع المسلمين، فمذهبنا: أن الولاء للمعتق عنه، كان رجلاً بعينه أو جماعة المسلمين. وقال ابن نافع من أصحاب مالك فى المعتق عن جماعة المسلمين: أن الولاء له دونهم، قال بعض شيوخنا: ويلزمه على ما قال أن يقول بمذهب المخالف: إن الولاء للمعتق وإن أعتق عن رجل بعينه. واحتج من رأى الولاء للمعتق وإذا أعتق عن غيره بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الولاء لمن أعتق "، فعمّ، وحمله مالك على أن المراد به: من أعتق عن نفسه، بدليل أن الوكيل إذا أعتق بإذن موكله على العتق، كان الولاء لمن وكله وإن كان هو المعتق. وقد وقع هاهنا سؤال مشكل وهو: لو قال: أنت حر ولا ولاء لى عليك، وأما ابن القصار فالتزم فى هذا السؤال أن يكون الولاء للمسلمين، ونزّل هذا القول منزلة قول القائل: أنت حر عن المسلمين. وكان بعض شيوخنا يخالفه فى هذا، ورأى أن بقوله: أنت حر، استقر الولاء له، واستئنافه بعد ذلك جملة ثانية هى قوله: ولا ولاء لى عليك، لا يغير حكم الجملة الأولى؛ لأنه إخبار على أن حكم الجملة الأولى المستقرة بالشرع على خلاف ما حكم الله به، فيكون إخباره كذبًا وفتواه باطلاً، والباطل والكذب لا يلتفت إليه، ولا يعول فى مثل هذه الأحكام عليه. وأما الوجه الرابع - من الكلام على هذا الحديث - فقوله: " فخيرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كان زوجها عبدًا ": فلا خلاف بين أهل العلم فى أن الأمة إذا أعتقت تحت عبد أن لها الخيار فى فسخ نكاحه. واختلف الناس فى الحر، هل تخير إذا عتقت تحته؟ فعندنا لا تخير؛ ولأن هذا الحديث قد ذكر فيه هاهنا أن زوجها كان عبدًا، والأصل ثبوت الأنكحة، ولا سبيل إلى إثبات الفسخ عند طريان حوادث إلا بشرع يدل على ذلك، وقد دل هاهنا على العبد، فيبقى الحر على الأصل. وأما المخالف الموجب لها الخيار - وإن كان زوجها ¬

_ (¬1) فصلت: 40. (¬2) الإسراء: 50.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابْتَاعِى فَأَعْتِقِى، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ "، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا بَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرّا - فيتعلق برواية من روى: أن زوجها كان حرًّا، ونحن نرجح مذهبنا عليه بأن نقول: راوى حال هذا الزوج ابن عباس وعائشة، وأما ابن عباس فلم يختلف الرواة عنه أنه قال: كان زوجها عبدًا، وأما عائشة فاختلف الرواة عنها، هل قالت: عبدًا أو حرًّا؟ والذى لا خلاف [فيه] (¬1) عنه أولى أن يتعلق بروايته ممن اختلف عنه. وأما وجه الخلاف من جهة الاعتبار والمعنى، فإن مالكًا رأى أن العلة ما يدركها من معرة لما صارت حرة يكون زوجها عبدًا، وإذا كان زوجها حرًّا فلا معرة عليها ولا وجه لتخييرها. وأما المخالف فيرى أن العلة كونها معقودًا عليها بالجبر أولاً لحق العبودية، وإذا صارت إلى حال من لا يجبر لملكها نفسها كان لها حل العقد، ويتعلق فى ذلك مما قيل فى بعض الطرق: " وملكت نفسِك فاختارى "، وكما قال، فأشار إلى أن العلة ملكة النفس، وهذا يوجب المساواة بين الحر والعبد، وإذا أثبت لها الخيار فإنها إذا أمكنت الزوج من وطئها سقط خيارها، وإن زعمت أنها جاهلة بحكم الخيار، هذا المعروف من المذهب. وقال بعض أصحابنا: فإن هذا بناءً على أنها ادعت، والآيسة من الجهل بالحكم لاشتهار هذا الحكم عند سائر الإماء، ولو كانت ممن يتبين جهلها - كحديثة العهد، كالسبى من السودان وغيرهم - لجرت على القولين فيمن زنى جاهلاً بحكم تحريم الزنى، هل يحد أَوْ لا؟ وقد تعلق بعض أصحابنا بأن فى بعض الأحاديث على الخيار لها بألا توطأ، ولم يعرف من وطئها جاهلة أو عالمة، والصحيح من هذا أنه إن لم يثبت أثر يسقط تخييرها إذا جهلت الحكم أنها باقية على حقها، ولا معنى لتخريجهم الخلاف فى ذلك، ولأن كل من يثبت له حق فلا يسقط إلا بنصه على إسقاطه، وفعل يقوم مقام النص، وتمكين العالمة بالحكم قائم مقام النص منها على إسقاط حقها فيسقط، وإذا كانت جاهلة لم يصدر عنها ما يدل على سقوط حقها، فبقيت على الأصل فى حقها فى ثبوته. وأما الوجه الخامس: فقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط ": فيجب أن يعلم أن الشروط المقارنة للبيع لا تخلو من ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون من مقتضى العقد كالتسليم، وجواز التصرف فى البيع. وهذا لا خلاف فى جواز اشتراطه؛ لأنه يقضى به وإن لم يشترط. والثانى: ألّا يكون من مقتضاه، ولكنه من مصلحته كالحميل والرهن، واشتراط الخيار، فهذا - أيضًا - يجوز اشتراطه لأنه من مصلحته، وأشبه ما كان من مقتضاه، لكنه ¬

_ (¬1) فى هامش الأصل.

أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِى كِتَابِ اللهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِى كِتَابِ اللهِ، فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما يقضى به مع الاشتراط، وإن لم يشترط فلا يقضى به، وبهذا فارق القسم الأول. والثالث: أن تكون خارجة عن ذلك مما لا يجوز اشتراطه فى العقود، وأن يمنع من مقتضى العقد أو يوقع فيه غررًا، أو غير ذلك من الوجوه الممنوعة. فهذا موضع اضطراب العلماء، ومسائل المذهب مضطربة فيه، ولكن المشهور فيه على الجملة فى القول المطلق: أن البيع والشرط جميعًا ينقضان ويبطلان لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحدث فى ديننا ما ليس منه فهو رد " (¬1)؛ لأنه قد وضع من الثمن لأجل الشرط، فصار له حصة من المعاوضة، فيجب بطلان ما قابله من العوض لفساده، والذى ينويه من العوض مجهول، وهذا يؤدى إلى الجهالة مما يقابل ما سواه فى العوض، فوجب فسخ الكل لذلك. وقد قال بعض العلماء بأن الشرط خاصة هو المختص [بالبطلان لأجل حديث بريرة] (¬2). وقد وقع فى المذهب مسائل خرج فيها بعض الشيوخ هذه الطريقة، وجعلها قولاً فى المذهب. ووجه المشهور ما قلناه من الخبر والقياس، وهو مقدم عندهم على هذا الحديث، على أن حديث بريرة لم ينص فيه على صحة البيع، إنما ذكر الشروط خاصة. ففى البيع يؤخذ حكمه من مواضع أخر فى الشريعة. وأما شراء عائشة، فقد ذكرنا وجوهًا من التأويل فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشترطى لهم الولاء "، وإذا ثبتت تأويلات الحديث سقط تعلقهم بظاهره. وأما الوجه السادس: فما ذكره من أكله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما تصدق به عليها. وقد تقدم الكلام عليه فيما سبق. قال القاضى: حديث بريرة كثير السنن والعلم والأدب. ومعنى قول عائشة: " كانت فى بريرة ثلاث سنن "، وفى حديث ابن عباس: " أربع سنن " وزاد: وأمرها أن تبدأ فى أنها سنت وشرعت بسبب قصة، أو عند وقوع قصتها، وحكم بها فى قصتها وما فيها من غير ذلك، مما كان علم قبل ذلك من غير خبرها وقصتها، ولكن معها الحجج لسنن كثيرة وآداب من الشرع عديدة. وقد كثر كلام الناس فيه وجمع أبو جعفر الطبرى فيه ستة أجزاء فى كتابه، ولأبى بكر بن خزيمة - أيضاً - عليه تأليف ¬

_ (¬1) البخارى، ك الصلح، ب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2697)، مسلم، ك الأقضية، ب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (17). (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

7 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيْرة إِلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ كبير، ولغيرهما وبلغة بعضهم نحو مائة فائدة، وسنذكر من فوائده مما لم يتقدم ذكره قبل، ومما هو ظاهر لمستفيده إن شاء الله. فى ذلك: جواز كتابة الأنثى وذات الزوج من الإماء، ودخولهن فى الخطاب العام والخبر الشامل من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُم} (¬1)، وأن الزوج لا يدخل فى كتابتها، وأنه لا حق للزوج فى منعها من الكتابة، وإن آل ذلك إلى فراقها باختيارها إن كان عبدًا على قول الجمهور، أو كيف كان على قول الآخر، وأنه ليس له منعها من السعى. وقد يستدل به [على] (¬2) أنه لا حق له فى خدمتها؛ إذ لو كان ذلك لكان له منعها منه. وجواز المكاتبة وإن لم يكن للعبد مال. وجواز كتابة الأمة غير ذات الصنعة ومن لا حرفة له من العبيد إن لم يستعملهم النبى عن شق من ذلك، ولو كان مشترطًا لسأل عنه وبينه. وهذا كله مذهب مالك والثورى والشافعى وجماعة من العلماء وغيرهم. واختلف عن مالك فى كتابة من لا حرفة له، وكرهها الأوزاعى وأحمد وإسحاق، وروى مثله عن ابن عمر، خلافاً لمن قال من السلف: إن المراد به فى الآية المال، وهو عند أكثرهم الدين والأمانة، والقدرة على الكسب عند جميعهم، وبين أن المكاتب غير عتيق، وأنه عبد ما بقى عليه درهم، وهو قول عامة العلماء وفقهاء الأمصار عن بعض السلف، وأنه حر بنفس الكتابة، وهو عديم بالكتابة ولا يرجع إلى الوراء، وحكى مرصد عن امرأته فى عتق منه، وروى عن على بن أبى طالب، وحكى عن بعضهم أنه إذا أدى الشطر من كتابته فهو جائز ويتبع بالباقى. وعن عمر بن الخطاب وابن مسعود وشريح مثل هذا إذا أدى الثلث، وعن عطاء مثله إذا أدى الثلاثة الأرباع، وقال: إذا أدى قيمته فهو حر عديم بالكتابة، وروى عن شريح وعن ابن مسعود إذا أدى قيمته، وأن الكتابة على النجوم جائزة لقولها: " أوقية فى كل سنة "، ولا خلاف فيه، ويجوز عند عامتهم على نجم واحد، ولكن شأنها عند مالك بالتنجيم؛ لأنه إذا لم يسم أجلاً ولا نقدًا نجمت عنده بقدر السعاية وقوته وإن كره السيد، ومنعها الشافعى جملة وقال: ليست بكتابة. وفى قوله: " الله أحق، وشرط الله أوثق ": جواز السجع غير التكلف. وإنما نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سجع الكهان وما أشبهه مما فيه من تكلف وبأقسام على مطوى الغيب. قال ¬

_ (¬1) النور: 33. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

فَقَالَتْ: يَا عَائِشَةُ، إِنِّى كَاتَبْتُ أَهْلِى عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِى كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ. بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ. وَزَادَ: فَقَالَ: " لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ مِنْهَا، ابْتَاعِى وَأَعْتِقِىِ ". وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى النَّاسِ فَحَمِدَ اللهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ ". 8 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَىَّ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إِنَّ أَهْلِى كَاتَبُونِى عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِى تِسْعِ سِنِينَ، فِى كُلِّ سَنَةٍ أُوقيَّةٌ، فَأَعِينِينِى. فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً، وَأُعْتِقَكِ، وَيَكُونَ اَلْوَلاَءُ لِى، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لأَهْلِهَا، فَأَبُوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ. فَأَتَتْنِى فَذَكَرَتْ ذَلِكَ. قَالَتْ: فَانْتَهَرْتُهَا. فَقَالَتْ: لاَهَا اللهِ إِذًا. قَالَتْ: فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَنِى فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: " اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، وَاشْتَرِطِى لَهُمُ الْوَلاَءَ، فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ "، فَفَعَلتُ. قَالَتْ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِى كِتَابِ اللهِ؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ فُلانًا وَالْوَلاَءُ لِى، إِنَّمَا الْوَلاَء لِمَنْ أَعْتَقَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الداودى: وشرط الله هنا أراد - والله أعلم - قوله تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (¬1)، وقوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْه} (¬2)، وقال فى موضع آخر: هو قوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِل} (¬3)، وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه} الآية (¬4). قال القاضى: وعندى أن الأظهر هو ما أعلم به أنه - عليه السلام - من قوله: " إنما الولاء لمن أعتق "، و " مولى القوم منهم "، و " الولاء لحمة كالنسب "، قال: وقوله فى بعض الروايات: " كتاب الله أحق " يحتمل أن يريد حكمه، ويحتمل أن يريد القرآن، ¬

_ (¬1) الأحزاب: 5، والتوبة: 11. (¬2) الأحزاب: 37. (¬3) البقرة: 188. (¬4) الحشر: 7.

9 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ، غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ: قَالَ: وَكَان زَوْجُهَا عَبْدًا، فَخَيَّرَهَا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حُرّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمْ: " أَمَّا بَعْدُ ". 10 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ فى بَرِيرَةَ ثَلاَثُ قَضِيَّاتٍ: أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للِنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ". قَالَتْ: وَعَتَقَتْ، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. قَالَتْ: وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا وَتُهْدِى لَنَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَكُمْ هَدِيَّةٌ، فَكُلُوهُ ". 11 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ منْ أُنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَاشْتَرَطُوا الْوَلاَءَ. فَقَالَ رَسُوَلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْوَلاءُ لِمَنْ وَلِىَ النِّعْمَةَ "، وَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَأَهْدَتْ لِعَائِشَةَ لَحْمًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ صَنَعْتُمْ لَنَا مِنْ هَذَا اللَّحْمِ؟ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: تُصَدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَالَ: " هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ ". 12 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِىَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، فَاشْتَرَطُوا وَلاَءَهَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " اشْتَرِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ويرجع إلى ما تقدم من قوله: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (¬1) والآيتين الأخرتين. وفيه جواز إعطاء الصدقات لموالى قريش وإن كانت هذه الصدقة تطوعًا، فقد يحتج به من يرى صدقة التطوع جائزة لمواليهم أو لجميعهم، وإن قلنا لهذا زكاة واجبة، فيحتج به ¬

_ (¬1) الأحزاب: 5.

وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ". وَأُهْدِىَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمٌ، فَقَالُوا لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَالَ: " هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ ". وَخُيِّرَتْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا. قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ زَوْجِهَا فَقَالَ: لَا أَدْرِى. (...) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 13 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِىُّ وَأَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا. 14 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِى بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: خُيِّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ، وَأُهْدِىَ لَهَا لَحْمٌ فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِىَ بِخُبْزٍ وَأُدُمٍ مِنْ أُدُمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: " أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟ " فَقَالَوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ. فَقَالَ: " هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ ". وقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا: " إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من لا يرى تحريم ذلك على الموالى منهم، أو يرى اختصاص تحريم الصدقة لبنى هاشم وبنى عبد المطلب لقول عائشة: أهدته لنا بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة، ولم يقل لها النبى: وأنت لا تأكليها، وإنما يحتمل أنها هدية للجميع. وفيه جواز الأكل مما أهدى للفقير والتصدق به عليه. وقوله: " ألم أر برمة على النار فيها لحم؟ " فيه سؤال الرجل عما يراه فى بيته، وليس هذا من الذم وغير مكارم الأخلاق الذى جاء فى حديث أم زرع. وقوله: ولا يسأل عما عهد لأن هذا إنما هو بحث عما عهده فى بيته. والسؤال أين ذهب وما صنع به؟ وأما شىء يجده فيقول وما هو هنا فليس منه، مع أى سؤاله - عليه السلام - لهم هنا ليبين لهم ما

15 - (1505) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جهلوه؛ لأنه - عليه السلام - علم أنهم كانوا لا يبخلون عليه بما يعتقدون جوازه له، وأنهم إنما قدموا له أدم البيت، وتركوا اللحم الذى هو سيد الأدم لأمر اعتقدوه فيه، فيسألهم ليعرف ما اعتقدوه، ويبين لهم ما جهلوه كما كان. وفيه من حسن الأدب والعشرة، قوله - عليه السلام -: " ما بال رجال "، ولم يواجههم بالخطاب، ولا حرج بأسمائهم. وفيه جواز الصدقة على العبد؛ لاستسعائها عائشة، ولم ينكر ذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك فى التطوع، وكذلك معونة المكاتب من التطوع. واختلف فى معونته من الفرض. وفيه جواز بيع المرأة وشرائها بغير إذن زوجها. وجواز عتقها لعبدها وأمتها، ما لم ترد على تلف مالها وبرده زوجًا. وفيه دليل على أن بيع الأمة المزوجة ليس بطلاق وكذلك عتقها، خلافًا لابن المسيب الذى يرى بيعها طلاقًا. وفيه جواز اكتساب المكاتب بالسؤال كما فعلت بريرة. وفيه أن البيان بالفعل أقوى منه بالقول؛ ولهذا أمر - عليه السلام - عائشة باشتراط الولاء لهم؛ ليبين لهم ذلك القول والتوبيخ على رأى بعضهم، كما قال - عليه السلام -: " إنى لأنسى - أو أنسى - لأسن " (¬1)، لاسيما على رأى من رأى أنه نسى عمدًا ليبين صورة السهو، وهذا الوجه أظهر التأويلات فى الحديث وهو لفظه، وقد جاء من رواية أيمن عن عائشة: "اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا "، فاشترتها وأعتقتها، وشرط أهلها الولاء. قال محمد بن داود الأصبهانى: أما قول النبى لها: " اشترطى لهم الولاء " إنما معناه: أن ذلك بعد علمهم، والنبى عنى غيرها بذلك، ولا نافع لهم، ولم يأمرها - عليه السلام - باشتراطه، ثم يبطل الشرط ويصحح البيع وهم غير عالمين ببطلانه، وإنما كان هذا منه تهديدًا لمن رغب عن حكمه وخالف أمره. وإليه مال الأصيلى وأبى أنه على ظاهره، وأنه أمرها بذلك ليقع البيع ويصح، ويبطل الشرط ويصح، ويكون ما قابل الشرط من الثمن، وحط له عقوبة فى المال لما خالفوا أمره، كما منع القاتل من الميراث عقوبة له. وقال الطحاوى: رواية الشافعى عن مالك فى هذا الحديث: " اشترطى لهم الولاء " بغير تاء، أى أظهرى لهم حكمه. وعلمهم سنته - كما تقدم - وليس من ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك السهو، ب العمل فى السهو 1/ 100 (2). قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة فى الموطأ التى لا توجد فى غيره مسندة ولا مرسلة، ومعناه صحيح فى الأصول.

ابْنِ بِلَالٍ، حَدَّثَنِى سُهَيْلُ بْنُ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاشتراط، وما تقدم أظهر لفظاً ومعنىً. وفيه جواز نكاح العبد الحرة إذا رضيت بذلك لتخييرها. قال بعضهم: وفيه دليل على تعجيز المكاتب نفسه بغير أمر السلطان. وقد اختلف قول مالك فى ذلك، ودليل على رضاه بالعجز على الجملة، إذ لم يأت فى الحديث ذكر عجزها ولا استبهم النبى ذلك من حالها. وقد اختلف أئمتنا فى رضاه تعجيز نفسه وإن كان له مال. وقال ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد: إذا رضى بالبيع فهو عجز وجاز بيعه. وقال مالك: لا يجوز ذلك لعجزه عن الأداء، وألا يكون له مال. وقد تأول بعضهم عجز بريرة ولذلك استعانت بعائشة. وفيه مما لم يذكره مسلم: أن المخيرة إذا مكنت زوجها من الاستمتاع بها انقطع خيارها؛ لقوله: " وإن قربك فلا يخار لك "، ذكره أبو داود. وفيه جواز الشفاعة من الحاكم للمحكوم عليه، وللزوج فى رد المطلقة إذا امتنعت، وأنه لا حرج على الزوج فيما يبديه من حبها؛ إذ لم يزجره النبى عن ذلك، وأنه لا حرج على المرأة فى الامتناع إذا كرهته وإن أضر حبها بالزوج؛ لقوله: فرأيته يطوف خائفًا يبكى. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أرجعتيه "، وقولها للنبى: تأمرنى؟ فقال: " إنما أنا شفيع " خرجه النسائى (¬1). وفيه أن الشفاعة، وطلب الحاجة لا يكون فيما يضر ويشق إلا على وجه الإلزام، بل بالرغبة والتعرض، وفيه جواز خدمة المعتق، وفيه جواز قبول الهدية من الفقير وممن أنعم الرجل عليه العتق بقوله: " وهو لنا هدية "، وفيه إدخال الرجل فى مال من يعلم أنه يسر بإدخاله فيه وطلبه، وأكله له بغير إذنه؛ إذ ليس فى الحديث أن بريرة كانت قد أهدته إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أهدته إلى عائشة سأل، فقالوا: لحم تصدق به على بريرة، فقال: " هو لها صدقة ولنا هدية ". قال الإمام: ذكر فى حديث بريرة: " لاها الله لا أفعل ذلك ": فيه لغتان: أحدهما: إثبات الألف، والأخرى: منعها هنا لسكونها وسكون اللام فى القاسم، فيصير اللفظ: هلا الله، بمعنى: والله. قال القاضى: قد جاء فى المعلم، واللفظ الذى فى مسلم فقالت: " لاها الله إذا "، قالت: فسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألنى. وفى اللفظ الأول إشكال؛ إذ يدل أنها هى قالت: إن القائل بريرة وغير عائشة، وإنما هو من قول عائشة فأخبرت عن نفسها بقولها اشترتها، ثم قال المخبر عنها: فقالت: لاها الله؛ ولذلك قال بعضهم: صوابه: ¬

_ (¬1) ك آداب القضاء، ب شفاعة الحاكم الخصوم قبل فصل الحكم (5417).

تَشْتَرِى جَارِيَةً تُعْتِقُهَا، فَأَبَى أَهْلُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلاَءُ، فَذَكَرَتْ ذَلَكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالله، لكن قد وجهنا تصويب قولها: وقالت: مع أنه المذكور فى جميع النسخ. وأما قولها: " لاها الله إذًا " فهكذا يقول هذا اللفظ المحدثون بمد هاء، وإذا به يصير صوابه: " لاها الله " زائدًا. قال إسماعيل القاضى: وحكاه عن المازنى وغيره من أهل اللسان بالقصر وحذف الألف قبل الذال وغيره خطأ. قال: ومعناه: ذا يمينى. وعلى هذا وقع غيره فى الأم من رواية العذرى والهوزنى، وصوب أبو زيد وغيره بالقصر والمد، قال: و " ذا " صلة فى الكلام، وليس فى كلامهم: أى الله إذ أوى. وفى التاريخ: قال أبو حاتم: يقال: لاهاء الله، فى القسم. والعرب تقوله بالهمزة. والقياس تركه، والمعنى: لا والله أقسم به، فأدخل اسم الله بين ها وذا. وقوله: " إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل " (¬1): معناه: تفعل ذلك احتسابًا لله، وطلب الأجر لا طلب الولاء. وقوله فى الحديث: " أعدها لهم وأعتقها " ومثله من اللفظ يدل أنه إنما اشترى الرقبة لا الكتابة. قال بعضهم: وظاهره بأنها إنما أرادت أن تشترى منهم الولاء وتولى جميع الكتابه لهم. وفى قوله: " أعدها " قيل: فيه جواز المعاملة بالدنانير والدراهم عمدًا، إذا كانت معروفة العدد والضرب، وهذا مما لاخلاف فيه؛ لكونها استرسال من هذا الحديث فيه بضروب؛ إذ العادة أن العد هنا على الأواقى. ¬

_ (¬1) حديث رقم (6) بالباب.

(3) باب النهى عن بيع الولاء وهبته

(3) باب النهى عن بيع الولاء وهبته 16 - (1506) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ. قَالَ مُسْلِمٌ: النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالٌ، عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، فِى هَذَا الْحَدِيثِ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةَ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " نهى عن بيع الولاء وهبته " تقدم فى الباب، وتقدم الكلام على قوله: " إنما الولاء لمن أعتق "، وعامة العلماء والسلف، وفقهاء الأمصار على أن الولاء لا يباع ولا يوهب ولا ينتقل، وهو كلحمة النسب، لا ينقل عمن ثبت له، كما لا ينقل النسب وأجاز بعض السلف من الصحابة نقله، ورأى بعضهم أن الحديث لم يبلغهم. وفيه دليل على أن لا ولاء لمن أعتق على يديه وكملتقط اللقيط وهو قول مالك، والشافعى والثورى، والأوزاعى، وأحمد، وداود، وميراث هؤلاء إذا لم يكن لهم وارث لجماعة المسلمين، خلافًا لأبى حنيفة وأصحابه أن من أسلم على يديه رجل فولاؤه له، وهو قول الليث وربيعة، وقال يحيى بن سعيد مثله لا فيمن كان (¬1) من أهل الذمة، وخلافًا لإسحاق فى قوله: " ولا اللقيط لملتقطه "، وخلافًا لأبى حنيفة - أيضًا - فى أنَّ لكلِّ أحدٍ أن يوالى من شاء فيوارثه، وحجتهما قوله: " الولاء لمن أعتق ". وهى صيغةٌ جلية (¬2) عند معظم أهل الأصول فى الخصر بالحكم لمن ذكر ونفيه عمن عداه، ويعبر عنها بعضهم بتحقيق المتصل وتمحيص المنفصل. واختلف العلماء فى ولاء من أعتق سباية، فقيل: هو لجماعة المسلمين، وكأنه أعتق، وهذا قول مالك وجماعة من أصحابه وكثير من السلف، وقيل: بل ولاؤه لمعتقه، وهو قول: الحسن، والشعبى، وغيره من التابعين، وبه قال الشافعى وابن الماجشون، وابن نافع من أصحابنا. وقال جماعة من السلف: إنه يوالى من شاء، فإن مات قبل ذلك ¬

_ (¬1) فى الأصل: جاء، والمثبت من س. (¬2) فى س: جليلة.

ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وحَدثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكَ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ - كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ الثَّقَفِىَّ لَيْسَ فِى حَدِيثِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، إِلا الْبَيْعُ، وَلَمْ يَذْكُرِ: الْهِبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فولاؤه للمسلمين، وقيل: يشترى بتركته رقاب تعتق. واختلف فى ولاء المكاتب، والعبد يشترى نفسه من سيده فقيل: ولاؤه لسيده، وهو قول مالك، وأكثر العلماء. وقيل: لا ولاء عليه.

(4) باب تحريم تولى العتيق غير مواليه

(4) باب تحريم تولى العتيق غير مواليه 17 - (1507) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَتَبَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ، ثُمَّ كَتَبَ: " أَنَّهُ لَا يَحِل لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَوَالَى مَوْلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ "، ثُمَّ أُخْبِرْتُ: أَنَّهُ لَعَنَ فِى صَحِيفَتِهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. 18 - (1508) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىِّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ ". 19 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ الْجُعْفِىُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ ". (...) وَحَدّثَنِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَمَنْ وَالَى غَيْرَ مَوَالِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ". 20 - (1370) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَأُهُ إِلَّا كِتَابَ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَة - قَالَ: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِى قِرَابِ سَيْفِهِ - فَقَدْ كَذَبَ، فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ، وَأَشْيَاءٌ مِنَ الْجِرَاحَاتِ. وَفِيهَا: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمَدِينَةُ حَرَمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكتب - عليه السلام - على كل بطن عقوله ": أى دياته، ونهيه عن تولى الرجل قومًا بغير إذن مواليه، ولعنه فاعله، وقد ذهب قوم أن المولى الأعلى إذا أذن للأسفل فى موالاة غيره جاز؛ لظاهر الحديث.

مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرِ، فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلاً، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحدَةٌ يَسْعىَ بِهَا أَدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادَّعَى إِلىَ غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " المدينة حرام ما بين عَيْر إلى ثَوْر (¬1)، فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا " وقوله: " لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً ": تقدم الكلام على هذه القضية فى صدر الكتاب وفى كتاب الحج (¬2). قال الإمام: خرج مسلم فى باب الولاء حديثًا عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، عن النبى - عليه السلام - ثم قال بعده: وحدثنيه إبراهيم بن دينار، نا عبيد الله ابن موسى، قال: نا شيبان - يعنى النحوى أبا معاوية، وفى نسخة ابن ماهان: حدثنا إبراهيم، نا عبيد الله، قال: نا سفيان، عن الأعمش، [جعل " سفيان " بدل "شيبان "، والصواب: شيبان، ومثله فى المناقب: حدثنا القاسم بن زكريا، قال: نا عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش] (¬3)، عن مالك بن الحارث، عن ¬

_ (¬1) قال ياقوت: ذكر لى بعض أهل الحجار أن بالمدينة جبلين يقال لأحدهما: عير الوارد، والآخر: عير الصادر، وهما متقاربان، ثم قال: فى هذا الحديث " عير إلى ثور "، وهذه رواية لا معنى لها لأن هذا بإجماعهم غير محرم - يعنى أن ثورًا جبل بمكة معروف - قال: وقال بعض أهل الحديث: إنما الرواية الصحيحة أنه - عليه السلام - حرم ما بين عير أحد، وهما بالمدينة، والعير وادٍ فى قوله: ووادٍ كجوف العير قفرٍ هبطته راجع معجم البلدان. قال أبو عبيد فى الحديث: وهذا حديث أهل العراق، وأهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلاً يقال له: ثور، وإنما ثور بمكة، فيرى أن الحديث إنما أصله: " ما بين عير إلى أحد ". قال: سألت عن هذا أهل المدينة فلم يعرفوه ... وأما عير فبالمدينة معروف وقد رأيته. انظر غريب الحديث لأبى عبيد 1/ 315، 316. وفى النهاية: هما جبلان، أما عير فجبل معروف بالمدينة، وأما ثور فالمعروف أنه بمكة، وفيه الغار الذى بات به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هاجر، قال: وفى رواية قليلة: " ما بين عير وأحد " وأحد بالمدينة، فيكون ثور غلطاً من الراوى وإن كان هو الأشهر والأكثر. وقيل: إن عيرًا جبل بمكة، ويكون المراد: أنه حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور من مكة، أو حرم المدينة تحريمًا مثل تحريم ما بين عير وثور من مكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف. النهاية. وفى الدر المنثور: أن ثورًا جبل بالمدينة سوى الذى بمكة، وهو صغير إلى الحمرة بتدوير خلف أحد من جهة الشمال. قلت: ولا وجود له ظاهر فيما رأيت بالمدينة. (¬2) ولم يتعرض لتحديد مكان الجبلين هناك. راجع ك الحج، ب فضل المدينة ودعاء النبى لها بالبركة. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من س، ع.

وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلاً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى الأحوص - الحديث فى مناقب عبد الله بن مسعود (¬1)، وليس عندهم فى هذا الموضع خلاف. ¬

_ (¬1) سيأتى فى ك فضائل الصحابة، ب عن فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضى الله تعالى عنهما (113).

(5) باب فضل العتق

(5) باب فضل العتق 21 - (1509) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ سَعِيدٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى هِنْدٍ - حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ إِرْبٍ مِنْهَا إِرْبًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ ". 22 - (...) وحدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ أَبِى غَسَّانَ المُدَنِى، عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةٍ، أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِه. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله بكل إرب منها إربًا منه من النار "، قال القاضى: الإرب بكسر الهمزة: العضو، ألا تراه كيف قال: " حتى فرجه بفرجه ". فيه فضل العتق، وأنه من أرفع الأعمال، ومما يوجب الجنة، وينجى من النار، ويكفر الخطايا الموجب عليها العقاب بالنار، وفيه حجة لمن استحب ألا يكون العبد خَصياً، أو ناقص عضو ليكمل عتق أعضاء معتقه. وظاهر قوله: " من أعتق رقبة "، وقوله: " أيما امرئ [مسلم] (¬1) أعتق امرأ مسلمًا " [فإنه فى كل معتق، لكن أبا داود، والترمذى والنسائى. ذكروا حديثًا عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما رجل أعتق رجلاً مسلمًا] (¬2) " بمعناه، " وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة " بمعناه، " وأيما رجل أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزى كل عضو منها عظمًا فى عظامه " وصححه الترمذى (¬3)، وعلى هذا اختلف العلماء، أيهما أفضل عتق الذكور، أو الإناث؟ فعلى هذا الحديث قد نص على فضل عتق الذكور وجعله كفاء أنثيين. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) سقط من الأصل واستدركت بالهامش بسهم. (¬3) أبو داود، ك العتق، ب أى الرقاب أفضل؟ (3967)، الترمذى، ك النذور والأيمان، ب ما جاء فى فضل من أعتق (1547)، النسائى فى الكبرى، ك العتق، ب فضل العتق (4881/ 8)، ابن ماجه، ك العتق، ب العتق (2522).

23 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِىِّ ابْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدٍ بنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ، عُضْوًا مِنَ النَّارِ. حَتَّى يُعْتِقَ فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ ". 24 - (...) وحدّثنى حُمْيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ - وَهُوْ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِىُّ - حَدَّثَنَا واقِد - يَعْنِى أَخَاهُ - حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ - صَاحِبُ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّما امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرأ مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ، عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ ". قَالَ: فَانطَلَقْتُ حِينَ سَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، فَذَكَرْتُهُ لِعَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَأَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ ابْنُ جَعْفَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن جهة المعنى ما فى الذكر من المعانى العامة المنفعة التى لا توجد فى الإناث من الشهادة، والحكم، والجهاد، وغير ذلك مما يختص بالرجال، إما شرعًا، وإما عادةً، ولأن الغالب أن الطاعة فيهم أوجد، ولأن الرق فى الرجال الكبار أكثر من الجوارى. [ومن الجوارى] (¬1) من لا يرغب فى العتق وتضيع مع العتق وحجة الآخر من جهة المعنى سراية (¬2) الحرية فيمن تلده الأنثى وتنقيله، كيف كان زوجها من حرية أو عبودية. وقوله: " مؤمنة ": يدل أن هذا الفضل ليس إلا لعتق المؤمنين دون غيرهم، ولا خلاف فى جواز عتق المؤمنين والفضل فيه، لكن الفضل التام، فى عتق المؤمنين. وقد روى لمالك أن الأعلى ثمناً أفضل، وإن كان كافرًا (¬3)، وخالفه فيهم غير واحد من أصحابه، وغيرهم وهو أصح. ¬

_ (¬1) فى هامش س. (¬2) قيدها الأبى: رؤية، وهو وَهْم. (¬3) والحجة له فيه حديث أبى داود: سئل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أى الرقاب أفضل؟ فقال: " أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا ".

(6) باب فضل عتق الوالد

(6) باب فضل عتق الوالد 25 - (1510) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَجْزِى وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ: " وَلَدٌ وَالِدَهُ ". (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يجزى ولد والدًا، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه " وفى بعض طرقه: " ولد والده "، قال الإمام: اختلف الناس فى عتق الأقارب إذا ملكوا (¬1)، فأنكره جملةً بعض أهل الظاهر، وتعلقوا بهذا الحديث، وأثبته جمهور الأمة واختلفوا فيمن يثبت ذلك فيه، فعندنا فى المذهب ثلاثة أقوال: المشهور منها عن مالك: أن العتق يختص بعمودى النسب. والإخوة، ويدخل فى قولنا: " عمودى النسب " الآباء والأجداد، والأمهات والجدات وإن علوا، والولد وولد الولد وإن سفلوا. والقول الثانى: إثبات العتق فى عمودى النسب خاصة دون الإخوة، ذكره ابن خويزمنداد. والقول الثالث: عتق ذوى الأرحام المحرمة، ذكره ابن القصار وبما حكاه ابن خويزمنداد قال الشافعى، وبما حكاه ابن القصار قال أبو حنيفة (¬2). فأما تعلق من أنكر العتق أصلاً بقوله: " إلا أن يشتريه فيعتق " وتقديره أنه لما أضاف العتق إلى الولد اقتضى أن يكون باختياره، وذلك ينفى عتقه [عليه] (¬3) جبرًا (¬4)، فإن هذا لا حجة لهم فيه ومحمله عندنا على أن يعتق باشترائه، فأضاف العتق إليه لما كان عن أمر يكتسبه ويفعله وهو الشراء. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة الكبرى 3/ 198 - 200، وقد نقل سحنون عن ابن نافع، عن ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن السبعة؛ أنهم كانوا يقولون: إذا ملك الولد الوالد عتق الوالد، والعكس صحيح، وما سوى ذلك من القرابات فاختلف فيه الناس، وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن إسحاق، مع مشيخة من نظرائهم أهل فقه وفضل. (¬2) واستحسن اللخمى مذهب أبى حنيفة للحديث المذكور، ويدخل فى " ولد الولد " ولد البنت، بخلاف الوصية والتحبيس على الأولاد، فإنه لا يدخل ولد البنت. (¬3) ساقطة من ع. (¬4) هكذا فى ع، وفى نسخ الإكمال: إجبارًا.

ح وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالُوا: " وَلَا وَالِدَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد خرج الترمذى، والنسائى، وأبو داود، عن سمرة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ملك ذا رحم محرم فهو حر " (¬1) وعند الترمذى: " ذات محرم "، وهذا يمنع من التعلق بالحديث الذى ذكروه، ولو كان الأظهر فى معناه ما قدروه؛ لأن النصوص أولى من الظواهر؛ ولهذا الحديث حملنا قوله: " فيعتقه " على ما قلناه من التأويل، وهو الحجة للقول الذى حكاه ابن القصار، وقد تعلق أصحابنا بقوله تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (¬2) ورد بهذا إضافة الكفرة الولد إليه سبحانه وتعالى، فدل على منافاة البنوة للعبودية. وتعلقوا فى الأخوة بقوله: {لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} (¬3)، فلما استحال ملك نفسه استحال ملك أخيه. وتعلقهم بهذه الآية فى الأخوة ضعيف، ولهذه الآى وقع الاختصار فى المذهب المشهور على عتق عمودى النسب والأخوة لا أكثر، وكان الحديث لم يثبت عنده، ولأجل ضعف التعلق بقوله: لا أملك إلا نفسى وأخى نفى عتق الأخوة وأثبت عتق البنوة لقوة (¬4) الظاهر الوارد به فى القرآن، وأثبت عتق الأبوة لقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (¬5)، وبقوله تعالى: {فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} (¬6)، وليس من الإحسان إليها استرقاقهما. فهذه وجوه الأقوال الثلاثة المذكورة فى المذهب التى قال بجميعهما فقهاء الأمصار الثلاثة. وقد اختلف المذهب عندنا، هل يفتقر عتق الأقارب إلى حكم أم لا؟ فقيل: لا يفتقر إلى حكم لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ملك ذا رحم محرم فهو حر "، وظاهر هذا الاقتصار على مجرد الملك دون الحكم، وقيل: بل يفتقر ذلك إلى حكم لأجل اضطراب العلماء فى هذه المسألة، واختلاف المذهب فيها، فيكون حكم الحاكم رافعًا للخلاف (¬7). ¬

_ (¬1) أبو داود، ك العتق، ب فيمن ملك ذا رحم محرم (3949)، الترمذى، ك الأحكام، ب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم (1365)، النسائى فى الكبرى، ك العتق، ب من ملك ذا رحم محرم (4898/ 1). (¬2) مريم: 93. (¬3) المائدة: 25. (¬4) فى ع: لقوله، وهو وَهْم. (¬5) البقرة: 83، والنساء: 36، والإسراء: 23. (¬6) الإسراء: 23. (¬7) جاء فى س عقبها: " تم الجزء الخامس عشر من أصل المؤلف المنتتج منه ".

21 - كتاب البيوع

بسم الله الرحمن الرحيم 21 - كتاب البيوع (1) باب إبطال الملامسة والمنابذة 1 - (1511) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ أَبِى عُمَر قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب البيوع [قال القاضى] (¬1): بدأ مسلم فيه بحديث مالك عن محمد بن يحيى بن حبان فى النهى عن الملامسة والمنابذة. ووقع عند رواة عبد الغافر الفارسى من الطريقين اللتين انتهت إلينا روايته عنهما، عن أبى عبد الله الطبرى، وأبى الفتح السمرقندى عن مالك، عن نافع، عن محمد بن يحيى بن حبان عنه بزيادة نافع، فيه خطأ محض، والحديث فى الموطأ وغيره معروف (¬2). وقول الراوى: " نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيعتين: عن الملامسة والمنابذة " وفسره فى الحديث بما أغنى عن إعادته، لكن فى قوله: " ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض " أى من غير تأمل واختيار يرضيان به بسلعتهما قبل العقد، وقد يكون معنى " تراض " أى أن يكون ذلك على الرضا والخيار عند زوال الظلام، وبنشر الثوب على الإلزام بما فعلاه من نبذ، ولمس، ولو فعلا هذا على أنه ينظر إليها بعد ويتأملها، فإن رضى أمسك [و] (¬3) كان جائزًا (¬4)، ولم يكن بيعًا منهيًا عنه. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) الموطأ، ك البيوع، ب الملامسة والمنابذة 2/ 666، البخارى، ك البيوع، ب بيع المنابذة (2146)، الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى الملامسة والمنابذة (1310) وقال: حديث حسن صحيح، النسائى، ك البيوع، ب الملامسة (459)، ابن ماجه، ك التجارات، ب ما جاء فى النهى عن المنابذة والملامسة (2169). (¬3) يقتضيها السياق. (¬4) وهو المسمى بالبيع على خيار الرؤية. الأبى 4/ 175.

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَن حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْلِ ابْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 2 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مَينَاءَ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: الأحاديث الواقعة فى البيوع هاهنا كثيرة، ونحن نقدم فصلاً حسناً يشتمل على عقد جيِّد، ونطلع منه على أسرار فى الشرع. واعلم أن العرب لبلاغتها وحكمتها، وحرصها على تأدية المعانى إلى الأفهام بأدنى ضروب الكلام، تخصُّ كل معنىً بعبارة وإن كان مشاركًا للآخر فى أكثر وجوهه، فلما كانت الأملاك تنتقل عن أيدى مالكها بعوض وبغير عوض سموا المتنقل بعوض بيعًا. فحقيقة البيع نقل الملك بعوض (¬1)، ولكن المعاوضة إن كانت على الرقاب خصوها بتسمية البيع، وإن كانت على المنافع خصوها بتسمية الإجارة، إلا أن تكون المنافع منافع الفروج، فخصُّوها - أيضاً - بتسميتها نكاحًا. وإذا علمت حقيقة البيع ومعانى هذه التسميات فاعلم أن البيع يفتقر إلى أربعة أركان: أحدها (¬2): متعاقدان، ومن فى معناهما، وقولنا: " من فى معناهما " احتراز من أب عقد على ولديه أو وصى [عقد] (¬3) على يتيمة. والثانى: معقود به. والثالث: معقود عليه. والرابع: العقد فى نفسه. ¬

_ (¬1) اختلفت الطرق فى تعريف الحقائق الشرعية، فمنهم من عرفها من حيث صدقها على الصحيح والفاسد، كتعريف البيع بأنه دفع عوض فى معوض، ومنهم من عرفها من حيث صدقها على الصحيح فقط لأنه المقصود، كما فعل الإمام هنا فى تعريف البيع، لاعتقاده أن البيع الفاسد لا ينقل الملك وإنما ينتقل شبهة الملك. الأبى 4/ 172. (¬2) فى الأصول: أحدهما، والصواب ما أثبتناه. (¬3) ساقطة من الإكمال وبعض نسخ ع.

نُهِىَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ: الْمُلاَمَسَةِ والْمُنَابَذَةِ. أَمَّا المُلاَمَسَةُ فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ. وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الآخَرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما المتعاقدان، فمن حقهما أن يكونا مطلقى اليد والاختيار. فقولنا: يكونا مطلقى اليد احترازاً ممن يحجر عليه، وهم أربعة أصناف: أحدهم: من يحجر عليه بحق نفسه وهو السفيه، ويدخل فيه المجنون والصغير والعاقل البالغ الذى لا يميز أمور دنياه. والثانى: من يحجر عليه لحق غيره ممن ملك أعيان ما فى يديه كالسيد مع عبده. والثالث: من يحجر عليه لمن يخاف أن يملك عن ما فى يديه كالمريض مع ورثته، وقد تلحق به الزوجة مع زوجها، والمرتد مع المسلمين. والرابع: من يحجر عليه لحق من يملك ما فى ذِمَّته كالمديان مع غرمائه. ولكن طرق الحجر تختلف مع هؤلاء ونستقصى كل فصل فى موضعه إن شاء الله. والسفيه يمنع من البيع رأساً. وكذلك العبد إذا شاء سيده، وكذلك المرتد، والمديان إذا ضرب على أيديهما، والمريض والزوجة يمنعان إذا حييا محاياةً (*) تزيد على ثلثهما. وعندنا اختلافٌ فى السفيه إذا كان مهملاً، فقيل: تمضى بياعاته، وقيل تُردَّ، وقيل: تُردَّ إن كان ظاهرَ السفه، وتمضى إن كان خفيَّه. وكان المحققون من شيوخنا يختارون الردَّ؛ لأن السفيه المحجورَ [عليه] (¬1) رُدَّ بيعه اتفاقًا. فكان المحققين رأوا أن الرد من مقتضى السفه، فردوا أفعال المهمل، ورأى بعض أصحاب مالك الرد من مقتضى الحجر، فاجازوا أفعاله؛ إذ لا حجر عليه. والأصح عند شيوخنا أنه من مقتضى السفه؛ لأن الحجرَ كان عن السفه، ولم يكن السفه عن الحجر، واذا كان [الحجر عن السفه] (¬2) ومن مقتضاه وجب أن يكون الرد فى السفيه المحجور عليه لأجل السفه لا لأجل الحجر. وكان شيخى - رحمه الله - يقول: فإن السفه عِلَّةٌ فى رد الأفعال، بدليل الاتفاق على رد أفعال الصغير، والمجنون، ومن بلغ سفيهًا ولمَ يبلغ الخمسة والعشرين عامًا، فإن الاتفاق على رد فعل هؤلاء إذا كانوا فى الحجر وإذا ثبت رشدُ السفيه وجب تسليمُ ماله إليه، فدل ذلك على أنَّ العلَّةَ وجود السفه، والعلة حيثما وجدت اقتضت حكمها، هذا المعنى ¬

_ (¬1) من الإكمال. (¬2) جاءت فى نسخ الإكمال: السفه عن الحجر، والمثبت من ع وهو الصواب. (*) قال معد الكتاب للشاملة: ما في المطبوعة خطأ، وصوابه: " ... حابيا محاباةً"، وهو الذي ورد في المعلم للمازري (2/ 237).

3 - (1512) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ - قَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ الذى كان يشير إليه. وكذلك اختلف المذهب فى المحجور عليه إذا رشد ولم يُفَكَّ الحجرُ عنه، هل تمضى أفعاله، وهو عكس السفيه المهمل؟ والنظر عند شيخنا يقتضى جواز أفعاله، لوجود علة الجواز وهى الرشد، وارتفاع علة الرفض وهى السفه، وهكذا يجرى الاختلاف فى المرتد إذا باع قبل الحجر عليه، قياسًا على السفيه المهمل. والرشد عندنا المطلوب هاهنا فى تدبير الدنيا وإصلاحها لا فى إصلاح الدين. وقال بعض أصحابنا: بل الرشد إصلاحهما جميعاً، والأول أولى، إذا كان الفاسق ممسكاً لماله مُنَحيًا له لا يتلفه فى المعاصى، ولا أعظم فسقًا من الكافر، وفسقه لم يوجب ردَّ بياعاته إذا تحاكم إلينا، وقد باع على الصحة من مسلم. وقد حد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزناة، وقطع السُراق، وضرب شُرَّاب الخمر، ولم ينقل إلينا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجر عليهم، وهذا هو الأصح لهذا الذى قلناه ولغيره. وأما قولنا: " مطلق الاختيار " فلأن المكره المقصور الاختيار لا يلزمه عقده؛ لأن الله - سبحانه - أباح إظهار كلمة الكفر للإكراه، فدلَّ على أن الإكراه يُصيِّر المكره كغير القاصد، ومن لا قصد له لا يلزمه بيعه، وقد ألزمه المخالف طلاقه وعتقه. وهذا التعليل يرد قوله، ويرده - أيضاً - قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رفع عن أمتى خطؤها ونسيانها وما استكرهوا عليه " (¬1). وأما السكران، فإن الحدود تلزمه (¬2). وقد حكى بعض الناس الإجماع على أنه إذا قَتل قُتل. وقال بعض الناس: إنما فارق المجنونَ فى ذلك لأنه متعدِّ فى شرب ما أزال عقله، ومكتسبٌ لما أدى إلى ذلك، فكانت أفعاله كأفعال المكتسب، القاصد، وقال بعضهم: فإن رَفْعَ التكليف عن المجنون رخصةٌ وتخفيف، وهذا عاصٍ بشربه، والعاصى لا يُرخَّصُ له. وأما عقوده، فإن كان طلاقًا أو عتاقًا فالمشهور عندنا لزوم ذلك؛ لأن ذلك من ناحية الحدود، فألحق بها فى الحكم، وقد رويت عندنا رواية شاذة فى طلاقه أنه لا يلزم قياسًا ¬

_ (¬1) معنى حديث أخرجه ابن ماجه فى ك الطلاق، ب طلاق المكره والناسى عن ابن عباس، ولفظه: " إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "، وقال فى الزوائد: إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع، وقد أخرجه الطبرانى عن ابن عمر بلفظ: " وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "، وقال الهيثمى: إنه فى الصغير، وفيه محمد بن مصفى، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح، مجمع 6/ 250. (¬2) هذا إذا كان متعديًا بسكره.

أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَلِبْسَتَيْنِ: نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على المجنون، وسلَّم بعض أصحابنا أنه لو صب فى حلقه الخمرُ حتى ذهب عقله أن طلاقه لا يلزم حينئذ، لأنه غير متعد فى الشرب. وأما بياعتُه، ففيه عندنا قولان: جمهور أصحابنا على أنها لا تلزمه؛ لأنه بسكره يقصُر ميزه فى معرفته بالمصالح عن السفيه، والسفيه لا يلزمه بيعه، وإن كان يقام الحدُّ عليه كما يقام على السكران. وذهب بعض أصحابنا إلى أنه تلزمه بياعته كما تلزمه الحدود. وأما هباته فتجرى على القولين فى بياعته. وهذا حكم أحد الأركان، وهو المتعاقدان. وأما المعقود به والمعقود عليه، فحكمهما واحد، وإنما تحسين التقسيم أدى إلى إفرادهما بالذكر، وإلا فكل معقود به معقود عليه؛ فيجب أن تعلم أن ما لا منفعة فيه أصلاً لا يجوز العقد له ولا عليه؛ لأن ذلك يكون من أكل المال بالباطل، ولم يقصد بالخمر ما ينتفع به إلى الهبة فيجوز له. وهذا الذى لا منفعة فيه أصلاً لا يصح ملكه إذا كان مما نهى الشرع عن تملكه كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، والخمر، إلا أن الخمر إذا أجزنا تخليلها فقد سهل فى إمساكها للتخليل بعض أصحابنا. وأما ما فيه منفعة مقصودة فلا يخلو من ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون سائر منافعه محرمة. والثانى: أن يكون سائر منافعه محللة. والثالث: أن يكون بعضها محللاً وبعضها محرمًا. فإن كانت سائر منافعه محرمة صار هو القسم الأول الذى لا منفعة فيه كالخمر والميتة وإن كانت سائر منافعه محللة جاز بيعه إجماعًا، كالثوب والعبد، والعقار، والثمار، وغير ذلك من ضروب الأموال. فإن كانت منافعه مختلفة فهذه المواضع المشكلات فى الأفهام ومذلة الأقدام، وفيه ترى العلماء يضطربون وأنا أكشف لك عن سره إن شاء الله ليهون عليك اختلافهم فيه. فاعلم أنه قد تقدم لك أصلان: جواز البيع عند تحليل سائر المنافع وتحريمه عند تحريم جميعها، فإذا اختلفت عليك فانظر فإن كان جل المنافع والمقصود فيها محرمًا حتى صار المحلل من المنافع كالمطرح فإن البيع ممنوع، وواضح إلحاق هذا بأحد الأصلين المتفق عليهما؛ لأن المطرح من المنافع كالعدم، وإذا كان كالعدم صار كان الجميع محرم. وإن كان الأمر بعكس ذلك كان الحكم بعكسه، وهو أن يكون المقصود من المنافع وجلها مباحًا والمحرم مطرحًا فى المقصود، فواضح إلحاق هذا بالأصل الثانى. وهو ما حل سائر منافعه، وأشكل من هذا القسم أن يكون فيه منفعة محرمة مقصودة مراده، وسائر منافعه سواها

وَالْمُنَابَذَة فِى البَيْعِ. وَالمُلامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدهِ بِالليْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، وَلا يُقَلِبُهُ إِلا بِذَلِكَ. وَالمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ محلل مقصود، فإن هذا ينبغى أن يلحق [فيه] (¬1) بالقسم الممنوع؛ لأن كون هذه المنفعة المحرمة مقصودة تؤذن بأن لها حصة من الثمن، وأن العقد اشتمل عليها، كما اشتمل على سائر المنافع سواها. وهو عقد واحد على شىء واحد لا سبيل إلى تبعيضه، والمتعاوض على المحرم منه ممنوع. فمنع الكل لاستحالة التميز، وأن الباقى من المنافع المباحة يصير ثمنه مجهولاً لو قدر جواز انفرداه بالتعاوض. وربما وقع فى هذا النوع مسائل تشكل على العالم فيلحظ المسألة بعين فكرته، فيرى المنفعة المحرمة ملتبسًا أمرها، هل هى مقصودة أم لا؟ ويرى ما سواها منافع مقصودة محللة فامتنع من التحريم لأجل كون المقصود من المنافع محللاً ولا ينشط لإطلاق الإباحة لأجل الإشكال فى تلك المنفعة المحرمة أهى مقصودة أم لا؟ فيقف هاهنا المتورع ويتساهل آخر فيقول بالكراهة، ولا يمنع ولا يحرم، ولكنه يكره لأجل الالتباس. فاحتفظ بهذا الأصل فإنه من مذهبات العلم ومن قتله علمًا هان عليه جميع مسائل الخلاف الواردة فى هذا الباب وأفتى [وهو] (¬2) على بصيرة فى دين الله. ويكفيك من أمثلة هذا الباب على اتساعها وكثرتها ما وقع لأصحابنا من الاختلاف فى بيع كلب الصيد، فإنه من لم يسمع فيه حديثًا فى النهى عن بيعه، واستعمل هذا الأصل خرج له حكمه فيه، فيقول: فى الكلب من المنافع كذا وكذا، ويعدد سائر منافعه، ثم ينظر هل جميعها محرم فيمنع البيع؟ أو محلل فيجيز البيع؟ أو مختلفة فينظر هل المقصود المحرم أو المحلل، ويجعل الحكم للغالب على ما بسطناه؟ أو يكون منفعةٌ واحدة محرمة خاصة وهى مقصودة فيمنع على ما بيناه أو ملتبس كونها مقصودة فينف أو يكره على ما بيناه؟ والعرض على هذا الأصل هو سبب اضطراب أصحابنا فيه وكذلك بيع النجاسات ليذبل بها النبات ما وقع فيه فى المدونة، وفى الموازية ولابن القاسم ولأشهب على هذا الأصل يعرض ومنه يعرف الحق فيه. وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأحسن عبارة، وأقرب اختصار على هذا المعنى الذى بسطناه بقوله: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الخمر: " إن الذى حرم شراءها حرم بيعها "، ومن كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقتضينا هذا الذى هو الأصل العظيم، وذلك أنه أشار إلى أن المنفعة المقصودة من الخمر هى الشرب لا أكثر، ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا حرمت حرمت المعاوضة؛ لأن المشترى منعه الشرع من الانتفاع بها، فإذا بذل ماله وهو مطيع للشرع فى ألا ينتفع بها، فقد سفه وضل رشده، وصار من أكل المال بالباطل، وهكذا - أيضاً - نبه على هذا فى الحديث الآخر؛ الذى لعن فيه اليهود لما حرم عليهم الشحم فباعوه وأكلوا ثمنه (¬1)؛ لأن الشحم المقصود منه الأكل، فإذا حَرُم حَرم الثمن، فهذا من وضوحه كاد يلحق بالعقليات؛ ولهذا قال: " لعن اليهود حرمت عليهم الشحوم " الحديث. وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على القسم الآخر المشكل لأنه لما قيل له فى شحم الميتة: يا رسول الله، إنما نطلى بها السفن (¬2)، فأورد ما دل على المنع من البيع ولم يعذرهم بذلك، ولا أباح البيع لاعتلالهم له، ولحاجتهم إليه فى بعض المنافع. فهذا على طريقة من يجيز استعمال ذلك فى مثل هذه المواضع، فتكون بعض المواضع محللة. ولكن المقصود الذى هو الأصل محرم، فلم يرخص فى البيع لذلك. ويلحق بهذا المعنى بياعات العزر لأنه قد لا يحصل المبيع فتصير المعاوضه على غير منتفع به ويلحق بالقسم الأول الذى هو المعاوضة على ما لا منفعة فيه أصلاً وقد تقدم، ولكن ذلك يكون عدم المنفعة فيه تحقيقًا، وهذا يكون عدم المنفعة فيه تقديرًا وتجويزًا. وأما العقد فمن شرطه أن يخلص عن المنهيات كلها، وهى محصورة فيما تقدم وفيما شذ منه مما يرجع إلى أصول أخر؛ كالنهى عن العقد عند صلاة الجمعة، إلى غير ذلك مما نبه عليه إن شاء الله عند وروده فى أحاديث هذا الباب، نستقصى كل فصل فى موضعه إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) البخارى، ك البيوع، ب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه (2224) 3/ 107، وسيأتى فى مسلم، ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (72)، مالك، ك صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب جامع ما جاء فى الطعام والشراب 2/ 931 (26)، أحمد 2/ 117. (¬2) البخارى، ك البيوع، ب بيع الميتة والأصنام (2236) 3/ 110، مسلم، ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (71)، أبو داود، ك البيوع، ب فى ثمن الخمر والميتة (3486)، الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى بيع جلود الميتة والأصنام (1297) وقال: حديث حسن.

(2) باب بطلان بيع الحصاة، والبيع الذى فيه غرر

(2) باب بطلان بيع الحصاة، والبيع الذى فيه غرر 4 - (1513) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَالَلَّفظُ لَهُ - حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِى أَبُو الزِّنَاد، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " نهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر "، وفى حديث آخر: " نهى عن بيع حبل الحبلة " [وفسره ابن عمر فى الحديث] (¬1) أن أهل الجاهلية كانوا يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة، وهو أن تنتج الناقة ثم تحمل التى نتجت، فنهاهم - عليه السلام - عن ذلك. قال القاضى: وهذا من الغرر فى الأصل، وهذا تأويل مالك والشافعى فى الحديث، وقد جاء فيه بتفسيره مأخوذ أن يبيع حبل الحبلة نفسه إلى نتاج النتاج قد يكون - أيضًا - من هذا، أو من بيع ما ليس عنده له ومن بيع الأجنة وبيع أمها الحامل بمعرفته، وهو تأويل أحمد وإسحاق، وأبى عبيد، وهو الذى يدل عليه الحديث الآخر. والنهى عن الملاقيح والمضامين، وحبل الحبلة، قال أبو عبيد (¬2): المَجْر ما فى بطن الناقة، والثانى حبل الحبلة، وقيل: هو بيع الأجنة، وما فى بطون الأمهات وهو الحبلة، جمع حبلة، والحبل يختص ببنى آدم وفى غيرهم حمل. قال أبو عبيد: لا يقال لشىء من الحيوان حبل، إلا ما جاء فى هذا الحديث. وقال المبرد: معنى " حبل الحبلة " عندى: حمل الكرمة قبل أن تبلغ، والحبلة الكرمة بسكون الباء وفتحها. قال الأخفش الحبلة جمع حابل يقال: حبلت المرأه فهى حابل، ونهى عن بيع حمل الحوامل. وقال ابن الأنبارى: الهاء فى حبلة للمبالغة، كقولهم: مسخرة. ورواه بعضهم حبل الحبلة بسكون الباء، والصواب الفتح فى الاسم والمصدر. قال الإمام: تضمنت هذه الأحاديث النهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر، وعن بيع حبل الحبلة: فأما الغرر فهو اسم جامع لبياعات كثيرة، منها هاتان البيعتان: بيع الحصاة وحبل الحبلة، على أحد التأويلات فيها، فأما الغرر وبما تردد فبين السلامة والعطب وما فى معنى ذلك؛ وذلك أنه يلحق بمعنى إضاعة المال لأنه قد لا يحصل المبيع، ويكون بذل ¬

_ (¬1) فى ع: قال ابن عمر. (¬2) انظر: غريب الحديث 1/ 206.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماله باطلاً. وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذه العلة بقوله فى بيع الثمرة قبل الزهر: " أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه ". وقد رأينا العلماء أجمعوا على فساد بعض بياعات الغرر وأجمعوا على صحة بعضها، واختلفوا فى بعضها. فيجب أن يبحث عن الأصل الذى يعرف منه اتفاقهم واختلافهم، فنقول: إنا لما رأيناهم أجمع على منع بيع الأجنة، والطير فى الهواء، والسمك فى الماء، ثم رأيناهم أجمعوا على جواز بيع الجبة وإن كان حشوها مغيبًا عن الأبصار، ولو بيع حشوها على انفراده لم يجز، وأجمعوا على جواز إجارة الدار مشاهرة، مع جواز أن يكون الشهر ثلاثين أو تسعًا وعشرين، وأجمعوا على دخول الحمام، مع اختلاف الناس فى استعمال الماء وطول لبثهم فى الحمام، وعلى الشرب من الساقى، مع اختلاف عادات الناس فيه - أيضاً - قلنا: يجب أن يفهم عنهم أنهم منعوا بيع الأجنة لعظم غررها وشدة خطرها، وأن الغرر فيها مقصود يجب أن يفسد العقود. ولما رأيناهم أجمعوا على جواز المسائل التى عددناها، قلنا: ليس ذلك إلا لأن الغرر فيها نزر يسير غير مقصود، وتدعو الضرورة إلى العفو عنه. فإذا أثبت هذا ووضح ما استنبطناه من هذين الأصلين المختلفين قلنا: يجب أن ترد جميع مسائل الخلاف الواقعة بين فقهاء الأمصار فى هذا المعنى إلى هذا الأصل، فمن أجاز قدر أن الغرر فيما سئل عنه غير مقصود، وقاسه على ما تقدم. ومن منع قدر أن الغرر مقصود، وقاسه على ما تقدم أيضاً. وأما بيع الحصاة فاختلف فى تأويله اختلافًا كثيرًا. وأحسن ما قيل عنه تأويلات منها: أن يكون المراد أن يبيع من أرضه قدر ما انتهت إليه رمية الحصاة. ولا شك أن هذا مجهول لاختلاف قوة الرامى، وعوائق الرمى. وقيل: معناه: أى ثوب وقعت عليه حصاة رمى فهو المبيع. وهذا - أيضاً - مجهول، كالأول. وقيل: معناه: ارم بالحصاة، فما خرج كان لى بعدده دنانير أو دراهم، وهذا - أيضاً - مجهول. هذه ثلاث (¬1) تأويلات تتقارب وكلها يصح معها المنع. وقد قيل تأويل رابع وخامس، قيل: معناه: أنه إذا أعجبه الثوب ترك عليه حصاة. وهذا إذا كان بمعنى الخيار، وجعل ترك الحصاة علمًا على الاختيار لم يجب أن يمنع، إلا أن تكون عادتهم فى الجاهلية أن يضيفوا لذلك أمورًا تفسد البيع، ويكون ذلك عندهم معروفًا ببيع الحصاة، مثل أن يكون متى ترك حصاه - وإن كان بعد عام - وجب له البيع فهذا فاسد. وقيل - أيضاً -: كان الرجل يسوم الثوب وبيده حصاة، فيقول: إذا سقطت ¬

_ (¬1) فى س: عدة، والمثبت من ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من يدى فقد وجب البيع، وهذا - أيضاً - إن كان معناه: إذا سقطت باختياره وجب البيع، فهذا بيع الخيار، إذا وقع على صفة بيع الخيار، من مراعاة أجله وغير ذلك، إلا أن يكون الثمن لم يقدراه، وسقوطها من يده أو بوضعه إياها على التأويل الذى قبله يجب البيع، ولكن على القيمة وهى مجهولة فيمنع هذا للجهالة بالثمن. وقد يكون هذا هو المعنى فى القولين الآخرين.

(3) باب تحريم بيع حبل الحبلة

(3) باب تحريم بيع حبل الحبلة 5 - (1514) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ. 6 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لَحْمَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ. وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِى نُتِجَتْ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما بيع حبل الحبلة، فقيل فيه تأويلان: أحدهما: أن المراد ما حكاه مسلم من تفسير ابن عمر - رضى الله عنه - أن البيع إلى نتاج نتاج الناقة، فيكون ذلك تنبيهاً على أن الثمن - وإن كان معلومًا فى نفسه وجنسه - فإنه تؤثر فيه الجهالة ببعض صفاته، ويصير هذا أصلاً فى النهى عن البيع بثمن إلى أجل مجهول. وقد اختلف المذهب عندنا فى مسائل كالبيع إلى العطاء، وهو خلاف فى حال لا خلاف فى فقه، فمن أجاز البيع إلى العطاء رآه معلومًا فى العادة، ومن أباه رآه يختلف فى العادة. والتأويل الثانى: أن يكون المراد ببيع نتاج نتاج الناقة، فيكون ذلك جهلاً بالمبيع وصفته وفيه - أيضاً - الجهالة بزمن تسليمه، وكل ذلك ممنوع. والهاء فى حبل الحبلة للمبالغة. قاله ابن الأنبارى وغيره.

(4) باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه وتحريم النجش، وتحريم التصرية

(4) باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه وتحريم النجش، وتحريم التصرية 7 - (1412) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ". 8 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إِلا أَنْ يَأذَنَ لَهُ ". 9 - (1515) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ". 10 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الصَّمَد، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَلاَء وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيِهِمَا، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ذكر مسلم حديث النهى عن سوم الرجل على سوم أخيه، والخطبة على خطبته، وعن النجش، وعن بيع حاضرٍ لباد، وعن سؤال المرأة طلاق أختها. وقد تقدم الكلام على هذا فى النكاح فسبق هناك. وقوله فى الباب: نا أحمد بن إبراهيم الدورقى، نا عبد الصمد، نا شعبة عن العلاء، وسهيل عن أبيهما. كذا الرواية عند جميع شيوخنا بكسر الباء، وليس بصواب، إذ ليسا بأخوين، ووقع فى بعض الروايات: " عن أبويهما "، وهو الصواب. قال بعضهم: " لعله عن أبيهما " لغة بعضهم فى تثنية أب، وقد سبق مثله فى كتاب النكاح. وبعده: وحدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الصمد، نا شعبة، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، عن النبى - عليه السلام. وبعده حديث عبد الله بن معاذ، ثبت هنا فى الحديث، هكذا قيل حديث عبيد الله للسمرقندى، والطبرى والسجزى وسقط لغيرهم.

هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. وَفِى رِوَايَةِ الدَّوْرَقِىِّ: عَلَى سِيَمة أَخِيهِ. 11 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِبَيْعِ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الإِبِلَ والْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ ". 12 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَلَقِّى لِلركْبَانِ، وَأَنْ يَبيِعَ حَاضِرٌ لبَادٍ، وَأَنْ تَسْألَ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا، وَعَنِ النَّجْشِ، وَالتَّصْرِيَةِ، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِى حَدِيثِ غُنْدَرٍ وَوَهْبٍ: نُهِىَ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ. 13 - (1516) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّجْشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ألا يُتلقى الركبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع بادٍ لباد، ولا تصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين " الحديث. قال الإمام: تضمن هذا الحديث النهى عن خمسة فصول تكلمنا فيها على ثلاثة [فيما تقدم عند الكلام على الخطبة وهى البيع على بيع أخيه، والنجش، ولا يبع حاضر لباد] (¬1)، ونتكلم هاهنا على الفصلين الباقيين: التلقى، والمصراة. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

(5) باب تحريم تلقى الجلب

(5) باب تحريم تلقى الجلب 14 - (1517) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُتَلَقَّى السِّلَعُ حَتَّى تَبْلُغَ الأَسْوَاقَ. وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ نُمَيْرٍ. وَقَالَ الآخَرَانِ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّلَقِّى. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِىٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. 15 - (1518) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُبَارَكٍ، عَنِ التَّيْمِىِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما التلقى، فإن النهى عنه معقول المعنى، وهو ما يلحق الغير من الضرر، ولكن يقدح هاهنا فى نفس المتأمل معارض فنقول: المفهوم من منع بيع الحاضر للبادى ألا يتلقى للبادى وأن يؤجر السبيل لغبنه، والمفهوم من النهى عن التلقى: ألا يغبن البادى، بدليل قوله هاهنا: " فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ". والإشكال عن هذا: أنا كنا قدمنا أن الشرع فى مثل هذه المسألة وأخواتها بنى على مصلحة الناس، والمصلحة تقتضى أن ينظر للجماعة عن الواحد، ولا يقتضى أن ينظر للواحد على الواحد. ولما كان البادى إذا باع بنفسه انتفع سائر أهل السوق، فاشتروا ما يشترونه رخيصًا وانتفع به سائر سكان البلد تضطر لأهل البلد عليه. ولما كان إنما ينتفع بالرخص المتلقى خاصة، وهو واحد فى قبالة الواحد الذى هو البادى، لم يكن فى إباحة التلقى مصلحة، لاسيما وتضاف إلى ذلك علة ثانية؛ وهى لخوف الضرر بأهل السوق فى انفراد المتلقى عنهم بالرخص، وقطع المواد عنهم أكثر من المتلقى فنظر لهم عليه، وعادت المسألة إلى المسألة الأولى، فصار واحدًا، وانقلب ما ظنه انطلق فى هذا من التناقض بأنه صارا مثلين يؤكد بعضها بعضًا. وقد اختلف المذهب عندنا فيمن لم يقصد التلقى ولم يبرز إليه خارج المدينة، بل مر به على بابه بعض البُداة، هل يشترى منه ما يحتاج إليه قبل وصوله إلى السوق؟ قيل بالمنع لعموم الحديث، وقيل: الجواز لأن هذا لم يقصد الضرر ولا الاستبداد دون أهل السوق، فلم يمنع، وقد جعل له فى بعض هذه الطرق هاهنا الخيار إذا جاء السوق ولم يفسخ البيع، لما كان النهى لحق الخلق لا لحق الله سبحانه. وقوله: ثبت عنده هذه الزيادة، ورأى أن النهى يدل على فساد المنهى عنه فسخ البيع.

عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَلَقِّى البُيُوعِ. 16 - (1519) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَلقَى الْجَلَبُ. 17 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا بْنُ هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى هِشَامٌ الْقُرْدُوسِىُّ عَنِ ابْنِ سِيريِنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى ذلك اضطراب فى المذهب. وفى هذا الحديث من الفوائد أيضاً إثبات الخيار للمغبون؛ لأنه إذا ثبت أن النهى عن التلقى لا لئلا يغبن الجالب، لم يكن لأثبات الخيار له معنى إلا لأجل الغبن، أو لأنه يرجو الزيادة فى السوق. قال القاضى: وقوله فى الحديث الآخر: " نهى أن يتلقى الجلب " بمعنى الأول، ما يجلب للأمصار غيرها. واختلف أبو حنيفة فى هذا، فلم يأخذ بهذا الحديث، وأجازوا التلقى إلا أن يضر بالناس فيكره، وقال الأوزاعى مثله. واختلف فيه إذا وقع، فعن مالك وبعض أصحابه: أنه ينهى ولا تنتزع منه شىء، ورأى بعض أصحابنا فسخ بيع التلقى. والشافعى وأحمد يريان للبائع الخيار كما جاء فى الحديث. ومال إليه بعض أصحابنا، والمشهور عن مالك، وأكثر أصحابه، أو يعرض على أهل السوق فإذا لم يكن سوق قليل المصر يشترك فيها من شاء. وقال الإصطخرى: إنما يكون البائع بالخيار إذا اشتريت بأقل من ثمنها. واختلف عندنا فى حد التلقى الممنوع، فعن مالك: قوامة ذلك على مسيرة يومين. وعن مالك تخفيفه وإباحته على ستة أميال، ولا خلاف فى منعه إذا كان قرب الضرر وأطرافه. وقال بعض المتأخرين: وكذلك يجوز تلقيها فى أول السوق لا فى خارجه، وكذلك إذا لم تكن فى السلعة عيوب فشراؤها إذا دخلت البلد جائز وإن لم يبلغ أسواقه فلا.

(6) باب تحريم بيع الحاضر للبادى

(6) باب تحريم بيع الحاضر للبادى (¬1) 18 - (1520) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ ". وَقَالَ زُهَيْرٌ: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. 19 - (1521) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا. 20 - (1522) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللهُ بَعْضَهُمُ مِنْ بَعْضٍ ". غَيْرَ أَنَّ فِى رِوَايَةِ يَحْيَى: " يُرْزَقُ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 21 - (1523) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ. 22 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: نُهِينَا عَنْ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبق الحديث عنه فى ك النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه.

(7) باب حكم بيع المصراة

(7) باب حكم بيع المصراة 23 - (1524) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ مُوسَى ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا، فَلْيَحْلُبْهَا، فَإِنْ رَضِىَ حِلاَبَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِلَّا رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ ". 24 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىِّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُو فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، إِن شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولا تصروا الإبل " كذا ضبطنا هذا الحرف على المتقنين من شيوخنا: " تُصَرّوا " بضم التاء وفتح الصاد المهملة وتشديد الراء وواو وألف وفتح لام " الإبل " (¬1) على المفعول. وكان بعضهم - وهو شيخنا أبو محمد بن عتاب - وحكاه لنا عن أبيه يقول: " التصرية " ليقرب نهمه على الطلبة، مثل: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُم} (¬2)، وهو الصواب على مذهب الكافة فى شرح المصراة واشتقاقها. وذِكْره فى الحديث الآخر التصرية، يدل أنها من الجمع من الصرر، من صرى لا من صر. وقد رويناه عن بعضهم فى غير مسلم: " تَصُروا الإبل " بفتح التاء وضم الصاد من الصر. وعن بعضهم بضم لام " الإبل " و " تصر " بغير واو بعد الراء على ما لم يسم فاعله من الصر أيضاً، وهو لذلك على تفسير الشافعى ومن اتبعه. قال الإمام: معناه: لا تجمعوا اللبن فى ضرعها حتى يعظم، ومنه: صريت الماء فى الحوض، أى جمعته. والصراة: المياه المجتمعة، وصرر الماء فى الظهر: إذا حبسه سنين لا يتزوج. وأهل اللغة يقولون: لا تصروا. وقد اختلف عن مالك، فقيل عنه مثل هذا، وما وقع فى الحديث الذى ذكرناه من ذكر المحفلة. والمحفلة: هى المصراة بعينها، سميت محفلة لأن اللبن جعل فى ضرعها، وكل شىء كثرته فقد حفلته، ومنه قيل: احتفل القوم: إذا كثروا أو اجتمعوا. قال القاضى: قال الخطابى: اختلف أهل العلم واللغة فى تفسير المصراة، ومن أين أخذت واشتقت، فقال الشافعى: التصرية: أن تربط أحلاب الناقة والشاة ويترك حلبها ¬

_ (¬1) تقدم برقم (11). (¬2) النجم: 32.

25 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - يَعْنِى الْعَقَدِىَّ - حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى شَاةً ـــــــــــــــــــــــــــــ اليومين والثلاثة حتى يجتمع لبنها، فيزيد مشتريها فى ثمنها؛ لما يرى من ذلك. وقال أبو عبيد: إنه من صرى اللبن فى ضرعها، بمعنى حفيه فيه. وأصل التصرية حبس الماء وجمعه. قال أبو عبيد: ولو كان الربط لكانت مصرورة أو مصررة. قال الخطابى: وقول أبى عبيد: حسن. وقول الشافعى صحيح، والعرب تصر ضروع المحلوبات، ويسمى ذلك الرباط صرارًا. واستشهد محتجًا لقول الشافعى بقولهم: العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلب والصر. وبقول مالك بن نويرة: فقلت لقومى هذه صدقاتكم ... مصررة أخلافها لم تُحَرَّدِ قال: وقد يحتمل أن تكون المصراة أصلها: مصررة، أبدل إحدى الرائين ياء، كقوله: تفضى البادى، وإنما هو: تفضض، كما قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (¬1)، كرهوا اجتماع ثلاثة حروف من جنس واحد. قال الإمام: وأما التصرية، فإن النهى عنها - أيضًا - لحق الغير. وهى أصل فى تحريم الغش، وفى الرد بالعيب. وقد كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد - رحمه الله - يجعلها أصلاً فى النهى إذا كان لحق الخلق لا يوجب فساد البيع؛ لأن الأمة أجمعت على تحريم الغش فى البيع، ووقع النهى عنه هاهنا ثم خيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك فى أن يتماسك بالبيع، والفاسد لا يصح التماسك به. وفى هذا الحديث دلالة على أن التدليس محرم، ويوجب الخيار للمشترى وإن كان لتحسين المبيع الذى يؤدى إلى الخدع والغرور، وأن الفعل يقوم مقام النطق فى مثل هذا؛ لأن قصارى ما فيه أن المشترى رأى ضرعًا مملوءًا، فقدر أن ذلك عادتها. فحل ذلك محل قول البائع: إن ذلك عادتها، فجاء الأمر بخلافه، وصار البائع لما دلس كالقائل لذلك. وقد قال بعض الناس: لو كان الضرع مملوءًا لحمًا وظنه المشترى لبنًا لم يكن له خيار من هذه الجهة؛ لأجل أن البائع لم يدلس عليه. وأما رد الصاع من التمر فقد ذكره أهل العراق، ومال إليه بعض أصحابنا؛ لأنه جاء عندى بخلاف الأصول من الغرامة عن اللبن تمرًا، ومتلف الشىء إنما يغرم مثله أو قيمته، وأما جنسًا آخر من العروض فلا. وأيضًا فإن الأصل [ليس] (¬2) أن الخراج بالضمان، وأن المغتل لا يرد الغلة إذا رد بالعيب، وهذا قد أمرها هنا بالرد. ¬

_ (¬1) الشمس: 10. (¬2) زيدت فى ق.

مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، لَا سَمْرَاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وجواب الجمهور من أصحابنا عن هذا: أن يقولوا: أما الرد للتمر عن اللبن فإنما ذلك لأنه قوت بلدهم حينئذ، وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى أن اللبن كانوا يريدونه للقوت، وهذا يحل محله، وهو أصل كسبهم للقوت، فقضى به، وإن كان عيش بعض البلاد غيره من الطعام قضى بالغالب من عيشهم. وقد روى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ابتاع محفلة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها ردها مثل أو مثلى لبنها قمحًا " (¬1). وقد ذكر مسلم هاهنا: " صاعًا من طعام لا سمراء ". وهذا يدل على ما قلناه من مراعاة حال قوت أهل البلد. وأما اقتصاره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصاع مع اختلاف لبن الشاة والناقة، واختلاف لبن النوق فى نفسها، مع أنه لا يصح أن يلزم المتلف للكثير مثل ما يلزم المتلف اليسير، فقال بعض أهل العلم: إنما ذلك لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يكون ذلك حداً يرجع إليه؛ ليرتفع الخصام ويزول التنازع والتشاجر. وقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حريصًا على رفع التشاجر عن أمته، وهذا كما قضى فى الجنين بالغرة، ولم يفصل بين الذكر والأنثى، مع اختلافهما فى الديات؛ لأن هذه المواضع لما كان يتعزر ضبطها عند البينات كثر التنازع فيها، فرفعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن جعل القضاء فى ذلك واحدًا. وقد مر أبو يوسف وابن أبى ليلى على مقتضى القياس وقالا: يرد قيمة اللبن وحملا الحديث على أنه وقع بحكم الاتفاق لكون القيمة وقت قضائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك صاع من تمر. وقد قال بعض أهل العلم: إذا علا الصاع حتى صار يستبشع القضاء به عوض اللبن؛ لكونه مقاربًا بالقيمة الشاة كلها، فإنه حينئذ لا يقضى، وإن عزم المشترى قيمة أعلى ما يرى أنه كان فيها من اللبن، لم يكن عليه أكثر من ذلك. واستلوح هؤلاء أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قضى بصاع واحدٍ فى لبن الشاة والناقة مع اختلافهما؛ لأنه وإن قل لبن الشاة فهو أجود، وإن كثر لبن الناقة فهو أدنى، فصارا بهذا كالمتساويين، فلا يكون فى هذا حجة للأولين الذين جعلوا القضية بالصاع ضربة لازب. وأما رد عوض اللبن مع كون الخراج بالضمان، وأن المشترى لا يرد الغلة إذا رد بالعيب؛ فلأن المصراة كان فيها لبن حين البيع، ولم تكن غلة حينئذ فتكون للمشترى، بل هو على ملك البائع كأحد أعضاء الشاة، فردها إذا رد بالعيب واجب قلنا: استحال رده بعينه كاختلاطه بما يحدث عند المشترى، وجب أن يرد العوض عنه ويصير كالفائت، ¬

_ (¬1) أحمد 2/ 254.

26 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوْ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا. وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ، لَا سَمْرَاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقدر العوض عنه لرفع التنازع فى ذلك كله لما بيناه، ولكن إنما يلزم على هذا أن يقال: فإذا ردها بعيب آخر غير التصرية وجب أن يرد عوض اللبن أيضاً لما قلتموه. وقد قال محمد: لا يرد عوض اللبن إلا إذا رده بالتصرية، قيل: هذا الذى قلتموه يلزم، وقد التزمه بعض شيوخنا، ولم يصوب ما قاله محمد فى هذا. وكأن محمداً رأى أنه شرع جاء فى التصرية خاصة، فلم يتعد فيه ما ورد الشرع به. واختلف أيضاً إذا كانت الغنم التى صريت كثيرة، هل يرد لجميعها صاعًا واحدًا، أو لكل شاة صاعًا؟ والأصوب أن يكون حكم الكثير منها خلاف حكم الواحد؛ لأنه من المستبشع فى القول على مقتضى الأصول؛ أن يغرم متلف لبن ألف شاة، كما يغرم متلف لبن شاة واحدة، وإن احتج علينا بأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساوى بين لبن الشاة والناقة مع كون لبن الناقة أكثر، قلنا: تقدم الجواب عن ذلك والانفصال عنه. قال القاضى: اختلف قول مالك فى الأخذ بحديث المصراة على ما ورد، فمشهور قوله الأخذ به. وقال: أو آخذ فى هذا الحديث رأى، وهو قول الليث، والشافعى، وأبى ثور وأبى يوسف، وابن أبى ليلى فى إحدى الروايتين عنه، وفقهاء أصحاب الحديث. ومرة لم يقل به. وقال: ليس بالموطأ ولا الثابت، يريد العمل به، قال: وقد جاء الخراج بالضمان وهو قول أبى حنيفة والكوفيين، وقالوا: هو منسوخ. ورأى مالك أن الأصول تخالفه من الغلة بالضمان، وهو قوله فى العتبية. ويختص ابن عبد الحكم واختلافه فيه على اختلاف أصحاب الأصول فى تقدمة خبر الواحد على قياس الأصول المتفق عليها، وهو مشهور مذهب مالك وأصحابه، وعامة الفقهاء والأصوليين. أو تقدمة القياس عليها إذا اختلفت الأصول، وهو مذهب أبى حنيفة وأصحابه، وحكم بعض أئمتنا البغداديين على المذهب وعلى هذا الأصل حمل اختلاف قوله فى الأخذ بحديث غسل الإناء من ولوغ الكلب (¬1) والقرعة والعربة، ومثل هذا من أخبار. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الوضوء، ب الماء الذى يغسل به شعر الإنسان (172)، مسلم، ك الطهارة، ب حكم ولوغ الكلب (279/ 89)، أبو داود، ك الطهارة، ب الوضوء بسؤر الكلب (73، 74)، الترمذى، ك الطهارة، ب ما جاء فى سؤر الكلب (91)، وقال: حسن صحيح، النسائى، ك الطهارة، ب سؤر الكلب (63، 64)، ابن ماجه، ك الطهارة، ب غسل الإناء من ولوغ الكلب (363، 364). ولفظه عند مسلم: " إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار ". من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه.

27 - (...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى مِنَ الْغَنَمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختلف الكوفيون، فذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن فى حديث المصراة: أنه ليس له ردها، وليس التصرية بعيب وتمليكها. وحكى الخطابى عن أبى حنيفة: أنه يرجع بأرْش التصرية وقال زُفر: يرد صاعًا من تمر أو نصف صاع من بر. ثم اختلف الآخرون بهذا الحديث ممن تقدم، فذهب مالك إلى أن صاع التمر إنما هو حيث هو عيش قوم، فأما فى كل بلد فيخرج من غالب قوتهم صاعًا، وقاله الطبرى. وأما الشافعى والباقون فقالوا: لا يخرج إلا بالصاع تمرًا، وإن عدم عندهم ثم أخرج قيمته. وتقدم قول أبى يوسف وابن أبى ليلى بإخراج القيمة. وروى عن مالك قولة شاذة: يؤدى له قدر مكيلة ما حلب من اللبن تمرًا أو قيمته. وحجة أبى حنيفة ومذهبه: أن حديث المصراة منسوخ بحديث الغلَّة بالضمان. ومخالفته عنده الأصول من وجوه: منها: مخالفة الأصل من أن الغلَّة بالضمان، وقد مضى الجواب عنه من أنها ليست بغلة إنما كان مجملاً فيها فلزم رده. وأيضًا فيكون هذا خاصًا فيه. ومسألتنا، وحديث الخراج بالضمان عام، والخاص يقضى على العام. ثانيها: تقدير القيمة. وقد اختلف المذهب عندنا، ومضى الجواب عنه - أيضاً - بقطع التشاجر كدية الشجاج، وهى مختلفة فى الكبير والصغير، فقد تكون موضحة تستوفى جلدة الرأس وأخرى لم توضح من العظم لها فرد مدخل مسألة، وكذلك المأمومة وغيرها؛ ولهذا أمثلة فى الشرع كثيرة. وثالثها: كون القيمة تمرًا وقيم المتلفات فى الأصول إنما هى بالعين، وقد تقدم الجواب عليه. وقد وجدنا الشرع جعل الديات على أهل الإبل إبلاً؛ إذ هى جل أموالهم، وجعل فى الجنين غرة. ورابعها: دفع الطعام عن الطعام غير يد بيد، وهذا غير لازم هاهنا؛ إذ ليس فى هذا مبايعة وهى الممنوعة فى الباب، وإنما هو حكم أوجبه الشرع ليس باختيارهما (¬1) فيتهمهما بالذريعة فيه. خامسًا: إن جزم للمكيل أو الموزون بمثله، وقد عدل هنا عن المثل، والجواب: إنا ¬

_ (¬1) فى ق: باختيار هنا.

28 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لو دفعنا عن اللبن لبنًا خفنا التفاضل والمزابنة؛ لأن ما كان فى ضرعها لا يتحقق تقديره بالصاع المردود لو كان لبنًا، ولو رد جميع ما حبس منها لخفنا فيه الزيادة بما تولد عنده من الغلة. وقد أجمعوا أنه لا يرده مع لبن التصرية إلا ما اختلف فيه أصحابنا، إذا رضى بائعها بقبولها بلبنها، فأجازه بعضهم وقال: هى إقالة. وقال غيره: لا يجوز لأن اللبن غير متعين، ولو تعين جاز. وفى هذا اعتراض من وجوه: أحدها: أن حقيقة لبن التصرية مما تولد فى الضرع بعد الشراء لا يتحقق، فكيف تصح منها الإقالة، ولا يدرى تحقيق الزيادة فيه ولا قدرها؟ وقوله فى إحدى الروايات: " صاعًا من طعام " يحتج به من قال بظاهره أو عند عدم التمر. وقال الداودى: معناه: تمرًا فسره الحديث الآخر. وقوله فى الحديث: " فهو بالخيار ثلاثة أيام " دليل على صحيح المذهب أن الحلبة الثالثة لا تقطع الرد وتمنعه، وهو قول مالك، وظاهر المدونة خلاف ظاهر كتاب محمد؛ من أن الحلبة الثالثة رضًا، لكن مالكًا لا يأخذ بذكر الثلاثة الأيام؛ إذ لم يكن فى روايته، ولكن فى معناها الثلاث الحلبات؛ لأن الأولى هى الدلسة والثانية فيها ظهرت الدلسة، والثالثة فيها تحققها. إذ قد يظن فى الثانية أن اختلافها من الأولى لاختلاف مرْعاها ... وما يعتيرها من إمساكها مرة التشوف بها وبقاء لبنها الأول غير محلوب فيعتل الضرع فى الحلبة الثانية للأولى. وهذه الحجة هنا أن الحلبة الثالثة ليست برضًا. وجعل المخالفون هذا اللفظ أصلاً فى ضرب أجل الخيار، وأنه لا زيادة فيه على ثلاثة أيام، وهو قول أبى حنيفة والشافعى. وقال ابن أبى ليلى، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن: قليل الخيار وكثيره جائز. ومالك لا يرى للخيار أجلاً محدودًا لا يتعدى، بل قدر ما يختبر فيه المشترى واختلف فى ذلك باختلافها لتيسر اختبار الثوب كاختيار العبد وسكنى الدار. وبيع الخيار عندنا جائز ضرب له أجل أم لا، ويضرب الحاكم للمبيع من الأجل قدر ما يختبر فيه مثلهما، خلافًا لأبى حنيفة والشافعى فى إبطاله إذا لم يضرب له أجل وهو رخصة خاصة من الأصل للضرورة الداعية للبحث عن المشترى، وتقصى معرفته وأخذ رأى من يريد مشورته فيه، وسيأتى الكلام على بيع الخيار بعد هذا. وحديث المصراة أصل فى الرد بالعيب، كان فى ذات المبيع وغلته، وأن التدليس لا يفسد البيع، وأنه يوجب الخيار، خلافًا لأبى حنيفة فى حكمه برد قيمة العيب دون المعيب، وأصل فى كل ما يشتريه من هاهنا وغلته فيه ظاهرة كالصوف على ظهور الغنم، والتمر فى رؤوس النخل، إنه إن ردها أنه يرده معها. وليس حكمه حكم إلغائها، فإن

مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَا أَحَدُكُمْ اشْتَرَى لِقْحَةً مُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا. إِمَّا هِىَ، وَإِلاَّ فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أصله رد مثله إن عرف قدره أو قيمته، بوقوع حصة من الثمن عليه، بخلاف ما توالد عنده. وقد استدل بعضهم من هذا الحديث على كون الاستطهار بعد الحيض ثلاثًا، وعلى أن أقل مدة الحيض فى العدد والاستبراء ثلاث، وهو استدلال بعيد فيه نظر. وقوله: " لا سمراء " أى [برًا] (¬1)، وأما البيضاء والشعير فأثبته هنا بمعنى الحنطة أو الحبة. وفى الباب: نا ابن أبى عدى عن ابن عون عن محمد، عن أنس، ونا ابن مثنى، نا معاذ، نا ابن عون، عن محمد، قال: قال أنس بن مالك: " نهينا أن يبع حاضر لباد ". ثبت هذا للكافة من الرواة، وسقط للسمرقندى، وتقدم الكلام على معناه. ¬

_ (¬1) فى ق: لا بُرا.

(8) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض

(8) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض 29 - (1525) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتكىُّ وَقُتَيْبَةُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوفِيَهُ ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَىءٍ مِثْلَهُ. (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَأَحْمدُ بْنُ عَبْدَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ - وَهُوَ الثَّوْرىُّ - كِلَاهُمَا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه ": قال ابن عباس: " وأحسب كل شىء مثله "، وفى بعض طرقه: " حتى يقبضه "، وفى بعضها: " حتى يستوفيه ويقبضه " وهما بمعنى واحد. وكان هذا فى كتاب أبى بحر: " حتى يستوفيه يقبضه " بغير واو، وفى بعضها: " حتى يكتباه "، قال ابن عباس: ألا تراهم يبتاعون بالذهب والطعام، مرجاً، أى مؤخرًا، بهمزة وبغير همزة، وقرئ بهما جميعًا. وعن ابن عمر: " كنا نبتاع الطعام فى زمن النبى - عليه السلام - فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذى ابتعناه فيه، إلى مكان سواه قبل أن نبيعه "، وفى حديث آخر: " كانوا يضربون على عهد النبى - عليه السلام - إذا اشتروا طعامًا جزافًا أن يبيعوه فى مكانه حتى يحولوه "، وفى رواية: " حتى يؤووه إلى رحالهم "، وفى حديث آخر: " وكنا نشترى الطعام من الركبان جزافًا، فنهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نبيعه حتى ننقله من مكانه "، جعل الراوى هذا الحديث مفسرًا لغيره مما لم يأت مبينًا، وأن ذلك فى الجزاف فيما تلقى من الركبان؛ بدليل رواية: " من قام حتى ينقله حيث يباع الطعام " وأن ذلك الرفق بأهل الأسواق وعامة الناس، وفيه حجة لمن لا يرى فسخ ما تلقى من البيع على ما تقدم الخلاف فيه. ومعنى " جزافًا ": أى بغير كيلٍ، ظاهره أن النهى فيما اختص بالبيع، وفى حكمه ما أخذ عن معاوضة فى صداق أو خلع أو ثوب هبة، أو إجارة، أو صلح عزم، وكذلك إن كان من بيع فلا يجوز دفعه فى شىء من هذه الأمور، بخلاف قبضه أو دفعه هبة أو صدقة، هذا مذهب مالك والشافعى والسفيانين ومحمد بن الحسن بقوله: " من ابتاع "، وقوله: " فلا يبعه ". وذهب أبو حنيفة إلى أن كل ما أخذ فى مهر، أو خلع، أو جعل

عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 30 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا معْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَىْءٍ بِمَنْزِلةِ الطَّعَامِ. 31 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ ". فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ؟ فَقَالَ: أَلَا تَرَاهُمْ يَتَبَايَعُونَ بِالذَّهَبِ، والطَّعَامُ مُرْجأ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجوز بيعه قبل قبضه، بخلاف ما ملك بشراء أو إجارة. قال الإمام: اختلف الناس فى جواز بيع المشتريات قبل قبضها، فمنعه الشافعى فى كل شىء، وانفرد عثمان البتى فأجازه فى كل شىء. ومنعه أبو حنيفة فى كل شىء إلا العقار وما لا ينتقل، ومنعه آخرون فى سائر المكيلات والموزونات [ومنعه مالك فى سائر المكيلات والموزونات] (¬1) إذا كانت طعامًا، فتعلق من منع على الإطلاق بقوله: " نهى عن ربح ما لم يضمن " (¬2)، ولم يفرِّق، وعضد ما قاله - أيضًا - بما ذكره ابن عمر هاهنا من منع بيع الطعام الجزاف حتى يؤووه إلى رحالهم، واستثنى أبو حنيفة ما لا ينقل لتعزر الاستيفاء فيه، المشار إليه فى قوله: " نهى عن بيع الطعام حتى يُستوفى ". وأما القولان الآخران فمأخوذان من قوله: " نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى " فنقول: من منع سائر المكيلات يقتضب من هذا علة فلا يصح التعليل إلا بالكيل. وقد نبه عليه بقوله: " حتى يكتاله "، فأجرى سائر المكيلات مجرىً واحدًا. ويقول مالك: فإن دليل خطاب الحديث يقتضى جواز غير الطعام، ولو كان سائر المكيلات ممنوعًا بيعهما قبل قبضها لما خص الطعام بالذكر، فلما خصه دل على أن ما عداه بخلافه، ويمنع من تعليل ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) أخرجه الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى كراهية بيع ما ليس عندك، عن عمرو بن شعيب بلفظ: " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان فى بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك " رقم (1234)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وكذا ابن ماجه فى التجارات، 2/ 737 برقم (2188)، أحمد فى المسند 2/ 179، 205.

وَلَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيْبٍ: مُرْجأ. 32 - (1526) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ ". 33 - (1527) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث بالكيل؛ لأنه تعليل ينافى دليل الخطاب المعلل، والدليل كالنطق عند بعض أهل الأصول. وقد أشار بعض أصحاب مالك إلى أن العلة العينة، واستدل بقول ابن عباس الذى ذكرناه لما سئل، فقال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ، أى مؤخرٌ، وكأنهم قصدوا إلى أن يدفعوا ذهبًا فى أكثر منه والطعام محلل، وفى البخارى عنه: " دراهم بدراهم والطعام مرجأ " (¬1)، وقد ترجح بعض أصحابنا فى الطعام إذا أمن فيه من العِينة التى هى سبب المنع على ما قال ابن عباس، هل يمنع بيعه قبل قبضه لظاهر الخبر أو يسهل فيه؟ ورأيته يميل للتسهيل فى مقتضى كلامه إذا وقع البيع فيه بالنقد، وما أظن أن عثمان البتى سلك فى إجازته بيع كل شىء قبل قبضه إلا هذه الطريقة، وإن كان مذهبنا انفرد به، وهذا شاذ عند العلماء، أضرب عن ذكره كثير منهم. وإذا وضح مأخذ كل مذهب من هذه المذاهب فيتفصل أصحابنا عن تعلق الشافعى بقوله: " نهى عن ربح ما لم يضمن " بجوابين: أحدهما: أن يحمل على بيع الخيار، وأن يبيع المشترى قبل أن يختار. والثانى: أن يحمل ذلك على الطعام [ويخص عموم هذا إذا حملناه على الطعام] (¬2) بإحدى طريقتين؛ إما دليل الخطاب من قوله: " عن بيع الطعام حتى يستوفى "، فدل على أن ما عداه بخلافه، أو يخص ما ذكره ابن عمر من أنهم كانوا يبيعون الإبل بالدراهم ويأخذون عنها ذهبًا، أو بالذهب ويأخذون عنها دراهم، وأضاف إجازة ذلك إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه إجازة ربح ما لم يضمن فى العين، ونقيس عليه ما سوى الطعام، ويخص به النهى عن ربح ما لم يضمن، ويحمل قول ابن عمر الذى قدمناه على الاستحباب، والرواية التى فيها ذكر ضربهم تحمل على أنه فعل ذلك حماية للذريعة، أو على أنهم اتخذوا ذلك عينة ممنوعة. ¬

_ (¬1) البخارى، ك البيوع، ب ما يذكر فى بيع الطعام والحكرة برقم (2132). (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا فِى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ، فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِى ابْتَعْنَاهُ فِيهِ، إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ، قَبْلَ أَنْ نَبِيَعُه. 34 - (1526) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - واللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيهُ ". (1527) قَالَ: وَكُنَّا نَشْتَرِى الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ جِزَافًا، فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى هريرة لمروان: " أحللت بيع الصكاك " يريد صكوك الجاد المذكورة فى المدونة، وهى كتب يكتب لهم فيها طعام يأخذونه. والصكاك والصكوك جمع صك، وهو الكتاب. قال القاضى: الذى نهى عنه من بيع صكوك الجار، عند أهل العلم من أئمتنا وغيرهم، أن يبيعها مشترى ما فيها لا الذى خرجت له فى أرزاقه ليقبضها فى الجار؛ لأن الذى خرجت فى أرزاقه ليس حكمه حكم المشترى وهو كمن وهبت له، ورافعها من أرضه، فله بيعها قبل كيلها وقبضها، وإنما كانوا يبيعونها من غيرهم ثم يبيعها المشترى من غيرهم قبل قبضها، فمنعوا من ذلك، وهكذا جاء فى الحديث مفسرًا فى الموطأ؛ أن صكوكًا خرجت للناس فى زمان مروان من طعام الجار فيتبايع الناس ذلك الصكوك بينهم قبل أن يستوفوها (¬1)، وذكر الحديث وهو فى مسلم مختصر. وفى الموطأ - أيضاً - ما هو أبين؛ أن حكيم بن حزام ابتاع طعامًا أمر به عمر بن الخطاب للناس، فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه، فبلغ ذلك عمر فرده عليه، وقال: " لا تبع طعامًا ابتعته حتى تستوفيه "، وقد ذكر بعضهم أنه يحتمل أنه فسخ البيعتين بقوله آخر الحديث فى الموطأ: بيعة مروان، الحرس ينتزعونها من أيدى الناس ويردونها [إلى أهلها ولو كان إنما نقص بيعة المشترين الآخرين لقال: أتردونها] (¬2) إلى من ابتاعها من أهلها. قال القاضى: ولفظه يحتمل أن يريد بأهلها، فيستحق رجوعها إليه وأما قوله فى الحديث: " كنا نشترى الطعام من الركبان جزافًا، فنهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نبيعه حتى ننقله من مكانه " فقد اختلف العلماء فيما بيع من الطعام جزافًا، هل هو مثل ما بيع على الكيل والعدد والوزن، يجوز بيعه قبل استيفائه ونقله أم لا؟ فمشهور مذهب مالك جوازه؛ ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك البيوع، ب العينة وما يشبهها 2/ 641 رقم (44). (¬2) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.

35 - (1526) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَيَقْبِضَهُ ". 36 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ جَعْفَرٍ، وَقَالَ عَلىٌّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ". 37 - (1527) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُمْ كَانَوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه بتمام العقد صار فى ضمان البائع، فخرج من النهى عن ربح ما لم يضمن، وتأول هذا الحديث أنه فيما بيع بكثرة، بل معناه فى تلقى الركبان. وبجوازه قال عثمان وسعيد ابن المسيب والحسن والحكم، وبهذا على وإسحاق. وذهب الكوفيون والشافعى وأبو ثور وأحمد وداود إلى منعه على إضرابهم فى منعه فى كل شىء، لها ما استثناه بعضهم إلى ما تقدم ومما يزيد بيانًا وحكاه الوقار عن مالك على أصله فى اختصاصه فى المطعومات. وقال ابن عبد الحكم: هو استحسان من قوله، ونحوه فى العتبية. وقال أحمد: هى أن يؤخذ بالحديث وذكره. وحجتهم ظاهر هذه الأحاديث. وقد تقدم التأويل لها والجمع بينها. واختلف عندنا فى تعليل بيع قبل قبضه، هل هو شرع غير معلل أو علته العينة وهو إشارة. قال ابن عباس: إنهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ، وعليه يدل إدخال مالك أحاديث الباب فى باب العينة فى الموطأ (¬1). وقد بقى من الخلاف فى أصل المسألة ما روى عن مالك أن ذلك يختص فيما لا يجوز فيه التفاضل والطعام. ورواه عنه ابن وهب إن كان قد ذكر غير واحد أن العلماء لم يختلفوا فى منع ذلك فى جميع الطعام، وقد تقدم قول عثمان البتى، والمشهور عن مالك عمومه فى جميع المطعومات، وهو قول أحمد، وأبى ثور فى كل ما يقع عليه اسم مطعوم. وذهب الشافعى إلى عموم ذلك فى أنواع المبيعات، ووافقه أبو حنيفة، واستثنى العقار وحده. وقال آخرون: كل بيع على الكيل والوزن - طعام أو غيره - فلا يباع حتى يقبض. وروى عن عثمان، والحسن، والحكم، وداود، وسعيد بن المسيب، وقال به سحنون من أصحابنا. وقال أبو عبيد: وهو قول يحيى بن سعيد وربيعة وعبد العزيز، وقالوه فى العدد، وقاله ابن حبيب. واستثنى العلماء من هذا ¬

_ (¬1) الموطأ، ك البيوع، ب العينة وما يشبهها 2/ 640.

اشْتَرَوْا طَعَامًا جِزَافًا، أَنْ يَبِيعُوهُ فِى مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلوهُ. 38 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا، يُضْرَبُونَ فِى أَنْ يَبِيعُوهُ فِى مَكَانِهِمْ، وَذَلِكَ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَشْتَرِى الطَّعَامَ جِزَافًا، فَيَحْمِلُهُ إِلىَ أَهْلِهِ. 39 - (1528) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنِ الضَّحَاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: " مَنِ ابْتَاعَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل الإقالة والشرك والتولية واتفق مالك، والشافعى، وأبو حنيفة على إجازته فى الإقالة، ومشهور قول مالك جوازه فى الشرك والتولية وخالفاه فيهما. وقد روى عنه منعه فى الشرك. وفى قوله: " حتى يقبضه ويكتاله " دليل على أنه لا يلزمه كيله ثانية للمشترى، وبهذا يقول مالك: أنه يجوز أن يبيعه بالكيل الأول ولا يحتاج إلى كيل ثانٍ إذا حضر المشترى أو صدقه، إلا أن يكون باعه منه بنسيئة، فلا يجوز على التصديق مخافة وقع السلف والتأخير، وذهب أبو حنيفة والشافعى، وأحمد وإسحاق، إلى أنه لابد من أن يكتاله على المشترى ثانيًا، وروى مثله عن الحسن وابن سيرين، واحتجوا بما روى فى بعض طرق هذا الحديث: " حتى يجرى فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشترى "، وفى حديث ابن عمر: " أنهم كانوا إذا اشتروا طعامًا جزافًا يضربون أن يبيعوه فى مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم "، وجواز بيع الجزاف إذ لم ينهوا عن شرائه، وإنما نهوا عن بيعه قبل نقله، وقد تقدم تأويله، وهو جائز فى القليل والكثير من المعدود والموزون؛ لأن التحرى [يحده ويحصره] (¬1)، [وإنما جاز] (¬2) لأنه ليس فى كل حين يحضر الكيل والميزان. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، ومكانه بياض، وقيد من إكمال الإكمال 4/ 192. (¬2) من الأبى، والسياق يقتضيها.

40 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا. فَقَالَ مَرْوَانُ: مَا فَعَلْتُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصكَاكِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى. قَالَ: فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ، فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِى النَّاسِ. 41 - (1529) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا، فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك ما كثر من العدد. وأما ما قل منه فلا يجوز بيعه جزافًا؛ لأنا نصل إلى حقيقة معرفته دون جهالة تبقى ولا ضرورة تمنع فيه. وقد أدخل مسلم فى الباب حديث ابن عمر: أنه كان يشترى الطعام جزافًا، فيحمله إلى إماء ليرى العمل به من راوى الحديث.

(9) باب تحريم بيع صبرة التمر المجهولة القدر بتمر

(9) باب تحريم بيع صبرة التمر المجهولة القدر بتمر 42 - (1530) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ؛ أَنَّ أَبَا الْزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ، لَا يُعْلَمُ مَكِيَلتُهَا، بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ. (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: مِنَ التَّمْرِ فِى آخِرِ الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر ". قال الإمام: [إنما نهى عن] (¬1) هذا لأنه قد يقع فى الربا، ولا فرق بين تحقق التفاضل أو تجويزه فى منع العقود، وهو أيضًا نوع من المزابنة، وسنتكلم على المزابنة فيما بعد إن شاء الله. ¬

_ (¬1) من ع.

(10) باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين

(10) باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين 43 - (1531) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْبَيِّعَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ ". (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيعان كل واحد منهما على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " فى غير حديث مالك بعد قوله: " ما لم يتفرقا ": " وكانا جميعاً، أو يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع "، قال القاضى: هذا حديث متفق على صحته والعمل به، لكن اختلف فى تأويله، فذهب الشافعى والثورى - فى أحد قوليه - والليث، وربيعة والأوزاعى وأهل الظاهر وسفيان بن عيينة وابن المبارك وهما أصحاب الحديث [وفقهاء أصحاب الحديث] (¬1) إلى الأخذ بظاهره، وإلى أن المراد منه الافتراق بالأبدان، وهو قول سعيد بن المسيب والزهرى وابن أبى ذئب من المدنيين وجماعة من الصحابة والتابعين، وأن المتبايعين إذا عقدا بينهما بالخيار ما داما فى مجلسهما. وترك العمل به مالك وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف والثورى - فى رواية - وربيعة، وروى عن النخعى، قال بعضهم: ومعنى التفرق بالأقوال وإنما إذا عقد البيع بينهما ولم يكن لأحد منهما خيار، وقال طائفة من أصحابنا وغيرهم: إنه على ظاهره، لكن على الندب والترغيب لا على الوجوب، كما جاء فى الحديث الآخر: " من أقال نادمًا بيعته أقال الله عسرته " (¬2)، وكان ذلك قبل التفرق أخف وبعده أصعب لاختلاف الأحوال بعد التفرق بالزيادة والنقصان واغتباط النفس به وألفها له. وهذا التأويل لا يساعده لفظ الحديث ويبعد منه. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) بهذا اللفظ فى نصب الراية، ك البيوع، ب الإقالة 4/ 30 وهو فى أبى داود، ك البيوع، ب فضل الإقالة، بلفظ: " من أقال مسلمًا أقال الله عثرته " 2/ 246، وكذا لابن ماجه، ك التجارات، ب الإقالة 2/ 741.

وَعَلَىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف القائلون بشرط الافتراق للأبدان، فأخذه مذهب الأوزاعى إلى أنه يتوارى أحدهما عن صاحبه. وقال الليث: هو أن يقوم أحدهما، وقال الباقون: هو افتراقهما عن مجلسيهما ومقامهما. قال الإمام: اختلف الناس فى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فأخذ به الشافعى وجماعة غيره من الأئمة، ورأوا أن خيار المجلس ثابت فى البيع، ولم يأخذ مالك به، واعتذر أصحابه عن مخالفته إياه مع أنه رواه بنفسه بمعاذير، منها: أنهم قالوا: لعله حمل التفرق هاهنا على التفرق بالأقوال، فيكون معنى قوله: " المتبايعان " أى المتساومان مكانهما بالخيار، ما داما يتساومان حتى يفترقا بالإيجاب والقبول، فيجب البيع وإن لم يفترقا بالأبدان، قالوا: الافتراق بالأقوال تسميته غير مستنكرة، وقد قال تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ} (¬1) يعنى المطلق، والطلاق لا يشترط فيه فرقة الأبدان. واستدلوا على هذا لما وقع فى الترمذى والنسائى وأبى داود من قوله: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " (¬2) ولو كان له الفسخ قبل التفرق جبرًا لم يحتج إلى أن يستقيله، ولا وجه لحمل الاستقالة على الفسخ؛ لأن ذلك بعيد عن مقتضاها فى اللسان، ولأنه - أيضاً - إذا قال أحدهما لصاحبه: اختر، فاختار، وجب البيع. ولا فرق بين [هذا] (¬3) الالتزام الثانى والالتزام الأول؛ لأن المجلس لم يفترقا عنه، فإذا وجب بالقول الثانى وجب بالقول الأول. واعتذر آخرون بان قالوا: العمل إذا خالف الحديث وجب الرجوع إلى العمل؛ لأن من تقدم لا يتهمون بمخالفة هذا الحديث الظاهر، إلا أنهم علموا الناسخ له فتركوه لأجله. وقال آخرون: لعل المراد به الاستحثاث على قبول استقالة أحد المتبايعين وإسعاده بالفسخ، وتكون الإقالة فى المجلس سنة بهذا الحديث، وبعد الافتراق من المجلس تفضلاً واستحبابًا. وهذه التأويلات عندى لا يصح الاعتماد عليها. أما استعمال التفرق فى الأقوال، فلا شك أن استعماله فى الأبدان أظهر منه، والأخذ بالظاهر أولى، وأيضاً فإنه المتساومين لم يكن بينهما عقد ولا إيجاب فيعلم أنهما بالخيار، وإنما يعلم الخيار بعد الإيجاب بهذا الحديث. ¬

_ (¬1) النساء: 130. (¬2) أبو داود، ك البيوع، ب فى خيار المتبايعين 2/ 245، وكذا الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى البيعين بالخيار ما لم يتفرقا (1247) وقال: هذا حديث حسن، النسائى، ك البيوع، ب وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما بأبدانهما (4483). (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول بعض أصحابنا إنه مخالفة للعمل فلا يعول عليه - أيضاً - لأن العمل إذا لم يرد به عمل الأمة بأثرها، أو عمل من يجب الرجوع إلى عمله، فلا حجة فيه؛ لأن قصارى ما فيه أن يقول عالم لآخر: اترك علمك لعلمى، وهذا لا يلزم قبوله إلا ممن تلزم طاعته فى ذلك، وكذلك حمل هذا على الندب بعيد، لأنه نص على إثبات الخيار فى المجلس من غير أن يذكر استقالة ولا علق ذلك بشرط. وأمثل ما وقع لأصحابنا فى ذلك عندى: اعتمادهم على قوله: " ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " فإن الاستقالة فيما قالوه أظهر منها فى الفسخ بالجبر الذى يقوله المخالف، وإنما يبقى النظر فى طريق هذه الزيادة وثبوتها، ثم يجمع بينها وبين ما تقدم ويبنى بعضها على بعض، أو يستعمل الترجيح إن تعذر البناء وجهلت التواريخ. هذا هو الإنصاف والتحقيق فى هذه المسألة وقد يتعلق أصحابنا بحديث اختلاف المتبايعين أنهما حكم فيهما بالتحالف والتفاسخ، ولم يفرق بين المجلس وغيره، فلو كان لهما ما احتاجا إلى التحالف، ويحمل هذا عند المخالف على التحالف فى الثمن فى بيع وجب واستقر حتى لا يمكن فسخه، وحديثهم أخص من هذا، فيكون بيانًا له، مع أن الغرض فى حديث اختلاف المتبايعين تعليم حكم الاختلاف فى الثمن، والغرض فى البيعين بالخيار تعليم مواضع الخيار وأخذ الأحكام من المواضع المقصود فيها تعليمها أولى من أخذها، مما لم يقصد فيه ذلك. قال القاضى: لا خفاء أن مقتضى قوله: " لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله " ظاهره الوجوب على ما جاء فى بعض الروايات، لكن ترك معظم السلف وأهل المدينة ممن روى الحديث وبلغه العمل به من أقوى ما يتمسك به فى أنه غير واجب. وهذا ابن عمر - وإن كان قد عمل به - قد خالف مقتضى هذه الزيادة مما ذكره عنه مسلم بعد هذا، ورجوعه القهقرى عند مبايعته لعثمان، مخافة أن يستقيله، ثم قال فى حديث ذلك: " وكانت السُنة يومئذ أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا "، فدل أن السنة حين تحدث بهذا لم تكن كذلك، ولا كان يعمل بها، ولو كان الأمر واجبًا لأنكر هذا ابن عمر، وحملت أولاً على الوجوب لما تركت. وقوله: " إلا بيع الخيار ": أصل فى جواز بيع الخيار المطلق والمقيد [ولا خلاف] (¬1) فيه على الجملة. واختلف هل يجوز إذا أطلق وإذا قيد؟ وهل البائع والمشترى سواء فى ¬

_ (¬1) فى ق: ولاختلاف.

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاك، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ اشتراطه؟ وهل له حد لا يتعداه أم لأحد له إلا ما [ضرياه] (¬1)؟ أم حده بمقدار ما تختبر فيه السلعة؟ فذهب مالك فى المشهور عنه إلى أنه لا حد له لا يتعدى، لكن يجوز أن يضرب لكل سلعة من الأجل مقدار ما تختبر فيه بالثوب اليوم واليومان، والعبد إلى الجمعة، وروى عن ذلك شهر، والدابة تركب اليوم وشبهه، والدار الشهر ونحوه. قال الداودى: وقيل: الشهران والثلاثة [وشبهه] (¬2)، وحكى عنه الخطابى فى الضيعة (¬3) السُّنةُ. قال بعض أصحابنا: وهذا معنى قول مالك فى الموطأ فى حديث " البيعين بالخيار ما لم يتفرقا " لهذا عندنا حد. معروف ولا أمر معمول به فيه (¬4)، وإن هذا اللفظ راجع إلى قوله فى آخر الحديث: " إلا بيع الخيار " وهو أولى ما تأول على مالك لا سواه. قال [بعض] (¬5) أصحابنا: وهذا إن كان خيارهما للاختبار، وإن كان خيارهما للشورى فهذان قول مالك فى الموطأ ما يشاورون فيه (¬6). وعلى هذا المعنى يترتب عند أصحابنا مدة الخيار فى طولها وقصرها، وهذا يصح كله فى المشترى. وأما خيار البائع فهو - أيضاً - مقدار ما يحتاج فيه الخيار فى أخذ الرأى والمشاورة، فإن ضرب فى الآجل أبعد ما تقدم بكثير فسخ البيع عند مالك، وأجاز الثورى اشتراط عشرة أيام فى الخيار للمشترى، ولا يجوز شرطه للبائع، فإن شرطه فسد البيع. وأجاز الأوزاعى اشتراط الخيار شهرًا وأكثر، وروى مثله لمالك، ونحوه قول ابن أبى ليلى والعنبرى والحسن بن صالح وأبى يوسف ومحمد بن الحسن وإسحاق وأبى ثور وفقهاء أصحاب الحديث وداود؛ أن الشرط لازم إلى الوقت الذى شرطاه. وذهب أبو حنيفة والشافعى وزفر والأوزاعى - فى أحد قوليه - إلى أن الخيار لا يعدو ¬

_ (¬1) فى اللسان: ضرِى به ضَرا وضراوةً، وفى الحديث: " إن للإسلام ضراوة " أى عادة ولهجًا به لا يصبر عنه. وفى حديث على - كرم الله وجهه - أنه نهى عن الشرب فى الإناء الضارى، وهو الذى ضُرِّىَ بالخمر وعود بها. قال أبو زيد: الضراوة العادة، ضرى الشىء بالشىء: إذا اعتاده، فلا يكاد يصبر عنه. اللسان، مادة " ضرا ". (¬2) من ق. (¬3) الضيعة: هى أن يضع المال فى يدى المشترى، ثم يخير البائع بين المال أو الثمن، فقد روى سعيد بن منصور، عن خالد بن عبد الله، عن عبد العزيز بن حكيم قال: رأيت ابن عمر اشترى من رجل بعيرًا، فاخرج ثمنه فوضعه بين يديه، فخيره بين مبيعه أو الثمن. راجع: الفتح 4/ 385. (¬4) مالك فى الموطأ، ك البيوع، ب بيع الخيار 2/ 671 برقم (79). (¬5) من ق. (¬6) انظر: السابق.

44 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيَّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ ". 45 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ زهُيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَمْلَى عَلِىَّ نَافِعٌ؛ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايعَانِ بِالْبَيْعِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، فَإِذَا كَانَ يَبْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، فَقَدْ وَجَبَ ". زَادَ ابْنُ عُمَرَ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ إِذَا بَايَعَ رَجُلاً فَأَرَادَ أَلا يُقِيلَهُ، قَامَ فَمَشَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثة أيام ولا تجوز الزيادة عليه، فإن زاد فسخ البيع، وحجتهم حديث منقذ بن حبان، وحديث المصراة، وفيه ذكر ثلاثة أيام (¬1) قال الشافعى: ولولا ما جاء فيه ما زاد ساعة (¬2). وكذلك اختلفوا إذا أطلق الخيار وتبايعا عليه ولم يسميا مدة، فعند مالك أن البيع جائز ويضرب للسلعة: مقدار ما تختبر فيه كما لو ضرباه وبيناه. وقال إسحاق وأحمد: يجوز البيع ويلتزم الشرط وله الخيار أبدًا حتى يرد أو يأخذ. قال ابن أبى ليلى والأوزاعى: البيع جائز والشرط باطل، ويسقط الخيار. وقال أبو حنيفة وصاحباه والثورى والشافعى: البيع فاسد، قال أبو حنيفة: إلا فى هذه الثلاث فيجوز، ولا يجوز بعد الثلاث، وقال صاحباه: يجوز متى أجازه، وقال الشافعى: لا يجوز وإن أجازه فى الثلاث. وقال الطبرى: البيع صحيح، والثمن حال ويوقف، فإما أجازه فى الحين أورده. وقوله: " فإن خَيَّرَ أحدهما الآخَرَ فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وَجَبَ البيعُ ": كل من أوجب الخيار للمتبايعين يقول: إذا خيره فى المجلس فاختار، فقد وجب البيع وإن لم يفترقا، فالمقتضى هذا اللفظ لاستثناء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيع الخيار من تخير المتبايعين قبل الافتراق، وزيادته هذا البيان. وقوله عن ابن عمر: " وكان إذا بايع رجلاً فأراد ألا يقبله مشى هنيهة ثم رجع إليه ": ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 20/ 247. (¬2) راجع: الأم للشافعى 2/ 132.

هُنَيَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ. 46 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَار؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أى مشى شيئًا يسيرًا ليقع الافتراق، وهذا يدل على أخذ ابن عمر بالحديث، وأن التفرق بالأبدان، وهو معنى قوله فى الحديث الآخر: " ما لم يتفرقا وكانا جميعًا " والهنيهة: الشىء القليل، تصغير هنية، وهى كلمة يعبر بها عن كل شىء، وأظهر تضعيف الهاء فيها عند التصغير.

(11) باب الصدق فى البيع والبيان

(11) باب الصدق فى البيع والبيان 47 - (1532) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ". (...) حدّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِى التَّيَّاح، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: وُلِدَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فِى جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى: محق بركة بيعهما: أى نقص ذلك وقلل.

(12) باب من يخدع فى البيع

(12) باب من يخدع فى البيع 48 - (1533) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِى الْبُيُوعِ. فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلاَبةَ ". فَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبِدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - للذى كان يُخْدَعُ فى البيوع: " إذا بايعت فقل لا خلابة "، وكان إذا بايع يقول: " لا خيابة ": كذا هى الكلمة الأخيرة بياء باثنتين من تحتها بدل اللام عند أكثر شيوخنا فى هذا الحديث فى مسلم وغيره، وهو الصحيح؛ لأنه كان أنفع، وعبر بعضهم: " لا خيانة " بالنون، وهو تصحيف، وفى بعض الروايات فى غير مسلم: وكان يقول: " لا خذاب " بالذال المعجمة. قال الإمام: غبن المسترسل وهو المستسلم لبيعه ممنوع، وإذا وقع فله القيام ولا يلزمه الغبن، وإن لم يستسلم لبيعه وماكَسه، وكان بصيرًا بالقيمة عارفاً بها فلا قيام له؛ لأنه يكون حينئذ كالواهب لما غبن فيه. وإن كان غير بصير بالقيمة فهذا موضع اختلاف الأئمة، وقد تجاذبوا الاستدلال بالكتاب والسنة، واستدلوا أجمعون بقوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُم} (¬1)، فقال من أثبت الخيار بالمغابنة: إن أمضاها عليه أكل المال بالباطل فقد نهت عنه هذه الآية، وقال: من أمضى البيع عليه فإن ذلك عن تراض، وقد استثنته هذه الآية. وكذلك - أيضاً - تجاذبوا هذا الحديث، فقال بعضهم: فإنه - عليه السلام - أثبت له الخيار فى بعض طرق هذا الحديث. وذلك يدل على ما قلناه من إثبات الخيار للمغبون. وقال من أمضى عليه المغابنة: لو كان له ذلك مجرد الغبن ما افتقر إلى الشرط وهو قوله: " لا خلابة ". ورجح من أثبت الخيار مذهبه بما قدمناه فى حديث النهى عن تلقى الركبان؛ لأنه - ¬

_ (¬1) النساء: 29.

الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَيْسَ فِى حَدِيِثهِمَا: فَكَانَ: إِذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام - أثبت للجالب الخيار إذا جاء إلى السوق، قالوا: وليس ذلك إلا للغبن، وقد تقدم كلامنا على هذا الحديث فى موضعه. وإذا قلنا بإثبات الخيار بالمغابنة، فإنها ذلك فيما خرج عن المعتاد منها، الذى لا يكاد تسلم منه البياعات. وقد حده بعض أصحابنا بالثلث؛ لأن أكثر البياعات لا تكاد تسلم من الغبن اليسير؛ ولهذا انتصب التجار، وعليه تقع أكثر البياعات. فكأن المغبون على ذلك دخل. وقد قال بعض الناس: فى هذا الحديث دلالة على أن الكبير إذا سفه لا يحجر عليه. وقال بعضهم: وهذا لا تعلق لهم فيه؛ لأنه لا يجب الحجر على المغبون وانتزاع ماله من يده إذا كان ممسكًا له، ولكنه ينهى عن التجارة المؤدية لإضاعته. وقوله: " كان الرجل إذا بايع يقول (¬1): لا خيابة ": أشار بعضهم إلى أنه كان ألثغ؛ فلهذا غير الكلمة. قال القاضى: وهذا الرجل هو حبان بن منقذ بن عمرو الأنصارى، والد يحيى، وواسع بن حبان، شهد أحدًا، وقيل: بل هو منقذ أبوه، وكان قد أتى عليه مائة وثلاثون سنة، وكان شج فى رأسه فى بعض مغازيه مع النبى - عليه السلام - على بعض الحصون بحجر مأمومة، تغير منها لسانه وعقله، وذكر الدارقطنى: أنه كان ضرير البصر، وروى أن النبى - عليه السلام - جعل له هذه الثلاث، وكان أكثر مبايعته بالدقيق شهر فيها وتبين غبنه. وقد روى - أيضًا - أن النبى - عليه السلام - جعل له مع هذا خيار ثلاثة أيام فيما اشتراه، أو فى كل سلعة ابتعاها. وقد اختلف الناس فى معنى هذا الحديث، فبعضهم جعله خاصًا لهذا الرجل وغيره، وأن المغابنة بين الناس ماضية وإن كثرت وهو قول مالك والشافعى وأبى حنيفة، وقيل: للمغبون الخيار لهذا الحديث إذا كثرت، وإليه ذهب البغداديون من المالكيين وحددوها بالثلاث، وصار الحديث عامًا متعديًّا. وقد اختلف الأصوليون فى قضايا الغبن، هل تعدى أم تقصر إلا بدليل؟ وقد اختلف المذهب عندنا فيمن يخدع فى البيوع، هل يضرب على يديه أم لا؟ وقال بعضهم: فيه حجة على إمضاء بيع من لا يحسن النظر لنفسه وشرائه ما لم يحجر عليه، وفى مذهبنا فى ذلك وغيره اختلاف معلوم. وقوله: " ذكر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يخدع فى البيوع "، وفى حديث آخر: " شكا " ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: قال، والمثبت من الصحيحة المطبوعة، ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يدل أنه ممن لم يبعد ميزه ولا النظر لنفسه بالكلية، ولعله إنما كان يعتريه هذا ويلبس عليه، وأنه تبين له ذلك إذا ثبت فيه، أما الذى يضرب على يديه ممن لا يتهم ذلك من نفسه أو من لا يعد المال شيئًا ولا يرجع عن شهوته.

(13) باب النهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع

(13) باب النهى عن بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها بغير شرط القطع 49 - (1534) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُو صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ. (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 50 - (1535) وحدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بيع النَّخْلِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الثمر حتى يطيب "، وفى حديث آخر: " حتى يبدو صلاحه "، وفى بعض طرقه: " عن بيع النخل حتى يزهو " كذا رويناه هنا: " وعن السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة "، وفى رواية أخرى: " وتذهب عنه الآفة " - وهما بمعنى - وفى حديث آخر: " حتى يأكل منه أو يؤكل وحتى يوزن "، وفسر فى الحديث معنى " يزن " أى يخرج، قال الإمام: قال ابن الأعرابى: يقال: زها النخل يزهو: إذا ظهرت ثمرته، وأزها: إذا احمر أو اصفر. قال غيره: يزهو خطأ فى النخل، إنما هو يُزْهِى. قال القاضى: قال الأصمعى: لا يقال فى النخل: أزهى، وإنما يقال: زها، وحكاه أبو زيد معًا. وقال الخليل: أزها الثمر: بدا صلاحه. قال غيره: هو ما احمر واصفر، وهو الزّهو والزُهو معًا. قال الإمام: بيع الثمر قبل الزهو على التبقية ممنوع، وعلى القطع جائز، وفيه خلاف إذا وقع على الإطلاق، فحمل بعض شيوخنا على المدونة الجواز، وحمل عبد الوهاب على المذهب المنع، وذكر أن الإجازة هى مذهب المخالف، واحتج للمنع بإطلاق النهى، وهو قوله: " لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه "، ولم يفرق. فخص شرط الجد بالاتفاق على جوازه، وبقى الباقى على عمومه، وتعلق من أجاز بأنه علل المنع بما وقع فى بعض الأحاديث من قوله: " أرأيت إن منع الله الثمرة، فيما يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " (¬1) وإذا ¬

_ (¬1) بهذا اللفظ فى الموطأ، ك البيوع، ب النهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها 2/ 618 برقم (11)، وأخرجه مسلم فى المساقاة، ب وضع الحوائج رقم (1555). بلفظ: " أرأيتك إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك؟ ".

يَزْهُوَ، وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأمَنَ العَاهَةَ. نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِىَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جدها فى البيع على الإطلاق آمن من هذا الذى علل به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النهى، فوجب الجواز. وسبب الاختلاف من جهة المعنى: أن الأصلين المتقدمين قد اتفقنا فى أحدهما على المنع وفى الآخر على الجواز، فيجب أن يعتبر هذا الفرع المختلف فيه بأى الأصلين يلحق؟ فالأصح عند شيخنا - رحمه الله - إلحاقه بأصل الجواز؛ لأن الإطلاق فى البيع لا يقتضى التبقية؛ لأنها انتفاع بملك آخر لم يشترط ولم يقع البيع عليه، فللبائع أن يمنع من بقائها فى نخله إذا لم يشترط ذلك عليه، ولا هو من مقتضى الإطلاق. [فإن] (¬1) كان مقتضى الإطلاق القطع - على ما بينا - كان الجواز أولى، وكمن باع صبرة طعام فى داره، فأراد المشترى أن يبقيها فى دار البائع شهرًا، فليس ذلك له باتفاق؛ لأنه ليس من مقتضى الإطلاق، وكذلك مسألتنا، وكان من منع يرى أن العوائد فى الثمار بقاؤها إلى الطياب، فصار ذلك كالمشروط، ولو اشترى صبرة طعام بالليل بحيث يتعذر نقلها قبل الصباح، لم يلزم المبتاع إخراجها من دار البائع فى الوقت الذى لا يمكن الإخراج فيه؛ لأجل أنه كالمستثنى بقاؤها الزمن المعتاد. وإذا كان محمل البيع على التبقية عند هؤلاء وجب المنع بلا شك. وأما إذا بيعت الثمرة بعد الزهو مطلقًا فعندنا تجب التبقية، وعند أبى حنيفة يجب القطع، وكذلك إذا بيعت بعد الزهو [بشرط التبقية] (¬2) فيجوز عندنا، ويمنع عند أبى حنيفة، وكان عنده النماء الحادث بزيادة لم توجد ولم تتحصل، فلا يصح العقد عليها وقد يعارض فى هذا الموضع بأن يقال: إن مذهبكم أنها بعد الزهو على التبقية، وليس ذلك من مقتضى الإطلاق عندكم كما قلتموه فى مسألة بيعها قبل الزهو على الإطلاق. قلنا: كان مالكًا وأصحابه رأوا العادة مطردة فى مشتريها بعد الزهو؛ أنه لا يشتريها إلا للتبقية وحتى تصير إلى حال يمكن ادخارها فيها، فيحمل الإطلاق على المعتاد فى ذلك، ويؤكد جواز اشتراط التبقية بعد الزهو. قوله: " نهى عن بيع الثمر حتى يزهو ": فجعل غاية النهى الزهو، وإذا وقع الزهو وقعت الإجازة على الإطلاق وبخلاف ما قبل الزهو؛ لأنه نهى عن ذلك - أيضاً - مطلقًا، ولم تجر فى ذلك عادة واضحة فوقع فيه الاضطراب لذلك. قال القاضى: وقوله: " وعن السنبل حتى يبيض ": دليل على جواز بيعه إذا ابيض فى سنبله واشتد، جاز بيعه قبل حصاده، وهو قول مالك والكوفيين وأكثر العلماء وقال به ¬

_ (¬1) فى جميع نسخ الإكمال: فإذا، وكذا بعض نسخ ع، والمثبت من الصحيحة المطبوعة، ع. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك من الهامش بسهم.

51 - (1534) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَتَذْهَبَ عَنْهُ الآفَةُ ". قَالَ: يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتهُ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، لَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. (...) حدّثنا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ. (...) حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَعُبَيْدِ اللهِ. 52 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ويَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوْ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ: فَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ: مَا صَلاَحُهُ؟ قَالَ: تَذْهَبُ عَاهَتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعى مرة، وقال - أيضًا -: لا يجوز حتى يحصد ويدرس ويصفى من تبنه وهو أول قوليه، ولا خلاف لا يجوز إذا اختلط فيه الأندر للدراسى، أو كدس بعضه على بعض قبل تصفيته. واختلف عندنا إن كان حزمًا أو قفصًا يأخذها الحزر والتحرى، ولا تخفى فى تعيينها على قولين. ولم يختلف عندنا فى جواز بيعه قائمًا فى سنبله فى فداء دينه بعد طيبه ويبسه، وتفريقه - عليه السلام - بين الزرع فى هذا والثمار، فأجاز بيع الثمار بأول طيبها، ولم يجزه فى الزرع حتى يتم طيبه؛ لأن الثمار تؤكل غالبًا، وتستعمل من أول طيبها، وهذا معنى قوله فى رواية: " وتؤكل منه "، والزرع إنما يؤكل ويستعمل غالبًا بعد يبسه وتمامه. واختلف العلماء فى معنى نهيه - عليه السلام - عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها،

53 - (1536) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيْرُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنِ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى - أَوْ نَهَانَا - رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ. 54 - (...) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ ابْنُ حَاتِمٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ. قَالَا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ. 55 - (1537) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِى البَخْتَرِىِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ؟ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يُؤْكَلَ، وَحَتَّى يُوزَنَ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا يُوزَنُ؟ فَقَالَ رَجُل عِنْدَهُ: حَتَّى يحْزَرَ. 56 - (1538) حدّثنى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا مُحَمِّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ أَبِى نُعْمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا ". 57 - (1534) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - واللَّفْظُ لَهُمَا - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُو صَلاحُهُ، وَعَنْ بَيْع الثَّمَرِ بِالتَّمرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فذهب أبو حنيفة أن ذلك على الندب لا على الوجوب، وأمضى بيعها إذا ظهرت وإن لم يبد صلاحها، سواء وبرت أو لم توبر، اشترط جذها أو لم يشترطه، وعلى المشترى جذها وقطعها ما لم يشترط تبقيتها إلى الجذاذ، فيفسد به البيع، وهذا كأحد القولين عندنا. وقال جمهور العلماء بفساد البيع إلا أن يشترط الجذ وهو أظهر القولين عندنا، وروى عن الثورى وابن أبى ليلى أنه لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها جملة، شرط

(1539) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِى بَيْعِ الْعَرَايَا. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِى رِوَايَتِهِ. أَنْ تُبَاعَ. 58 - (1538) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ - وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ - قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَلَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ، سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ جذها أو لم يشترطه، وقول الجماعة أصح عنهما، وأما إذا بدا صلاحها فجائز عند جميعهم شرط نهايتها، ويلزم الشرط إلا عند أبى حنيفة وأبى يوسف، فيفسد عندهم البيع بهذا الشرط، وعند مالك: أنه يلزم البائع تبقيتها إلى الجذاذ وإن لم يشترط البقاء. وقال ابن حبيب هى على الجذ حتى يشترط البقاء.

(14) باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا فى العرايا

(14) باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا فى العرايا 59 - (1539) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ ثَمَرُ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ. وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الزَّرْعُ بِالْقَمْحِ، وَاسْتِكْرَاءُ الأَرْضِ بِالْقَمْحِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَلَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ ". وَقَالَ سَالِمٌ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ رَخَّصَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ونهى عن المزابنة والمحاقلة ". والمزابنة: أن يباع ثمر النخل بالتمر. والمحاقلة: أن يباع الزرع بالقمح واستكراء الأرض بالقمح، وفى الحديث الآخر: " نهى عن بيع الثمر بالتمر "، وقال: " ذلك الربا " فلغى المزابنة، وفى الحديث الآخر مكان " الربا ": " الزبن " وهو من معنى المزابنة. والخرص بالفتح اسم الفعل، وبكسر الخاء اسم الشىء المخروص، كالذَّبح والذِّبح. وقوله: " حتى يأمن العاهة " (¬1) هى الآفة تصيب الثمار والزرع فتفسده. قال الخليل: العاهة: البلية تصيب الزرع والناس، قال غيره: هى الآفة تصيب المال. قال الإمام: ذكر هاهنا النهى عن المزابنة، وفسرها بتفاسير مختلفة يجمعها عندنا أصل واحد، وإن كان بعضها أوسع من بعض وأبسط، وقال فى طريق: " إنها بيع ثمر النخل بالتمر "، وزاد فى طريق آخر: " الكرم بالزبيب كيلاً "، وفى طريق آخر: " بيع الزرع بالحنطة كيلاً "، وقال فى بعض طرقه: " عن كل ثمر بخرصه ". وعقد المذهب فى المزابنة عندنا أنها بيع معلوم بمجهول من جنس واحد، أو بيع مجهول بمجهول من جنس واحد أيضاً، فإن كان الجنس مما فيه الربا دخله وجهان من التحريم: الربا والمزابنة. أما دخول الربا فيه، فلجواز أن يكون أحدهما أكثر من الآخر، ولا فرق بين تجويز ذلك أو تيقنه فى المنع. ¬

_ (¬1) تقدم بالباب السابق برقم (50).

ذَلِكَ فِى بَيْع الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِى غَيْرِ ذَلِكَ. 60 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما دخول المزابنة فيه، فلأن أصل الزبن فى اللغة الدفع، ومنه قوله تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (¬1) يعنى ملائكة النار؛ لأنهم يدفعون الكفرة فيها للعذاب، ومنه قيل للحرب: ذبون؛ لأنها تدفع بنيها للموت، ومنه قول معاوية: ربما زبنت، يعنى الناقة فكسرت أنف حالبها، يقال للناقة إذا كانت عادتها أن تدفع حالبها عن حلبها: زبون، فكان كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه بما يزداد منه، أو إذا وقف أحدهما على ما يكره تدافعا، فحرص على فسخ البيع، وحرص الآخر على إمضائه، وهذا شبيه بتسميته ما يؤخذ عن العيب أرشاً، لما فيه من التنازع والخصومة، يقال: أرشت بين القوم تأريشًا: إذا أفسدت. وألقيت بينهم الشر، والأرش مأخوذ من التأريش، وإذا ثبت أن هذا أصله، وإذا كانت الأشياء متجانسة انصرفت الأغراض إلى القلة والكثرة، فيقول كل واحد: لعل ما آخذه أكثر فأغبن صاحبى، وهذا لا يرتفع حتى يكونا جميعًا معلومين، وأما إن كانا مجهولين أو أحدهما فهذا التدافع حاصل، فمنع لذلك وإن لم يكن ما وقع عليه التبايع فيه الربا. وقوله فى بعض الطرق: " وعن كل تمر بخرصه " يؤكد ما قلنا فى تفسيرها، لكن إذا تباين الفضل أنه فى أحد الجانبين جاز ذلك فيما يجوز فيه التفاضل ويقدر المغبون واهباً للفضل لظهوره له، وإذا كانت الأشياء مختلفة ولا مانع يمنع من العقد عليها لم يدخلها التزابن؛ لصحة انصراف الأغراض؛ لاختلاف المعانى فى الأعواض. قال القاضى: ما فسر به المزابنة فى الحديث هو أحد أنواعها كما ذكر، ونبه بذلك على غيره، كما فسره مالك فى الموطأ من قوله فى المزابنة: إن كل شىء من الجزاف الذى لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده لا يباع بشىء من المكيل أو الموزون أو المعدود، إلى آخر ما ذكره فى الموطأ (¬2) من أنواع المخاطرة فى تقرير المبيع من المطعوم وغيره، وقد عقد فيه قبل ما يكفى. قال ابن حبيب: الزبن والمحاقلة الخطر، وقيل: هو من الزبن وهو الدفع، كأنه دفع عن البيع الشرعى وعن معرفة التساوى. ومعنى قوله: " بيع الزرع بالحنطة كيلاً "، وكذلك قال فى العنب والزبيب والثمر والتمر والظاهر أن الكيل إنما هو فى أحدهما، وهو الذى يتأتى منه الكيل مما يبس ويقع المخاطر فى الآخر، ولذلك نهى عنه؛ إذ لا يدرى مقدار ما يدفع منه، ألا تراه كيف قال فى الحديث: " إن زاد فلى، وإن ¬

_ (¬1) العلق: 18. (¬2) ك البيوع، ب ما جاء فى المزابنة والمحاقلة 2/ 625.

عَنْ زَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرَّيةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخِرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ. 61 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ نقص فعلىَّ "؛ ولهذا قلنا فى غير الطعام الذى لا يجوز فيه التفاضل: لو حقق أن ما وقع إليه أكثر أو أقل لجاز، وقد ارتفع. وأجمع العلماء على أنه لا يجوز بيع الزرع قبل حصده بالطعام، ولا بيع العنب والنخل قبل جذه بالتمر أو الزبيب. واختلفوا فى بيع رطب ذلك تبايعه مجذوذ، فحمله بعضهم على منعه، لا يجوز متفاضلاً ولا متماثلاً. وأجازه أبو حنيفة متماثلاً، وخالفه صاحباه، ومنعه أصحابنا فى كل رطب ويابس من الثمار، وأجاز بعضهم ذلك فيما يجوز فيه التفاضل إذا تبين الفرق، وهو الصحيح وعليه حمل مجمل قول الآخرين. قال الإمام: وأما قوله: " والمحاقلة أن يباع الزرع بالقمح واستكراء الأرض بالقمح " هذا الذى وقع فى التفسير فى هذا الحديث، وبعض أهل اللغة يقول: الحقل اسم للزرع الأخضر، والحقل اسم للأرض نفسها التى تزرع فيها. وفى الحديث: " فما تصنعون بمحاقلكم " (¬1) أى بمزارعكم، يقال للرجل: أحقل، أى أزرع. وقال الليث: الحقل الزرع إذا تشعب من قبل أن تغلظ سوقه. فإن كانت المحاقلة مأخوذة من هذا فهو من بيع الزرع قبل إدراكه. قال: والحقلة: المزرعة، ويقال: لا تنبت البقلة إلا الحقلة. وقال أبو عبيد: هو بيع الطعام وهو فى سنبله بالبر مأخوذ من الحقل، وهو الذى يسميه الناس بالعِرَاق: القراح. وقال قوم: هى المزارعة بالجزء مما تنبت الأرض. قال الإمام: الذى وقع فى الحديث من التفسير يجمع هذا كله؛ لأنَّا إِنْ قلنا: إن ذلك تسميته للزرع الأخضر فكأنه نهى عن بيعه بالبر؛ إذ بيعه بالعروض والعين يجوز إذا كان معلوماً، وكان المحاقلة تدل على ذلك لأنها مفاعلة؛ ولذلك قال أبو عبيد فى تفسيرها: إنها بيع الطعام فى سنبله بالبر، وظن الآخرون أنها بيعه قبل زهوه، فكأنه قال: نهى عن بيع الزرع الأخضر، وهذا يطابق قوله: " نُهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض "، فهذه طريقة من صرف التسمية إلى الزرع الأخضر. ووقع الاختلاف بينهم هل المراد بيعه وهو أخضر قبل زهوه، أم المراد بيعه فى سنبله بقمح آخر لا يعلم حصول التماثل بينهما؟ والوجهان ممنوعان إذا بيع فى الوجه الأول على التبقية، وطريقة من صرفه إلى الأرض نفسها اختلف - أيضاً - هل المراد اكتراؤها بالحنطة ¬

_ (¬1) سيأتى فى باب كراء الأرض برقم (114).

أَخْبَرَنِى نَافِعٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِى الْعَرِيَّةِ يَأخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أم اكتراؤها بالجزء مما تنبت؟ والوجهان - أيضاً - ممنوعان عندنا، وخالفنا فى جواز ذلك غيرنا من العلماء. وسنتكلم عليه فيما بعد إن شاء الله. قال القاضى: اختلف العلماء فى اكتراء الأرض بالحنطة والطعام، وبما تنبته الأرض، وبالجزء مما يخرج منها. وسيأتى الكلام على هذا مستوعبًا فى بابه إن شاء الله تعالى. وقوله: " ورخص فى بيع العرية بالرطب أو بالتمر " وفى الرواية الأخرى: " رخص فى العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا، يأكلونها رطبًا "، وفى رواية أخرى: " رخص فى العرية يأخذها أهل البيت "، وفى الرواية الأخرى: " والعرية النخلة، تجعل للقوم فيبيعونها بخرصها تمرًا "، وفى الرواية الأخرى: " أن تؤخذ بخرصها "، وفى حديث مالك: " فيما دون خمسة أوسق، أو فى خمسة أوسق "، قال الإمام: اختلف الناس فى حقيقتها، فمذهبنا أنها هبة الثمر ثم اشتراؤه بتمر إلى الجذاذ يفعل ذلك للرفق بمعراها، وحمل المؤنة عنه ويفعل ذلك لنفى تجشم بدخوله وخروجه للحائط. وعند الشافعى أنها النخلة، يبيع صاحبها رطبها بتمر إلى الجذاذ على ما وقع من تفسير يحيى هاهنا فى كتاب مسلم. وفى بعض الروايات: أنهم شكوا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم لا ثمر عندهم، وعندهم فضول أقواتهم من التمر فأرخص لهم أن يشتروا بذلك الرطب لحاجتهم إليه، وعند أبى حنيفة أنها إعطاء التمر هبة كما قال مالك، ولكنه يرى أن للواهب أن يرجع فى هبته قبل القبض، ولا يلزمه إياها، وبأنها باقية على ملكه، فاسترجع ملكه وأعطى للموهوب المرتجع منه تمرًا تفضلاً منه وهبة أخرى. وهذا الذى قاله ساقط من وجوه؛ لأن ذلك لا تحريم فيه على أهله فيعبر عنه بالرخصة. فإن قيل: إنما عبر عن ذلك لارتجاعه هبته قلنا: الهبة عندكم لا تلزم، والإنسان ليس بممنوع أن يرجع فيما لا يلزم على أن الترخيص بعد ذكر المزابنة، وتفسيرها بأنها: بيع الثمر بالتمر، يشعر بأن فيها معنى من هذا الممنوع وعلى أصلهم لا معنى فيها من هذا الممنوع. وقد وقع فى بعض الطرق: " رخص فى بيع العرايا " فسمى ذلك بيعًا، وعلى أصلهم ليس هناك بيع، إذ لا يبيع الإنسان ملكه بملكه، وأيضاً فإنه حدد الرخصة بخمسة

62 - (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَالْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ تُجْعَلُ للِقَوْمِ فَيَبِيعُونَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا. 63 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِى بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِخِرْصِهَا تَمْرًا. قَالَ يَحْيَى: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِىَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخَلاَتِ لِطَعَامِ أَهْلِهِ رُطَبًا. بِخَرْصِهَا تَمْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أوسق أو دونها. ولا معنى للتحديد على أصله؛ لأن للإنسان عندهم أن يرتجع الهبة قلّت أو كثرت. وقد اختلف أهل اللغة فى هذه التسمية، فقال بعضهم: ذلك مأخوذ من عروت الرجل: إذا أتيته تسأل معروفه، فأعراه نخله على هذا: أعطاه ثمرها، فهو يعروها، أى يأتيها ليأكل ثمرها (¬1). وهم يقولون: سألنى فأسألته، وطلبنى فأطلبته، فعلى هذه الطريقة هى التى فسرها بها بعض أهل العلم، وهى التى صوب أبو عبيد فى التفسير وهو من أئمة اللغة، يتضح ما قاله مالك؛ لأن ما قاله الشافعى وأجازه ليس فيه هبة، ولا عطية. وقد قال بعض أهل اللغة: إنها مأخوذة من كون المعرى قد أخلى ملكه عنها، وأعراها عن ملكه. وعلى هذا يصح صرف العرية إلى إخلائه ملكه من الثمر، أو من بعض الشجر. ويكون لما قاله الشافعى على طريقة هؤلاء فى الاشتقاق وجه. ويؤكد الشافعى - أيضاً - ما قاله بما ذكرناه من التفسير الذى حكاه مسلم فى كتابه. وأما ما ذكرنا أنه وقع فى بعض الطرق هاهنا: أنه أرخص بعد ذلك فى بيع العرية بالرطب أو بالتمر، ولم يرخص فى غير ذلك، فهذا مخالف فى ظاهره لما أصلناه؛ لأنه لا يجوز بيعها بالرطب، وإنما هى رخصة فلا تجوز إلا على ما وردت به، وجل الأحاديث لم يذكر فيها إلا شراؤها بالتمر وهذا ينفى الذى وقع هاهنا بالرطب، أو بالتمر، لو تركنا، ومقتضى اللسان لاحتمل أن يكون شكًّا من الراوى هل قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرطب أم قال بالتمر؟ وشك الراوى يمنع من التعلق به فى الرطب. وقد وقع فى غير كتاب مسلم: عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه؛ أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص فى بيع العرايا بالتمر والرطب (¬2). بخلاف ما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله عن ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 19/ 118. (¬2) أبو داود، ك البيوع، ب فى بيع العرايا رقم (3362)، النسائى، ك البيوع، ب بيع الكرم بالزبيب رقم =

64 - (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِى الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلاً. 65 - (...) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: أَنْ تُؤْخَذَ بِخَرْصِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد بحرف " أو "، وقد قال بعض أصحابنا: فى حديث خارجة هو حديث انفرد به راويه، وجاء بخلاف سائر الأحاديث وذلك يقدح فيه، وأشار بعض أصحابنا إلى حمله على الوجه الجائز المطلق لسائر الأحاديث، وأن المراد بهذا اللفظ شراء الرطب ليؤكل بالتمر، ويكون المعنى على قولهم: أنه قصد إلى ذكر الجنسين المتبايع بهما على الجملة، وكان العرايا وقع فيها التبايع بالرطب والتمر أحدهما بالآخر، ولكن الصفة التى يقع ذلك عليها يوجد بيانها من الأحاديث الأخر. قال القاضى: العرية مشددة الياء، وليست من العارية. واختلف فى اشتقاقها، فقيل: إنه من الطلب كما ذكر، فيكون هنا عرية فعيلة بمعنى مفعولة، أى عطية، وتكون - أيضًا - على هذا المعنى مأتية ومطروقة؛ لأن الذى أعطيها يختلف إليها من عرو فى الرجل إذا ألممت به، وقيل: لأنها أعريت من السوم عند البيع للتمر، فتكون فى كل هذا اسمًا للثمرة، وقد تكون بمعنى أن النخل عريت [عن الثمر بهذه الهبة، وقيل: لأن مالكها أخلى ملكه منها، فعلى هذين القولين الأخيرين يصح ما فسرها به الشافعى من النخلة، وهى على هذا لاشتقاق فعيلة بمعى فاعلة] (¬1)، وقيل: لأنها عريت من جملة التحريم وعلة المزابنة، وقيل: هى النخلة للرجل فى نخل الغير، فيتأذى به صاحب النخل، فرخص له فى شرائها منه بخرصها ومضى مذهب الانفراد، يقال: أعريت هذه النخلة: إذا أفردتها بالبيع، أو بالهبة، وقيل: هو شراء من لا نخل له ثمر النخلة من صاحب النخل لها كلها هو وعياله رطبًا. وعليه يدل ظاهر تفسيرها فى حديث زيد: " النخلة يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا يأكلونها رطبًا " على ما ذهب إليه المخالف. وهذا يأتى على معنى إفرادها من البيع المتقدم. وقيل: مرادها التمرة إذا أرطبت سميت بذلك؛ لأن الناس يعرونها أى يأتونها لالتقاط ثمرها، ولا فرق فى المعنى، واسمها عطية أو هبة، أو منحة، أو عرية. ¬

_ = (4537)، والبيهقى فى السنن الكبرى 5/ 311. (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

66 - (...) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِى بَيْعِ العَرَايَا بِخِرْصِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما فى الحكم المرخص فيه فيها فلم يحكم لها جل أصحابنا به إلا إن منحها بلفظ العرية، وعرفها خصوصاً لا بغيرها من الأسماء. وابن حبيب منهم لا يراعى الاسم ويجرى الحكم فيما منح بهذه الألفاظ. قال القاضى: ومعنى قوله: " بخرصها ": قال مالك: إنما صاع العرايا بخرصها من التمر بتمر ذلك، ويخرص فى رؤوس النخل، وليست له مكيلة، وإنما رخص فيه لأنه أنزل بمنزلة التولية، والإقالة والشركة، وقد ذهب أحمد بن حنبل فى تأويل العرايا إلى ما ذهب إليه مالك (¬1)، إِلا أنه خالفه فى جواز بيعها من ربها وغيره. وهو قول الأوزاعى لظاهر إطلاق الحديث، وعموم بيعها، ومشهور مذهب مالك قصر جواز بيعها من ربها لخرصها تمرًا إلى الجذاذ، وذلك بعد صلاح العرية، وروى عنه: لا يجوز بخرصها ويجوز بغيره، وروى عنه: أنها تجوز بخرصها، وبغيره وبالعروض، وبالطعام يريد على الجذ، وروى عنه: أنه لا يجوز شراؤها إلا بخرصها، ولا يجوز بيعه من دنانير أو دراهم أو غير ذلك؛ لأنه من باب العود فى الهبة وبالخرص رخصة لا تتعدى قبل اختلاف قوله فى ذلك على اختلاف الأصل فى تقديم خبر الواحد على القياس على الأصول، وتقديمها عليه، وعلى الأصل فى أن الرخص لا يتعدى بها معها، فإذا منع بالخرص يقدم القياس على الأصل فى النهى عن بيع ثمر النخل بالتمر كيلاً، مع اختلاف الناس فى تفسير الحديث، لكن هذا القول ضعيف وشاذ من قوله؛ لأن فى تفسير هذا الحديث هذا الاستثناء، وليس الأخذ لبعضها أولى من الأخذ بنا فيه. وأما مشهور قوله بأنها لا تجوز إلا بخرصها إلى الجذاذ، فلم ير تعدى الرخصة عن وجهها وهو أظهر، ورأى فى قوله عموم شرائها بكل شىء بالقياس على الرخصة بالخرص، وأنه إذا جاز به كان أولى بغيره، مع أنها هبة منافع. والحديث فى منع الرجوع فى الهبة إنما جاء فى الرقاب وما لم يبق فيه للواهب تعلق. وشراء العرية هنا زيادة معروف لكفايته المؤونة وضمانه المنفعة، ولدفع المضرة عن نفسه. وقد روى ابن نافع فى تفسير العرية عن مالك (¬2) غير المعروف من قوله أنها النخلة، تكون للرجل فى حائط الآخر يريد صاحب الحائط شراءَها إذا أزهت بخرصها تمرًا عند الجذاذ، وهذا نحو قوله فى المدونة من ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 9/ 120 وما بعدها. (¬2) انظر: المصدر السابق 19/ 129.

67 - (1540) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان - يَعْنِى ابْنِ بِلَالٍ - عَنْ يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ - مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِى حَثْمَةَ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ. وَقَالَ: " ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ "، إِلا أَنَّهُ رخَّصَ فِى بَيْعِ العَرِيَّةِ، النَّخْلَةِ والنَّخَلَتَيْنِ، يَأخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخِرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية ابن القاسم فى هذه المسألة: لا بأس بذلك إذا كان على وجه الرفق والكفاية، لا على وجه دفع الضرر وعكس هذا الجواب والتعليل عند الملك، وهذا كله نحو قول الشافعى، إلا أنه يجيز بيعها من رب الحائط وغيره، ولا يجيز تأخير التمر. وذهب أبو حنيفة (¬1) وأبو يوسف فى تفسير العرية أنها النخلة يهب صاحبها ثمرها للرجل فلا يقبلها، ثم يبدو لصاحبها أن يمسكها ويعوضه ثمرها خرصها تمرًا. وقوله فى الحديث فى تفسير العرية: أنها النخلة (¬2) تجعل للقوم: يدل على ما ذهب إليه مالك فى مشهور قوله، وجمهور العلماء موافقون لمالك أنها لا تباع بخرصها إلا بعد الزهو. وشرط مالك فى ذلك كون الخرص إلى الجذاذ، وهو قول جل أصحابه، ولم يجيزوا بالنقد، وأجازه بعضهم إذا وقع، ومنع الشافعى وأحمد التأخير فى ذلك وقالا: لا يجوز بالنقد ونصه على النخلة فى نفسها، وكذلك استثناؤه العرية من بيع ثمر النخل بالتمر. وقوله: " بخرصها ": يدل على اختصاصها بالنخل وما فيه الخرص، وكذلك قصرها مالك على النخل والعنب؛ لأنه الذى فيه الخرص، وهو قول الشافعى. وأجازها مرة فى كل ما يبقى ويدخر من الثمار، ويحتج بقوله: " نهى عن بيع كل ثمر بخرصه "، ثم استثنى العرية. وقال بعض أصحابنا: هى جائزة فى كل ثمرة مدخرة أو غير مدخرة، وقاله الأوزاعى (¬3)، وقال الليث: لا تجوز إلا فى النخل خاصة. وفى قوله: " أرخص فى العرايا ": ما يدل على أنها رخصة مخصوصة، وقد أبان العلة بقوله: " يأكلها أهلها رطبًا "، فدل أن علتها الرفق وهو أحد عللها عندنا، وقيل: رفع الضرر، وقيل بهما جميعًا. وعلى هذا اختلف عندنا فى فروع من مسائلها. وإذا كانت الرخصة معللة بحديث وهو الصحيح، وكثيراً ما يقول كثير من العلماء: أن الرخص لا تعدى ولا يقاس عليها، وهذا فيما لم يشر الشرع إلى علته. وبحسب هذا وقع الاختلاف فى قصر العرية على النخل أو تعديتها إلى غيرها، وفى شراء غير المعرى من ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 19/ 130. (¬2) انظر: المصدر السابق 19/ 126. (¬3) انظر: المصدر السابق 19/ 128.

68 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا. 69 - (...) وحدّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَهْلِ دَارِهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى. غَيْرَ أَنَّ إِسْحَاقَ وَابْنَ الْمُثَنَّى جَعَلاَ مَكَانَ " الرِّبَا ": " الزَّبْنَ ". وَقَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: الرِّبَا. (...) وحدّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعرى، أو شراء المعرى ممن اشتراها من المعرى، أو شراء بعضها، ونحو ذلك من فروع الباب. والعرية رخصة مستثناة عندنا من أربعة أصول: من المزابنة، والغرر - وهو شراء الجزاف بالمكيل، والرطب باليابس على ما تفسر - ومن بيع الطعام بالطعام متفاضلاً، ومن بيع الطعام بالطعام إلى أجل ومن الرجوع فى الهبة. وجوازها عندنا بشروط عشرة، ستة متفق عليها: أن يكون مشتريها هو معْرِيها من معْرَاها، وأن تكون قد طابت، وألا يشترى إلا بخرصها، ولا يكون إلا بنوعها، ولا يكون إلا باليابس منه لا برطبه، وأن يكون مؤخرًا إلى الجذاذ، لا نقدًا، خلافًا للشافعى فى قوله: أيكون التمر إلا حالاً. وبقولنا قال أحمد وإسحاق، والأوزاعى. وأربعة مختلف فيها: ألا تكون إلا مما كان باسم العرية، وأن يكون خمسة أوسق فأدنى من جملة ماله، وأن يكون المشترى جملتها لا بعضها، وأن يكون مما يخرص أو مما ييبس ويدخر جملة. وتحصيل المذهب فى العرية وخصوصا بذلك كله عندنا من غيرها أو مما يختص من ذلك عند غيرهم. وقاس (¬1) يحيى بن عمر من أصحابنا [على حديث ابن عمر، فرخص لصاحب العرية أن يبيعها] (¬2) كلها بخرصها إذا طابت إلى الجذاذ وشذ فى ذلك شذوذًا [متركًا ومتباينًا من تناهى ما هو] (¬3) مخالف للحديث فى النهى عن المزابنة، وقد فسرها فى الحديث بهذا الذى أجازه هو، وأجمع العلماء. ¬

_ (¬1) نقلها، الأبى، ويأتى. (¬2) و (¬3) بياض فى الأصل، ولعلها تكون كما قيدت.

سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 70 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِى حَارِثَةَ؛ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَسَهْلَ ابْنَ أَبِى حَثْمَةَ حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ. إِلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا. فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ. 71 - (1541) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنُ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ - مَوْلَى ابْنِ أَبِى أَحْمَدَ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِى بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِى خَمْسَةِ - يَشُكُّ دَاوُدُ قَالَ: خَمْسَةٌ أَوْ دُونَ خَمْسَةٍ -؟ قَالَ: نَعَمْ. 72 - (1542) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ - وَالْمُزَابَنَةِ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فيما دون خمسة أوسق، أو فى خمسة أوسق " مما يدق أنه يختص بما يوسق ويكال، ويحتج به بأحد القولين اختصاص ذلك بالتمر والزبيب ومما فى معناه مما ييبس ويدخر ويأخذه الكيل. وقد ذكر أبو داود عن أبى هريرة الحديث، وفيه: " مما دون خمسة أوسق "، فقد قصر - عليه السلام - الرخصة والحكم فى العرية على هذا القدر المذكور فى الحديث فلا يزاد عليه، وكان الخمسة الأوسق هو أول مقادير المال الكثير الذى تجب فيه الزكاة من هذا الجنس، فقصر المرفق بمن لا مال له وأجيز له تيسير العرية على التأويل الواحد، أو بيعها على التأويل الآخر على هذا القدر، فاستخف فى هذا القدر للمرفق والمتفكّه. فإذا زاد على هذا القدر وخرج عن القليل إلى حد المال الكثير وما يطلب فيه البحر وتنمية المال، منع فيه لكثرة الغرر والمزابنة فيه، بكثرته وخروجه عن فقد المرفق لقصد التنمية، ويمكن أن يكون هذا القدر الذى جرى عندهم العرف زمان الإعراء فيه غالبًا. وقد اختلف قول مالك فى إجراء حكم العرية فى خمسة أو سنن، وقال به فى مشهور قوله اتباعًا، كما وجد عليه العمل عندهم بالمدينة وقال - أيضاً - لا يجوز فى الخمسة وتجوز فيما دونها؛ لأنه المحقق فى الحديث، والخمسة مشكوك فيها. وبهذا قال الشافعى، إلا

73 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةُ - بَيْع ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً - وَبَيْع الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً، وَبَيْعِ الزَرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلاً. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. 74 - (...) حدّثنى يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهَارُونَ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلاً، وَعنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخِرْصَهِ. 75 - (...) حدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ: أَنْ يُبَاعَ مَا فِى رُؤُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ، بِكَيْلٍ مُسَمَّى، إِنْ زَادَ فَلِى، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَىَّ. (...) وحدّثناه أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 76 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ، إِنْ كَانَتْ نَخْلاً، بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا، أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه قال: لا فسخ البيع فى مقدار خمسة أوسق، ولا حجة فيما رآه. وحكى ابن القصار عنه اختلاف قوله كاختلاف قول مالك، وهذا فى شرائها بخرصها تمرًا وإما بسرًا وإما بالدنانير والدراهم والعروض على مشهور قول مالك وغيره، وإن جاوزت خمسة أوسق. قال الإمام: أما شك الراوى فى الخمسة الأوسق، فعندنا اختلاف فى جواز البلوغ إليها، وقد قال بعض المخالفين: إذا شك الراوى بين خمسة فما دون، فلا وجه للتعلق

زَرْعًا، أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ. نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَفِى رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ: أَوْ كَانَ زَرْعًا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ؛ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنِى الضَّحَّاكُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بروايته فى تحديد مقدار ما دون الخمسة الأوسق، ولكن وقع فى بعض الروايات: " أربعة أوسق " (¬1) فوجب الانتهاء إلى هذا المتيقن وإسقاط ما زاد عليه، وإلى هذا المذهب مال ابن المنذر، وألزم المزنى الشافعى أن يقول به. ¬

_ (¬1) الهيثمى فى مجمع الزوائد، ك البيوع، ب فى العرايا 4/ 106، وقال: رواه أبو يعلى، وفيه ابن إسحاق وهو ثقة، ولكنه مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(15) باب من باع نخلا تمر

(15) باب من باع نخلاً تمر 77 - (1543) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ". 78 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُحَمِّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيُّمَا نَخْلٍ اشْتُرِىَ أُصُولُهَا وَقَدْ أُبِّرَتْ، فَإِنَّ ثَمَرَهَا لِلَّذِى أَبَّرَهَا، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الَّذِى اشْتَرَاهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أيما نخل اشترى أصولها وقد أبرت، فإن ثمرها للذى أبرها، إلا أن يشترط الذى اشتراها " قال القاضى: الإبار فى النخل والتذكير لها، وهو أن يجعل فى طلعها أول ما يطلع من طلع فحل النخل ويعلق عليه لئلا يسقط، وهو اللقاح - أيضاً - يقال: أبَرت النخل، أبره أبره مخفف وأبرته أيضًا وقال ابن حبيب: الإبّار: شق الطلع عن التمرة. وفى قوله - عليه السلام - جواز الإبّار والتذكير للنخل وغيره من الثمار، ولا خلاف فى هذا. وقد كان - عليه السلام - قال للأنصار: ما عليكم ألا تفعلوا فتركوا التذكير فنقصت ثمارهم فقال عليه السلام: " أنتم أعلم بأمر دنياكم " قال: " وما حدثتكم عن الله فهو حق " (¬1). والإبار فى غير النخل من الثمار عقد ثمره وثبات ما يثبت منه، وسقوط ما يسقط من نوره إلا ما يذكر منه، فحكمه حكم النخل. واختلف فى الزرع، هل إباره الظهور من الأرض أو الإفراك؟ ويسرى هذا الحديث فى موضعه. قال الإمام [قد] (¬2) نص فى هذا الحديث على كونها مع الإطلاق للبائع بعد الإبار، إلا أن يشترط، ودليل هذا الخطاب أنها قبل الإبّار للمشترى، وهذا مذهبنا. وخالف فى ذلك أبو حنيفة ورأى أنها قبل الإبار للبائع كما هى له بعد الإبار. وسبب الاختلاف بين الفقيهين أن مالكًا يرى أن ذكر الإبار هاهنا القصد به تعلق الحكم عليه ليدل على أن ما ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى ك الفضائل، ب وجوب امتثال ما قاله شرعًا. وهو فى ابن ماجه، ك الرهون، ب تلقيح النخل رقم (2471)، وكذا أحمد فى المسند 6/ 123، كلهم عن عائشة - رضى الله عنها. (¬2) من ع.

79 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلاً، ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا، فَلِلَّذِى أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ، إِلا أَنْ يشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عداه بخلافه، ويرى أبو حنيفة أن تعلق الحكم به إما للتسمية به على ما يؤبر ولغير ذلك، ولم يقصد به نفى الحكم على من سوى المذكور. وقال بعض أصحابنا: هذا منه دعوى، إذ لا يمكن التنبيه بالمؤبر على ما لم يؤبر، وإنما نبه بالأدنى على الأعلى، وبالمشكل على الواضح، وهذا خارج عن هذين القسمين، مع أن الذى قاله مالك له شبه فى الشرع، وذلك أن الثمرة قبل الإبار تشبه الجنين قبل الوضع، وبعد الإبّار تشبه الجنين بعد الوضع. فلما كانت الأجنة قبل وضعها للمشترى وبعد وضعها للبائع وجب أن يجرى الثمر هذا المجرى. وأما إذا لم تؤبر وظهر أنها للمشترى - كما بيناه - فهل يجوز للبائع أن يشترطها؟ المشهور فى المذهب عندنا أن ذلك لا يجوز، وعلى إحدى الطريقتين عندنا أن المستثنى منها يجوز ذلك، هكذا بناه بعض شيوخنا وبالإجازة قال الشافعى. وتلخيص مآخذ اختلافهم من الحديث أن أبا حنيفة استعمل الحديث لفظًا ومعقولاً، واستعمله مالك والشافعى لفظًا [و] (¬1) دليلاً، ولكن الشافعى استعمل دلالته من غير تخصيص، ويستعملها مالك مخصصة. وبيان ذلك: أن أبا حنيفة جعل التمر للبائع فى الحالين، وكأنه رأى أن ذكر الإبّار تنبيه على ما قبل الإبار للمبتاع، إلا أن يشترطها البائع، وخص مالك بعض هذا الدليل بأنها قبل الإبّار على إحدى الطرق التى ذكرنا عنه وهذا المعنى يسمى فى الأصول معقول الخطاب. واستعمله مالك والشافعى على أن المسكوت عنه حكمه غير حكم المنطوق به، وهذا يسميه أهل الأصول دليل الخطاب، فإذا كان النطق: من باع ثمرًا بعد الإبار فهى للبائع إلا أن يشترطها المشترى (¬2)، كان دليله أنها قبل الإبار للمبتاع، إلا أن يشترطها البائع. وخص مالك بعض هذا الدليل بأنها قبل الإبار تشبه الأجنة، فلا يجوز اشتراطها، وتقوى هذه الطريقة مع القول بأن المستثنى مشترى وإن أبر بعضها ولم يؤبر بعض، بأن كانا متناقضين، بل كل واحد منهما حكم نفسه، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر فقيل الحكم كذلك أيضاً، وقيل: الأقل تبع للأكثر ولو كان المبيع أرضًا يزرعها وهو لم يظهر، وفيه ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) فى ع: المبتاع.

(...) وحدّثناه أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوَبَ، عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 80 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِى بَاعَهَا، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِى بَاعَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قولان: قيل: للمشترى كالثمر إذا لم يؤبر، وقيل: بل هو للبائع لأنه من الجنس الذى لا يتأبَّر ولا يتكرر، فأشبه ما دفن فى الأرض وخالف الثمر. قال القاضى: بظاهر هذا الحديث وما قاله مالك قال الشافعى والليث، وأن الثمرة إذا لم تشترط تبقى لصاحبها إلى جذاذها إذا كانت مأبورة. وكما جاز استثناؤها فى الشراء عند مالك جاز شراؤها بعد شراء الأصل، إذا لم يشترطها فى شراء الأصل فى مشهور قوله، وعنه أنه لا يجوز له إفرادها بالشراء ما لم تطب، وهو قول جماعة من كبراء أصحابه، وقول الشافعى والثورى وأهل الظاهر وفقهاء أصحاب الحديث. وأبو حنيفة يراها إذا لم يشترطها المشترى قبل الإبار وبعده إذا كانت قد ظهرت للبائع، إلا أن عليه قلعها لحينه، وليس له تركها للجذاذ والقطاف، فمتى اشترط بقاءها فسد عنده البيع. قال ابن الحسن: إلا أن يكون بدا صلاحها فيجوز له اشتراط بقائها. وقال ابن أبى ليلى: سواء أبرت أو لم تؤبر الثمر للمشترى شرط أو لم يشترط. وهذان القولان مخالفان لسنة النبى - عليه السلام. وأما لو اشترط المبتاع بعض هذه الثمرة فلا تجوز عند مالك، وأجازه بعض أصحابه. وإذا جاز اشتراط المبتاع لها إذا أبرت فهل يجوز اشتراط البائع لها إذا لم تؤبر؟ لم يجز ذلك مالك، ورأى أن البيع إذا وقع على هذا فسد وأنه لما كان مغيبًا كاستثناء الجنين، ورأى أن المستثنى مشترى. وقال أبو حنيفة والشافعى: استثناؤه جائز وإن لم يؤبر، وهذا على أن المستثنى ينبغى على ملك المشترى. وقوله: " من باع عبده فما له للذى باعه، إلا أن يشترط المبتاع "، قال الإمام: اعلم أن ملك العبد يزول عن سيده على أربعة أوجه: أحدها: أن يزول بعقد معاوضة كالبيع والنكاح فالمال فى ذلك للسيد، إلا أن يشترط

(...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، خلافًا للحسن البصرى والزهرى فى قولهما: إن المال يتبع العبد فى البيع، وهذا الحديث يرد عليهما. والوجه الثانى: العتق، وما فى معناه من العقود التى تفضى إلى العتق، وتسقط النفقة عن السيد كالكتابة، فالمال للعبد إلا أن يشترط، خلافًا لأبى حنيفة والشافعى فى قولهما: إنه للسيد فى العتق، ودليلنا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعتق عبدًا وله مال فماله له، إلا أن يشترطه السيد " (¬1) فيمن يعيد الضمير فى قوله: " له " على العبد لأنه المذكور نطقًا، وإنما ذكر السيد بكناية عنه ترجع إليه عند قوله: " من أعتق " فلابد أن يضمر عقيب قوله: " أعتق " عائد يعود إلى " السيد " بحكم مقتضى لفظة " من "، وعود الضمير والكناية على الصريح أولى من عوده على الكناية والإضمار، ولأن الكناية يملك بها ماله وهى بسبب العتق، فنفس العتق أولى. والوجه الثالث: الجناية، فالمال فيها يتبع الرقبة، وينتقل بانتقالها. والوجه الرابع: الهبة والصدقة، وفيهما قولان عندنا، وإنما اختلف فيهما لأخذهما شبهًا من العتق الذى يتبع العبد فيه المال وشبهًا من البيع الذى لا يتبعه فيه، فالبيع خرج من ملك إلى ملك بعوض على جهة الاختيار، والعتق خرج من ملك إلى غير ملك بغير عوض. والهبة خرجت بغير عوض فأشبهت العتق، ومن ملك إلى ملك فأشبهت البيع. ويجوز عندنا أن يشترطه المشترى وإن كان عينًا والثمن عين، وكأنه لا حصة (¬2) له من الثمن فلا يدخله الربا، وهذا على أنه اشترطه للعبد وأبقاه على ملكه، فكأنه لم يملك هو عينًا دفع عوضها عينًا أخرى، ولو اشترط لنفسه ما جاز لتحقق الربا حينئذ، وصار كمن اشترى سلعة وذهبًا بذهب، وذلك لا يجوز. قد قال أصحابنا: فى هذا الحديث دلالة على أبى حنيفة والشافعى فى قولهما: إن العبد لا يملك؛ لأنه أضاف المال للعبد بلام الملك، واللام (¬3) ترد للملك ولليد والتصرف، كقولهم: الولاية لفلان فى المال، هكذا قيل فى هذا. وعندى فيه نظر؛ لأن الولاية لفلان ضرب من الملك [والتصرف، فلا يعد فيها ثالثًا هذا المثال] (*)، وترد اللام للاختصاص كقولهم: الحركة للحجر، والباب للدار. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك العتق، ب فيمن أعتق عبداً وله مال (3962) ابن ماجه، ك العتق، ب من أعتق عبداً وله مال (2529) من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنه. (¬2) فى نسخة من نسخ ع: حظ. (¬3) فى نسخة الإكمال: المال، والمثبت من ع، وهو الصواب. (*) قال معد الكتاب للشاملة: ما بين المعقوفين خطأ، وتصويبه من كتاب المعلم للمازري (2/ 269)، وقد ورد كالتالي:"لتصرّفٍ ما فلا يعد قسماً ثالثًا".

(...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا مبسوط فى كتب النحاة. قال القاضى: ذكر مسلم هذا الحديث من رواية الزهرى عن سالم عن عبد الله بن عمر، عن أبيه: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ابتاع نخلاً " الحديث، وفيه: " ومن ابتاع عبدًا فماله للذى باعه، إلا أن يشترطه المبتاع " وثبتت هذه الزيادة عند جميع الرواة، وسقطت من رواية شيخنا أبى محمد الخشنى من طريق أبى عبد الله الباجى عن ابن ماهان، وهى صحيحة ثابتة فى الحديث. وقال أبو الحسن الدارقطنى: خرج البخارى ومسلم هذا الحديث عن الزهرى، عن سالم، عن أبيه، عن النبى - عليه السلام - " ومن باع عبدًا وله مال "، وخالفه نافع عن ابن عمر. قال النسائى. سالم أجل فى القلب، والقول قول نافع (¬1). ¬

_ (¬1) الإلزامات والتتبع ص 294 (145).

(16) باب النهى عن المحاقلة والمزابنة، وعن المخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وعن بيع المعاومة وهو بيع السنين

(16) باب النهى عن المحاقلة والمزابنة، وعن المخابرة وبيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها، وعن بيع المعاومة وهو بيع السنين 81 - (1536) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يبدُوَ صَلاَحُهُ، وَلَا يُبَاعُ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إِلَّا الْعَرَايَا. (...) وحدّثنا عبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِى الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا جَابِرَ بْنَ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 82 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْجَزَرِىُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى الحديث الآخر فى الباب النهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمعاومة، والمخابرة، وعن بيع السنين، وعن الثنيا، ورخص فى العرايا، وفى رواية: عن بيع الثمر سنين، قال الإمام: تقدم الكلام عن المزابنة والمحاقلة والعرايا، ونتكلم الآن عن المعاومة والمخابرة والثنيا. وأما بيع المعاومة، فهو بيع الثمر سنين، وقد فسره فى كتاب مسلم. ووجه المنع فيه بيّن ومأخوذ مما تقدم من النهى عن بيع الثمر قبل زهوه؛ لأنه إذا باع ثمرته سنينًا فمعلوم أن ثمرة السنة الثانية والثالثة لم تخلق، وهى لو خلقت ولم تزهو لم يجز العقد عليها، فإذا لم تخلق أولى أن لا تجوز. وأما المخابرة: فقد فسرها جابر فى كتاب مسلم بأنها الأرض يدفعها الرجل إلى الرجل فينفق فيها، ثم يأخذ من الثمر. وفسر المحاقلة ببيع الزرع القائم بالحب كيلاً، وهذا فيه معنى حسن يؤخذ مما تقدم، وذلك أنا قدمنا أن المحاقلة تنطلق على بيع الزرع الأخضر بالحب وعلى كراء الأرض بالجزئى، فلما ذكرت هاهنا مع المخابرة وفسرها بأنها المعاوضة بالجزئى عاد إلى تفسير المحاقلة بأنها بيع الزرع بالحب؛ لئلا يفسرها هنا بالمعنى الآخر فيكون تكريرًا لمعنى المخابرة. وقال أهل اللغة: المخابرة: هى المزارعة على النصيب كالثلث وغيره، والخبرة النصيب قال الشاعر: إذا ما جعلت الشاة للناس خبرة ... فشأنك إنى ذاهب لشؤونى

حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ؛ أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُطْعِمَ، وَلَا تُبَاعُ إِلَّا بِالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِيرِ، إِلَّا الْعَرَايَا. قَالَ عَطَاءٌ: فَسَّرَ لَنَا جَابِرٌ قَالَ: أَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَالأَرْضُ الْبَيْضَاءُ يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فَيُنْفِقُ فِيهَا، ثُمَّ يَأخُذُ مِنَ الثَّمَرِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطُبِ فِى النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَالْمُحَاقَلَةُ فِى الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ، يَبِيعُ الزَّرْعَ الْقَائِمَ بِالْحَبِّ كَيْلاً. 83 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وُمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، كِلَاهُمَا عَنْ زَكَريَّاءَ، قَالَ ابْنُ أَبِى خَلَفٍ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْمَكِّىُّ - وَهُوَ جَالسٌ عِنْدَ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ - عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةَ والْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ، وَأَنْ تُشْتَرَى الَنَّخْلُ حَتَّى تُشْقِهَ - وَالإِشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ أَوْ يُؤْكَلَ مِنْهُ شَىءٌ وَالْمُحَاقَلَةُ: أَنْ يُبَاع الْحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنَ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ، وَالْمُزَابَنَةُ: أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنَ التَّمْرِ، وَالْمُخَابَرَةُ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. قَالَ زَيْدٌ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَذْكُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الأزهرى: الخبر يكون زرعًا ويكونوا إكارًا. وقال ابن الأعرابى: أصل المخابرة مأخوذ من خيبر؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقرها فى أيدى أهلها على النصف، فقيل: خابره، أى عامله فى خيبر. وسنتكلم على معاملة أهل خيبر فى موضعها إن شاء الله. وأما قوله: " وعن بيع الثنيا "، فمحمله على ثنيا لا تجوز، أو على ما يؤدى إلى الجهالة بالمبيع. وقد اتفق الجميع على جواز بيع الصبرة واستثناء الجزء منها، وأن ذلك سائغ واختلفوا إذا استثنى مكيلة معلومة، فمنعه أبو حنيفة والشافعى؛ أخذًا بظاهر هذا الحديث، وتمسكًا بعموم نهيه عن بيع الثنيا، وأجاز مالك أن يستثنى منها من المكيلة ما يعلم أنه لا يزيد على ثلث جميعه؛ لأن ذلك عنده فى حكم اليسير الذى لا يؤدى إلى الجهالة بالمبيع، فوجب أن يجوز. قال القاضى: أصل التثنى من الاستثناء، وهو الرجوع إلى ما سلف، ومنه: ثنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنانه، وثنية الحديث. وكأن المستثنى رجع إلى بعض ما عم من كلامه قبل. ووقوعه هنا فى الثنى الممنوعة وهى ضروب، كقوله: إن جئتنى بالثمن إلى وقت كذا أو متى جئتنى به رددت عليك مالك. فهذا متى عقد البيع عليه كان فاسدًا. ومنه قول المشترى: إن لم تأت بالثمن يوم كذا فلا بيع بينى وبينك. فاختلف فيه العلماء، فبعضهم أبطل الشرط وصحح البيع، ومنهم من ألزم فاعله ما شرط وجعل الآخر بالخيار، والوجهان مرويان عن مالك. وما كان من ذلك على التطوع بعد العقد لزم الوفاء به. وأما ثنيا المشترى بعض ثمرة النخلة التى باع، فلا يجوز أن يكون على الكيل والجزء أو ثمرة نخلات معينات. فأما النخلات المعينات بلا خلاف فى جواز استثنائه؛ لأنه لم يقع عليهن بيع الجملة. وإن استثنى بعضها على الكيل فمذهب عامة العلماء وفقهاء الفتيا بالأمصار أنه لا يجوز من ذلك قليل ولا كثير، وذهب مالك فى جماعة أهل المدينة الى جوار ذلك ما بينه وبين ثلث الثمرة لا يزيد على ذلك، وإن استثنى جزءًا مشاعًا فيجوز عند مالك وعامة أصحابه قل أو كثر، وذهب عبد الملك إلى أنه لا يجوز استثناء الأكثر، والخلاف فى ذلك مبنى على جواز استثناء الأكثر من الأقل. وقد اختلف فى ذلك النحاة والأصوليون، وكتاب الله يشهد بجوازه، قال الله تعالى حاكيًا عن إبليس: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (¬1)، ثم قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين} (¬2)، فقد استثنى كل صنف من الآخر وأحدها أكثر بلا مرية، لاسيما ما وردت به الآثار فى تكثير الغاوين. وأما بيع الثنى، فقال الهروى: هو أن يستثنى من المبيع شيئًا مجهولاً فيفسد البيع. وقال القتبى: هو أن يبيع شيئًا جزافًا فلا يجوز أن يستثنى منه شيئًا، وفى المزارعة أن يستثنى بعد الجزء شيئًا معلومًا، ومن الثنى اشتراط البائع على المبتاع متى جاءه بالثمن، فالسلعة له. قال [القاضى] (¬3): هذا الذى يسميه الموثقون بيع الثنى. قال الإمام: خرج مسلم فى هذا الباب حديثًا عن زيد بن أبى أنيسة، قال: حدثنا أبو الوليد المكى عن جابر، ثم أردف عليه: حدثنا عبد الله بن هاشم، نا بهز، ثنا سليم بن حيان، حدثنا سعيد بن ميناء، عن جابر، ثم عطف بعده بحديث حماد بن زيد عن أيوب، عن أبى الزبير، وسعيد بن ميناء عن جابر قال. قال بعضهم: أبو الوليد المكى الذى فى الإسناد الأول هو سعيد بن ميناء، وزعم الحاكم أن أبا الوليد الذى فى هذا الإسناد اسمه يسار وقال مثل ذلك ابن أبى حاتم الرازى ورد ذلك عبد الغنى وقال هو وَهْم، ¬

_ (¬1) ص: 82، 83. (¬2) الحجر: 42. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

84 - (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرِةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُشْقِحَ. قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدٍ: مَا تُشْقِحُ؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا. 85 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الْغُبَرِىُّ - وَاللَّفْظُ لِعُبَيْدِ اللهِ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ وَالْمُخَابَرَةِ - قَالَ أَحَدُهُمَا: بَيْعُ السِّنِينَ هِىَ الْمُعَاوَمَةُ - وَعَنِ الثُّنْيَا، وَرَخَّصَ فِى الْعَرَايَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما هو سعيد بن ميناء الذى يروى عنه أيوب السختيانى وابن أبى أنيسة. قال البخارى فى تاريخه: سعيد بن ميناء أبو وليد المكى سمع جابرًا وأبا هريرة، وروى عنه سليم بن حيان وزيد بن أبى أنيسة (¬1). وتابعه على ذلك مسلم، ولعل الحاكم إنما نقل ذلك فى كتاب أبى حاتم. وقوله: " نهى عن بيع الثمرة حتى تشقح " (¬2): قال الأصمعى: إذا تغير البسر إلى الحمرة قيل: هذه مشقحة، وقد أشقحت. قال القاضى: قد جاء فى الحديث نفسه فى كتاب مسلم تفسيرها من قول سعيد بن ميناء راوى الحديث عن جابر، قال الراوى عنه: قلت لسعيد: ما تشقحت؟ قال: تحمارّ وتصفارّ ويؤكل منها. قال الخطابى: والشقحة لون غير خالص للحمرة والصفرة إنما هو تغير لونه لهما فى كمودة، ولهذا قال: تحمار وتصفار، لم يرد به اللون الخالص، وإنما يستعمل ذلك فى اللون المتميل، يقال: ما زال يحمار مرة ويصفار أخرى، فإذا أرادوا استقرار لونه قالوا: احمر واصفر. وجاء هذا اللفظ فى الكتاب - أيضًا - وفى حديث عطاء عن جابر: " حتى تشقه، بالهاء، كذا ضبطناه على سفيان بن العاص بسكون الشين، وعلى القاضى الشهيد بفتحها. وتفسيره - أيضًا - فى الحديث، قال: والإشقاه أن يحمر ويصفر ويؤكل منه شىء. قال بعضهم: روى: " تشقنح " بالحاء. وقال غيره: الهاء تبدل من الحاءِ كما قيل: مدحه ومدهه. ¬

_ (¬1) البخارى فى التاريخ الكبير 3/ 512 (1701). (¬2) حديث رقم (84) بالباب.

(...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَلَىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّة - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى الْزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ: بَيْعُ السِّنِينَ هِىَ الْمُعَاوَمَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه دليل أنه [لا يشترط فى بدو الصلاح تمام الطيب] (¬1)، وأنه لا يعتبر بها الوقت الذى جرت عادة الطيب فيه. وقد ذهب العلماء إلى اعتبار الوقت. وإنما يغير فى غير هذه الثمرة مما تجاورها فتباع بطيها. وأما هى فى نفسها فإن بكرت عن الوقت بيعت ولم يعتبر الوقت. ¬

_ (¬1) نقلت هذه العبارة من الأبى؛ لأنها مطموسة فى النسخ التى لدينا.

(17) باب كراء الأرض

(17) باب كراء الأرض 87 - (...) وحدّثنى أَبُو كَامِل الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. 88 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - لَقَبُهُ عَارِمٌ، وَهُوَ أَبُو النُّعْمَانِ السُّدُوسِىُّ - حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَلْيزْرَعْهَا أَخَاهُ ". 89 - (...) حدّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِقْلٌ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث كراء الأرض ذكر مسلم حديث جابر؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن كراء الأرض، ومن رواية أخرى: " من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه "، وفى رواية أخرى " ولا يؤاجرها إياه " ومعنى " يمنحها ": يعطيها إياه ليزرعها سنة، ومن رواية أخرى: " نهى أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ " ومعناه: يمسك، وفى رواية أخرى: " ولا تبيعوها " قال جابر: يعنى الكراء، وفى رواية أخرى: كنا نخابر على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنصيب من القصرى، ومن كذا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كانت له أرض " الحديث، كذا رويناه عن أكثرهم بكسر القاف والراء وصاد مهملة. وعن الطبرى بفتح القاف والراء مقصور، وعن ابن الحذاء بضم القاف مقصور، والصواب الأول. قال أبو عبيد: القصارة ما يبقى من الحب فى السنبل. وقال ابن دريد: القصارة: ما يبقى فى السنبل بعد ما يدرس. وأهل الشام يسمونه القصرى، ومنهم من يقول: قصرى بكسر القاف، على وزن فعلى، وفى الرواية الأخرى: كنا فى زمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نأخذ الأرض بالثلث والربع والماذيانات، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك فقال: " من كانت له أرض " الحديث، وفى رواية أخرى: كنا نكرى أرضنا ثم تركنا ذلك حين سمعنا حديث رافع بن خديج. وفى رواية أخرى: نهى عن المزابنة والحقول، وكراء الأرض، وفى بعض طرقه: نهى عن المزارعة، كذا رواية الصدفى والخشنى من شيوخنا. وعند الأسدى: عن كراء المزارع، وذكر حديث أبى سعيد، وفيه النهى عن المحاقلة، قال: والمحاقلة: كراء الأرض.

عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ لِرِجَالٍ فُضُولُ أَرَضِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ فَضْلُ أَرْضٍ فَلْيزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ ". 90 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِىُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَس، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْخَذَ للأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ. 91 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر حديث ابن عمر: كنا لا نرى بالخبر بأسًا، أو الكراء، شك إبراهيم بن مسلم حتى كان عَامَ أول، فزعم رافع أن النبى - عليه السلام - نهى عنه، كذا ضبطناه بالكسر وهو من الأسدى، والصدفى، ورويناه من طريق الطبرى: " الخبر " بالفتح. وفى كتاب التميمى: " لخبر " بالضم، وكله بمعنى المخابرة، ووجهه الكسر والفتح، [كذا قاله أبو عبيد] (¬1) كذا قال بعد هذا ابن عباس وهو الحقل، وهو بلسان الأنصار: " المحاقلة ". وفى الرواية الأخرى: أن ابن عمر كان يؤجر الأرض [فأخذ] (¬2) حديثًا عن رافع وذكر الحديث. وفى أخرى: فتركه ابن عمر ولم يأجره. كذا جاءت الرواية عند كافتهم، وعند السمرقندى: " يأخذ "، وصوابه " يؤجر " فى الموضعين. وقد يخرج " يأجر " على اللغة الأخرى. فيمن قال: أجرته بغير مد. وفى الرواية الأخرى: فقال ابن عمر: لقد كنت أعلم فى عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الأرض تكرى، ثم خشى أن يكون رسول الله أحدث فى ذلك شيئًا لم يكن علمه، فترك كراء الأرض. وذكر حديث رافع: كنا نحاقل الأرض على عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى، ثم ذكر عن بعض عمومته: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نحاقل الأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يزرعها أو بزرعها، وكره كراءها وما سوى ذلك. وفى رواية أخرى: عن عمه نافع بن ظهير، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألنى: " كيف تصنعون بمحاقلكم؟ " فقلت: نؤاجرها على الربع والأوسق من التمر والشعير قال: " فلا تفعلوا، ازرعوها أو أزْرِعوها ". كذا رويناه من طريق السجزى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) مثبتة من متن الحديث.

وَعَجَزَ عَنْهَا، فَليَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، وَلَا يُؤَاجِرْهَا إِيَّاهُ ". 92 - (...) وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: سَأَلَ سُليْمَانُ بْنُ مُوسَى عَطَاءَ فَقَالَ: أَحَدَّثَكَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ ليَزْرَعْهَا أَخَاهُ، وَلا يُكْرِهَا "؟ قَالَ: نَعَمْ. 93 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ. 94 - (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ أَرْضٍ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلَا تَبِيعُوهَا ". فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: مَا قَولُهُ: وَلَا تَبِيعُوهَا؟ يَعْنِى الْكِرَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ. 95 - (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُصِيبُ مِنَ الْقِصْرِىِّ وَمنْ كَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُحْرِثْهَا أَخَاهُ، وَإِلَّا فَلْيَدَعْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والفارسى. وعن العذرى وابن ماهان: " الربع " مكان " الربيع ". والربيع الساقية. وفى رواية أخرى: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كراء المزارع (¬1). قلت: أبالذهب والورق؟ قَال: " أما بالذهب والورق فلا بأس به "، وفى أخرى: إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الماذيانات، وإقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء لكل هذا، فلذلك. زجر عنه فأما بشىء معلوم مضمون فلا بأس به. وفى رواية أخرى: كنا نكرى على أن لنا هذه ولهم هذه. وذكر حديث ثابت بن الضحاك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المزارعة، زاد فى آخره: وأمرنا بالمؤاجرة، وقال: لا بأس بها. وذكر حديث ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينه عنه قال: " لأن يمنح الرجل أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خرجًا معلومًا ". ¬

_ (¬1) فى متن الحديث رقم (115): " الأرض ". فانظره.

96 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَالَ ابْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ الْمَكِّىَّ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْن عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا فِى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُ الأَرْضَ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ بِالمَاذِيَانَاتِ، فَقَامَ رَسُوَلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ذَلِكَ فَقَالَ: " مَن كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَلْيُمْسِكْهَا ". 97 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَهَبْهَا أَوْ لِيُعِرْهَا ". 98 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو الجَوَّابِ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَليُزْرِعْهَا رَجُلاً ". 99 - (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ حَدَّثَهُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِى عَيَّاشٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. قَالَ بُكَيْرٍ: وَحَدَّثَنِى نَافِعٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنَّا نَكْرِى أَرْضَنَا ثُمَّ تَرَكْنَا ذَلِكَ حِينَ سَمِعْنَا حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. 100 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الأَرْضِ البَيْضَاءِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. 101 - (...) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: الماذيانات: ما ينبت على الأنهار الكبار وليست بالعربية، ولكنها سوادية. والسواقى دون الماذيانات. قال القاضى: ضبطنا هذا الحرف فى كتاب مسلم بكسر الذال، وضبطناه عن بعض شيوخنا فى غير مسلم بفتحها. قيل: هى مسائل المياه. وقال سحنون: الماذيانات: ما ينبت

وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ: عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ سِنِينَ. 102 - (1544) حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ أَرْضٍ فَلْيزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ ". 103 - (1536) وحدّثنا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ نُعَيْمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْحُقُولِ. فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: الْمُزَابَنَةُ: الثَّمَرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحُقُولُ: كِرَاءُ الأَرْضِ. 104 - (1545) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ. 105 - (1546) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِى أَحْمَدَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ فِى رُؤُوسِ النَّخْلِ، وَالْمُحَاقَلَةُ: كِرَاءُ الأَرْضِ. 106 - (1547) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ - قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ - عَنْ عَمْرٍو. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنَّا لَا نَرَى بِالْخِيْرِ بَأسًا، حَتَّى كَانَ عَامُ أَوَّلَ، فَزَعَمَ رَافِعٌ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عنهُ. 107 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانٌ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: فَتَرَكْنَاهُ مِنْ أَجْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على حافتى مسيل الماء، وقيل: ما ينبت حول السواقى من الخصب. " وأقبال الجداول " بفتح الهمز، أوايلها. والجداول: السواقى، ومثله الربيع. قال ابن الأعرابى: هو الساقية

108 - (...) وحدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ مَنَعَنَا رَافِعٌ نَفْعَ أَرْضِنَا. 109 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنُ عُمَرَ كَانَ يُكْرِى مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفِى إِمَارَةِ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ، حَتَّى بَلَغَهُ فِى آخِرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ؛ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يُحَدِّثُ فِيهَا بِنَهْىٍ عَنِ اَلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَليْهِ وَأَنَا مَعَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهْى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَتَرَكَهَا ابْنُ عُمَرَ بَعْدُ. وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْهَا، بَعْدُ، قَالَ: زَعَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا. (...) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَاد، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ: قَالَ: فَتَرَكَهَا ابْنُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ لَا يُكْرِيهَا. 110 - (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ. قَالَ: ذَهَبْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ إِلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، حَتَّى أَتَاهُ بِالْبَلَاطِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ. (...) وحدّثنى ابْنُ أَبِى خَلَفٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ أَتَى رَافِعًا. فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 111 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ - يَعْنِى ابْنَ حَسَنِ بْنِ يَسَارٍ - حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأجُرُ الأَرْضَ. قَالَ: فَنُبِّئَ حَدِيثًا عَنْ رَافِعِ ابْنِ خَدِيجٍ. قَالَ: فَانْطَلقَ بِى مَعَهُ إِليْهِ. قَالَ: فَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ، ذَكَرَ فِيهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. قَالَ: فَتَرَكَهُ ابْنُ عُمَرَ فَلمْ يَأجُرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصغيرة بلغة أهل الحجاز، وجمعه الربعان، وقال الخليل: الأربعاء: الجداول، جمع ربيع. وقال غيره: هى خطوط الماء فى الأرض. وحكى عن القابسى أنه قال: معناه: أن لصاحب الأرض من النبات الذى يزرع على جانبى الربيع، ونحوه قول أبى عبيد وغيره،

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: فَحَدَّثَهُ عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ، عَنِ النَبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 112 - (...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْل بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِىَ أَرَضِيهِ، حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ الأَنْصَارِىَّ كَانَ يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ خَدِيجٍ، مَاذَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى كِرَاءِ الأَرْضِ؟ قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ لِعَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ عَمَّىَّ - وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا - يُحَدِّثَانِ أَهْلَ الدَّارِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ - فى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الأَرْضَ تُكْرَى. ثُمَّ خَشِىَ عَبْدُ اللهِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثَ فِى ذَلِكَ شَيَئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ، فَتَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: كانت تشرف على المزارع يزرعها خاصة لرب المال سوى شرط الثلاث والربع.

(18) باب كراء الأرض بالطعام

(18) باب كراء الأرض بالطعام 113 - (1548) وحدّثنى عَلِىُّ بْن حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا نُحَاقِلُ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُكْرِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى. فَجَاءَنَا ذَاتَ يُوْمٍ رَجُلٌ مِنْ عُمُومَتِى، فَقَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا - وَطَواعِيَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ أنْفَعُ لَنَا - نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالأَرْضِ فَنُكْرِيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبعِ وَالطَّعَام الْمُسَمَّى، وَأَمَرَ رَبَّ الأَرْضِ إِنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا، وَكَرِهَ كِرَاءَهَا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ. (...) وَحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَىَّ يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنُ يَسَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيِجٍ، قَالَ: كُنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أمر كان بنا رافقًا ": أى ذا رفق كما قال: كلينى لهم يا أميمة ناصب أى: ذا نصب. وقوله: " فليزرعها هو أو يمنحها أخاه، ويجعلها له مزرعة، فإن أبى فليمسك هذا أرضه، فقلت: ذلك معه " (¬1)، قال الإمام: اختلف الناس فى منع كراء الأرض على الإطلاق، فقال به طاووس والحسن. أخذًا بظاهر الحديث الذى ذكرناه؛ أنه نهى عن كراء الأرض فعم، وأنه نهى عن المحاقلة، وفسرها الراوى بكراء الأرض، وأطلق أيضًا. وقال جمهور العلماء: إنما يمنع على التفسير دون الإطلاق. واختلفوا فى ذلك، فعندنا أن كراءها بالجزء لا يجوز من غير خلاف، وهو مذهب أبى حنيفة والشافعى، وقال بعض الصحابة وبعض الفقهاء بجوازه؛ تشبيهًا بالقراض، وأما كراؤها بالطعام مضمونًا فى الذمة فأجازه أبو حنيفة والشافعى لقول رافع فى آخر حديثه: فأما بشىء معلوم مضمون فلا بأس به. وحمل ذلك أصحابنا على تفسير الراوى واجتهاده فلا يلزم الرجوع إليه، وقال ابن رافع من أصحاب مالك: يجوز كراؤها بالطعام أو غيره، كان ينبت فيها أولاً، إلا الحنطة ¬

_ (¬1) حديث رقم (102) بالباب السابق.

نُحَاقِلُ بِالأَرْضِ فَنُكْرِيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أخْبَرَنَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ. 114 - (...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ أَبِى النَّجَاشِىِّ - مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - عَنْ رَافِعٍ؛ أَنَّ ظُهَيْرَ بْنَ رَافِعٍ - وَهُوَ عَمُّهُ - قَالَ: أَتَانِى ظُهَيْرٌ فَقَالَ: لَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا. فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ. قَالَ: سَأَلَنِى كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ فَقُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا، يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى الرَّبِيعِ أَوِ الأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ أَوِ الشَّعِيرِ. قَالَ: " فَلَا تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا - أَوْ أَزْرِعُوهَا - أَوْ أَمْسِكُوهَا ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِى النَّجَاشِىِّ، عَنْ رَافِعٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ: عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخواتها إذا كان ما تكرى به خلاف ما يزرع فيها. وقال ابن كنانة من أصحاب مالك: لا تكرى بشىء إذا أعيد فيها نبت، ولا بأس بغيره، كان طعامًا أو غيره. وقد أضيف هذا القول إلى مالك. وقد تعلق أصحابنا بما روى أنه نهى عن كراء الأرض بالطعام فَعمّ، وكان الناهى عنها يقرر أنه على ملك رب الأرض، كأنه باعه بطعام فصار كبيع الطعام بالطعام إلى أجل، وكذلك المشهور من مذهبنا النهى عن كرائها بما تنبته وإن لم يكن طعامًا، لما روى أنه نهى عن كراء الأرض بما يخرج منها. وقد قال ابن حنبل: حديث رافع فيه ألوان؛ لأنه مرة حدث به عن عمومته، ومرة عن نفسه. وهذا الاضطراب يوهنه عنده.

(19) باب كراء الأرض بالذهب والورق

(19) باب كراء الأرض بالذهب والورق 115 - (1547) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ؟ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. 116 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِى حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ الأَنْصَارِىُّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. إِنَّما كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ، عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد خرج مسلم أن رافعًا سئل عن كراء الأرض بالذهب والورق، فقال: " لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الماذيانات وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا فلم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه، فأما بشىء معلوم مضمون فلا بأس به "، وهذا إشارة منه إلى أن النهى تعلق بهذا الغرر، وما يقع فى هذا من الخطر؛ ولهذا اضطرب أصحاب مالك فيه، وقالوا فيه ما ذكرنا عنهم من الاختلاف. وفى بعض طرق مسلم: " كنا نكرى الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، وأما الورق فلم ينهنا "، قال القاضى: اختلفت الأحاديث بما ذكرناه. واختلفت فيها علل المنع، هل ذلك لاشتراطهم ناحية منها، وما زرع على الجداول والسواقى، أو لأنهم كانوا يكرونها على الجزء، أو لأنهم كانوا يكرونها بالطعام والأوسق من التمر. وهذا كله من الغرر والخطر، أو لقطع الخصومة والتشاجر على ما جاء فى حديث عروة: أتى رجلان من الأنصار وقد اقتتلا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع " (¬1)، فكان نهيه نهى تأديب وللرفق والمواساة كما قال ابن عباس: لم يحرم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المزارعة، ولكن أراد أن يرفق بعضهم ¬

_ (¬1) أحمد فى مسنده 5/ 182، أبو داود، ك البيوع، ب فى المزارعة (3390)، النسائى، ك المزارعة، ب ذكر الأحاديث المختلفة فى النهى عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر (3927)، ابن ماجه، ك الرهون، ب ما يكره من المزارعة (2461).

عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاولِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهلِكُ هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَىءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. 117 - (...) حَدَّثَنَا عَمْرُو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَنْظَلةَ الزُّرَقِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَّا أَكَثَرَ الأَنْصَارِ حَقْلاً. قَالَ: كُنَّا نكْرِى الأَرْضَ عَلى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الوَرِقَ فَلَمْ يَنْهَنَا. (...) حَدَّثَنَا أَبُو الْرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ببعض وبهذا ترجم البخارى (¬1) على الحديث: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يواسى بعضهم بعضًا فى المزارعة، وفى الثمر والجداول. واختلافهم فى كراء الأرض سوى ما تقدم، فذهب ربيعة إلى أنه لا يجوز أن يكرى بغير الذهب والورق واعتمادًا - والله أعلم - على حديث رافع، وأجازها بالجزء الليث، على خلاف عنه، وأتبعه من أصحابنا يحيى بن يحيى والأصيلى، وهو قول الشافعى ومحمد بن الحسن وأبى يوسف وأحمد بن حنبل فى آخرين. وقال المغيرة صاحب مالك: لا بأس بكراء الأرض بطعام ولا يخرج منها، حكاه عن ابن سحنون وحكى غيره عنه مثل ما قال أصحابه: لا يجوز بالطعام. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحرث، ب ما كان من أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يواسى بعضهم بعضًا فى الزراعة والتمر تعليقًا (الفتح 5/ 22).

(20) باب فى المزارعة والمؤاجرة

(20) باب فى المزارعة والمؤاجرة (¬1) 118 - (1549) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَعْقِلٍ عَنِ الْمُزَارَعَةِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ: نَهَى عَنْهَا. وَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنُ مَعْقِلٍ. وَلَمْ يُسَمِّ عَبْدَ اللهِ. 119 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدَ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الْمُزَارَعَةِ؟ فَقَالَ: زَعَمَ ثَابِتٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ، وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ، وَقَالَ: " لَا بَأْسَ بِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب كراء الأرض.

(21) باب الأرض تمنح

(21) باب الأرض تمنح (¬1) 120 - (1550) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو؛ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ لِطَاوُسٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ابْنِ رَافِعٍ بْنِ خَدِيجٍ، فَاسْمَعْ مِنْهُ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَانْتَهَرَهُ. قَالَ: إِنِّى وَاللهِ، لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ مَا فَعَلْتُهُ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ - يَعْنِى ابْنَ عَبَّاسٍ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لأَنْ يَمْنَحَ الرَّجُلُ أَخَاهُ أَرْضَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرْجًا مَعْلُومًا ". 121 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، وَابْنُ طَاوُسٍ عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يُخَابِرُ. قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَوْ تَرَكْتَ هَذِهِ الْمُخَابَرَةَ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ. فَقَالَ: أَىْ عَمْرُو، أَخْبَرَنِى أَعْلَمُهُمْ بِذَلِكَ - يَعْنِى ابْنِ عَبَّاسٍ - أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنهَا، إِنَّمَا قَالَ: " يَمْنَحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرْجًا مَعْلُومًا ". (...) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِىُّ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ شُعْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 122 - (...) وحدّثنى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لأَنْ يَمْنَحَ أَحَدَكُمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا " لِشَىءٍ مَعْلُومٍ. قَالَ: وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْحَقْلُ. وَهُوَ بِلِسَانِ الأَنْصَارِ الْمُحَاقَلَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب كراء الأرض.

123 - (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّىُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَإِنَّهُ أَنْ يَمْنَحَهَا أَخَاهُ خَيْرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

22 - كتاب المساقاة

بسم الله الرحمن الرحيم 22 - كتاب المساقاة (1) باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع 1 - (1551) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْيَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. 2 - (...) وحدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُلِىٌّ - وَهُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ - أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِى أَزْوَاجَهُ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ وَسْقٍ: ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ ثَمْرٍ، وَعِشْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ [كتاب المساقاة] (¬1) وقوله: " أن النبى عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر وزرع "، وفى الرواية الأخرى: " على أن يعملوها (¬2) من أموالهم ولرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شطر ثمرها "، قال الإمام: ذهب مالك والشافعى إلى جواز المساقاة لأجل هذا الحديث، وأنكرها أبو حنيفة لأجل ما فيها من الغرر، وبيع الثمر قبل الزهو، وحمل حديث خيبر على أنهم كانوا عبيدًا له فما أخذ له وما أبقى له، وهذا لا نسلمه له؛ لأننا لو سلمنا له أنه فتحها عنوة، وأنه أقرنهم على نحو ما قال، لم يجز الربا بين العبد وسيده، فلا يغنيه ما قال. والقائلون بجواز المساقاة اختلفوا، فمنعها داود إلا فى النخل [خاصة] (¬3)، ومنعها الشافعى إلا فى النخل والكرم، وأجازها مالك فى سائر الشجر إذا احتيج فيها للمساقاة. والمشهور عندنا منعها فى الزرع إلا إذا عجز عنه صاحبه، وأما داود والشافعى فرأياها رخصة، فقصراها على ما وقعت عليه، فلم يتحقق داود إلا النخل خاصة، ولم يتحقق الشافعى إلا النخل والكرم، ونحن قسنا بقية الشجر عليهما لكونهما فى معناهما، ولا مانع من القياس إذا عُقل المعنى، ومتى تجوز المساقاة فمذهبنا جوازها ما لم تطيب الثمرة. وعندنا فى جوازها بعد أن طابت قولان، وعند الشافعى: لا تجوز المساقاة وقد ظهرت الثمرة، ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) هكذا فى الأصل، وعند النووى: يعتملوها. (¬3) من ع.

وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ. فَلَمَّا وَلِىَ عُمَرُ قَسَمَ خَيْبَرَ، خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ الأَرْضَ وَالْمَاءَ، أَوْ يَضْمَنَ لَهُنَّ الأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ. فَاخْتَلَفْنَ، فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ وَالْمَاءَ، وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِمَّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ. 3 - (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَلِىِّ بْنِ مُسْهِرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِمَّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ. وَقَالَ: خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ الأَرْضَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَاءَ. 4 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِىُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا افْتُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد رأى الظاهر منها مملوك جميعه لرب النخل وهو عين قائمة، فكأنه باع نصفه قبل الزهو لخدمة العامل. وعندنا أن المعاملة إنما وقعت على التنمية بنصف النَّامى وذلك غير موجود، والموجود قبل هذا غير مقصود، فلا يؤثر فى جواز المساقاة. قال القاضى: اختلف فى افتتاح خيبر، هل كانت عنوة أو صلحًا، أو جلاء أهلها عنها بغير قتال، أو بعضها صلح وبعضها عنوة، وبعضها خلا عنه أهله رغبًا، أو بعضها صلحًا وبعضها عنوة؟ وهذا أصح الأقاويل، وهى رواية مالك ومن تابعه وقول ابن عقبة، وفى كل وجه ترمز فيه رواية مسلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر لله ولرسوله وللمسلمين يدل ظاهره على العنوة؛ إذ حق المسلمين إنما هو فى العنوة، وهو قول من قال: صلحًا، أنهم صولحوا على ترك الأرض. وقد يكون معنى قوله: " لله ولرسوله وللمسلمين " يعنى بمجموع قسمتها، أى قد كان منها عنوة فهذا حكمه، وما كان صلحًا فلله ولرسوله. وقوله: " من ثمر أو زرع ": يحتج الليث والشافعى، ومن قال بقولهما فى كراء الأرض بالجزء منها، وفى جواز المساقاة والمزارعة معًا. ومالك فى آخرين يمنعون من اجتماعهما، ويمنعون المزارعة بالجزء، ويجيزون المساقاة إلا ما كان تبعًا من الأرض يبقى الثمار، فيجوز عند مالك دخوله فى الشرط أو إلغاؤه للعامل. وأبو حنيفة وزفر يمنعانهما

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا، عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنَ الثَّمَرِ والزِّرْعِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ، مَا شِئْنَا " ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ الثَّمَرُ يُقْسَمُ عَلَى السُّهْمَانِ مِنْ نِصْفِ خَيْبَرَ، فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُمُسَ. 5 - (...) وحدّثنا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا، عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوالِهِمْ، وَلِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَطْرُ ثَمَرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ مجتمعين أو مفترقين ولا يجيزونهما. وابن أبى ليلى فى بقية الكوفيين وفقهاء أصحاب الحديث يجيزونهما مجتمعين ومفترقين ويقضى على ظاهر هذا الحديث عندنا الحديث المتقدم فى النهى عندنا عن المخابرة وكراء الأرض بجزء، ويتأول على الحديث تأويلات؛ إما أن يكون الزرع تبعًا للنخل، أو يكون كل عقد منفرد فزارع قومًا بالشروط الجائزة فى المزارعة ويساقى آخرين. وقوله: " أقركم بها على ذلك ما شئنا "، وفى الموطأ: " ما أقركم الله ": عائد على إقرارهم فى خيبر؛ إذ كان فى نيته - عليه السلام - إخراجهم منها، وإجلاء أهل الأديان من جزيرة العرب، كما صرح به وأمر آخر عمره، وكما دل عليه هذا الخبر وغيره من إنذاره بذلك. ولا حجة عليه لأهل الظاهر فى إجارتهم المساقاة المبهمة لأجل هذا اللفظ، أو فلأجل المجهول، ومالك والثورى والشافعى وجمهور علماء المدينة وغيرهم - ممن يجيز المساقاة - لا يجيزونها إلا لأمد معلوم، وسنين معدودة. وقال أبو ثور: إذا وقعا فهو لسنة واحدة. وحكى ابن المنذر عن بعضهم جوازه، وقيل: ذلك خصوص للنبى - عليه السلام - وفى أول الإسلام، وقيل: جاز ذلك لأن الكل جاز عنوة وهم عبيد له، ويجوز بين العبد وسيده [ما لا يجوز بين] (¬1) الأجنبيين، وقيل: ليس فيه دليل على إلزام الأجل، وأن مقتضاها ليست مؤبدة، ولأن الحكم أن لنا إخراجكم، وهذا حكم المساقاة والمزارعة؛ أن تمام الثمرة وحصاد الحرث [ينقضى أمرهما، إلا أن يستأنفا عامًا آخر] (¬2)، إلا أن يشاء المستلف عمل عام آخر أو زرع بطن [استئنافًا] (¬3) آخر وعن تنبيه على أنهم ... (¬4) وقد جاء بأفسر من هذا فى غير الأم. وقوله: " على أن يعتملوها من أموالهم ": أصل وحجة فى أن سنة المساقاة كلها على ¬

_ (¬1) (¬2) بياض فى الأصل ومنقولة من إكمال الإكمال للأبى 4/ 228. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬4) ما بين الكلمتين بياض بالمسودة.

6 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العامل وجميع المؤونة والنفقة والأجر والدواب والآلات، إلا ما كان منها فى الحائط حين المساقاة فهو عندنا للعامل ينتفع به وإن لم يشترط. وقوله: " شطر ما يخرج منها ": دليل على تسمية الجزء فى المساقاة، وأنها لا تجوز مبهمة، وهذا أيسر ما روى فى حديث مالك عنهما: " على أن الأرض بيننا وبينكم " (¬1)، فإن كان على هذه كما تقدم، فمؤونة الشركة والمساقاة جائزة عند من يجيزها من العلماء بما اتفق عليه من الجزء قل أو كثر. وقوله: " فكان يعطى أزواجه كل سنة مائة وسق، ثمانين وسقًا من تمر، وعشرين من شعير لا يصحح أن البياض كان أقل من التمر، هكذا كان قسمه - عليه السلام - لمن قسم له من ماله وغيرهم من مال خيبر، الذى أقره ولم يقسمه والذى وجب فى الخمس، وقد قسم منها على من افتتحها ومن غاب من أهل الحديبية، خاصة ما قسم منها وهو الذى افتتح عنوة، والخبر فى ذلك معروف. وفيه حجة على جواز قسمة الأرض العنوة، وهو مذهب الشافعى، تقسم على مفتتِحيها كما تقسم الغنائم، وحُجَّتُه هذا الحديث، وقسم النبى خيبر على من حضرها ومن غاب من أهل الحديبية، وعموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (¬2). ومالك وأصحابه يرون إبقاءها للمسلمين لمن حضرها ومن لم يحضرها، ومن يأت من المسلمين إلى يوم القيامة، على ما صنع عمر بأرض العراق ومصر والشام، واحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم} (¬3)، وتأول عطفه على قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} (¬4) وذهب الكوفيون إلى تخيير الإمام فى قسمتها أو إقرارها بيد أهلها، وتوظيف الخراج عليها، وتصير ملكًا لهم كأرض الصلح. وقوله: " وكان الثمر يقسم على السهمان من نصف خيبر فيأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخمس " فبين أنها عنوة، ومنها على ما تقدم أولاً بخمس إلا ما أخذ عنوة، وهذا كما قال فى نصف خيبر، وهذا يدل أن المسلمين كلهم مع النبى عاملوهم فى جميع الأرض، فما ¬

_ (¬1) مالك، ك المساقاة، ب ما جاء فى المساقاة 2/ 703. (¬2) الأنفال: 41. (¬3) الحشر: 10. (¬4) الحشر: 8.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ، حِينَ ظُهِرَ عَلَيْهَا، للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَأَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان عنوة أخذ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسه، وأقسم أهل السهام أربعة أخماس. وقد تقدم اقتسامهم ما كان من أرض خيبر، وأنها اقتسمت على السهام، فإن كان ذلك القسم إنما هو كان عرف كل واحد ما يصير له من الأرض على الإشاعة، فعليه يأتى ظاهر هذا اللفظ المتقدم، وإن كانت السهام ضربت على الأرض فقد تميزت لكل واحد أرضه، فيكون معنى قوله: " إن الثمر تقسم على السهمان ": أى ثمر كل سهم يقسم بين عامله وصاحبه. وفى فرض النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما فرض لأزواجه ما ذكر، وكذلك فرض لبنى هاشم وبنى المطلب على ما ذكر أصحاب السير وغيرهم: جواز إرضاخ الإمام من الفىء والخمس لقريش ولذوى القربى ولأهل الفضل والدين والسِّن، وتفضيل بعضهم على بعض حسبما روى فى ذلك. وفيه حجة أنه ليس لأولى القربى فيه خمس الخمس، ولأنه على التسوية، الغنى والفقير سواء، وللفارس الذكر منهم سهمان، وللأنثى سهم فى هذا كله، بل ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام. قال عمر بن عبد العزيز. لم يعمهم - عليه السلام - بذلك، ولم يخص قريبًا دون ما هو أحوج منه. وقوله: " ولما ولى عمر قسم خيبر ": يعنى أجلى عنها يهودها لما بلغه من قوله - عليه السلام - فى مرضه: " لا يبقين دينان فى جزيرة العرب " (¬1)، وسيأتى الكلام على هذا بعد إن شاء الله. وقوله: " خير أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطع لهن الأرض والماء أو يضمن لهن الأوساق كل عام " إذ المال فيه إلى كفايتهن المؤونة. قوله فى الآخر: " فلما ولى عمر قسم خيبر ": يعنى قسم السهم الذى كان له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان وقفه لعياله وعامله، وكان قسم هذا بعد أن أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وإنما خيرهن بين الإقطاع وضمان الأوساق مبالغة فى صيانتهن وكفايتهن التبذل فى تحصيل ذلك، ولم يكن هذا الإقطاع لمن اختاره منهن إقطاع تمليك؛ لأنه لو كان كذلك لكان تغييرًا لما فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد قال عمر لعلى والعباس: لا أغير من أرضها شيئًا، فإن غيرت من أمرها شيئًا أخاف أن أزيغ. وقد كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما تركت بعد نفقة عيالى ومؤنة عامله صدقة " ووقف الأرض لذلك، وإنما كان إقطاع انحلال، وذلك أنه قسم الأوساق المائة على عدد الأزواج، فمن اختارت الأوساق ضمنها لها، ومن اختارت ¬

_ (¬1) مالك، ك الجامع، ب ما جاء فى إجلاء اليهود من المدينة 2/ 892 (17، 18)، أحمد 6/ 275.

بِهَا، عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ، مَا شِئْنَا "، فَقرُوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ النخلة أقطعها قدر ذلك لتتصرف فيها تصرف المستعمل (¬1). واختلف أصحاب الشافعى فى إقطاع التمليك، والأظهر هنا أن يكون إقطاع استغلال لترفع عنهن فى ذلك اليد العليا عليهن، ويتحكمن فيما أقطعن تحكم المالك. وقد جاء فى الآثار عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفعل الوجهين. تيماء وأريحاء ممدودان: موضعان. ¬

_ (¬1) من إكمال الإكمال، نقلاً عن القرطبى فى المفهم 4/ 226.

(2) باب فضل الغرس والزرع

(2) باب فضل الغرس والزرع 7 - (1552) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْه فَهُوْ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ ". 8 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ فِى نَخْلٍ لَهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسِلمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ "، فَقَالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ. فَقَالَ: " لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَىءٌ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أكل منه صدقة " الحديث: فيه الحض على الغرس واقتناء الضياع، كما فعله كثير من السلف، خلافًا لمن منع ذلك. واختصاص الثواب على الأعمال بالمسلمين دون الكفار. وفيه أن المسبب للخير أجرٌ بما تنفع به، كان من أعمال البر أو مصالح الدين. وقيل: وفيه حجة أن من زرع فى أرض غيره أن الزرع له، وعليه كراء الأرض لما عم الزرع وخصه بذلك. وفيما قال نظر، وليس فيه بيان. قال الإمام: خرج مسلم فى هذا الباب حديثًا عن الليث، عن أبى الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على أم بشر. هكذا فى رواية أبى العلاء عند الجلودى: " أم مبشر "، وفى النسخة عند السجزى وأبى العباس الرازى: " أم معبد وأم مبشر " على الشك، والمحفوظ فى حديث الليث بن سعد: " أم بشر (¬1) ". وذكر مسلم فى حديث ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر: أخبرتنى أم مبشر أنها سمعت - الحديث. قال بعض العلماء: أم مبشر الأنصارية امرأة زيد بن حارثة، يقال: إنها أم مبشر بنت البراء، من كبار الصحابة، روى عنها جابر بن عبد الله. قال القاضى: كذا فى النسخ الداخلة إلينا من المعلم، والذى قال أبو على الجيانى الذى نقل كلامه: إن الصواب: " أم بشر " قال: وكذا فى ديوان الليث بن سعد قال: ¬

_ (¬1) فى نسخة من نسخ ع: أم مبشر.

9 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الْزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَغْرِسُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ سَبُعٌ أَوْ طَائِرٌ أَوْ شَىءٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ ". وَقَالَ ابْنُ أَبِى خَلَفٍ: طَائِرٌ شَىءٌ. 10 - (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ ابْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ مَعْبَدٍ حَائِطًا. فَقَالَ: " يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ " فَقَالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ. قَالَ: " فَلَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ ولاَ دَابَّةٌ، وَلَا طَيْرٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال لى أبو عمر (¬1): أم مبشر الأنصارية بنت البراء بن معرور زوج زيد بن حارثة، ويقال لها: أم بشر. قال القاضى: وهكذا هو فى كتاب أبى عمر، يقال لها: أم بشر، فى باب أم بشر. وذكرها - أيضاً - فى باب أم مبشر، فقال: ويقال لها - أيضًا -: أم بشر، واسمها - فيما قيل -: خليدة، ولم يصح. ولم نجد فى النسخ التى وصلت إلينا من مسلم ما ذكر شيخنا أبو على عنه، عن ابن جريج، عن أبى الزبير، عن جابر، أخبرتنى أم مبشر، ولا فى هذا السند عندنا فى كتاب مسلم، لا من طريق شيخنا أبى على المذكور ولا غيره ذِكْر لأم مبشر، ولا نرى أم بشر، ولا لأم معبد، وإنما قال فيه ابن جريج: أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يغرس رجل مسلم غرسًا " الحديث، وإنما ذكر مسلم من رواية عمرو بن دينار. سمع جابر بن عبد الله يقول: دخل النبى - عليه السلام - على أم معبد أيضًا، فقال: " يا أم معبد " وذكر الحديث، وذكر - أيضاً - من رواية الأعمش عن أبى سفيان، عن جابر، عن أم مبشر، وفى رواية ابن فضيل عنه، عن امرأة زيد بن حارثة، وذكر - أيضًا - من رواية أنس بن مالك؛ " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل نخلاً لأم مبشر، امرأة من الأنصار ". قال الإمام: وخرج مسلم فى الباب - أيضاً -: أخبرنى أحمد بن سعيد بن إبراهيم، نا روح بن عبادة، نا زكريا بن إسحاق، عن عمرو، عن جابر، قال: " دخل النبى - عليه ¬

_ (¬1) انظر: الاستيعاب 4/ 1926.

11 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، كُلَّ هَؤُلَاءِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. زَادَ عَمْرٌو فى رِوَايَتِهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ فِى رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَا: عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيْلٍ: عَنِ امْرَأَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَفِى رِوَايَةِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: رُبَّمَا قَالَ: عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ. وَكُلُّهُمْ قَالُوا: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ عَطَاءٍ وَأَبِى الزُّبَيْرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. 12 - (1553) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ - وَاللَّفْظُ لِيحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ. إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ". 13 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ نَخْلاً لأُمِّ مُبَشِّرٍ - امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ " قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام - على أم معبد ... الحديث. قال الدمشقى: هكذا هذا الإسناد - أيضًا - عند أبى الأزهر، يعنى عن روح، عن زكريا، عن عمرو، عن جابر، والمشهور: عن زكريا، عن أبى الزبير، عن جابر، لا عن عمرو بن دينار. وأبو الأزهر هو أحمد بن الأزهر بن منيع النيسابورى، سمع عبد الرزاق وأبا أسامة وروح بن عبادة، ووهب بن جرير وغيرهم. قال القاضى: وفى هذا السند فى رواية الطبرى: نا زكريا بن أبى إسحاق، بزيادة " أبى "، وهو وَهْم، وإنما هو زكريا بن إسحاق الذى خرج عنه البخارى ومسلم عن عمرو بن دينار وغيره. وفى الباب فى حديث الأعمش زاد عمرو فى روايته عن عمار، وأبى بكر فى روايته عن أبى معاوية، كذا فى النسخ كلها عن أبى سفيان، وعند ابن الحذاء: وأبى كريب. قال

مُسْلِمٌ. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم: الصواب: وأبو كريب. وذلك أن أول السند لأبى بكر بن أبى شيبة عن سفيان، ولأبى كريب وإسحاق بن إبراهيم عن أبى معاوية وابن أبى شيبة - أيضاً - عن ابن فضيل، ولعمرو الناقد عن عمار بن محمد عن الأعمش، فالراوى عن أبى معاوية هو أبو كريب.

(3) باب وضع الجوائح

(3) باب وضع الجوائح 14 - (1554) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهُبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا ". ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ جُريْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ بِعْتَ مِنَ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ ". (...) وحدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ "، قال القاضى: هذا يدل أن هذه اللفظة فى الحديث الآخر: " أرأيت إن منع الله الثمرة " من كلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بمعناه، وإن كان قد جاء فى كتاب مسلم بعد هذا من قول أنس. وذكره من حديث مالك من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا الحديث الأول رفع الإشكال، ويصحح رواية مالك. قال الدارقطنى: وقد خالف مالكًا فيه جماعة، فقالوا: قال أنس: أرأيت إن منع الله الثمرة (¬1). وقد خرج البخارى - أيضاً - الروايتين (¬2) جميعًا كما فعل مسلم. وذكر مسلم حديث محمد بن عباد عن الدراورْدى، عن حميد عن أنس؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه " قال الدارقطنى: وهم ابن عباد والدراوردى فى حين سماع ابن عباد منه. قال إبراهيم بن حمزة: رواه عن الدراوردى مفصولاً من كلام أنس، وهو الصواب وأسقط ابن عباد كلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، وأتى بكلام أنس فرفعه وهو خطأ (¬3). وذكر مسلم فى الباب أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضع الجوائح. قال الإمام: اختلف الناس فى الثمرة إذا [اشتريت] (¬4) فأجيحت، فقال بعضهم: ¬

_ (¬1) الإلزامات والتتبع ص 360. (¬2) الأول: البخارى، ك البيوع، ب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ثم أصابته عاهة فهو من البائع (الفتح 2198). الثانية: البخارى، ك البيوع، ب بيع المخاضرة (2280). (¬3) الإلزامات والتتبع ص 363. (¬4) من المعلم.

15 - (1555) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَعَلىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْع ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَكَ إِنْ مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟ (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِىَ. قَالُوا: وَمَا تُزْهِىَ؟ قَالَ: تَحْمَرُّ. فَقَالَ: إِذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟ 16 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللهُ، فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ". 17 - (1554) حدّثنا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ - وَاللَّفْظُ لِبِشْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ توضع الجائحة على الإطلاق، قلّت أو كثرت؟ لقوله: " أمر بوضع الجوائح " وللحديث الآخر المتقدم وهو قوله: " لا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا " الحديث. ومن جهة الاعتبار أنها بقى السعى فيها على البائع لتنميتها، فكان ذلك كالتوفية بالكيل والوزن والمكيل أو الموزون إذا تلف قبل الكيل أو الوزن فهو من البائع، فكذلك هذا. وقال آخرون: لا توضع الجوائح قلّت أو كثرت، وقد ذكر ها هنا: إن أصيب فى ثمار ابتاعها فكثر دينه، فأمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصدقة عليه، ودفع لغرمائه. فلو كانت توضع لم يفتقر إلى هذا. وقال الأولون: قد تكون أصيبت بعد الجذاذ، وعليه دين من غيرها احتاج معه للصدقة، قالوا: وقد قال فى آخر الحديث لغرمائه: " وليس لكم إلا ذلك "، ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم الطلب بالبقية، وينفصل هؤلاء عن هذا بأن يحملوه على أن ليس الآن إلا ذلك لفلسه، وأنه ينظر إلى ميسرة، كما قال تعالى (¬1). وأما مالك فقال بوضعها إذا بلغت الثلث، وكأنه خص فى الظواهر الأول بضرب من الاستدلال، وذلك أن الثمر لا تنفك من سقوط يسير منه، أو غير ذلك من الأسباب المتلفة للحقير منها، فكان المشترى دخل على ذلك فلا قيام له به. وإذا وجب العفو عن اليسير فما قصر عن الثلث فى حكم اليسير ¬

_ (¬1) إشارة إلى قوله: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٌ} [البقرة: 280].

عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ - وَهُوَ صَاحِبُ مُسْلِمٍ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ على ما دلت عليه الأصول. وقد قال بعض البغداديين من أصحابنا: الجائحة كاسمها، يشير إلى أن اليسير المغتفر لا يكاد يسمى فى العرب جائحة، فلا يجب حمل الحديث عليه.

(4) باب استحباب الوضع من الدين

(4) باب استحباب الوضع من الدين 18 - (1556) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ "، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ: " خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ ". (...) حدّثنى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 19 - (1557) وحدّثنى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ سُلَيْمَانَ - وَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: أما الحديث الآخر الذى ذكر مسلم فى الذى أصيبت ثماره التى ابتاع، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تصدقوا عليه "، وقال لغرمائه: " خذوا ما وجدتم عليه فليس لكم إلا ذلك " ولا حجة فيه للشافعى فى قوله الذى رجع إليه وهو قول أبى حنيفة، والكوفيين والليث فى ترك القول بوضع الجوائح وهذا حكم فى عين، ولعله اشتراها بعد تمام طيبها وإمكان جذاذها وسقوط حكم، ولا معارضة فيه للحديث الأول العام المقصود به البيان لوضع الجوائح منها على قول من يقول بالجوائح، إلا ما ورد لابن كنافة من أصحابنا فى أنها توضع بكل حال، أخذ بعموم الحديث ونحوه لابن القاسم. وفى هذا الحديث الحض على الصدقة على المديان ليقضى منه دينه، وأن الحر لا يباع فىِ الدين على ما كان فى أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَة إلَى مَيْسَرَةٍ} (¬1). وقوله - عليه السلام -: " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ": فيه أنه لم يصرح لهم بلزومه، خلافًا لأبى حنيفة، ولإسحاق خلاف الشافعى من قوله: يستحق أبدًا حتى يؤدى غرمه، وخص الآية بالربا الذى وردت فيه ... (¬2). وفيه: للحاكم أن يسلم للغرماء جميع ما يملكه، ويسوغه لهم الحاكم إن كان دينهم من جنس دينهم، وإلا باعه لهم الحاكم وقسم بينهم بمثله، أو اشترى لهم ما لهم من ¬

_ (¬1) البقرة: 280. (¬2) بياض فى الأصل لم نستطع قراءته.

الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ، عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عروض، إن كان دينهم عروض أو ما بلغ، إلا أن يرضوا أخذه فى جميع دينهم، ودينهم أكثر مما يبلغ فى البيع فهم أخذته ما لم يكن مما لا يجوز قبضه عن دينهم. وفى قوله فى حديث أنس، ينهى عن بيع النخل حتى يزهو، ثم قال: " إذا منع الله الثمرة، بم يستحل أحدكم مال أخيه؟ " (¬1) ولعل ظاهر هذا أن هذا الحديث فيما يبلغ قبل زهوه. وهذا مما لا يختلف فيه، إنما هو بيع الثمر قبل زهوه، والمقتفون الأثر وهم الكافة، فإن جائحته من بائقه؛ لأنه بيع فاسد لم يقبضه فيشتريه فيفوت بقبضه وهو فى ضمان بائعه بعد. قال الإمام: خرج مسلم فى باب الجوائح حديثين مقطوعين: أحدهما: قوله: حدثنا غير واحد من أصحابنا، حدثنى إسماعيل بن أبى أويس، قال: حدثنى أخى - الحديث. وهذا الحديث يتصل لنا من طريق البخارى. ورواه البخارى عن إسماعيل بن أبى أويس (¬2). وقد حدث مسلم عن إسماعيل دون واسطة فى كتاب الحج، وفى آخر كتاب الجهاد. وروى - أيضًا - عن أحمد بن يوسف عن إسماعيل بن أبى أويس الأزدى فى كتاب اللعان، وفى كتاب الفضائل. وأما الحديث الثانى المقطوع - أيضًا - فى هذا الباب فهو قوله: روى الليث بن سعد، حدثنى جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز - الحديث. قال القاضى: أما قول الراوى: حدثنى غير واحد، أو حدثنى البتة، أو حدثنى بعض أصحابنا، فهذا لا يدخل فى باب المقطوع ولا المرسل ولا المعضل عند أهل الصناعة، وإنما يدخل فى باب المجهول. ولعل البخارى أخذ الحجة من مسلم له. وقوله: " يسمع النبى صوت خصوم بالباب ": خصوم تجمع خَصْم، وتجمع - أيضًا - خصمًا. والخصم يقع للواحد والجمع، قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} (¬3) وقال: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} (¬4). ومعنى قوله: " وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه ": أى يطلب منه أن يضع له من دينه، ويحطه ويرفق به. وهذا جائز، وهو فعل معروف وسؤاله معروف أيضًا. وقد جاء مرة لمالك كراهته لما فيه الاستهزاء والامتهانة، إلا أن تدعو إليه ضرورة. ¬

_ (¬1) تقدم فى الباب السابق. (¬2) البخارى، ك الصلح، ب هل يشير الإمام بالصلح؟ (2705). (¬3) ص: 21. (¬4) ص: 22.

يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِى شَىءٍ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ، لَا أَفْعَلُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ: " أَيْنَ الْمُتَأَلِّى عَلَى اللهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ " قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَهُ أَىُّ ذَلِكَ أَحَبَّ. 20 - (1558) حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِى حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى بَيْتِهِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ. فَقَالَ: " يَا كَعْبُ " فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُمْ فَاقْضِهِ ". 21 - (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ تَقَاضَى دَيْنًا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أين المتألى على الله لا يفعل المعروف ": أى الحلاف. والألية اليمين، ومثله الألوة، والألوى، والألوة، ولم يعرف الأصمعى إلا الفتح، يقال: آليت، بالمد، وائتليت وتأليت، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (¬1) وقال: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ} (¬2)، وذكر الحديث فى الموطأ، ولم يذكر فيه سماع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم. وقد جاءت أم المشترى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له، فقال للمتألى: " ألا يفعل خيرًا " (¬3)، فيحتمل الجمع بين تعارض الحديثين: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع أصواتهما - كما ذكر مسلم - ولم يتبين كلامهما حتى أخبرته به أم أحدهما، كما قال مالك (¬4). وقال فى كتاب مسلم: يا رسول الله، له أى ذلك أحب، وهذا تفسير ما جاء فى رواية مالك: يا رسول الله، هو له. قال مالك فى العتبية: لا أدرى قوله: " هو له " الوضيعة أم بكل ماله. قوله فى حديث كعب بن مالك: " تقاضى ابن أبى حدرد دينًا له " وذكر ارتفاع ¬

_ (¬1) البقرة: 226. (¬2) النور: 22. (¬3) موطأ مالك، ك البيوع، ب الجائحة فى بيع الثمار والزروع 2/ 621 (15). (¬4) انظر: السابق رقم (16).

عَلَى ابْنِ أَبِى حَدْرَدٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ. (...) قَالَ مُسْلِمٌ: وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى حَدْرَدٍ الأَسْلَمِىِّ، فَلَقِيهُ فَلَزِمَهُ، فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " يَا كَعْبُ " فَأَشَارَ بِيَدِهِ. كَأَنَّهُ - يَقُولُ النِّصْفَ. فَأَخَذَ نِصْفًا مِمَّا عَلَيْهِ، وَتَرَكَ نِصْفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أصواتهما فى المسجد: فيه جواز المخاصمة فى المسجد وطلب الحقوق فيه، وحكم الحاكم فيه بين الناس؛ لأن ذلك كله من إقامة شرائع الدين ومصالح المسلمين. وفى إشارة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له أن: " ضع الشطر " بيان أن الإشارة تقوم مقام اللفظ، وبهذا نجيز عقود البكم وأنكحتهم، وبيوعهم وشهاداتهم. وفيه حض الإمام على الصلح بالإشارة والندب لا بالإماء (¬1). وفيه أن الصلح على النصف مرغب فيه وعدل بين المتصالحين " وسجف حجرته ": سترها، يقال بفتح السين وكسرها. ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل.

(5) باب من أدرك ما باعه عند المشترى، وقد أفلس، فله الرجوع فيه

(5) باب من أدرك ما باعه عند المشترى، وقد أفلس، فله الرجوع فيه 22 - (1559) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ -: " مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ - أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ - فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ ". (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ قَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من أدرك ماله بعينه عد رجل قد أفلس، فهو أحق به من غيره "، وفى رواية: " من الغرماء "، وفى الرواية الأخرى فى الذى يُعْدم إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه: " أنه لصاحبه الذى باعه " يقال: أفلس الرجل، بفتح اللام، إذا أعدم المال. وأصله صار ذا فلوس بعد أن كان دنانير ودراهم، فهو مفلس. قال الإمام: اختلف الناس فى مشترى السلعة إذا مات أو أفلس، ولا وفاء عنده بثمنها وهى قائمة، فقال الشافعى: بائعها أحق بها فى الموت والفلس. وقال أبو حنيفة: هو أسوة فيهما. وقال مالك: هو أحق به فى التفليس (¬1) وأسوة فى الموت. وحمل أبو حنيفة هذا الحديث على أن المتاع وديعة أو غصب؛ لأنه لم يذكر البيع فيه. وتأويله هذا يرد ما خرجه أبو داود أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما رجل باع متاعًا ما فلس الذى ابتاعه ولم يقبض الذى باعه من ثمنه شيئًا، فوجد متاعه بعينه، فهو أحق به، فإن مات المشترى فصاحب المتاع، أسوة غرماء " (¬2). وقال أيضًا: " فإن قضاه من ثمنها شيئًا فما بقى فهو أسوة غرماء، وأيما امرئ هلك وعنده متاع امرئ بعينه اقتضى منه شيئًا أو لم يقتض، فهو أسوة غرماء " (¬3)، فقد قصرها (¬4) هنا على البيع، ولا معنى لقول من قال منهم: قد يكون البيع هاهنا بمعنى ¬

_ (¬1) فى نسخة المعلم: الفلس. (¬2) أبو داود، ك البيوع، ب فى الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه (3520). (¬3) أبو داود، ك البيوع، ب فى الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه (3522). (¬4) فى المعلم: نص.

حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، ويَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ رُمْحٍ، مِنْ بَيْنِهِمْ فِى رِوَايَتِهِ: أَيُّمَا امْرِئٍ فُلِّسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ التساوم كما قلتم أنتم فى البيعين بالخيار، أن معناه: المتساومان، وأنه قد ذكرها هنا، ولم يقض الذى باع من ثمنه شيئًا، وقال: فإن قضاه من ثمنها شيئًا ولا يصح أن يقضى من ثمنها شيئًا وهما متساومان. فإذا أوضح الرد على أبى حنيفة عندنا بعد ذلك إلى مالك والشافعى، فيقول مالك: قد فصل فى هذا الحديث بين الموت والفلس، والشافعى ساوى بينهما، فيقول الشافعى: إنه قد خرج أبو داود فقال: أتينا أبا هريرة فى صاحب لنا أفلس، قال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن فلس أو مات، فوجد رجل متاعه بعينه، فهو أحق به " (¬1) فقد ساوى هاهنا بين الموت والفلس، وأنتم تفرقون بينهما، فلابد من طلب الترجيح، فيقول: قد يحتمل ما تعلق به الشافعى أنه فى الودائع لا فى البيع؛ لأنه إنما ذكر: فوجد رجل متاعه بعينه، وقد يكون ذلك غصبًا أو تعديًا، وقال بعض أصحابنا: لعله مات وقد تبين فلسه وطلب هذا سلعته، فبادره الموت، على أنه لم ينقل لفظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويمكن أن يكون لو نقله لتأولناه على غير ما حمله عليه، هذه طريقة الترجيح لنا على الشافعى. وأما قوله فى الحديث: " فإن قضاه من ثمنها شيئًا، فما بقى فهو أسوة الغرماء "، وظاهره أنه ليس له استرجاع السلعة، وقد قال بعض من أخذ بهذا الحديث: إن هذا الظاهر منه متروك بالقياس؛ لأنه إذا ثبت أنه أحق بالكل كان أحق بالجزء، وإنما كان له ارتجاعها فى التفليس لعيب الذمة التى دخل عليها، فصار كمن وجد فيما اشتراه عيبًا فله رده، وإنما لم يرد فى الموت، وإن غابت الذمة لانقطاعها رأسًا فيعظم ضرر بقية الغرماء وفى الفلس لا يعظم ضرر إذا قدم عليهم لبقاء ذمة غريمهم. وإذا وضح هذا من جهة القياس كان له رد ما قبض وارتجاع السلعة، فإن أراد الغرماء دفع الثمن إليه ليمنعوه من أخذ سلعته كان ذلك لهم؛ لأنه إنما كان به ارتجاع السلعة لعلة فقد الثمن، فإذا زالت العلة زال حكمها، وأبى ذلك الشافعى، ولم يسقط حقه فى الارتجاع بدفعهم الثمن إليه، واعتل له بأنه قد يطرأ غريم آخر، فلا يرضى بما صنعه ¬

_ (¬1) أبو داود، ك البيوع، ب فى الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه (3523).

23 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ - وَهُوَ ابْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِىُّ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حُسَيْنٍ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَهُ عَنْ حَدِيثِ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى الرَّجُلِ الَّذِى يُعْدِمُ، إِذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ: " أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِى بَاعَهُ ". 24 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الغرماء من تسليم بعض مال الغريم فى هذه السلعة وتفاوت سلعتها، فيلحقه الضرر فى ذلك. خرج مسلم فى هذا الباب: حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا هشام بن سليمان، عن ابن جريج، الحديث. هكذا فى رواية أبى العلى والكسائى، وأما فى رواية الجلودى، فجعل " ابن نمير " بدل " ابن أبى عمر "، والصواب: ابن أبى عمر، وقد تقدم فى كتاب الحج حديثان: أولهما: حدثنا ابن أبى عمر، حدثنى هشام بن سليمان أحدهما فى حديث حفصة: " ما شاء الناس حلوا " (¬1). والثانى: حديث " لا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم "، وفى كتاب الأشربة حديث آخر رواه ابن أبى عمر عن هشام بن سليمان. وابن أبى عمر هذا هو محمد بن يحيى العدنى، يعد فى أهل مكه. وهشام بن سليمان مكى أيضًا. وخرج مسلم - أيضًا - فى كتاب التفليس حديث شعبة عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أفلس الرجل، فوجد متاعه بعينه، فهو أحق به "، ثم عقب بعده حديث زهير بن حرب، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة بهذا الإسناد مثله. هكذا روى أبو أحمد الإسنادين. الأول من حديث شعبة، والثانى من حديث سعيد. ووقع فى رواية ابن ماهان فى الإسناد الثانى " شعبة " مكان " سعيد "، والصواب ما رواه أبو أحمد، هكذا قال بعضهم. ¬

_ (¬1) سبق فى كتاب الحج.

(...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَا: " فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ ". 25 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَة الْخُزَاعِىُّ - قَالَ حَجَّاجٌ: مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ - أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ عِنْدَهُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ما ذكره عن أبى داود فى الحديث من ذكر البيع والنص على الفرق بالفلس والموت، هو نص حديث مالك فى الموطأ، لم يختلف أصحاب الموطأ فيه (¬1)، ومن رواية القعنبى عنه أدخله أبو داود واللخمى، ورواية مالك فى موطئه أقوى لنا من غيره، ولا يعارضه الحديث الآخر الذى يقول فيه: " بين الموت والفلس "، فرواية أبو معمر: وقد قال أبو داود بأثره: من يأخذ بهذا؟ وأبو المعتمر من هو؟ أى لا يعرف مع أن أحاديث الفلس صحيحة مشهورة من رواية الكافة من المنصفين الثقات، وعن رواية مالك وغيره من النص على زيادة الموت والتفريق بينه وبين الموت مثل هذا القياس، ولا يضطر فيه إلى تأويل ما عارضه من الحديث المحمول بهذا كالاحتجاج به، ولا ينبعث إلى من أخذ هذا الحديث من الكوفيين وما رووه فيه عن على وابن مسعود على ضعف طريق ذلك؛ إذ لا يعارض بمثل هذا ولا بمقايسهم وتسهيلاتهم للسنن الثابتة الصحيحة. وذكر مسلم فى الباب: حدثنا محمد بن أحمد بن أبى خلف وحجاج بن الشاعر، قال: حدثنا أبو سلمة الخزاعى، قال حجاج: حدثنا منصور بن سلمة. كذا فى أكثر نسخ مسلم، وكذا عند شيوخنا كلهم. أما عند ابن عيسى: قال حجاج: هو منصور بن سلمة، وهو الصواب؛ لأن منصور بن سلمة اسم أبى سلمة الخزاعى. بَيَّنهُ حجاج فى حديثه، وغير ذلك خطأ، إلا أن يُتأول قوله: نا منصور بن سلمة؛ أن ابن أبى خلف وحده وهو الذى أكناه، فقد يخرج على هذا؛ إلا أنه بعيد بُعْد قوله: قالا: نا، أى أبو سلمة. قال البخارى: منصور بن سلمة أبو سلمة الخزاعى بغدادى (¬2). وفى سند الحديث الأول أربعة من التابعين، روى بعضهم عن بعض: يحيى بن سعيد، عن أبى بكر بن محمد بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبى هريرة. ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك البيوع، ب ما جاء فى إفلاس الغريم 2/ 678 (87). (¬2) البخارى فى التاريخ الكبير 7/ 348 (1502).

(6) باب فضل إنظار المعسر

(6) باب فضل إنظار المعسر 26 - (1560) حدّثنا أَحْمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ؛ أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ منَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. قَالوا: تَذَكَّرْ. قَالَ: كُنْتُ أُدَاينُ النَّاسَ، فَآمُرُ فِتْيَانِى أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعِسَرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ. قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عنهُ ". 27 - (...) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ حُجْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: " رَجُلٌ لَقِىَ رَبَّهُ فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنَ الْخَيْرِ، إِلَّا أَنِّى كُنْتُ رَجُلاً ذَا مَالٍ، فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ. فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث حذيفة فى ثواب إنظار المعسر والتجاوز عن الموسر. ومعنى الإنظار: التأخير، وهو بمعنى قوله فى الرواية الأخرى فى رواية أبى قتادة: " فلينفس عن معسر "، أى يؤخر ويملى له فى الأجل، ومنه: قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} (¬1) أى إذا امتد حتى يصير نهارًا بينًا، ومنه: نفس الله فى أجله، وقد يكون معنى " ينفس عن معسر ": أى يُفَرِّج. وفيه فى الحديث: " من نفس عن مسلم كربة " (¬2) أى فرج، وفى الرواية الأخرى: " فآمر فتيانى "، وفى الرواية الأخرى: " غلمانى أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر ": والتجاوز والتجوز: المسامحة فى الاقتضاء، كما فى الرواية الأخرى. والتجاوز فى هذا كله. فجعل التجاوز والمسامحة والإنظار للمعسر وحسن المعاملة، وأن الله قد تجوز عنه بذلك، وغفر ذنوبه، وأنه لا يُستحقر شىء من فعل الخير، أو لأمرهم بالحض عليه، وأن الله قد يفسح لعبده ويتجاوز عنه، وينجيه من عذابه بالقليل من عمل الخير، كمثل هذا الذى قد اعترف أنه لم يعمل من الخير شيئًا إلا هذه المسامحة والإنظار. وفيه جواز الإذن للمعسر فى التجارة، وتوكيله عليها وعلى الهبات والتأخير. وقوله فى الحديث الآخر: " أَقْبَلُ الميسور وأتجاوز عن المعسور ": قال شيوخنا: أقبل ¬

_ (¬1) التكوير: 18. (¬2) سيأتى فى ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن.

وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعْسُورِ. فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِى " قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. 28 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ رَجُلاً مَاتَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْمَلُ؟ - قَالَ: فَإِمَّا ذَكَرَ وَإِمَّا ذُكِّرَ - فَقَالَ: إِنِّى كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، فَكُنَتُ أُنْظِرُ الْمُعْسِرَ وَأَتَجَوَّزُ فِى السِّكَّةَ أَوْ فِى النَّقْدِ، فَغُفِرَ لَهُ ". فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 29 - (...) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: " أُتِىَ اللهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ، آتَاهُ اللهُ مَالاً. فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِى الدُّنْيَا؟ - قَالَ: {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا} (¬1) - قَالَ: يَارَبِّ، آتَيْتَنِى مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِى الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. فَقَالَ اللهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِى ". فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِىُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىُّ: هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ فِى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 30 - (1561) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الهمزة وسكون القاف وبعدها باء بواحدة مفتوحة من المعسور. والميسور هاهنا وصف لما يسر من الدين. ووقع عند ابن أبى جعفر: " أُقِيل " بضم الهمزة وكسر القاف وياء باثنتين تحتها، من الإقالة. ويتأول مكانهما الميسور فى صاحب الشىء الميسور، وكذلك التجاوز عن المعسور والشىء المعسور؛ لأنه لا يقال للغريم: ميسور ولا معسور. وقوله فى الحديث الآخر: " وأتجوز فى السكة أو فى النقد ": كذا لهم، كان شك من الراوى، أى وأحد اللفظين. وعند السمرقندى: أو التقدم، وهو خطأ وَوَهْم. قال الإمام: وخرج مسلم فى إنظار المعسر والتجاوز عن الموسر: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن سعد بن طارق، عن ربعى بن حراش، عن حذيفة قال: " أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالاً " وذكر الحديث إلى آخره. وعن عقبة بن عامر ¬

_ (¬1) النساء: 42.

ابْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَن الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَىءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ. قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ ". 31 - (1562) حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ - قَالَ مَنْصُورٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ - وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ يُدَاينُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزَ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِىَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ ". (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبَيْدِ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعَتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِهِ. 32 - (1563) حدّثنا أَبُو الْهَيْثَمِ خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ. فَقَالَ: إِنِّى مُعْسِرٌ فَقَالَ: آللهِ؟ قَالَ: أَللهِ. قَالَ: فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفَّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهنى وأبى مسعود الأنصارى، هكذا سمعناه من فِى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هكذا روى هذا الإسناد فى كتاب مسلم، والحديث محفوظ لأبى مسعود وعقبة بن عمرو الأنصارى وحده، لا لعقبة بن عامر الجهنى، والوَهْم فى هذا الإسناد من أبى خالد الأحمر، قاله الدارقطنى. وصوابه: فقال عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصارى، كذلك رواه أصحاب أبى مالك سعد ابن طارق، وتابعهم نعيم بن أبى هند وعبد الملك بن عمير، ومنصور وغيرهم عن ربعى ابن خراش (¬1) عن حذيفة، قالوا فى آخر الحديث: فقال عقبة بن عمر (¬2) أبو مسعود. ¬

_ (¬1) فى نسخة من نسخ ع: خراس. وهو وهم. انظر: تهذيب التهذيب 3/ 236. (¬2) قيدت فى " ح " من " ع "، وفى نسخة الإكمال: عمرو، والصواب ما أثبت من ع.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه الأحاديث خرجها مسلم فى الباب، أعنى حديث منصور ونعيم بن أبى هند وعبد الملك بن عمير.

(7) باب تحريم مطل الغنى، وصحة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أحيل على ملى

(7) باب تحريم مطل الغنىّ، وصحة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أحيل على ملىّ 33 - (1564) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْم، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِىءٍ فَلْيَتْبَعْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله - عليه السلام -: " مطل الغنى ظلم ": المطل: منع قضاء ما استحق أداؤه. وفيه دليل على أن مطل غير الغنى ليس بظلم وإن كان مضطرًا يجوز. وقد قال الله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (¬1)، وإنما فصل بمطله من النظرة إلى ميسرة، مما يوجب الحكم وأمر به الله تعالى. وفيه حجة لمالك والشافعى وعامة العلماء، أنه إذا كان معسرًا فلا يلزم سَجنه (¬2) ولا ملازمته، ولا مطالبته حتى يكتسب مالاً؛ إذ قد أنظر إلى الميسرة، فكأنه من عليه دين إلى أجل وقد تقدم هذا. وإذا كان واجدًا ومنع صاحب الحق استعمال حقه لغير عذر فهو ظالم له. [وقد اختلف أصحابنا وغيرهم فى أن المماطل هل يفسق وترد شهادته بمطله مرة واحدة أم لا ترد شهادته حتى يتكرر ذلك منه ويصير عادة مستمرة ومقتضى مذهبنا اشتراط التكرار، وجاء فى الحديث الآخر فى غير مسلم: " لَىُّ الواجد يُحل عرضه وعقوبته "] (¬3). قال سفيان: عِرْضُه (¬4) أن يقول: مطلنى، وعقوبته الحبس. وهذا الحديث يدل على أن المراد بمطل الغنى ظلم ما تقدم وهو ظاهر، وتأويل كافة العلماء، خلافًا لما ذهب إليه بعضهم من أن المراد أن الغنى هو الممطول، وأنه وإن كان غنيًا فمطله ظلم. وهو تعسف فى التأويل من قائله (¬5). وقوله: " وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع ": معناه: إذا أحيل على ملىء فَليَحْتَل هذا هو أُتبع، و " فليتبع " ساكنة التاء فيهما، وبعض المحدثين يشددها فى الحديث الآخر. والوجه إسكانها، يقال من ذلك: تبعت الرجل، بمعنى أتبعه تباعة: إذا طلبته ¬

_ (¬1) البقرة: 280. (¬2) لأن الحبس إما أن يكون لإثبات عثرته أو لقضاء دينه، وعثرته ثابتة والقضاء متعذر، فلا فائدة فى الحبس. راجع: المغنى 6/ 585. (¬3) نقلها النووى عن القاضى، وهى فى الأصل مضطردة، والمثبت مما نقله النووى عن القاضى. (¬4) أى إباحة عرضه. (¬5) لأنه يلزم أن يكون المصدر مبنيًا للمفعول، وفيه خلاف.

(...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونَسَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمِّدُ بْنُ رَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ به، فإذا له تبيع، قال الله تعالى: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} (¬1)، ومعظم شيوخنا حملوا قوله: " فليتبع " على الندب. وقد ذهب بعضهم إلى أنه على الإباحة، وأنه ليس على الندب، وحكى الداودى أنه قيل: إنه غرم. وفى قوله: " مطل الغنى ظلم " قيل: هذا دليل أن الحوالة لا تصح إلا عن دين حال، إذ لا يكون ظالمًا ولا مطولاً من لم يحل عليه الدين. قال الإمام: الكلام فى الحوالة فى ثلاثة فصول: أحدها: هل يجبر المحال على التحول؟ والثانى: هل يشترط فى ذلك رضا المحال عليه؟ والثالث: هل تبرأ ذمة المحيل بالحوالة؟ فأما الفصل الأول: فجمهور العلماء على أنه لا يجبر على التحول، وحملوا هذا الحديث على الندب، وقال داود: يجبر على التحول، وحمل الحديث على الوجوب، وأهل الأصول مختلفون فى الأمر المجرد، هل يحمل على الوجوب أم الندب؟ وأكد مذهبهم من حمله على الندب بأن قال: إنما عامل على هذه الذمة، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلمون عند شروطهم " (¬2)؛ ولأن أحدًا لا يجبر على بيع سلعته، وهذا مَلَكَ ثمنه فى هذه الذمة فلا يجبر على بيعه بذمة أخرى، فدل هذا الاستدلال على أن المراد بالحديث الندب. وأكد هذا الاستدلال دلالة مجردة عند من قال: إنه على الندب، أو نقله إلى الندب بهذه الدلالة من يقول: إن الأمر على الوجوب. وأما الفصل الثانى: فإن اشتراط رضا المحال عليه لا يعتبر عند أبى حنيفة، والشافعى أطلق ذلك من غير تفصيل. وقال الإصطخرى: بل يعتبر رضا المحال عليه، وقال مالك: لا يعتبر - أيضاً - إلا أن يكون المحال عليه عدوًا له، أو من تضر به حوالته عليه، فلا يجبر حينئذ على تمكينه من مطالبته. والرد على الإصطخرى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع "، ولم يشترط رضا المحال عليه، وقياسًا على ما لو وكل أحدًا يقبض دينه، فإن ذلك لا يعتبر فيه رضا الموكل عليه. ووجه اشتراط مالك؛ ألا تكون عداوة: أن فى إحالة عدوه عليه ¬

_ (¬1) الإسراء: 69. (¬2) البخارى، ك الإجارة، ب أجر السمسرة معلقًا (الفتح 4/ 451)، أبو داود، ك الأقضية، ب فى الصلح (3594) بلفظ " على " بدلاً من " عند " وكذا عند الترمذى، ك الأحكام، ب ما ذكر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصلح بين الناس (1352).

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنِّبِهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إضرارًا به، ولم يعامل على ما يؤذيه ويضر به، فكان من حقه أن يمنع من ذلك. وأما الفصل الثالث: فإن ذمة المحيل تبرأ على الإطلاق عند الشافعى، ولا تبرأ عند زفر، ومالك يشترط فى البراءة ألا يكون غره من فلس المحال عليه. وتوجيه ما قاله مالك ينتظم الرد على المذهبين بوجه ما قاله مالك؛ أن الحوالة كالبيع، فلهذا جعلت رخصة من الدين بالدين، والبيع ينقل الأملاك، ويبرأ كل واحد من المتعاملين، إلا عند الاطلاع على ما يوجب التراجع كالاستحقاق فى البيع أو العيب، فإذا كان هذا قد باع ذمة بأخرى لم يكن له رجوع على مبايعه، إلا أن يطلع على أنه غره وخدعه، وأحاله على فقير يعلم فقره ويخفى عن المحال، ويكون ذلك عيبًا يوجب له الرجوع. قال القاضى: قال القاضى أبو الوليد الباجى: إن الإحالة ليست من باب الدين، إذا قلنا بهذا لا تصح إلا من دين حالٍ فى دين ثابت للمحيل على المحال عليه، وإنما هو من باب البيع (¬1)، أن المحيل تبرأ ذمته بنفس الإحالة. وقال القاضى ابن نصر: هى استثناء من الدين بالدين، كما استثنيت العرية من بيع الرطب بالتمر. ¬

_ (¬1) من الأبى، وقد جاءت فى الإكمال: النقد.

(8) باب تحريم بيع فضل الماء الذى يكون بالفلاة ويحتاج إليه لرعى الكلأ وتحريم منع بذله، وتحريم بيع ضراب الفحل

(8) باب تحريم بيع فضل الماء الذى يكون بالفلاة ويحتاج إليه لرعى الكلأ وتحريم منع بذله، وتحريم بيع ضراب الفحل 34 - (1565) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ. 35 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن بيع فضل الماء "، وفى الحديث الآخر: " نهى عن ضراب الجمل، وعن بيع الماء والأرض لتحرث "، وفى الحديث الآخر: " لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ "، وفى الآخر: " لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ ": فأما نهيه عن ضراب الجمل وعن بيع الماء، فقد يحتمل أن بيع الماء هاهنا عائد إلى ماء الجمل، وتفسير لمعنى ضرابه وبيان لعلة النهى؛ إذ إنما هو ماء قد يكون من جمل أو لا. وقد ينزل أو لا ينزل، على ما فسره بعد، كما قال فى الحديث الآخر: " نهى عن عسب الفحل " (¬1) وهو ماؤه. وإن كان قوله بعده: " والأرض لتحرث " يشعر أنه راجع إلى اكتراء الأرض وما بها على ما تقدم، والله أعلم. واختلف العلماء فى استئجار الفحل للضراب، فذهب الشافعى وأبو حنيفة وأبو ثور - إلى منعه جملة لجهالته، ورأوه من باب الغرر، وتمسكًا بظاهر الحديث. وذهب مالك فى جماعة من الصحابة والتابعين إلى جوازه إذا كان لأمر معلوم أو ضربات معدودة لا بشرط عقول الأنثى، ورخص فيه عطاء للمكترى إذا احتاج إليه ولم يكن عنده فحل، وأن يعطى الأجر عليه، وكره أخذ الأجر لصاحبه، وحملوا النهى فيه على الحث على مكارم الأخلاق، كما حمل على ما اقترن به فن اكتراء الأرض، وقد تقدم. قال الإمام: أما النهى عن ضراب الجمل فهو بيع نزوه على الناقة فأجازه مالك، وقال: لا بأس بإجارة الفحل. ومنعه أبو حنيفة والشافعى لهذا الحديث، وقال بعض أصحابنا: ¬

_ (¬1) البخارى، ك الإجارة، ب عسب الفحل (الفتح 2284)، أبو داود، ك البيوع، ب فى عسب الفحل رقم (3429)، الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى كراهية عسب الفحل (1274).

الْجَمَلِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَالأَرْضِ لِتُحْرَثَ. فَعَنْ ذَلِكَ نَهَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 36 - (1566) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثُ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لاَيُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ ". 37 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ - وَاللَّفْظُ لحَرْمَلَةَ - أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلأُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ نحن إنما نجيز إجارته، وهذا إنما نهى عن بيعه وقد يكون هذا مخالفًا لذلك، كما يجيز إجارة الظئر للرضاع ويمنع بيع لبنها، فكذلك يجوز إجارة الفحل للنزو بخلاف بيعه، ولعل هؤلاء يرون أن لفظة " البيع " لا تتضمن إنزاءً محدودًا ولا أمرًا معلومًا ينتفع به، فيحملون الحديث على المنع على ذلك. وقد تعلق المخالف بقوله: " نهى عن عسب الفحل " لأجل أنه لم يذكر فيه لفظة البيع، وهذا - أيضاً - فيه إضمار محذوف. ولأصحابنا أن يقولوا فيه ما قالوا فى الأول، واعتمد المخالف فى المنع على أن المقصود غير معلوم ولا محصل، وذلك يلحقه بالغرر والخطر فيمنع. وأصحابنا لا يسلمون ذلك ويجعلون المعاوضة وقعت على معلوم، والضرورة تدعو لجواز إجارته، فوجب حمل الحديث على ما تأولناه، أو يحمل على الحث على مكارم الأخلاق والندب إلى إعارته لذلك؛ ليكثر التناسل فى الحيوان. وأما نهيه عن بيع الماء، وفى الطريق الآخر: عن فضل الماء، فاعلم أن من الناس من زعم أن الإجماع قد حصل على أن من أخذ من دجلة ماء فى إنائه وحازه دون الناس أن له بيعه، إلا قولاً شاذًا ذكر فى ذلك لا يعتد بخلافه عنده، ومحمل النهى عن بيع الماء مطلقًا أنه باع مجهولاً منه، أو باع ما لا يحتفره فى أرضه واحتفره للسبيل، أو على أن النهى ندب للإسعاف به لاحتقار ثمنه وعظيم حاجة الناس إليه. وقد اختلف الناس فيمن حفر بئرًا للماشية فى الفيافى، هل له منع فضله؟ فعندنا ليس له منع ذلك بل يبذله بغير عوض، ومن الناس من قال: لا يمنعه، ولكن ليس عليه بذله بغير عوض بل بقيمته، قياسًا على المضطر لطعام غيره لإحياء نفسه، فإنه لا يحل له منعه، ولكن لا يلزمه بذله بغير عوض، وما وقع هاهنا من نهيه عن بيع فضل الماء يدل على صحة ما قلناه: إن الفضلة لا تمنع.

38 - (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ؛ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُسَامَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلأُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما إلزام المخالف بذلها بالقيمة قياسًا على ما قالوه فى الطعام فقياس غير صحيح؛ لأن الطعام يضر به بذله، ولا يخلف ما بذله إلا بسعى ومشقة، والماء ما ذهب منه عاد إليه مثله، وتفجرت به الأرض، فافترق الأصلان. وقوله: " لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ "، وقوله أيضاً: " لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ ": معناه: أن أصحاب الماشية إذا منعوا الماء لم يردوا عليه، وإذا لم يردوا عليه امتنعوا من رعى ما حوله لعدم الشرب، فيكون منعه الماء قصدًا لمنع الكلأ الذى حوله لا فيه؛ إضرار بالمسلمين ومنعًا لهم من حقوقهم، وذلك غير جائز. وقريب من هذا. يتأول فى اللفظ الآخر: " لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ ". الكلأ: مهموز مقصور بفتح الكاف هو الرعى. قال بعض أئمة - اللغة: الكلأ: النبات. قال: ومعنى الحديث: أن البئر تكون فى البادية أو فى صحراء ويكون قربها كلأ. فإذا ورد عليها وارد فغلب على مائها ومنع من يأتى بعده من الاستيفاء منها، كان بمنعه الماء مانعًا للكلأ، لأنه متى ورد رجل بإبله فأرعاها ذلك الكلأ ثم لم يَسْقِها قتلها العطش. والذى يمنع ماء البئر يمنع النبات القريب منه، وهو مثل الحديث الآخر: " لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ ". قال أبو القاسم الزجاجى: الكلأ: اسم يقع على جميع النبات والمرعى، فإذا فصل بين الرطب واليابس منه، قيل للرطب: خَلَى مقصور، ورطب بضم الراء وإسكان الطاء، ولليابس حشيش، ومنه يقال: أحشت الناقة ولدها: إذا ألقته يابسًا، وحشت يد فلان: إذا يبست. قال القاضى: فى قوله: " لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ " أصل لنا، وحجة فى منع الذرائع وسد بابها، وأن منع فضل الماء لا لحاجة إليه لكن ليتذرع به إلى منع الكلأ الذى لا يمكن حوزه والحياطة عليه وكل فيه سبب لمخلوق يتسبب به إلى منعه كما يتسبب صاحب بئر الماشية لمنع فضلها بحفره له. وهذا كله فيما حفره فى غير ملكه، فأما ما حفره فى ملكه ونسيه ولم يخرجه صدقة به ولا أباحَهُ للناس فله منعه. وقد اختلف شيوخنا فى منع الرجل الكلأ الذى أنبته الله فى أرضه، وهل يكون أحق به أو هو وغيره فيه سواء وهو أحق به إذا احتاجه لنفسه ورعى ماشيته؟ على تفصيل فى كتب الفقه.

(9) باب تحريم ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغى والنهى عن بيع السنور

(9) باب تحريم ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغىّ والنهى عن بيع السنور 39 - (1567) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى مَسْعُودِ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِىِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَن اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وفِى حَدِيثِ اللَّيْثِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ رُمَحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَسْعُودٍ. 40 - (1568) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " شَرُّ الْكَسْبِ: مَهْرُ الْبَغِىِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّام ". 41 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ قَارِظٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يزِيدَ، حَدَّثَنِى رَافِعٌ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغى، وحلوان الكاهن "، وفى الحديث الآخر: " ثمن الكلب خبيث، ومهر البغى خبيث، وكسب الحجَّام خبيث "، وفى الحديث الآخر: " شر الكسب مهر البغى، وثمن الكلب، وكسب الحجام ": اختلف شيوخنا فى تأويل قول مالك فى كراهة ثمن الكلب، هل هو على التنزيه أو على التحريم؟ وهذا قول الشافعى. قال الإمام: قد تقدم فى الذى ذكرناه فى افتتاح البيوع ما تعرف منه علة النهى عما نهى عن بيعه، وعلة الجواز لما أجيز بيعه، وأشرنا هناك لمسألة بيع الكلب، فمن أراد حقيقتها فليقف عليها هناك، ولكن نلحق هاهنا ما يتعلق بالمسألة حتى لا تمر بنا فتخلِّيها من فائدة. فاعلم أن كل حيوان ليس بنجس ولا ذى حرمة وينتفع به فى الحال وفى المآل، فإن بيعه جائز، وإنما قلنا: ليس بنجس لهذا الحديث.

خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِىِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ ". (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحَيَى ابْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 42 - (1569) حدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ قَالَ: زَجَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال أبو عمر بن عبد البر: [فمنع بيع السنور لا يثبت رفعه، وحديث أبى الزبير عن جابر فى ذلك لم يروه إلا حماد بن سلمة] (¬1). [قال القاضى: أنت ترى فى كتاب مسلم رواته غير حماد عن أبى الزبير هو معقل بن عبد الله عنه. قال أبو عمر: وروى الأعمش عن أبى سفيان عن جابر مثله. وحديث أبى سفيان عن جابر لا يصح؛ لأنها صحيفة، ورواية الأعمش فى ذلك عندهم ضعيفة] (¬2). ¬

_ (¬1) طمس وبياض فى أصل المخطوطة، ونقلناه من التمهيد لابن عبد البر 8/ 403 وعن إكمال الإكمال للأبى 4/ 252. (¬2) طمس وبياض فى أصل المخطوطة، ونقلناه من التمهيد والإكمال.

(10) باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخة، وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك

(10) باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخة، وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك 43 - (1570) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. 44 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَأَرْسَلَ فِى أَقْطَارِ الْمَدِينَةِ أَنْ تُقْتَلَ. 45 - (...) وحدّثنى حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ الْمُفَضَّلِ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ أُمَيَّةَ - عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَنَنْبَعِثُ فِى الْمَدِينَةِ وَأَطْرَافِهَا فَلَا نَدَعُ كَلْبًا إِلَّا قَتَلْنَاهُ، حَتَّى إِنَّا لَنَقْتُلُ كَلْبَ الْمُرَيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، يَتْبَعُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل الكلاب "، وفى الحديث الآخر: " إلا كلب صيد، أو كلب غنم، أو ماشية "، وفى حديث آخر: " عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين، فإنه شيطان "، وفى الآخر: " ما بالهم وبال الكلاب، ثم رخص فى كلب الصيد وكلب الغنم "، وفى الحديث الآخر: " وكلب الزرع "، قال الإمام: أما إذا حبست الكلاب لغير منفعة وحاجة إليها، فإن ذلك ممنوع منه؛ لما فيها من ترويع المسلمين والتوثب عليهم، وإذا دعت الضرورة لاقتنائها للتكسب بها فى الصيد أو حراسة المال، كانت الحاجة إليها فى تكسب المال أو حراسته تدعو لإجازة اقتنائها. وقد اختلف الناس فى اتخاذها لحراسة الدور، هل يجوز ذلك؟ قياسًا على ما وقع فى الحديث من إجازة اتخاذها لحراسة الزرع والضرع، أم لا يجوز ذلك؟ وقد اعتل بعض أصحابنا للنهى عن اتخاذها لحراسة الديار بأن فى ذلك مضرة وترويعاً للناس، وهى إنما تتخذ حراسة من السارق، وقد تؤذى - إذا كانت فى الديار - من ليس بسارق ومن لم يسرق بعد. وفى الحديث: " أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب " (¬1) وهذا المعنى هو المفرق بين اتخاذها فى الديار واتخاذها لما ذكر فى الحديث، وكذلك - أيضاً - تنازع العلماء فى كلب ¬

_ (¬1) سيأتى، ك اللباس، ب تحريم تصوير صورة الحيوان.

46 - (1571) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ. فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ لأَبِى هُرَيْرَةً زَرْعًا. 47 - (1572) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَاب، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَة بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ. ثُمَّ نَهَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: " عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ الْبَهِيمٍ ذِى النُّقْطَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ ". 48 - (1573) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ الْمُغَفَّلِ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. ثُمَّ قَالَ: " مَا بَالهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟ " ثُمَّ رَخَّصَ فِى كَلْبِ الصَيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ. 49 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصيد إذا اتخذه من ليس بصايد، هل يجوز؟ أخذًا بظاهر هذا الحديث أو ينهى عن ذلك، ويكون معنى الحديث إلا كلب صيد للصائد به. قال القاضى: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث فى قتل الكلاب، إلا ما استثنى من كلب الصيد وما ذكره معه، وهو مذهب مالك وأصحابه. ثم اختلف القائلون بهذا، هل حكم كلب الصيد وما ذكر معه منسوخ من العموم الأول، وأن القتل كان عاماً فى الجميع؟ أم كان مخصوصاً على ما جاء فى بعض الأحاديث؟ وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها ونسخ الأمر بقتلها والنهى عن اقتنائها، إلا ما خصه آخراً من الأسود البهيم. وقوله: " ما لى والكلاب " والذى عندى فى تنزيل هذه الأحاديث أو ظواهرها تقتضى أولاً النهى العام عن اقتنائها والأمر بقتلها، ثم تحمل الأحاديث الأخر على نسخ العموم باقتصار القتل على الأسود، ومنع الاقتناء إلا لكلب الصيد والضرع والماشية، وقد أشار بعضهم إلى منع القتل فيما عدا الأسود يدل على جواز اقتنائه وليس نهى وجوب. وقول ابن عمر - لما سمع فى حديث أبى هريرة: " أو كلبَ زرع " -: " رحم الله

جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِىِ حَدِيثِهِ عَنْ يَحْيَى: وَرَخَّصَ فِى كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ. 50 - (1574) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِى، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ". 51 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ". 52 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوْ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ ضَارِيَةٍ أَوْ مَاَشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ". 53 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى حَرْمَلَةَ - عَنْ سَالِمِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْم قِيَرَاطٌ ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ ". 54 - (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا حَنْظَلةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ ضَارٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبا هريرة كان صاحب زرع " ليس على تكذيبه واتهامه، وأن ما قال تصحيح لروايته؛ لأنه كما كان صاحب زرع أثبت بحفظ هذه الزيادة، ويدل على صحتها رواية غير أبى هريرة، وقد ذكرها مسلم من رواية عنده، ومن رواية سفيان بن أبى زهير عن النبى - عليه السلام.

قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: " أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ " وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ. 55 - (...) حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّمَا أَهْلِ دَارٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ ". 56 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْحَكَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَن اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيْدٍ، يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ ". 57 - (1575) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ بنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكرها مسلم - أيضاً - من رواية أبى الحكم، وهو عبد الرحمن بن أبى نُعم البَجَلى، عن ابن عمر. فلعل ابن عمر لما سمعها من أبى هريرة وتحقق هذه اللفظة عن النبى - عليه السلام - زاده فى حديث بعد - والله أعلم. وقوله فى حديث داود بن رشيد: " إلا كلب صائد ": حجة لأحد القولين، على اختصاص جواز اتخاذ كلب الصيد لمن يصيد لا لمن لا يصيد، على ما تقدم. وأكثر الأحاديث إنما فيها كلب صيد، وفى حديث يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب ومن ذكر معه: " إلا كلب ضارية " وتخريجه فى العربية: إلا كلب ذى كلاب ضارية أو إلا كلب كلاب ضارية. وجاء فى حديث إسحاق بن إبراهيم: " من اقتنى كلبًا إلا كلب ضارية " فى رواية العذرى وغيره. ويخرج على إضافة الشىء إلى نفسه كقوله: كماء بارد ومسجد الجامع، أو يكون " ضار " هنا وصفًا للرجل المعتاد للصيد [كقوله: أو ضارى. هو للعذرى دون ياء ولغيره دون ياء وللسجزى هنا ضاريًا بياء منونة وبعدها ألف وتخريج الأولى والثانية على إضافة الشيء إلى نفسه] (¬1) الضارى: هو المعلم للصيد. وقوله: " أو ضرع " مثل قوله: " أو ماشية "، [وأجاز غير مالك اتخاذها للتحفظ من السارق] (¬2). وأما إن اتخذ الكلب ليحفظ الدار من السراق، فليس مما أبيح اتخاذه عنده، وكذلك كلب الزرع، إنما هذا إذا كان يحفظه من الوحوش بالليل أو بالنهار لا من الحشرات. ¬

_ (¬1) مطموسة فى الأصل، ونقلت بتصرف من الأبى 4/ 255. (¬2) طمس وبياض فى جميع النسخ، والمثبت من الأبى بتصرف 4/ 253.

قَالَ: " مِنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ، كُلَّ يَوْمٍ ". وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَبِى الطَّاهِرِ: " وَلَا أَرْضٍ ". 58 - (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ ": قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيَراطٌ ". قَالَ الزُّهْرِىُّ: فَذكرَ لاِبْنِ عُمَرَ قَوْلُ أَبِى هُرَيْرَةَ. فَقَالَ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا هُرَيْرَةَ، كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ. 59 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " انتقص من أجره كل يوم قيراط "، وفى الرواية الأخرى: " قيراطان "، وفى الرواية الأخرى: " نقص من عمله قيراطان ": ومعنى نقص من أجره: [قيل: إنه يحتمل بـ " القيراطان " جزءًا ما فى نوعين من كلاب] (¬1) أحدهما أشدّ أذى من الآخر لهم، وبسبب الترويع للمسلمين والأذى لهم يكتسب من الإثم ما ينقص من أجر عمله هذا. [وقوله: " نقص من عمله " وقيل: ينقص مما مضى من عمله، وقيل: من مستقبله] (¬2) لاتخاذه ما نهى عنه وعصيانه فى ذلك. وقيل: بل من امتناع دخول الملائكة بيته بسببه [وقيل: بل لما يلحق من ترويع الكلاب] (¬3) ومراقبة أحكام اتخاذه من غسل الإناء من ولوغها، ومن نجاستها عند من يراها نجسة فى الاتجار للتملك منه، ولا يرعى ذلك، فيدخل عليه الإثم من أجله فيدخل عليه فى هذه الوجوه من السيئات ما ينقص من أجره فى يومه، فيحتسب أجره فى إحسانه إليه، لما جاء من أن " فى كل ذى كبد رطبة أجر " (¬4)، فقد يمحو أجره فى ذلك، أو ينقصه ما يلحق مقتنيه من السيئات بترك أدائه العبادات فيه، ولمراعاة أحكامه، أو لترويع غيره. وقيل: يختص هذا النقص من البر ما يطابق ¬

_ (¬1): (¬3) طمس وبياض فى جميع النسخ، والمثبت من الأبى بتصرف 4/ 253. (¬4) سيأتى فى كتاب السلام برقم (153).

(...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 60 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَزِينٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا غَنَمٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ ". 61 - (1576) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ؛ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِى زُهَيْرٍ - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ شَنُوءَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِى عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ " قَالَ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِى، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الإثم، وهو أجره من تغيير المنكر كل مرة، فينقص منه ذلك القدر لموافقته فى اتخاذ الكلب مثله، والله أعلم بما أراد رسوله. وذكر القيراط هنا تقرير لمقدار الله أعلم به، والمراد نقص جزء ما، وما جاء فى الحديث الآخر من جعله قيراطاً، وقيل: يحتمل أن يكون فى نوعين من الكلاب؛ أحدهما أشد أذى من الآخر ولمعنى فيهما، أو يكون فى اختلاف المواضع، فيكون القيراطان فى المدينة خاصة، والقيراط فى غيرها، أو القيراطان فى المدائن والحواضر، والقيراط فى غيرهما، أو يكون ذلك فى زمنين فذكر القيراط أولاً، ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين، والله أعلم بمراده. وفى جملة هذه الأحاديث جواز اتخاذها للأشياء المستثناة من الصيد وغيره، على ما تقدم. وقد استدل بعضهم من تنبيه النبى على هذه المنافع على جواز اتخاذها لكل منفعة فى نحو من ذلك، وأن النهى [إنما هو لاتخاذها لغير منفعة مقصودة، واستدل بعضهم بقوله: " نقص من أجره، ومن عمله " على أن النهى ليس نهى تحريم، وإنما] (¬1) نهى كراهة؛ ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.

(...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ خُصَيْفَةَ، أَخْبَرَنِى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَيْهِمْ سُفْيَانُ بْنُ أَبِى زُهْيَرٍ الشَّنَئِىُّ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ ليس وعيد المحرمات نقص الأجور وفى هذا نقص. وفى الباب حديث يحيى بن يحيى وقتيبة وابن حجر، ذكر سفيان بن أبى زهير الشنئى، بفتح الشين المعجمة والنون بعدها همزة مكسورة، منسوب إلى أزد شنوءة، وقد وقع مبيناً فى الحديث قبله. قال: وهو رجل من شنوءة، ووقع عند السمرقندى: " الشنوى " بدون الهمزة على التسهيل، ورواه بعض رواة البخارى: " الشنُوى " بضم النون على الأصل، وذكر بعده ابن أبى علية السبائى، بسين مهملة وباء موحدة، منسوب إلى سبأ.

(11) باب حل أجرة الحجامة

(11) باب حل أجرة الحجامة 62 - (1577) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّام؟ فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. وَقَالَ: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ، أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ ". 63 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى الْفَزَارِىَّ - عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِىُّ، وَلَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " احتجم رسول الله .. " الحديث، وثناؤه على منفعة الحجامة: دليل على جواز الحجامة للحاجم والمحجوم، وجواز المعاناة وإعطاء الأجر عليها على ما تقدم. وأبو طيبة: هو بطاء مهملة، ثم ياء اثنتين تحتها على الباء. بواحدة. وسؤال النبى - عليه السلام - سيده أن يخففوا عنه من ضريبته، فيه جواز إلغاء الضريبة على العبيد الذين لهم صناعة، وجواز سؤال ساداتهم التخفيف عنهم. قوله: " ولا تعذبوا صبيانكم بالغَمْزِ ": يعنى من العذرة، وقوة اللداد. كذا فسره فى حديث آخر. والعذرة: وجع الحلق، وهو سقوط اللهاة. وحضه على معاناته بالقسط البحرى حكم على الرفق فى المعاناة، ولا سيما بالصغار، وقد فسر صفة معاناته بالقسط البحرى، وهو العود الهندى المذكور فى هذا الحديث وقال: يسعط به من العذرة وفيه بقايا المعاناة والاستعاط: ضم بالعرض فى الدماغ، وقد ذكر مسلم أنه - عليه السلام - احتجم وأعطى الحجام أجرة واستعطى.

(12) باب تحريم بيع الخمر

(12) باب تحريم بيع الخمر 67 - (1578) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى أَبُو هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ، وَلَعَلَّ اللهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَىْءُ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ ". قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الله تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هذِهِ الآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَىْءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبِعْ ". قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا فِى طَرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (¬1) - عليه السلام -: " إن الله يُعرِّضُ بذكر الخمر، ولعله سَيُنْزِلُ فيها أمراً، فمن كان عنده منها شَىْءٌ فليبعها (¬2) وينتفع به ": دليل على أن الأشياء على الإباحة فى جميع المنتفعات إلا ما حرمه الشرع، وأنها على ما كانت عليه قبل زمن الشرب. وقوله: النصيحة اللازمة للعامة فى أمر دينها ودنياها؛ لأنه لما أحس - عليه السلام - أنه سيحدث فيها أمر بنصحهم فى تعجيل الانتفاع بها، ما دام لهم ذلك حلالاً. وقوله: " إن الله حرم هذه الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شىء فلا يشرب ولا يبع " ويروى: " ولا ينتفع ". وفى الحديث الآخر: " إن الذى حرم شربها حرم بيعها ": فيه حجة أن ما حرم مقصود المنفعة منه وعظمها فما بقى منه من المنافع تابع للتحريم، والمقصود من الخمر الشرب، فلما حرم حرم الانتفاع بها جملةً وما لا منفعة فيه لا يجوز بيعه، وقد جاء فى حديث ابن عباس: أن الله إذا حرم على قوم أكل شىء حرم عليهم ثمنه. وهذا يحمل على ما بيناه مما المقصود منه جل منفعية الأكل، بخلاف ما المقصود منه غير ذلك، كالحيوان والطير عند من يعتقد تحريمها والحُمر الأهليه وشبهها؛ إِذْ المقصود من جميعها منفعة غير الأكل، فلم يجز بيعه بإجماع. وقوله: " فمن أدركته هذه الآية ": أى من أدركته حياً، ولزمه الخطاب، يريد قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِر} الآية (¬3)، وسيأتى الكلام على هذه الآية، ومقتضى حكمها، وما يتعلق بها من أحاديث الخَمْر والمسكر فى الأشربة إن شاء الله. وقوله: " فاستقبل الناس بما كان عنده منها فى طريق المدينة فسفكوها ": أى صبوها. ¬

_ (¬1) باب جديد. وكتب فى أصل المخطوطة: أول الجزء السابع عشر. (¬2) فى متن الصحيحة: فليبعه. (¬3) المائدة: 90.

الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا. 68 - (1579) حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ - أَنَّهُ جَاءَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا ابْن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلةَ السَّبَئِىِّ - منْ أَهْلِ مِصْرَ - أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَجُلاً أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟ " قَالَ: لا، فَسَارَّ إِنْسَانًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه دليل على منع الانتفاع بها البتة، وعلى منع تخليلها. ولو كان جائزاً لبين لهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا، وبينه للآخر الذى نهاه عن بيعها وصبها، ولنصحهم فى ذلك ونهاهم عن إضاعة أموالهم، كما نصحهم عند مخافة تحريمها فى الحديث قبل هذا، وكما نبه أهل الميتة على الانتفاع بجلدها. وقد حكاه فى حديث آخر: " صبها "، وجاء فى حديث آخر ذكره مسلم بعد هذا إلخ. سئل - عليه السلام - عن تخليلها فقال: " لا ". ويمنع تخليلها قاله مالك والشافعى وأحمد والعنبرى، وأجاز تخليلها أبو حنيفة والأوزاعى والليث، وحكى عن مالك. وكذلك قال أبو حنيفة: إن عولج بالملح والسمك. حتى صار مدياً جاز، وخالفه صاحبه ابن الحسن وقال: إنما يجوز التخليل فقط. وهو قول أكثر من أجاز تخليلها. ثم اختلف المانعون لذلك إذا فعل ذلك، فعن مالك فى ذلك قولان؛ أشهرهما: أن تؤكل. وقال الشافعى: خلها حينئذ محرم نجس كما كان قبلى تخليله، وقاله كبراء أصحابنا. وقال الجمهور: إذا صارت خلاً من ذاتها بغير معالجة آدمى أنها تؤكل، وهو قول مالك والشافعى وعامة أصحابهما، وروى عن عمرو بن شهاب وجماعة من السلف والخلف. وحكى القاضى عبد الوهاب وغيره أنه لا يختلف فى جوازه، لكن روى ابن وضاح عن سحنون أنه منع ذلك وإن تخللت من غير صنع آدمى. وفى هذا - أيضاً - يمنع الانتفاع بها للتداوى وغير ذلك من العطش عند عدم الماء أو لتجويز لقمة غص بها. وهذا قول مالك والشافعى وغيرهما. وأجاز ذلك أبو حنيفة وأحمد، وقاله بعض أصحابنا، وروى عن الشافعى نحوه إذا خاف التلف، وقاله أبو ثور. وقوله: " هل علمت أن الله حرمها؟ ": دليل على جهالة الرجل بهذا الحكم، فلعله كان بإثر التحريم وقبل انتشاره، وقد جاء فى حديث آخر: " أشعرت أن الله حرم الخمر

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِمَ سَارَرْتَهُ؟ ". فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا. فَقَالَ: " إِنَّ الَّذِى حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا ". قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا. (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَه. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدك؟ " (¬1) فهذا يدل على قرب المال. وقوله فى هذه الرواية هل يفسر قوله فى رواية مالك: " هل علمت أن الله حرمها؟ " (¬2) وأنه على الاستفهام ليبين الحال، لا على التوبيخ على ما ذهب إليه بعضهم. وفيه دليل على أن الجاهل قبل هذا لا إثم عليه بالتحريم، ما لم يفرط فى التعليم بعد إمكانه. وقوله: لا. فسار إنساناً، وقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بم ساررته؟ "، قال: أَمرتُه ببيعها: الآمر هنا والمسؤول هو المهدى الأغر، كذلك جاء مفسرًا فى رواية غسان على زيد ابن أسلم فى هذا الحديث، وفيه: أن رجلاً من دوس جاء إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر القصة، وفيه: فأمر الدوسى غلامه ببيعها، فلما ولى بها قال له النبى - عليه السلام -: " ماذا أمرت بها؟ " قال: أمرته ببيعها - الحديث. هنا خلاف ما ظنه بعض الشارحين، يوهم ظاهر اللفظ أن الذى ساره وأمره وخصه النبى - عليه السلام - هو رجل أجنبى غيره، وفيه: أن على العالم أن يكشف عما يظن أن باطنه فاسِد. وقيل عن ذلك: أن يجرى فيه ما لا يجوز، كما سأل النبى - عليه السلام - عن مسارته فى شأنها وعلم من جهله بحكمها، لما قد جريه قداح منه فاستكشفه عن ذلك، فإذا به كما ظنه. ولم يكن هذا من التجسس والكشف عن الأسرار وكثرة السؤال؛ لأن المذموم من ذلك كله والمنهى عنه فيما لا يختص بالإنسان ولا بما يلزمه القيام به، وأما ما يختص بالإنسان منفعته أو مضرته أو يكون النظر والإسناد فيه والعضاء له فعليه البحث فى كل ذلك ومعرفة صحيحه وسقيمه والكشف عن الأسرار؛ لئلا يجرى من ذلك شىء يضره، أو يضاف إليه مما لا يرضاه ولا يسيغه. وقوله: " إن الذى حرم شربها حرم بيعها ": قال بعضهم: فيه دليل على منع بيع الذبول والعذرة وغيرها من النجاسات، وهو قول مالك والشافعى، وأجاز ذلك الكوفيون والطبرى وبعض متقدمى أصحابنا، وأجازه آخرون منهم للمشترى دون البائع، وكذلك يقول الشافعى فى أبعار ما يؤكل لحمه وروثه لقوله: " نجاسته "، ومالك يجيز بيعه ¬

_ (¬1) أحمد فى المسند 4/ 227. (¬2) مالك فى الموطأ، ك الأشربة، ب جامع تحريم الخمر 2/ 846 رقم (12).

69 - (1580) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ لقوله: " بطهارته "، ويحتمل أن يريد قوله: " إن الذى حرم شربها حرم بيعها "، أى أن الله قد حرم الحكمين لا أن معناه: أن السبب الموجب بتحريم شرائها أوجب تحريم بيعها؛ لأن موجب تحريم الشرب ما نص الله عليه من إلقاء العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ومن لا يمنع البيع أدى بيعها من الكفار وممن لا يمنع من ذلك. والأظهر أنه على الخبر عن الله لا على ذكر التعليل بدليل الحديث الآخر: لما نزلت آخر سورة البقرة خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس، فأقبل على الناس، ثم نهى عن التجارة فى الخمر، وقد يحتمل أن الحكم فيمن حرم شربه أو أكله مما هو المقصود من تحريم بيعه وسائر منافعه، كما جاء فى حديث شحوم اليهود، وفى سفكهم لها فى طرق المدينة ما يحتج به ربيعة، ومن قال بقولهم فى طهارة الخمر، وإليه ذهب سعيد بن الحذاء والهروى لو كانت نجسة لتنجست بها الطرق، وتأذى بها المسلمون كما لا يباح إجراء الأقذار فى الطرق، ويمنع من فعله، وكافة السلف والخلف على نجاسة الخمر والدليل على نجاستها مع إجماع الكافة عليها قديماً وحديثاً إلا من شذ تحريم بيعها، وما حرم بيعه لا يخلو تحريمه أن يكون لحرمته كالجرو، ولا حرمة للخمر، فيقال: منع من بيعها مذهبنا وما لا منفعة فيه أصلاً كالجعلان والخمر، فقد تخلل على ما تقدم وينتفع بها، أو لنجاسته كالميتة والدم والخمر من هذا القليل، ويتأول معنى صبها فى طرق المدينة أن الطرق كانت واسعة يفى منها من حيث يمر المار، ولا يتأذى بذلك، وكذلك كانت طرق المدينة، وقد قيل: فعل ذلك ليشتهر الأمر ويذيع حكمه فيها بالأذقة ويمنع البيع. وقوله: " ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما " ولم يذكر أنه شقهما، وفى ظاهره حجة لمن لا يرى كسر أوانى الخمر، ويرى غسلها واستعمالها. وقد اختلف العلماء فى ذلك. وعن مالك فيه قولان؛ فقال: من وجد عنده خمر من آنية كسرت الظروف وشقت. فقيل: لعل ذلك عقوبة له فى القول بالعقوبة فى الأموال، وقيل: لأن ما فيها لا يطهر بالغسل لتداخله فيه ولو كان يوجد الغسل لم يفسد، ونحوه لمالك إذا طبخ فيها الماء وغسلت أنها تستعمل، وقد يحتمل أن يكون أمر مالك بكسرها فيمن خيف منه العود إلى عملها وإن ضاربه ليستعين بذلك على معصية، وحديث أبى طلحة فى كسرهم الجراب حجة. ولمالك وليس فى هذا الحديث تصريح أنها لم تشق، وإنما قال: " ففتح "، وقد يكون الفتح بشق أجوافها.

قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتِ الآياتُ مِنْ آخِرِ سُورَة الْبَقَرَةِ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ نَهَى عَنِ التِّجَارَةِ فِى الْخَمْرِ. 70 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِى الرِّبَا، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِى الْخَمْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ففتح المزادة "، وفى أول الحديث: " الراوية " هما بمعنى. [هذا قول أبى عبيد. وقال يعقوب: لا يقال: راوية، إنما الراوية البعير، وإنما يقال: مزادة. وهذا الحديث وغيره يشهد لما قال أبو عبيد] (¬1)، لكن لفظ " راوية " يستعمل فى القربة الكبيرة التى يحمل فيها الماء والخمر وشبهه مما يشرب وتروى صاحبها، وبهذا سميت. وقد تستعمل توسطاً فيما يحمل فيه غير ذلك، وكذلك المزادة لما يتزود فيه الماء من ذلك للسفر لكبرها، وقيل: بل سميت بذلك؛ لأنه يزاد فيها الجلد لتتسع، وقيل فى الراوية مثله. وقوله: " لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة اقترأهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس، ثم نهى عن التجارة فى الخمر ": يحتمل أن يكون هذا متصلاً بعد تحريم الخمر ومنها فهم، أو أوصى إليه بمنع بيع الخمر بظاهر الحديث؛ لأن سورة المائدة التى فيها تحريم الخمر من آخر ما نزل من القرآن، وآية الربا آخر ما نزل. قال ذلك عمر، قال: ومات رسول الله ولم يفسرها لنا، ويحتمل أن يكون هذا بعد بيان النبى تحريم له فى الخمر. فلما نزلت آية الربا وقد اشتملت على تحريم ما عدا البيع الصحيح أكد تحريم ذلك، ولا علم أن التجارة فى الخمر من جملة ذلك، والله أعلم. كما كرر تحريمه والإعلام بذلك عام الفتح، كل ذلك تأكيد. ولما جمع عام الفتح من كافة المسلمين وأهل البوادى والأعراب الذين يجهلون الأحكام. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

(13) باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

(13) باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام 71 - (1581) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَن جَابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: " إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَة وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السَّفُنُ، ويدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الله حرم بيع الخمر والميسر والخنزير والأصنام ". فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس. فقال: " لا، هو حرام " الحديث. ثم قال عند ذلك: " قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها أجْمَلُوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه "، قال الإمام: قد تقدم فى العقد الذى افتتحنا به البيوع الكلام على هذا الحديث، وأصلنا ما يعرف منه ما يجوز بيعه مما لا يجوز، وكشفنا عن علة ما يجوز بيعه مما لا يجوز، فلا فائدة من إعادته. وقد قال الطبرى: فى المحرمات ما يجوز بيعه، فإن اعترض به على ما يتضمنه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الحديث من إشارته إلى أنَّ ما حرم بيعه، قيل: إنما هذا لنجاسته. واليهود ترى الشحم نجساً، والذى أحللنا بيعه من المحرمات ليس بنجس، والذى أراد بقوله: " لا، فهو حرام " تحريم البيع لا تحريم ما ذكره من منفعة، وإنما ظنوا أن هذه المنافع تكون سبباً للرخصة لهم فى البيع، فذكروا ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لعله أن يبيح البيع لذلك، فلم يفعل. وقد تقدم فى العقد الذى ذكرناه نحن فى افتتاح البيوع الوجه الذى من أجله لم يعذرهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يرخص لهم فى البيع، قال: فإن قيل: فإن فى بعض الأحاديث كما قيل له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شحوم الميتة: إنها تدهن بها السفن، فقال: " لا تنتفعوا من الميتة بشىء ". قيل: هذا على الكراهية، وتحرزاً من النجاسة أن تمسه، بدليل ما وقع فى حديث آخر أنه أباح الانتفاع بالسمن الذائب إذا وقعت فيه الفأرة (¬1) وإن طعنوا فى بعض رواة هذا الحديث. وكذلك حديثهم الذى عارضوا به - أيضاً - يطعن فى بعض رواته هذا الذى علق بحافظتى من معنى كلام الطبرى. قال القاضى: فى هذا الحديث إبطال الحيل، والحجة على من قال بها فى هذا إسقاط حدود الشرع من الكوفيين. وفيه الحجة لمالك فى مراعاة الذرائع، وسد بابها. وقد اختلف الناس فى الانتفاع بالنجاسات، وقد ذكرناه. واختلفوا فى الانتفاع بشحوم الميتة. ¬

_ (¬1) البيهقى فى السنن الكبرى، ك الضحايا، ب من أباح الاستصباح به 9/ 354.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما ما اثبت فيه ميتة من زيت أو سمن وعسل ذائب أو تمسه نجاسة، هل يستصبح به أو يجعل من الزيت صابون، ويعلق العسل النحل، أو يطعم الميتة بكلابه، أو الطعام النجس لماشيته، أو تطلى به السفن؟ يتحقق من مذهب مالك وكثير من أصحابه استعمال الزيت وغيره مما وقعت فيه النجاسة فى غير الأكل. واختلف فى ذلك أصحابه ومنعه بعضهم، قياساً على شحم الميتة، وهو قول عبد الملك وأحمد بن حنبل وأحمد بن صالح. وأجاز بعضهم بيع الدهن إذا بين به ممن ينتفع به، وأجاز بعضهم استعماله وبيعه بعد غسله والادهان به، وروى نحوه عن مالك، وأن الغسل يطهره. ومنعه بعضهم، وإن غسل لتعذر ذلك، ولو كان لم يخف على من مضى، وإلى ما ذهب إليه مالك من جواز الانتفاع به ذهب الشافعى والثورى، وروى نحوه عن ابن عمر وعلى. وممن أجاز الانتفاع به فيما عدا الأكل وبيعه إذا بين به أبو حنيفة وأصحابه والليث، وروى عن أُبى والقاسم وسالم، وهو قول ابن وهب من أصحابنا، وقد جاء فى الحديث من رواية معمر فى الفأرة تقع فى السمن: " وإن كان مائعًا، فلا تقربوه " (¬1). وجاء من رواية أُخرى عنه: " وإن كان مائعًا فانتفعوا به واستصبحوا " (¬2). وأما شحوم الميتة، فجمهورهم على أنه لا ينتفع بها البتة بشىء؛ لأن عينها نجس، خلاف ما هو آت عن النجاسة لعموم نهيه - عليه السلام - عن الانتفاع من الميتة بشىء، فخصت السُّنَّة من ذلك الجلد، وبقى سائرها على التحريم، إلا عطاء بن أبى رباح، فأجاز أن يستصبح به، وتطلى به السفن. وإلى نحوه أشار الطبرى، وتأول الحديث بما أشار إليه قبل من النهى عن البيع لا عن غيره، وتأول عموم النهى على الندب والتنزه؛ لئلا تتنجس بمباشرته، وفى تحريم بيع الميتة حجة على منع بيع جثة الكافر إذا قتلناه من الكفار واقترابهم منا له. وقد امتنع من ذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة الخندق، وقد بذلوا له فى جسد نوفل بن عبد الله المخزومى عشرة إلا درهمًا فيما ذكر ابن هشام، فدفعه إليهم ولم يقبل ذلك منهم، وقال: " لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنه ". وقد خرج الترمذى فى هذا حديثاً نحوه. وفى النهى عن ثمن الأصنام منع بيع الصور المقصود شراؤها كيف كانت، إذا كان ما فيها تبعاً لها، بخلاف إذا كانت هى تبعاً، كتصاوير الثياب والبسط وغيرها مما جاءت فيها الرخصة، وكذلك لعلة ما كان تبعاً للمبيع مما لم تأت فيه رخصة وكره، كصور الأباريق والمناور والأسرة؛ لأنها تبع لا يفسد البيع، لكن كره اتخاذها ويلزم طمسها وتغييرها. وقد رخص ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الأطعمة، ب فى الفأرة تقع فى السمن. (¬2) البيهقى فى السنن، ك الضحايا، ب من أباح الاستصباح به 9/ 354.

النَّاسُ؟ فَقَالَ: " لَا، هُوَ حَرَام ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: " قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا، أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جِعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الضَّحَّاَكُ - يَعْنِى أَبَا عَاصِمٍ - عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَىَّ عَطَاءٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ. 72 - (1582) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظ لأَبِى بَكْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا. فَقَالَ: قَاتَلَ الله سَمُرَةَ، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَعَنَ الله الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا ". (...) حدّثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ - يَعْنِى ابْنَ الْقَاسِمِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل العلم فى بيع البنات وشرائها للجوارى للرخصة فى ذلك، وإباحة لعبهن بها. وجاء عن مالك كراهية شرائها، ورأى الرخصة فى الاستعمال لا تقتضى أن تتخذ متجراً، ولعموم التغليظ فى عملها. وقوله: " أجملوها " وفى الرواية الأخرى: " جملوها "، قال الإمام: معناه: أذابوها، يقال: جملت الشحم وأجملته: إذا أذبته. وانشد ابن الأنبارى للبيد: فاستوى ليلة رمح واجتمل قال الهروى وغيره: الجميل والطهارة عند العرب: ما أذيب من الشحم، والحمّ: ما أذيب من الإلية، قال الراجز: أنشد يعقوب: يهم فيها القوم هَمّ الْحَم قوله: " يهم فِيها " أى يذوب فيه. قال القاضى: كثير ما يعرض ملاعين اليهود وأهل الزيغ على هذا الحديث بتحريم وطء سرية الأب على الابن، وجواز بيعها له وأكل ثمنها، وهذا إنما يموه به على غير محصول

73 - (1583) حدّثنا إِسَحقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا ". 74 - (...) حدّثنى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَ عَلَيهِمُ الشَّحْمُ فَبَاعُوهُ، وَأَكُلوا ثَمَنهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عنده من العلم، فجارية الأب لم يحرم منها إلا الاستمتاع على هذا الولد وحده من بين سائر الناس، وسائر منتفعاتها حلال والجميع حلال لغيره فلم يحرم عليه جميعها ولا على غيره. والشحوم محرم المقصود منها وهو الأكل على جميع اليهود، فكان ما عداه تبعاً له، فلا تشاكل بينها وبين سرية الأب.

(14) باب الربا

(14) باب الربا 75 - (1584) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض " وذكر فى الورق مثله، وقال: " لا تبيعوا منها غائباً بناجز " وقوله: " ولا الورق بالورق إلا وزناً بوزن، سواء بسواء "، وفى الحديث الآخر: " ولا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تُشِفُّوا ... "، وفى حديث آخر: " الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء "، وفى الحديث الآخر: أنه نهى - عليه السلام - عن " بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى "، وفى الرواية الأخرى: " يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد "، وفى الرواية الأخرى: " فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى سواء "، وفى الرواية الأخرى: " إلا ما اختلفت ألوانه "، وفى الرواية الأخرى: " الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما "، وفى الحديث الآخر: " نهى عن بيع الورق بالذهب ديناً " وفى الحديث الآخر: " ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا "، قال الإمام: التبايع يقع على ثلاثة أوجه: عرض بعرض، وعين بعين، وعرض بعين. ويقع التبايع بهذه الأجناس على ثلاثة أوجه أيضاً: يؤخران جميعاً، وينقدان جميعاً، وينقد أحدهما ويؤخر الآخر. فإن نقدا جميعاً كان ذلك بيعاً بنقد، فإن بيع العين بمثله كالذهب بالذهب سمى مواكلة، وإن بيع بعين خلافه كالذهب بالورق سمى مصارفة، فإن بيع العرض بعين سمى العين ثمناً والعرض مثموناً، وإن كانا مؤخرين جميعاً، فذلك الدين بالدين وليس ببيع شرعى؛ لأنه منهى عنه على الجملة، وإن نقد أحدهما وأخر الآخر؛ فإن كان المؤخر هو العين والمنقود هو العرض سمى ذلك بيعاً إلى أجل، وإن كان المنقود العين والمؤخر العرض سمى ذلك سلماً، ويسمى - أيضاً - سلفاً، ولو كانا عرضين مختلفين سمى ذلك سلماً - أيضاً - وسلفاً ولا تبال ما تقدم منهما أو تأخر. واعلم بعد ذلك أن الربا محرم فى الشرع، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1)، ولعن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا ومؤكله، الحديث (¬2). فإذا ثبت تحريمه وجب أن ¬

_ (¬1) البقرة: 275. (¬2) سيأتى ك المساقاة، ب لعن آكل الربا ومؤكله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نعقد أصلاً فيه سائر فروعه. فاعلم أنا قدمنا أن البيع يقع نقداً ويقع نسيئة، فأما بيع النقد وهو ما تناقدا فيه العوضين جميعاً، فيجوز التفاضل فيه والتماثل والبيع كيف يشاءان، ما لم يكن التبايع فى الأثمان والأطعمة المقتاتة، فلا يجوز فيها التفاضل مع الجنسية ولا يباع منه المثل بمثله إلا متساوياً، وإن اختلفت جاز التفاضل وما سوى هذين القسمين يجوز بيعه على الإطلاق، فيحصل من هذا أن التفاضل مع الاختلاف فى بياعات النقود يجوز على الإطلاق، والتفاضل مع التماثل يجوز إلا فيما قدمناه الأثمان والمقتاتات. والدليل على الجواز مع اختلاف الأجناس على الإطلاق قوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1)، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم ". والدليل على جواز التفاضل فيما سوى الثمن والمقتات، قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. وأيضاً فإنه لو كان التفاضل فى سائر الأشياء ممنوعاً لم يكن لتخصيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الستة بتحريم التفاضل معنى، ولقال: التفاضل حرام عليكم فى كل شىء، ولكن لما خص هذه الستة دل ذلك على أن التحريم ليس بعام فى سائر الأشياء، وإنما ينفى النظر فى هذه الستة، هل التحريم مقصور عليها ويكون كشريعة غير معقولة المعنى، أو يكون لاختصاصها بالتحريم معنى فيطلب ذلك المعنى فحيثما وجد حرم قياساً على الستة؟ فأما أهل الظاهر النفاة للقياس فإنهم قصروا التحريم عليها، وأباحوا التفاضل فى سائر الأشياء سواها، وهذا بناء منهم على [فاسد] (¬2) أصلهم فى نفى القول بالقياس، والرد عليهم مذكور فى أصول الفقه. فأما جمهور العلماء المثبتون للقياس فإنهم تطلبوا لذلك معنى. وأما مالك فإنه يعتقد أنه إنما حرم التفاضل فيها لأمرين: أما الذهب والفضة فلكونهما ثمينين، وأما الأربعة المطعومة فلكونها تدخر للقوت أو تصلح القوت، وقد قدمنا أن ذلك كله مع تماثل الجنس. وأما الشافعى فوافقه على العلة فى الذهب والفضة وخالفه فى الأربعة، فاعتقدوا أن العلة كونها مطعومة. وأما أبو حنيفة فخالفهما فى الجميع، واعتقد أن العلة فى الذهب والفضة الوزن، وفى الأربعة الكيل، فخرج من مضمون ذلك أن مالكاً تطلب علته، فحرم التفاضل فى الزبيب؛ لأنه كالتمر فى الاقتيات، وحرم التفاضل فى القطنية؛ لأنها فى معنى القمح والشعير ¬

_ (¬1) البقرة: 275. (¬2) من المعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الاقتيات، ويرى أن العلة الثمينة لم يتفق وجودها إلا فى الذهب والفضة ولو اتفق أن يجيز الناس بينهم الجلود لنهى عن التفاضل فيها. وأما الشافعى فتطلب علته فحرم التفاضل فى كل مطعوم، وأبو حنيفة يحرمه فى كل مكيل أو موزون. فأما مالك فإنه استلوح ما قال لأجل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو أراد الكيل أو الوزن لاكتفى بأحد هذه الأربعة فى الكيل، ولا تظهر للزيادة على الواحد فائدة، وكلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كله فوائد، لاسيما فى تعليم الشرائع وبيان الأحكام، وكذا كان يقتصر على واحد منها لو كانت العلة كونها مطعومة؛ لأن الواحد منها كما سواه مما ذكر معه فى الحديث. ونقول: لما علم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن المراد الاقتيات أراد أن يبينه (¬1) عليه ليبُقى للعلماء مجالاً فى الاجتهاد، ويكون داعياً لبحثهم الذى هو من أعظم القرب إلى الله - سبحانه - وليوسع لأمته فى التعبد على حسب سعة أقوال علمائها، وربما كانت التوسعة أصلح للخلق أحياناً، فنص على البر الذى هو أعلى المقتاتات، ثم نص على الشعير الذى هو أدناها لينبه بالطرفين على الوسط وتنظيم الحاشيتين ما بينهما، وإذا أراد إنسان ذكر جملة الشىء فربما كان ذكر طرفيه ونهايته دل على استيعابه من اللفظ الشامل له. ولما عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عادة الناس فى زمنه أكل البر مع السعة (¬2) والاختيار والشعير مع الضرورة والإقتار كان ذكره لهما تنبيهاً على السلت والأرز والذرة والدخن؛ لأن من اعتاد أكلها فى بعض البلاد، إما أن يأكلها فى حال سعته؛ فيكون ذكر القمح منبهاً له على حكمها، أو فى حال صفته، فيكون ذكر الشعير منبهاً له. ولو اتفق أن يكون الدخن أو غيره هو الغالب فى زمنه فى قوت أهل الأقتار، لأمكن أن ينبه به بدلاً من الشعير. وأما التمر فإنه وإن كان يقتات ففيه ضرب من التفكه، والطبع يستحيله حتى أن يؤكل على غير جهة الاقتيات، فأراد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرفع اللبس لأجل هذا المعنى الذى انفرد به وينص عليه مشيراً إلى أن كل مقتات وإن كان فيه زيادة معنى فإن ذلك لا يخرجه عن بابه. ولما علم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذه الأقوات لا يصح اقتياتها إلا بعد إصلاحها، وإذا لم تكن مصلحة تكاد أن تلحق بالعدم الذى لا ينتفع به فى القوت، أعطى ما لا قوام لها إلا به حكمها، ونبه بالملح على ما سواه مما يحل محله فى إصلاحها؛ لأنه لا يقتات منفرداً، ولكنه يجعل ما ليس بقوت قوتاً. وأما الشافعى فإنه استلوح ما ذهب إليه من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث آخر: " الطعام ¬

_ (¬1) فى ع: ينبه، والمثبت من الإكمال. (¬2) فى ع: السلعة، والمثبت من الإكمال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالطعام، مثلاً بمثل " فيقول: إنى وإن لم أزاحمكم فى تطلب التعليل، فإن عموم هذا نص مذهبى وإن زاحمتكم فيه، فإنه يشير إلى ما قلت؛ لأنه علق الحكم بالطعام وهو مشتق من الطعم، ومعنى الاشتقاق هو علة الأحكام. وأما أبو حنيفة فإنه - أيضاً - سلك قريباً من هذا المسلك فقال: فإن عامل خيبر لما باع الصاع بالصاعين أنكر ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تفعلوا، ولكن مثلاً بمثل، وبيعوا هذا، واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان ". ومعلوم أنه لم يرد نفس الميزان، وإنما أراد نفس الموزون، فكأنه قال: " وكذلك الموزون "، فيقول - أيضاً -: إن لم نزاحم فى التعليل استدللت بعموم قوله؛ " وكذلك الموزون "، وإن زاحمتكم فيه كان ذكر الوزن مشيراً للعلة. وقال أصحابنا فى الرد عليه: إن علته تجيز الربا فى القليل الذى لا يتأتى فيه الكيل، وعموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البر بالبر " الحديث يوجب منع الربا فيه، فقد صارت العلة أخذت من أصل تنقصها عمومه، وذلك مما يبطل العلل، هذا الكلام فى الربا فى بياعات النقد. وأما القسم الثانى: وهو الربا فى النسيئة، فنتكلم عليه فى الحديث المذكور فيه السلم، إن شاء الله تعالى. وقد اشتمل الحديث على أن الربا فى النقد فى هذه الستة المذكورة، وذكر عن ابن عباس أنه أجاز ديناراً بدينارين نقداً، وذكر أنه رجع عنه، وإن ثبت عنه أنه كان يجيزه فيقسط هذا القسم على أصله، ولا يكون ربا عنده إلا فى القسم الآخر الذى وعدنا بالكلام عليه، وذكر عنه مسلم ما ظاهره أنه تعلق بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الربا فى النسيئة "، وفى بعض طرق مسلم: " إنما الربا فى النسيئة "، وفى بعض طرقه: " لا ربا فيما كان يداً بيد "، وروى البخارى: " لا ربا إلا فى النسيئة " (¬1). فإن قيل: كيف الوجه فى بناء هذه الأحاديث مع قوله: " الذهب بالذهب " الحديث، وفى فى آخره: " مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد " فقد أثبت الربا مع كونه يداً بيد، وهذا يمنع من حمله على أن المراد به النسيئة حتى يكون مطابقاً لما تعلق به ابن عباس، وأيضاً قوله للذى كان يبيع الصاعين من التمر بصاع: " لا صاعين تمر بصاع " الحديث. قيل عنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أن يقال: قوله: " لا ربا إلا فى النسيئة "، يعنى فى العروض وما فى معناها، مما هو خارج عن الستة المنصوص عليها وعما يقاس عليها، ولا شك أن العروض يدخلها الربا نسيئة، على ما سنبينه فيما بعد، إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) البخارى، ك البيوع، ب بيع الدينار بالدينار نساء (2179).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانى: أن يكون المراد الأجناس المختلفة من هذه الستة أو ما فى معناها، فإنه لا ربا فيها إلا مع النسيئة، فيحمل ما تعلق به ابن عباس على هذا، حتى لا يكون بين الأحاديث تعارض وتناقض. والجواب الثالث: أنه إنما أراد بقوله: " إنما الربا فى النسيئة " إثبات حقيقة الربا، وحقيقة أن يكون فى الشىء نفسه، وهو الربا المذكور فى القرآن فى قوله: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُم} (¬1) لأنهم كانوا يقولون: إما أن تقضى أو تربى. هذه طريقة فى الجواب سلكها بعض العلماء، ولما عورض بما وقع من إطلاقاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقوله: " فمن زاد أو استزاد فقد أربى "، وقد ذكر الذهب بالذهب والفضة بالفضة، قال: هذا على جهة المجاز والتشبيه له بالربا، وهذا عندى بعيد مع قوله فى حديث بلال لما باع الصاع بالصاعين، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوه عين الربا "، فنص على أنه عين الربا، وهذا يبعد معه أن يكون أراد أنه يشبه الربا. قال القاضى: قوله: " لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق .. " الحديث عام فى جميع أجناسها من مشكول ومصنوع وتبر وجيد وردىء، ولا خلاف فى هذا. واختلف عند أئمتنا لعلة ربا الأربع من المطعومات المذكورة فى الحديث، هل هى علة الاقتيات من المدخر مما هو أصل العيش غالباً، أم للاقتيات والادخار بمجرده دون التفات إلى غلبة العيش به؟ وعلى هذا الاختلاف فى العلة اختلف قول مالك فى الربا بالتفاضل فى الجوز واللوز وشبهه، وطرد ابن نافع من أصحابنا هذه العلة بمجرد الادخار والاقتيات فيما قد يدخر نادراً كالخوخ والكمثرى والرمان، فلم يجز فيها التفاضل وهو أن المسبب التحريم فى ذلك على ما يكال ويوزن من المطعومات والمشروبات دون غيرها، وهو قول الشافعى فى القديم، وبه قال أحمد بن حنبل. قال الإمام: وقوله: " هاء وهاء " (¬2): بعض المحدثين يقولونها مقصورة، وحذاق أهل اللغة يمدونها ويجعلون ذلك بدلا من الكاف؛ لأن أصلها هاك، يقولون: هاك السيف، بمعنى: خذه، ويقال للاثنين: هاؤما، وللجماعة: هاؤم، قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَه} (¬3)، ويقال: هاءِ، بالكسر. قال القاضى: وحكى ثابت وغيره من أهل اللغة: ها بالقصر والسكون، مثل: خف، والاثنين: هاءا، مثل: خافا، وللجميع: هاؤوا، مثل: خافوا، وللمؤنث: ¬

_ (¬1) البقرة: 279. (¬2) ستأتى الرواية فى الباب التالى. (¬3) الحاقة: 19.

تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ ". 76 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى لَيْثٍ: إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَأثُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِى رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ: فَذَهَبَ عبْدُ اللهِ وَنَافِعٌ مَعَهُ، وَفِى حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ: قَالَ نَافِعٌ: فَذَهَبَ عَبْدُ اللهِ وَأَنَا مَعَهُ وَاللَّيْثِىُّ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ هاك، ومنهم من لا يثنيها ولا يجمعها على هذه اللغة ولا يغيرها فى التأنيث، ويقول فى الجميع: " ها " بلفظ واحد. قال السيرافى: كأنهم جعلوها صوتاً مثل: صه، ومن ثَنَّى وجمع قال للمؤنث: هائى، وبعضهم يقول: هاك، قال: وفيه لغة ثالثة: هاءِ، بالكسر مهموزة، الذكر والأنثى سواء، لكن يزيد فى المؤنث ياء، فيقول: هائى، وفيه لغة رابعة حكاها بعضهم: هأ، بالألف، كما يقول المحدثون، وأكثر أهل اللغة ينكرونها. قال القاضى: فرواية المحدثين: " ها، وها " بالقصر على هذا أو على اللغة الثانية سهلت الهمزة. وفيه لغة خامسة: " هاءك " ممدود بعده كاف، وتكسرها للمؤنث. قال الهروى: وقيل: معناه: أن يقول كل واحد منهما لصاحبه: ها، فيعطيه ما بيده، وهذا - أيضاً - يصحح رواية المحدثين. قال الخطابى: قوله: " ها وها ". معناه: التقابض. وقال هو وغيره: إن الصواب المد والفتح، وقد ذكرنا خلافه. وقوله: " ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض "، قال الإمام: بمعنى لا تفضلوا، وقد يكون الشف فى اللغة بمعنى: النقصان، وهو من الأضداد. قال القاضى: فيه دليل على أن الزيادة - وإن قلت - منهى عنها حرام؛ لأن لفظ الشفوف يقتضى الزيادة غير الكثيرة، ومنه: شفافة الإناء، وهى البقعة القليلة فيه من الماء. وقوله: " غائباً بناجز ": الناجز: الحاضر، والغائب: ما كان إلى أجل وغاب عن المجلس. ولم يختلف العلماء فى منع المبايعة فى الذهب والفضة على هذا. واختلفوا فى اقتضاء أحدهما عما فى الذمة أو مضاهاة أحدهما إذا كان مشتقاً فى الذمة بالآخر إذا استقر

إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِى أَنَّكَ تُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن بَيْعِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَعَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ: فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ بِإصْبَعْيهِ إِلَى عَيْنَيْهِ وَأُذَنَيْهِ، فَقَالَ: أَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ، وَسَمِعَتْ أُذُنَاىَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا شَيْئًا غَائِبًا مِنْهُ بِنَاجِزٍ، إِلاَ يَدًا بِيَدٍ ". (...) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَن ابْنِ عَوْنٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ. بِنَحْوِ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الذمة، وهل حكم هذا حكم الحاضر أو الغائب؟ فمذهب مالك وأصحابه جواز اقتضاء الدراهم ممن لك عنده دنانير حلت عليه، ومصارفته بها وإن لم يحضر الذهب، ولابد من حضور الدراهم، وكذلك ذهب عن دين دراهم، وكذلك أجار أن يتصارف رجلان لأحدهما على الآخر دراهم، ولهذا على ذلك دنانير إذا حلتا جميعاً، إذا تناجزا فى جميع ذلك بالحين وتراضيا فى الحين على ما شاء من قليل وكثير. وأجاز ذلك كله أبو حنيفة وأصحابه، حل الأجل أم لا، وراعوا فى ذلك براءة الذمم. وأجاز ذلك الشافعى والليث فى اقتضاء أحدهما من الآخر، ومنعاه فى الذهبين، وقاله ابن وهب وابن كنانة وأصحابنا، وأجاز ذلك فى الاقتضاء ابن أبى ليلى وعثمان البتى بسعر يومهم من الصرف لا بغيره. ولم ير أحد من هؤلاء المجيزين أن فى ذلك غائباً بناجز ولا غائباً بغائب، وكل هؤلاء يشترطون التفاضل والتناجز فى المجلس. وذكر عن ابن شبرمة: لا يجوز أخذ عين عن عين أخرى، وروى مثله عن ابن عباس وابن مسعود والليث، ومنعه طاووس من بيع وإجازة وفرض وما لم يحضر فهو غائب عندهم، وعند الجمهور إذا كان دالاً فهو كالحاضر، ولأنهما متفاضلان برئت ذممهما فكان كما لو حضر، وقد روى أبو داود وغيره عن ابن عمر عن النبى - عليه السلام - فى جواز الاقتضاء فى ذلك حديثاً مبيناً، وذكر فى بعض طرقه بسعر يومها (¬1)، كما اختار عثمان ¬

_ (¬1) أبو داود، ك البيوع، ب فى اقتضاء الذهب من الورق (3354)، النسائى، ك البيوع، ب بيع الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة (4582)، الدارمى، ك البيوع، ب الرخصة فى اقتضاء الورق من الذهب 2/ 259.

77 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلَّا وَزنًا بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ". 78 - (1585) حدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ، وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَبِى عَامِرٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَميْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ البتى، وبعضهم لم يذكر هذه الزيادة. وقوله: " وزناً بوزن، مثلاً بمثل، سواء بسواء ": يحتمل أن يكون تكراره تأكيدًا وبياناً، وقد يكون اشتراط السواء فى المثلية فى العين وهو غير السواء فى الوزن، ويكون قوله: " سواء بسواء " عائداً على الوجهين. وقد اختلف فى ذلك فى المماطلة، هل يشترط مع استواء الوزن مماثلة العين أم لا؟ كما سيأتى بعد.

(15) باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا

(15) باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً 79 - (1586) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَقُولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ - وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -: أَرِنَا ذَهبَكَ. ثُمَّ ائْتِنَا، إِذَا جَاءَ خَادمُنَا، نُعْطِكَ وَرِقَكَ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَلَّا، وَاللهِ، لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ، أَوْ لَتَرُدَّنَّ إِلَيْهِ ذَهَبَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 80 - (1587) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنَ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فِى حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، فَجَاءَ أَبُو الأَشْعَثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أوس بن الحدثان: " أقبلت أقول: من يصطرف ": حجة لجواز النداء فى الصرف، وطلبه وطلب الزيادة فيه، وما يستقر عليه لمن احتاج إلى ذلك ما لم تجزه متجراً وصناعة. فقد كره ذلك جماعة من السلف والعلماء لضيق أمره، وكثرة حرجه، وقلة التوقى، والتخلص منه من الربا إلا مع سعة العلم وثخانة الدين. وقول طلحة: أرنا ذهبك ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك. قوله: " لتعطينه ورقه، أو لتردن إليه ذهبه " ثم ذكر الحديث، فيه الحجة على وجوب المناجزة فى المجلس، وهو عند مالك وأصحابه مجلس عقد الصرف لا يتأخر عنه وإن لم يقوما من مجلسهما، وأنها إن تأخرت قبل أن يقوما من مجلسهما أو أحدهما فى المجلس أو قاما إلى موضع آخر بطل الصرف وفسد. وروى عن مالك التخفيف للقيام إلى الصراف ليزنها فيما قرب دكانه، ولا مما لم يفترقَا لقرب ذلك من مجلسهما. وقد روى عن مالك جواز الخيار فى الصرف، ومشهور مذهبه منعه، وذهب أبو حنيفة والشافعى وأصحابهما أن مراعاة المناجزة فى ذلك ما لم يفترقا بأبدانهما وإن قاما من مجلسهما.

قَالَ: قَالُوا: أَبُو الأَشْعَثِ، أَبُو الأَشْعَثِ. فَجَلَسَ فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً، وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيَما غَنِمْنَا، آَنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً أَنْ يَبِيعَهَا فِى أَعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِى ذَلِكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ، إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعْينٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبى. فَرَدًّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ، قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ. فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ - أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ - مَا أُبَالِى أَنْ لا أَصْحَبَهُ فِى جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ. قَالَ حَمَّادٌ: هَذَا أَوْ نَحْوَهُ. (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىِّ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 81 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى قلَابةَ، عَنْ أَبِى الأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ. فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل أن طلحة خُفيت عليه هذه السنة، ويحتمل أنه كان يرى جواز المواعدة فى الصرف، وأن قبضه للذهب لم يكن ليمسكها ويسن بها، لكن ليعلمهما، كما قال مالك فى الموطأ: وأخذ الذهب لينقلها. وقد اختلف عندنا فى المواعدة فى الصرف على قولين. وفى قوله: " البر بالبر، والشعير بالشعير ": مما يحتج به الشافعى وأبو حنيفة والثورى وابن علية وأصحابهم، أن البر والشعير صنفان لتسمية النبى لهما معًا.

اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ". 82 - (1584) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِىُّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ. فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآخِذُ وَالْمُعْطِى فِيهِ سَوَاءٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الأخر: " فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شتم يداً بيد " وهو قول أصحاب الحديث، وذهب مالك والأوزاعى والليث ومعظم علماء المدينة والشام [من المتقدمين أنها صنف واحد] (¬1)، وهو قول مروى عن عمر وسعيد وغيرهما من السلف، ولم يختلف قول مالك، إذ الدخن صنف، والذرة صنف، والأرز صنف، وهو قول كافة العلماء. وكذلك العلس عند أكثر المالكية صنف منفرد. وقال الشافعى: هو من أصناف الحنطة، وقاله بعض أصحابنا. واختلف قول مالك فى الفطاتينى، هل هى كلها صنف واحد أو كل جنس منها صنف على حياله؟ وذهب الشافعى إلى أن الشلت صنف مفرد، وقال الليث: الشلت والدخن والذرة والأرز صنف واحد، وقاله ابن وهب، من أصحابنا. وقوله: " وكان فيما غنمناه آنية من فضة. فأمر معاوية ببيعها "، وذكر إنكار عبادة ابن الصامت لهذا، وذكر نهيه - عليه السلام - عن الذهب بالذهب - الحديث: يحتج بهذا من يجيز اقتناء هذه الأوانى، إذْ لو لَمْ يجز ذلك لجاز بيعه. وقد اختلف العلماء فى ذلك مع اتفاقهم على منع استعمالها وتحريم الأكل والشرب منها. فذهب الشافعى إلى جواز اتخاذها واقتنائها، وأشار إليه بعض شيوخنا، وتأوله على مذهبنا، وقال غير واحد من شيوخنا: اقتناؤها حرام، وظاهر قول بعضهم الكراهة. وقوله: " فمن زاد أو استزاد فقد أربى ": أى فعل الربا المنهى عنه. وقوله: " فردَّ الناس ما أخذوا ": يدل على فسخ هذه البيوع الفاسدة، وأنها إذا وقعت على الفساد فسخت، ولم يصح تقويمها على الواجب والصحة إلا بعد فسخها. ويحتمل أن معاوية لم يبلغه هذه السُنة إنما يرى إنكاره لها. ¬

_ (¬1) غير واضحة فى ز، وهى مثبتة من صحيح النووى فى سياق شرحه للحديث.

(...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الرَّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِىُّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ " فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 83 - (1588) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ. فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، إِلا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِىُّ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " يَدًا بِيَدٍ ". 84 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِى نُعْمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما بال رجال يتحدثون بأحاديث " إلى قوله: " لم نسمعها " ويحتمل أنه تأول أن النهى فى المصكوك والذى فى منعه من التجارة به والحرص على اقتنائه مصلحة للمسلمين، إذ به التعامل وهو قيم المتعلقات، فإذا كان مملوكاً كان كسائر العروض. وقول معاوية: " لنحدثن بما سمعنا، وإن كره " أو قال: "وإن زعم معاوية ": ما يجب مما أخذ الله على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه وليكونوا قوامين بالقسط شهداء لله، وإغلاظه فى اللفظ لمعاوية لمقابلة له على إنكارهما حرمانه مع تحققهم حلم معاوية وصبره. ومعنى " رغم ": كره، ودل لهذه الكراهة كأنه لصق بالرغام وهى الأرض. وقوله: " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً (¬1) ": حجة لقول الجمهور فى تحريم التفاضل والنسيئة فى هذه الأصناف، ولا بأس بعضها لبعض على من تعمل فى جواز النسيئة فى ذلك من التكليف كما تقدم. وقد أجمع بعد علماء الأمصار كلهم وأئمة الفتوى على منعها وحجة فى قولهم - أيضاً - فى تحريم النسيئة فيها جميعاً، وإجازة التفاضل فيه، وأن عمر بن علية فى شذوذه بإجازة النسيئة مع إتلافها ولا النسيئة، ¬

_ (¬1) هكذا فى ز.

وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا ". 85 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى تَمِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الدِّيْنَارُ بِالدِّيْنَارِ لا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لا فَضْلَ بَيْنهُمَا ". (...) حَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ أَبِى تَمِيمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ورد على جميع هؤلاء المخالفين لها، الذى يكاد يقطع أنها لو بلغتهم لما تركوها لفضلهم وعلمهم. واستثنى مالك من هذه الجملة الشعير مع البر لكونه صنفاً واحداً؛ بدليل عمل السلف فى ذلك. وقال أبو حنيفة: تجوز إذا تقابضا بالقرب وإن افترقا، وأما مالك والشافعى والليث والجمهور فيجيزون التقابض فى ذلك فى المجلس مثل الصرف، إلا أن الشافعى يجزئ فى ذلك على مذهبه فى الصرف ما لم يفترقا.

(16) باب النهى عن بيع الورق بالذهب دينا

(16) باب النهى عن بيع الورق بالذهب ديناً 86 - (1589) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ، قَالَ: بَاعَ شَرِيكٌ لِى وَرقًا بِنَسِيئَةٍ إِلَى الْمَوْسِمِ، أَوْ إِلَى الْحَجِّ، فَجاءَ إِلَىَّ فَأَخْبَرَنِى. فَقُلْتُ: هَذَا أَمْرٌ لا يَصْلُحُ قَالَ: قَدْ بِعْتُهُ فِى السُّوقِ. فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَدٌ. فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبِيعُ هَذَا الْبَيْعَ. فَقَالَ: " مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، فَلَا بَأسَ بِهِ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ رِبًا "، وَائْتِ زَيْدَ ابْنَ أَرْقَمَ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ تِجَارَةً مِنِّى. فَأَتَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. 87 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَنِ الصَّرْفِ؟ فَقَالَ: سَلْ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَهُوَ أَعْلَمُ. فَسَأَلْتُ زَيْدًا، فَقَالَ: سَلِ الْبَرَاءَ فَإِنَّهُ أَعْلَم. ثُمَّ قَالَا: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ دَيْنًا. 88 - (1590) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرنَا أَنْ نَشْتَرِىَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرىَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا. قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ. (...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِح، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " باع شريك لى ورقاً بنسيئة إلى الموسم "، وقول البراء: قدم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة ونحن نبيع هذا البيع، فقال: " ما كان يداً بيد فلا بأس، وما كان نسيئة فهو ربا ": ظاهره إن باعها بذهب إلى أجل؛ بدليل الحديث الآخر. ومعنى قوله: " نهى عن بيع الذهب والورق ديناً " أى مؤجلاً. وقوله فى الحديث: " أمرنا أن نشترى الفضة بالذهب كيف شئنا " الحديث، وسؤال

- وَهُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ السائل له: يداً بيد، فقال: " هكذا سمعت " فيحتمل أن يرجع على قوله: " يداً بيد " كما جاء فى الأحاديث الأخر، ويحتمل أن يقول: كذا سمعت ما حدثت به بغير زيادة.

(17) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب

(17) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب 89 - (1591) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُلىّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِىَّ يَقُولُ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقَلاَدةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ، وَهْىَ مِنَ الْمَغَانِم تُبَاعُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِى فِى القِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أتى رسول الله وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب من المغانم تباع، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذهب الذى فى القلادة فنزع وحده، ثم قال: " الذهب بالذهب وزناً بوزن "، وفى الرواية الأخرى عن فضالة؛ أنه اشتراها، وفيها اثنا عشر ديناراً، وفيها ذهب وخرز، ففَصَّلها فوجد فيها أكثر من اثنى عشر ديناراً، فذكر ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تباع حتى تفصَّل ": كذا عند كافة شيوخنا: " فيها اثنى عشر دينارًا "، وسقطت هذه الجملة من أصل ابن عيسى، وأراها ساقطة عن ابن الحذاء، وسقوطها الصواب. وقال بعضهم: لعله فيها: اثنا عشر، ووجدتها مُصلّحةً عند بعض أصحاب الشيخ أبى على الغسانى باثنى عشر دينارًا، وهذا له وجه حسن، وبه يصح إثبات اللفظ إن شاء الله. هذا حكم ما كان من الحلى منظومًا أن يفصل ويباع على الانفراد؛ ذهبه وعرضه، ولا يجمعان فى عقد واحد على مذهب مالك، إلا أن يكون مع الذهب تبعًا أو مع العرض من الذهب تبعًا، فيباع بخلاف ذلك من العين. ولا يجوز أن يباع بما فيه من العين، فإن كان مصبوغًا بالعرض مربوطًا به لا يفصل فيه إلا بفساد أو نفقة ومؤنة. فإن كان مما لا يجوز اتخاذه كان حكمه حكم ما تقدم. وإن كان مما يجوز اتخاذه كحلى النساء والمصحف والسيف والخاتم وجميع آلة الحرب - على خلاف عندنا فيما عدا السيف - جاز بيعه، بخلاف ما فيه من العين ناجزاً كيف كان من فيه، ما يبين العين أو كثرته، ويجرى فى بيعه مجرى الصرف فيما يحل ويحرم. وأما بيعه بجنس ما فيه من العين فيجوز إذا كان ما فيه من العين تبعاً الثلث، فأدى نقداً عند مالك، وجمهور أصحابه وكافة العلماء. وروى عن عمر وابن عمر منع ذلك،

90 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ أَبِى شُجَاعِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِى عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِىِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: اشْتَريْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً بِاثْنَىْ عَشَرَ دِينَارًا، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصَّلْتُهَا، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنِ اثْنَىْ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " لا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ يَزِيدَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 91 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ أَبِى جَعْفَرٍ، عَنِ الجُلاحِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى حَنَشٌ الصَّنْعَانِىُّ، عَنِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ نُبَايِعُ الْيَهُودَ، الْوُقيةَ الذَّهَبَ بِالدِّينَاريْنِ وَالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إلا وَزْنًا بِوَزْنٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى عن جماعة من السلف، وقاله محمد بن عبد الحكم من أصحابنا، وهو قول الشافعى وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه بأكثر مما فيه من الفضة، كثرت فضته أو قلت، ولا يجوز بمثلها أو أقل منها، ويقبض حصة الفضة والسيف على أصلهم فى العين والعرض بعيْن أكثر منها، وهذا قول الثورى والحسن بن حيى، وقال حماد بن أبى سليمان: يجوز بيعه بما فيه، قل أو كثر، وهو منكر من القول لمخالفته السنة. واختلف فيه ثانية، فمنعه مالك وأجازه ربيعة والأوزاعى. وكذلك اختلفوا إذا بيع هذا بغير ما فيه بنسيئة. واختلف قول مالك وأصحابه فى فسخه إذا وقع، ولم يختلف إذا بيع بغير ما فيه نقداً بدنانير. واختلف قول مالك إذا كان محلى [بالنقدين أو مصوغاً منهما، هل يجوز بيعه بأقلهما ولا يجوز إلا بغيرها؟ فإن كان معهما عرض وهما الأقل بيع بأقلهما اتفاقاً، وإن كان ما فى السيف من ذلك تمويهاً أو مسبوكاً فيه مستهلكاً، قال بعض شيوخنا: هو تبع بكل حال، وأجاز بيعه كيفما كان. وعلى هذا قاس شيوخنا جواز بيع الثياب المعلمة بالذهب إذا كان ما فيها من الذهب الثلث من قيمتها فأدنى بالدنانير نقداً، أو بالدنانير والدراهم نسيئة، على الخلاف المتقدم] (¬1). قال الإمام - رحمه الله -: مذهب مالك: أن الذهب إذا كانت معه سلعة فلا يجوز بيعها بذهب، [وكذلك إذا كانت فضة وسلعة فلا يجوز بيعه بفضة] (¬2) لأن ذلك يؤدى ¬

_ (¬1) من الأبى، وقد أتت عليها الأرضة والضياع بجميع النسخ. (¬2) هذه العبارة سقطت من الأصل، وهى مثبتة من المعلم.

92 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِىِّ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمَا؛ أَنَّ عَامِرَ بْنَ يَحْيَى الْمَعَافِرِىَّ أَخْبَرَهُمْ عَنْ حَنَشٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِى غَزْوَةٍ، فَطَارَتْ لِى وَلأَصْحَابِى قِلَادَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا، فَسَأَلْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ فَقَالَ: انْزِعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِى كِفَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فى التفاضل بين الذهبين. والذهب للمنفرد جميع أجزائه مقابل للذهب والسلعة، فلم يقع التماثل، ولا بيع الذهب بمثله سواء بسواء، ولكن مالك استثنى السيف المحلى إذا كانت حليته تبعاً له، أن يباع بالفضة وإن كانت حليته فضة، وأجاز ذلك؛ لأن الشرع أباح تحليته ونزعه يشق وهو قليل تبع، والاتباع غير مقصودة فى العقود. وأما أبو حنيفة فيجيز ذلك إذا كان الذهب المنفرد، ونحن نمنع فى الحديث فالشرط الذى يكون فى الذهب المنفرد أكثر من الذهب المنظم للسلعة، وإنما يمنع هذا التأويل على المخالف الذى ذكرنا أنه يجيز ذلك على الإطلاق. ورأيت الطحاوى يفصل عن حديث القلادة بأنه إنما نهى عن ذلك لئلا يغبن المسلمون فى المغانم، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخوف من الغبن، وقد ظهر ما تخوف منه؛ لأنه وجد فى ذهبه أكثر من الثمن، وقد تعسف عندى فى هذا التأويل؛ لأنه قد ذكر أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أمر بنزع الذهب الذى فيها قال له: " الذهب بالذهب وزن بوزن "، وهذا كالنطق بالعلة، وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: إنما أمرتكم بذلك حتى يحصل الذهب بالذهب، سواء بسواء، ولو كان إنما أمر بذلك للغبن لقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الغبن لا يجوز فى المغانم، أو ما يكون هذا معناه. قال القاضى: وقوله فى حديث فضالة: " انزع ذهبها فاجعله فى كفة، واجعل ذهبك فى كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلاً بمثل ": المراطلة فى الذهبين والفضتين جائزة، كانا مسكوكين، أو مصوغين، أو تبرين، أو أحدهما مخالف لصاحبه، اتفق الذهبان فى الجودة أو اختلفا إذا استوت الكفتان. هذا هو المشهور فى المسألة لشيوخنا، خلافاً فى مراطلته بنفسه أو بغيره؛ إذ لا يجوز بيعه جزافاً حتى يعلم وزن ما فى الكفة أو عدده إذا كان يجزى عدداً. وكذلك إذا اختلفا فى المراطلة بالذهب الجيدة بالرديئة والمغشوشة، ومشهور عندنا مذهب المدونة، ولمالك عند ابن شعبان فهو. كذلك اختلف شيوخنا فى مراطلة المسكوك بالمصوغ أو أحدهما بجنسه لاختلاف الذهبين فى الجودة وبمنع ذلك كله أجيز، والخلاف فى هذه الوجوه مبنى على السكة والصياغة فيهما كالعرضين مع الدنانير أم لا، وهل تجيز

وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِى كِفَّةٍ، ثُمَّ لا تَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنانير أم لا؟ وكذلك اختلفوا فى جواز المراطلة بالمثاقيل فقيل: لا تجوز، وقيل: تجوز بالمثاقيل وهذا أكثر وأصوب، [ولكفة، بكسر الكاف، وكل شىء مستدير، وللثوب والصائد، وكل شىء مستطيل بالسهم، وقيل بالوجهين فى الجميع] (¬1). وقوله: " ثم لا يأخذن إلا مثلاً بمثل ": لا خلاف أنه متى رجح أو زاد [شيئًا - قل أو كثر - فسد] (¬2) المراطلة، ودخله التفاضل بين الجنسين. وقوله: كنا نبايع اليهود الأوقية الذهب بالدينارين والثلاثة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ": يدل أن التحريم لهذا كان لخيبر، وعليه يدل حديث بيع التمر وسنذكره. " ولا تساكنوا اليهود ": هو نهى النبى - عليه السلام - وسنذكره، ويحتمل أنهم تأولوا جواز الربا مع الكفار. ¬

_ (¬1) مثبتة من الأبى؛ لأنها فى النسخ التى أمامنا قد أتت عليها الأرضة 4/ 273. (¬2) من الأبى.

(18) باب بيع الطعام مثلا بمثل

(18) باب بيع الطعام مثلاً بمثل 93 - (1592) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدِ حَدَّثَهُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ. فَقَالَ: بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا. فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ، فَلمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ انْطَلقْ فَرُدَّهُ، وَلَا تَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَإِنِّى كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ ". قَالَ: وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمئِذٍ الشَّعِيرَ. قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ. قَالَ: إِنِّى أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ. 94 - (1593) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث معمر بن عبد الله: أنه أرسل غلاماً له بصاع قمح ليبيعه ويشترى بثمنه شعيراً، وأنه أخذ به صاعاً وزيادة، وأن معمراً قال لداود: ولا تأخذن إلا مثلاً بمثل. واحتج بقوله - عليه السلام -: " والطعام بالطعام مثلاً بمثل، قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير، فقيل له: إنه ليس بمثله، قال: أخشى أن يضارع: فيه حجة للمالكية فى جعلها صنفاً واحداً. قال الإمام: مذهب مالك: أن الشعير مع القمح صنف واحد، لا يجوز التفاضل به لتقارب المنفعة فيه، وسنبين فى كلامنا على السلم وجه مراعاته المنفعة دون مجرد الذوات، ونوضح ذلك: فإن القمح قد يستدل به فى نفسه فيبين أعلاه وأدناه من التقارب قريب مما بين القمح والشعير، ثم حصل الاتفاق على أن أعلى القمح وأدناه لا يجوز التفاضل بينهما لتقارب الغرض فيهما، وكذلك القمح والشعير. ومذهب الشافعى جواز التفاضل بين القمح والشعير، ومال إليه بعض شيوخنا المحققين، واعتمد على أنه يخالف القمح فى الصورة والتثنية كما يخالف القمح التمر، فوجب أن يكون صنفين، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقيب الحديث: " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم "، وقد ذكر الترمذى: " بيعوا البر بالشعير كيف شئتم، يداً بيد " (¬1)، وبهذا احتج الشافعى. ¬

_ (¬1) ك البيوع، ب ما جاء أن الحنطة بالحنطة مثلاً بمثل 3/ 541 برقم (1240).

يُحَدِّثُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بنى عَدِىٍّ الأَنْصَارِىَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هكَذَا؟ ". قَالَ: لا، وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَشْتَرِى الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْع. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بَثَمنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للذى قدم بتمر جنيب، وذكر أنه اشترى منه الصاع بالصاعين من الجمع: " لا تفعلوا، ولكن مثلاً بمثل، بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان "، قال الإمام: الجنيب: صنف من أعلى التمر، والجمع صنف من أدناه. وقيل: خلط من أنواع التمر. قال القاضى: قيل: الجنيب ليس من التمر، والجمع كل لون لا يعرف اسمه، وقيل: كل لون من التمر جمع، وقد جاء فى مسلم فى نفس الحديث تفسيره: أنه الخلط من التمر، وقد جاء فى حديث أبى سعيد نفسه فى مسلم مكان " الجنيب ": " برانيا " وهو من أعلى التمر وأفضله. قال الإمام: تعلق بعموم هذا الحديث من لا يحمى الذريعة، فيقول: قد أجاز هاهنا أن يبيع الجمع بالدراهم، ثم يشترى به جنيباً. ولم يفرق بين أن يشتريه ممن باع الجمع منه أو من غيره، ولم يتهم على كون الدراهم لغواً، ومن يحمى الذريعة يخصه بأدلة أخر. قال القاضى بجواز ذلك من البائع أو كل. قال الشافعى وأبو حنيفة وكافتهم. وإنما راعى الذريعة فى ذلك مالك، وظاهر فعل هذا أن تحريم التفاضل فى مثل هذا بعد لم يكن فاشياً وإلا قيس، كأن يحصى على فاعله وهو عامل النبى بخيبر، وكان - عليه السلام - والأئمة بعده لا يقدمون على الناس فى أمر إلا من فقه فيه وعلمه، وعلم صلاح حاله؛ ولهذا لم يوبخه النبى ولا أدبه على مخالفة ما نهى عنه، ولا أنكر ذلك عليه أحد من أصحابه، لاسيما على رواية مالك فى الموطأ؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نهاهم عن بيع التمر بالتمر، قالوا له: إن عاملك على خيبر يأخذ الصاع بالصاعين، وذكر الحديث (¬1)، فهذا يدل أن الأمر كان أول التحريم، وعليه يدل حديث القلادة المتقدم. وقوله: " وكذلك الميزان ": مما يستروح إليه الحنفى فى علة الربا، لذكره هنا الكيل ¬

_ (¬1) الموطأ، ك البيوع، ب ما يكره من بيع التمر، 2/ 623 (20).

95 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَملَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ ". فَقَالَ: لا، وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْع بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جِنَيِبًا ". 96 - (1594) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ - أَخْبَرَنِى يَحْيَى - وهُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: جَاءَ بِلالٌ بِتَمْرٍ بَرْنِىٍّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ ". فَقَالَ بِلَالٌ: تَمْرٌ، كَانَ عِنْدَنَا رَدِئٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - عِنْدَ ذَلِكَ -: " أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِىَ التَّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ ". لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ سَهْلٍ فِى حَدِيثِهِ: عِنْدَ ذَلِكَ. 97 - (...) وحدّثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى قَزَعَةَ الْبَاهِلِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ. فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والميزان وتسميته عليه. ولنا أن نقول: إنما نبه - عليه السلام - أن حكم الميزان فيما لا يجوز التفاضل فيه من المطعومات حكم الكيل. وقوله - عليه السلام - فى الرواية الأخرى: " أوَّه، عين الربا ": هى كلمة تحزن وتوجع، مشددة الواو، ويقال بالمد والضم، وقيل - أيضاً -: " أووه " بضم الواو ومدها. وقد قيل فى قوله: {أَوَّاهٌ مُّنِيب} (¬1) ابن كثير: التأوه: خوفاً وشفقة، وهو من هذا صحيح. وقوله: " عين الربا ": أى هو الربا المحرمة نفسه من الزيادة، لا ما يشبهه ويغامر عليه. ¬

_ (¬1) هود: 75.

" مَا هَذَا التَّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا ". فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِعْنَا تَمْرَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا الرِّبَا، فَرُدُّوهُ، ثُمَّ بِيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا ". 98 - (1595) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ، فَكُنَاَ نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " لا صَاعَىْ تَمْرٍ بِصَاعٍ، وَلا صَاعَىْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ، ولا دِرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ ". 99 - (1594) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ؟ فَقَالَ: أَيَدًا بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ. فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ. فَقُلْتُ: إِنِّى سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ؟ فَقَالَ: أَيدًا بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ إِنَّا سَنَكْتُبُ إِلَيْهِ فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ. قَالَ: فَوَاللهِ، لَقَدْ جَاءَ بَعْضُ فِتْيَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ فَأَنْكَرَهُ. فَقَالَ: " كَأَنَّ هَذَا لَيْسَ منْ تَمْرِ أَرْضِنَا ". قَالَ: كَانَ فِى تَمْرِ أَرْضِنَا - أَوْ فِى تَمْرنَا - الْعَامَ بَعْضُ الشَّىْءِ، فَأَخَذْتُ هَذَا وَزِدْتُ بَعْضَ الزِّيَادَةِ. فَقَالَ: " أَضْعَفْتَ، أَرْبَيْتَ، لا تَقْرَبَنَّ هَذَا، إِذَا رَابَكَ مِنْ تَمْرِكَ شَىْء فَبِعْهُ، ثُمَّ اشْتَرِ الَّذِى تُرِيدُ مِنَ التَّمْرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث بلال: " ردوه، ثم بيعوا تمرنا، واشتروا لنا من هذا ": دليل على فسخ البيوعات الفاسدة، وردها ورد المثل فى المكيل والموزون، وجواز الوكالة فى بيعه، وجواز مثله من غير البائع الأول. وفى هذا الحديث جواز اختيار طيب الطعام وتفضيله على رديئه. وقول أبى نضرة وابن عمر وابن عباس عن الصرف: فلم يريان بأساً، وقوله: سألت عنه أبا سعيد عن الصرف فقال: هو ربا، وقوله: إنَّا سنكتب إليه فلا يفتيكموه يعنى ابن عباس، وقوله: فأتيت ابن عمر بعد فنهانى، وقوله عن أبى الصَّهباءِ: أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فتركه (¬1)، قطع للخلاف فى هذا، أو رجوع من ابن عمر وابن عباس عما روى عنهما: لا ربا إلا فى النسيئة. ¬

_ (¬1) فى المطبوعة: فكرهه.

100 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ؟ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا، فَإِنِّى لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّرْفِ؟ فَقَالَ. مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِمَا. فَقَالَ: لا أُحَدِّثَكَ إِلا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. جَاءَهُ صَاحِبُ نَخْلِهِ بَصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ طَيِّبٍ، وَكَانَ تَمْرُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا اللَّوْنَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّى لَكَ هَذَا؟ ". قَالَ: انْطَلَقْتُ بِصَاعَيْنِ فَاشْتَرَيْتُ بِهِ هَذَا الصَّاعَ، فَإِنَّ سِعْرَ هَذَا فِى السُّوقِ كَذَا، وَسِعْرَ هَذَا كَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْلَكَ! أَرْبَيْتَ، إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَبِعْ تَمْرَكَ بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ اشْتَرِ بِسلعَتِكَ أَىَّ تَمْرٍ شِئْتَ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ رِبًا أَمِ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ؟ قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بَعْدُ فَنَهَانِى، وَلَمْ آتِ ابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ: فَحَدَّثَنِى أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ بِمَكَّةَ، فكَرِهَهُ. 101 - (1596) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ عَبَّادٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ يَقُولُ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ أَوَ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا. فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَرَأيْتَ هَذَا الَّذِى تَقُولُ، أَشَىْءٌ سَمِعْتَهُ منْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ وَجَدْتَهُ فِى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِى كِتَابِ اللهِ، ولَكِنْ حَدَّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الرِّبَا فِى النَّسِيئَةِ ". 102 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنَ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بالصرف هنا بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلاً ولهذا، وإلا يداً بيد، ولحجة أبى سعيد بقوله: التمر بالتمر أحق أن يكون ربا أم الفضة بالفضة؟ وهذه الأحاديث تدل أنها لم تبلغ ابن عباس ولا ابن عمر قبل، فلما بلغتهما رجع إليها ولا رأى

النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا الرِّبَا فِى النَّسِيئَةِ ". 103 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، قَالا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ ابْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ". 104 - (...) حدّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِقْلٌ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ لَقى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ فِى الصَّرْفِ، أَشَيْئًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَمْ شَيْئًا وَجَدْتَهُ فِى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَلَّا، لا أَقُولُ. أَمَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ، وَأَمَّا كِتَابُ اللهِ فَلَا أَعْلَمُهُ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلا إِنَّمَا الرِّبَا فِى النَّسِيئَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لأحد مع النسيئة ولا قياس بعدها، وإنما كان احتج ابن عباس بعموم حديث أسامة: " لا ربا إلا فى النسيئة " على ما ذكر مسلم، وقد تقدم الكلام على هذا ووجه التأويل فيه. وقيل: هو منسوخ بهذه الآثار، وبه إجماع المسلمين بَعْدُ على ترك الأخذ به برده (*)، ويصحح نسخه إن صح رفعه.

(19) باب لعن آكل الربا ومؤكله

(19) باب لعن آكل الربا ومؤكله 105 - (1597) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: سَأَلَ شِبَاكٌ إِبْرَاهِيمَ، فَحَدَّثَنَا عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤكِلَه. قَالَ: قُلْتُ: وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. قَالَ: إِنَّمَا نُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْنَا. 106 - (1598) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: " هُمْ سَوَاءٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: خرج مسلم فى " باب أكل الربا " حديثاً عن جرير، عن مغيرة، قال: سألت إبراهيم، فحدثنا عن علقمة. هكذا فى نسخة ابن ماهان، وعند الجلودى: عن جرير، عن مغيرة، قال: سأل شباك إبراهيم، فحدثنا علقمة، فجعل السائل هو شباك، وفى رواية أبى العلاء وابن ماهان: أن السائل هو المغيرة، وشباك هذا هو صبىٌ كوفى مشهور بالرواية عن إبراهيم النخعى. قال القاضى: شِباك هذا، بكسر الشين المعجمة. قال البخارى: شباك الضبى الكوفى عن إبراهيم روى عنه مغيرة فى مسلم. وشباك، بفتح الشين وكسر الباء غيره، هو شباك بن عائز بن المنخل الأزدى، ويقال: هو قيسى بصرى، حدث عنه نصر بن على وهدْبة، ذكره البخارى، والدارقطنى، قال عبد الله: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا وموكله، قلت - يعنى علقمة -: وكاتبه وشاهديه، قال: إنما نحدث بما سمعنا، وفى حديث جابر: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: " هم سواء "، كذا لعامة شيوخنا، وللطبرى قال: قلت: وشاهديه، قال: " هم سواء " فهذا يحتمل أنه من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والسائل جابر، ويحتمل أنه من قول جابر والسائل غيره، لكن ذكر الكاتب والشهيدين فى الحديث، وروى عن ابن المسيب. وقد ذكره البخارى فى الترجمة، ودخل الكاتب والشاهد هنا لمعونته على هذه المعصية ومشاركته فيها.

(20) باب أخذ الحلال وترك الشبهات

(20) باب أخذ الحلال وترك الشبهات 107 - (1599) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَن الشَّعْبِىِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ -: " إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيَنْهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله - عليه السلام -: " الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات " الحديث: اختلف الناس فى ذكر المشتبهات، فقيل: مواقعتها حرام، وقيل: حلال، لكنه يتورع عنه لاشتباهه، وقيل: لا يقال فيها: حلال ولا حرام؛ لقوله - عليه السلام -: " الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات " فلم يحكم لها بشىء من الحكمين. وقوله: " لا يعلمها كثير من الناس ": فقد دل هذا أن ثَمَّ من يعلمها، فمن علمها لابد أن يلحق عنده أحد الوجهين، فيكون لها حكمه. قال القاضى: وما حصل عند العلماء فى هذا الحد فقد خرج من المشتبه إلى البين، وإنما الكلام فيما لم يتبين لا فى طريق رد، أو لم يظهر له دلالة لأحد الوجهين. قال الإمام: هذا الحديث جليل الموقع عظيم النفع فى الشرع، حتى قال بعض الناس بأنه ثلث الإسلام، وذكر حديثين آخرين هما الثلثان الباقيان. قال القاضى: ما أشار إليه - رحمه الله - هو ما روى عن أبى داود السجستانى، قال: كتبت عن رسول الله خمسمائة ألف حديث، الثابت منها أربعة آلاف حديث، وهى ترجع إلى أربعة أحاديث، قوله - عليه السلام -: " إنما الأعمال بالنيات "، وقوله: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، وقوله: " لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه " الحديث، وقوله: " الحلال بين والحرام بين " الحديث. وقد روى فيها مكان حديث: " لا يكون المؤمن مؤمنا " حديث: " ازهد فى الدنيا يحبك الله، وازهد فيما فى أيدى الناس يحبك الناس ". وقد نظمها أبو الحسن طاهر بن مفوز فى بيتين بقوله: عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من كلام خير البرية اتق الشبهات وازهد ودع ... ما ليس يعنيك وعملن بنيةٍ

وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ، كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وإنما نبه أهل العلم على عظم هذا الحديث؛ لأن الإنسان إنما يعتبر بطهارة قلبه وجسده، فأكثر المذام والمحظورات إنما تنبعث من القلب، فأشار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإصلاحه، على أن صلاحه هو صلاح الجسد، وأنه الأصل. وهذا صحيح، يؤمن به حتى من لا يؤمن بالشرع، وقد نص عليه الفلاسفة والأطباء. والأحكام والعبادات التى ينصرف الإنسان عليها بقلبه وجسمه، تقع فيها مشكلات وأمور ملتبسات التساهل فيها، وتعويد النفس الجرأة عليها يكسب فساد الدين والعرض، فنبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تَوقِّى هذه، وضرب لها مثلاً محسوساً؛ لتكون النفس له أشد تصوراً، والعقل أعظم قبولاً، فأخبر - عليه السلام - أن الملوك لهم حمية، لا سيما وهكذا كانت العرب تعرف فى الجاهلية، أن العزيز فيهم يحمى مروجاً وأبنية، فلا تجاسر عليها، ولا يدنى منها، مهابة من سطوته، وخوفاً من الوقوع فى حوزته، وهكذا محارم الله - سبحانه - من ترك منها ما قرب فهو من متوسطها أبعد، ومن تحامى طرف الشىء أمن عليه أن يتوسط، ومن طرف توسط. وهذا كله صحيح، وإنما بقى أن نتكلم على هذه المشتبهات [فنقول: قد أكثر العلماء من الكلام على تفسير المشتبهات] (¬1)، ونحن ننبهكم على أمثل طريقة، فاعلم أن الاشتباه هو الالتباس، وإنما يطلق فى مقتضى هذه التسمية هاهنا على أمر ما أشبه أصلاً ما، ولكنه مع هذا يشبه أصلاً آخر يناقض الأصل الآخر، فكأنه كثرت أشباهه، وقيل: اشتبه بمعنى اختلط، حتى كأنه شىء واحد من شيئين مختلفين. وإذا أحطت بهذا علماً فيجب أن تطلب هذه الحقيقة، فنقول: قد تكون أصول الشرع المختلفة تتجاذب فرعاً واحداً تجاذباً متساوياً فى حق بعض العلماء، ولا يمكنه تصور ترجيح، ورده لبعض الأصول يوجب تحريمه، ورده لبعضها يوجب تحليله، فلا شك أن الأحوط تجنب هذا، ومن تجنبه وصف بالورع والتحفظ فى الدين، وما أخذه من المسلمين بعيب فاعل هذا، بل المعلوم انتظار الألسنة بالثناء عليه والشهادة له بالورع إذا عرف بذلك. وقد سئل مالك عن خنزير الماء فوقف فيه، وكان شيخنا - رحمه الله - يقول: لما تعارضت الآى عنده فنظر إلى عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِير} (¬2) فخاف أن يدخل فى عمومه فيحرم، ونظر إلى عموم قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم. (¬2) المائدة: 3.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَطَعَامُه} (¬1) وأمكن عنده أن يدخل فى عموم هذه الآية فيحل، ولم تظهر له طرق الترجيح الواضحة فى أن يقدم آية على آية، ووقف فيه، ومن هذا المعنى أن يعلم أصل الحكم، ولكنه يلتبس وجود شرط الإباحة حتى يتردد بينه وبين شرط التحريم، وذلك أن الإنسان يحل له أن يأكل ملكه أما فى معناه مما أبيح له تملكه، ويحرم عليه أكل ملك غيره وما فى معناه. وقد وجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمرة ساقطة فترك أكلها واعتل بأنه لولا أنه يخاف أن تكون صدقة لأكلها، فلما كانت الصدقة محرمةً عليه وشك، هل حصل هذا التحريم فى هذه التمرة تركها، ولحقت بالمشتبهات، وهذا إذا كان الاشتباه من جهة أصول الشرع بعد نظر صحيح فيها، أو فى القسم الأخير الذى ذكرناه مع فقد أصول ترد إليها، وعدم أمارات وظنون يعول عليها. وأما إذا كان الأمر خلاف ذلك، فليس من الورع التوقف بل ربما خرج بعضه إلى ما يكره، وبيان ذلك بالمثال: أن من أتى إلى ماء لم يجد سواه ليتوضأ منه فقال فى نفسه: لعل نجاسة سقطت فيه قبل أن أرد عليه، وامتنع من الطهارة به، فإن ذلك ليس بممدوح، وخارج عما وقع فى الحديث؛ لأن الأصل طهارة المياه وعدم الطوارى، واستصحاب هذا كالعلم الذى يظن أنه لم يسقط منه شىء، مع أن هذه الفكرة إذا أمر معها تكررت ولم يقف عند حد وأدى ذلك إلى انقطاع عن العبادات. وكذلك لو أن إنساناً اشتهى النساء ثم قال: لعل فى العالم من رضع معى فلا يلقى امرأة إلا والعقل يجوز ذلك فيها إذا كانت فى سنٍّ يمكن أن ترضع معه، فاجتنبت جميع النساء لهذا الخاطر الفاسد لم يكن مصيباً، كمثل ما قلناه فى الماء من استصحاب الحال فى عدم هذه الأمور. وما يقع من الضرر بالإصغاء إلى هذه الخواطر قد يتسع فيها الخرق فقد صارت الشكوك التى لا أصول لها، وتتكرر [على] (¬2) نفسه ويعظم الضرر بالمرور على موجبها ساقطةً فى الشرع حتى كانت المداواة عند بعض الفقهاء، والمستحسن إضراب النفس عنها والتغافل عن إخطارها بالبال، كما يقولون فى الموسوس فى الحدث بعد الوضوء: إنه يؤمر بأن ينهى عن ذلك ويعرض عنه، حتى إذا اعتاد الإعراض عنه لم يتكرر عليه. وقد يكون هذا الشك له مستند ولكن الشرع عفى عنه لعظم الضرورة، كمن تحقق أن امرأة أرضعت معه والتبست عليه بنساء العالم، فإنا إن قطعنا عليه شهوته وحرمنا عليه نساء ¬

_ (¬1) المائدة: 96. (¬2) من ع، وفى نسخة الإكمال: فى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العالم جملة كان ذلك إضراراً عظيماً وكلهن محلل، فلا يغلب حكم محرمة واحدة على مائتى ألوفٍ محللات، ولو اختلطت هذه الرضيعة بنساء محصورات لنهى عن التزوج منهن؛ لأن الشك ههنا له مستند وهو العلم بأن هناك رضيعة وقد شك فى عينها، وله قدرة على تحصيل غرضه، مع القطع بسلامته من الوقوع فى الحرام بأن يتزوج من نساء قوم آخرين، وليس من الحرام فى الدين أن يكون له طريقان فى تحصيل غرضه: أحدهما: محلل هو أسهل وأكثر، فإن وقع فيه قطع على عين التحليل. والطريقة الأخرى، أقل وأندر وإن وقع فيه خاف أن يقع فى عين الحرام، فيعدل عن المتحلل بما يجوز أن يكون محرماً. وبهذا فارقت هذه المسألة التى قبلها؛ لأنه متى اختلطت بنساء العالم لم يقدر على تحصيل غرضه بطريق أخرى، فوجب ألا يكون للشك تأثير، وإنما أريتك بهذه المسألة طريقة تسلكها، وإلا فمسائل هذا النوع لا تحصى كثرة، ولكن أصول جميعها لا تنفك عن الأصول التى مهدت لها، وقد يقل الضرر بالتحريم فى بعض المسائل ويعظم فى أخرى، ويتضح كون الشك له مستند فى بعض المسائل وتخفى فى أخرى، [وقد تكثر أصول بعض المسائل، وقد تتضح مساواة الفرع للأصل وقد تخفى] (¬1). ومن مجموع هذا كله واختلاف نظر الفقهاء فيه يقع به بينهم التنازع والاختلاف. من ذلك مسائل الشاك فى عدد الطلاق، والشاك هل حنث فى يمينه أم لا؟ والشاك فى زوجته هل هى تحبه أم لا؟ وقد حلف على أنها تحبه والشك فى الإناءين أيهما النجس؟ والشاك هل أصاب ثوبه نجاسة أم لا؟ والشاك فى موضعها مع علمه بإصابتها ثوبه. إلى غير ذلك من المسائل التى كثر اضطراب العلماء فيها، وطريقتهم فيها هى التى نبهناك عليها. وأنت إذا أحطت بهذه الطريقة علماً أغنتك عن اضطراب الفقهاء - أيضًا - فى هذا الحديث، هل المشتبهات المذكورات فيه واجب اجتنابها؟ وهل قوله: " من وقع فى الشبهات وقع فى الحرام " دلالة على أن اجتنابها واجب، أم يكون المراد أنه قد يقع فى الحرام لقوله بعد ذلك: " كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه "، ولم يقل: " يرتع فيه "، فلابد مع وضعه إياها جاز اجتنابها استبراء للدين والعرض، والاستبراء يشير إلى أنها ليست بنفس الحرام الذى يجب أن يجتنب؛ لأن هذه المسائل التى نصصنا على بعضها، وأشرنا إلى بقيتها تختلف طرق الاشتباه فيها على ما أشرنا إليه به، فقد يقتضى بعضها التحريم وأن الاجتناب واجب، وقد تدق طرق الاشتباه وتضعف فيكون الاجتناب حينئذ مستحبًا غير واجب، ولكنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى بلفظ دال على استحباب التوقى. ولا شك أن استحسان التوقى يعم جميعها ما لم تكن من الشكوك الفاسدة التى أشرنا إليها. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِىَ الْقَلْبُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يقال هذه المشتبهات إمَّا أن تكون حرامًا أو حلالاً، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الحلال بين، وإن الحرام بين "، فإن كانت محرمة فيجب أن تكون بينة على ظاهر قوله، وإن كانت محللة فيجب أن تكون بينة على ظاهر قوله أيضًا. قيل: قد يقع منها ما هو مكروه وهو كثير فيها فلا يقال: إنه حرام بين، ولا حلال بين لا كراهية فيه. وأيضًا فقد يكون المراد ما استقر عليه الشرع من تحريم وتحليل وما نزل بيانه واضحًا بينًا، وإليه أشار بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحلال بين، والحرام بين "، ولا شك أن تحريم الربا والميتة والدم ولحم الخنزير بين، ولا شك أن تحليل الأكل من طيبات ما اكتسبنا، وتزويج النساء، حلال بين. وإلى هذا وأمثاله أشار، وإن كانت المشتبهات لها أحكام ما؛ ولهذا قال: " لا يعلمهن كثير من الناس "؛ ولو كانت لا حكم [إلا] (¬1) لله فيها لم يقل: " لا يعلمهن كثير من الناس "؛ لأن الكل حينئذ لا يعلمونها، وقد يدخل هذا الحديث فى الاستدلال على حماية الذريعة وصحة القول به كما ذهب إليه مالك؛ لقوله - عليه السلام: " كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ". قال القاضى: ما ذكره - رحمه الله - صحيح، لكن قوله فى ذكر الأخت من الرضاعة إذا كانت هى بين من يرضع معه، كلام لا وجه له، ورُبَّ أخوين من الرضاعة يمكن أن يكون أحدهما فى سن أمّى الأخرى أكبر لتقدم رضاع الأكبر لأم الأصغر فى شبابها وأول بطونها وليس من حكم الرضاع عند أحد، أو يكون فى لبن ولادة واحدة وبطن واحدٍ، ولا أعلم ما اضطره إلى ذكر هذه الزيادة التى لا معنى لها وأتيا هنا (¬2) خطأ. وقوله: " ألا وإن فى الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى (¬3) القلب ": المضغة: القطعة من اللحم، وسميت فى الحديث مضغة إشارة إلى تصغير هذا العضو؛ لأن أصل المضغة قدر ما يمضغه الإنسان فى فيه كالأكلة للقمة. تصغير هذا العضو بهذا اللفظ لإضافته إلى سائر الجسد. قال الإمام: واختلف الناس فى محل العقل من الإنسان، فذهب بعض الأئمة من المتكلمين أنه فى القلب، وإليه صار جمهور الفلاسفة، ويحكى عن أرسطاطاليس - وهو ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) هكذا رسمت من الأصل. (¬3) فى المخطوطة: وهو، والمثبت من الصحيحة المطبوعة.

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهَ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَبِى فَرْوَةَ الْهَمْدَانِىِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ رئيس الفلاسفة، وقالت الأطباء: إنه فى الدماغ، ويحكى هذا عن أبى حنيفة. وقد احتج بعض الأئمة من المتكلمين على أنه فى القلب بقوله سبحانه وتعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (¬1) فأضاف العقل إلى القلب، وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب} (¬2)، واحتجوا - أيضاً - بهذا الحديث، وقد جعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاح الجسد كله وفساده كله تابعًا للقلب [والدماغ من جملة الجسد، فاقتضى ظاهر الحديث كون فساده وصلاحه تبعًا للقلب] (¬3)، وهذا يدل على أنه ليس بمحل العقل. وأمَّا الأطباء، فإنما عمدتهم أنَّ الدماغ يفسد فيفسد العقل، ويكون منه الصرع والهوس عندهم، ويتغير مزاجه فيتغير العقل، ويكون فيه عندهم المالنخونيا، وغير ذلك من العلل التى يسمونها، فاقتضى ذلك عندهم كون العقل فى الدماغ. ولا حجة لهم فى هذا؛ لأن الله - سبحانه - قد يُجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ وإن لم يكن العقل فيه، لاسيما على أصولهم فى الاشتراك الذى يذكرونه فى كتبهم بين الدماغ والقلب، نعم وهم يجعلون بين رأس المعدة والدماغ اشتراكًا وينصون (¬4) فى كتبهم على أن المالنخونيا على قسمين شرًا سبعية وهى أبخرة عندهم تصعد من نواح قريبة من المعدة، وقد يكون برأس المعدة خلط يبخر لأعلى فيتغير العقل، وهذا منهم نقضٌ لاستدلالهم، والنوع الآخر دماغية وهو من فساد مزاج الدماغ، والعلم عندهم عليهما أن ما دام على وتيرة واحدة وهو من الدماغ وما كان تختلف الأزمان فيه فهو من أسفل البدن، فإذا صعد البخار تحرك وإذا سكن سكن. قال القاضى: تأمل قول النعمان بن بشير فى هذا الحديث: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه، يصحح سماع النعمان بن بشير عن النبى - عليه السلام - كما قال أهل العراق، ويرد ما ذكر يحيى بن معين عن أهل المدينة أنهم لا يصححون له سماعاً من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد ذكر البخارى (¬5) حديثه هذا من طرق، وفى ¬

_ (¬1) الحج: 46. (¬2) ق: 37. (¬3) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم فى ظ. (¬4) فى ع: وتصدق. (¬5) البخارى، ك البيوع، ب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات (2051).

ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ الْنُّعْمَانِ بْنِ بَشِير، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ زَكَرِيَّاءَ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ، وَأَكْثَرُ. 108 - (...) حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى هِلَالٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ نُعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ - صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطبُ النَّاسَ بِحِمْصَ، وَهُوَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْحَلَالُ بَيِّنٌ، والْحَرَامُ بَيِّنٌ ". فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ زَكَرِيَّاءَ عَنِ الشَّعْبِىِّ. إِلَى قَوْلِهِ: " يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضها: عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفى بعضها: فإن النبى قسمها على علة الحديث. وقد جاء فى الحديث الآخر فى صدقة ابن علية وإشهاده النبى له وقول النبى: " متى ذلك؟ " وقد حكاه.

(21) باب بيع البعير واستثناء ركوبه

(21) باب بيع البعير واستثناء ركوبه 109 - (715) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، حَدَّثَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: فَلَحِقَنِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لِى وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ. قَالَ: " بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ". قُلْتُ: لا. ثُمَّ قَالَ: " بِعْنِيهِ "، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ. وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِى، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِى ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِى أَثَرِى. فَقَالَ: " أَتُرَانِى مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ ". (...) وحدّثناه عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عَيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَامِرٍ، حَدَّثَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. 110 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَاحَقَ بِى، وَتَحْتِى نَاضِحٌ لِى قَدْ أَعْيَا وَلَا يَكَادُ يَسِيرُ. قَالَ: فَقَالَ لِى: " مَا لِبَعِيرِكَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: عَلِيلٌ. قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَىِ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ. قَالَ: فَقَالَ لِى: " كَيْفَ تَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث جابر وجمله وبيعه له من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على أن له فقار ظهره إلى المدينة، وزجر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له وانطلاقه أمام الإبل بعد قد أصابته ببركته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفى قوله: " بل بِعْنِيه " جواز طلب البيع من الرجل سلعته إبراءً وإن لم يعرضها للبيع. وقد مضى الكلام على ما يسمى بأحكام النكاح والخلاف فى معنى قوله: " تُلاعِبُكَ وتلاعِبُها " والحض على ركعتى المسافر إذا قدم. وفيه جواز الزيادة والرجحان فى ثمن المبيع كثر أو قل، كان فى مجلس القضاء أو بعده، وبهذا قال مالك وكافة العلماء، واختلف أصحاب مالك فى الزيادة فى الاقتضاء من السلف فى المجلس، إذا كانت الزيادة عدداً أو زيادة وزن وأجازوه فى غير المجلس، وأجاز ذلك بعض أصحابنا بكل حال فى الوزن والكيل فى المبيع على البائع وفى الثمن على المشترى، إذ توفيه ما يأخذ من كل واحد منهما عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: من الناس من أجاز بيع الدابة واستثناء البائع ركوبها؛ أخذاً بظاهر هذا الحديث، وأما مالك فيجيزه بشرط أن تكون مسافة هذا الركوب قريبة ويحمل هذا الحديث عليه، وأمَّا أبو حنيفة والشافعى فيمنعانه أصلاً لنهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الثنيا وعن بيع وشرط، وكأنهما يريان أن هذا لم تكن فيه حقيقة البيع، لأنه أعطاه الجمل والثمن لما وصل إلى المدينة، أو كان شرط الركوب لم يكن مقارناً للعقد، ويرون أن التعلق بنهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الثنيا وعن بيع وشرط أولى من هذه الفعلة المحتملة، ونحن نخص الحديثين بهذه الفعلة؛ لأنهما عمومان وهذه أخص منها، والخاص يقضى على العام. ورده الجمل عليه لا يناقض كون الاول بيعاً، وليس من وهب ما اشتراه بعد حجة اشترائه رافعاً لكونه مشترياً له أولاً، ولو ارتفع شراؤه وسقط لارتفعت هبته وسقطت، فلا يصح حمل الحديث على أنه لم يقارن البيع هذا الشرط مع قوله: " فبعته إياه على أن لى فقار ظهره "، وهذا نص فى الاشتراط عند البيع. وقد اختلفت الأحاديث فى الشروط، ومن لم يكن يتفطن ذلك ونيابها اضطرب الأمر عليه. وقد حكى أن رجلاً استفتى أبا حنيفة عن بيع وشرط، فقال: هما باطلان، ثم استفتى ابن شبرمة فقال: هما صحيحان، ثم استفتى ابن أبى ليلى فقال: البيع صحيح والشرط باطل. قال السائل: فقلت: سبحان الله، ثلاثة من فقهاء القرآن اختلفوا على فى مسألة واحدة هذا الاختلاف! وأتى أبا حنيفة فأعلمه بما قال صاحباه، فقال: نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع وشرط، وأتى ابن شبرمة فاحتج له بحديث جابر هذا، وأتى ابن أبى ليلى فاحتج له بحديث بريرة المتقدم. ونحن نبين الأحاديث فنقول: من الشروط ما يفسد العقد، ومنها مالا يفسده. فما كان منهما من مقتضى العقد - كالتسليم - أو مصلحته - كالرهن والجعل - صح البيع والشرط، وما كان ينافى موجب العقد ويدخل فى الغرر والجهالة بالمبيع فسد العقد والشرط. وكان شيخنا - رحمه الله - يقول: ما لا فائدة فيه ولا يؤدى إلى فساد فى البيع ولا يزاد فى الثمن ولا ينقص منه لأجله، فهذا الذى قد يقول فيه بعض أصحابنا: البيع صحيح والشرط باطل. وقال بعض الناس: قول جابر: " وزن لى ثمن البعير فأرجح لى فيه " دلالة على جواز هبة المجهول. وقوله: " أفقرنى ظهره ": الإفقار فى اللغة: إعارة الظهر للركوب. قال القاضى: [المماكسة] (¬1) معناها: المكالمة فى النقص من الثمن. وأصلها من النقص، ومنه: مكس العشار، وهو ما ينتقصه ويأخذه من أموال الناس. والناضح: ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل، وفى الأبى: المكايسة.

بَعِيرَكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ: " أفَتَبِيعُنِيهِ؟ " فَاسْتَحْيَيْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ. قَالَ. فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَبِعْتُهُ ايَّاهُ، عَلَى أَنَّ لِى فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِيَنةَ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى عَرُوسٌ، فَاسْتأذَنْتُهُ، فَأَذِنَ لِى، فَتقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى انْتَهَيْتُ. فَلَقِيَنَى خَالِى فَسَأَلَنِى عَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ، فَلَامَنى فِيهِ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِى حِينَ اسْتَأَذَنْتُهُ: " مَا تَزَوَّجْتَ؟ أَبِكرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ ". فَقُلْتُ لَهُ: تَزَوَّجْتُ ثَيْبًا. قَالَ: " أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا؟ ". فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُوُفِّىَ وَالِدِى - أَوِ اسْتُشْهِدَ - وَلِى أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرَهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ، فَلَا تُؤَدِّبُهُنَّ ولَا تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبُهُنَّ. قَالَ: فَلمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِى ثَمَنَهُ، وَرَدَّهُ عَلَىَّ. 111 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ ابْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاعْتَلَّ جَمَلِى. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ لِى: " بِعْ لِى جَمَلَكَ هَذَا ". قَالَ: قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ. قَالَ: " لَا، بَل بِعْنِيهِ ". قَالَ: قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمل، ومن تفسيره: ومضى أهل قسيمته بذلك. وفى حديث جابر ابتداء المشترى بذكر الثمن. وقوله: " على أن لى فقار ظهره ": كناية عن الركوب عليه، كما بينه فى الحديث الآخر. وفقار الظهر: مفاصل عظامه. وصرار، بكسر الصاد المهملة وتخفيف الراء، وكذا رواه بعض رواة البخارى: هو موضع قريب من المدينة. وقيده الدارقطنى والخطابى وغيرهما، وكذا عند أكثر شيوخنا، وقال الخطابى: هى بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق، والأشبه عندى أنه موضع لا بئر، بدليل قول الشاعر: لعل صراراً أن تجيش بيارها وإليها ينسب محمد بن عبد الله الصرارى. وعند الصدفى والعذرى: " ضراراً " بضاد معجمة، وعند الصدفى عن العذرى وهو خطأ وكذا لابن الحذاء فيما رواه البخارى وحجة فى نفس الروايات.

" لَا، بَلْ بِعْنِيهِ ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَىَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ، فَهُوَ لَكَ بِهَا. قَالَ: " قَدْ أَخَذْتُهُ، فَتَبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ". قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: " أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ، وَزِدْهُ ". قَالَ: فَأَعْطَانِى أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ، وَزَادَنِى قيرَاطًا. قَالَ: فَقُلْتُ: لَا تُفَارِقُنِى زِيَادَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَكَانَ فِى كِيسٍ لِى، فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ. 112 - (...) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زيَادٍ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ الَنَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَتَخَلَّفَ نَاضِحِى. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: فَنَخَسهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ لِى: " ارْكَبْ بِاسْمِ اللهِ " وَزَادَ أَيْضًا: قَالَ: فَمَا زَالَ يَزِيدُنِى وَيَقُولُ: " وَاللهُ يَغْفِرُ لَكَ ". 113 - (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى الْزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا أَتَى عَلَىَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَعْيَا بَعِيرِى، قَالَ: فَنَخَسَهُ فَوَثَبَ، فَكُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْبِسُ خِطَامَهُ لأَسْمَعَ حَدِيثَهُ، فَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَحِقَنِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " بِعْنِيهِ "، فَبِعْتَهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ. قَالَ، قُلْتُ: عَلَى أَنَّ لِى ظَهْرهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: " وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ ". قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِهِ، فَزَادَنِى وُقِيَّةً، ثُمَّ وَهَبَهُ لِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أنه باعه بخمس أواق، فزادنى أوقية، وفى بعضها: بأوقيتين ودرهم أو درهمين، وفى بعضها: بأوقية ذهب، وفى رواية: بأربعة دنانير، وفى الأخرى: بأوقية، ولم يقل: ذهباً. وقد ذكر البخارى (¬1) اختلاف بعض الروايات، وزاد قول من قال عن سالم عن جابر: بمائتى درهم، وقول أبى نضرة عن جابر: بعشرين دينار، وقول ابن القاسم عنه: أحسبه بأربع أواق. قال البخارى: وقول الشعبى: بأوقية، إنما هو الأكثر. قال أبو جعفر الداودى: ليس أوقية الذهب وزن يحفظ، وأمَّا أوقية الفضة فأربعون درهماً. أما اختلاف هذه الروايات فبسببه الحديث على المعنى، وبمثل هذا يحتج من غير ذلك. وقال: أما فى الحديث الواحد قد حدث به جماعة من الصحابة والتابعين بالألفاظ مختلفة وعبارات متقاربة ترجع إلى معنىً واحد، وإنما قاله النبى - عليه الصلاة والسلام - مرة ¬

_ (¬1) البخارى، ك الشروط، ب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز (2718).

114 - (...) حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ ابْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِىِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ - أَظُنُّهُ قَالَ: غَازِيًا - وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: " يَا جَابِرُ، أَتَوَفَّيْتَ الثَّمَنَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " لَكَ الثَّمَنُ وَلَكَ الْجَمَلُ، لَكَ الثَّمَنُ وَلَكَ الْجَمَلُ ". 115 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شْعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: اشْتَرَى مِنِّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بِوُقيَّتْينِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَميْنِ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرةٍ فَذُبحتْ، فَأَكَلوا مِنْهَا. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِى أَنْ آتِى الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّىَ رَكْعَتَيْن، وَوَزَنَ لِى ثَمَنَ الْبَعِيرِ فَأَرْجَحَ لِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة وفى قصة متعددة. فأَمَّا ذكر ذهب الأوقية المهملة فيفسرها قوله: " أوقية ذهب "، وإليه يرجع اختلاف الألفاظ؛ إذ هى فى رواية سالم بن أبى الجعد [عن جابر] (¬1) مفسرة بقوله: " إن لرجلٍ علىَّ أوقية ذهب " فهؤلاء بها، ويكون قوله فى الرواية الأخرى: " فبعته منه بخمس أواق " أى من فضة، صرف أوقية الذهب حينئذ، كأنه أخبر مرة عما وقع به البيع أوقية الذهب، أو لأمره عما كان به القضاء من عدلها فضة أخرى - والله أعلم. وبعد هذا قوله: " خذ جملك ودراهمك "، ورواية من قال: " مائتى درهم "؛ لأنه خمس أواقٍ، أو يكون هذا كله زيادة على الأوقية كما قال: " فماذا لو زيد ". وأما ذكر الأربعة الدنانير فموافقة للأوقية؛ إذْ قد يحتمل أن يكون وزن أوقية الذهب حينئذ وزن أربعة دنانير كبار؛ لأن دنانيرهم كانت مختلفة، وكذلك دراهمهم على ما بيناه فى الزكاة؛ ولأن أوقية الذهب غير مخففة الوزن بخلاف الفضة، ويكون المراد بذلك أنهما صرف أربعين درهماً، فأربعة دنانير موافقة لأوقية الفضة؛ إذ هى غير قيمته. ثم قال: " أوقية ذهب " كأنه أخذ عن الأوقية عدلها من الذهب الدنانير المذكورة، وإلى هذا نحا البخارى (¬2) فى الجمع بين الروايتين، أو يكون ذكر الأربعة الدنانير فى ابتداء المماكسة وانعقد البيع بوقية. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬2) البخارى، ك الشروط، ب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز (2718).

116 - (...) حدّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أخْبَرنا مُحَارِبٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَاشْتَرَاهُ مِنِّى بِثَمَنٍ قَدْ سَمَّاهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْوُقِيَّتَيْنِ وَالدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَميْنِ. وَقَالَ: أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قَسَمَ لَحْمَهَا. 117 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: " أوقيتان ": يحتمل أن الواحدة هى التى وقع بها البيع، والثانية زاده إياها، ألا تراه كيف قال فى الرواية الأخرى: " فزادنى الأوقية "، وذكره الدرهم أو الدرهمين مطابقة لقوله: " وزادنى قيراطاً ". فى بعض الروايات: أنه أرجح له فى كل دينار قيراطاً، وإنها الزيادة التى زاده أولاً، فذكر مرةً قيراطاً فى هذه الرواية وشك فى هذه الرواية فى مقدار الزيادة، إذ صرف قيراط الذهب على ما كان قبل درهم ونحوه؛ لأن دنانيرهم كان بعضها من عشرة قراريط، وبعضها من عشرين قيراطاً، فوجد بناء هذه الروايات المختلفة لهما مروياً. والجمع بينها وترتيب منازلها أنه - عليه السلام - أوتر أو أعطاه أربعة دنانير حين ساومه به، ولم ينعقد البيع بذلك ولا أمضاه جابر، وإنما أمضاه له بأوقية الذهب، ألا تراه إنما قال له: " قد أخذت منك أربعة دنانير " ولم يرد فى هذا الحديث على ذلك. وفى الحديث أنه ماكسه فى البيع ثم أمضاه له بأوقية ذهب، وبها انعقد البيع، كما بينه فى حديث سالم بن أبى الجعد، وهذا يضاعف تأويل البخارى أن الأوقية دراهم توافق أربعة دنانير، وقول البخارى (¬1) هذا يكون على حساب الدينار بعشرة دراهم، وقد تفسر فى الحديث أنها أوقية ذهب؛ وبدليل قوله فى الرواية الأولى: " عشرين ديناراً " إذْ كانت دنانيرهم مختلفة، فيها ما هو من درهم وثلثين، ومن درهم وثلاثة إصاع، ومن ثلاثة دراهم. فقد يحتمل إذا اجتمعت منها عشرون كان وزنها أربعين درهماً وهى أوقية، ويكون ما فى الرواية الأخرى من ذكر الخمس الأواقى خبراً عما وقع به الاقتضاء، وأن هذه الخمس الأواقى دراهم؛ بدليل قوله فى الرواية الأخرى: " خذ جملك ودراهمك "، وفى الرواية الأخرى: " مائتى درهم " وذلك صرف العشرين ديناراً لكل دينار عشرة دراهم، وذكره أوقية الذهب. وأمَّا رواية " أربع "، فغير شك فيه روايتان، ولا تعتبر. وكذلك الرواية باقتضاء أربعة، دنانير وهم، ولأن سائر الروايات تخالفهما، وكذلك فى الرواية ¬

_ (¬1) البخارى، ك البيوع، ب إذا اشترط البائع ظهر الدابة 3/ 248.

عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " قَدْ أَخَذْتُ جَمَلَكَ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخرى: " أوقيتين "، أى الأولى التى وقع بها البيع من الذهب، وزاده كما بين ذلك فى الحديث المتقدم: " وزادنى أوقية " فيحتمل أن يكون ذهباً، ويحتمل أن تكون فضة، ألا تراه قال: " فما زال يزيدنى "، وتكون زيادة الأوقية زيادة فى عدد الأواقى، كل ذلك تفضل منه وإحسان، ثم زاده زيادةً فى الوزن والرجحان. وقوله: " فزادنى قيراطاً " وهو وفق الدرهم أو الدرهمين فى الرواية الأخرى، كما بيناه - والله أعلم. وقوله: " فما زال يزيدنى ويقول: والله يغفر لك " جاء فى هذه الرواية فى كتاب النكاح: قال أبو نضرة: وكانت كلمةً يقولها المسلمون: افعل كذا وكذا والله يغفر لك. وقوله فى حديث ابن نمير: " أترانى ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك ": كذا عند كافة شيوخنا وعامة الرواة، وغيره زاد: " على اثنى عشر لآخذ جملك؟ خذ جملك ".

(22) باب من استسلف شيئا فقضى خيرا منه و" خيركم أحسنكم قضاء "

(22) باب من استسلف شيئًا فقضى خيرًا منه و" خيركم أحسنكم قضاء " 118 - (1600) حدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ منْ إِبِلِ الصَّدَقَة، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِىَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا. فَقَالَ: " أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خَيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً ". 119 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ زَيْدَ بَنَ أَسْلَمَ، أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِى رَافِعٍ - مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " استسلف بكراً، فقضى جملاً [خياراً] (¬1) رباعياً "، وفى رواية الطبرى: " رباعاً " الحديث: فيه جواز الاستسلاف والأخذ بالدين للضرورة. وقد كان - عليه السلام - يستقرض الدين والمغرم، لكن دعته الضرورة إلى ما كان يكره من ذلك لحكم زهده فى الدنيا ورغبته عنها، ولو شاء لكان على غير ذلك؛ إذ خيره الله - تعالى - فى ذلك، فاختار التقلل والقناعة. وقد قال أبو عبيد الهروى: الدين ما كان لأجل، والغرم ما ليس لأجل. وفيه جواز استسلاف الحيوان، وهو قول كافة العلماء، ولا خلاف بينهم فى جواز استسلاف ما له مثل فى العيش والمكيل والموزون. وأجاز جمهور العلماء استسلاف سائر الأشياء من الحيوان والعروض، واستثنوا من ذلك الجوارى، وعلته أنه قد يردها بنفسها فتكون من عارية الفروج. وأجازه بعض أصحابنا بشرط أن يرد غيرها، وأجاز استقراض الجوارى الطبرى والمزنى، وروى عن داود الأصبهانى. ومنع الكوفيون، فدخل جميع الحيوان، وهذا الحديث حجة عليهم، وليس للسنة موقع وليس دعواهم (¬2) النسخ بغير حجة تدفعها. وذهب أهل الظاهر إلى أنه لا يجوز استقراض غير المكيل والموزون، وذكر عن داود. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت من الهامش بسهم. (¬2) هكذا فى الأصل، ولعلها: دعواه.

اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَإِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللهِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً ". 120 - (1601) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً ". فَقَالَ لَهُمُ: " اشْتَرُوا لَهُ سنا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ ". فَقَالُوا: إِنَّا لا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْر مِنْ سِنِّهِ. قَالَ: " فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ - أَوْ خَيْرَكُمْ - أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قد نهى - عليه السلام - عن سلف جرَّ منفعة، وهذا سلف جرَّ منفعة، فلابد من بناء الحديثين فيقول: النهى محمول على ما كان من المنفعة اشترط فى أصل القرض، وهذا لم يشترط؛ فلهذا أجاز، لكن المشهور عندنا فى المذهب فى العدد منهى عنها وإن لم تشترط فى أصل القرض، وكأنهم يرون هذا الحديث مخصصاً لحديث النهى ولم يرد إلا فى زيادة الصفة فلم يتعد به ما ورد فيه. والبكر من الإبل كالغلام من الناس. والقلوص ههنا كالجارية من النساء، والذى استكمل منها ست سنين ودخل فى السابعة يقال له: رباع، والأنثى رباعية، بتخفيف الياء. قال القاضى: قال أبو عبيد: إذا ألقى البعير رباعيته - وذلك فى السابعة - فهو رباع، والرباعيات - بتخفيف الياء - أربع أسنان تلى الثنايا من جوانبها خرجوا فيها. وقد استدل بهذا الحديث من يجيز تقدم الصدقة قبل الحول؛ لأنه - عليه السلام - لم يستسلف لنفسه، إذْ لو استسلف لنفسه لم يقضه من إبل الصدقة إذ كانت لا تحل له، فدل أنه إنما استسلفها لأصلها من أرباب الأموال. قالوا: ويحتمل أن يكون هذا الذى استسلفت منه مما لا زكاة فيه، إذْ لو كان ذلك لما ردها النبى، وحجة من لا يجيز تعجيلها. ومعنى الحديث عندهم: إمَّا أن يكون استقرضها غيره على ذمته بأمره، فلما حانت الصدقة وقبضت دفعها إليه وكان من الغارمين، كما جاء فى حديث عبد الله بن عمرو: أنه أمره - عليه السلام - بتجهيز جيش فنفدت الإبل فأمرنا أن يأخذ على قلائص الصدقة (¬1)، وبهذا يندفع اعتراض من اعترض كيف ترد من أموال المساكين ما هو خير وأفضل وإنما يفعل المرء ذلك فى ماله، وذلك أنا قلنا: إنه إذا كان المستقرض غريماً حل له ما أخذ من الصدقة، وإن كان فوق حقه. وقد يكون المستقرض منه من تحل له الصدقة؛ إما لأنه لم يكن له مال إلا ما أقرض أو أصابته جائحة بعد الاقتضاء عند الانتظار من أهل الصدقة، فكانت الزيادة له من أموال ¬

_ (¬1) الدارقطنى، ك البيوع 3/ 70 (263).

121 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِناً، فَأَعْطَى سِناً فَوْقَهُ. وَقَالَ: " خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً ". 122 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَقَاضَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا. فَقَالَ: " أَعْطُوهُ سِناً فَوْقَ سِنّهِ ". وَقَالَ: " خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المساكين جائزة، وقيل: بل كان هذا كله قبل تحريم الصدقة على النبى وآله وتحريمها على الأغنياء. وفيه حجة على جواز استقراض الإمام للمساكين والمسلمين، كما يجوز ذلك لوصى الأيتام لأنه الناظر لهم. وفيه حجة لجواز السلم فى الحيوان أنه إذا جاز قرضه بصفة تحصره ويرد مثله جاز السلم فيه، والخيار: المختار من الإبل، يقال للذكر والأنثى. وقوله: " فأغلظ له، فهمَّ به أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": يحتمل أن إغلاظه إياه كان فى طلب حقه وتشدده فيه لا فى كلام مؤذٍ يسمعه إياه، فإن ذلك يُعَدُّ مَعْبَةٌ مع النبى - عليه السلام - وقد يكون الفاعل هذا غير مسلم من اليهود أو غيرهم، كما جاء مفسراً منهم فى خبر هذا الحديث. وقوله: " خيركم محاسنكم قضاءً ": أى ذوى المحاسن، سماهم بالصدقة والمعروف. أحاسنكم جمع أحسن، كما جاء فى حديث آخر: " أحسنكم قضاء " وقيل: يكون محاسنكم جمع محسن، بفتح الميم، وجاء فى هذا الخبر فى حديث محمد بن بشار: " إنا لا نجد إلا سنا هو خير من سنه " وكان عند الصدفى: " لا نجد إلا سنا إلا هو خير من سنه "، والصواب إسقاط " إلا " الواحدة منها على الروايتين المتقدمتين، وأمَّا مجمعهما فيحتمل بهم الكلام.

(23) باب جواز بيع الحيوان بالحيوان، من جنسه، متفاضلا

(23) باب جواز بيع الحيوان بالحيوان، من جنسه، متفاضلا 123 - (1602) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَابْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قال: جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ. فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِعْنِيهِ "، فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ، حَتَّى يَسْأَلهُ: " أَعَبْدٌ هُوَ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: جاء عبد فبايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال: " بعنيه "، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحداً بعد حتى يسأله: " أعبدٌ هو؟ ": ظاهره أن مولاه كان مسلماً، وكان النبى سرّحه فاستحقه مولاه بصحة ملكه له، ثم أراد - عليه السلام - بما جبل عليه من مكارم الأخلاق ألا يرده، ولا ينقض ما عقد له، فاشتراه من مولاه. ويدل أن مولاه مسلم دَفْعه له العبدين وإلا فقد بايع - عليه السلام - من نزل إليه من عبيد أهل الطائف وغيرهم ولم يصرفهم على مواليهم. وشرائه العبد بالعبدين أصل فى هذا الأسلوب، ولا خلاف فى شراء العبد بعبدين نقداً وسائر الأشياء والتفاضل بها وإن كانت من جنس واحد، ما عدا ما تقدم من العين وما نص معها فى الحديث وليس عليها مما تقدم. واختلف الناس فى بيع ما عدا ذلك من الجنس الواحد باختلاف العدد والصفة إلى الأجل، أو باتفاقهما ممَّا لم يفصل بذلك سلفًا جرّ نفعاً والزيادة فى السلف - كان هذا رباً عند الجميع، إذا كان ظاهراً معلوماً مقصوداً، فلا يرى أن ما كان فى حكمه أو ذريعة إليه فلا يجيزه، إلاَّ أن تختلف الصفات والأغراض فيصيرا والجنسين ونظيرهما مقصد البيع والمعاوضة، واغتنى أولى المنافع من المتبايعين لا مقصد الزيادة فى السلف كاختلاف الإبل والنجابة أو الحمولة أو الخيل بالسبق والفراهة (¬1)، والعبيد بالتجارات والفصاحة والصنعة، والجوارى بالطبخ والصناعة والفراهة على الصحيح من القولين، والثياب بالرقة والصباقة، والشيلوف بالقطع والجوهر [وجعل الجوة] (¬2) فى جهة وكثرة العدد فى الجهة الأخرى اختلاف فى الأغراض ويجيزه. والشافعى لا يكره شيئًا من ذلك فى الحيوان وغيره، اختلف أم لم يختلف، ولا ربا غيره فى شىء إلا ما تقدم وهو قول أبى ثور وداود والمروزى، وروى عن ابن المسيب وابن عباس وغيرهما. واختلف فى ذلك عن ¬

_ (¬1) يعنى المواهب، وأن تلد، اللسان. (¬2) فى الأبى: فيجعل الأجود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على وابن عمر والزهرى، وروى عنهم كراهة ذلك وجوازه، وحجتهم حديث عمرو بن العاص: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أمره بأن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ فى قلائص الصدقة البعير بالبعيرين إلى الصدقة " (¬1)، ونحن نتأول الحديث على ظاهره باختلاف أجناسها؛ لأن القلائص الفتيان من الإبل، وهى أكثر ما يؤخذ فى الصدقات، وأنَّ الاستلاف فيما هو أسن منها وأقوى على الحمل، ويشجن الاختلاف عن هؤلاء باختلاف الأحوال كنحو ما ذهب مالك منع ذلك فى الحيوان على كل حال. ومنه فى العروض نحو مذهب مالك، وحجتهم عموم نهيه بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وقد تكلم فى هذا الحديث ورده بعضهم، ونحن ننزله على ما اتفقت فيه الأغراض، وخشى منه زيادة الصنف، ويخص عمومه بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدم، أو بحمل بيع الحيوان بالحيوان فى المضمونين، ويجمع بين الأحاديث، وتبقى الأصول من مسائل الربا وفى الزيادة فى السلف مختصةً بعللها ومواجهتها فتستعمل النفس ولا يطرح منها شىء إلا ما ثبت نسخه أو ضعف أصله، وسيأتى من المعلم فى هذا بكل شىء أيضاً. ¬

_ (¬1) الدارقطنى، ك البيوع 3/ 70 (263).

(24) باب الرهن وجوازه فى الحضر والسفر

(24) باب الرهن وجوازه فى الحضر والسفر 124 - (1603) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِىٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، فَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ، رَهْنًا. 125 - (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: اشْتَرى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِىٍّ طَعَامًا، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. 126 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: ذَكَرْنَا الرَّهْنَ فِى السَّلَمِ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِىٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أنه - عليه السلام - اشترى من يهودى طعاماً بنسيئة ورهنه درعه ": فيه معاملة اليهود وأهل الذمة وسائر الكفار، وحل ما يؤخذ منهم مع قيض، حيث مكاسبهم ومعاملاتهم. وجواز ادخار القوت، وجواز التجارة معهم بالنقد والنسيئة؛ لأنها إذا جازت بالنسيئة فهى بالنقد أجوز، وجواز شراء الطعام بالنسيئة إذا لم يكن الثمن طعاماً، أو كان الطعام المشترى نقداً، وفيه جواز الرهن فى الحضر وهو قول الكافة، خلافاً لداود ومجاهد. قال الإمام: شذ بعض الناس فمنع الرهن فى الحضر؛ تعلقاً بدليل الخطاب من قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَة} (¬1)، فاشترط السفر، فدل أن الحضر بخلافه. وقال أصحابنا: هذا الحديث حجة عليه فى جواز الرهن فى الحضر، وفيه دلالة على جواز معاملة اليهود وإن كانوا يستحلون من المكاسب ما لا يستحل. وقد أكثر الناس القول فى وجه مبايعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لليهودى ورهنه درعه عنده، وأمثل ما يقال فيه: إنه ¬

_ (¬1) البقرة: 283.

(...) حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِى الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: مِنْ حَدِيدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فعل ذلك ليريه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جواز معاملة اليهود، أو فعل ذلك؛ لأنه لم يحضره حينئذ من عنده طعام سوى هذا اليهودى، أو يكون - عليه السلام - علم أن أصحابه - رضى الله عنهم - لا يقبلون منه الرهن إكراماً له، أو لا يقتضونه فى الثمن إذا حلَّ تقرباً إليه، فعدل إلى معاملة من يفعل ذلك معه لئلا يجحف بأصحابه. قال القاضى: أجمع العلماء على جواز معاملة أهل الذمة وجواز معاملة المشركين، إلا ما يتقوى به أهل الحرب على محاربة المسلمين كسلاح الحرب وآلاتها وما تصرف فيها، أو ما يستعين به جميعهم على إقامة شريعتهم، وإظهار تصرفهم وما لا يجوز تملكه لهم لحرمته كالمسلم والمصحف. ومنع ابن حبيب بيع الحرير والكتان والبسط والطعام من أهل الحرب، وتأول ذلك إما عند الشدائد فيطمع أن يتمكن منكم بضعف الجوع، فإن ما ذكر من الكتان والحرير والبسط مما يتحملون به فى حروبهم. ورهن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدرع عند اليهودى أنه لم يكن من أهل الحرب، وممن كان بين ظهرى الإسلام، وإلا فرهنها ممن يخشى منه التقوى بها كبيعها. وظاهر الخبر ما كان عليه - عليه السلام - من التقلل من الدنيا والاكتساب، وأنه لو كان عنده غير الدرع لباعه أو رهنه مكان درعه، وفيه اتخاذ الدروع والعدد للأعداء والتحصن منه، وأن ذلك غير قادح فى التوكل. واستدل إبراهيم النخعى بهذا الحديث على جواز الرهن فى السلم؛ لأن المسلم دين فى الذمة فلا فرق بينه وبين السلف، وهو مذهب مالك وكافة السلف والعلماء، وكذلك الكفيل. وذهب زفر والأوزاعى وأحمد إلى كراهة ذلك فيهما، وروى عن بعض السلف. وكره مالك الكفالة برأس مال السلف إذا كان فى العقد، ويفسد بذلك السلم على تفصيل فيه فى كتب الفقه.

(25) باب السلم

(25) باب السلم 127 - (1604) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: قَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِى الثِّمَارِ، السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ. فَقَالَ: " مَنْ أَسْلَفَ فِى تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِى كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَل مَعْلُومٍ ". 128 - (...) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من استلف فى تمر فليسلف فى كيل معلوم، إلى أجل معلوم "، وفى رواية السجزى: " من سلم "، وكلاهما بمعنىً. سمى سلماً؛ لتسليمه رأس المال دون قبض عوضه، وسمى سلفاً بتغريمه رأس المال على العوض، ومنه: سلف الرجل، لمتقومين أمامه. وحكى الخطابى عن عمرو فى رواية ابن عمر كراهة تسمية السلم سلفاً، وقال: هو الإسلام لله، كأنه ضن بالاسم أن يمتهن فى غير هذا. قال الإمام: قد تقدم الكلام فى ربا بيع النقد، ونحن نتكلم الآن على الربا فى النسيئة. فاعلم أن الربا يدخل فى بيع النسيئة فى الستة المذكورة فى الحديث وما قيس عليها، سواء اتفقت الأجناس أم اختلفت، وما سوى الستة وما قيس عليها لا يدخل الربا فى بيع النسيئة فيه إذا اختلفت الأجناس؛ كسلم عبد فى ثوبين. فإن تساوت الأجناس فاختلف الناس، فمنعه أبو حنيفة، وأجازه الشافعى، وقال مالك: إذا اتفقت المنافع فى الجنس منع، وإن اختلفت جاز. وأمّا أبو حنيفة فحجته قول الله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1). والربا الزيادة، وهذا موجود فى هذا البيع، فمنع بحق عموم الآية. وإنما خصَّ منها اختلاف الأجناس بما قدمناه من الحديث وبغير ذلك. ¬

_ (¬1) البقرة: 275.

وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَسْلَفَ فَلَا يُسْلِفْ إِلَّا فِى كَيْلِ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمَّا الشافعى فإنه يحتج بأنه أمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه بأن يعطى بعيراً فى بعيرين إلى أجل (¬1)، وهذا يخص قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬2) إذا قلنا: إن الزيادة فى عوض الشىء تسمى ربا حقيقة، وجماعة من أهل الأصول يذهبون إلى تخصيص العموم بخبر الواحد، وبعضهم يمنع منه. وأمَّا مالك، فإنه توسط بين القولين، وعدل بين المذهبين، وسلك حماية الذريعة، وأصله القول بها، فينظر إلى أن الأجناس إذا اختلفت جاز التفاضل فيها نسيئة، والغرض من المتملكات الانتفاعات، وأمَّا نفس الذوات فلا يملكها إلا الله الذى يؤخرها ويقدمها، وإنما ملك الخلق الانتفاع بها، فإذا كانت المنافع مختلفة وهى المقصودة التى يتعلق بها الملك، وجب أن تحل محل اختلاف الأجناس. وإذا كان الغرض فى دابة الحمل عليها، والغرض من أخرى الجرى بها، صار فى الأنفس كدابة يراد ركوبها، وثوب يراد لباسه. فإذا تساوت المنافع نظر إلى قوله: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن سلف جرَّ نفعاً. فإذا دفع ثوباً فى ثوبين الغرض فيهما كالغرض فى الثوب مكانه، أسلفه واشترط عليه أن ينتفع بالزيادة. ولو أسلم ثوبين فى ثوب تتفق الأغراض فيها لأنَّها - أيضاً - على أن يكون أعطاه أحد الثوبين ليضمن له الثانى فى ذمته أجلاً سمياه، فيصير ذلك مُعاوضة على الضمان وسلفاً لينتفع بالضمان، وذلك لا يجوز. ولو تحققنا حصول السلف والغرض على وجه لا منفعة فيه محققة، وهى الزيادة المحسوسة، ولا منفعة فيه محققة ليتهم الناس عليها - لأجزنا ذلك إذا سلك به مسلك الفرض. وقد وقع عندنا اضطراب فى المذهب فى التبايع بما اتفقت أجناسه ومنافعه ولم تقع فيه زيادة، هل يجوز أم لا، كسلم ثوب فى مثله؟ فأجيز؛ لأن تقدير منفعة فى ذلك يهم الناس عليها يبعد فى النفوس، ومنع لئلا يقصد الانتفاع بضمان القابض عوضاً عن منفعته بما قبض. وأمَّا الشافعى فيجيز ذلك، وهو يجيزه وإن حصل فيه التفاضل الذى هو منفعة ¬

_ (¬1) البخارى، ك البيوع، ب بيع العبد والحيوان بالحيوان نسيئة، تعليقاً. الفتح 4/ 419. (¬2) البقرة: 275.

(...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِم، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ محققة، فكيف به مع التساوى الذى لا منفعة فيه محققة؟ فإذا ثبت جواز النَّساء فيما اختلفت أجناسه مما عدا الستة وما فى معناها بالسلم يجوز فى كل شىء تضبطه الصفة. وقد وقع اختلاف بين مالك وأبى حنيفة، وبين مالك والشافعى فى مسائل، هل يجوز السلم فيها أم لا، وهو اختلاف فى حال، فمن يمنع السلم يعتقد أن الصفة لا تحصر ما منع منه، ومن يجيزه يعتقد أن الصفة تحصره. وهذا مثل ما يقول أصحاب أبى حنيفة: كيف يجيزون السلم فى الجوارى مع اختلافهن فى الرشاقة والملاحة، وأنهن يتفاوتن فى ذلك تفاوتاً عظيماً يختلف الثمن باختلافه؟ ومالك لم يثبت عنده ما قالوا، ورأى أن ذلك مما يضبط المقصود منه أجاز السلم فيهن. وعلى هذا الاختلاف جرى الأمر فى اختلافهم فى غير ذلك من المسائل. وأمَّا قوله - عليه السلام -: " إلى أجلٍ معلوم ": فقد تعلق به بعض أصحابنا فى افتقار صحة السلم إلى أجل، والمشهور عندنا منع السلم الحال. وكان بعض شيوخنا يخرج من المدونة القول بجواز من سأله إذا اشترى بعروض وباع بمثلها مرابحة، وهو مذهب الشافعى. ومن أجاز السلم الحال يحمل الحديث على أن المراد به: إن كان أجلاً فليكن معلوماً. واختلف القائلون من أصحابنا بإثبات الأجل، فقال بعضهم: ثلاثة أيام، وقال بعضهم: بل أكثر من ذلك مما تتغير فيه الأسواق؛ كنصف الشهر ونحوه، إذا كان يقبض السلم فى البلد بعينه. قال القاضى: لم يجر فى الأحاديث فى هذا الباب ذكر للصفة، وهى مما أجمع العلماء على شرطها فى صحة السلف، لكن لما كانت العادة فى التمر أنه أجناس وأنواع، ولكل نوع منه اسم وصفة والعرف فى شرائه أن يسمى بجنسه - قام مقام الصفة، ومثل هذا فيما له عرفٌ جائز عندنا. وشروط السلم عندنا التى لا تصح إلا بها على مشهور مذهبنا خمسة: كونه مضموناً، وموصوفاً بصفة تحصر، ومؤجلاً لأجلٍ معلوم، ومما لا يتعذر وجوده عند أجله، وكونه معلوم القدر من وزن أو كيل أو عدد أو تجر أو مساحة أو درع أو سن، وأن يكون رأس ماله معجلاً أو فى حكم المعجل حتى لا يبعد قبضه بعد اليومين والثلاثة. ولم يجز الكوفيون والشافعى تأخيره عن العقد، والافتراق كالضرب عندهم. وليس من شرطه أن

"إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِىٍّ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، بِإِسْنَادِهِمْ. مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. يَذْكُرُ فِيهِ: " إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون المسلم وليه مالك، خلافاً لبعض السلف، وأن يكون مما لا ينقطع من أيدى الناس جملة، خلافاً لمن شرط ذلك، وأن يكون موجوداً حين العقد إلى الأجل، خلافاً لأبى حنيفة، وكل من شرطه ذكر موضع القبض عندنا، وعند فقهاء أصحاب الحديث، خلافاً للكوفيين فى اشتراطهم ذلك لما له حمل ومؤونة. وعندنا إن لم يشترط فموضع البيع موضع القبض، وليس من شرطه عندنا ألا يكون رأس السلم جزافاً فيما يجوز فيه الجزاف، خلافاً لأبى حنيفة فى منعه ذلك فى كل شىء، وليس من شرط المسلم فيه أن يكون حيواناً، خلافاً لأبى حنيفة؛ إذ لا تحصر عنده الصفة، ولا من شرطه ألا يكون من الجواهر كالدر والياقوت، خلافاً للشافعى؛ إذْ لا تحصر الصفة. قال الإمام: خرج مسلم فى الباب: نا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبى شيبة وإسماعيل بن سالم، جميعاً عن ابن علية، قال بعضهم، هكذا فى نسخة أبى العلاء بن ماهان عن مسلم عن شيوخه عن ابن علية، وهو إسماعيل بن إبراهيم، وفى رواية (¬1) الجلودى: " ابن عيينة " بدل " ابن علية "، والصواب رواية أبى العلاء، ومن تأمل الباب بان ذلك له. قال القاضى: لأنه ذكر أول الباب حديث ابن عيينة عن ابن أبى نجيح، وفيه ذكر الأجل، ثم ذكر حديث عبد الوارث عن ابن أبى نجيح، وليس فيه ذكر الأجل، ثم ذكر حديث ابن علية عن ابن أبى نجيح، وقال بمثل حديث عبد الوارث، ولم يذكر: " إلى أجل معلوم "، ثم ذكر حديث سفيان عن الثورى عن ابن أبى نجيح، وقال بمثل حديث ابن علية، فذكر فيه: " إلى أجل معلوم " وهو بَيّن. ¬

_ (¬1) فى ع: روايتنا.

(26) باب تحريم الاحتكار فى الأقوات

(26) باب تحريم الاحتكار فى الأقوات 129 - (1605) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْن الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ مَعْمَرًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ ". فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ؟ قَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ مَعْمَرًا الَّذِى كَانَ يُحَدِّثُ هذَا الْحَدِيثَ كَانَ يَحتَكِرُ. 130 - (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرُو الأَشْعَثِىُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ مَعْمَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من احتكر فهو خَاطئ، فقيل لسعيد: فإنك تحتكر قال سعيد: إن [معمرًا الذى كان يحدث هذا الحديث كان يحتكر] (¬1) "، قال الإمام: أصل هذا مراعاة الضرر بكل ما أضرَّ بالمسلمين، وجب أن ينفى عنهم، فإذا كان شراء الشىء بالبلد يُغلى سعر البلد ويضر بالناس؛ منع المحتكر من شرائه نظراً للمسلمين عليه كما قال العلماء: إنه إذا احتيج إلى طعام رجل واضطر الناس إليه ألزم بيعه منهم. فمراعاة الضرر هى الأصل فى هذا، وقد قال بعض أصحاب مالك: إن احتكار الطعام ممنوع على كل حال؛ لأن أقوات الناس لا يكون احتكارها أبداً إلاَّ مضر بهم، ومحمل ما روى عن رواة هذا الحديث من أنهم كانوا يحتكرون: أنهم احتكروا ما لا يضر بالناس، وحملوا قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك، وحمله على هذا يؤكد ما قلناه. قال القاضى: الاحتكار: هو الادخار مما كان لقوت الإنسان، وليس بممنوع ولا مكروه، وما كان للبيع والتجارة ممَّا كان منه مُضراً بالناس ومتعلقاً بشرائه أسعارهم مُنِع، وأشرك فيه أهل السوق والمشترون بما اشتراه به. وما لم يضر لم يمنع، على مشهور المذهب فى أىِّ شىء كان، وهو قول الشافعى وأبى حنيفة، خلافاً لابن حبيب من أصحابنا فى قوله: إنَّ حكرة الطعام والحبوب كلها، والغلو فى السمن والزيت والعسل واللبن ممنوع، أى وقت كان، أضرَّ أو لم يضر، وهذا ما اشترى فى أسواقهم، فأَمَّا ما جلب فلا يبيع من مدخره إلاَّ عند الضرورة الفادحة وحاجة الناس إليه، ولم يوجد سواه ¬

_ (¬1) سقط من جميع نسخ الإكمال التى لدينا، وأثبتناها من المعلم والحديث رقم (129).

ابْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا يَحْتَكِرُ إِلا خَاطِئٌ ". (...) قَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنِى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيد بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِى مَعْمَرٍ - أَحَدِ بَنِى عَدِىِّ بْنِ كَعْبٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيؤخذ بيعه. وما ذكر عن سعيد ومعمر أنهما كانا يحتكران، قال ابن عبد البر: إنما كانا يحتكران الزيت، وحملا النهى على أنه فى القوت عند الحاجة إليه، وكذلك قال الشافعى وأبو حنيفة: إنه مما يختص بالطعام المقتات الذى هو مصالح أجسام الناس، وليس هذا فى الأدم والزيت والفاكهة. ومعمر هذا هو ابن عبد الله بن نضلة العدوى قديم الإسلام، كان مُعَمِّراً، وقد قبله مسلم، وهو معمر بن أبى معمر، وقد ذكره كذا مسلم فى الحديث الآخر. قال الإمام: خرج مسلم فى الباب: نا بعض أصحابنا عن عمرو بن عون، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن عمرو وعن سعيد بن المسيب، عن معمر بن عبد الله، أحد بنى عدى بن كعب، [عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (1) الحديث. وهذا حديث مقطوع [الإسناد، وهو] (2) أحد الأربعة عشر حديثاً المقطوعة فى كتاب مسلم. وأمَّا أبو داود فرواه عن وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى (¬3). قال القاضى: قد تكلمنا على مثل هذا قبلُ، وأنه لا يدخل فى باب المقطوع ما يكفى. وقوله: عن معمر بن عبد الله، ليس هو فى هذا الحديث، كذا فى هذا السند، وإنَّمَا فى معمر بن أبى معمر، أحد بنى عدى بن كعب، وإنما جاء ذلك فى حديث سعيد بن عمرو الأشعثى، وفيه عن معمر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فى هذا أحد بنى كعب. ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من المخطوطة، وزيادة من مخطوطة كتاب " المعلم " للمازرى. (¬3) أبو داود، ك البيوع، ب فى النهى عن الحكرة برقم (3447).

(27) باب النهى عن الحلف فى البيع

(27) باب النهى عن الحلف فى البيع 131 - (1606) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ الأُمَوِىُّ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْحَلْفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلرِّبْحِ ". 132 - (1607) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ - عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ايَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِى الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " الحلف منفقة للسلعة ممحقة للربح ": قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَات} (¬1)، فقيل: هذا المحق هو فى الآخرة كما تربو الصدقة حتى تأتى مثل أحد وذلك يمحق الربا حسناته، إمَّا برجحانه عليه فى الميزان أو بهذا من أجلها، أو لأن من تصدق به أو أكل من الربا لا يؤجر فيه كذلك إثمان لما أخره بالحلف الفاجر وزين به سلعته، وحلف أننى أعطى فيهما ما لم يعط، وغر بذلك كله أخاه المسلم، وقيل: بل المحق فى الدنيا والآخرة ممحقة فى الدنيا ترفع البركة منه، أو تكون لتسليط الجوائح عليه حتى يمحق - والله أعلم. ¬

_ (¬1) البقرة: 276.

(28) باب الشفعة

(28) باب الشفعة 133 - (1608) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِى رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ رَضِىَ أَخَذَ، وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ ". 134 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ نميرٍ - قال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله - عليه السلام -: " من كان له شريك فى ربعة أو نخلٍ، فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضى أخذ، وإن كره ترك "، وفى بعض طرقه: " قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشفعة فى كلِّ شركة لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذن فهو أحق به "، وفى بعض طرقه: " الشفعة فى كل شرك، فى ربع أو أرض أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه "، قال الإمام: اختلف فى اشتقاق الشفعة، فقيل: لأنه شفع فى أخذ نصيب غيره، وقيل: لأن نصيبه كان وترًا فصار شفعاً. قال القاضى: قيل: أصلها أن أهل الجاهلية كان الرجل إذا باع منزلاً أو حائطاً أتاه الجار، أو الشريك يشفع إليه فيما باع فيشفعه، ويجعله أولى ممن يعد شريكه، فسميت القضية: شفعة، وطالبها: شفيعاً، وقيل: لأنه كثر نصيبه بما ضم إليه بالشفعة، وزاده. وأصل الشفعة: الزيادة. وقيل ذلك فى قوله تعالى: {مَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} (¬1)، قيل: [من يزدد عملاً صالحاً] (¬2)، وقد أجمع العلماء فى وجوب الشفعة للشريك فى الربع المبيع فيما لم يقاسم. واختلفوا فيما وراء ذلك. والربعة، ¬

_ (¬1) النساء: 85. (¬2) فى الأبى: من يزد عملاً صالحاً إلى عمله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بسكون الباء وفتح الراء، يكون تأنيث ربع وهو الدار والمسكن، وأصله: المنزل الذى كانوا يربعون فيه، وقد يصح أن يكون الربعة هو الواحد، والربع جمعه، ثم يجمع رباعاً مثل تمر وتمرة وذر وذرة. قال الإمام: الأصل أن الشفعة إنما أثبتت فى الشرع لنفى الضرر، ولما كان الضرر يختلف باختلاف الأنواع خص بذلك العقار؛ لأنه أشد ضرراً من غيره من السلع؛ لأنه قد يدعوه المشترى إلى المقاسمة أو إلى البيع، أو يضر به ويسىء جواره. ومنه المعانى يعظم صوره فى العقار. وقد اختلف أصحابنا فى إثبات الشفعة فى مسائل، وسبب اختلافهم: ما وقع فيها من إشكال، هل تشبه العروض والسلع التى لا شفعة فيها، أو هى بالعقار أشبه، مثل اختلافهم فى التمر إذا بيع منفرداً؟ وقيل: فيه الشفعة؛ لأنه من جملة الحائط وكأحد أجزائه، وقيل: لا شفعة فيه؛ لأنه مما ينقل ويزال به فأشبه العروض. وقد اختلف الناس فى الشفعة فى المقسوم، فمذهبنا أن لا منفعة فيه، وعند أبى حنيفة إثبات الشفعة فى المقسوم، ورأى أن الشفعة تكون بالجوار؛ لأنهم يضطربون فى ترتيب الجوار، ويقدمون الشريك على من سواه، والشريك فى الطريق على الجار. وقد اختلفت الأحاديث، فالذى فى كتاب مسلم هاهنا إثبات الشفعة للشركة، وفى طرقه: " كل شركة لم تقسم "، وفى غير كتاب مسلم: " الشفعة فى كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة "، واعتمد أصحابنا على هذا الحديث. والرد على أبى حنيفة، بقوله: " فى كل ما لم يقسم "، حصر الشفعة فيما لم يقسم، ودليله: أنه إذا قسم فلا شفعة. وقوله: " فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة ": فلو اقتصر على قوله: " فإذا وقعت الحدود " ولم يضف إليه قوله: " وصرفت الطرق "، لكان ذلك حجة لأصحاب مالك فى الرد على أبى حنيفة؛ لأن الجار بينه وبين جاره حدود، ولكنه لما أضاف قوله: " وصرفت الطرق " تضمن أنها تنتفى بشرطين: ضروب الحدود، وضروب الطرق، فيقول أصحابنا: ضرب الطرق يراد به صرف الطرق، التى كانت قبل القسمة. ويقول أصحاب أبى حنيفة: المراد به ضرب الطرق التى يشترك فيها الجاران، فينبغى النظر فى أى التأويلين أظهر. وقد روى - أيضاً - عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " الجار أحق بصقبه " (¬1)، وخرج ¬

_ (¬1) البخارى، ك الإكراه، ب احتيال العامل ليهدى له 9/ 36 وأحمد 6/ 390. وروى: " بسقبه " بالسين. انظر: البخارى 3/ 115، أبا داود رقم (3516)، النسائى 7/ 320، ابن ماجه (2495).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الترمذى وأبو داود: قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جار الدار أحق بجار الدار والأرض " (¬1)، واحتج أبو حنيفة بظاهر هذا الحديث. ونقول نحن: لم يبين بماذا يكون أحق؟ هل بالشفعة أو بغيرها من وجوه الرفق والمعروف؟ ونقول أيضاً: يحتمل أن يحمل الجار على الشريك والمخالط قال الشاعر: أيا جارتى يبقى ما بك طالعة فسمى الزوجة لمخالطتها له. وقد خرج أبو داود والترمذى: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحق بشفعته ينظر به وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً " (¬2)، وهذا من أظهر ما يستدلون به؛ لأنه بين بماذا يكون الحق، ونبه على الاشتراك فى الطريق، ولكن هذا الحديث لم يثبت عند أصحابنا، ورأيت من بعض المحدثين الطعن فيه، وقال فى رواية: إنه لو روى حديثاً آخر مثله تركت حديثه. والصقب بالصاد والسين: القرب، قال الشاعر: لا أمم دارها ولا صقب قال القاضى: حمل بعض شيوخنا قوله: " الجار أحق بصقبه " أنه على الندب للبائع، وحضه على إيثار جاره لا على وجه القضاء والحق الواجب، وهذا كما تقدم فى الحديث، فلا يحل له أن يسعى حتى يؤذن شريكهُ، وحمله آخرون على معنى: أحق بالبر والإتحاف والصلة لجواره. قال الإمام: وقد خرج الترمذى - أيضاً - قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشريك شفيع، والشفعة فى كل شىء " (¬3)، وهذا - أيضاً - ظاهر مع القول بالعموم؛ يثبت الشفعة فيما سوى العقار من العروض، وقد شذ بعض الناس ما أثبتها فى العروض. وحكى بعض أصحاب الشافعى عن مالك نحواً من هذا، قال شيخنا - رحمه الله -: وما أدرى أين وقف لمالك على هذا، ولعله رأى قولنا فى الحائط إذا بيع وفيه حيوان أن الشفعة فيه وفى حيوانه، فظن من ذلك أن الشفعة تثبت فى العروض، وليس كما ظن لأن الحيوان هاهنا لما كان من مصلحة الحائط أعطى حكمه فى الشفعة لها لما بيع مضافاً إليه. والملك ينتقل فى الرباع على ثلاثة أقسام: بمعاوضة وفيها الشفعة باتفاق، وبغير معاوضة وهى على قسمين؛ اختيارية وغير اختيارية، فالاختيارية: الهبة والصدقة، وغير الاختيارية: الميراث، وقد حكى بعض أصحابنا باتفاق على أن لا شفعة فى الميراث، ¬

_ (¬1) أبو داود، ك البيوع، ب الشفعة رقم (3517)، الترمذى، ك الأحكام، ب ما جاء إذا حُدت الحدود ووقعت السهام فلا شفعة رقم 653 رقم (1370). (¬2) أبو داود، ك البيوع، ب الشفعة رقم (3518)، الترمذى، ك الأحكام، ب ما جاء فى الشفعة للغائب. (¬3) الترمذى، ك الأحكام، ب ما جاء أن الشريك شفيع 3/ 654 رقم (1371).

إِدْرِيسَ - حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِى كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءِ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وانفرد الخطابى فحكى عن مالك إثبات الشفعة فى الميراث، وهو قول شاذ لم يسمع إلا منه فيما أعلم، وأما الهبة والصدقة فى إثبات الشفعة ففيها قولان مشهوران بالإثبات لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشفعة فيما لم يقسم ". ولم يفرق بينها إلا مالك، ولأنها لنفى الضرر، والضرر لا يختلف باختلاف طرق الملك. ووجه نفيها قوله فى كتاب مسلم: " لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه " (¬1)، فكأنه أشار إلى أن ما تقدم فى صدر الحديث من إثبات الشفعة إنما يكون فى البيع لتركه المبيع فى آخر الحديث، ولو كان غير البيع كالبيع لقال: لا يحل أن يخرج ملكه. وقال بعض شيوخنا: قوله: " لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك ": فيه إشارة إلى وجوب الشفعة قبل البيع. وأما ما لا يقسم من العقار فهل فيه شفعة أم لا؟ فيه قولان عندنا بإثبات الشفعة لقوله - عليه السلام: " الشفعة فيما لم يقسم " (¬2)، وهذا لم يقسم، ولأن الضرر يلحق فى ذلك بسوء المعاشرة والدعاء إلى البيع، ووجه نفيها أن الشفعة فيما لم يقسم يشعر أن ذلك مما يحتمل القسم، ولأن من الضرر المعتبر الدعاء إلى المقاسمة وهى مفقودة هاهنا. [قال القاضى: قوله: " قضى بالشفعة فى كل شركة ما لم تقسم ": يدل أن الشفعة فيما تصح فيه القسمة، وما لا تصح فيه فلا يقال فيه: ما لم يقسم. وما يقسم نوعان: فيما ينقسم مما لا ينقل، وما يقسم بالعدد والوزن والكيل، وما فى معناه مما ينقل، كما جاء فى الحديث. وما لا ينقسم لا قسم فيه، ويحتج لنفى الشفعة فيه، قوله: " فيما لم يقسم " يشعر أن ذلك فيما يحتمل القسم، ويحتج لثبوتها فيه بقوله: " الشفعة فيما لم يقسم وهذا لم يقسم " أجمعوا على ذلك، واختلفوا فى ثبوتها فيما بيع بعد القسم، فأثبتها أبو حنيفة حتى إنه أثبتها للجار - على ما تقدم - ثم إذا اختصت مما ينقسم، فظاهر الحديث - سواء انقسم بالحدود ولا ينتقل كالعقار أو انقسم بعدد أو كيل أو وزن - يدل على تخصيصها بما ينقسم بالحدود؛ لأن الحكم إذا علق بصفة يدل على أن تلك الصفة هى علة الحكم عند كثير من الأصوليين، لاسيما وقد وقع الإجمال بقوله: " ربعة حائط "] (¬3). ¬

_ (¬1) مسلم فى المساقاة، حديث رقم (133). (¬2) أخرجه النسائى 7/ 321. (¬3) نقلت عبارة القاضى هذه من الأبى.

135 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشُّفْعَةُ فِى كُلِّ شِرْكٍ فِى أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ فَيَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ، فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى يؤذن شريكه، فإن رضى أخذوا، وإن كره تركه ": واختلف العلماء إذا أذن فى البيع وتسلم المبيع منه ثم بدا له، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه وعثمان البتى وابن أبى ليلى، أن ذلك له، وهو مذهب الشافعى. وقال الثورى والحكم وأبو عبيد: ليس ذلك له. ولأحمد فى ذلك القولان معاً. وحجة هؤلاء قوله: " وإن كره ترك، ويأخذه إن رضى، وما ترك لا يرجع فيه "، وحجتنا: أن الشفعة له حق، لم يجب له إلا بعد مضى البيع فحينئذ ينظر فيه، وليس ذلك الشىء أولاً بالذى يوجب إسقاط ما وجب له بعده. وقوله: " فإن أبى فشريكه أحق به ": ظاهره أنه أحق به إن وقع به التبايع من نقدٍ أو أجل، وهو قول مالك وأصحابه، وذهب أبو حنيفة والشافعى إلى أنه لا يشفع إلى أجل، ولكنه إن شاء شفع الآن فيأخذ بالنقد، وإن شاء صبر إلى الأجل، فيشفع به عند حلوله بالنقد. واختلف أصحابنا إذا لم يقم الشفيع إلا بعد حلول الأجل، هل يضرب له مثل ذلك الأجل أو يأخذ بالنقد؟ وقوله: " من كان له شريك ": عموم فى المسلم والذمى، وأن الشفعة بينهم وبين المسلمين [] (¬1). ¬

_ (¬1) بياض فى الأصل.

(29) باب غرز الخشب فى جدار الجار

(29) باب غرز الخشب فى جدار الجار 136 - (1609) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أن يَغْرِزَ خَشَبَةً فِى جِدَارِهِ ". قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَالِى أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللهِ، لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة فى جداره "، قال الإمام: اختلف المذهب عندنا، هل هذا النهى على الإلزام أم على الندب؟ فالمشهور عندنا أنه على الندب، والحث على حسن الجوار، وقيل: بل هو على الإلزام، وبين أهل الأصول اختلاف فى الأصل، قد تقدمت الإشارة إليه. وقد قال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون الضيعة من جداره عائداً على الجار، فكأنه قال: لا يمنع أحد جاره أن يغرز خشبة فى ملك نفسه، وهذا التحيل فى التأويل لئلا يكون فيه حجة على القول المشهور. قال القاضى: وبأنه على الإلزام قال الشافعى وأحمد، وبأنه على الندب قال الكوفيون. قوله: " خشبة ": رويناه فى غير الأم وغيرها بوجهين؛ بلفظ الإفراد، و" خشبه " بلفظ الجمع. قال عبد الغنى: كان الناس يقوله بالجمع إلا الطحاوى. وقال روح بن الفرج: سألت أبا زيد الحارث بن بكير ويونس وكلهم يقوله: " خشبة " بالإفراد. وقوله: " مالى أراكم عنها معرضين ": حجة للندب؛ لأن الصحابة - رضى الله عنهم - لا تعرض عن واجب، لكن لما فهموا الندب تساهلوا. قال الباجى: ويحتمل أن مذهب أبى هريرة الندب؛ إذ لو كان عنده للوجوب لوبخ الحكام على تركه، ولحكم به لأنه كان مستخلفاً بالمدينة. واختلف إذا احتاج الإذن بجداره لمنفعة له فيه أيحل له إزالته، أو حكم لزمه وإن كان لغير حاجة، بل لإرادة الضرر، فلم يختلف أن ليس له ذلك؛ لأنه لا يرجع فيما أبيح، إلا أن يكون أباحه عارية لأمد انقضى. وقوله: " لأرمين بها بين أكتافكم ": قال القاضى: " أكتافكم " هو بالتاء المثناة من

أَكْتَافِكُمْ. (...) حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فوق، والمعنى: أصرح بها لكم وأرجعكم بالتوبيخ على ترك ما رغب فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه بعض رواة الموطأ: " أكنافكم " بالنون، ومعناه: بينكم، والكنف: الجانب.

(30) باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها

(30) باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها 137 - (1610) حدّثنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ الله إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ". 138 - (...) حدثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمرو بْنِ نُفَيْلٍ؛ أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِى بَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين "، قال الإمام: كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد - رحمه الله - كتب إلى بعد فراقى له: هل وقع فى الشرع ما يدل على كون الأراضين سبعاً؟ فكتبت إليه قول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُن} (¬1)، وذكرت له هذا الحديث الذى رواه سعيد بن زيد وأبو هريرة وعائشة فى كتاب مسلم، فأعاد كتابه الذى يذكر فيه أن الآية محتملة: هل مثلهن فى الشكل والهيئة؟ أو مثلهن فى العدد؟ وأن الأخبار من أخبار الآحاد، والقرآن إذا احتمل، والأثر إذا لم يتواتر لم يصح القطع بذلك، والمسألة ليست من العمليات فيتمسك فيها بالظواهر وأخبار الآحاد، فأعدت إليه المجاوبة فاحتج لبعد الاحتمال عن الفراق، وبسطت القول فى ذلك، وترددت له فى آخر كتابى فى احتمال ما قال أو بقطع المجاوبة. قال القاضى: وقوله: " طوقه من سبع أرضين ": يحتمل ظاهر لفظه إليه مثله " من سبع أرضين ". قيل: هو من الطاقة، والمعنى: يكلف أن يطيق حمل مثله من سبع أرضين، كما قال تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬2)، ويشهد له قوله فى غير الأم: " جاء يحمله يوم القيامة إلى سبع أرضين "، وفى أخرى: " كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر ". وقيل: هو من الطوق. والمعنى: جعل مثله من سبع أرضين أطواقاً فى عنقه. وغير بعيد أن يطول عنقه لمثل ذلك، كما جاء فى غلظ جلد الكافر، وغلط ¬

_ (¬1) الطلاق: 12. (¬2) آل عمران: 161.

دَارِهِ، فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِى دَارِهَا. قَالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ، تَقُولُ: أَصَابَتْنِى دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ. فَبَيْنَمَا هِىَ تَمْشِى فِى الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِى الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا. 139 - (...) حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ. فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِى سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرسه، كما قال تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَة} (¬1)، ويشهد له حديث عائشة: " طوقه من سبع أرضين "، ويحتمل أن يريد أنه يلزم إثم ذلك كلزوم الطوق العنق. وقل: المعنى: خسف به ومثل الطوق منها. ويشهد له قوله فى الآخر: " إلى سبع أرضين " وفى البخارى: " خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين " (¬2). وقوله: " من سبع أرضين ": قال القاضى: الأراضون سبع طباق، وإنما الخلاف هل فتق بعضها من بعض؟ قال الداودى: الحديث يدل أنها لم تفتق؛ لأنها لو فتقت لم يطوق بما ينتفع به غيره. وجاء فى غلظهن وفيما بينهن خبر ليس بصحيح، واستدل به بعضهم على أن من ملك ظاهر الأرض يملك ما تحتها مما يقابله، فله منع من تصرف فيه أو يحفر. وقد اختلف العلماء فى هذا الأصل فيمن اشترى دارًا فوجد فيها كنزًا، أو وجد فى أرضه معدنًا، فقيل: له، وقيل: للمسلمين. ووجه الدليل من الحديث أنه غصب شبراً فعوقب بحمله من سبع أراضين، وكذلك يملك مقابل ذلك من الهواء يرفع فيه من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد. وتأول بعضهم الحديث على أن المراد بالسبع أراضين: السبعة أقاليم، وهو تأويل أبطله العلماء؛ لأنه لو كان المراد ذلك لم يطوقه من غصب شبرًا من إقليم شبراً من إقليم آخر، بخلاف طباق الأرض فإن من ملك شبراً من الأرض ملك تحته. ¬

_ (¬1) آل عمران: 180. (¬2) البخارى، ك المظالم، ب إثم من ظَلَم شيئًا من الأرض 3/ 170، وكذا فى بدء الخلق، ب ما جاء فى سبع أرضين 4/ 130.

رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقه إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ ". فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا. فَقَالَ: اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِى أَرْضِهَا. قَالَ: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بَيْنَا هِىَ تَمْشِى فِى أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِى حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ. 140 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ". 141 - (1611) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَأخذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلا طَوَّقَهُ اللهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 142 - (1612) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الْوَارِثِ - حَدَّثَنَا حَرْبٌ - وَهُوَ ابْنُ شَدَّادٍ - حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ فِى أَرْضٍ، وَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرضِينَ ". (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، أَخْبَرَنَا أَبَانٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ذكر مسلم فى آخر باب الشفعة حديثاً رواه يحيى بن أبى كثير عن محمد ابن إبراهيم؛ أن أبا سلمة حدثه: أن عائشة قالت: اجتنب الأرض - الحديث، ثم أردف عليه: نا إسحاق، نا حبان، نا أبان، نا يحيى بن محمد بن إبراهيم، حدثه - فذكر الحديث. وفى نسخة ابن ماهان؛ نا أبان، نا يحيى بن آدم، أن محمد بن إبراهيم حدثه. قال بعضهم: وهذا خطأ، وإنما هو يحيى بن أبى كثير المذكور فى الحديث الأول لا يحيى بن آدم.

(31) باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

(31) باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه 143 - (1613) حدّثنى أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِى الطَّرِيقِ، جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعِ أَذْرُعٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا اختلفتم فى الطريق جعل عرضه سبعة أذرع "، قال القاضى: قال الخطابى: هذا حديث معمول به عند العلماء وذلك بشرطين: أن يبقى لكل من الشركاء بعد ذلك ما ينتفع به دون مضرة. وأما أن يبقى لأحدهم ما لا ينتفع به فغير داخل فى ذلك. قال غيره: وهذا فى أصحاب الأفنية إذا أرادوا البنيان أن يجعلوها سبعة أذرع؛ قدر ممر الأحمال وتلاقيها. قال القاضى: وهذا كله عند التشاجر والاختلاف لما نص عليه فى الحديث، وأما إذا اتفق أهل الأرض عند قسمها على طريق لم يعرض لهم لأنها ملكهم، وقيل: الحديث جاء فى أمهات الطرق، وأما بنيات الطرق فاتفقوا عليه جاز وإن قل، فإن أراد هذا القائل بأمهات الطرق إلى قريتهم التى يقسمونها فهو ما قلناه: إنه مما يتراضون عليه، إلا أن يقال: إن هذا التراضى فى أمهات الطرق مما يضر بجميعهم فيحد لهم ما فيه مصلحتهم. وإن أراد بأمهات الطرق العامة للمسلمين فى أرض لهم، أرادوا بناءها فألزم أن يخرجوا للمسلمين ما ذكر فى الحديث قبل. وهذا فى القرى والمدن، وأما الفيافى وخارج المدن فيجب أن تكون الطرق فيها أوسع لمجرى الجيوش ومسارح الأنعام. وقد جاء فى ذلك آثار نحو هذا - والله أعلم. قال الإمام: لم يأخذ مالك وأصحابه بهذا الحديث، ورأوا أن الطرق تختلف بحسب الحاجة إلى سعتها بقدر اختلاف أحوالها، وأن ذلك معلوم بالغالب، وليس طريق الممر كطريق الأحمال والدواب، وليس المواضع العامرة التى يتزاحم عليها الوارد كغيرها، ولعل الحديث عنده ورد فيما كانت الكفاية فيه بهذا القدر، وتنبيها على الوسط والغالب. قال: وذكر مسلم فى سند هذا الحديث: عن خالد الحذاء، عن يوسف بن عبد الله، عن أبيه، [وعند ابن ماهان: سفيان بن عبد الله (¬1)]، وهو تصحيف، إنما هو يوسف بن عبد الله وهو يوسف بن عبد الله بن الحارث بن أخت ابن سيرين. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش بسهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال البخارى: يوسف بن عبد الله بن الحارث ابن أخت ابن سيرين، سمع أباه، روى عنه خالد الحذاء، وعاصم الأحول وغيرهما. قال غيره: وهو يوسف ابن أخت ابن سيرين، نسب إلى ابن سيرين وأمه كريمة بنت سيرين (¬1). ¬

_ (¬1) اللوحة " 240 " أكثرها مطموس أو بياض فى الأصل، وقد تم نقل كثير من أجزائها من المعلم، وكتاب الأبى " إكمال الإكمال ".

23 - كتاب الفرائض

بسم الله الرحمن الرحيم 23 - كتاب الفرائض 1 - (1614) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. كتاب الفرائض قوله: " لا يرث المسلم الكافر، ولا [يرث] (¬1) الكافر المسلم ": مفهومه الذى اتفق عليه المسلمون: أن المراد به أنهما لا يتوارثان ميراث أهل الإسلام بعضهم من بعض (¬2) وعلى حكمهم، بخلاف لو كان الكافر عبد المسلم فمات فماله للمسلم ليس بحجة التوارث، بل لأنه ماله؛ لأن مال عبدِه مالُه، إن شاء تركه بيده وإن قبضه وانتزعه عنه، فإذا مات العبد بقى لسيد المال العبد، ولو أعتق ثم مات على كفره لم يرثه، وكان ميراثه لجماعة المسلمين. ولا خلاف فى هذه الجملة إلا ما أجازه بعض السلف من ميراث المسلم الكافر، وهو قول النخعى وإسحاق (¬3) بخلاف الكافر من المسلم، وكان هذا الحديث لم يبلغهم. قال الإمام - رحمه الله -: أما ميراث الكافر من المسلم، فالإجماع قد انعقد عليه، وأما ميراث المسلم من الكافر فمسألة اختلاف، ولها أورد مالك الحديث فى الموطأ مختصراً تنبيهًا على موضع الخلاف، فقال: " لا يرث المسلم الكافر " (¬4). ولم يزد على هذا اتفاق الجمهور من العلماء: " لا يرث المسلم الكافر "؛ أخذًا بهذا الحديث، وبه قال عمر وعلى وزيد وابن مسعود وابن عباس وجمهور التابعين - رضى الله عنهم - بالحجاز والعراق. من الفقهاء: مالك والشافعى وأبو حنيفة وداود وابن حنبل وعامة العلماء (¬5). وقال بتوريث المسلم من الكافر: معاذ ومعاوية وابن المسيب ومسروق (¬6) وغيرهم (¬7)، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) انظر: الاستذكار 15/ 494. (¬3) انظر: الحاوى 8/ 78. (¬4) الموطأ، ك الفرائض، ب ميراث أهل الملل 2/ 519 (10). (¬5) الاستذكار 15/ 492، الحاوى 8/ 81. (¬6) الاستذكار 15/ 491. (¬7) كمحمد بن على بن الحنفية، ومحمد بن على بن حسين، ويحيى بن عمرو، ورواية عن إسحاق بن راهويه. انظر: السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى عن أبى الدرداء والشعبى والزهرى والنخعى نحوه على اختلاف عنهم فى ذلك، والصحيح عن هؤلاء خلافه، وحجة هؤلاء أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر مسلمًا ويهوديًا فى ميراث أخ يهودى، فورّث المسلم، وذكر أن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإسلام يزيد ولا ينقص " (¬1)، واحتجوا أيضًا بقوله - عليه السلام -: " يعلو ولا يعلى عليه " (¬2)، وهذا لا حجة فيه؛ لأن المراد به فضل الإسلام على غيره، ولم يصرح فى هذا بإثبات التوريث، ولا يصح أن يرد النص فى قوله: " لا يرث المسلم الكافر " بمثل هذه الاحتمالات. وأما أهل الكفر فهم عند مالك - رحمه الله - أصحاب ملل مختلفة، فلا يرث اليهودى النصرانى ولا النصرانى اليهودى، وكذلك المجوسى لا يرث هذين ولا يرثانه، وذهب الشافعى وأبو حنيفة وداود إلى أن الكفر ملة واحدة (¬3)، وأن الكفار كلهم يتوارثون، والكافر يرث الكافر على أى كفر كان، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتوارث أهل ملتين " (¬4). فلما اعتقد مالك أن أنواع الكفر ملل مختلفة منع التوارث بين اليهودى والنصرانى، وقد قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (¬5). ولما اعتقد الشافعى ومن ذكرنا معه أن أنواع الكفر ملة واحدة، ورث اليهودى من النصرانى، والنصرانى من اليهودى، وقد قال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (¬6)، فوحد الملة، وقال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (¬7)، فوحد الدين ولم يقل: أديانكم، وقالوا: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتوارث أهل ملتين " كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر من المسلم "، وقد قال بعض من رأى أن الكفر ملل مختلفة: إن السامرية مع اليهود أهل ملة واحدة والصالحين مع النصارى أهل ملة ثانية، والمجوس ومن لا كتاب له أهل ملة، وتكون هذه عندهم ثلاث ملل سوى ملة الإسلام. يحكى هذا المذهب عن شريح وشريك وابن أبى ليلى (¬8). ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الفرائض، ب هل يرث المسلم الكافر 2/ 113. (¬2) البخارى، ك الجنائز، ب إذا أسلم الصبى فمات هل يصلى عليه 3/ 218. (¬3) قول مالك والشافعى. انظر: الحاوى 8/ 79، الاستذكار 15/ 494. (¬4) أبو داود، ك الفرائض، ب هل يرث المسلم الكافر بلفظ: " لا يتوارث أهل ملتين شتى " 2/ 113، الترمذى، ك الفرائض، ب لا يتوارث أهل ملتين 4/ 424، ابن ماجه، ك الفرائض، ب ميراث أهل الإسلام من الشرك 2/ 912، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إلا الترمذى عن جابر، وقال: لا نعرفه من حديث جابر إلا من حديث ابن أبى ليلى. (¬5) المائدة: 48. (¬6) البقرة: 120. (¬7) الكافرون: 6. (¬8) انظر: الاستذكار 15/ 495.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله -: وقوله: " لا يرث المسلم الكافر " عموم، فيدخل فيه الكافر الأصلى والمرتد، وهو قول مالك وربيعة وابن أبى ليلى والشافعى؛ أن ميراث المرتد لجماعة المسلمين، وذهب الكوفيون والأوزاعى وإسحاق إلى أن ورثته من المسلمين يرثونه، وروى عن على وابن مسعود وجماعة من السلف إلّا الثورى وأبا حنيفة قال: ما اكتسب من ردته فهو فىء للمسلمين، والآخرون يرون الجميع لورثته من المسلمين.

(1) باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى رجل ذكر

(1) باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأوْلى رجل ذكر 2 - (1615) حدّثنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ - وَهُوَ النَّرْسِىُّ - حَدَّثَنَا وهَيْبٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِىَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ". 3 - (...) حدّثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر ": كذا رواية كافة شيوخنا فى هذا الحديث: " فالأولى " بسكون الواو وفتح اللام الآخرة، ووقع عند ابن الحذاء عن ابن ماهان: " فلأدنى رجل ذكر " وهر تفسير " أولى "، أى أقرب وأقعد بالميت. قال الإمام - رحمه الله -: العصبة بينه وبين الميت نسب يَحُوز المال إذا انفرد، ويرث ما فضل معاً إن لم ينفرد كالأخ والعم، فإن كل واحد منهما يحوز المال إذا انفرد وإن كان مع ذوى سهام أخذ ما فضل، والأب والجد كذلك إلّا أنهما يفرض لهما مع ذوى السهام لمعنى فيهما غير التعصيب. والتعصيب يكون بالبنوة والأبوة والجدودة، فتعصيب البنوة أولاً جاء ثم تعصيب الأبوة ثم تعصيب الجدودة، فالابن أولى من الأب، لكن الأب يفرض له السدس بمعنى غير التعصيب، وهو أيضاً أولى من الأخوة وبنيهم؛ لأنهم إنما ينتسبون بالمشاركة فى الأبوة، وقد قدمنا أن تعصيب البنوة أولى فكذلك أيضاً يقدمون على العمومة؛ لأن تعصيب العمومة بالمشاركة فى الجدودة والبنوة أولى. والبنوة أولى من الأخوة ومن الجد؛ لأنهم به ينتسبون فيسقطون مع وجوده، والجد أولى من بنى الأخوة؛ لأنه كالأب معهم، ومن العمومة؛ لأنهم به ينتسبون. والأخوة وبنوهم أولى من العمومة وبنيهم؛ لأن تعصيب الأخوة بالأبوة والعمومة بالجدودة، وقد قدمنا أن الأبوة أولاً. هذا ترتيبهم فى الطبقات وإن اختلفوا، وهم فى طبقة واحدة من الطبقات التى ذكرنا، وهم مختلفون فى القرب؛ فالأقرب أولى كالأخوة مع بنيهم؛ لأنهم كلهم ينتسبون بالمشاركة فى الأبوة، ولكن مشاركة الأخوة أقرب من مشاركة بنيهم، وكذلك العمومة مع بنيهم، وإن تساووا فى الطبقة والقرب ولأخوهم زياده ترجيح قدم الأخ؛ كالأخ الشقيق مع

" أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا تَرَكَتِ الفَرَائِضُ فَلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ". 4 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخ للأب ذاتهما، وإن استوت طبقاتهما ومشاركتهما فى الأب الذى يقع به التعصيب فالشقيق زيادة قربهم بمشاركته فى الأم والرحم، فكان أولى، وهكذا يجرى الأمر فى بنيهم وفى العمومة وبنيهم. وهذا إذا كان الترجيح بمعنى مناسب بجهة التعصيب مثل ما قلنا فى الأخ الشقيق مع الأخ للأب، فإن الإجماع على أن الشقيق أولى بالميراث من الأخ لأب؛ لأنهما اشتركا فى الأخوة من الأب والأم بالشقيق أخوه من الأم فهى أخوّة كلها فكأنها أخوة أقوى من أخوة؛ فلهذا قدم الشقيق باتفاق. وإن كان زيادة الترجيح بمعنى غير ما هما فيه كما بين عم أحدهما أخ لأم فإنها مسألة اختلاف، فقال: يكون بالترجيح هنا قياساً على ما تقدم فى الأخ الشقيق مع الأخ للأب، وحكموا بالمال كله لابن العم الذى هو أخ لأم، السدس بالفرض والباقى (¬1) بالتعصيب. وروى ذلك عن عمر وابن مسعود، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين والنخعى وأبو ثور وداود والطبرى، ولم يثبت آخرون بذلك ترجيحاً فى التعصيب، وحكموا بأن للأخ للأم السدس والباقى يقسم نصفين بينه وبين العم الآخر، روى ذلك عن على وزيد وابن عباس، وذكر عن عمر ما يدل عليه، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعى وجمهور الفقهاء، والفرق على أهل هؤلاء بين الأخ الشقيق والأخ للأب وبين هذه المسألة ما قدمناه من التنبيه على طريق الترجيح (¬2). وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلأولى رجل ذكر ": المراد بأولى هاهنا: أقرب، ولا يراد به: أحق، مثل ما يراد بقولهم: زيد أولى بماله؛ لأنه لو حمل على هذا الخلاء من المكايدة المرادة به؛ لأنه لا يعلم من هذا أن يكون أحق وهو المراد ببابه، وهما أولى الناس بالسؤال عن مثل قوله هاهنا: " فلأولى رجل ذكر "، وقوله فى حديث الزكاة: " لابن لبون ذكر " (¬3) والتأكيد إنما يحسن إذا كان مقدماً. ومعلوم أن الرجل لا يكون إلّا ذكراً، كما أن المرأة لا تكون إلّا أنثى، فلِمَ حَسُن ¬

_ (¬1) قيد قبلها بالفرض. (¬2) انظر: الاستذكار 15/ 482. (¬3) ابن ماجه، ك الزكاة، ب صدقة الإبل 1/ 574.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَبُو كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ وُهَيْبٍ وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هاهنا وصف الرجل بأنه ذكر، مع العلم بأنه لا يكون إلا كذلك؟ وقد أجاب بعض الناس عن حديث الزكاة بأن الابن قد يوضع موضع الولد، ألا تراهم يقولون: بنو تميم، يريدون الأنثى منهم والذكر، وإذا أمكن أن يوضع " ابن " موضع " ولد " وكان الولد ينطلق على الذكر والأنثى، حَسُن التأكيد هاهنا؛ لئلا يظن أنه أطلق الابن على الذكر والأنثى. ورأيت بعض الناس زعم: إنما قال: " ابن لبون ذكر " لوجود خنثى فى الأولاد اللبون وفى غيرها من الإنسان، فقيل بالذكورية لتسير إلى منع أحد الخنثى. وهذان الجوابان لا يتلقاهما الفهم بالقبول، والذى يلوح لى فى ذلك جواب ينتظم الحديثين جميعًا وهو: أن قاعدة الشرع قد استقرت على أن الانتقال من سن إلى أعلى منه إنما يكون عند الانتقال من عدد إلى أكثر منه، فالعدد الكثير أحمل للمواساة، فإذا زاد العدد زاد قدر المخرج، ولهذا كانت فى الخمسة والعشرين بنت مخاض، وفى الست والثلاثين بنت لبون التى هى السن من البنت مخاض، وفى الستة والأربعين بما هو أسن وهى الحقة، فلما استقر الأمر على هذا وجعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الخمسة وعشرين وهو عدد واحد سناً، وأعلى منه وهى بنت مخاض، وأعلى منها وهو ابن لبون، توقع أن يهجس فى النفوس أن ذلك خارج عما أصل، فنبه على أن المخرج عن العدد الواحد من أنهما كالسن الواحد؛ لأن ابن لبون وان كان أعلى سناً فهو أدنى قدرًا لأجل الذكورية، فنبه بقوله: " ذكر " على أن ذلك يبخسه حتى يصير كبنت مخاض التى هى أصغر سنًا لكنها أنثى، وكذلك لما علم أن الرجال أرباب القيام بالأمور وفيهم معنى التعصيب، وكانت العرب ترى لهم القيام بأمور لا نراها للنساء، ذكر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذكورية ليجعلها كالعلة التى لأجلها خص بذلك، لكنه ذكرها هاهنا تنبيهاً على الفضل، وفى الزكاة تنبيهاً على النقص.

(2) باب ميراث الكلالة

(2) باب ميراث الكلالة 5 - (1616) حدّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَرِضْتُ فَأَتَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، يَعُودَانِى، مَاشِيَانِ، فَأُغْمِىَ عَلَىَّ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَبَّ عَلَىَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَأَفَقْتُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَقْضِى فِى مَالِى؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ شَيْئاً، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} (¬1). 6 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: عَادَنِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله -: قول جابر: " مرضت فأتانى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر - رضى الله عنه - يعودانى ": ما استن فيه سنة العيادة واحتساب الخطا بالمشى وإن بعد المنزل لفضل الثواب والأخذ بما ورد أن عائد المريض فى مخارف الجنة. وقوله: " فوجدنى قد أغمى علىّ، فتوضأ - عليه السلام - ثم صبّ علىّ من وضوئه فأفقت ": فيه بركته - عليه السلام - وكرامته فيما لمسه أو باشره أو دعى فيه، وفيه عيادة المغمى عليه وقد فقد عقله إذا كان معه مَنْ يراعى أمره؛ لئلا يوافق منكشفاً أو بحالة يكره كشفها. وقد قيل: أما الرجل الصالح المحتسب لأجره ومَنْ ترجى بركة دعوته فله ذلك، وإلا فيكره لغيره إلّا أن يكون للمريض مَنْ يرعى حاله كما تقدم. وقوله: " فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع فى مالى؟ فلم يرد علىّ شيئاً حتى نزلت آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} "، وفى الأخرى: " إنما يرثنى كلالة "، وفى الحديث الآخر: " فنزلت آية الفرائض "، وفى الحديث الآخر: " فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} (¬2) "، وفى الأخرى: " آية المواريث ": فيه جواز الوصية للمريض وإن بلغ هذا الحد وفارقه فى بعض الأحيان عقله، إذا كان فى وقت وصيته يعقل؛ لأن الله تعالى أنزل فى هذه الآية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (¬3)، وفيه انتظاره - عليه السلام - الوحى فيما ينزل به من النوازل، وفيه دلالة على أنه لا يعدل إلى الاجتهاد ¬

_ (¬1) النساء: 176. (¬2) النساء: 11. (¬3) النساء: 12.

وَأَبُو بَكْرٍ فِى بَنِى سَلِمَةَ يَمْشِيَانِ، فَوَجَدَنِى لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَشَّ عَلَىَّ مِنْهُ، فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: كيفَ أَصْنَعُ فِى مَالِى يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن} (¬1). 7 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: عَادَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَرِيضٌ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، مَاشِيَيْنِ، فَوَجَدَنِى قَدْ أُغْمِىَ عَلَىَّ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَبَّ عَلَىَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ فِى مَالِى؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ شَيْئًا، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. 8 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يقُولُ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ، فَصَّبُوا عَلَىَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلْتُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا يَرِثُنِى كَلَالَةٌ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ}؟ قَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، كَلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، فِى حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. وفى حَدِيث النَّضْرِ وَالعَقِدىِّ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرْضِ وَلَيْسَ فِى رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: قَوْلُ شُعْبَةَ لاِبْنِ الْمُنْكَدِرِ. 9 - (1617) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنظر إلا عند عدم النصوص إن قلنا بتجويز الاجتهاد من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2)، وهى مسألة اختلف فيها. ¬

_ (¬1) النساء: 11 (¬2) راجع: الاجتهاد لعبد القادر أبو العلاص 205، والمحصول 2/ 3 ص 7.

لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَالِمٍ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. فَذَكَرَ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّى لَا أَدَعُ بَعْدِى شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِى مِنَ الْكَلَالَةِ، مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى شَىءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِى الْكَلَالَةِ، وَمَا أَغْلَظَ لِى فِى شَىءٍ مَا أَغْلَظَ لِى فِيهِ، حَتَّى طَعَنَ بإِصْبَعِهِ فِى صَدْرِى. وَقَالَ: " يَا عُمَرُ، أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عمر: إنى لا أدع بعدى شيئًا أهم عندى من الكلالة ما راجعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شىء ما راجعته فى الكلالة، وما أغلظ لى فى شىء ما أغلظ لى فيه حتى طعن بإصبعه فى صدرى، وقال: " يا عمر، ألا يكفيك آية الصيف التى فى آخر النساء؟ " وإنى إن أعش أقضى فيها بقضية يقضى بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن. وعند البراء: آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} (¬1). ومعنى آية الصيف: أي التى نزلت فى زمن الصيف. قال الإمام - رحمه الله تعالى -: اختلف الناس فى اشتقاق الكلالة، فقيل: أخذت من الإحاطة، ومنه: الإكليل؛ لإحاطته بالرأس. فكان هذا الميت به من جنابة، وقيل: أخذت من البعد والانقطاع من قولهم: الرحم إذا تباعدت فطال انتسابها، ومنه: كلَّ فى مشيه: إذا انقطع لبعد مسافته. واختلف العلماء بعد هذا الاشتقاق فى هذا المعنى إذا وضع، هل لنفس الوراثة إذا لم يكن فيها ولد ولا والد، فيكون نصب " كلالة " على موضع المصدر، كأنه قال: يورث وراثة يقال لها: كلالة، كما يقال: يقتل غيلة، ذهب إلى هذا طائفة (¬2). وقالت طائفة أخرى (¬3): بل هى تسمية للميت الذى لا ولد له ولا والد، واستوى فيه الذكر والأنثى، كما يقال: صرورة فيمن لم يحج (¬4)، ذكرًا كان أو أنثى، وعقيم للرجل والمرأة، فينتصب " كلالة " على أصل هؤلاء على الحال، أى يورث فى حال كونه كذا. وقد روى عن أبى بكر وعمر وعلى وزيد وابن عباس وابن مسعود: الكلالة من لا ولد له ولا والد (¬5). وقالت طائفة أخرى: بل هى تسمية للورثة الذين لا ورثة فيهم ولا والد، ¬

_ (¬1) النساء: 176. (¬2) الاستذكار 15/ 460. وقال ابن عبد البر: وعليه جماعة التابعين بالحجاز والعراق وجماعة الفقهاء. (¬3) قال ابن عبد البر: وروى أبو إسحاق السبيعى عن سلمان بن عبد السلولى قال: أجمع الناس أن الكلالة من لا ولد له ولا والد. انظر: السابق. (¬4) ورد فى اللسان: صرورة بمعنى: الرجل لم يحج، وهكذا أطلق فى الجاهلية. (¬5) انظر: ابن كثير 2/ 201، القرطبى 5/ 77.

فِى آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟ " وَإِنِّى إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ، يَقْضِى بِهَا مَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ واحتجوا بقول جابر: " يا رسول الله، إنما يرثنى كلالة " (¬1) وكان أبوه قتل يوم أحد. واحتجوا بقراءة من قرأ من الشواذ: " يورث " بكسر الراء، وشددها بعضهم. وقالت طائفة أخرى: الكلالة تسمية للمال الموروث كلالة (¬2) وينتصب " كلالة " على أصل هؤلاء على التمييز. وذهبت الشيعة أن الكلالة من لا ولد له ذكراً أو أنثى وإن كان له أب أو جد فورثوا الأخوة والأخوات مع الأب، وروى ذلك عن ابن عباس، وهى رواية شاذة لا تصح عنه والصحيح عنه ما عليه جماعة العلماء. وذكر بعض الناس الإجماع على أن الكلالة من لا والد له ولا ولد. واختلف فى الورثة إذا كان فيهم جد، هل الوراثة كلالة أم لا؟ فمَنْ جعل الجد أبًا منع كون الوراثة كلالة، ومَنْ لم يجعله أبًا وورث الأخوة معه جعل الوراثة كلالة. وكذلك قال جمهور العلماء إذا كان فى الوراثة بنت، فالوراثة كلالة لدخول العصبة معها من الأخوات والأخوة وغيرهم من العصبة، وقد قال ابن عباس: لا ترث الأخت شيئًا مع الابنة لقوله عز وجل: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ}، فشرط عدم الولد، وبه قال داود. ومذهب الشيعة: أن الابنة تمنع من كون الوراثة كلالة؛ لأنهم لا يورثون الأخ والأخت مع الابنة شيئًا لاشتراط عدم الولد فى ميراث الأخوة كما ذكر فى الآية، ويعطون المال كله للبنت، ويجعلون الوراثة كلالة وإن كان فيها أب أو جد. ومجمل الشرط المذكور فى القرآن على أنه لا يثبت فرض النصف الذى تعامل به الورثة إلا بقدم الولد، فإنما دخل الشرط لذلك لا لنفى التوريث أصلاً، وقد شرط الله - سبحانه - أنه فى ميراث الأخ من أخته عدم الولد كما شرطه فى ميراث الأخت. وأجمع الصحابة - رضى الله عنهم - أن الأخ يرثها مع البنت، فدل ذلك على صحة ما تأولناه. وإنما غر الشيعة - حتى ذهبت إلى أَنَّ الكلالة من لا ولد له وإن كان له أب وورثت الأخوة من الأب - قوله سبحانه: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَد} (¬3)، فشرط فى ميراث الأخوة عدم الولد خاصة، فلو كان الأب كذلك لاشترطه، وقد رأيت رجلاً سأل ابن عباس عن الكلالة، فقال: من لا ولد له ولا والد. فقال السائل: فإن الله - سبحانه - إنما انتهى إلى ذكر ¬

_ (¬1) حديث (8) بالباب. (¬2) انظر: القرطبى 5/ 77، ابن كثير 2/ 201. (¬3) النساء: 176.

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ الولد. قال: فانتهرنى. وهذا يصحح ما قلناه من بطلان تلك الرواية الشاذة عنه. وقد قال بعض الناس: إنما لم يذكر عدم الولد - وإن كان وجوده يمنع من كون الوراثة كلالة - لأن الآية نزلت فى جابر وقد كان أبوه قُتل يوم أحد، وإنما كان ورثته سبع أخوات، فاكتفى بإشهاد عدم أبيه عند سائر الصحابة عن اشتراط ذلك. وقال آخرون: فإن الولد إشارة إلى الوالد - أيضاً - لأن الولادة معنى يتضمن اثنين أبًا وولدًا، قالوا: كما أصل الذرية من: ذرى الله الخلق إلى خلقهم، والولد من الذرية، والوالد كذلك، قال الله سبحانه: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} (¬1). قال الإمام - رحمه الله -: وهذا تأويل بعيد، وفيه تعسف. والذى يظهر لى فى الجواب عن هذا: أن الأب إنما لم يذكر ها هنا: لأنّا قدمنا أن القصد باشتراط عدم الولد نفى الغرض المسمى الذى يقع فيه تعادل الأخت مع الورثة لا نفى التوريث على الجملة؛ لأنا قدمنا أن الصحابة - رضى الله عنهم - سوى ابن عباس - ورثوا الأخت مع البنت، وحكينا - أيضاً - اتفاقهم على توريث الأخ مع البنت. وإذا كان ذلك كذلك فلا يجب ذكر عدم الأب؛ لأن الأب ينتفى معه ميراث الأخوة إلّا على وجه دون وجه، وإنما القصد بالاشتراط التجوز من أحد الوجهين الذى يفارق فيه الأب الولد؛ فلهذا ذكر الولد دون الوالد مع أنه - أيضاً - يمكن وضوح حكم الأب عندهم؛ لأنه قد استقر عندهم فى أصول الفرائض: أن مَنْ تسبب بشخص لا يرث معه كالجدة مع الأم، والجد مع الأب، وابن الابن مع الابن، والأخوة يتسببون بالأب فلا يشكل سقوطهم معه، وليس كذلك سقوطهم مع الولد؛ لأنهم لا يتسببون به، ولو ورثوا معه لم يكن فى ذلك مناقضة لأصول الفرائض، كيف وهم يرثون معه إذا كان الولد أنثى ولا يرثون مع الأب بحال، واكتفى عن اشتراط عدم الوالد لما قلناه. وقد ذكرنا إجماع السلف على اشتراطه، إلا ما روى عن ابن عباس مما لا يصح عنه - والله أعلم. وأما وجه مراجعة عمر - رضى الله عنه - للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإجابته على آية الصيف، فلأنه قد نزلت آية الكلالة المذكورة فى أول السورة، وذكر من الورثة الأخوة للأم خاصة، والإجماع على أن ذلك الفرض المذكور فيها على تلك الصفة ليس إلّا الأخوة للأم، وبقى الإشكال فيمن سواهم، فزاد البارى - جلّ جلاله - بياناً بالآية الأخيرة من هذه السورة، فذكر - سبحانه - عقيب الكلالة الأخوة جملة، والمراد بهم الأشقاء أو من الأب، ¬

_ (¬1) الإسراء: 3.

عَرُوبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ رَافِعٍ، عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ شُعْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فاستوفت الآيتان بيان حكم جميع الأخوة، وجميعهم كلالة إذا لم يكن والد ولا ولد، فاحال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر - رضى الله عنه - على الآية الأخيرة لزيادة البيان الذى تضمنته على الأولى، وكان ما وقع من زيادة البيان ونزول بيان بعد بيان، يهدى عمر إلى حقيقة الأمر والمعنى والمراد، وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثقه بفهمه، وأنه إذا أشير إليه بهذه الزيادة من البيان فهم معنى ما أشكل عليه. وقد يطرأ الإشكال من جهة أخرى ولا يكون هو معنى ما سأل عنه عمر - رضى الله عنه - مثل دخول الجد فى ذلك، وقد قدمنا تخريجه على الخلاف بهذا القدر الذى يتعلق بها فى كتاب مسلم. قال القاضى - رحمه الله -: قوله: وإن أعش أقض فيها بقضية ... الحديث، ظاهره أنه من كلام عمر. وقوله: " يقضى بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن " يعنى - والله أعلم - من بيانها، وأيضاً حتى يقضى بها من فهمها من كتاب الله وبان له فقهها وغيرهم ممن لا يتفقه، ولكنه اتضح له وجه صوابها لظهوره أو لاشتهار القضاء بها وإجماع الناس عليه. وقد روى عن عمر فى الكلالة روايات مختلفة، فتارة كان لا يجعل الوالد كلالة، وتارة كان يجعله كلالة. ورد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر إلى آية الصيف، ومعلوم أن عمر - رضى الله عنه - لا يخفى عليه معنى اللفظة من طريق اللغة - دليل على أن مقتضى اللفظة من جهة الشرع غير مفهوم بجملته عن طريق اللغة، فوكله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى استنباطه. ففيه دليل على تفويض الأحكام إلى أهل الاستنباط والمجتهدين، كما فوّض الجواب - عليه السلام - إلى عمر - رضى الله عنه - ووكله إلى استنباطه، وفيه رد على من يمنع استنباط معانى القرآن والكلام فى تأويله واستخراج حكمه وأحكامه لظاهر النهى عن القول فى القرآن بالنهى لرأى، ولما ورد أنه مخطئ وإن أصاب. وتأويل هذا عند العلماء فى القائل فيه بيانه على غير أصل ومن ليس من آل العلم بالاستنباط. ولم يختلف العلماء أن المراد بالأخوة - فى الآية التى فى أول النساء - أنهم من أم فقط. وفى قراءة سعد - رضى الله عنه -: " وله أخ أو أخت من أم "، وأن المراد بالأخوة فى الآية الأخيرة أنهم من أب وأم، أو أب فقط أفاد عدم الشقائق.

(3) باب آخر آية أنزلت آية الكلالة

(3) باب آخر آية أنزلت آية الكلالة 10 - (1618) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} (¬1). 11 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَن أَبِى إِسْحَاقَ قَالا: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ آيَةُ الكَلالَةِ، وَآخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ: بَرَاءةٌ ". 12 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ - حَدَّثَنَا زَكَرَيَّاءُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ؛ أَنَّ آخِرَ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ تَامَّةً سُورَةُ التَّوْبَةِ، وَأَنَّ آخِرَ آيَةٍ أُنْزِلَتْ آيَةُ الْكَلَالَةِ. (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ آدَمَ - حَدَّثَنَا عَمَّارٌ - وَهُوَ ابْنُ رُزَيْقٍ - عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ كَامِلَةً. 13 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِى السَّفَرِ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى هذا الحديث " مالك بن مِغْول " بكسر الميم وسكون الغين على " أبى السَّفْر " بفتح السين وسكون الفاء، وقيل: بفتحها وهو الأكثر عند المحدثين، وبالوجهين ضبطه الشيوخ، وأكثر ما قيدناه عن شيوخنا بالسكون، وعن بعضهم بالفتح، وهو الذى قيده الجيانى، وبذلك قيده ابن ماكولا، وعبد الغنى. قال الباجى: معظم قرائنا فيه بإسكان الفاء. وقال الدارقطنى: بفتح الفاء، على ما يقوله أصحاب الحديث. وقد فرّق بين المضبطين أصحاب المؤتلف فذكروا السكون فى الأسماء والفتح فى الكنية. قال الإمام - رحمه الله تعالى -: رأيت أن أملى تلخيصاً فى الفرائض يستقل به الفقيه إن اقتصر عليه، ونذرت فى التصرف فيه إغناءه عن جمع مسائل الفرائض المستفتى ¬

_ (¬1) النساء: 176.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها، وقد حفظته لجماعة ورويتهم عليه بلفظ المسائل، فالتفوا عن مطالعة الكتب. فاعلم أن الوارثين من الرجال: الأب وأبوه وإن علا، والابن وابنه وإن سفل، والأخ من أى جهة كان وابنه وإن سفل، سوى العم أخى الأب من الأب وولده، والزوج، ومولى النعمة. ومن النساء: الأم وأمها، وأم الأب وإن عليا، والبنت وبنت الابن وإن سفلت، والأخت من أى جهة كانت، والزوجة، ومولاة النعمة. والفروض ستة: ثلثان ونصفها وربعها، والنصف ونصفه وربعه. فالثلثان فرض أربعة أصناف: اثنتان فصاعدًا من بنات الصلب، أو من بنات الابن، أو من الأخوات الشقائق، أو من الأخوات للأب. والثلث فرض صنفين: الأم مع عدم الولد والأخوة وفرض الاثنين فصاعداً من ولد الأم ما كانوا. والسدس فرض سبعة: كل واحد من الأبوين مع الولد وولد الابن، وأحد فروض الجد، وفرض الجدة أو الجدات إذا اجتمعن، وفرض الأم، والواحد من أولاد الأم ما كان، وفرض بنات الابن مع بنت الصلب، وفرض الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة. والنصف فرض الزوج، وفرض واحد من أصحاب الثلثين. والربع فرض الزوج مع وجود الحاجب، وفرض الزوجة أو الزوجات مع عدمه. والثمن فرض الزوجة أو الزوجات مع وجوده. والحجب على ضربين: نقص وإسقاط. فأما النقص: فالولد وولد الابن يردان الأبوين والجد إلى السدس، إلا أن الأب والجد يرثان ما بقى بالتعصيب، ويردان الزوج إلى الربع والزوجات إلى الثمن. واثنان من الأخوة فصاعدًا يردان الأم إلى السدس، وتعطى ثلث ما بقى فى مسألتين: أبوان مع زوج أو زوجة. وابنة الصلب ترد بنت الابن إلى السدس، وكذلك الأخت الشقيقة ترد الأخت للأب إلى السدس. وأما حجب الإسقاط: فاثنتان من بنات الصلب تسقطان بنات الابن إلّا أن يكون مع بنات الابن ذكر فى درجتهن أو تحتهن فيرد عليهن، وكذلك الشقيقتان يسقطان الأخوات للأب، إلّا أن يكون مع الأخوات للأب ذكر فى درجتهن خاصة فيرد عليهن، والأم تسقط الجدات كلهن، والجدة القربى من جهة الأم تسقط البعدى من جهة الأم بل تشاركها، وولد الأم يسقطه عمود النسب: الأب والجد والولد وولد الابن. وأما حجب العصبة: فقد عقدنا أصله عند ذكرنا له فيما تقدم. والجد مع الأخوة يقاسمهم ما لم تنقص المتقاسمين الثلث، وإن كان فى الورثة ذو سهام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حكم فيما فضل عنهم بهذا الحكم والجدات أن يأخذ منهم السدس وينتزع من حكم التعصيب كما للأخوة الاثنين المسألة المشتركة أن ينتزعوا من التعصيب، وهى: زوج وأم وأخوات لأم وأخوة أشقاء. فإن المال إذا استوعب جميعه أهل الفرض قال الأخوة الإشقاء للأخوة للأم: هب أن أبانا حماراً ليست أمنا واحدة، فيشاركونهم فى الثلث وللأخوة الأشقاء معاداة الجد بالأخوة للأب وسيبتدئون بما حصل بجميعهم، إلّا أن يفضل عن الإناث منهم فضلة فتزيد على فرد منهم، فتعطى لمن كان من جهة الأب والأم منهم. وللجد مقاسمة الأخت وان انفردت عنه بالفرض الذى عيل لها به فى الفريضة التى تسمى الأكدرية، وتسمى الفراء، هى: زوج وأم وجد وأخت شقيقة أو لأب، فإن المال إذا استوعبه من سوى الأخت عيل للأخت بالنصف، ثم ضمت نصفها إلى سدس الجد، واقتسماه للذكر مثل حظ الانثيين. ولو كان بدل الأخت أختان لم يصل لها لبقاء فضلة من المال لحجبها الأم إلى السدس. هذه جملة الفرائض التى من أحاط بها علماً علم كل ما يستفتى عنه ويكثر نزوله.

(4) باب من ترك مالا فلورثته

(4) باب من ترك مالاً فلورثته 14 - (1619) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ الأُمَوِىُّ، عَنْ يُونُسَ الأَيْلِىِّ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمَيِّتِ، عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْألُ: " هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله تعالى -: وقوله: كان يؤتى بـ[الرجل] (¬1) الميت عليه الدين [فيسأل] (¬2) - عليه السلام - " هل ترك لدينه [من] (¬3) قضاء؟ " فإن ترك [وفاءً] (¬4) صلى عليه، وإلا قال: " صلوا على صاحبكم "، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفى وعليه دين فعلىَّ قضاؤه، ومَنْ ترك مالاً فهو لورثته "، وفى الحديث الآخر: " فأيكم ما ترك ديناً أو ضياعاً فأنا مولاه " الحديث، وفى رواية أخرى: " ومن ترك كَلاً وليتهُ ": الكَلّ، بفتح الكاف، أصله: الثقل، ثم استعمل فى كل أمر معل متعب، والمراد به هاهنا: العيال. قال الخطابى (¬5): والضيعة والضياع هاهنا وصف لورثة الميت بالمصدر، أى ترك بنين وعيالاً أُولِى ضيعة، أى لا عائل لهم. والضياع فى الأصل مصدر لما ضاع، ثم جُعل اسماً لكل ما هو بصدد، وأن يضيع من عيال وبنين لا كافل لهم، وسميت الأموال التى يحتاج إلى القيام عليها من الأرضين ضيعة؛ لأنها معرضة للضياع وإن لم يقم عليها. وقوله: " فأنا مولاه ": أى وليه ومتولى القيام عليه، كما قال فى الحديث الآخر: "وليته ". واختلف فى تأويل هذا الحديث، فقيل: يحتمل أن تركه للصلاة أولاً على الميت لأجل الدين الذى عليه، إذا لم يترك له وفاء إذا تداينه فى فساد، أو غير وجه مباح، وقيل: يحتمل إذا تداينه وهو يعلم أنه لا يقضيه، وأن ذمته لا تفى بما عليه، وقيل: كان هذا أول الإسلام، ثم نسخ ذلك لما فتح الله الفتوحات وصار لجميع المسلمين حق فى بيت المال، وفرض لهم سهم الغارمين. والحديث المتقدم يدل عليه وينص على ذلك. فقيل على هذا فى قوله: " علىّ ": أى لازم من بيت المال دين الفقراء. وقيل: بل كان فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا - مَنْ ترك الصلاة على أهل الدين - أدبًا لأصحاب الديون ليسعوا فى أدائها، ويرغبوا عن الاستكثار منها، ولئلا يستأكلوا أموال الناس فتذهب. وقيل على هذا: معنى قوله: " وقد ترك ديناً فعلى ": الوعد بأن الله سيقضيه ¬

_ (¬1): (¬4) سقط من الأصل. (¬5) انظر: أعلام الحديث ص 1192.

قَضَاءٍ؟ "، فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ "، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: " أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّىَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَىَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ ". (...) حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرٌ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنُ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، هَذَا الْحَدِيثَ. 15 - (...) حَدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا مَوْلَاهُ، وَأَيُّكُمْ تَرَكَ مَالاً فَإِلَى الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ ". 16 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِى كِتَابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ، فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه بما يفتح الله على المسلمين مما وعده الله به من ذلك، لا على اللزوم والضمان. وقيل: معنى: " أنا أولى بالمؤمنين " كما قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} لكنى لا أرثهم، ويدل عليه نص حديث أبى هريرة من رواية البخارى: " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ} الآية (¬1)، فمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعًا فليأتنى، وأنا مولاه " (¬2)، فنبه أنه لا ميراث إلا لذوى الأرحام، وأن التبنى والموارثة بالحلف قد أبطلها الشرع، فمن ترك مالاً فلذوى رحِمِه ومن يرثه بكتاب الله تعالى، ومن ترك دينًا فعلىَّ أداؤه مما فرض الله له من مال الله. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 6. (¬2) البخارى، ك التفسير 6/ 145.

دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَادْعُونِى، فَأَنَا وَلِيُّهُ. وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالاً فَلْيُؤْثَرُ بِمَالِهِ عَصَبَتُهُ. مَنْ كَانَ ". 17 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِلْوَرَثَةِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْن نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ غُنْدَرٍ: " وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا وَلِيتُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: " فادعونى فأنا وليه ": استغيثوا فى أمره، ومنه قوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِّن دُونِ اللَّه} (¬1)، أى استغيثوا بهم، وأصل الدعاء الاستغاثة. قال الخطابى (¬2): وفى الحديث جواز الضمان على الميت، ترك وفاء بالديون أولا، وهو قول الشافعى وابن أبى ليلى، وهو مذهب مالك وغيره. وقال أبو حنيفة: إن لم يترك وفاء لم يلزم الضامن. ¬

_ (¬1) البقرة: 23. (¬2) سبق فى كتاب الجنائز.

24 - كتاب الهبات

بسم الله الرحمن الرحيم 24 - كتاب الهبات (1) باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه 1 - (1620) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ فِى سَبِيلِ اللهِ، فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " لا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِى صَدَقَتِكَ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِى صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - عَنْ مَالِكِ ابْنِ أَنَسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: " لَا تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصدقات والهبات وقوله - رضى الله عنه -: حملت على فرس عتيق فى سبيل الله فأضاعه صاحبه لأنه أراد ابتياعه، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تبتعه، ولا تعد فى صدقتك، فإن العائد فى صدقته كالكلب يعود فى قيئه "، وفى الحديث الآخر: " كمثل الكلب يعود فى قيئه فيأكله "، وفى الرواية الأخرى: " كمثل الكلب يقىء ثم يأكل قَيْأهُ "، وفى الحديث الآخر: " العائد فى هبته " مكان قوله: " صدقته ". الفرس العتيق هو: الجواد الكريم. ومعنى الحمل هنا فيه تأويلان: أحدهما: هبته وتملكه له للجهاد. والثانى: تحبيسه عليهم. وإضاعته يحتمل تأويلين: أحدهما - وهو الأظهر -: أنه لم يحسن القيام عليه. والثانى: إضاعته فى استعماله فيما حبس له. فإن كان حبسًا فقد يحتمل أن عمر - رضى الله عنه - ظن أنه يجوز له هذا ويباح شرعًا الحبس. لكن منع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شرائه، وتعليله بالرجوع فى الهبة - دليل أنه لم يكن حبسًا؛ إذ لو كان حبسًا لم يخص منع شرائه بعلة الهبة ولعلل بالحبس، إلا أن يكون هذا الضياع قد بلغ به إلى عدم الانتفاع فيما حبس لذكره، فهذا يجوز بيعه عند مالك ليستبدل (¬1) وأباه عبد الملك. واختلف الناس فى محمل النهى منه - عليه السلام - فى هذا الحديث، هل هو على على العموم أو على الخصوص؟ ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 1/ 209.

2 - (...) حدّثنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ؛ أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِى سَبِيلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ عِنْدَ صَاحِبهِ وَقَدْ أَضَاعَهُ، وَكَانَ قَلِيلَ الْمَالِ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " لَا تَشْتَرِهِ، وَإِنْ أُعْطِيتَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ مَثَلَ الْعَائِدِ فِى صَدَقَتِهِ، كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيئِهِ ". (...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ مَالِكٍ وَرَوْحٍ أَتَمُّ وَأَكْثَرُ. 3 - (1621) حدّثنا يَحَيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَل عَلَى فَرَسٍ فِى سَبِيلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال الطبرى: هو خاص، فإن الهبة للثواب باشتراط ذلك أو بعرفه له بالرجوع، وكذلك الرجوع للأب فيما وهب لولده، وإنما ذلك فيما وهب لله وطلب الأجر أو لصلة رحم فهذا لا رجوع له. قال غيره: وبهذا يكون قوله: " فى صدقته " مفسرًا لقوله: " فى هبته "، وهذا هو قول مالك فى اعتصار (¬1) الأم والأب والجد والجدة، ووافقه الشافعى وأبو ثور فى الجد أنه يوصى، وحجة هؤلاء الحديث الذى رواه ابن عمر - رضى الله عنه -: " لا يحل للرجل أن يعطى عطية ويرجع فيها إلا الوالد فيما يعطى ولده "، وتخصيص الوالد بذلك إذ جعل له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقاً فى مال الابن، وأنه لا يقطع فيه ولا يحد؛ لأنه من كسبه، كما جاء فى الحديث. وقاس هؤلاء الأم والجدين عليه؛ إذ هما بمعناه، وانطلق عليه اسم الأبوة. وقالت طائفة: هو على العموم وليس لامرئ أن يهب هبة ويرجع فيها، وروى عن بعض السلف وهو قول أحمد وطاوس، وقيل: ذلك خصوص فيما وهب لذى رحم أو زوج، وأما لغيرهم فله الرجوع، وهو قول الثورى والنخعى، وبه قال إسحاق، وروى عن عمر، وقال الكوفيون (¬2): هو خصوص فى ذى الرحم المحرم لا رجوع فيه كان زائدًا أو غيره، صغيرًا أو كبيرًا. فأما غيرهم من ذوى الأرحام والأجانب فله الرجوع. ثم اختلفوا هل ذلك على الإيجاب والندب والتنزه، فقال من جعلها عامة: هى واجبة لقوله: " العائد فى هبته كالعائد فى قيئه "، والمراد بهذا الواهب فإنها عائدة عندهم عليه، ¬

_ (¬1) الاعتصار عند مالك هو: الرجوع فى الهبة. انظر: التمهيد 7/ 235 - 238. (¬2) انظر: التمهيد 7/ 235 - 238.

فَسَألَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " لَا تَبْتَعْهُ، وَلَا تَعُدْ فِى صَدَقَتِكَ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فلما حرَّم العود فى قيئه كذلك يحرم عليه العود فى هبته. وهذا كلام غير سديد، وتأويل بعيد؛ لأن القىء لا يحرم العودة إليه، وإنما يتنزه عنه ويستقبح فعله ويستقذر؛ إلّا أن يتغير بأحد أوصاف النجاسة من لون أو رائحة أو صفة، وإنما هو تمثيل كما قال فى الحديث الآخر: " كالكلب يعود فى قيئه "، وهو وجه الكلام، وهو الذى يقتضيه ويبينه قوله فى الرواية الأخرى: " كمثل الكلب يقىء ثم يأكل قيأه "، وبهذا يصح التشبيه. والأولون قد يتأولون ذلك على التقديم والتأخير، أى هو يقىء ثم يأكل قيأه، كمثل الكلب. واحتجوا - أيضًا - بقوله فى حديث ابن عمر - رضى الله عنه - وابن عباس: " لا يحل لواهب أن يرجع فى هبته ". والآخر يتأولونه على الخصوص كما تقدم. وكذلك اختلفوا فى النهى عن الشراء، هل هو على التحريم أو الندب؟ على ما سيأتى ذكره. وحكى ابن المواز أَنَّ من العلماء مَنْ أجازه، وقالوا: وإنما فهمناه من شرائه لئلا يكون كالراغب فى رد ما يخرجه لله والنادم عليه، فأشفق - عليه السلام - من فساد النية، كما يحرم على المهاجر الرجوع إلى وطنه بعد الفتح. قال الإمام - رحمه الله -: يحتمل بأن يعلل هذا بأن المتصدق عليه أو الموهوب له قد يستجيبان منه فيتسامحانه فى الثمن، فيكون ذلك رجوعاً فى ذلك القدر الذى حط، وبهذا علل عبد الوهاب كراهة اشتراء الهبة والصدقة جميعًا، وإن كان قد وقع فى الموَّازية (¬1) فيمن حمل على فرس. قال: إن لم يكن للسبيل ولا للمسكنة فلا بأس أن يشتريه، وكأنه رأى أنه إذا لم يكن لذلك فهو هبة، والهبة تخالف الصدقة عنده، ولا يكون فى الحديث عليه ¬

_ (¬1) وهى كتاب فى فروع الفقه المالكى، يوجد منه قطعة قديمة فى خمس عشرة ورقة فى المكتبة الخاصة ملك: محمد الطاهر بن عاشور بتونس، وهى نسبة لابن المواز. وهو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الإسكندرى بن الموَّاز المالكى، ولد سنة 180 هـ، تتلمذ على محمد بن الحكم وغيره، كان له فضل كبير فى تبويب فروع الفقه المالكى، ت سنة 269 هـ، وقيل: سنة 281 هـ. انظر: الوافى بالوفيات للصفدى 1/ 335، الديباج لابن فرخون ص 232، الأعلام للزركلى 6/ 183، معجم المؤلفين 8/ 200.

4 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِى سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ رَآهَا تُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، فَسَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَعُدْ فِى صَدَقَتِكَ، يَا عُمَرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حجة لقوله: " على فرس عتيق فى سبيل الله "، فإنما وقع النهى عنده لأنه على جهة الصدقة. ومن جهة المعنى: أن الصدقة مقربة لله - سبحانه - ولا يحسن الرجوع فيما تقرّب به إليه تعالى، والهبة ليست كذلك فاستخف شراؤها، وما وقع فى الطريق الآخر الذى ذكرناه: " العائد فى هبته " فلم يذكر ذلك عقيب نهيه عن الشراء، بل هو كلام مبتدأ، فقد يحمل على العود بغير معارضة فلا يكون فيه حجة على ما وقع فى الموازية. وظاهر إطلاق مالك يؤذن أنه حمل التمنى على الندب؛ لأنه قال: لا ينبغى أن يشتريها وقال: يكره. وظاهر ما فى الموازية حمل النهى على المنع، وكذلك قال الداودى: إنه حرام. فعلى القول بحمل ذلك على الكراهية لا يفسخ العقد وعلى القول بحمله على التحريم قال بعض شيوخنا: يفسخ، وفيه نظر لأجل الاختلاف فيه، ولأنه ليس كل نهى يدل على فساد المنهى عنه. واختلف المذهب فى المنافع، هل هى كالرقاب أم لا؟ فقال ابن المواز: كل من تصدق بغلة سنين ولم يتبل الأصل، فلا بأس أن يشترى المتصدق ذلك، وأباه عبد الملك، واحتج بحديث النهى عن الرجوع فى الصدقة، وأجاز لورثته أن يشتروا المرجع. قال: والحجة لمالك حديث العرية. قال بعض الشيوخ: العرية أصل قائم بنفسه أجيز للمرفق ورفع الضرر فلا يقاس عليه غيره. قال القاضى - رحمه الله -: واختلفوا فى الهبة للثواب، فأجازها مالك، وهو قول الطبرى وإسحاق (¬1)، ومنعها الشافعى ورآها من البيع المجهول الثمن والأجل، وهو قول أبى ثور وأبى حنيفة (¬2). وذكر مسلم فى هذا الباب: حدثنا قتيبة وابن رمح، جميعًا عن الليث، وحدثنا المقدمى ومحمد بن المثنى، قالا: نا يحيى - وهو القطان - ونا ابن نمير، ونا أبى، وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، نا أبو أسامة، عن عبيد الله، كلاهما عن نافع. فقوله: " عن عبيد الله " يعنى جميع من ذكر فى غير حديث الليث وهم: القطان وابن نمير وأبو أسامة. وقوله: " كلاهما " يعنى الليث المذكور. وفى السند الأول: عبيد الله، وهو العمرى. ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 7/ 241. وقد ذكر أن إسحاق أجازها على نحو قول مالك وأبى حنيفة. (¬2) المصدر السابق 7/ 241.

(2) باب تحريم الرجوع فى الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل

(2) باب تحريم الرجوع فى الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل (¬1) 5 - (1622) حدّثنى إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ الَّذِى يَرْجِعُ فِى صَدَقَتِهِ، كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِىءُ ثُمَّ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ، فَيَأَكُلُهُ ". (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِىِّ بْنً الْحُسَيْنِ يَذْكُرُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، أَنَّ مُحَمَّدَ ابْنَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 6 - (...) وَحَدّثَنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيَسى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوْ ابْنُ الْحَارَثِ - عَنْ بُكَيْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّمَا مَثَلُ الَّذِى يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ يَعُودُ فِى صَدَقَتِهِ. كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِىءُ ثُمَّ يَأْكُلُ قَيْأَهُ ". 7 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " الْعَائِدُ فِى هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِى قَيْئِهِ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

8 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْعَائِدُ فِى هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ، يَقِىءُ ثُمَّ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(3) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد فى الهبة

(3) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد فى الهبة 9 - (1623) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ يُحَدِّثَانِهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى نَحَلْتُ ابْنِى هَذَا غُلَامًا كَانَ لِى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ " فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَارْجِعْهُ ". 10 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إن النعمان بن بشير أتى به أبوه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنى نحلت ابنى غلاماً كان لى، فقال - عليه السلام -: " أَكُلّ ولدك نحلته مثل هذا؟ "، فقال: لا. فقال - عليه السلام -: " فارجعه "، وفى بعض طرقه: " لا تشهدنى، فإنى لا أشهد على جور "، وفى بعضها: " اتقوا الله، واعدلوا فى أولادكم " وفى بعضها: " أشهد على هذا غيرى "، ثم قال: " أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟ " قال: نعم. قال: " فلا إذًا "، وفى بعض طرقه: " لا (¬1) يصلح هذا، وإنى لا أشهد إلّا على حق ". فى مصنف الترمذى (¬2): " إذ لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما إذ لك عليهم من الحق أن يبروك ". قال الإمام - رحمه الله -: اختلف الناس فى إعطاء بعض البنين دون بعض، فالذى يحكيه بعض أصحابنا عن مالك والشافعى وأبى حنيفة: أنهم يكرهون ذلك، ولكنه إن نزل مضى عندهم (¬3). وخالفهم غيرهم من الفقهاء وقال: ترد العطية (¬4). وقد وقع فى المذهب اضطراب فيمن أخرج البنات من تحبيسه، هل ينفذ إذا وقع أو يفسخ على الإطلاق أو يفسخ بشرط ألا يموت [أو بشرط ألا يموت] (¬5) ولا يجاز عنه. وقال بعض شيوخنا بأن هذه الأقوال تجرى فى هبة بعض البنين دون بعض، وعندى أنّ وجه الكلام فى هذه الأقوال: أنّ مَنْ حمل النهى فى هذا والأمر على الإلزام فسخ، ومَنْ ¬

_ (¬1) فى الأصل: ليس. (¬2) لا يوجد هذا الحديث فى مصنف الترمذى، إنما هو فى سنن أبى داود، ك البيوع 2/ 262. (¬3) الحاوى 7/ 544. (¬4) منهم طاوس وأحمد وإسحاق وداود. انظر: الحاوى 7/ 544. (¬5) هذا الكلام مكرر.

حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: أَتَى بِى أَبِى إِلَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى نَحَلْتُ ابْنِى هَذَا غُلَامًا، فَقَالَ: " أَكُلَّ بَنِيكَ نَحَلْتَ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَارْدُدْهُ ". 11 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حمله على الاستحباب أمضى، ومَنْ طلب زيادة ترجيح بين هذين الأصلين تقديرًا على الحيازة؛ لأن الهبة قبل أنْ تجاز لواهبها الرجوع فيها عند جماعة من المخالفين وعلى قولة شاذة عندنا، ومَنْ راعى الموت خاصة فإنه قال ذلك فى الأب، لأن له الاعتصار ما دام حياً وبموته يبطل الاعتصار، فراعى قدرته على الحل على وجه ما فى الهبات. وسبب اضطراب العلماء فى حمل تلك على الوجوب أو الندب: ما وقع من اختلاف ألفاظ الحديث، لأن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشهد غيرى " يشير عندهم إلى أنه مكروه أو خروج عن الأحسن، فأتوقاه أنا فى نفسى ولا أوجب على غيرى توقيه. قال: وقد علل - أيضاً - بقوله: " أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء "، وظاهر هذا أن النهى لئلا يقع منهم تقصير، قالوا: وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا: " فأرجعه " فأمره باعتصاره لأن الأب يعتصر، ولو كان باطلاً لقال: هو مردود، ولم يفتقر إلى ارتجاع المعطى. وقال آخرون: فإن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أشهد على جور " يدل على المنع؛ لأن الجور ممنوع منه؛ لأنه الميل عن القصد والعدول عنه. ومنه: جار السهم: إذا عدل السهم عن الغرض. ومَنْ حمل هذه الظواهر على الندب يصح أن يسمى الميل فى مثل هذا جورًا. واحتجوا - أيضًا - بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتقوا الله، واعدلوا بين أبنائكم " وظاهر الأمر على الوجوب. وفى هذا اختلاف بين أهل الأصول، والذى وقع فى الترمذى (¬1) من أمثل ما يتمسكون به؛ لأنه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لهم عليك من الحق " وظاهر لفظه على تقيد الإلزام والوجوب. وقد تتوزع فى عطية الصدِّيق عائشة - رضى الله عنها - إحدى وعشرين وسقًا، فاحتج به من لا يرى العدل بين البنين واجبًا. وقال آخرون: لعله أعطى قبلها من وساها، أو علم أنهم راضون بما فعل. وتتوزع - أيضاً - فى صفة العدل بين البنين، فمال ابن القصار إلى التسوية بين الذكر والأنثى، ومال ابن شعبان إلى التفضيل على نسبة المواريث. ¬

_ (¬1) سبق الإشارة إلى أن الكلام وقع فى أبى داود وليس فى الترمذى.

قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ فَفِى حَدِيثِهِمَا: " أَكُلَّ بَنِيكَ ". وَفِى حَدِيثِ اللَّيْثِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ: " أَكُلَّ وَلَدِكَ ". وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ بَشِيرًا جَاءَ بِالنُّعْمَانِ. 12 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: وَقَدْ أَعْطَاهُ أَبُوهُ غُلَامًا، فَقَالَ لَىُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذَا الغُلَامُ؟ " قَالَ: أَعْطَانِيهِ أَبِى. قَالَ: " فَكُلَّ إِخْوَتِهِ أَعْطَيْتَهُ كَمَا أَعْطَيْتَ هَذَا؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " فَرُدَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف - أيضاً - فى ذلك من تقدم من غير أصحابنا، وقد قال محمد بن إسحاق فى سيرته: لم يكن لأبى النعمان بنت، فعلى ما حكاه ابن إسحاق لا يكون حجة فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكُلّ ولدك نحلته مثل هذا ". قال القاضى - رحمه الله -: اختلف عن مالك فى تأويل هذا الحديث، فروى عنه أنه قال: أرى ذلك أنه لم يكن له مال غيره، وإنما ذلك فيمن نحل بعض ولده ماله كله. وقد اختلف قول مالك فيمن وهب ماله كله لأجنبى أو لبعض ولده، هل يرد أو يمضى؟ واختلف أصحابه كذلك، فحكى ابن المنذر وغيره عن مالك وغيره من العلماء جواز إعطاء الأب بعض بنيه دون بعض، ونحوه فى كتاب محمد قال: وإنما يكره إذا نحل بعضهم جل ماله. والأشهر عن مالك كراهة ذلك وإجازته إذا وقع، وحكى أحمد بن نصر عنه أنه إن نحل جميع ماله فليرتجعه. وقال ابن القاسم: له ارتجاعه ما لم يمت. وقال سحنون: مَنْ أعطى ماله كله ولدًا أو غيره ولم يبق ما يقوم به لم يجز فعله. قال غيره: مرة حمل مالك الحديث على الوجوب ومرة على الندب. وممن قال بمنعها كرة طاوس وعروة ومجاهد والثورى وأحمد وإسحاق وداود، والآخرون على أنها على الكراهة، ويذهبون إلى تسوية الذكر والأنثى. وممن قال منهم يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين كقسمة الميراث: عطاء والترمذى ومحمد ابن الحسن وأحمد وإسحاق. ووجه الجمع بين ألفاظ هذا الحديث إذ هو واحد وبناؤها سائغ بين وهو أولى من إطراح أحدهما أو توهين الحديث بالاضطراب فى ألفاظه؛ إذ ليس فيه ما يتنافى، وذلك بحمله على الندب والترغيب فى التسوية كما جاء فى بعض طرق حديث جابر: فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأكمل الأمور وأولاها ومخافة جر العقوق من بعضهم لذلك، كما نبّه عليه فى الحديث الآخر المتقدم لأعلى الوجوب بدليل قوله: " أشهد غيرى "، وإن

13 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَىَّ أَبِى بِبَعْضِ مَالِهِ. فَقَالَتْ أُمِّى عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقَ أَبِى إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِى. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدكَ كُلِّهِمْ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا فِى أَوْلَادِكُمْ ". فَرَجَعَ أَبِى. فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. 14 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِى حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِىُّ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، حَدَّثَنِى النُّعْمَانُ بْنُ بَشَيرٍ؛ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهُوبَةِ مِنْ مَالِهِ لابْنِهَا، فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً، ثُمَّ بَدَا لَهُ. فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لاِبْنِى. فَأَخَذَ أَبِى بِيَدِى، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمَّ هَذَا - بِنْتَ رَوَاحَةَ - أَعْجَبَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كان قد استدل بعضهم لمخافة العقوق على الزجر لذلك بقوله: " أشهد غيرى "، إنما هو على تأويل بعضهم على التوبيخ والزجر لا على حقيقة الإباحة لذلك؛ إذ ما لا يجوز أن يشهد هو به لا يأمر غيره بالشهادة عليه، ولا يقبله، لكن ما تأولناه قَبْلُ أظهر فى الكلام. وتسميته جورًا على هذا بمعنى أنه عدول عن الأول من التسوية، أى إنى لا أشهد ولا يعقد بين يدى إلّا الأتم فى العدل والأكمل فى الصلاح فأشهد غيرى، ويكون قوله: " اردده " أى إن هذا جائز لك وسائغ إن شئت إذ لك اعتصار، فالهبة دينك، فتستقيم جميع ألفاظ الحديث على هذا، لاسيما ويتأكد حمله على الكراهة بما روى أنه كان يعرف من والد النعمان ميل لأم النعمان، فكان - عليه السلام - فهم منه الضرار عن بعض ولده بماله، فخرج عن طريق المعروف إلى طريق الضرر، ويدل عليه ما يلوح من قول المرأة: لا أرضى حتى تشهد لى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإلى ما ذكرناه نحا أبو القاسم بن أبى صفرة. وفيه كراهة شهادة أهل الفضل والعلم فيما يكره فعله ولو جاز عقده وأمضاه، لقوله: " أشهد غيرى ".

أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِى وَهَبْتُ لاِبْنِهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ ". قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: " أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " فَلَا تُشْهِدْنِى إِذًا، فَإِنِّى لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ". 15 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشَيرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلَكَ بَنُونٌ سِوَاهُ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ هَذَا؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَلَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ". 16 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِيهِ: " لَا تُشْهِدْنِى عَلَى جَوْرٍ ". 17 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعَبْدُ الأَعْلَى. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ - وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: انْطَلَقَ بِى أَبِى يَحْمِلُنِى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْهَدْ أَنِّى قَدْ نَحَلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والاعتصار للأب فيما وهبه لابنه جائز عند مالك (¬1) والشافعى (¬2)، كبيراً كان أو صغيرًا، إلّا أن مالكًا يثبت الاعتصار عنده تغيير الهبة وحدوث الدين على الموهوب أو زواجه (¬3)، على اختلاف فى مذهبنا فيما عدا مرض المعتصر، ولا يثبت ذلك عند الشافعى شىء، وأبو حنيفة (¬4) لا يرى الاعتصار بوجه. وذلك مخصوص عند القائلين بها. قال الخطابى (¬5): وفى قوله: " ارجعه " دليل على أن الهبة كانت مقبوضة. وفيما قاله نظر، فقد يكون " ارجعه " بمعنى ابقه على ملكك. وقوله: " نحلت ابنى نحلاً ": أى أعطيتُ. والنحلة: العطية بغير عوض، والنحل: الشىء المنحول. قوله: " بعض الموهبة " كذا عند ابن عيسى، وعند كافتهم: " الموهوبة "، أى بعض ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 7/ 235. (¬2) انظر: الحاوى 7/ 544، التمهيد 7/ 239. (¬3) انظر: الاستذكار 22/ 297، 298. (¬4) انظر: الحاوى 7/ 445. (¬5) انظر: معالم السنن 5/ 190، 191.

النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا منْ مَالِى. فَقَالَ: " أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِى ". ثُمَّ قَالَ: " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِى الْبِرِّ سَوَاءً؟ ". قَالَ: بَلَى. قَالَ: " فَلَا، إِذًا ". 18 - (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْنَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: نَحَلَنِى أَبِى نُحْلاً، ثُمَّ أَتِى بِى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ. فَقَالَ: " أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطِيْتَهُ هَذَا؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " أَلَيْسَ تُرِيدُ مِنْهُمُ الْبِرَّ مِثْلَ مَا تُرِيدُ مِن ذَا؟ " قَالَ: بَلَىَ. قَالَ: " فَإِنِّى لَا أَشْهَدُ ". قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ مُحَمَّدًا. فَقَالَ: إِنَّمَا تَحَدَّثْنَا أَنَّهُ قَالَ: " قَارِبُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ". 19 - (1624) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةُ بَشِيرٍ: انْحَلِ ابْنِى غُلَامَكَ، وَأَشْهِدْ لِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنَّ ابْنِةَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِى أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِى، وَقَالَتْ: أَشْهِدْ لِى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشياء الموهوبة. وأما الموهبة فاسم مصدر الهبة. وقوله: " فالتوى بها ": مطل، فاللى: المطل. وقوله: " قاربوا بين أولادكم ": ورويناه عن [ألا تندس] (¬1)، " قارنوا " بالنون، ومعناه: سووا واجعلوهم فى العطايا وغيرها فى قران، ورويناه عن الصدفى والخشنى بالباء فى المقاربة، أى لا تفضلوا بعضهم وتباينوه بالعطايا وغيرها على بعض، قالوا: وفى إشهاده النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دلالة على جواز شهادة الحكام وإشهادهم فى الأمور. وفى قوله: " انطلق بى أبى يحملنى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: إنى نحلت النعمان ": دليل على أن حوز الأب لما أعطاه ابنه الصغير حوز، وأنها لا تحتاج إلى حيازة غيره؛ لأن النعمان كان حينئذ صغيرًا، ولذلك قال: يحمله. ولو كانت الهبة لا تصح إلَّا بحوز غيره لم يحتج - عليه السلام -. لقوله له: " ارجعها ". ولا خلاف فى هذا بين العلماء فيما يعرف بعينه، وإنما الحلاف فيما لا يعرف بعينه من المكيل والموزون، هل يجزئ تعينها والإشهاد عليها والختم والحوز؟ أم حتى يخرجها من يده إلى يد غيره؟ (¬2) ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل. (¬2) التمهيد 7/ 242.

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَلَهُ إِخْوَةٌ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " أَفَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطِيْتَهُ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا، وَإِنِّى لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف قول مالك (¬1) فى إعطاء الدنانير والدراهم بالوجهين، وكذلك اختلف قوله فى حوزه له الهبة غير امتناع من ماله، وأبو حنيفة يجيز هبته (¬2) لما لا يعرف بعينه وإن لم يخرجه من يده ولا ختم عليه. وقد اختلفوا فيما لم يقبض من الهبات، هل يلزم؟ أم لا يلزم إلا بالقبض؟ أم يلزم ولا يتم إلّا به؟ فقال الحسن البصرى (¬3) وحماد بن أبى سليمان: الهبة عقد بالكلام كالبيع والنكاح ولا يحتاج إلى حوز، وهو قول أبى ثور وأحمد بن حنبل. وعند كافة العلماء: إنها تحتاج إلى حوز وقبض الموهوب لها وإلّا لم تتم، وهو مشهور مذهب مالك (¬4) وإن كانت عنده لازمة بالقول، وحكى عنه قول شاذ: أنها لا تحتاج إلى حوز، وهو تأويل عليه لا يصح منه بالحوز، وأبو حنيفة والشافعى يقولان: لا يلزم إلّا بحوز، وهم مجمعون على لزومها بالقبض وهبة المشاع عند مالك والشافعى وأبى ثور وأحمد بن حنبل جائرة (¬5)، لكن مالكاً والشافعى يشترطان فيها الحوز، والآخران لا يشترطانه، وعند أحمد رواية فى هبة ما لا يعرف بعينه: أنها لا تصح إلّا بالقبض. ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) انظر: بدائع الصنائع 8/ 2710. (¬3) انظر: الحاوى 7/ 535. (¬4) التمهيد 7/ 242، الحاوى 7/ 535. (¬5) التمهيد 7/ 240.

(4) باب العمرى

(4) باب العمرى 20 - (1625) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. " أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِى أُعْطِيهَا، لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِى أَعْطَاهَا، لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ ". 21 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَعْمَرَ رَجُلاً عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَقَدْ قَطَعَ قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أيما رجل أعمر عُمْرَى له ولعقبه "، وفى الرواية الأخرى: " فقال: قد أعطيتكها (¬1) وعقبك ما بقى منكم أحد، فإنها للذى أعطيها لا ترجع إلى الذى أعطاها "، زاد فى رواية مالك: " أبدًا؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث " (¬2)، وفى الرواية الأخرى: " فقد قطع قوله حقه فيها "، وفى الرواية الأخرى: " فهى له بتلة، لا يجوز للمعطى فيها شرط ولا ثُنْيا "، وفى حديث جابر: " إنما العمرى التى أجازها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول: هى لك ولعقبك، فأما إذا قال: هى لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها "، وفى الرواية الأخرى: " العمرى لمن وهبت له "، وفى الرواية الأخرى: " من أعمر عمرى فهى للذى أعمرها حياً وميتاً ولعقبه "، وفى الرواية الأخرى: " العمرى ميراث لأهلها "، وفى الرواية الأخرى: " العمرى جائزة ". قال الإمام - رحمه الله -: اختلف الناس فى العمرى، فمذهب مالك أنها تمليك منافع، وذهب المخالف إلى أنها تمليك رقبة للمعمر ولورثته بعده (¬3). وتعلق المخالف بظواهر هذه الأحاديث كقوله: " العمرى لمن وهبت "، وكقوله: " للذى أعمرها حياً وميتاً ولعقبه ". ومحمل هذه الأحاديث عند أصحابنا على أن المراد المنافع؛ لأن الواهب إنما وهب منافع فلا يلزم أكثر مما وهب. قال القاضى - رحمه الله -: أصل العمرى معناها أن يقول الرجل للرجل: هذه الدار ¬

_ (¬1) فى الأصل: أعطيتك. (¬2) الموطأ، ك الأقضية، ب القضاء فى العمرى 2/ 756. (¬3) انظر: الحاوى 7/ 540، الاستذكار 22/ 317.

حَقَّهُ فِيهَا، وَهِىَ لِمَنْ أُعْمِرَ وَلِعَقِبِهِ ". غَيْرَ أَنَّ يَحْيَى قَالَ فِى أَوَّلَ حَدِيثِهِ: " أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى، فَهِىَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ ". 22 - (...) حدّثنى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ الْعَبْدِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنِ الْعُمْرَى وَسُنَّتِهَا، عَنْ حَدِيثِ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ رَجُلاً عُمَرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَقَالَ: قَدْ أَعْطَيْتُكَهَا وَعَقِبَكَ مَا بَقِىَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا لِمَنْ أَعْطِيَهَا، وَإنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ ". 23 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظ لِعَبْدٍ - قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِى أَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَقُولَ: هِى لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِىَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّها تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا. قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ الزُّهْرِىُّ يُفْتِى بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لك عمرك، أو عمرى، قاله أبو عبيد (¬1)، قال: وأصله من العمر. وقال غيره: أعمرته الدار: جعلتها له عمرة، ولا خلاف إذا قال: أعمرتك وأسكنتك عمرى أو ما عشت، أنها غير تمليك رقبة، وإنما هى مجرد تمليك منافع. وكذلك عندنا إذا أعمرها إياه وعقبه أو جعلها له عمرة وعمر عقبه، وعقب الرجل بكسر القاف: ولده. فمالك يرى ذلك كله هبة منافع، ترجع عند انقراض من وهبت له وإن بعد إلى ربها، وقول القاسم ابن محمد ويزيد بن نشيط والليث بن سعد، وهو أحد قولى الشافعى (¬2)، وأبو حنيفة يراها ملكًا للمعمر تورث عنه، سواء قال: لعقبك أم لم يقله (¬3)، وهو قول الحسن بن جنى وأحمد بن حنبل والثورى وأبى عبيد والشافعى، وحكى عن الشافعى أيضاً فى هذا القول أنها تمضى إذا قال: لك ولعقبك، على اتباع نهى الحديث. وحكاه أبو عبيد (¬4) عن مالك، وحكاه - أيضاً - عنه الترمذى (¬5) من رواية معن بن عيسى، وهو ظاهر قول مالك فى الموطأ من رواية يحيى بن يحيى الأندلسى، وخالفه غيره من الرواة، وهو آخر ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 2/ 77. (¬2) انظر: الحاوى 7/ 540. (¬3) انظر: بدائع الصنائع 8/ 3673. (¬4) غريب الحديث 2/ 78. (¬5) الترمذى، ك الأحكام، ب ما جاء فى العمرى 3/ 623 وقال: حسن صحيح.

24 - (...) حدّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرٍ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيمَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَهِىَ لَهُ بَتْلَةً، لَا يَجُوزُ لِلْمُعْطِى فِيهَا شَرْطٌ وَلَا ثُنْيَا. قَالَ أَبُو سَلمَةَ: لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ المَوَارِيثُ فَقَطَعَتِ المَوَارِيثُ شَرْطَهُ. 25 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ يَحْيَى بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ روى عنه الموطأ لقوله فيه: وذلك الأمر عندنا أن العمرى ترجع إلى من أعمرها إذا لم يقل: لك ولعقبك (¬1). والمشهور عن مالك ما تقدم، وهو قول أبى ثور وداود، وتأول معظم علمائنا قوله فى الموطأ، أى: فإذا قال: ولعقبك فلا ترجع إليه إلّا بعد انقراضه على شهود ومذهبه. فإن قال: أعمرتك ولم يقل: ولعقبك، رجعت إذا مات لربها عند هؤلاء إذا كان حيًا، أو لورثته بعده. وهو مفهوم قول الشافعى فى هذا القول الذى نقله عنه ابن المنذر، والمشهور عنه مثل قول أبى حنيفة؛ أن لفظ " الإعمار " تمليك. وقول أبى ثور هذا هو قول ابن شهاب وأبى سلمة بن عبد الرحمن وابن أبى ذئب: المسكن عند موت الذى أسكن كما قال مالك فى العمرى، إلّا ما ذكر عن الحسن وعطاء وقتادة أنهم ساووا بين اللفظين، وجعلوا السكنى ملكاً كالعمرى على مذهبهم. وفى قوله: لا يجوز للمعطى فيها شرط ولاثنين حجة للمخالف أن تعيين (¬2) العمرى يوجب كونها موروثة، وإن اشترط رجوعها إليه فالشرط باطل. قال الحربى: سمعت ابن الأعرابى يقول: لم تختلف العرب أن هذه الأشياء على ملك أرباب العمرى والرقبى والسكنى والأطراف والمنحة والعرية والعارية والأبقار ومنافعها لمنْ جعلت له. وقوله: " بتلة ": أى عطية غير راجعة. ذكر مسلم فى الباب: حدثنا عن أبى الزبير عن جابر قال: " أعمرت امرأة بالمدينة حائطاً لها " الحديث وفيه: " فاختصموا إلى طارق مولى عثمان - رضى الله عنه - فدعى ¬

_ (¬1) الموطأ، ك الأقضية، ب القضاء فى العمرى 2/ 756. (¬2) هذه الكلمة سوداء فى الأصل.

أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. بِمِثْلِهِ. (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ - يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 26 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِىَ لِلَّذِى أُعْمِرَهَا، حَيًّا وَمَيتًا، وَلِعَقِبِهِ ". 27 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِى عُثْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، عَنْ أَيُّوبَ، كُلُّ هَؤُلاَءُ عَن أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى خَيْثَمَةَ. وَفِى حَدِيث أَيُّوبَ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ: جَعَلَ الأَنْصَارُ يُعْمِرُونَ الْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ". 28 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَعْمَرَتِ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ حَائِطًا لَهَا ابْنًا لَهَا. ثُمَّ تُوُفِّىَ، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ، وَتَرَكَتْ وَلَدًا، وَلَهُ إِخْوَةٌ بَنُونَ لِلْعُمْرَةِ. فَقَالَ وَلَدُ الْمُعْمِرَةِ: رَجَعَ الْحَائِطُ إِلَيْنَا. وَقَالَ بَنُو الْمُعْمَرِ: بَلْ كَانَ لأَبِينَا حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ. فَاخْتَصَمُوا إِلَى طَارِقٍ مَوْلَى عُثْمَانَ، فَدَعَا جَابِرًا فَشَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جابرًا فشهد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمرى لصاحبها " الحديث. القائل: " أعمرت امرأة " هو أبو الزبير، ألا تراه بعد كيف حكى آخر الحديث: فدعى جابرًا. وطارق هذا هو ابن عمرو، ولاه عبد الملك المدينة آخر أيام ابن الزبير. وقوله: " العمرى جائزة ": يحتمل أنها ماضية على ما تقدم، ويحتمل أن تكون " جائزة " أى مباحة. ولم يختلف فى الاجتهاد جوازها. وقوله: " أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها ". حض على الحوطة على المال،

بِالْعُمْرَى لِصَاحِبِهَا. فَقَضَى بِذَلِكَ طَارِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ بِشَهَادَةِ جَابِرٍ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: صَدَقَ جَابِرٌ. فَأَمْضَى ذَلِكَ طَارِقٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَائِطَ لِبَنِى الْمُعْمَرِ حَتَّى الْيَوْمِ. 29 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سلَيْمَانَ ابْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْعُمْرَى لِلْوَارِثِ، لِقَولِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 30 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْعُمْرَى جَائِزَةٌ ". 31 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لأَهْلِهَا ". 32 - (1626) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيك، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْعُمْرَى جَائِزَةٌ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " مِيرَاثٌ لأَهْلِهَا " أَوْ قَالَ: " جَائِزَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهى عن إضاعته، كما جاء فى الحديث الآخر، ويحتمل أن يكون أمرهم بذلك إذا ظنوا أنها راجعة إليهم، فنهاهم عن ذلك إن كان أراد أنها موروثة على ما قال المخالف.

25 - كتاب الوصية

بسم الله الرحمن الرحيم 25 - كتاب الوصية 1 - (1627) حدّثنا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَىءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصَى فِيهِ؛ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ ". 2 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا: " وَلَهُ شَىءٌ يُوصِى فِيهِ " وَلَمْ يَقُولَا: " يُرِيدُ أَنْ يوصِىَ فِيهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الوصايا والحبس وقوله: " ما حق امرئ مسلم له شىء يريد أن يوصى فيه يبيت ليلتان " (¬1)، وفى رواية: " يبيت ليلتين " [وفى رواية أخرى] (¬2): " ثلاث ليالٍ إلّا ووصيته عنده مكتوبة " ولم يذكر فى بعض الروايات: " يريد أن يوصى ". قال الإمام: [اختلف رحمه الله تعالى] (¬3) ذهب داود وغيره إلى إيجاب الوصية تعلقًا بهذا الحديث (¬4)، وهى عندنا على المذهب الندب، لكن إن كان عليه حق يخشى تلفه على أصحابه إن لم يوص به؛ وجبت عليه الوصية لوجوب التنصل من الحقوق. وقد قيل: إن فى هذا الحديث دلالة على أنّ من كتب وصية وأقرها عنده نفذت وإن لم يخرجها من يده. قال القاضى: لفظة " حق " أظهر من الوجوب، فإن حملت على الأظهر فعلى ما تقدم من الوجوه التى يتعين ويجب بها فيمن ترتبت عليه حقوق. قال الباجى (¬5): وهذا عندى فيما له بال من الحقوق والودائع والأموال التى لها بال وجرت العادة بعقد العقود، وبهذا ليست مما يتكرر، فأمّا ما يتكرر ويتجدد كل يوم من خفيف المعاملات والديون ويتأدى فى كل يوم. ويؤيد ما ذهب إليه قوله: " يبيت ثلاث ليال ". قال أبو ثور: قوله: " حق " ¬

_ (¬1) هذه الرواية غير موجودة فى مسلم. (¬2) سقط من الأصل. (¬3) غير مفهومة فى هذا السياق. (¬4) هذا هو مذهب أهل الظاهر. انظر: الاستذكار 23/ 7، الحاوى 8/ 188. (¬5) انظر: المنتقى 6/ 145، 146.

3 - (...) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِىُّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ. وَقَالُوا جَمِيعًا: " لَهُ شَىءٌ يُوصِى فِيهِ " إِلَّا فِى حَدِيثِ أَيُّوبَ فَإِنَّهُ قَالَ: " يُرِيدُ أَنْ يُوصِىَ فِيهِ " كَرِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. 4 - (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَىءٌ يُوصِى فِيهِ، يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدِهُ مَكْتُوبَةٌ ". قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلىَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ، إِلَّا وَعِنْدِى وَصِيَّتِى. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يدل على أنها على الندب لأنه رد الحق إلى المسلم كقوله: هذا زيد، أى أنه له لا يتركه فإذا تركه لم يلزمه. قال الشافعى: يحتمل ما الحزم وما المعروف فى أخلاق المسلم. وقوله: " يريد أن ": حجة لنا وللكافر فى غير إيجابها بالجملة؛ لأنه لا يقال فى الواجب: " يريد "، ولا ينصرف إلى اختياره ومشيئته. وقد كانت الوصية أولاً فى صدر الإسلام واجبة {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} الآية (¬1)، وكذلك قوله تعالى: {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم} (¬2)، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُم}، {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين} ظاهر فى الوجوب، وقيل: كان ذلك ندبًا. ولم يختلف أنها أو بعضها منسوخ واختلف فى المنسوخ منها وفى ناسخها، فكافتهم على أنها كلها منسوخة (¬3)، وقيل: نسختها آية المواريث، وقيل: نسختها السنة (¬4). وقوله - عليه السلام -: " لا وصية ¬

_ (¬1) البقرة: 180. (¬2) البقرة: 240. (¬3) الحاوى 8/ 186. (¬4) انظر: الاستذكار 23/ 13.

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لوارث " (¬1)، وهذان القولان مرويان عن مالك (¬2). وهذا على قول مَنْ أجاز من العلماء نسخ القرآن بالسنة (¬3). وقيل: هذا الخبر مجمع على قبوله، فخرج عن طريق أخبار الآحاد فهو ناسخ للآية. ولا خلاف أن آية المواريث نزلت بعدها، وقيل: المنسوخ منها الوصية للوالدين والأقربين، وكذلك وصية الأزواج. ونسخ فرض الوصية للأقربين من غير الوارثين بالتخصيص على مواساتهم من التركة بقوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْه} الآية (¬4)، فهى تخصيص. فكما لا يجب رزق اليتامى والمساكين منه إذا حضروا كذلك القرابة، وقيل: بل يبقى فرض الوصية للأقربين ممن لا يرث، وهذا قول الحسن وقتادة والضّحاك وطاوس (¬5)، واختاره الطبرى. قال الحسن: ولو أوصى بثلثه لغير قرابته فللموصى له من ذلك الثلث والبقية لقرابته، وقيل: بل هو عموم فى الأقربين خصصته السنة ممن لا يرث منهم، وإلى هذا نحا أبو القاسم الكلبى. وقوله: " له شىء يوصى فيه ": يحتمل من المال كما قال تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} (¬6) ويحتمل أن يريد بقوله: " شىء يوصى فيه " عن إثبات الوصية من الديون والأمانات والحقوق التى فرط فيها. وقوله: " إلّا ووصيته مكتوبة ": لم يختلف قول مالك إذا كانت مكتوبة بخطه غير مشهد عليها أنها غير عاملة، إلّا ما يكون فيها من إقرار لأحد لحق عليه بخطه فيلزمه. واختلف قوله إذا شهد عليها، وقال: إن قدمت من سفرى أو مرضى، فقام من ذلك المرض وقدم من ذلك السفر، ولم يخرجها فى كل ذلك عن يده حتى مات بعد ذلك، هل تجوز أو ترد حتى يضعها على يد غيره؟ وأما إن لم يقيدها بموته من مرضه أو فى سفره وأشهد وأمسكها عنده فإنها تجوز بكل حال، وكذلك لو كانت مقيدة بالمرض والسفر ووضعها على يد غيره فمات بعد ذلك فإنها تنفذ. ولم يختلفوا فى أنّ للموصى تغيير وصيته بغيرها أو نحوها. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الوصايا، ب ما جاء فى الوصية للوارث 2/ 103، ابن ماجه، ك الوصايا، ب لا وصية لوارث 2/ 905، أحمد 4/ 186، الدارمى 2/ 419 عن أبى أمامة - رضى الله عنه - إلا أحمد والدارمى عن عمرو بن خارجة. (¬2) الموطأ 2/ 765، 766. (¬3) انظر: الاستذكار 23/ 13. (¬4) النساء: 8. (¬5) الاستذكار 23/ 15. (¬6) البقرة: 180.

(1) باب الوصية بالثلث

(1) باب الوصية بالثلث 5 - (1628) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: عَادَنِى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَنِى مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِى إِلا ابْنَةٌ لِى وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَى مَالِى؟ قَالَ: " لَا ". قَالَ: قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: " لَا، الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث سعد: " عادنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجع أشفيت منه على الموت ": فيه عيادة الأئمة المرضى، وهى من الرغائب المندوبات والافتقاد لأمور رعيتهم. وفى كتاب الحربى: أنّ الوجع (¬1) اسم لكل مرض. ومعنى " أشفيت ": أى قاربت وأشرفت، يقال: أشفى وأشأفا، قاله الهروى. وقال القتبى: لا يقال: أشفى إلا فى الشر (¬2). وفيه جواز ذكر المريض بشكواه وما يجد إذا كان لسبب من معاناة أو دعوة صالح أو وصية ونحوها، وإنما يكره من ذلك ما كان على معنى التشكى والتسخط، فإنه قادح فى أجر مرضه. وقوله: " وأنا ذو مال ": دليل على إباحة جمع المال؛ إذ هذه الصيغة لا تقع إلا للمال الكثير عرفًا، وإن صح إطلاقه لغة على القليل. وقوله: " لا يرثنى إلّا ابنةٌ لى ": أى لا يرثنى من الولد ومن يعز على تركه غالة، وإلّا فقد كان له ورثة وعصبة، وقيل: يحتمل أنه أراد لا يرثنى ممن له نصيب معلوم، وقيل: يحتمل أنه لا يرثنى من النساء إلّا ابنة لى. وقيل: يحتمل أنه استكثر لها نصف تركته، أو ظن أنها تنفرد بجميع المال، أو على عادة العرب من أنها لا تعد المال للنساء إنما كانت تعده للرجال. وقوله: أفاتصدق بثلثى مالى؟ قال: " لا " إلى قوله: " الثلث والثلث كثير "، قال الإمام - رحمه الله -: جمهور العلماء على أن للمريض أن يوصى بثلثه تعلقاً بهذا الحديث (¬3)، وقد قال بعض الناس: الوصية بالربع. وذكر مسلم عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الثلث والثلث كثير ". ¬

_ (¬1) انظر: اللسان، مادة " وجع ". (¬2) انظر: اللسان، مادة " شفى ". (¬3) انظر: الحاوى 8/ 194.

مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف - أيضاً - فيمن لا وارث له، هل يقتصر على الثلث كمن له وارث، ويكون بيت المال كوارث معلوم يمنع من أجلها من الزيادة على الثلث؟ أم تجوز له الصدقة بماله كله إذ لا وارث له معلوم؟ (1) وقد قال سعد: " لا يرثنى إلّا ابنة لى واحدة " ولم يسامحه بصدقة الشطر. وقيل: مراد سعد: لا يرثنى ممن له فرض معلوم إلّا ابنة لى. والعالة: الفقراء و " يتكففون ": أى يمسكون بأكفهم الصدقة. وكانوا يكرهون الموت بمكة لأجل أنه بلد تركوه لله - سبحانه - فكرهوا أن يعودوا فيما تركوه لله - سبحانه - فلهذا ذكر فيه ما جرى فى الحديث. قال القاضى - رحمه الله -: أجمع العلماء أَن مَنْ مات وله ورثة فليس له أن يوصى بجميع ماله، إلّا شيئًا (2) روى عن بعض السلف أجمع الناس بعد على خلافه. وجمهورهم على أنه لا يوصى بجميع ماله وإن لم يكن له وارث (3). وذهب أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد - فى أحد قوليه - لإجازة ذلك (¬4)، وروى عن بعض سلف الكوفيين وعن على وابن مسعود. وظاهر قوله: " أفاتصدق بثلثى مالى " يحتمل فى بتلة فى مرضه أو الوصية به بعد موته، وهما عند عامة فقهاء الأمصار سواء، لا يجوز من ذلك إلّا الثلث بنقص أم لا. وعند أهل الظاهر (¬5) وأجازوا فعل المريض كله فى ماله، وجعلوه كالصحيح بتل السنة إلا عبد فى مرضه. ورد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم إلى الثلث حجة للكافة مع عموم ظاهر حديث سعد، واحتماله الوجهين. وأجمعوا على جواز الوصية بأكثر من الثلث إذ أجاز ذلك الورثة، ومنع ذلك أهل الظاهر وإن أجازوها [] (¬6) - عليه السلام -: " الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ". يصح فى الثلث الأول النصب على الإفراد أو مفعول بإضمار فعل، ويصح فيه الرفع على الفاعل بإضمار فعل " يكفى " ونحوه، أو خبر مبتدأ أو مبتدأ وخبره مضمر، وبالوجهين ضبطنا هذا الحرف، و " إن تذر " الوجه فيه نصب الهمزة وهو مقصود الكلام وكذا ضبطناه عن الشيوخ وقَدْ وهم فيه بعضهم فقال: " إن " بالكسر، وله وجه فى الكلام لا يند، يقتضى أنّ مراعاة الورثة خير من مراعاة المساكين، وهذا بمقدار المال ومقدار كثرة الورثة وغناهم وفقرهم. وقد يكون هذا الخبر المراد به عظم الأجر فى الآخرة، أو يكون خيرًا للورثة وأحسن ¬

_ (¬1): (¬3) انظر: الحاوى 8/ 195. (¬4) انظر: الاستذكار 23/ 16. (¬5) انظر: الاستذكار 23/ 15. (¬6) بياض فى الأصل.

حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِى فِى امْرَأَتِكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِى؟ قَالَ: " إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللهِ، إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ. اللهُمَّ، أَمْضِ لأَصْحَابِى هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ". قَالَ: رَثَى لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ تُوُفِّىَ بِمَكَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ حالاً لهم وأطيب لنفس الموصى بتركهم بحال حسنة. وفيه أنّ صلة من قَرُب أولى وأفضل من بَعُد. واستدل بهذا الحديث مَنْ يفضل الغنى على الفقير؛ إذ جعل فيه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرًا للورثة أو للموصى، ولو كان بخلاف ذلك لكان شرًا لهم وله. وروينا قوله: " إنك إن تذر ورثتك أغنياء " بفتح الهمزة وبكسرها، وكلاهما له معنى صحيح. فعلى الفتح تقدير: إنك تركك ورثتك أغنياء، تقدر " أن " مع فعلها بتقدير المصدر، والكسر على الشرط. قال القابسى: فيه أنّ ميراث العصبة مع أهل الميراث لقوله: " إن تذر ورثتك أغنياء "، وقد قال: " لا يرثنى إلّا ابنة لى ". وقوله: " وإنك لن تنفق نفقة فتبتغى بها وجه الله إلّا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها فى فى امرأتك ". يقتضى أن الأجور فى المباحات والإنفاق إنما هى على النيات وابتغاء وجه الله، وما كان يقصد به الستر وأداء الحقوق وصلة الأرحام، وكذلك ما ينفقه الإنسان على نفسه، أو يقصد به إحياء نفسه والتقوى على عبادة ربه. وقد يستدل به على وجوب الإنفاق على الزوجات. وقوله: " أُخَلَّف بعد أصحابى ": يريد بمكة، إمّا إشفاقًا منْ موته بها إذا كان هاجر عنها وتركها لله، فخشى أن يقدح ذلك فى هجرته أو فى ثوابه على ذلك، أو خشى بقاءه بعد تحول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنه لأجل المرض، فكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله؛ ولهذا جاء فى غير هذه الرواية: " أخلف عن هجرتى " (¬1)، فقيل: كان حكم الهجرة باقٍ بعد الفتح، واستدل من قاله بهذا. وقيل: ذلك لمن هاجر؛ لقوله: أذن للمهاجر أن يقيم بمكة ثلاثاً، فأما مَنْ لم يهاجر إلّا هجرة له لقوله - عليه السلام -: " لا هجرة بعد الفتح " (¬2)، ويحتمل أنه سأل عن تخلفه فى العمر وطوله بعد أصحابه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الفرائض، ب ميراث البنات 8/ 187. (¬2) البخارى، ك الجهاد، ب لا هجرة بعد الفتح 4/ 127 عن مجاشع بن مسعود، أحمد 3/ 401 عن صفوان بن أمية، والنسائى ك الفىء، ب فى انقطاع الهجرة 7/ 144 عن صفوان بن أمية أيضًا.

(...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِىُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنك لن تُخَلَّف فتعمل عملاً [صالحاً] (¬1) تبتغى به وجه الله إلّا ازددت به درجة ": فيه أن الأعمال بالنيات، ويحتمل تخلفه هنا كناية عن طول عمره وهو أظهر فى الحديث، لاسيما وقد روى: " إنك لن تخلف بعدى " يحتمل التخلف بمكة للضرورة، وأن ذلك لا يقدح فى هجرته وعمله. وقد اختلف الناس فى هذا، فقيل: لا يحبط أجر المهاجر بقاؤه بمكة وبقاؤه وموته فيها إذا كان لضرورة، وإنما يحبطه إذا كان ذلك بالاختيار. وقال قوم: إن موت المهاجر بها كيف كان محبط للهجرة. وهذا الحديث يصحح القول الأول؛ إذ جعله يزداد درجة ورفعة على ما تقدر له، وقيل: لم تفرض الهجرة إلّا على أهل مكة فقط. وفى هذا كله، وقوله: " لعلك أن تخلف حتى يستضر بك أقوام وينتفع آخرون " علامة من علامات النبوة، وإخبار وقع كما كان من تمليكه وطول عمره بعد ذلك نيفاً على أربعين سنة، ونفع من استحق النفع به، وضر من استحق الضر به فى ولايته وإمارته بالعراق، وهدايته مَنْ أسلم على يديه، وقتل من قتل. وقوله: " اللهم امضِ لأصحابى هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم ": استدل به بعضهم على أن البقاء بمكة للمهاجر كيف كان قادح فى هجرته من هذا الدعاء لقرينة القصة ولا دليل عندى، بل يحتمل أنه دعى لهم دعاء مجردًا عامًا. ومعنى: " ولا تردهم على أعقابهم " بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم، يقال ذلك لكائن رجع عن حاله كالراجع عن طريقه. وقوله: " لكن البائس سعد بن خولة ": البائس الذى عليه أثر البؤس. وقوله: " يرثى له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مات بمكة ": قال أهل الحديث: انتهى كلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قوله: " لكن البائس سعد بن خولة "، ثم ذكر الحاكى هذا علة قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه هذا وسببه، وإن ذلك رثاءً له وتوجعًا لموته بمكة. وقائل هذا الكلام قيل: هو ¬

_ (¬1) زائدة فى الأصل.

ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ يَعُودُنِى. فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِى هَاجَرَ مِنْهَا. 6 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرِضْتُ فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: دَعْنِى أَقْسِمْ مَالِى حَيْثُ شِئْتُ، فَأَبَى. قُلْتُ: فَالنِّصْفُ؟ فَأَبَى. قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ بَعْدَ الثُّلُثُ. قَالَ: فَكَانَ بَعْدُ الثُّلُثُ جَائِزًا. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَكَان - بَعْدُ - الثُّلُثُ جَائِزًا. 7 - (...) وحدّثنى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: عَادَنِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أُوصِى بِمَالِى كُلِّهِ؟ قَالَ: " لَا ". قُلْتُ: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: " لَا ". فَقُلْتُ: أَبِالثُّلُثِ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ". 8 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِىُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد بن أبى وقاص، وكذا جاء فى بعض الطرق، وأكثر ما جاء أنه من قول الزهرى، ويحتمل أن يكون قوله: " أن مات بمكة " من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن قول غيره: " يرثى له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فقط، تفسير المعنى. قوله: " البائس " إذ قد روى فى حديث آخر: " لكن سعد بن خولة البائس قد مات فى الأرض التى قد هاجر منها ". واختلف فى قصة سعد بن خولة، فقيل: لم يهاجر من مكة حتى مات بها، ذكره ابن سيرين وقاله عيسى بن دينار. وذكر البخارى أنه هاجر وشهد بدرًا، ثم انصرف الى مكة ومات بها. وقال ابن هشام: وإنه ممن هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرًا وغيرها، وتوفى بمكة فى حجة الوداع. وقيل: بل توفى فى سنة سبع فى الهدنة مدة القضية، خرج مساء إلى مكة من المدينة. فعلى هذا وعلى ما قاله عيسى يكون بؤسه بينًا لسقوط هجرته برجوعه مختارًا وموته بها، وقد يكون بؤسه لموته بها على أى حال كان وإن

عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىِّ، عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، كُلُّهُمْ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودُهُ بِمَكَّةَ، فَبَكَى. قَالَ: " مَا يُبْكِيكَ؟ " فَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِى هَاجَرْتُ مِنْهَا، كَمَا مَاتَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ، اشْفِ سَعْدًا. اللَّهُمَّ، اشْفِ سَعْدًا " ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِى مَالاً كَثِيرًا، وَإِنَّمَا يَرِثُنى ابْنَتِى، أَفَأُوصِى بمَالِى كُلِّهِ؟ قَالَ: " لَا ". قَالَ: فَبِالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: " لَا ". قَالَ: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: " لَا ". قَالَ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: " الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّ صَدَقَتَكَ منْ مَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّكَ أَنْ تَدَعَ أَهْلَكَ بِخَيْرٍ - أَوْ قَالَ: بِعَيْشٍ - خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ " وَقَالَ بِيَدِهِ. 9 - (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يكن باختياره، لما فاته من الأجر والثواب بالموت فى بلد مهاجره والغربة عن وطنه الذى هجره لله. وقد ورد فى هذا الحديث أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف مع سعد بن أبى وقاص رجلاً، فقال له: إن توفى بمكة فلا يدفنه بها. حيطة على كمال أجره واستبقاء ثواب هجرته. وذكر مسلم فى هذا الحديث: " وكان يكره أن يموت فى الأرض التى هاجر منها ". وذكر فى الرواية الأخرى عن سعد بن أبى وقاص: " خشيت أن أموت بالأرض التى هاجرت منها كما مات سعد بن خولة ". وهذا يبين أن موت سعد بن خولة بمكة لا يقطع أنه لم يهاجر، وأنه ترك هجرته. وسعد بن خولة هذا هو زوج سبيعة الأسلمية التى مات عنها، وتقدم فى كتاب العدة حديثها (¬1). وفى حديث سعد يخصص عموم جواز الوصية فى القرآن بالسنة بالاقتصار على الثلث، وفى هذا الأصل بين الفقهاء والأصوليين خلاف. والصواب تصحيحه أن السنة مبينة، ولما علم من اجتهاد الصحابة على مثل هذا متى ورد. وأبو داود والحفرى واسمه عمر بن سعد. وذكر مسلم فى الباب حديث حميد بن عبد الرحمن الحميرى عن ثلاثة من ولد سعد، كلهم يحدث عن أبيه. قال الدارقطنى: كذا قال الثقفى عن أيوب عن عمرو بن سعد عن حميد. وقال حماد: عن أيوب عن عمرو بن حميد، عن ثلاثة من ولد سعد، قالوا: مرض ¬

_ (¬1) انظر: ك الطلاق، ب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها ... إلخ برقم (56).

سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىِّ، عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، قَالُوا: مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ. بِنَحْوِ حَدِيثِ الثَّقَفِىِّ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِى ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، كُلُّهُم يُحَدِّثُنِيهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ صَاحِبِهِ. فَقَالَ: مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِىِّ. 10 - (1629) حدّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِىُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ". وَفِى حَدِيثِ وَكِيعٍ: " كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد بمكة، فأرسله. ورواه هشام عن محمد عن حميد نحوه. وقد أدخل هذه الآثار كلها مسلم. قال القاضى - رحمه الله -: وأرى مسلمًا أدخل هذه الروايات ليبين الخلاف فيها، وهى وشبهها عندى من العلل التى وعد بذكرها فى مواضعها، وظنّ ظانون أنه يأتى - بها مفردة فقالوا: توفى قبل تأليفها. وقد بسطنا هذا صدر الكتاب، ولم يدرك أحدٌ من ولد سعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدل عليه قوله فى الحديث: " ولا يرثنى إلّا ابنة لى " وذلك فى حجة الوداع آخر مدة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا الحديث وإن لم يذكر فى بعض طرقهم سماعهم عن سعد ذلك، فهو محمول على المسند لروايتهم عنه غير هذا على أصلهم فى ذلك، وما قدمه مسلم صدر الكتاب وذكر فى الباب: نا محمد بن مثنى، نا عبد الأعلى، قال: نا هشام. وكذا لجمهور شيوخنا. وفى بعض النسخ: نا " ابن عبد الأعلى " مكان " عبد الأعلى السماحى " بسين مهملة، أبو محمد. وقيل: أبو همام. وقاله مسلم. وقوله فى حديث ابن عباس: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الثلث والثلث كبير أو كثير ": مما استدل ابن عباس استدل غيره باستحباب النقص من الثلث لقوله: " كثير " وقوله: " غضوا " بالغين المعجمة: نقصوا، أى نقصوا منه جزءًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلف الناس فى المستحب من الوصية بعد إجماعهم على جواز الثلث، إلّا شيئًا ذهب إليه بعضم من أن الوصية بالثلث إنما هى لمن لا وارث له (¬1). وما روى عن بعض السلف من إيجاب النقص من الثلث، فعن أبى بكر أنه أوصى بالخمس، واحتج بأن الله تعالى رضى من عباده بالخمس، ونحوه من على بن أبى طالب - رضى الله عنه - وعن عمر - رضى الله عنه - بالربع، وهو قول إسحاق، واختار آخرون السدس أن يكون دون ذلك. وقال الحسن: السدس أو الخمس أو الربع. وقال النخعى: كانوا يكرهون الوصية بمثل نصيب أحد الورثة. واختار آخرون العشر لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بعض روايات سعد: " أوص بالعشر "، وروى عن على وابن عباس وعائشة وغيرهم لمن ماله قليل وله ورثة لا ترك الوصية لقوله: " إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة ". قال الإمام - رحمه الله -: ذكر مسلم فى سند هذا الحديث: نا أبو كريب، قال: نا ابن عمير عن هشام بن عروة، هكذا فى نسخة ابن ماهان، والذى فى نسخة الجلودى: نا أبو بكر بن أبى شيبة، نا ابن نمير. فجعل بدل " أبى كريب " " أبا بكر ". ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 23/ 33 وما بعدها.

(2) باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت

(2) باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت 11 - (1630) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً قَالَ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَبِى مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". 12 - (1004) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّىَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَإِنِّى أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَلِىَ أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: إن أبى مات وترك مالاً ولم يوص، أفيكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: " نعم " وفى حديث عائشة - رضى الله عنها -: " إن أمى افتتلت نفسها ... فلى أجر أن أتصدق عنها؟ " وفى الرواية الأخرى: أفلها أجر أن أتصدق عنها؟ قال: " نعم "، قال القاضى - رحمه الله -: فيه جواز النيابة فى الطاعة فى الأموال، وصدقة الحى عن الميت، والناس بعضهم عن بعض، وهذا مما أجمع المسلمون على جوازه واستحبابه. ومعنى " أيكفر عنه ": أى من السيئات. ومعنى " لها أجر ": أى لها حسنات بصدقتى عنها. وقد يكون انتفاع المتصدق عنه بذلك وإن لم يكن له فيه نية أن المتصدق وهبه أجرة فيه، وقيل: قد يوحى الميت والحى بما لم يكتسبه ولا نواه، كما يؤجر بغيبة غيره له وإن لم يعلم به. وإن هذه الأحاديث خاصة لعموم قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (¬1). وقوله: " افتتلت نفسها ": رويناه بضم السين على ما لم يسم فاعله، وبفتحها على المفعول الثانى. ومعنى ذلك: ماتت فجأة. والفلتة والافتلات: ما كان بغتة وعن عجلة بغير قصد ولا روية. وقوله: " وأظنها لو تكلمت تصدقت ": إما لما علم من حرصها على فعل الخير، أو لما علم من قصدها ونيتها فى الوصية. ويدل حرصها عليه ما فى حديث أم سعد من رواية مالك: أنها لما قيل لها: أوصى، قالت: إنما المال لسعد. فتوفيت قبل قدوم سعد. وإذن النبى - عليه السلام - لها فى الصدقة عنها، دليل على جواز ذلك، ولا خلاف ¬

_ (¬1) النجم: 39.

(...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّى افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَلَمْ تُوَصِ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ. " نَعَمْ ". 13 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِى الحَكمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنِى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنُ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ القَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا أَبُو أُسَامَةَ وَرَوْحٌ فَفِى حَدِيثِهمَا: فَهَلْ لِى أَجْرٌ؟ كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَأَمَّا شُعَيْب وجَعْفَرٌ فَفِى حَدِيثِهِمَا: أَفَلَهَا أَجْرٌ؟ كَرِوَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه ولا فى استحبابه للوارث، وأنه غير واجب عليه فى الواجبات والمندوبات. وذهب الشافعى أنه يجب على الوارث إخراج جميع ما فرط فيه من موروثه من الواجبات من رأس ماله. ومعنى قوله فى الرواية الأخرى: " أفلى أجر أن أتصدق " إن كانت هذه الرواية صحيحة فمعناها صحيح أيضاً: لى أجر فى فعل ذلك أهبه لها فتنتفع به، ويكون لها هى أجر أيضاً، أو يكون لى أجر فى سعى فيه وهبتى ذلك لها، مع أنه مالى فى الأصل.

(3) باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته

(3) باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته 14 - (1631) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - وابْنُ حُجْرٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ": وذلك لأن عمل الميت منقطع بموته، لكن هذه الأشياء لما كان هو سببها؛ من اكتسابه الولد، وبثه العلم عند من حمله فيه، أو إيداعه تاليفاً بقى بعده، وإيقافه هذه الصدقة - بقيت له أجورها ما بقيت ووجدت. وفيه دليل على جواز الوقف والحبس. ورد على من منعه مِن الكوفيين؛ لأن الصدقة الجارية بعد الموت إنما تكون بالوقوف. وفى هذا دليل على أنه لا يجزئ عمل الأبدان من صلاة وصيام ولا نيابة فى غير المال الذى نص عليه ونفى غيره.

(4) باب الوقف

(4) باب الوقف 15 - (1632) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا سُليْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أصاب عمر - رضى الله عنه - أرضاً بخيبر لم يصب مالاً قط أنفس عنده منه ": أى أفضل وأعجب إليه وأغبط، والنفيس من كل شىء، المرغوب فيه، المحروص عليه، وقد نفس نفاسة. واسم هذا المال ثمغ (¬1). وقوله: فأتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأمره، فقال: " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها " الحديث، قال الإمام - رحمه الله -: التحبيس عندنا جائز فى الخلاف (¬2) العقار، خلافاً لمن منعه على الجملة. والدليل عليه الاتفاق على تحبيس المساجد والسقايات، وحديث عمر - رضى الله عنه - هذا. وعندنا فى المذهب اضطراب فى تحبيس الحيوان وإذا كان الحبس فى الرباع على مجهول كالمساكين فلا خلاف أنه لا يعود على تحبيسه؛ لأن من أعطيه لا ينقطع فيبقى التحبيس ما يقوى، وكذلك إن كان على رجل وعقبه فإن العقب إذا انقطع لم يرجع ملكاً للمحبس؛ لأنه لما أعطى علق العطية بالعقب، وقد لا ينقطع ولا ذلك من قصده على أن له ملكه. وإن كان التحبيس على قوم معينين حياتهم، فإذا ماتوا ففيه قولان: هل يرجع ملكاً للمُحْبس إذ لا علامة على قصده التأبيد وزوال الملك، والأصل أن ملك الإنسان لا يزول إلا على الصفة التى أخرجه عليها أو يكون الأصل ألا يرجع ذلك إلى ملكه؛ لأن لفظة " التحبيس " دالة على القصد. والدلالة الملك على هذه الطريقة. وإذا قلنا: إنه لا يرجع ملكاً فإنه يرجع إلى أولى الناس بالحبس، والنكتة المعتبرة ها هنا التى يدور عليها الاختلاف فى هذا الأصل، فقد اضطربت الرواية فيه إذا حبس وذكر العقب، وسمى الصدقة أو لم يسمها، إلى غير ذلك من المسائل؛ إذ الألفاظ المصادرة عن المالك إما أن تكون نصوصاً فى إزالة ملكه بوضع اللغة أو بغلبة الاستعمال فى العرف، أو نصوصاً فى اللغة أو العرف دالة على القصد لبقاء الملك، أو محتملة للوجهين، فما الاحتمال فيه يقضى بموجبه ويحكم بمقتضاه وما فيه إشكال روجع فى تفسيره، فما فسره به مما يحتمله قوله قبل منه، وإن مات ¬

_ (¬1) قال صاحب اللسان: الثمغ: مال كان لعمر بن الخطاب فوقفه، وبالكسر فى الرطب خاصة. انظر: اللسان، مادة " ثمغ ". (¬2) قيدت هكذا وليس لها معنى.

مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِى بِهِ؟ قَالَ: " إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا ". قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ؛ أَنَّهُ لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُبْتَاعُ، وَلا يُورَثُ، وَلا يُوهَبُ. قَالَ: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِى الفُقَرَاءِ، وَفِى القُرْبَى، وَفِى الرِّقَابِ، وَفى سَبِيلِ اللهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الحَدِيث مُحَمَّدًا. فَلمَّا بَلَغْتُ هَذَا المَكَانَ: غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَأَنْبَأَنِى مَنْ قَرَأَ هَذَا الكِتَابَ؛ أَنَّ فِيهِ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً. (...) حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل أن يستفسر فالنظر عندى ألا يلزمه إلا أقل ما يقتضيه قوله؛ لأن الأملاك لا تخرج بالشك. وهذا الأصل يدور عليه جميع ما وقع فى ذلك فى الروايات. وأما قوله: " لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متأثل مالاً " فإن الحبس إذا استثنى محبسه منه هذا فى أصل التحبيس صح ذلك. ولما أكل الصديق فى حكم المعلوم مبلغه فيباح له منه قدر ما خرجت العادة به ولو لم يشترط ذلك، وكان التحبيس على المساكين ومن يليها منهم، فإنه لا يحرم عليه ما لا يحرم على أحدهم وإن كان غنياً، واضطر إلى قيامه عليها ما لا يحرم بهذا القدر على جهة الإجازة، ويكون ما يأخذ معلوماً صح ذلك، وليست بأعظم من الزكوات التى جعل الله - سبحانه - فيها حقًا للعاملين عليها، وإن كانوا أغنياء. وتقييده فى قوله: " أن يأكل منها بالمعروف، إشارة إلى ما قلناه فى الرجوع إلى العادة فى ذلك. وأما قوله: " غير متأثل مالاً " فمعناه: غير جامع، وكل شىء له أصل قديم أو جمع حتى يصير له أصل فهو موثل، ومنه: مجد موثل: أى قديم الأصل، وأثلة الشىء: أصله. قال القاضى - رحمه الله -: فيه نص من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحبس والأمر به، وفيه جواز التحبيس على الأغنياء لقوله: " أو يطعم صديقاً "، وفيه جواز أكل القيم عليه منه، وأن جميع ذلك بالمعروف، كما قال الله - تعالى - فى ولى اليتيم على قول بعضهم، وجواز الشرط فى الحبس. وقول مسلم آخر حديث محمد بن مثنى: فى الباب زيادة قوله: وفى حديث ابن أبى

بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِى زَائِدَةَ وَأَزْهَرَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ ". وَلَمْ يُذْكَرْ مَا بَعْدَهُ. وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِى عَدِىٍّ فِيهِ مَا ذَكَرَ سُليْمٌ قَوْلَهُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا إِلَى آخِرِهِ. (1633) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِىُّ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالاً أَحَبَّ إِلىَّ وَلا أَنْفَسَ عِنْدِى مِنْهَا. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ: فَحَدَّثْتُ مُحَمَّدًا وَمَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عدى ما ذكره سليم فى قوله: فحدثت بهذا الحديث محمدًا إلى آخره. سقطت هذه الزيادة عند العذرى، وثبتت عند غيره.

(5) باب ترك الوصية لمن ليس له شىء يوصى فيه

(5) باب ترك الوصية لمن ليس له شىء يوصى فيه 16 - (1634) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لا. قُلْتُ. فَلِمَ كُتِبَ عَلى المُسْلِمِينَ الوَصِيَّةُ، أَوْ فَلِمَ أُمِرُوا بِالوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ. 17 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ - بْنِ مِغْوَلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ وَكِيعٍ: قُلْتُ: فَكَيْفَ أُمِرَ النَّاسُ بِالوَصِيَّةِ؟ وَفِى حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: قُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى المُسْلِمِينَ الوَصِيَّةُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول السائل لابن أبى أوفى: " هل أوصى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: لا. فقال: لم كتب على المسلمين الوصية؟ أو فلم أمر بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله "، وفى حديث عائشة - رضى الله عنها -: " ما أوصى بشىء "، قال الإمام - رحمه الله -: هذا يشير إلى أنه كان يرى المساواة فى الأحكام بيننا وبينه والرجوع إلى أفعاله [] (¬1) كتب على المسلمين الوصية، إذ كان أراد بذلك الفرض، فلعله اعتقد مقتضى قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [إن تَرَكَ خَيْرًا] (¬2) الْوَصِيَّةُ} الآية (¬3)، وظن أنها لم تنسخ أو يكون [رأى] (¬4): أى داود ومَنْ وافقه [من القائلين بـ] (¬5) إيجاب الوصية وقد قدمنا مذهبهم. قال القاضى - رحمه الله -: ظاهر قوله: " لم يوص " يعارض الحديث الآخر فى وصيته بأشياء: لا يبقى دينان بأرض العرب، وإخراج المشركين منها، وإجازة الوفد، وأنه أوصى بعترته وبصدقة أرضه، وإنما أراد هنا نفى الوصية بالأمر بعده التى تدعيه الشيعة والروافض وهو الذى أنكرت عائشة - رضى الله عنها - فى الحديث الآخر بقولها: " متى أوصى إليه؟ " وكذلك قوله: " أوصى بكتاب الله وعترته وبالثقلين " وغير ذلك كله ليس ¬

_ (¬1) بياض فى الأصل. (¬2) سقط من الأصل. (¬3) البقرة: 180. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

18 - (1635) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَأَبُو معَاوِيَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيراً، وَلا أَوْصَى بِشَىْءٍ. (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كُلُّهُمْ عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِىٌّ بْنُ خشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - وَهُوَ ابْنُ يُوُنسَ - جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 19 - (1636) وحدّثناَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - واللَّفْظ لِيَحْيَى - قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدٍ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ؛ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا. فَقَالَتْ: مَتَى أَوْصَى إِليْهِ؟ فَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِى - أَوْ قَالَتْ: حَجْرِى - فَدَعَا بِالطَّسْتِ. فَلَقَد انْخَنثَ فِى حَجْرِى، وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ مَاتَ، فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمناقض لقولها: " ما أوصى بشىء "؟ لأن السؤال عن الوصية بمال فى وجوه البر، قالوا: ولأن أرضه التى تصدق بها حقيقة ذلك ليست بوصيته ولا صدقة محضة، بل هو حكم بركته، وإنما أخرجها صدقة شرع الله وحكمه، قال - عليه السلام -: " لا نورث ما تركناه صدقة " (¬1). فإن سميت صدقة ووصية فعلى صورة حكمها ومجاز أمرها، فلا تناقض بين هذه الأحاديث على هذا، ولأنه لم يترك - عليه السلام - شيئًا يوصى فيه. قال الإمام - رحمه الله -: وقولها: فلقد انخنث فى حجرى. أصل الانخناث التكسر، ومنه انخناث الأسقية، ومنه سمى الرجل الذى فى كلامه ومعطافه لين وتكسر: مخنثاً، فلعلها تريد أنه انخنث فى حجرها، أى تمايل واجتمع. قال القاضى - رحمه الله -: الانخناث: التمايل والانثناء، وهو المراد هنا وهو المعنى، أى تكسر السقاء، أى انطوى بعضه على بعض، وميل بعضه على بعض. وفى " حجرى " لغتان: فتح الحاء وكسرها إذا كان بمعنى الثوب. والحضن من الحضانة بالكسر لا غير. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الفرائض، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نورث " 8/ 185، مسلم، ك الجهاد والسير، ب قوله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نورث ما تركناه صدقة " (1758/ 51)، أبو داود، ك الخراج والإمارة والفىء 2/ 126.

20 - (1637) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَال: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الخَمِيسِ: وَمَا يَومُ الخَمِيسِ! ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الحَصَى فَقُلْتُ: يَا بْنَ عَبَّاسٍ، وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، فَقَالَ: " ائْتُونِى أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِى "، فَتَنَازَعُوا. وَمَا يَنْبَغِى عِنْدَ نَبِىٍّ تَنَازُعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والحجر - الذى هو العقل - بالكسر لا غير، والحجر: المنع، بالفتح لا غَيرَ مصدراً، والكسر لا غَيرَ اسماً. وقول ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ وذكرهُ قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين اشتد به وجعه: " ائتونى أكتب لكم كتاباً بألا تضلوا بعدى " وذكر تنازعهم فى ذلك، وقول عمر - رضى الله عنه -: " حسبنا كتاب الله "، وقوله عند ذلك: " دعونى فالذى أنا فيه خير "، وفى الرواية الأخرى: " قوموا عنى "، وقول ابن عباس: " إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ". قال الإمام - رحمه الله -: النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوم من أن يكذب على الله - عز وجل - أو يفسد ما يبلغه عنه، وهو مع هذا غير معصوم من الأمراض وما يكون من بعض عوارضها ما لا يعود لبعض فى منزلته ولا فساد فيما مهد من شريعته. وقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سحر يخيل إليه أنه عمل الشىء وما عمله، ولم يجر ها هنا منه - عليه السلام - من الكلام ما يعد مناقضاً لما قدم من الأحكام والشرائع ولا الكلام فى نفسه دال على الهذيان الذى يكون على الحميات، وقد بقى كثير من الأحكام عظيم خطرها فى الشرع غير منصوص عليها، ولكنه قد حض على أصولها ووكل العلماء إلى الاستنباط، فيقول كل إنسان منهم بقدر ما يظهر له. وقد يقع بسبب اختلافهم فيما استنبطوه فى بعض المسائل مرج وفتن، ولو وقع النص عليها لارتفع الخلاف وذهب الهرج، ولعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أراد أن يتعرض لبعض هذه المسائل، وقد قال بعض العلماء: الأظهر عندى أنه أراد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينص على الإمامة بعده؛ ليرتفع بنصه عليها تلك الفتن العظيمة التى منها حرب صفين والجمل، وهذا الذى قاله غير بعيد. فإن قيل: كيف حسن الاختلاف مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتونى أكتب لكم "؟ وكيف يعصونه فيما أمر؟ قلنا: لا خلاف أنَّ الأوامر تقارنها قرائن تنقلها من الندب إلى الوجوب عند من قال: إن أصلها على الندب، ومن الوجوب إلى الندب عند مَنْ قال: إن أصلها على الوجوب. وتنقل القرائن - أيضاً - صيغة أفعل إلى الإباحة وإلى التعجيز، وإلى غير ذلك من ضروب المعانى. فلعله ظهر منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرائن ما دل على أنه لم يوجب ذلك عليهم بل جعله إلى

وَقَالُوا: ما شأنُهُ؟ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ. قَالَ: " دَعُونِى، فَالَّذِى أَنَا فِيهِ خَيْرٌ، أُوصِيكُمْ بِثَلاثٍ: أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ " قَالَ: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَهَا فَأُنْسِيتُهَا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الحَدِيثِ. 21 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الخَمِيسِ! وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ! ثمَّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ، حَتَّى رَأَيْتُ عَلَى خَدَّيهِ كَأَنَّهَا نِظَامُ اللُّؤَلُؤِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتُونِى بالكَتِفِ وَالدَّوَاةِ - أَوِ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ - أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ تخييرهم، فاختلف اختيارهم بحسب اجتهادهم، وهو يدل على رجوعهم إلى الاجتهاد فى الشرعيات، فأرى عمر - رضى الله عنه - اجتهاده إلى الامتناع من هذا، ولعله استلوح أن ذلك منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدر من غير قصد إليه جازم، وهو المعنى بقولهم: " هجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وبقول عمر - رضى الله عنه -: " غلب عليه الوجع " وما ضامه من القرائن الدالة على أنه عن غير قصد جازم على حسن ما كانوا يعهدونه من تعوده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بلاغ الشريعة، وأنه لا يجرى مجرى غيره من طرق البلاغ التى اعتادوها منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ظهر ذلك لعمر - رضى الله عنه - ولم يظهر للآخرين ما ظهر لعمر فخالفوه، فلعل عمر - رضى الله عنه - هجش فى نفسه أن المنافقين قد يستطرقون إلى القدح فيما اشتهر من قواعد الإسلام، وبلغه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسائر المسلمين بكتاب يكتب فى خلوة وأحاد، ويضيفون إليه ما يشبهون به على الذين فى قلوبهم مرض، ولهذا قال عمر: " عندكم القرآن، حسبنا كتاب الله ". قال أهل اللغة: هجر العليل بمعنى هذى. قال الإمام - رحمه الله -: فقد قدمنا نحن بيان القول فيما وقع منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبينا ما يجوز عليه وما لا يجوز. قال الإمام القاضى - رحمه الله -: رواية مسلم فى هذا: " العجز ": وكذا وقع فى كثير من الطرق، وهو أصح من رواية مَنْ روى: " هجر " و " يهجر " إذ هذا كله لا يصح منه - عليه السلام - ولا يصح أن يعتقد عليه وإنما جاء هذا لِمَنْ قائله على طريق الإنكار لمن قال: لا تكتبوا، أى لا تتركوا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتجعلوه كأمر من هجر فى كلامه، أو هو لا يهجر، كما قال تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} (¬1) أى أنت لا تهلكنا ¬

_ (¬1) الأعراف: 155.

تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً " فَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ. 22 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِى البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعْدَهُ ". فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلْبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابَ اللهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ، فاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لنْ تَضِلِّوا بَعْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصورة صورة الاستفهام والتقدير والمعنى النفى المحض، وإلا صحت الروايات الأخر، فيكون من قائلها خطأ وعلى غير تحقيق، بل لما أصابه من الحيرة والدهش العظيم ما شاهده من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه الحال التى دلت على فقده، وعظيم المصاب به، وخوف الفتن والضلال بعده، فلم يضبط ما قاله، وأجرى الهجر مجرى شدة الوجع، كما حملهم الإشفاق عليه على حراسته، والله تعالى يقول له ويسمعهم: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (¬1). وقد رواه بعضهم: " هُجر " بضم الهاء فى غير مسلم، ويحتمل أن يرجع هذا إلى الحاضرين، أى جئتم باختلافكم وتنازعكم هُجراً ومنكراً من القول. والهجر الفحش فى المنطق، وسيأتى الكلام على ما أشار إليه من حديث سحره - عليه السلام - فى موضعه إن شاء الله تعالى. واختلف العلماء - رحمهم الله - فى معنى هذا الحديث مما تقدم. وقيل: إن معنى هذا الحديث بما تقدم، وقيل: إن معنى الحديث أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن المبتدئ بالأمر به، وإنما سئل ذلك فأجاب إليه، فلما رأى اختلافهم فيه وعدم اجتماعهم على كتابه قال: " قوموا عنى، ودعونى " وهذا عند القائل بهذا يدل أنه كان غير مبتدئ بل مسؤول، وأن الذى أنا فيه من إرسال الأمر وترككم، وكتاب (¬2) [وتدعونى بما طلبتم] (¬3) خير. وقول عمر - رضى الله عنه -: " حسبنا كتاب الله ": رد على مَنْ نازعه لا على أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: خشى عمر - رضى الله عنه - أن يُكتب فى الكتاب ما لعلهم يعجزون عنه فيحصلون بالحرج بالمخالفة، وأن الأرفق بهم سعة الاجتهاد ورحمة الخلاف وثواب المخطئ والمصيبة مع تقرر أصول الشريعة، وكمال الدين، وتمام النعمة. وقيل: قد يكون امتناع عمر إشفاقًا على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تكليفه فى تلك الحال إملاء كتاب؛ ولذلك قال: ¬

_ (¬1) المائدة: 67. (¬2) فى الأبى: وكتاب الله. (¬3) لعلها حشو.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللغْوَ وَالاخْتِلافَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَال رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُومُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشتد به وجعه، حسبنا كتاب الله ". وقوله: " أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ": المراد بالمشركين هنا: اليهود، وكذا جاء مفسراً فى غير هذا الحديث. وقد كان المشركون قتلوا ودخلوا فى الإسلام. قال أبو عبيد عن الأصمعى: جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق فى الطول، وأما فى العرض فمن جدة وما والاها إلى أطوار الشام. وقال أبو عبيد: هى ما بين حفر أبى السماوة فى العرض (¬1) (*). وإنما سميت جزيرة؛ لإحاطة البحار بها وانقطاعها من الماء. وأصل الجَزْر: القطع، وأضيفت إلى العرب؛ لأنها الأرض التى كانت بأيديهم قبل الإسلام. وذكر الهروى عن مالك: جزيرة العرب المدينة. وقال المغيرة المخزومى: جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة بإخراج على مَنْ كان على غير الإسلام من هذه البلاد، ولا يمنع من التردد فيها مسافرين، وقاله مالك والشافعى وغيرهما، إلا أن الشافعى خص هذا الحكم بالحجاز وحده من أرض العرب والحجاز عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن. قالوا: ويضرب لهم حيث حلوا منه أجل ثلاثة أيام لينظروا فى حوائجهم، كما ضرب لهم ذلك عمر - رضى الله عنه - حين أجلاهم، ولا يدفنون فيه - عند الشافعى - موتاهم، ويخرجون إلى الدفن لغيرها ما لم يتغيروا. وأجاز أبو حنيفة استيطانهم هذه البلاد. قال الطبرى: سنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته إخراج كل من دان بغير الإسلام من كان بلد للمسلمين كانت، مما أسلم عليها أهلها، أو من بلاد العنوة إذا لم يكن بالمسلمين ضرورة إليهم، يريد إما لعمارة أرض ونحوها (**)، كما أبقى عمر - رضى الله عنه - مَنْ أقر من ذمة الشام والعراق لعمارة أرضها، وإنما خص فى هذا الحديث جزيرة العرب لأنه لم يكن يومئذٍ للإسلام ظهور فى غيرها. فأما إقرارهم مع المسلمين فى مصر لم يتقدم لهم عقد صلحٍ قبل عقد الإقرار به فما لا نعلمه عن أئمة الهدى. وذكر أحاديث منها عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يبقى قبلتان بأرض " ومنها إخراج أهل الذمة من الكوفة إلى الحيرة. وعن ابن عباس - رضى الله عنه -: " لا يساكنكم أهل الكتاب فى مضاربها ". قال الطبرى: فالواجب على كل إمام إخراجهم من كل مصر غلب عليه الإسلام، إذا لم يكن من بلادهم التى صولحوا عليها، إلا أن تدعو ضرورة لبقائهم لعمارتها، فإذا كان فلا يدعوهم فى مصر مع المسلمين أكثر من ثلاثة أيام، وليسكنهم الخارج عنهم، وليمنعهم اتخاذ المساكن فى مصار المسلمين ويبيعها ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث للهروى 2/ 67. (*) قال معد الكتاب للشاملة: نص عبارة أبي عبيد كما في غريب الحديث للهروي 2/ 67، كالتالي: جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول وأما العرض فما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة. (**) قال معد الكتاب للشاملة: نقل العيني عن الطبري في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (15/ 90)، كالتالي: وقال الطبري: فيه: من الفقه: أن الشارع بين لأمته المؤمنين [إخراج كل من دان بغير دين الإسلام من كل بلدة للمسلمين، سواء كانت تلك البلدة من البلاد التي أسلم أهلها عليها أو من بلاد العنوة] إذا لم يكن للمسلمين بهم ضرورة إليهم، مثل كونهم عمارا لأراضيهم ونحو ذلك. ونقله الابن حجر كذلك في فتح الباري لابن حجر (6/ 271)، كالتالي: قَالَ الطَّبَرِيُّ فِيهِ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ [إِخْرَاجَ كُلِّ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَة] إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ ضَرُورَةٌ إِلَيْهِمْ كَعَمَلِ الْأَرْضِ

قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ، مِنْ اختِلافِهِمْ وَلغَطِهمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم إن ملكوها. وقال غيره: إن الحكم مختص بمن كان بجزيرة العرب، كما جاء فى الحديث، غدروا أو لم يغدروا، ويخرجون بكل حال، فأما غيرهم فلا يخرجون، إلا أن يغدروا أو يخاف ذلك منهم، فينقلون إلى حيث يؤمن شرهم. وأما الحرم، فمعظم الفقهاء على منع كل كافر من حوله لا مستوطناً ولا ماراً فيه، وإن مات فيه ميت ممن دخله نقل عنه، إلا أن يتغير. وجوَّز أبو حنيفة مرورهم فيه ودخولهم إياه. وقوله: " وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ": سنة منه - عليه السلام - فى ذلك لازمة للأئمة بعده للوفود عليهم، تطييبًا لنفوسهم وترغيبًا لأمثالهم ممن يستألف، وقضاء لحق قصدهم، ومعونة بهم على سفرهم، وسواء عند أهل العلم كانوا مسلمين أو كفارًا؛ لأن الكافر إذا وفد إنما يفد فيما بينهم وبين المسلمين وفى مصالحهم غالبًا. وأما قوله: " وسكت عن الثالث " يعنى ابن عباس وقال: " أنسيتها " يعنى سعيد ابن جبير. قال المهلب: الثالثة: تجهيز جيش أسامة. قال القاضى - رحمه الله -: وقد يحتمل هذا قوله - عليه السلام -: " لا تتخذوا قبرى وثناً يعبد "، فقد ذكر مالك فى الموطأ معناه، مع إجلاء اليهود من حديث عمر - رضى الله عنه (¬1)، وقال: آخر ما تكلم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: " قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب " (¬2). ¬

_ (¬1) الموطأ 2/ 893 (19). (¬2) الموطأ 2/ 892 (17).

26 - كتاب النذر

بسم الله الرحمن الرحيم 26 - كتاب النذر (1) باب الأمر بقضاء النذر 1 - (1638) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى نَذْرٍ كَانَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب النذور قوله: إن سعد بن عبادة استفتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه، فقال: " اقضه عنها ". قال الإمام - رحمه الله -: قد قدمنا أن الميت تقضى عنه الحقوق المالية، وذكرنا الخلاف فى البدنية، وما تقدم يغنى عن إعادته هاهنا. قال القاضى - رحمه الله تعالى -: فى هذا الحديث جواز النذر للطاعة. وقد جاء فى كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً، وأمر بالوفاء به وأثنى على فاعل ذلك، وذمّ مَنْ لم يوف به. وما ورد من النهى عنه فمعناه ما كان لمعنى من أمر الدنيا، كقوله: إن شفانى الله من مرضى تصدقت بكذا، وإن قدم غائبى صمت كذا فيكره هذا؛ لما خالطه من غرض الدنيا والاشتراك فى عمله، ولذلك جاء فى الحديث: " إنما هو شىء يستخرج به من البخيل ". فأما إن كان نذرًا مطلقًا لله وإرادة الثواب، وشكراً لما أولاه الله وقضاه من حاجته - فلا يكره. وسنذكر بعد. والنذر لازم فى الجملة، قال الله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُم} (¬1) وقال - عليه السلام -: " مَنْ نَذر أن يطيع الله فليطعه " (¬2)، وقال ذامًا للآخرين: " وينذرون ولا يوفون " (¬3). ويلزم النذر عند مالك مطلقاً، كقوله: على نذر، أو مقيد كقوله: علىَّ نذر صدقة أو صيام (¬4). وللشافعى فى المطلق قولان: مرة ألزمه ومرة أبطله، وجعل فيه أقل ما يقع عليه ذلك الإثم (¬5). ¬

_ (¬1) الحج: 29. (¬2) البخارى، ك الأيمان والنذور، ب النذر فى الطاعة 8/ 177، أبو داود، ك الأيمان والنذور، ب ما جاء فى نذر المعصية 2/ 108، الترمذى، ك النذور والأيمان، ب من نذر أن يطيع الله فليطعه 4/ 104، كلهم عن عائشة - رضى الله عنها. (¬3) البخارى، ك الأيمان والنذور، ب إثم من لا يفى بالنذر 8/ 176، أبو داود، ك السنة، ب فى فضل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 2/ 518، أحمد 4/ 426، 436، كلهم عن عمران بن حصين. (¬4) التمهيد 2/ 62. (¬5) انظر: الحاوى 15/ 467.

أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَاقْضِهِ عَنْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند مالك وكافة العلماء: فيه كفارة يمين، ويأتى فيه أثر مفسرٌ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيح، وسواء كان عندنا لا على وجه القصد والتوبة، أو وجه الخوف ووجه الغضب فى الحرج إذا قيده أو أطلقه يلزم. وقال الشافعى: هو مخير فى نذر الحرج المقيد أن يفى به أو يكفر كفارة يمين، وسيأتى ذكره. وأما النذر بشىء مباح كالقيام والمشى إلى السوق ونحوه، فعند مالك وكافة العلماء: لا يلزم، وهو مكروه؛ لأنه من تعظيم ما لا يعظم، بل ظاهر كلام مالك أنه من نذر المعصية (¬1). وقال أحمد بن حنبل: هو لازم يخير بين فعله أو كفارة يمين. وقوله: " ولم تقضه ": يحتمل أنه وجب عليها فلم تقضه؛ ولهذا حضه - عليه السلام - على قضائه عنها، وهو أظهر من لفظ الحديث، لاسيما مع الحديث المتقدم: " إنما ماتت فجأة " (¬2). وقيل: يحتمل أن تكون عقدته ولم يجب عليها. وهذا الحديث مما يحتج به الشافعى فى أن مَنْ وجب عليه حق فى ماله من يمين أو نذر أو كفارة - فهى مقضية من ماله كديونه اللازمة. ومالك وأبو حنيفة وأصحابهما يخالفونه فى ذلك، ويرون أنه لا يقضى شىء من ذلك إلّا أن يوصى به. ثم اختلفوا هل يكون فى ثلثه؟ وهو قولنا، وعند غيرنا فى رأس ماله. واختلف أصحابنا فيما لم يفرط فيه من زاد كالزكاة الحالة وشبهها، فعند ابن القاسم: أنها تخرج إذا أوصى بها من رأس المال، ولا يلزم إذا لم يوصِ بها. وعند أشهب: يخرج من رأس المال، أوصى بها أم لا. واختلف فى نذر أم سعد ما كان؟ فقيل: كان نذرًا مطلقًا، وقيل: كان صومًا، وقيل: كان عتقًا، وقيل: كان صدقة. واستدل كل قائل بأحاديث وردت فى قصة أم سعد. ويحتمل أن النذر عليها ورد فى تلك الأحاديث، والله أعلم (¬3). وأظهر ما فيها أن نذرها كان فى المال أو نذرًا مبهمًا، ويكون حديث من احتج لذلك برواية مالك لما قيل لها: أوصى، قالت: فيم أوصى وإنما المال مال سعد؟ أى فأوصى فيه بقضاء نذرى. ويطابق هذا قول من روى: " فأعتق عنها "، فإن العتق من الأموال ومن كفارة النذور وليس فيه كفارة قطع على أنه كان عليها عتقًا، كما استدل به من قال: إنه كان عليها رقبة، ولأن هذا كان من باب الأموال المتفقة على النيابة فيها، ويعضده - أيضاً - ما رواه الدارقطنى من حديث مالك: فقال له - يعنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسق عنها الماء ". وأما حديث القوم فقد قاله أهل الصنعة للاختلاف بين رواته فى سنده وكثرة اضطرابه. ¬

_ (¬1) التمهيد 2/ 63. (¬2) سبق فى ك الوصية. (¬3) انظر: الاستذكار 15/ 11.

(...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِإِسْنَادِ اللَّيْثِ، وَمَعْنَى حَدِيثِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فاقضه عنها ": على غير الوجوب عند كافة العلماء؛ لأنه إنما سأل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل يفعل ذلك؟ فأباح له ذلك، وحمله غيرهم على الندب والترغيب لقوله: " فينفعها "، ولا شك أن كل نافع يرغب فيه، وهذا عند كافتهم ما يتعلق بالمال. وحمل أهل الظاهر هذا على الوجوب، فألزموا الوارث قضاء النذر عن الميت (¬1) مكانه. وأما غيره يلزم ذلك الأقعد منهم فالأقعد. ¬

_ (¬1) الاستذكار 15/ 16.

(2) باب النهى عن النذر، وأنه لا يرد شيئا

(2) باب النهى عن النذر، وأنه لا يردّ شيئًا 2 - (1639) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَنْهَانَا عَنِ النَّذْرِ، وَيَقُولُ: " إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشَّحِيحِ ". 3 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَكِيمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " النَّذْرُ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُهُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً ينهانا عن النذر، ويقول: " إنه لا يرد شيئًا "، وفى الحديث الآخر: " لا يقدم شيئًا ولا يؤخره "، وفى الحديث الآخر: " إنه لا يأتى بخير "، وفى الحديث الآخر: " لا يرد من القدر، وإنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج "، قال الإمام - رحمه الله -: ذهب بعض علمائنا إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ على النذر والحفظ على الوفاء به. وهذا عندى بعيد من ظاهر الحديث، ويحتمل عندى أن يكون وجه النهى أن الناذر يأتى القربة مستقلاً لها لما صارت عليه ضربة لازم، وكل محبوس الاختيار كأنه لا يبسط للفعل ولا يبسط إليه نشاط مطلق الاختيار. فقد كره مالك - رحمه الله - أن ينذر الإنسان صوم يوم بعينه ويوقفه، وعلل قوله شيوخنا بمثل هذا للذى قلناه. ويحتمل - أيضاً - أن يكون الناذر لما لم ينذر ما بذل من القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يختار، صار ذلك كالمعاوضة التى تقدح زينة التقرب، ويذهب الأجر الثابت للقربة المجردة، وفى الحديث: " مَنْ عمل عملاً أشرك فيه غيرى فهو له " (¬1)، ويشير إلى هذا التأويل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه لا يأتى بخير "، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن النذر لا يغنى من القدر شيئًا "، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله قدره له، ولكن النذر قد يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل، ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج "، ¬

_ (¬1) مسلم، ك الزهد، ب من أشرك فى غير الله 4/ 2289، ابن ماجه، ك الزهد، ب الرياء والسمعة 2/ 1405، وأحمد 2/ 301، كلهم عن أبى هريرة - رضى الله عنه.

4 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ. وَقَالَ: " إِنَّهُ لَا يَأَتِى بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ به مِنَ الْبَخِيلِ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 5 - (1640) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَنْذُرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِى مَنَ الْقَدَرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلَ ". 6 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلاءَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ. وَقَالَ: " إِنَّهُ لَا يَرُدُّ منَ الْقَدَرِ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ ". 7 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَمْرٍو - وَهُوَ ابْنُ أَبِى عَمْرٍو - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِن النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنِ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنِ اللهُ قَدَّرهُ لَهُ، وَلَكِنِ النَّذْرُ يُوَافِقُ الْقَدَرَ، فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا كالنفى على هذا التعليل الذى قلناه؛ لأنه أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن موافقة القدر تخرج منه ما لم يرد أن يخرج، وأن النذر ليس هو الجالب للقدر. قال القاضى - رحمه الله تعالى -: قد يقال: هل ذلك على طريق الإعلام بما ذكر فيه من أنه لا يخالف القدر ولا يأتى الخير بسببه والنهى عن اعتقاد خلاف هذا وأن يقع بظن جاهل، وهو بالجملة عند مالك مباح فيما تأوله بعض شيوخنا، إلا إذا كان مؤبدًا، فلذلك كرهه لتكرره عليه فى أوقات قد يثقل عليه فعله، وقد لزمه فيفعله بالرغم لا بالرضى،

(...) حدّثنا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - وَعَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىُّ - كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتكلفه غير طيب النفس ولا منشرح الصدر، ولا خالص النية فيكثر عناه ويقل أجره وثوابه، وهذا آخر محتملات قوله: " لا يأتى بخير "، أى أن اعتقاده قد لا يحمد والوفاء به قد لا يصح، وقد يكون معناه: لا يكون سببًا لخيرٍ لم يقدر وكما جاء فى الحديث.

(3) باب لا وفاء لنذر فى معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد

(3) باب لا وفاء لنذر فى معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد 8 - (1641) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِى الْمُهَلَّبَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنْ بَنِى عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى الْوَثَاقِ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ. فَقَالَ: " مَا شَأْنُكَ؟ ". فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِى؟ وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ فَقَالَ - إِعْظامًا لِذَلِكَ -: " أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ "، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: كانت ثقيف حلفًا لبنى عُقَيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً من بنى عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فى الوثاق، فقال: يا محمد، فأتاه فقال: " ما شانك؟ " فقال: بم أخذتنى؟ وبم أخذت سابقة الحاج؟ فقال - إعظامًا لذلك -: " أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف "، ثم انصرف عنه فناداه، فقال: يا محمد، يا محمد. وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحيماً رقيقاً. فرجع إليه فقال: " ما شأنك؟ " فقال: إنى مسلم. قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح "، ثم انصرف فناداه: يا محمد، يا محمد. فأتاه فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما شأنك؟ " فقال: إنى جائع فأطعمنى، وظمآن فأسقنى. قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه حاجتك "، ففُدى بالرجلين. قال: وأُسرت امرأة من الأنصار وأُصيبت العضباء: وفى هذا الحديث: " فانطلقت ونذروا بها، فطلبوها [ولاذوا بها] (¬1) فأعجزتهم، ونذرت إن نجاها عليها لتنحرنها " وفيه: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بئس ما جزيتها، لا وفاء بنذر فى معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم "، قال القاضى - رحمه الله -: ذكر فى أول هذا الحديث: أسر المسلمون هذا الرجل، وأصابوا معه العضباء، وقال فى آخره: " وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء ". العضباء غير القصواء على ما قاله ابن قتيبة وغير واحد، وقد تقدم قبل هذا، ما أشرنا إليه من أنه يحتمل أنها واحدة وأن العضبى والقصواء والجدع بمعنى من سمات الأذن وإن اختلفت صفاتها، وأنها اسم ناقته والقصوى والعضبى، فقد جاء فى حديث الحج أنه خطب على ناقته الجدعاء (¬2)، وفى رواية أخرى: ¬

_ (¬1) هذه الجملة حشو ليس فى الحديث. (¬2) أحمد 5/ 251 عن أبى أمامة.

وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقيقًا، فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ: " مَا شَأْنُكَ؟ ". قَالَ: إِنِّى مُسْلِمٌ. قَالَ: " لَوْ قُلتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ " ثُمَّ انْصَرَفَ. فَنَادَاهُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: " مَا شَأْنُكَ؟ ". قَالَ: إِنِّى جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِى، وَظَمْآنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ القصواء (¬1)، وفى أخرى: الخرمى (¬2)، وفى أخرى: المخضرمة (¬3)، وفى حديث مالك: كانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقة لا تسبق يقال لها: القصواء (¬4)، وفى حديث غيره: يقال لها: العضباء (¬5) [وأبو بيد] (¬6) يقول: هو اسم لها، وهذه الأحاديث تدل على أنها صفة فرب صفة صارت اسماً، لكن هذا الحديث والذى بعده فى كتاب مسلم وغيره يدل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما اكتسبها فى المدينة، وأنها كانت لبنى عقيل، وأن المشركين أغاروا عليها ثانية فحملوها كما جاء فى الحديث، وهو بين فى غير مسلم، قال: فحبس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العضباء لرحله، وأغار المشركون على سرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذهبوا به وبالعضباء، وأسروا امرأة من المسلمين، وهى امرأة ابن أبى ذر (¬7). وذكر بقية خبر المرأة كما ذكر مسلم. وقوله: إنى مسلم، فقال له - عليه السلام -: " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت " ثم ذكر الحديث: " فادى به "، قال الإمام - رحمه الله -: كيف قال له: إنى مسلم، ثم فادى به، ومَنْ أظهر الإسلام قُبِلَ منه من غير بحث عن باطن، وقد وقع فى أحاديث كثيرة الأخذ بالظواهر فى هذا، أو التنبيه على أنه لم يؤمر أن يبحث على البواطن والقلوب. قيل: يمكن أن يكون هذا من خصائص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع هذا الرجل، فأوحى إليه فيه أنه غير مؤمن، وأنه مستباح، ألا ترى قوله - عليه السلام - بعد هذا لما سأله أن يطعمه ويسقيه: " هذه حاجتك ". قال القاضى - رحمه الله -: ليس فى الحديث ما يدل أنه رده إلى دار الكفر، وإنما فيه أنه لم يطلق سراحه أولاً وأنه فادى به. فأما أنه لم يطلق سراحه فإنه إنما أسلم بعد الأسر وملك المسلمين له فبقى لهم، وأما المفاداة إذا لم يرد إلى دار الكفر فصواب لا اعتراض فيه؛ ¬

_ (¬1) مسلم، ك الحج، ب حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 2/ 1218، ابن ماجه، ك المناسك، ب حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 2/ 1022، كلاهما عن جابر بن عبد الله. (¬2) أحمد 4/ 78 من حديث قيس بن عائذ. (¬3) أحمد 3/ 473 عن رجل من أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابن ماجه، ك المناسك، ب الخطبة يوم النحر 2/ 1016. (¬4) انظر: كنز العمال وقد نسبها للطبرى 7/ 96. (¬5) أبو داود، ك المناسك، ب من قال: خطب يوم النحر 1/ 453. (¬6) رسمها الناسخ هكذا، وفى الأبى واللسان: أبو عبيد. (¬7) أبو داود، ك الأيمان والنذور، ب فى النذر فيما لا يملك 2/ 214 من حديث عمران بن حصين.

فَأَسْقِنِى. قَالَ: " هَذِهِ حَاجَتُكَ "، فَفدِىَ بِالرَّجُلَينِ. قَالَ: وَأُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِى الْوَثَاقِ، وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَىْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ فَأَتَتِ الإِبِلَ، فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ، حَتَّى تَنْتَهِىَ إِلَى الْعَضْبَاءِ، فَلَمْ تَرْغُ. قَالَ: وَنَاقَةٌ مَنَوَّقَةٌ، فَقَعَدَتْ فِى عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ، وَنَذِرُوا بهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهمْ. قَالَ: وَنَذَرَتْ للهِ؛ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ. فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ، نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ؛ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللهِ! بِئْسَمَا جَزَتْهَا، نَذَرَتْ للهِ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِى مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: " لَا نَذْرَ فِى مَعْصَيَةِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه أطلقه من أسر الرق ليطلق أولئك، ثم إن كل واحد منهم بعد الإطلاق موكول إلى حاله من بقائه بالأرض التى أطلق من أسره فيها أو رجوعه إلى أرضه، فقد يحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اطلع من صحة إيمانه ووفق بصدق يقينه من حيث فادى، وأطلقه من الرق بإطلاق الآخرين، وبقى هو حر مع المسلمين لم يرجع إلى دار الكفر، فيكون معنى قوله: " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح " أى نجوت فى الدنيا من الرق وفى الآخرة من النار، لكنك قلتها وقد ملكت، أفلحت بالنجاة من النار، ولم يتم فلاحك بالحرية. وأما قوله: " هذه حاجتك " التى احتج بها قائل ما تقدم فما فيه عندى ظهور، لما تأوله من أنه اتهمه فى إيمانه، ولو اتهمه فى إيمانه لم يقل له: " لو قلتها وأنت تملك أمرك "، بل كان يقول: لو قلتها من قلبك وصدق نيتك، وإنما معنى " هذه حاجتك ": حاضرة مقضية غير متعذرة. قال الإمام - رحمه الله -: وأما قوله: " لا وفاء بنذر فى معصية، ولا فيما لا يملك العبد "، ولم يذكر فى ذلك كفارة، خلافاً لمن نذر، زعم أن النذر فى المعصية يكفر، تعلقًا بما ذكره الترمذى وأبو داود: " لا نذر فى معصية الله، وكفارته كفارة يمين " (¬1). والجريرة: الجناية والذنب. وقد احتج بقوله - عليه السلام - فى ناقته: " لا وفاء بنذر ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الأيمان والنذور، ب من رأى عليه كفارة إذا كان فى معصية 2/ 208، الترمذى، ك النذور والأيمان، ب ما جاء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا نذر قى معصية 4/ 103، عن عائشة - رضى الله عنها.

(...) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ، وَفِى حَدِيثِ حَمَّادٍ قَالَ: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِى عُقَيْلٍ، وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى معصية، ولا فيما لا يملك العبد " أصحاب الشافعى على أن مال المسلم باق على ملكه وإن غنمه الجيش من أرض الحرب وقسموه، وأن صاحبه يأخذه بعد القسمة. ولعلنا أن نتكلم عليه فى كتاب الجهاد إن شاء الله. والعضباء اسم ناقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: " هى ناقة منوقة ": أى مذللة، ومنه الحديث الذى فيه: وسار معه على جمل له قد توقد، أى بأرضه وذلله. يقال: جمل منوق ومخيس ومعبد ومديث. وقوله: " ونذروا بها ": أى علموا بها، يقال: نذِرت بالشىء، بكسر الذال نذارة، أى علمت به، ونذَرت الشىء لله، بفتح الذال، أنذر نذرًا. قال ابن عرفة: النذر ما كان وعدًا على شرط، فكل ناذر واعد وليس كل واعد ناذر، فلو قال قائل: علىَّ أن أتصدق بدينار لم يكن ناذرًا، ولو قال: إن شفى الله مريضى أو ردّ علىّ غائبى فعلىّ صدقة دينار أو غيره، كان ناذرًا. قال الإمام - رحمه الله -: هذا الذى ذكره ابن عرفة مال إليه بعض الفقهاء، ورأى أن النذر الغير المشروط لا يُسمَّى نذرًا؛ ولهذا استحب الوفاء به، ولا يجب كما يجب المشروط المسمى نذرًا، الداخل فى عموم الظواهر الواردة بالأمر بالوفاء بالنذر. ومال غير هؤلاء من الفقهاء إلى أن الجميع يسمى نذرًا وأنشد قول الشاعر: الشاتمى عرضى ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم ألقهما دمى وقول جميل: فليت رجال فيك قد نذروا ... دمى وهمّوا بقتلى يا بثين لقونى والأظهر أنّ النذر المذكور فى البيتين غير معلق بشرط. وقوله: " مجرسة ": أى مذللة. يقال: جرسته الأمور، أى راضته وذللته. قال القاضى - رحمه الله -: قوله: " مدربة " بدال مهملة معنى مذللة، ومعنى منوقة ومجرسة، كله بمعنى واحد. وفى هذا الحديث جواز سفر المرأة مع غير ذى رحم عند الضرورة، وإنما ذلك مع الاختيار. وقال بعضهم: إن هذا النهى إنما هو فى الأسفار المباحة، وأما الواجبة فى الدين فلا نهى فيها. وهذا لا يصح إلّا عند الضرورات، كضرورة هذه من الهروب من دار الكفر والخروج من الأسر، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة فى كتاب الحج.

الْحَاجِّ. وَفِى حَدِيثِهِ أَيْضًا: فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ مُجَرَّسَةٍ. وَفِى حَدِيثِ الثَّقَفِىِّ: وَهِىَ نَاقَةٌ مُدَرَّبَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ": هذا إذا أطلق النذر بالصدقة أو العتق فيها مطلقاً، فإن قيده بملكه متى ملكه لزم فى العتق عندنا على مشهور مذهبنا ولم يلزم على غيره وهذا الحديث لهذا المذهب حجة. وقوله: " لا نذر فى معصية الله ": نفى النذر عنها، إذ النذر المقصد فيه التبرك والتقرب، والمعصية تنافيه، فلا نذر يصح فيها ولا يلزم، بل نهى عنه وعن الوفاء به. ولم يذكر فى الحديث كفارة، وهذا قول مالك وكافة العلماء أنه لا كفارة فى نذر المعصية (¬1) وقال الكوفيون: لا يلزم وفيه كفارة يمين، واحتجوا بما ورد فى حديث عائشة - رضى الله عنها -: " لا نذر فى معصية، وكفارته كفارة يمين " (¬2). وهو حديث مقلوب معتل عند أهل الحديث، مع أنه محتمل تأويل رجوع الكفارة إلى النذر الجائز كما جاء فى الحديث مبينًا. ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 2/ 64. (¬2) انظر: الاستذكار 15/ 13.

(4) باب من نذر أن يمشى إلى الكعبة

(4) باب من نذر أن يمشى إلى الكعبة 9 - (1642) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زرَيْعٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنِى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ. فَقَالَ: " مَا بَالُ هَذَا؟ ". قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِىَ. قَالَ: " إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِىُّ " وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ. 10 - (1643) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَمْرٍو - وَهُوَ ابْنُ أَبِى عَمْرٍو - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ شَيْخًا يَمْشِى بَيْنَ ابْنَيهِ، يَتَوَكَّأَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا شَأَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أنه رأى شيخًا يهادى بين ابنيه. فقال: " ما بال هذا؟ " قالوا: نذر أن يمشى. قال: " إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغنى " وأمره أن يركب، وفى الرواية الأخرى: " اركب، إن الله غنى عن نذرك "، قال الإمام - رحمه الله -: يحمل هذا على أنه عجز عن المشى، وكذلك مجمل الحديث الذى بعده عن عقبة: أنه قال: إن أختى نذرت أن تمشى إلى بيت الله حافية، فأمرتنى أن أستفتى لها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستفتيته. فقال: " لتمش ولتركب " محمله - أيضاً - عندنا على أنها عجزت. وقد ذكر أبو داود فى هذا الحديث أنها نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق ذلك، فقال - عليه السلام -: " إن الله لغنىٌّ عن مشى أختك، فلتركب ولتهد بدنة " (¬1)، فقد نبه هاهنا - عليه السلام - على أنها غير مستطيعة وهكذا مذهب مالك - رحمه الله - أن الناذر إذا عجز عن المشى مشى ما قدر عليه، ثم ركب وأهدى (¬2). قال القاضى - رحمه الله -: اختلف العلماء بحسب اختلاف هذه الآثار والروايات، واتفقوا على ناذر الحج والعمرة أن يلزمه فعل ذلك والسير إليه. واختلفوا إذا نذر مشيًا أو سيرًا ولم يذكر حجًا ولا عمرة، فذهب مالك (¬3) إلى ما تقدم مِنْ أن مَنْ نذر المشى سَمَّى حجًا أو عمرة أو لم يسم لزمه المشى ولم يركب، وإن ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الأيمان والنذور، ب من رأى عليه كفارة إذا كان فى معصية 2/ 211. (¬2) انظر: التمهيد 6/ 97، 98. (¬3) انظر: التمهيد 2/ 63، والسابق.

هَذَا؟ ". قَالَ ابْنَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْكَبْ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ " وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ وَابْنِ حُجْرٍ. (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 11 - (1644) وحدّثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ - يَعْنِى ابْنَ فَضَالَةَ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِى أَنْ تَمْشِىَ إِلَى بَيْتِ اللهِ حَافِيَةً، فَأَمَرَتْنِى أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عجز فى بعض الطريق أو مشى رجع من قابل فمشى ما ركب، وجعل ذلك فى حج أو عمرة، وأهدى لتفريق المشى إلا أن يأيس القدرة على المشى جملة، فليركب ويهدى. روى مثله عن علىّ وابن عباس (¬1) - رضى الله عنهما. وقال الحسن البصرى: إن نذر حجاً أو عمرة فلا مشى عليه ويركب، وعليه دم. وقاله أبو حنيفة (¬2)، وحُكى عنه أنه متى لم يسم حجاً ولا عمرة فلا يلزمه مشى ولا سير جملة فى القياس، ولكن الاستحسان فى قوله على المشى إلى بيت الله أو الكعبة أو مكة دون سائر هذه الألفاظ، يسير ولا يلزمه مشى. وقال الشافعى: يلزمه المشى إن قدر عليه سَمّى حجاً أو لا (¬3)، كقول مالك، إلا أنه إن عجز ركب ويهدى احتياطاً، ولم يلزمه رجوع لشىء ما عجز عنه، وهو مذهب أهل الكوفة. وقد روى مثله عن ابن عمر، ومذهب السلف وأهل المدينة (¬4) وهى إحدى الروايتين عن ابن عمر، ومذهب ابن الزبير أن يرجع فيمشى ما ركب ولم يجعل عليه دمًا (¬5). وروى عن علىّ - رضى الله عنه - قول آخر: أنه مخير إن شاء مشى، وإن شاء ركب وأهدى (¬6). وأحاديث مسلم يحتج بها الشافعى فى إسقاط وجوب الرجوع والدم وإنما جعله احتياطاً. ومالك ومَنْ يوجب عليه الرجوع والدم يحتجون بزيادة مَنْ روى فى حديث أخت عقبة: " ولتهد ". ذكره أبو داود (¬7) وغيره، وزاد فى بعض الروايات: " ولتهد بدنة "، ذكره ابن المنذر. وهذه حجة لمالك فى إيجابه البدنة لمن وجدها فى هذه المسألة. وتأولوا الأحاديث فى ترك الرجوع لمن لم يقدر جملة وقد روى فى حديث أخت عقبة، فعجزت عنه، فأمّا مَنْ نذر فعليه الوفاء بنذره. ¬

_ (¬1) و (¬2) انظر: الاستذكار 15/ 33، 34. (¬3) انظر: الحاوى 15/ 482. (¬4) الاستذكار 15/ 31، 32. (¬5) المصدر السابق 15/ 32. (¬6) المصدر السابق 15/ 33. (¬7) سبق فى نفس الباب.

أَسْتَفْتِىَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُهُ. فَقَالَ: " لِتَمْشِ وَلَتَرْكَبْ ". 12 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِى حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ ابْنِ عَامِر الْجُهَنِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: نَذَرَتْ أَخْتِى. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُفَضَّلٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى الْحَدِيثِ: حَافِيَةً. وَزَادَ: وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُفَارِقُ عُقْبَةَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قوله فى حديث أخت عقبة: " فلتمش ولتركب ": حجة على أبى حنيفة فى إسقاط المشى جملة. قوله فى هذا الحديث: نذرت أختى أن تمشى إلى بيت الله وإلى مكة والمسجد الحرام، وإن لم يذكر حجًا ولا عمرة، وكذلك متى ذكر جزءًا من الكعبة أو البيت فله حكمه. وهذا قول مالك وأصحابه. واختلف أصحابه إذا قال: إلى الحرم، أو مكانٍ منه، أو مكانٍ من مدينة مكة، أو المسجد، هل له حكم ذكر البيت أم لا؟ وقال الشافعى: متى قال: على المشى إلى شىء بما يشتمل عليه الحرم لزمه، وإن ذكر ما خرج عنه لم يلزمه، وهو قول أبى يوسف ومحمد والحسن وابن حبيب من أصحابنا (¬1) زاد: إلا إذا ذكر عرفة فيلزمه وإن لم يكن من الحرم. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه فى هذا مشى ولا سير فى القياس، لكن الاستحسان فى قوله: إلى بيت الله، أو الكعبة، أو مكة فقط (¬2) أن يسير ولا يلزمه ركوب على أصله. وقوله فى الحديث: حافية، فقال: " لتمش ولتركب ": ظاهر مع ما جاء فى الحديث الآخر: " إن الله غنى عن تعذيب هذا نفسه " وأمره أن يركب: أنه لا يلزم ما فيه تعذيب للنفس، لكن كل ما ذهب فيه المشقة على نفسه فلم يلزمه، إذ ليس فيه قربة، يستحب له فيه الدم، ولا يلزمه مثل المشى حافيًا، أو حمل شىء على عنقه (¬3). فالدم هاهنا استحباب بخلاف مجرد المشى لِمَنْ عجز عنه؛ لأن المشى مقدور عليه وطاعة، والخطا فيه مكتوبة، وقد قال الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالاً} (¬4)، فليدم الإنسان ما نذر من ذلك، ¬

_ (¬1) انظر: الحاوى 15/ 482، الاستذكار 15/ 42، 43. (¬2) سبق فى كتاب الحج. (¬3) انظر: التمهيد 2/ 62 وهو قول الإمام مالك. (¬4) الحج: 27.

ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى أَيُّوبَ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِى حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا عجز عنه وجب عليه الدم عندنا، وسقط عند غيرنا، واستحبه آخرون على ما تقدم. وكذلك عندنا وعند أبى حنيفة: إذا حلف بالمشى إلى مكة لزمه اليمين (¬1) إذا حنث، وكلاهما على مذهبه المتقدم فى لزوم المشى أو سقوطه. وقال الشافعى (¬2) وفقهاء أصحاب الحديث كلهم: لا يلزم فى اليمين بخلاف النذر، وعليه فيهما كفارة يمين. وحكى مثله عن ابن القاسم (¬3) من أصحابنا. قال المروزى: وهو قول أصحابنا كلهم فى الأيمان سوى الطلاق والعتق، وروى هذا عن جماعة من السلف. وقال داود: كل يمين كمشى أو صدقة فلا تلزم ولا كفارة فيها، قال: ولا كفارة إلّا فى اليمين بالله، وهو قول ابن أبى ليلى والشعبى والحسن ومحمد بن الحسن كيفما حلف. ¬

_ (¬1) أى كفارة اليمين. (¬2) انظر: الاستذكار 15/ 34. (¬3) المصدر السابق 15/ 43.

(5) باب فى كفارة النذر

(5) باب فى كفارة النذر 13 - (1645) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلَىُّ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى - قَالَ يُونُسُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الآخَرَانَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ ابْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " كفارة النذر كفارة اليمين "، قال الإمام - رحمه الله -: النذر المبهم عندنا كفارته كفارة يمين خلافاً للشافعى وهذا الحديث حجة عليه. قال القاضى - رحمه الله -: وقد قدمنا أول الكتاب اختلاف قول الشافعى فيه. وبهذا الحديث احتج فقهاء أصحاب الحديث أن كفارة اليمين تجرى فى جميع أبواب النذر، وأبو ثور معهم وزاد العتق. وحجتنا عليهم: أن ظاهره النذر المبهم المطلق. وأما المقيد بطاعة فالمخرج منه بفعلها، ولا يحتاج إلى كفارة.

27 - كتاب الأيمان

بسم الله الرحمن الرحيم 27 - كتاب الأيمان (1) باب النهى عن الحلف بغير الله تعالى 1 - (1646) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (¬1): " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت "، قال الإمام - رحمه الله -: هذا لئلا يشرك بالتعظيم غير الله - سبحانه. وقد قال ابن عباس: لأن أحلف بالله فآثم، أحب إلىّ من أن أضاهى: فقيل معناه: الحلف بغير الله، وقيل: معناه: الخديعة، يرى أنه حلف وما حلف، وقد قال ابن عباس - أيضاً -: لئن أحلف بالله مائة مرة فآثم، خير من أن أحلف بغيره فأبر، فلهذا ينهى عن اليمين بسائر المخلوقات. ولا يعترض على هذا بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفلح وأبيه إن صدق " (¬2)؛ لأنه لا يراد بهذا القسم، وإنما هذا قول جارٍ على ألسنتهم، فقد قال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} (¬3)، قيل: معناه: ورب التين والزيتون، أو يكون المراد به التنبيه على ما فيهما من العجائب والمن بهما عليهم، ولا يراد بهما القسم. ولو سلمنا أن المراد بها القسم من غير حذف وإضمار لم يبعد أن يكون البارى - سبحانه - يقسم بهما ويمنعنا من القسم بهما، وتعظيم البارى جلت قدرته للأشياء بخلاف تعظيمنا لها؛ لأن كل حق بالإضافة إلى حقه - سبحانه - حقير. وكل عظيم عند الإضافة إليه تعالى هين؛ إذ لاحق لأحد عليه، وله الحق على كل أحد، وإنما تعظيمه لبعض الأمور تنبيه إلينا على قدرها عنده أو تعبد لنا بأن نعظمها، فلا يقاس هذا على هذا. ¬

_ (¬1) لم يذكر القاضى أنه دخل فى كتاب الأيمان وكذلك فى ع. (¬2) مسلم، ك الأيمان، ب بيان الصلوات التى هى أحد أركان الإسلام 1/ 11، من حديث طلحة بن عبيد الله. (¬3) التين: 1.

قَال عُمَرُ: فَوَاللهِ، مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا، ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا. 2 - (...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعْيَبٍ بْن اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ عُقَيْلٍ: مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا، وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهَا، وَلَمْ يَقُلْ: ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ. بِمِثْلِ رِوَايِةِ يُونُسَ وَمَعْمَر. 3 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ ابْنَ الْخَطَّابِ فِى رَكْبٍ، وَعُمَرُ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ. فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر - رضى الله عنه -: " ولا آثرًا ": يعنى: ولا حاكيًا إياه على أحدٍ، من قولهم: أثر الحديث يأثره: حدث به. قال القاضى - رحمه الله -: يعنى ومعنى قوله: " ولا ذاكرًا ": أى ولا قائلاً لها من قبل نفسى. وفى قوله: " فليحلف بالله " تنبيه على أن الحلف بأسمائه وصفاته تعالى لازم جائز؛ لأنه حلف به تعالى، ولا خلاف فى ذلك بين علماء الأمصار مع الآثار فى ذلك (¬1)، إلا ما ذكر عن الشافعى على أصله على من اشترط نية اليمين فى الحالف بالصفات (¬2)، وإلا لم يكن عليه كفارة. وأنكر بعض المتأخرين الخلاف فى لزوم الحلف بالصفات. وفى ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 15/ 95. (¬2) انظر: الحاوى 15/ 254.

4 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ وَابْنُ أَبِى ذِئْبٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْكَرِيمِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. بِمِثْلِ هَذِهِ الْقَصَّةِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بِاللهِ ". وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا. فَقَالَ: " لَا تَحلِفُوا بِآبَائِكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب: وحدثنى بشر بن هلال (¬1) قال: نا عبد الوارث. وأرى الصواب الأول، وفيه: نا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حُجْر - قال يحيى بن يحيى: أنا، وقال آخرون: نا إسماعيل. كذا عند شيوخنا. وفى بعض الروايات: قال يحيى بن يحيى: أنا. وقال آخرون: حدثنا. ¬

_ (¬1) بشر بن هلال الصواف أبو محمد النميرى البصرى، روى عن جعفر بن سليمان وعبد الوارث بن سعيد ويحيى القطان وغيرهم، وعنه الجماعة إلا البخارى، وابن خزيمة وأبو حاتم - وقال: محله الصدق، وقال ابن حبان فى الثقات: يغرب، ووثقه النسائى فى أسماء شيوخه وأبو على الجيانى فى أسماء شيوخ أبى داود، ت 247. انظر: التهذيب 1/ 462.

(2) باب من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله

(2) باب من حلف باللات والعزّى، فليقل: لا إله إلا الله 5 - (1647) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ ابْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنٍ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ، فَقَالَ فِى حَلِفِهِ: بِاللاتِ. فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهِ. وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ ". (...) وحدّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلَاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من حلف فقال فى حلفه: باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعالى أقامرك، فليتصدق "، قال الإمام - رحمه الله -: الحلف بما لا يجوز من هذا النوع لا كفارة مقدرة فيه عندنا، خلافًا لأبى حنيفة (¬1) فى إثبات الكفارة فى ذلك، إلا فى قوله: أنا مبتدع وأنا برىء من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا الحديث حجة عليه؛ لأنه لم يذكر فيه الكفارة. وأبو حنيفة تعلق بان الله - سبحانه - أوجب على المظاهر الكفارة، وعلل بأنه منكر من القول وزور، والحلف بهذا منكر من القول وزور. وهذا يُنتقض عليه بما استثناه من قوله: أنا برىء من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم لا كفارة فيه عنده. ولو قال: واليهودية، لم تلزمه الكفارة باتفاق، فكذلك إذا قال: أنا يهودى إن فعلت، فلا معنى لتفريقهم بين اللفظين. فإنه إذا قال: واليهودية، فقد عظم ما لا حرمة له، وإذا قال: إن فعلت فأنا يهودى، فكأنه عظم الإسلام واحترم ما له حرمه؛ لأن الجميع لا يحسن القسم بهما. قال القاضى - رحمه الله تعالى -: وقوله: " فليتصدق ": ولا حجة فيه للمخالف فى أنه أراد الكفارة، لأنه إنما جاء به بعد ذكر المقامرة على خصوص التكفير لها لا لغيرها، كما خص الحلف باللات والعزى بكفارة قوله لا إله إلا الله. ولو كان المراد بالصدقة كفارة اليمين لجاءت عنهما جميعاً ولم يختص بالمقامرة. قال الخطابى: معناه: فليتصدق بمقدار ما أراد أن يقامر به (¬2). وعندى أنه لا يختص بهذا، بل لما نوى بذل مال فى غير طريق جائز وإخراجه من يده واعتقد ذلك، كان كفارة اعتقاده ونيته أن يتصدق بمال يخرجه عن يده فى طريق البر ومسالك الشرع، كما أمره أن يقول لا إله إلا الله تكفيرًا؛ لتعظيمه ¬

_ (¬1) انظر: الحاوى 15/ 263. (¬2) معالم السنن 4/ 357.

عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ مِثْلُ حَدِيثِ يُونُسَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَليَتَصَدَّقْ بِشَىءٍ ". وَفِى حَدِيثِ الأَوْزَاعِىِّ: " مَنْ حَلَفَ بِاللاتِ وَالْعُزَّى ". قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِم: هَذَا الْحَرْفُ - يَعْنِى قَوْلَهُ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ - لَا يَرْوِيهِ أَحَدٌ غَيْرُ الزُّهْرِىِّ. قَالَ: وَلِلزُّهْرِىِّ نَحْوٌ مِنْ تِسْعِينَ حَدِيثًا يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَد بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ. 6 - (1648) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِى، وَلَا بِآبَائِكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره ومضاهاته به كفرًا لقوله بالقول والفصل بالفعل. وفى هذا حجة لما عليه الجمهور من أن العزم ينشأ على المعصية سيئة يؤاخذ بها، بخلاف الخواطر، وقد تقدم الكلام عليها أول الكتاب. وقوله فى الحديث الآخر: " لا تحلفوا بالطَّواغى ": مثل نهيه عن الحلف باللات والعزى. والطواغى: الأصنام. أحدها طاغية، سمى باسم المصدر لطغيان العباد له، وأنه أصل طاغيتهم وكفرهم، وكل ما عظم وجاوز العقيدة فقد طغى، ومنه: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ} (¬1) أى كثر وجاوز القدر. والطاغوت - أيضاً - الصنم، وجمعه طواغيت. وقد يكون الطاغوت جمعًا وواحدًا ومؤنثًا ومذكرًا، قال الله تعالى: {واجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} (¬2)، وقد قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِروا أَن يَكْفُرُوا بِهِ} (¬3). ¬

_ (¬1) الحاقة: 11. (¬2) الزمر: 17. (¬3) النساء: 60.

(3) باب ندب من حلف يمينا، فرأى غيرها خيرا منها، أن يأتى الذى هو خير ويكفر عن يمينه

(3) باب ندب من حلف يميناً، فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتى الذى هو خير ويكفّر عن يمينه 7 - (1649) حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ويَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ - واللَّفْظُ لِخَلَفٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَن أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ. قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ. فَقَالَ: " وَاللهِ، لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِىَ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ " قَالَ: فَلَبثْنَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أُتِىَ بِإبِلٍ، فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَىَ. فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا - أَوْ قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ -: لَا يُبَارِكُ اللهُ لَنَا، أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَلَّا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ: " مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ حَمَلَكُمْ، وَإِنَّى وَاللهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى، وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ". 8 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِىُّ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: أَرْسَلَنِى أَصْحَابِى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْألُهُ لَهُمُ الْحُمْلَانَ. إِذْ هُمْ مَعَهُ فِى جَيْشِ الْعُسْرَةِ - وَهِىَ غَزْوَةُ تَبُوكَ - فَقُلْتُ. يَا نَبِىّ اللهِ، إِنَّ أَصْحَابِى أَرْسَلُونِى إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ. فَقَالَ: " وَاللهِ، لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَىءٍ "، وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ، فَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ رَسُوَلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَجَدَ فى نَفْسِهِ عَلَىَّ، فَرَجِعْتُ إِلَى أَصْحَابِى فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلَالاً يُنَادِى: أَىْ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، فَأَجَبْتُهُ. فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكَ. فَلَمَّا أَتَيْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث الأشعريين: " ما أنا حملتكم بل الله حملكم، وإنى والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين، ثم أرى خيرًا منها إلّا كفّرت عن يمينى، وأتيت الذى هو خير "، قال الإمام - رحمه الله -: المراد بهذا أن الله - تعالى - أتى بما حملتكم عليه، ولو ما ساقه البارى - تعالى - إليه لم يكن عنده ما يحملكم عليه، ولم يردْ بهذا نفى إضافة الفعل إليه.

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ - لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مَنْ سَعْدٍ - فَانْطَلِق بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ. فَقُلْ: إِنَّ اللهَ - أَوْ قَالَ: إِنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، فَارْكَبُوهُنَّ ". قَالَ أَبُو مُوسَى: فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِى بِهِنَّ. فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ، وَاللهِ لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِى بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ سَأَلْتُهُ لَكُمْ، وَمَنْعُهُ فِى أَوَّلِ مَرَّةٍ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُ إِيَّاىَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَا تَظُنُّوا أَنِّى حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ. فَقَالُوا لِى: وَالله، إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ، وَلَنَفعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ. فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ، حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْعَهُ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ. فَحَدَّثُوهُمْ بِمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى، سَوَاءً. 9 - (...) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ زَهْدمٍ الْجَرْمِىِّ قَالَ أَيُّوبُ: وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظَ مِنِّى لِحَدِيثِ أَبِى قِلَابَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى، فَدَعَا بِمَائِدَتِهِ وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَيْمِ اللهِ، أَحْمَرُ، شَبِيهٌ بَالْمَوَالى. فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ، فَتَلَكَّأَ. فَقَالَ: هَلُمَّ، فَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّى رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَلا أَطْعَمَهُ. فَقَالَ: هَلُمَّ، أُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ. إِنِّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ. فَقَالَ: " وَاللهِ، لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمَلُكُمْ عَلَيْهِ "، فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ، فَأُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَدَعَا بِنَا، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى. قَالَ: فَلَمَّا انْطَلَقْنَا، قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَغْفَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ، لَا يُبَارَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله -: ترجم البخارى عليه (¬1): {وَاللَّهُ خلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (¬2)، واحتج بالحديث على ذلك. وقيل: يحتمل أن يكون أوحى إليه بحملهم، أو يكون مراده دخولهم فى عموم مَنْ أمره الله بالقسم فيهم. وفى الحديث حجة على لزوم يمين المغضب لقوله: " وهو غضبان "، ثم إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فى القصة: " إلا كفرت عن يمينى "، خلافاً للشافعى ومسروق فى أنه لا يلزم الفصل. وقوله: " فأمر لنا بِثَلاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرى "، وفى رواية: " خمس زود "، قال الإمام - ¬

_ (¬1) البخارى، ك كفارات الأيمان، ب الاستثناء فى الأيمان 8/ 82. (¬2) الصافات: 96.

لَنَا. فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا أَتَيْنَاكَ نَسْتَحْمِلُكَ، وَإِنَّكَ حَلَفْتَ أَلَا تَحْمِلَنَا، ثُمَّ حَمَلْتَنَا، أَفَنَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " إِنِّى، وَاللهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ. وَتَحَلَّلْتُهَا فَانْطَلِقُوا، فَإِنَّمَا حَمَلَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ". (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَّهَابِ الثَّقَفِىُّ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِىِّ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَىِّ مِنْ جَرْمٍ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. (...) وحدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمه الله -: فمعناه: بيض الأسمر. وذروة البعير: سنامه، وذروة كل شىء أعلاه. قال القاضى: - رحمه الله -: جاء فى الرواية الأخرى: " بقع الذرى ". كذا عندنا، وفى بعض النسخ: " بقع غر الذرى " والبقع هنا بمعنى: البيض، وأصله ما فيه بياض وسواد، ومنه: كلب أبقع، وغراب أبقع. وخص الذى هنا وهى أعالى الإبل؛ لأن أسافلها يتغير بياضها من المعاطن وعبس أبوالها وأبعارها. ومعنى " نستحمله ": أى نطلب منه، وليحملنا فى الإبل ويحمل أثقالنا. وقوله: " بخمس ذود ": من إضافة الشىء إلى نفسه، وقد يحتج به من يطلق الذود على الواحد. وقد تقدم البيان عنه فى الزكاة. وقوله فى الحديث الآخر: " هذين القرينين، وهذين القرينين، وهذين القرينين لستة أبعرة ": القرينتان: البعيران يقرن أحدهما لصاحبه بالربط بحبل لئِلا يذهبا، ويمسك كل واحد صاحبه. ولعل رواية من روى: " ثلاث ذود " مطابق لهذا إذا قلنا: إن الاثنين ينطلق عليهما اسم ذود. وأما تأنيث القرينتين فعلى أنهما راحلتان أو ناقتان، ولقوله فى الرواية الأخرى: " وأتى بنهب إبل ". قال الإمام - رحمه الله -: النهب: الغنيمة، وكان الصديق - رضى الله عنه - إذا أوتر قبل أن ينام قال: أحرزت نهبى، أى غنيمتى. وقوله: " إنى واللهِ - إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا

أبى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِىِّ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمِ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ وَالْقَاسِمِ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِىِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى. وَاقْتَصُّوا جَمِيعًا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أتيت الذى هو خير، وتحللتها "، وفى الرواية الأخرى: " إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو خير ". وفى الحديث الآخر: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، وليفعل الذى هو خير "، وفى الرواية الأخرى: " فليأت الذى هو خير، وليكفر عن يمينه "، قال القاضى - رحمه الله -: بحسب اختلاف ألفاظ هذه الرواية اختلف العلماء - رحمهم الله - فى إجزاء الكفارة قبل الحنث، مع اتفاقهم أنها لا تجب إلا بعد الحنث، وأنه يجوز تأخيرها بعد الحنث (¬1) فجمهورهم على إجزائها قبل الحنث، لكن مالكاً والثورى والأوزاعى والشافعى منهم يستحبون كونها بعد الحنث ويوافقون على إجزائها قبله، وروى هذا عن أربعة عشر من الصحابة وجماعة من التابعين - رضى الله عنهم - وغيرهم. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنها لا تجزئ، وهى رواية أشهب عن مالك. وقال الشافعى: يجزئ فيه الكفارة بالطعام والكفارة بالكسوة والمشقة. قيل: لا يجزئ بالصوم إلا بعد الحنث (¬2). والخلاف فى هذا مبنى على: هل الكفارة لحل اليمين أو التكفير بإثمها بالحنث؟ فعند الجمهور أنها رخصة شرعها الله لحل ما عقد الحالف من يمينه فتجزئ قبل وبعد، وليس فى الوجهين إثم، لا فى الحلف ابتداء ولا فى تحنيث الإنسان نفسه لإباحة الشرع له ذلك. ومعنى قوله: " فأرى غيرها خيرًا منها ": أى ما حلف عليه من فعل أو ترك خير لدنياه أو لأخراه، أو أوفق لهواه وشهوته ما لم يكن إثماً. قال الإمام - رحمه الله -: للكفارة ثلاث حالات: أحدها: أن يكفر قبل أن يحلف فهذا لا يجزئه. الثانية: أن يكفر بعد أن يحلف ويحنث فهذا يجزيه. الثالثة: أن يكفر بعد اليمين، وقبل الحنث فهل يجزئه أم لا؟ فيه قولان، والمشهور الإجزاء. وقد اختلف لفظ الحديث، فقدم الكفارة مرة وأخرها أخرى، ولكن بحرف الواو، وهى لا توجب رتبة. ومن منع الإجزاء رأى أنها لم تجب قبل الحنث فصارت كالتطوع، والتطوع لا يجزئ عن الواجب. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 15/ 78، 79. (¬2) انظر: الحاوى 15/ 290، 291.

(...) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا الصَّعْقُ - يَعْنِى ابْنَ حَزْنٍ - حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا زَهْدَمٌ الْجَرْمِىُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِى مُوسَى وَهُوَ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ فِيهِ قَالَ: " إِنِّى، وَاللهِ! مَا نَسِيتُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله -: وقول أبى موسى فى الحديث فى الدجاج: " رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل منه "، وقول الآخر: " فرأيته يأكل قذرًا، فحلفت ألا آكل منه " الحديث: اختلف العلماء فيمن يأكل القذر والنجاسات من الحيوان (¬1)، هل يؤكل؟ فقال الطبرى: كان عمر لا يأكل الدجاجة حتى يقصرها أيامًا لأنها تأكل العذرة. قال: وغيره كان يتأول من الجلالة التى نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكلها. وكره الكوفيون أكل لحوم الإبل الجلالة حتى تحبس أيامًا. وقال الشافعى: أكره أكلها إذا لم تكن تأكل العذرة أو كانت أكثر أكلها، وإن كان أكثر أكلها غيره لم أكرهه. وأجاز أكل لحوم الجلالة وما يأكل الجيف من الطير وغيره مالك والليث. وكره ابن حبيب من أصحابنا أكله. وقوله: " أغفلنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمينه ": بسكون اللام، أى: صيرناه غافلاً عنها، وكنا سبب ذلك إذ لم نذكره بها، إذ حسبوا أنه نسى يمينه، أى أخذنا منه ما أخذنا وهو غافل، فكنا سبب غفلته. يقال: أغفلت الرجل: إذا جعلته غافلاً أو سميه غافلاً، قال الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} (¬2). وذكر مسلم فى الباب حديث الصعق بن حزن (¬3)، وهو بكسر العين، عن مطر الوراق (¬4) عن زهدم. قال الدارقطنى: الصعق ومطر ليسا بالقويين، ولم يسمعه مطر من زهدم، وإنما رواه عن القاسم عنه، وهذا مما استدركه الدارقطنى (¬5) على مسلم. ومسلم إنما أدخل حديثه لزيادته. وقوله فيه: " إنى والله ما نسيتها " يعنى اليمين. وأتى به متبعًا بعض الطرق الصحيحة ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 13/ 328. (¬2) الكهف: 28. (¬3) الصعق بن حزن بن قيس البكرى ثم العيشى، أبو عبد الله البصرى. روى عن الحسن البصرى ومطر الوراق وقتادة وغيرهم، وعنه ابن المبارك ويونس بن محمد وأبو أسامة ويزيد بن هارون وغيرهم، قال عنه ابن معين: ليس به بأس، وقال الداودى عن ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة وأبو داود والنسائى وأبو حاتم: ما به بأس، وقال الدارقطنى: ليس بثقة، ووثقه العجلى، وذكره ابن حبان فى الثقات. التهذيب 4/ 424. (¬4) مطر الوراق، هو: مطر بن طهمان الوراق، أبو رجاء الخرسانى السلمى، سكن البصرة، روى عن أنس وعكرمة وعطاء وغيرهم، وعنه إبراهيم بن طهمان وأبو هلال الراسبى والصعق بن حزن وغيرهم، قال ابن سعد: كان فيه ضعف فى الحديث. وقال العجلى: بصرى صدوق، وقال مرة: لا بأس به، وقال الساجى: صدوق، توفى 140 هـ، التهذيب 10/ 167، 168. (¬5) الإلزامات والتتبع للدارقطنى ص 168، وقال النووى: وهذا الاستدلال فاسد؛ لأن مسلماً لم يذكره متأصلاً، وإنما ذكره متابعة للطرق الصحيحة السابقة.

10 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ ضُرَيْبٍ بْنِ نُقَيْرٍ الْقَيْسِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ. فَقَالَ: " مَا عِنْدِى مَا أَحْمِلَكُمْ، وَاللهِ مَا أَحْمِلُكُمْ،، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُوَلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ ذَوْدٍ بُقْعِ الذُّرَى. فَقُلْنَا: إِنَّا أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَلَا يَحْمِلَنَا، فَأَتَيْنَاهُ فَأَخبَرْنَاهُ. فَقَالَ: " إِنِّى لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، أَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلا أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ". (...) حَدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو السَّلِيلِ عَنْ زَهْدَمٍ، يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: كُنَّا مُشَاةً، فَأَتَيْنَا نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ. بِنَحْوِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 11 - (1650) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا، فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ، فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ، منْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ. ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا. فَلْيَأْتِهَا، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ". 12 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلٍ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَليُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلْ ". 13 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الكثيرة فى الحديث على ما شرطه، والكتاب على ما بيناه فلا نعقب عليه. وقوله: " عن ضُريب بن نُقير " مصغرين. ونقير هذا بالقاف أشهر، وهى رواية الصدفى والأسدى والتميمى من أشياخنا، وكذا قيدناه عنهم، وكان عند الخشنى بالفاء.

14 - (...) وحدّثنى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلدٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ - حَدَّثَنِى سُهَيْلٌ فِى هَذَا الإِسْنَادِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ: " فَليُكَفِّرْ يَمِينَهُ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ". 15 - (1651) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ رُفَيْعٍ - عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرفَةَ، قَالَ: جَاءَ سَائِلٌ إِلَى عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، فَسَأَلَهُ نَفَقَةً فِى ثَمَنِ خَادِمٍ أَوْ فِى بَعْضِ ثَمَنِ خَادِمٍ، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِى مَا أُعْطِيكَ إِلَّا دِرْعِى وَمِغْفَرِى، فَأَكْتُبُ إِلَى أَهْلِى أَنْ يُعْطُوكَهَا. قَالَ: فَلَمْ يَرْضَ. فَغَضِبَ عَدِىٌّ. فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ، لَا أُعْطِيكَ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ رَضِىَ. فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ، لَوْلَا أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ رَأَى أَتْقَى للهِ مِنْهَا، فَلْيَأْتِ التَّقْوَى " مَا حَنَّثْتُ يَمِينِى. 16 - (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وَلْيَتْرُكْ يَمِينَهُ ". 17 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِىُّ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ طَرِيفٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ تَمِيمٍ الطَّائِىِّ، عَنْ عَدِىٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى الْيَمِينِ، فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْهَا، وَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ تَمِيمٍ الطَّائِىِّ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال لنا الحافظ أبو على: يقال بهما والقاف أشهر، وبالقاف ذكره أئمة المحدثين وأهل المؤتلفين بغير خلاف. وأما جبير بن نفير فلم يختلف أنه بالفاء. وضريب بن نقير هذا هو أبو السليل المذكور فى السند الآخر، وهو بفتح السين وكسر اللام.

18 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِىٍّ بْنَ حَاتِمٍ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: تَسْأَلَنِى مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَأَنَا ابْنُ حَاتِمٍ؟ وَاللهِ، لَا أُعْطِيَكَ. ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، ثُمَّ رَأَى خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ". (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ تَمِيمَ بْنَ طَرَفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ حَاتِمٍ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَزَادَ: وَلَكَ أَرْبَعُمِائَةٍ فِى عَطَائِى. 19 - (1652) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ لِى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيْتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِيِنِكَ، وَائْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ". قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِىُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَاسَرْجَسِىُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، بِهَذَا الحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عدى بن حاتم: " أن رجلاً سأله مائة درهم، فقال: تسالنى مائة درهم وأنا ابن حاتم؟ والله لا أعطيك " الحديث. معنى قوله عندى: " وأنا ابن حاتم ": أى عرفت بالجود وورثته، ولا يمكننى رد سائل إلا لعذر. وقد سأله ويعلم أنه ليس عنده ما يعطيه حينئذٍ، فكأنه أراد أن يبخله؛ فلهذا قال له: " والله لا أعطيك "، إذا لم يعذره إذ أعلمه أنه ليس عنده شىء. وهذا الذى تأولناه يشهد له الحديث الآخر: أنه " سأله عن نفقة وثمن خادم، فقال له: ليس عندى ما أعطيك إلا درعى ومغفرى فأكْتب إلى أهلى أن يعطوكها ". وقوله فى الحديث الآخر: " لك أربعمائة فى عطائى " إذ لم يكن عنده ما يعطيه فلم يرضَ، فغضب عدى وقال: " والله لا أعطيك " الحديث. فهذا يدل أن قوله: " وأنا ابن حاتم " أى لا أمنع ذلك من بخل لما عرفت به من الجود، والله أعلم.

(...) حدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ وَمَنْصُورٍ وَحُمَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، فِى آخَرِينَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمِ الْعَمِّىُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، كُلُّهُمْ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِيهِ، ذِكْرُ الإِمَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله هاهنا: " فرأى ما هو أتقى منها فليأت التقوى "، كقوله: " فرأى خيرًا منها فليأت الذى هو خير "، وقد تقدم الكلام عليه.

(4) باب يمين الحالف على نية المستحلف

(4) باب يمين الحالف على نية المستحلف 20 - (1653) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا هُثسَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ. وَقَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبِى صَالِحٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ ". وَقَالَ عَمْرٌو: " يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك " وفى الحديث الآخر: " اليمين على نية المستحلف " قال الإمام - رحمه الله -: المتبرع باليمين الذى لم يرفع به عن نفسه حقاً، يمينه على نيته وإن استحلفه الطالب فى حق عليه، فاختلف فيه، هل يكون اليمين على نيته أو على نية المستحلف؟ إلا أن يكون عليه بينة فيما يقضى عليه به السلطان فلا يصدق لأجل شهادة البينة، ولا يرجع الحاكم عن القضاء بموجب قولهما إلى القضاء بموجب قوله بمجرد دعواه. فمن رد الأمر لنية المستحلف تعلق بظاهر هذا الحديث. ومن رده إلى نية الحالف حمله على استحلافه فى حق له عليه مما يقضى عليه به، وليس هناك بيّنة عليه يتعلق بقوله: " وإنما لامرئ ما نوى ". قال القاضى - رحمه الله -: لا خلاف نعلمه بين العلماء فى الحالف غير مستحلف فيما بين العبد وربه، مما لم يتعلق به حق لآدمى، ولا ما فيه حق لغيره إذا جاء مستغيثًا، ولم تقم عليه بيّنة إن لم ينته ويقبل قوله. وأما إن حلف لغيره فى حق أو وثيقة متبرعًا أو مقضى عليه، فلا خلاف أنه يحكم عليه بظاهر يمينه إذا قامت عليه بيّنة، حلف متبرعًا أو مستحلفًا. وأما فيما بينه وبين الله فاختلف هنا اختلافًا كثيرًا. فقيل: على نيّة المحلوف له وللمتطوع نيته، وهو قول سحنون وعبد الملك، وظاهر قول مالك وابن القاسم. وقيل عكسه، للمستحلف نيته، والمتطوع على نية المحلوف له، وهى رواية يحيى عن ابن القاسم. وقيل: ينفقه فيما لا يقضى به عليه ويفترق المتطوع وغيره فيما يقضى به عليه، وروى عن ابن القاسم أيضاً. وروى عن مالك أن ما كان من ذلك على وجه المكر والخديعة فهو فيه حانث آثم، وما كان على وجه العذر فلا بأس به. وقال ابن حبيب عن مالك: ما كان فى المكر والخديعة فله نيته، وما كان فى حق فنيّة المحلوف له. ولا خلاف فى إثم الحالف بما يقتطع به حق غيره وإن ورّى، قالوا: وهو آثم حانث فى يمينه. وفى الباب: نا أبو بكر بن أبى شيبة، قال: نا يزيد بن هارون، قال: نا هشيم،

21 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عن عباد بن أبى صالح، عن أبيه. وفى الحديث قبله: نا هاشم، عن عبد الله، عن عبد الله بن أبى صالح. وعباد بن أبى صالح هذا هو عبد الله بن أبى صالح (¬1)، وهو أخو سهيل بن أبى صالح وصالح بن أبى صالح. قال يحيى بن معين: كلهم ثقات. وزاد البخارى فيهم: محمد بن أبى صالح ذكوان، قال البخارى: وقال على: عباد بن أبى صالح بن أمين. قال بعضهم: وهذا الحديث مما ضعف على مسلم وحديث " عشر من الفطرة ". ¬

_ (¬1) عباد هو: عبد الله بن أبى صالح، ذكوان السمان المدنى، ويقال له: عباد، روى عن أبيه وسعيد بن جبير، وعنه ابن جريج وهشيم بن أبى ذئب وغيرهم، قال عنه البخارى عن على بن المدينى: ليس بشىء، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو داود: له فى الكتب حديث واحد، وقال البخارى عنه فى تاريخه الصغير: منكر الحديث. التهذيب 5/ 263، 264.

(5) باب الاستثناء

(5) باب الاستثناء 22 - (1654) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى الرَّبِيعِ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ لِسُلَيْمَانَ سِتُّونَ امْرَأَةً، فَقَالَ: لأَطُوفَنَّ عَليْهِنَّ اللَّيْلَةَ، فَتَحْمِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث سليمان بن داود - عليهما السلام - وقوله: " لأطوفن الليلة على سبعين امرأة " وقوله - عليه السلام -: " ولو استثنى لولدت كُلُّ واحدةٍ غلامًا فارسًا يقاتل فى سبيل الله تعالى "، وفى الرواية الأخرى: " لم يحنث، وكان دركًا لحاجته ": فيه ما يستحب من قول الرجل: إن شاء الله فى يمينه وفيما يريد فعله، كما قال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّه} (¬1). وفيه أن الاستثناء يحل اليمين ويرفع الحنث لقوله: " لم يحنث "، وقد جاء فى ذلك أحاديث مرفوعة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأجمع المسلمون على ذلك فى اليمين بالله وأسمائه وصفاته، وفيه أن الاستثناء لا يكون إلا متصلاً (¬2)؛ إذ لو جاز منفصلاً على ما روى عن بعض السلف [بحنث أحد فى اليمين] (*)، ولا احتاج إلى كفارة. واختلف فى الاتصال ما هو؟ فعندنا أنه لا يكون بين الاستثناء واليمين مما ينوى الاستثناء من قبل أو لم ينوه إلّا عند تمام نطقه باليمين، هذا قول مالك والشافعى والأوزاعى وجمهور العلماء. وشرط بعض أصحابنا أنه لا ينفعه إلّا أن ينويه قبل تمام نطقه بجميع حروف اليمين، وجعل الشافعى السكتة للتنفس أو انقطاع الصوت أو التذكر لا يضر وهو كالوصل (¬3). والقطع: السكوت الذى يقطع به كلامه، أو يأخذ فى غير يمينه. وتأول بعضهم أن مالكًا لا يخالف هذا، والذى يمكن أن يوافق مالك من هذا أن مثل هذا لا يقطع كلامه؛ إذا كان عازمًا على الاستثناء ناويًا له، وإلى هذا أشار ابن القصار فى تأويل ما روى من ذلك فى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما إذا نواه بعد تمامه وقطعه فلا ينفعه على أصل مذهبه، وكان الحسن وطاوس وجماعة من التابعين يرون للحالف الاستثناء ما لم يقم من مجلسه. وقال قتادة: ما لم يقم أو يتكلم، وعن عطاء: قدر حلب ناقة، وعن سعيد بن جبير: بعد أربعة أشهر. وروى عن ابن عباس: أن له الاستثناء أبدًا متى يذكره (¬4). وقد تأول بعضهم أن معنى ¬

_ (¬1) الكهف: 23، 24. (¬2) انظر: الاستذكار 15/ 70. (¬3) المصدر السابق 15/ 70، 71. (¬4) انظر: المصدر السابق 15/ 71. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صواب العبارة: "لم يحنث أحد فى اليمين"، والله أعلم.

كُلُّ وَاحِدَةٍ مَنْهُنَّ، فَتَلِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا فَارِسًا، يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللهِ، فَلَمْ تَحْمِلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قولهم هذا: أنه يحتمل أن له الاستثناء لالتزام أمر الله وأدبه لقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} (¬1)، لا لحل اليمين. ويدل عليه قولهم: فقد استثنى واحتجاجه بقوله: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيت} (¬2)، ولم يقولوا: فقد سقطت يمينه. واختلف العلماء فى الاستثناء فى غير اليمين بالله، فلم يرها مالك والأوزاعى فى غير اليمين بالله وصفاته وأسمائه، وذهب الكوفيون والشافعى وأبو ثور وبعض السلف إلى جواز ذلك فى الطلاق والعتق وكل شىء، ومنعه الحسن فى الطلاق والعتق خاصة. واختلف المذهب إذا علّق الاستثناء فى اليمين بغير الله شرط فعل، هل ينفع ذلك أم لا ينفع؟ وفى قوله: " لو قال: إن شاء الله " حجة فى أن الاستثناء لا يكون إلا بالقول لا بالنية، وهو قول كافة العلماء وأئمة أهل الفتوى. وقال بعض من حدث شيوخنا: إنه يجزئ بالنية على قول مالك الآخر: أن اليمين ينعقد بالنية. وقد احتج بعضهم بهذا الحديث على جواز الاستثناء بعد مهلة لقوله: " فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله ". ولا حجة لهم فيه لوجوه، منها: أنه يحتمل أن يذكره صاحبه بذلك وهو بعد فى يمينه، وأيضاً فإن القسم إنما كان على ما قدر فعله من طوافه عليهن وما فى قدرته، لا على ما ليس فى قدرته مما عناه من مجىء كل واحدة منهن بولدٍ يقاتل فى سبيل الله. والاستثناء فى هذا من الأدب المرغب فيه، والتفويض إلى الله الواجب اعتقاده، وهو الذى قال فيه - عليه السلام -: " لكان دركًا لحاجته "، ويكون قوله - عليه السلام - فى الروإية الأخرى: " لم يحنث " أى لم يخطأ ويأثم فى قوله وتمنيه وأتمنى دون تفويض ذلك إلى مشيئة ربه. قوله: " لاطوفن "، وفى رواية غير العذرى: " لأطيفن "، وهما صحيحان. طفت بالشىء وأطفت: إذا درت حوله وتكررت عليه، فأنا طائف ومطيف، وهو هنا كناية عن الجماع. وجاء فى الحديث الأول: " ستين امرأة " وفى الأخرى: " على سبعين " وفى الثالث: " على تسعين "، وقد رويناه فى غير كتاب مسلم: " على مائة امرأة أو تسع وتسعين " (¬3)، فيه ما أوتى الأنبياء من القوة على هذا، وقد كان - عليه السلام - يدور - على ¬

_ (¬1) الكهف: 23، 24. (¬2) الكهف: 24. (¬3) البخارى، ك الجهاد، ب من طلب الولد للجهاد 4/ 27 عن أبى هريرة - رضى الله عنه - وفيه: " مائة امرأة أو تسع وتسعين ".

مِنْهُنَّ إِلا وَاحِدَةٌ، فَوَلَدَتْ نِصْفَ إِنْسَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كَانَ اسْتَثْنَى، لَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدِةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا، فَارِسًا، يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللهِ ". 23 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ أَبِى عُمَرَ - قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ الَنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ نَبِىُّ اللهِ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَ تَأْتِى بِغُلَامٍ يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللهِ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ، أَو الْمَلَكُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمْ يَقُلْ، وَنَسِىَ. فَلَمْ تَأْتِ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، إِلَّا وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ غُلَامٍ ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لَهُ فِى حَاجَتِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ نسائه فى ليلة (¬1)، وهذا كله يدل أنها فضيلة فى الرجال، ودليل على صحة الذكورية والإنسانية، ولا يعترض على هذا بقوله: {حَصُورًا} (¬2) فقد قيل: حصورًا عن المعاصى ممسوكًا عنها. وقوله: " تلد كُل واحدة منهن غلامًا يقاتل فى سبيل الله ": يدل أن نيته وقصده إنما كانتا لله - تعالى - لا لغرض دنيوى. قال بعض المتكلمين: نبه - عليه السلام - فى هذا الحديث على آفة التمنى وشؤم الاختيار والإعراض عن التسليم والتفويض، وبين آفة التمنى بسلبه الاستثناء واستثنائه إياه؛ ليتم فيه قدره، ويمضى سابق حكمه، وإن ولد له شق إنسان. فى الحديث: فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل. فسر فى الحديث الآخر علة قوله ذلك بقوله: " فنسى ". وقيل: صرف عن الاستثناء ليتم حكمة ربك وسابق قدره فى ألا يكون ما تمناه، وقيل: هو على التقديم والتأخير؛ لم يقل: إن شاء الله، فقال له صاحبه: قل: قيل: يريد بصاحبه الملك يريد قرينه، وقيل: خاطره، وقيل: هو على ظاهره. وقوله: " إلا واحدة جاءت بشق غلام ": قيل: هو الجسد الذى ذكر الله - سبحانه - أنه أُلْقِيَ على كرسيه، على من قال إنَّه ذلك من المفسرين. وقوله: " كان دركًا لحاجته ": بفتح الراء اسم من الإدراك، أى لما قالها قال الله تعالى: {لا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} (¬3). وأما الدرك بمعنى المنزلة ففيه الوجهان، وقوى بهما فى الدرك الأسفل. والدركات لأسفل، والدرجات إلى فوق. ¬

_ (¬1) البخارى، ك النكاح، ب كثرة النساء 7/ 4 من حديث أنس - رضى الله عنه. (¬2) آل عمران: 39. (¬3) طه: 77.

(...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ. 24 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ. لأُطِيفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا، يُقَاتِلُ فى سَبِيلِ اللهِ. فَقِيلَ لَهُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ. فَلَم يَقُلْ. فَأَطَافَ بِهِنَّ، فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ، إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ ". 25 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهَا تَأْتِى بِفَارِسٍ يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللهِ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ. فَطَاَفَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا، فَلَمْ تَحْمِلُ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَجَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ. وَايْمُ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَجَاهَدُوا فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وايم الذى نفس محمد بيده ": فيه جواز الحلف بمثل هذا. ولاخلاف فى قوله: " والذى نفسى بيده " أنها يمين؛ لأنه حلف بالله، وقد حلف بها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غير قصة. واختلف فى " ايم الله "، هل هى يمين أم لا؟ حكى ابن خويزمنداد. والطحاوى عن مالك: أنها يمين، وقاله ابن حبيب وترجح فيها فى كتاب محمد، وقال: أخشى أن يكون يمينًا. وقال أصحاب أبى حنيفة: هى يمين. وقال الشافعى وإسحاق: إن نوى بها اليمين فهى يمين، ومعناها عند بعض أهل اللغة من اليمين والبركة، وألفها عند سيبويه ألف وصل، وقيل: " أيم " بقطع الألف وفتحها و " إيم " بكسرها، وقيل: " أيمن الله " بالفتح وزيادة نون، و " إيمن الله " بالكسر، و " أيمن الله " بفتح الميم والهمزة، و " ليمن الله " باللام، و " من الله " وأيم الله "، و " م الله "، وم الله، وم الله أربعة عشر لغة كلها صحيحة. وقيل: جمع يمين، وألفها ألف قطع، وهو مذهب الفراء وأبى عبيد. قال أبو عبيد: أيمن جمع يمين، حكى زهير: فيجمع أيمن منا ومنكم، وكثر فى استعمالهم، فحذفوا النون فقال: أيم الله، كما حذفوا نون لم يكن، قال الأزهرى: وضم آخره. وحكم

سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم الخفض كما ضموا: لعمرك، كأنه أضمر يمينًا ثانيًا، وقال: وأيمنك ولأيمنك عظيمة، وعمرك ولعمرك عظيم. وقد قيل: إن ليمن إنما معناه: لا ليمن، على من جعلها ألف وصل، أقسم على النفى ما ندرى. وقال بعضهم: ومعنى ليمن الله: يمين. وبه فسر من قال هذا قوله: ليمن الله: وأقسم، أى يمين الحالف بالله، أو أيمانه بالله، وقد يكون على هذا: أى يمين الله أو أيمانه التى يحلف بها على إضافة التعظيم والتشريف، كما قيل: ناقة الله، أو الاختصاص كما قيل: عباد الله، قال: وسمى اليمين يمينًا باسم يمين ليدل أنهم كانوا يبسطون أيديهم إذا تحالفوا. وعن ابن عباس: أن يمين اسم من أسماء الله تعالى. وقوله: " لو قال: إن شاء الله لم يحنث، ولولدت كل واحدة غلامًا ": يستدل به على جواز قول: لو ولولا. وقد ترجم البخارى على هذا: باب ما يجوز من اللو، وأدخل فيه قول لوط: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} الآية (¬1)، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو كنت راجمًا بغير بينة لرجمت هذه " (¬2)، و " لو مد بى الشهر لوصلت " (¬3)، و " لولا حِدَثان قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم " (¬4)، و " لولا الهجرة لكنت امرَأ من الأنصار " (¬5) ومثل هذا. فالذى ينفهم من ترجمة البخارى، وما أَدْخَلَ من القرآن والآثار فى الباب من لو ولولا أنه يجوز استعماله فيما يكون من الاستقبال وتحت قدرة الإنسان فما امتنع من فعله لامتناع غيره، وهو باب لو أو امتنع من فعله لوجود غيره وهو باب لولا؛ لأنه لم يدخل فى بابه سوى ما هو للاستقبال من الآى والآثار ما هو حق وصحيح متيقن، كقوله: " لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار " (¬6) دون ما هو فى الماضى والمنقضى، أو ما يكون فيه التحرض على الغيب وعلم الله، والاعتراض على قدره السابق، وقد جاء عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النهى عن مثل هذا فى حديث من قوله: " وإذا أصابك شىء فلا تقل: لو أنى فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل " (¬7)، وقد قال بعض العلماء: معنى ¬

_ (¬1) الآية 80 من سورة هود، وانظر: البخارى، ك التمنى، ب ما يجوز من اللو 9/ 105. (¬2) البخارى، ك التمنى، ب ما يجوز من اللو 9/ 105. (¬3) البخارى، ك التمنى، ب ما يجوز من اللو 9/ 106. (¬4) البخارى، ك الحج، ب فضل مكة وبنيانها 2/ 179، ومسلم، ك الحج 2/ 399. (¬5) البخارى، ك التمنى، ب ما يجوز من اللو 9/ 106. (¬6) انظر: السابق. (¬7) مسلم، ك القدر، ب فى الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله 4/ 34، وابن ماجه، ك المقدمة، ب فى القدر 1/ 79 وهما عن أبى هريرة.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا قاله على الحتم والقطع على الغيب أنه لو كان كذا لكان كذا، أو دون اشتراط مشيئة الله عز وجل والالتفات إلى سابق قدره ومغيب علمه، قال: وأما من قال ذلك على التسليم، ورد الأمر إلى القضاء والمشيئة فلا نهى فيه، ولا كراهة، وكأن بعضهم أشار إلى أن " لولا " بخلاف " لو ". قال القاضى - رحمه الله -: والذى عندى أنهما سواء إذا استعملتا فيما لم يحط به الإنسان علمًا، ولا هو مما تحت مقدور قائلها، مما هو تحرض على الغيب واعتراض على القدر، وكما نبه عليه فيه الحديث، ومثل قول المنافقين: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} (¬1)، {لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} (¬2)، {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا} (¬3) فرد الله عليهم قولهم وأكذبهم فى تحرضهم بقوله تعالى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (¬4)، {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (¬5) وبقوله: فمثل هذا هو المنهى عنه لما ذكرنا. والنبى - عليه السلام - فى هذا الحديث أخبر عن يقين نفسه أن سليمان - عليه السلام - لو قال: إن شاء الله، لولدت كل امرأة غلامًا، إذ ليس هذا مما يدرك بالظَّنِّ والاجتهاد، وإنما أخبر عن حقيقة ما أعلمه الله - تعالى - من غيبه، أو هو مثل قوله: " لولا بنو إسرائيل لم يختر اللحم، ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها " (¬6) فلا تعارض بينه وبين الحديث الآخر. وهذا مثل ما أخبر الله تعالى من ذلك فى كتابه مما هو حق، إذ هو عالم الغيب والشهادة بقوله: {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ}، {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} (¬7)، وكذا كما جاء من لولاه لقوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِّن اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم} (¬8) الآيتان، {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُر} (¬9) الآيَة، {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِين} الآية (¬10)؛ لأن الله مخبر فى ذلك كان عما مضى، ¬

_ (¬1) آل عمران: 168. (¬2) آل عمران: 156. (¬3) آل عمران: 154. (¬4) آل عمران: 168. (¬5) آل عمران: 154. (¬6) البخارى، ك الأنبياء، ب خلق آدم وذريته 2/ 161، ومسلم، ك الرضاع، ب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر 2/ 63. (¬7) الأنعام: 28. (¬8) الأنفال: 68. (¬9) الزخرف: 33. (¬10) الصافات: 143.

أَبِى الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّهَا تَحْمِلُ غُلَامًا يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتى عن علم صادق وخبر يقين، ولو جاء مثل هذا عن عباده لكان تحرضًا على غيب الله تعالى إلا فيما شهد لصحة العقل أو يعلمه الشرع؛ لقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (¬1)، {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلُّ نَفْسٍ هُدَاهَا} (¬2)، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} (¬3)، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} (¬4)، {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه} (¬5) وكذلك قوله - عليه السلام -: " ولولا الله ما اهتدينا " (¬6). وأما قول لوط عليه السلام: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّة} (¬7) فإنما أخبر عن نفسه بأمر ممكن داخل تحت قدرة البشر من دفعهم، بشرط لو كان معه قوة لدافع بها عن ضيفه من يريد ضررهم والمنكر فيهم، ومثل هذا لا اعتراض فيه على قدر ولا تحرض على علم غيب، وكذلك كل ما يكون من " لو " و " لولا " فيما يخبر به الإنسان من علة امتناعه من فعله مما فعله تجب مقدورة فلا كراهة فيه، للإخبار حقيقة عن شىء امتنع لما وجب بلولا، أو امتنع لما امتنع، أو امتنع لما وجب أو وجب لما امتنع. " لو " لهذه المعانى تأتى، و " لولا " غالبًا إذا كانت على بابها، وكان لها جواب، فإنها تأتى لبيان السبب الموجب أو النافى، لا كما عبر عنه أكثر النحاة من أنها تأتى لامتناع الشيء لوجود غيره، إذ هذا بعض معانيها لا جميعها، فتأمله. أو يخبر بـ " لو " عما امتنع مما لولا ذلك السبب المانع له لأمكنه فعله، ومن هذا جميع الأحاديث التى أدخل البخارى فى الباب مع آية لوط كقوله: " لو كنت راجمًا بغير بينة لرجمت هذه " (¬8)، " لولا حدثان قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم " (¬9) " ولو مد فى الشهر لوصلت " (¬10)، " ولولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك " (¬11)، " ولولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة " (¬12)، " ولو سلك الأنصار واديًا أو شعبًا لسلكت وادى الأنصار أو شعبهم " (¬13)، فمثل هذا كله لا كراهة فيه، إلا أن يكون قائله لا يقصد فى ذلك الصدق والوفاء كقول المنافقين: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لأَتَّبَعْنَاكُم} (¬14)، وقول الكفار استخفافًا: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم} (¬15). ¬

_ (¬1) الأنبياء: 22. (¬2) السجدة: 13. (¬3) الأنعام: 35. (¬4) البقرة: 251، الحج: 40. (¬5) النساء: 83. (¬6) البخارى، ك التمنى، ب قول الرجل: لولا الله ما اهتدينا 9/ 104. (¬7) هود: 80. (¬8): (¬13) سبق تخريجها. (¬14) آل عمران: 167. (¬15) الزخرف: 20.

(6) باب النهى عن الإصرار على اليمين، فيما يتأذى به أهل الحالف، مما ليس بحرام

(6) باب النهى عن الإصرار على اليمين، فيما يتأذى به أهل الحالف، مما ليس بحرام 26 - (1655) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرةَ عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللهِ، لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمينِهِ فِى أَهْلِهِ، آثمُ لَهُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَنْ يُعْطِىَ كَفَّارَتَهُ الَّتِى فَرَضَ الله ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لأن يَلَجَّ أحدكم بيمينه فى أهله، آثم له عند الله من أن يعطى كفارته التى فرض الله عليه " (¬1): فيه أن الكفارة عن الحانث فى اليمين فرض، كما قال تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم} (¬2). ومعنى " يلج " من اللجاج، أى يقيم على ترك الكفارة. وقوله: " هو آثم له من أن يعطى كفارته " قيل: معناه على ظاهره، وقيل: إذا رأى غيرها خيرًا منها فلم يكفر. والحديث - والله أعلم - على العموم مثل الحالف على قطع منفعة عن نفسه أو عن غيره، أو على ألا يفعل ما فعله خير من صلة رحم أو كلام صديق أو فعل معروف، كما فعل أبو بكر - رضى الله عنه - فى حلفه فى النفقة على مسطح، فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا} الآية (¬3)، وكما قال - عليه السلام - فى الحديث الآخر قال: " ألا يفعل خيرًا " فعلى هذا ومثله يحمل الحديث؛ لأن مواصلته هذا وإقامته على يمينه إما أن يكون معصية أو مكروهًا له فكفارته خير، وجاء بلفظ: " آثم " لمقابلة اللفظ ومجانسته لما كان فى المقام على ذلك إثماً، واعتقد الآخر أن فى حنثه إثماً فاضل بين الإثمين، أو استعار لمخالفة كل حال اسم الإثم. ¬

_ (¬1) لا يوجد بالحديث كلمة " عليه " (¬2) المائدة: 89. (¬3) النور: 22.

(7) باب نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم

(7) باب نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم 27 - (1656) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْر الْمُقَدَّمِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى نَذَرْتُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ: " فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ ". (...) وحدّثنا أَبُو سَعِيدِ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلَاء وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ ابْنِ أَبِى رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر. وقَالَ حَفْصٌ، مِنْ بَيْنِهمْ: عَنْ عُمَرَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. أَمَّا أَبُو أُسَامَةَ وَالثَّقَفِىُّ فَفِى حَدِيثِهِمَا: اعْتِكَافُ لَيْلَةٍ. وَأَمَّا فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ فَقَالَ: جَعَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا يَعْتَكِفُهُ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ حَفْصٍ ذِكْرُ يَوْمٍ وَلا لَيْلَةٍ. 28 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ؛ أَنَّ أَيُّوبَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر - رضى الله عنه -: " إنى نذرت أن أعتكف فى الجاهلية ليلة "، وفى رواية: " يومًا فى المسجد الحرام، قال: فأوف بنذرك "، قال الإمام - رحمه الله -: يحمل هذا عندنا على أنه أراد فى أيام الجاهلية ولم يرد وهو على دين الجاهلية؛ لأن الكافر لا يلزمه عندنا نذر، وكذلك يحمل قوله: " أن أعتكف ليلة، على أنه يمكن أن يكون عبارة عن اليوم والليلة، والعرب تعبر بالليالى عن الأيام. قال القاضى - رحمه الله -: اختلف العلماء - رضى الله عنهم - فيما نذره الكافر حال كفره مما يوجبه المسلمون ثم أسلم، فقال الشافعى وأبو ثور: واجب عليه الوفاء به، وهو قول الطبرى والمغيرة المخزومى والبخارى، وحملوا قوله: " أوف بنذرك " على الوجوب، وقاسوا اليمين على النذر. فإن كان النذر واليمين مما لا ينبغى الوفاء به فعليه الكفارة فيه على أصلهم فى نذر المعصية. وذهب مالك والكوفيون إلى أنه لا شىء عليه،

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِالْجعْرَانَةِ، بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى نَذَرْتُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَكَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: " اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا ". قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَاهُ جَارِيَةً مِنَ الْخُمْسِ، فَلَمَّا أَعْتَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا النَّاسِ، سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَصْوَاتَهُمْ يَقُولُونَ: أَعْتَقَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أَعْتَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا النَّاسِ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللهِ، اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْجَارِيَةِ فَخَلِّ سَبِيلَهَا. (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا قَفَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، اعْتِكَافِ يَوْمٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عبْدَةَ الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ عُمْرَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، فَقَالَ: لَمْ يَعْتَمِرْ مِنْهَا. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ فِى الْجَاهِلِيَّةِ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَمَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ. (...) وحدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ الأعمال بالنيات، ولا نية له حينئذ، ويحمل قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " أوف بنذرك " على طريق الندب والاستحباب لا على طريق الوجوب (¬1). وهذا الحديث يحتج به الشافعى ومن يجيز الاعتكاف بالليل وبغير صوم، ولكن ما ورد فيه من الرواية الأخرى: " يومًا " يرد حجته، ويرد كون هذا الاعتكاف الذى هو بمعنى الجوار، وهذا يكون بغير صوم، ويصح بالليل والنهار. وفيه جواز الاعتكاف يومًا ¬

_ (¬1) انظر: الحاوى 15/ 464 وما بعدها. وكذا بحثنا فى هذا الكتاب ك الإيمان، ب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، هل الكفار مخاطبون بفروع الإسلام أم لا من هذا الكتاب، وشرح معانى الآثار 3/ 133، المغنى 13/ 622، ابن حزم فى المحلى 8/ 372، ابن حجر فى الفتح 11/ 590.

إِسْحَاقَ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ فِى النَّذْرِ. وَفِى حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا: اعْتَكَافُ يَوْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لمن نذره، ولا خلاف فى هذا، وإنما الخلاف فيمن نذر اعتكافاً مبهمًا، وقد مر هذا مبينًا فى الاعتكاف.

(8) باب صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده

(8) باب صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده 29 - (1657) حدّثنى أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ زَاذَانَ أَبِى عُمَرَ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا. قَالَ: فَأَخَذَ مِنَ الأَرْضِ عُودًا أَوْ شَيْئًا. فَقَالَ: مَا فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يَسْوَى هَذَا، إِلا أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ ". 30 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ زَاذَانَ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ دَعَا بِغُلامٍ لَهُ، فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا. فَقَالَ لَهُ: أَوْجَعْتُكَ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَأَنْتَ عَتِيقٌ. قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ مَا لِى فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يَزِنُ هَذَا، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ، حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ، فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فِرَاسٍ، بِإِسْنَادِ شُعْبَةَ وَأَبِى عَوَانَةَ. أَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب ملك اليمين وقوله عن ابن عمر وقد أعتق مملوكاً فأخذ من الأرض عودًا أو شيئًا، فقال: ما فيه من الأجر ما يَسْوى هذا إلا أنى سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من لطم مملوكاً أو كذا ضربه فكفارته أن يعتقه "، وفى الرواية الأخرى: " أو ضربه حدًا لم يأته أو لطمه "، وقوله: " إلا أنى سمعت ": قيل: هو من الاستثناء المنقطع. وعندى أن معناه: ما أعتقته إلا من أجل أنى سمعت، فهو على بابه من الاستثناء الخاص من العام. وقال بعضهم: لعل معناه: ألا إنى سمعت بفتح الهمزة وتخفيف اللام على الاستفتاح للكلام، والحجة لقوله الأول. أو لأنى بلام التعليل والحجة، وقد تصح عندى أن يكون تشابههما على وجهه، أى ما لى فيه من أجر إلا كفارته فإنها أجر، لكنها لما كانت كفارةُ ضَرْبِه له لم يحسب له عتقه أجرًا إذ خرجت كفافاً.

حَدِيثُ ابْنِ مَهْدِىٍّ فَذَكَرَ فِيهِ: " حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ ". وَفِى حَدِيث وَكِيعٍ: " مَنْ لَطَمَ عَبْدَهُ " وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَدَّ. 31 - (1658) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَطَمْتُ مَوْلًى لَنَا فَهَرَبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ قُبَيْلَ الظُّهْرِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِى، فَدَعَاهُ وَدَعَانِى. ثُمَّ قَالَ: امْتَثِلْ مِنْهُ. فَعَفَا. ثُمَّ قَالَ: كُنَّا - بَنِى مُقَرِّنٍ - عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا إِلا خَادِمٌ وَاحِدَةٌ، فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَعْتِقُوهَا ". قَالُوا: لَيْسَ لَهُمْ خَادِمٌ غَيْرُهَا. قَالَ: " فَلْيَسْتَخَدِمُوهَا، فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهَا، فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا ". 32 - (...) حدّثنا أبو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلَالِ بْن يَسَافٍ، قَالَ: عَجِلَ شَيْخٌ فَلَطَمَ خَادِمًا لَهُ. فَقَالَ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنٍ: عَجَزَ عَلَيْكَ إِلا حُرُّ وَجْهِهَا، لَقَدْ رَأَيْتُنِى سَابِعَ سَبْعَةٍ مِنْ بَنِى مُقَرِّنٍ، مَا لَنَا خَادِمٌ إِلَّا وَاحِدَةٌ، لَطَمَهَا أَصْغَرُنَا، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى هذا الحديث: الرفق بالمماليك، وحسن صحبتهم، وكذلك فى الأحاديث بعده. وفى قوله: " حدًا لم يأته " دليل على أن هذا التشديد فيمن ضربهم لغير ذنب استحقوه، ولا على وجه التعليم والأدب. وعتقه هنا ليس على الوجوب عند أهل العلم، وإنما هو على الترغيب ورجاء كفارة ذنبه فيه وظلمه له، ويدل أنه ليس على الوجوب حديث ابن سويد بعده عن أبيه، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما لطم أحدهم خادمهم وأمرهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعتقها، فقالوا: ليس لنا خادم غيرها، قال: " فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها ". والعلماء كلهم - فيما علمت - لا يوجبون عتق العبد بشىء مما يفعله به مولاه من مثل هذا، من الأمر الخفيف. واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع من ضرب مبرح منهك لغير موجب لذلك، أو حرق بنار، أو قطع عضو، أو إفساده، أو فعل ما شأنه به، فذهب مالك وأصحابه إلى عتق العبد على سيده بذلك. قال مالك: وولاؤه له، ويعاقبه السلطان على فعله. وذهب كافة العلماء إلى أنه لا يعتق عليه، وبالعتق بالمثلة كقول مالك. قال الليث بن سعد: واختلف

نُعْتِقَهَا. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ الْبَزَّ فِى دَارِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، أَخِى النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، فَخَرَجَتْ جَارَيةٌ. فَقَالَتْ لِرَجُلٍ مِنَّا كَلِمَةً، فَلَطَمَهَا. فَغَضِبَ سُوَيْدٌ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ. 33 - (...) وحدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: قَالَ لِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: شُعْبَةُ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِى أَبُو شُعْبَةَ الْعِرَاقِىُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ؛ أَنَّ جَارِيَةً لَهُ لَطَمَهَا إِنْسَانٌ. فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصُّورَةُ مُحَرَّمةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِى، وَإِنِّى لَسَابِعُ إِخْوَةٍ لِى، مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا لَنَا خَادِمٌ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَعَمَدَ أَحَدُنَا فَلَطَمَهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُعْتِقَهُ. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: قَالَ لِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: مَا اسْمُكَ؟ فَذَكَر بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحابنا فى شين الولى فى العبيد وإلا ما يحلق الرأس واللحية. والأصل فى العتق بالمثلة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فى الذى جب عبده فأعتقه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1). وقوله فى حديث سويد: أن جارية له لطمها إنسان، فقال له سويد: " أما علمت أن الصورة محرمة ": إشارة إلى الحديث الآخر: " إذا ضرب أحدكم العبد فليجتنب الوجه " (¬2) إكراماً له؛ ولأن فيه محاسن الإنسان وأعضاءه الرئيسية؛ ولأن التشويه والآثار به أقبح منها فى غيره وأشنع، وقد علله فى الحديث الآخر بأنها الصورة التى خلق الله - تعالى - آدم عليها وشرفه بها، واختارها لخليفته فى الأرض، وسيأتى الكلام على حديث الصورة فى موضعها إن شاء الله تعالى. و" محرمة ": يحتمل تحريم ضربها، ويحتمل أنها ذات حرمة. وقوله: " امتثل ": يحتمل أن يكون معناه عاقب، وقد قيل فى قوله تعالى: {وَقَدْ ¬

_ (¬1) أحمد 2/ 182، ابن ماجه، ك الديات، ب من مثل بعبده فهو حر 2/ 894. (¬2) أبو داود، ك الحدود، ب فى ضرب الوجه فى الحد 2/ 476.

34 - (1659) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِىُّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِى بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِى: " اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ". فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ. قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّى، إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ! " قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِى. فَقَالَ: " اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلَامِ ". قَالَ: فَقُلْتُ: لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَهُوَ الْمَعْمَرِىُّ - عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَسَقَطَ مِنْ يَدِى السَّوْطُ، مِنْ هَيْبَتِهِ. 35 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِى، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِى صَوْتًا " اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لله أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ "، ـــــــــــــــــــــــــــــ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلات} (¬1) أنها العقوبات، وقد يكون " امتثل " أى افتعل به مثل ما فعل بك. وقوله (عجز عنها الآخر وجهها) (*): أى عجزت ولم تجد أن تضرب إلا حُرّ وجهها، وكان هذا من المقلوب، وحد الوجه صفحته وما رق من بشرته وحرارة الحسن أحسنه وما رق منه. وحد كل شىء أرفعه وأفضله، وقد يحتمل أن يكون عجز هنا بمعنى امتنع. وقوله فى حديث أبى مسعود وقد رآه يضرب غلاماً له بسوط: " إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ": حض على الرّفق بالمماليك، ووعظ بليغ فى الاقتداء بحلم الله عن عباده والتأدب بأدبه من كظم الغيظ والعفو الذى أمر به. وقوله: هو حر لوجه الله، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو لم تفعل للفحتك النار ": ليس فيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بعتقه، لكنه رأى أنه قد زاد فى قدر أدبه بما استوجب عقوبة الله، ¬

_ (¬1) الرعد: 6. (*) قال معد الكتاب للشاملة: نص الحديث كالتالي: "عَجَزَ عَلَيْكَ إِلا حُرُّ وَجْهِهَا"، انظر (5/ 428) من الكتاب.

فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ. فَقَالَ: " أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ ". 36 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلَامَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ، فَقَالَ: أَعُوذُ بِرسُولِ اللهِ. فَتَرَكَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللهِ، لله أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ ". قَالَ: فَأَعْتَقَهُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: أَعُوذُ بِاللهِ، أَعُوذُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا تراه كيف كان العبد يستعيذ منه بالله وهو يضربه حتى استعاذ برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلعله لم يسمع استعاذته الأولى لشدة غضبه، كما لم يسمع نداء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له كما جاء فى الحديث، أو يكون لما استعاذ برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنبه لمكانه.

(9) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنى

(9) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنى 37 - (1660) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى نُعْمٍ، حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَى يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ ". (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، كِلَاهُمَا عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهمَا: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَبِىَّ التَّوْبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من قذف مملوكه بالزنا أقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ": فيه دليل على أنه لا يحد من قذف عبدًا إذا لم يحكم عليه بذلك في الدنيا كما أخبر بحكمه فى الآخرة، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء؛ لمزية الحرية على العبودية فى الدنيا، فإذا كان فى الآخرة ارتفعت الأملاك كلها، وخلص الملك والملك لله الواحد القهار، استوت المقادير حينئذ فحد له، ولكن عند مالك أنه ينكل العبد إذا قذفه، وهو قول كافة العلماء، وذهب بعض العلماء إلى أن العبد إذا كان له قدر وهيبة عوقب قاذفه. وحكم كل من فيه شعبة رق عند جميعهم حكم العبد فى سقوط الحد عن قاذفه من مدبر أو مكاتب أو أم ولد أو معتق بعضه أو إلى أجل. واختلف فى أم الولد بعد موت سيدها، فجمهورهم على أن قاذفها يحد، وهو قول مالك والشافعى، وقول كل من يقول: إنها لا تباع؛ لأنها صارت حرة بموت سيدها، وروى عن الحسن أنه لا يحد، ولعل ذلك قبل موت سيدها. واختلف المذهب عندنا، فقال مالك: يحد قاذفها، وقال محمد بن المواز: لا يحد حتى تضع؛ لعل الحمل ينفش فلا تكون أم ولد. وقوله: " سمعت أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبى التوبة ": سمى بذلك - والله أعلم - لأنه بعث بقبول التوبة بالقول والاعتقاد. وكانت التوبة من قبل بقتل أنفسهم، ويحتمل أن يكون نبى التوبة إلى الإيمان والرجوع عن الكفر إلى الإيمان. وأصل التوبة: الرجوع، كما قال فى الحديث الآخر: " أنا الماحى الذي يمحو الله بى الكفر " (¬1). ¬

_ (¬1) البخارى، ك المناقب، ب ما جاء فى أسماء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4/ 225، أحمد 4/ 80، 81، الدارمى 2/ 317، 318 كلهم عن جبير بن مطعم.

(10) باب إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه

(10) باب إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه 38 - (1661) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ. قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِى ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً. فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ من إِخْوَانِى كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِى إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَقِيتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلَيَّةٌ ". قلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِيْنُوهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث آخر: وكان بينى وبين رجل من إخوانى كلام، وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم " الحديث: فيه النهى عن التعيير بنقص الآباء، كما نهى عن الفخر بذلك، وأن الكل من فعل الجاهلية، كما قال - عليه الصلاة والسلام-: "كلكم بنو آدم، وآدم من تراب " (¬1). وقد استدل بعضهم بأنه لا حد على من قذف عبدًا، وليس فيه دليل عليه؛ إذ ليس فيه أن الرجل كان عبدًا، بل قوله: " رجل من إخوانى ساببته"، وقوله "من سب الرجال سبوا أباه وأمه "، والأظهر أنه كان عربيًا ابن أمة، فعيره بها، ولو كان عبدًا أو مولى لغيره لسابه بأبيه ونفسه ولم يقتصر على أمه. وليس فى تعييره ما يدل أنه كان قذفًا حتى يحتج به على ذلك، وإنما عيره بكون أمه، لكن قوله - عليه السلام -: " هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ما يأكل " الحديث، يشعر بأنه كان عبدًا، وأن أبا ذر سماه رجلاً من إخوانى؛ لقوله - عليه السلام - له: " هم إخوانكم فمن كان أخوه تحت يده ". وقوله: " فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون ": حمله أبو ذر على ظاهره، ¬

_ (¬1) أحمد 2/ 261، 524، من حديث أبى هريرة.

39 - (...) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسْنَاد. وَزَادَ فِى حَدِيثِ زُهير وَأَبِى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّة ". قَالَ: قُلْتُ: عَلَى حَالِ سَاعَتِى مِنَ الْكِبَرِ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". وَفِى رِوَايَة أَبِى مُعَاوَيةَ: " نَعَمْ، عَلَى حَالِ سَاعَتِكَ مِنَ الْكِبَرِ ". وَفِى حَدِيثِ عِيسَى: " فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلبُهُ فَلْيَبِعْهُ ". وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ: " فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ ". وَلَيْسَ فِى حَدِيث أَبِى مُعَاوِيَةَ: " فَليَبعْهُ " وَلَا: " فَلْيُعِنْهُ ". انْتَهى عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلا يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ ". 40 - (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمِّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهَا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَذَكَرَ أَنَّهُ سَابَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ. قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِيْنُوهُم عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فكان يلبس غلامه مثل لباسه، كما جاء فى الحديث، وهذا على الاستحباب، قال بعضهم: وليس إطعامه من طعامه ولباسه من لباسه على الإيجاب عند أحد من أهل العلم، ولا أنه يلزمه أن يطعمه من كل ما يأكل على العموم من الأدم وطيبات العيش، بل إن أطعمه من الخبز وما يقتاته كان قد أطعمه مما يأكل؛ لأن " من " للتبعيض، وإن كان مستحباً أن يستأثر على عياله بشىء دونهم، ويفضل نفسه فى العيش عليهم (*). وقوله: " ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم ": فيه الرفق بالمماليك، وألا يكلفوا ما يفدحهم، فإن كلفوه أعينوا فيه حتى لا يفدح، ورواية من روى: " فليبعه " وَهْم، والصواب: " فليعنه " كما قال الجمهور: " للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق "، هذا فرضه وحقه اللازم؛ من طعام يكفيه، وكسوة تستره وتقيه الحر والبرد، ولا يكلف ما يفدحه ويعنته. قوله: " إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه به، وقد ولى حره ودخانه، فليقعد معه فليأكل، فإن كان الطعام مشفوهاً قليلاً فليضع منه فى يده أكلة أو أكلتين " يعنى: لقمة أو لقمتين. الأكلة، بضم الهمزة، اللقمة، كما فسر فى الحديث.

___ (*) قال معد الكتاب للشاملة: وقع في العبارة غدة أخطاء، وقد نقله عن القاضي عياض، البدر العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 208)، فقال: وقال القاضي عياض: الأمر محمول على الاستحباب لا على الإيجاب بالاجماع، بل إن أطعمه من الخبز وما يقتاته كان قد أطعمه مما يأكل، لأن: من، للتبعيض ولا يلزمه أن يطعمه من كل ما يأكل على العموم من الأدم وطيبات العيش، ومع ذلك فيستحب أن [لا يستأثر] على عياله، [ولا يفضل] نفسه في العيش عليهم.

41 - (1662) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ عَنِ الْعَجْلَانِ مَوْلَى فَاطِمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ ". 42 - (1663) وحدّثنا الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا صَنَعَ لأَحْدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ، وَقَدْ وَلِىَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ، فَلْيَأْكُلْ. فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلاً، فَلْيَضَعْ فِى يَدِهِ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ ". قَالَ دَاوُدُ: يَعْنِى لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام - رحمه الله -: المشفوه: القليل، وقال بعضهم: أخذ ذلك من كثرة الشفاه عليه. قال القاضى - رحمه الله -: وقوله بعد ذلك: " قليلاً " أى قليلاً فى حق من اجتمع عليه فيه ما ذكرناه من مكارم الأخلاق وترك الاستياء ولاسيما فى الطعام، وهو تفسير للحديث المتقدم؛ أن أكله مما يأكل على الاستحباب والحض لا على الإيجاب، ولما فى ذلك من تعلق قلب الخادم بما صنعه مولاه وشم ريحه، وشرهت له نفسه. وقيل: فى إطعامه منه ومؤاكلته إياه ذهاب غائلة الاستئثار عليه بالطعام؛ لئلا يكيده فيما يصنعه ولا يغشه ولا يخونه فيه، إذا علم أنه يأكل منه ويرد شهوته ببعضه.

(11) باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله

(11) باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله 43 - (1664) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِن الْعَبْدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَأَحْسَنَ عَبَادَةَ اللهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ ". (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أُسَامَةُ، جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. 44 - (1665) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ أَجْرَانِ ". وَالَّذِى نَفْسُ أَبِى هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، لَولا الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَالْحَجُّ، وَبِرُّ أُمِّى، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين ": وذلك أن جميع تصرف العبد غالباً فى امتثال الأوامر؛ إما لله وإما لمالكه، بخلاف الحر الذى يتصرف باختياره، فالعبد طائع لمولاه بما ملكه الله من منافعه، وطاعته له طاعة لله، فأجره أبدًا متصل، فإما أن يكون التضعيف المراد به كثرة الأجور وزيادتها على أجر الحر، أو يكون على وجه التضعيف المعروف فى أجر العمل الواحد من طاعة الله تعالى، بما امتحن به من الرق وربقة العبودية، تفضلاً من الله تعالى عليه، كما ضعف ذلك لأسباب أخر من المرض، والمقام بالمدينة وغير ذلك. وقول أبى هريرة فى هذا الحديث: " لولا الجهاد فى سبيل الله والحج وبر أمى، لأحببت أن أموت وأنا مملوك ": ودليل على أنه لا يلزم العبد جهاد ولا حج حال عبوديته؛ لأنه غير مالك لنفسه، ولا له خروج عن مصالح سيده وهو غير مستطيع بالملك الذى لزمه ولا للجهاد، إلا أن ينزل العدو ببلد فيتعين الجهاد على كل من فيه بقدر طاقته من عبد وحر. وقوله: " وبر أمى ": فيه حجة أنه لا يلزم العبد النفقة على والديه ولا شىء من

قَالَ: وَبَلَغَنَا؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَحُجُّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ، لِصُحْبَتِهَا. قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِى حَدِيثِهِ: " لِلْعَبْدِ الْمُصْلِحِ "، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَمْلُوكَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوانَ الأُمَوِىُّ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: بَلَغَنَا وَمَا بَعْدَهُ. 45 - (1666) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، كَانَ لَهُ أَجْرَانِ ". قَالَ: فَحَدَّثْتهَا كَعْبًا. فَقَالَ كَعْبٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ حِسَابٌ، وَلا عَلَى مُؤْمِنٍ مُزْهِدٍ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مؤنتهما؛ لاستحقاق سيده رقبته وماله، وأما ما يلزمه لها من البر بالقول والملاطفة وخفض الجناح فيستوى فيه الحر والعبد، فأبو هريرة - والله أعلم - أراد ما يلزمه من السعى عليها والإلطاف لها والإحسان الذى لا يتفق مع العبودية. وقد يكون مراد أبى هريرة بهذا كله تعظيم أجر الحج والجهاد وبر الوالدين وأن الأجر [فيها ذلك] (¬1) أعظم من أجر العبودية، وأن بالعبودية لا يصل إلى شىء من ذلك؛ لمنعه من الحج والجهاد، وتغريبه عن والدته، فلا يصل إلى شىء من برها، ألا تراه كيف قال فى الحديث: " وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها "؛ لأن بر الأم، وصحبتها والقيام بها فرض متعين، وأبو هريرة قد كان قضى حجة، وحجه بعد ذلك إنما كان نافلة، فقدم الفرض من بر أمه على فضل الحج، وقد قال مالك: [لا يحج] (¬2) أحد إلا بإذن أبويه إلا الفريضة فيخرج ويدعهما. وقال أيضاً: لا يعجل عليهما فى غير الفريضة وليستأذنهما العام والعامين. وقول كعب فى هذا الحديث: " ليس عليه حساب ولا على مؤمن مزهد "، قال الإمام - رحمه الله -: يعنى بالمزهد: القليل المال، يقال: أزهد الرجل يزهد إزهاداً: إذا قل ماله، قال الأعشى. فلن يطلبوا سرها للغنى ... ولن يسلموها لإزهادها فالإزهاد قلة المال. والسر فى هذا البيت يعنى به النكاح، والشىء الزهيد هو القليل. قال القاضى - رحمه الله -: معنى قول كعب: " ليس عليه حساب ": أى ليس على عبد ¬

_ (¬1) فى الأبى: فى إحداها. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من الأبى.

46 - (1667) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَة عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعمَّا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يُتَوَفَّى، يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللهِ وَصَحَابَةَ سَيِّدِهِ، نعمَّا لَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أدى حق الله وحق سيده حساب؛ لكثرة أجره، فإما أن يقولها كعب عن توقيف عنده، وأن هذا مما خص بذلك كما خص به السبعون ألفاً المذكورون فى الحديث ومن خص بذلك من غيرهم، أو يكون اجتهاداً منه لتخفيف حسابه، فكان كمن لم يحاسب لغلبة حسناته وكثرتها، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا. وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} (¬1). وقوله: " نِعِمَّا للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله وصحابة سيده ". أى نعم شىء هو، أى نعم ما هو، أدغمت إحدى الميمين فى الأخرى لاجتماعهما، قال الله تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} (¬2). وروى العذرى هذا الحرف " نعما " بضم النون منوناً، وله وجه، أى مسرة وقرة عين، يقال: نعماً وَنُعْمَة له وَنِعْمَة له، أى مسرة. ¬

_ (¬1) الانشقاق: 7 - 9. (¬2) البقرة: 271.

(12) باب من أعتق شركا له فى عبد

(12) باب من أعتق شركاً له فى عبد 47 - (1501) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ ". 48 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ، إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ ". 49 - (...) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِى عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ قَدْرُ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، وَإِلا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ ". (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وهُوَ ابْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، عَن ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمْ: " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " إِلا فِى حَدِيثِ أَيُّوبَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا هَذَا الْحَرْفَ فِى الحَدِيثِ. وَقَالا: لا نَدْرِى، أَهُوَ شَىْءٌ فِى الْحَدِيثِ أَوْ قَالَهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ. وَلَيْسَ فِى رِوَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث: " من أعتق شركاً له فى مملوك " تقدم فى كتاب العتق.

أَحَدٍ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلا فِى حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. 50 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرو، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ، قُوِّمَ عَلَيْهِ فِى مَالِهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، لَا وَكْسَ وَلا شَطَطَ، ثُمَّ عَتَقَ عَلَيْهِ فِى مَالِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ". 51 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ، عَتَقَ مَا بَقِىَ فِى مَالِهِ، إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ ". 52 - (1502) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ ابْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ - فِى الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمَا قَالَ -: " يَضْمَنُ ". 53 - (1503) وحدّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: " مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكٍ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ ". 54 - (...) وحدّثنى عَمْرُو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ؛ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا لَهُ فِى عَبْدٍ، فَخَلاصُهُ فِى مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، اسْتُسْعِىَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام - رحمه الله -: وقوله: " قيمة عدل لا وكس. ولا شطط ": الوكس: الغش والبخس، والشطط: الجور، يقال: شط الرجل وأشط واشتط: إذا جار فى السوم وأفرط، وجار فى الحكم أيضًا، وشط الشىء وأشط: إذا بعد. قال القاضى - رحمه الله -: الشطط: مجاوزة الحد، قال الله تعالى: {فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِط} (¬1) أى لا تبعد عنه، من قولهم: شطت الدار: إذا بعدت. وقوله: " من أعتق شَقيصًا له ": أى نصيبًا، كذا هنا للجماعة، وقد تقدم فى ¬

_ (¬1) ص: 22.

55 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ عِيسَى: " ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِى نَصِيبِ الَّذِى لَمْ يُعْتِقْ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ ". 56 - (1668) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَبِى الْمُهَلَّبِ، عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَذَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا. ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلاً شَدِيداً. 57 - (...) حدّثنا قُتيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ عَنِ الثَّقَفِىِّ، كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا حَمَّادٌ فَحَدِيثُهُ كَرِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ. وَأَمَّا الثَّقَفِىُّ فَفِى حَدِيثِهِ: أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب العتق: " شقصًا له " وكذا هنا للهوزنى. قال بعضهم: هو الصواب. وكلاهما صواب صحيح. شقص وشقيص مثل نصف ونصيف. وقوله: " أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته "، وفى بعض طرقه: " أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين "، قال الإمام - رحمه الله -: مذهبنا إثبات القرعة فى ذلك، خلافاً لأبى حنيفة فى مصيره إلى نفيها تعلقًا بأنها خطر، والخطر لا يجوز فى الشرع؛ لأن هذأ الحديث كالنص فى معناه فلا يرد بالاستدلال بشواهد الأصول، وقد ثبت فى أصول الشرع استعمال القرعة فى القسمة للأموال بين الشركاء فلا ينكر استعمالها فى مثل هذا؛ لأن هاهنا حقان؛ حقاً للعبيد فى أن يعتق منهم بالحصص؛ لأنه ليس أحدهم أولى بذلك من الآخر، وحقًا للورثة لأنهم كالشركاء جمع الميت، فلهم تمييز حقوقهم واستبدادهم بملكها، فقدم هاهنا حق الورثة؛ لأنه بالمرض تعلق لهم حق الحجر عليه على الجملة، فإذا فعل فيما تعلق لهم به حق لم يرضوه تعلق لهم الرد وإثبات القرعة لحقهم فى المقاسمة والمشهور عندنا: إثبات القرعة فى العتق فى المرض، بتلاً كان أو وصية. وفى الموازية

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَحَمَّادٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نفيها فى عتق البتل وإثباتها فى الوصية، ولعل حمل رواية من روى: " أعتق ستة مملوكين " على أن المراد بها أوصى بعتقهم لتتفق الروايتان على أن فى قوله: " أوصى عند موته " و " فأعتق ستة مملوكين " قال الشافعى: احتمالاً أيضًا لأن يكون أراد أوصى بوصية ما، فذكر فيها عتق ستة مملوكين. قال الشافعى: فى هذا الحديث دلالة على أن الوصية للأجانب تجوز. وهذا منه إشارة إلى أن قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} (¬1) منسوخ. وفيه أيضًا عندى إثبات الثلث والرد على من يقول: لا يبلغ بالوصية الثلث، وقد تقدم. وقوله فى الحديث: " وأرق أربعة " يرد على أبى حنيفة قوله: يعتق من كل واحد منهم ما ينوبه ويستسعى فى بقيته. قال القاضى - رحمه الله - بإثبات القرعة فى هذه المسألة كقول مالك، قال الشافعى وأحمد وإسحاق وداود والطبرى وحقيقة مذهب أبى حنيفة وأصحابه: إنه يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى فى الثلثين على أصله فى عتق الشريك، وبهذا قال الشافعى والنخعى والحسن وقتادة وشريح، وذكر عن سعيد بن المسيب، إلا أن أبا حنيفة يقول: حكمه مدة الاستسعاء حكم المكاتب (¬2)، وصاحباه يقولان: حكمه حكم الأحرار. وقوله فى الحديث: " وقال له قولاً شديداً ": فسر هذا القول فى بعض الأحاديث، قال: " لو علمنا ما صلينا عليه " (¬3)، وفى الأخرى: " وما دفن فى مقابرنا " (¬4). وفى الباب: نا محمد بن منهال الضرير (¬5) وأحمد بن عبدة (¬6)، نا يزيد بن زريع، ¬

_ (¬1) البقرة: 180. (¬2) انظر: الاستذكار 23/ 138. (¬3) و (¬4) أبو داود، ك العتق، ب فيمن أعتق عبيداً له يبلغهم الثلث 2/ 353. (¬5) محمد بن المنهال المجاشعى أبو جعفر، ويقال: أبو عبد الله البصرى الضرير الحافظ، روى عن يزيد بن زريع وأبى عوانة وجعفر بن سليمان الضبعى وغيرهم، وعنه البخارى ومسلم وأبو داود وغيرهم، قال عنه العجلى: ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة حافظ، وذكره ابن حبان فى الثقات، مات بالبصرة فى شعبان سنة 231. التهذيب: 9/ 475، 476. (¬6) أحمد بن عبدة بن موسى الضبى، أيو عبد الله البصرى، روى عن حماد بن زيد ويزيد بن زريع وفضيل ابن عياض وغيرهم، وعنه الجماعة إلا البخارى وابن أبى الدنيا وأبو زرعة وغيرهم، وقال النسائى: ثقة وفى موضع آخر: لا بأس به. مات فى رمضان سنة 245. التهذيب 1/ 59.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نا هشام بن حسان (¬1)، عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين. هذا الحديث مما تتبع على مسلم واستدرك، قال الدارقطنى: هذا لم يسمعه محمد بن سيرين من عمران فيما يقال، وإنما سمعه من خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران. ذكر ذلك ابن المدينى (¬2). قال غيره: أخرج مسلم عن محمد بن سيرين عن عمران حديثين لم يصرح فيهما بسماعه منه، فهذا الحديث الذى عض يد رجل (¬3)، وحديث: " يدخل الجنه سبعون ألفًا " (¬4)، ويقول فى غير حديث: عن عمران، نبئت عن عمران. ¬

_ (¬1) هشام بن حسان الأزدى القردوسى أبو عبد الله البصرى، روى عن حميد بن هلال والحسن البصرى وعكرمة وغيرهم، وعنه عكرمة بن عمار وسعيد بن أبى عروبة وشعبة وغيرهم. قال ابن معين: لا بأس به، وقال العجلى: بصرى ثقة حسن الحديث، وذكره ابن حبان فى الثقات، قال الترمذى: مات سنة 142. التهذيب 11/ 34 - 37. (¬2) الإلزامات والتتبع ص 176. (¬3) مسلم، ك القسامة، ب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه 3/ 18. (¬4) مسلم، ك الإيمان، ب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة من غير حساب ولا عذاب 1/ 371.

(13) باب جواز بيع المدبر

(13) باب جواز بيع المدبر 58 - (997) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ أَعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّى؟ "، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ. قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: عَبْداً قِبْطِياً مَاتَ عَامَ أَوَّلَ. 59 - (...) وحدّثناه أبو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو بَكْر: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا يَقُولُ دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ غُلامًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَاعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ جَابِرٌ: فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ. عَبْدًا قِبْطِيًا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ، فِى إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دبر لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " من يشتريه منى؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه، قال الإمام - رحمه الله -: مذهبنا بيع المدبر، خلافاً للشافعى فى إجازة بيعه تعلقاً منه بهذا الحديث، وقياساً على الموصى بعتقه أن له الرجوع فيه باتفاق. وقد تأول أصحابنا هذا الحديث على أنه كان مدياناً؛ ولهذا تولى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيعه. وقوله هاهنا: " فدفعها إليه ": أراد به السيد. وقوله فى النسائى وأبى داود، أحدهما يرويه على نحو ما يقول الآخر، وفيه: فاحتاج مولاه فأمره ببيعه، فباعه بثمانمائة درهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنفقها على عيالك، فإنما الصدقة عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول " (¬1)، فهذا كله يمتنع من تأويل أصحابنا أنه باعه بالدين. وعند الترمذى: " فمات ولم يترك مالاً غيره فباعه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتراه نعيم " وقال: هذا حديث حسن (¬2). ونظن أنا قدمنا الكلام على هذا الحديث. قال القاضى - رحمه الله -: أجمع العلماء على جواز التدبير. وأنه ما لم يزد خارج من الثلث عند كافتهم (¬3). وذكر عن بعض السلف أنه من رأس المال، وهو قول زفر ¬

_ (¬1) النسائى فى الكبرى، ك العتق، ب التدبير 3/ 191، أبو داود، ك الأدب، ب فى بيع المدبر 2/ 352. (¬2) الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى بيع المدبر (1219). (¬3) انظر: الاستذكار 3/ 387.

(...) حدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ فِى الْمُدَبَّرِ. نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحِزَامِىَّ - عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمِ، حَدَّثَنِى عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والليث بن سعد. واختلف الناس فى بيع المدبر وفسخ تدبيره، فذهب بعضهم إلى ظاهر هذا الحديث وأنه كالموصى يعتقه لصاحبه أن يرجع فيه ويبيعه، احتاج أم لا، وهو قول الشافعى وأحمد وإسحاق وأبى ثور وداود، وقاله مجاهد وطاوس من السلف، وروى عن عائشة - رضى الله عنها - وروى عن الحسن وعطاء مثله إذا احتاج إليه سيده (¬1). وقال كافة العلماء والسلف من الحجازيين والكوفيين والشاميين: لا يباع المدبر، وقالوا: إنما باع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا فى الدين (¬2) لما روى فى الحديث من قوله له: " اقض به دينك " وأنه كان مديانًا. كذا ذكره أبو الحسن الدارقطنى والنسائى فى سننهما (¬3). هذا حجة لتأويل المالكية ومذهبهم، ومفسر للحديث المجمل هنا، وأنه دفع ثمنه ليقضى به دينه. وأما تلك الزيادة الأخرى التى ذكر - رحمه الله - عن أبى داود والنسائى من قوله: " فاحتاج الرجل " وقوله: " أنفقها على عيالك "، وعندهما: " إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، فإن فَضَلَ فَضْلٌ فعلى عياله " غير مخالف لما تقدم، فبدايته بنفسه قضاء دينه، وما أخذه من ذلك لنفقة عياله. وأما رواية الترمذى: أنه كان مات، فقد ذكرها غيره، وغلط داود بها أئمة الحديث. وقال بعض علمائنا: إنما باعه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مشهور الأحاديث، وأما فى الصحيح أنه لم يكن له مال غيره ففسخ ذلك عليه كما فسخ صدقة أبى لبابة بجميع ماله، وقال: " يكفيك من ذلك الثلث "، وقد قدمنا اختلاف العلماء فيمن تصدق بماله كله، ومن رأى رده وهذا مثله. وقيل: بل كان تدبيراً معلقاً بالموت، مثل قوله: إن مت فى مرض فأنت حر. فكان هذا كالوصية التى يرجع فيها، واسم التدبير يقع عليه؛ لأنه عتق عن دبر من عمر الميت وانقضائه. وأصل التدبير والوصية من هذا. ومعنى العتق عن دبر: أى بعد الموت، ودبر كل شىء ودبره: آخره. والفرق ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 23/ 385. (¬2) انظر: المصدر السابق 23/ 387. (¬3) انظر: الدارقطنى، ك المكاتبة 4/ 138 بلفظ: " اقض دينك "، النسائى، ك العتق، ب التدبير 3/ 192 بزيادة: " وكان محتاجاً وكان عليه دين ".

ح وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ مَطَرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، وَأَبِى الزُّبَيْرِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثهُمْ فِى بَيْع الْمُدَّبَّرِ، كُلُّ هَؤُلاءِ قَالَ: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عندنا بين التدبير والوصية بالعتق ذكر لفظ التدبير فى ذلك إذا لم يعلقه بشرط كقوله: أنت حر عن دبر منى أو دبرتك وأنت مدبر، أو مدبر بعد موتى ومما يعلم أنه قصد إيجاب العتق. واختلف عندنا إذا قال: أنت مدبر فأنت معتق وهو صحيح غير مريد لسفر، هل هى وصية أو هى تدبير متى يريد بها الوصية؟ ولم يختلفوا إذا قال ذلك عند سفر أو مرض أنها وصيته، وقيل: بل باعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورد فعله لما بان من سفهه إذا لم يكن له مال غيره. قالوا وهو أصل فى رد أفعال السفهاء. وهذا عندى بعيد؛ إذ لو كان ذلك لم يصرف إليه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمنه ولا مكنه منه، والأشبه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك نظراً له إذ لم يترك لنفسه مالاً، ويكون حجة، إذ ليس للرجل أن يتصدق بماله كله وقد تقدم. قال الطبرى: وفيه أن للإمام أن يحمل الناس على ما فيه مصالحهم، ويبطل من أفعالهم ما فيه مضارهم. وفيه بيع الإمام على الناس أموالهم فى مصالحهم. وفيه جواز بيع السلعة ممن يريد، وهو قول كافة العلماء، بل وقع عليه الأن الإجماع بعد خلاف كان من بعضهم. وقوله: " فاشتراه نعيم بن عبد الله " وفى الرواية الأخرى: " فاشتراه ابن النحام " ونعيم نفسه هو النحام. هو نعيم بن عبد الله بن أسد قرشى عدوى. وهو النحام سمى بذلك لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة لنعيم ". والنحمة: الصوت، وقيل: هي السلعة، وقيل: هى النحنحة الممدود آخرها. واسم هذا الغلام: يعقوب، واسم مدبره وأبوه مذكور. ذكر ذلك فى تفسير الحديث فى رواية أبى داود وغيره.

28 - كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات

بسم الله الرحمن الرحيم 28 - كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1) باب القسامة 1 - (1669) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ - قَالَا يَحْيَى: وَحَسَبْتُ قَالَ - وَعَنْ رَافِعٍ بْنِ خَدِيجٍ؛ أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مُسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ، حَتَّى إِذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِى بَعْضِ مَا هُنَالِكَ. ثُمَّ إِذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلاً، فَدَفَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَحُوَيِّصَة بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ - وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَبِّرْ " - الْكُبْرَ فِى السِّنِّ - فَصَمَتَ. فَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ، وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتَلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ. فَقَالَ لَهُمْ: " أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ؟ " - أَوْ قَاتِلَكُمْ - قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ؟ قَالَ: " فَتُبْرِئكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا؟ ". قَالُوا: وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَقْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب القسامة والديات والحدود ذكر مسلم حديث حويصة ومحيصة باختلاف ألفاظه وطرقه حين وجد محيصة ابن عمه عبد الله بن سهل قتيلاً بخيبر فى شربة نخل، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأوليائه: " تحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم " وفى الأخرى: وتستحقون صاحبكم أو قاتلكم "، وفى الأخرى " يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع بُرُمَّته "، وفى حَدِيثِ مالك: فقال النبى: " إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يأذنوا بحرب من الله " فكتب إليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، فكتبوا: والله ما قتلناه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحويصة وصاحبيه: " أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ ". قالوا: لا والله، وفى الرواية الأخرى: كيف نحلف ولم نشهد؟ فقال: " فتبرئكم يهود بخمسين يميناً " فقالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك أعطى عقله، وفى الحديث الآخر: " فوداه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عنده "، وفى رواية البخارى عن سعيد وعبيد، أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تأتون بالبينة على من قتله؟ " فقالوا: ما لنا بينة. قال: " فيحلفون ". قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يبطل دَمَهُ فوداه بمائة من إبل الصدقة (¬1). وقد ذكر مسلم طرقًا عن هذه الرواية مختصرة ولم يبهمهما، وهو مما انتقد عليه كما سنبينه فى موضعه بعدُ. وذكر البخارى - أيضاً - غير مسند؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إلى يهود: " أنتم قتلتم هذا؟ " قالوا: لا. قال: " أفترضون نفل خمسين من اليهود؟ " أى أيمانهم. قال: يبالون، أى يقتلوننا أجمعين ثم ينفلون. قال: " فتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ ". قالوا: ما كنا لنحلف، فوداه رسول الله من عنده (¬2). وذكر أبو داود وغيره نحوه (¬3). وذكر مسلم حديثًا آخر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقر القسامة على ما كانت عليه فى الجاهلية (¬4)، وذكر أبو داود أنه - عليه السلام - قتل بالقسامة رجلاً من بنى نصر (¬5). قال القاضى - رحمه الله -: حديث القسامة المذكور أصل من أصول الشرع، وقاعدة من قواعد الأحكام، وركن من أركان مصالح العباد، وبه أخذ كافة الأئمة، والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأئمة وفقهاء الأمصار من الحجازيين والشاميين والكوفيين. وإن اختلفوا فى صورة الأخذ به. وروى التوقف عن الأخذ به عن طائفة فلم يروا القسامة ولا أثبتوا لها فى الشرع حكماً، وهو مذهب الحكم بن عيينة، ومسلم بن خالد، وأبو قلابة، وسالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، وقتادة، وابن علية، والمكيين، وإليه ينحو البخارى، وروى عن عمر ابن عبد العزيز مثله (¬6). وروى عنه - أيضاً - الحكم بها. واختلف قول مالك فى جواز القسامة فى قتل الخطأ (¬7). ثم اختلف القائلون بها فى العمد هل يجب بها القتل والقصاص والدية فقط؟ فمذهب معظم الحجازيين إيجاب القود والقتل بها إذا كملت شروطها وموجباتها، وهو قول الزهرى وربيعة وأبى الزناد ومالك وأصحابه والليث والأوزاعى وأبى ثور وأحمد وإسحاق وداود والشافعى فى أحد قوليه، وروى ذلك عن ابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز (¬8). قال أبو الزناد: وقلنا بالقسامة، وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متواترون، لأنى لأرى أنهم ألف رجل، فما اختلف منهم اثنان. وقال الكوفيون وإسحاق والشافعى - فى قوله الآخر -: إنما تجب فيها الدية وهو قول ¬

_ (¬1) و (¬2) البخارى، ك الديات، ب القسامة 9/ 11. (¬3) أبو داود، ك الديات، ب القسامة 2/ 486، الترمذى، ك الديات، ب ما جاء فى القسامة 4/ 1422 وقال: حديث حسن صحيح. (¬4) حديث رقم (7) بالباب. (¬5) انظر: أبو داود، ك الديات، ب القسامة 2/ 486. (¬6) انظر: الاستذكار 25/ 327. (¬7) انظر: المصدر السابق 25/ 316. (¬8) انظر المصدر السابق 25/ 316، التمهيد 23/ 217.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسن البصرى والحسن بن جنى (¬1)، وعثمان البتى، والنخعى، والشعبى، وروى عن أبى بكر، وعمر بن الخطاب، وابن عباس، ومعاوية - رضى الله عنهم. ثم اختلفوا - أيضاً - فى المبدأ - بالأيمان. من هم؟ فمعظم القائلين بالقود أخذ بالمشهور من تقديم الأولياء وترتيب القسامة على ما جاء فى الحديث، وحجتهم هذا الحديث ومجيئه من طرق صحاح لا تدفع. وفيه تبدئة المدعى، ثم ردها حين أبى على المدعى عليهم. واحتجوا - أيضاً بالحديث الآخر من رواية أبى هريرة عنه - عليه السلام - " البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليهم إلا القسامة " (¬2). ويقول مالك: الذى اجتمعت عليه الأئمة فى الحديث والقديم أن المدعين يبدؤون فى القسامة (¬3)، واحتجوا بأن جنبة المدعى إذا قويت بشهادة أو شبهة قوية صارت اليمين له وها هنا الشبهة قوية، وقالوا: هذه شُبْهة بحيالها، وأصل قائم لحياة الناس، وردع المعتدين والدعاوى فى الأموال على سنتها أيضاً، فكل أصل يتبع ويستعمل ولا يطرح بسنة لسنة إن شاء الله، وعللوا رواية من روى تَبْدِئة المدعى عليهم بقول أهل الحديث: إنه وهم من رواته، وأنه أسقط تبدئة المدعين إذ لم يذكر رد اليمين، وأيضاً فإن زيادة تبدئة المدعين فى هذه الأحاديث الأخر والروايات الصحاح والزيادة مقبولة معمول بها لا يضرها من لم يثبتها، وهى تقضى على من لم يعرفها. وقال كل من قال بالدية وإسقاط الدم بتبدئة المدعى عليهم إلا أحمد والشافعى فى أحد قوليه بترك القود وإيجاب الدية، فإنهما على ما عليه الجمهور من الأخذ بمساق الحديث المشهور فى تبدئة المدعى وردها إن أبوا على المدعى عليهم. وقد قال بهذا القول الكوفيون وكثير من البصريين، والمدنيين، والأوزاعى وروى عن الزهرى، وعن عمر بن الخطاب. ثم اختلفت مذاهب القائلين بتبدئة المدعى عليهم، فقال الأوزاعى - فقيه الشاميين: يستحلف من أهل الفدية خمسون رجلاً خمسين يميناً: ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً، فإن حلفوا بروا، وإن نقضت قسامتهم حلف المدعون على رجل واحد واستحقوا. فإن نقضت قسامتهم أو نكل منهم واحد عادت عقلاً (¬4). ومثل هذا فى التبدئة وردها قول الزهرى، إلا أنه لا يرى فى هذا القول قوداً بل إذا حلف المدعون كانت دية، وإن نكل منهم واحد فلا شىء، ونحوه قول الحسن البصرى. وقال عثمان البتى: يبدأ المدعى عليهم، فإن حلفوا فلا شىء عليهم غير ذلك. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثورى ومعظم الكوفيين والبصريين: يحلف المدعى عليهم ويؤدون ¬

_ (¬1) انظر التمهيد 23/ 217، الاستذكار 25/ 317. (¬2) الترمذى، ك الأحكام، ب ما جاء فى أن البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه (1341). (¬3) الاستذكار 25/ 320 وما بعدها. (¬4) التمهيد 23/ 211.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدية، ورووا أن بهذا قضى عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - فإذا لم يحلفوا سجنوا حتى يحلفوا، وهو قول زفر والحسن بن جنى. واتفقوا كلهم أنها لا تجزئ بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهة يغلب الظن بالحكم بها. واختلفوا فى الشبهة الموجبة للقسامة، وصورتها سبعة وجوه: إحداها: قول المقتول: دمى عند فلان، وهو قتلنى أو ضربنى وإن لم يكن به أثر أو فعل فىّ هذا من إنفاذ مُقَاتِلى، أو جرحنى، ويذكر العمد فى ذلك، فهذا موجب للقسامة عند مالك والليث، وقال مالك: إنه مما اجتمع عليه الأئمة فى الحديث والقديم، وروى عن عبد الملك بن مروان ولم يقل به من فقهاء الأمصار غيرهما ولا روى عن سواهما وخالفهما فى ذلك سائر العلماء ولم يروا بهذا قسامة. وذهب بعض أصحابنا لهذا بأن تلك حالة من القتل يطلب فيها الغفلة والاستتار، وأن المرء عند الموت غالباً يتحرى الصدق ورد المظالم والتزود من البر ويبعد عن غيره، واحتج - أيضاً - مالك فى ذلك بقصة البقرة (¬1)، وبقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} (¬2) فحيى الرجل فأخبر بقاتله. وهل يكتفى فى الشهادة على قوله بشاهد واحد؟ فيه قولان. الوجه الثانى: اللوث من غير البينة القاطعة على معاينة القتل، وبهذا قال مالك والشافعى والليث. ولم يختلفوا أن الشاهد الواحد العدل والجماعة من لفيف الناس وإن لم يكونوا عدولاً لوث. واختلف قول مالك فى الواحد غير العدل وفى المرأة، هل هى لوث أم لا (¬3)؟ وجعل الليث وربيعة ويحيى بن سعيد شهادة العبيد والصبيان والذميين لوثاً. وقال بعض أصحابنا بشهادة العبيد والصبيان وأباه أكثرهم. الوجه الثالث: شاهدان على الجرح ويحيا المجروح بعده حياة بينة ثم يموت قبل أن يفيق منه، وبه قال مالك وأصحابه والليث. واختلف عندنا هل يجب بالشاهد الواحد على الجرح قسامة أم لا يجب إلا شاهدين وهو الأصح؟ ولم ير الشافعى وأبو حنيفة فى هذا قسامة ورأوا به القصاص إذا ثبت بشاهدين. الوجه الرابع: وجود المتهم عند المقتول أو قربه أو آتياً من جهته، ومعه آلة القتل ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 25/ 325، 326، التمهيد 23/ 220. (¬2) البقرة: 73. (¬3) اللوْث: هو أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول. قبل أن يموت، أن فلاناً قتلنى، أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما أو تهديد منه له ونحو ذلك. وهو من التلوث، أى التلطخ، يقال: لاثه فى التراب ولوثه. انظر: اللسان، مادة " لوث "، وانظر اختلاف الفقهاء فى هذه المسألة فى الاستذكار 25/ 310، وقد أحال ابن عبد البر تفصيل المسأله إلى كتاب " اختلاف أقوال مالك وأصحابه ". وانظر: المعيار المعرب 2/ 312.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعليه أثره من التلطخ بالدم وشبهه. فهذا لوث عند مالك فى رواية ابن وهب. فقاله ابن عبد الحكم، وقال الشافعى نحوه قال: وذلك إذا لم يكن هناك أحد ولا وجد به أثر سبع. قال: ومثله لو وجد فى بيت أو صحراء أو دار ليس فيها أحد سواهم يتفرقون عن قتيل، فهذا كله شبهة توجب القسامة. الوجه الخامس: الفئتان يقتتلان فيوجد بينهما قتيل، ففيها عندنا روايتان: الأولى: جواز القسامة بمثل هذا لأوليائه على من يدعون عليه منهما، أو من يدعى عليه المقتول، كان منهما أو من غيرهما. والأخرى: أنه لا قسامة فيه فى هذه الوجوه، وفيه الدية على الطائفة التى نازعت طائفته إن كان منهما، أو عليهما إن كان من غيرهما، وبالقسامة فى هذا قال الشافعى. وقال أحمد وإسحاق: عقله على الفئة المنازعة، فإن عينوا رجلاً ففيه القسامة. الوجه السادس: الميت فى مزاحمة الناس. فقال الشافعى: تثبت بذلك القسامة، ويكون فيه الدية. وعند مالك هو هدر. وقال إسحاق والثورى: ديته على بيت المال، وروى مثله عن عمر وعلى. وقال الحسن والزهرى: ديته على من حضر. الوجه السابع: أن يوجد فى محلة قوم أو قبيلهم أو مسجدهم. فعند مالك والشافعى والليث وأحمد وداود وغيرهم: أنه لا يستحق بهذا بمجرده قسامة. والقتيل هدر لأنه يقتل الرجلُ ويلقيه فى محلة القوم ليلطخهم به. قال الشافعى: إلا أن يكون بمثل القصة التى حكم فيها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى خيبر، فيجب فيها القسامة من العداوة، وأنه لم يكن هناك سواهم، فإن خيبر كانت باليهود مختصة، والعداوة بينهم وبين الأنصار ظاهرة وخرج عبد الله بعد العصر فوجد قتيلاً قبل الليل. وقال نحوه أحمد بن حنبل. وقد تأول النسائى هذا على مذهب مالك. وذهب أبو حنيفة والثورى ومعظم الكوفيين إلى أن وجود القتيل فى القرية والمحلة يوجب القسامة، ولاسبب عندهم من الوجوه السبعة المتقدمة يوجب القسامة سواها؛ لأنها عندهم الصورة التى قضى فيها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقسامة، فيحلف فيه خمسون رجلاً خمسين يميناً ووجبت عليهم الدية على ما تقدم من مذهبهم فى صفة العمل بها عندهم، وذلك إذا وجد القتيل وبه أثر، وإلا فلا قسامة فيه. فإن وجد القتيل فى المسجد حلف أهل المحلة والدية على بيت المال، وذلك كله إذا ادعوا على أهل المحلة. وقال الأوزاعى: وجود القتيل فى المحلة يوجب القسامة وإذا لم يكن به أثر على ما تقدم من مذهبه. وقال داود بنحوٍ من هذا أو قال لا أقضى بالقسامة فى شىء إلا فى الدعوى فى العمد دون الخطأ على أهل القرية الكبيرة أو المدينة وهم أعداء المقتول. قال الإمام - رحمه الله -: اختلف الناس فى أيمان القسامة، من يبدأ بها؟ فعند

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك والشافعى أولياء الدم (¬1). وعند أبى حنيفة: المطالبون بالدم يحلفون وتكون الدية على من أسس المحلة (¬2). واحتج أصحابنا عليه بهذا الحديث. وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لا. قال: " فتحلف لكم يهود ". ولا معنى لقولهم: قد يحمل هذا اللفظ على النكير أن يخطر ببالهم أن يحلفوا لأنه خلاف ظاهر اللفظ، وقد قال فى بعض طرقه: " يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته "، ومثل هذا لا يكون فى ألفاظ النكير وإن تعلقوا فى مقابلة هذا بما وقع من تبدئة اليهود. قلنا: لعل الراوى اختصر ذكرهم، والزيادة من العدل تقبل. وإذا ثبت القول بالقسامة فاختلف الناس - أيضاً - هل يستحقون بها إراقة الدم أو الدية؟ ومذهبنا أنه يستحق بها إراقة الدم، وقد وقع فى بعض طرقه: " وتستحقون قاتلكم، وفى بعض طرقه: " دم صاحبكم "، ولا يصرف هذا للقتيل لأن دمه قد فات. وهكذا يمنعهم من حمل قوله: " تستحقون صاحبكم " على أن المراد به دية صاحبكم؛ لأن هذا خلاف الظاهر. وقوله فى بعض طرقه: " إما أن يبدأ صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب " معناه أن الدية وجبت باعترافهم أو بالقسامة وإذا استثنى مما وجب فلا شك أنهم يؤذنون بحرب. والقسامة إذا وجبت عندنا فإنما تجب باللوث، وهو الشاهد العدل يشهد بالقتل. واختلف فى الشاهد الفاسق وفى المرأة هل يلوثان لوثاً أم لا؟ (¬3) وقول القتيل: دمى عند فلان لوث عندنا. ومن منع من كونه لوثًا قياسًا على سائر الدعاوى أنها لا تقبل ممن يدعيها، أجبناه: بأن هذا أصل قائم بنفسه، ومن يتحقق مصيره للآخرة وأشرف على الموت فلا يتهم فى إراقة دم ظلماً وعليه الظن فى هذا، فتترك منزلة غلبة الظن فى الشاهد. لكن لو ادعى قتل الخطأ حتى صار إنما يدعى مالاً؛ لكان الأصح من القولين عندنا أنه لا يقسم مع دعواه. كيف وأصل القسامة فيه اضطراب؟ وكان شيوخنا المحققون يضعفونها، وقد نبهناك على ما وقع فى الحديث من الاضطراب. ووجود القتيل فى المحلة ليس بلوث عندنا، خلافاً لمن رآه لوثاً تعلقاً بظاهر الحديث، لكن قد يظهر من القرائن عندنا ما يقوم مقام الشاهد، كرجل وجد قائماً على القتيل بيده آلة القتل، وهو متخضب بدمه على هيئة القاتل، فهذا يكون عندنا لوثاً. قال ابن مسعدة: قلت للنسائى: مالك لا يقول بالقسامة إلا بلوث وهذا الحديث لا لوث فيه فلم قال به؟ فقال النسائى: فى الحديث ذكر العداوة بينهم وبين اليهود، فأنزل ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 23/ 211 وما بعدها، الاستذكار 25/ 325. (¬2) التمهيد 23/ 216. (¬3) انظر: الاستذكار 25/ 310، الحاوى 10/ 13.

2 - (...) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيْبَرَ، فتَفَرَّقَا فِى النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ. فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيَّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِى أَمْرِ أَخِيهِ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَبِّرِ الْكُبْرَ "، ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك اللوث وقول الميت بمنزلة العداوة. وعندى أن الأظهر فى الجواب أن يقال: قد سلمنا أن القرائن تقوم مقام الشاهد، فقد يكون قام من القرائن ما دل على أن اليهود قتلوه وإن جهل عين القاتل، ومثل هذا لا يبعد إثباته لوثاً وأجرى حكم القسامة فيه. قال القاضى - رحمه الله -: قوله: " يحلف خمسون منكم خمسين يميناً " يبين معنى قوله: " يحلفون "، وأن الأيمان لا تكون أقل من خمسين، وأنها لا يحلفها واحد وإنما يحلفها خمسون من أولياء المقتول، كل واحد يمين، فإن كانوا دون هذا العدد، أو نكل بعضهم ولم يكن ممن يجوز عفوه، أو صرف اليمين إلى غيره، ردت الأيمان عليهم حتى يتموا خمسين يميناً. ويجزئ فى ذلك رجلان، ولا يحلف فى قتل العمد أقل من اثنين. هذا مشهور مذهب مالك (¬1)، وعنه أن الأولياء إن كانوا أكثر من خمسين حلفوا كلهم يميناً يمينًا، ولا يحلف فى ذلك عنده إلا الرجال البالغون من أوليائه ومن يستعينون به من عصبته، وهذا كله فى العمد، وبهذا قال الليث وربيعة والثورى والأوزاعى وأحمد وداود وأهل الظاهر (¬2)، وأنه لا يقسم النساء ولا الصبيان. قال مالك: وأما فى الخطأ فإنما يحلف الورثة على قدر مواريثهم، ذكراناً كانوا أو إناثًا، إلا أنه إن لم يكن من الورثة إلا رجل واحد حلف الأيمان كلها فى الخطأ بخلاف العمد، وإن كن نساء حلفن الأيمان كلها، وكذلك امرأة واحدة أو وارث واحد لو حضر وغاب من بقى حلف جميع ذلك، واستحق حقه. ولا يستحق أحد منهم ميراثه إلا بعد أن يحلف فى القسامة خمسين يميناً من جميعهم إن حضروا، أو يحلف من حضر منهم جميعها ويستحق حقه، فإن جاء من غاب حلف ما كان يجب عليه لو حضر بحسب ميراثه من نصف الأيمان أو ثلثها أو سدسها (¬3). وقال الليث: لا ينقص من ثلاث أنفس. وقال الشافعى: لا يحلف فى العمد ولا فى الخطأ إلا أهل الميراث على قدر مواريثهم، ولا يحلف على مال من لا يستحق (¬4)، وهو قول أبى ثور وابن المنذر، وهذا على قوله: لا قود فى القسامة، وإنما هى دية. وقوله فى الراوية الأخرى: " يحلفون على رجل منهم فيدفع إليكم برمته ": حجة ¬

_ (¬1) و (¬2) انظر: الاستذكار 25/ 334. (¬3) المصدر السابق: 25/ 337. (¬4) المصدر السابق: 25/ 332.

أَوْ قَالَ: " لِيَبْدأ الأَكْبَرُ "، فَتَكَلَّمَا فِى أَمْرِ صَاحِبِهِمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ؟ ". قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ. قَالَ: " فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَوْمٌ كُفَّارٌ. قَال: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهُ. قَالَ سَهْلٌ: فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا، فَرَكَضَتْنِى نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا. قَالَ حَمَّادٌ: هَذَا أَوْ نَحْوهُ. (...) وحدّثنا الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ بُشَيْرِ ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ. وَلَمْ يَقُلْ فِى حَدِيثِهِ: فَرَكَضَتْنِى نَاقَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه فى المقود، ومفسر لقوله فى الروايات الأخر: " دم صاحبكم "، وكذلك قوله: " وتستحقون قاتلكم " بين أيضاً. وفيه أن القسامة إنما تكون على واحد. وقال أحمد بن حنبل - وهو مشهور قول مالك -: يقتل ويسجن الباقون عاماً، ويضربون، بعد أن يحلفوا خمسين يميناً. وروى عنه - أيضًا - أنه يقسم على الجماعة، ويختارون واحداً فيقتل. وقال أشهب: يحلفون على ماشاؤوا ولا يقتلون إلا واحداً، وبه قال ابن شريح من أصحاب الشافعى، لكنه يقول: يؤخذ من الباقين ما يصيبهم. وقال الغيرة: يقسم على الجميع ويقتلون بالشهادة القاطعة. كذا حكى عنه بعضهم، وحكى آخرون عنه أن يقسم مع كل واحد منهم مفرداً، ويقتل حين يتموا. وقال الشافعى فى قوله القديم: إذا ادعوا على جماعة أقسموا عليهم وقتلوهم. وبقوله: " ويستحقون ": دليل أنه لا يحلف الأجانب إلا من له حق فى الدم أو فى المال، وبه احتج الشافعى أنه لا يحلف إلا الورثة الذين يستحقون المال على قوله الآخر. وقولهم: " كيف يحلف ولم يشهد؟ " مفسرة للألفاظ الأخر فى امتناعهم من اليمين فى الأحاديث الأخر، وأن علة ذلك أنهم لم يحققوا تنزهاً عن اليمين بما لم يحققوا. وفيه دليل أن أيمان القسامة إنما يكون على العلم والقطع. وفيه أنه لا يجب أن يحلفها الحالف إلا بعد تحقيق بعلم معاينة أو خبراً أو صحة دليل إن كان غائباً لأن الأيمان فى الحقوق كالشهادة عند العلماء، فمرة تكون الشهادة بالمعاينة والمشاهدة، ومرة تكون بالدليل ويقع عليها بالخبر المتواتر، وقرائن أحوال يقع بهما تحقيق الشهادة، فكذلك هنا. وليس أحد من أهل العلم يجيز لأحد أن يحلف على ما لم يعلم أو يشهد بما لم يعلم، ولكنه قد

(...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ - جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يحلف ويشهد على ما لم ير ويشاهده إذا تحقق علمه بطريق العلم التى يصح وقوعها به، كما يحلف الصبى إذا كبر، والغائب فى ميراثه. وإذا لم يعلم لم يحل له أن يحلف. وفى إقرار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم على قولهم هذا واعتزازهم به حجة لما قلناه. وقوله: " فتحلف لكم يهود ": ظاهر فى رد الأيمان عليهم، وحجة فى أن من وجبت عليه يمين فى دعوى، فنكل فيها، أن المدعى لا يستحق بالنكول شيئًا حتى يرد اليمين عليه، وهو قول مالك والشافعى، وروى عن عمر وعثمان وجماعة من السلف. وقال أبو حينفة والكوفيون وأحمد بن حنبل: يقضى له دون رد اليمين يمين. وقال ابن أبى ليلى: يؤخذ باليمين. وفى الرواية الأخرى: " فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم " أى تبرئكم براءة أنفسهم ودعواكم عليهم. فيه أن الأيمان إذا ردت على المدعى خمسون رجلاً خمسين يميناً أيضًا ولا يحلفها واحد، وهذا حجة لمالك فى مشهور قوله فى موطئه (¬1) وغيره أنه يحلف من أولياء المدعى عليه خمسون رجلاً خمسين يميناً، إلا ألا يبلغوا العدد فترد عليهم خمسين يميناً، ولا يحلف منهم أقل من اثنين. ولا يحلف معهم المدعى عليه فى رواية ابن القاسم وابن وهب عنه، وإنما يحلف هو إذا لم يجد من يحلف معه، فيحلف خمسين يميناً وهو قوله فى الموطأ، وفى الرواية الأخرى لمطرِّف عنه: " لا يحلف من ولاه المدعى عليهم أحد، وإنما يحلفون هم بأنفسهم - كانوا واحداً أو جماعة - خمسين يميناً يبرون بها أنفسهم، وهو قول الشافعى قال: يحلف كل واحدٍ خمسين، وهو رواية مطرف عندى على ما نطمئن فى الموطأ. وقال المغيرة وعبد الملك وغيرهما: للمدعى عليهم أن يستعينوا من أوليائهم بمن يحلف معهم، وقال فى الموطأ: إذا كان المدعى عليهم يقرأ لهم عدد حلف كل واحد منهم خمسين يميناً ولا تقطع الأيمان عليهم، وهذا هو الأصل، كما لم يستحق دم أحد بالقسامة إلا بالخمسين فلا يبرئه إلا خمسون يميناً، إما أن يحلفها أولياؤه عنه، أو يحلفها المدعى عليه عن نفسه. وأما الكوفيون فيحلفون هنا المدعى عليهم من أهل المحلة والقرية فقط على ما تقدم خمسين خمسين يمينًا إلا ألا يبلغوا العدد فترد الأيمان عليهم، وإن لم يكن إلا واحداً حلفها ¬

_ (¬1) مالك 2/ 879.

3 - (...) حدّثنا عبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلَ بْنِ زَيْدٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارَيَّيْنِ، ثُمَّ مِنْ بَنِى حَارِثَةَ، خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ فِى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِىَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، وَأَهْلُهَا يَهُودُ، فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا. فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، فَوَجَدَ فِى شَرَبَةٍ مَقْتُولاً، فَدَفَنَهُ صَاحِبُهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِيْنَةِ، فَمَشَى أَخُو الْمَقْتُولِ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ، فَذَكَرُوا لِرَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَ عَبْدِ اللهِ، وَحَيْثُ قُتِلَ. فَزَعَمِ بُشَيْرٌ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَصْحَاب رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: " تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ؟ " - أَوْ صَاَحِبَكُمْ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا شَهِدْنَا وَلا حَضَرْنَا، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: " فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَزَعَمَ بُشَيْرٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ. 4 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ ابْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِى حَارِثَةَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ، انْطَلَقَ هُوَ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ اللَّيْثِ. إِلَى قَوْلِهِ: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولزمه الدية مؤسسو المحلة وبأنها حاضراً كان أو غائبًا بقيت فى ملكه أو خرجت عنه، فإن لم يكن حياً وجبت على السكان كانوا مالكيها أو غير مالكيها. وقال أبو يوسف: الدية على السكان فى جميع الأحوال. واختلف الكوفيون إذا لم يحلفوا، فقال أكثرهم: يسجنون. وقال أبو يوسف: لا يسجنون. وقال البتى: إذا حلفوا لم يلزمهم شىء وإن نكلوا أدوا الدية. وقوله: " فلما رأى ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى عقله " وفى الرواية الأخرى: " وداه من عنده " قيل ذلك لأنه - عليه السلام - لما لم يحلفوا ولم يُحَلَّفوا وتنزهوا عن اليمين لما لم يحضروه، فلم يروا إلزامها الخيبريين حذروا مجاهرتهم لله - تعالى - بالحنث فيها لكفرهم، وأنه يكون سببًا لحفزهم على اغتيال المسملمين إذا علموا أنهم يحلفون لا غير، ولم يتوجه لهم حكم، أرضاهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تفضلاً منه بأن وداه من عنده أو من بيت المال. وقيل: بل فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خشى أنه يبقى فى نفوس المسلمين على أهل خيبر، فلهم ذمة مما تتقى عاديته، فرأى من المصلحة قطع ذلك وحسم الطلب بما أعطاهم.

قَالَ يَحْيَى: فَحَدَّثَنِى بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَهْلُ بْنُ أَبِى حَثْمَةَ، قَالَ: لَقَدْ رَكَضَتْنِى فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ بِالْمِرْبَدِ. 5 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ الأَنْصَارِىُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلاً. وَسَاقَ الْحَدِيثِ. وَقَالَ فِيهِ: فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ، فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ. 6 - (...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ، مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ. فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِى عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ. فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ، وَاللهِ قَتَلْتُمُوهُ. قَالُوا: وَاللهِ، مَا قَتَلْنَاهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمِ عَلَى قَوْمِهِ. فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ. ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وما روى فى الحديث الآخر. " فوداه من إبل الصدقة " قيل: هو غلط؛ إذ ليس هذا مصرف الصدقات. والأصح والأكثر قول من قال من قبله أو من عنده، إما من ماله أو من مال الفىء، وقيل: يجمع بينهما أن يستلف ذلك من الصدقة حتى يؤديها لمستحقها من الفىء، وإذا قلنا على التأويل الآخر أنه المصلحة، فقد يجوز تفريقها فى مثل هذا. قال بعض العلماء: فى المصالح العامة، وقيل أيضًا: إذ قد يكون فيما فعل من ذلك استئلافاً لليهود رجاء إسلامهم وأعطاه عنهم فيكون من سهم المؤلفة قلوبهم، أو يكون أولياء القتيل بجامع ممن يتاح لهم الصدقة. وفى هذا الحديث من الفقه وأن أهل الذمة إن منعوا حقًا وجب حربهم، لقوله: " إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب من الله ". وفيه أنهم إذا اغتالوا المسلمين وأمراءهم انتقضت ذمتهم. ولعل قوله - عليه السلام - لهم هذا بمعنى: إن ثبت عليهم لا بمجرد الدعوى. وفيه جواز اليمين على ما يغلب على الظن الغلبة القوية التى يقوم مقام اليقين، كقول عبد الله: " أنتم والله قتلتموه " إذا لم يكن فى خيبر سواهم. وفيه الحكم بين المسلم والكافر بحكم الإسلام.

فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِى كَانَ بِخَيْبَرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُحْيِّصَةَ: " كَبِّرْ. كَبِّرْ " - يُرِيدُ السِّنَّ - فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ؟ ". فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِى ذَلِكَ. فَكَتَبُوا: إِنَّا، وَاللهِ مَا قَتَلْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَحْمَنِ: " أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ " قَالُوا: لا. قَالَ: " فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟ " قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ. فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمُ الدَّارَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كبر كبر " وفى الرواية الأخرى: " الكبر الكبر "، قال الإمام - رحمه الله -: معناه: أن يبدأ بالأكبر: ومنه حديث أبى الزناد: " دعا بالكبر فنظروا إليه ": أى بالمشايخ. قال القاضى - رحمه الله -: هو مفسر فى الحديث. قال: يريد السن فى الحديث الآخر: " ليبدأ الأكبر " لأن المتكلم أولاً كان محيصة وكان الأصغر، وإنما تقدم فى الكلام؛ لأنه الذى حضر القصة وشاهدها والخارج لخيبر مع عبد الله القتيل، ولم يحضر حويصة بخيبر، فلما أتو المدينة أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع قومه، وهذا كله مفسرٌ فى الحديث نفسه، هذا على رواية مالك، وأما على رواية غيره فإن البادئ بالكلام غير عبد الرحمن بن سهل أخو المقتول، وكان أصغرهم، وتقدم لقرباه، وأنه ولى الدم. والآخران أبناء عمه وعصبته، فيحتمل أنهما جميعاً أرادا الكلام واحداً بعد آخر، ألا تراه كيف قال هنا: فصمت فتكلم صاحباه، فأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتقدم الأكبر - وهو حويصة - إما لفضيلة السن، أو لفضيلة أخرى قارنتها. وفضيلة السن لا تنازع فيها إذا استوت الأقدام وأشكلت المراتب، ولذلك جاء فى الحديث فى الإمامة: " فإذا استووا فأسنهم " (¬1). ففى هذا الحديث مراعاة السن والتقديم للأشياخ والكبراء فى الكلام وفى الجماعة فى محافل الناس وأمورهم، إذا كانت القضية تخص جميعهم لكونهم أولياءه، وكذلك يجب فى التقديم فى الأمور والولايات وغيرها مع استواء الأحوال. ويقال: حويصة ومحيصة بتشديد الياء وسكونها. وقوله: " لقد ركضتنى منها فريضة من تلك الفرائض "، قال الإمام - رحمه الله -: الفريضة هنا: الناقة الهرمة وهى - أيضاً - الفريض والفارض والفارضة. وقد فرضت تفرض بفتح الراء فى الماضى وضمها فى المستقبل. ¬

_ (¬1) جاء الحديث فى البخارى ومسلم بمعناه، ونصه: " وليؤمكم أكبركم "، مسلم، ك المساجد ومواضع الصلاة، ب من أحق بالإمامة 1/ 292، البخارى، باب إذا استووا فى القراءة فليؤمهم أكبرهم، 1/ 175.

فَقَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِى مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ. 7 - (1670) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب - أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَنْصَارِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِى الْجَاهِلِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله -: ليس المراد بها هذا المسنة ولا هى لها ها هنا، وإنما المراد بها هنا: ناقة من النوق المفروضة فى الدية، كما قال فى الحديث الآخر. ويسمى ما يؤخذ فى الدية والصدقة فرائض؛ لأنها واجبات مقدورات الأسنان والأعداد. قال نفطويه: الفرض: التوقيت. وكل فرض واجب مؤقت فهو مفروض، والفرض: العلامة. وقال غيره: ومنه قوله تعالى: {نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (¬1) أى مؤقتاً، ومنه قوله تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة} (¬2)، وفرض الحاكم النفقة للمرأة: اذا قطع لها وقدرها، وفرضت الرجل فى مال الفىء: أى جعلت له فيه شيئاً مؤقتاً، ففرائض الزكاة والديات فى هذا. ويُصحح ما قلناه قوله: " فريضة من تلك الفرائض "، فقد سميت جممعها فرائض، وفائده ذكر هذا ليبين أنه ضبط الحديث وعقله؛ لأنه كان حينئذ صغيراً. وقوله: " فوجد فى شربة "، قال الإمام - رحمه الله -: هو حوض فى أصل النخلة، وجمعه شرَب، بفتح الشين والراء. وقوله: " فى عين أو فقير ": الفقير: البئر القريبة القعر الواسعه الفم. قال القاضى - رحمه الله تعالى -: الخقير - أيضاً - قعير النخلة، وهو حفرة غمر للفسيلة حولها إذا حولت، وهذا الشبه لموافقته رواية الشرَبة. والفعير - أيضاً - فم القناة، وهو حفير يتخذ للسرب الذى يجعل للماء تحت الأرض كفم البئر فذلك الفقير. قال الإمام - رحمه الله -: " وقولهم: من جهد أصابهم ": الجهد، بفتح الجيم: الشدة والمشقه، وبالضم: غاية الطاقة والمقدرة. وقد تفتح الجيم أيضاً. قال القاضى - رحمه الله -: والعقل: الدية. وقوله: " فى مربد ": المربد: الموضع الذى يجتمع فيه الإبل وتحبس. والربد: الحبس. وقوله: " فيدفع برمته ". أى بحبله الذى فى عنقه الذى يلتف به ويربط، أى يسلم ¬

_ (¬1) النساء: 7. (¬2) البقرة: 236.

8 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: وَقَضَى بهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فِى قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك إلى أولياء القتيل ليقتلوه. وقيل: هل هو تجوز من القول واستعارة؟ وأصله من الحبل الذى يجعل فى رأس البعير ليقاد به، يقال: أخذت الشىء برمته: أى كله. قوله: " خرجنا إلى خيبر وهى يومئذٍ صلح " يشير بعد فتحها وإبقاء اليهود بها، وإنما كان صلحهم على ما صالحوا منها على تسليمها وتخليص منهجهم. وأبقاهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ للعمل، على ما تقدم ويأتى بعد، وإنما أراد بهذا أنه كانت تجرى عليهم أحكام الإسلام حين لم يكونوا حربًا. وفيه أن القسامة فى الدعوى على أهل الذمة تعين على المسلمين. فأما إن كان المدعى ذمياً فهل فيه قسامة؟ فقد اختلف عندنا فيه. فقال مالك فى ذلك: يقسم، ولأنه على قوله: ويستحقون الدية. وقال غيره من أصحابه: يحلف المسلم المدعى عليه خمسين يميناً ويبرأ، ولا تحمل العاقلة ديته، وأما الشاهد الواحد على القتل؛ فعندنا فيه وجهان أيضاً. قال مالك: يحلف ولاته خمسين يميناً واحدة ويستحقون الدية من ماله فى العمد، ومن عائلته فى الخطأ. وقال غيره: يحلف المدعى عليه خمسين يميناً، ويجلد مائة ويسجن عاماً (¬1). قال الإمام - رحمه الله -: خرج مسلم فى هذا الحديث عن ابن نمير قال: حدثنى أبى، نا سعيد بن عبيد، نا بشير بن يسار (¬2). وكذا قال أبو حاتم الحديث. قال بعضهم: وقع فى نسخة أبى العلاء بدل " سعيد بن عبيد ": " سعد بن عبيد " بسكون العين، والمحفوظ فيه سعيد، بكسر العين وباء بعدها. قال القاضى: قال البخارى (¬3): سعيد بن. عبيد أبو الهذيل الطائى كوفى عن على بن أبى ربيعة، وبشير بن يسار. وكذا قال أبو حاتم الدارقطنى والكلاباذى، والحاكم، وذكروه كلهم فى باب سعيد، ولم يذكروا فيه خلافاً. قال القاضى - رحمه الله -: وهذا الحديث مما انتقد على مسلم، وذلك أنه ذكره مختصراً بأثر حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار، وقال: وساق الحديث ونبه فيه ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 25/ 310 وما بعدها. (¬2) بشير بن يسار الحارثى الأنصارى، مولاهم المدنى، روى عن أنس وجابر وابن مسعود وغيرهم، وعنه ابنه بشير بن عبد الله بن بشير بن يسار وربيعة الرائى وابن إسحاق وغيرهم وكان قد أدرك عامة أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان قليل الحديث، وقال النسائى: ثقة، وذكره ابن حبان فى الثقات. التهذيب 1/ 472. (¬3) التاريخ الكبير 3/ 497.

(...) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ ابْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على خلافه فى قوله آخراً: " فوداه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إبل الصدقة " ولم ينبه على مخالفته إياه فى تبدئة المدعى عليهم كما ذكرتاه قبل من رواية البخارى فى هذا الحديث عن سعيد بن عبيد. وظاهر قوله وسياق الحديث يوهم أنه بمثل ما تقدم من حديث يحيى فى تبدئة المدعين.

(2) باب حكم المحاربين والمرتدين

(2) باب حكم المحاربين والمرتدين 9 - (1671) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ هُشَيْمٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةَ فَثَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا "، فَفَعَلُوا، فَصَحُّوا، ثُمَّ مَالوا عَلَى الرُّعَاةِ فَقَتَلُوهُمْ، وَارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ، وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ فِى أَثَرِهِمْ، فَأُتِىَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِى الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الحرابة وقوله فى حديث العرنيين: من الذين قدموا المدينة فاستوخموها، وسقمت أجسامهم فأمرهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخروج إلى إبل الصدقة، وأنهم صحوا، فمالوا على الرعاة قتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أثرهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتُرِكوا فى الحره يُسْتَسْقونَ فلا يسْقون، وفى الحديث الآخر: " حتى ماتوا "، قال الإمام - رحمه الله -: اختلف الناس فى المحاربين، وفى المراد بقوله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (¬1). الآية، فقال بعض الناس: إنما نزلت فى العرنيين. وقال بعضهم: فى المرتدين، وقال بعضهم: فى الكفار إذا نقضوا العهد وحاربوا. وتعلق هؤلاء بأن المحاربة لله ورسوله لا تكون مع الإيمان. وقال آخرون: فى المسلمين لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَليْهِم} (¬2) والكافر إذا أسلم قبل منه إسلامه قبل القدرة عليه وبعدها. ومذهبنا أن الإمام يخير فى حد المحارب ما لم يقتل، فإن قَتَلَ فلابد من قتله، فى المشهور عندنا. ومذهب الشافعى أنها على الترتيب. فإن قتل ولم يأخذ مالاً قتل، وإن أخذ المال وقد [قيل] (¬3) قُتِلَ وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل قطع (¬4). والحبس والنفى فيمن لم يبلغ جرمه إلى أن يستحق ذلك. واستدل أصحابه بأن تأثيره فى الضرر ¬

_ (¬1) المائدة: 33. (¬2) المائدة: 34. (¬3) هكذا فى الأصل. (¬4) انظر: معر فة السنن والآثار 12/ 437، والاستذكار 24/ 202 وما بعدها.

10 - (...) حدّثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرِ - قَالَ: حَدَّثنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِى عُثْمَانَ، حَدَّثَنِى أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، حَدَّثَنِى أَنَسٌ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا عَلَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلامِ، فَاسْتَوْخَموا الأَرْضَ وَسَقُمَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسوُلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَلا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِى إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ ". فَقَالُوا: بَلَىَ، فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا منْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرَّاعِىَ وَطَرَدُوا الإِبِلَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ فِى آثَارِهِمْ، فَأُدْرِكُوا، فَجِىءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِرَ أَعْيُنُهُمْ، ثُمَّ نُبِذُوا فِى الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَاح فِى رِوَايَتِهِ: وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ. وَقَالَ: وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يختلف. فلا يكون عقوبة الإجرام المختلفة متساوية. واختلف الناس وأصحابنا فى المحاربة فى المصر، هل حكمها حكم المحارب فى غير المصر أم لا (¬1)؟. والمشهور عندنا وبه قال الشافعى: أنهما شيئان. وفرق بينهما بعض أصحابنا وهو مذهب أبى حنيفة. قال القاضى - رحمه الله -: ذهب أبو مصعب من أصحابنا إلى التخيير فيه وإن قتل، وهو مذهب أبى حنيفة، وحكى الماوردى عن مالك أنه يقتل [ذا] (¬2) الرأى والتدبير، ويقطع [ذا] (¬3) البطش والقوة، ويعذر ممن عداه؛ قال: مرتبة على صفاتهم لا على أفعالهم. قال الإمام: اختلف الناس فى معنى هذا الحديث، وفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهؤلاء ما فعل. فقال بعض السلف: كان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربين والنهى عن المثلة، فلما نزل ذلك استقرت الحدود ونهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المثلة، هو منسوخ. وقيل: هو محكم غير منسوخ، وفيهم نزلت آية المحاربين. وإنما فعل النبى - عليه السلام - فيهم ما فعل؛ قصاصاً؛ لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك، وروى ذلك مسلم فى بعض حديثه، وابن إسحاق وموسى بن عقبة، وأهل السير، والترمذى (¬4)، ففى هذا مال مالك فى أنه يقتضى القاتل بمثل ما فعل بالمقتول، وقيل: بل ذلك حكم من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم زائداً على حد الحرابة لعظم جرمهم ومحاربتهم، وقتلهم ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 12/ 474. (¬2) و (¬3) هكذا فى الأصل. (¬4) ك الطهارة، ب ما جاء فى بول ما يؤكل لحمه برقم (72).

11 - (...) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِى قِلابَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو قِلابَةَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهَمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا. بِمَعْنَى حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ أَبِى عُثْمَانَ. قَالَ: وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِى الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلا يُسْقَوْنَ. 12 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، مَوْلَى أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: مَا تَقُولُونَ فِى الْقَسَامَةِ؟ فَقَالَ عَنْبَسَةُ: قَدْ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: إِيَّاىَ حَدَّثَ أَنَسٌ، قَدِمَ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَيُّوبَ وَحَجَّاجِ. قَالَ أَبُو قِلابَةَ: فَلَمَّا فَرَغْتُ، قَالَ عَنْبَسَةُ: سُبْحَانَ اللهِ؛ قَالَ أَبُو قِلابَةَ: فَقُلْتُ: أَتَتَّهِمُنِى يَا عَنْبَسَةُ؟ قَالَ؟ لَا. هَكَذَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ، يَا أَهْلَ الشَّامِ، مَا دَامَ فِيكمْ هَذَا أَوْ مِثْلُ هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرعاة، وتمثيلهم بهم؛ وأن النهى عن المثلة نهى ندب لا تحريم. وأما قوله: " يستسقون فلا يسقون ": فليس فيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك، وقد أجمع المسلمون أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يُمنع الماء قصداً، فيجمع عليه عذابان. وقيل: إنما لم يسقوا معاقبةً لجنايتهم، وكفرهم نعمة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم الألبان، فعاقبهم الله بذلك؛ فلم يسقوا. وقيل: بل عاقبهم الله بذلك لإعطاشهم آل بيت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأحد لقاحهم، ودعا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم فى حديث رواه ابن وهب أنه قال: " عطش الله من عطش آل محمد الليلة " (¬1). فكان ترك الناس سقيهم إجابةً لدعائه وتنفيذاً لعقوبتهم. وهذان وجهان حسنان لا يبقى فيهما اعتراض ولا إشكال، لكن يبقى هنا اعتراض لقوله فى الحديث: " إنها إبل الصدقه "، وهو أن يقال: إن لقاح النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت معهما ترعى، فاكتسحوا الجميع. فيجمع بين الحديثين، ويدل عليه قوله فى الحديث الآخر: " وساقوا ذود ¬

_ (¬1) النسائى، ك تحريم الدماء، ب تأويل قول الله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِين يُحْارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33]، 7/ 98، 99 برقم (4036).

(...) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِى شُعَيْبٍ الْحَرَّانِىُّ، حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ - وَهُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ الْحَرَّانِىُّ - أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِىُّ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ فِى الْحَدِيثِ: وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ. 13 - (...) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ، فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ. وَقَدْ وَقَعَ بِالْمَدِينَةَ الْمُومُ - وَهُوَ الْبِرْسَامُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ وَعِنْدَهُ شَبَابٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَرِيبُ مِنْ عِشْرِينَ، فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمَ، وَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاجتووا المدينة "، فسروه فى الرواية الأخرى: " فاستوخموها " أى لم توافقهم كما قال: " وسقمت أجسامهم ". قال الإمام - رحمه الله -: معناه: كرهوها لسقم أصابهم أخذاً من الجوى وهو داء فى الجوف وقوله: " سمر أعينهم ": روى " سمر " بالراء، " وسمل " باللام، فمعنى سمرها: كحلها بمسامير محمية، ومعنى سملها: فقأها بشوك أو غيره. قال أبو ذؤيب: والعين بعدهم كان حداقها ... سملت بشرك فهى عور تدمع قال القاضى - رحمه الله -: هما بمعنى واحد، الراء تبدل من اللام. قال الإمام - رحمه الله -: واللقاح المذكور فى الحديث جمع لقحة، وهى الناقة ذات الدر. وقوله: " ولم يحسمهم " قال أهل اللغة: الحسم: كى العرق بالنار ليقف الدم، ومنه الحديث: أتى بسارق فقال: " اقطعوه ثم احسموه ": أى اقطعوا عنه الدم بالكى. قال الإمام - رحمه الله - وقوله: " قد وقع بالمدينة الموم - وهو البرسام - " ووقع فى حواشى بعض النسخ من كتاب مسلم: " الحم " ورأيت لبعض الأطباء إذا حل هذه التسمية فى لغة اليونانيين، إذ السامر اسم للورم، والبراسم المصدر، والمراسم للرافعى، وشأنهم أبداً فى الإضافة عكس ما عند العرب، من أنهم يقدمون المضاف إليه، فيكون مثل كلامهم أن يقولوا: زيد ثوب، يريدون: ثوب زيد، فكأنهم يقولون: إذا كان الورم فى

(...) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَفى حَدِيثِ هَمَّامٍ: قَدِمَ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطٌ مِنْ عُرَيْنَةَ، وَفِى حَدِيثِ سَعِيدٍ: مِنْ عُكْلٍ وَعُرينَةَ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. 14 - (...) وحدّثنى الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ابْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ؛ لأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرأس: رأس ورم، وإذا كان فى الصدر قالوا: صدر ورم، فيكون صيغة النطق لما فى الرأس البرسام، ولما فى الصدر البرسام، وقَلَّ من رأيت من الأطباء يحقق الفرق بين هذه الألفاظ، ورأيت فى كتب بعضهم ربما كان البرسام عن الشىء يريدون: ربما كان ورم الرأس عن ورم الصدر. قال القاضى - رحمه الله -: فى هذا الحديث حجة أن المحارب لا يحسم لأنه ممن خير فى حده بالقتل، لكن إن حسم نفسه يمنع. وأما السارق فيحسم عندنا؛ لأن حده القطع فقط، فيبادر بحسمه لئلا ينزف دمه فيموت، وهو مذهب الشافعى وأبى ثور (¬1) وغيرهما. وقوله: " يتشربوا من ألبانها وأبوالها ": دليل على طهارة أبوال الإبل، وحجة للمالكية فى طهارة بول ما يؤكل لحمه، واحتج به من يرى نجاستها بجواز التداوى بالمحرمات للضرورة. وقوله: بعث معهم قائفاً: " القائف ": مميز الآثار ومتتبعها. وفى بعض أسانيده: نا الحسن بن أبى شعيب الحرانى، نا مسكين - وهو ابن بكير الحرانى - نا الأوزاعى. كذا عند أكثر شيوخنا، وكان عند القاضى الشهيد عن العذرى: نا مسكين - وهو ابن بكير - قال لنا، وهو خطأ. وقال البخارى: مسكين بن بكير (¬2)، وكذلك ذكره فى التاريخ، والصحيح هو المعروف المحفوظ. وكذا ذكره أبو حاتم والحاكم وغيرهم. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 206، المغنى 12/ 481. (¬2) مسكين بن بكير أبو عبدالرحمن الحذاء، روى عن سعيد بن عبد العزيز وجعفر بن بركان والأوزاعى ومالك وغيرهم، وعنه أحمد بن حنبل والنفيلى والمغيرة بن عبد الرحمن الحرانى وغيرهم، قال أحمد: لا بأس به ولكن فى حديثه خطأ، قال ابن معين: لا بأس به وذكره ابن حبان فى الثقات، وقال: مات سنة ثمان وتسعين ومائة. التهذيب 10/ 120، 121.

(3) باب ثبوت القصاص فى القتل بالحجر وغيره من المحددات والمثقلات، وقتل الرجل بالمرأة

(3) باب ثبوت القصاص فى القتل بالحجر وغيره من المحددات والمثقلات، وقتل الرجل بالمرأة 15 - (1672) حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا، فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ. قَالَ: فَجِىءَ بِهَا إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا رَمَقٌ. فَقَالَ لَهَا: " أَقَتَلَكِ فُلانٌ؟ " فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا؟ أَنْ لا، ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيةَ، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا؛ أَنْ لا، ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ. فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا. فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. (...) وحدّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيس، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ: فَرَضَخَ رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها بحجر "، وفى رواية أخرى: " على حملها وإلقائها فى قليب ورضخ رأسها بالحجارة " قال: فجىء بها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبها رمق، فسألها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقتلك فلان؟ " وفى الحديث الآخر: " من صنع بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهودياً فأومت برأسها فأُخذ اليهودى فأقر، فأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُرضَّ رأسه بالحجارة، وفى الرواية الأخرى: " فأشارت برأسها أن لا، ثم أشارت فى الثالثة برأسها أن نعم، فقتله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين حجرين "، وفى بعض طرقه: " فرضخ رأسه بين حجرين " وفى بعض طرقه: " فأمر به أن يرجم حتى يموت "، قال الإمام - رحمه الله -: هذا الحديث فيه الرد على من أنكر القصاص بغير الحديدة، وفيه دلالة على قتل الرجل بالمرأة، خلافاً لمن شذ فقال: لا يقتل الرجل بالمرأة. [وفيه دلالة على التَّوْفِيَة بقول المقتول] (¬1)، هكذا استدل به بعضهم، وانما قتله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه أقر. هكذا ذكره مسلم فى بعض طرقه: " فأخذ اليهودى فأقر ". وأما رجمه بالحجارة فلعله رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لما قتل بالحجارة وجب قتله بها، ورأى أن رجمه بها جهة الرأس: رضخ، وقد بين فى بعض طرقه أن الجارية من الأنصار. ¬

_ (¬1) سقط من ع.

16 - (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى حُلِىٍّ لَهَا، ثُمَّ أَلْقَاهَا فِى الْقَلِيبِ، وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخِذَ فَأُتِىَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله -: وذكر أبو عبد الله بن المرابط فى شرحه: أن هذا كان الحكم فى أول الإسلام؛ قبول قول القتيل، وأن هذا معنى هذا الحديث. وما جاء من اعترافه فى هذا الحديث فإنما جاز رواية قتادة ولم يقله غيره، وهو مما عد عليه ورضخه بين حجرين، ورضه بالحجارة، ورجمه بالحجارة، كله بمعنى، فإن رميه بالحجر الأعلى أو الحجارة وراءه على آخرين رجم بالحجارة، وقد يكون رجمه نوعاً مما فعل بها لما جاء فى الحديث الآخر: " ألقاها فى قليب ورضخ رأسها بالحجارة "، وهذا رجم لا شك فيه. وقد اختلف الناس فى القصاص بغير المحدد من السيف والرمح والسكين وغيره، فذهب جمهور العلماء إلى أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به من حجر أو عصى، ولا تفريق أو اختلاف لهذا الحديث وغيره، ولقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} الآية (¬1)، وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم} الآية (¬2). واختلف هؤلاء فى القصاص بالتحريق بالنَّار لمن فعل ذلك بأحد، فقال مالك والشافعى: إِنْ طرحه فى النار حتى مات فُعل به كما فعل، وقال ابن الماجشون وغيره: لا يحرق بالنار ويقتل بغير ذلك للحديث: " لا يعذب بالنار إلا الله " (¬3). ثم اختلفوا إذا لم يمت من ضربه بالعصى أو بحجر فى القود، فمعظمهم يرى تكرير ذلك عليه حتى يموت، وهو قول مالك والشافعى (¬4)، إلا أن مالكاً قال فى روايته: إلا أن يكون فى ضرب العصى تطويل وتعذيب فيقتل بالسيف، وكذلك قال عبد الملك فى الرجم بالحجارة. وأصل هذا المذهب القود بما قتل. وقال الشافعى نحوه فى المحبوس فى البيت أياماً دون طعام حتى مات، يفعل بقاتله مثل ذلك وإن لم يمت فى تلك الأيام، فقيل: وكذلك من قطع يدى رجل ورجليه وألقاه فى مهواة فمات، يفعل بقاتله مثله. فإذا لم يمت قتل بالسيف (¬5). وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن لا قصاص إلا بالسيف وروى عن الشعبى والنخعى والحسن، واحتجوا بحديث: " لا قود إلا بحديدة " وبالنهى عن المثلة (¬6)، وحملوا حديث: " لا قود إلا بحديدة " فيمن لم يمثل وقتل بحديدة (¬7). ¬

_ (¬1) النحل: 126. (¬2) البقرة: 194. (¬3) أبو داود، ك الجهاد، ب كراهية حرق العدو بالنار 2/ 50 بلفظ: " إلا رب النار "، الدارمى 2/ 222. (¬4) انظر: المغنى 11/ 447. (¬5) انظر: الاستذكار 25/ 246، 247. (¬6) انظر: المصدر السابق 25/ 247. (¬7) انظر: المصدر السابق.

(...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 17 - (...) وحدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْن. فَسَأَلُوهَا: مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ؟ فُلانٌ؟ فُلانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا، فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِىُّ فَأَقَرَّ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذا الحديث - أيضاً - لا حجة على وجوب القصاص على القاتل بكل ما يقتل مثله؛ كساقىّ السم، والخانق، ورامى الرجل من الجبل أو فى البئر، أو الضارب بالخشبة والعصى، وتغريقه فى الماء. وعلى هذا جمهور العلماء. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا قصاص على القاتل بمثل هذا إلا فيمن قتل بمجرد من حديد، أو بحجر محدد، أو خشب أو هو مجرد. فيقتل الناس بالخنق. قد خنق غير واحد والإلقاء فى النار، واختلف عنه بها بمثقل الحديد كالدبابيس والعمد. واختلفوا إذا قتل ما لم تجر العادة بالقتل به قاصداً القتل كالعصى، واللطمة، والسوط، والبندقة، والقضيب. فعند مالك: القود من هذا آكد، وعند غيره: أنه شبه العمد لا قود فيه، وإنما فيه الدية مغلظة، ومالك لا يقول بشبه العمد فى هذا إنما هو عمد أو منها. وبقول مالك قال الليث. قال أشهب: وإن يختلف فى المجازاة فى هذا. قال أبو عمر: ولم يوافق مالكاً - يعنى من علماء الأنصار - عليه إلا الليث، وقد قال بقولهما جماعة من السلف من الصحابة والتابعين. وذهب جمهور فقهاء الأنصار إلى أن هذا كان شبه العمد إنما فيه الدية مغلظة، وهو قول سفيان الثورى وأبى حنيفة والشافعى وأحمد وإسحاق وأبى ثور، وقد ذكر عن مالك، وقاله ابن وهب من أصحابنا، وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين (¬1)، وإن اختلفوا في أسنان الإبل فى المغلظة، وفيما كان شبه العمد من القتل بغير المحدد على ما مضى بعضه. وفيه حجة على أن الإشارة البينة والإيماء يقوم مقام النطق والتصريح. قال الإمام - رحمه الله -: وقوله:، على أوضاح ": هى حلى الفضة، قاله أبو عبيد، وقد ذكر فى الحديث الآخر مكانه: " الحلى ". قال القاضى - رحمه الله -: قيل: الأوضاح جمع وضح، وهى حلى من حجارة والرمق بقية الروح. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 25/ 248، 249.

(4) باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه، إذا دفعه المصول عليه فأتلف نفسه أو عضوه لا ضمان عليه

(4) باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه، إذا دفعه المصول عليه فأتلف نفسه أو عضوه لا ضمان عليه 18 - (1673) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عُمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ أَوِ ابْنُ أُمَيَّةَ رَجُلاً، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ، فَنَزَعَ ثَنِيَّتهُ - وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ثَنِيَّتَيْهِ - فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لا دِيَةَ لَهُ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: قاتل يعلى بن منية أو ابن أمية رجلاً فعض أحدهما يد صاحبه - الحديث: كذا قال هذا، وذكر فى الرواية الأخرى: أن أجيراً ليعلى بن أمية عض رجل ذراعه. وهذا هو المعروف أنه الأجير يعلى لا ليعلى. وقوله: يعلى ابن منية أو أمية: منية بسكون النون وبعدها ياء باثنتين تحتها، هو يعلى بن أمية اسم أبيه، وأمه منية أو جدته. قال أبو الحسن الدارقطنى: منية بنت الحارث هى جدة يعلى بن أمية أم أبيه، وبها يعرف، قاله الزبير بن بكار وأهل الحديث يقولون: إنها أمه، وإنها منية بنت غزوان. يعلى بن أمية أمه منية بنت جابر. قال القاضى - رحمه الله -: بعض أصحاب الحديث يقولون ابن منبه بفتح النون وباء بواحدة، وهو تصحيف وقرأت بخط أبى على الجيانى: كان ابن وضاح يقول: أمه منبه وأبوه منية، قال: ووهم فى اسم الأب وإنما هو أمية. وقوله: انتزع يده من فمه فنزع ثنيته، فقال - عليه السلام -: " لادية له "، وفى الرواية الأخرى: " فأبطله "، وفى الأخرى: " فأهدر ثنيته "، وقال: " أردت أن تأكل لحمه "؟، وفى الرواية الأخرى: " تأمرنى أن آمره أن يدع يده فى فيك تقضمها كما يقضم الفحل؟ ادفع يدك حتى يعضها ثم انتزعها " ليس معنى هذا الأمر: يدفع يده ليعضها، وإنما هو بمعنى الإنكار عليه، أى أنك لا تدع يدك فى فيه يعضها فكيف تنكر عليه أن ينتزع يده من فيك وتطلبه به حتى بِجَذْبِه لذلك.

19 - (...) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِى ابْنَ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ أَنَّ رَجُلاً عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ، فَجَذَبَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ، فَرُفِعَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَلَهُ. وَقَالَ: " أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَهُ؟ ". 20 - (1674) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدّثنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى؛ أَنَّ أَجِيرًا لِيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، عَضَّ رَجُلٌ ذِرَاعَهُ، فَجَذَبَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ، فَرُفِعَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَلَهَا. وَقَالَ: " أَرَدْتُ أَنْ تَقْضَمَهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام - رحمه الله - اختلف الناس فى المعضوض إذا جذب يده فسقطت أسنان العاض، فالمشهور عندنا أنه ضامن، وقال بعض أصحابنا: لا ضمان عليه. وبالتضمن قال الشافعى، وبإسقاطه قال أبو حنيفة. وقال بعض المحققين من شيوخنا: إنما ضمَّن من ضمَّن من أصحابنا لأنه يمكن النزع بالرفق حتى لا يقلع أسنان العاض، فإذا زاد على ذلك صار متعدياً فى الزيادة فضمَّن، وحملوا الحديث على من لم يمكنه النزع إلا بذلك الذى أدى إلى سقوط الأسنان. وقال بعضهم: لعل أسنانه كانت متحركة فسقطت عقب النزع، وهذا التأويل بعيد عن ظاهر الحديث. وكذلك اختلف الناس - أيضاً - فى الجمل إذا صال على رجل فدافع عن نفسه فقتله، هل يضمَّن أم لا؟ وبنفى التضمين قلنا نحن والشافعى، وبإثباته قال أبو حنيفة، والحجة لنفى التضمين أنه مأمور بالدفع عن نفسه، ومن فعل ما أمر به لم يكن متعدياً، ومن ليس متعدياً فلا يضمن فى مثل هذا، وقياساً عليها لو قتل عبداً فى مدافعته إياه عن نفسه. ومن أثبت الضمان رأى أنه أحيا نفسه بإتلاف مال غيره فأشبه من اضطر لطعام غيره فأكل منه خوف الموت فإنه يضمن. والفرق عندنا بين السؤالين: أن الأكل لطعام غيره ابتدأه من قبل نفسه ولا جناية من رب الطعام ولا من الطعام عليه، فلهذا ضمن. وفى الجمل لم تكن البداية منه بل سبب الجناية عليه، فلهذا لم يضمن. وأيضاً فإن الطعام ينوب غيره منابه فى إحياء نفسه، فكأن الضرورة فيه لا تحقق، فصار كأكل اختياراً. ولا مندوحة له فى الجمل، ولا تتفق مدافعة غير ذلك الجمل فلا تنجيه فتحققت الضرورة، فهذان فرقان بينهما. ومن هذا المعنى سؤال ثالث وهو: لو رمى إنسان أحداً نظر إليه فى بيته فأصاب عينه، فاختلف أصحابنا - أيضاً - فى ذلك، فالأكثر منهم على إثبات الضمان، والأقل منهم على نفى الضمان. وبالأول قال أبو حنيفة، وبالثانى قال الشافعى، فأما نفى الضمان فلقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

21 - (1673) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ أَوْ ثَنَايَاهُ، فَاسْتَعْدَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَأْمُرُنِى؟ تَأْمُرُنِى أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَدَعَ يَدَهُ فِى فِيكَ تَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ ادْفَعْ يَدَكَ حَتَّى يَعَضَّهَا ثُمَّ انْتَزِعْهَا ". 22 - (1674) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، وقَدْ عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ - يَعْنِى الَّذِى عَضَّهُ - قَالَ: فَأَبْطَلَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: " أَرَدْتَ أَنْ تَقْضَمَهُ كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ ". 23 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ. أَخْبَرَنِى صَفْوَان بْنُ يَعْلَى بْنِ أميَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ. قَالَ: وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقُ عَمَلِى عِنْدِى. قَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ صَفْوَان: قَالَ يَعْلَى: كَانَ لِى أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ - قَالَ: لَقدْ أَخْبَرَنِى صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الآخَرَ - فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِى الْعَاضِّ، فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتِيْهِ، فَأَتَيَا النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " لو أن امرأ اطَّلع عليك بغير إذن، فحذفته بحصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح " (¬1). وأما إثبات الضمان، فلأنه لو نظر إنسان إلى عورة إنسان آخر بغير إذنه لم يستبح بذلك فقأ عينه، فالنظر إلى الإنسان فى بيته لولا ألا يستباح به ذلك، ومجمل الحديث عندهم على أنه رماه، لينبههم على أنه فطن له ليدفعه عن ذلك غير قاصد بفقء عينه فانفقأت عينه خطأ، فالجناح منتفٍ، وهو الذى نفى فى الحديث. وأما الدية فلا ذكر لها. قال القاضى - رحمه الله -: هذا الباب مما تتبعه الدارقطنى (¬2) على مسلم فذكر أولاً غير مسلم حديث شعبة عن قتادة، عن زرارة، عن عمران بن حصين، قال: قاتل يعلى. وذكر مثله عن محمد بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، ثم ذكر وجهاً آخر عن شعبة، عن قتادة، عن عطاء، عن ابن يعلى، عن يعلى. وحديث همام عن عطاء عن ابن يعلى، عن ¬

_ (¬1) البخارى، ك الديات، ب من اطلع فى بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية 9/ 13، وأحمد 2/ 243. (¬2) الإلزامات والتتبع ص 176، 177.

(...) وحدّثناه عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يعلى. وحديث ابن جريج عن عطاء، عن ابن يعلى، عن يعلى. ثم ذكر حديث معاذ ابن هشام عن أبيه، عن قتادة، عن ابن يعلى، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، وهذا اختلاف على عطاء. ذكر - أيضاً - حديث قريش بن أنس، عن ابن عوف بن سيرين، عن عمران. قال الدارقطنى: انفرد به قريش عن ابن عوف بن سيرين، ولم يذكر فيه سماعاً منه ولا من ابن سيرين من عمران ولم يخرج البخارى لابن سيرين عن عمران شيئًا.

(5) باب إثبات القصاص فى الأسنان وما فى معناها

(5) باب إثبات القصاص فى الأسنان وما فى معناها 24 - (1675) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ - أُمَّ حَارِثَةَ - جَرَحَتْ إِنْسَانًا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْقِصَاصَ، الْقِصَاصَ ". فَقَالَتْ أُمُّ الرّبِيعِ: يَا رَسُولَ اللهَ، أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلانَةَ؟ وَاللهِ، لا يُقْتَصُّ مِنْهَا. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَ اللهِ؛ يَا أُمَّ الرَّبِيعِ، الْقِصَاصُ كِتَابُ اللهِ ". قَالَتْ: لا. وَاللهِ، لا يُقْتَصُّ مِنْهَا أَبَدًا. قَالَ: فَمَا زَالَتْ حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لُوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن أخت الربيع تقضمها كما يقضم الفحل ": أى يعضها. والقضم بأطراف الأسنان، والأفصح الكسر فى الماضى والفتح فى المستقبل. وقوله: " إن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنساناً "، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القصاص القصاص كتاب الله القصاص "، وقوله: " أم الربيع لا يقتص منها ": المعروف أن الربيع هى صاحبة هذه القصة، وكذا جاء الحديث فى البخارى من الروايات الصحيحة أنها الربيع ابنة النضر وأخت أنس بن النضر (¬1). وكذا فى المصنفات (¬2) وهو الصحيح، رواه القابس مثل رواية مسلم أو فى كتاب الديات، وضرب الأصيلى على قوله: " أخت "، وجاء مفسرًا فى غير الأم عند البخارى وغيره، وبيّن جرمها؛ أنها لطمت جارية فكسرت ثنيتها. احتج بهذا الحديث من يرى القصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس. واتفقوا على القود بينهما فى النفس، حاشى الحسن وعطاء فلم يريا القود بينهما فى نفس ولا غيره لظاهر قوله: {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} (¬3) وتأويل الجماعة أنَّ الآية منسوخة بقوله: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (¬4) مفسرة بها. ومخصوصة فيما كانت الجاهلية تفرق بين الأشراف وغيرهم، أو يتراجعون فيه من زيادة نصف الدية مع قتل المرأة على ما اختلف فيه المفسرون، وقد اختلف. احتج البخارى بحديث الربيع فى هذا. والذى عندى أنه لا حجة فيه؛ لأن حديث الربيع إنما كانت فى كسر سِنّ جارية. وقد خرج البخارى فى هذا الحديث هكذا: فالأسنان المذكورة هنا هى تلك الجارية. وإنسان ينطلق على الذكر والأنثى، والقصاص فى الجراح غير مختلف فيه، إلا ما كان منها ¬

_ (¬1) البخارى، ك الديات، ب قتل الرجل بالمرأة 9/ 8. (¬2) النسائى، ك القسامة، ب القصاص فى الثنية 8/ 27 برقم (4757)، ابن ماجة، ك الديات، ب القصاص فى السن 2/ 884 برقم (2649). (¬3) البقرة: 178. (¬4) المائدة: 45.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مخوفاً متلفاً كالمتظلمة والمأمومة والجائفة فلا قود فيها (¬1) وفيها الدية واختلف هل مغلظة أم لا؟ ومشهور مذهبنا أنها غير مغلظة. وأما السن فلا خلاف فى القصاص إذا قلعها أو طرحها. واختلف فى القصاص فى كسرها وفى سائر عظام الجسد، فذهب مالك إلى القصاص فى ذلك كله اعتماداً على حديث الربيع، إلا ما كان من ذلك مخوفاً متلفاً لعظم الفخذ والصلب. وذهب الكوفيون والشافعى والليث إلى أنه لا قود فى كسر عظم ما خلا العين؛ لعدم الثقة فى المماثلة فى القود كستر اللحم له. واتفقوا على أنه لا قصاص فى عظام الرأس. وقوله: " قالت أم الربيع: والله لا يقتص منها "، وفى البخارى (¬2) أن قائل هذا هو أنس بن النضر وهو أخوها. ليس هذا اعتراض على حكم الله وحكم نبيه دل على طريق الرغبة إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى الأولياء والثقة بهم ألا يفعلون ذلك، وطريق الثقة بالله والتضرع إليه بالقسم به وإذا كان اللفظ ورد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أظهر فى التأويل الأول. وقوله: " فما زالت حتى قبلوا الدية " أيضاً يؤكده، وأنها كانت راغبة إليهم أو إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا لعفو. وقوله: " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " يؤكده التأويل الثانى. وفيه صحة كرامات الأولياء. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 25/ 124 وما بعدها. (¬2) البخارى، ك التفسير، ب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} 6/ 65.

(6) باب ما يباح به دم المسلم

(6) باب ما يباح به دم المسلم 25 - (1676) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَحِلُّ دَمِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنِّى رَسُولُ اللهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ". (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. 26 - (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " وَالَّذِى لا إِلَهَ غَيْرُهُ، لا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنِّى رَسُولُ الله، إِلا ثَلاثَةُ نَفَرٍ: التَّارِكُ الإِسْلامَ، الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ أَوِ الْجَمَاعَةَ - شَكَّ فِيهِ أَحْمَدُ - وَالثَّيِّبُ الزَّانِى، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ". قَالَ الأَعْمَشُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَحَدَّثَنِى عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزان، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ": وقوله: " الثيب الزانى " إشارة إلى ما أجمع عليه المسلمون من الرجم وسيأتى تفسيره. وقوله: " النفس بالنفس ": احتج به الكوفيون فى تساوى النفوس، وجعلوها ناسخة لقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْد} (¬1)، وقالوا: يقاد كل واحد من هؤلاء من الآخر. ومالك وغيره جعل الآية مفسرة لذلك، وأن معناها: أن نفس الأحرار متساوية وأنفس العبيد متساوية، وأن العبيد يتكافؤون فى دمائهم، وذكر أنهم كالأحرار. ولا قصاص ما بين العبيد والأحرار فى شىء هو قول الشافعى. وأهل الحجاز والليث بن ¬

_ (¬1) البقرة: 178.

(...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعاً، نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ. وَلَمْ يَذْكُرَا فِى الْحَدِيثِ قَوْلَهُ: " وَالَّذِى لا إِلَهَ غَيْرُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد قالوا: ويقتل العبد بالحر، ولا يقتل الحر به. قال الشافعى: ليس بين الحر والعبد قصاص إلا أن يشاء الحر، وهو غير ما تقدم. وقال أبو حنيفة: لا قصاص بينهم إلا بالنفس. وقال ابن أبى ليلى: القصاص بينهم فى كل شىء (¬1). قوله: " التارك لدينه المفارق للجماعة ": عام فى كل مفارق للإسلام بأى ردة كانت بينة، وفى قوله: " المفارق للجماعة " حجة على قتل الخوارج وأهل البدع وغيرهم، وقتلهم إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحق عليهم وقاتلوا على ذلك، وفى قتال أهل البغى وقتلهم وفى كل خارج على الجماعة، كان خروجه كفراً أو غيره. قال القابسى: يحتمل أن يكون خروجه خروجاً يترك به الجماعة أو يبغى عليها، فيقاتل على ذلك حتى يفىء إلى دينه وإلى الجماعة، وليس بكافر. ويمكن أن يكون خروجه كفراً أو ردة. ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 11/ 473 - 476.

(7) باب بيان إثم من سن القتل

(7) باب بيان إثم من سن القتل 27 - (1677) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ ". (...) وحدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ جَرِيرٍ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ: " لأَنَّهُ سَنَّ الْقَتْلَ " لَمْ يَذْكُرَا: أَوَّلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل "، قال الإمام - رحمه الله -: الكفل، بكسر الكاف: الجزاء والنصيب، ومنه قوله تعالى: {يَكن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} (¬1)، وهذا أصل فى أن المعونة على ما لا يحل لا تحل، قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ والْعُدْوَان} (¬2)، وقد جعل الدال على الخير كفاعله (¬3)، وهكذا الدال على الشر كفاعله. ولعل القتل إنما كان عند الشافعى على جهة التعليم إذا أخذه واحد عن واحد عن آخر حتى ينتهى إلى ابن آدم الأول، وهكذا التعليم فى البدع والضلالات، ويكون على معلمها الأول كفل منها. وهكذا على قياسه يكون للمعلم الأول للهدى والحقائق نصيب من الأجر. قال القاضى - رحمه الله -: هذا كله قد أبانه عليه السلام بقوله: " من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها " (¬4)، وورد: " من عمل بها إلى يوم القيامة ". وأما الكفل، فقيل فيه ما قال الإمام. وقال الخليل: الكفل من الأجر، والإثم: الضعف. ¬

_ (¬1) النساء: 85. (¬2) المائدة: 2. (¬3) الترمذى، ك العلم، ب ما جاء: الدال على الخير كفاعله 5/ 41 برقم (2670). (¬4) مسلم، ك العلم، ب من سن سنة حسنة أو سيئة 4/ 15.

(8) باب المجازاة بالدماء فى الآخرة، وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة

(8) باب المجازاة بالدماء فى الآخرة، وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة 28 - (1678) حدّثنا عثمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فِى الْدِّمَاءِ ". (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ. ح وحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْد اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ عَنْ شُعْبَةَ: " يُقْضَى ". وَبَعْضُهُمْ قَالَ: " يُحْكَمُ بَيْنَ النَّاسِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " أول ما يقضى على الناس يوم القيامة فى الدماء "، هذا ظاهر فى تغليظ أمر الدماء، وليس هذا الحديث معارض للحديث الآخر: " أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة "، فهذا فى خاصة أعمال العبد لنفسه وذلك فيما بينه وبين غيره.

(9) باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال

(9) باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال 29 - (1679) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِى شَيْبَةَ ويحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظ - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب الثَّقَفِىُّ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابن أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ". ثُمَّ قَالَ: " أَىُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم؛ ثلاث متواليات " الحديث، قال الإمام - رحمه الله -: تأويل قوله: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " لأنهم كانوا تمسكوا بملة إبراهيم - عليه السلام - فى تحريم الأشهر الحرم، وكانوا ينسبون الشهر الحرام إلى الذى يليه إذا احتاجوا إلى القتال فيه، وينتقلون هكذا من شهر إلى آخر حتى اختلط الأمر عليهم، فصادفت حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحريمهم، فلو طابق الشرع وكانت فى تلك السنة حرموا ذا الحجة بالاتفاق على الحساب الذى قلناه، فأخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الاستدارة صادفت حكم الله - سبحانه - يوم خلق الله السماوات والأرض. وقيل: كانت العرب تحج عامين فى ذى القعدة وعامين فى ذى الحجة، فصادفت حجة أبى بكر ذا القعدة من السنة الثانية وصادفت حجة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا الحجة؛ فلهذا أشار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاستدارة. وذكر أبو عبيد أنهم كانوا ينسئون - أى يؤخرون - وهو الذى قال الله - سبحانه وتعالى -: {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْر} (¬1)، فربما احتاجوا إلى الحرب فى المحرم فيؤخرون تحريمه لصفر، ثم يحتاجون تأخير صفر إلى ربيع، هكذا شهرًا بعد شهر. فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال. قال: وزعم بعض الناس أنهم كانوا يستحلون المحرم عاماً ويردونه فى قابل إلى تحريمه. قال: والتفسير الأول أحب إلى لأنه ليس فى هذا استدارة. قال الإمام - رحمه الله -: وقد وقفت للخوارزمى على تأويل لهذا الحديث، غره فيه ما قد سبق إليه من علم التنجيم، فقال: إن الله - سبحانه وتعالى - أول ما خلق الشمس ¬

_ (¬1) التوبة: 37.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجراها فى أول برج الحمل، وكان الزمان الذى أشار إليه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادف حلول الشمس الحمل. ولما وقفت على قوله هذا دعا ذلك لتعديل هذا اليوم، فَعُدِلَ لاختبار ما قال، فلم يوجد كما زعم، ووجدت الشمس يوم التاسع من ذى الحجة سنة عشر قد قطعت من برج الحوت نحو عشرين درجة، لكن أظنها كانت فى مثل هذا اليوم سنة تسع فى أول الحمل، وأراه من هذه الجهة غلط، لو كان الأصل الذى ذهب إليه، لكنه لم يقله أحد من علماء الشرع. قال القاضى - رحمه الله -: نظرت فيما قالاه على تعين ترك النظر فيه ووجوب طرحه لكن لما جاء من خطأ به فوجدت قول الشيخ: التاسع من ذى الحجة سنة عشر وهماً بيناً؛ لأن الخطبة إنما كانت يوم النحر؛ اليوم العاشر، كما نص فى الحديث وعلى الوجهين، فيكون ما قاله الخوارزمى خطأ، لأنه يتبقى لقطع الشمس من برج الحوت وانتقالها إلى برج الحمل نحو عشر درجات، تقطعها فى عشرة أيام على ما حكوه عن أهل المعرفة بالحساب؛ أنها إنما تقطع كل برج فى ثلاثين يوماً. ولمالك بن أنس وغيره من أئمة الهدى على هذا الباب لمعرفة الأوقات كلام على هذا إلا أن مالكاً قال فى ثلاثين يوماً وثلث يوم وفى استدارة الزمان للغرب وجه هو معنى الحديث إن شاء الله، هو ما قاله إياس بن معاوية، وذلك أن المشركين كانوا يحسبون السنة اثنى عشر شهراً وخمسة عشر يوماً، فكان الحج يكون فى رمضان وفى ذى القعدة وفى كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهور لزيادة الخمسة عشر يوماً، فحج أبو بكر - رضى الله عنه - سنة تسع من ذى القعدة بحكم الاستدارة، ولم يحج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما كان فى العام المقبل وافق الحج ذا الحجة فى العشر، ووافق ذلك الأهلة، وقد روى أن أبا بكر - رضى الله عنه - إنما حج فى ذى الحجة. وروى عن ابن عباس معنى آخر قال: كانوا إذا كانت السنة التى ينسئ فيها قام خطيبهم بفناء الكعبة، وقد اجتمع إليه الناس يوم الصدر فقال: " أيها الناس، إنى قد نسأت العام صفر الأول - يعنى المحرم - فيطرحون من الشهور ولا يعتدون به ويبتدئون العدة فيقولون لصفر وشهر ربيع: صفران، ولربيع الآخر ولجمادى: شهر الربيع، ولجمادى الأخرى ورجب: جماديان، ولشعبان: رجب، ولرمضان: شعبان، هكذا إلى محرم فيسمونه ذا الحجة، فيحجون فيه تلك السنة فى المحرم، ويبطلون من هذه السنة شهراً يحجون فى كل سنة فى شهر حجتين، ثم ينسئ فى السنة الثانية صفر الأول فى عدتهم وهو الآخر فى العدة المستقيمة، حتى يكون حجهم فى صفر حجتين، كذلك الشهور كلها حتى يستدير الحج فى كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم، الشهر الذى ابتدؤوا فيه النسىء. وعن ابن الزبير نحو هذا، إلا أنه قال: يفعلون ذلك فى كل ثلاث سنين يزيدون شهراً قبل، وكانوا يقصدون بذلك موافقة شهور العجم لشهور الأهلة، حتى تأتى الأزمان

قَالَ: " أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ " قلْنَا: بَلَى. قَالَ: " فَأَىُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: " أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: " فَأَىُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِه. قَالَ: " أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة، قال: ووجدنا أيام شهور العجم فى السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، ووجدنا شهور الأهلة ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً، وبيننا وبينهم أحد عشر يوماً فى العام، فزادوا شهرًا فى كل سنة ثالثة حتى يستقيم. وتأتى أسماء شهورهم موافقة لمعانيها لا تختلف أوقاتها كشهور العجم، فكان رمضان يأتى أبداً فى الحر والرمضاء، وبه سمى والربيع فى زمان ابتداء من المطر ونبات الربيع، على مذهبهم أن زمان الربيع هو الخريف عندهم، وجمادى فى شهور البرد وجمود الماء لذلك، قال الشاعر: فى ليلة من جمادى ذات أندية فلولا أنها كذلك أبدًا عندهم لا يختلف حال ليالى جمادى لما حسن هذا الكلام ولا صح، كما لا يصح لأحد منا أن يقوله اليوم، فعلى هذا يستقيم لفظ الحديث ويتوجه معناه، وينفهم المراد بقوله - عليه السلام -: " اثنى عشر شهراً "، وعلى حكمهم فى النسىء فى تحريم شهر وتحليل آخر لا يختلف عدد الشهور، وإنما يختلف فيها الشهور للتحريم والتحليل، وقيل: لما وافق حج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا الحجة قال: " إن الزمان قد استدار كهيئتة يوم خلق الله السماوات والأرض " إنى قد ثبت الحج فى ذى الحجة وثبت التحريم فيه لوقوعه أيضاً موقعه. وقوله: " ورجب مضر "، قال الإمام - رحمه الله -: قيل: إن ربيعة كانت تجعل رجباً رمضان ومضر تبقيه على حاله، فلذلك أضافه إليهم، وقيل لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم، وأكثر ذلك بقوله: " الذى بين جمادى وشعبان "، وزيادة في البيان وتحرزاً من تنقله بالسنين حتى كان يسمى باسمه غيره. قال القاضى - رحمة الله -: وقيل: كانت العرب تسمى رجباً وشعبان الرجبين، وقيل: بل كانت تسمى جمادى ورجب جمادين، وتسمى شهر شعبان رجباً، فلذلك خص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجباً بعينه. وقوله: ثم قال: " أى بلد هذا؟ ثم أليس البلدة " يعنى مكة، وعرفها للعهد والتخصيص والتعظيم، وهذا مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَة} (¬1)، وقيل: هو اسم لمكة، وقيل: اسم لمنى. ¬

_ (¬1) النمل: 91.

مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ. كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا. وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ. فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِى كُفَّارًا - أَوْ ضُلالاً - يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلا لِيُبَلَّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ ". ثُمَّ قَالَ: " أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِى رِوَايَتِهِ: " وَرَجَبُ مُضَرَ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: " فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - لهم وسكوته بأنه كان سؤال على طريق التقرير والاستنصات. وقوله: " الله ورسوله أعلم " صرف للجواب إليه؛ لعلمهم أنه لم يجهل ما سأل عنه، ولا طلب منهم جوابه بالحقيقة، بل تقريرهم كما يورده عليهم، أو لما ذكروه أنهم ظنوا أنهم لما سألهم عنه إنما ذلك لما لم يعلموه ليسمى لهم ما سألهم عنه بغير اسمه، لا يراد عجباً ذلك، كما سمى المدينة طابة، وسمى العتمة العشاء، وغير ذلك. وقوله: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا، فى شهركم هذا " كل هذا تأكيد لحرمة الدماء والأموال والأعراض، وتحريم لمظالم العباد، كتأكيد حرمة يوم النحر من شهر الحج فى حرم مكة. وقوله: " أى يوم تلقون ربكم؟ " دليل على أن تحريم مكة وذى الحجة وتعظيمها وتعظيم يوم النحر تحريم الأعراض والأموال والدماء إلى الأبد، وأنه لا رخصة فى شىء من ذلك. وقوله: " لا ترجعوا بعدى كفاراً أو ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض ": تقدم الكلام عليه، وأنه لا حجة فيه لمن يكفر بالمعاصى، وأن معناه كفر دون كفر، وكفر نعمة وشكراً من لا يكفر دين وردة، وقيل: كفر فعل مما تقدم لكم من البيان والتصديق والإيمان. قيل: هذا الكلام من تحريم دمائكم. وقيل: كفار متكفرين فى السلاح للقتال، قد يكون ذلك فيمن ارتدوا فى الخوارج على القول بتكفيرهم، وتكفير أهل البدع. فقوله: " ألا ليبلغ الشاهد الغائب " حجة فى لزوم إبلاغ العلم ونشره. قوله: " فلعل بعض من لم يبلغه أوعى له من بعض من سمعه ": حجة فى جواز الحديث عن الشيوخ ومن لا علم عنده ولا فقه، إذا ضبط ما يحدث به. وفى كلامه هذا وهو على بعيره حجة لاتخاذ المنابر للخطب؛ لأن المقصود ارتفاع الخطيب على جماعة الناس ليستمعوا كلامه، ولا يخفى عليهم خطبته بقوله: " ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وإلى جزيعة من الغنم ففسمها بيننا " هكذا هى " خزيعة " بالزاى عند كافة الرواة، وكان عند شيخنا أبى محمد الخُشَنى وبعضهم: " خديعة " وأراها رواية ابن ماهان - أيضاً - بالذال، وهو وَهْم، والصواب الأول، أى قطعة من الغنم.

30 - (...) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ. فَقَالَ: " أَتَدْرُونَ أَىَّ يَوْمٍ هَذَا؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ. فَقَالَ: " أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَأَىَّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ " أَلَيْسَ بِذِى الْحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " فَأَىُّ بَلَدٍ هَذَا ". قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ. قَالَ: " أَلَيْسَ بِالْبَلْدَةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كُحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ". قَالَ: ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا، وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام - رحمه الله -: وقوله: " ثم انكفأ "، الانكفاء الانقلاب، يقال: انكفأ إلى كذا، أى انقلب إليه ومال نحوه. وانكفأ لونه، أى تغير وزال عن حاله، ومال إلى حالة أخرى. قال الكسائى: الأملح: هو الذى فيه بياض وسواد والبياض أكثر. قال القاضى - رحمه الله -: قَالَ الدارقطنى: قوله: " ثم انكفأ " إلى آخر الحديث، وهم من ابن عون فيما قيل، وإنما رواه ابن سيرين عن أنس (¬1). قال القاضى - رحمه الله -: وقد خرج البخارى هذا الحديث عن ابن عون، فلم يذكر فيه هذا الكلام (¬2)، ولعله تركه عن عمد. وقد رواه أبو قرة عن ابن سيرين فى مسلم فى الباب، فلم يذكر فيه هذه الزيادة، إنما هى فى حديث آخر فى خطبة عيد الأضحى، فوهم فيهما الراوى وضمها إلى خطبة الحج، أو هما حديثان، ضم بعضهما إلى بعض. وقد ذكر مسلم ذلك فى كتاب الضحايا بعد هذا من حديث أيوب وهشام عن ابن سيرين، عن أنس؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ثم خطب، فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد، ثم قال آخر الحديث: " وانكفأ رسول الله إلى كبشين أملحين فذبحهما، فقام الناس إلى غنيمة فتوزعوها " (¬3)، فهذا هو الصحيح ورافع للإشكال، ويصحح - أيضاً - أن اللفظ الذى هنا: " خزيعة "بالزاى لقوله هنا: " غنيمة ". ¬

_ (¬1) الدارقطنى فى الإلزامات والتتبع ص 220، 221 (86). (¬2) البخارى، ك العلم، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رب مبلغ أوعى من سامع " 1/ 26. (¬3) مسلم، ك الأضاحى، ب وقتها 3/ 10.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَة، عَنِ ابن عَوْنٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ جَلَسَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ. قَالَ: وَرَجُلٌ آخِذٌ بِزِمَامِهِ - أَوْ قَالَ بِخِطَامِهِ - فَذَكَرَ نَحوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. 31 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ ابْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ فِى نَفْسِى أَفْضَلُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بِإِسْنَادِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - وَسَمَّى الرَّجُلَ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِى بَكْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: " أَىُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، وَسَاقُوا الْحَدِيثِ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عَونٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَذْكُرُ: " وَأَعْرَاضَكُمْ "، وَلا يَذْكُرُ: ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ، وَمَا بَعْدَهُ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: " كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ. أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: " اللَّهُمَّ؛ اشْهَدْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: وفى هذا الحديث دليل أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر لتعظيم أمره فى هذه الخطبة، وهو قول على وابن عمر ومالك فى آخرين. واختلف فيه عن ابن عباس، وروى عن عمر وابن الزبير فى آخرين: أن يوم الفتح الأكبر الحج الأكبر يوم عرفة، وصحة القول الأول ما تقدم من تخصيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له؛ ولأن فى يومه وليلته معظم أعمال الحج. وقوله ذلك قوله فى البخارى فى بعض روايات هذا الحديث: " أى يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ " قالوا: يومنا هذا.

(10) باب صحة الإقرار بالقتل وتمكين ولى القتيل من القصاص، واستحباب طلب العفو منه

(10) باب صحة الإقرار بالقتل وتمكين ولىّ القتيل من القصاص، واستحباب طلب العفو منه 32 - (1680) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ؛ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: إِنِّى لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا قَتَلَ أَخِى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَقَتَلْتَهُ؟ " - فَقَال: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ - قَالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ. قَال: " كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ ". قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبطُ مِنْ شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِى فَأَغْضَبَنِى، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ لَكَ مِنْ شَىْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟ ". قَالَ: مَالِى مَالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى الذى جاء يقود آخر بنسعةٍ، فقال: " هَذا قتل أَخى ". النسعة: ما ضفر من الأديم كالحبال، فإذا فتل ولم تضفر فليس بنسعة. فيه العنف على الجناة وتثقيفهم وأخذ الناس لهم حتى يحضروا بين يدى الولاة، إذ لو لم يجعل للناس هذا لفَرُّوا وفاتوا، فَليَدِ الناس فى أخذهم سلطان عليهم؛ لأنه من المعاونة لأولياء القتيل والمجنى عليه، ومن نصرة المظلوم، وتغيير المنكر. وقد أمر الله - سبحانه - بذلك كله. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " أقتلته؟ " فقال: إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة: فيه ترتيب القضاء فى الاستقرارات أولاً للمدعى عليه قبل تكليف الطالب البينة، لعل المطلوب يقر فيكتفى عن التعب فى إحضار البينة، وليكون الحكم أجلى باليقين باعتراف منه بغلبة الظن بالبينة، وفيه سؤال الحاكم ولى القتيل العفو عن الجانى بعد بلوغ الإمام، وجواز أخذ الدية فى العمد. وقول القاتل:" نعم قتلته. قال: كيف قتلته؟ قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبنى فأغضبنى فضربته ": قالوا: ينبنى على قوله: " فقتلته " معنى " يختبط " أى يجمع الخبط وهو ورق السمر، وهو خبط شجرة بالعظم ليسقط ورقها فيجمع، ويعلقه الإبل والماشية. وقرن الرأس: جانبه. فيه تقرير المسجون والمحبوس، وأن اعترافه لازم له. وقال: اختلف العلماء فى ذلك. واضطرب المذهب عندنا فى إقراره بعد الحبس والتهديد، هل يقبل حمله أو لا يقبل حمله والفرق، فيقبل إذا عنى ما اعترف به من قتل أو سرقة، ولا يقبل إذا لم يبين. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " هل لك من شىء تؤديه؟ " فيه الترغيب فى العفو وأخذ الدية كما فعل فى غير نازلة، فلما لم يكن عنده ولا رجى ذلك من قومه دفعه إلى ولى المقتول،

إِلا كِسَائِى وَفَأَسِى. قَالَ: " فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَروُنَكَ؟ ". قَالَ: أَنَا أَهُونُ عَلَى قَوْمِى مِنْ ذَاك. فَرَمَى إِلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ. وَقَالَ: " دُونَكَ صَاحِبَكَ "، فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ " فَرَجَعَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكَ قُلْتَ: " إِنْ قَتَلَهُ فَهوُ مِثْلُهُ " وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبَكَ؟ " قَالَ: يَا نَبِىَّ اللهِ - لَعَلَّهُ قَالَ - بَلَى. قَالَ: " فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ ". قَالَ: فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو قوله فى الحديث: فرمى إليه بنسعته وقال: " دونك صاحبك ". وقوله: فلما ولى به قال: " إن قتله هو مثله "، وقول الرجل: يا رسول الله، قلت لى إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك. فقال: " أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ " قال: يا نبى الله، لعله قال: بلى. قال: " فإن ذلك كذلك " قال: فرمى بنسعته وخلى سبيله. وفى الرواية الأخرى: فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أدبر به: " القاتل والمقتول فى النار ": وفيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله أن يعفو عنه، قال الإمام - رحمه الله -: أما قوله - عليه السلام -: " إن قتله فهو مثله " فإن أمثل ما قيل فيه: أنهما استويا بانتفاء التباعد عن القاتل بالقصاص. وأما قوله - عليه السلام -: " أما تريد أن يبوءَ بإثمك وإثم صاحبك " فيمكن أن يريد أنه يتحمل إثم المقتول أو إثم أخيه ولى الدم لا على جنايته عليهما بقتل هذا أو فجعة هذا بأخيه، ويكون هذا قد أوحى إليه به فى هذا الرجل، ويمكن أن يريد أنه باء بإثم القتيل، وأضافه إليهما وإن كان فى الحقيقة هو أثم بالقاتل لا بهما؛ لأنهما كالشيئين فى تأثيمه لما أدخله عليهما من المصائب، وفى الكتاب العزيز: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ} (¬1) فجعله رسولاً لهم لاختصاصهم به وهو فى الحقيقة رسول الله. وفى كتاب أبى داود: " أرسله فتبوء بإثم صاحبه وإثمه " وفى بعض طرقه: " أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبك " (¬2) فقيل: المراد فى أخيه الإثمين؛ ما على القاتل من الآثام من غير قتل، فكأنه مطالب بها مع الإثم الثانى الذى هو إثم القتل، ولو قتل لكفرت عنه الآثام. وقد ذكر أبو داود أن القاتل ذكر ما أراد قتله، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن كان صادقاً فقتلته دخلت النار "، وهذا يشير إلى أن المراد بقوله: " فهو مثله " أن القصاص يكون ظلماً وعدواناً إذا علم الولى صدقه، ولكن لا يصح هذا التأويل مع الاقتصار على مجرد قوله: " إن قتله فهو مثله ". قال القاضى - رحمه الله -: وقيل: " هو مثله " أى قاتل كما ذلك قاتل، وان اختلفا فى الجواز والمنع، لكنهما استويا فى طاقة الغضب وشفاء النفس لاسيما مع رغبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

_ (¬1) الشعراء: 27. (¬2) أبو داود، ك الديات، ب الإمام يأمر بالعفو فى الدم 2/ 478.

33 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِم عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ رَجُلاً. فَأَقَادَ وَلِىُّ الْمَقْتُولِ مِنْهُ. فَانْطَلَقَ بِهِ وَفِى عُنُقِهِ نِسْعَةٌ يَجُرُّهَا. فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ " فَأَتَى رَجُلٌ الرَّجُلَ فَقَالَ لَهُ مَقَالَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَلَّى عَنْهُ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَشْوَعَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يَعْفُو عَنْهُ فَأَبَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ له فى العفو على ما جاء فى الحديث. وأما فى غير مسلم، فإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رغب له فى العفو فى أخذ الدية أربع مرات (¬1) كلها يأباه، ويحتمل قوله - عليه السلام -: " القاتل والمقتول فى النار " أمر آخر، علمهم - عليه السلام - من حال الولى لا من أجل قصاصه هذا، أو يكون استحق هذا القاتل لعصيانه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أمره به من العفو مرة بعد أخرى، وقيل: إن قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القاتل والمقتول فى النار " ليس مراده فى هذين، وكيف يصح وهو أقاد منه وأباح له قتله؟ لكن أورده - عليه السلام - فى البغاة، ومقاتلى العصبة كقوله: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار " (¬2)، فلما سمع الولى هذا لم يفهم معناه وتورع لعمومه. وهذا التأويل بعيد من ألفاظ الحديث وإقرار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له على تركه وهو موضع البيان. وقد يكون معنى قوله: " تبوء بإثمك وإثم صاحبك ": أى عفوك عنه يكفر الذنب الذى استوجب به هذا الولى النار، إن كان عنده أنه من أهلها لمعنى آخر كما تقدم، أو يبقى عليه ما كسب من ذنوب لمشيئة ربه. وفيه دليل أن قتل القصاص لا يكفر ذنب القاتل بالكلية وإن كفر ما بينه وبين الله تعالى، كما جاء فى الحديث الآخر: " فهو كفارة له، وبقى حق المقتول "، وسيأتى من هذا فى كتاب القصاص. وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - فى أخذ الدية من قاتل العمد، فذهب جماعة إلى إجبار القاتل عليها إرث للولى، وهو مذهب الليث والأوزاعى، وإحدى الروايتين عن مالك، وبه قال الشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وروى عن ابن المسيب وعطاء والحسن. وقيل: ألا يكون ذلك إلا برضاهما معاً، وهى الرواية الأخرى عن مالك، وبه قال الكوفيون (¬3). ¬

_ (¬1) النسائى، ك آداب القضاة، ب إشارة الحاكم على الخصم بالعفو 8/ 244 برقم (4515). (¬2) مسلم، ك الفتن وأشراط الساعة، ب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما 4/ 15. (¬3) انظر: المغنى 12/ 13، 14.

(11) باب دية الجنين، ووجوب الدية فى قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجانى

(11) باب دية الجنين، ووجوب الدية فى قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجانى 34 - (1681) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هذَيْلٍ، رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، فَطَرَحَتَ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن امرأتين من هُذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها، فَقَضى فيه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ: عبدٍ أو أَمَةٍ ": الرواية فيه: " بغرةٍ " بالتنوين، وما بعده بدل منه. وبعضهم يرويه بالإضافة وله أولاً وجه واضح. قال الإمام - رحمه الله -: تقدم الكلام على وجه المستوفى دية الأجنة، الذكر والأنثى، وأن ذلك قطع للخصام لأنه مما يخفى فيكثر فيه الشارع. وقد قال بعض الناس: إن العبد الذى يقضى به لذكره الغرة، وديته عندنا عشر دية أمه، وقيمة الغرة عندنا مقدرة بعشر دية الأم، وتورث على فرائض الله - سبحانه - وقد قيل: إن ذلك كعضو من أعضائها فإذا قضى بالدية أخذتها الأم وحدها، كما تأخذ دية سائر أعضائها، وقيل: ليس ذلك كعضو من أعضائها فلا تنفرد بديته بل يشاركها الأب. قال القاضى - رحمه الله -: فسر الغرة هنا فى الحديث أنها عبد أو أمة، وعلى التفسير حمله مالك وغيره لا على الشك. وقيل: الغرة تطلق على الإنسان كان ذكراً أو أنثى. قال ابن فارس: غرة كل شىء أكرمه وأنفسه. وقال أبو عمر: معناها: الأبيض، ولذلك سميت غرة فلا يوجد فيها أسود. قال: ولولا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد بالغرة معنى لا يدل على شخص لعبد ولا أمة لما ذكرها، وقيل: أراد بالغرة الخيار، والوسط من الأعلى يجزئ، وليس الوسط من جملة العبيد. ومقتضى مذهبنا أنه يخير بين إعطاء غرة أو عُشْر دية الأم من كسبهم إذا كانوا أهل ذمة فخمسون ديناراً، أو أول وَرِق فستمائة درهم وخمس فرائض من الإبل (*)، وقيل: لا يعطى من الإبل. وعلى هذا فى قيمة الغرة جمهور العلماء، وخالف الثورى وأبو حنيفة فقالا: قيمة الغرة خمسمائة درهم؛ لأن ديتها عندهم من الدراهم خمسمائة درهم. وحجة الجماعة قضاء الصحابة فى ذلك مما قالوه، ويشذ بعض السلف منهم طاوس وعطاء ومجاهد فقالوا: غرة عبد ووليدة أو فرس. وقال بعضهم: أو

__ (*) قال معد الكتاب للشاملة: في العبارة عدة تصحيفات، وتصويبها من المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 61)، كالتالي: ومقتضى مذهب مالك: أنَّه مخيَّر بين إعطاء غرة، أو عُشْر دية الأمِّ، من نوع ما يجري بينهم؛ إن كانوا أهل [ذهب] فخمسون دينارًا. أو [أهل] وَرِق فستُّمِائَةِ درهمٍ، [أو] خمس فرائضٍ من الإبل.

35 - (...) وحدّثنا قَتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَضَى رَسُوَلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى لَحْيَانَ، سَقَطَ مَيِّتًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بغل (¬1)، ورفعوا فى ذلك بنصه حديثاً. وقال داود وأصحابه: كل ما وقع عليه اسم غرة يجزئ (¬2). وقوله: " فطرحت جنينها " وفي الحديث الآخر: " ميتاً " ولم يختلف أن هذا حكم الجنين إذا زايل أمه ولم يستهل كما خلقه وتصويره، مضغة كان أو علقة أم لا، سواء كان ذكراً كان أم أنثى، وهو قول أبى حنيفة. وقال الشافعى: حتى يتبين شىء من خلقه وتصويره (¬3) وإن قَلَّ: فإذا زايل أمه واستهل ومات ففيه الدية كاملة في الخطأ، والدية فى العمد بعد القسامة. وقيل: فيها الدية بغير قسامة، وهو قول لأبى حنيفة. وعندنا فى ذلك الوجهان. واختلف فيه إذا لم يستهل صارخاً، وكان منه ما دل على الحياة من طول حركة إقامته أو حركة أو عطاس أو رضاع اختلافاً كثيراً عندنا وعند غيرنا (¬4)، وكذلك اختلف إذا خرج بعد موت أمه، هل فيه غرة؟ وهو قول ربيعة والليث والزهرى وأشهب وداود، أم لا غرة فيه؟ وهو قول مالك والشافعى وعامة العلماء. واختلف قول مالك فى الغرة فى الباب كله، هل هى على العاقلة؟ وهو قول الكوفيين والشافعى، أم على الجانى؟ وهو المشهور من قول مالك، ومثله البصريون (¬5). واختلفوا هل على الضارب مع الغرة كفارة أم لا؟ فمالك يلزمه الكفارة (¬6). قال الإمام - رحمه الله -: وقوله: " قضى بميراث المرأة لبنيها وزوجها وجعل العقل على عصبتها " استدل به من يرى أن الابن لا يعقل عن أمه، وهى مسألة اختلاف. قال القاضى - رحمه الله - قوله: " ثم إن المرأه التى قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها ": فى هذا الكلام تلفيق والحديث الآخر بينه؛ لأن قوله: " المرأة التى قضى عليها بالغرة توفيت " ظاهره أنها الجانية، وإنما هى المجنى عليها أم الجنين، لقوله فى الحديث للآخر: " فقتلتها وما فى بطنها " نفى التى قضى عليها بها أو فيها، هذه الحروف تبدل من بعضها من بعض، كما قالوا: بارك الله فيك وبارك الله عليك. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 25/ 78. (¬2) انظر: المصدر السابق 25/ 80. (¬3) انظر: المصدر السابق 25/ 83، 84. (¬4) انظر: المصدر السابق 25/ 82، 83. (¬5) انظر: المصدر السابق 25/ 78، 79. (¬6) انظر: المصدر السابق 25/ 81.

بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. ثمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِى قُضِىَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. 36 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا، وَمَا فِى بَطنِهَا. فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقلَتِهَا، وَوَرَّثَهَا وَلدَها وَمَنْ مَعَهُمْ. فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِىُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لا شَرِبَ وَلا أَكَلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والهاء فى قوله: " والعقل على عصبتها " يعنى هنا القاتلة، كما قال فى الحديث الآخر: " فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دية المقتول على عصبة القاتلة " قد يحتج بهذا لأحد القولين؛ فى أن الغرة على القاتلة، وهو بين فى الحديث الآخر وهو قوله: " فقضى فيها منه بغرة، وجعله على عاقلة المرأة "، وقد يحتمل رجوع الهاء فى " عصبتها " على المقتولة؛ لأن عصبتها كانت عصبة القاتلة سواء، إذ قال فى الحديث: " امرأتين من هذيل ". وقال أبو القاسم بن أبى صفرة: إذا كانت الضربة واحدة فعلى العاقلة دية المرأة والغرة. قال الأصيلى: وإنما أوجب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقل على عصبتها وهى متعمدة والعاقلة لا تحمل عمداً؛ لأن أولياءها تطوعوا بالدية، قالوا: ما تطوعوا به إذا قبله الآخرون، وقال غيره: يحتمل أنها لم تقصد قتلها، وقد يكون من شبه العمد الذى فيه الدية عند بعضهم. وقول من استدل أن الابن لا يدخل فى العصبة من هذا الحديث ذهول بعيد عن الصواب؛ لأنه إن كانت الهاء عائدة على القاتلة فكيف يستدل على ما قال من ذكر ابن المقتولة؟ وإن كانت الهاء عائدة على المقتولة فابْنُها داخل فى عصبتها إن كان ابنًا لزوجها حَمَل بن النابغه؛ لأنه من هذيل أيضاً، وقد ذكر زوجها فيمن يرثها مع الابن، وهو ممن عليه الدية لأنه من عصبتها، ألا تراه كيف قال: " كيف تودى من لا أكل ولا شرب؟ "، وإنما لا يكون على الزوج والابن شىء إذا لم يكن من عصبتها، وهو قول كافة العلماء. وقوله: " وقضى بدية المرأة على عاقلتها ": احتج به من لا يرى القصاص فى القتل بغير المحدد، ويجعله شبه العمد وقد تقدم الكلام فيه. والجواب عن الاستدلال بهذا الحديث أنه قد روى ابن جريج فى هذا الحديث: أنه قضى فى جنينها بغرة وأن تقتل المرأة. فهذا يعارض حجتهم مع أن رواية مالك والليث وغيرهما ليس فيه ذكر موت المرأة ولا ديتها، وقيل: قد يحتمل أن أولياء المقتولة قبلوا الدية. لكن يعارض هذا قوله: " فقضى رسول

وَلا نَطَقَ وَلا اسْتَهلَّ؟ فِمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ " مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِى سَجَعَ. (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ. وَقَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ نَعْقِلُ؟ وَلَمْ يُسَمِّ حَمَلَ بْنَ مَالِكٍ. 37 - (1682) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نُضَيْلَةَ الْخُزَاعِىِّ، عَنِ الْمُغِيْرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: ضَرَبَتِ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِىَ حُبْلَى، فَقَتَلَتْهَا. قَالَ: وَإِحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ، وَغُرَّةً لِمَا فِى بَطْنِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عَصَبَة الْقَاَتِلَةِ: أَنَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لا أَكَلَ وَلا شَرِبَ وَلَا اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَسَجَعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدية على عاقلتها ". وقد يحتمل أن الأولياء تطوعوا بالدية فألزموا بها أو عفا عليها أولياء الدم. وقول حمل بن النابغة: " كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل؟ ": يدل أن الغرة فيمن لم يستهل ولا عرفت حياته. وقوله: " فمثل ذلك يطلُّ ": كذا رويناه هنا عن جمهورهم بالباء بواحدة، وعند ابن أبى جعفر بالياء باثنتين مضمومة، وروى عن مالك فى الموطأ بالوجهين (¬1). قال الإمام - رحمه الله -: فمن رواه بالباء من البطلان ومن رواه بالياء المعجمة باثنتين تحتها من قوله: طيل دمه، أى هدر. وأما قوله - عليه السلام -: " أسجع كسجع الأعراب؟ " وفي الروايه الأخرى: " إنما هذا من إخوان الكهان "، قال الإمام - رحمه الله -: إنما ذمه لأن هذا السجع فى مقابلة حكم الله كالمسْتَبْعِد له، ولا شك أنه كل ما عُورضت به النبوة مَذْمُوم إذا كان القصد به برد الحكم وإلا قوله سجع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مواضع. قال القاضى - رحمه الله - وقيل: بل يكون عليه تكلف لاسجاع على طريق الكهان وحواشى العرب، وسن سجع فصحاء العرب، وبعضها كلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسجعه من هذا النوع منه. وحمل هذا كان بدوياً وأعرابياً. ¬

_ (¬1) الموطأ، ك العقول، ب عقل الجنين 2/ 855 (6). (بالباء فقط) ولم توجد (بالياء).

قَالَ: وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الدِّيَةَ. 38 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نُضَيْلَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً قَتَلَتْ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ، فَأُتِىَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى عَلَى عَاقِلَتِهَا بِالدَّيَةِ، وَكَانَتْ حَاملاً، فَقَضَى فِى الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ. فَقَالَ بَعْضُ عَصَبَتِهَا: أَنَدِى مَنْ لَا طَعِمَ وَلا شَرِبَ وَلا صَاحَ فاسْتَهَلَّ؟ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ قَالَ: فَقَالَ: " سَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ؟ ". (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ منصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ وَمُفَضَّلٍ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورِ، بِإِسْنَادِهِمُ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِيهِ فَأَسْقَطَتْ. فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ، وَجَعَلَهُ عَلَى أَوْلَيَاءَ الْمَرْأَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى الْحَدِيثِ: دِيَةَ الْمَرْأَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قول حمل بن النابغة: " كيف أغرم من لا شرب ولا أكل؟ ": حجة لليث ولربيعة أن الغرة للأم خاصة ولو كانت على الفرائض - على مشهور قول مالك وأصحابه وأبى حنيفة والشافعى - لكان للأب فيها أوفر نصيب، وللأب، وابنه على مذهب ابن هذيل وأحد قولى مالك: لكان للأب الثلثان، فلما كان هنا غارماً محضاً دل أنه لم يكن له فى ذلك حق. وقوله: " كيف أغرم ": حجة لأحد القولين منها على العاقلة لأنه عصبة العاقلة وزوجها. وقوله فيه: " حمل بن النابغة " فى حديث و " حمل بن مالك " فى آخر، هو حَمَل بن مالك بن النابغة بهاء مهملة مفتوحة. وقوله: " امرأة من هذيل "، وفى الحديث الآخر: " وأحدهما وإحداهما لحيانية " يقال بفتح اللام وكسرها. ولحيان قبيل من هذيل، وهو حيان بن هذيل. وقوله: " ضرتها ": أى شريكتها، وسميت بذلك للمضارة التى تلحق إحداهما من أجل الأخرى. وقوله: " استشار عمر - رضى الله تعالى عنه - الناس فى ملاص المرأة "، قال الإمام - رحمه الله -: ملاصها بالجنين: هو أن تزلقه قبل وقت الولادة، وكل ما زلق من يدٍ فقد ملص يملص ملصاً. وقال أبو العباس: ومنه حديث الدجَّال: " فأملصتْ به أمه " أى أزلقته. يقال: أملصت وأزلقت وأسهلت به وحطأت به بمعنى واحد.

39 - (1689) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مخْرَمَةَ. قَالَ: اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فِى ملاصِ الْمَرْأَةِ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: ائْتِنِى بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. قَالَ: فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله -: الرواية عندنا فى هذا الحرف فى مسلم: " فى ملاص المرأة " هكذا، ووقع فى سائر النسخ، إلا أنه كان وقع فى كتاب أبى بحر: " إملاص " مصلحاً غير رواية، ورأيت أبا عبد الله بن أبى بشر الحميدى فى جمع الصحيحين له قد ذكره " ملاص " على الصواب، لكنه قد جاء: أملص الشىء وملص: إذا أفلت، فإن أريد به جنين صح مِلَاص، مثل: لزم لزاماً. وفى سند هذا الحديث: نا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه، عن مسور بن مخرمة، قال: استشار عمر الناس - الحديث. قال الدارقطنى: وهم وكيع فى هذا الحديث، وخالفه أصحاب هشام فلم يذكروا فيه " المسور " وهو الصواب، ولم يخرج مسلم غير حديث وكيع، وخرج البخارى فى حديث من خالفه فأتى بالصواب. وقد احتج بهذا الحديث من لم ير الكفارة فى قتل الجنين، وهو مذهب مالك وأبى حنيفة. قلت: مالكاً يستحبها، وأوجبها الشافعى، وروى عن جماعة من البصريين والكوفين. واختلفوا فى جنين الأمة، فمذهب مالك والشافعى: أن فيه عشر قيمة أمة قياساً على الحرة، ذكراً كان أو أنثى، وقال كذلك الحسن. وقال أبو حنيفة: فيه عشر قيمته لو كان حياً إذا كان أنثى، وأما إذا كان غلاماً فنصف عشر قيمته لو كان حياً، هكذا بالتفريق يقول أبو حنيفة، وكذلك فى جنين الحرة إذا كان ذكراً فنصف عشر ديته، وإن كان أنثى فعشر ديته (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 15/ 84، 85.

29 - كتاب الحدود

بسم الله الرحمن الرحيم 29 - كتاب الحدود (1) باب حد السرقة ونصابها 1 - (1684) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا: وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَن الزُّهْرِىِّ، عَن عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ السَّارِقَ فِى رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِمِثْلِهِ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. 2 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ - وَاللَّفْظُ لِلْوَلِيدِ وَحَرْمَلَةَ - قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الحدود السرقة قوله - عليه السلام -: " يقطع السارق فى ربع دينار فصاعداً " وفى الحديث الآخر: " لا تقطع اليد إلا فى ربع دينار فما فوقه "، وفى الآخر: " يقطع فى مجن قيمته ثلاثة دراهم "، وفى طريق آخر: " لعن الله السارق يسرق البيضة، فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده "، وفى الأخرى: " لم تقطع يد السارق فى عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أقل من ثمن المجن حجفةٍ أو تُرسٍ وكلاهما ذو ثمن "، قال القاضى - رحمه الله -: صان الله تعالى - الأموال بحد القطع فى السرقة فى أول حدود ماله من المال وأن يجعل ذلك فى غير السرقة والزنا والاغتصاب لأن ذلك فى الأقل من أهل القدرة فى الأكثر، لأن ما كان مجاهرة

فِى رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ". 3 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى - وَاللَّفْظُ لِهاَرُونَ وَأَحْمَدَ - قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ يَسَارٍ عَنْ عمْرَةَ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تُقْطَع اْليَدُ إِلا فِى رُبْعِ دِينَارٍ فَمَا فَوقَهُ ". 4 - (...) حدّثنى بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن الْهَادِ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. " لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِى رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ". (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَامِرِ الْعَقَدِىِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، مِنْ وَلَدِ الْمِسْوَرِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فاسترجاعه ممكن بالعلم متوفر فيه السرقة مستشرى قلما يتوصل [بالاطلاع] (¬1) عليها، وإقامة الشهادة فيها فعظم فيها، واتسعت العقوبة فيها لشدائد الزجر عنها، وتجرد التوصل إلى معرفة ما اشتهر به منها، ولم يجعل تقدير ديته حيث يفصل العضو المقطوع فيه حماية للعضو أيضاً، وصيانة له، فمعظم ديته تعظيم المتحقق من ذلك بخلاف قطع السارق، وإن اختلفوا فى تفضيله من صفات السارق والمسروق، فالمسروق منه المسروق فيه وهو الحول وفى ذلك فيمن وجب عليه القطع قطع يمينه. قال الإمام: ورد القرآن أن يقطع السارق وهو أخذ المال على جهة الاستسراء، وشرع ذلك صيانة للمال. وينظر ها هنا فى جنس المسروق وقدره وموضعه وسارقه. فأما جنس المسروق، فكل ما يتملك وينتفع به ويحرز، ففيه القطع، فإن كان مما يحرز ولا يملك كالجر الصغير ففيه خلاف، إن كان مما لا يبقى كالفواكه الرطبة فيقطع عندنا خلافاً لأبى حنيفة (¬2). وأما مبلغه، فاختلف الناس فيه، فمنهم من يقطع فى القليل والكثير وهو مذهب أهل ¬

_ (¬1) فى س: إلى الاطلاع. (¬2) الاستذكار 24/ 233.

مَخْرَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الْهَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5 - (1685) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِىُّ، عَنْ هِشَامِ بْن عُرْوَةَ، عِنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمْ تُقْطَعْ يَدُ سَارِقٍ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ المِجَنِّ، حَجَفَةٍ أو تُرْسٍ، وَكِلاهُمَا ذو ثَمَنٍ. (...) وَحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنِ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤاسِىِّ. وفِى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحِيمِ وأَبِى أُسَامَةَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ذُو ثَمَنٍ. 6 - (1686) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهر لعموم الآية ولم يخصها بالأخبار. ومن الناس من قدَّر مبلَغ القطع بالدرهمين، ومنهم من قدره بالثلاثة، ومنهم من قدره بالخمسة، وقال: لا تقطع الخمس إلا فى الخمس ومنهم من قدره بعشرة دراهم (¬1) لما روى فى بعض الطرق: " أن المجنَّ كان ثمنه عشرة دراهم على عهد النبى - عليه السلام ". وأما قوله: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده " (¬2): فمن الناس من يتأوله على بيضة الحديد، ويروى أنها تساوى ثلاثة دراهم، ومنهم من يحمله على قصد المبالغة والتنبيه على عظيم ما خسر وهى يده، وحقير ما حصل مثل البيضة والحبل. وأراد جنس البيض وجنس الحبال. وأما موضع السرقة، فالحرز معتبر. وقد اضطربت الروايات فى الحرز اضطراباً كثيراً والنكتة فيه أن كل ما كان حرزاً فى العادة، وقصد إلى التحرز به ففيه يجب القطع والاختلاف إلى هذا يرجع، فطائفة تقدر حصول هذا الوصف فى الشىء فتقطع، وطائفة أخرى تراه لم يحصل فلا تقطع. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 160، 161. (¬2) حديث رقم (7) بالباب.

ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ. (...) حدّثنا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ، عَن اللَّيْثِ بْن سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ ابَنُ حَرْبٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَّيَةَ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَّيَةَ وَعُبَيْدِ اللهِ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَّيَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْن أَبِى سُفْيَانَ الْجُمَحِىِّ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأُسَامَةَ بْن زَيْدٍ اللَّيْثِىِّ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ: غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: قِيْمتُهُ. وَبَعْضَهُمْ قَالَ: ثَمَنُهُ ثلاثة دَرَاهِمَ. 7 - (1687) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما السارق، فألا تكون له شبهة فى المال كالأب ومن فى معناه. هذه عقود هذا الباب، وفروعه تتسع. قال القاضى - رحمه الله -: اختلف العلماء فى القدر الذى يجب فيه القطع اختلافاً كثيراً، فأخذوا بمجموع الأحاديث الواردة فى ذلك فى أنه لا يقطع فى أقل من ربع دينار عمداً، وفى ثلاثة دراهم، أو ما قيمته ذلك، كانت أكثر من ربع دينار أو أقل، ولم يراع هل يكون الثلاثة دراهم ضرباً لربع الدينار أم لا؟ وإلى هذا ذهب أحمد وإسحاق، وقال آخرون: إنما يراعى فى ذلك ربع دينار أو صرفه من الفضة، هو قول عائشة - رضى الله عنها - وعمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - والشافعى والأوزاعى والليث وأبو ثور،

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ". (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلَىُّ بَنُ خَشْرَم، كُلُّهُمْ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: " إِنْ سَرَقَ حَبْلاً، وَإِنْ سَرَقَ بَيْضَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى عن إسحاق (¬1)، وقاله داود. وروى (¬2): " لا يقطع الخمس فى أقل من خمسة دراهم " وروى هذا عن عمر، وهو قول سليمان بن يسار وابن أبى ليلى وابن شبرمة والحسن (¬3). وقيل: لا قطع إلا فى عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة من ذهب أو غيره، وهو قول لأبى حنيفة وأصحابه (¬4)، واختلف عنه فى الدينار إذا لم يبلغ الصرف عشرة دراهم، هل يعتبر بنفسه أو صرفه، قيل: القطع فى أربعة دراهم، وروى هذا عن بعض الصحابة - رضى الله عنهم - وقيل: فى درهم فما فوقه، وهو قول النبى، وقيل: فى درهمين، وهو مروى عن الحسن. وقيل: لا قطع فى أقل من أربعين درهماً أو أربعة دنانير، وروى ذلك عن النخعى، وقيل: فى كل ما له قيمة، وروى - أيضاً - عن البصرى، وهو قول الخوارج وأهل الظاهر، قليلاً كان أو كثيراً على ظاهر الآية. وكل هذه الأقاويل تردها الأحاديث الصحيحة المتقدمة المفسرة للآية، ويصحح القول الأول وأقرب ما يليه فى الصحة القول الثانى، ولا يجب أن يُلتفت لما ورد من أن البيضة بيضة الحديد، ولا أن الحبل حبل السفن؛ لأن مثل هذا له قيمة وقدر، وليس مساق الكلام وبلاغته على ذم من أخذ الكثير لا القليل وتقريعه بذلك، بل مثل هذا إنما يرد على تعظيم ما جنى على نفسه فيما تقل قيمته لا فيما كثر. والصواب تأويله على ما تقدم من تقليل أمره، وتهجين فعله، وأنه إن لم يقطع فى هذا القدر فعادته تجره إلى ما هو أكثر منه فيما يقطع فيه. وقد قيل: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك عند نزول الآية مجملة دون بيان قدر على ظاهر الكلام حتى بين الله له حكم ذلك وحده. وما احتج به الحنفى من رواية قطع يده فى ثمن قيمته عشرة دراهم، والآخر فى رواية من روى خمسة دراهم، فلا يعارض لهذه الأحاديث ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 159. (¬2) فى س: قيل. (¬3) انظر: الاستذكار 24/ 163. (¬4) انظر: الاستذكار 24/ 162 ودليلهم ما رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه عن ابن عباس قال: كان ثمن المجنِّ على عهد رسول الله عشرة دراهم. المصنف 9/ 474.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحة لشهرتها وصحتها وضعف تلك، مع أنه يحتمل أن يكون قطع فى مجان مرات لها قيم مختلفة كما يكون القطع فى الكثير، ولا ينكر القطع فى أكثر من الثلاثة والربع دينار، ويكون هذا حداً لا ما فوقه. ويجمع بين الأحاديث إن صحت. ولعنه هنا السارق حجة فى لعن من لم يسم. وكذلك ترجم البخارى عليه (¬1)؛ لأنه لعن للجنس لا للمعين. ولعن الجنس جائز؛ لأن الله - تعالى - قد أوعدهم، وينفذ الوعيد على من شاء منهم وإنما يكره وينهى عن لعن المعين والدعاء عليه فى الإبعاد من رحمة الله - تعالى - وهو معنى اللعن كما قال - عليه السلام -: " لا تعينوا الشيطان على أخيكم " (¬2). وقد ذهب بعض المتكلمين على معانى الحديث: أن اللعن جائز على أهل المعاصى وإن كان معيناً ما لم يحد، فإذا حد فلا. إذ الحدود كفارة لأهلها. وهذا كلام غير سديد ولا صحيح لنهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اللعن بالجملة، فحمله عن المعين أولى ويجمع بين الأحاديث. وقد قال - عليه السلام - للذين لعنوا شارب الخمر: " لا تعينوا الشيطان على أخيكم ". وقيل: لعن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل المعاصى تحذير لهم قبل وقوعها، فإذا فعلوها استغفر لهم ودعا لهم بالتوبة، وإذا غلظ عليهم فلعنه تأديباً. فقد قال: " سألت ربى أن يجعل لعنى له كفارة ورحمة ". وقوله فى الحديث: " المجن حجفة أو ترس، وكلاهما ذو ثمن ": تنبيه ورد على من يقول: يقطع فى القليل والكثير. والحجفة: الدرقة. قيل: المجن: اسم لكل ما يستجن به ويستر من ذلك كله. وقيل: الترس: المتخذ من الجلود هو بمعنى الأول. وتفرقه بينهما فى الحديث يدل أنهما شيئان. واختلفوا فيما يقطع من السارق، مع اتفاقهم أولاً على قطع يمينه. فقال مالك وجماعة أهل المدينة والشافعى وأبو ثور وغيرهم: إن سرق ثانية قطعت رجله اليسرى، ثم فى الثالثة - يده اليسرى، فى الرابعة رجله اليمنى، ثم إن عاد حبس وعزر. وقيل: تقطع فى الثالثة رجله اليسرى ولا قطع فى غيرهما، ثم إن عاد حبس، يروى هذا عن على والزهرى وحماد وأحمد (¬3). وكافتهم على قطع اليد والرجل من الرسغ والمفصل (¬4). وقال على: يقطع الرجل من شطر القدم ويترك العقب، وهو قول أحمد وأبى ثور. وقال قائل: تقطع اليد من المرفق، وقيل: من المنكب. وهذان شاذان جداً. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحدود، ب لعن السارق إذا لم يسم 8/ 198. (¬2) البخارى، ك الحدود، ب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة 197/ 8 من حديث أبى هريرة. (¬3) انظر: الاستذكار 24/ 189 وما بعدها، البدائع 9/ 4272، المغنى 12/ 446. (¬4) بدائع الصنانع 9/ 4277.

(2) باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهى عن الشفاعة فى الحدود

(2) باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهى عن الشفاعة فى الحدود 8 - (1688) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرَأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِى سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجَترِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ " أَتَشْفَعُ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ ". ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وِإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ". وَفِى حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ: " إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ". 9 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ - قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمِرَأَةِ الَّتِى سَرَقَتْ فِى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ. فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأُتِىَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَتَشْفَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم الأحاديث فى النهى عن الشفاعة فى الحدود وإبطالها، وأن هلاك بنى إسرائيل كانت من سبب ذلك. فيه التشديد على هذا، وأنه حرام لا يحل للشافع ولا للمشفوع عنه. وذلك كله بعد بلوغ الإمام، وفى هذه النازلة كانت الأحاديث. فأما قبل بلوغ الإمام فقد أجاز ذلك أكثر أهل العلم لما جاء فى الستر على المسلم (¬1). قال مالك: وذلك فيمن لم يعرف منه أذى للناس، وأما من عرف منه شر وفساد فلا أحب أن يشفع ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 176.

فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ ". فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِى يَا رَسُولَ اللهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَطَبَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَإِنِّى، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " ثُمَّ أَمَرَ بَتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِى سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِينِى بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 10 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقطَعَ يَدُهَا. فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيثِ اللَّيْثِ وَيُونُسَ. 11 - (1689) وحدّثنى سَلَمَةَ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً مَنْ بَنِى مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِىَ بِهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاللهِ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " فَقُطِعَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه. وأما الشفاعة فيما ليس فيه حد وليس فيه حق لآدمى وإنما فيه التعزير، فجائز عند العلماء، بلغ الإمام أم لا. وقوله: إن امرأة كانت تستعير الحلى وتجحده، فأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع يدها، قال الإمام - رحمه الله -: محمل ذكر العارية ها هنا على قصد التعريف بالمرأة، لا على أن القطع بسبب ذلك، قد تقدم الكلام أنها سرقت، هكذا تأوله أهل العلم. قال القاضى - رحمه الله -: ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى القطع فى جحد العارية؛ أخذاً بهذا الحديث. وعوام العلماء وفقهاء الفتيا على أنه لا قطع فيها. وقد ذكر أرباب الحديث أن معمراً انفرد بذكر العارية فى هذا الحديث وحده من بين سائر الرواة، ذكر غيره أن بعضهم وافقه، لكنه لم يعتد بحفظه كابن أخى الزهرى ونمطه. وقد جاء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر سرقتها فى الحديث فى الأم مبيناً، وفى غيرها: سرقت قطيفة من بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: وإنما لم يذكر السرقة فى هذه الرواية لأن قصد رواتها الخبر عن منع الشفاعة فى الحدود لا الإخبار عن السرقة. وفى قوله عن بنى إسرائيل أو غيرهم مما تقدم فى هذا الحديث: " كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ": دليل أنها سرقت، وأن نازلتها فى السرقة لا فى الجحد. ويحتج به من لا يشترط الحرز فى السرقة، ويقطع كل سارق من حرز أو غيره، وهو مذهب داود. وروى عن الحسن مثله، وله قول كقول جمهور العلماء وكافتهم باشتراط الحرز حتى صار كالإجماع (¬1). وما خالفه شاذ. وحجة الكافة إسقاط القطع عن حُرَيْسَةِ الجبل، والثمر المعلق، وتنبيهه بذلك عن الحرز. وقوله: " حتى تؤوى إلى مراحها (¬2)، فإذا أواها المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن ". وقول عائشة - رضى الله عنها -: " فحسنت توبتها بعد وتزوجت " فيه توبة السارق، وأن التوبة ماحية حال أصحاب الذنوب. قيل: فى الدنيا والآخرة، وقد تقدم الكلام على قوله: " وايم الله ". ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 179. (¬2) انظر: الموطأ، ك الحدود، ب ما يجب فيه القطع 2/ 831 (22)، النسائى، ك السرقة، ب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين 8/ 79.

(3) باب حد الزنى

(3) باب حدّ الزنى 12 - (1690) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِىِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذُوا عَنِّى، خُذُوا عَنِّى، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْىُ سَنَةٍ. وَالثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ". (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 13 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتاَدَةَ، عَن الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِىِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كَانَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حد الزانى قوله - عليه السلام -: " خذوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ": معنى قوله: " قد جعل الله لهن سبيلاً ": إشارة إلى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ} إلى قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} (¬1)، فأعلم النبى - عليه السلام - أن الله قد أوحى إليه، فجعل السبيل لهن بما ذكره فى الحديث. واختلفوا فى الآية، هل هى محكمة وما جاء مفسر لها أو منسوخة بآية النور وبهذا الحديث وبآية الرجم المنسوخ لفظها؟ وأنها فى البكرين، وقيل: بل فى الثيبين، وآية النور فى البكرين. وقال إسماعيل القاضى: كان الزانيان أول الإسلام يُجَبَّهان ويحممان ويشهران فنسخت بقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} الآية، وعن ابن عمر نحوه قال: ثم نسخ ذلك بالرجم والجلد. ولم يختلف علماء الامصار فى جلد الزانى البكر ورجم الزانى الثيب، إلا ما ذهب إليه الخوارج وبعض المعتزلة - النظام وأصحابه - من إبطال حكم الرجم، وقال بظاهر هذا ¬

_ (¬1) النساء: 15.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث من جمع الجلد والرجم جماعة منهم الحسن البصرى وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر، وروى عن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - وجمهور العلماء وكافتهم على الرجم وحده (¬1)، وشذت فرقة من أهل الحديث فقالت: إنما يجمع الجلد والرجم على الشيخ الثيب دون الشباب، ولا أصل لهذا القول. وحجة الجمهور: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم فى المرأة أو فى ماعز وغيرهما بالرجم دون الجلد، فقضى حكمه على قوله وجعل ناسخاً له. قال الإمام - رحمه الله -: أما الزانى المحصن فإنه يرجم. واختلف الناس، هل يضرب مع الرجم؟ فقال جمهور العلماء: لا جلد عليه لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " واغد يا أنيس على امرأة الآخر، فإن اعترفت فارجمها "، ولم يقل: اجلدها. ولغير ذلك من الأحاديث الدال ظاهرها على سقوط الجلد، وقال بعضهم بإثبات الجلد مع الرجم بهذا الحديث، وقد يكون عند الأولين منسوخاً لأجل الظواهر التى تمسكوا بها. قال القاضى - رحمه الله -: وقوله فى البكر: " ونفى سنة " جمهور العلماء على وجوب النفى على البكر بعد الضرب، على ما جاء فى الأحاديث، وقواه من الأحاديث، وأنه بعض الحد (¬2). وخالف أبو حنيفة ومحمد بن الحسن، فقالا: لا نفى عليه (¬3). ثم اختلفوا فى مقدار النفى، فقال مالك: ينفى من ينفى من مصر إلى الحجاز وشعب وأسوان ونحوها، ومن المدينة إلى خيبر، ولذلك وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - وقد - نفى على - رضى الله عنه - من الكوفة إلى البصرة، قال مالك - رحمه الله -: وحبس فى البلد الذى نفى إليه عاماً. وقيل: ينفى إلى غير عمل بلده. وقيل إلى غير بلده. وقال الشافعى: أقل ذلك مسافة يوم وليلة (¬4). [] (¬5) هنا البكر بالبكر: يحتج به من يرى النفى على النساء والعبيد لعمومه، وهو مذهب الشافعى والثورى والطبرى وداود وأبو ثور، وقال الشافعى مرة: ينفى نصف سنة، ومرة قال: سنة وتوقف فى نفيهم. وذهب معظم القائلين بالنفى إلى أنه لا نفى على مملوك، كذلك قال الحسن وحماد بن أبى سليمان ومالك وأحمد وإسحاق. ولم ير مالك والأوزاعى النفى على النساء، وروى مثله عن على بن أبى طالب - رضى الله عنه. وحجة مالك: قوله فى الأمة: " إن زنت فاجلدوها " ولم يذكر نفياً (¬6)، وهو موضع بيان وتعليم؛ لأن نفى المماليك عائد بالضرر على ساداتهم وإتلاف لأموالهم، ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 12/ 313 وما بعدها. (¬2) انظر: المغنى 12/ 324 ما بعدها. (¬3) انظر: الاستذكار 24/ 94 وما بعدها. (¬4) انظر: المصدر السابق. (¬5) بياض فى الأصل. (¬6) انظر: المغنى 12/ 333، 334.

كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَربَّدَ لَهُ وَجْهُهُ. قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلُقِىَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا سُرِّىَ عَنْهُ قَالَ: " خُذُوا عَنِّى، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ، ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ. وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْىُ سَنَة ". 14 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، كِلاهُمَا عَنْ قَتاَدَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِهِمَا: " الْبِكْرُ يُجْلَدُ وَيُنْفَى، وَالثَّيِّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ "، لَا يَذْكُرَانِ: سَنةً وَلا مِائَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونفى النساء كشف لهن تعريض لمجنتهن وضيعتهن؛ لكونهن عورات، وقد نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسافرن مع غير ذى محرم. ولأن فى تغريب الرجل عن وطنه عقوبة له بإخراجه عن أهله وولده، وفى نفى العبد والأمة والمرأة عقوبة غيرهما ممن لم يجن لقطعه المنفعة بهما من الزوجية والاستمتاع، أو الخدمة، وإن كلف الكون معهم فقد شاركهم فى التعذيب. وقوله: " كرب لذلك، وتربد له وجهه ": أى أصابه كرب، وعلت وجهه غبرة. والربدة: تغيير البياض للسواد.

(4) باب رجم الثيب فى الزنى

(4) باب رجم الثيب فى الزنى 15 - (1691) حدّثنى أبوُ الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرنِى يُونُسُ، عَن ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى - إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ - أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِى كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِى كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عمر - رضى الله عنه -: " إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن أطال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم فى كتاب الله، وإن الرجم فى كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء " هذا طرف من حديث طويل خرجه البخارى بكماله فى خطبة عمر - رضى الله عنه - وخبر السقيفة والخلافة (¬1). وقد كان ما خشى منه عمر - رضى الله عنه - من تكذيب من كذب بالرجم، وأسقط فرضه من الخوارج والمبتدعة. فيحتمل أنه قال ذلك لعلم عنده من قبل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بصدق ظنه وفراسته، كما وافق كثيراً من الأمور والأقضية بغير ذلك، وصادف فيها الحق، وصفه النبى بذلك. وقد روى عنه فى غير هذا الحديث الخبر بهذا قطعاً من قوله: " سيكون فى هذه الأمة قوم يكذبون بالرجم وبالدجال " (¬2)، وهذا إنما يكون بما عنده من ذلك [أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬3). وقوله: " بما أنزل الله ": الأظهر فى معناه - والله أعلم - ما ذكره فى الموطأ فى الفصل الذى ذكر من هذا الحديث والخطبة أيضاً، وهو قوله: لولا أن يقول الناس زاد عمر فى كتاب الله لكتبتها بيدى: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " (¬4) فإنا قد ¬

_ (¬1) البخارى، ك المحاربين، ب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت 8/ 208. (¬2) أحمد 1/ 23. (¬3) غير مفهومة فى هذا السياق. (¬4) انظر: الموطأ، ك الحدود، ب ما جاء فى الرجم 2/ 824 (10).

مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قرأناها. ويحتمل أن يريد بما أنزل الله: أى من الوحى على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرعه له. وفى هذا كان قول عمر - رضى الله عنه - ذلك على المنبر، وإخباره برجم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجمهم معه وقرأ إثر آية الرجم، ولا منكر له من علماء الصحابة وجماعتهم - رضى الله عنهم - ما يدل على موافقتهم له؛ إذ كان مثلهم لا يقر على منكر ولا يسكت عما استشهد به فيه عما يعلم خلافه. وفيه الحجة لإفراد الرجم دون الجلد. وهذه الآية مما نص العلماء أنه مما نسخ لفظه وبقى معناه، وحكمه ثابت وله نظائر، لكن لا يصح أن يثبت قرآناً فى المصحف ولا يتلى؛ إذ لم يكتب فى المصحف لفظه، بل هذا ومثله مما أنسى الله المسلمين حفظه؛ حكمة منه وآية لعباده. ألا ترى أنه لو كان باقياً لفظه لم يجد المبتدع إلى التكذيب بحكمه سبيلاً، ألا ترى ما ذكر عمر - رضى الله عنه - منها إنما هو - والله أعلم - إخبار على معنى ما كان حفظ من القرآن إذ هذا اللفظ والنظم يبعد عن بلاغة القرآن ونظمه. وفى قول عمر - رضى الله عنه - هذا ما كان عليه الصحابة - رضى الله عنهم - من الحيطة على أمر القرآن قبل جمع المصاحف وبعدها، من أنه لا يزاد فيه شىء، ولا ينقص منه شىء، ولا يكتب معه شىء، وامتثالهم بذلك، وائتمارهم مخالفة ذلك. وقوله: " الرجم فى كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف ": هذه شواهد الزنا الموجبة لحده. فالبينة أربعة شهداء كما قال الله تعالى. ولا خلاف بين العلماء فى أنه لا يقبل فى الزنا أقل من أربعة، وإن اختلفوا فى صفاتهم وصورة شهاداتهم (¬1). وأما الحمل، فإذا ظهر بالمرأة لم يعلم لها زوج ولا ولى - إذ كانت أمة - ولا عرف اغتصابها، فإنها يقام عليها الحد، إلا أن تكون غريبة طارئة، وتدعى أنه من زوج أو سيد. هذا قول مالك وأصحابه. ولا يقبل قولها: أنها استكرهت إذا لم تقم بذلك مستغيثة عند الإكراه، وقبل ظهور الحمل. وحجته هذا الحديث. وقال الكوفيون والشافعى: إذا وجدت امرأة حاملاً فلا حد عليها، إلا أن تقر بالزنا وتقوم عليها بينة (¬2). ولم يفرقوا - بين ¬

_ (¬1) انظر: الحاوى 13/ 226 وما بعدها. (¬2) المغنى 12/ 377، الحاوى 13/ 227 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطارئة وغيرها لقوله - عليه السلام -: " ادرؤوا الحدود بالشبهات " (¬1). وأما الاعتراف فسنذكره. قال الإمام - رحمه الله -: أما ظهور الحمل بالمرأة التى لا زوج لها، تقول: أكرهت على الوطء ففى تصديقها خلاف بين الناس، هل تصدق ويكون بشبهة يدرأ الحد بها أو لا تصدق؟ ولظاهر قول عمر - رضى الله عنه - هذا؛ ولأن الحمل كالبينة عليها فلا تصدق بدعواها. ¬

_ (¬1) انظر: مصنف ابن أبى شيبة 9/ 566، والبيهقى 8/ 238.

(5) باب من اعترف على نفسه بالزنى

(5) باب من اعترف على نفسه بالزنى 16 - (...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْن الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الرجل للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إننى زنيت، وإعراض النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه حتى بين ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أبك جنون؟ " قال: لا. قال: " هل أحصنت؟ " قال: نعم. قال: " اذهبوا به فارجموه ": اختلف الناس فى المقر بالزنا، هل يرجم بإقراره مرة واحدة، لقوله: " فإن اعترفت فارجمها "، ولم يقيد بعدد؛ ولأن القول الثانى فى معنى الأول، هو مذهب مالك. أم لا يرجم حتى يقر أربع مرات، على ما قال بعض العلماء (¬1). واشترط بعضهم أن يكون فى أربعة مجالس، ولم يشترط ذلك بعضهم. وتعلق بعضهم فى التقييد بهذا العدد بما وقع فى هذا الحديث من ذكر أربع مرات، وبغيره من الألفاظ التى وقعت فى بعض طرقه، وقياساً على عدد الشهود، وأنه قد طلب فى اللعان التكرير. قال القاضى - رحمه الله -: وقوله: " أبك جنون؟ " استبراء لحاله، وإنكار أن يلح عاقل بالاعتراف، لعل كلامه مع ما رأى من إعراض النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه وإرادته الستر عليه. وقيل مردود النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له لاستبرائه لحاله؛ ولهذا قال: " أبك جنون؟ "، أو لعله يرجع عن قولته، أو لأنه سمعه منه ولم يكن منه حينئذ غيره، أو لئلا يتم الشهادة عنده أربعاً عند من قال ذلك. وجاء فى الحديث الآخر أنه سأل قومه عنه، فقالوا: ما نعلم به بأساً. وهذا مبالغة فى الاستبراء. وحجته أن إقرار المجنون فى حال جنونه لا يلزم، وأن الحدود عنه حينئذ ساقطة، وهو مما أجمع عليه العلماء. وقد رأى على وعمر - رضى الله عنهما - فيمن يجن أحياناً أنها شبهة يدرأ بها الحدود، لعل ما فعله ما كان حين ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 30.

ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَبِكَ جُنُونٌ؟ ". قَالَ: لا. قَالَ: " فَهَلْ أَحْصَنت؟ ". قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذَهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمه، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى. فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. (...) وَرَوَاهُ اللَّيْثُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ أَيْضًا، وَفِى حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. كَمَا ذَكَرَ عُقَيْلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " هل أحصنت؟ " بما (*) يجب على الإمام البحث عن حال الزانى ليقيم الحد بحسب ذلك، وفيه أن الإنسان مصدق فى إحصانه، ويقام عليه بإقراره بذلك حد المحصن. وسنذكر حكم الإحصان. وقوله: " فلما أذلقته الحجارة هرب ": هو بالذال المعجمة، قال الإمام - رحمه الله - أى أصابته بحدها. وذلق كل شىء حده، وقيل: الذلق: السرعة، ومنه: لسان ذلق. وقوله: " فأدركناه بالحرة فرجمناه ": وقد اختلف الناس فى المقر بالزنا إذا رجع عن قراره لغير عذر، هل يقبل منه أم لا؟ فعندنا فيه قولان، وقد تعلق من لا يقبل رجوعه بهذا الحديث، وقد هرب هذا أو قتلوه بعد هروبه، ولم يأمرهم - عليه السلام - بديته. وقد وقع فى كتاب مسلم: " هلا تركتموه "، وفى بعض طرقه فى غير كتاب مسلم: فلما وجد مس الحجارة صرخ، فنادى: يا قوم، ردونى إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن قومى هم قتلونى وغرونى من نفسى، وأخبرونى أن النبى غير قاتلى، فلم ننزع عنه حتى قتلناه. فلما رجعنا إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فهلا تركتم الرجل وجئتمونى به " ليتثبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه. فأما ترك حد فلا. وعند أبى داود: " ألا تركتموه حتى أنظر فى شأنه "، وعنده: " هلا تركتموه، فلعله يتوب فيتوب الله عليه " (¬1)، فقد صرح فى بعض هذه الطرق أنه لا يترك الحد. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الحدود، ب رجم ماعز بن مالك 2/ 756. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صواب العبارة: "فيه أنه ... "، والله أعلم.

(...) وحَدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَة، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. 17 - (1692) وحدّثنى أبو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَالَ: رَأَيْتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِىءَ بِهِ إِلَى النَّبَىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ، لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءُ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلَعَلَّكَ؟ ". قَالَ: لا. وَاللهِ، إِنَّهُ قَدْ زَنَى الأخِرُ. قَالَ: فَرَجَمَهُ. ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: " أَلا كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِى سَبِيلِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى - رحمه الله -: ذهب أحمد بن حنبل إلى أن الزانى إذا هرب يترك؛ اتباعاً لهذه الزيادة فى الحديث. وقال بعض أصحابنا فى المعترف وقال الكوفيون: إن طلبته الشرطة فوجدوه بالفور أكمل عليه الحد، وإن وجد بعد أيام ترك. قوله: " فرجمناه بالمصلى ": ترجم عليه البخارى بهذا ليرى أن حكم مصلى الجنائز والأعياد - إذا كانت فى غير موضع محبس لها ولا موقوف عليها - ليس له حكم المساجد، إن كان له حكمه لتجنب الدماء والميتات والقتل والرمى بالحجارة. والمراد بالمصلى هنا: مصلى الجنائز، ألا تراه فى الحديث الآخر كيف قال: " فى بقيع الغرقد ": هو موضع الجنائز بالمدينة. ومعنى قوله: " أعضل " كما قال فى الرواية الأخرى: " ذى عضلات "، والعضلة: كل ما اشتمل على اللحم على عصب، جمعه عضلات، ورجل أعضل وعضل الخلق: إذا كان مشتداً وأصله. ومنه قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " فلعلك ". قال: لا والله إنه قد زنا الأخر. فيه تلقين المقر بما لعله يكون سبب رجوعه إلى شبهة لعذر بها، كما قال فى الحديث الآخر: " لعلك قبلت أو غمزت " فاختصر هنا على: " لعلك " اختصاراً وتنبيهاً لدلالة الكلام والحال على المراد بها، وإن كان الكلام المحتمل لا يؤاخذ به صاحبه، ويرجع إلى تفسيره ويقبل قوله فيه. وقد روى التلقين فى الحدود والإقرارات عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء، وأجازه أئمة العلماء فروى عنه - عليه السلام - أنه قال لسارق: " ما أخالك سرقت " وروى عن أبى بكر

خَلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، يَمْنَحُ أَحَدُهُمُ الْكُثْبَةَ. أَمَا وَاللهِ، إِنْ يُمكِنِّى مِنْ أَحَدِهِمْ لأُنَكِّلَنَّهُ عَنْهُ ". 18 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنَ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْن حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَة يَقُولُ: أُتِى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَصِيرٍ، أَشْعَثَ، ذِى عَضَلَاتٍ، عَلَيْهِ إِزَارٌ وَقَدْ زَنَى، فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِى سَبِيلِ اللهِ، تَخَلَّفَ أَحَدُكُمْ يَنِبُّ نَبِيبَ التَّيْسِ، يَمْنَحُ إِحْدَاهُنَّ الْكُثْبَةَ، إِنَّ اللهَ لا يُمْكِنِّى مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلا جعَلْتُهُ نَكَالاً "، " أَوْ نَكَّلْتُهُ ". قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: إِنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمرَةَ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعمر وأبى الدرداء - رضى الله عنهم - أنهم قالوا للسارق: " أسرقت؟ " قال: لا. وعن عمر - رضى الله عنه -: ما أرى يد سارق. وعن ابن مسعود أنه قال لسارق: لعلك وجدته. وعن على - رضى الله عنه - أنه قال لحبلى: لعلك استكرهت أو وطئت نائمة. وقال للحبلى التى جىء بها تبكى: ما يبكيك، إن المرأة قد تستكره. وكذلك عن جماعة. والأحاديث بها كثيرة وقد أجاز ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وغيرهم. وقوله: " الأخر " بكسر الخاء وقصر الهمزة، ومعناه: الأَبْعَد، وقيل: الأرذل والأدنى، ومنه: المسألة أخر كسب الرجل، وقيل: اللئيم، وقيل: البائس الشقى، وكله بمعنى، كأنه يريد نفسه، يريد بعتبها بفعله ذلك، وقيل: هى كناية يكنى بها الإنسان عن نفسه أو عن غيره إذا أخبر عنه بما يستقبح. قال الإمام - رحمه الله -: وقوله: " نبيب كنبيب التيس، يمنح إحداهن الكثبة ": " نبيب التيس ": صوته عند السِّفاد (¬1)، و " يمنح ": يعطى، و " الكثبة ": القليل من اللبن. قال أبو عبيد: وكذلك من غير اللبن، وكل ما جمعته من طعام أو غيره بعد أن يكون قليلاً فهو كثبة، والجمع كُثَب، وقد كثبَته اكثبه، أى جمعته. ¬

_ (¬1) فى الأصل: الفساد، والمثبت من ع.

النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ. وَافَقَهُ شَبَابَةُ عَلَى قَوْلِهِ: فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى عَامِرٍ: فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً. 19 - (1693) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَاعِزِ بْن مَالِكٍ: " أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِى عَنْكَ؟ ". قَالَ: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّى؟ قَالَ: " بَلَغَنِى أَنَّكَ وَقَعْتَ بَجَارِيَةِ آلِ فُلانٍ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. 20 - (1694) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: إِنَّى أَصَبْتُ فَاحِشَةً، فَأَقِمْهُ عَلَىَّ. فَرَدَّهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا. قَالَ: ثُمَّ سَأَلَ قَوْمَهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا، إِلا أَنَّهُ أَصَابَ شَيْئًا، يَرَى أَنَّهُ لا يُخْرِجُهُ مِنْهُ إِلا أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَرْجُمَهُ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعَ الْغَرْقَدِ. قَالَ: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ وَلا حَفَرْنَا لَهُ. قَالَ: فَرَمَيْنَاهُ بِالْعَظْمِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ. قَالَ: فَاشْتَدَّ وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ، حَتَّى أَتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ، فَانْتَصَبَ لَنَا. فَرَمَيْنَاهُ بِجَلامِيدِ الْحَرَّةِ - يَعْنِى الْحِجَارَةَ - حَتَّى سَكَتَ. قَالَ: ثمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيباً مِنَ الْعَشِىِّ فَقَالَ: " أَوَ كُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِى سَبِيلِ اللهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " فرميناه بالحجارة حتى سكت ": يعنى: مات، قال الشاعر: ولقد شفى نفسى وأبرد داؤها ... أخذ الرجال بحلقه حتى سكت قال القاضى - رحمه الله -: ومعنى قوله: " جعلته نكالاً ": أى: عظة لمن يأتى بعده بما أصبته به من العقوبة حتى يمتنعوا من مواقعتها، قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين} (¬1). وأصله من المنع، ومنه الأنكال: القيود؛ لأنها تمنع ويمنع بها. قوله: " فرميناه بالخزف ": هى شقوق الفخار المتكسرة. ¬

_ (¬1) البقرة: 66.

عِيَالِنَا، لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، عَلَىَّ أَنْ لا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلا نَكَّلْتُ بِهِ ". قَالَ: فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَا سَبَّهُ. 21 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَشِىِّ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنىِ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ، إِذَا غَزَوْنَا، يَتَخَلَّفُ أَحَدُهُمْ عَنَّا، لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ ". وَلَمْ يَقُلْ: " فِى عِيَالِنَا ". (...) وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَريَّاءَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلَاهُمَا عَنْ دَاوُدَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. 22 - (1695) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِىُّ - عَنْ غَيْلَانَ - وَهُوَ ابْنُ جَامِعِ الْمُحَارِبِىُّ - عَنْ عَلْقَمَةَ بْن مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِى. فَقَالَ: " وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " حتى أتى عُرض الحرة - بضم العين أى جانبها - فرميناه بجلاميد الحرة " أى حجارها. وكذا جاء مفسراً فى رواية العذرى. قال مالك: لا يرمى بالحجارة الكبار. وقوله: " حتى سكت ": أى مات، وقد تقدم تفسيره. ورواه بعضهم: " سكن " بالنون، وله وجه، والأول أعرف. وقوله فى خبر ماعز فى بعض الروايات: " أحق ما بلغنى عنك؟ " قال: وما بلغك عنى؟ قال: " بلغنى عنك أنك زنيت بجارية فلان ". قال: نعم. وشهد أربع شهادات. وذكر فى سائر الأحاديث الأخرى أنه أتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " طهرنى ": فلا تنافى بين الروايات، يكون أولاً رفع إليه أمره وجىء به إليه، كما جاء فى غير حديث، وأن قومه أرسلوه إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للذى أرسله إليه: " يا هذا، لو سترته بردائك كان خيراً لك ". وكان ماعز يتيماً عند هذا. ولا خلاف بين أصحاب الحديث أن هذا المرجوم فى الحديث المسمى والمكنى عنه هو ماعز الأسلمى، فسأله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعترف وكرر الاعتراف، إلا أنه جاء متندماً. وكان

وَتُبْ إِلَيْه ". قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ. ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إلَيْهِ ". قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ. ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِى. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟ ". فَقَالَ. مِنَ الزِّنَى. فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبِهِ جُنُونٌ؟ "، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ. فَقَالَ: " أَشَرِبَ خَمْرًا؟ ". فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَزَنَيْتَ؟ ". فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِى يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِى بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ. فَقَالَ: " اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ ". قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ ". قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِى. فَقَالَ: " وَيْحَكِ! ارْجِعِى فَاسْتَغْفِرِى اللهَ وَتُوبِى إِلَيْهِ ". فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدِنِى كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى. فَقَالَ: " آنْتِ؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا: " حَتَّى تَضَعِى مَا فِى بَطْنِكِ ". قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ. قَالَ: فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ. قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَالَ: " إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ "، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: إِلَىَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِىَّ اللهِ. قَالَ: فَرَجَمَهَا. 23 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ترديد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له إذا لم يقم عليه بينة إلا لإقراره واستبرائه فى إقراره، وتثبتاً فى أمره، ورجاء لرجوعه عن قوله، أو لتمام أعترافه. وقوله فى حديث: " ارجموه " ولم يذكر جلداً، حجة لإسقاط الجلد، على ما تقدم. وفى قوله فى حديث محمد بن العلاء: " فرجع غير بعيد " فى الحديث الآخر: " من

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَتَقَارَبَا فِى لَفْظِ الْحَدِيثِ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا بُشَيْرُ ابْنُ الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِىَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّى قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَزَنَيْتُ، وَإِنِّى أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِى، فَرَدَّهُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى قَدْ زَنَيْتُ، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: " أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟ ". فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِىَّ الْعَقْلِ، مِنْ صَالِحِينَا، فِيمَا نُرَى. فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ - أَيْضًا - فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ. فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الغد، ثم جاء فقال: " طهرنى " وقال مثله فى سائر المرات: ما يحتج به ابن أبى ليلى ومن يقول. بالاعتراف أربعاً، وأنه لا يكون إلا فى أربع مجالس يفارق بينها الحاكم، حتى لا يراه، قياساً على الشهادة واللعان. ولا حجة فيه. وأبو حنيفة والكوفيون وأحمد بن حنبل يوجبون الأربع، ولا يشترط افتراق مجالسها كما تقدم، كما أنا لا نقيس الاعتراف بالقتل على شاهدين. ولم يقل أحد: إنه لا يقتل حتى يقر مرتين، كما لا يقتل إلا بشاهدين. ولم يختلفوا فى القتل، وقد وقع لبعضهم خلاف فى غيره فى الحدود، فأبو يوسف وحده لا يقطع السارق بالإقرار حتى يقر مرتين. وقال زفر مثله فى حد الخمر، ولأن النبى - عليه السلام - لم يردد الغامدية، ولا أمر أنيساً بترديد المرأة الأخرى، بل قال: " فإن اعترفت فارجمها ". ولم يختلف فى الإقرار فى الأقوال أنها تكفى مرة، وأيضاً ففى كثير من الروايات إنما قال فى الثلاثة: " طهرنى "، فلما كان فى الرابعة قال: " مم أطهرك؟ " قال: من الزنا، فلم يعترف إلا مرة وما قبله كلام مبهم، فردده النبى - عليه السلام. فيه رعايته فى ستره، وهذا مفسر لما جاء مجملاً. وقوله: " أشرب خمراً؟ "، قال الإمام - رحمه الله -: قال بعض الناس: فيه دلالة أن طلاق السكران لا يلزمه. قال القاضى - رحمه الله -: هذا لا حجة فيه، وهذا باب درء الحدود بالشبهات؛ لأنه مقر فى حالة شك فى ثبات عقله فيها لو شرب خمراً، والحدود تدرأ بالشبهات، والطلاق واقع بتهمته على ما يظهر من عدم عقله لحد ما ألزمه من ذلك.

قَالَ: فَجَاءَتِ الْغَامِدَيَّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِى، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِى؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِى كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا. فَوَاللهِ، إِنِّى لَحُبْلَى. قَالَ: " إِمَّا لَا، فَاذْهَبِى حَتَّى تَلِدِى ". فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِىِّ فِى خِرْقَةٍ. قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. قَالَ: " اذْهَبِى فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ ". فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِىِّ فِى يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ. فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِىَّ اللهِ، قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. فَدَفَعَ الصَّبِىَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يختلفوا فى غير الطافح أن طلاقه لازم، وإنما اختلف العلماء فى الطافح ومذهبنا إلزامه جميع أحكام الصحيح؛ لأنه أدخل ذلك على نفسه، وهو حقيقة مذهب الشافعى، وفرق بين الشارب المختار لا المستكره، ومن شرب ما لا يعلم أنه يسكره فسكر منه، فقال: هذا لا يلزمه شىء، وهو كالمغمى عليه فى أحكامه. وبعض متأخرى شيوخنا يذهب إلى أنه لا يلزمه إذا تحقق ذلك منه، كما قال الشافعى (¬1). وقوله: " فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر ": حجة لمالك وأصحابه فى الحد من وجود الريح، وهو قول جمهور أهل الحجاز، خلافاً للشافعى والكوفيين فى أنه لا يحد إلا من الشهادة على شربها أو قيئها. قال الثورى: أو يوجد سكراناً. واختلف أصحاب الشافعى فى هذا الوجه، وذهب بعضهم إلى أنه يحد المدمن بالريح بخلاف غيره. وقوله: " طهرنى "، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مم أطهرك؟ ": فيه حجة أن الحدود تكفر الذنوب، كما جاء فى الحديث الآخر من استغفار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، وشهادته له بالتوبة، وأنه لا توبة أفضل من توبته. وفى قوله فى الرواية الأخرى: " أزنيت؟ " قال: نعم، فأمر به فرجم، وفى الأخرى: فاعترف بالزنا، حجه ثلاث مرات، وفى الأخرى: فرده النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين، وفى الأخرى: مراراً، يضعف الحجة أربع مرات فى الإقرار؛ لاضطراب الرواية فيها بمآثره فى الصحيح. وفى قول الغامدية لما قالت له: طهرنى. فقال: " ويحك، ارجعى فاستغفرى الله وتوبى ". فقالت: أتردّدنى كما رددت ماعز بن مالك؟ قال؟ " وما ذاك؟ " قالت: إنى حبلى من الزنا: فيه نحو ما فى حديث ماعز من الحض على الستر. والغامدية بالغين ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 18/ 160 وما بعدها.

صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا. فَيُقْبِلُ خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا، فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا. فَقَالَ: " مَهْلاً يَا خَالِدُ! فَوَالَّذِى نَفْسِى بَيَدِهِ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبةً، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ". ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. 24 - (1696) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِى ابْنَ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو قِلَابَةَ؛ أَنَّ أَبَا الْمُهَلَّبِ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِى حُبْلَى مِنَ الزِّنَى. فَقَالَتْ: يَا نَبِىَّ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَىَّ. فَدَعَا نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا، فَقَالَ: " أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِى بِهَا "، فَفَعَلَ. فَأَمَرَ بِهَا نَبِىُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجمة وبالدال، كذا هو الصواب والرواية. وهى من غامد قبيلة من جهينة. ومن قال فيه بالعين المهملة وبالرافعة أخطأ وصحف. وقوله: " لا ترجمها حتى تضع ما فى بطنها "، فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت فرجمت: أصل فى أنه لا ترجم الحبلى حتى تضع، وأن حد المرأة إذا أحصنت الرجم كالرجل. وهذه - والله أعلم - كانت محصنة. إذ لا خلاف أنه لا يرجم غير المحصن، وأن لجنينها حرمة وإن كان من زنا. وكذلك كل من وجب عليه قصاص من النساء وهى بهذه السبيل، فحكمها أن تترك حتى تضع، إذ يتعدى القتل لغيرها. ولا خلاف فى هذا إلا ما حكى عن أبى حنيفة على اختلاف عنه. وفى قوله: " فكفلها رجل من الأنصار "، وفى الحديث الآخر: فدعا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليها فقال: " أحسن إليها، فإذا وضعت فائتنى بها " حجة أن من وجب عليه حد، وأجل لعذر كعذر هذه وشبهه، أن يسجن حتى يتمكن منه الحد، أو يكفل به بمن يأتى به إذا أمكن ذلك منه، كما فعل بهذه إذ لم يكن هناك بعد سجن. وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليها بالإحسان إليها رأفة بها؛ لتوبتها ووجوب المحنة عليها، بخلاف لو جاءت غير تائبة. وقوله لها: " لا، فاذهبى حتى تلدى " تقدم تفسيره، ومعناه: فإن لم تفعل كذا فافعل كذا، كأنه قال: إن أبيت أن تسترى على نفسك وترجعى عن قولك فاذهبى حتى تلدى فترجمى. وقوله لما ولدته: " اذهبى حتى ترضعيه ": اختلف العلماء ها هنا فى رجمها، فقال

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّى عَلَيْهَا يَا نَبِىَّ اللهِ، وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: " لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَّ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَى؟ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 25 - (1697/ 1698) حدّثنا قُتَيْبَةُ بَنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ؛ أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّ رَجُلاً مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك: إذا وضعت رجمت ولم ينتظر بها أن تكفل ولدها، قاله أبو حنيفة، وللشافعى - فى أحد قوليه. وروى عن مالك أيضاً: لا ترجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرضاع، وهو قول الشافعى الآخر وأحمد وإسحاق ومشهور قول مالك، والشافعى. وحقيقته أنها متى وجدت من ترضعه وتكفله رجمت، وإن لم يوجد لم ترجم حتى تفطمه، ثم ترجم. وقد اختلفت الآثار فى مسلم متى رجمت؟ أبعد الفطام أو قبله؟ إذا قال الرجل: " علىّ رضاعه " والروايتان حجة للقولين. وأما من حدها منهن الجلد، فهم متفقون أنها لا تجلد ما دامت حاملاً، كما قالوا فى الرجم إبقاءً على الجنين: فإذا [] (¬1) وضعت جلدت. واستحب أبو حنيفة أن تترك حتى تتخلص من نفاسها إذ حكمها حكم المريض وهو مذهبنا، ولا خلاف فى هذا (¬2). وقد أجمعوا أن المريض لا يجلد حتى يفيق (¬3). قال سحنون: وفى قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها: " أرضعيه ": دليل على أن على الإمام رضاع ابنها، إذ لم يكن له أب أو مال. قال الإمام - رحمه الله -: إذا كان لا يقبل غيرها ويخشى عليه التلف إن رجمت، يكون حالها حينئذ كحال الحامل فى التأخير، بل هذه أشد لأن حياة الولد مقطوع بها وحياته فى البطن غير مقطوع بها. وقد قال بعض الشيوخ: لو كان فى جيش المسلمين فى ¬

_ (¬1) كان هناك كلمة وضرب عليها بسهم. (¬2) انظر: الاستذكار 24/ 37، 38. (¬3) انظر: الحاوى 13/ 213.

الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْشُدُكَ اللهَ إِلَّا قَضَيْتَ لِى بِكِتَابِ اللهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ -: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَائْذَنْ لِى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُلْ ". قَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإنِّى أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ العِلْم فَأَخْبَرُونِى أَنَّمَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مَائةَ وَتَغْرِيبُ عَام، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْم. ـــــــــــــــــــــــــــــ أرض الحرب من زنا ويخاف إذا رجم أن يهلك الجيش أخر حدَّه، قياساً على الحامل. وقوله: " فشُكَّت عليها ثيابها ": أى جمعت. قال القاضى - رحمه الله -: ليس كل جمع شكاً، والشك إنما هو انتظام الشىء بغيره، ومنه شككت الصيد بالرمح: إذا انتظمته به، ومنه هذا جمعت عليها ثيابها وانتظمت بربط أو بشوك أو شبهه من الأخلة لئلا تنكشف عند حركتها. وكذا حكم المرأة أن يبالغ فى سترها. وقد اتفق العلماء أنها لا تحد إلا قاعدة. واختلفوا فى الرجل فجمهورهم على أنه يحد قائماً، ومالك يحده قاعداً، وبعضهم خير فيه الإمام كيفما شاء (¬1). واستحسن بعض العلماء وبعض أصحابنا أن تجعل المرأة فى قفة مبالغة فى سترها لئلا تضطرب فتنكشف. قال: ويجعل فيها رماد أو تراب وماء لئلا يكون منها شىء من حدث فيستتر فى ذلك. قوله: " ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها "، ونحوه فى بعض روايات حديث ماعز، وهو ظاهر قول أحمد، وحكى عن أبى حنيفة: وقال قتادة: يحفر لها، وهو قول أبى ثور وأبى حنيفة فى رواية، وأبى يوسف وأبى ثور - أيضاً - والشافعى. ووسع الشافعى - أيضاً - وابن وهب للإمام وخيراه فى ذلك لاختلاف الأحاديث فى ذلك (¬2). وقد ذكر مسلم اختلاف الأحاديث فى ذلك، ففى حديث ماعز فى رواية: " لم يحفر له "، وفى أخرى: " حفر له " وفى حديث الغامدية: " حفر لها ". واستدل مالك بحديث اليهوديتين وجوابه لهما، فجعل يحنى على المرأة، قال: ولو حفر لها لم يحن عليها. وكذلك استدلوا بقوله: " فلما أذلقته الحجارة هرب " ولو كان فى حفرة لم يمكنه ذلك. وقال بعض أصحابنا: لا يحفر للمقر لأنه له الرجوع، فإن هرب ترك. ويحفر للمشهود عليه. قوله: " إلى صدرها ": كذا عند من يرى الحفر. قال: يحفر له كالبئر إلى رفيفه. ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 12/ 311، الحاوى 13/ 202، 203. (¬2) انظر: الاستذكار 24/ 39، وانظر - أيضاً - السابق.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مَائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَاأُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ". قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ. (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، كُلَّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأمر الناس فرجموها ": فيه حجة أنه لا يلزم الإمام أن يبدأ بالرجم ولا يحضره. وهذا مما اختلف فيه العلماء، فمذهبنا أنه لا يلزم الإمام ولا الشهود أن يبتدئوا ولا يحضروا، وهو مذهب الشافعى. وحجتنا أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحضر أحداً ممن رجم، ولا يرجم ولا أمر الشهود بذلك. وذهب أبو حنيفة إلى حضور الإمام والشهود أنه إن كان الحد بالاعتراف أن يبدأ الإمام، وإن كان بالشهادة أن يبدأ الشهود، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وبعض شيوخنا المتأخرين (¬1). ومعنى قوله: " تفطمه " و " حتى فطمته ": أى قطعت رضاعه باستغنائه عنها، على ما تفسر فى الحديث من قوله: " أتته بالصبى وفى يده كسرة خبز، فقالت: يا رسول الله، هذا قد فطمته وأكل الطعام ". وقوله: " فتنضح الدم ": روايتنا بالحاء المهملة؛ وفى رواية أخرى بالخاء المعجمة، وهما صحيحتان، وكلاهما من الرش والصب، وبعضهما أقوى من بعض، على اختلاف فى ذلك تقدم فى كتاب الطهارة. وقوله: " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ": فيه دليل على عظيم ذنب صاحب المكس، وذلك لكثرة تباعات الناس عليه وظلامتهم قِبَله، وأخذه أموالهم بغير حقها، وسن سنة سيئة مستمرة استمرار الحقوق. وفيه وفى حديث ماعز دليل على أن التوبة لا تسقط حد الزنى والسرقة والخمر، إنما تنفع عند الله - تعالى - وأن التوبة لا تسقط حداً إلا حد الحرابة، وهذا قول الشافعى لقوله تعالى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِم} (¬2). ولم يقل مثله فى السارق، وإنما قال: {فَمَن تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّه ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 12/ 326. (¬2) المائدة: 34.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَتُوبُ عَلَيْه} (¬1)، وحكى الماوردى عن مالك أنه يسقط عنه كل حق إلا الدماء، وهو خطأ عليه، وقيل: لا تسقط التوبة عن المحارب حداً ولا حقاً، وهذا قول ابن عباس وغيره. وعن على: أنها تسقط عنه كل شىء. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يحد بالشهادة عليه بالزنا القديم، ولا بالإقرار بالسرقة القديمة. وروى عن الشافعى أن التوبة تسقط حد الخمر (¬2). وقوله: " فرجمت ثم صلى عليها "، قال الإمام - رحمه الله -: مالك يكره الصلاة للإمام على من قتل فى حد، وإنما ذلك على جهة الردع. وقد ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر هاهنا وجه صلاته عليها. قال القاضى - رحمه الله -: يريد صدق توبتها. وهذا يدل على كراهة صلاة أهل الفضل على أهل المعاصى، وهو مذهب مالك فى رواية ابن وهب، لكن لا يتركون بغير صلاة، ويصلى عليه أهله. وبقول مالك قال أحمد بن حنبل. ولم يختلف العلماء فى الصلاة على أهل الفسوق والمعاصى المقتولين فى الحدود، وإن كره بعضهم ذلك لأهل الفضل؛ ردعًا لأمثالهم، إذا رأى تجنب أهل الفضل الصلاة على مثله، إلا ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف فى المحاربين، إذا قتلوا أو صلبوا، وكذلك فى الفئة الباغية عندهم، وما ذهب إليه الحسن فى الميتة من نفاس الزنا لا يصلى عليها، وما ذهب إليه الحسن والزهرى فى المرجوم وفى قاتل نفسه أنه لا يصلى عليه، وما قاله قتادة فى ولد الزنا لا يصلى عليه. والناس كلهم على خلاف من ذكرنا فى هذه المسائل، وقد مضى منها فى الجنائز. وهذا الحديث وغيره حجة للكافة. ووقع فى حديث ابن أبى شيبة: " ثم أمر بها فصَلَّى عليها " بفتح الصاد واللام لجماعتهم. وعند الطبرى: " فصُلى عليها " بضم الصاد، وكذا فى كتاب أبى داود وابن أبى شيبة (¬3). وفى كتاب أبى داود - أيضاً -: " ثم أمرهم أن يصلوا عليها " (¬4)، لكن حديث أبى غسان بعده ظاهره أنه: عليه السلام - صلى عليها بنفسه لقوله: " ثم صلى عليها "، ولم يذكر مسلم صلاته عليها، عنه. قد ذكرها البخارى (¬5) وعلل هذه الرواية ¬

_ (¬1) المائدة: 39. (¬2) انظر: المغنى 12/ 484، 485. (¬3) مصنف ابن أبى شيبة، ك الحدود، ب من قال: إذا فجرت وهى حامل انتظر بها حتى تضع ثم ترجم 10/ 86 برقم (8858) أبو داود، ك الحدود، ب المرأة التى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمها من جهينة 2/ 462. (¬4) أبو داود، ك الحدود، ب المرأة التى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمها من جهينة 2/ 462. (¬5) البخارى، ك الحدود، ب الرجم بالمصلى 8/ 205.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عبد الله بن أبى صفرة فيما حكاه عنه المهلب أخوه، وقال: رواها محمد بن يحيى عن عبد الرزاق، عن معمر، وقال: فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيراً ولم يصل عليه " (¬1). ومحمد ابن يحيى أضبط من محمد بن غيلان، الذى روى الزيادة عنه عن عبد الرزاق عن معمر البخارى، قال: وتابع محمد بن يحيى ونوح بن حبيب، رواه عنهما النسائى. قال القاضى - رحمه الله -: وكذا رواه عبد الرزاق عن الحسن بن على ومحمد بن المتوكل. وهذه الأحاديث - فى أنه لم يصل - خرجها النسائى وأبو داود والترمذى وغيرهم (¬2). وما أرى ترك مسلم حديث محمد بن غيلان إلا لمخالفة هو له، مع أن مسلماً وغيره قد خرجوا حديث أبى سعيد، وفيه: " فما استغفر له ولا سبه "، وأين هذا من الصلاة عليه؟ قيل: يحتمل ذكر الصلاة على المرأة والصلاة على ماعز الدعاء لهما - والله أعلم - أو أضافت الصلاة إليه إذ أمر بها. قال الإمام - رحمه الله -: خرج مسلم فى هذا الحديث عن محمد بن العلاء، عن يحيى بن يعلى بن الحارث، عن غيلان - وهو ابن جامع. هكذا فى نسخة ابن العلاء وغيره، والصواب ما فى نسخة الدمشقى: عن يحيى بن يعلى، عن أبيه، عن غيلان، وهو الصواب. قد نبه عليه عبد الغنى على الساقط من هذا الإسناد فى نسخة أبى العلاء. ووقع فى كتاب الزكاة من السنن لأبى داود: نا عثمان بن أبى ليلى، نا يحيى بن يعلى، نا أبى، نا غيلان، عن جعفر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّة} الآية (¬3). فهذا السند يشهد بصحة ما تقدم. قال البخارى فى تاريخه: يحيى بن يعلى سمع أباه وزائدة بن قدامة (¬4). قال القاضى - رحمه الله -: فى حديث ماعز والغامدية - حين قال كل واحد له منهما: طهرنى -: " ارجع فاستغفر الله ": دليل على وجوب الستر على المسلم، وأن السؤال والاستفسار عن اللفظ المبهم فى شكل هذا غير واجب، بل قال فيه بعضهم: إنه لا يحل لأنه من باب التجسس وكشف المسلم. والنبى - عليه السلام - قد ردهما ولم يستفسرهما حتى ألحّا وصرحت الغامدية. وفيه أن الحد لا يجب إلا بالتصريح البين، لا بالكناية واللفظ المبهم والمحتمل. ¬

_ (¬1) النسائى فى الكبرى، ك الرجم، ب ذكر الاختلاف على الزهرى فى حديث ماعز 4/ 280 برقم (7176). (¬2) انظر: السابق، وأبو داود، ك الحدود، ب رجم ماعز بن مالك 2/ 457، الترمذى، ك الحدود، ب ما جاء فى درء الحد عن المعترف إذا رجع 4/ 36 برقم (1429). (¬3) التوبة: 34. والحديث فى أبى داود، ك الزكاة، ب فى حقوق المال 1/ 385 برقم (1664). (¬4) البخارى فى التاريخ 8/ 311 (3139).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث الأعرابى: أنشدك الله إلا قضيت بكتاب الله، فقال الآخر - وهو أفقه منه -: نعم فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لى. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل "، وفى الموطأ وغيره: " وأذن لى فى أن أتكلم " (¬1): ومعنى " أنشدك الله ": أى أسالك به. قوله " بكتاب الله ": قيل: بحكم الله، وقيل: بفرض الله، وقيل بما تضمنه كتاب الله من القضاء بالحق أو فى حكم الزانى البكر والمحصن، على ما ذكر عمر أنه كان مما يتلى. وقوله: " موافقتهما " إما لأنه كان بتلك الصفة، أو يكون لوصفه القضية على وجهها، أو لقوله: " وأذن لى فى أن أتكلم " تزاد به فى سؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحذره الوقوع فى النهى من التقدم بين يديه، ومخاطبته بخطاب بعضهم بعضاً ضد ما فعل الآخر من قوله: " أنشدك الله " وكلامه له بجفاء الأعراب. وقوله: " إن ابنى كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته "، قال الإمام - رحمه الله -: العسيف: الأجير، وجمعه عسفاء، نحو أجير وأجراء، وفقيه وفقهاء. أما قوله: " لأقضين بينكما بكتاب الله ": يحتمل أن يكون المراد به قضية الله تعالى والكتاب يكون بمعنى القضاء، ومن الناس من قال: فإن الرجم مشار إليه فى الكتاب بقوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} (¬2)، وقد قال فى الحديث المتقدم: قد جعل الله لهن سبيلاً، وذكر الرجم. وقيل: قد كان الرجم مما يقرأ من القرآن ثم نسخ، وهو قوله: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ". وقوله: " فسألت أهل العلم " ولم ينكر عليه فيه جواز الاستفتاء لمن كان مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مصر واحد، وإن كان يجوز على غير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخطأ والحيف عن الحق ما لا يجوز عليه، وهذا كالاقتصار على الظن مع القدرة على اليقين. وقد يتعلق به من أهل الأصول من يجوز استفتاء الفقيه، وإن كان هناك أفقه منه. وقد قال بعضهم: لِمَ لَمْ يجده للمرأة، وقد قال: فزنا بامرأته؟ وهذا لأنها اعترفت فرجمها. قال القاضى - رحمه الله -: قيل فى قوله: " لأقضين بينكما بكتاب الله ": يحتمل فى بعض صلحكما الباطل الفاسد؛ لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِل} (¬3)، ويحتمل أن يريد بما قرأه فى كتاب الله تعالى من قوله: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة} (¬4)، وبما كان يتلى من الرجم فى المرأة. وفى حد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنه، وإن لم يجز ¬

_ (¬1) موطأ مالك، ك الحدود، ب ما جاء فى الرجم 2/ 822، أبو داود، ك الحدود، ب فى المرأة التى أمر النبى برجمها من جهينة 2/ 461، الترمذى، ك الحدود، ب ما جاء فى الرجم على الثيب 4/ 39. (¬2) النساء: 15. (¬3) البقرة: 188. (¬4) النور: 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الحديث لإقراره ولا للشهادة عليه ذكر، قال: ما يدل أنه لابد من صحة اعترافه بذلك. فإنما أغفل ذلك الراوى أو عول فى تركه على علم السامع بذلك؛ أنه لا يؤخذ أحد بغير إقراره إلا لو تمت الشهادة عليه لأنه يردها ذا الفضل من [العضل] (¬1) الحديث. وإنما فهم المقصود منه فسخ الصلح الحرام، وإقامة الحدود على الزناة. وفى الحديث ضروب من الفقه سوى ما تقدم منها: أن أولى الناس بالقضاء منهم الخليفة إذا كان عالماً بوجوه القضاء، وأن الحكم بالرجم وشبهه - من حدود القتل والنفس - إنما يكون بحضرة الإمام وبين يديه، ووجوب الأدب مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخليفة وأهل العلم، وللناظرين بين الناس فى استبذالهم فى السؤال والإخبار عن قصصهم؛ إذ قد يكون فى بعض الأوقات بسبيل عذر وتحت شغل، أو ليتكلم من ليس له الكلام أولاً، إذ هو الداعى للإنصاف فهو المتكلم أولاً. قال الخطابى: وفيه أن للإمام إذا اجتمع الخصمان بين يديه أن يبيح الكلام لمن شاء منهما، وفيه أن كل صلح خالف السنة لا يدخل فى ملك قابضه، وفيه أن الحدود لا يصالح فيها ولا يمض الصلح. ولا خلاف عندنا فى ذلك فيما تعلق بحق الله تعالى محضاً؛ كحق الحرابة والزنا والردة والسرقة، بلغ السلطان أم لا؛ لأنه أكل مالٍ بالباطل فى إبطال حد إن بلغ السلطان، أو أكل مال على ألا يبلغ وهو حرام ورشوة. واختلف عندنا فى الصلح عما تعلق منه بحق العباد فى الأعراض بعد رفعه؛ كحد القذف. ففيه قولان وإن كان يكره بكل حال؛ لأنه أكل مال فى ثمن عرض. ولا خلاف أنه يجوز قبل رفعه. ولم يختلف فى جواز ما كان منه فى [الأبد أن] (*) من القصاص فى الجراح والنفس؛ أن الصلح فيه جائز لا يرد بما اتفق عليه. وفيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحضر الرجم وهو الإمام، وقد تقدم الخلاف فى ذلك، ولا ذكر الحفر للمرجوم. وفيه رجم الثيب دون جلده، وجلد البكر ونفيه، وقد تقدم هذا. وفيه من الفقه سؤال الإمام إذا قذف عنده قاذف المقذوف، فإن اعترف حد ودرئ عن القاذف الحد، وإن أنكر وأراد ستراً سقط الحد عنهما، وإلا سئل القاذف البينة، وإلا حد للقذف، كما وجه النبى أنيسًا للمرأة. فأما لو شهد عند الإمام أن فلاناً قذف فلاناً فلا يحده الإمام حتى يطلبه المقذوف. وعند أبى حنيفة والشافعى والأوزاعى، وقال مالك: يرسل إليه، فإن أراد ستراً تركه وإلا حده. وقد اختلف قول مالك فى عفوه وإن لم يرد ستراً. ¬

_ (¬1) ضرب عليها بخط فى الأصل. (*) قال معد الكتاب للشاملة: تصحيف، ولعل صوابه: "الأبدان"، والله أعلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه قبول خبر الواحد. وفيه استتابة الحاكم غيره فى مثل هذه وشبهه، وهو أمثل فى اتخاذ القضاء والحاكم، وأصل فى وجوب الإعذار. وفى جوازه لو حد فى ذلك عندنا قولان. وقد يمكن أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت عنده اعترافهما بذلك شهادة هذين الرجلين، فكان توجيه أنيس لهذا إعذاراً لها. وقد احتج به قوم فى جواز حكم الحاكم فى الحدود وغيرها. بما أقر به عنده الخصم، وهو أحد قولى الشافعى فى إقامة الحد بذلك، وقول أبى ثور وفى الحد بذلك. والجمهور على خلافه. وإنما اختلفوا كثيراً فى غير الحدود. وعندنا فى هذا قولان ولا حجة فيه للمخالف؛ إذ ليس فيه بيان، ويحمل قوله: " فإن اعترفت " على الإعذار فيما ثبت قبل واعتراف على ما عهد بالبينة. ويحتمل قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنيس: " فارجمها " أى قد وجب عليها الرجم بعد مطالعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باعترافهما وأمره بذلك، ويحتمل أنه فوض الأمر كله إلى أنيس فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقولها - إن كان لم يثبت بعد - فقد جعل إليه الحكم فيها، هذا يدل على أن أنيساً وحده لا ينفرد بأمرها؛ إذ لابد من حضور جماعة لإقامة الحد عليها. وفى الحديث: " فاعترفت فأمر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجمت "، فدل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم فيها بعد ما أعلمه أنيس بما صح عنده من اعترافها. فيه: أنه لم يفرق بين الزانية وزوجها، ولا أمر بتكرار الاعتراف منها. وقيل: فيه دليل على صحة الإجازة. وقيل: فيه تأخير الحدود إذا ضاق الوقت إلى أوسع منه؛ لقوله: " واغد يا أنيس ". قال القاضى: وليس بين إن لم يأت أن هذا كان عشاء. " واغد " بمعنى: سر أى وقت كان، معروفاً فى كلام العرب. وفيه الاكتفاء بمجرد الإقرار دون مراعاة عدد كما تقدم، وليس فيه جلد مع الرجم. وفيه مراعاة الإحصان فى الرجم وقد صحت فى هذه المرأة، وأنها متزوجة. ولعل حال الدخول بها - وقد صحت فى هذه المرأة - كان معروفاً أو طول الإقامة مع الزوج أو وجود الولد، فاستغنى عن ذكره فى الحديث. وقد جاء فى الحديث المتقدم قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمعترف له: " هل أحصنت؟ ". ولم يختلف العلماء فى مراعاة الإحصان للمرجوم، واختلفوا فى صفته، وما هو؟ فعند مالك أنها الوطء المباح بعقد صحيح تام لحر مسلم عاقل حين وطئه بالغ (¬1)، ولم يراع هذه الصفات فى الزوجة الموطوءة كيف كانت؛ أمة أو كافرة أو مجنونة أو صغيرة. ويراعى الصفات فيها هى إن زنت بعد الإحصان كالرجل، إلا إذا كان زوجها صبياً غير بالغ فلا يحصنها بخلاف الصبية مع البالغ. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 61 ما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف أصحابنا فى الوطء المكروه والممنوع فى النكاح الصحيح، هل يحصن أم لا؟ ولم يشترط بعضهم العقل جملة فى واحد منهما، وبعضهم اشترطه فى الرجل دون المرأة. قال: فإذا كان عاقلاً كان إحصاناً لهما إذا كانت مجنونة، وإن كان مجنوناً لم يكن منهما إحصان وإن كانت عاقلة. ولم يراع أبو حنيفة الوطء المحظور مع موافقته لنا فى شروط الإحصان، وراعاه الشافعى ولم يجعل به إحصاناً، ولم يشترط هو ولا أحمد فى الإحصان الإسلام فى نكاح الزوجين. واختلف أصحاب الشافعى فى الحرية والبلوغ، فمنهم من جعل النكاح دون ذلك إحصاناً، ومنهم من لم يجعله، ومنهم من فرق فجعل البلوغ شرطاً لازماً للحرية، ومنهم من عكس. ولم يشترط أبو يوسف وابن أبى ليلى فى الإحصان الحرية إذا كانت الزوجة حرة، فلم يراع الوطء الممنوع. وقال الليث والثورى نحو قول مالك، إلا أن الليث لا يراعى الوطء الممنوع (¬1). ¬

_ (¬1) انظر السابق.

(6) باب رجم اليهود، أهل الذمة، فى الزنى

(6) باب رجم اليهود، أهل الذمة، فى الزنى 26 - (1699) حدّثنى الْحَكَمُ بْنُ موُسَى أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ ناَفِعِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِىَ بِيَهُودِىٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ. فَقَالَ: " مَا تَجِدُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث اليهوديين اللذين زنيا، وأنه - عليه السلام - رجمهما، قال الإمام - رحمه الله -: من الناس من يقول: إن إحصان الكافر يعد إحصاناً وتعلق بهذا الحديث، ومالك لا يراه إحصاناً، ويحمل هذا على أنه لم تكن له ذمة، فكان دمه مباحاً. ولكنه يعرض على هذا عندى برجمه للمرأة، ولعله يقول: كان هذا قبل النهى عن قتل النساء. قال القاضى - رحمه الله -: وقيل فى رجم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليهوديين لأنهم هم تحاكموا إلينا، وطلبوا ذلك منا؛ بدليل قوله فى الموطأ: " جاءت اليهود إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا له أنَّ رجلاً منهم وامرأة زنيا (¬1) فعندنا أنهم إذا أتوا هكذا أن الحاكم مخير، إن شاء حكم بينهم وإن شاء لم يحكم. فإن حكم حكم بحكم الإسلام، ذلك برأى المحكوم عليه منهما ورأى أساقفتهم ورهبانهم، وهو دليل قوله: " جاءت اليهود ". فى غير الام: أن أحبارهم أمروهم بذلك، ويتخير الحاكم فى الحكم بينهم، قاله الشافعى وجماعة من السلف، وحجتهم قوله تعالى: {فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُم} (¬2). وقال أبو حنيفة. يحكم بينهم بكل حال، وقاله جماعة من السلف، وهو قول الزهرى وعمر بن عبد العزيز، وروى عن ابن عباس والحكم وأحد قولى الشافعى (¬3). ثم اختلف أصحابنا وأصحاب أبو حنيفة، هل يحكم بين المتحاكمين منهم بمجىء أحدهما؟ أو حتى يجيئا معاً؟ أو حتى يعلمهما بما يحكم به ويرضيان به وقال الشافعى - أيضاً -: لا يحكم بينهم فى الحدود وحكم النبى بما حكم عليهما يحتمل أنه بحكم دينهما، وأنه لم يكن بعدُ نزل حكم الزنا عليهم، وكذلك قال بعض العلماء، قال: ولا يتفق لنا نحن اليوم بذلك. وقال بعض أصحابنا، ويدل عليه قوله فى غير مسلم (¬4) حين قدم ¬

_ (¬1) انظر: مالك فى الموطأ، ك الحدود، ب ما جاء فى الرجم 2/ 819. (¬2) المائدة: 42. (¬3) انظر: الاستذكار 24/ 12 وما بعدها. (¬4) أبو داود، ك الحدود، ب فى رجم اليهوديين 2/ 463.

فِى التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟ ". قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وهذا يدل أنه فى أول الأمر وسؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم عما فى التوراة. قيل: هذا يحتمل أنه قد علم به بالوحى، وأنه مما لم يغيروه منها؛ ولهذا ما لم يخف عليه حين كتموه، أو أن يكون علم ذلك ممن وفق ممن أسلم من علمائهم. وفى الصحيح أن عبد الله بن سلام قال له: إن فيها الرجم. (¬1) ويحتمل أن يكون سألهم عن ذلك استخباراً عما عندهم ثم يستعلم صحته من قبل الله تعالى، ويكون حكمه بما فى التوراة، إما لأنهم رضوا بذلك وصرفوا حكمهم إليه، أو لأن شرع من قبلنا لازم لنا ما لم ينسخ على أحد القولين لأهل الأصول. قد قيل: إن هذا كان خصوصاً للنبى - عليه السلام - إذ لا فضل عن أى معرفة ما أنزل عليهم، وللإجماع أن أحداً لم يعمل به بعده لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِين أَسْلَمُوا لِلِّذِينَ هَادُوا} (¬2). وقد احتج الدارقطنى وأبو داود وغيرهما وبعضهم يزيد على بعض حديث اليهوديين مبيناً، وفيه: فقال لهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتونى بأعلم رجلين فيكم "، فأتوه بابنى صوريا. وفيه: أنه سألهما: " كيف تجدون حدهما فى التوراة؟ ". فقالا: الرجل مع المرأة ريبة وفيه عقوبة، والرجل على بطن المرأة ريبة وفيه عقوبة، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يدخله فيها كالمرود فى المكحلة رجم. قال: " ائتونى بالشهداء "، فشهد أربعة فرجمهما (¬3). قال الدارقطنى تفرد به مجالد عن الشعبى وليس بالقوى. وقولهم: " نسود وجوههما ونحملهما " كذا للعذرى والسمرقندى، وعند السجزى: " نجملهما " بالجيم المفتوحة، وعند الطبرى: " نحملهما " بالحاء الساكنة. قال الإمام: المحمم: المسوَد الوجه، وهو مفعل من الحمم، والحمم: الفحم، واحدتها حممة. قال القاضى: فمن رواه: " نحممهما " فهذا معناه، ومن رواه: " نجملهما " بالجيم فمعناه: نحملهما على الجمال، كما قال فى الرواية الأخرى:، نُحَمِّلْهُمَا ". وقوله: " ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما ": هذا كله مبالغة فى التنكيل بهما. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحدود، ب الرجم فى البلاط 8/ 205، النسائى فى الكبرى، ك الرجم، ب إقامة الإمام الحد على أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه 4/ 293 برقم (7213). (¬2) المائدة: 44. (¬3) أبو داود، ك الحدود، ب فى رجم اليهوديين 2/ 466.

بَيْنَ وجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا. قَالَ: " فَأتُوا بِالتَّوْرَاةِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ "، فَجَاؤُوا بِهَا فَقَرؤُوهَا، حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ، وَضَعَ الْفَتَى - الَّذِى يَقْرَأُ - يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، وَقَرَأَ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا وَرَاَءَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ - وَهُوَ مَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَهُ. فَرَفَعَهَا، فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرُجِمَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُمَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَقِيهَا مِنَ الْحِجَارَةِ بِنَفْسِهِ. 27 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَم فِى الزِّنَى يَهُودِيَّيْنِ، رَجَلاً وَامْرَأَةً زَنَيَا. فَأَتَتِ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَهِمَا. وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قال كثير من أهل العلم بمثل هذا فى شاهد الزور من عظم حرمته فى التعزير، وأنه يحمم وجهه ويحلق رأسه، ويطاف به، وروى عن ابن الخطاب، وفعل ذلك فى شاهد الزور بعض قضاة البصرة وحلق نصف رأسه، ولم ير مالك فى آخرين حلق الرأس ولا التحميم. وقوله: " فأمر بهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فرجما ": حجة على ما تقدم من أنه لا يلزم الإمام تولى ذلك بنفسه، وإنما يكل الرجم إلى المسلمين، ومضى ما فيه من الخلاف. ورجم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما وهما كافران مضى الكلام فيه، وبه يحتج من قال: لا يشترط الإسلام فى الإحصان، وهو قول أبى يوسف وابن أبى ليلى على الجملة، وهو قول أبى حنيفة فى الذميين وأن إحصانهم إحصان، وأحد قولى الشافعى، وتقدم قول مالك (¬1): إنما ذلك لأنهم كانوا غير أهل ذمة حينئذ، وتحاكموا إليه. قال الطحاوى: وإذا كان ذلك فيمن له ذمة أخرى (¬2). وقوله: " فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه ": حجة لمن يقول: لا يحفر له كما ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 61 وما بعدها. (¬2) انظر: الاستذكار 24/ 17 وما بعدها، التمهيد 14/ 392 وما بعدها.

(...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ. 28 - (1700) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِىٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُوَدًا، فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِى فِى كِتَابِكُمْ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: " أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِى فِى كِتَابِكُمْ؟ ". قَالَ: لَا، وَلَولَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِى بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِى أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وِإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم، وفيه حجة أنه لا يربط ولا تشتد يداه. وقوله: " يترك له يداه يتقى بهما " ولم يذكر فى الحديث فى الأم من أين استحق - عليه السلام - عليهما الزنا. وقد ذكر أبو داود أنه شهد عليهما أربعة أنهم رأوا ذَكَرَهُ فى فرجها. وقوله فى الحديث الآخر عن البراء بن عازب: مر على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهودى محمماً، وسؤاله إياهم وذكرهم ما أحدثوه فى ذلك من التحميم، والجلد فى أشرافهم، فقال: " اللهم إنى أول من أحيا أمرك إذ أماتوه " فأمر به فرجم: ليس فيه إن - شاء الله - مخالفة لما تقدم من أنهم حكموه، ولا حجة للمخالف فى إقامة حد الزنا على الكتابيين وإن لم يحكمونا لما فى آخر الحديث: فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر} إلى قوله: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} (¬1) يقول: ائتوا محمدًا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون} (¬2)، فهذا من نفس هذا الحديث بيان أنهم حكموه، واختصرها الراوى. فيحتمل أن التحكيم كان بعد أن مروا عليه، وأنكر عليهم فعلهم، والله أعلم. ¬

_ (¬1) المائدة: 41. (¬2) المائدة: 44.

أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ. قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَىءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَالَ: رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ، إِنَّى أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ "، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يَسَارِعُونَ فِي الْكفْرِ} إلى قوله {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوه} (¬1) يَقُولُ: ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرونَ} (¬2)، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (¬3) {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬4) فِى الْكُفَّارِ كُلُّهَا. (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. إِلَى قَوْلِهِ: فَأَمَرَ بِهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: مَا بَعْدَهُ مِنْ نُزُولِ الآيَةِ. 28 م - (1701) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: رَجَمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ، وَرجُلاً مِنَ الْيَهُودِ، وَامْرَأَتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد احتج بهذا الحديث من يرى على الإمام إقامة حد الزنا على الذميين إذا زنيا، وهو قول أبى حنيفة وأحد قولى الشافعى (¬5). وحجة من قال بهذا القول قوله تعالى: {وأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّه} (¬6) وجعلوها ناسخة لآية التخيير، وهو قول ابن عباس فى آخرين وقال مالك: إذا زنا أهل الذمة فلا يعرض عليهم الإمام ويردهم إلى أهل دينهم، إلا أن يظهر منهم ذلك بين المسلمين ويضروهم بذلك فيمنعوا، وهو قول جماعة من العلماء، وأحد قولى الشافعى وأبى ثور فى آخرين. وقال مالك: إذا زنا أهل الذمة فلا يعرض عليهم الإمام. وذهب المغيرة من أصحابنا إلى أنهما يحدان حد البكر كيف كانا. وقد بينا ¬

_ (¬1) المائدة: 41. (¬2) المائدة: 44. (¬3) المائدة: 45. (¬4) المائدة: 47. (¬5) انظر: الاستذكار 24/ 17 وما بعدها. (¬6) المائدة: 49.

(...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَامْرَأَةً. 29 - (1702) حدّثنا أبوُ كَامِلٍ الْجَحْدَرىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِىِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى: هَلْ رَجَمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: بَعْدَ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ أَمْ قَبْلَهَا؟ قَالَ: لا أَدْرِى. 30 - (1703) وحدّثنى عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِىُّ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا. ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا. ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا، وَلَو بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ ". 31 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِىُّ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّان، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِلا أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ قَالَ فِى حَدِيِثِهِ: عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه لا حجة لهم بهذا الحديث لما فيه من أنهم حكموا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1)، وأما الإتيان فحكمان عند هؤلاء وهو قول عطاء والحسن وليس المعنى عندهم بقوله: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّه} (¬2) على الوجوب، وإنما هو بمعنى الذى فى آخر الآية الأولى ومعطوف عليها فى قوله: {فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُم} إلى قوله: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْط} (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 24/ 17 ما بعدها. (¬2) المائدة: 49. (¬3) المائدة: 41.

سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى جَلْدِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ ثَلاثاً: " ثُمَّ لْيَبِعْهَا فِى الرَّابِعَةِ ". 32 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ؟ قَالَ: " إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لا أَدْرِى، أَبَعدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ. وَقَالَ الْقَعْنَبِىُّ، فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ. 33 - (1704) وحدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ ابْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ: وَالضَّفِيرُ: الْحَبْلُ. (...) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَالشَّكُّ فِى حَدِيِثِهِمَا جَمِيعًا، فِى بَيْعِهَا فِى الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم مرت التلاوة فى هذه القصة وما تعلق بها، ثم أكد الحكم بينهم بالقسط وبما أنزل الله إن حكم، واختار ذلك من الأمرين فمعناه عندهم: وأن احكم بينهم بما أنزل الله إن حكمت كما قال: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} (¬1). ¬

_ (¬1) المائدة: 42.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رجم رجلاً من اليهود وامرأته " أى صاحبته، ولم يرد زوجته، وفى الرواية الآخرى: " وامرأة ". وقوله: رجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: نعم. قلت: بعد ما أنزلت سورة النور أم قبلها؟ قال: " لا أدرى ": اختلف السلف والعلماء فى آية النور، هل هى ناسخة لآيتى النساء، قوله: {فَاَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوت} (¬1) وقوله: {فَآذُوهُمَا}؟ (¬2) قيل: بالقول والضرب بالأيدى، وقيل: هى منسوخة بحكم الرجم الثابت، وقيل: هى محكمة لا منسوخة ولا ناسخة، وأنها فى البكرين ثابتة الحكم، وآية النساء فى المحصنين، وأن الآية الأخرى من آيتى النساء ناسخة للأولى، ثم نسخ ذلك آية النور فى البكرين وحكم الرجم فى المحصنين. وقوله: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يُثَرِّب عليها "، قال الإمام: فيه حجة لنا أن السيد يقيم على عبده الحد فى الزنا خلافاً لمن منعه. قال القاضى: جمهور العلماء على ما ذهب إليه مالك من إقامة السيد الحد على عبده، وأمته فى الزنا، وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين خلافاً لأهل الرأى والسنة من هذا الحديث وشبهه فقطع آراءهم. واختلف القائلون بإقامة الحد فى الزنا فى إقامة الحد عليه فى القطع، مع اتفاق هؤلاء أن حدود الجلد كلها كحد الزنا يقيمها السيد. فقال الشافعى.: يقطع يد عبده، وقاله بعض أصحابنا إذا قامت على السرقة بينة. ومنع ذلك مالك وغيره فى القتل والقطع وقصاص الأعضاء؛ مخافة أن يمثل بعبده، ويدعى أنه أقام عليه حداً لئلا يعتق عليه، وأن ذلك للإمام. " فليجلدها الحد ": دليل على وجوب الحد على العبيد فى الزنا، خلافاً لمن قال غير ذلك كما سنذكره (¬3). وقوله: " فتبين زناها ": بين فى أن الحد لا يكون إلا بعد الثبات والبيان التام وصفة الشهادة عليها على ما يكون على غيرها، وهل يكتفى فى ذلك السيد بعلمه؟ عندنا فى ذلك روايتان: الحد وإقامته وسقوطه عندنا، كانت ذات زوج أم لا. وعن ابن عمر: إن كانت ذات زوج رفع أمرها إلى السلطان. وقوله: " ولا يثرب عليها ": التثريب: التوبيخ والمؤاخذة بالذنب، هذا حكم فى هذا الباب وشبهه من ترك التعبير لأصحاب الذنوب بما سلف منهم، والمؤاخذة لهم بما قد ¬

_ (¬1) النساء: 15. (¬2) النساء: 16. (¬3) انظر: الاستذكار 24/ 107 وما بعدها، المغنى 12/ 334 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حدوا فيه وعوقبوا عليه، ولومهم على ما سلف منهم وتوبيخهم عليه؛ إذ لم يكونوا موافقين له فى الحين. وأيضاً فإن فى تكرار ذلك على الإماء والنساء سقوط بحشمتهن وكشف ستر الحياء بينهن وبين ساداتهن، حتى تسقط هيبتهن لهم فى ذلك فيكون سبب العود له؛ لأن الشىء إذا أكثر من ذكره أنس به ولم يبال عنه. وقوله: " ثم إن زنت فاجلدوها ": سنة فيمن تكرر منه الزنا وشبهه من المعاصى بعد حده عليها إن تكرر حده، ولا يسقطه الحد الأول. وقوله: " ثم إن زنت مرة فليبعها ولو بضفير ": جاء مفسراً فى الرواية الأخرى: " فليبعها ولو بحبل من شعر " وكل حبل ضفير، وكذلك كل ما ضفر وفتل حض على بيعها وتأكيد فى الخروج عن ملكها البعد عن صحبتها بعد الرابعة، وليس ذلك بواجب عند جمهور العلماء، خلافاً لداود وأهل الظاهر فى وجوبه، وفى هذا مجانبة أهل المعاصى ومباعدتهم. قالوا: وفيه جواز التغابن وبيع الخطير بالثمن اليسير. ولا خلاف فى هذا مع العلم به، إنما الخلاف إذا كان عن جهالة من الغبون. وعندنا فى ذلك قولان: المعنى كيف كان والالتفات إلى الخروج عن عادة الناس فى التغابن إلى ما يكثر ويسمح فيرد وحده قائل هذا بالزيادة على ثلث الثمن والنقص منه، وليس فى الحديث عندى ما يستدل به على المسألة، وإنما هذا على طريق المبالغة فى بيعها بما أمكن، ولا تحبس ليرصد بها ما يرضى من الثمن. وقوله فى رواية مالك فى الحديث: أنه - عليه السلام - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فقال: " اجلدها ". كذا فى حديث مالك. قال الطحاوى: لم يقله غير مالك. قال غيره: قد رواه كذلك ولم يخص ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما قال مالك. واختلف فى معنى الإحصان هنا فقيل: الحرية، وقيل: التزويج، وقيل: الإسلام، وهذا على الاختلاف فى قوله تعالى فيهن: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَة} الآية (¬1)، قرئ بفتح الهمزة والصاد وبضم الهمزة وكسر الصاد. واختلف فى تفسير ذلك، هل هما بمعنى التزويج أو الإسلام؟ أو هما بمعنيين؟ بالفتح: الإسلام، وبالضم التزويج، وبحسب ذلك اختلف العلماء فى حد الأمة إذا زنت. فروى عن ابن عباس وبعض السلف: لا حد على أمة فى الزنا حتى تحصن بزوج، ولا حد على عبد، وهو مذهب أبى عبيد وذلك على قراءة " حصن " بالضم. وذهب الجمهور من السلف وفقهاء الأمصار فى أنها تحد نصف حد الحرة، كانت بزوج أم لا (¬2) وهذا الحديث حجة لهم، وحديث على المذكور بعد هذا وفيه: ¬

_ (¬1) النساء: 25. (¬2) انظر: الاستذكار 24/ 101 وما بعدها، المغنى 12/ 331.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ " من أحصن منهم ومن لم يحصن ". وقالوا: أحصنت معناه: أسلمت، وقد روى عن عمر بن الخطاب جلدهن فى الزنا. وروى عنه - أيضاً - ما ظاهره لا حد على أمة، وروى نحوه عن ابن عباس أيضاً، وروى عنه: حتى تحصن تحد. قاله طاووس وعطاء وابن جريج (¬1)، ذلك من لم يوجب الحد إذا لم يحصن، ويتأوله أنه إذا لم يسلمن يرى العقوبة، ويتأول قوله فى هذا الحديث: " فاجلدوها " ولم يقل: فحدوها. قوله فى الحديث الأول: " فليجلدها الحد "، ففسره وقال القاضى أبو القاسم: هما حديثان فى أمتين، أحدهما: مسلمة تحد: والأخرى: كافرة لم تحصن، أى لم تسلم: تعاقب. ¬

_ (¬1) انظر: السابق.

(7) باب تأخير الحد عن النفساء

(7) باب تأخير الحد عن النفساء 34 - (1705) حدّثنا مُحمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْر الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو دَاُودَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ السُّدِّىِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: خَطَبَ عَلِىٌّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُم الْحَدَّ، مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ، فَأَمَرَنِى أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِىَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِنفَاسٍ، فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَحْسَنْتَ ". (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّىِّ، بِهَذَا الإِسْنَاد. وَلَمْ يَذْكُرْ: مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ. وَزَادَ فِى الْحَدِيثِ: " اتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقول على: " أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن ": هذا قولنا فى إقامة الحد على الأمة وإن لم يكن لها زوج، خلافاً لمن أَبَىَ ذلك واعتقد أن فى شرط حدها إحصانها بالتزويج، وتأول قراءة من قرأ: " إذا أحصن " بفتح الهمزة والصاد على معنى التزويج، وقد تقدم الحديث المذكور فيه: " إذا زنت فاجلدوها " ولم يفرق. وفى بعض طرقه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عن الأمة إذا زنت ولم تحصن: " إن زنت فاجلدوها ". قال القاضى: وفى قوله: إن أمة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زنت فأمرنى أن أجلدها، فإذا هى حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أحسنت ": حجة لما تقدم أنه لا يحد بالجلد المريض والنفساء حتى تستقل من نفاسها لأنه مرض، وأما من حده القتل فيحد كل حين لارتفاع العلة.

(8) باب حد الخمر

(8) باب حد الخمر 35 - (1706) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمْعِتُ قَتاَدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ، نَحْوَ أَرْبَعِينَ. قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْن الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: أُتِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 36 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتاَدَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِى الْخَمْرَ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيَفِ وَالْقُرَى، قَالَ: مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلد فى الخمر بجريدتين نحو أربعين، وفعله أبو بكر، وأن عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن: " أخف الحدود ثمانين (¬1) "، فأمر به عمر، وفى الرواية الأخرى: أنه - عليه السلام - كان يضرب فى الخمر بالنعال والجريد أربعين، وذكر قول على: " جلد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة ". قال الإمام - رحمه الله -: لو فهمت الصحابة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حداً محدوداً فى الخمر لما عملت فيه برأيها ولا خالفته، كما لم تفعل ذلك فى سائر الحدود، ولعلهم فهموا أنه - عليه السلام - فعل ذلك على موجب اجتهاده فيمن فعل فيه ذلك. قال القاضى - رحمه الله -: أجمع المسلمون على وجوب الحد فى الخمر، وأجمعوا أنه لا يقتل إذا تكرر منه ذلك، إلا طائفة شاذة قالوا: يقتل بعد حده أربع مرات، الحديث الوارد فى ذلك وهو عند الكافة منسوخ بقوله - عليه السلام -: " لا يحل دم مسلم ¬

_ (¬1) فى الأصل: ثمانون.

تَرَوْنَ فِى جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ. قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 37 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النُّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ فِى الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيَدِ أَرْبَعِينَ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيِثِهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرِ: الرِّيفَ وَالْقُرَى. 38 - (1707) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا بثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزانى، والتارك لدينه المفارق " (¬1) وحديث النعمان وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حده ثلاث مرات ولم يقتله، ونهى عن لعنه، ودل على نسخه إجماع الصحابة على ترك العمل به. واختلفوا فى تفصيله وقدره، فمذهب الجمهور من السلف والفقهاء؛ مالك وأبى حنيفة والثورى والأوزاعى وأحمد وإسحاق والشافعى مرة وغيرهم: أن حده ثمانون جلدة. وقال الشافعى - أيضاً - وأبو ثور وداود وأهل الظاهر: حده أربعون. قال الشافعى: بالأيدى والنعال وأطراف الثياب (¬2). وحجة الأول: ما استقر عليه إجماع الصحابة، وأنه لم يكن فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حداً معيناً، ألا تراه قال فى الحديث: " نحو أربعين ". وقوله: " بجريدتين ": يحتمل جمعها فى أربعين، وكذلك جاء فى حديث آخر عن أبى سعيد؛ أنه - عليه السلام -[وأنه] (¬3) ضرب بنعلن فى الخمر أربعين (¬4). فتأتى ثمانين، فيكون اجتهاد الصحابة فى الثمانين وفى الأربعين على مقدار يجزئ ضربه - عليه السلام - وموافقته، لا على إحداث حد لم يكن. ويحتمل أن تكون جريدتين مفروقتين ¬

_ (¬1) سبق فى مسلم، ك القسامة، ب ما يباح به دم المسلم (25). (¬2) انظر: الاستذكار 24/ 269، الحاوى 13/ 412، المغنى 12/ 498، 499. (¬3) ليس لها معنى فى السياق. (¬4) انظر: أحمد 3/ 67.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرب بكل واحدة منهما عدداً حتى أكمل بهما أربعين، وفصل عمر وأبو بكر وحد على الوليد بمحضر عثمان أربعين. واختلاف رأى على فى فعله يدل أنه لم يكن من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك لا يخالف. ثم اتفقوا على إقامة الحد على شارب القليل من خمر العنب وكثيره، سكر أو لم يسكر. وعلى حد من سكر من كل سكر. واختلفوا فى حد من شرب ما لا يسكر منه من غير خمر العنب، فجمهور السلف والعلماء على تسوية ذلك كله، والحد من قليله وكثيره لتحريم قليله وكثيره. وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجلد حتى يسكره وإن شربه ما لم يبلغ السكر، وعنهم - أيضاً - مثله فى مطبوخ العنب المُسْكر، وخمر التمر عند بعضهم كخمر العنب (¬1). وقال أبو ثور: يجلد من يرى تحريمه ولا يجلد من يرى تحليله، ويتأول فى ذلك. وقد مال إلى هذا التفريق بعض شيوخنا المتأخرين، وإجماع المسلمين منعقد على تحريم خمر العنب النيئ، قليله وكثيره. وضربه بالجريد والنعال يدل على تخفيف حد الخمر، وإلى هذا ذهب الشافعى؛ أنه لا يكون الحد [إلا] (¬2) بمثل هذا إلا بالسوط. وعند مالك وغيره: الضرب فيه بسوط بين سوطين، وضرب بين ضربين، والحدود كلها سواء. وعند الزهرى والثورى وإسحاق وأحمد والشافعى: أن الخمر أخف الحدود (¬3). وقال الليث كقول مالك. وقال آخرون: ضرب التعذير أشد، ثم ضرب الزنا، ثم ضرب الخمر، ثم ضرب القذف (¬4). وأجاز بعض أصحابنا فى المدمنين عليه التغليظ بالفضيحة والطواف والسجن. وقوله: " بجريدتين نحو أربعين ": لا خلاف بين العلماء أنه لا يجزئ ضرب بسوطين، أو بسوط له رأسان فى حد الصحيح، أو سياط مجموعة، ويحسب أعداد ذلك. واختلفوا فى المريض الذى لا يرجى برؤه، فذهب مالك والكوفيون وجمهور العلماء إلى أنه لا يجزئ فيه إلا ما يجزئ فى الصحيح، ويترك حتى يبرأ أو يموت. قال الشافعى: يضرب ضربة بعكول نخل يصل جميع شماريخها إليه، وما يقوم مقامه، على ما جاء فى حديث مخدج. وقد روى عن على أنه ضرب الوليد بسوط له رأسان أربعين، وهذا يدل على أنه لم يحسب إلا كسوط واحد؛ لأنه إنما حده أربعين. هذا يدل على أنه لم يحسب على ما جاء فى الحديث. وذكر فى الحديث أن عبد الرحمن بن عوف هو الذى أشار على ¬

_ (¬1) المغنى 12/ 496، 497، الاستذكار 24/ 274 وما بعدها. (¬2) غير مفهومة فى هذا السياق. (¬3) انظر: الحاوى 13/ 435. (¬4) انظر: الاستذكار 24/ 91، 92.

ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ فَيْرُوزَ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ الدَّانَاجِ، حَدَّثَنَا حُضَيْنُ بنُ الْمُنْذِرِ، أَبوُ سَاسَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأُتِىَ بِالْوَلِيدِ، قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ. أَزِيْدُكُمْ؟ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلانِ - أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ - أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ. فَقَال عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر بالثمانين جلدة فى الخمر (¬1). وفى الموطأ وغيره (¬2) أنه على بن أبى طالب. وقوله: " فلما كان فى زمن عمر ودنا الناس من الريف والقرى ": يعنى فتحت الشام والعراق وبلاد الخصب والكروم والثمار. والريف ما دنا من المياه من الأراضى، ويعبر بذلك عن الخصب والسعة. ومشاورة عمر الناس فى حد السكر دليل على تشاور أهل العلم فى النوازل، أن المناكير إذا كثرت وجب الاهتبال بأمرها والتشدد فيها لئلا يؤنس بها. دليل الحال أنه كان الأمر فى الخمر قبلُ أخف فى مبدأ أحدها حتى كثر وقوع الناس فيها، وقياسهم لها على أخف الحدود أو على القذف؛ لأن الشارب إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أصل فى القياس. وقول عبد الرحمن: " أخف الحدود ثمانين " ويروى: " أخف الحدود ثمانين " بالنصب فيهما، وهو أوجه فى العربية، أى: حد فيها أخف الحدود، أو اجعلهما أخف الحدود. وذكر مسلم حديث عبد الله الداناج، ويقال أيضاً: " الدان " بغير جيم، " الداناه " بالهاء، ومعناه بالفارسية: العالم. وحُضين بن المنذر بالضاد المعجمه. ذكر قصة الوليد وتخليطه فى صلاة الصبح، وشهود الرجلين عليه، أحدهما أنه شرب خمراً والآخر أنه رآه تقيأها. فقال عثمان: لم يتقيأها حتى شربها، والشهادة على القىء كالشهادة على الشرب. وقول عثمان: " قم يا على فاجلده، فقال على: قم يا حسن فاجلده ": فيه إقامة ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الحدود، ب الحد فى الخمر 2/ 472، الترمذى، ك الحدود، ب ما جاء فى حد السكران 4/ 48 وقال: حديث حسن، الدارمى، ك الحدود، ب فى حد الخمر 2/ 175. (¬2) الموطأ، ك الأشربة، ب الحد فى الخمر 2/ 842 (2)، أبو داود، ك الحدود، ب إذا تتابع فى شرب الخمر 2/ 475، الدارمى، ك الحدود، ب فى حد الخمر 2/ 175.

حَتَّى شَرِبَهَا. فَقَالَ: يَا عَلِىُّ، قُمْ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ عَلِىٌّ: قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا - فَإِنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ - فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قُمْ فَاجْلِدْهُ. فَجَلَدَهُ، وَعَلِىُّ يَعُدُّ، حَتَّى بَلِغَ أَرْبَعِينَ. فَقَالَ: أَمْسِكْ. ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلِىَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضلاء الحدود بأنفسهم؛ لأنها من أفضل القربات. وكذلك كان جلة الصحابة يقيمونها بين يدى الخلفاء. ويجب أن يختار لإقامتها عند جميع العلماء أهل الفضل والعدل، إذا أمكنوا؛ لئلا يشعه وأنى ذلك؟ وقول حسن: " ولِّ حارها من تولى قارها ": مثلٌ من أمثال العرب. قال الأصمعى: ول شدتها من تولى هنيئها. والقار: البارد. ومعنى قول الحسن هذا: أى ولّ ضربه وإقامة الحد عليه من قلده الله أمر المسلمين. وقال الخطابى: معناه: ولّ عقوبته من توليه العمل والنفع (¬1). الأول أولى وأبين فى القصة. وفى أمر على للحسن ثم لعبد الله جواز استنابة الحكام فيما قلدوه، لا سيما بمحض مقلدهم ومعرفته. وإنما خص عثمان علياً بجلده (¬2) لكونه أقرب إليه من غيره؛ إذ يجمعهم عبد مناف، علىٌّ من بنى هاشم بن عبد مناف، والوليد من بنى عبد شمس ابن عبد مناف. وقول على لما بلغ ضربه أربعين: " أمسك، جلد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلى ": فيه ما كان يعتقد على فى إمامة الخليفتين أبى بكر وعمر، وأن حكمهما سنة، وأمرهما حق لقوله - عليه السلام -: " اقتدوا باللذين من بعدى " (¬3). خلاف ما يكذب عليه فيه الرافضة والشيعة. وقوله: " هذا أحب ": حمله أكثرهم على الأربعين، وقد روى عن على فى هذه القصة أنه ضربه ثمانين، وهو المعروف من مذهب على. وقوله فى قليل الخمر وكثيرها ثمانون جلدة. وروى عن على - رضى الله عنه - أنه جلد المعروف بالنجاشى ثمانين، ¬

_ (¬1) الخطابى فى معالم السنن بلفظ ولِّ العقوبة والضرب من توليه العمل والنفع 6/ 285. (¬2) فى س: بحده. (¬3) الترمذى، ك المناقب، ب مناقب أبى بكر وعمر، رقم 5/ 610 (3663)، وكذا، ب مناقب عبد الله ابن مسعود 5/ 672 (8805)، ابن ماجة، المقدمة، ب فى فضائل أصحاب رسول الله 1/ 37 برقم (97)، أحمد 5/ 382.

زَادَ عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ فى روَايَتِهِ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَقَدْ سَمِعْتُ حَدِيثَ الدَّانَاجِ مِنْهُ فَلَمْ أَحْفَظْهُ. 39 - (1707) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: مَا كُنْتُ أُقِيمُ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتُ فِيهِ، فَأَجِدَ مِنْهُ فِى نَفْسِى، إِلا صَاحِبَ الْخَمْرِ؛ لأَنَّهُ إِنْ مَاتَ وَدَيْتُهُ؛ لأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشهور أن علياً هو الذى أشار على عمر بإقامة الحد فى الخمر ثمانين، على ما فى الموطأ وغيره (¬1). وهذا كله يرجح رواية من رواه أن حد الوليد ثمانين، وقد ذكره البخارى (¬2) أيضاً. ويجمع بينه وبين ما هنا: ما روى أنه حده بسوط له رأسان، فجاء فى العدد ثمانين ضربة، كما جاء فى حد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين بنعلين. وفى الحديث الآخر بجريدتين، وأن عمر جعل ذلك لكل نعل سوطاً، وكان شأن الحد فى الخمر على التخفيف عندهم - والله أعلم - مع قوله: " وحد عمر ثمانين وهذا أحب إلينا "، فعادت الإشارة إلى أقرب مذكور. وقد نحا الطبرى إلى توهين خبر الوليد وذكر أنه تحومل عليه فى الشهادة فى تلك القصة. وقول على: " ما كنت أقيم على أحد حداً فيموت فأجد منه فى نفسى، إلا صاحب الخمر؛ لأنه إن مات وَدَيْتُه؛ لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسنه " يعنى: لم يجد منه حداً لا يتعداه، وإنما كان ضربه إياه على ما تقدم، لكن لما كثر شرب الناس له اجتهد فيه الصحابة كما تقدم. وقد رده قياساً على ما يستحق من الحدود. وبنحو قول على قال الشافعى، قال: إن حد أربعين بالأيدى والنعال والثياب فمات فالله قتله، وإن زيد على الأربعين بذلك، أو ضرب أربعين بسوط فمات، فديته على عاقلة الإمام. ولم يختلف العلماء فيمن مات من ضرب حد وجب عليه أنه لا دية فيه على الإمام ولا على بيت المال. واختلفوا فيمن مات من التعزير، فقال الشافعى: عقله على عاقلة الإمام ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) البخارى، ك الحدود، ب الضرب بالجريد والنعال 8/ 196.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعليه الكفارة، وقيل على بيت المال. وجمهور العلماء: أنه لا شىء عليه (¬1). وبقية الكلام فيما يحل ويحرم من الأشربة فى كتابهما إن شاء الله تعالى، كذا الرواية فى جميع النسخ؛ لأنه إن مات وديته. فكذا روى البخارى (¬2)؛ لأن ديته إياه كفارة استرابته وتروعه لا علة ذلك. وقد روى عن ابن الحذاء أنه إن مات، وهو قريب من هذا. ¬

_ (¬1) المغنى 12/ 503 وما بعدها، الحاوى 13/ 415، 416. (¬2) البخارى، ك الحدود، ب الضرب بالجريد والنعال 8/ 196.

(9) باب قدر أسواط التعزير

(9) باب قدر أسواط التعزير (40) - (1708) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرِ بْن الأَشَجِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْن يَسَارٍ، إِذْ جَاءَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ جَابِرٍ، فَحَدَّثَهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ. فَقَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحَمْنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلا فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا فى حد من حدود الله "، قال الإمام: هذا خلاف مذهب مالك؛ لأنه يجيز فى العقوبات فوق هذا وفوق الحدود، لأن عمر - رضى الله عنه - ضرب من نقش على خاتمه مائةً، وضرب صبيعاً أكثر من الحد. وقد أخذ ابن حنبل بظاهر الحديث فلم يزد فى العقوبات على العشرة، وتأول أصحابنا الحديث على أنه مقصور على زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه كان يكفى الجانى منهم هذا القدر، وتأولوه - أيضاً - على أن المراد بقوله: " فى حد من حدود الله "؛ لأن المحرمات كلها من حدود الله. وقال أبو حنيفة: لا يبلغ فى التعزير أربعين، وقاله الشافعى، وقال أيضاً: لا يبلغ عشرين لأنه أدنى حدود العبد فى الخمر. فقال بعضهم: لا يبلغ ثمانين (¬1). قال القاضى: فظاهر هذا الحديث من أصحابنا أشهب فى بعض الروايات عنه، واحتج بالحديث. وقد اختلف مذهب مالك وأصحابه فى ذلك، فالمشهور عنه وعنهم ما تقدم، وأن ذلك يوكل إلى اجتهاد الإمام، وبقدر جرم الفاعل وشهرته بالفسق وإن كثر جداً، ونحوه عن أبى يوسف وأبى ثور والطحاوى. وروى عن محمد بن الحسن مثله، قال: وإن بلغ ألفاً. وروى عنه مثل قول أبى حنيفة. وروى عن مالك فى الضرب فى التهمة فى الخمر والفاحشة خمسة وسبعين سوطاً، لا يبلغ به الحد، وقد مال إليه أصبغ من أصحابنا، ونحوه لمحمد بن مسلمة، قال: لا أرى أن يضرب السلطان فى الأدب مثل الحدود، ولا يبلغ به الحد أبداً، ونحوه لابن أبى ليلى وأبى يوسف، قال: أقله خمسة وسبعون. وروى عن عمر: لا يبلغ فى تعزير أكثر من ثمانين. وروى عن ابن أبى ليلى - أيضاً - وابن شبرمة: لا يبلغ مائة ويضرب ما دونها. وروى عن الشافعى سوى ما تقدم ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 12/ 524 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للذى يضرب فى الأدب أبداً وإن أتى على نفسه، حتى يقر بالإنابة فيرفع عنه. وقال ابن أبى ذئب وابن أبى يحيى: لا يضرب أكثر من ثلاثة فى الأدب. وقاله أشهب فى مؤدب الصبيان، قال: فإن زاد اقتص منه، وعن الزبير من أصحاب الشافعى: تعزير كل ذنب مستنبط من حده لا يجاوز به حده. قال الإمام: ذكر مسلم هذا الحديث من حديث سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، عن أبى بردة الأنصارى، قال بعضهم. هكذا روى عند ابن ماهان بالدال المهملة وهو الصواب، وروى عن الرازى وغيره عن الجلودى عن أبى برزة، بالزاى وهو خطأ. ويقال فى اسم أبى بردة هذا: هانى بن نيار الحارث، ويقال: هو رجل آخر من الأنصار. قال القاضى: الحديث معروف لأبى بردة. وكذا خرجه البخارى وغيره (¬1). ولم يقل أحد فيه: أبو برزة. وأبو برزة هنا تصحيف. قال القاضى: ورواه مسلم من حديث عمرو، وهو ابن الحارث عن بكير بن الأشج، عن سليمان، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه عن أبى بردة. قال الدارقطنى (¬2): تابع عمرو بن الحارث أسامة بن زيد عن بكير عن سليمان، وخالفهما الليث وسعيد بن أبى أيوب وابن لهيعة، فرووه عن بكير، عن سليمان، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبى بردة. لم يقولوا عن أبيه. واختلف فيه على مسلم بن أبى مريم، فقال ابن جريج عنه عن عبد الرحمن بن جابر، عن رجل من الأنصار، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال جعفر (*) بن ميسرة عنه عن جابر عن أبيه. قال أبو الحسن فى كتاب العلل: والقول قول الليث ومن تابعه عن بكير، قال فى كتاب التتبع: وقول عمرو صحيح. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحدود، ب كم التعزير والأدب 8/ 215، أحمد 4/ 45، ابن ماجة، ك الحدود، ب التعزير 2/ 867 برقم (2601). (¬2) الإلزامات والتتبع ص 225، 226. (*) في كتاب العلل للدارقطني (6/ 22 - 24): "حفص ... "، وهو الصواب، والله أعلم. تنبيه: الهامش (2) ذكر الإلزامات والتتبع، والصحيح كتاب العلل للدارقطني 22 - 24. والمذكورة في كتاب التتبع [ص 226] هو قوله: وقول عمرو صحيح.

(10) باب الحدود كفارات لأهلها

(10) باب الحدود كفارات لأهلها 41 - (1709) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَجْلِسٍ، فَقَالَ: " تُبَايعُونِى عَلَى أَلا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ. فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: فَعُوقِبَ بِهِ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ". 42 - (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى الْحَدِيثِ: فَتَلا عَلَيْنَا آيَةَ النِّسَاءِ: {أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} الآية (¬1). 43 - (...) وحدّثنى إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَبِى الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِىَّ، عَنْ عُبَاَدَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تبايعونى على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله. ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه، فأمره إلى الله. إن شاء عفا عنه وإن شاه عذبه "، قال الإمام - رحمه الله -: هذا الحديث رد على من يكفر بالذنوب وهم الخوارج، ورد على من يقول: لا بد من عقاب الفاسق الملى إذا مات على كبيرة ولم يتب منها وهم المعتزلة؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذه المعاصى وأخبر أن أمر فاعلها إلى الله - سبحانه - إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه، ولم يقل: لا بد أن يعذبه. وفيه تكفير الذنب لإقامة الحد. وقد قال فى طريق بعد هذا الحديث فزاد فيه: " ولا ننتهب ولا نعصى، فالجنة إن فعلنا ذلك ". فتأمل تحرير نقلة الشريعة، وذلك ¬

_ (¬1) الممتحنة: 12.

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ: أَلا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلا نَسْرِقَ، وَلا نَزْنِىَ، وَلا نَقْتُلَ أَوْلادَنَا، وَلا يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضًا " فَمنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَن سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاَء غَفَرَ لَهُ ". 44 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيرِ، عَنِ الصُّنَابِحِىِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنِّى لَمِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه قال فى الحديث الأول: " فمن وفى منكم فأجره على الله "، ولم يقل: فالجنة؛ لأنه قد يعصى بغير هذه الذنوب؛ كشرب الخمر، وأكل الربا، وشهادة الزور. وقال فى الحديث الآخر: " ولا ننتهب ولا نعصى " فعم سائر المعاصى، ولا شك أن من لا يعصى أصلاً له الجنة. قال القاضى: أكثر العلماء ذهبوا إلى أن الحدود كفارة أخذاً بهذا الحديث، ومنهم من وقفه بحديث أبى هريرة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا أدرى الحدود كفارة أم لا " (¬1)، لكن حديث عبادة أصح إسناداً. ولا تعارض بين الحديثين، فقد يمكن أن حديث أبى هريرة قبل حديث عبادة؛ إذ لم يعلم أولاً حتى أعلمه الله تعالى أخيراً. واحتج من وقف بقوله: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬2). والآية مختلف فيها، هل هى فى الكفارة أو محاذير الإسلام؟ فإن كانت فى الكفارة فلا حجة فيها، وأيضاً فيكون حديث عبادة مخصصًا لعموم الآية، أو مبيناً ومفسراً لها. وقوله: " لا يَعضَه بعضنا بعضاً ": كذا رواية الجماعة، لمعناه تأويلات: أحدها: لا يسخر. والعضيهة. والعضه: السخر، والآخر النميمة، وهى العضه والعضه أيضاً والآخر البهتان، أى لا يقذفه ولا يكذب عليه، وينسب إليه ما ينقصه ويتأذى به. والعضيهة: الإفك والبهتان، يقال: عضه الرجل بالفتح، وأعضه: إذا أفك. وعضهت وأعضهت فلاناً، كذا جاء هذا الحرف فى رواية الجماعة وعند العذرى: " ولا يعض بعضنا ¬

_ (¬1) الهيثمى فى مجمع الزوائد 6/ 268، ك الحدود والديات، ب هل تكفر الحدود الذنوب أم لا؟ وقال: " رواه البزار بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح، غير أحمد بن منصور الرمادى وهو ثقة ". (¬2) المائدة: 33.

أَلا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلا نَزْنِىَ، وَلا نَسْرِقَ، وَلا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلا نَنْتَهِبَ، وَلا نَعْصِىَ. فَالْجَنَّةُ، إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللهِ. وَقَالَ ابْنُ رُمْحٍ: كَانَ قَضَاؤُهُ إِلَى اللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضاً " بغيرها على وزن يقض، والأول أبين إلا أن يخرج على بعد من التأويل على قوله تعالى: {جَعَلُوا الْقُرآنَ عِضِين} (¬1). أى سحراً، على ما فسره بذلك، وهو قول الفراء، وجعل العضه قد نقصت منها الأصل، وألحقت علامة التأنيث، فيخرج فعله على هذا أيضاً - والله أعلم. ¬

_ (¬1) الحجر: 91.

(11) باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار

(11) باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار 45 - (1710) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْن الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعدِنُ جُبَارٌ، وَفِى الرِّكَازِ الْخُمْسُ ". (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ح حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ - يَعْنِى ابْنَ عِيسَى - حَدَّثَنَا مَالِكٌ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ. بِإِسْنَادِ اللَّيْثِ، مِثْلَ حَدِيثِهِ. (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " العجماء جرحها جبار، والبئر جبَار، والمعدن جُبَار، وفى الركاز الخمس "، قال الإمام: إنما جاء الشرع بتضمين المتلف لنفس غيره أو ماله مباشرة، أو كان السبب فى ذلك على شروط فى كونه سبباً يطول استقصاؤها، وما لم يباشره ولا كان سبباً فيه فلا يضمنه. هذا أصل الشريعة سوى ما استثنته من هذا، من تضمين العاقلة، وإذا لم تجن ولا كانت سبب الجناية. والدابة إذا أصابت إنساناً ففعلها غير منسوب لمالكها فلا ضمان عليه، فإن كان راكبها أو سائقها أو قائدها ضمن على الجملة على تفصيل فى ذلك؛ لأن له فى فعلها مشاركة؛ لإمكان أن يجذبها أحد هؤلاء عن طريق الإتلاف. وكذلك البئر إذا استأجره لحفرها فانهارت عليه، فلا ضمان على المستأجر. وكذلك المعدن الذى يعمل فيه، والعلة ما ذكرناه. قال القاضى - رحمه الله -: العجماء " ما لا ينطق من الحيوان، وهو ما لا يعقل منه من البهائم. وجرحها [منايتها] (¬1) كانت جرحاً أو غيره من إتلاف نفس أو مال، فعبر ¬

_ (¬1) بياض فى س، وغير مفهومة من الأصل.

عَن ابْن شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُبَيْدِ اللهِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 46 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الأَسْوَدِ بْن الْعَلاءِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيرَةَ، عَنْ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " الْبِئْرُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْمَعْدَنُ جَرْحُهُ جُبَارٌ، وَالْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَفِى الرِّكَازِ الْخُمْسُ ". (...) وحدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالجرح عما عداه. فقوله: " جرح العجماء جُبَارُ " بين أن ما حكم له بهذا الحكم ما لم يكن فيه سبب لغير العجماء؛ ولهذا اختص بإضافته إليها. ولا خلاف بين العلماء فى جنايات البهائم نهاراً أنها هدر؛ إذا لم يكن لها سائق ولا راكب. واختلفوا إذا كان معها أحدهما، فجمهورهم أنهم ضامنون لما جنت الدابة من أجلهم. وقال داود وأهل الظاهر: لا ضمان من جرح العجماء على حال لا أن يحملها سائقها أو قائدها أو راكبها على ذلك أو يقصده (¬1). واختلفوا فيما أصابته برجلها أو ذنبها، فلم يضمن مالك والليث والأوزاعى صاحبها، وضمنه الشافعى وابن أبى ليلى وابن شبرمة (¬2). واختلفوا فيما فعلته الضارية، فجمهورهم أنها كغيرها ومالك وبعض أصحابه يضمنونه. واختلفوا فى رعيها ليلاً، فضمن مالك ذلك أصحاب المواشى، وبه قال الشافعى، ولم ير أبو حنيفة فى فعل البهائم ضماناً فى شىء فى ليل ولا نهار، وجمهورهم على أنه لا يضمن ما رعت نهاراً. وقال الليث وسحنون: يضمن. وقوله: " والمعدن جبار " وهو حيث يعمل فى المعادن لما يخرج منها فتصير فيها الغير، أن يستأجر من يعمل فيها، أو يجتمع القوم يعملون فيها، وكذلك البئر تحفر. وقد يكون - أيضاً - معنى البئر جبار: ما حفره الرجل فى ملكه وحيث يجوز له، أو بئر ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 25/ 211 وما بعدها. (¬2) انظر: السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحفرها بفناء داره أو جانب داره للمطر، أو للبئر خاصاً أو بالقيام لماشيته أو لسقيه ومنفعته، ما لم يجعل ذلك على طريق المسلمين وممرهم، فيقع فى ذلك إنسان فيهلك، كل ذلك لا ضمان على فاعله. وكذلك المستأجر على حفرها، بخلاف ما حفره فى ملك غيره بغير إذنه، أو على طريق المسلمين حيث لا يباح له، أو فى ملكه ليهلك فيها إنساناً أو سارقاً. ففى هذا كله يضمن حافرها فى ماله ما دون ثلث الدية مما يصيب [الدية مما يصيب] (¬1)، وما كان أكثر فعلى العاقلة ونحو هذا، كله قول مالك، ونحوه قول الشافعى. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو ضامن فى هذا كله. وقال الليث: لا يضمن ما هلك فيما حفر للسارق. وتفريقه بين المعادن فى الحديث ولو كان حجة للكافة فى أن لو كان دفن فى الجاهلين، وأن المعدن ليس بركاز، خلافاً لأبى حنيفة فى تسمية المعدن ركازاً. قال الإمام: والركاز دفن الجاهلية، وقد قدمنا فى كتاب الزكاة لم خصص بالخمس؟ وأشرنا إلى أن النقب كلما كثر خفف عن الإنسان أمر الصدقة، ولهذا كان فى المعادن الزكاة، إلا أن يكون يوجد فيها مثل البدرة فيخمس لعدم النقب فيها. و " جبار " معناه: هدر. والركاز فى اللغة: أصله الثبات والدوام، من قولهم: ركز الشىء فى الأرض: إذا ثبت أصله. والكنز يركز فى الأرض كما يركز الرمح وغيره. وهو عند أهل الحجاز: المال المدفون خاصة مما كنزه أهل الجاهلية. وعند أهل العراق: المعادن كلها فى كل محتمل فى اللغة. قال القاضى - رحمه الله -: مضى الركاز والمعادن فى الزكاة مما يغنى عن إعادته. ¬

_ (¬1) هذا الكلام زائد فى الأصل، وسقط من س.

30 - كتاب الأقضية

بسم الله الرحمن الرحيم 30 - كتاب الأقضية (1) باب اليمين على المدعى عليه 1 - (1711) حدّثنى أبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْن سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرِيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ اَلنَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ يُعْطى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الأقضية قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه "، قال القاضى: خرج البخارى (¬1) ومسلم هذا الحديث مسنداً مرفوعاً عن ابن عباس، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الأصيلى: لا يصح [قوله] (¬2) ورفعه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما هو من قول ابن عباس. كذلك رواه أيوب ونافع الجمحى عن ابن أبى مليكة عنه. قال القاضى: قد خرجه الإمامان من رواية ابن جريج عن ابن أبى مليكة مرفوعاً كما تقدم. قال الإمام: اليمين فى الشريعة على أقوى المتداعيين سبباً. ولما كان الأصل عدم الأفعال والمعاملات استصحبنا ذلك، فكان القائل ما يطابق هذا الأصل هو المدعى عليه فوجب تصديقه، ولكن لم يقتصر الشرع على الثقة بهذا الأصل فى كثير من الدعاوى، حتى أضاف إليه يمين المدعى عليه المستمسك بهذا الأصل؛ لتتأكد غلبة الظن بصدقه. وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجه الحكم فى هذا فقال: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم " ولا شك فى هذا. ولو جعل القول قول المدعى لاستبيحت الدماء والأموال، ولا يمكن لأحد أن يصون دمه وماله، وأما المدعون فيمكنهم صيانة أموالهم بالبينات؛ فلهذا استقر الحكم فى الشرع على ما هو عليه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الشهادات، ب اليمين على المدعى عليه فى الأموال والحدود 3/ 233. (¬2) ساقطة من س.

2 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يتعلق بهذا الحديث من يوجب اليمين على المدعى عليه من غير اعتبار خلطة؛ أخذاً بعمومه وظاهره من غير تقييد بخلطه. ومذهب مالك فى مراعاتها لضرب من المصلحة؛ وذلك أنه أوجب لكل حد على كل أحد، لا تبذل السفهاء العلماء والأفاضل بتحليفهم مراراً كثيرة فى يومٍ واحدٍ، فجعل مراعاة الخلطة حاجزاً من ذلك. وقد يتعلق بهذا الحديث من يرى ألا يقسم مع قول الميت: دمى مع فلان؛ لأنه فيه فى هذا الحديث على صيانة الدماء عن الانتهاء بالدعاوى، وقد قدمنا الكلام على هذا فى القسامة. قال القاضى - رحمه الله -: حجة من راعى الخلطة مع المعنى الذى ذكره حديث ضميرة عن على وزيد بن ثابت - رضى الله عنهما - أو زيادته فى هذا الحديث إذا كانت بينهما مخالطة مع قضاء على بذلك، وهو مذهب الفقهاء السبعة، وأما سائر الفقهاء وأئمة الأمصار قد ترك مراعاة الخلطة وإمضاء الحديث على ظاهره فى كل أحد، وبه قال من أصحابنا ابن نافع وابن لبابة وغيرهما. ثم اختلف شيوخنا فى معنى الخلطة، فقيل: معرفة المعاملة معه والمداينة بشاهد واحد وبشاهدين، وقيل: يجزئ فى ذلك الشبهة، وقيل: الخلطة أن يكون للدعوى بينة أن يدعى بها على المدعى عليه، وقيل: أن يكون المدعى عليه يشبهه أن يعامل المدعى. وأجمع العلماء على استحلاف المدعى عليه فى الأموال إما مطلقة أو بعد موجب الخلطة أو الشبهة على ما تقدم. واختلفوا فى غير ذلك، فذهب الشافعى وأحمد وأبو ثور إلى وجوبها على كل مدعى عليه فى حد أو طلاق أو نكاح أو عتق؛ أخذاً بظاهر عموم الحديث، فإن نكل حلف المدعى وثبتت دعواه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يحلف النكاح والطلاق والعتق، فإن نكل لزم النكاح والطلاق والعتق. وقال الشعبى والثورى وأبو حنيفة: لا يستحلف فى الحدود إلا على السرقة. وقال نحوه مالك. وقال: لا يستحلف فى السرقة إلا إذا كان متهماً، قالا: أن يقوم لمدعى الحدود والنكاح أو الطلاق أو العتق فشاهد واحد، فيستحلف حينئذ عند مالك المدعى عليه لقوة شبهة الدعوى (¬1). واختلف قوله إذا أنكل، هل يحكم عليه بما ادعى عليه ويسجن؟ أو حتى يطول سجنه؟ ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 22/ 72 وما بعدها.

عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى الباب: نا ابن أبى شيبة، نا محمد بن بشير، عن نافع بن عمر عن ابن أبى مليكة. كذا لجمهورهم، وهو الصواب. وعند أبى جعفر وفى بعض النسخ الماهانية: عن نافع عن ابن عمر، وهو خطأ. وهذا نافع بن عمر بن جميل المكى، قال البخارى: سمع ابن أبى مليكة (¬1)، وروى عنه يحيى القطان وأبو نعيم. ¬

_ (¬1) البخارى فى التاريخ الكبير 8/ 86 (2279).

(2) باب القضاء باليمين والشاهد

(2) باب القضاء باليمين والشاهد 3 - (1712) وحدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدٌ - وَهُوَ ابْنُ حُبَابٍ - حَدَّثَنِى سَيْفُ بنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنِى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بيمين وشاهد "، قال القاضى: هذه الرواية تبين الرواية الأخرى، وترفع احتمال التعسف ممن خالفنا فى قوله: " قضى الشاهد باليمين مع شاهد " أن معناه: باليمين على المدعى عليه مع وجود الشاهد، أى لم تؤثر عنه مرة انفراده. قال الإمام: اختلف الفقهاء فى قبول الشاهد الواحد فى بعض الحقوق والمطالب، فنفى بعضهم قبوله أصلاً، ورأى أن قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَان} (¬1) يوجب الاقتصار على هذا المذكور فى القرآن، وإذا جاء هذا الحديث بخلافه وسلم من القدح فيه باحتمال لفظه، وأن القضية لم تنقل صفتها - فإن ذلك زيادة على النص، والزيادة على النص لا تكون نسخاً فى كل موضع، والنسخ لا يكون بأخبار الآحاد. وأما نحن فإنا نقبل الشاهد واليمين فى الأموال، ونرى أن الزيادة على النص لا تكون نسخاً فى كل موضع. وهذا من المواضع التى لا يكون فيها نسخ (¬2). ونظن أنا قدمنا بسط القول فى الأصل، وإذا ثبت قبول شهادة الشاهد الواحد فى الحال والمال، فيقبل فى المال المحض من غير خلاف عندنا. ولا يقبل فى النكاح والطلاق المحضين من غير خلاف. وإن كان مضمون الشهادة ما ليس بمال ولكنه يؤدى إلى مال؛ كالشهادة بالوصية، والنكاح بعد الموت حتى لا يطلب من ثبوته إلا المال إلى غير ذلك مما فى معناه، ففى قبوله اختلاف، فمن راعى المال قبله كما يقبل فى المال، ومن راعى الحال لم يقبله كما لا يقبله فى الطلاق والعتاق. قال القاضى: جاءت أثار كثيرة فى هذا الباب من رواية ابن عباس، وجابر، وعلى، وأبى هريرة، وزيد بن ثابت، وعمارة بن حزم، وسعد بن عبادة، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومسروق. قال أهل الحديث: وأصح ما فى الباب حديث ابن عباس. قال أبو عمرو الحافظ: لا مطعن لأحد فى إسناده، ولا خلاف بين ¬

_ (¬1) البقرة: 282. (¬2) انظر: الحاوى 17/ 68.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل المعرفة فى ثبوته، وحديث أبى هريرة وجابر وغيرهما حسان، وطرق هذه الأحاديث كثيرة. وبهذه الأحاديث أَخذَ معظم علماء المسلمين وأئمتهم من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وبه قضى أبو بكر وعلى وعمر بن عبد العزيز، وبه قال كافة فقهاء المدينة والحجاز وبعض العراقيين وفقهاء أصحاب الحديث والظاهر أجمع. والحكم بهذا عندهم فى الأموال خاصة. وذهب الكوفيون والأوزاعى والليث والحكم والشعبى إلى ترك الحكم به، وبه قال يحيى بن يحيى والأندلسيون من أصحابنا.

(3) باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة

(3) باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة 4 - (1713) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِى لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقٍّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضى له على نحوٍ مما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار ". وفى الرواية الأخرى إنما أنا بشر. قال الإمام: مذهبنا أن حكم الحاكم لا يحل الحرام، وسواء الدماء والأموال والفروج. وعند أبى حنيفة أنه يحل الحرام فى الفروج، ووافقنا على الأموال، وزعم أنه لو شهد شاهداً زور على رجل بطلاق زوجته وحكم الحاكم بشهادتهما، فإن فرجها يحل لمتزوجها فمن يعلم أن باطن القضية باطل وقد شق عليه بأنه صان الأموال ولم ير استباحتها بالأحكام الفاسدة فى الباطن، ولم يصن الفروج عن ذلك، والفروج أحق أن يحتاط لها وتصان. وقد احتج أصحابنا عليه بعموم هذا الحديث (¬1). وقوله: " ألحن بحجته من بعض ": أى أفطن لها، ومنه قول عمر بن عبد العزيز: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم؟ أى فاطنهم. وقال أبو الهيثم: العنوان واللحن واحد، وهما العلامة يشير بهما إلى الإنسان ليفطن فيهما لقوله: لحن لى فلان ففطنت، ويقال للذى يعرض ولا يصرح: قد جعل كذا لحاجته لحنًا وعوانًا وعنوانًا. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 22/ 17.

أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِى الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِى لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله لهما: " إنما أنا بشر ": تنبيه على حالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون فى الغيب والبواطن إلا ما يطلعهم الله - سبحانه - عليه وأنه منهم، وأنه يجوز عليه فى أمور الظاهر باللحون عليهم. وفيه أن حكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الخلق إنما كان على الظاهر، وإن كان باطن أمرهم بخلافه، فقضى باليمين وبالشاهدين والعفاص والوكاء حكمة من الله تعالى فى ذلك؛ ليتعلم منه أمته طريق الحكم، ويقتدى به فى القضاء، ولو شاء الله لأطلعه على سرائر الخصمين ومخفيات ضمائر المدعين، فيتولى الحكم بمجرد يقينه، ويقضى بقطع مغيبه دون حاجة إلى اعتراف أو بينة أو يمين أو شبهه. ولكن لما أمر الله - سبحانه - أمته باتباعه والاقتداء به فى أقواله وأفعاله وكان هذا مما يخص الله تعالى - به لم يكن للأمة سبيل الاقتداء، فى شىء من ذلك ولا قامت حجة بقضية من قضاياه؛ لأنا لا نعلم بما أوحى به فيه إليه، ولا ما اطلع من أمر الخصمين عليه بحكمه هو، إذ المكنون من علم الله. فأجرى الله - تعالى - أحكامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الظاهر الذى يستوى فيه هو وغيره من البشر؛ ليصح اقتداء أمته به فى قضاياه، ويأت ما أتوا من ذلك على علم من سنته، واعتماداً على علمه؛ إذ البيان بالفصل إجلاء فيه من القول وأرفع لاحتمال اللفظ. وقوله: " فأقضى له على نحو ما أسمع ": احتج به من لا يجيز له حكم الحاكم بعلمه لقوله: " فلعل بعضكم أن يكون ألحن فى حجته من بعض "، ولقوله: " فأحكم له بما أسمع "، ولم يقل: بما أعلم، ولأن من يرى أحكام الحاكم بعلمه لا يلتفت إلى ما سمع منه الخصم، خالف أو وافق، لا يلتفت إلى حجج الخصم ولا ببيانه إذا علم خلاف ذلك. وقد يتعلق للاحتجاج به من يجيز حكم الحاكم بما اعترف به عنده فى مجلسه لقوله: " بما أسمع " ولم يقيده بثبات بينة، ويتأول " أقضى له " بمعنى: أقضى عليه، وكلاهما ليس ببين فى الحجة؛ إذ قد يكون معناه: بما أسمع منه من حجة وثبت عندى له من بينة، ألا تراه إنما جعل السماع هنا للمقضى له لا للمقضى، ولو كان ما سمع منه إقراراً لكان الحكم إذاً للمقضى عليه الغير، وكان يحتمل الكلام، وإنما أراد: فأقضى له بما يأتى به فأسمع له من حجة وبينة.

فَإِنَّمَا هِىَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا ". 6 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فاسمع له من حجة وبينة. وقد اختلف العلماء فى حكم الحاكم بعلمه وما سمعه فى مجلس نظيره، فمذهب مالك وأكثر أصحابه: أن القاضى لا يقضى فى شىء من الأشياء بعلمه، لا فيما أقر به فى مجلس قضائه ولا فى غيره، وهو قول أحمد وإسحاق وأبى عبيد، وروى عن شريح والشعبى. وذهب جماعة من علماء المدينة إلى أن القاضى يقضى بما سمعه فى مجلس قضائه خاصة لا قبله ولا فى غيره، إذا جحده ولم يحضر مجلسه بينة فى الأموال خاصة، وبه قال الأوزاعى وجماعة من أصحاب مالك المدنيين وغيرهم، وحكوه عن مالك. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يحكم بما سمعه فى قضائه وفى مصره، لا قبل قضائه ولا فى غير مصره فى الأموال خاصة لا فى الحدود (¬1). واستثنى بعض أصحابه القذف ولم يشترط مجلس القضاء. وذهب أبو يوسف ومحمد إلى أنه يقضى فى الأموال بعلمه فى القضاء وقبله وما سمعه بمصره وغيره، وهذا أحد قولى الشافعى. وقال الشافعى فى مشهور قوليه وأبو ثور ومن تبعهما: إنه يقضى بعلمه فى كل شىء من الأموال والحدود وغيرهما بما سمعه ورآه وعلمه قبل قضائه وبعده، بمصره وغيره. وقوله: " فإنما أقطع له قطعة من النار " معناه: إن قضيت له فى الظاهر بما الحكم فى الباطن خلافه. وترجم عليه البخارى: أن القضاء فى القليل والكثير (¬2) سواء لقوله: " بشىء ". وقوله:" قطعة من النار ": قيل: أى من العذاب بالنار، فسمى العذاب بها باسمها، كما قال: إنى أنا الموت. وقد يكون على طريق التمثيل لما يضره من ذلك فى أخراه كما تضره النار، بدليل قوله فى الرواية الأخرى: " فليحملها أو ليذرها ". وفيه وعظ الحاكم المتخاصمين، وقد ترجم عليه البخارى - أيضاً (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 22/ 219 - 222. (¬2) البخارى، ك الأحكام، ب القضاء فى كثير المال وقليله 9/ 90. (¬3) البخارى، ك الأحكام، ب من قضى له بحق أخيه فلا يأخذه 9/ 89. قال معد الكتاب للشاملة: سقطت الإشارة إلى هذا الهامش من أصل المطبوعة، ووضعنا الأشارة على ما رأينا في الأصل، وقد أشار في الهامش السابق إلى ترجمة للبخاري كذلك، والأولى بالمحقق أن يحيل إلى "كتاب الأحكام - باب موعظة الإمام للخصوم"، والله أعلم

وَفِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ: قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَجَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظ التخيير، والمراد به النهى المحض والوعيد كقوله: " اعملوا ما شئتم " (¬1)، {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُر} (¬2). وقوله: " سمع جلبة خصم ": الجلبة: اختلاط الأصوات، ومثله اللجبة فى الرواية الأخرى، وكلاهما يفتح وسطه. والخصم يطلق على الواحد والجمع. وقوله: " فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض " تفسير معنى قوله: " ألحن بحجته من بعض " أى أفطن. ¬

_ (¬1) البخارى، ك التفسير، ب {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} 6/ 186. (¬2) الكهف: 29.

(4) باب قضية هند

(4) باب قضية هند 7 - (1714) حدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، امْرَأَةُ أَبِى سُفْيَانَ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لا يُعْطِينِى مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِى وَيَكْفِى بَنِىَّ، إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهَ، فَهَلْ عَلَىَّ فِى ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذِى مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِى بَنِيكِ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَوَكِيعٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ - كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 8 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: جَاءِتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلَ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يُذلَّهُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يُعِزَّهُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأَيْضًا، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ". ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ، فَهَلْ عَلَىَّ حَرَجٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى حديث هند بنت عتبة: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطينى من النفقة ما يكفينى ويكفى بنى إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل على فى ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك "، قال الإمام: نبه الناس فى هذا الحديث على فوائد منها: وجوب نفقة الزوجة ونفقة البنين. ومنها: أن الإنسان إذا أمسك آخر حقه وعثر له على ما يأخذ منه فإنه يأخذه؛ لأنها

إِذْنِهِ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُنْفِقِى عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ ". 9 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرِنى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ: يَا رسُولَ اللهِ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبَّ إِلَىَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكرت أنها تأخذ بغير علمه. ومنها: جواز إطلاق الفتوى والمراد تعليقها بثبوت ما يقوله الخصم؛ لأنها ذكرت أنه يمنعها حقاً، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها: " خذى "، وهذه إباحة على الإطلاق، ولم يقل: إن ثبت ذلك، ولكنه هو المراد. ولهذا لا يقول كثير من المفتين فى جوابهم: إذا ثبت ذلك، ويحذفونه اختصاراً. ومنها: أنه علق النفقة بالكفاية، وهو مذهبنا، خلافاً لمن زعم أنها مقدرة. وهذا حجة عليه. وفيه إشارة إلى أن لها مدخلاً فى كفالة بنيها فى الإنفاق عليهم. قال القاضى: وفيه من الفوائد غير ما ذكر، منها: الحكم على الغائب، فقد استدل به البخارى (¬1) وترجم عليه؛ لأن أبا سفيان لم يكن حاضراً. وقد اختلف العلماء فى الحكم على الغائب، قال الكوفيون: لا يقضى عليه فى شىء. وقال الجمهور: يقضى عليه فى كل شىء، وعن مالك فى الحكم عليه فى غيرها (¬2)، وقيد الحكم بالعرف لقوله: " ما يكفيك وولدك بالمعروف " وذلك على ما جرت به عادتهم فى الإنفاق وبقدر حاجتهم وقدر ماله، وتحرى القصد والوسط دون الإكثار والإقتار. وفيه أن ذكر الرجل بما فيه عند الحاكم والمستفتى ليس بغيبة. وفيه جواز خروج المرأة فى حوائجها، وأن المرأة تستفتى للعلماء، وأن كلامها وصوتها ليس بعورة. وفيه دلالة على حكم الحاكم بعلمه فيما اشتهر وعرف. وكذا ترجم البخارى عليه: باب حكم الحاكم إذا لم يخف الظنون والتهمة، وكان أمراً مشهوراً إذ يحوجها إلى إثبات دعواها ولا زوجيتها. وفيه تكلم الحاضن على محضونيه، والغُنْمُ بالأمر فيما أسند إليه أو تكلف من قبل نفسه، وصحة ذلك له. وقد أدخل هذا الحديث البخارى تحت ترجمة قصاص المظلوم إذا ¬

_ (¬1) البخارى، ك النفقات، ب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد 7/ 83، 84. (¬2) انظر: المسألة فى المغنى 14/ 93.

مِنْ أَنْ يَذلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبَّ إِلىَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأَيْضًا، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ". ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَىَّ حَرجٌ مِنْ أَنْ أُطْعِمَ، مِنَ الَّذِى لَهُ، عِيَالَنَا؟ فَقَالَ لَهَا: " لا، إِلا بِالْمَعْرُوفِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وجد مال ظالمه (¬1)، هل يباح له أخذه؟ واختلف العلماء فيمن منعه رجل حقه ثم قدر له الممنوع على مال، هل يأخذ حقه منه بغير رضاه أو خفية عنه؟ فأجازه جماعة، واحتجوا بهذا الحديث، منهم الشافعى وابن المنذر. ومنعه آخرون للحديث الآخر: " أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك " (¬2) منهم مالك وأبو حنيفة، وحكى الداودى القولين عن مالك (¬3). وقولها: ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلى من أن يذلهم الله من أهل خبائك، وما على ظهر الأرض اليوم أهل خباء أحب إلى من أن يعزهم الله من أهل خبائك " الحديث: أرادت به نفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأنه أعلم، فكنّت عنه بهذا، أو أكبرته عن مخاطبته وتعيينه بذلك لما فيه. وقد يحتمل أن تريد بأهل الخباء أهل بيته. والخباء يعبر عنه عن مسكن الرجل وداره. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها: " وأيضاً والذى نفسى بيده ": أى سيتمكن الإيمان من قلبك، ويزيد حبك لله ولرسوله، ويقوى رجوعك عن بعضه. قيل: وأصل هذه الكلمة الرجوع، يقال: أخفى الشىء: رجع. وقوله فى الرواية الأخرى: " إن أبا سفيان [هكذا] (¬4) رجل مسيك " هكذا ضبطناه عن الأسدى هنا بفتح الميم وتخفيف السين، وضبطناه عن الصدفى وعلى الخشنى عن الطبرى: " مسيك " بكسر الميم وتثقيل السين، وبالوجهين حملناهما عن ابن سراج، وكانوا يرجحون فتح الميم. ومعناه: شحيح كما جاء فى الحديث الأول - وممسك - كما جاء فى الثانى - والوجه الآخر على المبالغة، كما قالوا: شريب وسكير. والأول - أيضاً - من أبنية جموع المبالغة. وهذه اللفظة حجة على ابن قتيبة فى قوله: لأنه لا يقال: مسك، ¬

_ (¬1) البخارى، ك المظالم، ب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه 3/ 172. (¬2) الترمذى، ك البيوع: 3/ 564 برقم (1264)، وقال: حديث حسن غريب، الدارمى، ك البيوع، ب فى أداء الأمانة واجتناب الخيانة 2/ 178. (¬3) انظر المسألة فى المغنى 14/ 339، التمهيد 20/ 159. (¬4) ليست من متن الحديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما يقال: أمسك. وقد ذكرنا صواب الوجهين فى كتاب الحيض، و " مسيك " إنما يأتى من مسك كقدير من قدر، وإذا كان من أمسك لقال: ممسكاً. وقولها: " شحيح " الشح عندهم فى كل شىء، وهو أعم من البخل. وقيل: الشح لازم كالطبع (¬1). وقوله: " إلا بالمعروف " كذا روايتنا عنهم، ومعناه: لا حرج عليك. ثم ابتدأ بقوله: " إلا بالمعروف "، أى لا تنفقى إلا بالمعروف. وسقط " إلا " من بعض الروايات، وبسقوطها يأتى الكلام أبين، أى لا حرج إن أنفقت بالمعروف. ¬

_ (¬1) فى س: كالطبيعة.

(5) باب النهى عن كثرة المسائل من غير حاجة. والنهى عن منع وهات، وهو الامتناع من أداء حق لزمه أو طلب ما لا يستحقه

(5) باب النهى عن كثرة المسائل من غير حاجة. والنهى عن منع وهات، وهو الامتناع من أداء حق لزمه أو طلب ما لا يستحقه 10 - (1715) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا. فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا، وَلا تَفَرَّقُوا. وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ". 11 - (...) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا ". وَلَمْ يَذْكُرْ: " وَلا تَفَرَّقُوا ". 12 - (593) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً - ويروى ويسخط (¬1) -: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ": الرضى والكراهة والسخط من الله تعالى يرجع إما إلى أمره ونهيه، أو لثوابه وعقابه، أو إرادته للثواب وللعقاب لأهل هذه الخصال. الاعتصام بحبل الله هو والتمسك بعهده، وهو اتباع كتابه، والتزام شريعته وطاعته وتقواه. والحبل فى كلام العرب كلمة منصرفة، منها العهد والأمان والوصلة، وأصل ذلك استعمال العرب الحبل فى مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبال عند شدائد أمورهم، ومعاناة صعابها وصلة المفترق من الأشياء يربطونها (¬2) [به] (¬3) ولأخذها من سادات البلاد أماناً فى بلادها. فاستعير اسمه لهذه الأمور ولكل ما يشبه ما كان يستعمل فيه. وقوله: " ولا تفرقوا ": أمر بالاجتماع والألفة، وهى إحدى دعائم الشريعة، ونهى عن الفرقة والاختلاف. وقد يكون قوله: " ولا تفرقوا " راجع إلى الاعتصام بحبل الله، والتآلف على كتابه وعهد شريعته، وتكون خصلة واحدة، والثنتان قبلها؛ إحداهما: ¬

_ (¬1) الحديث فى مسند أحمد 2/ 367، ولفظه: عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً ... " الحديث. (¬2) فى الأصل: يربطها، والمثبت من الأبى. (¬3) مثبتة من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبادة الله. والثانية: ألا يشرك معه غيره، بدليل أن قوله: " ولا تفرقوا " لم يأت فى بعض الروايات. ومعنى " قيل وقال ": الخوض فى أخبار الناس وحكايات ما لا يعنى من أحوالهم؛ قيل كذا، وقال فلان كذا، فقيل كذا وعلى هذا نقول: " قيل" منصوبة فعل لما لم يسم فاعله، و " قال " فعل ماض أيضاً، ويصح أن يكون اسمين مخفوضين. والقيل والقال والقول بمعنى، وكذلك القيل والقالة. و" كثرة السؤال " فيه تأويلات، أنه من مسألة الناس ما بأيديهم، وقيل: يحتمل النهى عن كثرة السؤال والتنطع فى المسائل فيما لم ينزل، وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف. وقال مالك فى هذا الحديث: لا أدرى أهو ما أنهاكم عنه من كثرة المسائل؟ فقد كره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسائل وعابها، أو هو مسألة الناس أموالهم؟ وقد يكون المراد به سؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما لم يأذن فى السؤال عنه لقوله تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم} الآية (¬1)، وفى الصحيح: " إن أعظم الناس جرماً من سأل عن [شىء] (¬2) عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحرم فحرم من أجل مسألته " (¬3). [وقد] (¬4) يكون كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، وما لا يعنى من الأمور والاشتغال بمثل هذا، فتكون [بمعنى] (¬5) النهى عن قيل وقال. وقد يكون [كثيرة] (¬6) سؤال (¬7) الرجل الناس عن أخبارهم وأحوالهم وتفاصيل أمورهم، فيدخل بذلك الحرج؛ إما بكشف ما لا يريدون كشفه من ذلك بضرورة سؤاله، وبالكذب والتعريض لستر ذلك عنه إذا كان مما لا يفشى، وبالجفاء وسوء الأدب أو بالكذب إن ترك الجواب له عنه. وأما " إضاعة المال " يكون فى تعطيله، وترك القيام عليه، أو مصلحته، مصلحة دنياه، ومصلحة دنياه صلاح دينه بتفرغ باله له، وتركه التعرض لما فى أيدى الناس. وقد تكون إضاعته إنفاقه فى غير وجوهه والإسراف فى ذلك. ¬

_ (¬1) المائدة: 101. (¬2) مثبتة من س. (¬3) البخارى، ك الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال 9/ 11، مسلم، ك الفضائل، ب توقيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترك إكثار سؤاله (2358/ 132). (¬4) من س. (¬5) فى س: من معنى. (¬6) مثبتة من س. (¬7) فى س: السؤال.

مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ وَرَّاد مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمُهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ. وَكَرِهَ لَكُمْ ثلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ". (...) وحدّثنى الْقاَسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ علَيْكُمْ. 13 - حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَشْوَعَ عَنِ الشَّعْبِىِّ، حَدَّثَنِى كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَىَّ بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاِثًا قِيَلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ". 14 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِىُّ، عَنْ وَرَّادٍ، قَالَ: كَتَبَ الْمُغِيرَةَ إِلَى مُعَاوِيَة: سَلامٌ عَلَيْك. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " إِنَّ اللهَ حَرَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله فى الحديث الآخر: " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات " فلا خلاف أن العقوق من الكبائر، وكذلك الوأد للبنات. والوأد: دفنهن أحياء، كما كانت تفعله الجاهلية. وحق الأمهات؛ لأنهن أعظم حقاً وأكثر حقوقاً على الولد، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمك، ثم أمك، ثم أباك " (¬1). وأيضاً فإن النساء عند العرب لم تكن لهم تلك الحرمة بخلاف الرجال، فحض صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بر الأمهات، وخص النهى عن عقوقهن تأكيداً لحقوقهن. وقد جاء فى الحديث الآخر مكان " الأمهات ": " الوالد " والمراد به الجنسين من الذكر والأنثى - والله أعلم - وكذلك خص النهى عن الوأد للبنات؛ لأن ذلك كانت عادة العرب، إنما كانوا يخصون به الإناث للغيرة عليهن. ومنهم من كان يفعله فى الشدائد وخشية الإملاق، كما قال الله تعالى (¬2). وكانوا يتجملون بالذكران ويجملون مؤنثهم بكل حال لرغبتهم فى شدة العضد وكثرة العدد. ¬

_ (¬1) سيأتى فى كتاب البر والصلة إن شاء الله تعالى. (¬2) يعنى آية (31) من سورة الإسراء.

ثَلاثًا، وَنَهَى عَنْ ثَلاثٍ: حَرَّمَ عَقَوقَ الوَالِدِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَلا وَهَاتِ. وَنَهَى عَنْ ثَلاثٍ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَة السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَال ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ومنع وهات "، وفى الرواية الأخرى: " ولا وهات " وهما بمعنى، فحرم منع الحقوق والبخل بها، وطلب ما لا يجب للإنسان طلبه، وأخذ ما لا يحل له ولا يصح لفظ " حرم " إلا فى مثل هذا، وهو من معنى ما كره من كثرة السؤال، ومما يقوى أحد التأويلات فيه: أنه فى الأحوال بمعنى: هات هنا. لكن لفظ " كره " هناك أوسع؛ لأنها تقع على ما ذكرناه هنا مما يحرم، وعلى ما يجب التنزه عنه من سؤال ما يستفتى الإنسان عنه، ولا تدعو ضرورة إليه مما يباح ويحل، لكن جمعهما فى الحديث الآخر، فدل أنهما المعنيين؛ إذ تكرار الكلمتين فى كلام واحد بمعنى واحد ليس من جيد الكلام، ولا من نمط كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتخصيصه فى أحد الروايات بعضهما بأن الله حرم، وبعضهما بأن الله نهى إبانة لفصل ما بين هذه الممنوعات، وتفريق حكمها من التحريم والتنزيه، وأن الثلاث الأول - من العقوق والوأد والمنع وهات - محرمات. ولا مرية أن العقوق والقتل من الكبائر الموبقات، وكذلك منع حقوق الله من الزكوات وحقوق عبادة الواجبات وأخذ شىء منها لمن لا يحل له من المحرمات. ثم جاء النهى عن الثلاث الأخر من الشغل بقيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، على التنزيه والحض. ويخرج من تفريق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين لفظ التحريم والنهى الحجة لن يقول: إن مجرد النهى بلفظه أو صيغته لا يقتضى الوجوب إلا بدليل.

(6) باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، فأصاب أو أخطأ

(6) باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، فأصاب أو أخطأ 15 - (1716) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمُّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ بُسْرِ ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى قَيْسٍ مَوْلًى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَإِذَا حَكَمَ فاَجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ ". (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أبى عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِى عَقِبِ الْحَدِيثِ: قَالَ يَزِيدُ فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنَ حَزْمٍ. فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. (...) وحدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمُّدٍ الدِّمَشْقِىَّ - حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِىُّ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، مِثْلَ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ. بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إذا حكم الحاكم ثم اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ": قال أهل العلم: وهو ما لا خلاف [فيه ولا شك] (¬1)، أن هذا إنما هو فى الحاكم العالم الذى يصح منه الاجتهاد، وأما الجاهل فهو مأثوم فى اجتهاده بكل حال، عاص بتقلده ما لا يحل له من ذلك؛ ولأنه متكلف فى دين الله متحرض على شرعته متحكم فى حكمه، فهو مخطئ كيفما تصرف، ومأثوم فى كل ما تكلف، وإصابته ليس بإصابة إنما هو اتفاق وتخرص، وخطؤه غير موضوع لأنه يجهله كالعامد، والجاهل والعامد هما سواء. قد جاء فى الحديث الآخر: " القضاة ثلاثة: اثنان فى النار، وواحد فى الجنة. فقاضٍ قضى بغير الحق وهو يعلم بذلك (¬2) ففى النار، وقاضٍ قضى وهو لا يعلم فأهلك ¬

_ (¬1) فى س: ولا شك فيه. (¬2) فى س: فذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حقوق الناس فذلك فى النار، وقاضٍ قضى بالحق فذلك فى الجنة " (¬1). وفى الرواية الأخرى: " وقاض علم قوله هذا، فعدل فأحرز أموال الناس وأحرز نفسه ". ومعنى قوله هنا: " أخطأ " يعنى وجه الحكم. وجعل له الأجر لاجتهاده لأنه فى طاعة بعلمه، ولم يكمل لعدم إصابته، والآخر تم له الأجر لكمال أجره فى الاجتهاد والإصابة لوجه الحكم، فكان له من الأجر الكثير الجسيم بقدر ذلك. وقد استدل بهذا الحديث من يرى أن الحق فى طرفين، وأن كل مجتهد مصيب، قال: لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل له أجراً. واحتج به - أيضاً - أصحاب القول الآخر بأن المصيب واحد والحق فى طرف واحد؛ لأنه لو كان كل واحد مصيباً لم يسم أحدهم مخطئاً، فجمع الضدين فى حالة واحدة. ومعنى الحديث عند الطائفة الأولى فى أنه أخطأ النص وذهل عليه (¬2)، أو ما لا يسوغ الاجتهاد فيه من الدلائل القطعية مما خالفه إجماع، وما اطلع الله - سبحانه - أو نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حقيقه الحق [فيه] (¬3) ووجه الحكم، فهذا متى اتفق لحاكم الخطأ فيه بعد اجتهاده لم يختلف فى نسخ حكمه [ورد نظره وإخبار خطئه، وهو] (¬4) الذى يصح عليه إطلاق الخطأ. وأما للمجتهد فى قضية ليس فيها نص ولا إجماع فمن أين يقال: إنه أخطأ؟ ولا يلتفت إلى قول من لم يحقق لقوله: " إن فى كل نازلة حكماً عند الله تعالى هو الصواب، فإذا أخطأ المجتهد كان مخطئاً، وإذا أصابه كان مصيباً " فى أن هذا تخييل وتوهيم، ممن لا تحقيق عنده، إذ النوازل التى لم يبرز الله لها حكماً ولا نص لنا على وجه حكمها من حرمها لا حكم لله فى شىء منها، سوى ما سبق فى قديم مشيئة علمه فى آحادها من اختلاف المجتهدين فيها، وأن الشافعى يحكم فى نازلة فلان بالجواز، ومالك يحكم فى نازلة فلان آخر وهى مثلها بالمنع، وأبو حنيفة يحكم فى قضية فلان بالتعزير، ومالك يحكم فيها بعينها لأخر بالرجم. وهكذا فى تفصيل آحاد النوازل فى علم الله - سبحانه - وسابق كتابه، الذى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء. فإذا وقعت هذه النوازل فكل حاكم حكم فيها باجتهاده فهو الذى علمه الله - تعالى - وشاءه، وما نفذ فيها فهو قضاؤه - تعالى - بها وحكمه، ولا تناقض فى هذا كما زعم الآخرون حتى يكون الشىء حلالاً معاً وصحيحاً فاسداً فى حالة واحدة وواجباً حراماً فى ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الأقضية، ب فى القاضى يخطئ 2/ 267، الترمذى، ك الأحكام، ب ما جاء عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3/ 604 رقم (1322)، ابن ماجه، ك الأحكام، ب الحاكم يجتهد فيصيب الحق 2/ 776 بمعناه. (¬2) فى س: عنه. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى س: ودرء نظره وخبر خطئه وهذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى، فإن تناقض اختلافهم بتضاد أحكامهم إنما هو على الجملة وجنس النازلة، وبحسب تقدير اجتماع ذلك فى النازلة الواحدة، والنظر فى إصابة صواب الحكم ومراد الله فيه فإنما هو بعد وقوعه، ولا يصح أن يقع إلا على صفة واحدة فلا ينفذ فى الشأن القتل والاحتياط فى حالة، ولا يجتمع التحليل والتحريم فى حكم واحد. فبان أن الذى نفد به الحكم فى هذه النازلة من المالكية من قتل هذا هو حكم الله - تعالى - فيه لا سواه، وفى هذه الأخرى من جلد آخر فيها بحكم الحنفى هو حكمه أيضاً لا سواه، ومن تصريح آخر وترك التبعة له فى مثلها. بحكم الشافعى لذلك، وأن الصواب فى هذه النوازل كأنها ما نفذ فيه حكم المجتهدين وفتاويهم فيها بخاصة كل قضية، وأنها أحكام الله - سبحانه - فيها، ومراده فى أزله، وسابق علمه لا غير ذلك؛ إذ لا حكم لله فى نازلة إلا ما نص عليه، أو قام مقام نص بما شرعه رسوله قطعاً، أو اجتمعت عليه أمته أو مستنده إلى مثل ذلك، أو ما كشف الغيب مراده أنه حكمه بتقييد مجتهد له ولا تناقض ولا تضاد فى ذلك، إذ التناقض والتضاد إنما يتصور فى المحل الواحد، وهذا كله بين جلى. والقول بأن الحق فى طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من المتكلمين والفقهاء، وهو مروى عن مالك والشافعى وأبى حنيفة، وإن كان قد حكى عن كل واحد منهم اختلاف فى هذا الأصل، وهذا كله فى الأحكام الشرعية وما لا يتعلق بأصل وقاعدة من أصول التوحيد وقواعد التوحيد، مما مبناه على قواطع الأدلة القطعية، فإن الخطأ فى هذا غير موضوع، والحق فيها فى طرف واحد بإجماع من أرباب الأصول، والمصيب فيها واحد، إلا ما حكى عن عبيد الله بن الحسن العنبرى أن مذهبه فى ذلك على العموم. وعندى أنه إنما يقول ذلك فى أهل الملة دون الكفرة. والاجتهاد المذكور فى هذا الباب هو: بذل الوسع فى طلب الحق والصواب فى النازلة.

(7) باب كراهة قضاء القاضى وهو غضبان

(7) باب كراهة قضاء القاضى وهو غضبان 16 - (1717) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ. قَالَ: كَتَبَ أَبِى - وَكَتَبْتُ لَهُ - إِلَى عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ أَبِى بَكْرَةَ وَهُوَ قَاض بِسِجِسْتَانَ: أَلا تَحْكُمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ". (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ زَائِدَةَ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى عَوَانَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان "، قال الإمام: قال الحذاق من الأصوليين: إن هذا جارٍ مجرى التنبيه بالشىء على ما فى معناه، وأن المراد بذكر الغضب هاهنا: العبارة عن كل حال تقطع الحاكم عن السداد، وتمنع من استيفاء الاجتهاد؛ كالشبع المفرط الموقع فى القلق، وجمود الفهم، وكالجوع المفرط المؤدى إلى موت الحس وانحلال الذهن، وكالردع العظيم المشتغل للنفس المغير للحس، وكالحزن الشديد المؤدى إلى نحو من ذلك، إلى غير ذلك مما يطول العداد. وإنما نبه عن الغضب لأنه أكثر ما يعرض للحاكم، لأنه لا بد مع مراجعته العوام أن تقع منهم الهفوة وتسمع منهم الجفوة؛ فلهذا خص بالذكر. وإن عورض هذا الحديث بحديث شِرَاج الحرة وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم بعد أن أُغْضِبَ، قيل: هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوم، وأيضاً. فلعله علم الحكم قبل أن يغضب، وأيضاً فلعله لم ينته الغضب به إلى الحد القاطع عن سلامة الخواطر.

(8) باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور

(8) باب نقض الأحكام الباطلة، وردّ محدثات الأمور 17 - (1718) حدّثنا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلالِىُّ، جَمِيعًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ". 18 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَامِرٍ. قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَر الزُّهْرِىُّ عَنْ سَعْدِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: سَأَلْتُ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ مَسَاكنَ، فَأَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ مَسْكَنٍ مِنْهَا. قَالَ: يُجْمَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِى مَسْكَنٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، قال الإمام: يحتج بهذا من أهل الأصول من يرى أن النهى يدل على فساد المنهى عنه؛ لأنه أخبر إن كان أحدث بما ليس من الدين فهو رد. والمنهيات المحرمات كلها ليست من أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجب ردها، ومن أنكر من أهل الأصول ممن يرى كون النهى يدل على فساد المنهى عنه على الإطلاق يقول: هذا خبر واحد، يتطرق إليه الاحتمال والتأويل، فلا يستمسك به فى مثل هذه المسألة. قال القاضى - رحمه الله -: معنى قوله: " رد ": أى فاسد. وفائدة الخلاف المتقدم هذا فيمن يقول: إن النهى يدل على فساد المنهى عنه، وهو قول جمهور الفقهاء، وأن العقود المنهى عنها إلا من دليل آخر. ومذهب معظم أئمة المتكلمين من شيوخنا أن مجرد النهى لا يدل على الفسخ ولا على فساد المنهى عنه، وإنما يستدل على فساد ما فسد منه بغير مجرد النهى عنه. ومعنى قولهم: " رد ": أى غير موافق لسنة، وصاحبه غير مأجور فيه ومردود عليه وقوله فى هذا الحديث: " سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن فأوصى بثلث كل مسكن منها، قال: يجمع ذلك كله فى مسكن واحد، ثم قال: أخبرتنى عائشة - رضى الله عنها " وذكر الحديث: حكم الوصايا أن تنفذ على ما أوصى به الميت ما لم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحدث ذلك ضرراً على الورثة فى ثلثيهم الموروث، وهذا لما أنفذت وصيته بثلثه فى كل مسكن لم يلزم إلا بحكم ينفذ بينه وبين الورثة، بما يجب من الحكم بين الشركاء ولو أوصى بذلك الميت، وبينه بقوله: لا يفرق نصيبه لم يلتفت إلى وصيته؛ لأن وصيته إنما هى فى ملكه فى المال لا فيما يوجبه الأحكام، فوجب إذا دعا هو أو دعا الورثة إلى تمييز حقوقهم وجمعها أن يحكم بينهم بواجب السنة فى ذلك، يأمر بجمعها وتقسيمها بالتعديل والتقويم وإخراج نصيب كل واحد متميزاً منحازاً ينفرد بسكناه ومنفعته، إلا لو كانت هذه الدور من البعد فى الأماكن بحيث لا يضم بعضها إلى بعض فى القسم لبقى الأمر على ما أوصى به، كما تبقى الورثة على وراثتهم فيها إذ كانت لا تقسم، أو تقسم كل دار منها إن احتملت القسم على أنصبائهم على واجب سنة القَسْمِ، أو تكون هذه الدور مما لو قسمت أيضاً على صاحب الثلث. والورثة لم يحصل الواحد منهم دار مفردة إلا بشركة؛ مثل أن يكون اثنان ودارين مستويتين، فنحن نعلم إذا تفاوت فى القسم لكل واحد من الوارثين والموصى لهم ثلثا دار، ولا بد أن أحدهما يخرج سهمه مفرقاً فى دار بالاشتراك، ولا بد من جمعهم، فلا معنى لهذه القسمة هنا إذ لم تتميز الحقوق حتى الآن؛ لأنهم انتقلوا من اشتراك إلى اشتراك، وإنما القسمة تمييز حق وانفراد بملك.

(9) باب بيان خير الشهود

(9) باب بيان خير الشهود 19 - (1719) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْن أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو بْن عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَمْرَةَ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ؛ أَنَّ النّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِى يَأْتِى بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ألا أخبركم بخير الشهداء؛ الذى يأتى بشهادته قبل أن يسألها "، قال الإمام: يحتمل أن يراد به من تحمل شهادة ولم يعلم بها المشهود له، فإنه ينبغى له أن يعلمه؛ ليكون مستعداً بشهادته؛ ليفعل ما يفعل مع خصمه وهو على ثقة بما له وعليه. قال القاضى - رحمه الله -: بنحو هذا فسر مالك الحديث، وزاد: ويرفع ذلك إلى السلطان. وقيل: قد يحتمل أن يكون فيما لا يختص بحق آدمى، ويكون من حقوق الله تعالى الذى لا ينبغى السكوت عليها؛ كإنكار الطلاق والعتاق والحيس والصدقات، من علم شيئًا من ذلك وجب رفعه إلى الإمام، والشهادة به عنده لغيره. قال الله - عز وجل -: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه} (¬1)، فإن كان الشهود جماعة وجب على كل واحد منهم رفع ذلك، حتى إذا قام بذلك بعضهم سقط عن الباقين؛ إذ القيام بالشهادة من فروض الكفاية. وكذلك يلزم من رفع الشهادة بالحدود، وإذا كان صاحبها قائماً عليها؛ كمعاقرى الشراب والمختلى بالمرأة للفجور؛ ولأن ذلك من تغيير المنكر. ولا يلزم من ذلك إذا كانت المعصية قد انقضت؛ لما جاء فى الستر على المسلم، إلا أن يكون مشهوراً بالفسوق، ومشتهراً بالمعاصى، مجاهراً بذلك. فقد كره مالك وغيره الستر عن مثل هذا، ورأى رفعه والشهادة عليه بما اقترفه ليرتدع عن فسوقه، وليس يخرجه سكوته وستره عليه لما فعل. وأما الأول المستديم للمعصية بركوبها، أو ببقائه مع المطالعة، أو استخدامه الفسق، فسكوت العالم بها، وترك رفع أمره، وتغيير منكره والشهادة به - جرحة فى شهادته. واختلف مذهبنا فى تجريحه بسكوته عن الشهادة بحقوق الآدميين وترك رفعها وهو يرى حقوقهم بيد غيرهم، وصاحب الحق حاضر غير عالم، هكذا أطلق بعض شيوخنا عن مذهب ابن القاسم أنها جرحة، وعند بعضهم أن تكون جرحة فى الشهادة نفسها وجَوْرًا عليها لا ¬

_ (¬1) الطلاق: 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلح له أداؤها بعد وهو الأظهر، وقيل: إنما تكون جرحة فى شهادته إذا سكت حتى رأى صاحب الحق صالح عن حقه واضطر إلى شهادته ولم يعرفه بها حتى بطل حقه فهذه جرحة فى شهادته، فأما على غير هذا لا بمجرد سكوته، فلعل صاحب الحق لا يطلب حقه أو وهبه أو باعه ممن هو فى يده فليس بجرحة. وأما سحنون ومن وافقه فيرى القيام بالشهادة وإن طال حوذها على الشهادة، إلا فيما كان من حقوق الله - سبحانه - وقد قيل: يحتمل أن يكون قوله: غير الشهود الذى يأتى بشهادته، قبل أن يسلبها على السرعة والمبادرة لأدائها إذا سلبها لا قبل سؤالها، كما يقال: الجواد يعطى قبل سؤاله، عبارة عن حسن عطائه. ولا يعارض هذا الخبر الحديث الآخر فى ذم من يأتى. وقوله: " يشهدون ولا يستشهدون " (¬1): فقد احتج به قوم وقالوا: لا تجوز شهادة من يشهد قبل أن يستشهد. ومعنى هذا عند أهل العلم: أنه ورد مورد الذم لمن يأتى بعد القرون الفاضلة بخصال وصفهم بها، من فشو الكذب والخيانة، وكثرة الحلف، وقلة الوفاء والأمانة، فكانت هذه الشهادة من هذا الباب أنها شهادة كذب لا أصل لها، شهدوا بما لم يستشهدوا ولا استشهدوا عليه، كما خانوا وكذبوا وحلفوا. وقد يكون معناه: أنهم يتصدرون الشهادة وليسوا بأذكياء ولا من أهلها، ولا يرضى أحد أن يستشهدهم، كما قال: " يخونون ولا يؤتمنون ". وقيل: معنى الشهادة هنا: اليمين، وروى عن النخعى، ويدل عليه قوله: " يسبق يمين أحدهم شهادته، وشهادته يمينيه " ويدل عليه قوله آخر الحديث: " وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ". قيل: معناه: أن يقول أشهد بالله لكان إلا كذا. وقيل معنى قوله: " يشهدون ولا يستشهدون ": أنه فى القطع على المغيب وقيل: يشهدون لقوم بالجنة ولقوم بالنار. ¬

_ (¬1) سيأتى فى ك فضائل الصحابة، برقم (214).

(10) باب بيان اختلاف المجتهدين

(10) باب بيان اختلاف المجتهدين 20 - (1720) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى شَبَابَة، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى. إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلامُ - فَأَخْبَرَتَاهُ. فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر قصة داود وسليمان - عليهما السلام - فى المرأتين. قوله: " بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك. وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فذهبتا إلى داود - عليه السلام - فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان فأخبرتاه، فقال: ائتونى بالسكين أشقه بينكما. فقالت الصغرى: لا، يرحمك الله، هو ابنها. فقضى به للصغرى ": ويحتمل أن داود - عليه السلام - إنما قضى به للكبرى على مقتضى شرعنا إذ كان لا يخالفه، إما لكونه فى يدها أو يشبهها إن كان القضاء فى شرعه فى الإلحاق بالشبهة، وحكم سليمان بعد هذا التوسط والتلطف به للصغرى؛ لما رأى من إشفاقها بعد تعجيزه الكبرى بذلك وفضيحته لها؛ إذ لو كان ولدها لأشفقت عليه فيكون منها حينئذ لتلك الخجلة والفضيحة ما يوجب الاعتراف والتسليم، ومثل هذا يفعله نبهاء الحكام مالا استدلال بأمور لو تجردت لم يقضى بها فى شىء، لكن يقيم بها الحجة والإرهاب على المدعى حتى يستبين منه الاضطراب، ويضطر إلى الاعتراف، ورب قوى الشكيمة فى الباطل لا تنفع فيه رقية ولا حيلة. وحكم سليمان - عليه السلام - فى القضية بعد حكم أبيه، قيل: لأن داود لم يكن أنفذ الحكم بعد. وظاهر الخبر خلافه لقوله: " فقضى به للكبرى "، ويحتمل أن يكون فتوى من داود - عليه السلام - لا حكماً، ويحتمل أن فى شرعهم نسخاً، فحكم الحاكم لحاكم آخر متى طلب ذلك بعض الخصوم، ويحتمل أنهما رضيتا بالتراجع وابتداء الحكم عند سليمان - عليه السلام - ويحتمل أن سليمان صنع ذلك بعد حكم أبيه ملاطفة، فلما حصل الاعتراف لزم الحكم به، كما إذا اعترف الخصم بعد الحكم عليه باليمين لإنكاره، فإن الحق يؤخذ منه.

ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لا، يَرْحَمُكَ اللهِ، هُوَ ابْنُهَا. فَقُضِىَ بِهِ لِلصُّغْرَى. قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: وَاللهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلا يَوْمَئِذٍ، مَا كُنَّا نَقُولَ إِلا الْمُدْيَةَ. (...) وحدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ مَيسَرَةَ الصَّنْعَانِىَّ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ وَرْقَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " لا، يرحمك الله، هو ابنها " (¬1). معناه: لا تفعل يرحمك الله. وقد كره السلف مثل هذا القول؛ لاحتمال الدعاء عليه لا له. وقال أبو بكر الصديق - رضى الله عنه -: لا تقل كذا، وقل: يرحمك الله، لا. وقد يحتمل أن يقال فى هذا: لا ويرحمك الله. قال الإمام: هذا يكون أصلاً فى استعمال الحاكم طرقاً من الحيل المباحة فى استخراج الحقوق إذا وقع الإشكال وكان داود - عليه السلام - رجح بالكبر فقضى به، وهذا ليس فى شرعنا. وأما سليمان فعلم أن الطباع مجبولة على الإشفاق على الولد، فاختبار الشفقة عليه ليستدل بذلك على الأم منهما. وقد حكى بعض هذا: أن رجلاً اشترى أرضاً فوجد فيها دفين ذهب، فتبرأ منه المشترى وتبرأ منه البائع. فتحاكما إلى من قال لهما: ينكح من له الغلام منكما ولده ممن له الجارية، وأنفقاه على أنفسكما وتصدقا. وهذا أيضاً على جهة الصلح والتسديد. وأما الأول، فإن المشهور من مذهبنا أن الأم لا تستحق ولو كانت منفردة لا ينازعها أحد، فكيف بهذه التى توزعت، ولا يكون عندنا الولد لأحدهما إلا ببينة؟ واختلف عندنا فيمن باع أرضاً فوجد فيها مشتريها شيئاً مدفوناً، هل يكون ذاك للبائع أو للمشترى؟ فيه قولان. ¬

_ (¬1) وفى البخارى ك الفرائض، ب إذا دعت المرأة ابنها 8/ 195 بلفظ: " لا تفعل، يرحمك الله " وكذا أحمد 2/ 340.

(11) باب استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين

(11) باب استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين 21 - (1721) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلِ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِى اشتَرى الْعَقَارَ فِى عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ. فَقَالَ لَهُ الَّذِى اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّى، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ. فَقَالَ الَّذِى شَرَى الأرْضَ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا. قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِى تَحَاكَمَا إلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لِى غُلامٌ. وَقَالَ الآخَرُ: لِى جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " اشترى رجل من رجل عقاراً، فوجد الذى اشتراه فى عقاره جرة ذهب " أى قلة مملوءة ذهب، قال القاضى - رحمه الله -: العقار الأصول فى الأموال من الأراضى وما يتصل به، سميت بذلك من العقر وهو الأصل. عُقر الدار بضم العين وفتحها. وقوله: " فقال الذى شرى الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها " كذا للسمرقندى. ولغيره: " فقال الذى اشترى " والأول أصح. شرى بمعنى باع هنا، وإن كان قد جاءت الكلمتان بمعنى اشترى وشرى، فلا يصح هنا؛ لأنه قد ذكر قبل هذا قول الذى اشترى: " إنما اشتريت منه الأرض " إلا بإضمار البائع، وقال البائع للذى اشترى.

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المعلِم بفَوَائِدِ مُسْلِم لِلإِمَام الحَافظ أبى الفضل عيَاض بن مُوسَى بن عيَاض اليَحْصَبِى ت 544 هـ تحْقِيق الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل الجزُء السَّادسُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حقوق الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - ج. م. ع - المنصورة الإدارة: ش الإمام محمد عبده المواجه لكلية الآداب ص. ب 230 ت: 342721/ 356220/ 356230 فاكس 359778 المكتبة: أمام كلية الطب ت 347423

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِم لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكْمَال المُعلِم بِفَوَائِدِ مُسْلِم

31 - كتاب اللقطة

بسم الله الرحمن الرحيم 31 - كتاب اللقطة 1 - (1722) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهنِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النَّبِىِّ فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: " اعْرِف عِفَاصَها وَوِكاءَها ثُمَّ عرِّفْهَا سَنةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وإلا فَشَأنُكَ بَها ". قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: " لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْب ". قَالَ: فَضَالَّهُ الاِبِل؟ قَالَ: " مَالَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ". قَالَ يَحْيَى: أحْسِبُ قَرَأتُ: عِفَاصَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ اللقطة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى اللقطة: " اعرف عفاصها وَوِكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها "، قال: فضالَّه الغنم، الشاة؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لك أو لأخيك أو للذئب "، قال: فضالة الإبل؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها "، وفى بعض طرقه: " عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه "، وفى بعض طرقه: " ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفق، ولتكن وديعة عندك. فإذا جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه "، وفى بعض طرقه: " فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه، وإلا فهى لك "، وفى بعض طرقه بعد التعريف: " أن تعرف العفاص والوكاء "، ثم قال: " كلها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه "، وفى بعض طرقه فى حديث سويد بن غفلة (¬1): " خرجت أنا وزيد بن صوحان (¬2) وسلمان (¬3) غازين، فوجدت سوطاً فاخذته، ¬

_ (¬1) سويد بن غفلة بن عوسجة أبو أمية الجعفى الكوفى. روى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم، وعنه أبو إسحاق خيثمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعى وغيرهم. قال ابن معين والعجلى: ثقة. مات سنة 80، وقيل 81. التهذيب 4/ 278، 279. (¬2) زيد بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدى أبو سليمان، ويقال: أبو عائشة أخو صعصعة، أدرك النبى وله صحبة، شارك فى موقعة الجمل وقتل فيها. الإصابة 1/ 582، 583 برقم (2997). (¬3) سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو الباهلى أبو عبد الله، وهو سلمان الخيل، يقال: له صحبة، روى =

2 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِىِّ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال لى: دعه فقلت: لا، ولكنى أعرفه، فإن جاء صاحبه وإلا استنفقت به. فلقيت أبى بن كعب فأخبرته بما جرى، فقال: وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت بها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " عرفها حولاً ". قال: فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " عرفها حولها " فعرفتها فلم أجد من يعرفها، فقال: " احفظ عددها ووعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها "، وفى بعض طرقه: قال شعبة: سمعته بعد عشر سنين يقول: " عرفها عاماً واحدًا "، قال الإمام: اختلف الناس فى اللقطة، هل يجوز أخذها ابتداء أو يكره؟ واختلف الناس أيضاً إذا جاء صاحبها فوصف العفاص والوكاء - على ما ذكر فى الحديث هل يجب إعطاؤها له؟ وهو مذهب مالك، أو لا يحكم له بها حتى يقيم بينة؟ وهو مذهب أبى حنيفة والشافعى. واختلف الناس - أيضاً - إذا عرفها حولاً، هل يجوز له أكلها أم لا؟ فعندنا: يجوز على كراهية فيه، وعند أبى حنيفة: إنما يجوز بشرط أن يكون فقيرًا. واختلف الناس - أيضاً - إذا أكلها بعد الحول وجاء صاحبها، هل عليه غرامتها له أم لا؟ (¬1) فعندنا: عليه الغرامة، وعند داود: لا غرامة عليه. واختلف الناس - أيضاً - فى الشاة إذا كانت فى الفلاة فأكلها ملتقطها، ثم جاء صاحبها، هل يغرمها له أم لا (¬2)؟ فعندنا: لا غرامة عليه، خلافاً لأبى حنيفة والشافعى فى إيجابهما الغرامة. واختلف المذهب - أيضاً - إذا أعطاها بالصفة، هل يحلف آخذها أم لا؟ فتضمن ما ذكرنا فى كتاب مسلم الرد على أبى حنيفة فى اشتراطه الفقر لأنه قال: " ثم كلها " ولم يشترط الفقر. وحديث أبى وقد كان غنياً وقد أباح له الاستمتاع بها. ¬

_ = عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر، وعنه سويد بن غفلة وأبو وائل وأبو ميسرة وغيرهم، شهد فتوح الشام. قال العجلى: كوفى ثقة، وذكره ابن حبان فى الثقات. مات سنه 25 هـ، وقيل: 29 هـ، وقيل 30 هـ، وقيل 31 هـ. التهذيب 4/ 136، 137. (¬1) انظر: المسألة فى التمهيد 3/ 117 وما بعدها، الاستذكار 22/ 331. (¬2) انظر: التمهيد 3/ 123 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتضمن أن الشاة لا غرامة فيها، رداً على المخالف؛ لأنه قال: " هى لك "، وظاهر هذا التمليك، والمالك لا يغرم. وأيضاً فقد قال: " وللذئب "، فنبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنها كالتالفة على كل حال ومما لا ينفع صاحبها بقاؤها. وتضمن الرد على المخالف فى اشتراطه البينة؛ لأنه قال: " فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه " ولم يشترط البينة، بل أمر بإعطائها، ولا معنى لقولهم: إنه يجوز له أن يعطيها إذا ظهر له صدق الواصف وهو المراد بالحديث. وأما أن يحكم عليه فلا، لأن قوله: " فأعطها إياه " أمر، فظاهره خلاف ما قالوه. وتضمن الرد على داود فى قوله: لا يغرمها بعد الحول، لقوله: " فإن لم يجئ صاحبها كانت وديعة عندك "، وقوله: " فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه ". وتضمن ترجيح أحد القولين عندنا فى نفى الدين عن الواصف؛ لأنه قال: " فأدها إليه " ولم يشترط يميناً كما لم يشترط بينة. وهاهنا سؤال يقال: إذا كانت للصفة إنما أعطى بها الواصف لأنها دلالة على صدقه فى غالب الظن، وان جاز (¬1) أن يكون سمع الصفة من غيره، كما أن البينة دلالة، وإن جاز أن تكذب، فهل تطلقون هذا الاستدلال وتحكمون به فى كل مال؟ قلنا: أما المال الذى فى يد حائز يدعيه لنفسه ويحوزه زماناً، فهذا لا سبيل إلى إخراجه من يده بالصفة، لأن دلالة اليد أقوى من دلالة الصفة. وأما إذا كان لا يحوزه لنفسه فليس هناك دلالة تعارض دلالة الصفة، فحكم بدلالة الصفة. فإن قيل: فإن سرق مالاً ونسى من سرقه منه، وأودع مالاً ونسى من أودعه إياه، ثم أتى من وصفه، هل يعطاه كاللقطة أم لا؟ قلنا: أما السرقة فالتزموا ذلك فيها أصحابنا، ورأوا أن يعطاها مدعيها إذا وصفها. وأما الوديعة فقد اضطرب أصحابنا فيها، فمنهم من أجراها مجرى اللقطة والسرقة، ومنهم من فرق بينهما. والفرق عنده أن كل موضع تعذر فيه على المالك إقامة البينة اكتفى فيه بالصفة، وكذلك السرقة. ولا يمكن أن يسقط للإنسان ماله ببينة فاكتفى فيه بالصفة، وكذلك السرقة؛ لأنه لا يسرق ماله ببينة، فاكتفى فيها - أيضاً - بالصفة إذا جهل المالك. وأما الوديعة فيمكن مودعها أن يتحرز بالإشهاد ففارقت اللقطة والسرقة، فصارت ¬

_ (¬1) فى الأصل: جاء، والمثبت من ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسألة اللقطة أصلاً فى الرد [على المسألة] (¬1) بالصفة. فمن رأى أن العلة كون المال لا يدعيه حائزه لنفسه أجرى الثلاث مسائل مجرىً واحداً، ومن أضاف إلى هذه العلة أن مالكه لا يمكنه الاشهاد عليه أيضاً فارقت الوديعة اللقطة والسرقة. وأما اليسير من اللقطة فلم يجره مالك مجرى الكثير واستحق فيه التفريق ولا يبلغ بتعريفه سنة (¬2). وقد تقدم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بتمرة فى الطريق، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها " (¬3). وهذا تنبيه على أن اليسير الذى لا يرجع أهله إليه يؤكل. وعند أبى داود عن جابر: رخص لنا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى العصا والسوط والحبل وأشباهه، يلتقطه الرجل ينتفع به. وقد حد بعض الناس القليل بنحو الدينار فيما أظن، تعلقاً بما خرج أبو داود عن على - رضى الله عنهما - أنه دخل على فاطمة وحسن وحسين - رضى الله عنهما - يبكيان. فقال ما يبكيهما (¬4)؟ قالت: الجوع فخرج على - رضى الله عنه - فوجد ديناراً فى السوق فجاء إلى فاطمة - رضى الله عنها - فأخبرها، فقالت: اذهب إلى فلان اليهودى فخذ لنا به دقيقاً، فجاء اليهودى فاشترى دقيقاً، فقال له اليهودى: أنت ختن (¬5) هذا الذى يزعم أنه رسول الله؟ فقال: نعم. قال: فخذ دينارك ولك الدقيق. فخرج على - رضى الله عنه - حتى جاء إلى فاطمة فأخبرها، فقالت: اذهب إلى فلان الجزار فخذ لنا بدرهم لحماً. فذهب فرهن الدينار بدرهم لحماً، فجاء به فعجنت ونصبت وخبزت، وأرسلت إلى أبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءهم، فقالت: يا رسول الله، أذكر لك، فإن رأيته حلالاً أكلناه، وأكلت معنا، من شأنه كذا وكذا، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا باسم الله "، فأكلوا منه، فبينما هم مكانهم إذ غلام ينشد الله والإسلام الدينار، فامر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعى له، فقال: سقط منى فى السوق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا على، اذهب إلى الجزار فقل له: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لك: " أرسل بالدينار ودرهمك علىّ "، فأرسل به فدفعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه (¬6). فوجه تعلقهم من الحديث: أن علياً - رضى الله عنه - لم يعرفه، وقد ذكرت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " كلوا باسم الله " ولم يوبخهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ترك التعريف. وقد اختلف المذهب عندنا فى الدينار، هل يعطى لمدعيه أنه سقط له؟ فقيل: لا يعطى حتى يصف شيئاً فيه أو علامة، وقد وقع فى هذا الحديث أنه لم يطلب منه الصفة، ويمكن أن يكون اختصرها ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) انظر: الاستذكار 22/ 186 وما بعدها. (¬3) مسلم، ك الزكاه، ب تحريم الزكاة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬4) فى الأصل وس: يبكيكما، والمثبت من الحديث. (¬5) فى الأصل: الذى. (¬6) أبو داود، ك اللقطة (1716).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الراوى عند من قال: لا يرد الدينار إلا بعلامة. والعفاص هو الوعاء الذى يكون فيه الشغفة، جلدًا كان أو غيره، ولذلك سمى الحذاء الذى يلبس رأس القارورة العفاص لأنه كالوعاء لها. فأما الجلد الذى يدخل فى فم القارورة فهو الصمام بكسر الصاد. والوكاء هو الخيط الذى يشد به الوعاء، يقال منه: أوكيته إيكاءً، ويقول: عفصته عفاصاً، إذا شددت العفاص، فإن جعلت العفاص قلت: أعفصته إعفاصاً. وحذاء الإبل: أخفافها؛ لأن بهما تقوى على السير [وقطع البلاد. وقوله: " سقاؤها ": يعنى أنها تقوى على ورود المياه لتشرب، والغنم لا تقوى على ذلك] (¬1). قال القاضى: ذكر الترمذى فى حديث على - رضى الله عنه - زيادة حسنة بها تتم الفائدة: أن علياً - رضى الله عنه - أصاب ديناراً على عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرفه فلم يجد من يعرفه، فأمره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأكله (¬2). قال القاضى: استعار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [للأكل] (¬3) الحذاء والسقاء هنا، لما ذكر قبل من تشبهها بالمسافر الذى معه حذاؤه وسقاؤه فيقوى بذلك على قطع المفاوز، لصبرها على السير وعن الماء لمدة. فجعل استغناؤها [عن الماء] (¬4) مدة بما حملت [من] (¬5) قبل من شربها فى كرشها كمن أعد ماءه [وسقاءه] (¬6) لسفره. ووقع لبعض أصحابنا [الشاميين] (¬7): العفاص والوكاء منه ما تقدم؛ والأول أصح. وحديث اللقطة والحكم فيها بمعرفة العفاص والوكاء أصل عند العلماء فى الحكم بالعرف والعادة عند اختلاف المتنازعين، ولا حجة فيه عند أهل التحقيق أظهر منها، وذلك أنه لما كان الغالب والعرف أن مالك الشىء هو يعرف من صفته ونعوته ما لا يعرفه غيره حكم له بمعرفة العفاص والوكاء، وإن كان الأجنبى ومن لا يملكه قد يعرفه برؤيته عنده أو عاريته إياه، أو إجادته له، أو ملكه له قبله، لكن كان الغالب الوجه الأول، فأمضى الحكم به. وقال بعض العلماء: أجمع العلماء فى أحكام اللقطة على فصول منها: أن معرفة العفاص والوكاء من [أهدى] (¬8) علاماتها، وأن اللقطة ما لم تكن تافهة أو شيئاً لا بقاء ¬

_ (¬1) سقط من س، واستدرك بالهامش. (¬2) الترمذى فى التعليق على الحديث، ك الأحكام، ب ما جاء فى اللقطة وضالة الإبل والغنم 3/ 648 (1373). (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬4) فى س: عنه. (¬5) ساقطة من س. (¬6) فى س: فى سقائه. (¬7) فى س: فى تفسير. (¬8) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: " عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِليْهِ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، فَضَالَّةُ الْغَنَم؟ قَالَ: " خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِىَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ ". قَالَ: يَا رَسُولَ الله، فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمرَّتْ وَجْنَتَاهُ - أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ - ثُمَّ قَالَ: " مَالَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهُا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ". 3 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَعَمْرُو بْنُ الحَارِثِ وَغَيْرُهُمْ؛ أَنَّ رَبِيَعَةَ بْنَ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُمْ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ: قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ؟ قَالَ: وَقَالَ عَمْرٌو فِى الحَديِثِ: " فَإِذَا لَمْ يَأتِ لَهَا طَالِبٌ فَاسْتنفِقْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ له يلزم تعريفها حولاً، وأن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت أنه صاحبها، وأن ملتقطها إن أكلها قبل الحول وجاء صاحبها فضمنه فذلك له، وكذلك إن تصدق بها، وأن ضالة الغنم فى المكان المخوف له أكلها، واختلفوا فيما عدا ذلك. وفى قوله: " اعرف عفاصها ووكاءها ": تنبيه على حفظ ذلك وكتمه؛ لأنه لو أفشاه وعُلِم لادَّعَى فيه من لا يملكه؛ لأنه يعرضه من الإفشاء والشهادة عليه، لذلك قال أهل العلم: ينبغى ألا يصفها للناس ولا يظهرها ولا يسميها بعينها. وقد قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عرفها " ولم يقل: أظهرها. وفى قوله فى حديث زيد بن خالد: " عرفها سنة " وفى حديث أبى: " ثلاث سنين " وفى بعض طرقه الشك فى سنة أو ثلاث، وفى بعضه أنه قال آخراً: عاماً: يحتمل الجمع بين الحديثين بطرح الشك والزيادة، وما رجع إليه أبى آخراً من عام وتركه ما شك فيه، وقيل: هما قضيتان، فالأولى لأعرابى أفتاه بما يجوز له بعد عام، والثانى لأبى، أفتاه بالكف والتربص عنها بحكم الورع ثلاثة أعوام؛ إذ هو من فقهاء الصحابة وفضلائهم، وقد يكون ذلك - أيضاً - لحاجة الأول إليها وضرورته، واستغناء أبى عنها، ورجوع أبى إلى عام بعد شكه لتحريه لما تيقن من الحديث وتركه ما شك فيه منه. واقتصر على الحول فى حكم اللقطة لأنها إن كانت لحاضر فهو غايته فى ضرب الآجال له فى الاختيار والتربص وفى غير شىء كالعنين والمعاناة من علة تضر بالزوجة لتتم به فصول العام كملاً، وسجن من أتى بعض المعاصى ليختبر فيه فيأتيه ويرجى بمكثه مدتها

4 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثنِى سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ - عَنْ رَبِيَعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ يَقُولُ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَاحَمارَّ وَجْهُهُ وَجَبِينُهُ، وَغَضِبَ. وَزَادَ - بَعْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً -: " فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ ". 5 - (...) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلاَلٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ صَاحِبَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ، الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ؟ فَقَالَ: " اعْرِفْ وكَاءَها وعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ توبته؛ ولأنه مدة الزمان بجملته. وان كانت اللقطة لغائب فأكثر الأسفار، غالباً لا يغيب (¬1) عاماً ويرجع إلى وطنه؛ ولهذا ما فرق بينهما وبين لقطة مكة، وأنها تنشد أبداً على ما مضى، قبل فى كتاب الحج: لترداد الناس إلى مكة، ومن لم يحج بنفسه جاء جاره أو قريبه فسمع إنشادها فعرفه بعد انصرافه. وفقهاء الأمصار [متفقون] (¬2) على أن تعريف اللقطة سنة، ولم يأخذ منهم أحد بثلاثة أعوام إلا شىء روى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه. وحديث أبى - رضى الله عنه - واحتجاجه بالحديث على ملتقط السوط، يدل على أن مذهبه بأن يسير اللقطة وكثيرها سواء، وبه فسر حديثه لاحتجاجه بعموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكمه فى نازلته، وهو قول الشافعى عند بعض أصحابنا الدرهم ونحوه. وقال أبو حنيفة مثله فيما كان أقل من عشرة دراهم. وقال الثورى فى الدرهم: يعرفه أربعة أيام. وقال الحسن بن جنى: ثلاثة أيام. وقال بعض العلماء: إن السوط والسقاء والنعل والحبل ونحوه ليس فيه تعريف، وأنه مما يعفى عن طلبه وتطيب النفس بتركه كالتمرة وقليل الطعام (¬3). وقد يعتضد بما تقدم من حديث جابر فى ذلك قال: ويستمتع به من يوم وجوده، فإن جاء صاحبه أخذه على حاله ¬

_ (¬1) فى س: تعدو. (¬2) ساقطة من س. (¬3) انظر الاستذكار 22/ 336 وما بعدها.

فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ "، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ: " مَالَكَ وَلَهَا؟ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتأكُلُ الشَّجَرَ. حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا "، وَسَأَلَهُ عَن الشَّاةِ؟ فَقَالَ: " خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِىَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ ". 6 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا حمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ الرَّأى بْنُ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالدٍ الجُهَنِىّ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَالَّةِ الاِبِلِ؟ زَادَ رَبِيِعَةُ: فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتاهُ. واقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ: " فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عِفَاصَهَا، وَعَدَدَهَا وَوكَاءَهَا، فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، وَإِلا فَهِىَ لَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن لم يرض بذلك لم يكن غير قيمته على حاله. وما تقدم من حديث سويد بن غفلة فى السوط يدل على تعريفه بكل حال، وأنه لا يستمتع به قبل التعريف. وقوله: " فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها فأعطها إياه ": اختلف العلماء، هل من شرط استحقاقه معرفة جميع هذه الثلاثة أم بعضها وإن جهل البعض أو أخطاه؟ وعندى فى ذلك اختلاف، هل لابد من معرفة الجميع؟ إلا أن يكون الخطأ فى العدد إذ قد يؤخذ منه ولا يدرى، أو يكتفى بوصفين؟ إذ قد يعتذر فى الباقى بالنسيان أو بواحد، أم لابد من معرفة العفاص والوكاء من جملة الأوصاف (¬1). واستدل العلماء من قوله فى الشاة: " خذها، فإنما هى لك أو لأخيك أو للذئب " وأن ذلك إباحة أن حكم ما لا يبقى من الطعام ذلك الحكم، وأنه إذا كان فى الفيافى أكله ولا ضمان عليه إن جاء صاحبه عند أصحابنا. واختلفوا إذا كان فى الحضر، فقيل: يبيعه ويدفع ثمنه لمستحقه لا سوى هذا، وقيل: يتصدق به ولا ضمان عليه. واختلفوا إذا أكله، هل يضمنه أم لا؟ ويضمن فى هذا كله عند الشافعى وأبى حنيفة، وقال الشافعى مرة: يأكله ويغرمه لربه، وقال مرة: ويقيم على تعريفه حولاً ثم يأكله (¬2). ومعنى قوله فى ضالة الغنم: " هى لك أو لأخيك أو للذئب ": يريد إذا كانت فى القفار، أى أنها مضيعة، إن لم تأخذها أنت أخذها غيرك، أو أكلها السبع. وقيل: ¬

_ (¬1) انظر الاستذكار 12/ 329، المغنى 8/ 295 وما بعدها. (¬2) التمهيد 3/ 127.

7 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ. قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: " عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْتَرَفْ، فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كُلْهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْه ". 8 - (...) وَحَدَّثِنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى الْحَدِيثِ: " فَإِنِ اعْتُرِفَتْ فَأَدِّهَا، وَإِلا فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا ". 9 - (1723) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْن نَافِعٍ - وَاللَّفُظ لَهُ - حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتمل قوله: " لأخيك " أى صاحبها، فبهذا أبيح أكلها بخلاف سواها، وبخلاف إذا كانت فى الحواضر وحيث يمكن حفظها، فحكمها عندنا حكم سائر اللقطات. وقال الليث: هى فى كل [حال] (¬1) كاللقطة. واختلف العلماء إذا أكلها حيث يجوز له من الفيافى عحد من أجاز له ذلك، هل يقر بها لصاحبها إذا جاء؟ فألزمه ذلك الشافعى، ولم يلزمه ذلك مالك (¬2). ومعنى قوله فى ضالة الإبل: " مالك ولها ": قيل: هو نهى عن التقاطها وضمها؛ إذ بقاؤها حيث ضلت أقرب لأن يجدها ربها من أن يطلبها فى أملاك الناس، وقيل: يحتمل المنع من التصرف فيها بعد تعريفها، ففارقت اللقطات غيرها من هذا الوجه؛ لأنها إذا أخذت نسبت لأكلها، وقيل: يحتمل النهى عن أخذها لأكلها تنزيلها منزلة ضالة الغنم؛ لأنها جاءت بإثر مسألة الغنم، وقيل: بل النهى عن ركوبها وتصريفها لأنه جاء عن السؤال عن ذلك فى غير حديث مسلم بقوله: " ضالة المؤمن حرق النار " (¬3). قالوا: وهذا كان أول الإسلام وعلى ذلك استقر الأمر من أبى بكر وعمر بعده - رضى الله عنهما - فلما كان زمن عثمان وعلى - رضى الله عنهما - وكثر فساد الناس واستحلالهم، رأو ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) انظر: الاستذكار 22/ 344. (¬3) الترمذى فى التعليق على الحديث، ك الأشربة، ب ما جاء فى النهى عن الشرب قائماً 4/ 301 (1881)، وأحمد 5/ 80، والدارمى 2/ 266 وكلهم من حديث الجارود.

قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْن غَفَلَةَ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ غَازِينَ، فَوَجَدْتُ سَوْطًا فَأَخَذْتهُ. فَقَالا لِى: دَعْهُ. فَقُلْتُ: لا، وَلَكِنِّى أُعَرِّفُهُ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وَإِلا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ. قَالَ: فَأَبَيْتُ عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزَاتِنَا قُضِىَ لِى أَنِّى حَجَجْتُ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِشَأَنِ السَّوْطِ وَبِقَوْلِهِمَا. فَقَالَ: إِنِّى وَجَدْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ عَلَى عهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " عَرِّفْهَا حَوْلاً ". قَالَ: فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا. ثُمَّ أَتيْتُهُ فَقَالَ: " عَرِّفْهَا حَوْلاً "، فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا. ثُمَّ أَتيْتُهُ فَقَالَ: " عَرِّفْهَا حَوْلاً "، فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، فَقَالَ: " احْفَظْ عَدَدَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَّ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا " فَاسْتَمْتَعْتُ بِهَا. فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: لا أَدْرِى بِثَلاَثَةِ أَحْوَالِ أَوْ حَوْلٍ وَاحِدِ. (...) وحدّثنى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ - أَوْ أَخبَرَ الْقَوْمَ وَأَنَا فِيهِمْ - قَالَ: سَمِعْتُ سُويْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، فَوَجَدْتُ سَوْطًا. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. إِلَى قَوْلِهِ: فَاسْتَمْتَعْتُ بِهَا. قَالَ شُعْبَةُ: فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنينَ يَقُولُ: عَرَّفَهَا عَامًا وَاحِدًا. 10 - (...) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَش. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْن نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِى، جَمِيعًا عَنْ سُفيَان. ح وحَدَّثَنِى مُحمّد بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّىُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله - يَعْنِى ابْنَ عَمْرٍو - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ التقاطها وضمها والتعريف بها، فإن لم يأت لها صاحب بيعت، وأوقف ثمنها إلى أن يأتى صاحبها، وبهذا قال مالك فى رواية عنه: لا يأخذها ولا يعرفها. قيل: وذلك لما رآه من زيادة الفساد، وعدم عدل الأئمة وأخذها إذا أخذت، من أخذها أو أخذ ثمنها وأكله إن بيعت، فرأى أن تركها بموضعها أقرب لجمعها على صاحبها يوماً ما، وهو قول الأوزاعى والشافعى. وقال الليث: إن وجدها فى القرى عرفها، ولا يعرفها إن وجدها فى الصحراء،

حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، كُلُّ هَؤلاءِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ. وَفِى حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ، إِلا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّ فِى حَدِيثِهِ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. وَفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ وَزَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: " فَإِنْ جَاءَ أحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائهَا وَوِكَائِهَا، فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ ". وَزَادَ سُفْيَانُ فِى رِوَايَةِ وَكِيعٍ: " وَإِلا فَهْىَ كَسَبِيلِ مَالِكَ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ: " وَإِلا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحوه لمالك أيضاً. وقال الكوفيون: أخذها وتعريفها أفضل (¬1). واختلف عندنا فى الدواب والخيل والبغال والحمير، هل حكمها حكم الإبل أم حكم سائر اللقطات؟ وكذلك اختلف فى البقر، فقيل: هى كالإبل، وهو قول بعض أصحابنا، وهو قول طاوس والأوزاعى، وقيل: إذا كانت بموضع يخاف عليها فيه الضياع (¬2) فهى بمنزلة الغنم، وهو قول مالك والشافعى (¬3). ¬

_ (¬1) التمهيد 3/ 124، المغنى 8/ 343. (¬2) فى س: السباع. (¬3) المغنى 8/ 344.

(1) باب فى لقطة الحاج

(1) باب فى لقطة الحاج 11 - (1724) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الأَشجِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ. 12 - (1725) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بَكرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِى سَالِمٍ الجَيْشَانِىِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن لقطة الحاج "، قال الإمام: قد تقدم الكلام على قوله: " لا تحل لقطتها إلا لمنشدٍ "، وأن الشافعى تعلق بظاهر هذا، ورأى أن لقطة الحاج بخلاف غيره. قال القاضى: قد تقدم الكلام على هذا، وأن من أصحابنا من تأول مذهبنا على هذا، أو فرق بين لقطة مكة وغيرها للمعنى الذى قدمناه قبل. ومعروف قول مالك؛ أن لقطتها كلقطة غيرها، وهو قول أبى حنيفة وأحمد بن حنبل (¬1). وقوله: " من آوى ضالة فهو ضال ما لم يُعَرِّفها ": قيل: معناه: مخطئ فى فعله ذلك ضال عن طريق الصواب فيه. قال الإمام: إذا أخذ الضالة فأخفاها فقد أضر بصاحبها، وكان متسبباً إلى الضليلة عنها، فإذا عرفها أمن من ذلك. قال القاضى: على هذا التأويل الحديث عموم فى كل ضالة ولقطة، وقد جاء فى بعض الروايات: " من التقط ضالة "، وظاهر الحديث فى ضوال الإبل، وعليه حمله بعضهم. وإذا فسر بالمخطئ لم يضمن إن هلكت؛ لأنه إنما أخطأ فى أخذها وإنما أخذها ليردها على صاحبها، ويحوطها عليه. وإن كان إنما أخذها ليأكلها ولا يعرفها من الإبل وغيرها فهذا ضال بين الضلال، ثم متعد يضمن ما هلك منها بأى نوع من الهلاك. وقد اختلف العلماء بحسب هذا هل اللقطة والضالة بمعنى واحد؟ وإليه ذهب الطحاوى، ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 8/ 305 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعظمهم أنهما مفترقتان فإن الضالة تختص بالحيوان (¬1)، وهو قول أبى عبيد. وقوله فى ضالة الإبل: " مالك ولها " (¬2) وغضَبه عند ذلك حتى احمرت عيناه، ليدل على شدة كراهة الأخذ ومنعه، ويرى الشدة فى ذلك. وتخصيصه هذا بالإبل مما يحتج به من لا يكره أخذ اللقطة، ويرى أخذها أفضل، وهو مذهب الشافعى، فيما له بال وفيما ليس له بال. وروى ذلك عن مالك فيما له بال، وعنه - أيضاً - الكراهة لالتقاطها. وحكى القاضى إسماعيل عن المذهب التخيير فى ذلك. وقال أبو عبيد: لا ينبغى ترك اللقطة، ولا ينبغى أخذ الضالة. وذهب قوم من العلماء إلى التسوية بينهما، وبه قال الطحاوى، وقال: يأخذها. وفى قوله: " عرفها سنة، وإلا فشأنك بها " (¬3): دليل أنه لا نظر للسلطان فيها، وإنما الأمر فيها لواجدها، وهو قول أهل العلم. واختلفوا إن كان غير ملعون هل يتركها بيده السلطان أو يأخذها منه؟ على قولين. واختلف فى ذلك قول الشافعى، ومقتضى مذهب مالك وأصحابه أن يأخذها مريد غير المأمون. واختلفوا فى تأويل قوله: " وإلا فشأنك بها " بحسب اختلافهم فى حكمها، فقيل معناه: الإباحة، بدليل قوله فى الرواية الأخرى: " فاستنفقها " و" فاستمتع بها "، وأنه مفسر لذلك المبهم. وقيل معناه: احتفظ بها. وقيل: تصدق بها، وذلك على ما نذكره من اختلافهم فى ذلك. وقوله فى حديث القعنبى عن سليمان بن بلال: " فإن تعرف فاستنفقها أو فتكون وديعة عندك، فإذا جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه " (¬4) رفع لأشكال اختلاف الروايات وجمعها فى حديث واحد، وأنها وإن أبيح له أكلها فهو ضامن لها، وعلى هذا إجماع علماء الأمصار وفقهاء الفتوى، إلى أن جاء داود فاسقط عنه الضمان بعد السنة. وإن اختلفوا فى جواز أكله لها بعد الحول بعد ضمانها إن جاء صاحبها، فأباحه أبو حنيفة للفقير. وروى عن على وابن عباس - رضى الله عنهما -: يتصدق بها ولا يأكلها، وهو قول المسَيِّب وجماعة من السلف والثورى. وقال مالك: يستحب له الصدقة بها، ويلزمه الضمان وإن تصدق بها، وكذلك إن أكلها. وروى مثله عن عمر وابنه وابن مسعود وعائشة وعطاء والشافعى وأحمد وإسحاق، لكن الشافعى يبيح له أكلها للغنى والفقير. وقال الأوزاعى: إن كان مالاً كثيراً جعله فى بيت المال بعد السنة. ذكر فى حديث أبى الطاهر فى الباب: " اعرفها سنة " (¬5)، وكذا وقع فى رواية ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 8/ 290 وما بعدها. (¬2) و (¬3) ك اللقطة، حديث رقم (1). (¬4) ك اللقطة، حديث رقم (5). (¬5) ك اللقطة، حديت رقم (7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى بحر، وعند غيره: " عرفها " كما فى سائر الأحاديث. وقيل: الألف خطأ، وقد يصح على التعدية مثل: عرفها. قال القاضى: وأما قصة على - رضى الله عنه - فى حديث أبى داود، فليس فيه أنه أخذه تملكاً؛ بدليل بيانه فى قصة الجزار أنه تركه رهناً، وهكذا - والله أعلم - كانت قصتة مع صاحب الدقيق، أو طلب منه فيه ثمناً. ولعله إنما حمله ليرهنه عنده فى دقيق إلى أن يأتى مستحقه ومدة عسره إلى أن يفتح الله من حيث يفديه، أو يتيح له صاحبه مقدار ما رهنه فيه، لشغله به وإنشاده إياه إن رأى ذلك. ولم ير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم أكلاً له ولا استحلاله فيكون سكوته وإقراره حجة فى تسويغه على مذهب أولئك. وقد ذكرنا زيادة للترمذى فى هذا الباب: أنه عرفه فلم يجد من يعرفه. فإن كان على نص حديث أبى داود لحينه، فيكون على ما ذكرناه. وإن كان إنفاقه له بعد مضى مدة التعريف فعلى ما تقدم من صحة التمليك. وحجة لمالك فى ضمانه لربه بعد ذلك.

(2) باب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها

(2) باب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها 13 - (1726) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِك بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ إِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرَوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، كِلاَهُمَا عَنْ عُبَيْدِ الله. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يحلبهن أحد ماشية أحد إلا بإذنه، أيحب أحدكم أن تؤت مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه،، وفى الرواية الأخرى: " فينتثل " الحديث، قال الإمام: النثل: نثر الشىء بمرة واحدة، يقال: نثل ما فى كنانته، أى صبها. قال القاضى: المشربة، بفتح الميم والراء وبضم الراء أيضاً، كالغرفة يختزن فيها الطعام. وقال يحيى بن يحيى: هى العسكر، وهو كالسقيفة والرف، يخرج من بين يدى الغرفة أو الحائط يختزن فيه، وهو من معنى ما تقدم. وفيه من الفقه: أنه لا يحل لأحد أن يأكل مال أحد، ولا يأخذ منه شيئاً إلا بإذنه، وأن اللبن وغيره سواء للمضطر وغيره، إلا ألاّ يجد ميتة. وقد اختلف فى ذلك للمضطر مع وجود الميتة، وأما من يعلم أن نفس صاحبه يطيب بذلك فلا بأس به. وجمهور العلماء على أن على هذا الآكل - إذا اضطر - قيمة ما أكل متى أمكنه. وذهب بعض أصحابنا (¬1) الحديث إلى أنه حق جعله له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا قيمة عليه؛ للحديث الذى ذكره أبو داود وغيره، وفى هذا الباب من إباحة ذلك فيمن مر بماشية. وحمله العلماء على المضطر. وقد قيل فيه: إن من حلب من ضرع ماشية خفية ما قيمته ما يقطع فيه قطع؛ لأنه ¬

_ (¬1) فى س: أصحاب.

أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُميَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى، كُلُّ هَؤلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثهِمْ جَمِيعًا: " فَيُنْتَثَل " إلا اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ، فَإِنَّ فِى حَدِيثِهِ: " فَيُنْتَقَل طَعَامُهُ " كَرِوَايَةِ مَالِكٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ خزانة وحرز للبن، وهذا إذا كانت الغنم أو الإبل فى حرز أو بمحضر راع يرعاها، ولم تكن عادة أربابها الإذن فى ذلك والإباحة. وكذلك كانت عادة العرب، وهو وجه شرب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر للبن غنم الراعى فى طريق الهجرة، وكانت عادة العرب إباحة مثل هذا، وذم مانعه. وفيه جواز القياس والتمثيل فى النوازل. وفيه أن اللبن سمى طعاماً؛ لقوله: " فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم ". فمن حلف ألا يأكل طعاماَ فشرب لبناً حنث، إلا أن يكون له نية معينة فى نوع من المطعومات. وفيه حجة لمن منع بيع الشاة اللبون باللبن. ومالك والشافعى يمنعان ذلك إذا كان فيها الآن لبن حاضر، فإن لم يكن فى ضرعها لبن أجازه مالك نقداً ومنعه مؤجلاً. واختلف أصحابه، فحمله جلهم على عمومه. وقال بعضهم: إنما هذا إذا قدم الشاة، فلو كانت هى المؤخرة جاز وأجازها بالطعام نقداً أو إلى أجل. وأجاز الأوزاعى شراءها باللبن وإن كان فى ضرعها لبن، ورآه لغواً وتبعاً. ولم يجز الشافعى ولا أبو حنيفة بيعها بطعام إلى أجل.

(3) باب الضيافة ونحوها

(3) باب الضيافة ونحوها 14 - (48) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْعَدَوِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَاىَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ حِينَ تَكَلَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْم الآخِرِ، فَليُكرِمْ ضَيْفَهُ جَائزَتَهُ ". قَالُوا: وَمَا جائزَتُه يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ ". وَقَالَ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ". 15 - (...) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنُ أَبِى سَعِيْدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْخُزَاعِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الضِّيَاَفَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُقيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثمَهُ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ: " يُقِيمُ عِنْدَهُ، وَلا شَىْءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته "، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: " يومه وليلته، والضيافة ثلاثة أيام، وما كان وراء ذلك فهو صدقة ": أى من كان يؤمن بالله فليكن من خلقه إكرام الضيف. وأجمع العلماء على أنها من مكارم الأخلاق وسنن الشريعة. واختلفوا فى وجوبها فأكثرهم على ما ذكرناه وحكى الليث أنه حق واجب، وقيل عنه: واجب ليلة واحدة. وقال الشافعى: الضيافة على أهل البادية والحاضرة حق واجب من مكارم الأخلاق، وهذا كما قالت الجماعة. وقال مالك وجل أصحابه: ليس على أهل الحضر ضيافة لوجود الأسواق لما يشترى، والمنازل حيث ينزل فى القرى. وقال ابن عبد الحكم: هى على الحاضر والبادى. وقوله: " جائزة يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام ": قيل: معناه: إتحافه وصلته وإكرامه يوم وليلة، ويطعمه بقية الأيام الثلاثة ما أمكنه من غير تكليف. وقيل: يحتمل أن جائزته يوم وليلة حق المجتاز فى الضيافة، ومن أراد الإقامة فثلاثة أيام. وقيل: الجائزة غير الضيافة، يضيفه ثلاثة أيام، ثم يعطيه ما يجيزه مسافة يوم وليلة. قال الهروى: والجزة قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل.

16 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ - يَعْنِى الْحَنَفِىَّ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزاعِىَّ يَقُولُ: سَمِعَتْ أذُنَاىَ وَبَصُرَ عَيْنِى وَوَعَاهُ قَلَبِى حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ. وَذَكَرَ فِيهِ: " وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدِكُمْ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ " بِمِثْلِ مَا فِى حَدِيثِ وَكِيعٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يحل له أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه ": فسره فى الحديث: " يقيم عنده ولا شىء له يقريه به ". قال الإمام: إنما يطلق التحريم فى الإقامة فوق الثلاثة على أنه ألجأ صاحب القرى إلى فعل ما لا يحل له من طلب القرى من غير حله، أو إطلاق لسانه عليه بما لا يحل لتشغيله. فهذا قد يقال فيه: إنه لا يحل إذا علم أنه يوقعه فيما لا يحل من إطعامه [لكل] (¬1) الأموال المحرمة، أو يكون كمكره (¬2) له على إطعامه، ولا يقدر على التخلص منه. قال القاضى: وقد روى: " حتى يحرجه "، يحتمل أن يضيق خلقه ويدخل عليه الحرج بمقامه، وقد يكون " يحرجه ": يضيق عليه بمقامه. ووقع فى بعض روايات مسلم: " حتى تؤلمه " مكان: " يؤثمه "، لعله تصحيف. وقوله: " فما كان وراء ذلك - يريد ثلاثه أيام - فهو صدقة ": يريد أنها أخرجته عن حد الضيافة المشروعة والمكارمة المستحبة للاثنين إلى علة (¬3) التعريض للعطاء والسؤال. وحكم الصدقة إلا للمحتاج المضطر إليها المحرمة على الأغنياء الأخذ لها بغير طيب نفس صاحبها. وقوله: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ": أى يصمت عن الشر وما لا يعنى من الكلام. وقد تكون الواو للتقسيم، أى يقول الخير ويشغل به لسانه فيؤجر ويغنم، فإن لم يفعل هذا فليصمت ويسلم. وقد تكون " أو " هنا بمعنى الواو، أى يقول الخِر ويصمت عن الشر. وقد تقدم فى كتاب الايمان الكلام على هذا أيضاً بنحو من هذا وأشبع منه. وقوله: إنك تبعثنا فننزل بقوم فما يقروننا، فما ترى؟ فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا نزلتم ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) فى س: كالمكره. (¬3) فى س: حد.

17 - (1727) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنَا: فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِى لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذَوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِى يَنْبَغِى لَهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوم فأمروا لكم بما ينبغى للضيف فاقبلوا [منهم حق الضيف] (¬1)، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذى ينبغى لهم "، قال الإمام: أشار الشيخ أبو الحسن - رحمه الله - إلى أن المراد بقوله: " فخذوا منهم حق الضيف ": العتب واللوم والذم عند الناس، ويحتمل عندى أن يحمل على ضيافة واجبة، فإنهم (¬2) إذا أبوا من بذلها اْخذت منهم إذا قدر على ذلك. وأما الشيخ أبو الحسن فإنى رأيته قال على هذا الحديث: حق الضيف ما ذكرناه عنه، ولعله أراد حمله على ما يعم؛ لأن ما قلناه يخص (¬3) ولكن مع خصوصية أرجح من جهة أن العتب واللوم والذم عند الناس ربما كان الشرع يندب إلى تركه لا إلى فعله، واذا تعين على قوم مواساة آخرين فإنه لا يكره لهم إذا اضطروا وخافوا على أنفسهم الأخذ من طعامهم. قال القاضى: قد قال الداودى: يدل قوله: " خذوا منهم حق الضيف " على أخذه كيف أمكن شراً أو قهراً بالمعروف، وقد يتعين المواساة عند الضرورة. والذى ذكر غيره فى هذا الحديث أبين من أنه: لعل هذا كان أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة، فلما جاء الله بالخير والسعة صارت مستحبة، فيكون على قول هؤلاء منسوخاً، كما قال بعضهم. وقيل: لعله كان حينئذ فيمن يجتاز غازياً بأهل الذمة، ممن لا يقدر على استصحاب الزاد إلى رأس مغزاه، ونحوه لعمر بن الخطاب - رضى الله عنه. ويحتمل أن يكون فيمن أوجبت عليه من أهل الذمة ويعد فتح خيبر وغيرها من بلاد العنوة إن كان شرط ذلك عليهم، كما شرطه عمر - رضى الله عنه - على ما فتح من البلاد. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) فى س: فإنه. (¬3) فى س: نحن.

(4) باب استحباب المؤاساة بفضول المال

(4) باب استحباب المؤاساة بفضول المال 18 - (1728) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِى سَفَرٍ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ. قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَقَالَ رَسْولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ ". قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِى فَضْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " جاء رجل على راحلة، فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً ": كذا رواية السمرقندى والسجزى والصدفى، وابن ماهان: " يضرب يميناً وشمالاً "، ولأبى بحر عن العذرى: " يصرف يميناً وشمالاً "، وفى كتاب أبى داود وغيره: " يصرف راحلته يميناً وشمالاً " فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان معه فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له " إلى قوله: " حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا فى فضل " (¬1) فيه الترغيب فى الصدقة والمواساة، وهذا نفس المراد بقوله: " يصرف بصره أو راحلته يميناً وشمالاً أو يضرب "، إن هذا الرجل كان متعرضاً لسؤال زاد، فصرفه الناس إذا رأوا على راحلته، إن صحت تلك الرواية - والله أعلم. والصدقة على ابن السبيل - وإن كانت له راحلة وليس معه زاد - واجبة وإن كان غنياً بموضعه. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الزكاة، ب فى حقوق المال 1/ 387 (1663)، وأحمد 3/ 34.

(5) باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت، والمؤاساة فيها

(5) باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت، والمؤاساة فيها 19 - (1729) حدّثنى أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِىَّ - حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةٍ، فَأَصَابَنَا جَهْدٌ، حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا، فَأَمَرَ نَبِىُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعْنَا مَزَاوِدَنَا، فَبَسَطنَا لَه نِطَعًا؛ فَاجْتَمَعَ زَادُ الْقَوْمِ عَلَى النَّطَعِ. قَالَ: فَتَطَاوَلْتُ لأَحْزُرَهُ كَمْ هُوَ. فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَة الْعَنْز، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ حَشَوْنَا جُرَبَنَا. فَقَالَ نَبِىُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَهَلْ مِنْ وَضُوءٍ؟ ". قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " فخرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصابنا جهد " أى شدة. وقوله: " فجمعنا أزوادنا ": كذا رواه بعضهم عن ابن ماهان، وروايتنا فيه: " تزوادنا "، وفى رواية: " مزاودنا " فإن كان " تزوادنا " محفوظاً فهو اسم من الزاد على تفعال بالفتح كالتيسار، أو بالكسر كالتمثال. وقوله: " فحزرته كربضة (¬1) العنز ": كذا رويناه بفتح الراء، وحكاه ابن دريد بكسرها، أى كجثة العنز إذا ربض. ومرابض الغنم أماكن مبيتها. وقوله: " ونحن أربع عشرة مائة، فأكلوا حتى شبعوا جميعاً، ثم حشونا جربنا ": أى أوعيتنا واحدها جراب. وقوله: " فجاء رجل بإداوة فيها نطفة ": الإداوة الآنية. والنطفة الماء الصافى، يقع على القليل والكثير. وقوله: فأفرغنا فى قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة، ثم جاء بعد ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فرغ الوضوء "، قال الإمام: هذا أحد معجزاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ تكثير الماء وتكثير الطعام، والبارى - سبحانه - قادر على خرق العادات، فيمكن (¬2) أن يكون كلما أكل منه جزء خلق البارى - سبحانه وجلت قدرته - جزءاً آخر يخلقه، وكذلك فى الماء. ومعجزات النبى ضروب. فأما القرآن فمنقول، تواتراً، وأما مثل هذه ¬

_ (¬1) فى الأصل: فحرزته فإذا برضة. والمثبت من المطبوع وس، ع. (¬2) فى الأصل: فيمن، والمثبت من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجزات فلك فيها طريقان: أحدهما أن تقول: تواترت على المعنى، كتواتر جود حاتم وحلم أحنف، فإنه لا ينقل قصة بعينها فى ذلك تواتراً، ولكن تكاثرت القصص من جهة الآحاد حتى صار محصولها التواتر بالكرم والحلم. وكذلك تواترت معجزاته سوى القرآن حتى ثبت انخراق العادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير القرآن والطريقة الثابتة، أو يقول: فإن الصاحب إذا روى مثل هذا الأمر العجيب وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة، وهم يسمعون روايته ودعواه، مع حضورهم معه ولا ينكرون ذلك عليه، فإن ذلك تصديق له يوجب العلم بصحة ما قال. " كربضة العنز ": فيشبه أن يريد: كربض العنز. وقد وقع فى بعض الأحاديث أنه بعث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضحاك إلى قومه، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتيتهم فاربض فى دارهم ظبياً ". قال ابن الأعرابى: أراد: أقم فى دارهم آمناً كأنك ظبى فى كناسة قد أمن حيث لا يرى إنسياً. قال غيره. وفيه وجه آخر: أنه أمره [أيأتيهم] (¬1) كالمتوحش لأنه بين ظهرانى الكفر، فمتى رابه منهم ريب نفر عنهم وفى حديث آخر: " فدعا بإناء يربض الرهط " أى يرويهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض. وأربضت الشمس: اشتد حرها حتى تربض الوحش فى كناسها. وفى الحديث: " مثل المنافق مثل الشاة بين الربضين " (¬2)، قالوا: ربيض الغنم نفسها، أراد أنه مذبذب. ويروى: بين " الرابضين "، معنى هذه الرواية: مربض غنمين. وفى حديث آخر - لما ذكر أشراط الساعة -: " وأن تنطق الرويبضة فى أمر العامة " قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ فقال: " الرجل التافه ينطق فى أمر العامة " (¬3) قال الأزهرى: تصغير الرابضة الرويبضة كأنه جعل الرابضة راعياً للربيض، والهاء فيه للمبالغة. وقيل: إنما قيل للتافه من الناس: رابضة ورويبضة؛ لربوضه فى بيته، وقلة ابتعاثه فى معالى الأمور. يقال: رجل ربض عن الحاجات والأسفار: لا ينهض فيها. وقوله: " فيها نطفة ": العرب تقول للماء الكثير: نطفة، وللماء القليل: نطفة، ومنه الحديث: " حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى جوراً " (¬4) أراد بحر المشرق ¬

_ (¬1) فى س: أن يأتيهم. (¬2) أحمد 2/ 32، 68، 83، 88، والدارمى 1/ 93، والحديث عن ابن عمر رضى الله عنهما. (¬3) ابن ماجة، ك الفتن، ب شدة الزمان (4036)، وفى الزوائد: فى إسناده إسحاق بن أبى الفرات، قال الذهبى فى الكاشف: مجهول. وقيل: منكر. وذكره ابن حبان فى الثقات. (¬4) لم نعثر عليه.

فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ لَهُ، فِيهَا نُطْفَةٌ، فَأَفْرَغَهَا فِى قَدَحٍ، فَتَوَضَّأنَا كُلُّنَا، نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً، أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَقَالُوا: هَلْ مِنْ طَهُورٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَرِغَ الْوَضُوءُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وبحر المغرب. والنطفة القطر، يقال: نطف الشىء ينطف، بكسر الطاء وضمها أيضاً فى المستقبل، وبفتحها فى الماضى لا غير، ومنه الحديث: " أن رجلاً أتاه فقال يا رسول الله، إنى رأيت ظلة تنطف سمناً وعسلاً " (¬1) أى تقتطر. وقوله: " يدغفقه دغفقة ": الدغفقة الصب الشديد، ويقال: فلان فى نعيم دغفق، أى واسع. ¬

_ (¬1) البخارى، ك التعبير، ب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب 9/ 55، ومسلم، ك الرؤيا، ب فى تأويل الرؤيا (2269)، والترمذى، ك الرؤيا، ب ما جاء فى رؤيا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الميزان والدلو 4/ 470 (2293).

32 - كتاب الجهاد والسير

بسم الله الرحمن الرحيم 32 - كتاب الجهاد والسير (1) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام، من غير تقدم الإعلام بالإغارة 1 - (1730) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ؟ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِى أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، قَدْ أَغَارَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِى الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْماءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ، وَأَصابَ يَوْمَئِذٍ - قَالَ يَحْيَى: أَحْسِبُهُ قَالَ - جُوَيْرِيَةَ - أَوْ قَالَ الْبَتَّةَ - ابْنَةَ الحَارِثِ. وَحَدَّثَنِى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الله بْن عُمَرَ. وَكَانَ فِى ذَاكَ الْجَيْشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الجهاد قول نافع فى الدعاء قبل القتال: " إنما كان ذلك فى أول الإسلام، قد أغار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بنى المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلهم، وسبا سبيهم، وأصاب يومئذ - قال يحيى أحسبه قال: جويرية - أو البتة - ابنة الحارث ": قال القاضى: كذا روينا هذا الحرف، وكذا صوابه، ومعناه: أن يحيى بن يحيى راويه هل حقق سماعها؟ فقال: " أحسبه قال جويرية شك فى هذه اللفظة فى اسم جويرية، ثم غلب على ظنه صحة ذلك فقال: " أو البتة " ولم يشك فى قوله: " بنت الحارث "، ويدل على ما ذهبنا إليه قوله فى حديث محمد بن مثنى بعده: " جويرية بنت الحارث " ولم يشك. وكان يحيى بن يحيى لكثرة تحريه كثيراً ما يعرض له الشك فى بعض ألفاظ الحديث؛ ولذلك كانوا يلقبونه بالشكاك. وقد رأيت بعض عظماء أهل الحديث من المصنفين سقط فى هذا الحديث سقوطاً عجيباً، قال: فضبطه فى كتابه " البتة "، وجعله اسماً لجويرية، وهو وَهْم وتصحيف لا شك فيه، وسيأتى مثل هذا اللفظ فى حديث يحيى، يعنى قوله: أحسب أو البتة، بما يبين ما قلناه، وإن كان بيناً.

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، بَهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَلَمْ يَشُكَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: اختلف الناس فى هذه الدعوة قبل القتال، هل يؤمر بها على الإطلاق أو لا يؤمر بها؟ أم يفصل الجواب فيؤمر بها إذا قوتل من لا يعلم وتسقط فى قتال من يعلم؟ وقد قال بعض الناس: إن هذه المسألة مبنية على أن العقل ما خلا من سمع، أو يجوز أن يكون خلا منه، وهى مسألة اختلاف بين أهل الأصول. وقد احتج من يقول؛ لأنه لم يخل من سمع، بقوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجُ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى} (¬1)، وبقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (¬2) ومن ينكر القول بالعموم لا يسلم هذا الاستدلال. وهذا البناء الذى بناه بعض أهل الأصول فيه نظر، ذلك أن قصارى ما فيه أن ليس بالأرض أمة إلا وقد بلغتها دعوة ما، وقد يكون عند هؤلاء فى الأرض قوم لم يعلموا ظهور النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونبوته، ويظنون أن القتال على جهة تطلب الملك، فيؤمرون بالدعوة. وقد اختلف الناس - أيضاً - إذا قاتل من يؤمر بدعوته ولم يدعه فقتله، هل عليه ديته أم لا؟ فمذهب مالك وأبى حنيفة: لا دية عليه، ومذهب الشافعى: أنه عليه الدية. وحجتنا: أن النهى عن قتالهم قبل الدعوة لا يوجب مخالفته الدية كقتل النساء والصبيان. قال ابن القصار: ولو أقام المسلم بدار الحرب مختاراً وهو قادر على الخروج منها فوقع - أيضاً - قتله خطأ فإنه لا يودى. قال القاضى: وفى هذا الحديث جواز استرقاق العرب، ولأن بنى المصطلق من خزاعة، وقد ذكر سبيه ذراريهم وسبيهم، وهو قول مالك وعامة أصحابه وأن الجزية تؤخذ منهم، وقاله الأوزاعى. وقال ابن وهب من أصحابنا: لا تؤخذ الجزية منهم، فتأول عليه أنهم لا يسترقون. وحكى بعض شيوخنا ذلك عن الشافعى وأبى حنيفة، والمعروف عن الشافعى أخذ الجزية منهم، ومنعها أبو يوسف، وقال مثله أبو حنيفة فى أهل الأوثان منهم، قالوا: ما أسلموا أو قتلوا. والأحاديث كلها فى بنى المصطلق وهوازن وبنى العنبر وبنى فزارة وغيرهم يدل على استرقاقهم (¬3). وبنو المصطلق هؤلاء كانوا أهل كتاب على اليهودية، وكانوا من مجاورة المدينة بحيث بلغتهم الدعوة بغير شك. قال القاضى إسماعيل: أمر الله تعالى بقتال العرب عبدة ¬

_ (¬1) الملك: 8، 9. (¬2) الإسراء: 15. (¬3) انظر: الاستذكار 13/ 31 - 33، التمهيد 2/ 117.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأوثان على الإسلام خاصة، وسائر الكفرة على الإسلام أو الجزية. واختلف فى نصارى العرب، هل حكمهم حكم المشركين أو أهل الكتاب، قال: وكتاب الله عز وجل يشهد أنهم منهم (¬1)، قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم} (¬2). ¬

_ (¬1) المغنى 29/ 13 - 31. (¬2) المائدة: 51.

(2) باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها

(2) باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها 2 - (1731) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: أَمْلاهُ عَلَيْنَا إِمْلاءً. 3 - (...) ح وحدّثنى عَبْدُ الله بْنُ هَاشِمٍ - واللفظ له - حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرَّيةٍ، أَوْصَاهُ فِى خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: " اغْزُوا بِاسْمِ الله، فى سَبِيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَمْثُلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلاَلٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه فى خاصته بتقوى الله - سبحانه - ومن معه من المسلمين خيراً "، قال القاضى: والسرية دون الجيش، وهى القطعة تخرج منه تغير وترجع إليه. وسميت بذلك لأنها تسرى بالليل. قال الحربى: السرية: الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها. وفيه وصاة الإمام أمرائه وجيوشه، وتعريفهم بما يمر عليهم من مغازيهم، وما يجرى لهم ويحرم عليهم، ومنه قوله: [" ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا] (¬1) ولا تقتلوا وليداً ": أى صغيراً. ولا خلاف فى تحريم الغلول والغدر وكراهة المثلة فى الحرب. قال الإمام: إنما نهى عن قتل الأطفال لأنه لا نكاية فيهم ولا قتال، ولا ضرر بأهل الإسلام، بل هم من جملة الأموال ولم يبلغوا التكليف، فلهذا لم يقتلوا. قال القاضى: وسيأتى الكلام فى هذا. وقوله: " وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال أو هما بمعنى فأيَّتُهُن ما أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم [ثم ادعهم إلى الإسلام، فمان أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم] (¬2)، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬2) سقط من س.

عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِين، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ - إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ - فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاَجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذِى يَجْرِى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجرى عليهم حكم الله الذى يجرى على المؤمنين، ولا يكون لهم فى الغنيمة والفىء شىء [إلا] (¬1) أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاسألهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، وإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ": كذا روايتنا، وكذا فى جميع النسخ فى أول الكلام: " ثم ادعهم إلى الإسلام "، وصوابه: " ادعهم " بإسقاط " ثم "، وكذلك جاء فى غير كتاب مسلم (¬2)، وكذا رواه أبو عبيد فى كتاب الأموال بإسقاط " ثم "، وأبو داود فى مصنفه وغيرهما؛ لأن ذلك هو تفسير الثلاث خصال التى ذكر قبل هذا وليست أشياء أخر غيرها وبعدها. قال الإمام: وهو يوهم أنها غير الثلاث خصال، إنما دخلت " ثم " هاهنا لاستفتاح الكلام والأخذ فى التفسير. وأما قوله فى التحول: " أنهم لهم ما للمهاجرين، فإن أبوا فكالأعراب " فيمكن أن تكون الإشارة لتمييز المهاجرين عن غيرهم، ولو لم يكن إلا يغزوهم مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وخروجهم معه كلما خرج، فيستحقون الغنائم. ولعله على هذا نبه بقوله: " فيكونون كأعراب المسلمين ولا يكون لهم من الغنيمة والفىء شىء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ". قال القاضى: قد يحتمل أنه على وجهه؛ لانهم إذا لم يجاهدوا لم يكن لهم جزء من الغنائم، وخمسها إنما يدفعه الإمام باجتهاده، ولاشك أن من خرج عن بلاده وأمواله يحتاج من المرافق ما لا يحتاج المقيم بها، فكان المهاجرون أولى بالخمس. وكذلك كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزيدهم على الأنصار، للعلة التى ذكرناها من استغناء الأنصار عن ذلك، وأنه كان يريد إعطاء المهاجرين حتى لا يحتاجون إلى مواساة لهم؛ ولهذا لما فتحت عليه الفتوح وجاء الله - سبحانه - بالخير أمرهم برد ما كان الأنصار منحوهم من الأموال. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) أبو داود، ك الجهاد، ب فى دعاء المشركين 2/ 35، الترمذى، ك السير، ب ما جاء فى وصيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى القتال 4/ 162 (1617) وقال: حسن صحيح.

يَكُونُ لَهُمْ فِى الْغَنِيمَة وَالْفَىْءِ شَىْءٌ، إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَاَبُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذَمَّةَ الله وَذَمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشافعى: لم يختلف أحد ممن لقيته أنه ليس للأعراب حق فى العطاء، ويحتج الشافعى بهذا الحديث؛ لأنه لا يرى للأعراب شيئاً من الفىء، وإنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم فترد على فقرائهم. كما أن أهل الجهاد وأجناد المسلمين لا حق لهم من الصدقة عنده ويصرف كل مال فى أهله. وسوّى مالك وأبو حنيفة بين المالين، وجوزا صرفهما للصنفين. وذهب أبو عبيد إلى أن هذا الحديث منسوخ؛ لأن هذا كان حكم من لم يهاجر أولاً، فى أنه لا حق له فى الفىء ولا الموالات للمهاجر ولا موارثته، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} (¬1) ثم نسخ ذلك بقوله: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض} (¬2)، وبقوله: " انقطعت الهجرة، ولكن جهاد ونية " (¬3)، وبقوله: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم " (¬4). ولهذا ما رأى عمر - رضى الله عنه - أن حق كل واحد كائناً من كان فى الفىء، وتأول قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُول} الآية، ثم قال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} وفى الآية بعدها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَان} (¬5) فقال: الآيتان مسبوقتان على الآية الأولى ومعطوفتان عليها، وأن معنى: {لِلْفُقَرَاءِ} أى وللفقراء أن الفىء لجميع هؤلاء فيه حق، وليس أحد منهم إلا وله فيه نصيب، وهذا مذهب مالك فى الفىء والخمس، إذا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يملك جميعه ولا اختص بخمس لخمس منه، كما قال الشافعى، وإنما كان يصرفه فيما يحتاج إليه هو وأهل بيته، ويصرفه فى مصالح المسلمين كلهم، وكذلك كان فعل الخلفاء بعده (¬6). وقائلون يقولون: إنما يكون لمن فيه عناء على المسلمين فى جهاد عدوهم أو قيام بأمرهم، أو يكون من أهل الفاقة والمسكنة. ويأتى الكلام على هذا بعد. وقوله: " وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن يجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك "، وفى رواية ¬

_ (¬1) الأنفال: 72. (¬2) الأنفال: 75. (¬3) البخارى، ك الجهاد، ب لا هجرة بعد الفتح 4/ 18، النسائى، ك البيعة، ب ذكر الاختلاف فى انقطاع الهجرة 7/ 145، أحمد 4/ 223. (¬4) أبو داود، ك الجهاد، ب فى السرية ترد على أهل العسكر 3/ 80 (2751). (¬5) الحشر: 7 - 9. (¬6) انظر: التمهيد 20/ 45، 46.

ذِمَّةَ الله وَلا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ، أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله، فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ الله، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ الله فِيهِمْ أَمْ لا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الطبرى: " ذمتك وذمة أبيك وذمم أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله " الذمة: العهد، هذا على الاحتياط إذ قد يخفرها من لا يعرف حقها، وما فى ذلك من جهلة الأعراب وسواد الجيش. ومعنى " تخفروا ": تنقضوا، خفرت الرجل: نقضت عهده، وخفرته: أجرته وحميته. وقوله: " وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله - سبحانه - فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ". قال الإمام: [أما نهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله، فإعظامه لذلك؛ لئلا يكون منهم تقصير يكاد أن يوقعهم فى إخفار الذمة، فيكون ذلك إذا أعطوا ذمة أنفسهم أهون منه إذا أعطوا ذمة الله] (¬1). وأما نهيه أن ينزلهم على حكم الله - سبحانه - وإشارته للتعليل: " لأنك لا تدرى. أتصيب حكم الله فيهم "، فقد يتعلق بظاهر هذا من يقول من أهل الأصول: إن الحق فى مسائل الفروع فى طرف واحد. وقد يجيب عن هذا من يقول من أهل الأصول: ليس لله - جلت قدرته - حكم يطلب فى مسائل الفروع حتى يخطئ مرة ويصيب أخرى سوى ما أدى المجتهد إليه اجتهاده، فهو حكم الله - تعالى - عليه بأن يقول: فإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معرض لنزول الأحكام عليه كل حين وساعه، ونسخ الأحكام وتبديلها فى كل وقت. فلعله أراد: لا تنزلهم على ما أنزل الله - تعالى - مما أنت غائب عنه لا تعلمه؛ لأنك لا تدرى إذا فعلت معهم، هل تصادف ما أنزل على وأنت غائب عنه أم لا؟ قال القاضى: فى قوله: " فإن لقيت عدوك من المشركين فادعه إلى ثلاث خصال " وذكر فيها أخذ الجزية منهم وهم العدو، وذكر الإشراك، فيه حجة لمالك وأصحابه فى أخذ الجزية من كل كافر، عربياً كان أو غيره، كتابياً أو غيره، وهو قول الأوزاعى. وذهب أبو حنيفة إلى أن الجزية تقبل من الجميع إلا مشركى العرب ومجوسهم، وهو قول ¬

_ (¬1) سقط من س.

قَالَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ، وَزَادَ إِسْحَاقُ فِى آخِرِ حَدِيثِهِ: عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، قَالَ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ - قَالَ يَحْيَى: يَعْنِى أَنَّ عَلْقَمَةَ يَقُولُهُ لابْنِ حَيَّانَ - فَقَالَ: حَدَّثَنِى مُسْلِمُ بْنُ هَيْصَمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. 4 - (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِى عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ؛ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ بُرَيْدَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا أَوْ سَرِيَّةً دَعَاهُ فَأَوْصَاهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ. 5 - (...) حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن وهب من أصحابنا. وعند مالك: أنها لا تقبل من مجوس العرب. وقال الشافعى: لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، عرباً كانوا أو عجماً، ولا تقبل من غيرهم، والمجوس عنده أهل كتاب (¬1). واختلفوا فى استرقاق العرب، فعند مالك والجمهور: أنهم كغيرهم، ويسترقون كيف كانوا. وعند أبى حنيفة والشافعى: لا يسترقون، فإما أن يسلموا أو يقتلوا، وهو قول بعض أصحابنا، إلا أن أبا حنيفة كان لا يسترق الرجال الكبار، واسترق النساء الصغار. واختلف فى القدر المفروض منها، فقال مالك: هى أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهماً على أهل الورق. واختلف عندنا هل ينقص منها الضيف (¬2) أم لا؟ وقال الشافعى: هى دينار على الغنى والفقير. وقال أبو حنيفة والكوفيون: على الغنى ثمانية وأربعون درهماً، والوسط أربعة وعشرون، والفقير اثنا عشر، وهو قول أحمد بن حنبل، ويزاد وينقص على قدر طاقتهم. وهى عند مالك على الرجال الأحرار البالغين العقلاء دون غيرهم، وهو قول كافة العلماء، غير أنها إنما كانت تؤخذ ممن كان تحت قهر المسلمين لا ممن بان بداره، ويجب تحويلهم إلى بلاد المسلمين أو قربهم (¬3). وذكر مسلم فى آخر الباب: نا محمد بن عبد الوهاب، عن الحسين بن الوليد، عن شعبة. بهذا ثبت هذا السند للعذرى وابن ماهان، وسقط لغيرهما. وكان فى كتاب شيخنا القاضى الشهيد عن العذرى: " الحسن " مكان " الحسين " قال لى: والصواب ما عند غيره " الحسين ". قال القاضى: قال البخارى فى تاريخه فى باب الحسين مصغرًا: الحسين بن الوليد، وهو حسين بن الوليد بن على النيسابورى القرشى، توفى سنة ثلاث ومائتين (¬4)، ولم ¬

_ (¬1) سبقت فى هذا الباب. (¬2) فى س: لضعف. (¬3) انظر: التمهيد 2/ 129 وما بعدها، المغنى 13/ 209 - 212. (¬4) البخارى فى التاريخ الكبير 2/ 391. =

الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر فى باب الحسن مكملاً مكبراً من اسمه الحسن بن الوليد. وذكر البخارى فى صحيحه فى كتاب الطلاق: الحسين بن الوليد النيسابورى، عن عبد الرحمن، عن عباس بن سهل، عن أبيه وأبى أسيد: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميمة بنت شراحيل (¬1). كذا ذكره مكبراً، ولم أر هذا الاسم فى كتاب أبى عبد الله الحاكم لا مصغرًا ولا مكبراً، لا فيمن اتفقا عليه ولا فيمن اختلفا فيه. ¬

_ = وهو الحسن بن الوليد القرشى مولاهم، أبو على، ويقال: أبو عبد الله، الفقيه النيسابورى، قال عنه الدارقطنى: ثقة، وقال النسائى: ليس به بأس. انظر: تهذيب الكمال 6/ 495. (¬1) البخارى، ك الطلاق، ب من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق 7/ 53.

(3) باب فى الأمر بالتيسير وترك التنفير

(3) باب فى الأمر بالتيسير وترك التنفير 6 - (1732) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِى بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: " بَشِّرُوا وَلا تُنفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا ". 7 - (1733) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: " يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاتُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عمْرٍو. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ عَدِىٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ وأبى موسى حين بعثهما إلى اليمن: " يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا ": فيه ما يجب الاقتداء به من التيسير فى الأمور، والرفق بالنَّاس، وتحبيب الإيمان إليهم، وترك الشدة والتنفير لقلوبهم، لا سيما فيمن كان قريب العهد به. وكذلك يجب فيمن قارب حد التكليف من الأطفال ولم يتمكن رسوخ الأعمال فى قلبه ولا التمرن عليها، ألا يشدد عليه ابتداء؛ لئلا ينفر عن عمل الطاعات. نعم، وكذلك يجب للإنسان فى نفسه فى تدريبها على الأعمال إذا صدقت إرادته ألا يبتدئها أولاً إلا بتدريج وتيسير، حتى إذا أنست بحاله ودامت عليها، ينقلها لحال آخر، وزاد عليها فى عمل أكثر من الأول، حتى يرى قدر احتمالها، ولا يكلفها ما لعلها تعجز عنه ولا يدوم عليه، فقد ذم هذا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحض على الأحسن؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلفوهم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا " (¬1) وقد تقدم الكلام عليه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الإيمان، ب أحب الدين إلى الله أدومه 1/ 17، مسلم، ك صلاة المسافرين وقصرها، ب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره 1/ 540 (215).

وَليْسَ فِى حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ: " وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا ". 8 - (1734) حدَّثنا عُبَيْدُ الله بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أنسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدِ الله بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلا تُنَفِّرُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه الأمر بالاتفاق، وهو فى أولى الأمر أشد، وفيمن أسند إليه أمر من الأمور وما كان، فإنه لا يتم مع اختلافهم. وذكر مسلم فى الباب: نا محمد بن عباد، عن سفيان، عن عمرو. وهذا السند مما استدركه عليه الدارقطنى، وقال: لم يتابع ابن عباد عليه عن سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن أبى بردة. وقد روى عن سفيان عن معمر عن سعيد، ولا يثبت. ولم يخرجه البخارى من طريق سفيان (¬1). ¬

_ (¬1) الدارقطنى فى الإلزامات والتتبع ص 199.

(4) باب تحريم الغدر

(4) باب تحريم الغدر 9 - (1735) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ - يَعْنِى أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِىَّ - قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّان - كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ الله. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا جَمَعَ الله الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ ". (...) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُويْرِيَةَ، كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، يقال: هذه غدرة فلان "، وفى بعض طرقه: " يعرف به "، وفى آخر: " يرفع له عند استه ". وفى آخر: " بقدر غدرته، ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة ": أصل رفع اللواء للشهرة والعلامة، ولهذا قال: " لكل غادر لواء بقدر غدرته "، ولما كان الغدر مكتوماً ومستتراً به شهر به صاحبه، وكشف ستره لتتم فضيحته، ويتشنع ذلك معاقبة كما شهر امرؤ القيس فى الآخرة بلواء الشعر، وبعد ذلك فى الفخر والمجد شهرة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلواء الحمد. واشتمل عليه عموم الحمد باسمه محمد وأحمد، فيكون من المبالغة فى حمد فعاله وخصاله، ومن المبالغة فى حمده هو نِعم ربه وثناؤه عليه، كما قال: " فاحمده بمحامد " ثم يفتح عليه فيه من المحامد ما لم يعط غيره، ويبعثه ربه المقام المحمود كما وعده، يحمده فيه الأولون والآخرون، وسمى أمته الحامدين. وفى هذا كله دليل على قبح الغدر، ووعيد شديد، لاسيما فى معاهدة العدو. وقد رأى بعض أهل العلم الجهاد مع الولاة الظلمة، وإن جاروا ولم يقسموا الغنائم وغير ذلك؛ إذ لو ترك الجهاد معهم [لتغلب العدو، إلا إذا كانوا يعدون ويجهزون] (¬1) لهذا الذى قدمناه - والله أعلم - ورأى بعضهم الجهاد معهم على كل حال، وأباه بعضهم ¬

_ (¬1) هذا الكلام سقط من الأصل، والمثبت من س.

10 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، عَنْ إِسَماعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْغَادِرَ يَنْصِبُ الله لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَلا هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ ". 11 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَسالِمٍ ابْنَىْ عَبْدِ الله؛ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاء يَوْمَ القِيَامَةِ ". 12 - (1736) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلْيْمَانَ، عَنْ أَبِى وَائلٍ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ ". (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. ح وحَدَّثَنِى عُبَيْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيِثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: " يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ ". 13 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاِنٍ ". 14 - (1737) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَعُبَيْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: قَالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ ". 15 - (1738) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَعُبَيْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُلَيْدٍ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقَيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ على كل حال. واختلفوا بهذين القولين فيه قول مالك، وفى مذهبنا الأقوال الثلاثة.

16 - (...) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلا وَلا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْراً مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة ": لأن غدره متعدٍ إلى كثرة وجماعة، بخلاف غدر الواحد للواحد. وقد يكون تعظيمه لغدر أمير العامة لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته وسلطانه على الوفاء، كما عظم فى حقه الكذب فى الحديث الآخر فى قوله: " ثلاثة لا يكلمهم الله " الحديث، وذكر منهم: " وأمير كاذب " (¬1)، وقد قدمنا الكلام عليه أول الكتاب، ويكون المراد يغدر أمير العامة إما للغدر فى عهده معه، أو لرعيته بخيانته لهم وقلة حوطته عليهم، وغدره لأمانتهم التى قلدها، وعهدهم الذى لزم عنقه. أو يكون المراد: أن الأمير هو المغدور، كما جاء فى الحديث الآخر فى الثلاثة الذين لا يكلمهم الله: " ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطى له ما يريد له، والا لم يف " (¬2)، وعظم هذا لإخفائه؛ لأن فيه الخروج على الأئمة، وشق العصا، وإثارة الفتن. قال الإمام: وذكر مسلم فى الباب: نا محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد، قالا: نا عبد الرحمن بن مهدى، نا سعيد، عن خليد، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد. وقع فى نسخة الرازى: سعيد عن خالد. قال بعضهم: والصواب: " خليد " كما تقدم وهو خليد بن جعفر (¬3). ¬

_ (¬1) مسلم، ك الإيمان، ب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية 1/ 102 (172) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه. (¬2) البخارى، ك الأحكام، ب من بايع رجلاً لم يبايعه إلا للدنيا 9/ 98، مسلم، ك الإيمان، ب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار 1/ 103 (173). (¬3) هو أبو سليمان خليد بن جعفر بن طريف الحنفى البصرى، روى عن معاوية بن قرة وأبى نفرة والحسن البصرى، وعنه شعبة بن الحجاج وعرزة بن ثابت، كان من أصدق الناس، وقال عنه يحيى بن سعيد: لم أره ولكن بلغنى أنه لا بأس به، ووثقه ابن معين. التهذيب 3/ 157.

(5) باب جواز الخداع فى الحرب

(5) باب جواز الخداع فى الحرب 17 - (1739) وحدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظ لِعَلِىٍّ وَزُهَيْرٍ - قَالَ عَلِىٌّ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الَآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَرْبُ خُدْعَةٌ ". 18 - (1740) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَك، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَرْبُ خُدْعَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الحرب خدعة "، قال القاضى: قال أهل العلم: الخداع فى الحرب جائز كيفما تمكن لهذا الحديث، إلا أن يكون بنقض عهود وأمان فلا يحل. قال الطبرى: وإنما يجوز من الكذب فى الحرب ما لا يجوز فى غيرها من المعاريض والكلام بما يحتمل الألغاز والقصد إلى الإخبار عن الشىء ما هو عليه يعنى فى ظاهره. قال الإمام: يقال: خَدْعة، بفتح وإسكان الدال، على جهة المصدر المحدود، كضربة ونفخة. وخُدْعة، بضم الخاء وإسكان الدال، وهو اسم على تقدير لعبة، ولا يراد به المرة الواحدة كما يراد بالمصدر المحدود. وخُدَعة، بضم الخاء وفتح الدال، وهو صفة لها، ومعناها: أنها تخدع الرجال، كما يقال ضحكة للذى يضحك بالناس، وهزأة للذى يهزأ بهم. قال القاضى: لغة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَدعة " بالفتح، وهى أفصح اللغات. قال ثعلب: قال بعضهم: ومعناه: أنها تخدع أهلها، وصف الفاعل باسم المصدر، وقيل: ويحتمل أن يكون وصفاً للمفعول، كما قيل: درهم ضرب الأمير، أى مضروبه. وقيل: معناها المرة الواحدة، أى لا يقبل العثرة إذا اتفقت فيها الخدعة، قال: ومن قال: "خُدْعة " بالضم والسكون، إلى أنها تخدع؛ لأن أحد الفريقين إذا خدع صاحبه فيها فكأنها خدعت فيها. ومن قالها بالضم وفتح الدال فهى تخدع أهلها، أو تمنيهم الظفر أبداً، وقد تنقلب بهم الحال لغيرها.

(6) باب كراهة تمنى لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء

(6) باب كراهة تمنى لقاء العدوّ، والأمر بالصبر عند اللقاء 19 - (1741) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ عَنِ المُغِيرَةِ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىُّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا ": فقيل: يستفاد معنى هذا من قوله تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد} (¬1). قال الإمام: قد يشكل فى هذا المعنى أن يقال: إذا كان الجهاد طاعة فتمنى الطاعات حسن، فكيف ينهى عنه؟ قيل: قد يكون المراد بهذا أن التمنى ربما أثار فتنة أو أدخل مضرة، إذا سهل فى ذلك واستخف به، ومن استخف بعدوه فقد أضاع الحزم. فيكون المراد بهذا: أى لا تستهينوا بالعدو فتتركوا الحذر والتحفظ على أنفسكم وعلى المسلمين، أو يكون: لا تتمنوا لقاءه على حالة يشك فى غلبته لكم، أو يخاف منه أن يستبيح الحريم، أو يذهب الأنفس والأموال، أو يدرك منه ضرر. قال القاضى: قال بعضهم: نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته عن تمنى المكاره؛ ولهذا قال السلف الصالح: العافية من الفتن والمحن لاختلاف الناس فى الصبر؛ ولهذا قال - متصلاً بقوله هذا فى الحديث: " واسألوا الله العافية ". ولذلك اختلفوا فى الدعاء إلى المبارزة، فروى عن على - رضى الله عنه - أنه قال: يا بنى، لا تدعون أحداً إلى المبارزة، ومن دعاك إليها فاخرج إليه، فإنه باغ، وقد تضمن الله - سبحانه وتعالى - نصر من بغى عليه. وقال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه العلم على جواز المبارزة. والدعوة للبراز شرط بعضهم فيها إذن الإمام، وهو قول الثورى والأوزاعى وأحمد وإسحاق. وبعضهم أجازها مطلقاً ولم يشترط فيها أمر الإمام، وهو قول مالك والشافعى. واختلف فى ذلك قول الأوزاعى. وقال الحسن: أكره المبارزة ولا أعرفها (¬2). واختلفوا هل يجوز أن يعين للمبارزة غيره فى أهل العسكر على مبارزة أم لا؟ وقوله فى هذا الحديث عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان لا يقاتل حتى تزول الشمس؛ وذلك ¬

_ (¬1) التوبة: 5. (¬2) انظر: الاستذكار 14/ 314، المغنى 13/ 409.

20 - (1742) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الله بْنُ أَبِى أَوْفَى. فكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ الله، حِينَ سَارَ إِلَى الْحرُورِيَّةِ، يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ - فِى بَعْضِ أَيَّامِهِ التىِ لَقَىِ فِيهَا الْعَدُوَّ - يَنْتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلُوا الله الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِروا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ". ثُمَّ قَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " اللهُمَّ، مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرىَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ للتمكن من القتال بوقت ألا يراد بهبوب الرياح، وأن الحرب كلها استجرت وحمى المقاتلون بحركتهم فيها ومصارعتهم، وما حملوه من سلاحهم. هبت أرواح العشى فبردت من حرهم ونشطتهم، وخففت أجسامهم، بخلاف لو اشتد عليهم التهجير وهم فى مقاستها لكسلهم وثبطهم وقطع نياطهم. وقد ذكر البخارى ذلك مبيناً، فقال: " حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات " (¬1). قيل: ولما فيه مع ذلك من فضل أوقات الصلوات واستجابة الدعاء فيها. قيل: بل كان يفعل ذلك لانتظار ريح الصبا وهبوبها بعد الزوال، وقد قال: " نصرت بالصبا " (¬2). وجاء فى حديث آخر: أنه كان ينتظر حتى تزول الشمس وتهب رياح النصر (¬3). وقوله: " فإذا لقيتموهم فاصبروا ": حض على الصبر، وتوطن النفس فى هذا يكون الثبات ويرجى النصر، ومع الهلع تحذر اليد والرجل، ويستولى العدو. وقوله: " واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ": أى أن ثواب الله - سبحانه - حاصل على عمل الجهاد ومشى المجاهدين فيه. وعبر عن المجاهدة بالمشى تحت ظلال السيوف؛ إذ معظم الجهاد بها، ولكونها مرفوعة للضرب بها غالباً. وقيل: بل المراد بهذا الكلام: الدنو من الأقران حتى يكونوا تحت ظلال سيوفهم ولا يفرون منهم؛ لأن كل ما علاك ودنا منك فقد أظلك، وإلى نحو هذا أشار الخطابى (¬4). ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجزية، ب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب 4/ 119 من حديث النعمان بن مقرن. (¬2) البخارى، ك الاستسقاء، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نصرت بالصبا " 2/ 41، مسلم، ك الاستسقاء، ب فى ريح الصبا والدبور 2/ 617 (17)، أحمد 1/ 223. (¬3) أبو داود، ك الجهاد، ب فى أى وقت يستحب اللقاء 2/ 46، الترمذى، ك السير، ب ما جاء فى الساعة التى يستحب فيها القتال 4/ 159 (1612، 1613). (¬4) معالم السنن 3/ 432.

(7) باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو

(7) باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدوّ 21 - (...) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِى أَوْفَى، قَالَ: دَعَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَحْزَاب، فَقَالَ: " اللهُمَّ، مُنْزِل الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ. اللهُمَّ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ ". 22 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِى خَالِدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى أَوْفَى يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ خَالِدٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " هَازِمَ الأَحْزَابِ " وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: " اللهُمَّ ". (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصرنا عليهم "، وفى الحديث الآخر: " زلزلهم " معناه: أزعجهم وحركهم بشدائد ذعرك. والزلزال والزلزلة: الشدائد التى تحرك الناس، قال الله عز وجل: {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} (¬1). فيه جواز الدعاء على المشركين والانتصار به على العدو، وقيل: الإشارة بقوله: " منزل الكتاب، سريع الحساب " فى هذا الموطن توصل منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أنزل عليه من كتابه العزيز فخالفه عدوه. وسرعة الحساب إشارة إلى شدة الأخذ والبطش، كما قال: " هازم الأحزاب ". وقوله فى هذا الحديث (¬2): عن أبى النضر، عن كتاب رجل من أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الدارقطنى: الحديث صحيح، واتفاق البخارى ومسلم على إخراجه حجة فى جواز الإجازة والمكاتبة (¬3). قال القاضى: والى صحة الحديث والعمل بذلك ذهب كافة المحدثين والفقهاء والأصوليين. وقالت فرقة: لا تجوز الرواية به وهو خطأ. وقد كتب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملوك الأمم فكان حجة عليهم، وكتب لعماله وأمرائه فلزمهم العمل به، ولأن الثقة بالكتاب ¬

_ (¬1) الأحزاب: 11. (¬2) يقصد حديث رقم (20) بالباب السابق. (¬3) الإلزامات والتتبع ص 304، 305 (152).

إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ فِى رِوَايَتِهِ: " مُجْرِىَ السَّحَابِ ". 23 - (1743) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يَوْم أُحُد: " اللَّهُمَّ، إِنَّكَ إِنْ تَشَأ، لا تُعْبَدْ فِى الأَرْضِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كالثقة بالكلام. وقوله: كان يقول يوم أحد: " اللهم إنك إن تشأ لا تعبد فى الأرض ": تسليم منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربه، ورد على علة القدرية من أن الشر غير مراد لربهم؛ وجاء هنا: أنه قال يوم أحد، والذى ذكره أهل السير وجاء بعد هذا فى مسلم: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال هذا الكلام يوم بدر، وأول موطن حرب الإسلام. ويحتمل قوله لها فى الموطنين.

(8) باب تحريم قتل النساء والصبيان فى الحرب

(8) باب تحريم قتل النساء والصبيان فى الحرب 24 - (1744) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِى بَعْض مَغَازِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. 25 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِى بَعْضِ تِلْكَ المَغَازِى، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل النساء والصبيان "، قال الإمام: تقدم الكلام فى قتل الصبيان. وأما المرأة فلا تقتل أيضاً؛ لأنها من جنس من لا يقاتل، لكنها إن قاتلت فقتلت فى حال القتال؛ لأن المعنى المبيح لقتل الرجال قد وجد منها (¬1). وإن كانت قاتلت ثم برد القتال ففى قتلها خلاف، بخلاف الرجل إذا برد القتال فإنه يقتل إذا شاء الإمام. وأما قتل الشيوخ والرهبان فعندنا وعند أبى حنيفة: أنهم لا يقتلون، خلافاً للشافعى (¬2). وأما قول الله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة} (¬3) وهؤلاء ليسوا ممن يقاتل. وقد نبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن علة النهى عن قتل المرأة بأن قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كانت هذه تقاتل " (¬4). وللشافعى قوله سبحانه وتعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُم} الآيتين (¬5)، وهذان مشركان. وقد قتل دريد بن الصمة وهو شيخ. وخرج النسائى وأبو داود أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم " (¬6) ولأن الجزية تؤخذ منهم كما تؤخذ من الشبان، والجزية تحقن الدماء. فلولا أن دمه غير محقون ¬

_ (¬1) الاستذكار 14/ 60 وما بعدها. (¬2) الاستذكار 14/ 72 وما بعدها، المغنى 3/ 177 وما بعدها. (¬3) التوبة: 36. (¬4) ابن ماجه، ك الجهاد، ب الغارة والبيان وقتل النساء والصبيان (2842)، أحمد 4/ 178، الطحاوى فى شرح معانى الآثار 3/ 222، ابن أبى شيبة 12/ 382. (¬5) التوبة: 5، 6. (¬6) أبو داود، ك الجهاد، ب فى قتل النساء 3/ 54، الترمذى، ك السير، ب ما جاء فى النزول على الحكم 4/ 145. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما أخذت منه الجزية. وجوابنا أن الآية مخصوصة بما قدمناه من أدلتنا، ودريد بن الصمة كان له رأى ونكاية فقتل لها، وعلى مثله يحمل ما تقدم من الجزية، الحديث. والجزية لا نسلم أنها تحقن الدماء بل عوض المسكن والقرار تحت يد الإسلام. وقد التزم أبو حنيفة أنها لا تؤخذ من الشيخ الفانى، فالانفصال ساقط عنه. فالمراد بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شرخهم ": أى صبيانهم. وشرخ كل شىء أوله. فالصبيان أول الشباب. قال القاضى: أجمع العلماء على الأخذ بهذا الحديث فى ترك قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا. واختلفوا إذا قاتلوا، فجمهور العلماء كافة - من يحفظ عنه العلم منهم - أنهم إذا قاتلوا يقتلوا (¬1). قال الحسن: وكذلك لو خرج النساء معهم إلى بلاد الإسلام. قال الأوزاعى: وكذلك إذا كانت حارسة للعدو. ومذهبنا: أنها لا تقتل فى مثل هذا إلا إذا قاتلت. واختلف أصحابنا إذا قاتلوا ثم لم يظفر بهم إلا بعد أن برد القتال وأسروا، هل يقتلون كما يقتل الأسرى، أم لا يقتلون إلا فى نفس القتال؟ وكذلك اختلفوا إذا رموا الحجارة، هل ذلك حكم القتال بالسلاح أم لا؟ ¬

_ = وقد وهم القاضى فعزى الحديث للنسائى، ولم أجده فى سنن النسائى الصغرى والكبرى، وقد ذكر المنذرى - رحمه الله - فى مختصره لأبى داود: أن الحديث لأبى داود والترمذى وفقط. انظره: 4/ 14. وكذا عون المعبود شرح سنن أبى داود مع شرح الحافظ ابن القيم 7/ 331. والحديث ذكره - أيضاً - البيهقى فى السنن - الكبرى 9/ 91، وكذا فى معرفة السنن والآثار 13/ 254. قلت: وفيه الحجاج بن أرطاة وهو غير محتج به، وكذا الحسن منقطع عن سمرة بن جندب فى غير حديث العقيقة. (¬1) انظر: الاستذكار 14/ 60 وما بعدها، المغنى 13/ 179.

(9) باب جواز قتل النساء والصبيان فى البيات من غير تعمد

(9) باب جواز قتل النساء والصبيان فى البيات من غير تعمد 26 - (1745) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الذَّرَارِىِّ مِنَ المُشْرِكِينَ؟ يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ. فَقَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ ". 27 - (...) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هم منهم ": كذا الرواية الصحيحة للكافة، وعند العذرى، عن " الذرارى " مكان " الدار "، وليس بشىء وهو تصحيف، وما بعده يبين فيه الغلط. قال الإمام: المراد بقوله: " هم منهم ": أن أحكام الكبار جارية عليهم فى مثل هذا، والدار دار كفر. فكل من كان فيها منهم ومن ذراريهم. وإن اعترض هذا بالنهى عن قتل النساء والولدان، قلنا: هذا وأراد فيهم إذا لم يتميزوا فقتلوا من غير قصد لقتلهم، بل كان القصد قتل الكبار، فوقعوا فى الذرارى من غير عمد ولا معرفة، والأحاديث المتقدمة وردت فيهم إذا تميزوا. وقد قال فى هذا الحديث: " يبيتون فيصيبون من نسائهم "، وهذه إشارة إلى ما قلناه. قال القاضى: أكثر العلماء عن الأخذ بهذا الحديث، وأنه خير معارض للنهى عن قتل النساء والصبيان والأطفال لما تقدم من العلة قبل، وأنهما أصلان يستعملان ذلك على الانفراد، وهذا على الاختلاط. وممن قال به مالك وأبو حنيفة والشافعى والثورى، ورأوا أن رميهم بالمجانيق (¬1). واختلف فى رميهم فى حصونهم أو مراكبهم بالنيران وتحريقهم، فأجاز ذلك الشافعى والثورى (¬2)، إلا أنه يستحب ألا يرموا بالنار ما أطيق تغليبهم بغير ذلك؛ للنهى عن التحريق، وأنه لا يعذب بالنار إلا الله - سبحانه وتعالى - وهذا مذهب مالك وعلماء المدينة، ¬

_ (¬1) و (¬2) التمهيد 16/ 143 وما بعدها.

الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جِثَّامَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ، إِنَّا نُصِيبُ فِى البَيَاتِ مِنْ ذَرَارِىِّ المُشْرِكِينَ. قَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ ". 28 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جِثَّامَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: لَوْ أَنَّ خَيْلاً أَغَارَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَأَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ المُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا أن يكون فيهم مسلمون فيمنعه مالك جملة (¬1). واختلف أصحابنا، هل يرمون بالنار وإن كان ذراريهم فيهم ونساؤهم؟ على قولين (¬2). ومعنى البيات: يبيتون، أى يؤخذون على غرة، أو بليل حيث لا يستبين الرجل من المرأة، والصغير من الكبير، ويدل عليه أنه جاء فى الحديث الآخر: " لو أن خيلاً أغارت من الليل ". والذرارى تطلقه العرب على الأولاد والعيال من النساء. وفى جواز التبييت فى هذه الأحاديث دليل على أن الدعوة ساقطة لمن بلغته، وأنه لا يلزم الدعوة فى كل قتال. ¬

_ (¬1) الاستذكار 14/ 68 وما بعدها. (¬2) الاستذكار 14/ 66.

(10) باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها

(10) باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها 29 - (1746) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِى النَّضِيرِ، وَقَطَعَ وَهِىَ البُويْرَةُ. زَادَ قُتَيْبَةُ وابْنُ رُمْحٍ فِى حَدِيثِهِمَا: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِين} (¬1). 30 - (...) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِى النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ. وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِى لُؤَئٍّ ... حَرِيقٌ بِالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ وَفِى ذَلِكَ نَزَلَتْ: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} الآيَةَ. 31 - (...) وحدَّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنِى عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ السَّكُونِىُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِى النَّضِير. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حرق نخل بنى النضير وقطع، وهى النويرة، فأنزل الله عز وجل: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} الآية "، قال الإمام: من الناس من تأول أن ذلك [كان] (¬2) مقاتل [المسلمين] (¬3) القوم، فاحتاج إليه لجولان الخيل، وهذا تأويل من لم ير قطع الشجر على ظاهر ما وقع للصديق - رضى الله عنه. والمشهور من مذهبنا جواز قطعها إذا لم يُرْجَ مصيرها للمسلمين، وكان قطعها يضر بالعدو ويؤذيه. قال القاضى: يجوز ذلك، وبمثل مذهب مالك قال جماعة من العلماء؛ أبو حنيفة والثورى والشافعى [وأحمد واسحاق] (¬4). واختلف فى ذلك عن الأوزاعى، وبمنع ذلك ¬

_ (¬1) الحشر: 5. (¬2) من س، ع. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى س: إسحاق وأحمد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الليث بن سعد وأبو ثور، وتأول الجمهور [الحديث] (¬1) للنهى، أى بعد وعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصير ذلك للمسلمين. واللينة: أنواع التمر كلها إلا العجوة، وقيل: كرام النخل، وقيل: كل نخل، وقيل: الأشجار للينها. والبويرة المذكورة فى شعر حسان من جلاء بنى النضير. مستطير منتشر. ¬

_ (¬1) من س.

(11) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة

(11) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة 32 - (1747) وحدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هَرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَزَا نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءَ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لا يَتْبَعَنِى رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِىَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ، وَلا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا وَلَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَهَا، وَلا آخَرُ قَدِ اشتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ وِلادَهَا ". قَالَ: " فَغَزَا، فَأَدْنَى لِلْقَرْيَة حِينَ صَلاةِ العَصْرِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَمْسِ: أَنْتِ مَأمُورَةُ وَأَنَا مَأمُورٌ. اللَّهُمَّ، احْبِسْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم فى حديث: أن نبيًّا من الأنبياء غزا فقال: " لا يتبعنى رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبنى (¬1) بها أمره ولم يبن بها، ولا آخر بنى داراً ولم يرفع سقفها، ولا آخر اشترى غنماً أو خلفات وهو منتظر ولادَهَا ": البضع، بضم الباء، كناية عن الفرج، فيه تحضيض أولى الحزم وفراغ البال بالأمور المهمات، وألاّ تُناط بمن باله متعلق بغيرها، ونفسه مائلة لسواها، فإن ذلك يضعف جدَّه (¬2) ويوهن عزمه. والخلفات: الحوامل. ما ذكر من حبس الشمس عليه ودعائه بذلك حتى فتح الله - صبحانه - القرية قيل: ردت على أدراجها، وقيل: أوقفت ولم ترد، وقيل: بطئ بحركتها، وذلك كله من علامات النبوة وخصائص كراماتها. ويقال: إن الذى حبست عليه الشمس هو يوشع بن نون - والله أعلم. وقد روى أن هذه الآية كانت لنبينا أيضاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى موطنين: أحدهما: فى حفر الخندق، وحين شغلوا عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فردها الله تعالى عليه حتى صلى العصر، ذكر ذلك الطحاوى، وقال: إن رواته ثقات. والثانية: صبيحة الإسراء، حين انتظر العير التى أخبر بوصولها مع شروق الشمس، ذكره يونس بن بكير فى زيادته فى سير ابن إسحاق. [وقوله: " فلما أدنى للقرية ": هكذا فى جميع النسخ رباعى، فإما أن يكون تعدية دنا أى قرب، فمعناه: أدنا جيوشه وجموعه لها، أو يكون أدنى هنا بمعنى حان، أى قرب ¬

_ (¬1) فى الأصل: يبتنى، والمثبت من الصحيحة، س. (¬2) فى الأصل: مده، والمثبت من س.

عَلَىَّ شَيْئًا، فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ ". قَالَ: " فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأكُلَهُ، فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ. فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ، فَلْيُبَايعْنِى مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ. فَبَايَعُوهُ. فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بيَدِهِ. فَقَالَ: فِيكُمْ الغُلُولُ، فَلتُبَايعْنِى قَبِيلَتُكَ، فَبَايَعَتْهُ ". قَالَ: " فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ. فَقَالَ: فِيكُمْ الغُلُولُ، أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ ". قَالَ:" فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ ". قَالَ: " فَوَضَعُوهُ فِى المَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ، فَلَمْ تَحِلَّ الغَنَائِمُ لأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنا، فَطَيَّبهَا لَنَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وحان فتحها، من قولهم: أدنت الناقة: إذا حان نتاجها. ولم يقل فى غير الناقة] (¬1). وما ذكره فى الخبر: " فيكم غلول " وأمره أن يبايعه من كل قبيلة رجل، فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: " فيكم غلول " من دلائل النبوة وخصائصها، وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها، وأن من فعل الإنسان ما يكون بوحى ومعجزة مثل هذا، أو مثل قصة البقرة، ومنها ما هو بالاجتهاد وأجزأ الأمور على ظواهرها لغيرهم، وفيه كل تعظيم لأمر الغلول. وقوله: " فوضعوه فى المال وهو بالصعيد ": أى بوجه الأرض. وقوله: " فأقبلت النار فأكلته، ولم تحل الغنائم لأحدٍ قبلنا ": بيان ما خصت به هذه الأمة من حل الغنائم، وقيل: إنما كانت لجمع، فتأتى نار من السماء فتأكلها، وكذلك كان أمر قربانهم إذا تقبل، وجاءت نار من السماء فأكلته. ¬

_ (¬1) سقط من س.

(12) باب الأنفال

(12) باب الأنفال 33 - (1748) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سماكٍ، عَنْ مُصْعَبِ ابْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: أَخَذَ أَبِى مِنَ الخُمْسِ سَيْفًا، فَأَتَى بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَبْ لِى هَذَا. فَأَبَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} (¬1). 34 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث مصعب بن سعد عن أبيه: " أخذ أبى من الخمس شيئاً "، وفى الحديث الآخر: " سيفاً " (¬2)، فأتى به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هب لى هذا، فأبى فأنزل الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَال} " الآية، وفى الرواية الأخرى: فقلت: نَفِّلْنيه، فقال: " ضعه من حيث أخذته "، فقلت: يا رسول الله، أأجعل كمن لا غناء له فقال: " ضعه من حيث أخذته " فنزلت الآية: فيه حجة ألا نفل إلا من الخمس، وأن أخذ سعد هذا كان قبل الخمس، ألا تراه كيف قال: " ضعه من حيث أخذته "، ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول حكم الغنائم وتحليلها والحكم فيها، وهو الأظهر والصواب وعليه يدل الحديث. وقد روى فى تمامه ما يبينه من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد بعد نزول الآية: " خذ سيفك، إنك سألتنيه وليس لى ولا لك، وقد جعله الله لى وجعلته لك "، ويحتمل أن يكون بعد بيان الخمس وقبل القسمة. وهذا على الخلاف فى هذه الآية، هل هى محكمة أو منسوخة؟ فقيل: هى منسوخة بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء} الآية (¬3)، وأن مقتضى آية الأنفال الأولى والمراد بها: أن الغنائم كانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة كلها، ثم جعل أربعة أخماسها للغانمين بالآية الأخرى، وهو قول ابن عباس وجماعة، وقيل: هى محكمة، وللإمام أن ينفل من الغنائم ما شاء لمن شاء لما يراه منه، وروى هذا عن ابن عباس أيضاً، ¬

_ (¬1) الأنفال: 1. (¬2) فى صحيح مسلم (سيفاً)، فى الروايتين حديث رقم 33، 34 فى نسخة الإمام مسلم بشرح النووى، وكذا حققه محمد فؤاد عبد الباقى. وقد جاءت فى صحيح مسلم فى إكمال الإكمال لأبى عبد الله الأبى الرواية الأولى: " شيئاً " والثانية: " سيفاً " كما ذكر القاضى، وهذا يدل على أن هناك تصحيفاً فى نسخ مسلم الذى بين أيدينا. راجع الأبى 5/ 59. (¬3) الأنفال: 41.

أَبِيهِ. قَالَ: نَزَلَتْ فِىَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ، أَصَبْتُ سَيْفًا فَأَتَى بهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَفِّلْنِيهِ. فَقَالَ: " ضَعْهُ "، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " ضَعْهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ "، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: نَفِّلْنِيهِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَال: " ضَعْهُ "، فَقَامَ، فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، نَفِّلْنِيهِ. أَأُجْعَلُ كَمَنْ لا غَنَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضَعْهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ ". قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} (¬1). 35 - (1749) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَأَنَا فِيهِمْ، قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرَةً، فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثَنَا عَشَرَ بَعِيرًا، أَوْ أحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: هى محكمة مخصوصة فيمن ضد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو أمة أو دابة وشبهها، وهو قول عطاء والحسن، وقيل: هى محكمة مخصوصة أيضاً والمراد بها أنفال السرايا (¬2). وقوله: " نزلت فى أربع آيات " ولم يذكر منها هنا غير واحدة فى هذا الحديث، وقد جاءت الآيات الأربع مذكورة في كتاب مسلم بعد هذا فىِ كتاب الفضائل وقصصها: آية بر الوالدين وتحريم الخمر: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي} الآية (¬3)، وآية الأنفال (¬4). وقوله: " بعث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة، فكانت سهمانهم اثنا عشر أو أحد عشر بعيراً، ونُفِّلوا بعيراً بعيراً "، قال الإمام: النفل عندنا من الخمس يفعله الإمام على حسب الاجتهاد، وعند المخالف أنه من رأس الغنيمة قبل الخمس. قال القاضى: حكى منذر بن سعيد عن مالك؛ أن الأنفال من خمس الخمس. قال القاضى: وهو قول ابن المسيب والشافعى وأبى حنيفة والطبرى، والمعروف عن مالك ما تقدم من أنه لا نفل إلا بعد القسم من الخمس. وأجاز الشافعى النفل قبل إحراز الغنيمة وبعدها، وهو قول أبى ثور والأوزاعى وأحمد والحسن البصرى وجماعة (¬5). وقد اختلف فى نفل ابن عمر هذا، هل كان قبل القسم أو بعده؟ واختلفت الآثار فى ذلك. وفى مسلم ما يدل أنه بعد القسم من الخمس نص فى أحاديث ذكرها، وأيضاً فإن قوله: " نفلوا ¬

_ (¬1) الأنفال: 1. (¬2) انظر: تفسير القرطبى 8/ 2 وما بعدها. (¬3) الأنعام: 52. (¬4) مسلم، ك فضائل الصحابة، ب فى فضل سعد بن أبى وقاص (1748/ 43). والآيات: لقمان: 15، والمائدة: 90، والأنعام: 52، والأنفال: 1. (¬5) انظر: المغنى 13/ 53 وما بعدها، الاستذكار 14/ 104 وما بعدها.

36 - (...) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، وَفِيهِمُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَّ سُهْمَانَهُمْ بَلَغَتِ اثَنَىْ عَشَرَ بَعِيراً، وَنُفِّلُوا، سِوَى ذَلِكَ، بَعِيرًا، فَلَمْ يُغَيِّرْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 37 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى نَجْدٍ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَأَصَبْنَا إِبِلاً وَغَنَمًا، فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا اثْنَىْ عَشَرَ بَعِيرًا، اثْنَىْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا، بَعِيرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعيراً بعيراً " لو كان من المغنم نفسه لم يكن لهذا القول معنى بعد ذكره ما حصل لهم فى القسم، ولكان الكلام مختل اللفظ. ورواية مالك ومن تابعه من الحفاظ أنه كان من الخمس بعد القسم. وقال أبو عمر: النفل على ثلاثة اْوجه: أن يريد الإمام تفضيل بعض الجيش لعنائه وبلائه، فينفله من الخمس، بل استحبه بعضهم من خمس الخميس المختص بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والثانى: أن يبعث الإمام سرية من العسكر فينفلها مما غنمت دون العسكر، فحقه أن يخمس ما غنمت ثم يعطى السرية مما بقى بعد الخمس ما شاء ولا يزيد على الثلث؛ لأنه أقصى ما روى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل، ويقسم الباقى بين جميع أهل العسكر والسرية على السواء. الثالث: أن يحرض الإمام أهل العسكر على القتال قبل لقاء العدو، وينفل من شاء منهم أو جميعهم مما يفتح الله سبحانه عليهم الربع أو الثلث قبل القسمة. وكره مالك هذا لخبث النية بسببه، وقد أجازه بعض السلف. وأجاز النخعى وبعض العلماء أن تنفل السرية جميع ما غنمت والكافة على خلاف ذلك. وقوله فى حديث ابن عمر، وفى بعض الروايات: " فبلغت سهماننا اثنى عشر بعيراً " بين أنه نصيب كل واحد منهم، ورافع لشك الراوى ورافع لاحتمال من قال: يحتمل أن جميع الغنيمة كانت اثنى عشر، كما قال بعضهم. وهذا بعيد؛ لأنه لو كان هذا جملة السهام غير الخمس كان خمسها وهو مثل ربع السهام ثلاثة أبعرة. وقد قال فى الحديث: " وقد نفلوا بعيراً بعيراً " فيأتى من هذا أن السرية كانت ثلاثة بعد استيفاء الخمس فى النفل، وهذا بعيد أن يكون بسرية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نجد هذا العدد، لاسيما وقد قال فى الحديث: " فأصبنا

(...) وحدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (...) وحدَّثناه أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ النَّفَلِ؟ فكتب إِلَىَّ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ فِى سَرِيَّةٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إبلاً كثيرة "، ولايقال فى خمسة عشر: كثيرة. وأيضاً فإن هذه السرية إنما توجهت من جيش وإنما كان الاثنى عشر بعيراً سهماً لكل واحد من أهل الجيش، ونفل أصحاب السرية بعيراً بعيراً. كذا جاء مفسراً فى روايات أبى داود وغيره (¬1)، الحديث فى بعض روايات مسلم: " ونفلوا بعيراً، فلم يغيره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بيانه ما جاء فى رواية أبى إسحاق فى كتاب أبى داود: " فنفلنا أميرنا بعيراً بعيراً، فما عاب علينا ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، ويجمع بين هذا وبين رواية من روى: " نفلنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، أى أجاز ما فعل وأمضاه. ويرد هذه الرواية قوله: " ونفلوا " فى رواية مالك وغيره. وقد قال بعضهم: إنما النفل فى السرايا كما جاء فى حديث ابن عمر أنه فى سرية. والأنفال: الغنائم. قال صاحب العين: والأنفال: العطايا، وأصل النفل العطية تطوعاً والزيادة على الواجب. ومذهب الشافعى والشاميين أن النفل من جميع الغنيمة بعد إخراج الخمس، وهو قول إسحاق وأحمد وأبى عبيدة وما بقى للغانمين (¬2). وفيه من الفقه: إخراج السرايا، وأن ما غنمت يدخل فيه الجيش الذى خرجت السرية منه، وجواز النفل من الخمس أو من الغنيمة على اختلاف الآثار فى ذلك وماتقدم فى هذا الحديث، وأن الأصح أنه من الخمس، وتحريض الجيش على الاقدام والضرب على ما فعله من الإرضاخ لهم من ذلك. واختلفوا هل النفل من جميع الغنائم أو فى أولها؟ فذهب الأوزاعى وسليمان بن ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجهاد، ب فى نفل السرية تخرج من العسكر 2/ 71. (¬2) الاستذكار 4/ 107، 108، المغنى 13/ 60، 61.

38 - (1750) وحدَّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - وَاللَّفْظُ لِسُرَيْجٍ - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: نَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلاً سِوَى نَصِيبِنَا مِنَ الخُمْسِ، فَأَصَابَنِى شَارِفٌ - وَالشَّارِفُ المُسِنُّ الكَبِيرُ. 39 - (...) وحدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنِى عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَفَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً. بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ رَجَاءٍ. 40 - (...) وحدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً، سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الجَيْشِ، وَالخُمْسُ فِى ذَلِكَ، وَاجِبٌ، كُلِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى والشاميون إلى أنه لا نفل فى أول مغنم، ولا فى ذهب ولا فى فضة، وعامة الفقهاء على أنه جائز فى أول مغنم، وغيره فى الذهب والفضة. وقوله: " فاصابنى شارف ": والشارف: المسن الكبير. وكذا قال فى الأم، وتمامه من النوق، لايقال ذلك للذكران، والشارف المسنة الكبيرة، إلا أن يريد بقوله: المسن الكبير: البعير؛ لأنه ينطبق على الذكر والأنثى، فذكر الوصف على اللفظ حديث أبى قتادة.

(13) باب استحقاق القاتل سلب القتيل

(13) باب استحقاق القاتل سلب القتيل 41 - (1751) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْن أَفْلَحَ، عَنْ أَبِى مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِىِّ - وَكَانَ جَلِيسًا لأَبِى قَتَادَةَ - قَالَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ. وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ. (...) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِى قتَادَةَ؛ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. (...) وحدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِى مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنِ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ. قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلا رَجُلاً مِنَ المُسْلِمينَ، فَاسْتَدَرْتُ إِلِيْهِ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِة، وَأَقْبَلَ عَلَىَّ فَضَمَّنِى ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ المَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ المَوْتُ، فَأَرْسَلَنِى. فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، فَقَالَ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: أَمْرُ اللهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسِ رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً، لَهُ عَلَيْهِ بِيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ ". قَالَ: فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه "، قال الإمام: اختلف الناس فى السلب، فقالت طائفة: هو للقاتل، أخذاً بظاهر هذا الحديث، فجعله بعضهم له على الإطلاق. واشترط الشافعى أن يقتله فى حومة القتال، ومقبلاً غير مدبر. ومذهب مالك أنه لا يكون للقاتل ضربة لازم ولكن للإمام أن ينفّله إياه إذا بردت الغنيمة من الخُمس (¬1)، وحمل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قتيلاً " على أن المراد به ابتداء إعطاء الآن، لا خبر عن حكم حَكم الله تعالى به فى هذه الوقعة وفى غيرها، كما يحمله المخالف عليه، واللفظ يحتمل أن يقال خيراً عن الحكم فى سائر الوقائع، واستئاف حكم فى هذه الوقعة وخبراً عن التزام ما لا يلزم، وإذا احتمل سقط التعلق به. وقال أصحابنا: مما يؤكد تأويلنا أنه أعطاه أبا قتادة من غير بينة ولم يحلفه، مع ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 13/ 63 وما بعدها، الحاوى 8/ 398، الاستذكار 14/ 137 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شهادة من هو فى يديه، ولو كان حقاً تستحق المطالبة به لم يعط إلا ببينة لحق أهل الجيش فى المغنم، ولكن لما كان من الخمس على جهة الاجتهاد أداه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتهاده إلى إعطائه إياه على هذه الصفة. وقد أعطى سلب أبى جهل أحد قاتليه مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلاكما قتله "، وهذا لا يصح إلا على مذهبنا أنه يصرفه حيث شاء، وقد كانت وقائع لم يعط فيها السلب للقاتلين، وقد قال عز من قائل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول} (¬1)، فعم السلب وغيره. قال القاضى: واختلف العلماء فى حمل هذا اللفظ على العموم والخصوص، فحمله بعضهم على العموم فيمن يسهم له ومن لا يسهم له، رجلاً كان أو امرأة أو صبياً، وهو أحد قولى الشافعى. وعندنا أنه لا يستحق إلا من يقاتل، وقاله الشافعى مرة. وقال الليث والشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق والطبرى والثورى وأبو ثور: السلب للقاتل على كل حال، قاله الأمراء ولم يقله، وهى قضية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن الشافعى اشترط أن يقتله مقبلاً، والأوزاعى اشترط أن الحرب إذا التحمت فلا سلب حينئذ لقاتل وإنما ذلك قبل التحامها، وهو مذهب الشاميين، وغيرهم لا يشترطون شيئاً، ويرون ذلك لكل قاتل فى معركة أو غيرها، قتل مقبلاً أو مدبراً. وذهب مالك وأبو حنيفة والثورى أنه ليس بحق للقاتل وأنه غنيمة الجيش، إلا أن يجعل الأمير ذلك للقاتل (¬2). واختلفوا فى تخميسه فقال مالك والأوزاعى ومكحول: يخمس، وقاله إسحاق إذا كثر، ونحوه عن عمرو. قال الشافعى: يخمس، وقاله أحمد والطبرى وحكى ابن خويزمنداد عن مالك أن الإمام مخير بالاجتهاد فيه، إن شاء خمسه وإن شاء لم يخمسه (¬3). واختاره إسماعيل القاضى. واختلفوا ما هو السلب الذى يستحق القاتل، فقيل: فرسه الذى يركبه وكل شىء عليه من لبوس وسلاح وآلة له ولفرسه ولسلاحه؛ كالشوكار والمنطقة والسوار والخاتم والطوق والتاج واللجام والسرج وإن كان فيها الذهب والفضة والجوهر، وهذا مذهب الأوزاعى، وبه قال ابن حبيب من أصحابنا، وبه عمل جماعة من الصحابة، ونحوه مذهب الشافعى، إلا أنه تردد فى السوارين والحلية وما فى معناها من غير حلية الحرب. ومذهب ابن عباس: الفرس والسيف والدرع والرمح وفى معناه السلاح، وهو معنى مذهب مالك. وذهب سحنون إلى نحو مذهب الشافعى من الفرس واللباس والسلاح، وحلية السلاح دون حلية الحرب، ولم ير أحمد الفرس من النفل ووقف فى السيف وشذ فى هذا، ورأى ابن حبيب ¬

_ (¬1) الأنفال: 41. (¬2) انظر: المغنى 13/ 70 وما بعدها، الاستذكار 14/ 137 وما بعدها. (¬3) انظر: الاستذكار 14/ 140 وما بعدها.

لِى؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِى؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ، الثَّالِثَةَ. فَقُمْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَالَكَ؟ يَا أَبَا قَتَادَةَ! "، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ، سَلَبُ ذَلِكَ القَتِيلِ عِنْدِى، فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لاهَا اللهِ، إِذًا لا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيَعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ، فَأَعِطِهِ إِيَّاهُ "، ـــــــــــــــــــــــــــــ من أصحابنا ما فى منطقته من دنانير ودراهم لنفقة داخلة فى السلب، ولم ير ذلك الأوزاعى ولا غيره. وللشافعى قولان فيما وجد فى عسكر العدو من أموال المقتول، هل هو من سلبه أم لا؟ واحتج مخالفنا بقوله فى هذا الحديث: " من قتل قتيلاً له عليه بينة " (¬1). وقالوا: لا يستحق السلب القاتل إلا بالبينة أو شاهد ويمين، وهو قول الشافعى والليث وبعض أصحاب الحديث. وقال الأوزاعى: يعطى بقوله ولا يحتاج إلى بينة، وهو قول المالكية (¬2)، وحجتهم فى هذا الحديث: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه بشاهد واحد ولم يحلفه معه، وأنه لم يرد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البينة وإنما أراد أن يعلم ذلك، ونحو هذا الليث أيضاً، وأنهم عندهم باب خبر لا باب شهادة. وأجاب المخالف بان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أعطاه أبا قتادة بإقرار الذى حازه لنفسه، ولقول أبى بكر - رضى الله عنه - ما قال، فحصل شاهدان له واعتراف الذى فى يديه الشىء يكفى. وهذا لا حجة فيه؛ لأن أبا بكر لم يشهد إنما رد قوله بما قاله، ولأن المقر إنما ينفع إقراره لغيره بخلاف مالك لغيره فيه، وإنما النزاع فيه بينه وبين المقولة، وهذا السلب ملكه صحيح لجميع الجيش حتى يثبت لقاتل صاحبه. قالوا: وفى هذا الحديث من الفقه من الحديث جواز كلام الوزير والمستناب عن الأمير وغيره، ممن يتقدمه بما يعلمه من جواب الأمير ومقدمة قبل كلامه؛ لقول أبى بكر - رضى الله عنه -: " لاها الله، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه ". ومعنى قوله: " يقاتل عن الله ورسوله " أى: لتكون كلمة الله وكلمة رسوله هى العليا. فيه حجة أن من قاتل فى الجيش من أهل الذمة وقثل قتيلاً فلا سلب له. وقوله: " فيعطيك سلبه ": مما قد يحتج به المخالف باستحقاقه السلب بإضافته إليه، ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 14/ 148، الحاوى 8/ 399، 400. (¬2) انظر: الاستذكار 14/ 147.

فَأَعْطَانِى. قَالَ: فَبعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرِفًا فِى بَنِى سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِى الإِسْلامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا حجة له إنما استحق بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فله سلبه " وتسويغه له ذلك. وقول أبى بكر - رضى الله عنه -: " لاها الله إذاً ": قال الإمام: هكذا روى، وصحيحه عند أهل اللغة: لاها (¬1) الله ذا، بغير ألف قبل الذال، و " ها " بمعنى الواو التى للقسم، فكأنه قال: والله ذا. وفى الكلام حذف تقديره: لا والله يكون ذا يمينى وذا قسمى. وقال أبو زيد: " ذا " صلة فى الكلام، وقد تقدم الكلام عليه فى حديث بريرة. وقوله: " فابتعت به مخرفاً "، قال الإمام: المخرف، بفتح الميم والراء: البستان، والمخرف، بكسر الميم وبفتح الراء: الوعاء الذى يجعل فيه ما يخترف من الثمار. قال القاضى: رويناه بفتح الميم وبكسرها، فمن كسرها جعله مثل مربد، ومن فتحه جعله مثل مضرب. ورويناه - أيضاً - بفتح الميم وكسر الراء، كما قالوا: مَسْكِن ومَسْجِد ومَسْجَد ومَسْكَن. وقيل: المخرف: السكة من النخل هل يكون صغيرة تخترف من أيها شاء، أى يجتنى. قال أبو عبيدة: والمخرف: التمر الذى يجتنى. وأنكره عليه ابن قتيبة، وقال: إنما هى النخل، وأما التمر نفسه فمخروف. قال ابن وهب: هى الجنينة الصغيرة، وقال غيره: هى النخلات غير الكثيرة، وقال غيره: هو ما يجتنى. وقال أبو عبيد: يقال للنخل نفسه: مخرف. وقال الأصمعى: المخرف: جنى النخل؛ لأنه يخترف منها، أى يجتنى. وفيه حجة أن التمر من الفاكهة؛ لأن الخرفة الفاكهة. فمن حلف ألا يأكل فاكهة فأكل تمراً حنث، إلا أن تكون له نية أو عرف استعمال عندهم. قال الإمام: وقوله: " إنه لأول مال تَأَثَّلْتُهُ ": أى تأصلته. وأثلة الشىء: أصله. قال القاضى: وبقى فى هذا الحديث ألفاظ؛ منها: قوله: " فكانت للمسلمين جولة "، يريد انهزاماً وخفة ذهبوا معها، وهذا إنما كان فى مقدمة الجيش دون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والخبر بذلك معلوم، وسيأتى فى حديث يوم حنين. وقد ذكر بعض علمائنا الإجماع أنه لا يجوز أن يقال: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انهزم أو هزم، ولم ير واحد قط فى حقه ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل خلافه فى الثبات والإقدام. وقوله: " فرأيت رجلاً قد علا رجلاً من المسلمين ": يحتمل أنه ظهر عليه وأشرف على قتله أو صرعه وجلس عليه ليقتله. ¬

_ (¬1) فى الأصل: لا، والمثبت من س.

وَفِى حَدِيثِ اللَّيْثِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلا، لا يُعْطِيهِ أُضَيْبِعَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَيَدَعُ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ. وَفَى حَدِيثِ اللَّيْثِ: لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ. 42 - (1752) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ المَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِى الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِى وَشَمَالِى، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلامَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ، حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا. فَغَمزَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فضربته على [حبل] (¬1) عاتقه ": قيل: هو موضع الرداء من العنق. قال الخطابى: هو وصل ما بين العنق والكاهل (¬2). وقيل: الحبل: الوريد نفسه. والوريد عرق بين الحلقوم والعلباوين، قال الله عز وجل: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد} (¬3). وقوله: " فضمنى ضمة وجدت منها ريح الموت ": أى شدته وألمه، ويحتمل أن يكون استعارة لمقاربته لما يجد من الموت؛ لأنه من شىء وجد ريحه، ومن بعد عنه لم يجده. وقوله فى حديث الليث: " كلا، لا يعطيه أصيبغ من قريش " كذا عند السمرقندى بالصاد المهملة والغين المعجمة. قيل: كان حقره وذمه بسواد لونه، وقيل: أى ذا لون غير محمود، وقيل: وصفه بالمهانة والضعف. قال الخطابى: والأصيبغ نوع من الطير. قال: وقد يجوز أن يشبهه بنبات ضعيف يقال له: الصيبغا، أول ما يطلع من الأرض فيكون ما يلى الشمس منه أصفر (¬4). قال الهروى: الطاقة من النبت أول ما يخرج يكون صبغاً، ما يلى الشمس من أعاليها أخضر. قال القاضى: الأشبه على هذا أن يسمى به لتغير لونه لا لضعفه أو بهما. وعند سائر الرواة " أضيبع " بضاد معجمة وعين مهملة. وكذلك اختلف فيه رواة البخارى أيضاً (¬5). قيل: هو تصغير ضبع على غير قياس، كأنه لما وصف الآخر بالأسد صغر هذا بالأضافة إليه. وشبهه بالضبع لضعف افتراسها وما توصف من الحمق والعجز. وقوله: " بينما أنا واقف فى الصف يوم بدر، نظرت عن يمينى فإذا أنا بين غلامين ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س، والحديث المطبوع. (¬2) انظر: معالم السنن 4/ 41. (¬3) ق: 16. (¬4) انظر: أعلام الحديث 3/ 1754. (¬5) البخارى، ك الأحكام، ب الشهادة تكون عند الحاكم فى ولاية القضاء أو قبل ذلك للخصم 9/ 86.

أحَدُهُمَا. فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرف أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، ومَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِى؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِى سَوَادَهُ، حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا. قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلكَ. فَغَمَزَنِى الآخَرُ فَقَالَ مِثْلَهَا. قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَىَ أَبِى جَهْلٍ يَزُولُ. فِى النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِى تَسْأَلانِ عَنْهُ. قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، حَتَّى قَتَلاهُ. ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ. فَقَالَ: " أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ "، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأوس، فتمنيت لو كنت بين أضلع منهما ": لا أعلمه وقع فى كتاب مسلم فى جميع النسخ إلا هكذا، ووقع فى بعض روايات البخارى: " أصلح " (¬1) بالحاء، وهكذا رواه مسلم دون رواية جماعة من الحفاظ " أضلع " وهو أصوب. قال الإمام: كذا وقع فى بعض الروايات - يعنى أضلع - والأشبه أحد، أراد به: لو كنت بين رجلين أقوى منهما. ويقال للرجل الشديد الخلق: إنه لضليع [الخلق] (¬2) وفى حديث على - رضى الله عنه - فى وصف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كما حمل فاضطلع بأمرك. هو افتعل من الضلاعة وهى القوة، ويقال: هو مضطلع عليه، أى قوى عليه، وقد تقدم ذكر السلب قبل هذا. قال القاضى: وقوله: " لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا ": أى شخصى شخصه. والشخص يسمى سواداً، وفى الحديث: " أنت السواد الذى رأيت أمامى " (¬3). وقوله: " حتى يموت الأعجل منا " قيل: هو شىء استعمل فى كلام العرب، كأنه يريد الأعجل أجلاً والأقرب موتاً. وقوله: " فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يزول فى الناس ": كذا روايتنا عن كافة شيوخنا فى الكتاب وعند بعضهم عن ابن ماهان: " يرفل "، والرواية الأولى أظهر وأوجه. ومعنى " يزول ": أى يتحرك ويترجح ولا يستقر على حال ولا فى مكان. والزوال الزمام والقلق ويصححه رواية من رواه: " يرقل " إن صحت، أى يسبل ثيابه أو درعه ويجرها. ومعنى " لم أنتشب ": لم يطل الاْمر، أى لم أشتغل بشىء ولم يشغلنى وهو استعارة لمن تعلق بشىء، يقال: نشب فيه. ¬

_ (¬1) الفتح 6/ 248. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من س، ع. (¬3) سبق فى كتاب الجنائز، فى باب ما يقال عند دخول القبر برقم (103).

قَتَلْتُ. فَقَالَ: " هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ " قَالا: لا. فَنَظَرَ فِى السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: " كِلاكُمَا قَتَلَهُ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما: " أيكما قتله؟ " فقال: كلنا قتله، فقال: " هل مسحتما سيفيكما؟ ": قالا: لا، فنظر فى السيفين فقال: " كلاكما قتله "، وقضى بسلبه لمعاذ ابن عمرو بن الجموح. قال ابن القصار وغيره: لما خص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به أحدهما بعد قوله: " كلاكما قتله " علم على أن السلب غير مستحق للقاتل إذ يعطيه الإمام. وقد اختلفوا فى الرجلين إذا قتلا قتيلاً، لمن سلبه؟ فقيل: ذلك لمن أجهز عليه إذا كان يقدر على التخلص من ضرب الأول، وإن كان لا يمتنع فلمن أثخنه، كما لو قطع الأول يديه ورجليه وقتله الآخر فالسلب للأول، وهذا مذهب الشافعى (¬1). ولو جرحه الأول عنده وأثخنه بذلك وذبحه الآخر كان للآخر، ولو عانقه الأول فقتله الآخر فللآخر سلبه. وقال الأوزاعى (¬2): [سلبه] (¬3) للمعانق. وقال مكحول: إذا قتله الأول وأجهز عليه الآخر فالسلب للأول. ولم أجدهم يختلفون لو كانا مشتركين فيه على سواء أنه بينهما على السواء، فقال أصحاب الشافعى فى هذا الحديث: إنما خص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به أحدهما لأنه استطاب نفس الآخر، وليس فى الحديث ما يدل عليه، وهذا تحكم. وقد قال بعضهم: بل كان هو الذى أثخنه، وإنما قال: " كلاكما قتله " تطييباً لنفس الآخر إذ كان شاركه فيه بعض المشاركة. وهذا أيضاً لا دليل عليه؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نظر إلى سيفيهما قال لهما: " كلاكما قتله " ونظره ليرى فى ذلك دليلاً يرجح به جهة القاتل، من أثر طعام أو مبلغ الدم وشبهه. وهذا كله مع تسليمنا أصل المسألة لهم فى هذا الحديث، إذ لم يكن من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك عهد، والا فعل ما قد ورد فى رواية أصحاب السير وغيرهم؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم بدر: " من قتل قتيلاً فله سلبه "، كما قال يوم حنين، فإنما أخذها من أخذها فى اليومين بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذنه، ولو كان هذا حكماً منه تمليكاً لازماً فيما مضى ويأتى لما اختلف الصحابة بعده فى ذلك والخلفاء، وأخذوا باجتهادهم فى ذلك. فإن صح أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك فتخصيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً به مع قوله: " كلاكما قتله " إما لأنه رجح فى نظره إلى السيفين أن معاذاً هو الذى أجهز عليه، أو يقدر على مقاتلته، أو يكون باجتهاده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحسب ما علم من نجدة معاذ وإقدامه، ويكون الآخر كالمعين له إن كان لم يقل ذلك. ¬

_ (¬1) و (¬2) انظر: التمهيد 23/ 258، 259، المغنى 13/ 66 وما بعدها. (¬3) ساقطة من س.

وقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ - وَالرَّجُلانِ: مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ وَمُعَاذُ بْنِ عَفْرَاءَ. 43 - (1753) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِك، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلاً مِنَ العَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ - وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ - فَأَتَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لِخَالدِ: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟ ". قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ، يَا رَسُولِ اللهِ. قَالَ: " ادْفَعْهُ إِلَيْهِ "، فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ. ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ. فَقَالَ: " لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ. هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِى أُمَرَائِى؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اُسْتُرْعِىَ إِبِلاً أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله آخر الحديث: " والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ": كذا فى كتاب مسلم وكتاب البخارى من طريق يوسف بن الماجشون (¬1). وقد جاء فى البخارى - أيضاً - فى حديث إبراهيم بن سعد؛ أن الذى ضربه ابنا عفراء (¬2). وذكره - أيضاً - من حديث ابن مسعود، وأن ابنا عفراء ضرباه حتى برد (¬3). وذكر ذلك مسلم بعد هذا، أو ذكر غيرهما؛ أن ابن مسعود هو الذى أجهز عليه وأخذ رأسه، وكان وجده وبه رمق، وله معه خبر معروت وكلام مروى ذكروه. وهو قول أكثر السير. وفى هذا الحديث من الفقه: أن المبادرة والسبق للفضائل والغضب لله - سبحانه - ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقولهما: إنه سب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وجواز ستر نية الإنسان ما يريد به من الخير عن غيره مخافة أن يسبق إليه. وفيه الحجة لمالك ومن تابعه أنه لا يلزم البينة لمن قتل القتيل ويصدق إذا علم ذلك ولم يخف؛ إذ لم يسالهما النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البينة على ذلك. وقوله: قتل رجل من حمير رجلاً من العدو، فاراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان والياً عليهم، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالد: " ما منعك أن تعطيه سلبه؟ " قال: استكثرته، وأنه أمره بدفعه إليه، ثم ذكر الحديث وفيه آخر: " لا تعطه يا خالد ": قال الإمام: فى ¬

_ (¬1) البخارى، ك فرض الخمس، ب من لم يخمس الأسلاب 4/ 111، 112. (¬2) البخارى، ك المغازى، ب فضل من شهد بدراً 5/ 98، 99. (¬3) البخارى، ك المغازى، ب قتل أبى جهل 5/ 95.

تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ، فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدِرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدِرُهُ عَلَيْهِمْ ". 44 - (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فِى غَزْوَةِ مُؤْتَةَ. وَرَافَقَنِى مَدَدِىٌّ مِنَ اليَمَنِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِى الحَدِيثِ: قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ، أمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّى اسْتَكْثَرْتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث - وفيما وقع فى حديث قاتل أبى جهل - حجة لمالك فى السلب وقد تقدم، ولو كان حقاً للقاتل على كل حال ما أمر به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم رجع عنه. فإن قيل: وأنتم إذا قلتم بأنه يعطيه على جهته الاجتهاد فلم رجع عنه؟ قلنا: لتبدل اجتهاده لأنه رآه أولاً أهلاً لأن ينفل السلب، فلما وقع ما يدل على الرد (¬1) على الأمير وتوقع فيه أن يجسر على أمرائه فيما بعد، رأى من المصلحة إمضاء ما فعلوه أولاً؛ ليكون ذلك أبلغ فى نفوذ أوامرهم وأمنع من الجرأة عليهم. فإن قيل: فقد صارت هبة، والهبة لا يرجع فيها، قلنا: فى الوجوب عنها خلافاً مع أن هذه خارجة من هذا القبيل، وإنما هو مال الله يعطيه من يشاء بحسب الاجتهاد، فإذا ظهر له اجتهاد آخر هو أولى رجع إليه. وقد وقع فى بعض طرقه أن عوفاً قال: يا خالد، أما علمت أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالسلب للقاتل؟ فقال: بلى، ولكنى استكثرته فإن قال الشافعى: ظاهر هذا أنه حكم قضى به وشرع خلاف تأويلكم، قلنا بعد أن نسلم أن ظاهر هذا اللفظ هكذا، فإنما هو قول الصاحب وفيه احتمال، وقد قدمنا من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دل على ما قلناه. قال القاضى: وقوله: فمر خالد بعوف فجر رداءه، فقال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فسمعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستغضب وقال: " لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لى أمرائى ": فيه ما يلزم من ترك الطعن على الأمراء وتوقيرهم وبرهم، وأن للإمام أن يترك ما أمر به ويرجع عنه أو يأمر بما قد نهى عنه فى أشياء، إذا رأى فيها مصلحة المنهى عنه أو غيره أو معاقبته، لنهيه هنا عن إعطاء السلب بعد تسويغه لما أنفهم له ما على خالد فى ذلك من الغضاضة من كلام عوف، وهذا كقوله: " اسق يا زبير حتى ¬

_ (¬1) فى ع: الافتيات، وكذلك فى س.

45 - (1754) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِى أَبِى، سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوَازِنَ، فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَضَحَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، فَأَنَاخَهُ، ثُمَّ انْتَزَعَ طَلَقًا مِنْ حَقَبِهِ فَقَيَّدَ بِهِ الجَمَلَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ يَتَغَدَّى مَعَ القَوْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تبلغ الجدر" فاستوعب له حقه بعد أن كان اقتصر به على بعضه لما رأى من حضه عدم الرضا بقوله. وقوله فى الأمراء فى هذا الحديث: " إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعى إبلاً " الحديث، وقوله: " فَصَفْوه لكم وكدره عليهم ": صفو الشىء: خالصه، بفتح الصاء لا غير. فإذا ألحقوه التاء قالوا: صَفْوة وصِفْوة، يريد أنه تقاضاه جميع المال وحيطة البلاد، ومداراة الناس على الأمراء، وللناس أعطياتهم صافية، ثم ما كان من خطأ فى ذلك أو غفلة، أو عبث، أو سوء قالة فعلى الأمراء، والناس منه أبرياء. وقوله: " فشرعت ": أى شربت، والمشارع أمكنة الشرب من المياه ومواردها. وقوله: " خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة فى غزوة مؤتة ": حكاها ثعلب والفراء بالهمز. وقوله: " رافقنى مددى من اليمن ": يريد ممن جاء فى مدد اليمن الذى مد بهم جش مؤتة وحشد ما معه. وقوله: " غزونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوازن، فبينا نحن نتضحى إذ جاء رجل على جمل أحمر، فأناخه ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل " الحديث، إلى أنهم كانوا يتقدمون فى ذلك الوقت. والطلق: القيد من الجلود. والحقب: حبل يثد على حقو البعير. قال القاضى: " نتضحى هنا نحوها " قال الخطابى معناه: نثغدى، كما جاء مفسراً فى الحديث: ثم قعد يتغدى مع القوم. وأما الحقب فقال بعض شيوخنا فيما كتبناه عنه: الصواب أن يكون هذا الحرف من حقبه بسكون القاف، أى مما احتقب ضلعه وجعله فى حقيبته، وهى الرفادة فى مؤخرة القتب. قال القاضى: ولم نروه إلا بالفتح فى القاف، وكذلك انطلق فى الدار، وروى أبو داود هذا الحرف " حقوه " (¬1) وفسره: مؤخره. قال القاضى: وأشبه عندى أن يكون معنىا حقوه " على هذه الرواية حُجْزته وحزامه، ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجهاد، ب فى الجاسوس المستأمن 2/ 45.

وَجَعَلَ يَنْظُرُ، وَفِينَا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ فِى الظَّهْرِ، وَبَعْضُنَا مُشَاةٌ، إِذْ خَرَجَ يَشْتَدُّ، فَأَتَى جَمَلَهُ فَأَطْلَقَ قَيْدَهُ، ثُمَّ أَنَاخَهُ وَقَعَدَ عَلَيْهِ، فَأَثَارَهُ، فَاشْتَدَّ بِهِ الجَمَلُ، فَاتَّبَعُهُ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ وَرْقَاءَ. قَالَ سَلَمَةُ: وَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ، فَكُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ النَّاقَة، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ الجَمَلِ، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطَامِ الجَمَلِ فَأَنَخْتُهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رُكْبَتَهُ فِى الأَرْضِ اخْتَرَطْتُ سَيْفِى فَضَرَبْتُ رَأسَ الرَّجُلِ. فَنَدَرَ، ثُمَّ جِئْتُ بِالجَمَلِ أَقُودُهُ، عَلَيْهِ رَحْلُهُ وَسِلاحُهُ، فَاسْتَقْبَلَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ. فَقَالَ: " مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ ". قَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ. قَالَ: " لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والحقو: معقد الإزار من الرجل، وبه سمى الإزار حقوا، وقد يكون ربط هذه الطلق وشده بالحقب صوناً له فتستقيم الرواية والمعنى على ما فى الكتاب، وبه فسر القتبى. ووقع فى رواية السمرقندى: " من جعبته " فإن صح ولمْ يكن تصحيفاً فله وجه إن علقه بجعبة سهامه وأدخله فيها. وقوله: " وفينا ضعفة ورقة ": كذا ضبطناه بسكون العين هنا، وهو الصواب، أى حالة ضعف وهزال. قال القاضى: ومن رواه بفتح العين فجمع ضعيف، والأول أوجه. وقوله: " إذا خرج يشتد " أى يجرى " فأتى جَمَله فأطلق قيده فقعد عليه فأثاره ": أى بعثه وأقامه ليمشى به. وناقة ورقاء: فى لونها بعض سواد كالغبرة، وقد تقدم. وقوله: " فاخترطت سيفى " أى فسللته " فضربت رأسه فندر ": كذا رويناه بالنون فى مسلم وغيره، أى زال عن ساكنه وبان منه. قال الإمام: " فندر " يشبه أن يكون أراد سقط، قال: وقد تقدم الكلام على هذه اللفظة وتصريفها قبل. وقوله: فاستقبلنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس معه فقال: " من قتل الرجل؟ " قالوا: ابن الأكوع، قال: " له سلبه أجمع ": قال القاضى: فيه استقبال السرايا، والتنويه بمن فعل جميلاً، وأن السلب إنما يكون للقاتل بتسويغ الإمام، وأن قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا فى هذا الموطن - وفى غيره من المواطن التى قالها فيه - لو كان أمراً أوجبه لكل قاتل أبداً، وجعله له حقاً، لاكتفى بالمرة الواحدة فيه، ولم يحتج إلى تكراره فى قوله: " له سلبه أجمع " دليل على هذا. وفيه حجة أنه لا يخمس كما قاله المخالف وكما ذكر فى الشاذ عن مالك. وفيه أن للإمام أن ينفل جميع ما أخذته السرية من الغنيمة لمن يراه من أهلها، على قول من رآه من أهل العلم إذ جاء أنه قد كان مع سلمة غيره. وفيه قتل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاسوس من الحربيين، ولا خلاف فى ذلك. وقد ذكر النسائى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أمرهم بطلبه وقتله (¬1). واختلف فى الجاسوس المعاهد والذمى، فعندنا أنه نقض للعهد ويقتل، وإن رأى الإمام استرقاقه استرقه، وهو قول الأوزاعى. وقال معظم الفقهاء: لا يكون نقضاً للعهد ويسجنهم الإمام (¬2). واختلفوا فى الجاسوس المسلم، فجلهم على اجتهاد الإمام فيه بغير من الضرب والحبس، وهو قول أبى حنيفة والأوزاعى، وللشافعى وبعض أصحابنا. وقال مالك: يجتهد فيه الإمام ولم يفسر. وقال كبار أصحابه: يقتل. واختلفوا فى إقالته بتوبته. وقال ابن الماجشون: إن عرف بذلك قتل وإلا نكل، قال القابسى: هذا الحديث أصل فى قتل الجاسوس والسارق من المشركين من أهل الحرب وكل داخل إلينا منهم بغير أمان، إلا أن يدعى أنه أتى نازعاً فيرد إلى مأمنه أو أشكل أمره فيقبل قوله. ¬

_ (¬1) النسائى فى الكبرى، ك السير، ب قتل عيون المشركين (8844/ 1). (¬2) انظر: المغنى 13/ 44 وما بعدها.

(14) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى

(14) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى 46 - (1755) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرَمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِى أَبِى، قَالَ: غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، أَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ المَاءِ سَاعَةً، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا، ثُمَّ شَنَّ الغَارَةَ، فَوَرَدَ المَاءَ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ، وَسَبَى. وَأَنْظُرُ إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ، فِيهِمُ الذَّرَارِىُّ، فَخَشِيْتُ أَنْ يَسْبِقُونِى إِلَى الجَبَلِ، فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنهُمْ وَبَيْنَ الجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوُا السَّهْمَ وَقَفُوا، فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ، وَفِيهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ، عَلَيْهَا قِشْعٌ مِنْ أَدَمٍ - قَالَ: القِشْعُ النِّطَعُ - مَعَهَا ابْنَةُ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ العَرَبِ، فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " غزونا فزارة مع أبى بكر - رضى الله عنه - فلما كان بيننا وبين الماء ساعة ": كذا للجماعة، وعند الهوزنى: " بيننا وبين المساء ساعة "، وكلاهما صحيح؛ لأن الماء هو موضع اجتماعهم. وفى المساء - أيضاً - وقت هدوئهم وسكونهم واجتماعهم لمائهم، لكن قوله: " أمرنا أبو بكر فعرَّسنا، ثم شن الغارة فورد الماء فقتل من قتل ": يدل على صواب رواية غيره، فإنما يكون التعريس بالليل وهو النزول فيه، وكذلك الغارات إنما عادتهم بها مع الصباح. قال الإمام: وقوله: " شن الغارة " أى فرقها. وقيل: صبها عليهم صباً، كما يقال: شن الماء، أى صبه. قوله: " وأنظر إلى عنق من الناس فيهم الذرارى " أى جماعة، قال القاضى: وقوله: " فيهم الذرارى " هذه الكلمة تنطلق عند العرب على الأطفال والنساء. قوله: " فيهم امرأة عليها قشع " بالفتح رويناه عن الأسدى، وبكسرها عن الصدفى، وبالكسر ذكرها الهروى، وبالوجهين ذكرها الخطابى وفسره فى الحديث بالنطع وهو صحيح. قال الإمام: وفيه لغتان: كسر القاف، وفتحها. وقشعت الشىء. إذا قشرته. وقوله: معها ابنة لها من أحسن العرب فسقتهم، حتى أتيت بهم أبا بكر الصديق - رضى الله عنه - فنفلنى ابنتها، فقدمنا المدينة، فقال لى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هب لى المرأة "، ففعلت، فبعث بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل مكة، ففدى بها ناساً من المسلمين كانوا أسروا بمكة، قال الإمام فى الرجل الكافر إذا أسره: أن يقتله أو يبقيه للجزية، وله أن يمن عليه أو

فَنَفَّلَنِى أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا. فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَلَقِيَنِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى السُّوق. فَقَالَ: " يَا سَلَمَةُ، هَبْ لِى المَرْأَةَ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ، لَقَدْ أَعْجَبَتْنِى، وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا. ثُمَّ لَقِيَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغَدِ فِى السُّوقِ. فَقَالَ لِى: " يَا سَلَمَةُ، هَبْ لِى المَرْأَةَ، للهِ أَبُوكَ! " فَقُلْتُ: هِىَ لَكَ. يَا رَسُولِ اللهِ. فَوَاللهِ، مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ. فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنَ المُسْلِمِينَ، كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يفادى به. ومنع أبو حنيفة المن والفداء. وفى هذا الحديث المفاداة بهذه المرأة، وقد تقدم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فادى بالرجل الذى أظهر الإسلام ولم يقبله منه برجلين من أصحابه. وقد قدمنا الكلام على هذا الحديث، فإن كان يمنع المفاداة بالمرأة فهذا الحديث حجة عليه. قال بعض الناس: فيه التفرقة بين الأم وولدها، خلافاً لمن قال: لا يفرق بينهما أبداً؛ لأنه لم يذكر أنه لما نفلها إياه جمع بينها وبين أمها. قال القاضى: وممن قال بقول مالك فى جواز المن والفداء: الشافعى وأحمد وأبو ثور وكافة العلماء، وأجازوا هذا بالمال وبالأسرى. وقال أبو حنيفة: فمرة لا يفادى ولا يمن جملة، وقال مرة: لا بأس بفدائهم بالمسلمين، وهو قول محمد وأبى يوسف (¬1). قال القاضى: ويحتج بهذا الحديث من يرى النفل قبل الخمس. وليس فيه حجة، إذ قد يمكن أنه علم قيمتها حتى يخمس أو كان بعد التخميس. وفيه استيهاب الأمام أهل جيشه بعض ما غنموا ليفادى به أو يصرفه فى مصالح المسلمين، كما فعل فى هوازن وكذلك لما نفله، وأنه ليس من باب الرجوع فى الهبة؛ إذ لم يهبه ماله ولا استرجعه أيضاً لنفسه. ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 13/ 44 وما بعدها.

(15) باب حكم الفىء

(15) باب حكم الفىء 47 - (1756) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا، وَأَقَمْتُمْ فِيهَا، فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ خُمسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِىَ لَكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أيما قرية أتيتموها وأقمتم فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسول الله فإن خمسها لله ورسوله ": يحتمل أن يكون الأول فى النفى مما لم يوصف عليه بخيل ولا ركاب مما أجلى عنه أهله أو مما لحق عليه، فيكون حقهم فيها، أى قسمهم فى العطاء، ويكون المراد بالثانى ما فيه الخمس مما أخذ عنوة. ولم يختلف العلماء أنه لا خمس فى الفىء إلا الشافعى وحده، وقد خالفه بعض أصحابه فى ذلك. وقوله: " فخمسها لله ورسوله ثم هى لكم " مثل قوله فى الحديث الآخر: " مالى مما أفاء الله عليكم إلا الخمس وهو مردود عليكم " (¬1). وقد اختلف العلماء فى معنى قوله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول} (¬2) فقيل: " لله " هنا استفتاح كلام للتبرك باسمه تعالى؛ إذ كل شىء لله تعالى، قال: وللرسول سهم يختص به، غاب أو حضر. وقيل: خمس الله وخمس الرسول واحد، ويخمس الخمس على خمسة أخمس: خمس لله وللرسول، وخمس لذوى القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل. وهذا قول الشافعى. وقيل: " لله ورسوله " أى مما يقرب لله ورسوله، أو الحكم فيه لله ورسوله، ويفرق سائره على اجتهاد الإمام فى أقرباء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم، وليس هو مقسوم على السهام، وأن المراد بمن سمى فى الآية من يجوز ذلك من الأصناف لا على القسمة عليه، وان شاء أوقفه لنوائب المسلمين، وهو قول مالك وأصحابه. وقيل: معناه: خمس واحد كان يعزله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقسم الأربعة بين الناس، ثم يقبض على الخمس. فما خرج بيده جعله للكعبة، فهذا هو المسمى لله، ثم يقسم بقية الخمس المعزول؛ سهم منه للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخصه، وسهم لذى القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجهاد، ب فى الإمام يستأثر بشىء من الفىء لنفسه 2/ 74، 75، أحمد 4/ 128، مالك فى الموطأ، ك الجهاد، ب ما جاء فى الغلول 2/ 457 (22). (¬2) الأنفال: 41.

48 - (1757) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ. قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِى النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقسم خمس الخمس عند قائل هذا على ستة أسهم (¬1). وقيل: يقسم الخمس كله على أربعة بينهم؛ لله ورسوله ولذى القربى واحد، والثلاثة للباقين، وروى هذا عن ابن عباس. وقيل: يقسم الخمس على ستة أسهم؛ سهم لله يرد على عباد الله المحتاجين، وسهم للرسول، واْربعة أسهم لمن سمى انله - سبحانه - فى كتابه. وقال ابن عيينة: إنما افتتح الكلام فى الفىء والخمس بذكر نفسه لأنها أطيب الكسب، وإنما ينسب إليه ما يشرف ويعظم. ولم يقل ذلك فى الصدقات لأنها أوساخ الناس. وقوله: " كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله تعالى على رسوله مما لم يُوجَف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة ينفق منها على أهله نفقة سنة، وما بقى يجعله فى الكراع والسلاح ": قال الطبرى: كان ما أفاء الله - سبحانه - على رسوله طعمة من الله له على أن يأكل هو منه وأهله ما احتاجوا، ويصرف ما فضل عن ذلك فى تقوية الإسلام. وعن عمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - أنه - عليه السلام - كان يعود منها على فقراء بنى هاشم ويزوج أَيمهم. ومعنى " ما أفاء الله ": أى ما رد وصرفه عليهم من أموال الكفر. قال الإمام: أما ما غنمه المسلمون بالقتال فلا خلاف أنه يخمس ويصرف خمسه حيث أمر الله عز وجل، والأربعة الأخماس هى للغانمين على ظاهر القرآن. وما أجلى عنه أهله من غير قتال فعندنا أنه لا يخمس ويصرف فى مصالح المسلمين، كما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصرف ما يؤخذ من بنى النضير، وعند الشافعى أنه يخمس كالذى غنم بالقتال، يصرف خمسه فيما يصرف فيه خمس ما غنم بالقتال. وقوله: " ما لم يوجف ": الايجاف: الإسراع، ووجيف الخيل والركاب إسراعها بالسير. قال الإمام: خرج مسلم سند هذا الحديث عن جماعة من شيوخه، كلهم عن سفيان ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهرى. هكذا إسناده عند أبى اْحمد الجلودى، وسقط ذكر الزهرى فى هذا الإشاد من نسخة ابن ماهان والكسائى، والحديث محفوظ لابن ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 14/ 162 وما بعدها، الحاوى 8/ 412 وما بعدها.

رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِىَ يَجْعَلُهُ فِى الكُرَاعِ وَالسِّلاحِ، عُدَّةً فِى سَبِيلِ اللهِ. (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى،. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 49 - (...) وحدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، أَنَّ مَالِك بْنَ أَوْسٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ. قَالَ: فَوَجَدْتُهُ فِى بِيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ، مُفْضِيًا إِلَى رُمَالِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عيينة عن عمرو بن دينار، عن الزهرى، عن مالك بن أوس، عن عمر. قال القاضى: فى هذا الحديث جواز ادخار قوت سنة، وفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا لم يكن لنفسه شيئاً، وأن الادخار لرب العيال مما لا يقدح فى التوكل. ولا خلاف عند الفقهاء فى جواز ادخار ما يرفعه الرجل من أرضه وزراعته، مما لم يشتره من السوق. ورفع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوت سنة لعياله إنما كان من زراعته. واختلفوا فى ادخار قوت سنة من السوق، فأجازه قوم واحتجوا بهذا الحديث. ولا حجة فيه لما قدمناه، وضعفه الأكثر على مقدار ما لا يضر بالسعر، فإن كان ضيقاً لم يشتره إلا بحسب الحال لشهره أو يومه، وهو مع الرجاء أوسع للسنة، وأكثره بجواز الاحتكار. قال معمر وابن المسيب وغيرهما: وهذا فى غير الضرر. ومنعه آخرون للحديث الآخر: " لا يحتكر الأخاطير ". قال بعضهم: ليس ادخار قوت سنة من الحكرة. وفيه حجة لمالك ومن لم ير تخميس الفىء ولا قسمته على الأخماس، ومن سمى فى الآية خاصة، وأنه موكول إلى اجتهاد الإمام، إذ لم يذكر فى الحديث منه إلا نفقته منه على أهله، وتصريفه فى العدة والسلاح. وفيه أن للإمام الأكل من الفىء والنفقة على عياله لأنه من العاملين. هذا إذا لم يقل بقولنا: إن معنى السائر لرسوله أى له فيه نصيب، أو لأن له حقاً فى الفىء كما لسائر المسلمين. وقوله: " كانت للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة ": ظاهر فى أنه لا يخمس كما قال الشافعى. وذكر مسلم حديث مالك بن أوس فى قصة على والعباس - رضى الله عنهما - ومكالمتهما بين يدى عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - فى صدقات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: " فوجدته على سرير مفضياً إلى رماله " أى ليس على السرير فراش. ورمال السرير وهو ما ينسج للمضجع فيه عليه من سعف وشريط وشبهه، يريد أنه باشر رمال السرير بجنبه.

مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ. فَقَالَ لِى: يَا مَالِ، إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِك، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَخُذْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ. قَالَ. قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتُ بَهَذَا غَيْرِى؟ قَالَ: خُذْهُ. يَا مَالِ. قَالَ: فَجَاءَ يَرْفَا. فَقَالَ: هَلْ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فِى عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى عَبَّاسٍ وَعَلِىٍّ؟ قَال: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا. فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِى وَبَيْنَ هَذَا الكَاذِبِ الآثِمِ الغَادِرِ الخَائِنِ. فَقَالَ القَوْمُ: أَجَلْ، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَأَرِحْهُمْ، - فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: يُخَيَّلُ إِلَىَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ - فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدَا. أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله أول الحديث: " يا مال "، قال الإمام: وهو ترخيم مالك، كما يقال: يا حار، فى ترخيم حارث. وقد قرئ فى الشاذ: " ونادوا يا مال ". ولك فيه وجهان: إذا رخمت مالكاً فتكسر اللام؛ إشعاراً بالمحذوف. والثانى: رفعها ورد إعراب آخرها عليها كأنه لم يكن، وكان الباقى هو الكلمة كلها، فيقع الضم فى آخرها، وتقديراً أن الضمة مع حذفه علامة عليه، وإذا ضممت قدرت المحذوف كأنه لم يكن، وكان الباقى هو الكلمة كلها فيقع الضم فى آخرها. وقوله: " قد دفَّ أهل أبيات من قومك ": الدف: المشى بسرعة، فكانهم جاؤوا يسرعون لضرٍ أصابهم. قال القاضى: الدف: السير ليس بالشديد. وقوله: " حين تعالى النهار ": أى ارتفع، وهو بمعنى متع فى رواية البخارى (¬1). وقوله: " قد أمرت فيهم برضخ " بسكون الضاد، قال الإمام: الرضخ: هو العطية القليلة، يقال: رضخت له من مالى رضخة. وقوله: " أنشدكما بالله ": معناها: يسألكما بالله. يقال: نشدتك بالله ذكرت به مستحلفاً والنشيد (¬2): رفع الصوت. قال القاضى: وقوله: " اتئدا " معناه: تمهلا ولا تعجلا. وقول العباس: " اقض بينى وبين هذا الكاذب الآثم الخائن الغادر "، قال الإمام: اللفظ الذى وقع من العباس لا يليق بمثله، وحاشا علياً منه أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف، فضلاً عن كلها، أو عن يُلِمَّ بها، ولسنا نقطع بالعصمة إلا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لمن ¬

_ (¬1) البخارى، ك فرض الخمس، ب فرض الخمس 4/ 96، 97. (¬2) فى الأصل: الشد، والمثبت من ع.

" لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ". قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ أَقَبَلَ عَلَى العَبَّاسِ وَعَلِىٍّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ، الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ". قَالا: نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُ. قَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُول} (¬1) - مَا أَدْرِى هَلْ قَرَأَ الاَيَةَ الَّتِى قَبْلَهَا أَمْ لا - قَالَ: فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَكُمْ أَمْوَالَ بَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ شهد له بها، لكنا مأمورون بتحسين الظن بالصحابة - رضى الله عنهم - ونفى كل رذيلة عنهم، وإضافة الكذب لرواتها عنهم، إذا استدت طرق التأويل. وقد حمل بعض الناس هذا الرأى على أن أزال من نسخته ما وقع فى هذا الحديث من هذا اللفظ، وما هو بعده مما هو فى معناه؛ تورعاً عن إثبات مثل هذا، أو لعله يحمل الوهم على رواته. وإن كان هذا اللفظ لابد من إثباته ولا يضاف الوهم إلى رواته، فأمثل ما حمل عليه أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه؛ لأنه فى الشرع أنزل منزلة أبيه، وقال فى ذلك ما لا يعتقد وما يعلم براءة ابن أخيه منه، ولعله قصد بذلك ردعه وزجره عما يعتقد أنه مخطئ فيها، أو أن هذه الأوصاف وقع فيه على مذهبه من غير قصد لها، بل كان على - رضى الله عنه - عنده متأولاً فيها، فكأنه يقول: أنا على رأى إذا فعلت هذا عن قصد أو وقعت فى مثل هذا الوصف، وإن كان عند على - رضى الله عنه - لا يوجب على مذهبه وقوعه فيها، وهذا كما لو قال المالكى فى رجل شرب النبيذ: هو عندى ناقص الدين ساقط القدرات، لكان ذلك كلاماً صحيحاً على أصله، وإن كان الحنفى يعتقد أنه اْتى من ذلك مباحاً لا يفسد مروءته، ولا يسقط عدالته. ومن الدليل على أن هذه الطريقة هى التى تسلك فى التأويل أو ما فى معناها؛ أن مجلساً حضر فيه عمر بن الخطاب - رضوان الله عليهم - وهو أمير المؤمنين، وقد عرف من تشدده فى الحدود والأعراض، وبعده عن المداهنة ما فات به الناس، وفيه عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد - رضوان الله عليهم - ثم قال هذا ولا ينكره منكر، ولا يزجر عنه عمر - رضى الله عنه - وهو الخليفة، وإليه صيانة الأعراض، وما ذاك إلا لما تأولناه؛ من أنهم فهموا بقرينة الحال أنه قال ما لا يعتقد على جهة المبالغة فى الزجر لعلى - رضى الله عنه - وزاد له حرمة الأب، والأب لا ينبغى أن ينصف منه فى العرض. هذا عندى وجه تأويل ما وقع فى هذا. وكذلك قول عمر - رضى الله عنه -: " إنكما جئتما أبا بكر - رضى الله عنه " وذكر ما قال لهما، وذكر عقيب ذلك:" فرأيتماه كاذباً آثماً خاذلاً ¬

_ (¬1) الحشر: 7.

النَّضِيرِ. فَوَاللهِ، مَا اسْتَأثَرَ عَلَيْكُمْ، وَلا أَخَذَهَا دُونَكُمْ، حَتَّى بقِىَ هَذَا المَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِىَ أُسْوَةَ المَالِ. ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، الَّذِى بِإِذَنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، أَتَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاسًا وَعَلِيًا بِمِثْلَ مَا نَشَدَ بِهِ القَوْمَ: أَتَعْلَمَان ذَلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُمَا، تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ "، فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ تُوُفِّىَ أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ خائناً " وكذلك أيضاً ذكر عن نفسه أنهما رأياه كذلك وتأويل هذا أيضاً نحو مما تقدم ذكره المراد به: أنكما تعتقدان أن الواجب يفعل فى هذه القضية خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر، فنحن على موجب مذهبهما (¬1) لو أتينا ما أتينا، ونحن معتقدان أن ما تعتقد أنه على هذه الأوصاف. أو يكون المراد: أن الإمام إنما يخالف إذا كان على هذه الأوصاف ويتهم فى قضاياه، فكان مخالفتكما لنا تشعر من رآها أنكما تعتقدان ذلك. هذا أمثل ما تأول عنهم - رضى (¬2) الله عنهم. وأما الاعتذار عن على وعباس - رضى الله عنهما - فى أنهما ترددا إلى الخليفتين مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نورث، ما تركناه صدقة " هو تقدير عمر عليهما لأنهما يعلمان ذلك، فأمثل ما فيه مما قاله بعض الأئمة: إنهما إنما طلبا أن يقسماها بينهما بنصفين ينتفعان بها، على حسب ما ينفعهما الإمام بها لواليها بنفسه. فكره عمر - رضى الله عنه - أن يوقع اسم القسمة عليها، لئلا يظن بذلك مع تطاول الأزمنة أنها ميراث، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث، لاسيما وقسمة الميراث بين البنت والعم نصفان، فيكون مطابقة للشرع بما يقع أتفاقاً واجتهاداً من آكد ما يلبس ويوهم فى ذلك؛ أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث ما ترك، وإن كان منهما ومن فاطمة - رضى الله عنهم - قبل ذلك ما يوهم أنهم طلبوا التمليك. فلعلهم قبل سماعهم الخبر: " لا نورث ". ومما يدل على ما قلناه: ما قاله أبو داود: أنه لم يختلف على - رضى الله عنه - أنه لما صارت الخلافة إليه لم يغيرها عن كونها صدقة، وبنحو هذا احتج السفاح. قال ابن الأعرابى: فإنه لما خطب أول خطبة قام بها، قام إليه رجل معلق فى عنقه المصحف، فقال له: أناشدك الله إلا ما حكمت بينى وبين خصمى بهذا المصحف. وقال: من هو؟ قال: ¬

_ (¬1) فى ع: مذهبكما. (¬2) فى الأصل: رضوا، والمثبت من ع.

بَكْرٍ، وَأَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِىُّ أَبِى بَكْر، فَرَأَيْتُمَانِى كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا. وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّى لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، فَوَلِيتُهَا. ثُمَّ جِئْتَنِى أَنْتَ وَهَذَا، وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ، وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، فَقُلْتُمَا: ادْفَعَهَا إِلْيَنَا. فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ أَنْ تَعْمَلا فِيهَا بِالَّذِى كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَخَذْتُمَاهَا بِذَلِك. قَال: أَكَذِلِكَ؟ قَالا: نَعَم. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُمَانِى لأَقْضِىَ بَيْنَكُمَا. وَلا، وَاللهِ، لا أَقْضِى بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَة، فَإِن عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَىَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو بكر فى منعه فدك. قال: أظلمك؟ قال نعم. قال: فمن بعده؟ قال: عمر. قال: أظلمك؟ قال نعم. وقال فى عثمان مثل ذلك، وسأله عن على: أظلمك؟ فسكت الرجل، فأغلظ له السفاح. هكذا حكى ابن الأعرابى أو نحواً منه. قال القاضى: قطع مسلم هذا الحديث عند قوله: " فإن عجزتما عنها فرداها علىَّ " زاد البخارى: " فأنا أكفيكماها " (¬1) فلم يكملا الحديث. وقد ذكر مسلم بعد هذا - أيضاً - زيادة، قال: فدفعها عمر إلى على وعباس - رضى الله عنهم - فغلبه عليها على، أى على القيام بها. وقد خرجه بتمامه أبو بكر البرقانى فى صحيحه، قال: فغلب على عليها العباس، فكانت بيد على، ثم كانت بيد حسن بن على، ثم بيد حسين بن على، ثم بيد على بن الحسين، ثم بيد الحسن بن الحسين، ثم بيد زيد بن الحسن، ثم بيد عبد الله بن الحسن، ثم تولاها بنو العباس. وقد ذكر البخارى فى بعض هذا كما تقدم إلى قوله: ثم بيد حسين بن على ثم قال: ثم بيد على بن حسين وحسين بن حسن. كذا قال ولم يزد. وقد بين مسلم - أيضاً - أن الذى دفع لهما عمر - رضى الله عنه - إنما هى صدقات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما أفاء الله تعالى عليه بالمدينة، يعنى بنى النضير ومخيريق (¬2) وغيره لك مما اْمسكه لنوائب المسلمين. وقد تأول قوله: إن طلب فاطمة - رضى الله عنها - ميراثها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يحتمل أنها تأولت الحديث إن كان بلغها فيما له بال ويختص بالأصول من الأموال، فهى ¬

_ (¬1) سبق تخريجه فى نفس الباب. (¬2) هو مُخَيْريق النَّضَرى الإسرائيلى من بنى النضير، وقد ذكر الواقدى فى المغازى ص 262 انه أسلم واستشهد بأحد ويقال: إنه من بنى قينقاع وقال: قال عبد العزيز: بلغنى أنه كان من بقايا بنى قينقاع وكان عالماً وقال: قد أوصى بأمواله للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهى سبع حوائط: الميثب والصائفة والدلال وحسنى وبرقة والأعواف ومشربة أم إبراهيم فجعلها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة. وروى فى أخبار المدينة أن مخيريق سابق اليهود. انظر: الإصابة 6/ 57.

50 - (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْد - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعَمْرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ التى لا تورث عن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا ما يتركون من طعام أو دابَّة وأسباب وسلاح. واحتجوا بقوله: " ما تركت بعد نفقة نسائى " (¬1)، وأن ظاهر هذا ما تأولوه، ولم يكن الأمر كذلك لأن نفقة نساء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوجبها لهذا فيما ترك لا على طريق الميراث، بل يحق كونهن محبوسات عن الأزواج بسببه، أو لما لهن من الحقوق فى بيت المال. لقدم هجرتهن وفضلهن. والاْول أظهر لتخصيصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهن بالذكر، وكذلك اختصاصهن بمساكنهن لحياتهن؛ بدليل أنه لم يرثها ورثتهن عنهن. وحكى الماوردى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاهن ذلك. ووصى لهن بدورهن. ولا امتراء أن الحديث كان مشهوراً أيام أبى بكر وعمر - رضى الله عنهما - إذ كان قد قرره أبو بكر على علىّ والعباس وفاطمة - رضى الله عنهم - وذكرته عائشة لأزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ، وأيضاً نفى الحديث فى كتاب مسلم أن فاطمة - رضى الله عنها - سألته ميراثها مما أفاء الله سبحانه على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة وفدك وبقية خمس خيبر. وفى ترك فاطمة منازعة أبى بكر - رضى الله عنهما - بعد احتجاجه عليها بالحديث التسليم والإجماع على القضية، وأنها لما بلغها الحديث أو بين لها التأويل تركت رأيها إذ لم يكن بعد ولا أحد من ذريتها فى ذلك طلب بالميراث، وإذ قد ولى على - رضى الله عنه - الأمر فلم يعدل به عما فعل فيه أبو بكر وعمر - رضى الله عنهما - فدل أن طلب على والعباس إنما كان طلب العباس تولى القيام على ذلك بأنفسهما أو قسمته بينهما كما تقدم. وما ذكر من هجران فاطمة لأبى بكر - رضى الله عنهما - إنما معناه انقباضها عن ترك لقائه وترك مواصلته، وليس مثله هذا من الهجران المحرم من ترك السلام والإعراض - هنا فلم تكلمه، أى فى هذا الأمر أو فى غيرها لانقباضهما عنه، فلم تطلب منه حاجة ولا اضطرت إلى كلامه، ولم يأت فى خبر أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته. وفى قول عمر - رضى الله عنه -: جئتما تكلمانى وكلمتكما واحدة، جئت يا عباس تسلمنى نفسك من ابن أخيك، وجاءنى هذا يسلبنى نصيب امرأته من أبيها: فيه إشكال مع تعريف أبى بكر لهم قبل هذا بالحديث، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يورث، فمعناه الكل واحد إنما كانت القيام وحده على ذلك، ويحتج هذا بحكم نصيبه وحفه من ولاية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمومة، وهذا بحكم حق زوجه ونصيبها من قربى النبوة، لا أنهما طلبا منه ما قد ¬

_ (¬1) سيأتى فى الباب القادم برقم (55).

مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ. قَالَ: أَرْسَلَ إِلَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَهْلُ أَبْيَات مِنْ قَوْمِكَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِك. غَيْرَ أَنَّ فِيهِ: فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً. وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ: يَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِىَ مِنْهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عرفا منع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما منه مما منعهما منه أبو بكر - رضى الله عنه - وبينه لهما وسلما له ذلك، ثم لعمر أول أمرهما، ثم جاءا مرة أخرى يطلب كل واحد منهما الانفراد بذلك. وقد جاء فى بعض الآثار أن عمر - رضى الله عنه - قال لهما أول مرة: إن شئتما طابت نفس أحدكما للآخر دفعتها إليه، على أن يعطيه لتعلمن (¬1) به بما عمل أبو بكر - رضى الله عنه - وذكر أن العباس طابت نفسه بدفعها لعلى - رضى الله عنه - فكان ذلك، ثم اختلفا بعد حول فرجعا إلى عمر - رضى الله عنه - فهذا دليل أن نزاعهما أولاً وآخراً فى ولايتها لا فى تمليكها، ويدل على صحة هذا قوله فى مسلم: " فدفعها إلى على وعباس فغلبه عليها " (¬2) يعنى علياً. قال أهل العلم: وفى هذا الحديث من السنن والفقه أنه يجب أن يولى أمر كل قبيل سيدهم، ويسند أمر كل جماعة لكبيرهم (¬3)؛ لأنه أعرف بمصالحهم وأسرار أحوالهم. وفيه جواز نداء الرجل غيره باسمه من غير تكنيه وترخيمه على عادة العرب. وفيه جواز حجاب الخلفاء والأئمة فى بعض الأوقات ليتفرغ لما يخص من أمور المسلمين ويعنيه من أحواله. وفيه قبول خبر الواحد والقضاء به. وفيه الشفاعة عند الإمام. وفيه حض على فصل الحق. وفيه استشهاد الإمام على ما يقوله بحضرة الخصمين من حضره من العدول، لتقوى حجته فى إقامة الحق وقمع الخصم، وتقرير الشهود والخصمين على ما يعترفون (¬4) من الحق. وفيه الانقياد للسنن والرجوع للحق عن التأويل إذا ظهر بطلانه. وقوله: " إن الله قد خص رسوله بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره ": وقيل: معناه - والله [أعلم] (¬5) -: تحليل المغانم له ولأمته، أو كونها له، أو تخصيصها (¬6) مما أفاء الله عليه على قول أكثرهم ملكاً كما قال بعضهم، أو تصريفاً وحكماً كما عليه الجمهور. وهذا الوجه أظهر لاستشهاد أبى بكر - رضى الله عنه - على هذا بالآية. وفيه جواز تنزيه الإنسان [نفسه] (¬7) ومدحها إذا اضطر إلى ذلك، كما فعل عمر - ¬

_ (¬1) فى س: لتعملن. (¬2) حديث رقم 54. (¬3) فى س: لأميرهم. (¬4) فى س: يعرفون. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬6) فى س: تخصيصه. (¬7) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رضى الله عنه. قال بعضهم: وفيه [جواز] (¬1) حكم الحاكم لنفسه إذا كان الحق له مشهوراً، وهذا غير بين ولا موافق عليه لأن هذا المال لم يأخذه أبو بكر لنفسه، وإنما حكم به للمسلمين عامة، وإن كان هو المتولى للنظر فيه فيحكم بخلافه لا بحكم التمليك (¬2)، كما يحكم فى سائر أمور المسلمين العامة وأموالهم (¬3) التى يرجع النظر فيها إليه. وعلى هذا يتأول قوله فى الحديث الآخر من رواية أبى الطفيل: " إذا أطعم الله نبياً طعمة ثم قبضه جعلها للذى يقوم بعده " (¬4) أى النظر فيها. وعلى هذا يتأول فعل عثمان - رضى الله عنه - فيها وإقطاعه لمن أقطعها؛ تمسكاً بظاهر اللفظ فى هذا الحديث، وهو مذهب الحسن وقتادة؛ أن هذه الأموال جعلها الله تعالى لنبيه طعمة، ثم هى لمن ولى بعده. وفى قول عمر - رضى الله عنه -: " جئتمانى وأمركما جميع ": أى غير مختلف به، لأنهما لم يطلبا قسمتها قبل وإنما طلب القيام بها، فدفعهما عمر لهما على ذلك. فلما طلبا الآن قسمتها منعهما لما تقدم قبل، أو لأن قيام الاثنين عنده أحفظ وأنظر لهذا المال من الواحد، أو لأن دفعها لواحد مخصوص من باب الأثر، أو مخافة نسيان سبب ذلك بحكم من الزمان فيظن أنه كان أحق بها من الآخر، أو أنها مصوغة له ملكاً. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) فى س: التملك. (¬3) فى الأصل: أموالها، والمثبت من س. (¬4) أبو داود، ك الإمارة، ب فى صفايا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 2/ 130.

(16) باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا نورث، ما تركنا فهو صدقة "

(16) باب قول النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نورث، ما تركنا فهو صدقة " 51 - (1758) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ، فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ عَائِشَةُ لَهُنَّ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ "؟ 52 - (1759) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أَخْبَرَنَا حُجَيْنٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلَهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالمَدِينَةِ وَفَدَكٍ، وَمَا بَقِىَ مِنْ خُمْس خَيْبَرَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى هَذَا المَالِ ". وَإِنِّى، وَاللهِ، لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَة رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهَا، فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِى بَكْرٍ فِى ذَلِكَ. قَالَ: فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةً أَشْهُرٍ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ لَيْلاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِىٌّ، وَكَانَ لِعَلِىٍّ مِنَ النَّاسِ وِجْهَةٌ، حَيَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلما توفيت فاطمة - رضى الله عنها - استنكر على - رضى الله عنه - وجوه الناس، والتمس مصالحة أبى بكر - رضى الله عنه - ومبايعته ولم يكن بايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبى بكر: أن ائتنا ولا يأتنا معك غيرك - كراهة محضر عمر - رضى الله عنه - وقول عمر: والله لا تدخل عليهم وحدك. وقول أبى بكر: والله لآتينهم وما عساهم أن يفعلوا بى "، قال الإمام: إنما تأخر علىّ عن البيعة، فقد ذكر عذره عنه فى كتاب مسلم واعتذار الصديق عنه. ويكتفى فى بيعة الإمام بآحاد من أهل الحل والعقد، ولا يفتقر إلى بيعة كل الأمة، ولا يلزم كل الأمة أن يأتوا إليه يضعون أيديهم بيده، وإنما يلزم إذا عقد أهل الحل والعقد انقياد البقية ألا يظهروا خلافاً ولا يشقوا العصا. وهكذا كان على - رضى الله عنه - ما ظهر على أبى بكر - رضى الله عنه - خلافاً ولا شق عصاه،

فَاطِمَةَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَت اسْتَنْكَرَ عَلِىُّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِى بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الأَشْهُرَ. فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ: أَنِ ائْتِنَا، وَلا يَأتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ - كَرَاهِيَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب - فَقَالَ عُمَرُ لأَبِى بَكْرٍ: وَاللهِ، لا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِى. إِنِّى، وَاللهِ، لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ. فَتَشَهَّدَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللهُ وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَحْنُ نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِى بَكْرٍ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَىَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِى، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكنه تأخر عن الحضور عنده فى هذا الأمر العظيم، مع عظم قدره هو نفسه؛ لموجدة فى نفسه ذكرها فى الكتاب، وهو أنه قال لنا: نرى لنا فى هذا الأمر نصيباً، فاستبد علينا به فوجدنا فى أنفسنا. ولعله أشار إلى أن أبا بكر استبد عنه بقصص وأمور عظام، وحق مثله أن - يحضر فيها ويشاور عليها. وقد يوهم قول عمر لأبى بكر: " والله لا تدخل عليهم وحدك " أنه خاف عليه أن يغدروه. ومعاذ الله أن يظن بهم ذلك، ولعله قد رآهم يغلظوا على أبى بكر - رضى الله عنهم - فى العاقبة، ويبدو منهم ما يكون عند أبى بكر جفاء فتتغير نفسه عليهم أو يتأذى بذلك ذكره عمر انفراده لذلك، وكذلك ما حكاه من كراهيتهم هم محضر عمر بن الخطاب؛ إنما ذلك لما كانوا يعلمونه من تشدده وتغلظه فيما يظهر له من الحق، فخافوا أن ينتصر لأبى بكر، فيغلظ عليهم فتتغير نفوسهم عليه. وقوله: " ولم ننفس عليك ": يقال: نفست فى الشىء بكسر الفاء، نفاسة رغبته، وأيضاً: حسدتك عليه ولم أرك أهلاً له. قال القاضى: كلام أبى بكر لعلى - رضى الله عنهما - وقوله: وأما الذى شجر بينى وبينكم فىِ هذه الأموال أى اختلفت الحال فيه بيننا ووقع النزاع، قال الله تعالى: {حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} (¬1)، والمشاجرة: الخصومة. وقول على - رضى الله عنه -: " موعدك العشية للبيعة. فلما صلى أبو بكر - رضى الله عنه - صلاة الظهر رقى المنبر فتشهد ": فيه ما يدل أن العشى من بعد الزوال، كما جاء فى الحديث الآخر: " إحدى صلاتى العشى ". وفيه أن بيعة الأئمة تجب أن تكون بحضرة الملأ والجمع ولا يستتر بها، وأن التزامها واجب لجميع الناس. ¬

_ (¬1) النساء: 65.

وَأَمَّا الَّذِى شَجَرَ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ، فَإِنِّى لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الحَقِّ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلا صَنَعْتُهُ. فَقَالَ عَلِىٌّ لأَبِى بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ العَشِيَّةُ لِلْبَيْعَةِ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلاةَ الظُّهْرِ، رَقِىَ عَلَى المَنْبَرِ، فَتَشَهَّدَ، وَذَكَرَ شَأنَ عَلِىٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ البَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بِالَّذِى اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ. وَتَشَهَّدَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِى بَكْرٍ، وأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِى صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِى بَكْرٍ، وَلا إِنْكَارًا لِلَّذِى فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِى الأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا فِى أَنْفُسِنَا. فَسُرَّ بِذَلِكَ المُسْلَمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ. فكَاَنَ المُسْلِمُونَ إِلَى عَلِىٍّ قَرِيبًا، حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ المَعْرُوفَ. 53 - (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ والعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطَلُبَانِ أَرْضهُ مِنْ فَدَكَ وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ قَامَ عَلِىٌّ فعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِى بَكْرٍ، وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ، ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِى بَكْرٍ فَبَايَعَهُ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِىٍّ فَقَالُوا: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ. فَكَانَ النَّاسُ قَرِيبًا إِلَى عَلِىٍّ حِينَ قَارَبَ الأَمْرَ المَعْرُوفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فعظم حق أبى بكر - رضى الله عنه - وأنه لم يحمله على الذى صنع نفاسة على أبى بكر ". زاد فى رواية الليث فى غير مسلم: " وحدث أنه لم يحمله على الذى صنع " وهو بيان الكلام. وفى هذا كان صحة مذاهب أهل السنة فى صحة خلافة أبى بكر [الصديق] (¬1) - رضى الله عنه - والإجماع عليها، بخلاف ما تدعيه الشيعة والرافضة. وقد يكون الذى وجد على - رضى الله عنه - ما فى نفسه من الحق الذى استبد عليه فيه؛ أنه لم يشاور عند عقد البيعة لأبى بكر - رضى الله عنه - ولا عقدت لمحضره، وكان من حق مثله ذلك. لكن عذر ذلك بين المبادرة خوف الخلاف حينئذ. وقوله: " لحقوقه التى تعروه ونوائبه ": يريد ما تطرأ عليه من حق ويغشاه. يقال: عروته واعتريته وعررته واعتررته: إذا أتيته تطلب منه حاجة. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

54 - (...) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْر، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الحُلْوَانِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ - حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرِاثَهَا، مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيْهِ. فَقَاَلَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ". قَالَ: وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث زهير بن حرب والحلوانى: فقال لهما أبو بكر - رضى الله عنه -: " لا نورث، ما تركنا صدقة "، وعاشت بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة أشهر: فيه حذف ونقص، وتمامه فى الحديث قبله: " فوجدت فاطمة على أبى بكر - رضى الله عنه - فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة أشهر ". قال الإمام: خرج مسلم فى بعض طرق هذا الحديث: نا زهير بن حرب وحسن الحلوانى، قالا: نا يعقوب بن إبراهيم، قال: نا أبى عن صالح، عن ابن شهاب، عن عروة. هكذا إسناده عند الجلودى، وفى نسخة ابن العلاء: نا يعقوب بن إبراهيم. وخرجه أبو مسعود الدمشقى عن مسلم فقال: نا زهير بن حرب، قال بعضهم: وأكثر ما يجىء مسلم بنسخة صالح بن كيسان هذه عن زهير وحسن جميعاً عن يعقوب. قال القاضى: تفسير صدقات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذكور فى هذه للأحاديث، وذلك أن صدقاته التى تخلفها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصيرت إليه بثلاثة حقوق: أحدها: ما وهبه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك وصيته مخيريق اليهودى عند إسلامه يوم أحد، وكانت سبعة حوائط فى بنى النضير، وما أعطاه الأنصار من أراضيهم، وذلك ما لم يبلغه الماء، وكان منه موضع بسوق المدينة، وكان هذا ملكاً له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومن هذا - والله أعلم - أقطع الزبير بالمدينة ما جاء من مال بنى النضير - والله أعلم - إذ لا يقطع إلا ما يملك لا ملك غيره. الثانى: حقه من الفىء من سائر أرض بنى النضير حين أجلاهم، كانت له خاصة؛ لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وقسم بين المسلمين أموالهم إلا ما حملته الإبل غير السلاح، حسبما كان وافقهم عليه عند إجلائهم، وحبس الأرض لنفسه ولنوائب المسلمين.

مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، وَصَدَقَتِهِ بِالمَدِينَةِ. فَأَبى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلا عَمِلْتُ بِهِ، إِنِّى أَخْشِى إِنْ تَرَكْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك نصف أرض فدك صالح أهلها بعد خيبر على نصفها، فكان خالصاً لها. وكذلك ثلث أرض وادى القراء أخذه فى الصلح مع يهود أهلها، وكان لهم ثلثا الأرض وكذلك حصنان من حصون خيبر؛ الوطيح والسلالم، أخذهما صلحاً على أن إجلاء من فيه عنهما. الثالث: سهم من خمس خيبر وما افتتح منها عنوة، وهو حصن الكتيبة، كان من خمس الغنيمة منها، واقتسم الناس سائر ما أخذه منها عنوة. قال أكثرهم: فكان هذا خاصاً بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستأثر به، وصرفه فى مصالح المسلمين بعد إخراج حاجته وحاجة عياله وآله، ووضع ذلك حيث شاء مما فيه المنفعة للمسلمين. وكافة العلماء على أنها صدقات محرمات التمليك بعده. فأما ما كان من ذلك بالمدينة من أقوال بنى النضير ووصيته مخيريق فى جملتها، فهى التى وضع عمه العباس وعلى - رضى الله عنهما - ليقوما عليها ويصرفاها فى مصالح بنى هاشم، وأما ما عداها فأمسكها عمر عنهما لنوائب المسلمين، وصرفها فى المصالح التى كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصرف بقية صدقاته فيها. وأما أبو بكر - رضى الله عنه - فكان يرى أنه خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائم مقامه فى جميع ذلك، ففعل ما كان يفعل فى مصالح قرابته وغيرهم، ولم ير إخراج ذلك عن نظره. قال الشافعى: كان للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالصاً من هذا كله، خمس الخمس من الغنيمة والفىء والأربعة الأخماس الباقية من الفىء، وهو حقه الذى يسوغه الله تعالى له وغير ذلك، يقسمه على من سمى الله سبحانه فى كتابه من الأصناف الأربعة: ذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. يقسمها بينهم لكل صنف ربع ذلك حق عنده من حقوقهم، وهو قول جماعة من العلماء غيره. وقال مالك: الخمس والفىء سواء، وهو مرصد لمصالح المسلمين آخراً ما كان فى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاً ليس لأحد فيه حق معين ولا نصيب مقدر، وإنما بين الله بما سماه مواضع تصريفه لا قسمته بينهم لا ذوى القربى ولا غيره، والنظر فيه للإمام كما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل فيه باجتهاده من قسمته على هؤلاء بما يراه، أو على من يستحقه منهم عنده، ويعطى أقرباء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم باجتهاده وكذلك أقرباؤه، ويوقفه لنوائب المسلمين إذا رأى ذلك، كما كان يفعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما قال: " إنما يأكل آل محمد من هذا المال كفافاً "، وهو قول جماعة من العلماء. اختلف القائلون أولاً بتقرير نصيب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونصيب ذوى القربى فى حكم ذلك بعد موت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الشافعى مرة: سهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرجع لمصالح المسلمين يصرفه الإمام

شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ، فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِىٌّ. وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكُ فَأَمْسَكَهُمَا عُمَرُ وَقَاَلَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِى تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ، وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِىَ الأَمْرَ. قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى اليَوْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الأهم فالأهم، وقال مرة: يرجع إلى أصحاب السهام الباقين ويسقط كَرَّة فيكون القسم على أربعة. وقال مرة: هى للمقاتِلة خاصة؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان يأخذه لمكانه من الهيبة فى قلوب العدو وطلبه لهم، فالمقاتلة مقامه وعنده فى كل ذلك بقائهم ذوى القربى على ما كان. وقال أبو حنيفة: يسقط بعد موت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النصيبان، ويقسم الفىء والخمس على الثلاثة الباقية: اليتامى والمساكين وابن السبيل. وعنه - أيضاً -: يرجع سهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسهم ذى القربى فى السلاح والكراع. وقال بعض العلماء نصيب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأئمة بعده ملكاً، ونصيب قرابته لقرابتهم، وهو قول أبى ثور فى سهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واختلفوا فى ذى القربى من هم؟ فالجمهور أنهم بنو هاشم وبنو المطلب. وذهب بعض السلف أنهم قريش أجمع. واختلفوا هل يستحقه الفقير منهم خاصة دون الأغنياء أم جميعهم؟ ثم اختلفوا فى قسمهم إياه بعد موته، أهو على السواء، أم بحكم قسمة المواريث لرجوعه إليهم واستحقاقهم له بالقرابة؟ ومذهب الشافعى أنه حق لهم، يسوى فيه بين كبيرهم وصغيرهم وغنيهم وفقيرهم، ولذكرهم سهمان وللأنثى سهم. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نورث ما تركنا صدقة ": حديث مُجتمع على صحته وقبوله من أهل السنة، وأن الكلام جملتان و " ما تركنا " فى موضع رفع بالابتداء و " صدقة " مرفوعة بخبره، خلافاً للإمامية فى تأويل الحديث وتحريفه عن موضعه، وقولهم: إنما هو يورث بالياء " وصدقة " بالفتح، أى ما تركه صدقة فلا يورث " وما " فى موضع المفعول " وصدقة " منصوب على الحال والتفسير. وهذا تدافع من قائله ومخالفة لما فهم منه أهل اللسان، وما حمله عليه أئمة الصحابة من رواة هذا الحديث، وما وقع فى سائر الروايات والألفاظ الأخر من قوله: " لا نورث ما تركنا فهو صدقة " وقوله: " كل مال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة لا يورث ". وقد اعترض بهذا الهوس أبو عبد الله بن المعلم، أحد أئمة الإمامية على القاضى أبى على بن شاذان، صاحب القاضى أبى بكر الباقلانى وأحد أئمة متكلمى أهل السنة، لما استدل عليه بهذا الحديث، وقال له: إنما نفى وراثة ما تركوه صدقة، وأما ما ترك على غير الصدقة فلا تمنع وراثته. واعتمد بهذه النكتة لعلمه بفصور أبى على فى العربية، فقال له أبو على فى جوابه: لا أعلم ما صدقة من صدقة، ولا أحتاج إليه فى هذه المسألة، فإنه لا شك عندى وعندك أن فاطمة - رضى الله عنها - من أفصح العرب وأعلمهم بالفرق بين

55 - (1760) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرجَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِى دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِى وَمؤُونَةِ عَامِلِى، فَهُوَ صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظين، وكذلك العباس وهم ممن يستحقون الميراث، وعلى كذلك - رضى الله عنه - وقد طلبت ميراثها - رضى الله عنها - من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبى بكر - رضى الله عنه - فجاوبها أبو بكر بهذا اللفظ، بما فهمت منه أنه لا شىء لها. وكذلك على وسائر الصحابة - رضى الله عنهم - ولم يعترض أحد منهم بهذا الاعتراض، وكذلك أبوبكر المحتج به. ولا خلاف أنه من أفصح الفصحاء العالمين بذلك، ولو كان اللفظ لا يقتضى المنع لما أورده أبو بكر - رضى الله عنه - ولا تعلق به ولم يسلمه له الآخرون أيضاً، فإن الرفع هو المروى، ومدعى النصب مبطل ونحو هذا أو ما فى معناه. وقال المهلب: معنى قوله هذا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من معنى قوله: " وإنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة "، وذلك أن الله تعالى بعثه وبعث رسله ليبلغوا عنه، ولا يسألوا على ذلك أجراً ولا مالاً، كما نص [عنه و] (¬1) عنهم فى محكم كتابه. فحرمت عليهم الصدقة وعلى آليهم، وأن يورث عنهم شىء، نفياً لاكتساب المال، وجمع الدنيا على الأنبياء وتشبثهم بها وتنزيها لهم عنها. هذا فى معنى ما أشار إليه، وذهب الحسن فى معنى قوله: " لا نورث ما تركناه صدقة " أنه خاص للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بين الأنبياء. وقال غيره: إلا أن يكون منهم من لم يعرف حكمه، واحتج بقوله عز وجل عن زكريا: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (¬2)، وقول من قال: يريد وراثة المال بدليل قوله: {خِفْتُ الْمَوَالِي} (¬3) خلاف من قال: أراد وراثة النبوة إذ لا يخاف الموالى عليها. وذهب الجمهور إلى أن ظاهره العموم (¬4). وقد روى: " إنا معشر الأنبياء لا نورث "، وفى كتاب أبى داود: " كل مال النبى صدقة، إلا ما أطعمه هبة أو كساهم لا يورث " (¬5). وقوله: " لا يقتسم ورثتى ديناراً ولا درهماً " قيل: هو تنبيه على ما بعده، ومن الأدنى على الأعلى، والقليل على الكثير، كما قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ إن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْك} (¬6)، وكما قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} (¬7). وقال الطبرى: وليس قوله هذا بمعنى النهى؛ إذ إنما ينهى عما يمكن وقوعه ولا ينهى عما لا سبيل إلى فعله، ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬2) مريم: 6. (¬3) مريم: 5. (¬4) انظر: تفسير القرطبى 11/ 82. (¬5) سبق تخريجه قريباً. (¬6) آل عمران: 75. (¬7) الزلزلة: 7.

(...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبِى عُمَرَ المَكِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 56 - (1761) وحدَّثنى ابْنُ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا زَكْرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارِكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما هو بمعنى الخبر، أى لا يقسمونه، أى إنى لا أخلفها. وذهب ابن علية وبعض أهل البصرة أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يورث؛ لأن الله - سبحانه - خصه بأن جعل ماله كله صدقة. قال القاضى: وقوله: " لا ": وفيه قول الجمهور، وهو أصح وأشهر وأولى. بمعنى الحديث، إذ آخر الحديث راجع إليه ومفسر له. من قوله: " ما تركت صدقة " لأنه جاء به بغير واو العطف [وتأول سياق الكلام، ولو كان كما قال لكانت جملتين منقطعتين يحتاج لابتداء الثانية واو الابتداء أو واو العطف] (¬1). وقوله: " ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤونة عاملى فهو صدقة ": رفع للإبهام الذى دخله بتغيير الإعراب من تقدم؛ إذ لا يتفق له هنا دعوى الحال والنصب وتحريف الكلام. وقوله: " ومؤونة عاملى ": فقيل: هو القائم على هذه الصدقات والناظر فيها، وقيل: كل عامل للمسلمين من خليفة وغيره؛ لأنه عامل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أمته، وقيل: العامل هنا حافر القبر، وهذا بعيد، إذ لم يكونوا يحفرون حينئذ بأجرة، فكيف له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. استدل بعضهم من هذا الحديث أن الحبس لا يكون بمعنى الوقف [حتى تقول ... الوقف صدقة ... على أحد قولى مالك وتسميته ترك صدقة بمعنى الوقف] (¬2) لمصالح المسلمين، لا بمعنى ما يعرف أصله ويملك للمتصدق عليه. وللوقف ثلاثة ألفاظ: وقف وحبس وصدقة، إذا كان المراد بها بمعنى الوقف. وقد اختلف المذهب عندنا إذا أطلق مجرد أحد هذه الألفاظ لمعين، هل يكون مؤبداً؟ أو يكون بمعنى العُمْرَى ترجع لمالكها حتى لو كان اللفظ بصدقة حبس؟ أو لا تباع ولا توهب أو مؤبداً أو لا يورث؟ وقد قال بعض أصحابنا: وإن لفظ الوقف من بينهما على التأبيد بلا خلاف، بخلاف اللفظين الأخريين. وقد قيل: وإنها وإن كانت لمعين فسواء أطلق، أو قال: حبس صدقة، وكذلك قيل: هى لا تباع ولا توهب، فهى على معنى التعمير حتى الآن، حتى يذكر التأبيد أو ما يرفع الإشكال. ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من س.

(17) باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين

(17) باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين 57 - (1762) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ عنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فِى النَّفَلِ: لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا. (...) حدَّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. وَلمْ يَذْكُرْ: فِى النَّفَلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى النفل: للفرس سهمين، وللرجال سهماً ": كذا للعذرى والخشنى، ولغيرهما: " وللرجل ". فيه تسمية الغنيمة نفلاً. ويحتج به من ذهب إلى أن المراد بالآية الأولى فى سورة الأنفال الغنائم المذكورة فى الآية الثانية. قال الإمام: هكذا مذهب مالك فى القسمة المستحقة فى أصل القتال، يقسم للفرس سهمان، وللرجل سهماً. وقال أبو حنيفة: بل يقسم للفرس سهم كما يقسم للرجل، ولا يكون أعظم منه حرمة، ولو كان معه ثلاثة أفراس لم يسهم للثالث. واختلف فى الإسهام للثانى، فقيل بإثباته، وقيل بنفيه. وحمل أبو حنيفة ما وقع من الأثر على أن المراد بقوله: " سهمان للفرس " أى هو وفارسه، خروج عن الظاهر؛ لأنه إنما أضاف هذا للفرس. قال القاضى: أما مع رواية: " وللرجل " فبين، وأما مع رواية: " وللراجل " فمحتمل، لكن يرفع هذا الاحتمال ما ورد مفسراً فى حديث ابن عمر هذا من رواية أبى معاوية وابن نمير وأبى أسامة وغيرهم؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه (¬1). ومثله عن أبى عمرة الأنصارى وابن عباس. وبقول مالك قال سفيان الثورى والأوزاعى والليث بن سعد والشافعى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والطبرى، وروى مثله عن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز - رضى الله عنهم - والحسن وابن سيرين ومجاهد. ولم يتابع أحد أبا حنيفة على قوله، إلا شىء روى عن على وأبى موسى وبقول مالك - أيضاً - أنه لا يسهم إلا لفرس واحد قاله الشافعى وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وروى مثله عن الحسن. وذهب الثورى والأوزاعى وأبو يوسف والليث بن سعد إلى أنه يسهم للفرسين. وروى - أيضاً - ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجهاد، ب فى سهمان الخيل 3/ 75.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثله عن الحسن ومكحول ويحيى بن سعيد وابن وهب ومحمد بن الجهم من المالكيين، ولم يقل أحد إنه يسهم لأكثر من فرسين إلا سفيان؛ روى عن سليمان بن موسى أنه يسهم لمن غزى بأفراس، لكل فرس سهمين (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 14/ 170 وما بعدها، المغنى 13/ 85 وما بعدها.

(18) باب الإمداد بالملائكة فى غزوة بدر وإباحة الغنائم

(18) باب الإمداد بالملائكة فى غزوة بدر وإباحة الغنائم 58 - (1763) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى سماكٌ الحَنَفِىُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى أَبُو زُمَيْلٍ - هُوَ سماكٌ الحَنَفِىُّ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: " اللَّهُمَّ، أَنْجِزْ لِى مَا وَعَدْتَنِى. اللَّهُمَّ، آتِ مَا وَعَدْتَنِى. اللَّهُمَّ، إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العِصَاَبَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِى الأَرْضِ "، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ. فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللهِ، كَذَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَاوَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم فى غزوة بدر حديث هناد بن السرى: نا ابن المبارك عن عكرمة بن عمارة، وذكر الحديث، وزاد فى رواية الطبرى بعد قوله: " لما كان يوم بدر ": وحدثنى زهير بن حرب - واللفظ له - نا عمر بن يونس الحنفى، عن عكرمة بن عمارة، وذكر بقية السند ورجع إلى الحديث بكماله، ولم يكن عند غير الطبرى. وقوله: " فما زال يهتف بربه ": أى يصيح بالدعاء والاستغاثة به، كما قال تعالى فى هذه اللفظة: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُم} (¬1). وقول أبى بكر له: " كذاك مناشدتك ربك ": كذا لكافة الرواة، وللعذرى بالفاء، وهما بمعنى: وكذاك حسبك، وقد رواه البخارى: " حسبك " (¬2). قال القتبى: معنى: كذاك: حسبك، ومثله قولهم: إليك عنى، أى تنح، وأنشد: ¬

_ (¬1) الأنفال: 9. (¬2) البخارى، ك المغازى، بـ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُم ...} 5/ 93.

مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين} (¬1) فَامَدَّهُ اللهُ بِالمَلائِكَةِ. قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِى أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الفَارِسِ يَقُولُ: أَقِدِمْ حَيْزُومُ. فَنَظَرَ إِلَى المُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ. فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ. فَجَاءَ الأَنْصَارِىُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ "، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقلن وقد تلاحقت المطايا ... كذاك القول إن عليك عينا معناه: كف القول، ويصح أن تكون " مناشدتك ربك " مرفوعاً بـ " كفاك "، ومن نصب " مناشدتك ربك " على ما ضبطناه عن أبى بحر، فعلى المفعول بما فى " حسبك وكذاك وكفاك " من معنى الفعل من الكف. وتقدم تفسير المناشدة وهو السؤال، وأصله رفع الصوت. ومناشدة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليراه أصحابه بتلك الحال، فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه. وقد كان وعده الله - تعالى - وتثبيت إحدى الطائفتين أنها له وعلم فوات الواحدة. وقد كان على ثقة من ربه فى ذلك ولم يشك فيما وعده حتى يثبته أبو بكر - رضى الله عنه - بقوله: إن الله منجز لك ما وعدك، فقوة يقين النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوق قوة أبى بكر بغير مرية؛ ولهذا أمسك لما قال له أبو بكر - رضى الله عنه - ما قال؛ إذ ظهر له من قوة يقينه وطمانينة نفسه ما علم الله - تعالى - به وجواب دعائه، وأيضاً فليبين لأمته اللجأ إلى الله والاستغاثة إليه فى الشدائد. وقوله: " أقدم حيزوم ": وكذا ضبطناه عن أبى بحر بضم الدال، كأنه من التقدم. وقال ابن دريد: " أقدم " بقطع الألف وكسر الدال من الإقدام، قال: وهى كلمة زجر للفرس معلوم فى كلامهم. وعند الجمهور: " خيروم "، وهو اسم فرس. فى رواية العذرى: " خيزون " بالنون، والأول المعروف. وقوله: " فإذا هو قد خُطم أنفه ": الخطم: الأثر على الأنف، كما يخطم البعير بالكى. يقال خطمت البعير: إذا وسمته بالكى بخط من الأنف إلى أحد خديه، وقد يكون معناه: أنه إن أبقت به الضربة أثراً مثل أثر الخطام، وهو نحو الزمام إلا أن الزمام ¬

_ (¬1) الأنفال: 9.

قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ: " مَا تَرَوْنَ فى هَؤُلاءِ الأُسَارَى؟ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِىَّ اللهِ، هُمْ بَنُوا العَمِّ وَالعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأَخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ للإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا تَرَى يَا ابْنَ الخَطَّابِ؟ ". قُلْتُ: لا، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى الَّذِى رَأَى أَبُوبَكْرٍ، وَلَكِنِّى أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّى مِنْ فُلانٍ - نَسِيبًا لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ أَئِمَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أرق منه، ويبين هذا كله قوله متصلاً: " كضربة سوط "، وأنه أراد الأثر. ما ذكر من خبر اختلاف أبى بكر وعمر - رضى الله عنهما - فى شأن فداء الأسرى. وقوله: جئت من الغد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر قاعدان يبكيان، وقوله: " أبكى للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة "، وذكر نزول الآية: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} (¬1) وقوله: " فأحل الله الغنيمة لهم ": هذا الفصل كله من مشكلات القرآن والحديث، وبيانه إن شاء الله تعالى: أنه لا يعتقد أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن معه عصوا فيما فعلوه من ذلك حتى استحقوا العذاب؛ إذ لا يعذب إلا على مخالفة أمر، ولم يتقدم فى ذلك نهى فتقع فخالفته فيه، بل قد تقدمت الإباحة لسرية عبد الله بن جحش الكائنة قبل هذا بأزيد من عام، وهى التى قتل فيها ابن الحضرمى كافراً، وفودى فيها بابن كيسان وصاحبه، فما عاتبهم الله عليها ولا أزرى بهم، لكن لما كان أمر بدر عظيم الموقع عتبهم الله فى نزلهم إلى أهون الخطبين من الفداء، ووبخهم على ذلك، وأراهم ضعف اختيار من اختار ذلك منهم، وتصويب رأى من كان رأى القتل. وقيل: بل الآية كلها على معنى المن بنعمته تعالى عليهم من قليل الغنائم لهم، وهو معنى قوله: {لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَق} (¬2) أى بتحليل الغنائم لكم، أو بأنه لا يعذبكم بما فعلتم. فهذا كله يدل أنه لا ذنب لهم، إذ أنهم إنما فعلوا ما أحل لهم فى الكتاب. وقيل: هذا كله المراد به غير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه أصحابه - رضى الله عنهم - بل من كان ركن إلى غرض الدنيا منهم. وقيل: هم الذين شغلوا بالنهب دون القتال حتى خشى عمر كَرَّة العدو عليهم، وأنه المراد بقوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدَّنْيَا}. وبكاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإشفاقه لما ورد فى التشديد على هؤلاء من التوبيخ والتقريع، أو لما ¬

_ (¬1) الأنفال: 67. (¬2) الأنفال: 68.

الكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا. فَهَوِىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبكيَانِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِى مِنْ أَىِّ شَىْءٍ تَبْكِى أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاَءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْكِىَ لِلَّذِى عَرَضَ عَلَىَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخَذِهِمُ الفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَىَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ " - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا} (¬1)، فَأَحَلَّ اللهُ الغَنِيمَةَ لَهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سيقتل منهم عام قابل مثل من فدى. وقد يكون هذا إشارة إلى معنى عذابهم ومعاقبتهم على فعلهم؛ إذ ورد فى بعض الأخبار أنه أمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتخييرهم على أن يقتلوا الأسرى أو يفادوهم على أن يقفل من عام قابل مثلهم. ومعنى " فهوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال أبو بكر ": أى مالت إليه نفسه ووافقه. يقال منه: هوى يهوى هوى، قال الله تعالى: {بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُم} (¬2)، وقد جاء هوى يهوى بمعنى مال، قال الله عز وجل: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم} (¬3). وقوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْض}: أى حتى يكئر القتل والإيقاع بالعدو، وقيل: حتى يقهر، ومعناه قريب. ¬

_ (¬1) الأنفال: 67 - 69. (¬2) البقرة: 87. (¬3) إبراهيم: 37.

(19) باب ربط الأسير وحبسة، وجواز المن عليه

(19) باب ربط الأسير وحبسة، وجواز المنّ عليه 59 - (1764) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِى حَنِيفةَ يُقَالَ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ - سَيِّدُ أَهْلِ اليَمَامَةِ - فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِى المسْجِدِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فَقَاَلَ: عِنْدِى يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ. وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنَ الغَدِ، فَقَالَ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ". قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ المَالَ فَسَلْ تُعْط مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَركَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنَ الغَدِ، فَقَالَ: " مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامةُ "، فَقَالَ: عِنْدِى مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ "، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ثمامة: " إذ جىء به أسيراً فربط بسارية المسجد ": ولعل هذا كان قبل نزول قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَس} (¬1)، وقد كان المشركون يدخلون على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مسجده أولاً كثيراً وهذا مما يحتج به الشافعى فى جواز دخول الكفار المساجد كلها، وقاله أبو حنيفة فى أهل الكتاب خاصة. قال أبو حنيفة: وكذلك الحرم ومسجده. ومنع ذلك لجميعهم فى الحرم ومسجده وسائر المساجد، وهو قول عمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - وقتادة، وقاله المزنى. وقيل: لعله كان أعلم بإسلامه، والأول أظهر لما قدمناه. وفيه جواز ربط الأسير وتقييده، وكذلك من عليه حق وألَدَّ به. وقوله: " إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر ": معناه: ذا قدر يشتفى بدمه وقتله. وقوله: " أطلقوا ثمامة "، قال الإمام: فيه دلالة على جواز المن على الأسير، وقد تقدم ذكر الخلاف فيه. وقوله: " فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ". قال الإمام: أما غسله عند الإسلام فإن مالكاً يأمر به، ويقول: الكافر جنب إذا أسلم اغتسل وبعض أصحابه يقول: ¬

_ (¬1) التوبة: 28.

مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَد أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوجُوهِ كُلِّهَا إِلَىَّ - واللهِ، مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَىَّ. وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ بَلِدٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مَنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلادِ كُلِّهَا إِلَىَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِى وَأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ. فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لا، وَلَكِنِّى أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلا، وَاللهِ لا يَأتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 60 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِىُّ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الحَمِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إن جنابته فى حال الكفر ذمها الإسلام وأبطل حكمها، فلا يلزمه غسل. وقد ألزمه بعض شيوخنا أن يصلى بغير وضوء، ويكون حدثه الأصغر أبطل حكمه الإسلام. قال القاضى: بإيجاب الغسل عليه قال أحمد وأبو ثور، وبسقوط وجوبه عليه قال الشافعى، قال: وأحب إلى أن يغتسل، ونحوه لابن القاسم. ولمالك - أيضاً - أنه لم يعرف الغسل، رواه عنه ابن وهب وابن أبى أويس. وقوله: " فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد ": كذا ضبطناه فى كتاب مسلم والبخارى (¬1). قال بعضهم: صوابه: " بنجل " بالجيم، وهو الماء القليل المنبعث. وقيل: الجارى. قال ابن دريد: النجل أول ما ينبعث من البئر إذا حفرت. واستنجل الوادى: إذا ظهر ماؤه. وفى تكرار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه السؤال أياماً ثلاثة [طعاماً] (¬2) فى إسلامه، واستئلافاً لمثله من أشراف الناس ليسلموا فيتبعهم من وراءهم، ثم تركه هو الإجابة حتى من عليه دليل على صحة يقينه وعلو همته، وأنه لم يسلم على القسر والقهر أو من اختياره وطيب نفسه. وقوله: " إن خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة " وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يعتمر. هذا وإن لم يكن واجباً عليه ما عقده فى الكفر فهو مستحب ليتم ما عقده لله - سبحانه - وإن لم يلزمه حين كفره، وأن يكون يفعل ذلك بعد إسلامه فينال أجره، ولما فى ذلك من غيظ ¬

_ (¬1) البخارى، ك المغازى، ب وفد بنى حنيفة وحديث ثمامة بن أثال 5/ 214. (¬2) هكذا فى الأصل، ولا نعرف لها معنى مع السياق، ولكن الأصح: طمعاً.

ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ المَقْبَرِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلاً لَهُ نَحْوَ أَرْضِ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بَرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الحَنَفِىُّ - سَيِّدُ أَهْلِ اليَمَامَةِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ تَقْتُلنِى تَقْتُلْ ذَا دَمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الكفار بمكة، إذ أتاها مثله مسلماً من صناديد العرب ورؤساء القبائل، ممن يحذرونه ويرجونه ولا يقدرون على أذاه. فلم يكن حينئذ بَعْدُ الحج واجباً ولا العمرة على من قال بوجوبها.

(20) باب إجلاء اليهود من الحجاز

(20) باب إجلاء اليهود من الحجاز 61 - (1765) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ فِى المَسْجِدِ، إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: " انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ "، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى جِئْنَاهُمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا "، فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ، يَا أَبَا القَاسِمِ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَلِكَ أُرِيدُ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا "، فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا القَاسِمِ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَلِكَ أُرِيدُ "، فَقَالَ لَهُمْ الثَّالِثَةَ. فَقَالَ: " اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ للهِ وَرسُولِهِ، وَأَنِّى أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلا فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ للهِ وَرَسُولِهِ ". 62 - (1766) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ - قَالَ ابْنُ رَافِع: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ يَهُودَ بَنِى النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِى النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَقَتَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لليهود: " أسلموا تسلموا "، فقالوا: قد بلغت، قال: " ذلك أريد": أن تشهدوا على أنفسكم أنى بلغتكم. وفيه تجنيس الألفاظ وهو من أبواب البديع وخصائص البلاغة. وإجلاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليهود من المدينة، وإجلاء عمر - رضى الله عنه - لهم من جزيرة العرب، وما ذكره مسلم من الأحاديث فى ذلك تقدم الكلام عليه فى الوصايا. وقوله: " فإن الأرض لله ورسوله ": أى ملكها والحكم فيها. وفيه: " وأقر قريظة ومنَّ عليهم، حتى حاربت، فقتل رجالهم وسبى نساءهم وأولادهم وأموالهم ": فيه أن المعاهد والذمى إذا نقض العهد كان حكمه حكم المحارب، وأن للإمام محاربتهم. ولا خلاف فيم إذا حاربوا أو أعانوا أهل الحرب وله أن يبتديهم بالحرب إذا صح عنده نقض عهده، قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} الآية (¬1). قال أبو عبيد: أى توقعت لهم خيانة أو غدراً أو غشاً أوَ نحو ذلك. ¬

_ (¬1) الأنفال: 58.

رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلا أَنَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ المَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِى قَيْنُقَاعَ - وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ - وَيَهُودَ بَنِى حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِىٍّ كَانَ بِالمَدِينَةِ. (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوسَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، هَذَا الحَدِيثَ. وَحَدِيثُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَكْثَرُ وَأَتَمُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأوزاعى: وكذلك إذا أطلعوا أهل الحرب على عورة المسلمين أو عيونهم. وليس هذا نقضاً عند الشافعى.

(21) باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

(21) باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب (¬1) 63 - (1767) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الضَّحَاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لأُخْرِجَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، حَتَّى لا أَدَعَ إِلا مُسْلِمًا ". (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ. ح وَحَدَّثَنِى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ - كِلاهُمَا عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(22) باب جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم

(22) باب جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم 64 - (1768) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ - عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ المَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ ": فيه جواز التحيم فى أمور المسلمين العظام، ولم يخالف فى التحكيم إلا الخوارج. والنزول على حكم الإمام وحكم غيره جائز، ولهم الرجوع عنه ما لم يحكم، فإذا حكم لم يكن للعدو الرجوع، ولهم أن يستقلوا من حكم رجل قبل حكمه إلى غيره. وهذا كله إذا كان الحكم ممن يجوز تحكمه من أهل السعة والعلم والديانة، فإذا حكم لم يكن للمسلمين ولا للإمام المجيب لتحكيمه نقض حكمه. وهذا إذا حكم بما هو نظر للمسلمين من قتل أو سبى أو إقرار على الجزية أو إجلاء، فإن حكم بغير هذا من الوجوه التى لا تتيحها الشريعة لم ينفذ حكمه، لا على المسلمين ولا على العدو. وقوله فأرسل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سعد بن معاذ، فأتاه على حمار، فلما دنا قريباً من المسجد قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوموا إلى سيدكم ": قال بعضهم: انظر قوله: " من المسجد " وكذا جاء فى حديث شعبة فى مسلم والبخارى (¬1)، وأراه وهماً، فإن كان أراد مسجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد جاء سعد بن معاذ وفيه كان، على ما سيأتى تفسيره فى الحديث الآخر، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان - وحين وجه إليه - نازلاً على بنى قريظة، ومنها وجه فى سعد ليأتيه، إلا أن يريد مسجداً اختصه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هناك كان يصلى فيه مدة مقامه، قال: والصحيح ما جاء فى غير كتاب مسلم: " فلما دنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو فلما أطلع على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كذا جاء فى كتاب أبى داود وابن أبى شيبة (¬2)، فيحتمل أن المسجد تصحيف من ¬

_ (¬1) البخارى، ك المغازى، ب مرجع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأحزاب 5/ 143. (¬2) أبو داود، ك الأداب، ب ما جاء فى القيام 2/ 645، ابن أبى شيبة، ك المغازى، ب ما حفظت فى بنى قريظة 14/ 425.

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأَنْصَارِ: " قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ " أَوْ " خَيْرِكُمْ ". ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَؤُلاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ ". قَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَتَسْبِى ذُرِّيَّتَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَضَيْتَ بِحُكْمَ اللهِ " وَرُبَّمَا قَالَ: " قَضَيْتَ بِحُكْمِ المَلِكِ "، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ المُثَنَّى: وَربُّمَا قَالَ: " قَضَيْتَ بِحُكْمِ المَلِكَ ". (...) وحدَّثنا زهُيْرَ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَن شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ ". وَقَالَ مَرَّةً: " لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ المَلِكِ ". 65 - (1769) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ الهَمْدَانِىُّ، كِلاهُمَا عَنِ ابنِ نُمَيْرٍ. قَالَ ابْنُ العَلاءِ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن صوابه: " فلما دنا من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كما جاء فى الحديث الآخر فى الأصول: " فلما دنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وفى قوله: " قوموا لسيدكم ": فيه ما يلزم من إكبار عظيم القوم وأهل الخير وتلقيه، والقيام له إذا أقبل، وأن هذا القيام ليس المنهى عنه عند أكثر العلماء ومحققيهم، وإنما القيام المنهى عنه أن يقام عليه [وهو جالس] (¬1) قياماً طول جلوسه. ويدل على صحة هذا التأويل قيام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتلقى غير واحد، وقوله حين نهاهم عن القيام عليه إذا صلى جالساً، وذكر لهم أنه فعل فارس والروم لملوكها. ويبينه قول عمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - للناس: إن تقوموا نقم، هان تقعدوا نقعد. فقد بين أن القيام الذى كره إنما هو إذا كانوا قياماً على رأس الجالس. وقد تأول الحديث بعض من يمنع القيام جملة أنه إنما أمرهم بالقيام لينزلوه عن الحمار لمرضه الذى به. وقد اختلف تأويل الصحابة من عَنِىَ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك؟ هل الأنصار خاصة؟ أم جميع من حضر من المهاجرين معهم؟ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد قضيت فيهم بحكم الملك ": كذا رويناه فى هذا الكتاب بغير خلاف، وقد ضبطه بعضهم فى كتاب البخارى (¬2) بالوجهين؛ فتح اللام وكسرها. فالمعنى - والله أعلم - بالملك: اللهُ تعالى. والملك بفتح اللام - إن صحت هذه الرواية - جبريل، والرواية الأولى أصح لقوله ى الحديث الآخر: " بحكم الله ". ¬

_ (¬1) فى الأصل: ويمثلوا، والمثبت من س. (¬2) البخارى، ك المغازى، ب مرجع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأحزاب 5/ 143.

قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ - يُقَالُ لَهُ: ابْنُ العَرِقَةِ - رَمَاهُ فِى الأَكْحَلَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِى المَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاحَ، فَاغْتَسَلَ، فَأَتَاَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنفُضُ رَأسَهُ مِنَ الغُبَارِ. فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلاحَ؟ وَاللهِ، مَا وَضَعْنَاهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَأَيْنَ؟ "، فَأَشَارَ إِلَى بَنِى قُرَيْظَةَ، فَقَاتَلهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ. قَالَ: فَإِنِّى أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ووقع فى حديث [مصاب] (¬1) سعد [يوم الخندق] (¬2): أن الذى رماه رجل من قريش ابن العرقة، بالعين المهملة وكسر الراء، بالقاف. قال أبو عبيد: هى أمه. قال ابن الكلبى: اسم هذا الرجل حِبّان، بكسر الحاء، ابن أبى قيس بن علقمة ابن عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤى بن غالب، قال: واسم العرقة: قلابة، بكسر القاف وبالباء المنقوطة بواحدة، بنت سعيد بن سهم بن عمرة ابن هُصيص (¬3). وهى أم عبد مناف بن الحارث. قال: سميت بالعرقة لطيب ريحها. قال: والعرقة تكنى أم فاطمة. قال القاضى: كذا قال ابن الكلبى فى اسم ابن العرقة: " حبان "، وكذا ذكره ابن إسحاق، إلا أنه قال ابن قيس. وكذا قال هشام بن عروة فى ابن حبان، وكذا ضبطه الدارقطنى وغيره - من أصحاب الضبط والإتقان - بكسر الحاء. وذكر ابن عقبة أن اسم ابن العرقة: جبار بن قيس، أحد بنى العرقة. وخالف أبو عبيد بن الكلبى فيما تقدم، فقال: إن العرقة هى حبان، وخالف الواقدى فى ضبط اسمها فقال: إنما هى العرقة، بفتح الراء. وقال: أهل مكة يقولون ذلك. قال القاضى: وأكثر الناس على ما تقدم. وكذلك ضبطناها عن شيوخنا فى الصحيح. والسير. واختلف فى اسم أبيها، فقيل: سعيد، كما تقدم. وقيل: سعد، وأن كحل عرق معروف. قال الخليل: إذا انقطع فى اليد لم يرقأ الدم وهو عرق الحياة فى كل عضو. وقوله فى الحديث الآخر: " فنزلوا على حكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم فيهم إلى سعد " يجمع بينه وبين الأول أنهم رضوا بذلك، فنسب الحكم إلى سعد. وقيل: بل كانوا هم رغبوا أن يرد حكمهم إلى سعد، والأشهر أن الأوس رغبوا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى العفو عنهم؛ لأنهم كانوا مواليهم، وسألوه أن يفعل بهم ما فعل فى بنى ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬3) فى الأصل: معيص، والمثبت من ع.

66 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: قَالَ أَبِى: فَأُخْبرَتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ". 67 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ سَعْدًا قَالَ، وَتَحَجَّرَ كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ، فَقَالَ: اللَّهُمْ، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أُجَاهِدَ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجُوهُ. اللَّهُمَّ، فَإِنْ كَانَ بَقِىَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَىْءٌ فَأَبْقِنِى أُجَاهِدْهُمْ فِيكَ. اللَّهُمَّ، فَإِنِّى أَظنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتِى فِيهَا. فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ - وَفِى المَسْجِدِ مَعَهُ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِى غِفَارٍ - إِلا وَالدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ. فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِى يَأتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغِذّ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قينقاع من العفو عنهم، حين سأله فيهم عبد الله بن أبى بن سلول الخزرجى، وكانوا أولئك حلفاء الخزرج، فقال لهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم " - يعنى من الأوس - يرضيهم بذلك، فرد حكمهم إلى سعد بن معاذ الأوسى، فرضوا بذلك. وقوله: " وتحجر كلمه للبرء "، قال الإمام: الكلم: الجرح، وتحجر قيل: يبس. قال القاضى: فى تمنى سعد انفجار جرحه، وأن يكون موته من ذلك، ليس من تمنى الموت للضر المنهى عنه والدعاء به، وإنما هو من تمنى الشهادة؛ لأنه لما كان جرحه فى سبيل الله تمنى موته منه، ودعا بذلك لتتم شهادته ويموت عليها. وقوله: " فانفجرت من لبته ": كذا روايتنا عن الأسدى، وروايتنا عن الصدفى: " من ليته "، وعند الخشنى من طريق الباجى: " من ليلته "، قالوا: وهو الصواب، كما جاء فى الحديث الآخر. واللبة: المنحر، والليت: صفحة العنق. وقوله: " فإذا جرحه يغذ دماً ": كذا رويناه بكسر الغين عن كافتهم، وعند ابن ماهان: " يصب "، وعند بعضهم: " يغذ دماً " كلّ صحيح، وهو بمعنى يصب فى الرواية الأخرى. ومعنى " يغذ ": أى يدوم سيلانه. يقال: غذ الجرح يغذ: إذا لم يرق، وغدا يغدو، كما قال فى الحديث الآخر: " فما زال يسيل حتى مات ". وقوله فى الشعر:

68 - (...) وحدَّثنا عَلِىُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ سُلَيْمَانَ الكُوفِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَانْفَجَرَ مِنْ لَيْلَتِهِ. فَمَا زَالَ يَسِيلُ حَتَّى مَاتَ. وَزَادَ فِى الحَدِيثِ قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الشَّاعِرُ: أَلا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِى مُعَاذٍ ... فمَا فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ لَعَمْرُكَ إِنَّ سَعْدَ بَنِى مُعَاذٍ ... غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصَّبُورُ تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لا شَىْءَ فِيهَا ... وَقِدْرُ القَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ وَقَدْ قَالَ الكَرِيمُ أَبُو حُبَابٍ ... أَقِيمُوا قَيْنُقَاعُ وَلاتَسِيرُوا وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقَالاً ... كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيْطَانُ الصَّخُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا يا سعد سعد بنى معاذ ... فما فعلت قريظة والنضير وقوله كذا الرواية فى الأم عند كافة شيوخنا، وصواب الشعر ووجهه: لما فعلت. وكذا رويناه فى السير، ورواه بعضهم فى مسلم. وقوله: تركتم قدركم لا شىء فيها ... وقدر القوم حامية تفور ضرب مثلاً لعزة الجانب وعدم الناصر ومن يغضب لكى يقال للمستثير الغضب: تأبر. يريد بقوله: " تركتم قدركم " الأوس؛ لقتل حلفائهم من قريظة. " وقدر القوم " حامية. " تفور ": يعنى الخزرج؛ لشفاعتها فى حلفائها بنى قينقاع، حتى من عليهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتركهم لعبد الله بن أبى، وهو أبو حباب المذكور فى الشعر. وقوله: كما ثقلت بميطان الصخور وكذا ضبطناه عن رواية الفارسى والسجزى بالميم المفتوحة بعدها باء باثنتين تحتها، وكذا ذكرها أبو عبيد البكرى فى المعجم، إلا أنه ضبطه بكسر الميم، قال: وهو من بلاد مزينة من أرض الحجاز، ووقع فى رواية العذرى: " بميطار " بالراء مكان النون، وفى رواية ابن ماهان: " يحيطان " بالحاء مكان الميم، والصواب ما تقدم. وقال هذا الشعر إنما قاله يحرض سعداً على استبقاء بنى قريظة حلفائه، ويلومه على حكمه فيهم، ويذكره بفعل أبى حباب عبد الله بن أبى بن سلول وشفاعته فى حلفائه بنى قينقاع، ويمدحه بذلك.

(23) باب المبادرة بالغزو، وتقديم أهم الأمرين المتعارضين

(23) باب المبادرة بالغزو، وتقديم أهم الأمرين المتعارضين 69 - (1770) وحدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَادَى فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ انْصَرَفَ عَنِ الأَحْزَابِ: " أَلاَّ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلا فِى بَنِى قُرَيْظَةَ "، فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الوَقْتِ، فَصَلَّوا دُونَ بَنِى قُرَيْظَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لا نُصَلِّى إِلا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ فَاتَنَا الوَقْتُ. قَالَ: فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الفَرِيقَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين انصرف من الأحزاب: " لا يصلين أحد الظهر (¬1) إلا فى بنى قريظة "، فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بنى قريظة، وقال آخرون: لا نصلى إلا حيث أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وإن فاتنا الوقت. قال: فما عنَّف] (¬2) واحداً من الفريقين، قال الإمام: هذا فيه دلالة على أن الإثم موضوع فى مسائل الفروع، وأن كل مجتهدٍ غير ملوم فيما أدَّاه اجتهاده [إليه] (¬3) بخلاف مسائل الأصول، وكأن (¬4) هؤلاء لما تعارضت عندهم الأدلة فالأمر بالصلاة لوقتها يوجب تعجيلها قبل وصول [بنى] (¬5) قريظة، والأمر بألا يصلى إلا فى [بنى] (¬6) قريظة يوجب التأخير وإن فات الوقت. فأى الظاهرين يقدم وأى العمومين يستعمل؟ هذا موضع الإشكال، وللنظر فيه مجال. ¬

_ (¬1) قلت: هكذا فى جميع النسخ عند مسلم، أما فى البخارى فى جميع نسخه: " العصر "، قال ابن حجر: وقد اتفق أصحاب المغازى على أنها العصر، كموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وغيرهما، وكذا عند البيهقى فى الدلائل والطبرانى أنها العصر، قال ابن حجر: ووقع فى مستخرج أبى نعيم على صحيح مسلم وهو مخطوطة لم تظهر بعد - يسر الله من يطبعها قريباً - أنها العصر. قال ابن حجر: جمع بعض العلماء بين الصحيحين فقال: احتمال أن تكون طائفة راحت بعد طائفة، فقيل للأولى: الظهر، والتى بعدها: العصر. وقال: احتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر، وبعضهم لم يصله. فقيل لمن لم يصلها: " لا يصلين أحد الظهر " ولمن صلاها: " لا يصلين أحد العصر". قال ابن حجر: وكلاهما جمع لا بأس به، لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث؛ لأنه عند الشيخين بإسناد واحد. انظر: الفتح بتصرف 7/ 472. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من س والمطبوع. (¬3) ساقطة من س. (¬4) فى الأصل: فكان، والمثبت من ع. (¬5) و (¬6) ساقطتا من الأصل، والمثبت من ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: مفهوم مراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاستعجال إلى بنى قريظة دون التوانى، لا قصد تأخير الصلاة نفسها. فمن أخذ بالمفهوم صلى حين خاف فوات الوقت، ومن [أخذ] (¬1) بظاهر اللفظ أخر، ففيه حجة للقائلين بالظاهر وللقائلين بالمفهوم. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

(24) باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح

(24) باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح 70 - (1771) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ - مِنْ مَكَّةَ - المَدِينَةَ، قَدِمُوا وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَىْءٌ، وَكَانَ الأَنْصَارُ أَهْلَ الأَرْضِ وَالعَقَارِ، فَقَاسَمهُمُ الأَنْصَارُ عَلَى أَنْ أَعْطُوَهُمْ أَنْصَافَ ثِمَارِ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ، وَيَكْفُونَهُمُ العَمَلَ وَالمَؤُونَةَ. وَكَانَتْ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهِىَ تُدْعَى أُمَّ سُلَيْمٍ، وَكَانَتْ أُمَّ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، كَانَ أَخًا لأَنَسِ لأُمِّهِ، وَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمَّ أَنَسِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذَاقًا لَهَا، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ، مَوْلاَتَهُ، أُمَّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ، وَانْصَرَفَ إِلَى المَدِينَةِ، رَدَّ المُهَاجِرُونَ إِلَى الأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ الَّتِى كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ. قَالَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّى عِذَاقَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الحديث فى مواساة الأنصار للمهاجرين. فيه فضيلة الأنصار، وما كانوا عليه من الأخلاق الحميدة وكرم النفوس وحب الإسلام وأهله. وأما كفايتهم للعمل والمؤنة على أن يعطوهم أنصاف ثمار أموالهم، فأصل فى المساقاة أيضاً، وليس كل أحد كان معهم بهذا السبيل، إنما ذلك لمن لم يرض أخذ ذلك بغير عوض من المهاجرين. وقوله: " وكانت أعطت أم أنس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذاقاً: جمع عَذْقٍ، وهى النخلة؛ مثل كلب وكلاب. وقوله: " فأعطاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم أيمن مولاته ": مما يدل على ما قلناه أنه لم يكن كلُّ ما واسوا به على المساقاة؛ إذ لم يأخذه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أم أيمن على ذلك، وإنما كانت مواساة وإرفاقاً. وقول أنس: " فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر وانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم، ورد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أمى عذاقها ": لأنهم استغنوا بما فتح الله - تعالى - عليهم من الأجحاف بالأنصار، وكذلك فى الحديث الآخر: " حتى فتحت عليهم

مَكَانهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ شَأنِ أُمِّ أَيْمَنَ، أُمِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ أَيُّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَكَانَتْ مِنَ الحَبَشَةِ. فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا تُوُفِّىَ أَبُوهُ، فَكَاَنَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ، حَتَّى كَبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ تُوُفِيَتْ بَعْدَ مَا تُوفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ. 71 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ البَكْرَاوِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى القَيْسِىُّ، كُلُّهُمْ عَنِ المُعْتَمِرِ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيمِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلاً - وَقَالَ حَامِدٌ وابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى: أَنَّ الرَّجُلَ - كَانَ يَجْعَلُ لِلْنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلاتِ مِنْ أَرْضِهِ حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ، فَجَعَلَ - بَعْدَ ذَلِكَ - يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَعْطَاهُ. قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ أَهْلِى أَمَرُونِى أَنْ آتِىَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْأَلَهُ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَعْطُوهُ أَوْ بَعْضَهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ قريظة والنضير " (¬1). وقد جاء فى الحديث: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للأنصار لما فتح الله - سبحانه - قريظة والنضير: " إن شئتم قسمتم أموال بنى النضير بينكم [وبينهم] (¬2)، وأقمتم على مواساتكم المهاجرين فى ثماركم، وإن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم، وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم " فقالوا: أعطهم دوننا ونقيم على مواساتهم. فأعطاها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمهاجرين، ورد الأنصار منائحهم واستغنوا عنها (¬3). وليس فى هذا حجة فى الرجوع فى الهبة؛ لأنها لم تكن هبة أصول، إنما كانت هبة منافع وميراث غير مؤبدة يصح استرجاعها فى كل وقت. والمنائح: العطايا. كانت أم أيمن وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب من الحبشة، وذكر تزويجها زيد بن حارثة. وكذا ذكره الواقدى أنها حبشية، يبين ما ذكرنا أنها كانت سوداء، وأن لها خرج ¬

_ (¬1) كان فتح قريظة عام (5 هـ)، وبنى النضير على وقع ستة أشهر من وقعة بدر. انظر: كتاب المغازى، ب حديث بنى النضير فى البخارى. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من الأبى. (¬3) لم نعثر له على ذكر إلا فى الفتح، وعزاه ابن حجر للحاكم فى الإكليل من حديث أم العلاء، قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأنصار لما فتح النضير: " إن أحببتم قسمت بينكم ما أفاء الله علىَّ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى فى منازلكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا عنه " فاختاروا الثانى. انظر: الفتح 7/ 387.

وَكَانَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ - فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِيهِنَّ، فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِى عُنُقِى وَقَالَتْ: وَاللهِ، لا نُعْطِيكَاهُنَّ وَقَدْ أَعْطَانِيهِنَّ. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُمَّ أَيْمَنَ، اتْرُكِيهِ وَلَكِ كَذَا وَكَذَا ". وَتَقُولُ: كَلا. وَالَّذِى لا إِلَهَ إِلا هُوَ. فَجَعَلَ يَقُولُ كَذَا حَتَّى أَعْطَاهَا عَشْرَةَ أَمْثَالِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرَةِ أَمْثَالِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أسامة بن زيد، وأنها على ما ذكر بعض المؤرخين كانت من سبى الحبشة أصحاب الفيل حين هزمهم الله - سبحانه - لكن يبقى من الاعتراض على ما ذكرنا أنه لو كان ذلك لم ينكر الناس شبه ابنها أسامة لها فى الواد. واسمها بركة وتكنى بأم الضياء، وقد نسبوا بركة بنت حصن بن ثعلبة بن عمر بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، كنيت بابنها أيمن بن عبيد الحبشى (¬1) - زوجها قبل زيد بن حارثة. والمعروف أن الحبشية إنما هى بركة أخرى جارية، كانت لأم حبيبة، كانت تخدم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاً. وقد قال ابن عبد البر: وأظنها أم أيمن المذكورة، وقد تقدم من هذا فى باب الضيافة، وإباءة أم أيمن من يرد ما كان [أعطاها] (¬2) من مال أهل أنس، مما أعطوه فى عوضها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرة أمثالها؛ ظناً منها أنها كانت منحة مؤبدة، وأراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استردادها بدلها؛ لأنه كان يبرها، ولها عليه حق الرضاع والحضانة. قال الإمام: هذا فيه رد الهبة إن كانوا أعطوها على التأبيد، وقد ذكرنا الاختلاف فى المنافع، هل ينهى عن شرائها كما ينهى عن شراء الرقاب الموهوبة؟ والظاهر أن أم أنس أعطت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العذاق ملكاً، وقد رده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها. وقد كان بعض شيوخنا يقول: إن كان شراء الهبة بسؤال من الموهوب ورغبة من الواهب والرفق والحض للموهوب فى ذلك فإنه (¬3) خارج عما نهى (¬4) عنه، والأنصار لم يطلبوا هاهنا رد الهبة، وإن كان أنس حكى عنه مسلم أن أهله أمروه أن يأتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيسأله ما كان أهله أعطوه، قال: فأتيت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطانيهن. ولعله أعطاه لأنس وليس بواهب، أو علم منه خفة ذلك عليه ورغبته فيه. والعذق (¬5)، بفتح العين: النخلة، وبكسر العين: الكباسة. فلعل عذاقاً جمع عذق المفتوح العين. ¬

_ (¬1) انظر: الاستيعاب 4/ 1793. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬3) فى ع: لأنه، والمثبت من الأصل. (¬4) سبق فى ك الهبة (1625). (¬5) ولا يعرف العذق بالفتح: النخلة، إلا عند أهل الحجاز، وهى - أيضاً - كل غصن له شعب. وقال الجوهرى: هى النخلة، بحملها، تقول: أعذق الإذخر: إذا أخرج ثمره، ويقال بمعنى: أظهر، وتقول: أعذقت النخلة: قطعت سعفها. انظر: اللسان، بتصرف.

(25) باب جواز الأكل من طعام الغنيمة فى دار الحرب

(25) باب جواز الأكل من طعام الغنيمة فى دار الحرب 72 - (1772) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ المُغِيرَةٍ - حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلال عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ، يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لا أُعْطِى اليَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا. قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَبَسمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ [قوله] (¬1): " أصبت جراباً من شحم يوم خيبر، فالتزمته، فقلت: لا أعطى اليوم منه أحداً شيئاً "، وفى الرواية الأخرى: " فيه طعام وشحم ": الجراب، بكسر الجيم: المزود. قال الإمام: هذا لأنه من قليل الطعام الذى يحتاج لأكله بعض أهل الجيش. ومالك - رضى الله عنه - يبيح للواحد من الجيش أن يأكل قدر ما احتاج إليه من الطعام [المغنوم] (¬2)، ولا يرى ذلك غلولاً (¬3). قال القاضى: أجمع علماء المسلمين على إجازة اكل طعام الحربيين ما دام المسلمون فى دار الحرب، يأخذون منه قدر حاجتهم (¬4). وجمهورهم على جواز ذلك بإذن الإمام وغير إذنه، وحكى عن الزهرى أنه لا يكون إلا بإذنه ولم يوافق عليه. وقال الشافعى: لا يأخذ منه إلا بقدر حاجته، فإن أخذ منه فوقها أدى قيمته فى المقام، وكذلك إن أخذ ما لا يضطر إليه فى القوت من الأشربة والأدوية، وأجاز مالك له أخذ ما فضل وأكله فى أهله بعد رجوعه. وقال الأوزاعى: وذلك فيما قل منه. وقال سفيان: يرد ذلك للإمام، وهو قول أبى حنيفة. واختلف فى ذلك قول الشافعى، فأجاز له مرة جملة. وجمهورهم على منعه أن يخرج بشىء منه إلى أرض الإسلام، إذا كان له قيمة، وحكموا له حكم الغنيمة. وقال الأوزاعى: ما أخرج من ذلك إلى أرض الإسلام فهو له (¬5). واختلفوا بعد ذلك فيما يحتاج إليه من غير الطعام من السلاح والدواب والثياب، ليقاتل عليه ويركبه فى رجوعه، ويلبسه مدة مقامه. واختلف فيه قول مالك وأصحابه. وبإجازته قال الثورى والحسن، وممن أجاز استعمال ذلك فى وقت الحرب دون غيره ¬

_ (¬1) بياض فى الأصل، والمثبت من ع. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬3) انظر: الموطأ 1/ 452، الاستذكار 14/ 119، بدائع الصنائع 7/ 124. (¬4) هذا كلام أبى عمر. انظر: الاستذكار 14/ 120. (¬5) انظر: السابق.

73 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ: رُمِىَ إِلَيْنَا جِرَابٌ فِيهِ طَعَامٌ وَشَحْمٌ، يَوْمَ خَيْبَرَ، فَوَثَبْتُ لآخُذَهُ. قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعى والثورى والأوزاعى وأحمد بن حنبل وأبو ثور وأبو حنيفة وأبو يوسف (¬1). وذكر ابن المنذر والخطابى أن هذا مما لم يختلف فيه أهل العلم، إلا أن الأوزاعى شرط فى هذا إذن الإمام (¬2). وكذلك فيما قل قدره مما يحتاج إليه كالجلد تقطعه خفافًا ونعلا والإبرة وشبهها، فأجازه مالك وغيره، ونحوه قول ابن حنبل، ومنع ذلك الشافعى وأصحاب الرأى جملة. قال الشافعى: وعليه قيمته إِنْ تلف وأجرة استعماله وما نقصه الانتفاع. ولم يختلف فيما بغ من طعام وغيره إذ ثمنه مغنم. وقوله فى الحديث: " فرآنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستحييت منه ": أى لما رآه يحرص على أخذه، أو لقوله: " لا أعطى اليوم منه أحداً شيئاً ". وفيه أن الزكاة لا تتبعض؛ إذ لو تبعضت لم تكن إلا على ما يجوز أكله لهم ويحل، ولو لم تجز على الشحم ونعمه لما حل لنا أكله. وفيه جواز أكل شحوم اليهود التى حرمت عليهم، وهو مذهب مالك وأبى حنيفة والشافعى وعامة الفقهاء، إلا أنه مكروه فى المشهور عن مالك، وهو عند غيره دون كراهة، وله نحوه أيضاً. وذهب كبراء أصحاب مالك إلى تحريمها، وحكى ابن المنذر ومحمد بن مالك نحوه، وهو مبنى على أن الزكاة تتبعض، وأنه لا تعمل فيما حرم كما لا تعمل فى اللحم. ومالك فى المشهور عنه والكافة لم تقم عندهم فيه دلالة على التحريم، وقد أحل لنا طعامهم. وجاءت هذه الآثار فى أكل شحومهم فلم يحرم عندهم، لكن مالكاً لما كان المباح طعامه وليس الشحم من طعامهم الذى أحل لهم اتقاه. وفيه جواز أكل ذبائح أهل الكتاب، وقد أجمع أهل العلم على حلها إذا ذكر اسم الله عليها (¬3) وأكثر العلماء على أن المراد بقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُم} (¬4) أنها ¬

_ (¬1) المغنى 13/ 132، 136. (¬2) انظر: مختصر سنن أبى داود 4/ 35، 36. (¬3) الشحم فى الحيوان هو جوهر السمن، والعرب تسمى سنام البعير شحماً، وبياض البطن شحماً، والجمع شحوم. هذا فى اللغة، أما عند العلماء فهو الذى يكون فى الجوف من شحم فى الكلى أو غيره. ويقول البعض: الشحم كل ما يذوب فى النار مما فى الحيوان، والألفاظ التى ذات صلة بها: الدهن، وهو ما يدهن به من زيت وغيره، وهو أعم من الشحم؛ لأنه يكون من الحيوان والنبات، والشحم لا يكون إلا من الحيوان، وكذلك الدسم وهو الودك، ويتناول الإلية والسنام وشحم البطن والظهر والدهن، فهو أعم من الشحوم. انظر: اللسان، المغنى 8/ 810. (¬4) المائدة: 5.

(...) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإسْنَاد. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ. وَلَمْ يَذْكُر الطَّعَامَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الذبائح، إلا ما روى عن ابن عمر من كراهتها. قال الداودى عنه قال: وأى شرك أعظم من قولهم فى المسيح وعزير، قال: ولعله شك أن تكون الآية منسوخةً، والمعروف عن ابن عمر: لا تؤكل ذبائح أهل الكتاب إذا لم يسموا عليها اسم الله - سبحانه - ولم يقل أحد فى الآية: إنها منسوخة، وإنما قيل: إنها ناسخة لآية الأنعام، قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه} (¬1). وقيل: مخصوصة مستثناة منها. واختلفوا فيما أهلوا به لغير الله من اسم المسيح أو كنائسها وشبهها، فكرهه مالك والليث والثورى وأصحاب الرأى والنخعى وحماد وإسحاق واكثرهم، وروى مثله عن على. وأباحه عطاء ومجاهد ومكحول والشعبى، وقالوا: آية المائدة ناسخة لآية الأنعام، ومستثناة مخصصة منها، وقالوا: قد علم الله - تعالى - أنهم يقولون ذلك، وقاله ابن حبيب، وكرهه الشافعى. واختلف إذا ذبح ولم يسم شيئاً، فمنعه أبو ثور، وهو مذهب عائشة - رضى الله عنها - وعلى وابن عمر - رضى الله عنهم. وقال أحمد وإسحاق: لا بأس به واختلفوا إذا ذبحوا ما كان لمسلم وغير ملكهم، فمنعه ربيعة. واختلفوا فيه عن مالك (¬2). ¬

_ (¬1) الأنعام: 121. (¬2) انظر: الطبرى 9/ 575، القرطبى 6/ 77.

(26) باب كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

(26) باب كتاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام 74 - (1773) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِيهِ. قَالَ: انْطَلَقْتُ فِى المُدَّةِ الَّتِى كَانَتْ بَيْنِى وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأمِ، إِذْ جِىءَ بِكَتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ - يَعْنِى عَظِيمَ الرُّومِ. قَالَ: وَكَانَ دَحْيَةُ الكَلْبِىُّ جَاءَ بِهِ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيم بُصْرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ. فَقَالَ هِرَقْلُ: هَلْ هَهُنَا أحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمْ أَنَّهُ نَبِىٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدُعِيتُ فِى نَفَرٍ مِنْ قُرَيشٍ، فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ، فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ؟ فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث [أبى] (¬1) سفيان وهرقل قول أبى سفيان: " انطلقت فى المدة التى كانت بينى وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": يريد مصالحته (¬2) مع أهل مكة سنة الحديبية عشرة أعوام إلى أن نقضوا عليه، فكان سبب غزوة الفتح. وذكر فى الحديث أن الذى جاء بكتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دحية الكلبى (¬3)، قال الإمام: ويقال بفتح الدال وكسرها. وقال ابن السكيت: هو بالكسر لا غير. وقال أبو حاتم: هو بالفتح لا غير. قال المطرز: والدحيى الدوساء، واحدهم دحية. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) فى س: صلحه. (¬3) هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن امرئ القيس بن الخزرج بن ثور بن كلب الكلبى، صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسوله إلى قيصر ملك الروم عام (5 هـ)، كما قال خليفة بن خياط. وغلطه الذهبى فقال: بل السادسة بعد الحديبية كما ذكره أبو سفيان فى الحديث الطويل لهرقل، روى عن النبى فى أبى داود، وروى عنه آخرون. وكان جبريل يأتى رسول الله على صورته، وكان أجمل الناس وجهاً، شهد المشاهد كلها مع رسول الله إلا بدراً، شهد اليرموك ثم سكن دمشق بعد ذلك وصح أن صفية وقعت فى سهم دحية يوم خيبر فأخذها النبى منه وعوضه بسبعة أرؤس. انظر: طبقات ابن سعد 4/ 249، الاستيعاب 2/ 461، أسد الغابة 2/ 158، تهذيب الكمال 8/ 481.

أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا، فَاجْلَسُونِى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابى خَلْفِى، ثُمَّ دَعَا بتُرْجُمَانِهِ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنِ الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ، فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللهُ، لَوْلا مَخَافَةَ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَىَّ الكَذِبُ لَكَذَبْتُ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ: كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْت: هَوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ. قَال: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: وَمَنْ يَتَّبِعُهُ؟ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ، بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَكَيفَ كَانَ قِتَاَلُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ: قُلْت: تَكُونُ الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالاً، يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قَال: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لا، ونَحْنُ مِنْهُ فِى مُدَّةٍ، لا نَدْرِى مَا هَوَ صَانِعٌ فِيهَا. قَالَ: فَوَاللهِ، مَا أَمْكَنَنِى مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا. قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: إِنَّى سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَب، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِى أَحْسَابِ قَوْمِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: إنما هو هنا اسم لا صفة، وهو دحية بن خليفة، معروف. " وعظيم بصرى " بضم الباء: أميرها، وهى من مدن الشام، وهى مدينة حروان. وقول هرقل: " هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل " ثم قوله: " أيكم أقرب نسباً منه ": دليل على أن قوم الرجل أعلم به وبما يشينه ويلحق به؛ لقربه منهم. وقوله: " فاجلسونى بين يديه وأجلسوا أصحابى خلفى "، وقول هرقل لهم: " إن كذب فكذبوه ". قيل: إنما أجلسهم خلفهم (¬1) لئلا يستحيوه بالمواجهة إن كذب. وفيه أن خبر الجماعة أوقع فى النفوس من خبر الواحد، لا سيما إن كانوا عددًا كثيراً، فقد يقع العلم بخبرهم. وقول أبى سفيان: " لولا مخافة أن يؤثر عنى الكذب ": دليل على أن الكذب مذموم مهجور فى الجاهلية والإسلام (¬2). وقوله: " كذلك الرسل تبعث فى أحساب قومها ": دليل على أن الحساب أولاً ¬

_ (¬1) فى س: خلفه. (¬2) انظر: الاستذكار 14/ 180 وما بعدها.

وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ فِى آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ، أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ: بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتقديم فى أمور المسلمين ومهمات الدنيا والدين؛ ولذلك جعلت الخلافة على قول دهاة المسلمين، وصحيح الآثار فى قريش؛ ولأن ذوى الأحساب أحفظ على تدنيس أحسابهم بما لا يليق بهم. وقوله فى الضعفاء: أتباع الرسل دون أشرافهم: لأن الرياسة (¬1) والشرف يأبى من انحطاطه لغيره وتسويد غيره عليه برياسة، وأنفسهم تأنف من الاتباع إلا من هداه الله - سبحانه - لرشده. والضعفاء ليس عليهم معنى للشيطان من ذلك، فكانوا أقبل للاتباع وأطوع للهدى من أولئك، وأعدم لأسباب الأنفة [و] (¬2) الحسد فى الظهور منهم. وقوله: " كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب ": أصل البشاشة: اللطف بالرجل وتأنيسه، يقال: بش وبشش. وهذه الرواية أصح من رواية: " بشاشة القلوب ". قال الإمام: الذى استدل به هرقل على نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لا ينتصب دليلاً قاطعاً عند المحققين، وإنما الدليل القاطع على النبوءة المعجزات الخارقة للعادات المعلوم منها المعارضات. وأما قوله: " ذو حسب "، وكون أتباعه شرفاء أو ضعفاء يزيدون أو ينقصون، وهل الحرب سجال أم لا؟ فليس بأدلة قاطعة على نبوة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قلنا. ولعل هرقل كان عنده أخبار عن كون هذه علامات فى هذا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال فى الحديث: " وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم ". وكتابته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه فيه دلالة على أن اليسير من القرآن كالآية ونحوها بخلاف حكم كثيره؛ لأن القرآن لا يسافر به إلى بلد الحرب (¬3) والجنب أبيح له منه الآية والآيتان على جهة التعوذ. وقوله: " الحرب سجال ": أصل المستقيان بالسجل يكون لكل واحد منهما سجل. والسجل: الدلو الملأى. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ": قال الإمام: ويروى " اليريسيين " (¬4) بالياء و " الأريسيين " بالهمزة، وقد اضطرب فى معنى هذه اللفظة ¬

_ (¬1) فى الأصل: الدياسة، وهو تصحيف، والمثبت من س. (¬2) فى الأصل: فى، ولا معنى لها. (¬3) الاستذكار 14/ 52 وما بعدها. (¬4) رواية حسن الحلوانى، وعبد بن حميد. قال الخطابى: روى هكذا بالياء جميع روايات البخارى. انظر: أعلام الحديث للخطابى 1/ 136.

ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُل. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَيَدَعَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَب فَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهُ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الإِيْمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ القُلُوبِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلَ يَزِيْدُون أَوْ يَنْقِصُونَ؟ فَزَعَمْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اضطراباً كثيراً، وأمثل ما أحفظ فى ذلك أن المراد به: الأكارون (¬1) أو الملوك والرؤساء. قال ابن الأعرابى: أرس الرجل يأرس أرساً صار أريساً، أى أكاراً، وآرس يورس مثله وهو الأريس، وجمعه الأريسيون، والإريس وجمعه الأريسون وأرارسة. قال الإمام: فيكون المعنى على هذا: إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لك. ونبه بالأكارين على الرعايا؛ لأنهم الأغلب فى رعاياه؛ إذ هم أكثر انقياداً من غيرهم، وقد يراد به - أيضاً - الملوك والرؤساء فيكون المعنى على هذا التأويل: فإن عليك إثم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها، وهذا يعود إلى قريب من المعنى الأول. قال القاضى: يعضد التأويل الأول الذي اختاره أنه قد جاء منصوصاً فى الحديث. ذكره أبو عبيد فى كتاب الأموال، وقال فيه: وإن لم تدخل فى الإسلام فاعط الجزية، ثم قال: وإلا فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام. وفى رواية ابن وهب: " وإثمهم عليك ". قال أبو عبيد: الفلاحون هنا: الزارعون خاصة، لكن أراد بهم جميع أهل مملكته؛ لأن كل من يزرع عند العرب فلاح، ولِىَ ذلك بيده أو وليه له غيره. وأصل هذا فى كتاب الله قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} (¬2) وقوله تعالى: {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِين} (¬3). وقال بعضهم: من قال: " اليريسيون " فمن التبختر، يقال: رأس يرأس ريساً وريساناً: إذا تبختر، ورأس يرأس رَوْساً أيضاً. وحكى الخطابى: إن الذين كانوا يحرثون أرضهم كانوا مجوساً، يقول: عليك إثم المجوس (¬4). وأنكر أبو عبد الله القزاز الياء فى ذلك، وقال: صوابه عندى: " الأريسيون ". وقال أبو عبيدة: المحفوظ: " الأريسين "، وفى كتاب ابن السكن فى تفسيره: يعنى اليهود والنصارى، قيل: هم أتباع عبد الله بن أريس، وهذا الذى ينسب إليه الأروسية (¬5) من النصارى، ولهم ¬

_ (¬1) جاء فى رواية ابن إسحاق: " فإن إثم الأكاريين عليك ". البداية والنهاية 4/ 263. (¬2) الأحزاب: 67. (¬3) سبأ: 31. (¬4) أعلام الحديث 1/ 137، غريب الحديث 1/ 499 وما بعدها. (¬5) فى الإكمال: الأرسية.

أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانَ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَدْ قَاتَلْتُمُوهُ. فَتَكُونُ الحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالاً، يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمْ العَاقِبَةُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لا يَغْدِر، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا. فَقُلتُ: لَوْ قَالَ هَذَا القَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ، قُلْتُ: رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِمَ يَأمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَأمُرُنَا بِالصَّلاة والزَّكَاةِ والصِّلَةِ وَالعَفَافِ. قَالَ: إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقّا، فَإِنَّهُ نَبِىٌّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّى أَعْلَمُ أَنِّى أَخْلُصُ إِلَيْهِ، لأَحْبَبْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مقالة معروفة فى عيسى - عليه السلام - ويقال لهم: " الأروسيون " أيضاً، وهم لا يقولون بإلهية عيسى، متمسكون - أيضاً - بما كان عليه (¬1). وقوله: " ولو أعلم أنى أخلص إليه لأحببت لقاءه ": كذا فى مسلم، وكذا فى البخارى: " لتجشمت لقاءه " (¬2)، وهو أصح فى المعنى من " أحببت ". ويحتمل أن " أحببت " مغيرة منها. والتجشم منها أشبه، وهو تكلف الوصول إليه على ما فيه من المشقة عليه؛ لبعد داره، ومخالفة حاله، ولكنه رأى أن تخلصه إليه بعيد من كثرة من بينه وبينه، ممن كان يختطفه ويحول بينه وبين الوصول إليه، ولما كان من الملك الذى كان يزول عنه، وكان الإسلام لم يتمكن من قلبه ولم يرد الله - سبحانه - هدايته كما أراد هداية النجاشى جل اسمه. وقوله: " ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ماتحت قدمى ": يعنى أرضه ومكانه؛ لأنه كان حينئذ بالشام وتحقيقاً منه أنه علم أنه النبى حقاً، لكنه شح بحاله وخشى خلع قدمه له، على ما جاء مفسراً فى البخارى (¬3)، فأصر على كفره بعد علمه به وكان أشد فى الحجة عليه. قال الإمام: وقول أبى سفيان لأصحابه: " لقد أمِر أمْر ابن أبى كبشة ": يعنى عظيم أمره، إنه ليخافه ملك بنى الأصفر: ونسبه لأبى كبشة، قيل: لأنه كان جداً من ¬

_ (¬1) الأدريسى هو الأكار (عن ثعلب)، والأمير (عن كراع). حكاه من باب فعيل، والأصل عنده فيه رئيس على فعيل، من الرياسة. وقال الأزهرى: هى من كلام أهل الشام. انظر: لسان العرب، مادة " أرس ". (¬2) البخارى، ك بدء الوحى، ب حديث أبى سفيان مع هرقل 1/ 8. (¬3) لفظ البخارى: " فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمى هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أنى أعلم ... " ك بدء الوحى، ب حديث أبى سفيان مع هرقل 1/ 8.

لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَىَّ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكَتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ. سَلامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الهُدَى. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّى أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُون} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ أجداده لأمه، وقيل: إنه خالف العرب وكان يعبد الشعرى - العبور - ويقول: فإنها تقطع السماء عرضاً، وليس فى النجوم ما يقطع السماء عرضاً سوى هذا النجم، فعبده دونها؛ لمخالفته لها. والمنجمون ينكرون هذا القول، كأنه أشار إلى أنه خالف مذهب العرب فى العبادة كما خالف أبو كبشة. قال القاضى: قال أبو الحسن الجرجانى النسابة: فى معنى نسبة الجاهلية للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبى كبشة عداوة له، ودعوة له إلى غير نسبه المعلوم المشهور؛ إذ لم يمكنهم الطعن فى نسبه الشهير. وكان وهب بن عبد مناف بن زهرة جده أبو آمنة يكنى أبو كبشة، وكذلك عمرو ابن زيد بن اْسد البخارى أبو سلمى (¬2) بن عبد المطلب كان يدعى أبا كبشة، وكذلك - أيضاً - فى أجداده من قبل أمه أبو كبشة جده من غالب بن الحارث، هو أبو قيلة أم وهب ابن عبد مناف أبو آمنة أمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو خزاعى، وهو الذى كان يعبد الشعرى، وكان أبوه من الرضاعة يدعى أبا كبشة، وهو الحارث بن عبد العزى السعدى (¬3). وقال مثله كله محمد بن حبيب البغدادى. وزاد أبو نصر بن ماكولا: وقيل: أبو كبشة هم ولد حليمة مرضعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4). وقوله: " إنه ليخافه ملك بنى الأصفر ": قال ابن الأنبارى: وسمى الروم بنو الأصفر لأن جيشاً من الحبشة غلب على ناحيتهم فى بعض الدهور، فوطئ نساءهم، فولدن أولاداً أصفر من بياض الروم وسواد الحبشة، فنسب الروم إليهم. وقال أبو إسحاق ¬

_ (¬1) آل عمران: 64. (¬2) فى الأصل: أبو سهل، والمثبت من س. (¬3) البيهقى فى دلائله 1/ 182، أعلام الحديث للخطابى 1/ 138، الفتح 1/ 40. (¬4) انظر: الإكمال لابن ماكولا 7/ 156.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ ارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغْط، وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرَجْنَا. قَالَ: فَقُلْتُ لأَصْحَابِى حِينَ خَرَجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ، إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِى الأَصْفَرِ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ مُوقنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ عَلَىَّ الإِسْلامَ. (...) وحدَّثناه حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ الحربى: إنما نسبوا إلى الأصفر بن الروم بن عبصى بن إسحاق بن إبراهيم، وهذا أشبه من قول ابن الأنبارى. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسلم تسلم ": من محاسن الكلام وبليغه وإيجازه واختصاره، وجمع بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسلم " نجاة الدنيا من الحرب والخزى بالجزية، وفى الآخرة من العذاب. وقوله فى كتابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " إلى عظيم الروم ": أى الذى تعظمه الروم، ولم يقل له: إلى ملك الروم، لما تحت هذه الكلمة من المعانى التى لا يستحقها إلا من أوجبها له الإسلام، ولما فيه من التسليم له بالملك لهم، لكنه لم يخله من المبرة والتكريم بما تقدم من مخاطبته بعظيم الروم؛ تأليفاً وحسن أدب وتليين كلمه، وتأنيساً على الإسلام. وقوله: " السلام على من اتبع الهدى ": حجة على منع السلام على غير المسلم. وقد اختلف الناس فى ذلك، فأجازه كثير من السلف ومنعه آخرون، وأجازه بعضهم إذا كان للاستئلاف أو لحاجة له إليه أو للإمام معه، وقد جاء فى الحديث عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النهى عن ابتدائهم بالسلام (¬1) وسيأتى هذا بعد بأفسر من هذا فى كتاب السلام والاستئذان. وقال بعضهم: إنما يسلم عليهم كما فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى هذا الحديث، وقد اتخذه الناس أصلاً فى صفة السلام على من كره السلام ديناً أو دنيا، واضطر إلى مخاطبته. وفى الحديث حجة لأحد القولين فى جواز معاملة المشركين بالدراهم المنقوشة فيها اسم الله - سبحانه - للضرورة (¬2) إلى ذلك، وإن كان عن مالك الكراهة فيها، ولأن ما فى هذا الكتاب من ذكر الله - تعالى - أكثر مما فى الدراهم. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يؤتك الله أجرك مرتين ": أى لإيمانك بعيسى واتباعك شريعته، ¬

_ (¬1) قال ابن حجر: ليس المراد من هذا التحية، إنما معناه سلم من عذاب الله من أسلم، وهو تفسير له وجه. الفتح 1/ 50. (¬2) راجع: الاستذكار 14/ 52.

الحَدِيثِ: وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ، شُكْرًا لِمَا أَبْلاهُ اللهُ. وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: " مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ ". وَقَالَ: " إِثْمَ اليَرِيسِيِّينَ ". وَقَالَ: " بِدَاعِيَةِ الإِسْلامِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إيمانك واتباعك لى، بخلاف الجاهلية وأهل الأوثان الذين لم يكونوا على شىء من دين ولا كتاب (¬1). وقوله: " أدعوك بدعاية الإسلام ": بكسر الدال، أى بدعوته. والدعاية مصدر كالرماية والشكاية. ودعوة الإسلام: التوحيد، وهى مستعارة من الشهادتين، وهى الكلمة التى احتج عليه بها فى الكتاب من الآية. وأما على الرواية الأخرى: " داعية الإسلام " راجع إلى ما تقدم بالكلمة الداعية إلى الإسلام، أو تكون " داعية " هنا بمعنى دعوة، كما قال بعضهم فى قوله: {خَائِنَةَ الأَعْيُن} (¬2) أى خيانة، وأنه قد جاء فاعله [مصدر] (¬3)، ومثله: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ} (¬4) أى كشف. [وقوله] (¬5): " شكراً لما أبلاه الله ": أى اختبره به وفضله به، ويستعمل فى الخير والشر، يقال: أبلاه الله بلاءً حسناً وبلاءً سيئاً. ¬

_ (¬1) قال الله تعالى عن أهل الكتاب: {أُوْلَئِكَ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْن} القصص: 54، وذكر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا المعنى فى تضعيف الأجر لأهل الكتاب الذين أسلموا، فعن أبى موسى: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وأدرك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران ... " الحديث وهو فى الصحيحين، وسبق لمسلم، ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقم (152) فراجعه هناك. (¬2) غافر: 19. (¬3) ساقطة من س. (¬4) النجم: 58. (¬5) ساقطة من الأصل.

(27) باب كتب النبى صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل

(27) باب كتب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل 75 - (1774) حدَّثنى يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ المَعْنِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِى، وَإِلَى كُلّ جَبَّارٍ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَليْسَ بِالنَّجَاشِى الَّذِى صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: وَليْسَ بِالنَّجَاشِى الَّذِى صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ، أَخْبَرَنِى أَبِى، حَدَّثَنِى خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِى الَّذِى صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك القاضى هذا الحديث وكذلك الإمام، وقال الأبى: فى قوله: " كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشى ": قال: قلت: فى السير من زيادات ابن هشام أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على أصحابه ذات يوم بعد العمرة التى صد عنها يوم الحديبية، فقال: " أيها الناس، إن الله بعثنى رحمة وكافة، فأدوا عنى يرحمكم الله، فلاتختلفوا علىَّ كما اختلف الحواريون على عيسى ". قيل: وكيف اختلفوا يا رسول الله؟ قال: " دعاهم إلى الذى دعوتكم إليه، فأما من بعثه مبعثاً قريباً فرضى، وأما من بعثه مبعثاً بعيداً فكره وجهه وتثاقل، فشكا ذلك عيسى - عليه السلام - إلى الله، فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأمة التى بعث إليها، فكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشى ". وهذه ألقاب على ملوك هذه الطوائف. فكسرى، بفتح الكاف وكسرها، هو لقب لكل ملك من ملوك الفرس وكان حينئذ اسمه " برويز " والذى ذهب إلى كسرى عبد الله السهمى فمزق الكتاب فمزقه الله. وقيصر لقب لملك الروم، وكان حينئذ اسمه " هرقل " والصحيح أنه لم يسلم كما مر فى الباب السابق. والنجاشى لكل من ملك الحبشة، وكان اسمه " أصحمة "، وبعث إليه عمرو بن أمية، وأسلم النجاشى، وكان وكيله على أم حبيبة. قوله: " وإلى كل جبار " أى هو من العام المخصوص؛ لأنه بعث إلى المقوقس صاحب الأسكندرية، والى المنذر بن ساوى صاحب هجر، وإلى هودة بن على صاحب اليمامة وغيرهم. وقوله:" وليس بالنجاشى الذى صلى عليه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": يريد أن يقول: إن النجاشى الذى صلى عليه النبى ليس بجبار، بل ثبت إسلامه، وصلاة النبى عليه - كما سبق فى مسلم. قال النووى: هذه أسانيد ثلاثة كلهم بصريون ما خلا " محمد بن عبد الله الرُّزى " بصرى بغدادى. وفيه جواز مكاتبة الكفار، ودعاؤهم إلى الإسلام، والعمل بالكتاب وبخبر الواحد - والله أعلم. انظر: الأبى 5/ 104 بتصرف، النووى 12/ 112 بتصرف، ابن هشام 2/ 606 بتصرف.

(28) باب فى غزوة حنين

(28) باب فى غزوة حنين 76 - (1775) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُوُنسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَالَ: قَالَ عَبَّاسٌ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نُفَارِقْهُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، بَيْضَاءَ، أهْدَاهَا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى غزوة حنين: " ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلة له بيضاء " - وفى الحديث الآخر: " بغلته الشهباء " وهى تلك المسماة دلدل، لايعلم له سواها - " أهداها له فروة بن نفاثة الجذامى ": كذا لجميعهم فى هذا الموضع أول حديث بالفاء وبالثاء المثلثة بعد الألف [وعند ابن أبى جعفر من طريق الباجى: " ابن نباتة " بالباء أو كلا بواحدة بعد النون وبالتاء بالثنتين فوقها بعد الألف] (¬1)، وذكر مسلم بعد هذا من رواية معمر بن نعامة، والمعروف الأول. واختلف فى إسلامه، فذكر الطبرى (¬2) أنه أسلم وعمَّر عمراً طويلاً، وذكر أنه القائل فى شعر له: الحمد لله إذ لم يأتنى أجلى ... حتى اكتسيت من الإسلام سربالاً وذكر أبو عمر بن عبد البر أن الذى أسلم وقال هذا الشعر هو فروة بن نباتة السلولى. وقد روى [أيضاً] (¬3) هذا البيت الليث، وأنه لم يقل منذ أسلم شعراً سواه، وقد قيل: إن البيت الذى قاله غير هذا [وقد جاء فى غير كتاب مسلم: أن مهدى البغلة البيضاء التى كان يركبها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هو مقوقس صاحب مصر] (¬4)، وفى البخارى: أن مهديها له ملك أيلة (¬5) [واسم ملك أيلة] (¬6) فيما ذكر ابن إسحاق - بحينة بن ريبة (¬7) - والله أعلم. ولا يعارض (¬8) فى قبوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدية من المسلم والمشرك مع قوله: " هدايا الأمراء ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) فى س: مسلم. (¬3) ساقطة من س. (¬4) من هامش س. (¬5) أحمد 5/ 425، البخارى، ك الزكاة، ب خرص التمر 2/ 155، أبو داود، ك الخراج والإمارة والفىء، ب فى إحياء الموات 2/ 159، الدارمى، ك السير، ب فى تجول هدايا المشركين 2/ 233. (¬6) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬7) فى الأصل: رؤية، والمثبت من الأبى. (¬8) فى س: نعارض.

فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الجُذَامِىُّ. فَلَمَّا الْتَقَى المُسْلِمُونَ وَالكُفَّارُ وَلَّى المُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الكُفَّارِ. قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ غلول" (¬1) ورده بعض الهدايا من المشركين، وقال: "إنا لانقبل زبد المشركين" (¬2) أى رفدهم، وذلك مما نسخ عند بعضهم، لما تقدم من قبوله ما قيل، والأكثر أنه لا نسخ فى ذلك، إنما ذلك لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخصوص بكل ما أفاء الله عليه من غير قتال أن يتملكه وتصرف فيه لنفسه فيما يحتاج إليه، وغيره بخلافه. فقبل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن طمع فى إسلامه واستئلافه لذلك، ولمصلحة يرجوها للمسلمين، وكافأ بعضهم عليها، كل ذلك تماماً للاستئلاف. ورد هدية من لم يطمع فى إسلامه، أو لم يكن لقبول هديتهم وجه ولا منفعة من الكفار؛ إذ قبول الهدية يوجب التواد والمحبة، وغيره من الأئمة والأمراء لم يسوغ له ذلك ولا أخذها لنفسه عند أكثر العلماء. ومن قبلها فهى كسائر فىء المسلمين؛ إذا لم يهدها له إلا لأنه أمامهم. لمان كان فى جيشه حاضر فهى غنيمة، وهذا قول الأوزاعى ومحمد بن الحسن وابن القاسم وابن حبيب من أصحابنا، وحكاه ابن حبيب عمن لقيه من أهل العلم. وذهب آخرون إلى أنها له خاصة وهو قول أبى يوسف، وبه قال أشهب وسحنون من أصحابنا. وقال سحنون: إذا أهدى ملك الروم إلى أمير المسلمين هدية فلا بأس بقبولها، قال: إلا أن يكون الروم فى ضعف فهى رشوة. وذهب الطبرى إلى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما رد من هدايا المشركين ما أعلم أنه أهدى إليه فى خاصة نفسه، وقبل ما علم منه خلاف ذلك مما فيه استئلاف المسلمين، قال: ولا حجة لمن احتج بنسخ أحد الحديثين الأخرين؛ إذ لم يأت فى ذلك بيان، وحكم الأئمة بعده تصريفها مجارى مال الكفار من الغنيمة والفىء بحكم اختلاف الحال كما قدمناه (¬3)، وإلى هذا يرجع قوله: " هدايا الأمراء غلول " - والله أعلم - أى إذا خصوا به أنفسهم لأنه لجماعة المسلمين، إما بحكم الفىء أو بحكم الغنيمة، وما يخمس كما تقدم. وقد يرجع إلى ما يهديه إليهم رعاياهم. وأصل الغلول: الخيانة؛ لأنهم إنما أهدوا لهم من قبل ولايتهم؛ ولهذا أنكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " هلا جلس فى بيت أبيه وأمه حتى يرى يهدى له " (¬4) كل هذا حماية عن الهوادة لهم فى الحقوق بسببهما. وكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلها لتنزيهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ¬

_ (¬1) مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبرانى فى الأوسط، وقال: حسن 4/ 151. (¬2) أحمد 4/ 162، والطبرانى فى الكبير بلفظ: " إنى لا أقبل هدية مشرك " 19/ 71، وقال فى المجمع: رجاله رجال الصحيح 6/ 127. (¬3) انظر: التمهيد 2/ 12 وما بعدها. (¬4) أبو داود، ك الخراج والإمارة والفىء، ب فى هدايا العمال 2/ 122.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَىْ عَبَّاسُ، نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ ". فَقَالَ عَبَّاسٌ - وَكَانَ رَجُلاً صَيِّتًا -: فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِى: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَالَ: فَوَاللهِ، لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ، حِينَ سَمِعُوا صَوْتِى، عَطْفَةُ البَقَرِ عَلَى أَوْلادِهَا. فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ قَالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالَكُفَّارَ، وَالدَّعْوَةُ فِى الأَنْصَارِ، يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. قَالَ: ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِى الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، فَقَالُوا: يَا بَنِى الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، يَا بَنِى الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ، كَالمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا، إِلَى قِتَالِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا وعصمته منه، وقيل: إنما قبل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدايا الكفار من أهل الكتاب ممن كان على النصرانية كمقوقس والنجاشى وملوك الشام، فلا تعارض بينه وبين قوله: " إنا لا نقبل زبد المشركين "، وقد أبيح لنا طعام أهل الكتاب وذبائحهم ومناكحتهم، فهم خلاف غيرهم. وركوبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البغلة فى مواطن الحرب تعويلاً على الثبات، وليكون فيه، يرجع إليه المسلمون وتطمئن قلوبهم إلى مكانه. وقد كانت له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفراس معروفة مسماة. وفيه ما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشجاعة والإقدام، من تقدمه بركض بغلته إلى جمع المشركين والناس كلهم قد فروا. نزوله إلى الأرض فى الرواية الأخرى: " لما غشوه " مبالغة فى ذلك ونهاية فى الثبات. وقيل: مواساة لمن كان نازلاً معه بالأرض راجلاً، وقد اعترف الصحابة كلهم - رضى الله عنهم - بشجاعته. وفى مسلم: " أن الشجاع منا الذى يحاذى به "، وأنهم كانوا يتقون به. وفيه: أن ذمة الرحم وقاية القرابة فوق كل ذمة، وشفقتها تربى على كل شفقة، إذ فر فى تلك المواطن كل أحد إلا آل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى عمه وبنى أعمامه ومواليه. وقوله: " ناد أصحاب السمرة ": أى الذين بايعوا عند الشجرة. وقوله:، وكان عطفتهم عطفة البقر على أولادها ": دليل على أن فرارهم لم يكن بعيداً أولاً من جميعهم، وإنما شق عليهم من فى قلبه مرض من سالمه أهل مكة ومشركيها، الذين لم يسلموا حتى قالوا: لا يردهم إلا البحر، وإنما كانت هزيمتهم فجأة من انصبابهم عليهم بحرة ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يقر الإيمان فى قلبه، وممن يتوقع بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة وصف إخفاؤهم وحسارهم كما ذكر فى الحديث: " فرجعت أولاهم لأخراهم " (¬1) إلى أن أنزل الله سبحانه سكينته - كما ذكر فى كتابه - على المؤمنين وأيدهم بجنوده. ¬

_ (¬1) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب ذكر حذيفة بن اليمان العبسى 5/ 49.

" هَذَا حِينَ حَمِىَ الوَطِيسُ " قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: " انْهَزَمُوا، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ " قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا القِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى. قَالَ: فَوَاللهِ، مَا هُوَ إِلا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ فمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلاً، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا. 77 - (...) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَرْوَةُ ابْنُ نُعَامَةَ الجُذَامِىُّ. وَقَالَ: " انْهَزَمُوا، وَرَبِّ الكَعْبَةِ. انْهَزَمُوا، وَرَبِّ الكَعْبَةِ ". وَزَادَ فِى الحَدِيثِ: حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ. قَالَ: وَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ. (...) وحدَّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الآن حَمِىَ الوطيس "، قال الإمام: قال [أبو عمر المطرز] (¬1): الوطيس: شبه التنور يُخبز فيه، ويضرب مثلاً لشدة الحرب التى يُشَبَّه حرها بحره. وقال غيره: الوطيس: التنور نفسه (¬2). وقال الأصمعى: هى حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها، فيقال: الآن حمى الوطيس، على وجه المثل للأمر إذا اشتد. وقيل: الوطيس جمع، واحده (¬3) وطيسة. قال القاضى: وقوله: " وأخذ حصيات "، وفى الرواية الأخرى: " قبضة من تراب. [ورماهم بها] (¬4)، فما [فى] (¬5) خلق الله تعالى منهم إنساناً إلا ملأ الله عينيه بتلك القبضة تراباً، فولوا مدبرين ": هو دلالة من دلائل (¬6) نبوته، وفى قوله: " انهزموا ورب محمد ". قال العباس: فنظرت فإذا القتال على هيئته فيما أرى، إلا (¬7) أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم [بعد] (¬8) كليلاً أى شدتهم ضعيفة، آية أخرى من إخباره ما (¬9) لم يكن ثم (¬10) كان على ما أخبر بها ثانٍ. فى هذا الموطن معجزتان: إحداهما فعلية، والأخرى خبرية. ¬

_ (¬1) فى ع: قال أبو عمرو. (¬2) فى ع: عينه. (¬3) فى ع: واحدته. (¬4) ليست فى نص الحديث. (¬5) زائدة فى س. (¬6) فى الأصل: دلالة، والمثبت من س. (¬7) فى س والأصل: إلى. (¬8) غير موجودة فى نص الحديث. (¬9) فى س: مما. (¬10) فى س: شهر.

كَثِيرُ بْنُ العَبَّاسِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ يُونُسَ وَحَدِيثَ مَعْمَرٍ أَكْثَرُ مِنْهُ وَأَتَمَّ. 78 - (1776) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَفرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لا، وَاللهِ، مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِلاحٌ، أَوْ كَثِيرُ سِلاحٍ، فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً لا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِى نَصْرٍ. فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، فَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ. فَنَزَلَ فَاستَنْصَرَ. وَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خرج شُبان أصحابه وأَخِفَّاؤُهم حُسَّراً ": أى بغير دروع ولا ما يتقون به النبل، كما فسره فى الحديث نفسه: " وَلا سلاح معهم "، أو ليس معهم كثير سلاح. والحاسر: الذى لا درع عليه. وفى الرواية الأخرى: " انطلق أخفاء من الناس وحسرٌ ". والأخفاء هنا المسارعون المستعجلون. وروى أبو إسحاق الحربى وأبو عبيد الهروى (¬1) هذا الحرف: " فانطلق جفاء من الناس " بجيم مضمومة وتخفيف الفاء. قال القتبى والهروى: أى سرعانهم، شبههم بجفاء السيل. قال القاضى: إن صحت هذه الرواية فإنما معناها ما تقدم من خروج من خرج معهم من أهل مكة، ومن انضاف إليهم ممن لم يستعد للقتال، وانما خرج للغنيمة، من النساء والصبيان والضعفاء، ومن مرض من مسالمة الفتح. فهؤلاء شبه جفاء السيل الذى لا ينتفع به ويرميه بجانبيه، وهو الغثاء أيضاً. وقوله: " فرشقوهم رشقاً " بكسر الراء فى الاسم، قال الإمام: يقال: رشقت بالسهم وأرشقت: إذا رميته. وأما قوله: " كأنها رجل من جراد " فهى الجماعة منها. وقوله: " شاهت الوجوه ": أى قبحت. قال القاضى: الرشق قيل: اليد الواحدة من السهام، وقيل: الوجه من الرمى، ومعناه هنا: رموا بمرة واحدة لغرض واحد منهم؛ ولهذا صح تشبيهه لهم (¬2) برجل الجراد، هكذا بكسر الراء. فأما الرشق بالفتح والمصدر (¬3) بمعنى: انكشفوا، أى انهزموا وولوا عن مواضعهم وكشفوها. ¬

_ (¬1) لم نعثر عليها فى كتابى الهروى والحربى " غريب الحديث ". (¬2) فى س: لها. (¬3) فى الأصل: المصدرة.

" أَنَا النَّبِىُّ لا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ " ثُمَّ صَفَّهُمْ. 79 - (...) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ المِصِّيصِىُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ زِكَرِيّاءَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْبَرَاءِ، فَقَالَ: أَكَنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى نَبِىِّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ النَّاسِ، وَحُسِّرٌ إِلَى هَذَا الحَىِّ مِنْ هَوَازِنَ، وَهُمْ قَوْمٌ رمُاةٌ. فَرَمُوهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ، كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ. فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ القَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ، فَنَزَل، وَدَعَا، وَاسْتَنْصَرَ، وَهُوَ يقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا النبى لا كذب أنا، ابن عبد المطلب "، قال الإمام: أنكر بعض الناس أن يكون الرجز شعراً لوقوعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه} (¬1)، وهو مذهب الأخفش، واحتج بهذه الآية على فساد مذهب الخليل فى قوله: إنه شعر. وجواب الخليل عن هذا: أن الشعر ما قُصد إليه، واعتمد الإنسان أن يوقعه موزوناً مقفَّىً، يقصد إلى القافية والروي. وقد [تقع من] (¬2) كثير من العوام ألفاظ موزونة وليست بشعر؛ لأن الشعر إنما يسمّى به فيما قصد إليه، مأخوذ من شعر الشاعر بالمعنى، فقد قال الناس: فإن الجزار يقول فى ندائه على اللحم: " لحم الخروف بزبد أمه " وهذا موزون، ولا يظن بالجزار أنه شاعر قصد إلى عمل الشعر، إلى غير ذلك مما يكثر التقاطه من ألفاظ العامة. وهكذا وجه الجواب عما وقع فى القرآن من الموزون؛ أنه ليس بشعر؛ لأنه لم يقصد إلى تقفيته وجعله شعراً، كقوله سبحانه وتعالى: {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب} (¬3)، وقوله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} (¬4)، ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعراً لما قلناه. وقد أدى بعض الناس غفلته عن هذا الجواب إلى أن قال بأن الرواية: " أنا النبى لا كذب " بفتح الباء، حرصاً منه على أن يفسد الوزن فيستغنى عن هذا الاعتذار. ¬

_ (¬1) يس: 69. (¬2) فى الأصل: يقع، والمثبت من ع، س. (¬3) الصف: 13. (¬4) آل عمران: 92.

" أَنَا النَّبِىُّ لا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ اللَّهُمَّ، نَزِّلْ نَصْرَكَ ". قَالَ البَرَاءُ: كُنَّا وَاللهِ، إِذَا احْمَرَّ البَأسُ نَتَّقِى بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِى يُحَاذِى بِهِ - يَعْنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 80 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ -: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ البَرَاءُ: وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِر. وَكَانَتْ هَوَازِنُ يَوْمَئِذٍ رمُاةً، وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْكَشَفُوا، فَأَكْبَبْنَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: فإن الاعتزاز إلى الآباء والافتخار بهم من عمل الجاهلية، فكيف قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا ابن عبد المطلب "؟ قيل: إنما كان هذا لأنه يحكى أن سيف بن ذى يزن لما قدمت عليه قريش، أخبر عبد المطلب أنه سيكون جد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه يقتل أعداؤه، وذلك مشهور عند العرب، وأراد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذا الاسم ليذكرهم بالقصة، فتقوى مُنَّتهم فى الحرب، وربما ثارت الطباع فى الحروب بهذا وأمثاله. وقيل: بل رؤيا رآها عبد المطلب، تدل على ظهوره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغلبته، وكانت مشهورة عندهم، أراد - أيضاً - أن يذكرهم بها. قال القاضى: لا ينكر السجع فى كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه وخطبه، واذا كان هذا فمجيئه بـ " ابن عبد المطلب " سجع لا كذب، لا يحتاج إلى عذر، وأيضاً فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كانت الجاهلية تنسبه الى عبد المطلب، وبذلك كان يعرف؛ لأن عبد المطلب كان سيد مكة، وبنوه وبنو بنيه ينسبون إليه؛ ولأن أباه عبد الله مات شاباً فى حياة أبيه قبل اشتهاره فى العرب، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان يدعوه كثير منهم بابن عبد المطلب، وفى حديث ضمام: " أيكم ابن عبد المطلب " (¬1) فذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا نفسه ونسبه تعريفاً لأصحابه بنفسه، وأنه ثابت ملازم مركزه لم يخف مع من خفى، ولا زل فيمن زل وراعه هول الأعداء، ولا زعزعوه عن مكانه لما ناداهم عمه العباس بشدة صوته وميزوه، فرجعوا إليه وقربوا منه، ناداهم هو بنفسه ليفيؤوا إليه، وتقوى عزائمهم بمكانه. ومعنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا النبى لا كذب ": أى حقاً، ويرجع مراده فى ذلك الى ¬

_ (¬1) البخارى، ك العلم، ب ما جاء في العلم 1/ 24، أبو داود، ك الصلاة، ب ما جاء فى المشرك يدخل المسجد 1/ 111، النسائى، ك الصيام، ب وجوب الصوم 4/ 124 (2094)، الدارمى، ك الصلاة، ب فرض الوضوء والصلاة 1/ 166، أحمد 1/ 264.

الغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، وَلَقْد رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَهُوَ يَقُولُ: " أَنَا النَّبِىُّ لا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ " (...) وحدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ. وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ، وَهَؤُلاءِ أَتَمُّ حَدِيثًا. 81 - (1777) وحدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى إيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِى أَبِى، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا، فَلَمَّا وَاجَهْنَا العَدُوَّ تَقَدَّمْتُ، فَأَعْلُو ثَنِيَّةَ، فَاسْتَقْبَلَنِى رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ، فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ، فَتَوَارَى عَنِّى، فَمَا دَرَيْتُ مَا صَنَعَ. وَنَظَرْتُ إِلَى القَوْمِ فَإِذَا هُمْ قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةَ أُخْرَى، فَالْتَقَوْا هُمْ وَصَحَابَةُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْجِعُ مُنْهِزِمًا، وَعَلَىَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوده هناك (¬1) حقا؛ ليعلمهم بنفسه فيثبتوا بثباته، أو يكون ثبتاً حقاً. ومن صفات الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين: أنهم لا يفرون، أو أنه لا كذب فى حديثه، وما أخبرهم من غلبتهم وظهورهم على عدوهم، وليذكرهم بنبوته؛ لتقوى بصائرهم بوفاء عهده وظهور أمره. وفيه جواز قول الرجل فى الحرب: " خذها وأنا ابن فلان "، وقد روى فى ذلك عن جماعة من السلف، وقاله ابن عبد الحكم من أصحابنا. وإنما يكره من هذا الانتماء (¬2) على طريق الافتخار بالأب، كفعل الجاهلية. وقول البراء: "كنا والله إذا احمر البأس نتقى به ": كناية عن اشتداد الحرب واحمرارها، إمَّا لحمرة الدم وجريانه من الجراح والقتل، أو لاستعار الحرب واشتعالها كاحمرار الجمر، كما قال - عليه السلام -: " حمى الوطيس "، وكما قال [الوطيس] (¬3) الشاعر: ضرب كعمق إلا بالمحرق. وقول ابن الأكوع: وأرجع منهزماً - إلى قوله، ومررت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهزماً. ¬

_ (¬1) فى س: هنا لما. (¬2) فى الأصل: الانتهاء، والمثبت من س. (¬3) هذه الكلمة غير موجودة فى س، ومقحمة فى الأصل.

بُرْدَتَانِ. مُتَّزِرًا بِإِحْدَاهُمَا، مُرْتَدِيًا بِالأَخْرَى، فَاسْتَطلَقَ إزَارِى، فَجَمَعْتُهُمَا جَمِيعًا، وَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْهَزِمًا، وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ رَأَى ابْنُ الأَكْوَعِ فَزِعًا "، فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَنِ البَغْلَةِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ: " شَاهَتِ الوُجُوهُ "، فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلا مَلأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ القَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَهَزَمَهُمْ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَهُمْ بَيْنَ المُسْلِمِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: " لقد رأى ابن الأكوع [فزعا] (¬1) ": كما قال أولاً: " وأرجع منهزماً "، ولم يرد أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انهزم، ولا يصح هذا عنه، وقد قالوا كلهم: إنه ما انهزم، ولا يجوز أن يقال ذلك فيه فى خاصة نفسه. وقد ذكر بعضهم الإجماع على هذا، وأنه لا يجوز أن يعتقد فيه، ولا يجوز عليه. والحديث كله يدل على أنه لم ينهزم، بل ثبت وتقدم حتى كان العباس أو أبو سفيان يأخذان بلجام بغلته يكفيانها عن التقدم؛ شفقة عليه على ما قررناه، وعلى ما صرح به البراء فى حديثه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س.

(29) باب غزوة الطائف

(29) باب غزوة الطائف 82 - (1778) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ زهُيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى العَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأَعْمَى، عَنْ عَبْد اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا. فَقَالَ: " إِنَّا قَافِلُونَ، إِنْ شَاءَ اللهُ " قَالَ أَصْحَابُهُ: نَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ! فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْدُوا عَلَى القِتَالِ "، فَغَدَوْا عَلَيْهِ فَأَصَابَهَمْ جِرَاحٌ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّاَ قَافِلُونَ غَدًا ". قَالَ: فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم فى حصار أهل الطائف حديث سفيان، رفعه عن عبد الله بن عمرو، قال: حاصر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الطائف. قال القاضى: كذا فى رواية الجلودى وأكثر الأصول، وعند ابن ماهان: عن عبد الله بن عمرو. قال لنا القاضى الشهيد أبو على: صوابه: ابن عمر، وكذا ذكره البخارى (¬1) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضى الله عنهم. وكذا صوبه الدارقطنى، وذكر ابن أبى شيبة فى مسنده الحديث عن سفيان، فقال: عن عبد الله ابن عمرو بن العاص، ثم قال: ابن عيينة حدث به مرة أخرى عن عبد الله بن عمر (¬2). وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا قافلون غداً "، فقال أصحابه: نرجع ولم نفتحه! فقال لهم: " اغدوا على القتال ": فيه ترك الإنسان رأيه لرأى الجماعة ومساعدتهم، لاسيما وكان هو ذهب إلى الرفق بهم والحيطة عليهم، لما رأى من تحصين أهل الطائف وجدهم ورجاءه، أو تيقنه فتح ذلك عليه بغير مشقة بعد كما كان، فلما رأى منهم الجد والصبر فى الجهاد ساعدهم على ذلك، فلما أصابهم من الجزع ما أصابهم رجع إلى رأيه من الرفق بهم، وقال: " إنا قافلون غداً " فساعدوه إذا رأوا أنه الرأي؛ لما خبروه من الحال. وضحك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وافقهم ذلك تعجب (¬3) من اختلاف قولهم بين أمس واليوم للحالين المختلفين، ورجوعهم إلى الرأى السديد. ¬

_ (¬1) البخارى، ك المغازى، ب غزوة الطائف فى شوال سنة ثمان 4/ 198 وهذه الرواية عن ابن عمرو (ط الشعب) وفى نفس الحديث فى الفتح عن عبد الله بن عمر، وفى ك التوحيد، ب {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا ...} عن عبد الله بن عمر. (¬2) ابن أبى شيبة، ك المغازى، ب ما ذكروا فى الطائف (18798). (¬3) فى الأصل: تعجباً، والمثبت من س.

(30) باب غزوة بدر

(30) باب غزوة بدر 83 - (1779) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَس؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ، حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِى سُفْيَانَ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولُ اللهِ؟ وَالَّذِى نَفسِى بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا البَحْرَ لأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الغِمَادِ لَفَعَلْنَا. قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا، وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ، وَفِيهِمْ غُلامٌ أَسْوَدُ لِبَنِى الحَجَّاجِ، فَأَخَذُوهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِى سُفيَانَ وَأَصْحَابِهِ؟ فَيَقُولُ: مَا لِى عِلْمٌ بِأَبِى سُفْيَانَ، وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَف. فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ، ضَرَبُوهُ. فَقَالَ: نَعَمْ، أَنَا أُخْبِرُكُمْ. هَذَا أَبُو سُفْيَانَ. فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقَاَلَ: مَا لِى بَأَبِى سُفْيَانَ عِلْمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مشاورة المسلمين فى خروجهم إلى بدر وإعراضه عمن تكلم من المهاجرين؛ لأنه ما كان المقصود إلا أن يعرف ما عند الأنصار؛ إذ لم يكن فى بيعتهم الخروج معه وطلب عدوه (¬1)، وإنما كان فيها منعه من الأحمر والأسود. فلما عرض الخروج لعير أبى سفيان أراد أن يعلم: هل يجيبوه إلى هذا. ففيه المشاورة ومعرفة الرأى من أهله قبل الفعل. وكان من إجابة الأنصار له ما ذكره فى الحديث. وقوله: " لو أمرتنا أن نضرب أكبادها - يعنى الخيل - إلى برك الغماد لفعلنا ". كذا ضبطناه هنا بفتح الباء وسكون الراء من " برك ". وقال أهل اللغة: صوابه: " برك " بكسر الباء. وكذا قيده شيوخ أبي ذر فى البخارى (¬2)، وضبطنا " الغماد " فى الصحيحين بكسر الغين المعجمة، وحكى ابن دريد الكسر والضم فى الغين. " وبرك الغماد " موضع بأقاصى هجر. وضبط الأصيلى " برك " بفتح الراء وسكونها معاً، والمعروف السكون. قال أبو إسحاق الحربى: برك الغماد، وسعفان هجر، [وذى] (¬3) بليان كان يقال فيما تباعد، وذكر ألفاظاً أخر اختصرناها. ¬

_ (¬1) فى س: عدوٍ. (¬2) البخارى، ك الهجرة، ب هجرة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إلى المدينة 5/ 73. (¬3) فى س: وذو.

وَلكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِى النَّاسِ. فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّى، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ. قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بيَدِهِ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ، وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ ". قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا مَصْرَعُ فُلان ". قَالَ: ويَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ، هَهُنَا وَهَهُنَا. قَالَ: فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ويقال فيه: " بليان " بكسر الباء وتشديد الياء أيضاً، ويقال: " بذى بلى " بتخفيف اللام أيضاً. وفى ضرب أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام قريش ليسألوه، جواز تهديد المتهم وتخويفه ليصدق، وجواز ضرب الأسير من العدو لمعنى يوجب ذلك، ويستخبر ما عنده من سر العدو. ويحتج به فى تهديد الحكام للمتهمين ليصدقوا عن أحوالهم، وينكشف لهم تهمتهم. واختلف فى إقرارهم فى تلك الحال هل يقبل أم لا؟ فعند أصحاب الشافعى وكثير من أصحابنا: لايقبل حتى يتمادى على إقراره، سواء عين ما أقر به من سرقة أو قتل أم لا. ومن أصحابنا من ألزمه ذلك إذا المقر به وإن رجع عن إقراره، ومنهم من أجازه وإن لم يعين، ومنهم من منعه وإن تمادى عليه لأن خوفه أن يعاد عليه العقاب باق. وأما ضربه ليقر فلا يجوز عندهم، ولا يعتد بإقراره إلا أن يتمادى عليه. ويختلف فى التمادى على ما تقدم. وإعلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بأنهم يضربونه إذا صدق ويتركونه إذا كذب، من آيات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أن أصحابه كانوا يكذبونه فيما يقول من أمر قريش؛ إذ لم يكن عندهم إلا خبر العير ولا طلبوا سواها. وكذلك إخبار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمصارع قريش وإشارته لها وتعيينها فلم يعد، ذلك آية أخرى ومعجزة ثانية فى هذا الحديث. وقوله: " فما ماط أحدهم عن موضع يده "، قال الإمام: أى تباعد، يقال: ماط الرجل: إذا تباعد، وأماط غيره: إذا باعده، ويقال: ماط الرجل وأماط: إذا تباعد، لغتان.

(31) باب فتح مكة

(31) باب فتح مكة 84 - (1780) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُنَانِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرةَ، قَالَ: وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ - وَذَلِكَ فِى رَمَضَانَ - فَكَانَ يَصْنَعُ بَعْضُنَا لِبَعْضِ الطَّعَامَ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُونَا إِلَى رَحْلِهِ. فَقُلْتُ: أَلا أَصْنَعُ طَعَامًا فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى رَحْلِى؟ فَأَمَرْتُ بِطَعَامٍ يُصْنَعُ، ثُمَّ لِقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنَ العَشِىِّ، فَقُلْت: الدَّعْوَةُ عِنْدِى اللَّيْلَةَ. فَقَالَ: سَبَقْتَنِى. قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَوْتُهُمْ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قَدِمَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى المُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى المُجَنِّبَةِ الأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الحُسَّرِ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الوَادِى، وَرَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله فى حديث فتح مكة: " وفدت وفودٌ على معاوية، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام " وفى الحديث الآخر: " فكان كل رجل منا يصنع طعاماً يوماً لأصحابه فكانت نوبتى "، وفى الحديث الآخر: " فقال أبو هريرة: سبقتنى " فيه مكارمة الرفقاء بعضهم بعضاً، وجواز جعل (¬1) ذلك نوباً بينهم، وأن مثل هذا من باب المكارمة لا من باب المعاوضة، وفيه ما كان عليه الصدر الأول من الكرم والمسابقة فيه، والبر بعضهم لبعض. ومعنى " نوبتى ": أى وقتى. وفى قول أبى هريرة: " إن سبقتنى " دليل أن نوبهم ومكارمتهم لم تكن على المشاحنة والمنافسة. وحديث أبى هريرة لهم بفتح مكة ليقيد بذلك من لم يحضر من أبناء الأنصار؛ ولذلك قال لهم: " ألا أعلمكم (¬2) بحديث من بحديثكم " وفيه أن أحسن ما يحدث به عند الاجتماع فى الولائم وانتظار الطعام أمثال هذا من أخبار الحدثان وما جرى من الحروب وغيرها؛ لنشاط النفوس لسماعه، وقطع مدة الانتظار بذلك؛ إذ ليس فى ذلك ما يدخل إثماً، لاسيما ما فيه للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخر، والذى ذكر وكان حديثهم هذا كما جاء فى الحديث: " وهم ينتظرون نفخ الطعام " وهو معنى قوله: " ولم يدرك طعامنا ". وقوله: " وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر " كذا رويناه، وهو الصواب. قال الهروى: أى على من لا درع عليه، والذى يظهر لى فيه أنه سمى الرجالة ومن ليس عليه شكاية ¬

_ (¬1) فى س: فعل. (¬2) فى الأصل: " أحدثك "، والمثبت من المطبوع رقم (84) والأبى.

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى كَتِيبَةٍ. قَالَ: فَنَظَرَ فَرَآنِى. فَقَالَ: " أَبُو هُرَيْرَةَ ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: " لا يَأتِينِى إِلا أَنْصَارِىٌّ ". زَادَ غَيْرُ شَيْبَانَ: فَقَالَ: " اهْتفْ لِى بِالأَنْصَارِ ". قَالَ: فَأَطَافُوا بِهِ، وَوَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وَأَتْبَاعًا. فَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَىْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِى سُئِلْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ "، ثُمَّ قَالَ بَيدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى. ثُمَّ قَالَ: " حَتَّى تُوَافُونِى بِالصَّفَا ". قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كاملة حسراً، ليس عليهم كبير سلاح. وبينه فى الحديث الآخر: " وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادى " أى الرجالة. واْصله بالفارسية: أصحاب ركاب الملك ومن يتصرف فى أموره. كذا رويناه فى هذا الحرف هنا. وقد وقع فى بعض روايات " الساقة " (¬1) مكان " البياذقة " و " الجيش " مكان " الحسر " فى الرواية الأخرى. ورواه بعضهم: " الشارفة " مكان " البياذقة " وفسروه: الذين يشرفون على مكة وليس بشىء، والأول أظهر؛ لأنه ذكر أنه قدم على المجنبتين خالداً على الواحدة، والزبير على الأخرى، وكان هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى القلب فى الدارعين من المهاجرين والأنصار، وقدم أبا عبيدة على الرجالة، وقد يعبر بها عن ساقة الجيش، وقد تكون ساقة ورجالة فيجتمع الوصفان وهم الحسر أيضاً. وقوله: " وبطن الوادى ". أى جعل طريقه بطن الوادى كما بينه فى الحديث الآخر: " فأخذوا بطن الوادى "، وهذا يبطل رواية " الشارفة " المتقدمة ويناقضه. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اهتف لى بالأنصار ": أى ادعهم لى. وقوله: " لا يأتنى إلا أنصارى " فأطافوا به: ثقة منه بهم واستماعه إليهم، وتقريباً لهم لما قرب من داره وقومه، وقد كان معه هناك المهاجرون - أيضاً - يحيطون به، كما كان فى كتيبته، ومعنى " يهرولون ": يسرعون، وإنما أراد: لا يأتنى من قابل العرب النافرين معه - والله أعلم - غير الأنصار. وهذا يجمع بين ما جاء فى البخارى (¬2) من أن كتيبة الأنصار كانت مع سعد بن عبادة، وأن كتيبة المهاجرين مع الزبير فيهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعض ما جاء فى السير أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في كتيبة من المهاجرين والأنصار، فيدل ما فى كتاب مسلم أنه دعا الأنصار فجمعهم بعد افتراقهم، أو أنه فرقهم بعد هذا الاجتماع بذى ¬

_ (¬1) هذه الرواية ليست فى صحيح مسلم. (¬2) البخارى، ك المغازى، ب أين ركز النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراية يوم الفتح 5/ 186.

شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلا قَتَلَهُ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا. قَالَ: فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ. ثُمَّ قَالَ: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِى سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ "، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فى قَرْيَتِهِ، وَرَأفَةٌ بَعَشِيرَتِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَجَاءَ الوَحْىُ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ الوَحْىُ لا يَخْفَى عَلَيْنَا، فَإِذَا جَاءَ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَنْقَضِىَ الوَحْىُ. فَلَمَّا انْقَضَى الوَحْىُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ " قَالُوا: لَبَّيْكَ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِى قَرْيَتِهِ ". قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَاكَ. قَالَ: " كَلا، إِنِّى عَبْدُ الله وَرسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ ". فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: وَاللهِ، مَا قُلْنَا الَّذِى قُلْنَا إِلا الضِّنَّ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ ". قَالَ: فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى دَارِ أَبِى سُفْيَانَ، وَأَغْلَقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ. قَالَ: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى الحَجَرِ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْت. قَالَ: فَأَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ البَيْتِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ، قَالَ: وَفِى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْس، وَهُوَ آخِذٌ بِسيَةِ القَوْسِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعُنُهُ فِى عَيْنِهِ وَيَقُول: " جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ "، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلا عَلَيْهِ، حَتَّى نَظَرَ إِلَى البَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ. 85 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى الحَدِيثِ: ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى: " احْصُدُوهُمْ حَصْدًا ". وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: قَالُوا: قُلْنَا: ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَمَا اسْمِى إِذًا؟ كَلا إِنِّى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ طوى، على ما جاء فى السير. فوجه بعضهم من أسفلها وبعضهم من أعلاها - والله أعلم (¬1). وقوله: " وَوَبَّشت قريش أوباشاً لها " بشد الباء، قال الإمام: أى جمعت جموعاً من قبائل شتى، وهم الأوباش والأوشاب. ¬

_ (¬1) انظر: البداية والنهاية 4/ 289 وما بعدها.

86 - (...) حدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ - وَفِينَا أَبُو هُرَيْرَةَ - فَكَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَصْنَعُ طَعَامًا يَوْمًا لأَصْحَابِهِ. فَكَانَتْ نَوْبَتِى. فَقُلْتُ: يَا أَبَا هَرَيْرَةَ، اليَوْمُ نَوْبَتِى. فَجَاؤُواَ إِلَى المَنْزِلِ، وَلَمْ يُدْرِكْ طَعَامُنَا. فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدْرِكَ طَعَامُنَا. فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفَتْحِ، فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ عَلَى المُجَنِّبَةِ اليُمْنَى، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى المُجَنِّبَةِ اليُسْرَى، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى البَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الوَادِى. فَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، ادْعُ لِىَ الأَنْصَارَ "، فَدَعَوْتُهُمْ، فَجَاؤُوا يُهَرْوِلُونَ. فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشِ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: " انْظُرُوا، إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصِدُوهُمْ حَصْدًا "، وَأَخْفَى بيدهِ، وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَقَالَ: " مَوْعِدُكُمْ الصَّفَا ". قَالَ: فَمَا أَشْرَفَ يَوْمئِذٍ لَهُمْ أَحَدٌ إِلا أَنَامُوهُ. قَالَ. وَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفَا، وَجَاءَتِ الأَنْصَارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احصدوهم حصداً " وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله: يحاكى صفة الحصد والقطع باليد اليمنى لما قبضت عليه بالشمال، يريد قتلهم واستئصالهم. ومعنى " أخفى ": استأصل، كذا روايتنا، وروى بعضهم: " وأكفى بيده " (¬1) أى مال. قال الإمام: يقال: حصدت الشىء والقوم بالسيف حصداً وحصاداً، وحصد الأمر والحبل: صار وثيقاً محكماً، وأحصد الشىء: حان حصاده. قال القاضى: وقوله: " موعدكم الصفا " لخالد بن الوليد ومن معه من الذين أخذوا من السفلة فى بطن الوادى، وأخذ هو ومن معه على أعلى مكة. وقوله: " فما أشرف لهم أحد إلا أناموه ": أى ما ظهر لهم إلا قتلوه، فوقع إلى الأرض كالنائم وقد يكون بمعنى أسكتوه، وقطعوا حينئذ بقتله. يقال: قامت الريح وأسكتت، كما قالوا: ضربه حتى سكت، أى مات. قال الإمام: يقال: نامت الشاة وغيرها: إذا ماتت، ونامت السوق: كسدت. وقال الفراء: النائمة الميتة، وفى حديث على - رضى الله عنه - فى قتال الخوارج -: " إذا أتيتموهم فأنيموهم " أى اقتلوهم (¬2). ¬

_ (¬1) لم نعثر عليها فى صحيح مسلم. (¬2) انظر: كتاب الزكاة، باب التحريض على قتل الخوارج بلفظ: " إذا لقيتموهم فاقتلوهم " برقم (1066).

فَأَطَافُوا بِالصَّفَا. فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِى سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله:" وما أحد يوجه إلينا شيئاً ": أى يدفع عن نفسه. وقول أبى سفيان: " أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم ": كذا جاء فى حديث شيبان بن فروخ، وفى حديث الدارمى: " أبيدت " وكلاهما بمعنى متقارب، أى استؤصلوا. وأبيدت " بمعنى فنيت. و " خضراء قريش " كناية عن جماعتهم، ويعبر عن الجماعة المجتمعة بالسواد والخضرة؛ ولهذا قالوا: السواد الأعظم. ويقال فى مثل هذا: " غضراؤهم " أيضاً، وهم بمعنى الأول، أى استؤصلوا. والصلة من الغضارة، وهو الجيش النائم، وكذلك غضارة الشباب. قال الإمام: قال الهروى: أباد الله خضراءهم: أى جماعتهم. وقال ابن الأعرابى: معناه: أباد الله سوادهم. قال ابن الأنبارى: سواد القوم معظمهم. قال ابن الأعرابى: الخضرة عند العرب السواد، يقال لليل: أخضر؛ لسواده. وأنشد: يا ناقُ خبى خبباً زِورَّا ... وعارضى الليل إذا ما اخضرَّا ويقال: أباد الله خضراءهم: أى حصدهم وشعثهم. قال النابغة: يصونون أبداناً قديماً نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب قال الإمام: اختلف الناس فى فتح مكة، هل كان صلحاً أو عنوة؟ فذهب مالك وجمهور الفقهاء وأهل السير: أنها عنوة، وقال الشافعى: بل هى صلح (¬1)، وانفرد بهذا المذهب. ودليل الجماعة عليه قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (¬2)، ومثل هذا اللفظ لا يستعمل فى الصلح وإنما يستعمل فى الغلبة والقهر. وقولهم: إن ذلك إنما أراد به صلح الحديبية؛ لما ذكره مسلم فى قصة الحديبية، قال: فنزل القرآن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفتح، فأرسل إلى عمر - رضى الله عنه - فاقرأه إياه، فقال: يا رسول الله، أفتح هو؟ قال:" نعم "، لا يصح لأن هذه الآية إنما نزلت والمراد بها فتح مكة. وهذا الحديث يؤكد ما قلناه؛ لأنه قال فيه: " إذا لقيتموهم غداً أن تحصدوهم حصداً "، وهذا أمر بقتلهم. ولا يكون ذلك إلا مع العنوة. وقد اغتروا بقوله: " إذا لقيتموهم غداً "، وظنوا أن هذا القول كان منه قبل الفتح بيوم، ثم وقع الصلح فى غده. هذا غير صحيح؛ لأنه قال: " فما أشرف لهم يومئذ أحد إلا أناموه "، وقال ¬

_ (¬1) انظر: القرطبى 15/ 126، أحكام القرآن للجصاص 3/ 393، التمهيد 2/ 160. (¬2) الفتح: 1.

أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ "، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِى قَرْيَتِهِ. وَنَزَلَ الوَحْىُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " قُلْتُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو سفيان: " أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم " وهذا يدل على القتال، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن "، فلو كانوا كلهم آمنين لم يحتج إلى هذا. وهذا كله واضح فى هذا الحديث دال على فساد ما قال الشافعى. وتأويلهم: أنه إنما أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل من لم يقبل أمانه، وأن المعاقدة على ذلك كانت دعوى، وإضافة إلى الحديث ما ليس منه، وكيف تتفق المعاقدة على مثل هذا. ومن آكدِ أيضاً ما يدل على ما قلناه: حديث أم هانئ (¬1) وقد ذكر فيه أنَّ علياً - رضى الله عنه - أراد أن يقتل الرجلين (¬2)، وأنها أجازت، وأمضى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوارها، فكيف يدخل مكة صلحاً ويخفى ذلك عن على - رضى الله عنه - حتى يحاول قتل الرجلين؟ وكيف يحتاج أحد إلى أمان أم هانئ وهو آمن بالصلح؟ وقد تقدم حديث أم هانئ. وإنما شبه على القوم لأجل أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستبح أموالها، ولا قسمها بين الغانمين. فلما رأى الشافعى هذا وخروجه عن الأصل اعتقد أنه صلح. وهذا لا تعلق له فيه؛ لأن الغنيمة لا يملكها الغانمون بنفس القتال على قول كثير من أصحابنا، وللإمام أن يخرجها عن الغانمين ويمن على الأسرى بأنفسهم وحريمهم وأموالهم، وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى من المصلحة بعد إثخانهم والاستيلاء عليهم، أن يبقيهم لحرمة العشيرة وحرمة البلد، وما رَجَى من إسلامهم وتكثير عدد المسلمين بهم، فلايرد ما قدمناه من الأدلة الواضحة بمثل هذا المحتمل. وقد قال بعض العلماء: يمنع من بيع بيوتها لقول الله عز وجل: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد} (¬3). وقد حكى منع بيعها وكراء دورها عن مالك، وذكر أبو جعفر الأبهرى عنه أنه كره بيعها وكراءها، فإن بيعت أو أكريت لم يفسخ. وكان بعض شيوخنا يستقرى من المدونة الجواز من قوله فى فض الكراء إذا انهارت البئر: إنه يُفض، قال فى مثل دور مكة فى نفاقها أيام الموسم. وقد اختلف هل من بها على أهلها أو اْقرت للمسلمين فعلى القول بأنه مَنَّ بها على أهلها يجب الجواز، وقد تقع الكراهة حرصاً على المواساة وندباً إليها؛ لشدة حاجة الناس وضرورتهم، ومراعاة للخلاف. وذكر ابن عباس - رضى الله عنه - عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " مكة كلها مباح، لا تباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها ". قال القاضى: تقدم الكلام فى دور مكة فى كتاب الحج، وأما أمرها فى العنوة أو ¬

_ (¬1) سبق فى ك صلاة المسافرين وقصرها، ب استحباب صلاة الضحى. (¬2) فى الأصل: رجلين، والمثبت من ع. (¬3) الحج: 25.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلح فمضى فيه الآن كفاية، لكن ذهب بعض العلماء إلى جمع هذه المذاهب والآثار، واختصار مكة بكة لم يختص به غيرها، فقال أبو عبيد: افتتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة ومنَّ على أهلها وردها ولم يقسمها، ولم يجعل شيئاً منها غنيمة [ولا فيئاً] (¬1)، فرأى بعضهم أن ذلك جائز له ولغيره من الأئمة. قال: والذى أرى أنه خاص له فى مكة وليس ذلك لغيره فى غيرها أو مكة لا يشبهها شىء من البلاد، ولأن الله - سبحانه - خص رسوله من الأنفال بما لم يخص به غيره. وأنكر بعضهم قول أبى عبيد هذا وقول أبى يوسف: عفا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مكة وأهلها ولم يجعل شيئاً منها فيئاً. وقال أصحاب الشافعى أراد الشافعى بقوله: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة صلحاً، أى فعل فيها فعله فيمن صالحه فملكه نفسه وأرضه وماله؛ لأنه لم يدخلها إلا بعد أن أمن أهلها كلهم، وهذا من قول أصحابه اعتذار عن قوله الذى انفرد به، وميل إلى قول الجماعة من أن افتتاحها عنوة، وإنما من عليهم وعفا وملكهم أموالهم. قال بعضهم: والصحيح أن مكة بلدة مؤمنة لم يجز فيها شىء من أحكام العنوة، ولا شىء. من أحكام الصلح فتتفق معانى المذاهب على هذا، وأن قول مالك والجمهور: دخلت عنوة، وأن هذا فى ابتداء أمرها، لأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيوشه بقتل من لقوه وقاتلهم، وندائه بالأمان لمن دخل المسجد وأغلق عليه بابه، إلا من استثناه، وصورة هذا كله صورة العنوة والقهر، لا أن حكم العنوة جرى فى أهلها وأرضها وأموالهم بمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم، وأن حالهم جرى فى هذا مجرى حال أهل الصلح لا أنهم عقدوا معه صلحاً؛ إذ لم يأت أثر فى شىء من هذا بمصالحتهم إياه، وبالله التوفيق. وقال أبو عبد الله بن أبى صفرة: انظر لما أسلم أهل مكة من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترك لهم أموالهم ولم ينزل فى شىء لمنه عليهم بها ونزل فى الوادى، ولما أبطأت هوازن بإسلامها قسم الفىء بين أصحابه، ثم وهبهم سبيهم على استطابة نفوس أصحابه؛ لأنه مال الله لا شىء للغانمين فيه إلا أن يقسمه عليهم. وفيه الحجة لمذهب مالك. قال القاضى: وقول الأنصار: " والله ما قلنا الذى قلنا إلا الضن بالله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": بكسر الضاد، أى البخل إن يرحل عنا، قال الله تعالى: {وَمَا هُو عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِين} (¬2) فى قراءة من قرأه بالضاد، أى ببخيل. ومعناه هنا: محبة الاختصار به، والغيرة عليه أن يرجع إلى بلده. يقال: فلان ضنين من بين إخوانى، أى الذى اختص به، وأضن بمودته، ألا ترى قولهم: أدركته رغبة فى قربته ورأفة بعشيرته، وليس فى هذا ما يكون عليهم فيه إثم؛ إذ ليس فيه عيب للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نقص له، بل هو من مكارم أخلاق الأشراف الحنين للأوطان. فأجابهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه وإن كان ذلك من رأفته بعشيرته وبلدته ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬2) التكوير: 24.

أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِى قَرْيَتِهِ، أَلا فَمَا اسْمِى إِذًا - ثَلاثَ مَرَّات - أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ، فَالمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ ". قَالُوا: وَاللهِ مَا قُلْنَا إِلا ضِنا بِاللهِ وَرسُولِهِ. قَالَ: " فَإِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصْدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه لا يفارقهم؛ " المحيا محياكم، والممات مماتكم ". وبكاؤهم فرحاً بما قاله لهم، وخجلاً لما بلغه من ظنهم به (¬1) غير ذلك. وقوله - لما اعترفوا له بقوله -: " فما اسمى إذاً ": يحتمل معنيين؛ أحدهما: أنى نبى، لإعلامه إياهم بما تحدثوا به بينهم، بدليل قوله بعده: " كلا إنى عبد الله ورسوله "، والآخر: أى كان فعلى لا يطابق اسمى من مفارقتكم، وترك الوفاء لكم والرجوع إلى قومى، إما لأن هذا غير مطابق معنى الحمد لله الذى اشتق منه اسمى، وأن هذا من فعلى كان يوصف بغير وصف الحميد من الأخلاق، أو لأن اسمى كان ينتقل إلى غيره من أوصاف الغدر وقلة الوفاء لو فعلت ذلك. وقوله: " فأقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت " فيه السنة بالبداية - لمن دخل مكة - أن يكون أول ابتدائه استلام الحجر والطواف بالبيت. وقد تقدم هذا فى كتاب الحج، والاختلاف فى دخول مكة بغير إحرام ولغير الحج والعمرة لمن لا يتردد عليها دائماً مستوعباً. ولم يختلف فى دخول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة أنه كان حلالاً بدخوله والمغفر على رأسه، ولأنه دخلها محارباً حاملاً للسلاح هو وأصحابه. ولم يختلفوا فى تخصيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك. ولم يختلفوا فى أنه من دخلها لحرب بعده أو بقى أنه لا يحل له دخولها حلالاً. ¬

_ (¬1) فى س: فيه.

(32) باب إزالة الأصنام من حول الكعبة

(32) باب إزالة الأصنام من حول الكعبة 87 - (1781) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ بِيَدِهِ، وَيَقُول: " {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (¬1)، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيد} (¬2) " زَادَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: يَوْمَ الفَتْحِ. (...) وحدَّثناه حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: {زَهُوقًا}. وَلَمْ يَذْكُرِ الآيَةَ الأُخْرَى. وَقَالَ: بَدَل " نُصُبًا ": " صَنَمًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأتى صنماً إلى جانب البيت كانوا يعبدونه "، وأنه طعنه بسية قوسه، وهو معنى قوله فى الحديث الآخر فى النصب: " فجعل يطعنها بعود فى يده ". وسية الجيوش بكسر السين وفتح الياء، ما عطف من طرفها. ¬

_ (¬1) الإسراء: 81. (¬2) سبأ: 49.

(33) باب لا يقتل قرشى صبرا بعد الفتح

(33) باب لا يقتل قرشىٌّ صبراً بعد الفتح 88 - (1782) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَوَكِيعٌ، عَنْ زِكْرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ -: " لا يُقْتَلُ قُرَشِىٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا اليَوْمِ، إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ". 89 - (...) حدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكْرِيَّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ أَحَدٌ مِنْ عُصَاةِ قُرَيْشٍ، غَيْرَ مُطِيعٍ. كَانَ اسْمُهُ العَاصِى، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطِيعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقتل قرشى صبراً بعد اليوم إلى يوم القيامة ": إعلام منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بانهم سيسلمون كلهم كما كان، وأنهم لا يرتدون بعده كما ارتد غيرهم ممن حورب وقتل صبراً. ولم يرد أنهم يقتلون ظلماً صبراً وغير صبر، فقد جرى على قريش بعد ذلك ما هو معلوم. وقوله: " لم يكن أسلم من عصاة قريش غير مطيع بن الأسود كان اسمه العاص فسماه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطيعاً ": عصاة هنا - جمع العاص - من الأسماء لا من الصفات، أى لم يسلم ممن كان اسمه العاص؛ مثل العاص بن وائل السهمى، والعاص بن هشام أبو البخترى، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية، والعاص بن هشام بن المغيرة المخزومى، والعاص بن منبه بن الحجاج وغيرهم، سوى العاص بن الأسود العدوى فغير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسمه فسماه مطيعاً، وإلا فقد أسلم عصاة قريش وعتاتهم كلهم بحمد الله، لكنه قد ذكر أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو - وهو ممن أسلم واسمه أيضاً العاص. فإذا صح أيحتمل أن هذا لما غلبت عليه كنيته وجهل اسمه لم يعرفه المخبر، فلم يستثنه كما استثنى مطيع بن الأسود.

(34) باب صلح الحديبية فى الحديبية

(34) باب صلح الحديبية فى الحديبية 90 - (1783) حدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاء بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَتَبَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكينَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَة. فَكَتَبَ: " هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحُمَّدٌ رَسُولُ اللهِ "، فَقَالُوا: لا تَكْتُبْ: رَسُولُ اللهِ فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، لَمْ نقَاتِلْكَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِىٍّ: " امْحُهُ "، فَقَالَ: مَا أَنَا بِالَّذِى أَمْحَاهُ. فَمحَاهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. قَالَ: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا: أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلاثًا، وَلا يَدْخُلُهَا بِسِلاحٍ، إِلا جُلُبَّانَ السَّلاحِ. قلْتُ لأَبِى إِسْحَاقَ: وَمَاجُلُبَّانُ السِّلاحِ؟ قَالَ: الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى أحاديث الحديبية فى الصلح الذى كان بين النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين المشركين وكتب على - رضى الله عنه - " هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وفى الرواية الأخرى: " هذا ما قاضى عليه "، فَقالوا: لا تكتب: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، وفى الآخر: ولكن اكتب محمد بن [عبد المطلب] (¬1) فقال لعلى: " امحه " فقال: ما أنا بالذى أمحاه، فمحاه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، قال: وفى الرواية الأخرى: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرنى مكانها " فمحاها، وكتب: " ابن عبد الله "، وفى الرواية الأخرى: فقال لعلى: " اكتب من محمد بن عبد الله ": معنى " قاضى ": أى فاصل، وأمضيا أمرهما عليه وأتماه، ومنه: قضاء القاضى، أى فصل الحكم وأمضاه؛ ولذلك سميت عام المقاضاة لما كان فيها، وسميت عمرة القضية لذلك وعمرة القضاء أيضاً، وليس كما يظن من لا يعلم أنها سميت بذلك لقضاء العمرة التى صد عنها؛ إذ لا يلزم قضاء ما صد عنه من ذلك، إلا أن يريد أنها لما كانت عوضاً عنها وبإثرها كانت كأنها قضاء عنها. قال الإمام: أنكر بعض المتاخرين أن يقال فى افتتاح الوثاثق: هذا ما اشترى فلان، وهذا ما أصدق فلان، وشبه ذلك هروباً من أن يدل ذلك على الجحد والنفى، وهذا الحديث حجة عليهم [لأنه كتب باللفظ الذى كرهوه، فقال: " هذا ما كاتب "] (¬2). قال القاضى: وفيه حجة - أيضاً - على أنه يكتفى بالاسم المشهور وإن اقتصر عليه، ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل، وفى س - مثل ما فى المطبوع -: عبد الله. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

91 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ. قَالَ: سَمِعْتُ الْبَراءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، كَتَبَ عَلِىٌّ كِتَابًا بَيْنَهُمْ. قَالَ: فَكَتَبَ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ". ثُمَّ ذَكَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مُعَاَذٍ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِى الْحَدِيثِ: " هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ خلافاً لمن ذهب إليه من الموثقين من أنه لابد من أربع؛ اسم المذكور، وأبيه، وجده، ونسبه. قال الإمام: فى هذا الحديث دلالة على أن للإمام أن يعقد الصلح على ما يراه صلاحًا للمسلمين، وإن كان يظهر فى بادئ الرأى أن فيه ما ظاهره اهتضام للحق؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محا اسمه وعاقدهم - على ما ذكر مسلم - فيمن جاء منهم إلينا ومنا إليهم. وقد قال عمر - رضى الله عنه -: يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: " بلى "، قال: أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار؟ قال: " بلى "، قال: فلم نعطى الدنية فى ديننا؟ الحديث. ومذهبنا أنه إذا عاقد الإمام على الرد لمن جاء مسلماً ينفذ عقده فى الرجال دون النساء، لقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار} (¬1)، ولكن اختلف الناس إذا طلب زوجته التى جاءت مسلمة، هل يعاض عنها الصداق الذى كان أعطاها؟ فقال بعض الناس: يعاض عنها لقوله عز وجل: {وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا} (¬2). وقال بعضهم: لا يعاض عنها، والآية منسوخة. وقال بعض العلماء: إن منع رد النساء بالقرآن نسخ لما تقدم من السنة وفيه نسخ السنة القرآن وفى ذلك خلاف بين أهل الأصول (¬3). قال القاضى: قد قيل: إن هذا ليس فيه نسخ ولا معارضة بين الكتاب والسنة؛ لأن الشرط إنما كان على رد الرجال دون النساء، وكذا جاء مبيناً فى بعض طرق هذا الحديث - فى صحيح البخارى فى كتاب الشروط -: " ولا يأتيك منا رجل وهو على دينك إلا رددته إلينا " (¬4) ألا ترى أن فى هذا الحديث نفسه - فى غير مسلم - أنهم أخرجوا معهم بنت حمزة من العام المقبل، وفى جملة الحديث: " ولا يخرج من أهلها بأحد ". وذهب أهل الكوفة إلى أن الصلح ومهادنة الكفار على رد من جاء منهم مسلماً رجلاً كان أو امرأة لا يجوز، وأنه منسوخ بآية النساء، خلاف ما ذهب إليه مالك. وحكى أصحاب الشافعى أن ذلك يجوز فى الرجال إذا كانوا مأمونين على ذمتهم وإلا لم يجز، وحكى مكى فى كتاب الناسخ والمنسوخ مجملاً: أنه لا يجوز أن يهادن المشركون اليوم على شىء من هذه الشروط، [وإنما هو السيف أو الإيمان أو الصلح على غير شىء من هذه الشروط] (¬5) التى لا يجوز فى الدين، وأما مع أهل الكتاب والمجوس فجائز، قال: وقيل: ¬

_ (¬1) و (¬2) الممتحنة: 10. (¬3) انظر: أحكام القرآن للقرطبى 18/ 60، أحكام القرآن للجصاص 3/ 437. (¬4) البخارى، ك الشروط، ب الشروط فى الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 3/ 252 وما بعدها. (¬5) سقط من س، واستدرك فى الهامش.

92 - (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِىُّ، جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ - وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ - أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ البَيْتِ، صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَها فَيُقِيمَ بِهَا ثَلاثًا، وَلا يَدْخُلَهَا إِلا بِجُلُبَّانِ السِّلاحِ - السَّيْفِ وَقِرَابِهِ - وَلا يَخْرُجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إن قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} (¬1) ناسخ للهدنة بيننا وبينهم، وقال فى أهل الكتاب: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة} (¬2)، فيه نفى حكم الهدنة معهم. وقال ابن زيد: نسخت كلها بسورة براءة، ونفذ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كل ذى عهد عهده، وأن يقتلوا حيث وجدوا، ويقتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، ونحوه لقتادة. وقيل: إنما فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك مع الضرورة وضعف الإيمان ورجاء الصلاح لهم. فيه - كما تقدم - أنه إنما ردهم لأبائهم وعشائرهم وأمن إهلاكهم وقتلهم لعطفهم عليهم، ليس فى ذلك إلا إمساكهم وخوف الفتنة عليهم، وقد عزرنا الله - سبحانه - وأباح لنا التقية بإظهار كلمة الكفر مع إضمار الإيمان، فلم يكن فى ردهم إهلاكهم، ولا ردهم من الإيمان إلى الكفر (¬3). وقد جاء فى الحديث ما دل على ثقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلاح حالهم وسلامتهم بقوله: " سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ". وأما إمساكهم من صار إليهم منا فلا إشكال فيه لأنه كافر مثلهم، وقد بينه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: " ومن ذهب منا إليهم فابعده الله ". وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى - رضى الله عنه - لما أمره يمحو " رسول الله " فقال: لا، والله لا أمحاها: " أرنى مكانها " فأراه فمحاها، وكتب، لم يكن من على - رضى الله عنه - خلافاً لأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن أدباً أن يمحى وصفه الكريم من النبوة، ومساعدة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشركين فى ذلك غير ضار؛ إذ علم قيام الحجة عليهم بذلك فيما يكتبونه على أنفسهم من ذلك، وأنه كالإقرار والاعتراف، ومثل هذا إذا احتيج إليه للضرورة صنع، إذا لا يلزم من لا يعتقد شيئاً أن يقوله. ومثله منعهم - فيما ذكره مسلم - بعد لما كتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فى ذلك، وأنهم لا يعرفون ما الرحمن الرحيم، ولكن اكتب ما نعرف: " باسمك اللهم "، فساعدهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك؛ رغبة فى تمام الصلح، الذى أثمر بعد ذلك الظهور التام والغلبة، ومعنى التسميتين واحد؛ لأنه راجع كله إلى اسم الله - سبحانه. وقد تقدم ¬

_ (¬1) التوبة: 5. (¬2) التوبة: 29. (¬3) ولا تكون التقية فى كل موضع وحال حيث ذكر الجصاص - رحمه الله - ونبه إلى مذهب ابن أبى ليلى فى قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوكُم أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]، فى أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية فى إظهار الكفر. انظر: أحكام القرآن للجصاص 3/ 436.

بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلا يَمْنَعَ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ. قَالَ لِعَلِىٍّ: " اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا مَا قَاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ "، فَقَالَ لَهُ المُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا، فَقَالَ عَلِىٌّ: لا. وَاللهِ، لا أَمْحَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَرِنِى مَكَانَهَا "، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام على معنى " اللهم " وقول من قال معناها: بالله أمنا بخيرك واقصدنا، فذكر بعض الحروف اختصاراً، فإنما ساعدهم على مخالفة القادتين منه ومنهم لا فيما اختلف من جهة المعنى لا لبس فى ترك وصفه بالنبوة نفياً لها عنه، ولا فى ترك بعض صفات الله تعالى نفياً لها عنه، وإنما الذى لا يجوز لو طالبوهم أن يكتب لهم ما لا يحل قوله واعتقاده للمسلمين؛ من ذكر اكهتهم وشركهم. وقد قيل: إن حرص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا للصلح وتمامه بكل حال، إنما كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فهم عن ربه - عز وجل - من إرادته ذلك لخلاء ناقته به. وقوله: " حبسها حابس الفيل ": يريد أمر الله ومراده. وقد يحتج بما تقدم أن النصارى والمجوس لا يلزمون الحلف فى الحقوق بالله الذى لا إله إلا هو، وفيها خلاف عندنا فى المذهب، واختلاف فى التأويل على مراده فى المدونة بقوله: " لا يحلفون إلا بالله ". وقوله فى رواية زكرياء عن أبى إسحاق عن البراء: " فمحاها وكتب: ابن عبد الله ": احتج بهذا اللفظ بعض الناس على أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب ذلك بيده على ظاهر هذا اللفظ، ونحوه منه ذكره البخارى من رواية إسرائيل عن أبى إسحاق، وقال: " فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكتاب فكتب " وزاد عنه من طريق آخر ولا يحسن أن يكتب فكتب، وقال هؤلاء فإن الله - سبحانه - أجرى على يديه ذلك إما بأن كتب ذلك القلم فى يده وهو غير عالم بما يكتب، أو أن الله - سبحانه - علمه ذلك حينئذ حتى كتب، وجعل هذا زيادة فى معجزته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كان أمياً، فكما علمه ما لم يعلم من العلم وجعله قرأ ما لم يقرأ، وتلا ما لم يتل، فكذلك علمه أن يكتب ما لم يكتب، وخط ما لم يخط بعد النبوة وأجرى ذلك على يديه، وأن هذا لا يقدح فى وصفه بالأمية، واحتجوا بأقوال حاتم عن الشعبى وبعض السلفيين، هذا وإن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت حتى كتب. وإلى جواز ذلك ذهب الباجى وحكاه عن الشيبانى وأبى ذر وغيرهما. وذهب الأكثر إلى منع هذا جملة، أن وصفه الله تعالى بالأمية وقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك} (¬1)، وقوله عليه السلام: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " (¬2) يرده. وزعم هؤلاء أن كتابه هذا وإن صورناه معجزة لو صح يبطل ¬

_ (¬1) العنكبوت: 48. (¬2) البخارى، ك الصوم، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكتب ولا نحسب " 3/ 35، مسلم، ك الصيام، ب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال 2/ 15، أحمد 2/ 43، 52.

فَأَرَاهُ مَكَانَهَا. فَمَحَاهَا، وَكَتَبَ: " ابْنُ عَبْدِ اللهِ "، فَأَقَامَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ يَوْمُ الثالِثِ قَالُوا لِعَلِىّ: هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ، فَأمُرْهُ فَلْيَخْرُجْ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: " نَعَمْ "، فَخَرجَ وَقَالَ ابْنُ جَنَابٍ فِى رِوَايَتِهِ مَكَانَ " تَابَعْنَاكَ ": " بَايَعْنَاكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ معجزته بالأمية، وأن لفظ " كتاب " يحتمل أن يرجع إلى أمره بذلك؛ إذ يقال: قتل الأمير، وقطع السارق، وإنما أمر به، واحتجوا بالرواية الأخرى: فقال لعلى - رضى الله عنه -: " اكتب: من محمد بن عبد الله "، والأولون يقولون: إنما وصفه الله - سبحانه - بأنه لم يتل ولم يخط من قبل تعليمه، كما قال من قبله، فكما جاز أن يتلو فكذلك جاز أن يخط، ولا يقدح هذا فى كونه أمياً؛ إذ ليست المعجزة مجرد كونه أمياً، وإنما المعجزة أن كان أولاً كذلك ثم جاء بعلوم لا يعلمها الأميون ولم يقدح ذلك فى حالته، فكذلك يجوز أن يكون بخط فلا يقدح فيه، بل يكون تأكيداً فى معجزته. قالوا: وظاهر قوله: " ولا يحسن أن يكتب فكتب " كالنص أنه هو بنفسه كتب، وعدوله إلى غيره تجوز فى الكلام، وحمل على ما لم يفهم منه لغير ضرورة. وطال كلام كل فرقة فى هذا الباب وشنعت كل واحدة على صاحبتها، {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا} (¬1). وقوله فى الشرط: " أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثاً ": وذلك أن المهاجر لا تحل له الإقامة بمكة أكثر من ثلاث، وهذا أصل فى مدة الإقامة فى تقصير الصلاة فى السفر أنها فيما زاد على الثلاث (¬2)، وأن الثلاث غير إقامة. وهذا الشرط إنما كان من العام القابل، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير بدنه وتحلل. وهذا الحديث أصل فى تفسير قوله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي} (¬3)، وقد تقدم فى الحج بيانه، ومعنى الكلام هناك على معنى " حصر " و " أحصر ". واختلفت رواية مسلم هنا، فعند أكثرهم: " لما حصر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وعند السمرقندى: " [لما] (¬4) أحصر ". وقوله: " لما أحصر عند البيت ": كذا فى جميع النسخ، وفى رواية ابن الحذاء: " عن البيت " وهو الوجه. قال الإمام: وقوله: " ولا يدخلها إلا بجُلُبَّان السلاح: السيف وقرابه ": قال الأزهرى: القراب: غمد السيف، والجلبان: شبه (¬5) الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمود، فيطرح فيه الراكب سوطه وأداته، ويعلقه من آخرة الرحل أو واسطته. و [قد] (¬6) قال شمر: كان اشتقاق الجلبان من الجلبة، وهى الجلدة التى تجعل على القتب، والجلدة التى تغش التميمة لأنها كالغشاء للقراب، يقال: أجلب قتبه: إذا غشاه الجلبة. وروى ابن قتيبة فى هذا الحرف: " جلُبَّان " بضم اللام وتشديد الباء، والجلبان: أوعية السلاح بما ¬

_ (¬1) الإسراء: 84. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) البقرة: 196. (¬4) ساقطة من س. (¬5) فى س: مثل، والمثبت من الأصل، ع. (¬6) زائدة فى الأصل.

93 - (1784) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِىٍّ: " اكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا بِاسْمِ اللهِ، فَمَا نَدْرِى مَا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَكِن اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ: " اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ". قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لاتَّبَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ "، فَاشْتَرَطُوا علَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها، قال: ولا أراه يسمى به إلا لجفائه، ولذلك قيل للمرأة الجافية الغليظة: جلبانة. قال الهروى: والقول ما قال الأزهرى وشمر. قال القاضى: وفائدة اشتراطهم ألا يدخلوا إلا بالسلاح فى القرب لوجهين: أحدهما: ألا يظهروا عليهم دخول المحاربين الغالبين المشهرين (¬1) السلاح من تنكب القسى، واعتقال القنا، وتقليد السيوف، ولكن بزى الأمن والمهادنة والسفر. والثانى (¬2): فإن كون السلاح فى القرب أمن التقلد بها وحبسها فى الأيدى؛ لسرعة السلت والمبادرة بها لأول هيشة وهيعة. وفى هذا الحديث على الجملة: جواز مصالحة الكفار لما فيه من مصلحة المسلمين ومهادنتهم. ولم يختلفوا إذا دعت إلى ذلك ضرورة، إذ يكون على غير شىء أو على مال يأخذه منهم، فإن لم تدع إلى ذلك ضرورة ولم يكن فى العدو قوة إلا لما بذلوه من أموالهم (¬3) فأجاز ذلك جماعة، منهم الأوزاعى وغيره. ومنع ذلك مالك وأصحابه وعلماء أهل المدينة وغيرهم؛ لما فيه من ضيعة الثغور تلك المدة، وأن المسلمين بمغاوراتهم وجيوشهم قد ينالوا منهم اكثر من ذلك غالباً، وإنما صالح النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل مكة لقلة أهل الإسلام حيئنذ. واختلف العلماء فى أمدها فمالك يرى ذلك مفوضًا إلى اجتهاد الإمام، ولا حد له من القلة والكثرة، إلا لما يراه مصلحة لهم. والشافعى يحد أكثرها بعشرة أعوام لا يكون أكثر؛ ¬

_ (¬1) فى س: الشاهرين. (¬2) فى الأصل: أيضاً، والمثبت من الأبى. (¬3) فى س: المال.

94 - (1785) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهمُوا أَنْفُسَكُمْ، لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، وَذَلِكَ فِى الصُّلْحِ الَّذِى كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ. فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: " بَلَى ". قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلانَا فِى الْجَنَّةِ وَقَتْلاهُمْ فِى النَّارِ؟ قَالَ: " بَلَى ". قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِى دِينِنَا، وَنَرجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: " يَابْنَ الْخَطَّابِ، إِنِّى رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِى اللهُ أَبَدًا ". قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلانَا فِى الْجَنَّةِ وَقَتْلاهُمْ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه الأمد الذى عاقد عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل مكة. وقيل: إنما كان عاقدهم على ثلاث سنين. وقيل: على أربع. فأما على ما يؤخذ من الكفار فجائز ما كان من مال أو روس من أحرارهم أو عبيدهم، وإن كانت مما يغيرون به ويأخذونه من غيرهم، وهو قول الأوزاعى وأحمد وإسحاق واختلف إذا كان من أبنائهم ونسائهم، فمنعه أبو حنيفة قال: لأن الصلح وقع عليهم وعلى ذراريهم، وأجازه أصحاب مالك إذا كتبوا ذلك فى شرط عهدهم، فإن لم يكتبوه فلا يجوز: ولهؤلاء من العهد ما لرجالهم، ونحوه عن مالك. واختلف إذا دعت ضرورة لشغل المسلمين بفتنة، أو غدر آخر، أو خوف استيلاء العدو عليهم، هل يصالحونه على أن يعطيهم المسلمون مالاً؟ فأجاز ذلك الأوزاعى، ومنعه الشافعى إلا أن يخافوا استئصال العدو لهم (¬1). وقول سهل بن حنيف يوم صفين: " اتهموا أنفسكم " وذكر كراهة المسلمين صلح الحديبية: يريد سهل بن حنيف بتبصير الناس ما فى الصلح من الخير، وأنه قد يدل - وإن كان ظاهره مكروهاً - إلى المحبوب، كما كان فى شأن الحديبية، وإنما كان ذلك لما ظهر فى أصحاب على - رضى الله عنه - من كراهة شأن التحكيم ومراوضة الصلح، وكان الظهور لهم حتى رفع لهم أهل الشام المصاحف ودعوهم إليها، ورغبوا فى المصالحة. وما كان مراجعة عمر - رضى الله عنه - النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شأن صلح الحديبية وما عظم على قلوب ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 2/ 34، 12/ 124، الحاوى الكبير 14/ 296، 297.

النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلامَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِى دِينِنَا، وَنَرجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا. قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَو فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: " نَعَمْ " فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ. 95 - (...) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ - بِصِفِّينَ -: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأيَكُمْ. وَاللهِ، لَقْد رَأَيْتُنِى يَوْمَ أَبِى جَنْدَلٍ وَلَوْ أَنِّى أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتُهُ. وَاللهِ، مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَواتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ قَطُّ، إِلا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ، إِلا أَمْرَكُمْ هَذَا. لَمْ يَذكُرِ ابْنُ نُمَيْرٍ: إِلَى أَمْرٍ قَطُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين منه وكرهوه، وما خالطهم من الحزن والكآبة، لرجوعهم دون تمام عمرتهم، وصد الكفار لهم عن البيت، وتثبطهم عن التحلل، رجاء تمام ما خرجوا عليه، وقهر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم على (¬1) الصلح، وكانوا متبصرين في قتال عدوهم، وكان ذلك رأيهم، والله ورسوله أعلم بمصلحتهم ولهذا قال عمر - رضى الله عنه -: " علام نعطى الدنية فى ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ ". والدنية: النقيصة والحالة الخسيسة. والدنى بغير هاء: الخسيس من كل شىء، ومنه قوله: المنية ولا الدنية (¬2)، أى ولا الحالة التى توجب على الإنسان ذلاً وخساسة. وجواب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما جاوبه به من تثبته ووعده الفتح الذى كان من خيبر ثم من مكة، ولم يكن ما كان من عمر - رضى الله عنه - وسؤاله له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما سأله [عنه] (¬3) شكاً [من عمر] (¬4) ولا ريباً، بل كشفاً لما خفى عنه من ذلك، وحثاً على إذلال الكفر، وحرصاً على ظهور المسلمين، بما كان عليه من القوة والعزة فى دين الله. وموافقة جواب أبى بكر لما جاوبه به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دليل على فضل علمه وإيمانه، وقوة يقينه على سائرهم. وقوله.: " ما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا ": أى يشق علينا ويعظم. وقوله: " إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه ": استعارة بنزول السهل من الأرض، والخروج إلى السعة من الضيق، وإلى اللين من الشدة. ¬

_ (¬1) فى الأصل: عن، والمثبت من س. (¬2) وهذا مثل شائع على الألسنة. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من س.

(...) وحدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمَا: إِلَى أَمْرٍ يُفْظِعُنَا. 96 - (...) وحدّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْف بِصِفِّينَ يَقُولُ: اتَّهِمُوا رَأيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتِنُى يَوْمَ أَبِى جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُد أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا فَتَحْنَا مِنْهُ فِى خُصْمٍ إِلا انْفَجَرَ عَلَيْنَا مِنْهُ خُصْمٌ. 97 - (1786) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عُرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ؛ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: لمَّا نَزلتْ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَوْزًا عَظِيمًا} (¬1) مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُمْ يُخَالِطُهُمُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ، وَقَدْ نَحَرَ الهَدْىَ بِالْحُدَيْبِيَةِ. فَقَالَ: " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَىَّ آيَةٌ هِىَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا ". (...) وحدّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إلا أمركم هذا ": يريد الفتنة مع أهل الشام. وقوله: " ما فتحنا منه من خُصم إلا انفجر علينا منه خُصم " بضم الخاء، قال الإمام: خصم كل شىء طرفه وناحيته، ومنه قيل للخصمين: خصمان، لأن كل واحد منهما يأخذ فى ناحية من الدعوى غير ناحية صاحبه. قال القاضى: كذا جاء هذا الكلام فى كتاب مسلم: " ما فتحنا منه من خصم إلا انفجر علينا منه خصم " وفيه وهم وتغيير في الكلام، وصوابه: " ماسددنا مكان فتحنا "، وكذا جاء فى البخارى (¬2) وغيره: " ما شذ منها خصم إلا انفجر علينا خصم " وبهذا ¬

_ (¬1) الفتح: 1 - 5. (¬2) البخارى، ك المغازى، ب غزوة الحديبية 5/ 164.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يستقيم الكلام، ويتقابل " انفجر " لـ " سددنا ". وأحسن معانى الخصم هنا أن يكون مأخوذاً من طرف الرواية [وهو الخصم، لقوله: " ما نسد "، ولقوله: " انفجر "، فشبهه بانفجار الماء من طرف الرواية] (¬1)، وكذلك خصم العدل طرف جانبه الذى يؤخذ به. ¬

_ (¬1) سقط من س، واستدرك فى الهامش.

(35) باب الوفاء بالعهد

(35) باب الوفاء بالعهد 98 - (1787) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ. قَالَ: مَا مَنَعنِى أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلا أَنِّى خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى، حُسَيْلٌ. قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشِ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلا الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلا نُقَاتِلُ مَعَهُ. فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: " انْصَرِفَا، نَفِى لَهُم بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول حذيفة: " خرجت أنا وأبى حُسيل " كذا صوابه مرفوعاً على البدل، وهو اسم اليمان والد حذيفة بن اليمان (¬1)، وهو رواية ابن أبى جعفر. وبعضهم رواه - الصدفى عن العذرى -: " حسراً " ورواه أبو بحر: " حسير " بالراء مكان " حسيل "، وكلاهما وهم، وإنما سمى اليمان لأنه كان أصاب دماً فى قومه ففر إلى المدينة، فحالف بنى عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان لحلفه اليمانية. وقيل: بل سمى بذلك باسم جده الأعلى وهو حذيفة بن حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن اليمان العبسى. وقوله: فأخذه كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لا نقاتل معه، وأنهم ذكروا ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " انصرفا، نفى لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم ": فيه أولاً: جواز الكذب للحالف والتعريض إذا أمكنه وعند الضرورة. وفيه وجوب الوفاء بالعهد وإن كان مكرهاً. وقد اختلفوا إذا عاهدوا الأسير ألا يهرب، فرأى الكوفيون والشافعى: لا يلزمه هذا العهد. وقال مالك: لا يجوز له ذلك. وقال ابن القاسم ومحمد بن المواز ذلك، بخلاف لو أجبروه أن يحلف ألا يهرب لم يلزمه اليمين لأنه مكره. وقال بعض العلماء: لا فرق بين اليمين والعهد وهجرته عن مَلِكِ الكفر واجبة (¬2) والحجة فعل أبى بصير وتصويب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله ورضاه به؛ ولا حجة فى هذا إذ ليس فيه أن أبا بصير عاهدهم على ذلك، وأن ¬

_ (¬1) ويقال: حسل، ويقال: ابن اليمان، شهد مع رسول الله أحداً هو وابنه، وقتل يومئذ حيث قتله المسلمون خطا، وأراد هو وابنه أن يشهدا بدراً فاستحلفهما المشركون ألا يشهدا مع النبى فحلفا لهم. انظر: تهذيب الكمال 5/ 496. (¬2) الحاوى 14/ 296، 297، المغنى 13/ 161.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما عاهدهم على ألا يخرج معه بأحد منهم ولا يحبسه عنهم، ولم يعاهدهم على ألا يخرج منهم من أسلم فيلزم ذلك أبا بصير (¬1). ¬

_ (¬1) البخارى، ك الشروط، ب الشروط فى الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 3/ 252 وما بعدها.

(36) باب غزوة الأحزاب

(36) باب غزوة الأحزاب 99 - (1788) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَال رَجُلٌ: لو أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيتُنَا مَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا رَجُلٌ يَأتِينِى بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ "، فَسَكَتْنَا، فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ: " أَلا رَجُلٌ يَأتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيامَةِ؟ " فَسَكَتْنَا، فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ: " أَلا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ "، فَسَكَتْنَا، فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. فَقَالَ: " قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأتِنَا بِخَبَرِ القَوْمِ "، فَلَمْ أَجِدْ بُدا، إِذْ دَعَانِى بِاسْمِى، أَنْ أَقُومَ. قَالَ: " اذْهَبْ، فَأتِنِى بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلا تَذْعَرهُمْ عَلَىَّ "، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِى فِى حَمَّامٍ، حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِى ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِى كَبِدِ الْقَوسِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلا تَذْعَرْهُمْ عَلَىَّ "، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لأَصَبْتُهُ، فَرَجَعْتُ وَأَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول القائل: " لو أدركت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتلت معه وأبليت ": أى بالغت فى امتحانها فى نصرته وأغْنَيْت. وقول حذيفة له: " أنت كنت تفعل ذلك؟ " كأنه فهم منه أنه قام بباله أنه كان يفعل أكثر مما كانت تفعله الصحابة، ويأتى بأبلغ مما أتوه، ثم أخبره بخبره ليلة الأحزاب. والقُر، بضم القاف: البرد، وكذلك قوله بعد ذلك: " قررت ". قال الإمام: أى أصابنى القر، يقال: قُرَّ الإنسان قراً. وقوله: " لا تذعرهم علىّ ": أى لا تفزعهم. قال القاضى: ولشدته لم يجبه أحد حين دعا من يأتيه بخبرهم، وتواكل الناس بعضهم لبعض لعله يكفى، فلما عينه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدعوة وجبت عليه الإجابة. ومعنى قوله: " لا تذعرهم علىَّ " هنا عندى: أى لا تفزعهم على، كأنه - والله أعلم - خاف ما يصيبه هو من ذلك إن حرك عليهم ما يدعوهم، فيتحسسمون له، فيأخذونه، فيعود ذلك على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل عَيْنِه وَرَسُوله - والله أعلم. واما تنفيرهم مما يُخَاف منه وهو كان المطلوب.

أَمْشِى فِى مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ، قُرِرْتُ، فَأَلْبَسَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّىَ فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: " قُمْ يَا نَوْمَانُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى: " يصلى ظهره بالنار ": أى يدنيه منها من البرد، وهو الصلاء ممدود مكسور، وهو الصلى - أيضاً - مفتوح مقصور. " وكبد القوس ": مقبضها. قال الخليل: كبد كل شىء وسطه. وقوله: " فرجعت كأنى أمشى فى حمام ": يعنى أنه لم يصبه من القر وبرد تلك الريح (¬1) شىء ببركة إجابته للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتصرفه فيما وجهه فيه، أو لأنه دعا له. وكذلك ذكر فى انصرافه، ألا تراه كيف قال: فلما أتيته وأخبرته بخبر القوم قررت، أى أصابنى البرد الذى كان يجده الناس. فتعد هذه من آياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والعباءة: الكساء فيه خطوط، وقد تقدم. ¬

_ (¬1) غير ظاهرة فى الأصل.

(37) باب غزوة أحد

(37) باب غزوة أحد 100 - (1789) وحدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ زَيْدٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِى سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ. فَلَمَّا رَهِقوهُ قَالَ: " مَنْ يردُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ، أَوْ هُو رَفيقِى فِى الْجَنَّةِ؟ "، فَتَقَدَّمَ رَجُل مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا، فَقَالَ: " مَنْ يُردُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ، أَوْ هُو رَفِيقِى فِى الْجَنَّةِ؟ "، فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبَيْهِ: " مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى أول أحاديث أحد: نا هداب (¬1) بن خالد الأزدى. كذا فى الأصل، وكذا نسبه البخارى أخاه أمية بن خالد (¬2) فى بابه، فنسبه قيسياً. وذكر الباجى فقال: القيسى الأزدى، وهذان نسبان فى الظاهر مختلفان؛ أزد فى اليمن وقيس فى معد، تلك حقيقة هذا، أن قيساً هنا ليس قيس غيلان، لكنه قيس بن ثوبان من الأزد، فيصح النسبان. وقد جاء مثل هذا - أيضاً - لمسلم فى زياد بن رياح القيسى، ويقال: رباح (¬3) كذا ذكره فى غير موضع، ونسبه فى النذور: التيمى (¬4). قيل: لعله من تيم بن قيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل، فيجتمع النسبان، وإلا فتيم قريش لا يجتمع مع قيس بن غيلان. وقوله: " أفرد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد فى سبعة من الأنصار ورجلين من قريش "، وأن العدو لما رهقه، أى غشيه، قال الله سبحانه: {وَلا ترْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (¬5) أى لا تغشنى. وذكر أن السبعة قاتلوا عنه واحداً بعد آخر حتى قتلوا، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصاحبيه: ¬

_ (¬1) البخارى فى الكبير 8/ 247 (2887)، وقال المزى: هدبة، ويقال له: هداب. قال الذهبى: حافظ صادق، أبو خالد القيسى الثوبانى، أخو الحافظ أمية. احتج به الشيخان، وما أدرى مستند قول النسائى: هو ضعيف، وقول ابن عدى فى الكامل بعد ما اعتذر: استغنيت أن أخرج له حديثاً، ووثقه ابن معين. انظر: الجرح والتعديل 9/ 114، تهذيب الكمال 30/ 152، السير 11/ 97. (¬2) لم ينسبه البخارى فى التاريخ الكبير. (¬3) انظر: رجال صحيح مسلم 1/ 221 (476). وقال المزى: زياد بن رياح أو رباح، ويقال: أبو قيس البصرى، ويقال: المدنى. قال ابن منجويه: حديثه فى البصريين، روى له مسلم والنسائى وابن ماجه. قال العجلى: تابعى ثقة. انظر: تهذيب الكمال 9/ 462. (¬4) لم نعثر عليه فى النذور فيما تحت أيدينا من الصحيح المطبوع، ولم نجده إلا فى الفتن بدون لفظة " التيمى ". (¬5) الكهف: 73.

101 - (1790) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَومَ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: جُرِحَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأسِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُ الدَّمَ، وَكَانَ عَلَىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ يَسْكُبُ عَلَيْهَا بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لا يَزِيدُ الدَّمَ إِلا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً حَصِيرٍ فَأَحَرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا، ثُمَّ أَلْصَقَتُهُ بِالْجُرْحِ، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ. 102 - (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن الْقَارِىَّ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَال: أَمَ، وَاللهِ إِنِّى لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَاذَا دُووىَ جُرْحُهُ. ثُمَّ ذَكَرُ نَحْوَ حَدِيث عَبْدِ الْعَزِيزِ. غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ: وَجُرِحَ وَجْهُهُ. وَقَالَ مَكَانَ " هُشِمَتْ ": " كُسِرتْ ". 103 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلالٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ ابْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثنَا مُحَمَّدُ - يَعْنِى ابْنَ مُطَرِّفٍ - كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِى حَدِيثِ ابْنِ أَبِى هِلالٍ: أُصِيبَ وَجْهُهُ. وَفِى حَدِيث ابْنِ مُطَرِّفٍ: جُرِحَ وَجْهُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " ما أنصَفْنا أصحابَنا " بالنصب يعنى بهذا القُرَشِيَّيْن، أى لم يدلهما القتال حتى قتلوهم. خاصة وقد روى بعض شيوخنا: " ما أَنْصَفَنا أَصْحَابُنا "، وهذا يرجع إلى من مر عنه وتركه. والله أعلم. قال الإمام: قد ذكر مسلم فى الباب: أبو بكر بن أبى شيبة، نا عبد العزيز بن أبى حازم. كذا إسناده عند الرازى فى بعض الطرق، وكذلك فى رواية السجزى، جميعاً عن أبى أحمد. وفى نسخة أبى العلاء بن ماهان فى مسلم: نا يحيى بن يحيى التميمى، قال: نا عبد العزيز بن أبى حازم. كذا فى نسخة الكسائى، وخرجه أبو مسعود الدمشقى من حديث يحيى بن يحيى عن عبد العزيز، قال بعضهم: وهو الصواب.

104 - (1791) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ فِى رَأسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ: " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُو يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ؟ " فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} (¬1). 105 - (1792) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضرَبَهُ قَوْمُهُ، وَهُو يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُول: " رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِى؛ فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ". (...) حدَّثنا أَبوُ بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ومُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَهُوَ يَنْضِحُ الدَّمَ عَنْ جَبِينِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: رواية الطبرى مثل رواية الرازى. وذكر فى الحديث ما أصاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كسر رباعيته وجرح وجهه. والرباعية، مخففة الياء: السن التى بعد كل ثنية، وهى أربع رباعيات. فيه ما ابتلى به الأنبياء وأهل الفضل لينالوا جزيل الأجر، وشمهل على أممهم وغيرهم ما أصابهم، ويتأسوا بهم، وليعلم أنهم من البشر يصيبهم محن الدنيا، ويطرأ على أجسامهم ما يطرأ على أجسام البشر ليتحققوا أنهم مخلوقون مربون، ولا يدخل اللبس في المفعول بسبب ما ظهر على أيديهم من العجائب والآيات ما يشكك فى بشريتهم، ويلبس الشيطان من أمرهم ما لبس به على النصارى وأشباههم، حتى اعتقدوا فى عيسى - عليه السلام - أنه إله. والمجن: الترس. و " يسكب ": يصب. " وشج ": جرح. وحمل الماء فى المجن يدل أن ترسهم أو ما كان منها مقعداً، وفيه استعمال السلاح فى مصالح المسلمين وإن كان فى غير ما وضعت له. وفيه المداواة وجواز ذلك. وقوله عن بعض الأنبياء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال - حين ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه -: " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون " وفى الرواية الأخرى: " ينضح " بكسر الضاد، أى يغسل، وجاء فى غير مسلم: " ينضح الدم عن جبينه " (¬2) ومعناه هنا: يفور ويسيل، يقال: نضحت العين: فارت. وقد يكون هنا بمعنى: يغسل الدم الذى على جبينه. وقد روى مثل هذا القول عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد. فيه ما كانوا عليه صلوات الله عليهم من الحلم والصبر والشفقة على قومهم وأممهم، وأنهم مع فعلهم بهم وأذاهم لهم دعوا بالغفران، وعذروهم بالجهل وقلة العلم بما أتوه. ¬

_ (¬1) آل عمران: 128. (¬2) أحمد 1/ 432.

(38) باب اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم

(38) باب اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 106 - (1793) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْم فَعَلُوا هَذَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ فِى سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبيل الله ": كذا. ذكر هذا اللفظ مسلم. لم يزد. قوله: " فى سبيل الله " أى وهو يقاتل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما جاء فى حديث آخر: " أشد الناس عذاباً من قتله نبى أو قتل نبياً " (¬1) فقوله: " فى سبيل الله " تخصيص ممن قتله فى حد أو قصاص. ¬

_ (¬1) الهيثمى فى مجمع الزوائد، ك الفتن، ب: الكلام بالحق عند الحكام 7/ 275 بمعناه من حديث أبى عبيدة ابن الجراح، وقال: رواه البزار وفيه ممن لم أعرفه اثنان، وابن جرير 3/ 144.

(39) باب ما لقى النبى صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين

(39) باب ما لقى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى المشركين والمنافقين 107 - (1794) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ - يَعْنِى ابْنَ سُلَيْمَانَ - عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِىِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأمْسِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلا جَزُورِ بَنِى فُلانٍ فَيَأخُذُهُ، فَيَضَعُهُ فِى كَتَفِىْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَد؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ. لَوْ كَانَتْ لِى مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ، مَا يَرْفَعُ رَأسَهُ، حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ، فَجَاءَتْ - وَهِىَ جُوَيْرِيَةٌ - ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وثبات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصلاة حين طرح عليه كفار قريش سلا الجزور، دليل على طهارة ما يخرج من أجواف الحيوان المأكول اللحم؛ من فرث ورطوبة وغيرها، ما خلا الدم؛ لأن السلا لا ينفك منه. وسلا الجزور هو: اللفافة التى يكون فيها الوليد فى بطن الناقة، وهى الجزور هنا، وكذلك السلا من سائر البهائم وهى المشيمة من بنى آدم. وأشقاها الذى ذكر أنه طرحه عليه " عقبة بن أبى معيط " فسره فى الكتاب. وصبره - عليه السلام - حتى نزع منه إما لأنه خشى بحركته بها وقيامه وهى عليه انفتاق ما فيها وتمريث ثيابه، أو لأنه أطال السجود للدعاء عليهم، لا لغرض غيره، فاتفق في طوله مقدار ما بلغ الخبر ابنته، وجاءت فأزالته. وقد استدل به بعضهم على أحد القولين عن مالك؛ فيمن صلى بثوب نجس فتذكر في الصلاة أنه يطرحه عنه وتجزيه صلاته، ومشهور مذهبه القطع، وعبد الملك يقول: يتمادى ويعيد للخلاف فى حكم النجاسة. كما رأى مالك فيها الإعادة فِى الوقت للناسى، ولا حجة له عندى بهذا الحديث؛ إذا ليس فيه حقيقة نجاسة، وأيضاً فإن من ألقى عليه فإنه ينبغى أن يكون بخلاف من ابتدأ الصلاة وقضى منها جزءًا بالنجاسة؛ لأنه إذا ألقى عليه ثوب نجس فيطرحه لخبثه كان الأظهر هنا إجزاؤه، ولا يقطع إذا لم يقض ركناً من صلاته بنجاسته. وقول ابن مسعود: " لو كانت لى منعة طرحته ": بفتح النون، أى من يمنعنى من أذاهم. وقد كان ممن يؤذَى فى الله تعالى؛ لأنه كان عربياً فيهم، إنما هو من هذيل. ودعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم ثلاثاً: " اللهم عليك بأبى جهل " وسماهم وسمى فيهم

فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا، دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سَأَلَ، سَأَلَ ثَلاثًا. ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ، عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ " ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضِّحْكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ. ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ، عَلَيْكَ بِأَبِى جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بنِ عُقْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ " - وَذَكَر السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ - فَوَالَّذِى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ. 108 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ المُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو ابْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ بِسَلا جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلمَ يَرْفَعْ رَأسِهِ. فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكِ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ، عَلَيْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوليد بن عقبة: كذا وقع فى جميع نسخ مسلم الواصلة إلينا، وفى أصول جميع شيوخنا. وصوابه: " عتبة " بالتاء، وكذا هو فى صحيح البخارى (¬1). وقد نبه عليه مسلم آخر الحديث، أو ابن أبى سفيان، وقال: " الوليد بن أبى عقبة غلط في هذا الحديث "، وقد جاء فى بعض الروايات للسجزى: " عتبة " على الصواب، وهو إصلاح لا شك فيه لاعتذار مسلم عنه، أو رواية ابن سفيان لاختلاف الشيوخ في كلامه من هو؟ وأن مسلماً إنما سمعه من شيخه عقبة. والوليد بن عقبة هو ابن أبى معيط، ولم يكن في هذا الحين مولود، أو كان طفلاً صغيراً. وقد أتى به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح ليمسح على رأسه وهو صبى، وقال بعضهم: قد ناهز الاحتلام. وقوله: " ونسيت السابع ولم أحفظه ": ذكر أبو بكر البرقانى فى صحيحه هذا السابع، وسماه عمارة بن الوليد. وكذا ذكره البخارى (¬2) - أيضاً - فى الصحيح. اعترض بعضهم ذكر عمارة بن الوليد فى هذا الحديث لقوله آخره: " لقد رأيت الذين سمى صرعى ¬

_ (¬1) البخارى، ك الوضوء، ب إذا ألقى على ظهر المصلى قذراً وجيفة لم تفسد عليه صلاته 1/ 69. (¬2) البخارى، ك الصلاة، ب المرأة تطرح عن المصلى شيئاً من الأذى 1/ 138.

الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ؛ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِى مُعَيْطٍ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، أَوْ أُبِىَّ بْنَ خَلَفٍ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ ". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِى بِئْرٍ. غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيًّا تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ، فَلَمْ يُلْقَ فِى الْبِئْرِ. 109 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ: وَكَانَ يَسْتَحِبُّ ثَلاثًا يَقُولُ: " اللهُمَّ، عَلَيكَ بِقُرَيْشٍ. اللهُمَّ، عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ. اللهُمَّ، عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ " ثَلاثًا. وَذَكَرَ فِيهِمُ الْوَلِيدَ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُميَّةُ بْنَ خَلَفٍ. وَلَمْ يَشُكّ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَنَسِيتُ السَّابِعَ. 110 - (...) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ. فَدَعَا عَلَى سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْش، فِيهمْ أَبُو جَهْلٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ. فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى عَلَى بَدْرٍ، قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ، وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا. 111 - (1795) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُد؟ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ يوم بدر ". وذكر أهل السير أن عمارة المذكور كان عند النجاشى فاتهمه بأمر فى حرمة، وكان جميلاً وسيمًا، فنفخ فى إجليل سحراً فهام مع الوحش في بعض جزيرة الحبشة. وهذا عندى لا يعترض به. ويكون قوله: " رأيت الذين سمى صرعى ببدر " يعنى أكثرهم؛ بدليل أن عقبة بن أبى معيط منهم ولم يقتل ببدر، بل حمل منها أسيراً، وإنما قتله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبراً بعد منصرفه عن بدر وبعرق الطيبة و" قليب بدر ": بئرها، والقليب: كل بئر لم تطو. وقوله فى حديث ابن أبى شيبة: " وكان يستحث ثلاثاً ": كذا هو بالثاء بثلاث نقط عند العذرى، وكان عند السمرقندى والطبرى: " يستحب " بالباء، والأول أظهر، يريد ما جاء فى الرواية الأخرى من تكراره الدعاء ثلاثاً. واستحث بمعنى: ألح فى الدعاء واستعجل الإجابة - والله أعلم. والأخشبان: جبلا مكة.

لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِى إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأسِى فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِى. فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمَكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِى رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأمُرَنِى بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ ". فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ". 112 - (1796) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ. قَالَ: دَمِيَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَعْضِ تِلْكَ المَشَاهِدِ. فَقَالَ: " هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِى سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ " 113 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلم أستفق إلا بقرن الثعالب ": أى لم أنتبه حتى أتيت هذا الموضع، لقوله قبل: " فسرت مهموماً على وجهى ". وقرن الثعالب أو قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد، على يوم وليلة من مكة. وأصله الجبل الصغير ينقطع من الجبل الكبير. وقوله: دميت إصبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بعض تلك المشاهد فقال: " هل أنت إلا إصبعٌ دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت " فيه التمثل بالأرجاز فى الحوادث تحدث على عادة العرب، وقد تقدم الاختلاف فى الرجز وهل هو شعر؟ وجه قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له وإنما قاله فيما روى الوليد بن الوليد بن المغيرة في هجرته، وروى - أيضاً - لزيد بن حارثة فى مؤتة. وقد رواه بعضهم: " دميت " و " لقيت " ليذهب وزنه، وذلك لا يغنى من وزنه وزن ثابت، وقد تقدم الكلام قبل على أن مثل هذا كان من قوله أو متمثلاً به غير معارض لقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} (¬1). ¬

_ (¬1) يس: 69.

عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَارٍ، فَنُكِبَتْ إِصْبَعُهُ. 114 - (1797) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جُنْدُبًا يَقُولُ: أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ المُشْرِكُونَ: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ. فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله في الرواية الأخرى: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غار فنكبت إصبعه "، قال القاضى أبو الوليد الكنانى: لعله غار مصحف من غرو، ولما جاء بعد: " فى بعض المشاهد ". ورواية البخارى (¬2): بينا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشى إذا جاءته حجر. قال القاضى: قد يراد بالغار هنا الجيش والجمع، لا واحد الغيران التى هى الكهوف، فيوافق قوله: " فى بعض المشاهد ". وقوله: يمشى ولا يعد شىء منه وهماً، وفى حديث على جمع بين هذين الغارين، أى الجمعين والعسكرين. قال الإمام: ذكر مسلم فى حديث جندب بن صفوان في إبطاء جبريل بالوحى: عن إسحاق بن إبراهيم، عن ابن عيينة، عن الأسود، عن جندب. كذا إسناده عند الجلودى والكِسَائى، وكذا أخرجه الدمشقى من حديث مسلم. وفى نسخة ابن ماهان: نا أبو بكر ابن أبى شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً، عن ابن عيينة. زاد فى الإسناد: نا أبو بكر بن أبى شيبة قال. وقول المشركين: قد ودع محمد، فأنزل الله تعالى: {وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} إلى آخرها، قال الإمام: قال ابن عباس: {مَا وَدَّعَك}: ما قطعك منذ أرسلك، {وَمَا قَلَى}: ما أبغضك. وسمى الوداع وداعاً؛ لأنه فراق ومتاركة. وفى الحديث: " الحمد لله غير مودع ربى ولا مكفور " (¬3): أى غير تارك طاعة ربى. قال القاضى: هذه قراءة الجمهور مشددة، وقرأ بعضهم: " ما ودعك " مخففة. قال أبو عبيدة: من ودعه يدعه، معناه: ما تركك. وأهل النحو ينكرون أن يأتى منه ماض أو مصدر، وإنما جاء منه المستقبل والأمر لا غير عندهم، وكذلك " يذر ". وقد جاء الماضى والمستقبل منهما وفى مسلم: " لينتهين قوم عن ودعهم الجمعة " (¬4)، وفى مسلم والبخارى: " من ودعه الناس لشره أو فحشه " (¬5). وقال الشاعر: ¬

_ (¬1) الضحى: 1 - 3. (¬2) البخارى، ك الأدب، ب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه 8/ 43. (¬3) الدارمى، ك الأطعمة، ب الدعاء بعد الفراغ من الطعام 2/ 21. (¬4) مسلم، ك الجمعة، ب التغليظ فى ترك الجمعة برقم (865) بلفظ: " الجمعات ". (¬5) البخارى، ك الأدب، ب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب 8/ 20، مسلم ك البر والصلة والآداب، ب مداراة من يتقى فحشه برقم (2591).

115 - (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ - حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنِ الأَسْودِ بْنِ قَيْسٍ. قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ يَقُولُ: اشْتَكَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، فَجَاءَتْهُ امْرأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّى لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا الْمُلاِئىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَسُودِ بْنِ قِيْسٍ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ما قدموا لأنفسهم ... أكثر نفعاً من الذى ودعوا وقال آخر: ........ ما الذى ... غاله فى الود حتى ودعه وإنما قال فى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا المشركون ومن فى قلبه مرض، ألا ترى قول المرأة: " إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك "، وإن صح ما جاء فى كتاب التفسير أن قائلة هذا له خديجة: " أحسب أن ربك قلاك " فإنما يصح ذلك منها قبل إيمانها، وفى حين نظرها قبل فى تصحيح نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا فلا يصح ذلك منها بعد إيمانها (¬1). وقولها: " ولم أره قرِبك منذ ليلتين " بكسر الراء، إذا كان مُعَدًا، أقرب بالفتح، فإذا لم يُعَدَّ كان بضمها، فقلت: قرب الرجل، وكقولك: قربت منه، إذا عديته بحرف الجر يقرب فيها، فإذا أضفت فعله إلى الماء خاصة فتحتها فقلت: قرب الماء: إذا طلبه ليلاً، يقربه فهو قارب. ولا يقال ذلك لطالبه نهاراً. ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير 8/ 446.

(40) باب فى دعاء النبى صلى الله عليه وسلم، وصبره على أذى المنافقين

(40) باب فى دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصبره على أذى المنافقين 116 - (1798) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا، عَلَيْهِ إِكَافٌ، تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ، وَهُو يَعوُدُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِى بَنِى الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. وَذَاكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَالْيَهُودِ، فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبىٍّ، وَفِى الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ. فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِردَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لا تُغَبِّروُا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَىٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ، لا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَلا تُؤذِنَا فِى مَجَالِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ركب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حماراً عليه إكاف، تحته قطيفة فدكية ": كذا هى الرواية الصحيحة، صحفه بعضهم وقال مكان " فدكية ": " فركبه " ولا وجه له؛ لأنه قد ذكر ركوبه أولاً. وفدكية منسوبة إلى فدك. والإكاف بكسر الهمزة مثل الستر لليل. قوله: " حتى مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود "، وذكر أنه سلم عليهم. واحتج به بعضهم فى جواز السلام على مجلس فيه المسلمون وغيرهم من الكفار، وهذا لا خلاف فيه. وعجاجة الدابة: ما ارتفع من غبار جوافرها. وقوله: " فخمر عبد الله بن أبى أنفه " أى غطاه، ثم قال: " لا تغبروا علينا " مع ما هو أجفى من هذا فى الحديث الآخر. وتسليم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم ووقوفه ثم نزوله كما جاء فى الحديث. ودعاؤهم إلى الله - سبحانه - وتلاوته عليهم القرآن كل ذلك استئلافاً لهم، وطمعاً فى إسلامهم، وتبليغاً لما أمره الله تعالى به من ذلك. وفيه من الصبر على الأذى والحلم والإغضاء ما كان من خلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأدب الله - تعالى له بقوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُون} (¬1)، {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَح} (¬2). وقول ابن أبى: " لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقاً فلا تؤذنا فى مجالسنا فمن جاءك منا فاقصص عليه ": كذا رواية الكافة بالمد، وكان عند القاضى أبى على: " لأحسن ¬

_ (¬1) المزمل: 10. (¬2) المائدة: 13.

فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِى مَجَالِسِنَا، فَإنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: فَاسْتَبَّ الْمُسْلِموُنَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتوَاثَبُوا. فَلَمْ يَزَلِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. فَقَالَ: " أَىْ سَعْدُ، أَلمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَىٍّ - قَالَ كَذَا وَكَذَا ". قَالَ: اعفوُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ وَاصْفَحْ، فَواللهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللهُ الَّذِى أَعْطَاكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ، فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِى أَعْطَاكَهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ. فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ - يَعْنِى ابْنَ الْمُثَنّى - حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من هذا " بالقصر، وهو عندى أوجه وأشبه بصلة قوله: " إن كان حقاً " وإلا كيف يشك فى قوله " حقاً "، ويضعفه بأنه لا شىء أحسن منه وإنما مراده - والله أعلم -: لأحسن من قصدك لنا وتسورك علينا فى مجالسنا، إن كان الذى يأتى به حقاً ألا تؤذنا وتقعد فى رحلك، فمن جاءك أسمعته ما عندك، وهو أليق بمقصد المنافق الشاك - والله أعلم. وقد قيل: إن ابن أبى لم يكن حينئذ بعد إلا على شركه، لم يظهر الإسلام بعد، وهو دليل لفظ الحديث ومساقه، ولقوله: " لاتؤذنا به " يعنى: القرآن، ولقوله: " فى أخلاط من المشركين والمسلمين ". وقوله: لما استب حينئذ المشركون والمسلمون؛ " فلم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخفضهم ": أى يسكنهم ويسهل الأمر بينهم. وقول سعد له: " لقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة " كذا ضبطناه " البحيرة " هنا مصغراً. قال لنا أبو الحسن بن سراج. وقال: " البحيرة "، ورويناه فى غير مسلم: " البحرة " (¬1) غير مصغر وكله بمعنى (¬2). قال الإمام: البحيرة مدينة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والبحار القرى، قال الشاعر: ولنا البدو كله والبِحَار (¬3). ¬

_ (¬1) أحمد 5/ 203. (¬2) جاء فى معجم البلدان: فبحيرة ليس بتصغير بحر، ولو كان تصغيره لكان بحيراً، ولكنهم أرادوا بالتصغير حقيقة الصغر ثم ألحقوا به التأنيث على معنى أن المؤنث أقل قدراً من المذكر، أو شبهوه بالمتسع من الأرض، والمراد به - والله أعلم - كل مجتمع ماء عظيم لا أتصال به بالبحر الأعظم، ويكون ملحاً وعذباً وهو من أسماء جبال تهامة وهى العين الغزيرة فى وادى ينبع تخرج من جوف رمل من أغزر ما تكون من العيون وأشدها جرياً تجرى فى رمل. انظره مختصراً 1/ 349. (¬3) جاء فى الإكمال: ولنا البر كله والبحار 3/ 137، وهو تصحيف: لنا البحار ضد البدو، كما جاء فى معنى كلمة بحار.

عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِى هَذَا الإسْنَادِ، بمِثْلِهِ. وَزَادَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللهِ. 117 - (1799) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَىٍّ؟ قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَيْهَ، وَرَكِبَ حمَارًا، وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ. وَهِىَ أَرْضٌ سَبَخَةٌ. فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّى. فَواللهِ، لَقَدِ آذَانِى نَتْنُ حِمَارِكَ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللهِ، لَحِمَارُ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ. قَالَ: فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللهِ رَجُلٌ مِنْ قَومِهِ. قَالَ: فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحَدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ. قَالَ: فَكَانَ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَبِالأَيْدِى وَبِالنِّعَالِ. قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ أى: والقرى. وقوله: " يُعَصِّبُوه ": أى يسودوه، كانوا يسمون السيد المطاع معصَّباً لأنه يعصَّب بالتاج، أو يعصَّب به أمور الناس، وكان - أيضاً - يقال [له] (¬2): المعمَّم. والعمائم: تيجان العرب وهى العصائب. وقوله: " شرق بذلك " أى غُص به. يقال: شَرِقَ بكسر الراء شرقاً، فالشرق الغَصَص واسم الفاعل شَرِقٌ، عَلى مثال حَذِرَ، قَال الشاعر: لو بغير الماء حَلْقِى شرَقُ ... كُنْتُ كالغصَّان بالماء اعتصارى قال القاضى: قد يكون هنا " يعصبوه " على وجهه، لاسيما مع قوله: " بالعصابة " وهذا بيان أنه حقيقة لا مجاز، أى يربطون له عصابة الرياسة والملك، فقد ذكر ابن إسحاق وأصحاب السير فى هذا الخبر: لقد جاءنا الله بك وإنا لننظم له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أن سلبته ملكاً (¬3). والعمائم تيجان العرب، فإذا انضمت لملوكهم فهى تاجه. وقد قال: " يتوجوه ويعصبوه بالعصابة ". والأرض السبخة: التى لا تنبت لملوحة أرضها، وهى كثيرة الغبار. ¬

_ (¬1) الحجرات: 9. (¬2) ساقطة من ع. (¬3) انظر: سيرة ابن هشام 2/ 292.

(41) باب قتل أبى جهل

(41) باب قتل أبى جهل 118 - (1800) حدَّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ "، فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَكَ. قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: آنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُل قَتَلْتُمُوهُ - أَوْ قَالَ -: قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ قَالَ: وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِى. (...) حدَّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَعْلَمُ لِى مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ؟ " بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَقَوْلِ أَبِى مِجْلَزٍ. كَمَا ذَكَرَهُ إِسْمَاعِيلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى مقتل أبى جهل: " ضربه ابنا عفراء حتى برد (¬1) ": كذا رواية الجمهور، أى مات. يقال: برد، أى مات. وفى رواية السمرقندى: " حتى برك " بالكاف، والأول المعروف، لا يبعد صحة هذا؛ فإن ابنى عفراء تركاه عقيراً لم يمت بعد، ألا تراه كيف كلم ابن مسعود، وله معه كلام كثير فى غير مسلم. وابن مسعود هو الذى اجتز رأسه وأجهز عليه. وقوله: " وهل فوق رجل قتلتموه ": أى هل على عار غير قتلكم إياى. وقوله: " فلو غير أكَّار قتلنى ": إشارة إلى الأنصار لعملهم النخيل. والأكار: الزراع والفلاح. ووقع مكان الكلام فى بعض نسخ مسلم: " فلو غيرك كان قتلنى " وهو تصحيف من الأول، والأول المعروف (¬2). ¬

_ (¬1) فى متن صحيح مسلم بشرح النووى: " حتى برد " والإكمال، جاء فى نسخة عبد الباقى فى المتن: " برك " فمن أين أتى بها الشيخ؟ وفى الشرح للنووى أورد: " برك " 4/ 443. (¬2) وبها جاءت الرواية التى فى صحيح مسلم.

(42) باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود

(42) باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود 119 - (1801) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ المِسْوَرِ الزُّهْرِىُّ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ للِزُهْرِىِّ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ لِكَعْب بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ "، فَقَالَ مَحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: ائْذَنْ لِى فَلأَقُلْ. قَالَ: " قُلْ ". فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ. وَذَكَرَ مَا بَيْنَهُمَا. وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَرَادَ صَدَقَةً، وَقَدْ عَنَّانَا. فَلَمَّا سَمِعَهُ قَالَ: وَأَيْضًا وَاللهِ، لَتَمَلّنَّه. قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ الآنَ، وَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَىِّ شَىْءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ. قَالَ: وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ تُسْلِفَنِى سَلَفًا. قَالَ: فَمَا تَرْهَنُنِى؟ قَالَ: مَا تَرِيدُ. قَالَ: تَرْهَنُنِى نِسَاءَكُمْ. قَالَ أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ أَنَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا؟ قَالَ لَهُ: تَرْهَنُونِى أَوْلادَكُمْ. قَالَ: يُسَبُّ ابْنُ أَحَدِنَا، فَيُقَالُ: رُهِنَ فِى وِسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللأمَةَ - يَعْنِى السَّلاحَ - قَالَ: فَنَعَمْ. وَوَاعَدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث كعب بن الأشرف ذكر مسلم أول حديثه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن [بن المسور] (¬1) الزهرى. كذا لجمهورهم، وعند شيخنا القاضى أبى على عن العذرى: وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال لنا. وهو خطأ، والصواب الأول وكذا سقط من نسبه محمد، وفى رواية ابن الحذاء وصحح نسبه، كما تقدم أولاً. وكذلك نسبه النسائى (¬2) وغيره. وجده المسور بن عبد الله بن الأسود بن عوف أخى عبد الرحمن بن عوف. قال الإمام: إنما قتل كعب بن الأشرف على هذه الصفة؛ لأنه نقض عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهجاه وسبه، وكان عاهده ألا يعين عليه أحداً، ثم جاء مع أهل الحرب معيناً عليه. وقد أشكل قتله على هذه الصفة على بعضهم، ولم يعرف هذا، والجواب ما قلناه. قال القاضى: اختلف الناس فى تأويل قتل كعب بن الأشرف على وجه مخادعة أصحابه له، فقيل: إنما كان ذلك لأن ابن سلمة لم يصرح له بتأمين فى شىء من لفظه، إنما كلمهُ فى أمر بيع وشراء وتشكر، وليس فى خبره معه عهد ولا أمان، فيقال: إنه نقضه عليه، وإنه غدر. وقيل ما تقدم؛ لأن من آذى الله ورسوله لا أمان له، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قتله بوحى، فصار قتله أصلاً فى هذا الباب. ولا يحل أن يقال: إن كعباً قتل غدراً، ¬

_ (¬1) فى ز بدون " ابن "، والمثبت من الصحيحة المطبوعة. (¬2) انظر: السنن الكبرى للنسائى 5/ 192 برقم (8641).

أَنْ يَأتِيهِ بِالْحَارِثِ وَأَبِى عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ. قَالَ: فَجَاؤوُا فَدَعَوْهُ لَيْلاً، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ لَهُ امْرأَتُهُ: إِنِّى لأَسْمَعُ صَوتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ. قَالَ: إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعُهُ وَأَبُو نَائِلَةَ. إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِىَ إِلَى طَعْنَة لَيْلاً لأَجَابَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنِّى إِذَا جَاءَ فَسَوْفَ أَمُدّ يَدِى إِلَى رَأسِهِ، فَإِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَدُونَكُمْ. قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ وَهُو مُتَوَشِّحٌ. فَقَالُوا: نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الطِّيب. قَالَ: نَعَمْ. تَحْتِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قال ذلك فى مجلس على بن أبى طالب - رضى الله عنه - فأمر به على فضربت عنقه، وقاله [فِى] (¬1) آخر فى مجلس معاوية فأنكر ذلك محمد بن مسلمة وأنكر على معاوية سكوته له، وحلف ألا يظله وإياه سقف أبداً، ولا يخلو بقائلها إلا قتله، وإنما يكون الغدر بعد العهد والأمان، وهو قد نقض عهد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يؤمنه الآخرون، لكنه استأمن إليهم وظفروا به بغير أمان. وأما ما ترجم البخارى عليه: باب " الفسَك فى الحرب " (¬2)، فليس بمعنى الغدر. والفتك: القتل على غرة وغفلة، والغيلة (¬3) نحو منه. وقد استدل بقصة كعب وأشباهها للعلماء على جواز اغتيال من بلغته الدعوة من الكفار وتبينه وانتهازه الفريضة منه دون دعوة، وقد تقدم الكلام على الدعوة قبل القتال والاختلاف فيها. وقول محمد بن مسلمة: " ائذن لى فلأقل قال: قل ": دليل على جواز التعريض للضرورة، وأن المؤاخذة بالنية والمقصد. وقوله: " عنانا ": ظاهرهُ أتعبنا، وباطنه صحيح؛ لأن التعب فى مرضاة الله - سبحانه - والعناء فيه مشروع مأجور عليه، والجهاد والصلاة والصدقة وغير ذلك من أعمال البر، كله من التعب والعناء المحمود، والدعة والتضجيج عن القربات مذموم. وقوله: " يُسَبُّ ابْن أَحدِنَا فيقال: رُهِنَ فِى وسقين من تمر ": كَذَا لكافتهم بالسين المهملة من السب، وعند الطبرى: " يشب " بالشين المعجمة من الشباب، والوجه الأول. وقول كعب لامرأته: " إنما هو محمد ورضيعه وأبو نائلة " كذا فى سائر النسخ، قال لنا [شيخنا] (¬4) القاضى الشهيد: صوابه: " إنما هو محمد ورضيعه أبو نائلة "، وكذا ذكره أهل السير أن أبا نائلة كان رضيعاً لمحمد بن مسلمة، وفى صحيح البخارى: " ورضيعى أبو نائلة " (¬5)، وهذا عندى - إن صح - أنه كان رضيعاً لكعب فله ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) البخارى، ك الجهاد، ب الفتك فى الحرب. وابن حجر فى الفتح قال: ترجم المصنف عليه: باب الكذب فى الحرب. انظر: الفتح 4/ 78 ط الشعب، والكذب فى الحرب فى الفتح 6/ 184 رقم (3031). (¬3) فى الأصل: الغيرة، والمثبت من س والإكمال. (¬4) ساقطة من ز، واستدركت بالهامش. (¬5) البخارى، ك المغازى، ب قتل كعب بن الأشرف 2/ 115.

فُلانَةُ، هِىَ أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ. قَالَ: فَتَأذَنُ لِى أَنْ أَشُمَّ مِنْهُ. قَالَ: نَعَمْ. فَشُمَّ، فَتَنَاوَلَ فَشَمَّ. ثُمَّ قَالَ: أَتَأَذَنُ لِى أَنْ أَعُودَ؟ قَالَ: فَاسْتَمْكَنَ مِنْ رَأسِهِ، ثُمَّ قَالَ: دُونَكُمْ. قَالَ: فَقَتَلُوهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وجه، والمعروف ما ذكرناه. وقوله: فوعده أن ياتيه بالحارث وأبى عيسى بن جبر (¬1) ولم ينسب هنا الحارث، هو الحارث بن أوس (¬2) ابن أخى سعد بن [معاذ] (¬3). ¬

_ (¬1) هو ابن جبر بن عمرو بن أسد بن جشم بن حارثه الأوسى، واسمه عد الرحمن بدرى كبير، له ذرية ويكتب بالعربية، آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين الأخنس بن حذافة، مات بالمدينة سنة 34 هـ، وصلى عليه عثمان، وقبره بالبقيع. انظر: طبقات ابن سعد 3/ 2/ 23، الجرح والتعديل 5/ 220، الاستيعاب 6/ 35، السير 1/ 188. (¬2) هو الحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان الأنصارى الأوسى، ابن أخى سعد بن معاذ سيد الأوس، وثبت ذكره فى حديث صحيح أخرجه أحمد من طريق علقمة بن وقاص عن عائشة، قال: خرجت يوم الخندق فسمعت حساً فالتفت، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة الحديث. وصححه ابن حبان وشهد بدراً واستشهد يوم أحد وهو ابن ثمان وعشرين سنة. انظر: الاستيعاب 281، الإصابة 1/ 564. (¬3) ذكرها القاضى: " عبادة " وهو تصحيف وخطأ. انظر: الاستيعاب والإصابة السابقين وسير أعلام النبلاء 2/ 37، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 32، 3/ 420، 432.

(43) باب غزوة خيبر

(43) باب غزوة خيبر 120 - (1365) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَس؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ. قَالَ: فَصَلَّيْنَا عَنْدَهَا صَلاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ. فَرَكِبَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِى طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِى لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْحَسَرَ الإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّى لأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرَيَةَ قَالَ: " اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، وَإِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ". قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ. قَالَ: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعَمَالِهِمْ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ. قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ: وَقالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَالْخَمِيسَ. قَالَ: وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً. 121 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِى طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدَمِى تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ، وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ، وَخَرَجُوا بِفُؤوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِم. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسَ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر حديث فتح خيبر وذكر مسلم حديث فتح خيبر وإجراؤه فى زقاقها، وانحسار الإزار عن فخذه حتى رأى أنس بياضها، وإن ركبتيه كانت تمس فخذ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الإمام: استدل بعض العلماء على أن الفخذ ليس بعورة؛ إذ لو كانت عورة لم يصح انكشافها من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن كان عن قصد فذلك آكد فى الدلالة، وإن كان غير قصد فلأنه منزه عن انكشافها. وقد ذكر الراوى إنه رآه. قال القاضى: وفى تصبيحهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يدعهم، حجة فى أن من بلغته الدعوة لا يدعى، وفيه أن المستحب فى الضرب على العدو أول النهار وصبيحته؛ لأنه وقت غرتهم وغفلة أكثرهم، ثم ينتشر له النهار وضوءه لما يحتاج إليه. بخلاف ملاقات الجيوش ومناصبة الحصون، فهذا المستحب فيه أن يكون من بعد الزوال ليدوم النشاط ببرد الهواء بخلاف صده. وقوله: " مكاتلهم ": أى قففهم وزنابيلهم، واحدها مكتل. و " مرورهم ": قيل: حبالهم التى يصعدون بها النخل واحدها مرّ ومر، وقيل: مساحيهم واحدها مرَّ لا غير.

" خَربَتْ خَيْبَرُ، إِنا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ". قَالَ: فَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. 122 - (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُور، قَالا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ: " إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَرِبَتْ خيبر ": قيل: قال بذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رآه بأيديهم من آلات الهدم من القوس والمساحى، وقيل: بل من اسمها لما فيه من حروف الخراب، وقد يكون ذلك لما ألقى الله تعالى إليه من علم ذلك ووقوعه. وقولهم: " محمد والخميس ": أى الجش، قد جاء مفسراً كذا فى بعض روايات البخارى (¬1): " محمد والجيش "، ورويناه برفع السين على العطف، وبنصبها على المفعول معه، أى مع الجيش. قيل: سمى خميساً لقسمته على خمسة؛ ميمنة وميسرة وقلب ومقدمة وساقة، وقيل: الخميس لقسم الخمس منه، والأول أولى لتسميته بذلك قبل ورود الشرع بالخمس، وإنما كانت تعرف العرب المرباع وهو إخراج الربع للرئيس. وقوله: " إنا إذا أنزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ": الساحة: الفناء، وأصلها الفضاء بين المنازل، ويجمع السوح، وهى أيضاً السوحة والسمح والساحة: فيه جواز النزاع بآيات القرآن والاستشهاد بها فى الأمور الحقيقية، وقد جاء فى هذا كثير فى الآثار، ويكره عن ذلك ما كان على ضرب الأمثال فى المحاورات والأمزاح ولغو الحديث، تعظيماً لكتاب الله عز وجل. وقوله: " أصبناها عنوة ": [قال الإمام: ظاهرهُ إنها كلها عنوة، وقد قال ابن شهاب: فما حكى مالك عنه بعضها عنوة] (¬2) وبعضها صلح. والكتيبة: وهى أرض خيبر نفسها، بعضها أيضاً صلح؛ قال مالك: وهى فيها أربعون ألف عذق، يريد نخلة، وقد تقدم. العَذق بفتح العين: اسم النخلة، وبكسرها: الكباسة. وقد تشكل من هذا ما روى فى كتاب أبى داود أنه قسمها نصفين؛ نصف لنوائبه وحاجته، ونصفاً للمسلمين (¬3). وقال بعضهم: كان حولها من الضياع والقرى ما أجلى عنه أهله، فكان خاصًا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما سواه للغانمين، فكان تقدير ما أجلى عنه أهله النصف؛ فلهذا قسمها له بعين. قال القاضى: تقدم الكلام على حديث خيبر وما فيه مستوعباً فى كتاب المساقاة. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الخوف، ب التبكير والغلس بالصبح والصلاة عند الإغارة والحرب برقم (947). (¬2) من ع. (¬3) أبو داود، ك الخراج والإمارة والفىء، ب ما جاء فى حكم أرض خيبر 2/ 142.

123 - (1802) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَاللَّفْظ لابْنِ عَبَّادٍ - قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - وهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، فَتَسَيَّرْنَا لَيْلاً. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلا تُسْمِعْنَا مِنْ هُنَيَّاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَاغْفَرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا وَأَلْقِيْن سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا وَبِالصِيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " [ألا تسمعنا] (¬1) من هُنَيَّاتِكَ ": أى من أراجيزك. والهنة تقع على كل شىء. وفيه جواز سماع الأراجيز والشعر وقول ذلك، إذا لم يكن فيه ما ينكر من الهجر وذكر الحرام والهجر من القول كما جاء فى الحديث: " الشعر كلام، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح " (¬2). وقوله: " فنزل يحدو بالقوم ": فيه جواز الحداء فى الأسفار؛ لأن فيه تحريكاً لنفوس الدواب، وتنشيطاً لها ولمن معها على قطع الطريق. وقوله: اللهم لولا أنت ما اهتدينا كذا الرواية، وصوابه فى الوزن: لاهم أو تالله أو والله لولا الله، كما جاء فى الحديث الآخر: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداءً لك ما اقتفينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا ... إنا إذا أصيح بنا أتينا بالتاء باثنتين فوقها، وفى رواية السجزى بالباء بواحدة، وكلاهما صحيح، أى أبينا الفرار، والآخر: أى أتينا أعداءنا وتقدمنا إليهم ولم نَهَبْ صِيَاحَهُم وجعجعتهم. وقوله: " إن الملأ قد بغوا علينا ": الملأ: الأشراف مقصور مهموز ومهملة هنا للوزن، ¬

_ (¬1) فى ز: تسعنا، والمثبت من س والصحيحة المطبوعة برقم (123). (¬2) أبو يعلى فى مسنده 8/ 200 (4760)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد، وعزاه لأبى يعلى وقال: فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وثقه جماعة وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح وهو حديث عائشة 8/ 125.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ " قَالُوا: عَامِرٌ. قَالَ: " يَرْحَمُهُ اللهُ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ. يَا رَسُولَ اللهِ، لوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِك} (¬1) أى الرؤساء والأشراف، ومعنى قوله فى الرواية الأخرى: " إنَّ الأُولى " (¬2). وقوله: " وبالصياح عولوا علينا ": كذا روايتنا فى كتاب مسلم بياء باثنتين تحتها، وهو الصحيح. ومعنى " عولوا ": استعانوا، من التعويل على الشىء أو من الأعوال والعويل بالصوت والنداء. وقوله: " فداء لك ": يقال بالمد والقصر، والفاء مكسورة. حكاه الأصمعى وغيره، فأما فى المصدر فالمد لا غير. وحكى الفراء: " فدا " مفتوح مقصور، وروياناه بالرفع: " فداءُ " على المبتدأ، وخبره، أى نفسى فداء أو فداء نفسى لك، وبالنصب على المصدر، ومعنى " اقتفينا ": أى اكتسبنا، وأصله الاتباع. قال الخليل: قفوت الرجل: قذفته بريبة، وقال الله سبحانه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬3)، أى لا تتبعه بظنك وتقول فيه بغير علم. قال الإمام: وقع فى بعض النسخ: " فداء لك "، وفى بعضها: " فاغفر لنا فداك ما ابتغينا ". وهذه الرواية الثانية سالمة من الاعتراض، وأما " فداء لك " فإنه لا يقال: أفدى البارى تعالى، ولا يقال للبارى - سبحانه -: " فديتك " لأن ذلك إنما يستعمل فى مكروه يتوقع حلوله ببعض الأشخاص فيحب شخص آخر أن يحل به ويفديه منه. ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه، كما يقال: قاتله الله، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تربت يمينك " (¬4)، " وويل أمه مسعر حرب " (¬5)، وقد تقدم، أو يكون فيه ضرب من الاستعارة؛ لأن الفادى لغيره قد بالغ فى طلب رضا المفدى حتى بذل نفسه فى محابه، فكان المراد فى هذا الشعر: أنى أبذل نفسى فى رضاك. وعلى كل حال، فإن المعنى وإن صرف إلى جهة يصح فيها، فإطلاق اللفظ واستعارته والتجوز به يفتقر إلى شرع. أو يكون المراد بقوله: " فداء لك " رجلاً يخاطبه، وقطع بذلك بين الفعل والمفعول، فكأنه يقول: فاغفر، ثم عاد إلى رجل ينبهه فقال: " فداء ¬

_ (¬1) القصص: 20. (¬2) حديث رقم (125). (¬3) الإسراء: 36. (¬4) البخارى، ك العلم، ب الحياء فى العلم 1/ 44، مسلم، ك الحيض، ب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنى 1/ 32، الدارمى، ك الوضوء، ب فى المرأة ترى فى منامها ما يرى النائم 1/ 195، أحمد 3/ 81. (¬5) البخارى، ك الشروط، ب الشروط فى الجهاد 3/ 256، أحمد 4/ 331، أبو داود، ك الجهاد، ب فى صلح العدو.

حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَلَيْكُمْ ". قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِى فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذَهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَىِّ شَىْءٍ تُوقِدُوَنَ؟ ". فَقَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: " أَىُّ لَحْمٍ؟ " قَالُوا: لَحْمُ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَهْريقُوهَا وَاكْسرُوهَا ". فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا؟ فَقَالَ: " أَوْ ذَاكَ ". قَالَ: فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِىٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ، فَمَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لك "، ثم عاد إلى الأول فقال: " ما اقتفينا "، وهذا تأويل يصح معه اللفظ والمعنى، لولا أن فيه تعسفاً اضطر إليه تصحيح الكلام، إن صحت الرواية. وقد يقع فى (¬1) لسان العرب من هذه الفواصل بين الجملة المعلق بعضها ببعض ما يسهل هذا التأويل (¬2). قال القاضى: وقوله: " أصابتنا مخمصة ": أى ضيق من العيش وعدم الإكساء. قال الإمام: وأما ما وقع بعد هذا من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على أى شىء توقدون؟ " قالوا: على لحم. قال: " أى لحم؟ " قالوا: لحم الحمر الإنسية (¬3)، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهريقوها واكسروها "، فقال رجل: أو [يهريقونها ويغسلونها] (¬4)، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أو ذاك "، فإن فى الناس من تأول فى ذلك أنهم أخذوها من المغنم قبل القسمة، ومنهم من يقول: أراد استبقاءها للحاجة إليها، ومنهم من يقول: لأنها حرام لحمها. قال القاضى: تقدم الكلام عليه فى النكاح. وقوله: " لحم حمرِ الأنسية ": كذا ضبطناه بفتح الهمزة والنون هنا عن بعضهم، وكذا قيده بعض اللغويين منسوبة إلى الإنس. والإنس: الناس. رواه أكثر الشيوخ: الإنسية بكسر الهمزة وسكون النون، منسوبة إلى الإنس، وكلاهما بمعنى صحيح. ¬

_ (¬1) فى الأصل: من، والمثبت من ع، س. (¬2) قال الأبى: قلت: قال السهيلى: أقرب فيه إلى الصواب أنها كلمة يترجم بها على محبة وتعظيم، فجاز أن يخاطب بها من لا يجوز فى حقه الفداء، قصداً لإظهار محبته وتعظيمه، ورب كلمة ترك أصلها واستعملت كالمثل فى غير ما وضع له، كما جاؤوا بالقسم فى غير محله إذا أراد التعجب، أو استعظاماً لأمر ولم يرد القسم، ومنه الحديث: " أفلح وأبيه إن صدق "، ومن المحال أن يقسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير الله، وإنما تعجب من قول. وما قيل من أنه منسوخ بحديث النهى عن الحلف بالآباء لا يصح، إذ يلزم أن يكون قبل النسخ يقسم بغير الله، ومعاذ الله من ذلك، وهذا الذى ذكر قريب مما ذكر القاضى أنه استعارة. 5/ 143. ونحو من هذا ذكره ابن حجر 7/ 532. (¬3) فى س: الأهلية. (¬4) فى الأصل: يهريقوها ويغسلوها، والمثبت من س، ع.

مِنْهُ. قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ - وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِى - قَالَ: فَلَمَّا رَآنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِتًا قَالَ: " مَالَكَ؟ ". قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِى وَأُمِّى، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ. قَالَ: " مَنْ قَالَهُ؟ ". قُلْتُ: فُلانٌ وَفُلانُ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر الأَنْصَارِىُّ. فَقَالَ: " كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَانِ " وَجمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ " إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِىٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ "، وَخَالَفَ قُتَيْبَةُ مُحَمَّدًا فِى الْحَدِيثِ فِى حَرْفَيْنِ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّادٍ: وَأَلْقِ سَكِينَةً عَلَيْنَا. 124 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ - وَنَسَبَهُ غَيْرُ ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لجاهد مجاهد " بكسر الهاء فيهما وضم الميم والدال وتنوينها فى الحرفين، كذا لأكثر شيوخنا. وعند ابن أبى جعفر: لجاهَدَ مَجاهِدَ بفتح الهاء فى الأول، وفتح الميم وكسر الهاء من الثانى، وفتح الدال فيهما. وكذا - أيضًا - عند بعض رواة البخارى (¬1)، والأول الصواب ووجه الكلام. وكذا جاء فى الحديث الآخر بعده: " مات جاهداً مجاهداً " قال ابن دريد: يقال: رجل جاهد مثل ضارب، اسم فاعل، أى جاد فى أمره (¬2). قال القاضى: وكرر اللفظين للمبالغة. وقال ابن الأنبارى: العرب إذا بالغت فى الكلام اشتقت من اللفظ الأول لفظة على غير بنائها [و] (¬3) زيادة فى التوكيد، ثم أتبعوها إعرابها فقالوا: جاد مجدٌ، وليل لائل، وشعر شاعر، وقد يكون قوله: " جاهد " أى جاد مبالغ فى سبيل الخير والبر وإعلاء كلمة الإسلام مجاهد عداه. وقوله: " قل عربى مشى بها مثله ": كذا للرواة بفتح الميم، وللفارس: " مشابهاً " بضم الميم وتنوين الهاء، وكذا رواه المروزى فى البخارى (¬4). قال الأصيلى: وكذا قرأه لنا، ووجه هذه الرواية بعيد، والأول أشبه. والهاء فى " بها " عائدة على الحرب، أى فيها. وقد وقع فى البخارى (¬5) - أيضاً -: " نشأ بها " أى شب وكبر، يحتمل أن يريد الحرب - أيضاً - أو بلاد العرب، وهى أوجه الروايات. قال الإمام: خرج مسلم فى غزوة خيبر: حدثنا أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب، أخبرنى يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى عبد الرحمن - قال مسلم: ونسبه غير ابن وهب فقال: ابن عبد الله بن كعب بن مالك أن سلمة بن الأكوع قال: " لما كان يوم خيبر ". ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأدب، ب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه 8/ 44، قال ابن حجر: نسخة أبى ذر عن الحموى والمستملى، وكذا ضبطه الباجى. انظر: الفتح 7/ 534. (¬2) قال ابن التين: الجاهد من يرتكب المشقة. انظر: الفتح السابق. (¬3) ساقطة من س. (¬4) البخارى، ك المغازى، ب غزوة خيبر 5/ 167. (¬5) البخارى، ك الأدب، ب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه 8/ 44.

مَالِكٍ - أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ قَالَ: لَمَا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ قَاتَلَ أَخِى قِتَالاً شَدِيدًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَدَّ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ذَلِكَ، وَشَكُّوا فِيهِ: رَجُلٌ مَاتَ فِى سِلاحِهِ. وَشَكُّوا فِى بَعْضِ أَمْرِهِ. قَالَ سَلَمَةُ: فَقَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِى أَنْ أَرْجُزَ لَكَ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عُمَرُ ابْنُ الخَطَّابِ: أَعْلَمُ مَا تَقُولُ. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ لَوْلا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقْتَ ". وَأَنْزِلَنَّ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا قَالَ: فَلَمَّا قَضَيْتُ رَجَزِى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ هَذَا؟ ". قلْتُ: قَالَهُ أَخِى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرْحَمُهُ اللهُ ". قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ. يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَاتَ بِسِلاحِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قال بعضهم: كان ابن وهب يهم فى إسناد هذا الحديث فيقول: عن الزهرى، عن عبد الرحمن وعبد الله ابنى كعب. فغيره مسلم وأصلحه؛ ولذلك قال: ونسبه غير ابن وهب. قال: هكذا قال أحمد بن صالح وغيره: عن ابن وهب. وقال الدارقطنى: خالف ابن وهب فى هذا القاسم بن مبرور، ورواه عن يونس عن الزهرى، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب (¬1)، قال: وهو الصواب (¬2). وقال بعضهم: ¬

_ (¬1) عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصارى المدنى، يكنى أبا الخطاب، وكان أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث رسول الله. مات فى ولاية هشام بن عبد الملك، روى عن كعب بن مالك وعن أبيه فى الصلاة وتوبة كعب وسلمة بن الأكوع فى الجهاد، وروى عنه الزهرى. انظر: رجال صحيح مسلم لابن منجويه 1/ 415. قال النووى: هكذا وقع فى جميع نسخ صحيح مسلم، وهو صحيح، وهذا من فضائل مسلم، ودقيق نظره، وحسن خبرته، وعظيم إتقانه. وسبب هذا أن النسائى ذكر عبد الرحمن وعبد الله ولم يذكر التصويب، ولكن أبا داود ذكر الغلط والتصويب، وقد حذف مسلم ذكر عبد الله من رواية ابن وهب، وهذا جائز. النووى 4/ 452. (¬2) الإلزامات والتتبع.

قَالَ ابْنُ شِهَاب: ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنًا لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ. فَحَدَّثَنِى عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ - حِينَ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا يَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَذَبُوا، مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ " وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد نبه أبو داود فى كتاب الستن على وهم ابن وهب فى هذا الإسناد (¬1)، وكذلك فعل أبو عبد الرحمن النسائى وذكر الصواب فى ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجهاد، ب فى الرجل يموت بسلاحه 2/ 19. (¬2) النسائى، ك الجهاد، ب من قاتل فى سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله 6/ 30 (3150).

(44) باب غزوة الأحزاب وهى الخندق

(44) باب غزوة الأحزاب وهى الخندق 125 - (1803) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَلَقَدْ وَارَىَ التُّرَابُ بيَاَضَ بَطْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " وَاللهِ؛ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّ الأُلَى قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا " قَال: وَرُبَمَّا قَالَ: " إِنَّ الْمَلا قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا " وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ. (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ". 126 - (1804) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقعْنَبىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزَيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ، وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ، لا عَيْشَ إِلا عَيشُ الآخِرَةِ، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ". 127 - (1805) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " اللهُمَّ لاعَيْشُ إِلا عَيْشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأنصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ " 128 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنِ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ " قَالَ شُعْبَةُ: أَوْ قَالَ -: " اللهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَهْ ... فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ " 129 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَشَيْبَان بْنُ فَرُّوخَ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ شَيْبَانُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ - عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانُوا يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: اللهُمَّ لا خَيْرَ إِلاخَيْرُ الآخِرَهْ ... فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَهْ وفِى حَدِيثِ شَيْبَانَ بدلَ " فَانْصُرْ ": " فَاغْفِرْ ". 130 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِثٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمَ الخَنْدَقِ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الإِسْلامِ مَا بَقِينَا أَبَدًا أَوْ قَالَ: عَلىَ الْجِهَادِ. شَكَّ حَمَّادٌ. وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ للأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ " ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وفى حفر الخندق وعمل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جواز على التحصن والاستخفاء من العدو بما قدر عليه من الخنادق والأسوار وغيرها، وعمل الفضلاء والصالحين فيه؛ لأن ذلك كله من التعاون على البر وتاسى غيره به من الناس. وجواز الارتجاز فى مثل هذا. وهذا الرجز وإن كان كثيراً فليس من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد تقدم قبل أنه من قول عامر، والآخر من قول الأنصار، مع أنه فى كثير من الروايات فى قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير الوزن فى بعض الأجزاء.

(45) باب غزوة ذى قرد وغيرها

(45) باب غزوة ذى قرد وغيرها 131 - (1806) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْد قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى، وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِى قَرَدٍ. قَالَ: فَلَقِيَنِى غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: مَنْ أَخَذَها؟ قَال: غَطَفَانُ. قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ. قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لابَتَىِ المَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِى حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ بِذِى قَرَدٍ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِى - وَكُنْتُ رَامِيًا - وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قول سلمة: " صرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه ": جواز قول هذا لإنذار الناس وإشعارهم بالعدو. وقوله: فجعلت أرميهم وأقول: أَنَا ابن الأكوع .. ز واليوم يوم الرضع فيه جواز مثل هذا عند الرمى والطعن وتعريف الإنسان مثله (¬1) فى الحرب. وقد مضى فى هذا وفعله السلف، وكذلك الإعلام بعلامة يميز بها فى الحرب. وكرهه آخرون فى الاعلام لإخفاء أعمال البر. وقد روى من فعل ذلك عن الصحابة - رضى الله عنهم - ما لا يخفى. وقوله: " واليوم يوم الرضع "، قال الإمام: معناه: يوم هلاك اللئام، من قولهم: لئيم راضع. ومعنى " لئيم راضع ": أى رضع اللؤم فى ثدى (¬2) أمه، وقيل: إنه يمتص الدر حتى لا يسمع اللبن وقع فى الحلاب فيسيل (¬3). قال القاضى: وهذا أكثر ما قيل فيه وأظهره، وقيل: لأنه يرتضع طرف الخلالة التى يتخلل بها بعد طعامه، ويمص ما بقى فيها، وقيل: معناه: اليوم يعرف من رضع كريمه فأنجبته أو لئيمة فهجنته، وقيل: اليوم يعلم من أرضعته الحرب من صغره ويظهر. ¬

_ (¬1) فى الأبى: بنفسه. (¬2) فى س: بطن. (¬3) هكذا فى الأصل، وفى ع: فيُستقرى.

فَأَرْتَجِزُ. حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً. قَالَ: وَجَاءَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ. فَقُلْتُ: يا نَبِىَّ اللهِ، إِنِّى قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ، وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ. فَقَالَ: " يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، مَلَكْتَ فَاسْجِحْ ". قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا، وَيُرْدِفُنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. 132 - (1807) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّار. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، وَهَذَا حَدِيثُهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ الحَنفِىُّ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنِى إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لا تُرْويهَا. قَالَ: فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَا الرَّكَيَّةِ، فَإِمَّا دَعَا وِإمَّا بَسَقَ فِيهَا. قَالَ: فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِى أَصْلِ الشَّجَرَةِ. قَالَ: فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ وَبايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِى وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ: " بَايِعْ يَا سَلَمَةُ ". قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حميت القوم الماء " أى منعتهم، ومنه: حمية المريض: منعه أكل ما يضره. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " ملكت فاسجح ": أى أحسم وارفق. والسجاحة: السهولة، أى لا تأخذ بالشدة وتتبعها، فربما كانت العاقبة، والحرب، سجال، وقيل: لعله طمع فى إسلامهم فلم يرد استئصالهم. وقوله فى الحديث الآخر: " قدمنا الحديبية ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها، فقعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جَبَا الرّكية " بفتح الجيم والباء بواحدة مقصور، كذا رواية الكافة، وهو المعروف فى الحديث. والجبى ما حول البئر. والركية: البئر، والأشهر فيها الركى بغير هاء، وحكى بعضهم عن الأصمعى: الركية: البئر، وجمعه ركى. وفى رواية العذرى: " جب الركية ". الجب: البئر، ليست ببعيدة العقر، وليس هذا موضعه. وقوله: " فإما دعى فيها وإما بسق، فجاشت فسقينا واستقينا ": أى فاضت. وهذا من آياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعظيم معجزاته، وهذا باب منقول منها بالتواتر من تكثير قليل الماء فى مواطن عدة. قال الإِمام: وقوله: " فجاشت ": معناه: ارتفعت، يقال: جاش البئر: إذا ارتفع، يجيش جيشاناً، قال الشاعر:

قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللهِ فِى أَوَّلِ النَّاسِ. قَالَ: " وَأَيْضًا " - قَالَ: وَرآنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزِلا - يَعْنِى لَيْسَ مَعَهُ سِلاحٌ - قَالَ: فَأَعْطَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً، ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إذَا كَانَ فِى آخِرِ النَّاسِ قَالَ: " أَلا تُبَايِعُنِى يَا سَلَمَةُ؟ ". قَالَ: قلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رسُولَ اللهِ فِى أَوَّلِ النَّاسِ، وَفِى أَوْسَطِ النَّاسِ. قَالَ: " وَأَيْضًا ". قَالَ فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ. ثُمَّ قَالَ لِى: " يَا سَلَمَةُ، أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِى أَعْطَيْتُكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقيَنِى عَمِّى عَامِرٌ عَزِلا. فَأَعْطَيْتُهُ إِيَاهَا. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " إِنَّكَ كَالَّذِى قَالَ الأَوَّلُ: اللَّهُمَ أَبْغِنِى حَبِيبًا هُوَ أَحَبُ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى ". ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ، حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِى بَعْضِ، وَاصْطَلَحْنَا. قَالَ: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، أَسْقِى فَرَسَهُ، وَأَحُسُّهُ، وَأَخْدِمُهُ، وآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكْتُ أَهْلِىَ وَمَالِى، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رآنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزلا "، قال القاضى: كذا رويناه هنا، وفسره فى الأم: يعنى ليس معه صلاح، بفتح العين وكسر الزاى، وفى الحرف الذى بعده كذلك. قال بعضهم: وصوابه: أعزل، ولا يقال: عزل. ورويناه فى غير مسلم: " عُزل بضمها، وكذلك ضبطناه على شيخنا أبى الحسن، وكذا قيده بعضهم، وكذا ذكره الهروى. قال الإمام: كما يقال: ناقة غلظ، وجمل فنق، والجمع أعزال. كما يقال: جنب وأجناب، وماء سدم ومياه أسدام. قال القاضى: هذا نص ما ذكره الهروى، وأنشد [...] (¬1). رأيت الفتية الأعزال ... مثل الأنيق الرعد قال: ورجل أعز مثله. والحجفة: الترس. وقوله: "أبغنى حبيبا": أى أعطنى بغى طلب. وأبغيته: أتيته ما طلب وأعنته عليه. وقوله: " ثم إن المشركين راسُّونا الصلح ": كذا رويناه بضم السين مشددة على الخشنى عن الطبرى، وسمعناه من أبى بحر من غير طريق العذرى بفتح السين، ورويناه من طريق العذرى: " راسلونا، بزيادة لام بإسقاطه، صحيح بمعناه. يقال: رسى الحديث يرسه: إذا ابتداه، ورسست بين القوم: أصلحت بينهم. وقوله: " وكنت تبيعاً لطلحة " أى خديماً له أتبعه. ¬

_ (¬1) بياض بالأصل.

مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ. أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا، فَاضْطَجَعْتُ فِى أَصْلهَا. قَالَ: فَأَتَانِى أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَبغَضْتُهُمْ، فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى، وَعَلَّقُوا سِلاحَهُمْ، وَاضْطَجَعُوا. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِى: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ، قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ. قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِى، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ، فَأَخَذْتُ سَلاحَهُمْ، فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِى يَدِى. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ، لا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأسَهُ إِلا ضَرَبْتُ الَّذِى فِيهِ عَيْنَاهُ. قَالَ: ثُمَّ جِئتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَجَاءَ عَمِّى عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاتِ - يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ - يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ، فِى سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " دَعُوهُمْ، يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ "، فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} الآيَةَ كُلَّهَا (¬1). قَالَ: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً، بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِى لِحْيَانَ جَبَلٌ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ. فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ رَقِىَ هَذَا الْجَبَلَ اللَّيلَةَ، كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ، وخرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ، أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهْرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِىُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ، وَقَتَل رَاعِيَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَخْبرْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ المُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أسقى فرسه وأحسه "، قال الإمام: أى أنفض عنه التراب. وقوله: " أتيت شجرة فكسحت شوكها ": قال ابن القوطية: كسح الشىء كسحا: كنسه، وكسح كسحًا: عرج. وقوله: " فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثًا فى يدى " الضغث فى اللغة: الحزمة. وقوله: " فخرجت معه بفرس طلحة أُنديه مع الظهر ". ¬

_ (¬1) الفتح: 24.

قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلتُ الْمَدِينَةَ، فَنَادَيْتُ ثَلاثًا: يَا صَبَاحَاهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ فِى آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ، وَأَرْتَجِزُ أَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَاليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَأَلْحَقُ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَأَصُكُّ سَهْمًا فِى رَحْلِهِ، حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ. قَالَ: قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَاليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ قَالَ: فَوَاللهِ، مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَىَّ فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِى أَصْلِهَا، ثُمَّ رَمَيْتُهُ، فَعَقَرْتُ بهِ، حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِىِ تَضَايُقِهِ، عَلَوْتُ الْجَبَلَ، فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَاَرَةِ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِى، وَخَلَّوْا بَيْنِى وَبَيْنهُ. ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ، حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً وَثَلاثِينَ رُمْحًا، يَسْتَخِفُّونَ، وَلا يَطْرَحُونَ شَيْئًا إِلا جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا مِنَ الحِجَارَةِ، يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلانُ بنُ بَدْرٍ الفَزَارِىُّ، فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ - يَعْنِى يَتَغَدَّوْنَ - وَجَلَسْتُ عَلَى رَأسِ قَرْنٍ. قَالَ الْفَزَارِىُّ: مَا هَذَا الَّذِى أَرَى؟ قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ. وَاللهِ، مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ، يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَىْءٍ فِى أَيْدِينَا. قَالَ: فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ، أَرْبَعَةٌ. قَالَ: فَصَعِدَ إِلَىَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِى الْجَبَلِ، قَالَ: فَلَمَّا أَمْكَنُونِى مِنَ الْكَلامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قال أبو عبيد عن الأصمعى: التندية أن يورد الرجل الإبل حتى تشرب فتشرب قليلاً، ثم يرعاها ساعة ثم يردها إلى الماء. وهو فى الإبل والخيل أيضًا. قال الأزهرى: وأنكره القتبى وقال: والصواب: لأبَدِّيَه، أى لأخرجه إلى البدو، وقال: ولا تكون التندية إلا للإبل. قال الأزهرى: أخطأ القتبى، والصواب ما قال الأصمعى. وللتندية معنى آخر وهو تضمير الفرس، وإجراؤه حتى يسيل عرقه. ويقال لذلك العرق إذا سال: النّدى. وقوله: " أُرَدِّيهِمْ بِالحجارة ": أى أرمهم بها. وقوله: " جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيشبه أن يريد بها الأعلام. قال الأعشى:

قَالَ: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِى؟ قَالُوا: لا. وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ، وَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا أطْلُبُ رَجُلاً مِنْكُمْ إِلا أَدْرَكْتُهُ، وَلا يَطْلُبُنِى رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِى. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَظُنُّ. قَالَ: فَرَجَعُوا، فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِى، حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ. قَالَ: فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِىُّ، عَلَى إِثْرِهِ أُبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِىُّ، وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِىُّ. قَالَ: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الأَخْرَمِ. قَالَ: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. قُلْتُ: يَا أَخْرَمُ، احْذَرْهُمْ، لا يَقْتَطَعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ: يَا سَلَمَةُ، إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلا تَحُلْ بَيْنِى وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ. قَالَ: فَخَلَّيْتُهُ. فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَالَ: فَعَقَرَ بَعبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ. وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ. وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسَهِ وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ - فَارسُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ. فَوَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَىَّ، حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِى، مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا غُبَارِهِم شَيْئًا، حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ - يُقَالُ لَهُ: ذَا قَرَدٍ - لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ. قَالَ: فَنَظَرُوا إِلَىَّ أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فَحَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ - يَعْنِى أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ - فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطرَةً. قَالَ: وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِى ثَنِيَّة. قَالَ: فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِى نُغْضِ كَتِفِهِ. قَالَ: قَلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ. قَالَ: يَا ثَكَلَتْهُ أُمُّهُ، أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ. قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، يَا عَدُوَّ نُفْسِهِ، أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ. قَالَ: وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيةٍ. قَالَ: فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقهُمَا إِلَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَلَحِقَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وبيداء تحسِب آرامَهَا ... رجَالُ إياد بأجلادها يعنى: بأشخاصها. قال: فالآرام الأعلام. والأرأم بالهمز بعد الراء الظب. قال زهير: بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهض من كل مجثم قال القاضى: قال بعضهم: لعله جعلت عليه آثار من الحجارة، أى علامته. قوله: " فلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فطعنه "، وذكر قتل عبد الرحمن للأخرم. كذا قال مسلم، وذكر ابن إسحاق أن صاحب هذه القصة حبيب بن عيينة بن حصن، ولم تكن العرب تسمى بعبد الرحمن فى الجاهلية. قال الإمام: وقوله: " لقينا من هذا البرح " يعنى الشدة، وقد تقدم.

عَامِرٌ بسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ، وَسَطِيحَة فِيهَا مَاءٌ، فَتَوَضَّأتُ وَشَرِبْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى المَاءِ الَّذِى حَلأتُهُمْ عَنْهُ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الإبِلَ، وَكُلَّ شَىْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ وَإِذَا بِلاَلٌ نَحَرَ نَاقَةً مِنَ الإِبِلِ الَّذِى اسْتَنْقَذْتُ مِنَ الْقَوْمِ، وَإِذَا هُوَ يَشْوِى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَلِّنِى فَأَنْتَخِبُ مِنَ القَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ، فَأَتَّبِعُ القَوْمَ فَلا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلا قَتَلْتُهُ. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فِى ضَوْءِ النَّارِ. فَقَالَ: " يَا سَلَمَةُ، أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلاً؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. وَالَّذِى أَكْرَمَكَ فَقَالَ: " إِنَّهُمُ الآنَ لَيُقْرَوْنَ فِى أَرْضِ غَطَفَانَ ". قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ: نَحَرَ لَهُمْ فُلانٌ جَزُورًا. فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا، فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْقَوْمُ، فَخَرَجُوا هَارِبِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ ". قَالَ: ثُمَّ أَعْطانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَيْنِ: سَهْمُ الْفَارِسِ وَسَهْمُ الرَاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا لِى جَمِيعًا، ثُمَّ أَرْدَفَنِى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لا يُسْبَقُ شَدا، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلا مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلامَهُ قُلْتُ: أَمَا تُكْرمُ كَرِيمًا، وَلا تَهَابُ شَرِيفًا؟ قَالَ: لاَ إِلا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِى وَأُمِّى، ذَرْنِى فَلأُسَابِقَ الرَّجُلَ. قَالَ: " إِنْ شِئْتَ ". قَالَ: قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ، وَثَنَيْتُ رِجْلَى فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ. قَالَ: فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفِيْنِ أَسْتَبْقِى نَفَسِى، ثُمَّ عَدَوْتُ فِى إِثْرِهِ، فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، ثُمَّ إِنِّى رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ. قَالَ: فَأَصُكُّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ: قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ وَاللهِ قَالَ: أَنَا أَظُنُّ. قَالَ: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَوَاللهِ، مَا لَبثْنَا إِلا ثَلاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَجَعَلَ عَمِّى عَامِرٌ يَرْتَجِزُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يتخللون الشجرأ: أى يدخلون بين خلال الشجر. وخلالها أوساطها، والخلال جمع خلل، مثل جبل وجبال. ومنه: {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} (¬1) يعنى: وسطكم. قوله: " مذْقَةَ لَبَن "، قال القاضى: أى شىء قليل من لبن مشوب بالماء. قال الإمام: يقال: مذقت اللبن، أى خلطته بالماء. ومذق المودة: لم يخلصها (¬2)، ¬

_ (¬1) التوبة: 47. (¬2) فى الأصل: يخلطها، والمثبت من ع.

بِالقَوْمِ: تَاللهِ لَولا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا وَنَحْنُ عَن فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ... فَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا وأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ هَذَا؟ ". قَالَ: أَنَا عَامِرٌ. قَالَ: " غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ ". قَالَ: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلا اسْتُشْهِدَ. قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، لَوْلا مَا مَتَّعْتَنَا بعَامِرٍ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَالَ: خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى مَرْحَبُ ... شَاكِى السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ قَالَ: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّى عَامِرٌ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى عَامِرٌ ... شَاكِى السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ قَالَ: فَاخْتَلَفْا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِى تُرْسِ عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ، فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومذقها أيضًا: ملها. وقوله: " شاكى السلاح ": أى تام السلاح، يقال: رجل شائك (¬1) السلاح وشاك فى السلاح، من الشكة وهى السلاح أجمع، وشوكة الأسنان: شدته، قال الله سبحانه وتعالى: {غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة} (¬2) أى غير ذات السلاح التام. قال القاضى: تحقيق هذا: رجل شاك السلاح، ورجل شاك وشاكٌ مخففان وشائك، كله للذى جمع عليه سلاحه. والشكة: السلاح، والشوكة أيضًا، وسلاح شاك. قال الإمام: وقوله: " بطل مغامر " يشبه أن يكون أراد: يركب غمرات الحرب، وهى شدائدها. وقول على - رضى الله عنه -: " أنا الذى سمتنى أمى حيدرة " قيل: إنما تمثل علىُّ ¬

_ (¬1) فى الأصل: شاك، والمثبت من ع. (¬2) الأنفال: 6.

قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ، قَتَلَ نَفْسَهُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ ذَلِكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. قَالَ: " كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ "، ثُمَّ أَرْسَلَنِى إِلَى عَلِىّ، وَهُوَ أَرْمَدُ. فَقَالَ: " لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، أَوْ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ". قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ، وَهُوَ أَرْمَدُ، حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَسَقَ فِى عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وَخَرَجَ مَرْحَبٌ فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى مَرْحَبُ ... شَاكِى السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ فَقَالَ عَلِىٌّ: أَنَا الَّذِى سَمَّتْنِى أُمِّى حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَهْ أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتداء عند مبارزة مرحب هذا؛ لأنه كان رأى فى المنام أن مرحبًا يقتله سبع وكان على - رضى الله عنه - سمى أول ما ولد أسدًا وسبعاً. وحيدرة: الأسد فارتجز بذلك لينبه على المنام ويذكره به حتى تضعف منته ويخاف. وقوله: " أو فيهم بالصاع كيل السندرة ": معناه: أقتلهم قتلاً واسعًا؛ لأن السندرة مكيال واسع، وقيل: السندرة: العجلة، فيكون معناه على هذا: اقتلهم قتلاً عاجلاً. قال القتبى: ويحتمل أن يكون مكيالاً اتخذ من السندرة، وهى شجرة يعمل منها النبل والقسى. قال القاضى: قال صاحب العين: كيل السندرة: ضرب من الكيل غراف جزاف؛ وإنما سمى على - رضى الله عنه - عند ولادته أسدًا باسم جده لأمه أسد بن هاشم بن عبد مناف، سمته أمه فاطمة بنت أسد بذلك على اسم أبيها، فكان أبو طالب غائباً حينئذ، فلما قدم سماه علياً، فهو الذى أراد. وعبر بحيدرة عن أسد، فهو من أسماء الأسد، سمى بذلك لغلظه. والحادر: الغليظ، يريد: أنا السبع فى جرأته، والأسد فى إقدامة، وبه سمتنى أمى. قال القاضى: وبقى من الغريب فى حديث سلمة - مما لم يذكره - قوله: " اخترطت سيفى": معناه: سللته.

قَالَ: فَضَربَ رَأسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ بِطُولِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وجاء عمى برجل من العبلات فى سبعين من المشركين " هو بطن من بنى عبد شمس، وهم أمية الأصغر وأخواه نوفل وعبد شمس بن عبد مناف من قريش، نسبوا إلى أم لهم من تميم اسمها عبلة بنت عبيد بن البراجم. وقوله: " على فرس مجفف ": أى عليه تخفاف بكسر التاء، هو شبه الجُل. وقوله: " دعهم يكن لهم بدء الفجور وثناه " بكسر الثاء ومقصور، أى عودة ثانية، وفى رواية ابن ماهان: " وثنياه " بضم الثاء، وهو بمعنى الأول. وعفو النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم ونزلهم لمجيئهم بهم - والله أعلم - لأنه بعد تمام الصلح، وكان هذا الخبر فى الحديبية التى كان فيها الصلح على ما تقدم فى الحديث. وإنما فعل هذا سلمة وعمر لما ذكر من قتل المقتول من المسلمين أسفل الوادى، فرأى المسلمون أن الصلح منتقض ولم ينقضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإما أن يكون لم يحقق أن المشركين قتلوه بعد الصلح، أولم يرتضى الصلح بذلك لجهل قاتله فأمضى الصلح. وقوله: " فنزلنا منزلاً بيننا وبين بنى لحيان جبل وهم المشركون ": هكذا ضبطناه بفتح الهاء وتشديد الميم على بعض شيوخنا، ومعناه: هم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين أمرهم لئلا يغدروهم ويبيتوهم لقربهم منهم، يقال: همنى الأمر وأهمنى، وقيل: همنى أذابنى، وأهمنى: غمنى. واستغفار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن يكون طليعه فى الجبل يدل عليه. وضبطه بعضهم: " وهم المشركون " على الخبر عنهم. " وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بظهره ": أى بإبله التى تحمل أثقاله. والسّرح: الإبل والمواشى الراعية وهى السارحة أيضًا، سميت بسرحها للرعى، وهو إرسالها له بالغداوات. والأكمة: ما ارتفع من الأرض دون الجبل. وقوله: " فأصكه بسهم فى نُغض كتفه ": كذا روايتنا عن شيوخنا، وفى بعض النسخ: " إلى كعبه "، والمعنى بالرواية الأولى أشبه، لأنه يمكن أن يصيب بها أعلى آخرة الرجل، فيصيب حينئذ إذا نفذته (¬1) كتفه. ومعنى " أصك ": أضرب. ¬

_ (¬1) فى س: نفذ.

(...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِىُّ السُّلَمِىُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، بِهَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فما زلت أرميهم وأعقر بهم،: ورواه بعضهم: " أزد بهم " بفتح الهمزة، ومعناه: أرميهم. وكذا روايتنا فيه. ورواه بعضهم هنا: " أرميهم " والرادى: الرامى، رديت الحجر: رميته، والمرداة: الحجارة، والأشبه فى الأول: " أرميهم "؛ لأنه إنما أخبر عن رميه بالقوس. ومعنى قوله: " وأعقر بهم ": أى أعقر خيل فوارسهم، وكذلك قوله بعد: " فعقر بعبد الرحمن ": أى قتل فرسه، ويقال: عقر به: إذا عَرقَتْ دَابته. و" يتضحون ": فسره فى الحديث: " يتغدون ". و " يقرون ": يضافون. أخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوصولهم إلى بلادهم وفوتهم الطلب، وأنهم يقرون هناك، ونطعمهم من فى أولهم. وذكر بعضهم أنه يروى: " يقرون " بفتح الياء، أى يضيفون غيرهم، وأن سبب هذه الفعلة الحميدة ترك أتباعهم ورعاً بهم، وهذا بعيد جداً من مقصد الحديث. والقرن: جبل صغير منفرد منقطع من جبل كبير. وقوله: " فحليتهم منه ": يريد الماء، كذا روايتنا فيه غير مهموز مشدد الام بحاء مهملة، أى طردتهم عنه، كما فسره فى الحديث نفسه: " أجليتهم عنه ". وأصله الهمز، فسهل هنا، وجاء مهموزاً بعد هذا فى الحديث نفسه. ونغض الكتف: العظم الرقيق على طرفها، سمى بذلك لكثرة تحركه، وهو الناغض أيضًا. وقوله: " وأردوا فرسين ": كذا رواية الكافة فيه بالدال المهملة ورواه بعضهم بالمعجمة، وكلاهما متقارب المعنى. فبالمعجمة معناه: خلفوا، والردى: الضعيف من كل شىء. وبالمهملة فمعناه: أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما، ومنه: المتردية. وأردت الخيل الفارس: أسقطته. ومذقة اللبن: القليل منه الممزوج بالماء. والمذق ما مزج منه الماء. والسطيحة: إناء من جلود، سطح بعضها على بعض. وقوله فى خبر الذى سابقه: " فطفرت ": أى قفزت وعدوت وجريت. وقوله: " فربطت عليه شرفاً أو شرفين أستبقى نفسى " بفتح الفاء، أى حبست عليه قليلاً لأروح نفسى، ولا يقطع البهر وطول الجرى نفسى. والشرف: ما ارتفع من الأرض. والشد: الجرى. وقوله: " يخطر بسيفه ": أى يرفعه مرة ويضعه أخرى، [وقد تقدم معنى قول علىٍّ: " أنا الذى سمتنى أمى حيدرة "] (¬1). ¬

_ (¬1) هذا الكلام سقط من س، وقد تقدم فى الباب الماضى فى غزوه خيبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وذهب عامر يسفل له ": أى يضربه من أسفله. ومما فى هذا الحديث من الفقه والفوائد - سوى ما تقدم - أربع معجزات للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأولى: تقدمت فى تكثير قليل الماء. والثانية: فى إبراء الأمراض وذوى العاهات بنفسه (¬1) وريقه، كلما ذكر هنا أنه قيل له: على، وهو أرمد، فبصق فى عينه فبرئ. والثالثة: إخباره عن الغيب عن حالة غطفان، وأنهم يقرون حين قال ذلك، فجاء الخبر بذلك (¬2). والرابعة: قوله فى على - رضى الله عنه -: " يفتح الله على يديه "، فكان كما قال فإن لم يكن هذا اللفظ فى خبر على - رضى الله عنه - فى مسلم فهو فى غيره. وفيه جواز اتخاذ الطلائع كلما فعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3)، ومصالحة العدو إذا رأى فى ذلك مصلحة المسلمي وجواز المسابقة على الأرجل كما جاء فى الحديث، وفى حديث مسابقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عائشة - رضى الله عنها - (¬4) وما كان عليه سلمة مق القوة على المثى والشجاعة وجودة الرمى وفضل الرمى. وجواز عقر خيل العدو فى القتال. وجواز قول الرامى والطاعن فى الحرب: خدها، وأنا ابن فلان. وجواز الارجاز فى الحرب وبين الصفوف، وما كان عليه الصحابة - رضى الله عنهم - مق حبهم الشهادة. وجواز الاستقتال فى سبيل الله تعالى وطلب الموت وإلقاء الإنسان نفسه فى غمرات الحروب والعدد الكثير من العدو كلما فعل الأخرم وسلمة. وجواز المبارزة، ولا خلاف بين العلماء فى جوازها بإذن الإمام، إلا الحسن فإنه شذ ومنعها. واختلف بغير إذن الإمام، ومنع ذلك إسحاق وأحمد والثورى، واختلف فيه عن الأوزاعى، وأجازه مالك والشافعى. وهذا الحديث حجة لهما إذ لم يذكر فيه أن علياً وعامراً استأذنا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المبارزة. واختلفوا بعد فى معونة المبارز على من برز إليه، فرخص فى ذلك أحمد وإسحاق والشافعى، واحتجوا بقصة على وحمزة وعبيدة يوم بدر (¬5). قال الشافعى: إلا أن يقول ¬

_ (¬1) فى س: بلمسه. (¬2) فى س: بمثله. (¬3) البخارى، ك الجهاد، ب دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام والنبوة 5/ 57، مسلم، ك فضائل الصحابة برقم (2406). (¬4) أبو داود، ك الجهاد، ب فى السبق على الرجل 2/ 28، أحمد 6/ 264. (¬5) سبقت فى غزوة بدر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ له: لا يقاتلك غيرى، أو لم يقل إلا أنه يعرف أنه قصد واحداً فهو كالآمن من الجميع، وأكره معونته. وكره معاونة المبارز الأوزاعى بكل حالٍ وإن خشوا قتل العدو لصاحبهم؛ لأن المبارزة إنما تكون هكذا، إلا أن يعين المبارز من العدو وأصحابه، فلا بأس أن يعين المسلمون صاحبهم. وفيه أن ما بقاه (¬1) المشركون حكمه حكم ما غنم منهم. وقوله فى على - رضى الله عنه -: " يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ": من خصائص على - رضى الله عنه - وكراماته. وفيه من الفقه: أن للإمام الإرضاخ من النافلة والزيادة لمن رآه مستحقًا لذلك كما فعل لسلمة. وقوله: " أعطانى سهمين؛ سهم الفارس وسهم الراجل ": أما سهم الراجل فحقه، وأما سهم الفارس فلغنائه ما لا يغنيه فوارس عدة، كما نصه فى الخبر. فيحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصه بذلك لذلك؛ ولأنه استنقذ تلك الغنائم قبل ورود العسكر، ويحتمل أنه أعطاه سهم الفارس من الخمس، والله أعلم. وفيه أن ما استنقذ من يد العدو من مال المسلمين فصاحبه أحق به، كما استنقذ هؤلاء لقاح النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

_ (¬1) فى س: ألقاه.

(46) باب قول الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم} الآية

(46) باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} الآية 133 - (1808) حدّثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ، يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ. فَأَخَذَهُمْ سَلَماً، فَاسْتَحْيَاهُمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الذين أرادوا غرة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأخذهم سلماً ": كذا ضبطناه بسكون اللام، وفى نسخة: " سَلَمَا " بفتح اللام. وكذا ضبطناه عن هشام بن أحمد الفقيه عن أبى على الغسانى، وهو أظهر هنا، أى أسارى. والسلم: الأسير، سمى بذلك لأنه أسلم. والسَّلمُ والسِّلْم، بسكون اللام وكسر السين وفتحها: الصلح، وهو السلام أيضاً. وقوله: " فاستحياهم ": يدل على صحة الرواية بالفتح فى اللام، وأنها أظهر. ¬

_ (¬1) الفتح: 24.

(47) باب غزوة النساء مع الرجال

(47) باب غزوة النساء مع الرجال 134 - (1809) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ ابنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أُمَّ سُلَيْم اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا، فَكَانَ مَعَهَا. فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خنْجَرًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذَا الْخِنْجَرُ؟ ". قَالَتِ: اتَّخَذْتُهُ، إِنْ دَنَا مِنِّى أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْتُلْ مَنْ بَعْدَنَا مِنَ الطُّلَقَاَءِ انْهَزَمُوا بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، إِنَّ اللهَ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فِى قِصَّةِ أُمِّ سُلَيْمٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِثْلَ حَدِيثِ ثَابِتٍ. 135 - (1810) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ، وَنِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وُيدَاوِينَ الْجَرْحَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى حديث أم سليم خروج النساء فى الغزو ومباشرتهن القتال. والخنجر، بفتح الخاء: السكين. وبقرت بطنه: شققته. قال الإمام: أصل التبقر: التوسع والتفتح، ومنه يقال: بقرت بطنه. وفى الحديث: نهى عن التبقر فى الأهل والمال. قال أبو عبيد: [يراد به] (¬1) الكثرة والسعة. قال القاضى: وقول أم سليم: " اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك ": استحقوا عندها ذلك لتهمتهم قصد ذلك لقرب إسلامهم، ومنهم من لم يكن أسلم بعد، ومعنى " من بعدنا ": أى من سوانا ومن درانا. و" الطلقاء ": هم أهل مكة الذين أسلموا بعد الفتح؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منَّ عليهم وقال لهم: " أنتم الطلقاء ". وفى قوله فى النساء: " يسقين الماء ويداوين الجرحى " جواز تناول المرأة الفاضلة مثل هذا من الرجال الفضلاء، لا سيما فى هذا الموطن الذى لا يشغل فيه شىء عما هم فيه، وأن ¬

_ (¬1) فى س. يريد.

136 - (1811) حدَّثنا عَبدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو - وَهُوَ أَبُو مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِىُّ - حَدَّثنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، وَكَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاثًا قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لأَبِى طَلْحَةً. قَالَ: وَيُشْرِفُ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ. فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِىَّ اللهِ، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، لا تُشْرِفُ لا يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِى دُونَ نَحْرِكَ. قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِى بَكْر وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقُلانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِى أَفوَاهِهْم، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أكثرهن كن متجالات، وأن المداواة قد لا يكون فيها لمس ومباشرة. وقوله: " وأبو طلحة بين يدى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجوب عليه بحجفة "، قال الإمام: يعنى مترسًا يقيه بالحجفة، وهى الترس، والجوب: التُّرس. وقوله: " وكان أبو طلحة رامياً شديد النزع ": يعنى شديد الرمى بالسهام. قال القاضى: وفيه التترس (¬1) والتوقى من العدو، وفضل الرمى، وجواز قول الرجل للآخر: بأبى أنت وأمى، وتفديته؛ لقول أبى طلحة ذلك، ولقول غير واحد ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينكره. وقد كره بعض العلماء التفدية بالآباء، وقال: لا يفدى بمسلم أحدٌ، وإنما فدى هؤلاء بأبيهم لأنهم مشركون، ورويت فى ذلك آثار ولم تثبت. وقد فدى أبو بكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبوه مسلم، وفدته عائشة - رضى الله عنها - فى حديث أم زرع فى بعض الروايات. وقوله من السلف بعضهم لبعض غير منكر والمراد به التعظيم وغاية البر. وقوله: " أرى خدم سوقها " أى خلاخيلِهن. والسوق جمع ساق، وواحد الخدم خدمة. وقيل. هى سور كالحلقة تجعل فى الرجل. قال الإمام: وفى حديث سلمان أنه رىء على حمار وخدمتاه تذبذبان: أراد بخدمتيه: ساقيه، فسميتا بذلك لأنها موضع القدمين [وهى الخلخالين] (¬2) [ويقال: أريد بهما مخرج الرجل من السراويل] (¬3)، ومنه الحديث: [" بادية خدامهن "، أى ظاهرة خلاخلهن، ومنه قيل: فرس مخدم إذا كان أبيض الرسغين] (¬4). ¬

_ (¬1) فى س: التتريس. (¬2) فى ع: وهما الخلخالا. (¬3) و (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من ع، س.

تُفْرِغَانِهِ فِى أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَىْ أَبِى طَلْحَةَ، إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاثًا، مِنَ النُّعَاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [قال القاضى: قيل: وفى حاجة الجيوش إلى مثل هذا - مداواة الجرحى وسقى الماء - تكليف ذوى] (¬1) الصناعات الخروج فى الجيوش مع المقاتلة، مما جعلهم يضطرون إلى عمله فى غزوهم. وأما ظهور خدم سوقهن ورؤية الرجال ذلك منهن، فلعله كان عن غير قصد وتعمد، وللضرورة حينئذ للتشمير واستقاء الماء وحمله، ولا يمكن ذلك مع إرخاء الذيل وستر الأرجل، مع الشغل حينئذ بما هم فيه بعضهم عن بعض. وقد قال بعض علمائنا - وهو القاضى أبو عبد الله بن الرابط -: إذا دخل الحرج على النساء فى ستر ما أمرنا ستره من المعصم والصدر والساق رفع عنهن للضرورة. وهذا الحديث يشهد له. أو يكون هذا قبل أمرهن بالستر، والحديث كان فى يوم أحد، وذلك فى أول الإسلام قبل نزول الحجاب، وقبل الأمر بالستر وإرخاء الذيل، والضرب بالخمر على الجيوب، والنهى عن إبداء الزينة، إلا لمن خصه الله سبحانه ممن ذكر فى كتابه العزيز فى سورة النور. وإنما نزل كثير منها بعد قصة الإفك وفى غزوة المريسيع بعدها سنة ست على قول ابن إسحاق، أو أربع على قول ابن عقبة، أو خمس على قول الواقدى. وفى حضور النساء أيضًا فى معارك الحرب ومظان القتال، إثارة غيرة الرجال، وحمية الأنوف؛ لصونهن عن النساء. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من س.

(48) باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم والنهى عن قتل صبيان أهل الحوب

(48) باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم والنهى عن قتل صبيان أهل الحوب 137 - (1812) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرمُزَ؛ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْالُهُ عَنْ خَمْسِ خِلالٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلا أَنْ أَكْتُمَ عِلمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ، كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدةُ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَخْبَرَنِى هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْم؟ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ وَمَتَى ينْقَضِى يُتْمُ الْيَتِيمَ؟ وَعَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِى هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فُيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا بِسَهْمٍ، فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ، فَلا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ. وَكَتَبْتَ تَسْأَلنِى: مَتَى يَنْقَضِى يُتْمُ الْيَتِيمَ؟ فَلَعَمْرِى إِنَّ الرَّجُلَ لَتنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الأَخْذِ لِنَفْسِهِ، ضَعِيفُ الْعَطَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى حديث نجدة وابن عباس ما تقدم الكلام عليه؛ من منع قتل النساء والصبيان. وفيه أنه لا يضرب لهن بسهم، وهو قول كافة العلماء؛ مالك وأبو حنيفة والشافعى والثورى والليث، خلافاً للأوزاعى فى أنه يسهم لهن إذا قاتلن، وأنهن كن يداوين الجرحى. وقوله: " ويحذين من الغنيمة "، قال الإمام: أى يعطين. قال ابن ولاد: الحُذْيا والحُذَيَّا: مَا يعطى الرجل من الغنيمة أو من الجائزة، وكذلك الحذوة. قال القاضى: واختلف العلماء فى هذا، فقال مالك لا يرضخ لهن ولم يبلغنى ذلك، وقال الباقون: إنه يرضخ لهن. وذهب بعض العلماء إلى إنما ذلك لقلة غنائهن فى القتال، ولو ظهر من امرأة غناء لكان الاسهام لهن (¬1) صواباً، وقاله ابن حبيب. وذكر فى الحديث أنه لا يسهم للعبد، وبه قال جمهور العلماء، قالوا: ويرضخ، إلا مالك فلا يرى الارضاخ، كما قال فى النساء، ورواه بعض أصحابه، وذهب الحكم وابن سيرين والحسن وإبراهيم إلى أن العبد إن قاتل أسهم له. قال القاضى: وقوله: " وسألت متى ينقضى يُتم اليتيم؟ فلعمرى إن الرجل لتنبت لحيته، وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما ¬

_ (¬1) فى س: لها.

مِنْهَا، فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأخُذُ النَّاسُ، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ. وَكَتبْتَ تَسْأَلُنِى عَنِ الخمْسِ لَمَنْ هُوَ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ: هُوَ لَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ. 138 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ؛ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْألُهُ عَنْ خِلالٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ حَاتِمٍ: وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ، فَلا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ، إِلا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمُ مَا عَلِمَ الْخَضِرُ مِنَ الصَّبِىِّ الَّذِى قَتَلَ. وَزَادَ إِسْحَاقُ فِى حَدِيثِهِ عَنْ حَاتِمٍ: وَتُمَيِّز الْمُؤْمِنَ، فَتَقْتُلَ الْكَافِرَ وَتَدَعَ الْمُؤْمِنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم " وفى الحديث الآخر: " حتى يبلغ ويؤنس منه رشد ": واختلف الناس فى هذا، فذهب مالك وأصحابه وكافة العلماء إلى أن يتم اليتيم لا يخرجه مجرد البلوغ ولا علو السن، حتى يؤنس منه الرشد وضبطه المال، وهو قول الشافعى وأبى يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسة (¬1) وعشرين سنة دُفع إليه ماله وإن كان غير ضابط له. واختلف عندنا هل من شرط ذلك العدالة فى الدين؟ وهو قول الشافعى وأبى يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: إنه لا يشترط إلا حسن الحال فى ضبط المال دون الرضا فى الدين، وهو مشهور المذهب. ثم اختلفوا إذا كان عليه مغرم، هل بنفس صلاح حاله يخرج من الولاية وهو أحد قولى الشافعى وأحد القولين عندنا، والثانى مشهور مذهبنا وأحد قولى الشافعى: أنه لا يخرج من الحجر إلا الإطلاق لمن حاكم أو وصى، ومالك وجمهور العلماء على جواز الحجر، بل وجوبه على الكبير إذا ثبت سفهه، خلافاً لأَبِى حنيفة. وقد حكى ابن القصار أن المسأله كأنها مسألة إجماع على خلاف من الخلفاء والصحابة والتابعين. وقول أهل المدينة وأهل الشام وأئمة الفتوى وعلماء الأمصار سواه. وقوله: " وكتبت تسألنى عن الخمس لمن هو؟ وإنا نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا ذلك " تقدم الخلاف فى هذا الكلام فى سهم ذى القربى ومن هم؟ وإنما كان يسأله عنه بدليل بيانه فى الحديث الآخر، وقوله عن ذوى القربى: " من هم؟ ". وقوله: " إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يقتل الصبيان فلا تقتل الصبيان، إلا أن تكون تعلم ما علم الخضر من الصبى الذى قتل ": يريد أن الله - سبحانه - أعلمه أنه كافر، وقتله إنما يكون بإذن الله - تعالى - فلا يقاس عليه غيره. وقد قال - سبحانه وتعالى - ¬

_ (¬1) فى س: خمسا.

139 - (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيد المَقْبُرِىُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحرُورىُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ، هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا؟ وَعَنْ قَتْلِ الوَلْدَانِ؟ وَعَنِ الْيَتِيمِ مَتَى يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْيُتْمُ؟ وَعَنْ ذَوِى الْقُرْبَى، مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ لِيَزَيدَ: اكْتُبْ إِلَيْهِ، فَلَوْلا أَنْ يَقَعَ فِى أُحْمُوقَة مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ. اكْتُبْ: إِنَّكَ كَتَبْتَ تَسْأَلُنِى عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ، هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا شَىْءٌ؟ وَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا شَىْءٌ، إِلا أَنْ يُحْذَيَا. وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِى عَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ؟ وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلهُمْ، وَأَنْتَ فَلا تقْتُلْهُمْ، إِلا أَنْ تَعْلَمَ مِنْهُمْ مَا عَلِمَ صَاحِبُ مُوسَى مِنَ الْغُلامِ الَّذِى قَتَلَهُ. وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِى عَنِ الْيَتِيمِ، مَتَى يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ الْيُتْمِ؟ وَإِنَّهُ لا يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ الْيُتْمِ حَتَّى يَبْلُغَ وُيؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ. وَكَتَبْتَ تَسْأَلنِى عَنْ ذَوِى الْقُرْبَى، مَنْ هُمْ؟ وَإِنَّا زَعَمْنَا أَنَّا هُمْ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا. (...) وحدّثناه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَان، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةً عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَاقَ الْحَدِيَثَ بِمِثْلِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، بِطُولِهِ. 140 - (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِم، حَدَّثَنِى أَبِى، قَالَ: سَمْعْتُ قَيْسًا يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْن هُرْمُزَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْن حَاتِمٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: فَشَهِدْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ وَحِينَ كَتَبَ جَوَابَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللهِ، لَوْلا أَنْ أَرُدَّهُ عَنْ نَتْنٍ يَقَعُ فِيهِ مَا كَتَبْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حاكياً عن الخضر: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (¬1). وقوله: " لولا أن يقع فى أحموقة ما كتبت إليه ": أى فعلاً من الخصال الحمقى ورأياً من آرائهم. ومثله فى الرواية الأخرى: " عن نتن " أى عن فعل قبيح، ويعبر عن كل شىء مستقبح بالخبيث والنتن والرجس والقذر والقاذورة. ¬

_ (¬1) الكهف: 82.

إِلَيْهِ، وَلا نُعْمَةَ عَيْنٍ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ سَأَلْتَ عَنْ سَهْمِ ذِى الْقُرْبَى الَّذِى ذَكَرَ اللهُ، مَنْ هُمْ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ قَرَابَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ نَحْنُ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا. وَسَأَلْتَ عَنِ الْيَتِيمِ، مَتَى يَنْقَضِى يُتْمُهُ؟ وَإِنَّهُ إِذَا بَلَغَ النِّكَاحَ وَأُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ وَدُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ، فَقَد انْقَضَى يُتْمُهُ. وَسَأَلْتَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ مِنْ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ أَحَدًا؟ فَإنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَأَنْتَ فَلا تَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا، إِلاَ أَنْ تَكُونَ تَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا عَلِمَ الْخَضِرُ مِنَ الْغُلامِ حِينَ قَتَلَهُ. وَسَأَلْتَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، هَلْ كَانَ لَهُمَا سَهْمٌ مَعْلُومٌ، إِذَا حَضَرُوا البَأسَ؟ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ مَعْلُومٌ، إِلا أَنْ يُحْذَيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ. 141 - (...) وحدّثنى أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ صَيْفِىٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. فَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ. وَلَم يُتِمَّ الْقِصَّةِ، كَإِتْمَامِ مَنْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُمْ. 142 - (1812) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَخْلُفُهُمْ فِى رَحَالِهِمْ، فَأصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِى الْجَرْحَى وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى. (...) وحدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولا نعمة عين ": يريد به (¬1): أى لم أجاوبه إكراماً له، وإدخالاً للمسرة عليه، يقال: أنعم الله - سبحانه - بك عينًا، ونعم بك عينًا، بفتح العين وكسرها، ثلاث لغات. وحكى: نعمك الله عيناً كله، أى أقر الله عينك بما يسرك. ويقال: نُعْمَة عين ونَعْمَةَ عين ونَعم عين ونُعم عين ونعامى عين ونعيم عين ونَعام عين ونُعام عين. ومعنى قوله: " إذا حضروا البأس ": أى الحرب، قال الله سبحانه وتعالى: {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} (¬2). وأصل البأس والبأساء: الشدة. ¬

_ (¬1) فى س: له. (¬2) النحل: 81.

(49) باب عدد غزوات النبى صلى الله عليه وسلم

(49) باب عدد غزوات النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 143 - (1254) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ خَرَجَ يَسْتَسْقِى بِالنَّاسِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَسْقَى. قَالَ: فَلَقِيتُ يَوْمَئِذٍ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ. وَقَالَ: لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنهُ غَيْرُ رَجُل، أَوْ بَيْنِى وَبَيْنَهُ رَجُلٌ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. فَقُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً. قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا؟ قَالَ: ذَاتُ الْعُسَيْرِ أَوْ العُشَيْرِ. 144 - (...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، سَمِعَهُ مِنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةَ، وَحَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً لَمْ يَحُجَّ غَيْرَهَا، حَجَّةَ الْوَدَاعِ. 145 - (1813) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحِ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً. قَالَ جَابِرٌ: لَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا ولا أُحُدًا، مَنَعَنِى أَبِى. فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ يَوْمَ أُحُدٍ، لَمْ أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةٍ قَطُّ. 146 - (1814) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تُميْلَةَ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: خرج مسلم فى عدد غزوات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: حَدَّثَنَا أبُو بكر بن أبى شيبة، قال: نا يحيى بن آدم، نا زهير عن أبى إسحاق. قال بعضهم: هكذا روى هذا الإسناد عن الكِسَائِى على الصواب. وفى نسخة السجزى والرازى عن أبى أحمد: نا يحيى ابن آدم، قال: نا وهيب. وكذلك كان فى نسخة ابن ماهان فغيره. قال عبد الغنى: الصواب: زهير، وأما وهيب فخطأ؛ لأن وهيب لم يلق أبا إسحاق. قال القاضى: وقول جابر: " لم أشهد بدراً ولا أحداً منعنى أبى ": كذا فى هذا

اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَاتَلَ فِى ثَمَانٍ مِنْهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ: مِنْهُنَّ. وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ. 147 - (...) وحدَّثنى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ قَالَ: غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً. 148 - (1815) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى عُبَيْدٍ - قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ - فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ - تِسْعَ غَزَوَاتٍ. مَرةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّة عَلَيْنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. (...) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ، فِى كِلْتَيهِمَا: سَبْعَ غَزَوَاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث. وقد ذكر أبو عبيد فى حديثه عن جابر: كنت منيح أصحابى يوم بدر. قال ابن عبد البر: والصحيح أنه لم يشهد ذلك للحديث المتقدم. وقد ذكر ابن الكلبى أنه شهد أحداً.

(50) باب غزوة ذات الرقاع

(50) باب غزوة ذات الرقاع 149 - (1816) حدَّثنا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمَدَانِىُّ - وَاللَّفْظُ لأَبِى عَامِرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزَاةٍ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَر، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقبُهُ. قَالَ: فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، فَنَقِبَتْ قَدَمَاىَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِى، فَكُنَّا نَلُف عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمِّيتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نُعَصِّبُ عَلَى أَرْجُلِنَا مِنَ الْخِرَقِ. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا الْحَدِيثِ. ثُمَّ كَرِهَ ذَلِكَ. قَالَ: كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: وَزَادَنِى غَيْرُ بُرَيْدٍ: وَاللهُ يُجْزِى بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فنقبت أقدامنا ": أى قرحت من الحفى. وبقية الكلام فى الحديث يبينه من قوله: " وسقطت أظفارى، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت ذات الرقاع لذلك ": قد قيل: إنها سميت بذلك باسم جبل هناك، كان فيه بياض وسواد وحمرة. وقيل: بل باسم شجرة هناك. وقيل: بل كان فى ألويتهم رقاع. وكراهة أبى موسى لذكر هذا بَعْدُ، وأن يفشى شيئاً من عمله: فيه أن ما أصاب فى ذات الله فى نفس أو مال أن كتمه أولى وأعظم للأجر؛ لئلا يلحق بالتشكى، أو بالعجب بالعمل والتزين به، فتدخل فيه هذه الآفات، فخشى حط الأجر لذلك.

(51) باب كراهة الاستعانة فى الغزو بكافر

(51) باب كراهة الاستعانة فى الغزو بكافر 150 - (1817) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِك بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِى عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نِيَارٍ الأَسْلَمَىِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ ". قَالَ: لا. قَالَ: " فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ". قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى، حَتَّى إذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّة. فَقالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. قَالَ: " فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ". قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: " تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَانْطَلِقْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلما كان بحرة الوبرة ": كذا هو بفتح الباء هنا عندنا، وكذا ضبطناه عن شيوخنا فى كتاب مسلم. وقد ضبطه بعضهم بسكون الباء. وهو موضع على نحو أربعةَ أميال من المدينة. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذى قال له: جئت لأتبعك وأصيب معك -: " ارجع فلن أستعين بمشرك " كافة العلماء على الأخذ بهذا الحديث، والتمسك بهذه السنة، وهو قول مالك وغيره. وقال مالك وأصحابه: ولا بأس أن يكونوا نواتية وخدّاماً. قال ابن حبيب: ويستعملون فى رمِى المجانيق. وكره رميهم بالمجانيق غيره من أصحابنا، وأجاز ابن حبيب أن يستعمل من سالمه فى قتال من حاربه منهم، ويكونوا ناحية من عسكره لا فى داخله. وقال بعض علمائنا: إنما قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا فى وقت مخصوص لا على العموم. واختلفوا بعد إذا استعين بهم ما يكون لهم؟ فذهب الكافة - مالك والشافعى وأبو حنيفة وأبو ثور - إلى أنه لا يسهم لهم. وذهب الزهرى والأوزاعى إلى أن لهم كسهام المسلمين. وهو قول سحنون، إذا كان جيش المسلمين إنما قوى بهم، وإلا فلا شىء لهم. وقال الشافعى مرة: لا يعطوا من الفىء شيئاً، ويعطوا من سهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال قتادة: لهم ما صولحوا عليه فى ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 13/ 97 - 100.

33 - كتاب الإمارة

بسم الله الرحمن الرحيم 33 - كتاب الإمارة (1) باب الناس تبع لقريش والخلافة فى قريش 1 - (1818) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ - يَعْنِيَانِ الحِزَامِىَّ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ: يَبْلغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ عَمْرٌو: رِوَايَةً: " النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِى هَذَا الشَّأنِ، مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ ". 2 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الإمارة قوله: " الناس تَبَعٌ لقريش فى هذا الشأن، مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم ". زاد فى الرواية الأخرى: " تبع لقريش فى الخير والشر "، وقوله: " لا يزال هذا الأمر فى قريش [ما بقى] (¬1) من الناس اثنان "، وفى البخارى: " ما بقى منهم اثنان " (¬2): هذه الأحاديث - وما فى معناها فى هذا الباب - حجة أن الخلافة لقريش، وهو مذهب كافة المسلمين وجماعتهم. وبهذا احتج أبو بكر وعمر على الأنصار يوم السقيفة، فلم يدفعه أحد عنه. وقد عدها الناس فى مسائل الإجماع؛ إذ لم يؤثر عن أحد من السلف فيها خلاف، قولاً ولا عملاً قرناً بعد قرن إلا ذلك، وإنكار ما عداه. ولا اعتبار بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع: إنها تصح فى غير قريش. ولا بسخافة ضرار بن عمرو فى قوله: إن غير القرشى من النبط وغيرهم يقدّم على القرشى، هو أن خلعه إذا وجب ذلك؛ إذ ليست له عشيرة تمنعه، وهذا كله هزؤ من القول ومخالفة لما عليه السلف وجماعة المسلمين. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) البخارى، ك الأحكام، ب الأمراء من قريش 9/ 78.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِى هَذَا الشَّأنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ ". 3 - (1819) وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِى الخَيْرِ وَالشَّرِّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: " الناس تبع لقريش، مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم ": إشارة لقوله فى الرواية الأخرى: " فى الخير والشر "؛ لأنهم كانوا فى الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله وحج البيت، وكانت الجاهلية تنتظر إسلامهم واتباعهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما أسلموا وفتحت مكة اتبعهم الناس، وجاءت وفود العرب من كل جهة. كذلك حكمهم فى الإسلام فى تقديمهم للخلافة، فنبه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كما كان كفار الناس تبعًا لقريش فى الجاهلية فى الخير والشر، كذلك يجب أن يتبع مسلمهم لمسلمهم، فيكون المقدم عليهم. وقد أشعر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذا هو الحكم والحال، ما بقيت الدنيا وبقى من الناس أو من قريش اثنان. وقد ظهر ما قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: هذا مثل قول العرب: دعوه وقومه لى إن قتلوه كُفيتموه، وإن ظهر عيهم كنتم ورأيكم. وقيل: لعل هذا فى أمر الجور، والأئمة المضلين. وقد استدلت بهذه الأحاديث الشافعية وبما قارب معناها على إمامته وتقديمه على غيره، مثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأئمة من قريش "، وقوله: " قدموا قريشاً ولا تقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها " (¬1)، وهذا لا حجة فيه لهم؛ إذ المراد بالأئمة هنا الخلفاء، وكذلك بالتقديم، ولتقديم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سالماً - مولى أبى حذيفة - يؤم فى مسجد قباء وفيهم أبو بكر وعمر، وتقديمه زيداً وابنه أسامة ومعاذاً وغير واحد وقريش موجودون. وأما الحديث الآخر فى التعليم فليس بصحيح لفظاً ولا معنى؛ لإجماع العلماء على التعليم من غير قريش ومن الموالى، وتعليم قريش منهم، وتعليم الشافعى من مالك وابن عيينة، ومحمد بن الحسن، وابن أبى يحيى، ومسلم بن خالد الزنجي، وغيرهم ممن ليس بقرشى. وقوله: " إن هذا الأمر لا ينقضى، حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من ¬

_ (¬1) انظر: كنز العمال رقم (33846)، وعزاه لابن جرير عن الحارث بن عبد الله، بلفظ: " لا تقدموا قريشاً ولا تُعَلمِوا قريشاً "، وبلفظ: " لا تقدّموا قريشاً فتضلوا، ولا تأخروا عنها فتضلوا " رقم (33845) 12/ 32.

4 - (1820) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِى قُرَيشٍ، مَا بَقِىَ من النَّاسِ اثْنَانِ ". 5 - (1821) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. ح وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الهَيْثَمِ الوَاسِطِىُّ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنُ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّان - عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: دَخَلتُ مَعَ أَبِى عَلىَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَنْقَضِى حَتَّى يَمْضِىَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ". قَالَ: ثُمَّ تَكَلمَ بِكَلامٍ خَفِىَ عَلىَّ. قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِى: مَا قَالَ؟ قَالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قريش "، وفى الرواية الأخرى: " لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة "، وفى الرواية الأخرى: " لا يزال هذا الدين [عزيزاً منيعاً إلى اثنى عشر خليفة ": أعلم - عليه السلام - بعزة الدين والأمر حتى يلى] (¬1) اثنا عشر خليفة، وأن الدين لا يزال قائماً حتى تقوم الساعة، ويلى هذا العدد المذكور، فأما بقاء الدين إلى قيام الساعة فثابت صحيح من أحاديث أخر أيضاً، وقد تقدم الكللام عليه وعلى ما تظهر مخالفته له. مما جاء: " لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من يقول: الله، الله " (¬2)، وأن هذا حال من تقوم عليه الساعة عند قيامها، وقبض أرواح المؤمنين، وهذه الأحاديث الأخر بتمادى الإسلام إلى ذلك الحين. وأما تخصيصه بالاثنى عشر خليفة، فقد يُوجه عليه سؤالان؛ لأن: أحدهما: أن قوله: " الخلافة بعدى ثلاثون ثم تكون ملكاً " يعارض ظاهره، وقوله: " اثنا عشر خليفة "؛ إذ لم يكن فى الثلاثين إلا الخلفاء الأربعة، والأشهر التى بويع فيها الحسن بن على؟ والجواب عن هذا: أنه أراد هنا خلافة النبوة، وكذا جاء مفسراً فى بعض الروايات: " خلافة النبوة بعدى ثلاثون ثم تكون ملكاً [ملكاً] (¬3) "، ولم يشترط فى الآخر خلافة النبوة، وبيّنه قوله: " ثم تكون ملكاً ". ¬

_ (¬1) هكذا فى س. وفى الأصل: يلى والأمر حتى يلى. (¬2) سبق فى ك الإيمان، ب ذهاب الإيمان آخر الزمان. (¬3) ساقطة من س.

6 - (...) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ ابْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَليَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً ". ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلىَّ، فَسَأَلتُ أَبِى: مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". (...) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الحَدِيثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " لا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والسؤال الثانى: أنه قد ولى أكثر من هذا العدد؟ وهذا اعتراض غير لازم فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل: لا يلى إلا اثنا عشر خليفة، وإنما قال: " يلى اثنا عشر خليفة "، فقد ولى هذا العدد، وكان ما أعلم به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ولى غيرهم. هذا إن جعل اللفظ واقعاً على كل والٍ، وقد يحتمل أن يكون المراد به: مستحقى الخلافة من أئمة العدل، وقد مضى منهم من علم، ولابد من تمام العدد قبل قيام الساعة إن كان هذا مُراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: إنهم يكونون فى زمن واحد يفترق الناس عليهم. ولا يبعد أن هذا قد كان إذا تتبعت التواريخ. فقد كان بالأندلس منهم وحدها فى عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين سنة: ثلاثة، كلهم يدعيها ويلقب بها، ومعهم صاحب مصر كذلك، وخليفة الجماعة العباسى ببغداد إلى من كان يدعى ذلك فى ذلك الوقت أيضاً فى أقطار الأرض من بلاد البرابر وخُراسان من العلوية والخوارج وغيرهم. ويعضد هذا التأويل قوله فى كتاب مسلم بعد هذا: " ستكون خلفاء فتكثر " قالوا: فما تأمرنا؟ قال: " فوا بيعة الأول فالأول " (¬1). وقد يحتمل أن المراد بذلك إعزاز الخليفة (¬2) وإمارة الإسلام، واستقامة أمرها، و [الاجتماع] (¬3) على من تقدم لها، كما جاء فى كتاب أبى داود: " كلهم تجتمع عليه الأمة " (¬4)، وهذا قول قد وجد فيمن اجتمع عليه إلى أن اضطرب أمر بنى أمية، واختلفوا وتقاتلوا زمن يزيد بن الوليد على الوليد بن يزيد، واتصلت فتونهم، وخرج عليهم بنو العباس فاستأصلوا أمرهم، وهذا العدد موجود صحيح إلى حين خلافتهم إذا اعتبر. وقد يحتمل وجوهاً أخر، الله أعلم بمراد نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها. ¬

_ (¬1) سيأتى إن شاء الله فى ك الإمارة، ب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء. (¬2) فى س: الخلافة. (¬3) فى ص: الإجماع. (¬4) أبو داود، ك المهدى 2/ 421.

7 - (...) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةً يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَزَالُ الإِسْلامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَىْ عَشَرَ خَلِيفَةً ". ثُمَّ قَالَ كَلِمةً لمْ أَفْهَمْهَا. فَقُلْتُ لأَبِى: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". 8 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَىْ عَشَرَ خَلِيفَةً ". قَالَ: ثُمَّ تَكَلمَ بِشَىْءٍ لمْ أَفْهَمْهُ. فَقُلْتُ لأَبِى: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". 9 - (...) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ - واللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: انْطَلقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِىَ أَبِى، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثْنَىْ عَشَرَ خَليِفَةً ". فَقَالَ كِلمَةً صَمَّنَيها النَّاسُ. فَقُلْتُ لأَبِى: مَا قَالَ؟ قَالَ: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". 10 - (1822) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنِ المُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلامِى نَافِعٍ: أَنْ أَخْبِرْنِى بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَىَّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسْلمِىُّ يَقُولُ: " لا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونَ عَليْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ "، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " عُصَيْبَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ البَيْتَ الأَبْيَضَ - بَيْتَ كِسْرَى، أَوْ آلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى " صمنيها الناس " كذا لكافة شيوخنا، وعند بعضهم: " أصمنيها الناس ": أى لم أسمعها من لفظهم، وقيل: الوجه " أصمنى عنها "، وأما الرواية الأولى فمعناها: أى سكتونى عن السؤال عنها، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب. والصواب: المعنى الأول، وهو أشبه بمساق الحديث.

كَسْرَى ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِذَا أَعْطَى اللهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا، فَليَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " أَنَا الفَرَطُ عَلى الحَوْضِ ". (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ مهَاجِرِ ابْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ سَمُرَةَ العَدَوِىِّ: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَاتِمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا أعطى الله أحدكم خيرًا فليبدأ بنفسه وأهل بيته " مثل قوله فى الأحاديث الأخر: " وابدأ بمن تعول " (¬1)، وكقوله: " وأدناك ثم أدناك " (¬2)، وكقوله: " إذا أنعم الله على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه" (¬3). وقوله: " أنا الفرط على الحوض " بفتح الراء، تقدم معناه، وتفسيره: السابق لكم إليه والمنتظر لسقيكم منه. والفرط: الذى يتقدم القوم إلى الماء ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه فيه. وهو الفارط أيضاً. وأصله من السبق. والفرط بالسكون: السبق والتقدم. وقوله فى حديث محمد بن رافع: عن عامر [بن] (¬4) سعد بن أبى وقاص؛ أنه أرسل إلى ابن سمرة العدوى. كذا فى الأصل، وليس بعدوى، إنما هو عامرى ثم سوائىٌّ. فلعله تصحف العامرى بالعدوى؛ لأن سواة بن عامر بن صعصعة هو زهرى الحلف، خاله سعد بن أبى وقاص، وأمه خالدة بنت أبى وقاص، واسمه جابر (¬5). ¬

_ (¬1) مسلم، ك الزكاة، ب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى (1034)، أبو داود، ك الزكاة، ب الرجل يخرج من ماله 1/ 390، أحمد 2/ 94. (¬2) مسلم، ك البر والصلة، ب بر الوالدين (2548)، النسائى، ك الزكاة، ب أيتهما اليد العليا 5/ 61، ابن ماجه، ك الأدب، ب بر الوالدين 2/ 1207، أحمد 2/ 226. (¬3) أبو داود، ك اللباس، ب فى غسل الثوب وفى الخلقان 2/ 373، النسائى، ك الزينة، ب الجلاجل 8/ 181، أحمد 4/ 137. (¬4) ساقطة من الأصل. (¬5) فى س: عامر.

(2) باب الاستخلاف وتركه

(2) باب الاستخلاف وتركه 11 - (1823) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَضَرْتُ أَبِى حِينَ أُصِيبَ، فَأَثْنَوْا عَليْهِ. وَقَالوا: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا. فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ. قَالوا: اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا؟ لوَدَدْتُ أَنَّ حَظِّى مِنْهَا الكَفَافُ، لا عَلىَّ وَلا لِى، فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى - يَعْنِى أَبَا بَكْرٍ - وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى، رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ - حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر حين أثنى عليه: " راغب وراهب ": أى راج وخائف. يقال: رغب فى الأمر: إذا طلبه، ورغب عنه: إذا كرهه، هو من الأضداد، ورهبه: إذا خاف منه، وهذا أولى عندى بمعنى الحديث من قول من جعله فى باب الاستخلاف، وأن له معنيين؛ أى أن الناس يخها على صنفين: راغب يخها فلا يجب تقديمه، وكاره لها يخشى عجزه، وقيل: راغب فى حسن رأيى وتقديمى، وكاره لذلك راهب بإظهار ما بنفسه منه، والأول أشبه بمجيئه به بعد أن أثنوا عليه، وذكر الاستخلاف إنما كان بعد هذا الكلام. وقوله - لما قيل له: استخلف -: " إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى - يريد أبا بكر - وإن أترككم فقد ترككم من هو خير منى - يعنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه أن الاستخلاف غير لازم؛ إذ لم يفعله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفيه جواز انعقاد الخلافة بالوجهين بالتقديم والعقد من المتولى كفعل أبى بكر لعمر، أو بعقد أهل الحل والعقد والاختيار كفعل الصحابة بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا مما أجمع المسلمون عليه. وفيه أنه لابد من إقامة خليفة، وهذا - أيضاً - مما أجمع المسلمون عليه بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفى سائر الأعصار، خلافاً للأمم، حتى ذهب بعض الناس إلى أن ذلك واجب عقلاً؛ إذ صلاح الناس فى رجوع أمرهم إلى واحد يقيم أمورهم، وأن فى تركهم فوضى مختلفى الآراء فساد دينهم ودنياهم؛ لاختلاف الآراء وتضاد المقاصد، وهذا خطأ إذ لا يوجب العقل شيئاً ولا يحسنه ولا يقبحه إلا بحكم العادة لا بالأمر القطعى. ولا حجة للأمم فى بقاء الصحابة دون خليفة مدة التشاور فى يوم السقيفة (¬1) وأيام الشورى بعد موت عمر؛ إذ ¬

_ (¬1) انظر: مصنف عبد الرزاق 5/ 439 وما بعدها.

12 - (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَأَلفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالَ إِسْحَاقُ وَعَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: دَخَلتُ عَلى حَفْصَةَ فَقَالتْ: أَعَلِمْتَ أَنَّ أَبَاكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ. قَالتْ: إِنَّهُ فَاعِلٌ. قَالَ: فَحَلفْتُ أَنِّى أُكَلِّمُهُ فِى ذَلِكَ، فَسَكَتُّ، حَتَّى غَدَوْتُ، وَلمْ أُكَلِّمُهُ. قَالَ: فَكُنْتُ كَأَنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِى جَبَلاً، حَتَّى رَجَعْتُ فَدَخَلتُ عَليْهِ، فَسَأَلنِى عَنْ حَالِ النَّاسِ، وَأَنَا أُخْبِرُهُ. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لهُ: إِنِّى سَمِعْتُ النَّاسِ يَقُولونَ مَقَالةً، فَآليْتُ أَنْ أَقُولهَا لكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ، وَإِنَّهُ لوْ كَانَ لكَ رَاعِى إِبِلٍ أَوْ رَاعِى غَنَمٍ، ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا، رَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيَّعَ. فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ. قَالَ: فَوَافَقَهُ قَوْلِى، فَوَضَعَ رَأسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَىَّ. فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْفَظُ دِينَهُ، وَإِنِّى لئِنْ لا أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلفَ. قَالَ: فَوَالله، مَا هُوَ إِلا أن ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر؛ إذ لم يتركوها كرهاً، وإنما كانوا فى النظر فى [تعيين الخلافة لـ] (¬1) إقامتها تلك المدة. وفيه حجة بينة: أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينص على خلافة أبى بكر، ولا على علىٍّ، ولا على العباس، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وأن عقد ولاية أبى بكر - رضى الله عنه - بالاختيار والإجماع لا بالنص، خلافاً لقول بكر بن أخت عبد الواحد؛ من أن تقديم أبى بكر بالنص من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتنبيه عليه، ولابن الراوندى فى دعواه النص على القياس، ولجماعة الشيعة والرافضة فى دعواهم النص والوصية لعلى. وإجماع الصحابة على الاختيار بعد موت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى تنفيذ عهد أبى بكر لعمر، وتنفيذ شورى عمر فى الستة - يرد هذا كله؛ إذ لو كان ما قالوه صحيحاً لم يخالفه الصحابة، ولا أقرت على ما فعله فاعله بوجه، ولكن نقل ذلك من الأمور المهمة التى لا تغفل. وقوله: " لم يستخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": ليس بمنع الاستخلاف، ولا حجة لذلك، وإنما احتج أنه لم يعين للخلافة أحد؛ لأنه لم ير الاستخلاف. وقول ابن عمر: " فآليت أن أقولها ": أى حلفت. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من س.

(3) باب النهى عن طلب الإمارة والحرص عليها

(3) باب النهى عن طلب الإمارة والحرص عليها 13 - (1652) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلةٍ أُكِلتَ إِليْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلةٍ أُعِنْتَ عَليْهَا ". (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ وَمَنْصُورٍ وَحُمَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ وُيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، كُلُّهُمْ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 14 - (1733) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: دَخَلتُ عَلى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِى عَمِّى - فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُليْنِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِّرْنَا عَلى بَعْضِ مَا وَلاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: " إِنَّا وَاللهِ لا نُوَلى عَلى هَذَا العَمَلِ أَحَدًا سَأَلهُ، وَلا أَحَدًا حَرصَ عَليْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الإمارة: " إن أعطيتها عن مسألة أُكلت إليها ": كذا فى النسخ مهموز، وصوابه: " وكلت " بغير همز، أى أسلمت إلى مسألتك ورغبتك ولم تعن، بخلاف إذا جاءت من غير مسألة، كذا جاء بقية الحديث. والوكيل: الضامن للشىء والقائم به. وقوله: " إنا لا نولى هذا الأمر أحداً سأله ولا حرص عليه ": لما تقدم من أنه لا يعان عليهما؛ ولأن فى الحرص على الشىء التعاطى للقيام به، وذلك فى الغالب مقرون بالخذلان، ولما يقع من تهمة الطالب للولاية فى ذلك. وقد اختلف العلماء فى طلب الولاية مجرداً، هل يجوز أو يمنع؟ وأما إن كان لرزق يرتزقه، أو فائد جائز يستحقه بسببها، أو لتضييع القائم بها، أو خوفه حصولها فى غير مستوجبها (¬1) ونيته فى إقامة الحق فيها فذلك جائز له، وقد قال يوسف - عليه السلام -: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزائِنِ الأَرْضِ} (¬2). ¬

_ (¬1) فى س: تصرفها. (¬2) يوسف: 55.

15 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ حَاتِمٍ - قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، حَدَّثَنِى أَبُو بُرْدَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: أَقْبَلتُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِى رَجُلانِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ؛ أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول معاذ فى المرتد: لا أجلس (¬1) حتى يقتل، قضاء الله ورسوله. فقتل، ولم يذكر استتابته. اختلف الناس فى استتابة المرتد، فجمهور السلف وأئمة [الفقهاء] (¬2) الفتوى وفقهاء الأمصار على استتابته. وحكى ابر القصار: أنه إجماع من الصحابة، وعن الحسن وطاووس وبعض السلف: أنه لا يستتاب، وحكى عن عبد العزيز بن أبى سلمة، وهو قول أهل الظاهر. وحكاه الطحاوى عن أبى يوسف، قالوا: وتنفعه توبته عند الله، ولكن لا ندرأ عنه القتل؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بدل دينه فاقتلوه " (¬3)، وفرّق عطاء بين من ولد مسلماً وبين من أسلم ثم كفر، فاستتاب هذا ولم يستتب الأول. واختلف من قال باستتابته فى مدة الاستتابة، وهل يضرب له أجل؟ فقال أحمد وإسحاق: ثلاثة أيام، واستحسنه مالك وأبو حنيفة، وقاله الشافعى مرة، وحكى ابن القصار عن مالك فيه قولين: الوجوب والاستحباب. وقال الزهرى: يُدعى إلى الإسلام ثلاث مرات فإن أبى قُتل، وقال الشافعى: مرة، والمزنى: يقتل مكانه إن لم يتب. وروى عن على: أنه يستتاب شهرًا. وقال النخْعِى: يستتاب أبدًا، وقاله الثورى. وعن أبى حنيفة أيضاً: يستتاب ثلاث مرات أو ثلاث جمع أو ثلاثة أيام، مرة فى كل يوم أو جمعة (¬4)، وأن الرجل والمرأة سواء، والحر والعبد عند الجمهور، وفرّق أبو حنيفة فى آخرين بين الرجل فى ذلك والمرأة، فقالوا: تُسجن المرأة ولا تُقتل. وشذ قتادة والحسن فقال: لا تسترق ولا تقتل، ورُوى مثله عن على. وخالف أصحاب الرأى فى الأمة فقالوا: تدفع إلى سيدها ويجبرها على الإسلام. وقتله بالسيف (¬5) عند كافة العلماء. وذهب ابن شريح - من أصحاب الشافعى - إلى أنه يُقتل بالخشب ضربًا؛ لأنه أبطأ لقتله، لعله يراجع التوبة أثناء ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) فى الأصل: أنزل، والمثبت من س والمطبوعة. (¬2) حشو فى الأصل. (¬3) البخارى، ك الجهاد، ب لا يعذب بعذاب الله 4/ 74، أبو داود، ك الحدود، ب الحكم فيمن ارتد 2/ 440، الترمذى، ك الحدود، ب ما جاء فى قتل المرتد 4/ 59، النسائى، ك تحريم الدم، ب الحكم فى المرتد 7/ 104، ابن ماجه، ك الحدود، ب المرتد عن دينه 2/ 848. (¬4) انظر: التمهيد 5/ 304 وما بعدها، الاستذكار 22/ 36 وما بعدها. (¬5) فى س: بالسيد. (¬6) التمهيد 5/ 304 وما بعدها.

عَنْ يَمِينِى وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِى، فَكِلاهُمَا سَأَلَ العَمَلَ، وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ. فَقَالَ: " مَا تَقُولُ يَا أَبَا مُوسَى؟ - أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ؟ ". قَالَ: فَقُلْتُ: وَالذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَطْلعَانِى عَلى مَا فِى أَنْفُسِهِمَا، وَمَا شَعَرْتُ أَنَهُمَا يَطْلُبَانِ العَمَلَ. قَالَ: وَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكهِ تَحْتَ شَفَتَهِ، وَقَدْ قَلصَتْ. فَقَالَ: " لنْ - أَوْ لا - نَسْتَعْمِلُ عَلى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ، يَا أَبَا مُوسَى - أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ " فَبَعَثَهُ عَلى اليَمَنِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ ابْنَ جَبَلٍ، فَلمَّا قَدِمَ عَليْهِ قَالَ: انْزِلْ، وَأَلقَى لهُ وِسَادَةً. وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ. قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلمَ، ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ - دِينَ السَّوْءِ - فَتَهَوَّدَ. قَالَ: لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ. فَقَالَ: اجْلِسْ، نَعَمْ. قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ. ثُمَّ تَذَاكَرَا القِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا - مُعَاذٌ -: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، وَأَرْجُو فِى نَوْمَتِى مَا أَرْجُو فِى قَوْمَتِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه الحجة أن لأئمة الأمصار إقامة الحدود فى القتل وغير ذلك، وهو مذهب كافة العلماء؛ مالك وأبو حنيفة والشافعى وغيرهم. واختلف أصحاب مالك وغيرهم فى إقامة ولاة المياه وأشباههم لذلك، فرأى أشهب: أن ذلك لهم إذا جعل ذلك لهم الإمام. وقال ابن القاسم نحوه، وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا أمراء الأمصار، ولا يقيمه عامل [السواد] (¬1). وقال الشافعى: إذا كان عدلاً والى الصدقة فله عقوبة من ولى صدقته، وليس ذلك لغير العدل. واختلف هل ذلك للقضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة غير مقيدة على نوع من الأحكام؟ فجمهور العلماء أن للقضاة إقامة الحدود والنظر فى جميع الأشياء؛ من إقامة الحقوق، وتغيير المناكر، [والنظر] (¬2) فى المصالح قام بذلك قائم أو اختص بحق الله، وحكمه عندهم حكم الوحى المطلق اليد فى كل شىء، إلا ما يختص بضبطه البيضة، من إعداد الجيوش، وجباية الخراج واختلف أصحاب الشافعى، هل من نظره. مال الصدقات وللتقديم للجُمع والأعياد أم (¬3) لا، إذا لم يكن على هذا ولاة من السلطنة مخصوصون؟ على قولين. ولا يختلفون إذا كانت هذه مختصة بولاية من قِبَل السلطنة أنه لا نظر له فيها. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا نظر له فى إقامة حد، ولا فى مصلحة ولا لطالب مخاصم، ولا تنطلق يده إلا على ما أذن له فيه، وحكمه عنده (¬4) حكم الوكيل. ¬

_ (¬1) فى س: القضاء. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬3) فى س: أو. (¬4) فى س: غيده.

(4) باب كراهة الإمارة بغير ضرورة

(4) باب كراهة الإمارة بغير ضرورة 16 - (1825) حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الحَضْرَمِىِّ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ الأَكْبَرِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا تَسْتَعْمِلُنِى؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى مَنْكَبِى. ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ القِيَامَةِ خِزْىٌّ وَنَدَامَةٌ، إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِى عَليْهِ فِيهَا ". 17 - (1826) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنِ المُقْرِئِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ القُرَشِىِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى سَالِمٍ الجَيْشَانىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالِ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّى أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّى أُحِبُّ لكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِى، لا تَأَمَّرَنَّ عَلى اثْنَيْنِ، ولا تَوَلَّيْنَّ مَالَ يَتِيمٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الإمارة: " يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذى عليه فيها "، وقوله: " إنى أحب لك ما أحب لنفسى، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم ": تشديد فى الحض على البعد من هذا، لاسيما لمن يخيل فيه الضعف عن القيام بها. وواضح المعين فى أن الخزى والندامة إنما هو لمن لم يعدل فيها ولا قام بما يجب عليه، فيفضحه الله ويخزيه يوم القيامة، ويندم على ما فرط منه (¬1)، وإلا فقد جاء فى الإمام العادل من الفضل والثواب ما جاء، لكن لكثرة الحظر فى أمرها وشدة العهدة، وعظم الإمانة فيها ما رغبه عنها، وزهده فيها، وحضه على تركها؛ لما خافه عليه من الضعف عنها حتى قرر عنده بمحض نصحه له فى ذلك، وأنه إنما يحب له ما يحب لنفسه من الخير ودفع الضرر. قال الإمام: وذكر مسلم فى سند هذا الحديث: نا عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: نا أبى، نا الليث، قال: نا يزيد بن أبى حبيب، عن بكر بن عمرو، عن الحارث بن يزيد. هكذا روى هذا الإسناد عن أبى أحمد الجلودى، ووقع عند ابن ماهان: حدثنى يزيد بن أبى حبيب وبكر بن عمرو، بواو العطف، والصواب: عن بكر بن ¬

_ (¬1) فى س: فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَمرو، كما تقدم. قاله عبد الغنى. وخرّج فى الباب - أيضاً -: نا زهير وإسحاق، كلاهما عن المقرئ، قال زهير: نا عبد الله بن يزيد، نا سعيد بن أبى أيوب، عن عبيد الله بن أبى جعفر، عن سالم بن أبى سالم، عن أبيه، عن أبى ذر. وقال الدارقطنى فى كتاب العلل، وذكر الحديث: اختلف فيه على عبيد الله بن أبى جعفر، فرواه سعيد بن أبى أيوب، كما تقدم، وخالفه عبد الله بن لهيعة، فرواه عن عبيد بن أبى جعفر، عن مسلم بن أبى مريم، عن أبى سالم الجيشانى، عن أبى ذر، والله أعلم بالصواب. قال: ولم يحكم الدارقطنى فيه بشىء (¬1). وأبو سالم: هو سفيان بن هانئ الجيشانى، يروى عن على وأبى ذر. ¬

_ (¬1) العلل للدارقطنى 6/ 285، 286.

(5) باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهى عن إدخال المشقة عليهم

(5) باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهى عن إدخال المشقة عليهم 18 - (1827) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو - يَعْنِى ابْنَ دِينَارٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ: يَبْلغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ؛ الذِينَ يَعْدِلونَ فِى حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين " الحديث، قال القاضى: المقسطون: العادلون، وقد فسره آخر الحديث بقوله: " الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم وما ولوا ". فدل هذا الفضل لكل من عدل فيما تقلده من خلافة، وإمارة، أو ولاية يتيم، أو صدقة، أو غير ذلك. أو فيما يلزمه من حقوق أهله، أو من يقوم به. والأقساط والقسط: العدل، قال الله تعالى: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} (¬1). يقال: أقسط: إذا عدل، وقسط: إذا جار، قال الله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (¬2)، وقال: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (¬3). قوله: " على منابر من نور ": أصل تسمية المنبر لارتفاعه، فيحتمل أن يكون " منابر " كما ذكر على وجهها، أو منازل رفيعة وأماكن علية، كما جاء فى الحديث الآخر: " يجىء يوم القيامة على تل " (¬4)، وفى آخر: " على كوم " (¬5). وقوله: " عن يمين الرحمن ": معناه: فى الحالة الحسنة والمنزلة الرفيعة. قال ابن عرفة: يقال: أتاه عن يمينه: إذا أتاه من الجهة المحمودة، والعرب تنسب الفعل المحمود والإحسان إلى اليمين، وضده اليسار. قالوا: واليمين من اليُمن وتسمى اليمين، وتسمى الشمال الشؤمى من الشؤم، ومنه أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة. وقال المفسرون فى ¬

_ (¬1) آل عمران: 18. (¬2) الجن: 15. (¬3) الحجرات: 9. (¬4) أحمد 3/ 456، عن كعب بن مالك - رضى الله عنه. (¬5) أحمد 3/ 345، عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنه.

19 - (1828) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى حَرْمَلةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلهَا عَنْ شَىْءٍ. فَقَالتْ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. فَقَالتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لكُمْ فِى غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: مَا نَقِمْنَا مِنْهُ شَيْئًا، إِنْ كَانَ ليَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا البَعِيرُ فَيُعْطِيهِ البَعِيرَ، وَالعَبْدُ فَيُعْطِيهِ العَبْدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} (¬1) أى أصحاب المنزلة الرفيعة، {وَأَصْحَابُ الشّمَالِ} (¬2) أى أصحاب المنزلة الخسيسة وقيل: يسلك بهم يميناً إلى الجنة، وقيل: لأن الجنة عن يمين الناس، وقيل: سُموا بذلك؛ لأنهم أخذوا بذلك كتبهم بأيمانهم، وقيل: لأنهم ميامين على أنفسهم. وبضد هذا كله أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة. وقيل: سموا أصحاب اليمين، لأن الله - تعالى - أودعهم أول الخلق جانب آدم اليمين، وضده أصحاب الشمال. وفى قوله: " وكلتا يديه يمين ": تنبيه أنه لم يرد بيمين الرحمن ولا بيده هنا الجارحة، تعالى الله عنها؛ إذ لو كان المراد الجارحة لكان لها مقابلة الشمال، ويكون فيهما تحديد لله - تعالى - وتقدير جهات له، عز وجل عن ذلك، وذلك إنما يصح فى الأجسام والمتحيزات والمقدرات. وقول عائشة: كيف كان صاحبكم فى غَزاتكم؟ قال: ما نقمنا عليه شيئاً، قال الإمام: أى ما كرهنا، أو ما فى معناه. قال القاضى: يقال فى هذا: نقم ينقم، ونقم ينقم إذا أنكر وكره، وقُرئ بهما جميعاً: {وَمَا نَقَمُوا} (¬3) و " وما ينقموا ". وأما من الانتقام فبفتح الماضى. وقولها: " أما إنه لا يمنعنى الذى فعل فى محمد بن أبى بكر - أخى - أن أحدثك الحديث ": تعنى: قتله له. فيه أن قول الحق وذكر فضل ذى الفضل مرغب فيه مع العدو والصديق، وكان هذا الأمير المذكور على يديه جرىء مثل محمد بن أبى بكر بمصر، وأنه كان صاحب الجيش المتحرك إلى محمد بمصر فى فتنة معاوية، وهو كان أمير هذه الغزاة التى ذكرت فيها عائشة ما ذكرت فى كتاب مسلم. واختلف أهل التاريخ فيمن كان من الأمراء صاحب الجيش لحرب محمد بمصر، فقيل: عمرو بن العاص، فيما قاله خليفة بن خياط، وقيل: معاوية بن خديج التجيبى، فيما قاله الهمذانى، قال: وكان سيد تجيب ورأس اليمانية بمصر، وهو الذى عنت عائشة بقولها هذا فيه فى هذا الحديث. واختلف فى صفة قتل محمد بن أبى بكر، فقيل: قُتل فى المعركة، وقيل: جىء به ¬

_ (¬1) الواقعة: 27. (¬2) الواقعة: 41. (¬3) البروج: 8.

وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ. فَقَالتْ: أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِى الَّذِى فَعَلَ فِى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ - أَخِى - أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِى بَيْتِى هَذَا: " اللهُمَّ، مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَليْهِ. وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حَرْمَلةَ المِصْرِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَمَاسَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 20 - (1829) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ. وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ عَلى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلدِهِ، وَهِىَ مَسْؤُولةٌ عَنْهُمْ. وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ. أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أسيراً فقتل، وقيل: دخل بعد الهزيمة فى حربه فوجد حماراً ميتا فدخل فى جوفه فأحرق فيه. وقوله: " اللهم من ولى من أمر أمتى شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه " وذكر فى الرفق بهم مثله: فيه الحض على الرفق والنهى عن المشقة، وهو الذى أمر الله به نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووصفه به، وحض عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غير حديث، وأثنى عليه، وأنه يثيب على الرفق ما لا يثيب على المشقة. والمشقة: المضرّة، والجَهد ومثله. قوله فى الحديث الآخر: " شر الرعاء الحطمة،، قال الإمام: يعنى الذى يكون عنيفاً برعيه الإبل يحطمها، يلقى بعضها على بعض، ويقال أيضاً: حُطم بلا هاء، ومنه قول الحجاج فى خطبته: قد لفها الليل بسواق حطَم وقوله: " ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " الحديث، قال القاضى: الراعى: هو الحافظ المؤتمن، وأصله: النظر. رعيت فلاناً: نظرتُ إليه، ومنه: رعيت النجوم، ومنه قولهم: راعنا، أى حافظنا، وقيل: استمع منا، وأرعنى سمعك: استمع إلىّ، وقال الله تعالى: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} (¬1). وهذا يصحح أن أصل الكلمة النظر، كما ذكرنا. ¬

_ (¬1) البقرة: 104.

(...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنُ الحارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى القَطَّانَ - كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْن سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أُسَامَةُ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ. (...) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهَذَا، مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ. (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنِ حُجْرِ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ: قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: " الرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ، وَمسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ". (...) وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمِّى عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، أَخْبَرَنِى رَجُلُ سَمَّاهُ، وَعَمْرُو بْنُ الحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا المَعْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه أن كل من تولى من أمر أحد شيئاً فهو مطالب بالعدل فيه، وأداء الحق الواجب، والقيام بمصلحة ما تولاه؛ كالرجل فى أهل بيته، والمرأة فيما تتولاه من بيتها ومال زوجها وولده، والعبد فيما يتولاه ويتصرف فيه من مال سيده. وفيه حجة أنه لا قطع على العبد فى مال سيده، ولا على المرأة فى مال زوجها، إلا ما حجبه عنها، ولم يجعل لها فيه تصرفاً، خلافاً لأبى حنيفة، وأحد قولى الشافعى: أنه لا قطع على أحد الزوجين فيما سرق من مال الآخر كيف كان. وفيه حجة على جواز إقامة السيد الحد على عبده.

21 - (142) وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: عَادَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ المُزَنِىَّ، فِى مَرَضِهِ الذِى مَاتَ فِيهِ. فَقَالَ مَعْقِلٌ: إِنِّى مُحَدِّثُكَ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِى حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَليْهِ الجَنَّةَ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ. قَالَ: دَخَلَ ابْنُ زِيَادٍ عَلى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَهُوَ وَجِعٌ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى الأَشْهَبِ. وَزَادَ: قَالَ: أَلا كُنْتَ حَدَّثْتَنِى هَذَا قَبْلَ اليَوْمِ؟ قَالَ: مَا حَدَّثْتُكَ. أَوْ لمْ أَكُنْ لأُحَدِّثَكَ. 22 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى المَلِيحِ؛ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ دَخَلَ عَلى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فِى مَرَضِهِ. فَقَالَ لهُ مَعْقِلٌ: إِنِّى مُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ، لوْلا أَنِّى فِى المَوْتِ لمْ أُحَدِّثْكَ بِهِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِى أَمْرَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إِلا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الجَنَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه الجنة "، وفى الحديث الآخر: " لا يجتهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة ": يفسر أحد الحديثين الآخر فى وجوب نصحها، والنظر لها، والعدل فيها، وأنه لا يدخل معهم الجنة عند دخولهم إن عاقبه الله، بل يحبسه دونها ويحرمها عليه مدة معاقبته إياه فى جهنم أو البرزخ، أو طول المحاسبة بما الله أعلم بمدته، إلى أن يرحمه وينقضى أمد ما أراد من عقابه. وفى قوله: " يموت يوم يموت وهو غاش لها ": دليل أن التوبة قبل الموت مكفرة السيئات، وأن الأعمال بخواتيمها. وقول معقل لعبيد الله بن زياد فى هذا الحديث: " لو علمت أن لى حياة "، وفى الرواية الأخرى: " لولا أنى فى الموت ما حدثتك به ": إما لأنه خافه على نفسه من توبيخه بهذا الحديث ووعيده، أو لأنه رأى وجوب ذلك الحديث عليه قبل أن يموت؛ لئلا يكون كتم علماً علمه حتى مات، فيخرج بذلك.

(...) وَحَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مكْرَمٍ العَمِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنِى سَوَادَةُ بْنُ أَبِى الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى؛ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ مَرِضَ، فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ. نَحْوَ حَدِيثِ الحَسَنِ عَنْ مَعْقِلٍ. 23 - (1830) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوْخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ؛ أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ. فَقَالَ: أَىْ بُنَىَّ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ "، فَقَالَ لهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لهُمْ نُخَالةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالةُ بَعْدَهُمْ، وَفِى غَيْرِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عبيد الله بن زياد لعائذ بن عمرو: " وانما أنت من نخالة أصحاب محمد ": يعنى لست من صفوهم ولبابهم ومشاهيرهم، وإنما أنت من حشوهم وسقطهم. والنخالة: ما ينخل عن الدقيق من قشوره ونفايته، ومثله الحثالة والخصالة والحشافة، وهو ما يتساقط من قشور الشعير والتمر وغيره. وتوله: " وهل فى أصحاب محمد من نخالة؟ إنما كانت النخال عندهم (¬1) وفى غيرهم ": رد صحيح وكلام حق، فإن أصحاب محمد كلهم صفوة الناس وفضلاؤهم، وأفضل من يأتى بعدهم، كلهم معدلون قدوة، وانما جاء التخليط والفساد فيمن بعدهم. وذكر الغلول، ومعناه فى الأصل: الخيانة، ثم صار عرفاً فى خيانة المغانم. قال نفطويه: سمى بذلك؛ لأن الأيدى مغلولة عنه محبوسة يقال: غل وأغل غلولاً وإغلالاً. ¬

_ (¬1) فى س: بعدهم.

(6) باب غلظ تحريم الغلول

(6) باب غلظ تحريم الغلول 24 - (1831) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى حَيَّانَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الغُلولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ. ثُمَّ قَالَ: " لا أُلفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ القِيَامَةِ، عَلى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِى. فَأَقولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلغْتُكَ. لَاَ أُلفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ القِيَامَةِ، عَلىَ رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لهُ حَمْحَمَةٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا ألفين أحدكم يوم القيامة يجىء على رقبته بعير ": كذا رويناه بالمد وبالفاء، وهو وجه الكلام، أى: لا تفعلوا فعلاً أجدكم فيه على هذا الصفة. ووقع عند العذرى: " لا ألقين " بالقاف، وله وجه على ما تقدم، وكذلك فى الحديث الآخر: " لا أعرفن " على ما تقدم، وعند أكثرهم: " لأعرفن " بغير مد، والأول أعرف. قال الإمام: قوله: " له رغاء ": الرغاء: صوت البعير، وكذا ما ذكره بعده صوت كل شىء وصفه به. وقوله: " لا يأتى أحدكم وعلى رأسه رقاع تخفق ": فيه دلالة على زكاة العروض، وقد يستدل به - أيضاً - من يرى الزكاة فى الخيل بذكره الفرس فى هذا الحديث، وقد تقدم الكلام على ذلك. قال القاضى: لورود هذا فى كتاب الزكاة ومعرض عنها أمكن الاحتجاج به لنا وعلينا فى الموضعين، وإنما ورد فى باب الغلول فبعيد الاستدلال به على غيره. وفى الحديث تعظيم أمر الغلول والعقوبة عليه. ولا خلاف أنه من الكبائر وشهرة المعاصى فى الآخرة يوم تبلى السرائر، وكشفهم على رؤوس الناس، وهتك سترهم بحملهم على رؤوسهم ما اختانوه واغتالوه، واستتروا به عن الخلق فى الدنيا، كما قال تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬1). وبزيادة شهرة ذلك فتصويب الناطق وخفق غير الناطق، ومن رغاء الإبل (¬2) وحمحمة الفرس، وثغاء الشاة، وصياح الآدمى، وخوار البقرة، وبعار المعز - وهو صوتها خاصة - وهو معنى قوله: " شاة تيعر " وتصويب الرياح فى الثياب، وما لا ينطق وهو قوله: " رقاع تخفق "، وقد يكون حمله لها من عقابه لها وثقلها عليه فى ذلك المقام، ¬

_ (¬1) آل عمران: 161. (¬2) فى س: البعير.

أَغِثْنِى، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لا أُلفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ القِيَامَةِ، عَلى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لهَا ثُغَاءٌ. يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِى، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لا أُلفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ القِيَامَةِ، عَلى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لهَا صِيَاخٌ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِى، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لا أُلفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ القِيَامَةِ، عَلى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ، تَخْفِقُ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِى، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لا أُلفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ القِيَامَةِ، عَلى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِى، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُليْمَانَ، عَنْ أَبِى حَيَّانَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِى حَيَّانَ، وَعُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِى حَيَّانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعظيمها بما الله أعلم به. كما جاء فى حمل من غصب من الأرض شبرًا، وتطويقه إياه من سبع أراضين (¬1)، وتكون النفس التى غل هنا من سبى الغنائم وأساراها - والله أعلم. وقوله: " لا أملك لك من الله شيئاً ": إما من المغفرة أو من الشفاعة، إلا أن يأذن الله فى ذلك، ويكون فيه ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاً غيظاً عليهم، ألا تراه قال: " قد بلغت "، ثم بعد ذلك أدركه من الرقة والرأفة التى خصه الله ووصفه بها ما سأل ربه الشفاعة فيهم، حتى يأذن له في الشفاعة فيمن شاء منهم، على ما مضى فى حديث الشفاعة. وفيه أن العقوبات من جنس الذنوب، كما جاء فى غير حديث. والصامت: الذهب والفضة. وأجمع العلماء على أن الغال رد (*) ما أغل، وأخذ فى المقاسم ما لم يفترق الناس. فإذا افترقوا وفات فاختلفوا فى ذلك، فذهب معظمهم إلى أنه يدفع خُمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقى، هذا قول الحسن ومالك والزهرى والأوزاعى والثورى والليث، وروى معناه عن معاوية وابن مسعود وابن عباس وأحمد. وقال الشافعى: فى هذا الأصل ليس له الصدقة بمال غيره (¬2). ثم اختلفوا ما يفعل بالغال، فجمهور العلماء وأئمة الفتوى والأمصار: أنه يعزر باجتهاد الإمام، ولا يحرق رحله. ولم يثبت عندهم الحديث عن ابن عمر فى تحريق ¬

_ (¬1) البخارى، ك بدء الخلق، ب ما جاء فى السبع أرضين 4/ 199، مسلم، ك المساقاة، ب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (142) عن أبى سلمة بن عبد الرحمن - رضى الله عنه. (¬2) التمهيد: 2/ 19 - 23. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صواب العبارة: "وأجمع العلماء على أن [على] الغال رد ... "، أو "وأجمع العلماء على أن الغال يرد ... "، والله أعلم. قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 93): وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم إن وجد إلى ذلك سبيلا. وقال ابن المنذر في الإجماع (ص: 63): "وأجمعوا على أن الغالّ يرد ما غلّ إلى صاحب المقسم".

25 - (...) وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو ابْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغُلولَ فَعَظَّمَهُ. وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ. قَالَ حَمَّادٌ: ثُمَّ سَمِعْتُ يَحْيَى بَعْدَ ذَلِكَ يُحَدِّثُهُ. فَحَدَّثَنَا بِنَحْوِ مَا حَدَّثَنَا عَنْهُ أَيُّوبُ. (...) وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ رحله؛ لأنه مما انفرد به صالح بن محمد عن سالم وهو ضعيف، ولأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحرق رحل الذى وجد عنده الخرز والعباءة. وقال قوم بحديث ابن عمر، وقالوا: يحرق رحله ومتاعه كله، وهو قول مكحول والحسن والأوزاعى. قال الأوزاعى: إلا ما غل وسلاحه وثيابه التى عليه، وقال الحسن: إلا الحيوان والمصحف. قال الطحاوى: ولو صح حديث ابن عمر لحمل على أنه كان إذا كانت العقوبة فى الأموال، كما جاء فى التضعيف على مانعى الزكاة، وضالة الإبل، وسارق التمر، وذلك كله منسوخ.

(7) باب تحريم هدايا العمال

(7) باب تحريم هدايا العمال 26 - (1832) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - تَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنَ الأَسْدِ، يُقَالَ لهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ - قَالَ عَمْرٌو وابْنُ أَبِى عُمَرَ: عَلى الصَّدَقَةِ - فَلمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِى. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ. وَقَالَ: " مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِى! أَفَلا قَعَدَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ - أَوْ فِى بَيْتِ أُمِّهِ - حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِليْهِ أَمْ لا؟! وَالذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلى عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لهُ رُغَاءٌ، أَو بَقَرَةٌ لهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتىْ إِبْطَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ، هَلْ بَلغْتُ؟ " مَرَّتَيْنِ. (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَن الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ - رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ - عَلى الصَّدَقَةِ. فَجَاءَ بِالمَالِ فَدَفَعَهُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِى. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفَلا قَعَدْتَ فِى بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " استعمل رجلاً يقال له: ابن اللتبية ": كذا ضبطناه فى الحديث الأول بفتح التاء، وصوابه سكونها. ولُتْب، بضم اللام وسكون التاء: بطن من العرب. وجاء فى الحديث الآخر فى رواية السمرقندى والسجزى: " الألتيبية "، وفى غير مسلم: " الألتبية " (¬1)، والصواب ما ذكرناه. وفى إنكار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذها باسم الهدية، وأن عقابه عقاب الغال، كما ذكر فى الحديث من أنه يجىء به على عنقه، كما ذكر فى الغال، مطابق لقوله: لا هدايا الأمراء غلول " (¬2) وإن كان ذلك كأنه خيانة لله تعالى وللمسلمين، إما لأنه يأخذه لنفسه منهم باسم الهدية ليسامحهم فى بقية ما يأخذ منهم، فهى خيانة للطائفتين. أو لأجل مجرد ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأحكام، ب هدايا العمال 9/ 88. (¬2) سبق تخريجه قريباً.

فَتَنْظُرَ أَيُهْدَى إِليْكَ أَمْ لا؟ ". ثُمَّ قَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ. 27 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ عَلى صَدَقَاتِ بَنِى سُليْمٍ - يُدْعَى ابْنُ الأُتْبِيَّةِ - فَلمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ. قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَهَلا جَلسْتَ فِى بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟ ". ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّى أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلى العَمَلِ مِمَّا وَلانِى اللهُ، فَيَأْتِى فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِى، أَفَلا جَلسَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، إِنْ كَانَ صَادِقًا؟! وَاللهِ، لا يَأَخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلا لقِىَ اللهَ تَعَالى يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ. فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لقِىَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لهُ رُغَاَءٌ، أَوْ بَقَرَةً لهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعِرُ ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُؤِىَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ " بَصُرَ عَيْنِى وَسَمِعَ أُذُنِى. 28 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَابْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُليْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدَةَ وَابْنِ نُمَيْرٍ: فَلمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ. كَمَا قَالَ أَبُو أُسَامَةَ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: " تَعْلمُنَّ وَاللهِ، وَالذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لا يَأَخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا ". وَزَادَ فِى حَدِيثِ سُفْيَانَ قَالَ: بَصُرَ عَيْنِى وَسَمِعَ أُذُنَاىَ. وَسَلوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَإِنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولايته والتصنع إليه بما يهدى إليه، فهى خيانة لأمانة الله. وكله غلول. وبيّن له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علة المنع من ذلك، وأنه إنما يهدى إليه لما ذكر لقوله: " هلا جلس فى بيت [أبيه] (¬1) وأمه، فينظر هل يُهدى له "، وقد تقدم الكلام على هدايا الأمراء، وقبول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للهدية قبل هذا وردها، ووجه ذلك بما فيه كفاية. قال الإمام: قوله: " حتى رأينا عفرتى إبطيه ": قال الأصمعى: العفرة: هو البياض وليس بالناصع، لكنه لون الأرض، ومنه قيل للظباء: عُفْر، سميت بعفر الأرض وهو وجهها. قال شَمِر: هو البياض إلى الحمرة قليلاً. ¬

_ (¬1) ساقطة من س.

29 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنِى جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ ذَكْوَانَ - وَهُوَ أَبُو الزِّنَادِ - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلىَ الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِيرٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ إِلَىَّ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لأَبِى حُمَيْدِ السَّاعِدِىِّ: أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مِنْ فِيهِ إِلَى أُذُنِى. 30 - (1833) حَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنْ عَدِىِّ بْنِ عَمِيرَةَ الكِنْدِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنِ اسْتَعْمَلنَاهُ مِنْكُمْ عَلى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلولاً يَأَتِى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ". قَالَ: فَقَامَ إِليْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ، مِنَ الأَنْصَارِ، كَأَنِّى أَنْظُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: رويناه: " عفرتى إبطيه " مثنى، بفتح العين وضمها، والصواب الفتح. مع فتح الراء، مما يقال: عفرة وعفرة وعفر. وتقدم أول الكتاب قوله: " بَصُرَ عينى، وسمع أذنى ". وذكر مسلم فى الباب: نا إسحاق بن إبراهيم، ورفع الحديث عن عروة بن الزبير؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل رجلاً. كذا لجميعهم، وعند الهوزنى والسمرقندى: عن عروة بن الزبير، عن أبى حميد الساعدى؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لكنه متصل مسند؛ لأن فى آخره: قال عروة: فقلت لأبى حميد الساعدى: أسمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: من فيه إلى أذنى، لكن [مسياق] (¬1) رواية الهوزنى والسمرقندى أحسن وأبين. وقوله فى الحديث: " فجاء بسواد كثير " (¬2): أى باشياء كثيرة وأشخاص ظاهرة. والسواد يعبر (*) به عن شخص كل شىء، وكانه ضد الفراغ؛ لأن الموضع الفارغ (¬3) أبيض والمعمور بشىء فيه سواد شخصيه، ومنه: سواد العراق. وقوله: " من استعملناه فكتم مخيطًا فما فوقه كان غلولاً ": المخيط: الإبرة. وفيه تعظيم القليل من الغلول بقوله: " فليجئ بقليله وكثيره، فما أُوتى منه أخذ " ذلك على قدر ما يراه الإمام له، من استحقاقه فى عمله أو حاجته أو سابقته. وقد جاء أنه أباح لمعاذ قبول الهدية حين وجهه إلى اليمين ليخبر بها ما جرى عليه من التفليس، والظن بمعاذ أنه ¬

_ (¬1) فى الأصل هكذا، وفى س: مساق. (¬2) حديث رقم (29) بالباب. (¬3) فى س: البازغ. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صواب اللفظة: يعبر، وما يقرب تصويبنا، ما قاله النووي في شرحه على مسلم (12/ 221): "وَالسَّوَادُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ"، والله أعلم.

إِليْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْبَلْ عنِّى عَمَلكَ. قَالَ: " وَمَالكَ؟ ". قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَاَ وَكَذَا. قَالَ: " وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلنَاهُ مِنْكُمْ عَلى عَمَلٍ فَليَجِئْ بِقَلِيَلهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِىَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِىَ عَنْهُ انْتَهَى ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ عَمِيرَةَ الكِنْدِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يقبل منها إلا ما طابت به نفس مهديه، وأنه ممن لا يصانع أحداً فى حق من أجلها، فكانت خصوصاً لمعاذ؛ لما عليه (*) منه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النزاهة والورع والديانة، ولم يبح ذلك لغيره ممن لم يكن عنده بمنزلته، وحذر عليه ما قدمناه. وعدى بن عميرة، بفتح العين، وهو اسم مشهور فى الرجال والنساء من الصحابة فمن بعدهم، وأما عميرة بضم العين فلا يعرف فى الرجال جملة، وهو فى النساء خاصة.

______ (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها: "علمه"، والله أعلم.

(8) باب وجوب طاعة الأمراء فى غير معصية وتحريمها فى المعصية

(8) باب وجوب طاعة الأمراء فى غير معصية وتحريمها فى المعصية 31 - (1834) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأَوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬1) فِى عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِىٍّ السَّهْمِىِّ، بَعَثَهُ النَبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَرِيَّةٍ. أَخْبَرَنِيهِ يَعْلِى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. 32 - (1835) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا المُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزَامِىُّ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَطَاعَنِى فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِى فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِى، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِى ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَذْكُرْ: " وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نزل: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} فى عبد الله بن حذافة ": قيل: المراد بأولى الأمر: من أوجب الله عليك طاعته، أى أولى الطاعة والائتمار. والائتمار: الطاعة، فظاهره أن المراد بأولى الأمر الولاة والأمراء. وهو قول أكثر السلف، واستدل بعضهم بما جاء قبل الآية من قوله: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (¬2)، وقيل: هم العلماء، وقيل: هم عامة الأمراء والعلماء، وقيل: هم أصحاب محمد. وقوله: " من أطاعنى فقد أطاع الله، ومن يعصنى فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعنى، ومن يعص الأمير فقد عصانى ": بين؛ لأن الله - تعالى - قد أمر بطاعة رسوله، فمن عصاه فقد عصى أمر الله. وأمر الرسول بطاعة أميره، فمن عصاه فقد عصى أمر رسوله. ولا خلاف فى وجوب طاعة الأمراء فيما لا يخالف أمر الله وما لم يأمر بمعصية، كما جاء فى الحديث الصحيح بعد. ¬

_ (¬1) النساء: 59. (¬2) النساء: 58.

33 - (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَطَاعَنِى فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِى فَقَدْ أَطَاعَنِى، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِى فَقَدْ عَصَانِى ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. سَوَاءً. (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِى عَلْقَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِىَّ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلى بْنِ عَطَاءٍ، سَمِعَ أَبَا عَلْقَمَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى الباب فى حديث أبى كامل الجحدرى عن أبى عوانة، عن يعلى بن عطاء، عن أبى علقمة الهاشمى. كذا جاء نسبه فى بعض الروايات، وسقط نسبه من أصول أكثر نسخ شيوخنا، وفى تاريخ البخارى: أبو علقمة مولى بنى هاشم، ويقال: مولى ابن عباس، ويقال: حليف بنى هاشم (¬1)، روى عنه يعلى بن عطاء ومحمد بن الحارث، وذكر له البخارى فى التاريخ حديثا عن أبى هريرة فى أشراط الساعة (¬2)، ولم يخرج عنه البخارى فى صحيحه شيئاً، وذكره أبو عبد الله الحاكم، ونسبه الهاشمى، لكنه لم يذكره فى التابعين فوهم. ¬

_ (¬1) انظر: تاريخ البخارى الكبير، ك الكنى، 8/ رقم (513). وزاد المزى فقال: ويقال: حليف الأنصار، وهو أبو علقمة المصرى. روى عن عبد الله بن عمر وابن مسعود وعثمان وأبى سعيد الخدرى وأبى هريرة، وروى عنه إبراهيم بن مسلم وأيوب بن حصين والحارث الحضرمى ويعلى بن عطاء وغيرهم. قال أبو حاتم: أحاديثه صحاح، وذكره ابن حبان فى الثقات. انظر: تهذيب الكمال 34/ 102. (¬2) انظر: تاريخ البخارى الكبير، ك الكنى، رقم (513).

34 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ، مَوْلى أَبِى هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. وَقَالَ: " مَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ " وَلمْ يَقُلْ: " أَمِيرِى ". وَكَذَلِكَ فِى حَدِيثِ هَمَّامِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. 35 - (1836) وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورِ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى صَالِحِ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَليْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، فِى عُسْرِكَ وُيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَليْكَ ". 36 - (1837) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: إِنَّ خَلِيلِى أَوْصَانِى أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى الباب أحاديث فى السمع والطاعة فى منشطك ومكرهك وأثرة عليك. فيه وجوبها فيما يشق ويكره فى باب الدنيا لا فيما يخالف أمر الله، كما قال فى الحديث الآخر: " إلا أن يأمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة "، وبهذا يجمع بين الأحاديث، وهذا يفسر عموم الحديث المتقدم. قال الطبرى: فيه أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، وأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تضاد، وإنما أحاديث السمع والطاعة مجملة تفسرها الأحاديث الأخر المفسرة ما لم يخالف أمر الله، وهذا قول عامة السلف (¬1). وقوله: " فى عسرك ويسرك ": يحتمل أن يكون مثل ما تقدم من حاله، ويحتمل أن يختص بالمال. وقوله: " اسمع وأطع وإن كان عبداً حبشياً مُجَدَّع الأطراف ": الجدع: القطع. وإنما أشار بهذا الوصف إلى أدنى العبيد السود، ووحشهم ووغدهم لاستعمالهم فى الرعية للإبل وغليظ الخدمة، فقد تنقطع أصابع أرجلهم من خشونة الأرض وشديد الأعمال، على طريق المبالغة فى طاعة الأمراء كيف ما كانوا من شرف أو ضعة. وفى قوله فى آخر الحديث: " يقودكم بكتاب الله " تفسير لما تقدم؛ إذ الطاعة فى هذا فيما لم يخالف أمر الله. ¬

_ (¬1) انظر: تفسير الطبرى 8/ 503.

(...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا فِى الحَدِيثِ: عَبْدًا حَبَشِيًا مُجَدَّعَ الأَطرَافِ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، كَمَا قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: عَبْدًا مُجَدَّعَ الأَطرَافِ. 37 - (1838) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى يْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدَّتِى تُحَدِّثُ؛ أَنَّهَا سَمِعْتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطبُ فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ. وَهُوَ يَقُولُ: " وَلوِ اسْتُعْمِلَ عَليْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بَكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لهُ وَأَطِيعُوا ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " عَبْدًا حَبَشِيًا ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " عَبْدًا حَبَشِيًا مُجَدَّعًا ". (...) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ولمْ يَذْكُرْ: " حَبَشِيًا مُجَدَّعًا " وَزَادَ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَوْ بِعَرَفَاتٍ. (...) وَحَدَّثَنِى سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الحُصَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الوَدَاعِ. قَالتْ: فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلاً كَثِيرًا. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِنْ أُمِّرَ عَليْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ - حَسِبْتُهَا قَالتْ -: أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فاسْمَعُوا لهُ وَأَطِيعُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر بعث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجيش وتأميره عليه رجلاً، وأنه أوقد ناراً، وقال: " ادخطوها "، واحتج عليهم بأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالسمع والطاعة، واختلاف الناس عليه فى ذلك؛ منهم من أراد امتثال طاعته ومنهم من قال: إنما فررنا منها، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة "، ثم قال: " لا طاعة فى معصية الله، إنما

38 - (1839) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " عَلى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ والطَّاعَةُ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 39 - (1840) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِىٍّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَليْهِمْ رَجُلاً. فَأَوْقَدَ نَارًا، وَقَالَ: ادْخُلوهَا. فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلوهَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ - لِلذِينَ أَرادُوا أَنْ يَدْخُلوهَا -: " لوْ دَخَلتُمُوهَا لمْ تَزَالوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ". وَقَالَ للآخَرِينَ قَوْلاً حَسَنًا. وَقَالَ: " لا طَاعَةَ فِى مَعْصِيَةِ اللهِ، إِنَّمَا الطَاعَةُ فِى المَعْرُوفِ ". 40 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ - وَتَقَارَبُوا فِى اللَّفْظِ - قَالوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً. وَاسْتَعْمَلَ عَليْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لهُ وَيُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ فِى شَىْءٍ. فَقَالَ: اجْمَعُوا لِى حَطَبًا. فَجَمَعُوا لهُ، ثُمَّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا. فَأَوْقَدُوا. ثُمَّ قَالَ: أَلمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لِى وَتُطِيعُوا؟ قَالوا: بَلى. قَالَ: فَادْخُلوهَا. قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. فَقَالوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الطاعة فى المعروف " هذا ما تقدم، وهذا الرجل قيل: هو عبد الله بن حذافة السهمى. قيل: فعل ذلك اختباراً لهم، وقيل: كان مازحاً، فكان كثير المزح، وله فى ذلك مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر. لكن جاء فى كتاب مسلم فى حديث ابن نمير: " استعمل عليهم رجلاً من الأنصار ".

وَطُفِئْتِ النَّارُ. فَلمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " لوْ دَخَلوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى المَعْرُوفِ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 41 - (1709) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِى العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلى أَثَرَةٍ عَليْنَا، وَعَلَى أَلا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلهُ، وَعَلى أَنْ نَقُولَ بِالحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لا نَخَافُ فِى اللهِ لوْمَةً لائمٍ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نميرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنُ إِدْرِيسَ - حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلانَ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الوَلِيدِ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ الهَادِ - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ. 42 - (...) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَمِّى عَبْدُ اللهِ ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنِى بُكَيْرٌ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلنَا عَلى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَقُلنَا: حَدِّثْنَا، أَصْلحَكَ اللهُ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَليْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما خرجوا منها إلى يوم القيامة ": تفسير احتمال قوله فى غير هذه الرواية: " ما خرجوا منها " وزيادة: " أبداً " (¬1) فى بعضها؛ إذ لا يخلد أحد بذنب على مذهب جماعة أهل السنة. وقوله: " بايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": هو من بيعة الأمراء. ¬

_ (¬1) أحمد 1/ 82.

وَأَثَرَة عَليْنَا، وَأَلا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلهُ. قَالَ: " إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولا ننازع الأمر أهله إلا أن يكون كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ": كذا رواية كافة شيوخنا هنا بالواو، أى جهاراً، ويفسره بقية الكلام. يقال: باح الشىء يبوح: إذا ظهر واشتهر، وأباحه: جهر به، وعند ابن أبى جعفر وبعضهم: " براحاً " [بالراء، وهما بمعنى الراء لا ينافى سمعاً. يقال: برح الشىء وبرح الخفى: إذا بان وصفه. وقال ثابت: رواه النسائى: " بواحاً " وغيره: " براحاً "] (¬1)، قال: ولا معنى لقوله: " بُواحاً " إلا أن يكون " بوحاً " و " بووحاً "، من قولك: باح الشىء: إذا ظهر. قال الإمام: لا يجوز الخروج على الإمام العدل باتفاق، فإذا فسق وجار؛ فإن كان فسقه كفراً وجب خلعه، وإن كان ما سواه من المعاصى فمذهب أهل السنة أنه لا يخلع، واحتجوا بظاهر الأحاديث وهى كثيرة؛ ولأنه قد يؤدى خلعه إلى إراقة الدماء وكشف الحريم، فيكون الضرر بذلك أشد من الضرر به. وعند المعتزلة أنه يخلع، وهذا فى إمام عُقد له على وجه يصح ثم فسق وجار، وأما المتغلبون على البلاد فالكلام فيهم يتسع، وليس هذا موضعه. والاستثناء بقوله: " إلا أن تروا كفراً بواحاً " يؤكد ما قلناه من التفرقة بين الكفر وغيره. قال القاضى: لا خلاف بين المسلمين أنه لا تنعقد الإمامة للكافر، ولا تستديم له إذا طرأ عليه، وكذلك إذا ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها، وكذلك عقد جمهورهم البدعة. وذهب بعض البصريين إلى أنها تنعقد لها (¬2) وتستديم على التأويل، فإذا طرأ مثل هذا على وال من كفر أو تغير شرع أو تأويل بدعة، خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على الناس القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عدل أو والٍ مكانه إن أمكنهم ذلك، ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من س. وقال الخطابى: معنى البواح: الصراح، من قولك: باح بالشىء يبوح بوحاً وبواحاً: إذا صرح به، يريد القول الذى لا يحتمل التأويل، فإن كان كذلك حل قتاله، وما دام يحتمل وجهاً من التأويل لم يجز ذلك، وهو معنى قوله: " عندكم في الله فيه برهان "، يريد نص آية أو توقيف لا يحتمل التأويل، كقوله عز وجل: {قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِكُمْ} [أى كتاب الله]. انظر: أعلام الحديث، ك الفتن 4/ 2328. وقال ابن حجر: أنكر ثابت فى الدلائل: " بواحاً "، وقال: إنما يجوز " بوْحاً " و " بُؤاحاً ". قال الخطابى: ما رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح: الأرض القفراء، وقيل: البراح: البيان، وقالوا: برح الخفى: إذا ظهر. قال: ووقع عند الطبرانى: " كفراً صراحاً "، وعند ابن حبان: " إلا أن يكون معصية لله بواحاً ". انظر: الفتح 13/ 10. (¬2) فى س: له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يتفق ذلك إلا مع طائفة وفتنة وحرب فيجب القيام بذلك على الكافر. ولا يجب على المبتدع إذا لم يتخيلوا القدرة عليه، ويجب فى المبتدع إذا تخيلوا القدرة عليه، فإن حققوا العجز عنه فلا يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه. وقد يحتج فى المبتدع بقوله: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان "، فهذا يظهر أنه فيما لا تأويل فيه. وكذلك لا تنعقد ابتداء للفاسق بغير تأويل، وهل يخرج منها بموافقة المعاصى. ذهب بعضهم إلى ذلك، وأنه يجب خلعه، فإن لم يقدر عليه إلا بفتنة وحرب لم يجز القيام عليه، ووجب الصبر عليه؛ لأن ما تؤدى الفتنة إليه أشد، وقال جمهور أهل السنة من أهل الحديث والفقه والكلام: لا يخلع بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته فيما لا تجب فيه طاعته؛ للأحاديث الواردة فى ذلك من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك، ما أقاموا الصلاة "، وقوله: " صلِّ خلف كل بر وفاجر " (¬1)، وقوله: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، وقوله: " وألا ننازع الأمر أهله "، وأن حدوث الفسق لا يوجب خلعه. وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد فى هذه المسألة الإجماع. وقد رد عليه بعضهم هذا القيام لحسين وابن الزبير وأهل المدينة على بنى أمية، وجماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث (¬2)، وتأولوا قوله: " وألا ننازع الأمر أهله " فى أئمة العدل وأهل الحق، وقيل: بل هذا مخاطبة للأنصار ألا ينازعوا قريشاً الخلافة. وحجة الآخرين أن قيامهم على الحجاج ليس لمجرد الفسق، بل لما غير من الشرع وظاهر الكفر لبيعة الأحرار، وتفضيله الخليفة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله المشهور المنكر فى ذلك. وقيل: نجل كان فى هذا الخلاف أولاً ثم وقع الاتفاق بعد على ترك القيام. ومعنى قوله: " بايعنا ": هى من بيعة الأمراء. واختلف فى أصل اشتقاقها، فقيل: أصله من البيع؛ لأن المتبايعين يمد كل واحد منهما يده إلى صاحبه لسببه (¬3)، ولما كان الأمراء عند التوثيق بمن يأخذون عليه العهد يأخذون بيده، ثسبه بذلك فسميت مبايعة، وقيل: بل كانوا يضربون بأيدى بعضهم على بعض عند التبايع؛ ولهذا سميت صفقة لصفق الأيدى عندها، فسميت بها، وقيل: بل سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة، تشبهاً بالبيع أيضاً؛ لما وعدهم من الجزاء والثواب على الإسلام وطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الصلاة، ب إمارة البر والفاجر 1/ 140. (¬2) فى الأصل: الأشعب. (¬3) فى س: شبيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬1). وقوله: " على أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف فى الله لومة لائم ": فيه لزوم قول الحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وألا يداهن فيه الناس ولا يلتفت إلى لائميهم، بل يُغيّر بكل ما يقدر عليه؛ من فعل أو قول، ما لم يخش آثار فتنة وتسبب منكر أشد منه. واختلف فى قول الحق عند من يخشى منه، وإنكار المنكر عند من تتقى [منه] (¬2) أذاه فى نفسك أو مالك، فالجمهور على أنه إن خشى ما يقوله عليه فى إنكار المنكر أو على غيره فليكن إنكاره بقلبه، وذهب بعضهم إلى قول الحق وإنكاره كيف كان. وقد تقدم الكلام عليه أول الكتاب. وقوله: " وعلى أثرة علينا ": أى على الصبر عليها، ظاهره استتاب السلاطين على المسلمين (¬3) بمال الله وحقوقهم. وفى البارع: الأثرة: الشدة، ويروى: " أثرة علينا ". ¬

_ (¬1) التوبة: 111. (¬2) ساقطة من س. (¬3) فى س: المستعملين.

(9) باب الإمام جنة يقاتل به من ورائه ويتقى به

(9) باب الإمام جنة يقاتل به من ورائه ويتقى به 43 - (1841) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمَ، عنْ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِى زُهَيْرٌ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ؛ كَانَ لهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأمُرْ بَغَيْرِهِ؛ كَانَ عَليْهِ مِنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنما الإمام جُنة، يقاتل من ورائه ويتقى به " الحديث: أى أنه كالساتر وكالترس لمنعه وحمايته بيضة المسلمين، واتقائهم بمكانه ونظره عدوهم، وهو معنى قوله: " يقاتل من ورائه ". وكذا جاء فى إمام الصلاة، لأنه ساتر مَنْ وراءه من المأمومين، وواق لهم السهو والزلل، وقطع المار بين أيديهم، كما بقى الترس سلاح العدو. وقيل: معنى " مِنْ ورائه ": من أمامه، كما قال تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكْ} (¬1) أى أمامهم. قيل: وقوله: " ويتقى به ": أى يرجع إليه فى الأمور، وقيل: هو جنة بين الناس بعضهم من بعض، وتظالمهم فى أموالهم وأنفسهم، [فهو] (¬2) ستر لهم وحرز لهم من ذلك. وقيل فى قوله: " يقاتل من ورائه ": إنه على ظاهره، خصوصاً فى الإمام العدل، فمن خرج عليه وجب على الناس قتاله مع إمامهم وحمايته ونصرته. ¬

_ (¬1) الكهف: 79. (¬2) فى س: وأنه.

(10) باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول

45 - (254) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلانَ - وهُوَ ابْنُ جَرِيرٍ الْمَعْوَلِىُّ - عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ. 46 - (255) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنَّ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه} (¬1)، وهى مسألة اختلف فيها أرباب الأصول أيضاً (¬2). وقوله: " يشوصُ فاهُ بالسواك إذا قام يتهجد " (¬3)، قال الإمام: الشوص أن يستاك عرضًا، وكذلك المَوْصُ، قال: وقد قال قائل لأعرابيةٍ: اغسلى ثوبى، قالت: نعم ¬

_ (¬1) النساء: 105. ووجه الاستدلال هنا أنه جعل سبب عدم الأمر ما رآه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المشقة لا النص. إكمال الإكمال 2/ 33. (¬2) ذهب أحمد بن حنبل والقاضى أبو يوسف إلى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان متعبدًا بالاجتهاد فيما لا نصَّ فيه، وجوَّز ذلك الشافعى فى رسالَتِه من غير قطع، وبه قال بعض أصحاب الشافعى والقاضى عبد الجبار، وأبو الحسين البصرى. قال الآمدى: ومن الناس من قال: إنه كان له الاجتهاد فى أمور الحروب دون الأحكام الشرعية من ذهب إلى تجويز الاجتهاد له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على العموم استدلوا بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] حيث أمر جل جلاله بالاعتبار على العموم لأهل البصائر، والنبىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلُّهم فى ذلك، فكان داخلاً فى العموم، وبقوله تعالى: {إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، وما أراهُ يعمُ الحكم بالنص، والاستنباط من النصوص، وبقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]، والمشاورة إنما تكون فيما يحكمُ فيه بطريق الاجتهاد لا فيما يحكم فيه بطريق الوحى، وأيضاً بقوله تعالى بطريق العتاب للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]، وذلك يدلُّ على أن ذلك كان بالاجتهاد لا بالوحى، وبقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] عاتبه على ذلك ونسبه إلى الخطأ، وذلك لا يكون فيما حكم فيه بالوحى، فلم يبق سوى الاجتهاد. ومما استدلوا به من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تحريم مكة: " لا يختلى خلاها، ولا يُعضَدُ شجرُها "، فقال العباس: إِلَّا الإذخر - فقال - عليه الصلاة والسلام -: " إِلَّا الإذخر "، قالوا: ومعلوم أن الوحى لم ينزل عليه فى تلك الحالة. فكان الاستثناء بالاجتهاد. وقد رد المانعين على ذلك بأن المراد بقوله تعالى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّه}: أى بما أنزل إليك، وبالاعتبار الاتعاظ، والمراد بالمشاورة هو المشاورة فى أمور الحروب والدنيا، وكذلك العتاب، قالوا. وأمَّا عتابه فى أسارى بدر فلعله كان مخيرًا بالوحى بين قتل الكل، أو إطلاق الكل أو فداء الكل، فأشار بعض الأصحاب بإطلاق البعض دون البعض فنزل العتاب للذين عيَّنوا لا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن خبر الإذخر، فيحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مريدًا لاستثناء الإذخِر فسبقه به العباس. راجع: المستصفى 2/ 356، أحكام الأحكام للآمدى 4/ 22، 38. (¬3) فى المعلم: كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.

45 - (1843) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأَمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ". قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: " تُؤَدّونَ الحَقَّ الَّذِى عَليْكُمْ، وَتَسْأَلونَ اللهَ الَّذِى لكُمْ ". 46 - (1844) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الكَعْبَة، قَالَ: دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ جَالِسٌ فِى ظِلِّ الكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَليْهِ. فَأَتَيْتُهُمْ، فَجَلسْتُ إِليْهِ. فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ للذى عقدت له فى بلد الإمام المتوفى قبله؛ لأن أهلها أخص بالعقد، وعلى الناس تفويض ذلك إليهم وتسليم عقدهم، وقيل: بل يقرع بينهما، وقيل: على كل واحد دفعها عن نفسه للآخر، وقيل: بل ذلك للسابق إن علم، وهو مذهب المحققين من الفقهاء وغيرهم، وإن كان فى وقت واحد فسد العقد لهما، كعقد النكاح لزوجين فى حال. ثم اختلف إذا بطلت فى حقها إذا لم يعلم أولهما، هل يجوز عقدها لغيرهما، وتركهما؟ قيل: لا يجوز العدول عن أحدهما. وقوله: " ستكون بعدى أثرة وأمور تنكرونها ": كذا قيدناه هنا بضم الهمزة، ومعناه: الاستئثار بمال الله وبمال المسلمين عليهم، وإيثار بعضهم به دون بعض، أو الاستئثار بالخلافة والملك بالعهد لمن لا يستحقه، أو لعقد ذى السلطان والقوة ذلك لغير أهل، أو يكون المراد بالأثرة: الشدة. وقد روينا هذه الكلمة فى هذا الموضع عن بعض شيوخنا: " أثرة " بفتح الهمزة والثاء، ويقال أيضاً: " إثرة " بكسر الهمزة وسكون الثاء. قال الأزهرى: هو الاستيثاب، وهذا التفسير بالحديث أليق. وقولهم: كيف تأمر من أدرك ذلك منا؟، قال: " تؤدون الحق الذى عليكلم، وتسألون الله الذى لكم ": حض على الصبر ولزوم الطاعة على كل حال والاستسلام والضراعة إلى الله فى كشف ما نزل، وهو مثل الحديث المتقدم فى البيعة: " وعلى أثرة علينا ".

فِى سَفَرٍ، فَنَزَلنَا مَنْزِلاً فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِى جَشَرِهِ. إِذْ نَادَى مُنَادِىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُوَلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنَّهُ لمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلا كَانَ حَقًّا عَليْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِى أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِىءُ فِتْنَةٌ فيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِىءُ الفِتْنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِى. ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِىءُ الفِتْنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وُيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلتَأتِه مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَليَأتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِليْهِ. وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلبِهِ، فَليُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ ". فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ، آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلبِهِ بِيَدَيْهِ. وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلبِى. فَقُلْتُ لهُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأمُرُنَا أَنْ نَأكُلَ أَمْوَالنَا بَيْنَنَا بِالبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (¬1) قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: أَطِعْهُ فِى طَاعَةِ اللهِ، وَاعْصِهِ فِى مَعْصِيَةِ اللهِ. (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 47 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُنْذِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ الهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى السَّفَرِ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الكَعْبَةِ الصَّائِدِىِّ، قَالَ: رَأَيْتُ جَمَاعَةً عِنْدَ الكَعْبَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: " ومنا من ينتضل، ومنا من هو فى جشرة "، قال الإمام: المناضلة معروفة، وهى المراماة. والجشر: خروج القوم بدوابهم للمرعى، فلعله هذا [المعنى] (¬2) أراد. ¬

_ (¬1) النساء: 29. (¬2) مثبتة من ع.

(11) باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم

(11) باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم (¬1) 48 - (1845) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَلا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: أَلا تَسْتَعْمِلُنِى كَمَا اسْتَعْمَلتَ فُلاناً؟ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَلقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلقَوْنِى عَلى الحَوْضِ ". (...) وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنُ الحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يُحَدِّثُ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَلا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (...) وحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَقُلْ: خَلا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى التعليق عليه؛ لتعرضهما لما تضمنه فى الأبواب السابقة.

(12) باب فى طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق

(12) باب فى طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق (¬1) 49 - (1846) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الحَضْرَمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: سَأَلَ سَلمَةُ بْنُ يَزِيدَ الَجُعْفِىُّ رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَليْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلهُ فِى الثَّانِيَةِ أَوْ فِى الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: " اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَليْهِمْ مَا حُمِّلوا، وَعَليْكُمْ مَا حُمِّلتُمْ ". 50 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: فَجَذَبَهُ الأشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَليْهِمْ مَا حُمِّلوا، وَعَليْكُمْ مَا حُمِّلتُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى التعليق عليه؛ لتعرضهما لما تضمنه فى الأبواب السابقة.

(13) باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفى كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة

(13) باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفى كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة 51 - (1847) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِى بُسْرُ بْنُ عُبيدِ اللهِ الحَضْرَمِىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الخَوْلانِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِى. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِليَّةً وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: " قَوْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فيه دخن ": قال أبو عبيد: أصل الدخن: أن يكون فى لون الدابة كدرة إلى سواد، وفى الحديث: " هدنة على دخن " (¬1)، يريد: لا تصفوا القلوب بعضها لبعض، ولا ينصع حبها كما كانت. وتفسيره فى الحديث، وهو قوله: " لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه " (¬2). والدخن - أيضاً -: الدخان، ومنه الحديث، وذكر فتنة فقال: " دخنها تحت قدمى رجل من أهل بيتى " (¬3)، يعنى: إثارتها وهيجها، شبه بالدخان الذى يرتفع. قال القاضى: وقد قيل فى قوله فى الخير الذى يأتى بعد الشر وفيه دخن: إنها أيام عمر بن عبد العزيز. وقوله: " تعرف منهم وتنكر منهم من جاء بعد ". وقوله: " إن أمتكم جعلت عافتها فى أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها " (¬4): بيّن فى حالة الصدر الأول من زمن الخليفة بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلو كلمة الإسلام وظهوره، واجتماع كلمتهم، وسلامة ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الفتن، ب ذكر الفتن ودلائلها 2/ 412، أحمد 5/ 403. (¬2) انظر: غريب الحديث للخطابى 2/ 262 مختصراً. (¬3) أبو داود، ك الفتن، ب ذكر الفتن ودلائلها 2/ 411. (¬4) حديث رقم (46) بالباب.

يَسْتَنُونَ بِغَيْرِ سُنَّتِى، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِى، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنكِرُ ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حالهم، واستقامة طريقتهم، ثم جاء من البلاء والفتنة وتغير [الحال] (¬1) ما كانوا عليه قبل، والاختلاف من زمن عثمان - رضى الله عنه - إلى وقتنا هذا. وقوله: " فيجىء فتنة فيرقق بعضها بعضاً ": كذا رويناه عن كافتهم بالراء المفتوحة والقاف أولاً، ومعناه: يسبب بعضها بعضاً ويشير إليه، كما قيل: عن [صيوح] (¬2) نرقق، وقد يكون يرقق هنا أى: يدور بعضها فى بعض، ويذهب ويجىء به، كما قيل: شراب رقراق. ورويناه عن الخشنى [عن الطبرى] (¬3) عن الفارسى: " فيدفق " بالدال الساكنة والفاء بمعناه، أى يسوق بعضها بعضاً، ويدفع شرها غرة. ومنه: الماء الدافق. وقوله: " وليؤت إلى الناس الذى يحب أن يؤتى إليه ": من جوامع كلمه، واختصار حِكَمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا معيار صحيح فيما يعتبره الإنسان من أفعاله، وتمييزه قبيحها من حسنها. وقوله: " فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه ": تقدم الكلام فى معنى الصفقة. وقوله: " ثمرة قلبه ": إشارة إلى صدق بيعته وسلامة نيته فى ذلك. وقوله: " هذا ابن عمك معاوية، يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا ": الحديث هذا - والله أعلم - فيما أورده حين سمعه يذكر الحديث فى منازعة الخلافة وقتل المنازع، فاعتقد ذلك لمنازعته علياً، وقد تقدمت بيعته، ورأى أن النفقة فى حربه ومنازعته والقتال فيه؛ من أكل المال بالباطل، وقتل النفس. وقول ابن العاصى: " أطعه فى طاعة الله واعصه فى معصية الله ": يدل أن هذا لازم فى الملوك الثوار (¬4) الذين لم يقدمهم خليفة، ولا تقدموا بإجماع ولا عهد. وأحاديث مسلم التى أدخل فى الباب كلها حجة فى منع الخروج على الأمراء الجورة ولزوم طاعتهم. وقوله عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدى (¬5). كذا هو بالصاد والدال المهملة ¬

_ (¬1) ساقطة من س. (¬2) فى الأبى: صبوح، وكذا فى س. (¬3) سقط من س، واستدرك فى الهامش. (¬4) فى س: الجوار. (¬5) عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة العائذى أو الصائدى، روى عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو، وعنه زيد بن وهب والشعبى وعون بن أبى شداد العقيلى، وذكره ابن حبان فى الثقات، له فى الكتب حديث واحد فى الفتن، وفيه الحث على طاعة الأمير فى طاعة الله. وقال العجلى: تابعى ثقة. التهذيب 6/ 219، 220.

الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِليْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لنَا؟ قَالَ: " نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلسَنَتِنَا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإمَامَهُمْ ". فَقُلْتُ: فَإِنْ لمْ تَكُنْ لهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلوْ أَنْ تَعَضَّ عَلى أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ، وَأَنْتَ عَلى ذَلِكَ ". 52 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلامٍ - حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلامٍ عَنْ أَبِى سَلامٍ. قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ. فَهَلْ وَرَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى سائر النسخ، وصوابه: " العائذى " بالعين والذال المعجمة (¬1) ونسبهُ ابن البيع: الأزدى. وعائذ فى الأزد، وهو عائذ وأخواه عياذ وعوذ بنو أسود بن الحجى بن عمران بن عمرو بن عامر ماء السماء. قاله ابن العباب النسابة. وقوله فى حديث حذيفة: " دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها "، وفى رواية الطبرى: " رعاة " بالراء، والصواب الأول. هؤلاء - والله أعلم - من كان من الأمراء والسلاطين يدعو إلى بدعة أو ضلالة؛ كأصحاب المحنة والقرامطة والخوارج؛ بدليل قوله: " تلتزم جماعة المسلمين وإمامهم "، وأمره - إن لم تكن لهم جماعة - باعتزال تلك الفرق. وقوله: وذكر مسلم حديث محمد بن سهل بن عسكر التميمى (¬2) يرفعه عن أبى سلام، قال: حذيفة بن اليمان قال الدارقطنى: هذا عندى مرسل، أبو سلام لم يسمع من حذيفة (¬3). وقد قال فيه: قال حذيفة. ¬

_ (¬1) ولم نجد هذا التصويب فى كتب الرجال. تهذيب الكمال 17/ 251، رجال مسلم 1/ 413 (924)، الثقات 5/ 101، التهذيب 6/ 219، التقريب 1/ 489. ولا ندرى كيف رجح القاضى هذه الرواية. (¬2) هو أبو بكر محمد بن سهل بن عسكر بن عمارة بن دويد، ويقال: ابن عساكر بن مستور بدل عمارة التميمى مولاهم، البخارى الحافظ الجوال. سكن بغداد، روى عن عثمان بن عمر بن فارس وعبد الرزاق ويحيى بن حسان وغيرهم، وعنه مسلم والترمذى والنسائى وأبو حاتم وغيرهم. قال النسائى وابن عدى: ثقة، وقال محمد بن إسحاق الثقفى: سكن بغداد ومات بها فى شعبان سنة 251، روى عنه مسلم 27 حديثاً. التهذيب 9/ 207. (¬3) انظر: الإلزامات والتتبع ص 226.

ذَلِكَ الخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: " يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَةٌ لا يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ، وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلوبُهُمْ قُلوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ". قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ". 53 - (1848) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ - حَدَّثَنَا غَيْلانُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى قَيْسِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مَيْتَةً جَاهِليَّةً. وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلى أُمَّتِى، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِى لِذِى عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَليْسَ مِنِّى وَلسْتُ مِنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ": بكسر الميم، أى على هيئة ما مات عليه أهل الجاهلية، من كونهم فوضى لا يدينون لإمام. وقوله: " من خلع يداً من طاعة لقىَ الله ولا حجة له ": لأنه محجوج بفراق الجماعة وتفريق الألفة، ولا حجة له فى فعل ما فعله ولا عذر ينفعه. وقوله: " ومن قاتل تحت راية عُمِّية ": يقال: بكسر العين وبضمها، وكسر الميم وتشديدها وتشديد الياء، قال الإمام: قيل: الأمر الأ [عمى] (¬1) كالعصبية، لا يستبين ما وجهه، قاله أحمد بن حنبل. وقال إسحاق -: هذا فى تجارح (¬2) القوم وقتل بعضهم بعضاً، وكأنه من التعمية وهو التلبيس. وفى حديث ابن الزبير: " يموت ميتة عمية ": أى ميتة فتنة وجهل. قال القاضى: وقوله: " يغضب لغضبه أو يدعو إلى غضبه، أو ينصر غضبه ": كذا رواية العذرى بالغين والضاد المعجمتين. ورواية غيره فيها كلها: " عصبة " بالمهملتين، وهو يؤيد تفسير ابن حنبل المتقدم فى العمية، ويدل على صحتها الحديث بعدها:، يغضب للعصبة، ويقاتل للعصبية "، وفى معناها الرواية الأخرى، أى أنه إنما يقاتل لشهوة منه وغضبها له أو لقومه وعصبيته. وقوله: " من خرج على أمتى يضرب برها وفاجرها، لا يتحاش من مؤمنها، ولا ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى الأصل: تهاحرج.

(...) وَحَدَّثَنِى عُبَيْدِ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ رِيَاحٍ القَيْسِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَقَالَ: " لا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا ". 54 - (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ ابْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ اَلجَمَاعَةَ، ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ مَيْتَةً جَاهِليَّةً. وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةِ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلعَصَبَةِ، وَيُقَاتِلُ لِلعَصَبَةِ، فَليْسَ مِنْ أُمَّتِى. وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِى عَلى أُمَّتِى، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلا يَفِى بِذِى عَهْدِهَا، فَليْسَ مِنِّى ". (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا ابْنُ المُثَنَّى فَلمْ يَذْكُرِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الحَدِيثِ. وَأَمَّا ابْنُ بَشَّارٍ فَقَالَ فِى رِوَايَتِهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. 55 - (1849) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الجَعْدِ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَرْوِيهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَليَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَمَاتَ، فَمِيْتَةٌ جَاهِليَّةٌ ". 56 - (...) وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا الجَعْدُ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِىُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَليَصْبِرْ عَليْهِ، فَإِنَّهُ ليْسَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلطَانِ شِبْرًا، فَمَاتَ عَليْهِ، إِلاَ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِليَّةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يفى لذى عهدها، فليس منى ولست منه "، ويروى: " لا يتحاشى "، أى لا يكترث بما يفعله بها، ولا يحذر من عقباه وفى معناها الرواية الأخرى: إيمانه إنما يقاتل لشهوة نفسه وغَضَبِها أو لقومه وَعصبَته. هذا - والله أعلم - فى الخوارج وأشباههم من القرامطة.

57 - (1850) حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلةٌ جَاهِلِيَّةٌ ". 58 - (1841) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعَاذِ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ - عَنْ زَيْدٍ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعِ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ، حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْن مُعَاويَةَ. فَقَالَ: اطْرَحُوا لأَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَادَةً. فَقَالَ: إِنَّى لمْ آتِكَ لأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لأُحَدَّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ خَلعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لقِىَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ لهُ. وَمَنْ مَاتَ وَليْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً ". (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عن عُبَيْدُ اللهِ ابْنِ أَبِى جَعْفَرٍ، عَن بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ أَتَى ابْنَ مُطِيعٍ. فَذَكَرَ عَنِ النَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويرجح هذا التأويل قوله فى الحديث الآخر: " فليس من أمتى "، ويصح أن يكون فى طالبى الملك فى الثوار فى الأطراف، ويكون تبرىء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، أى من أفعاله وسيرته، لا أنه ليس من أمته، وأمره بعد إلى مشيئة الله من العفو عنه أو مجازاته، ويكون قوله: " فليس من أمتى، فى الحديث الآخر مثل قوله: " فليس منا " أى لم يهتد بهدى أمتى ولا استن بسنتها. ومعنى " شق عصا المسلمين ": أى فرق جماعتهم، كما تتفرق العصا إذا شقها، وهو كلام يعبر به عن مثل هذا. وفى اتخاذ ابن عمر على ابن مطيع القيام على يزيد بن معاوية وخلعه، ما تقدم من منع القيام على أئمة الجور. وعبد الله بن مطيع (¬1) كان أميراً لقومه حينئذ بالمدينة عند قيام ¬

_ (¬1) عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة بن فضلة بن عوف بن عبيد بن عوزج بن عدى بن كعب القرشى العدوى، ولد فى حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عن أبيه، وعنه ابناه إبراهيم ومحمد، والشعبى وعيسى بن طلحة ومحمد بن أبى موسى. قال الزبير: كان من رجال قريش وكان على قريش يوم الحرة، واستعمله ابن الزبير على الكوفة فأخرجه المختار بن أبى عبيد منها. قال ابن حبان: له صحبة، ووهم فى نسبه. التهذيب 6/ 36.

(...) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن الزبير على يزيد بن معاوية فى جماعة أبناء الأنصار والمهاجرين وبقية من مشيختهم، وجماعة من الصحابة. وعلى يديه كانت وقعة الحرة فى الجيش الذى وجهه يزيد لحربهم، فهزموا أهل المدينة وقتلوهم، واستباحوهم ثلاثة أيام، وقتل فيها عدة من بقية الصحابة وأبناء المهاجرين والأنصار، وعطلت الصلاة فى مسجد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الأيام والأذان فيه. وفى الحديث الآخر من رواية ابن نمير فى بعض النسخ: ابن أبى مطيع، والصواب ما للجماعة: ابن مطيع، كما تقدم فى الحديث الأول.

(14) باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع

(14) باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع 59 - (1852) حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ بْنُ نَافِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، قَالَ: سَمِعتُ عَرْفَجَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهِىَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنِى القَاسِمُ ابْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا المُصْعَبُ بْنُ المِقْدَامِ الخَثْعَمِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ. ح وَحَدثَّنِى حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُخْتَارِ وَرَجُلٌ سَمَّاهُ، كُلُّهُمْ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ عَرْفَجَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: " فَاقْتُلُوهُ ". 60 - (...) وَحَدَّثَنِى عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِى يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَرْفَجَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَتَاكُمْ، وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ستكون هنات وهنات ": أى أمور وأحداث وفتن. والهنات جمع هنة. وقد تقدم أنه يعبر به عن كل شىء.

(15) باب إذا بويع لخليفتين

(15) باب إذا بويع لخليفتين (¬1) 61 - (1853) وَحَدَّثَنِى وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْد اللهِ، عَنِ الجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا بُويعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلوا الآخَرَ مِنْهُمَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء.

(16) باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك

(16) باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك 62 - (1854) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ. وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ ". قَالوا: أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: " لا، مَا صَلوا ". 63 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ مُعَاذٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى غَسَّانَ - حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامِ، الدَّسْتَوَائِىُّ - حَدَّثَنِى أَبِى، عَنِ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ العَنَزِىِّ، عَنْ أُمِّ سَلمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَليْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ ". قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: " لا، مَا صَلوا " أَى مَنْ كَرِهَ بِقَلبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم ": أى من معاقبة الله له على الإقرار على المنكر، وبرئ بكراهيته من الرضا والمتابعة. وفيه حجة على لزوم قول الحق وإنكار المنكر. وقوله: " ولكن من رضى وتابع ": دليل على أن المعاقبة على السكوت على المنكر إنما هو لمن رضيه، وأعان فيه بقول أو فعل أو متابعة، أو كان يقدر على تغييره فتركه. فأما مع عدم القدرة فبالقلب وعدم الرضا به، كما فسره بعد فى الحديث الآخر؛ أى كره بقلبه وأنكر بقلبه، وكما قال فى الحديث الآخر: " فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة الله " (¬1)، وكما قال أيضاً: " وذلك أضعف الإيمان " كما تقدم أول الكتاب. ووقع فى حديث هداب: " فمن عرفه فقد برئ "، وما فى رواية أبى غسان أبين: " من كره فقد برئ ". وقوله: أفلا نقاتلهم؟ قال: " لا، ما صلوا " على ما تقدم من منع الخروج على الأئمة والقيام عليهم ما داموا على كلمة الإسلام، ولم يظهروا كفراً بينًا، وهو الإشارة ¬

_ (¬1) حديث رقم (65) من الباب التالى.

64 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا المُعَلَّى ابْنُ زِيَادٍ وَهِشَامٌ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلمَةَ، قَالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ ذَلِكَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ البَجَلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَك عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلمَةَ. قَالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. إِلا قَوْلهُ: " وَلكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ ". لمْ يَذْكُرْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هاهنا: " ما صلوا "، أى ما كان لهم حكم أهل القبلة والصلاة، ولم يرتدوا ويبدلوا الدين ويدعوا إلى غيره. والإشارة أيضاً بقوله: " عبداً حبشيًا يقودكم بكتاب الله " أى بالإسلام وحكم كتاب الله وإن جار.

(17) باب خيار الأئمة وشرارهم

(17) باب خيار الأئمة وشرارهم 65 - (1855) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَليْهِمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ ويُبْغضُونَكُمْ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: " لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلهُ، وَلا تَنْزَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى الباب: عن رزيق بن حيان (¬1) عن مسلم بن قرظة (¬2). اختلف فى تقديم الراء على الزاى فى هذا الاسم وتأخيرها عنه، فالذى رويناه فى مسلم تقديم الراء على الزاى فى هذا الاسم، وفى الموطأ تقديم الزاى. قال أبو عبيد: أهل العراق يقدمون الراء، وأهل المدينة والشام يقدمون الزاى، والذى ذكره البخارى (¬3) والدارقطنى (¬4) وعبد الغنى (¬5) وأصحاب المؤتلف (¬6) تقديم الراء وبينوه. وأبو قيس بن رياح، واسمه زياد بن رياح القيسى (¬7) ¬

_ (¬1) هو أبو المقدام رزيق بن حيان الدمشقى مولى بنى فزارة. ذكره البخارى وغير واحد فى الراء، وذكره أبو زرعة الدمشقى فى الزاى. قال: وزريق لقب لقبه إياه عبد الملك بن مروان، واسمه: سعيد بن حيان. روى عن مسلم بن قرظة الأشجعى وعمر بن عبد العزيز، وعنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وأخوه يزيد بن يزيد ويحيى بن سعيد الأنصارى وغيرهم. ذكره ابن حبان فى الثقات، وتوفى وهو ابن ثمانين سنة. التهذيب 3/ 273، 274. (¬2) مسلم بن قرظة الأشجعى، روى عن عوف بن مالك وهو ابن عمه، ويقال: ابن أخيه، وعنه ربيعة بن يزيد وزريق بن حيان، وذكره ابن حبان فى الثقات. التهذيب 10/ 134، 135. (¬3) التاريخ الكبير 3/ 318 (1082). (¬4) المؤتلف والمختلف 2/ 1014. (¬5) المؤتلف لعبد الغنى (58). (¬6) المشتبه 1/ 313، الإكمال 4/ 47، التوضيح 2/ 53، التقريب 1/ 250. (¬7) زياد بن رياح، ويقال: ابن رباح أبو رباح، ويقال: أبو قيس البصرى، ويقال: المدنى، روى عن أبى هريرة، وعنه الحسن البصرى وغيلان بن جرير. قال العجلى: تابعى ثقة، وذكره ابن حبان فى الثقات، وكناه بأبى قيس البخارى ومسلم وابن أبى حاتم والنسائى وأبو أحمد والدارقطنى وغيرهم. التهذيب 3/ 366، 367.

66 - (...) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَخْبَرَنِى مَوْلى بَنِى فَزَارَةَ - وَهُوَ رُزَيْقُ بْنُ حَيَّانَ - أَنَّهُ سَمِعَ مُسْلِمَ بْنَ قَرَظَةَ - ابْنَ عَمِّ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ - يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوُفَ بْنَ مَالِكٍ الأَشْجَعِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خِيَارُ أَئِمَّتَكُمُ الذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَليْهِمْ وَيُصَلُّوَنَ عَليْكُمْ. وَشِرَارُأَئِمَّتَكُمُ الذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيبغضُونَكُمْ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ ". قَالوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: " لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ. لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، أَلا مَنْ وَلِىَ عَليْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأتِى شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَليَكْرَهْ مَا يَأتِى مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ". قَالَ جَابِرٍ: فَقُلْتُ - يَعْنِى لِرُزَيْقٍ - حِينَ حَدَّثَنِى بِهَذَا الحَدِيثِ: آلله، يَا أَبَا المِقْدَامِ، لحَدَّثكَ بِهَذَا، أَوْ سَمِعْتَ هَذَا، مِنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفاً يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَجَثَا عَلى رُكْبَتَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ القِبْلةَ فَقَالَ: إِى، وَاللهِ الَّذِى لا إِلهَ إِلا هُوَ، لسَمِعْتُهُ مِنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: رُزَيْقٌ مَوْلى بَنِى فَزَارَةَ. قَالَ مُسْلِم: وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ براء مكسورة وياء باثنتين تحتها، كذا قيده عبد الغنى، وكذا قيدناه عن شيوخنا فى الأم، وكذا قيده ابن الجارود، ويقال فيه: رباح، بباء واحدة مفتوح الراء وحكى البخارى فيه الوجهين (¬1). وقوله: " فجثا على ركبتيه "، قال الإمام: ويقال: جثا يجثو: إذا جلس على ركبتيه، وأما " جذا " بالذال فان يجلس على أطراف أصابعه، والجاذى أشد استيفازاً من الجاثى، وقد وقع فى بعض الروايات: " فحذا ". ¬

_ (¬1) البخارى فى التاريخ 3/ 351 - 353 (1190، 1191).

(18) باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة

(18) باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة 67 - (1856) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَلفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِىَ سَمُرَةٌ. وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلى أَلا نَفِرَّ، وَلمْ نُبَايِعْهُ عَلى المَوْتِ. 68 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لمْ نُبَايِعْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المَوْتِ، إِنَّمَا بَايَعْنَاهُ عَلى أَلا نَفِرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله فى حديث جابر: " بايعناه على ألا نفر، ولم نبايعه على الموت "، وفى حديث سلمة: "بايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الموت "، ومثله فى حديث عبد الله بن زيد، وفى حديث مجاشع بن مسعود، وذكر البيعة على الهجرة والبيعة على الإسلام، وفى الجهاد وفى حديث ابن عمر وعبادة بن الصامت: " بايعنا رسول الله على السمع والطاعة، وألا ننازع الأمر أهله "، وفى حديث نافع عن ابن عمر فى غير مسلم البيعة على الصبر (¬1). قال بعضهم: وهذه اللفظة تجمع المعانى كلها، وكان الأمر فى البيعة على الموت على ما جاء فى حديث سلمة هو بمعنى: ألا نفر، فى حديث جابر. وبمعنى الصبر الذى ذكره فى حديث نافع فكانت بيعة الشجرة على الصبر وألا نفر حتى يغلب ويفتح له أو نقتل، وهو معنى: على الموت، وكذلك بيعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنشط والمكره والعسر واليسر، كل هذا كان أول الإسلام، وكذلك البيعة على الهجرة، وفى نسخها: الجهاد أيضاً. وقد ارتجز المسلمون يوم الخندق: نحن الذين بايعوا محمداً ... على الجهاد مابقينا أبداً (¬2) قالوا: فحكم من بايع قبل الفتح وأول الإسلام الجهاد أبداً وبكل حال، بخلاف من بايع بعد الفتح أن الجهاد ليس بواجب عليه، إلا أن يتعين عليه بنزول عدوه وضرورة داعيه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجهاد، ب البيعة فى الحرب ألا يفروا 4/ 61. (¬2) سبق فى كتاب الجهاد والسير رقم (130).

69 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، سَمِعَ جَابِرًا يُسْأَلُ: كَمْ كَانُوا يَوْمَ الحُدَيْبِيَة؟ قَالَ: كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَبَايَعْنَاهُ، وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِىَ سَمُرَةٌ. فَبَايَعْنَاهُ، غَيْرَ جَدِّ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِىِّ، اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما بيعة الإسلام والجهاد فبعد الفتح وسقوط الهجرة، وظهور المسلمين. وكانت مختلفة على ما كانت أولا وآخراً؛ على ألا يفر الواحد من العشرة وهو فى سعة فى الفرار من أكثر منها، أو يصبر، ثم نسخ ذلك بألا يفر من اثنين لقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} الآية (¬1)، وقيل: ليس نسخ، وإنما هو تخفيف، والصواب أنه نسخ بكل حال، والتخفيف نسخ. قال أبو القاسم الطبرى: بيّن الله أن الواحد فى ابتداء الإسلام يعدل العشرة لأمور: منها: النصرة منه تعالى، ومنها: الصبر والقوة، ومنها: قوة النية والبصيرة. ثم بعد زمان نسخ ذلك لنقصان القوة فى الدين وضعف النية فى الجهاد، وهو معنى قوله: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}. واختلف هل المراد بهذا الكلام مجرد العدد بالعدد أو بمراعاة القوة والشجاعة؟ فالجمهور على أن المراد بالمائة والمائتين والألف والألفين العدد دون مراعاة القوة فى الأقل، والضعف فى الأكثر. وذكر آخرون أن المراد بذلك القوة والمكافأة دون لفظ العدد، حكاه ابن حبيب عن مالك وعبد الملك. قال ابن حبيب: والأكثر من القول أن ذلك فى العدد، فلا يفر المائة من المائتين، وإن كانوا أشد جلداً وأكثر سلاحاً، والأول أظهر. قال القاضى: وهو الذى عليه الناس. قال بعض شيوخنا: ولا أعلمهم يختلفون أنه متى جهل منزلة بعضهم من بعض فى القوة أن المراعى العدد، وقد ورد القرآن بالعدد عاماً ولم يفرق بين الأمم فى ذلك، وهم مختلفون فى الشجاعة، ومنهم من لم تعرف العرب حال قتاله قبل. وفى حديث عبادة الآخر فى صحيح غير مسلم: " بايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ولا تقتلوا أولادكم " (¬2) على مضمن آية بيعة النساء، فهذا إنما كان أول بيعة بمكة، وهى بيعة العقبة الأولى قبل فرض الحرب، وهى بيعة النساء، ذكره أهل السير (¬3). ¬

_ (¬1) الأنفال: 66. (¬2) النسائى، ك البيعة، ب البيعة على فراق المشرك (1478). (¬3) ابن إسحاق 2/ 81، 82، البيهقى فى الدلائل 2/ 436.

70 - (...) وَحَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، مَوْلى سُليْمَانَ بْنِ مُجَالدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يُسْأَلُ: هَلْ بَايَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِى الحُليْفَةِ؟ فَقَالَ: لا، وَلَكِنْ صَلى بِهَا، وَلمْ يُبَايِعْ عِنْدَ شَجَرَةٍ، إِلا الشَّجَرَةَ التِى بِالحُدَيْبِيَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: دَعَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى بِئْرِ الحُدَيْبِيَةِ. 71 - (...) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ - وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ - قَالَ سَعِيدٌ وَإِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَلفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. فَقَالَ لنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنْتُمُ اليَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ ". وَقَالَ جَابِرٌ: لوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ. 72 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الجَعْدِ، قَالَ: سَأَلتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ: لوْ كُنَّا مِائَةَ أَلفٍ لكَفَانَا، كُنَّا أَلفًا وَخَمْسَمِائَةٍ. 73 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى الطَّحَّانَ - كِلاهُمَا يَقُولُ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لوْ كُنَّا مِائَةَ ألَفٍ لكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة، فقال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا ألفاً وخمسمائة ": هو حديث مختصر من حديث الحديبية فى بركة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى برها وكفايتهم ما جاش فيها من الماء ببركة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه، على قلة ما كان فيها أولاً من الماء. وإنما كان بيض بمثل السواك فأشكل الكلام، وكذلك اختصر فى الحديث الآخر فقال: " دعا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بئر الحديبية ": يريد بالبركة فى مائها و " على " هنا بمعنى " فى ". وفى سند هذا الحديث: نا رفاعة بن الهيثم كذا لجمهورهم وهو الصحيح، وعند بعض الرواة: رفاعة بن القاسم وهو خطأ. وفى حديث الشجرة: أنهم نسوها من العام

74 - (...) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٍ - عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ أَبِى الجَعْدِ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. 75 - (1857) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو - يَعْنِى ابْنَ مُرَّةَ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلفًا وَثَلاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمُنَ المُهَاجِرِينَ. (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 76 - (1858) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَعْرَجِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لقَدْ رَأَيْتُنِى يَوْمَ الشَّجَرَةِ، وَالنَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ، وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَالَ: لمْ نُبَايِعْهُ عَلى المَوْتِ، وَلكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلى أَلا نَفِرَّ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 77 - (1859) وَحَدَّثَنَاهُ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ المُسَيَّبِ، قَالَ: كَانَ أَبِى مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ. قَالَ: فَانْطَلقْنَا فِى قَابِلٍ حَاجِّينَ، فَخَفِىَ عَليْنَا مَكَانُهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَبَيَّنَتْ لكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلمُ. 78 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: وَقَرَأتُهُ عَلى نَصْرِ بْنِ عَلىٍّ عَنْ أَبِى أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَنَسُوهَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ. 79 - (...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا شَبَابَةٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ، ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ، فَلمْ أَعْرِفْهَا. 80 - (1860) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، مَوْلى سَلمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: قُلْتُ لِسَلمَةَ: عَلى أَىِّ شَىْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلى المَوْتِ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ سَلمَةَ. بِمِثْلِهِ. 81 - (1861) وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا المَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: هَذَاكَ ابْنُ حَنْظَلةَ يُبَايِعُ النَّاسَ. فَقَالَ: عَلىَ مَاذَا؟ قَالَ: عَلى المَوْتِ. قَالَ: لا أُبَايِعُ عَلى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المقبل، قيل: هذا رحمة للمؤمنين وعصمة لهم؛ إذ لو بقى مكانها لخيف تعظيم الأعراب والجهال لها، وعبادتهم إياها.

(19) باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه

(19) باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه 82 - (1862) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلى الحَجَّاجِ فَقَالَ: يَا بْنَ الأَكْوَعِ، ارْتَدَدْتَ عَلى عَقِبَيْكَ؟ تَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: لا، وَلكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِى فِى البَدْوِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الحجاج لابن الأكوع: " ارتددت على عقبيك؟ تعرَّبت؟ قال: لا، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لى فى البدو ": أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إلى وطنه وأن ارتداد المهاجر من الكبائر. وإلى هذا أشار الحجاج، حتى أعلمه سلمة بن الأكوع أن تبديه كان بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعله لغير وطنه أولى؛ إذ الغرض فى ملازمة المهاجر أرضه التى هاجر إليها، وفرض ذلك عليه إنما كان فى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنصرته، ولكونه معه وذلك أول الإسلام وقبل الفتح.

(20) باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير، وبيان معنى: " لا هجرة بعد الفتح "

(20) باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير، وبيان معنى: " لا هجرة بعد الفتح " 83 - (1863) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، حَدَّثَنِى مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلمِىُّ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَايعُهُ عَلى الهِجْرَةِ. فَقَالَ: " إِنَّ الهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لأَهْلِهَا، وَلكِنْ عَلى الإِسْلامِ وَالجِهَادِ وَالَخَيْرِ ". 84 - (...) وَحَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلمِىُّ، قَالَ: جِئْتُ بِأَخِى - أَبِى مَعْبَدٍ - إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الفَتْحِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايعْهُ عَلى الهِجْرَةِ. قَالَ: " قَدْ مَضَتِ الهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا ". قُلْتُ: فَبِأىِّ شَىْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: " عَلى الإِسْلامِ وَالجِهَادِ وَالخَيْرِ ". قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: فَلقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ مُجَاشِعٍ. فَقَالَ: صَدَقَ. (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: فَلقِيتُ أَخَاهُ. فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ، وَلمْ يَذْكُرْ: أَبَا مَعْبَدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما كان الفتح، وأظهر الله الإسلام على الدين كله ودحر عدوه واعتز أهله - سقط فرض الهجرة، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا هجرة بعد الفتح "، وقال: " مضت الهجرة لأهلها "، أى لهؤلاء الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم، وفارقوا أهليهم لمواساة أهليهم، ومؤازرته، ونصر دينه، وضبط شريعته، والفرار بدينهم ممن يفتنهم. ولم يختلف فى وجوبها على أهل مكة قبل الفتح، واختلف فى غيرهم، فقيل: لم تكن على غيرهم واجبة لكن ندباً ومرغباً فيها. ذكره أبو عبيد فى كتاب الأموال واستدل بالحديث الذى يأتى بعد هذا. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابى عن الهجرة: " إن شأنها لشديد "، ولم يأمره بها ويحضه على التزام إبله، ولأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة، وقيل: إنما كانت الهجرة واجبة على من لم يسلم جميع أهل بلده؛ لئلا يبقى فى طوع أحكام الشرك ودولة الكفر وخوف الفتنة.

85 - (1353) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفَتْحِ - فَتْحِ مَكَّةَ -: " لا هِجْرَةَ، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسَتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ رَافِعٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ - يَعْنِى ابْنَ مُهَلهِلٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسِى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 86 - (1864) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الهِجْرَةِ؟ فَقَالَ: " لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ "، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا ": فيه دليل أن الجهاد بعد الفتح لم يجب بكل حال، ولا وقعت البيعة عليه حتماً كما كان قبل الفتح، لكن من شاء جاهد ومن شاء ترك بنية الجهاد متى أمكنه ونشط له، وهو معنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولكن جهاد ونية " - والله أعلم - إلا أن ينزل بقوم عدو، أو تدعو إلى خروجه للجهاد ضرورة فيتعين عليه. قال الإمام: كانت الهجرة فرضاً أول الإسلام ليسلموا بها من ذل الكفار لغلبتهم على الدار، وليكونوا له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأعوان والأنصار، يشدون أزره، ويدفعون عنه، فلما فتحت مكة سقط فرض الهجرة لزوال الذل عمن سكنها من المسلمين، ولاستغناء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن معه عمن يحامى عنه. وصارت ندباً لما فى القرب من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومشاهدته والصلاة معه، وتلقى الوحى منه من الفضيلة على الغيبة عن ذلك. وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استنفرتم فانفروا " فإنه إذا استنفر الناس للجهاد وجب عليهم إذا كان قعودهم عنه يؤدى إلى استباحة الحريم والأموال، وإن كان طلباً للاستظهار على العدو وقد قام بالجهاد من يكفى كان ندباً فى حق الباقين. قال القاضى: وقوله: " وإذا استنفرتم فانفروا " هو على وجهين؛ فأما الاستنفار لعدوٍ صدم أرض قوم، فنفيرهم له واجب فرض متعين عليهم، وكذلك لكل عدو غالب ظاهر حتى يقع، وأما لغير هذين الوجهين فيتأكد النفير لطاعة الإمام لذلك، ولا يجب وجوب الأول.

87 - (1865) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ البَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرٍو الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِىُّ، حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِىُّ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِىُّ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الهِجْرَةِ؟ فَقَالَ: " وَيْحَكَ! إِنَّ شَأْنَ الهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ، فَهَلْ لكَ مِنْ إِبْلٍ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَهَلْ تُؤْتِى صَدَقَتَهَا؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللهَ لنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا ". وَزَادَ فِى الحَدِيثِ قَالَ: " فَهَلْ تَحْلبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا؟ ". قَالَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى الأعرابى الذى سأله عن الهجرة: " إن شأن الهجرة لشديد، فهل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: " فهل تؤدى صدقتها؟ " قال: نعم، قال: " فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئًا ": فيه أن الأعراب لا تجب عليهم الهجرة، وقد تقدم الاستدلال بهذا الحديث. قوله: " فاعمل من وراء البحار ": والعرب تسمى القرى البحار، ومنه الحديث المتقدم: لقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه، قال أبو داود: ولنا البدو كله والبحار. قال أبو جعفر الداودى: الهجرة التى سأل عنها الأعرابى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو لزوم المدينة مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومفارقة أهله وداره، كما كان فرض أهل مكة، فأشفق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (¬1)، وخشى عليه أن يخلف الله ما وعده، وينكفئ على عقبيه. وإنما كانت هجرة الأعراب نفور طائفة من كل فرقة منهم ليتفقهوا فى الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، كما قال الله تعالى (¬2). وقوله: " لن يترك من عملك شيئًا لنا "، قال الإمام: يعنى ينقصك، ومنه قوله تعالى: {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم} (¬3)، يقال: وترته: إذا نقصته. وقوله: " تؤدى صدقتها "، وقوله: " فهل تحلبها يوم وردها "، قال القاضى: يريد إذاً حقوقها، ومنها: " حلبها يوم وردها " كما جاء فى كتاب الزكاة، وذلك أن الضعفاء والمحاويج من الأعراب يكونون على المياه، فإذا حلبت يوم الورد كثر الطالب والسائل، فواساهم الحالب من ذلك اللبن، ومن لا يريد ذلك لا يحلبها يوم الورد حتى يصرفها إلى موضعها من مرعاها، حيث لا يكون أولئك. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 43. (¬2) يقصد آية التوبة رقم 122. (¬3) محمد: 35.

(21) باب كيفية بيعة النساء

(21) باب كيفية بيعة النساء 88 - (1866) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْن سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى عُرْوَة بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: كَانَتِ المُؤْمِنَاتُ، إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُمْتَحَنَّ بِقَوَلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1). قَالتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ المُؤْمِنَاتِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالمِحْنَةِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ، قَالَ لهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ ". وَلا، وَاللهِ، مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايعُهُنَّ بِالكَلامِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ، مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاء قَطُّ إِلا بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالى، وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكَانَ يَقُولُ لهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَليْهِنَّ: " قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمتحنهن بآية الممتحنة، فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة ": اختلف هل هذه الآية ناسخة لما كان هادن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل مكة وشارطهم عليه؛ من رد من أسلم منهم إليه، فنزلت الآية بنسخ ذلك فى الآية إذا امتحن فاعترفن بالإسلام بقوله: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (¬2)، فهو من نسخ السنة بالقرآن، وقيل: إنما كان الشرط بالرجال خاصة دون النساء، ثم نسخ الله حكم الآية من قوله: {وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا} (¬3)، فكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرد إليه مهرها الذى دفع لها وتمسك هى عند المسلمين، ونزول عصمتها عنه بقوله: {لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (¬4)، ثم نسخ رد المهر عند زوال المهادنة بزوال علته التى أوجبته. وفى القصة كلها حجة لنا، والشافعى أن موجب الفراق علته الإسلام بقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (¬5) لا أن العلة اختلاف الدار على ما قاله أبو حنيفة. وقولها: " لا، والله ما مست يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يد امرأة قط، إنما يبايعهن بالكلام ": ¬

_ (¬1) الممتحنة: 12. (¬2): (¬5) الممتحنة: 10.

بَايَعْتُكُنَّ " كَلامًا. 89 - (...) وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ - قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ بَيْعَةِ النِّسَاءِ، قَالتْ: مَا مَسَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ، إِلا أَنْ يَأخُذَ عَليْهَا، فَإِذَا أَخَذَ عَليْهَا فَأَعْطَتْهُ، قَالَ: " اذْهَبِى فَقَدْ بَايَعْتُكِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه منع ملامسة شىء من المرأة الأجنبية، يداً أو غيرها مما نهيت عن إبدائه، أو أبيح لها. وفيه أن كلام المرأة ليس بعورة.

(22) باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع

(22) باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع 90 - (1867) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَيُّوبَ - قَالوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنَّا نُبَايِعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ. يَقُولُ لنَا: " فِيمَا اسْتَطَعْتُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: كنا نبايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة فيقول لنا: " فيما استطعت ": فيه ما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرأفة والرحمة بأمته وألا يتركهم من القول لما عساه أن يشق عليهم مطلقه، كما لم يتركهم فى ذلك من الفعل وقال: " عليكم بما تطيقون "، وامتثالاً لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}، وقوله: {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا به} (¬1). وفيه أن أعمال المكره وعقوده لا حكم لها. ¬

_ (¬1) البقرة: 286.

(23) باب بيان سن البلوغ

(23) باب بيان سنّ البلوغ 91 - (1868) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نميرِ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عَرَضَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدِ فِى القِتَالِ - وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً - فَلمْ يُجِزْنِى، وَعَرَضَنِى يَوْمَ الخَنْدَقِ - وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً - فَأَجَازَنِى. قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَليفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الحَدِيثَ. فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لحَدٌ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ. فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ كَانَ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَاجْعَلوهُ فِى العِيَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن عمر: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجزه فى أحد وهو ابن أربع عشرة سنة وأجازه فى الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، وقول عمر بن عبد العزيز: إن هذا الحد ما بين الصغير والكبير، وكتب لعماله بالفرض لمن بلغ هذا السن وأن يجعل من دونه فى العيال، هذا عند مالك وعند جماعة من العلماء فى طاقة القتال لا فى مراعاة البلوغ، ودليله أنه لم يسأل عن سنه وإنما رآه مستحقاً للفرض حين عرض عليه لما ظهر له من قوته وطاقته وشبابه. وجعل عمر بن عبد العزيز هذا السن أصلاً فى الفرض، وذهب الشافعى والأوزاعى وابن حنبل وابن وهب من أصحابنا: أن هذا السن من تمام خمس عشرة سنة بعد البلوغ لمن لم يحتلم بعد ولا حاض من النساء، وأن ببلوغه يتوجه عليهم حقوق الله - تعالى - وحقوق الآدميين، ويلزمهم التكليف. وقال نحوه إسحاق، لكنه قال: إذا دخل فى الخامس عشرة سنة فهو بلوغ، وأبى عن ذلك مالك وأبو حنيفة وغيرهما من الحجازيين والمدنيين والكوفيين. قال مالك: لا يحكم لمن لم يحتلم بحكم البلوغ حتى يبلغ سناً لا يبلغه أحد إلا احتلم وذلك سبع عشرة إلى ثمان عشرة. وقال أبو حنيفة: ثمان عشرة فى الغلام وسبع عشرة سنة فى الجارية. وهذا كله فى حقوق الله المجردة، وعباداته، وما يتعلق بها فهذان وجهان. ووجه ثالث وهو من يستوجب القتل فى الحرب من الكفار ويحكم له - أيضاً - بحكم الكفار أو بحكم الذرية، ففيه سنة مخصوصة بقوله: " اقتلوا من جرت عليه المواسى ". فهذا أصل فى هذا الباب - أيضاً - وهو قول الشافعى. ووجه رابع وهو ما تعلق بحقوق الآدميين وحقوق الله من الحدود فى الزنا ومن القذف والسرقة، فهذا - أيضاً - يراعى فيه الإثبات البيّن؛ لأنا نتهمه على كتم البلوغ لتسقط عنه

(...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُليْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ - جَمِيعًا عَنْ عُبيدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِهِمْ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَاسْتَصْغَرَنِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحقوق، وبه قال مالك مرة وبعض أصحابه، وهو قول أحمد وإسحاق وأبى ثور، وروى عن القاسم وسالم. وقال الزهرى وعطاء: لا حد على من لم يحتلم، وهو قول الشافعى، ولم يراع الإثبات. ومال إليه مالك مرة، وقال به بعض أصحابه. وعلى الاختلاف فى هذا الأصل اختلف عندنا فى إنكاح اليتيمة بمجرد الإثبات.

(24) باب النهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم

(24) باب النهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم 92 - (1869) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ. 93 - (...) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالهُ العَدُوُّ. 94 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُسَافِرُوا بِالقُرْآنِ، فَإِنِّى لا آمَنُ أَنْ يَنَالهُ العَدُوُّ ". قَالَ أَيُّوبُ: فَقَدْ نَالهُ العَدُوُّ وَخَاصَمُوكُمْ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [وقوله] (¬1): " نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله يد العدو ": والمراد بالقرآن هنا المصحف، وكذا جاء مفسراً فى بعض الحديث من رواية مالك (¬2). وعلة نيل العدو له لاستخفافهم به وامتهانهم إياه. وقد نبه على العلة فى الحديث، فإذا أمنت العلة فى الجيوش العظام قيل: ارتفع النهى، وهو مذهب أبى حنيفة. وقال به غيره من العلماء، وإليه أشار البخارى (¬3)، وحملوا النهى على الخصوص للعلة المذكورة، ولأن نيل العدو له فى الجيوش الكثيرة نادر، والنادر لا يلتفت إليه، وقاله بعض متأخرى أصحابنا. ولم يفرق مالك بين الحالين. ورأى بعض أصحابنا المنع على العموم فى كل حال لتوقع سقوطه ونسيانه فتناله أيديهم. وإليه ذهب سحنون وابن حبيب وقدماء أصحابنا وحكى ابن المنذر عن أبى حنيفة جواز السفر به مطلقاً، والصحيح عنه ما قدمناه. وما ذكر مسلم فى الروايات الأُخر عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى لا آمن أن يناله العدو " فى ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) الموطأ، ك الجهاد، ب النهى عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو 2/ 446 (7). (¬3) البخارى تعليقاً، ك الجهاد، ب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو 4/ 68.

(...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُليَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَالثَّقَفِىُّ، كُلهُمْ عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكِ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ - جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِى حَدِيثِ ابْنِ عُليَّةَ وَالثَّقَفِىِّ: " فَإِنَى أَخَافُ ". وَفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ وَحَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ: " مَخَافَةَ أَنْ يَنَالهُ العَدُوُّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الروايات الأخر من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا من قول مالك، كما ظنه بعضهم وصححه، وإن كان جاء فى الموطأ من رواية يحيى بن يحيى الأندلسى، ويحيى بن بكير وجماعة من قول مالك، فيحتمل أنه شك (¬1)، هل هى من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فجعل بتحريه هذه الزيادة من كلامه على التفسير، وإلا فهى صحيحة من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رواية الثقات إسماعيل بن أبى أمية، وليث بن أبى سليمان والضحاك بن عثمان وعبد الله العمرى وأيوب وغيرهم. وقد رويث عن مالك متصلة من كلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كرواية غيره من رواية عبد الرحمن بن مهدى ومن رواية ابن وهب عنه. وأجاز الفقهاء أن يكتب لهم بالآية ونحوها إذا كان الكتاب ليدعوا به إلى الإسلام ويوعظوا به، وشبه هذا. والحجة كتاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم بمثل ذلك فى كتبه. واختلفوا فى تعليمهم شيئاً من القرآن، فمنعه مالك، وأجازه أبو حنيفة. واختلف فيه قول الشافعى. وحجة من أجازه: لعله يرغب فى الإسلام، وحجة من منع: كونه نجساً كافراً فى الحال عدواً لله ولكتابه، فلا يعرض لإهانته والاستخفاف به. ولو طلب العدو أن يجهز إليهم مصحفاً لينظروا فيه لم يمكنوا من ذلك ولا جاز. وقد كره مالك وغيره معاملة الكفار بالدنانير والدراهم التى فيها اسم الله - تعالى - أو ذكر اسم الله إذ لم يكن فى الدراهم التى كانت فى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا فى الدنانير شيئاً من ذلك، إنما كانت ضرب فارس أو من ضرب الروم وملساء. ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ، السابق.

(25) باب المسابقة بين الخيل وتضميرها

(25) باب المسابقة بين الخيل وتضميرها 95 - (1870) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث المسابقة وذكر مسلم حديث المسابقة من الخيل المضمرة وغيرها. فيه جواز المسابقة بين الخيل وجواز تضميرها، وهذا مما لا خلاف فيه، وما كان فى الجاهلية فأقره الإسلام، وليس من باب تعذيب البهائم، بل من تدريبها للجرى وإعدادها لحاجتها والكر. واختلف هل من باب المباح أو من باب المرغب فيه والسنن. ولا خلاف فى جواز المراهنة فيها وأنها خارجة عن باب القمار، لَكِنْ لذلك صور: أحدها متفق على جوازه، والثانى متفق على منعه، وفى الوجوه الأخر خلاف. فأما المتفق على جوازه، فأن يخرج الوالى سبقاً يجعله للسابق من المتسابقين، ولا فرس له هو فى الحلبة فمن سبق له. وكذلك لو أخرج أسباقاً، أحدها للسابق، والثانى للمصلى، والثالث للتالى وهكذا، فهو جائز ويأخذونه على شروطهم. وكذلك إن فعل ذلك متطوعاً رجل من الناس ممن لا فرس له فى الحلبة؛ لأن هذا قد خرج من معنى القمار إلى باب المكارمة والتفضل على السابق، وقد أخرجه على يده بكل حال. وأما المتفق على منعه، فأن يخرج كل واحد من المتسابقين سبقاً فمن سبق منهما أخذ سبق صاحبه وأمسك متاعه، فهذا قمار عند مالك والشافعى وأبى سفيان وجميع العلماء ما لم يكن بينهما محلل، فإن كان بينهما محلل فجعلا له السبق إن سبق ولا شىء عليه إن سبق، فأجازه ابن المسيب، وقاله مالك مرة، والمشهور منه أنه لا يجوز. وقال الشافعى مثل قول ابن المسيب، قال: فإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وسبق صاحبه. وإن سبقا جميعاً كان لكل واحد منهما ما أخرج، وكانا كمن لم يسبق أحدهما صاحبه، وإن سبق المميز جاز السبقين. وسمى محللاً؛ لمقابلة السبق لتحليله السبق بدخوله لأنه علم أن المقصد بدخوله السبق فى المال. وإذا لم يكن بينهما محلل فمقصده بالمال والمخاطرة فيه، وقال محمد بن الحسن نحوه، وهو قول الزهرى والأوزاعى وأحمد وإسحاق. ومن الوجوه المختلف فيها: أن يكون الوالى أو غيره ممن أخرج للسبق له فرس فى الحلبة فيخرج سبقاً على أن سبق يحبس سبقه، وإن سبق أخذه السابق. وأكثر العلماء يجيزون هذا الشرط، وهو أحد أقوال مالك وبعض أصحابه. وهو قول الشافعى والليث والثورى وأبى حنيفة، قالوا: إلا سباق على ملك أربابها، وهم فيها على شروطهم،

عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بِالخَيْلِ التِى قَدْ أُضمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنِ الخَيْلِ التِى لمْ تُضْمَرْ، مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِى زُرَيْقٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبى ذلك مالك - فى الرواية الأخرى - وبعض أصحابه وربيعة والأوزاعى وقالوا: لا يرجع إليه سبقه، قال مالك: وإنما يأكله من حضر إن سبق مخرجه إن لم يكن مع المتسابقين ثالث، فإن كان معهما ثالث فالذى يلى مخرجه إن سبق، فإن سبق غيره فهو له بغير خلاف فخرج هذا عندهم عن معنى القمار جملة ولحق بالأول؛ لأن صاحبه قد أخرجه عن ملكه جملة وتفضل بدفعه، وفى الوجوه الأخر يعنى من القمار، والحظر لأنها مرة ترجع الإسباق لمخرج أحدهما، ومرة تخرج عنه إلى غيره. ومن شرط وضع الرهان فى المسابقة أن تكون الخيل متقاربة الحال فى سبق بعضها بعضاً، فمتى تحقق حال أحدهما فى السبق كان الرهن فى ذلك قماراً لا يجوز، وإدخال المحلل لغو لا معنى له. وكذلك إن كانت متقاربة الحال مما يقطع غالباً على سبق جنسها كالمضمرة مع غير المضمرة، والعراب (¬1) مع غيرها. فلا يجوز المراهنة فى مثل هذا، ويجوز فيها المسابقة بغير رهان، وإنما يدخل التحليل والتحريم مع الرهان، وليس فى حديث مسابقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر الرهان، وفيه تمييز ما ضمر وسباقه. منفرداً عما لم يضمر. وقد ذكر أبو داود وغيره فى ذلك عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن أدخل فرساً بين فرسين (¬2)، وقد أمن أن يسبق فهو قمار. ومن شرطهما - أيضاً - ضرب الأصل لسباقها. والتضمير هو تقليل علفها مدة وإدخالها بيتاً كنيناً، وتحليلها فيه لتعرق ويجف عرقها، فتصلب ويخف لحمها، وتقوى على الجرى. يقال: ضمرت الفرس وأضمرته. وقوله: " من الحفياء إلى ثنية الوداع ": الحفياء تمد وتقصر. قال سفيان: بينهما خمسة أميال أو ستة. وقال ابن عقبة: ستة أميال أو سبعة. وثنية الوداع موضع بالمدينة، سمى بذلك الخارج منها يودع مشيعه. وقيل: بل سمى بذلك لوداع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه بعض المسلمين، والأول أصح؛ لقول نساء الأنصار حين مقدم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع ¬

_ (¬1) هو الفرس العربى الذى يكون على أشاعر حافره فى مواضع، ثم يبذع بمبذغ بذغاً رفيقاً لا يؤثر فى عصبه حيث تنسف أسفل حافره. انظر: اللسان، مادة " عرب ". (¬2) أبو داود، ك الجهاد، ب فى المحلل 2/ 28.

(...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا خَلفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فدل أنه اسم قديم. وقوله فى التى لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق: بتقديم الزاى، وذلك ميل ونحوه وهذه اللفظة أصح وأثبت فى أمر التى لم تضمر مما جاء فيه من غير هذا. والمسابقة فى الإبل مثل ذلك، وكذلك فى الرمى والمناضلة بالسهام، ووضع الرهان لمن سبق أو أصاب فى ذلك كله جائز، ولا تجوز المراهنة فى غير هذه الأشياء عند مالك والشافعى وغيرهما (¬1)، للحديث فى ذلك عن أبى هريرة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا سبق إلا فى خف أو حافر أو نصل " (¬2). وقد ذهب بعض الناس إلى أن الرهان لا تجوز إلا فى الخيل وحدها؛ إذ هى التى كانت عادة العرب المراهنة فيها، وبقى غيرها على عموم النهى عن القمار ولم يقل شيئاً. وأما المسابقة على الأقدام وفى غير ذلك من الأعمال بغير رهان، فمن باب الجائزات، وقد تقدم ذلك فى حديث سلمة بن الأكوع. ومنه مسابقة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة فهذا من الجائز المباح لا غير، وقد تكون مسابقة الرجال على الأقدام من باب مسابقة الخيل المنسوبة والمرغب فيها على من رأى ذلك، لما فيه من التدريب والتجربة للحاجة إلى سبق المسابق فى ذلك كما احتيج إلى سلمة فى غزوة ذى قرد كما يحتاج إلى الخيل فى ذلك، والباب واحد، وروى عن عطاء: السبق فى كل شىء جائز، ولعله أراد بغير رهان، وإلا فهو خلاف الجمهور، وباب القمار المنهى عنه وأكل المال بالباطل. وفى الحديث جواز قول: " مسجد فلان " أو " مسجد لفلان "، وقد ترجم البخارى عليه بذلك (¬3). قال القاضى: ذكر الإمام أبو عبد الله هنا ما جاء فى إسناد هذا الباب من العلة فى كتاب مسلم من رواية أيوب عن نافع، وكان فى النسخ الداخلة إلينا من المعلم فى ذلك تلفيق ونقص وتغيير حكاية عما قاله مسلم، فرأينا أن نأتى بالكلام على وجهه من لفظ شيوخنا أبى على الغسانى الحافظ الذى منه اقتضبه الإمام أبو عبد الله إلا ما اختصرنا منه مما لا يخل بمعنى كلامه ثم أتبعه (¬4) الدارقطنى. ¬

_ (¬1) الاستذكار 14/ 310 وما بعدها. (¬2) أبو داود، ك الجهاد، ب فى السبق 2/ 28، الترمذى، ك الجهاد، ب ما جاء فى الرهان والسبق 4/ 205 (1700). (¬3) البخارى، ك الصلاة، ب هل يقال: مسجد بنى فلان 1/ 114. (¬4) فى الأصل: أتبعناه، والمثبت من س.

حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - جَمِيعًا عنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ أَيُّوبَ، مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادٍ وَابْنِ عُليَّةَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَجِئْتُ سَابِقًا، فَطَفَّفَ بِى الفَرَسُ المَسْجِدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو على الحافظ - رحمه الله -: ذكر مسلم حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر بمثل حديث مالك؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابق بين الخيل التى قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع - الحديث، ثم ذكره من حديث الليث عن نافع وحماد بن زيد عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر هذا فى الكتاب من جميع الطرق التى رويناه بها، وذكر أبو مسعود الدمشقى عن مسلم، عن زهير بن حرب، عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن ابن نافع، عن نافع عن ابن عمر بمثل حديث مالك، فزاد فى الإسناد: ابن نافع، والذى قاله أبو مسعود محفوظ عن جماعة من أصحاب ابن علية. قال الشيخ أبو الحسن فى كتاب " العلل " وذكر هذا الحديث، فقال: يرويه أحمد ابن حنبل وعلى بن المدينى وداود بن رشيد عن ابن علية، عن أيوب، عن ابن نافع، عن نافع عن ابن عمر. وهذا شاهد ذكره أبو مسعود عن مسلم عن زهير عن ابن علية، قال أبو الحسن: وخالفهم مسدد وزياد بن أيوب، روياه عن ابن علية، عن أيوب، عن نافع، لم يذكر بينهما أحداً. قال: وكذلك رواه حاتم بن دردان عن أيوب، عن نافع، وقول عبد الله بن عمر: " فجئت سابقاً فطفف بى الفرس المسجد ": كذا ضبطناه، وفى بعض النسخ: " فطفف فى الفرس المسجد "، ولا وجه لهذا. وقد جاء الخبر أن الفرس اقتحم بعبد الله جرفاً فصرعه، وفى خبر آخر: أنه وثب به المسجد [إلى الجرف] (¬1)، فيجتمع الحديثان، وذلك - والله أعلم - بعد أن طفَّف كما قال. ومعنى " طفف " هنا - والله أعلم - وثب وعلا المسجد من وراء الغاية واستعلى، والطف: ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، قال الأصمعى: سمى بذلك لأنه دنا من الريف، يقال: طف كذا، وطفف عليه وأطف: أى علا عليه، وزاد: وأصل التطفيف هذا، وإناءٌ طَفَّان علا ما فيه ولم يمل، والتطفيف فى الكيل منه إذا لم يُكمل مليه، ونقص عن ذلك واقتصر فيه على ارتفاعه ومقاربته. ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل. وفى الترمذى، ك الجهاد، ب ما جاء فى الرهان والسبق 4/ 205 بلفظ: " جدارًا ".

(26) باب الخيل فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة

(26) باب الخيل فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة 96 - (1871) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الخَيْلُ فِى نَواصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْم القِيَامَةِ ". (...) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ عَنِ الليْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى: ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، كُلهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أُسَامَةُ، كُلهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. 97 - (1872) وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ وَصَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ، جَمِيعاً عَنْ يَزِيدَ. قَالَ الجَهْضَمِىُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَن عَمْرِو ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلوِى نَاصِيَةَ فَرَسٍ بِإِصْبَعِهِ، وَهُوَ يَقولُ: " الخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالغَنِيمَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والغنيمة ": وهذا من كلامه البليغ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحسينه الألفاظ العذبة السهلة بعضها ببعض، وفى الحديث الآخر: " معقوص " وهو بمعنى معقود، أى ملوى بها ومضفور فيها والعقصة: الضفيرة. وفى الحديث الآخر: " البركة فى نواصى الخيل ". الناصية: هذا الشعر المسترسل على الجبهة. قاله الخطابى (¬1): وكنى بها عن الذات نفسها. يقال: فلان مبارك الناصية، أى الذات والنفس، وهذا كله دليل على تفضيل الخيل وارتباطها فى سبيل الله، واتخاذها عدة لجهاد أعدائه، وأن خيرها وبركتها ما فسر فى الحديث من الغنيمة (¬2). وفيه أن الجهاد باق ثابت إلى يوم القيامة، واستدل بعض العلماء باستمراره تحت راية كل بر وفاجر بهذا الحديث. وفيه بقاء الإسلام والمجاهدين الذابين إلى يوم القيامة. قال بعضهم: وإذا كان الخير والبركة فى نواصيها، فيبعد أن يكون فيها شؤم على ما ¬

_ (¬1) معالم السنن 3/ 398 وما بعدها. (¬2) فى الأصل: والغنيمة.

(...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 98 - (1873) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِى نَواصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ ". 99 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ وَابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخَيْرُ مَعْقُوصٌ بِنَواصِى الخَيْلِ ". قَالَ: فَقِيلَ لهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: " الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: عُرْوَةُ بْنُ الجَعْدِ. (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلفُ بْنُ هِشَامٍ وأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، جَمِيعًا عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلمْ يَذْكُرِ: " الأَجْرُ وَالَمَغْنَمُ ". وَفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: سَمِعَ عُرْوَةَ البَارِقِىَّ، سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بن مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الجَعْدِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا. وَلمْ يَذْكُرِ: " الأَجْرَ وَالمَغْنَمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء فى حديث أبى هريرة، وقد تأول العلماء ذلك أن معناه على انعقاد الناس فى ذلك، لا أنه خبر من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إثبات الشؤم، وروى عن عائشة نحوه، قالت: إنما كان يحدث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أقوال الجاهلية، وسيأتى الكلام على هذا وشبهه من الطيرة والفأل فى بابه إن شاء الله تعالى. وقد يحتمل أن يكون الشؤم فى غير هذه التى ارتبطت للجهاد وأنها المخصوصة بالخير والبركة وقد تكون البركة المذكورة فى هذا الحديث الثبات واللزوم وبقاء الخير المذكور فيها إلى يوم القيامة، وهو أحد معانى البركة وأحد التأويلات فى قوله تعالى:

100 - (1874) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البَرَكَةُ فِى نَواصِى الخَيْلِ ". (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خالِدٌ - يَعْنِى ابْنُ الحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ ابْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، سَمِعَ أَنَسًا يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ {تَبَارَكَ اللَّهُ} (¬1). وقد يكون معناه: الزيادة بما يكون من نفسها والكسب عليها والمغانم والأجر. وفى فتله ناصية فرسه العقل فى خدمة الرجل دابته المعدة للجهاد. ¬

_ (¬1) الأعراف: 54.

(27) باب ما يكره من صفات الخيل

(27) باب ما يكره من صفات الخيل 101 - (1875) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ الشِّكَالَ مِنَ الخَيْلِ. 102 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَالشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ اَلفَرَسُ فِى رِجْلِهِ اليُمْنَى بَيَاضٌ وَفِى يَدِهِ اليُسْرَى، أَوْ فِى يَدِهِ اليُمْنَى وَرِجْلِهِ اليُسْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم كراهة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشكال فى الخيل، وفسره فى حديث عبد الرزاق: أن يكون الفرس فى رجله اليمنى بياض وفى يده اليسرى، وفى يده اليمنى وفى رجله اليسرى، قال الإمام: قال أبو عبيد: هو أن تكون منه ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة، أخذ من الشكال الذى يشكل به الخيل، شبهه به لأن الشكال إنما يكون فى ثلاث قوائم [وقد فسره فى كتاب مسلم] (¬1). قال القاضى: قد بقى من كلام أبى عبيد قال: أو تكون ثلاث قوائم. مطلقة وواحدة محجلة، ولا يكون الشكال إلا فى الرجل لا يكون فى اليد، إنما يكون فى الشكال إذا كانت الرجل هى المطلقة وحدها أو المحجلة وحدها، وقال ابن دريد: الشكال أن يكون تحجيله فى يد ورجل من شق واحد، فإن كان مخالفاً قيل: شكال مخالف. وقال أبو عمر المطرز: وقيل: الشكال بياض الرجل اليمنى واليد اليمنى، وقيل: بياض الرجل اليسرى واليد اليسرى، وقيل: بياض اليدين، وقيل: بياض الرجلين، وقيل: بياض اليدين ورجل واحدة، وقيل: بياض الرجلين ويد واحدة. وفى سند هذا الحديث فى رواية يحيى بن يحيى عن سفيان، عن سالم بن عبد الرحمن، عن أبى زرعة. كذا جاء فى جميع النسخ، وكذا هى رواية شعبة، لكن يحيى حكى رواية شعبة، وقال أيضاً، هو عن سلم بن عبد الرحمن، كذا فى جميع النسخ. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

(...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنِى وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِىِّ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدَيِثِ وَكِيعٍ. وَفِى رِوَايَةِ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، وَلمْ يَذْكُرِالنَّخَعِىَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعضهم: وذكر الحاكم سليمان بن عبد الرحمن. قال القاضى: وهو عندى وهم من قائله، أو تصحيف فى كتابه، والذى عندنا فى أصل الحاكم من روايتنا عن غير واحد عن الحميدى (¬1) عن أبى زكريا البخارى أجازه، وعن الحميدى عن أبى على البيهقى، عن أبيه، عن سالم، وكذا قاله البخارى (¬2). وفيه فى رواية ابن مثنى سعيد عن عد الله بن يزيد - النخعى، عن أبى زرعة، كذا فى جميع النسخ، وكذا هى رواية شعبة، وقال: إنما هو عن سالم بن عبد الرحمن. ¬

_ (¬1) لم نجدها فى مسند الحميدى المطبوع لدينا. (¬2) التاريخ الكبير رقم (2310) عن سلم بن عبد الرحمن 2/ 2/ 156.

(28) باب فضل الجهاد والخروج فى سبيل الله

(28) باب فضل الجهاد والخروج فى سبيل الله 103 - (1876) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ - وَهُوَ ابْنُ القَعْقَاعِ - عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَضَمَّنَ اللهُ لمَنْ خَرَجَ فى سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إلا جِهَادًا فِى سَبِيلِى، وَإِيمَانًا بِى، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِى، فَهُوَ عَلىَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلهُ الجَنَّةَ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهُ الذِى خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلَمٍ يُكْلمُ فِى سَبِيلِ اللهِ، إِلا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لوْنُهُ لوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ. وَالذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لوْلا أَنْ يَشُّقَّ عَلىَ المُسْلِمِينَ، مَا قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللهِ أَبَداً، وَلكَنْ لا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلهُمْ، وَلا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُّقُّ عَليْهِمْ أَنْ يَتَخَلفُّوا عَنِّى. وَالذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لوَدِدْتُ أَنِّى أَغْزُو فِى سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 104 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا المُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزَامِىُّ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تَكَفَّلَ اللهُ لِمنْ جَاهَدَ فِى سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلا جِهَادٌ فِى سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ بِأَنْ يُدْخِلهُ الجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى فضل الخارج للجهاد لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيله، وتصديق كلماته الشهادتين: يريد خلوص نيته لذلك، ويريد لتصديق كلماته الشهادتين وعداوة من أباهما، وقيل: يحتمل أن يريد الأمر بالجهاد وتصديق ما جاء فى ثوابه. وقوله فى فضل الجهاد: " فهو على ضامن أن أدخله الجنة "، قال الإمام: يجىء فاعل بمعنى مفعول، كقوله {مَّاءٍ دَافِقٍ} (¬1) بمعنى مدفوق و {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} (¬2)، بمعنى مرضية، فعلى هذا يكون ضامن بمعنى مضمون. قال القاضي: قيل فى هذا: إن معناه: ذو ضمان على الله لقوله تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ} الآية (¬3). وذا عيشة راضية. وقوله: " تكفل " ¬

_ (¬1) الطارق: 6. (¬2) القارعة: 7. (¬3) النساء: 100.

إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ، مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرِ أَوْ غَنِيمَةٍ ". 105 - (...) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يُكْلمُ أَحَدٌ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَاللهُ أعْلمُ بِمَنْ يُكْلمُ فِى سَبِيلِهِ، إِلا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللوْنُ لوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كقوله: " ضمن " فى الرواية الأخرى، ومعناه هنا: أنه تعالى أوجبه له بفضله. قيل: وهذا الضمان والكفالة بما سبق فى أزل علمه، وما صرح به فى كتابه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية (¬1). قال بعض العلماء: وليس فى الآية شرط بأنهم يقتلون بكل حال، بل ذكر الحالين فقال: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (¬2)، ولهذا قال بعض الصحابة: ما أبالى قتلت فى سبيل الله أو قُتِلت، ثم تلا الآية. وقوله: " أن يدخله الجنة ": له وجهان: أحدهما: أن يدخله إياها عند موته، كما جاء فى الشهداء فى كتاب الله: {أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (¬3)، ويحتمل أن يريد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين لها دون حساب ولا عقاب ولا مؤاخذة بذنب، وإذ الشهادة كفارة لما تقدم من ذنوبه، كما جاء فى الحديث الآخر بعد هذا. وقوله: " أو يرجعه إلى مسكنه مع ما نال من أجر أو غنيمة ": فيه وجهان: أحدهما: مع ما نال من أجر مجرد إن لم تكن غنيمة أو أجر وغنيمة إذا كانت، فاكتفى بذكر الأجر أولاً عن تكراره، وقيل: " أو " ها هنا بمعنى الواو، وقد روى أبو داود: " من أجر وغنيمة " (¬4)، وكذا وقع عندنا فى الأم فى حديث يحيى بن يحيى. وقيل: فيه أن الغنيمة لا تنقص من الأجر، خلافاً لمن ذهب لذلك للأثر الذى ذكره بعد هذا. وقال أبو عبد الله بن أبى صفرة: فيه أن المجاهدين لما وجدناهم غير متساوين فى الأجر متساوين فى القسم فى الغنيمة، دل أن أجورهم استحقوها بالقتال والغنيمة بفضل الله تعالى عليهم. وقوله: " ما من كلم يُكلم فى سبيل الله ": الكلم: الجرح. وقوله: " إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كُلم ": قيل: فى هذا دليل أنه لا يُغسل الشهيد، وأنه يحشر على هيئته التى مات عليها. قوله: " والله أعلم بمن يُكلم فى سبيله ": تنبيه على أن هذا من أخلص نيته لله - تعالى - وخرج ابتغاء مرضاته ونصر الله. وظاهر السبيل هنا الجهاد، وقيل: قد يكون هذا الفضل ¬

_ (¬1) و (¬2) التوبة: 111. (¬3) آل عمران: 169. (¬4) أبو داود، ك الجهاد، ب فضل الغزو فى البحر 2/ 6.

106 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ كَلمٍ يُكْلمُهُ المُسْلِمُ فِى سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ تَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذَا طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا، اللوْنُ لوْنُ دَمٍ وَالعَرْفُ عَرْفُ المِسْكِ ". وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِى يَدِهِ، لوْلا أَنْ أَشُّقَّ عَلى المُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خَلفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عموماً لكل من خرج فى سبيل الله من جهاد الكفار وغيرهم من المارقين اللصوص والبغاة، وفى الأمر بالمعروف. وقوله: " وجرحه يثعب دماً "، قال الإمام: ويقال: ثعبت الماء: إذا فجرته فانثعب. قال القاضى: وهو بمعنى ما فى الرواية الأخرى: " يفجر دماً ". وقوله: " اللون لون دم، والريح مسك ": يحتج به على أن المراعى فى الماء تغير لونه دون رائحته؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى هذا الخارج من جرح الشهيد دماً وإن كان ريحه ريح المسك، ولم يقل: مسكاً بقلب الاسم للونه على رائحته، فكذلك الماء ما لم يتغير لونه لم يلتفت إلى تغيير رائحته، وهذا قولنا فيما تغيرت رائحته بالمجاورة. فأما بما خالطه فعبد الملك يقول: لا يعتبر بها كرائحة، وإنما الاعتبار باللون والطعم. ومالك وجمهور أصحابه يعتبرون الرائحة كاعتبار اللون والطعم، ويحكمون لتغيره بالرائحة بالإضافة والنجاسة، وقد تقدم الكلام على هذا الباب. ويحتج بهذا الحديث أيضاً أبو حنيفة فى جواز استعمال الماء المضاف المتغير أوصافه لانطلاق اسم الماء عليه، كما انطلق على هذا اسم الدم وإن تغيرت أوصافه إلى الطيب، وحجته بذلك تضعف. وقد احتج به البخارى فى ترجمة ما يقع من النجاسات فى الماء والسمن (¬1)، فقد يحتمل أن حجته فيه للرخصة فى الرائحة كما تقدم، أو التغليظ به عكس الاستدلال بأن الدم لما ينتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة إلى الطهارة، ومن حكم القذارة إلى التطيب بتغير رائحته، وحكم له بحكم المسك والطيب للشهيد، فكذلك الماء ينتقل، أى على العكس بخبث الرائحة أو تغير أحد أوصافه من الطهارة إلى النجاسة - والله أعلم. وقوله: " والذى نفس محمد بيده ": حجة فى جواز الحلف بمثل هذا، واليد ها هنا ظاهر فى معنى القدرة والملك (¬2) واستعمال العرب لها فى هذا الباب مشهور. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجهاد، ب ما يقع من النجاسات فى الماء والسمن 1/ 68. (¬2) الصحيح - وهو مذهب السلف - أن نثبت لله اليد، من غير تأويل ولا تكييف.

وَلكِنْ لا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلهُمْ، وَلا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتَّبِعُونِى، وَلا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِى ". (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلى المُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ " بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَبِهَذَا الإِسْنَادِ: " وَالذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لودِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أَحْيَى " بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى زُرْعَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، كُلهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلى أُمَّتِى لاحْبَبْتُ أَلا أَتَخَلفَ خَلفَ سَرِيَّةٍ " نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 107 - (...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِى سَبِيلِهِ " إِلىَ قَوْلِهِ: " مَا تَخَلفْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللهِ تَعَالى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لولا أن أشق على المؤمنين ما بقيت خلاف سرية ": قد بين فى الحديث صورة المشقة؛ من أنه يشق عليهم التخلف بعده، ولا تطيب أنفسهم بذلك، وأنه لا يقدر على حملهم كلهم ولا يقدرون هم على ذلك لضيق الحال. وفيه رفقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمته ورأفته بهم، [وأنهم] (¬1) يترك من أعمال البر لئلا يتكلفوه هم فيشق عليهم. وقوله: " وددت أن أغزو فأقتل "، وفى الرواية الأخرى: " ثم أُحْيَى ": فيه فضل عظيم الشهادة، وجواز التمنى للشهادة وللخير والنية فيه فوق ما يطيق الإنسان، وما لا يمكنه لو قدر له. وفيه أن الجهاد ليس بفرض على الأعيان وكافة الناس، وإنما هو من فرض الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين. وكان فى أول الإسلام فرضاً على كل من يحضره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل، وفى س: أنه.

(29) باب فضل الشهادة فى سبيل الله تعالى

(29) باب فضل الشهادة فى سبيل الله تعالى 108 - (1877) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ؛ وَحُمَيْد، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ، لهَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا، وَلا أَنَّ لهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِى الدُّنْيَا؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: خرّج مسلم فى فضل الشهيد: نا أبو بكر بن أبى شيبة، نا أبو خالد الأحمر (¬1)، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال بعضهم: ظاهر هذا الإسناد أن شعبة يرويه عن قتادة وعن حميد عن أنس. وصوابه أن أبا خالد الأحمر يرويه عن حميد عن أنس وعن شعبة عن قتادة عن أنس وهكذا قال فيه عبد الغنى بن سعيد. قال القاضى: فحميد فى الحديث عطف على شعبة لا على قتادة وقد ذكره ابن أبى شيبة عن أبى خالد عن حميد وشعبة عن قتادة عن أنس، فبينه وإن كان فيه تلفيق فى أن ظاهره رواية حميد له عن قتادة، والمعنى ما تقدم. وتمثيله المجاهد بالصائم القائم القانت بآيات الله الذى لا يفتر من صلاة ولا قيام حتى يرجع، تعظيم لأمر الجهاد جداً؛ لأن الجهاد والصلاة والصيام والقيام بآيات الله أفضل الأعمال، فقد عدلها المجاهد وصارت جميع حالاته من فعله فى تصرفاته من أكله ونومه وبيعه وشرائه لما يحتاجه، وأجره فى ذلك كأجر المثابر على الصوم والصلاة وتلاوة كتاب الله الذى لا يفتر، وقليل ما يقدر عليه، وكذلك قال: " لا يستطيعونه " (¬2). وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس، وإنما هى عطاء من الله وإحسان. وقوله: " إلا الشهيد ": سمى بذلك، قيل: لأنه حىٌّ. قال ابن شميل: الشهيد: الحى. من قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ} (¬3)، شهيد فى الجنة وما لهم فيها. وقال ابن الأنبارى: هو بمعنى مشهود له؛ لأن الله - تعالى - وملائكته شهدوا له بالجنة، وقال غيره: سمى بذلك لأنه شهيد يوم القيامة على الأمم، كما قال: {لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس} (¬4). ¬

_ (¬1) أبو خالد هو: سليمان بن حيان الأزدى الأحمر الكوفى الجعفرى، نزل فيهم وولد بجرجان. روى عن سليمان التيمى وحميد الطويل وابن عجلان وغيرهم، وعنه أحمد وإسحاق وابنا أبى شيبة وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن معين: صدوق وليس بحجة، مات سنة: تسع وثمانين ومائة. التهذيب 4/ 181، 182. (¬2) حديث رقم (110) بالباب. (¬3) آل عمران: 169. (¬4) البقرة: 143.

109 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لهُ مَا عَلى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ ". 110 - (1878) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِىُّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ فِى سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: " لَا تَسْتَطِيعُوهُ ". قَالَ: فَأَعَادُوا عَليْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: " لا تَسْتَطِيعُونَهُ ". وَقَالَ فِى الثَّالِثَةِ: " مَثَلُ المُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلا صَلاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللهِ تَعَالى". (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كُلهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نحْوَهُ. 111 - (1879) حَدَّثَنِى حَسَنٌ بْنُ عَلِىٍّ الحُلوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ابْنُ سَلامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ قَالَ: حَدَّثَنِى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ منْبَرِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِى أَلا أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلامِ، إِلا أَنْ أُسْقِىَ الحَاجَّ. وَقَالَ آَخَرُ: مَا أُبَالِى أَلا أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلامِ، إِلا أَنْ أَعْمُرَ المَسْجِدَ الحَرَامَ. وَقَالَ آخَرُ: الجِهَادُ فِى سَبيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَلكِنْ إِذَا صَليْتُ الجُمُعَةُ دَخَلتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلفْتُمْ فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر للذين ذكروا فضائل الأعمال: " لا ترفعوا أصواتكم عند منبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو يوم الجمعة ": فيكون هذا التحدث ورفع الصوت فى مساجد الجماعات، وإن كان فى باب الخير والعلم، إذا كان وقت اجتماع الناس وانتظارهم الصلاة؛ لأن منهم حينئذ المتنفل

الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} الآيَةَ إِلَى آخِرِهَا (¬1). (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، أَخْبَرَنِى زَيْدٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ قَالَ: حَدَّثَنِى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى تَوْبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والذاكر فيشغله ذلك. وفى هذا الحديث وغيره مما ذكر مسلم فضل على سائر الأعمال وبذلك نزل كما ذكر فى الحديث: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} (¬2). ¬

_ (¬1) و (¬2) التوبة: 19.

(30) باب فضل الغدوة والروحة فى سبيل الله

(30) باب فضل الغدوة والروحة فى سبيل الله 112 - (1880) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لغَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". 113 - (1881) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالغَدْوَةَ يَغْدُوهَا العَبْدُ فِى سَبِيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". 114 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بَنْ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". 114م - (1882) حَدَّثَنَا ابْنِ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ذَكْوَانَ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لوْلا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لغَدْوَهٌّ فى سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها ": الغدوة، بفتح الغين: السير بالغدو. والغدوة، بالضم: من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس. والغدوة بالفتح: السير إلى الزوال. والروحة: السير بالرواح، وذلك من الزوال إلى آخر النهار. والغدوة والروحة الذهاب مرة واحدة فى هذين الوقتين، ومعناه: أن أفضل ذلك وثوابه ونعيمه - على قلة هذا العمل - خير من نعيم الدنيا كله لو ملكه مالك على اتساعه فى التقدير، ومحل ذلك من العظم فى النفوس لشاهديه، وذلك لأنه زائل ونعيم الآخرة باق. وقد قيل: معناه ومعنى ما جاء من يبحث له من تمثيل أمور الآخرة أثراً بها بأمور الدنيا؛ أنهما خير من الدنيا وما فيها لو ملكه مالك فأنفقه فى الآخرة، فإن الجهاد أفضل من ذلك، وأما تمثيل الباقى بالفانى على وجهه فغير مراده، ولا يصح التمثيل به. وقع فى بعض الشيوخ فى حديث يحيى بن يحيى: " والغزوة يغزوها " بالزاى (¬1)، والصواب ما لغيره بالدال، وإن صح المعنى فيها لكن المعروف فى رواية الحديث حيث وقع ما تقدم. قال الإمام: خرج مسلم فى الباب: نا ابن أبى عمر، نا مروان بن معاوية، قال ¬

_ (¬1) أحمد 3/ 433.

رِجَالاً مِنْ أُمَّتِى " وَسَاقَ الحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ: " وَلرَوْحَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ أَوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". 115 - (1883) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللفْظُ لأَبِى بَكْرٍ وَإِسْحَاقَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا المُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى أَيُّوبَ، حَدَّثَنِى شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ المَعَافِرِىُّ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" غَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمَّا طَلعَتْ عَليْهِ الشَّمْسُ وَغرَبَتْ ". (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَدَّثَنِى شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم: فى نسخة [أبى العلاء] (¬1): نا أبو بكر بن أبى شيبة، نا مروان [بن معاوية جعل " ابن أبى شيبة " بدل " ابن أبى عمر "] (¬2)، والصواب ما تقدم؛ أنه من رواية ابن أبى عمر، وهى رواية الجلودى. ¬

_ (¬1) فى الأصل: ابن ماهان، والمثبت من ع. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

(31) باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد فى الجنة من الدرجات

(31) باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد فى الجنة من الدرجات (¬1) 116 - (1884) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أَبُو هَانِئٍ الخَوْلانِىُّ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِىَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَجَبَتْ لهُ الجَنَّةُ "، فَعَجِبَ لهَا أَبُو سَعِيدٍ. فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلىَّ يَا رَسُولَ اللهِ. فَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ: " وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا العَبْدُ مَائَةَ دَرَجَةٍ فِى الجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ". قَالَ: وَمَا هِىَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللهِ، الجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى التعليق على الباب؛ لاشتمال الأبواب السابقة عليه.

(32) باب من قتل فى سبيل الله كفرت خطاياه، إلا الدين

(32) باب من قتل فى سبيل الله كفرت خطاياه، إلا الدَّين 117 - (1885) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَامَ فيهِمْ فَذَكَرَ لهُمْ: " أَنَّ الجِهَادَ فِى سَبيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ ". فَقَامِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلتُ فِى سَبيلِ اللهِ تُكَفَّرُ عَنِّى خَطَايَاىَ؟ فَقَالَ لهُ رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ، إِنْ قُتِلتَ فِى سَبيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ قُلْتَ؟ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلتُ فى سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّى خَطَايَاىَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ - عَليْهِ السَّلامُ - قَالَ لِى ذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الجهاد فى سبيل الله أنه أفضل الأعمال: بذلك تظاهرت الآثار وصحت الأخبار. وقوله للذى سأله فى تكفير خطاياه إن قتل فى سبيل الله. قال: " نعم، إن قتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ": فيه أن الأجر فى ذلك لمن صدقت نيته، واحتسب أجره ولم يقاتل حمية، ولا طلب دنيا، ولا طلب ذكر وثناء، وأن من قُتل مدبراً فإنه ليس له من هذا الأجر شىء. وقوله: " إلا الدين ": فيه تنبيه على أن حقوق الآدميين والتبعات التى للعباد لا تكفرها الأعمال الصالحة وإنما تكفر ما بين العبد وربه، ويكون هذا فيمن له بقضاء ما عليه من الدين وأتلفه على ربه عن علم أو عزة من ذمته وملائه، واستدانه (¬1) فى غير واجب، وتحذيراً وتشديداً لمن يسارع لإتلاف أموال الناس بهذا الوجه. وقد يحتمل أن هذا كان أولاً، وقيل: قوله: " من ترك ديناً أو ضياعاً فعلى "، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكفل بمن مات من أمته وعليه دين معسراً، وتحمل دينه وعياله، مما أفاء الله عليه من المغانم، إذ فيها حث فى قضاء دين المعسر والنفقة على العيال أو من احتاج. وقيل: قوله هذا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناسخ لما تقدم، وليس بصحيح، وإنما هو بيان لانتقال الحال وتبديل أمر المسلمين من العسر إلى حكم اليسر بما فتح الله عليهم، وقد قيل: إن هذا مما يحتمل ¬

_ (¬1) فى الأبى: وأدائه.

(...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ المَقْبُرِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلتُ فِى سَبِيلِ اللهِ؟ بِمَعْنَى حَدِيثِ الليْثِ. 118 - (...) وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ. ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلى صَاحِبِهِ -: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلى المِنْبَرِ. فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ ضَربْتُ بِسَيْفِى. بِمَعْنَى حَدِيثِ المَقْبُرِىِّ. 119 - (1886) حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ المِصْرِىُّ، حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ - يَعْنِى ابْنَ فَضَالةَ - عَنْ عَيَّاشٍ - وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ القِتْبانِىُّ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يختص بالنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: " أنا أولى بالمؤمنين " (¬1)، وقد تقدم الكلام على هذا. وقوله فى الجواب أولاً: " نعم "، ثم قال بعد: " إلا الدين "، يحتمل أنه أعلم بهذا بعد، إن لم يعلمه، ويحتمل أنه أعلم أولاً لفظاً مع علمه باستثناء الدين، ثم رأى بيانه فى فضل الجهاد: " يرفع بها العبد مائة درجة فى الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض "، يحتمل أنه على ظاهره، وأن الدرجة هنا المنازل التى بعضها أرفع من بعض فى الظاهر، وكذلك منازل الجنة، كما جاء فى أهل الغرف: " يتراءون كالكوكب الدرى " (¬2)، ويحتمل أن يريد فيها الرفقة بالمعنى من كثرة النعم وعظيم الإحسان، مما لم يخطر على قلب بشر، ولا يصفه واصف، وأن أنواع ما أنعم به عليه وبوأه من البر والكرامة يتفاضل تفاضلاً كثيراً، وينسى بعضه بعضاً، ومثل تفاضله فى البعد بما بين السماء والأرض، والأول أظهر. وقوله فى الباب: نا سعيد بن منصور، نا سفيان عن عمرو بن دينار، عن محمد ¬

_ (¬1) مسلم، ك الفرائض، ب من ترك مالاً فلورثته 3/ 14 (1619)، والبخارى، ك الكفالة، ب الدين 3/ 128. (¬2) مسلم، ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب إحلال الرضوان على أهل الجنة 4/ 11 (2831)، وأحمد 3/ 26.

120 - (...) وَحَدثَّنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ، حَدَّثَنِى عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ القِتْبَانِىُّ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " القَتْلُ فِى سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَىْءٍ إِلا الدَّيْنَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن قيس، قال: وحدثنا ابن عجلان عن محمد بن قيس. كذا جاء مبيناً معطوفاً فى مصنف سعيد بن منصور (¬1) الذى سمعه منه مسلم. ¬

_ (¬1) سعيد بن منصور، ك الجهاد، ب ما جاء فى فضل الشهادة (2553).

(33) باب بيان أن أرواح الشهداء فى الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون

(33) باب بيان أن أرواح الشهداء فى الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون 121 - (1887) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسى بْنُ يُونُسَ، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا أسْباطٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلنَا عَبْدَ اللهِ - هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ - عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (¬1) قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلنَا عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: " أَرْوَاحُهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ذكر مسلم فى باب الشهداء: عن يحيى بن يحيى وأبى بكر بن أبى شيبة حديث مسروق: سألنا عبد الله عن هذه الآية: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} بالحديث موقوفاً، وهكذا جاء عبد الله غير منسوب. قال بعضهم: قال أبو مسعود الدمشقى: من الناس من ينسبه فيقول: عبد الله بن عمرو - والله أعلم. وذكره أبو مسعود الدمشقى فى مسند أبى مسعود. قال القاضى: كذا هو ابن مسعود عندنا فى الأصل من رواية أبى بحر، وسقط لغيره من شيوخنا، وأراه من إلحاق شيخه الكنانى - والله أعلم. وقوله: " أرواحهم فى جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح فى الجنة حيث شاءت، ثم تأوى إلى تلك القناديل ": فى هذا - أولاً - إثبات أن الجنة مخلوقة موجودة، وهو مذهب أهل السنة، وأنها التى اهبط منها آدم، وهى التى ينعم فيها المؤمنون فى الآخرة، خلافاً للمعتزلة وطوائف من المبتدعة بأنها بعد لم توجد، وأن الجنة التى كان فيها آدم غيرها. والآثار وظاهر القرآن يدل على مذهب أهل السنة. وفيه دليل على مُجازاة الأموات بالثواب والعقاب قبل القيامة، وقد ترى من هذا فى عذاب القبر. وفيه أن الأرواح باقية لا تفنى، فينعم المحسن ويعذب المسىء كما جاء فى القرآن والآثار، وهو مذهب أهل السنة، خلافاً لغيرهم من أهل البدع القائلين بفنائها. وقال هنا: " أرواح الشهيد "، أو قال فى حديث مالك: " إنها نسمة المؤمن "، ¬

_ (¬1) آل عمران: 169.

لهَا قَنَادِيلُ مُعَلقَةٌ بِالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأَوِىَ إِلَى تِلْكَ القَنَادِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسمة تنطلق على ذات الإنسان جسماً وروحاً، وتنطلق على الروح مفرداً، وهو المراد بها هنا لتفسيرها فى هذا الحديث بالروح؛ لأن الجسم يفنى ويأكله التراب، ولقوله فى الحديث: " حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه "، وذكر فى حديث مالك: " نسمة المؤمن "، وقال: " هنا الشهداء "، فقيل: المراد: هناك الشهداء، إذ هذه صفتهم لقوله تعالى: {أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (¬1) حسبما فسره فى هذا الحديث، رخصة بهم، وأن غيرهم إنما يعرض عليه مقعده من الجنة أو النار بالغداة والعشى كما جاء فى حديث ابن عمر، وكما قال تعالى فى آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} (¬2)، وقيل: بل المراد سائر المؤمنين المستوجبين لدخول الجنة دون عقاب، بدليل عموم الحديث وغير ذلك من الأحاديث، وقيل بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم. وقوله فى هذا الحديث: " فى جوف طير خضر "، وفى غير مسلم: " كطير خضر " (¬3) وفى حديث آخر عن قتادة: " فى صور طير بيض " (¬4): قال بعض المتكلمين على هذا: الأشبه صحة قول من قال: " طير " أو " صورة طير "، وهو أكثر ما جاءت به الروايات، لا سيما مع قوله: " وتأوى إلى قناديل تحت العرش "، وأبعد بعضهم هذا، ولم ينكره آخرون، وليس فيه ما ينكر، ولا بين الأمرين فرق، بل رواية " طير "، أو " أجواف طير " أصح معنى وأبين وجهاً، وليس بالأقيسة والعقول فى هذا تحكم، فكل من المجوزات. فإذا أراد الله أن يجعل هذه الروح إذا خرجت من المؤمن، والشهيد فى قناديل أو أجواف طير أو حيث يشاء كان ذلك، ولم يبعد، لا سيما مع القول: إن الأرواح أجسام، كما سنذكره ونذكر الخلاف فى ذلك، ولما أبعدنا أن تكون رواية أنها طير على ظاهره، إذ لو غيرت الأرواح عن حالها وصفاتها إلى صفات طيور خضر لم تكن حينئذ أرواحاً. وأما على القول: إن الروح معنى وهى الحياة، فبعيدٌ أيضاً أن ترجع صورة طير؛ لأن المعانى لا تتجسم ولا تقوم بنفسها، وإنما تقوم بغيرها من أجسام يخلقها الله - تعالى - لذلك، وقد قيل على هذا: إن المعذب أو المنعم من الأرواح جزء من الجسد يبقى فيه الروح، فهو الذى يألم ويعذب، ويلتذ وينعم، وهو الذى يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ} (¬5) وهو الذى يعلق بشجر الجنة، فغير مستحيل أن يصور ذلك الجزء طائراً، ويجعل فى جوف طائر وفى قناديل تحت العرش، وغير ذلك مما يريده الله تعالى على المعانى التى تقدم، والله أعلم بمراد نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

_ (¬1) آل عمران: 169. (¬2) غافر: 46. (¬3) ابن ماجه، ك الجهاد، ب فضل الشهادة فى سبيل الله 2/ 936 (2801). (¬4) عبد الرزاق، ك الجهاد، ب أجر الشهيد (9553). (¬5) المؤمنون: 99.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعض أهل المعانى: إنما ورد هذا الكلام مورد التمثيل والتقريب للإفهام ولسرعة تناول هذه الروح لما تريد من نعيم الجنة، وإدراك متناولها وما تشتهيه من لذاتها كسرعة طيران الطير، وقطعه المسافة البعيدة فى الزمن القصير. وقد اختلف الناس فى الأرواح - ما هى؟ - اختلافاً لا يكاد ينحصر، فذهب كثير من أرباب المعانى وعلم الباطن، والمتكلمين إلى أنه مما لا تعرف حقيقته، ولا يصح وصفه، ومما جهل الخلق علمه، واستدلوا بقوله سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا} (¬1)، قالوا: وهو أمر ربانى إلهى. وغلا بعضهم فقال بقدمه، وهو مذهب الفلاسفة. وقال آخرون منهم - وهو قول جمهور الأطباء -: إنه البخار اللطيف السائد مع الدم. وعول كثير من شيوخنا أنه الحياة، وقال آخرون: الحياة معنى آخر، والروح غيره يبطل الجسد بفقده، وقال آخرون: هى أجسام لطيفة مشاركة للجسم يحيا بحياة الجسم، أجرى الله العادة بموت الجسم عند فراقه. وقيل: هو بعض الجسم، ولذلك وصف بالخروج والقبض وبلاغ الحلقوم، وهذه صفة الأجسام لا المعانى. وذهب بعض المتقدمين من أئمتنا إلى أنه جسم لطيف مصور على صورة الإنسان داخل الجسم. وذهب بعض مشايخنا وغيرهم إلى أنه النفس الداخل والخارج، وهذا خطأ بيّن، وقال آخرون: هو الدم، وهذا خطأ أيضاً. وكذلك اختلفوا فى النفس، فقيل: هى الروح، لفظان لمعين واسمان لشىء واحد، وقيل: هى الدم، وقيل: النفس الداخل والخارج، وقيل: هى الحياة. ولا خلاف أنها تقع على ذات الشىء وحقيقته. وأما قوله: " تعلق فى ثمار الجنة " (¬2): فمن رواه بضم اللام فمعناه: تأكل وتصيب، وقيل: تتناول، ويؤيد هذا قوله فى الحديث: " تأكل ثمار الجنة، وترد أنهارها " (¬3)، وكما قال فى الكتاب العزيز: {أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (¬4)، وقيل: " تعلق " تشم، وهذا أشبه بالأرواح وتغذيها مجردة عن الأجسام، ولعل هذا هو معنى أكلها فى الحديث الآخر، ورزقها فى القرآن، ومن قاله بالفتح فمعناه الأول، وقيل: معناه: تتعلق وتقع عليها، وقيل: تأوى إليها، ويؤيده رواية: " تسرح ". وقد يكون الأكل والورود راجعاً إلى الجزء الذى تقوم به الروح على أحد الوجهين المتقدمين - والله أعلم. وأما النسمة المذكورة فى الحديث الآخر فقيل: هى هنا الروح، والنسمة تقع على النفس والروح والبدن، وقال الخليل: النسمة: الإنسان، وفى الحديث: " لا والذى برأ ¬

_ (¬1) الإسراء: 85. (¬2) أبو داود، ك الجهاد، ب فى فضل الشهادة 2/ 14، أحمد 6/ 386. (¬3) الترمذى، ك فضائل الجهاد، ب ما جاء فى ثواب الشهيد 4/ 176، أحمد 1/ 266. (¬4) آل عمران: 169.

فَاطَّلعَ إِليْهِمْ رَبُّهُمُ اطَّلاعَةً. فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالوا: أَىَّ شَىْءٍ نَشْتَهِى؟ وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلوا، قَالوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِى أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِى سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلمَّا رَأَى أَنْ ليْسَ لهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ النسمة " (¬1). قال الشاعر: أرى النسمات ينفضن الغبارا يعنى البعث، وقد تعلق بحديثنا هذا وبشبهه بعض الملحدة ممن يقول بالتناسخ وانتقال الأرواح، وتنعيمها فى الصور الحسان المرفهة، وتعذيبها فى الصور القبيحة المسخرة، وأن هذا هو معنى الثواب والعقاب والإعادة حتى إذا استوت بنيته، وإنما الصور قوالب لهذه الأرواح تنتقل فيها. وهو ضلال وإبطال لما جاء به الشرع من الحشر والنشر، والجنة والنار؛ إذ قد قال فى الحديث: " حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " (¬2) أعنى يوم يجىء جميع. فإنما تكون هذه الطيور قبل البعث مقاعد لها كقناديل الذهب المذكورة معها، ولعل هذه الطيور كانت على صورها من ذهب أو يواقيت أو ما شاء الله تعالى. كما جاء فى صفات خيل أهل الجنة، وأنها كلها مراكب (¬3) ومجالس لأهل الجنة ولأرواحهم قبل البعث كما قيل فى سدرة المنتهى: إليها تنتهى أرواح الشهداء، وذكر أنه غشيها فراش من ذهب. ولعلها - والله أعلم - أنها من تلك الطيور التى تسرح بها أرواح الشهداء التى تأوى إليها فكلٌّ يحتمل، غير مستحيل، ولا يبعد. وأما قوله تعالى لهم: " هل تشتهون شيئاً ": فمبالغة فى الإكرام والنعيم؛ إذ قد أعطاهم ما لا يخطر على قلب بشر، ثم رغبهم فى سؤال الزيادة، فلم يجد وراء ما أعطاهم من مزيد، لكن تلقوا ذلك بالشكر بأن سألوه بأن يرد أرواحهم إلى أجسادهم حتى يجاهدوا فيه، ويبذلوا أنفسهم، ويقتلوا فى شكر إحسانه، ويستلذوا ألم القتل والموت لمكافأة بره، ويجودوا بذواتهم له، إذ لم يقدروا على غاية فوق ذلك والجود بالنفس أقصى غاية الجود. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الديات، ب العاقلة 9/ 13، وسبق فى مسلم، ك الإيمان، ب الدليل على أن حب الأنصار وعلى من الإيمان. (¬2) أبو داود، ك السنة، ب فى المسألة فى القبر وعذاب القبر 2/ 540، النسائى، ك الجنائز، ب أرواح المؤمنين 4/ 108، ابن ماجه، ك الزهد، ب ذكر القبر والبلى رقم (4271). (¬3) فى الأبى: مراتب.

(34) باب فضل الجهاد والرباط

(34) باب فضل الجهاد والرباط 122 - (1888) حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّد ابْنِ الوَلِيدِ الزُّبَيْدِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الليْثِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَىُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: " رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " مُؤْمِنٌ فِى شِعْبٍ مِنَ الشَّعَابِ، يَعْبُدُ اللهَ رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ ". 123 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الليْثِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَىُّ النَّاسِ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِى سَبِيلِ اللهِ ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِى شِعْبٍ مِن الشَّعَابِ، يَعْبُدُ رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أى الناس أفضل؟ قال: " رجل يجاهد فى سبيل الله بنفسه وماله ": هذا ليس على العموم، وإلا فالأنبياء والصديقون أفضل، وكذلك العلماء بما شهدت الأحاديث الصحيحة بذلك، والمراد من أعمال البر غير ما ذكرنا. وقوله: " ثم رجل معتزل فى شعب من الشعاب يعبد ربه، ويدع الناس من شره ": فيه فضل العزلة والانحياش عن الناس، وكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشار إلى ما يكون بعده من الفتن، بحيث تكون العزلة والتغرب عن الناس أفضل من الدخول فيما هم فيه، أو فيمن لا قدرة له على الجهاد وفى غير زمن الجهاد، أو ممن ليس ينتفع بعلمه ونظره فى مصالح المسلمين، فهو أيضاً خصوص فى بعض الناس. والشعب هو الشُّعبة - أيضاً - بضم الشين، وعند الصدفى بالكسر: ما انفرج بين الجبلين، ولم يرد نفس الشعب خصوصاً، وإنما مثّل به للانفراد والعزلة عن الناس، والبعد منهم؛ إذ هذه المواضع فارغة من الناس غالباً، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث الآخر - حين سئل عن النجاة فقال -: " أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك " (¬1). ¬

_ (¬1) الترمذى، ك الزهد، ب ما جاء فى حفظ اللسان. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. رقم (2406)، 4/ 265، وأحمد فى مسند عقبة بن عامر 4/ 148.

124 - (...) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فَقَالَ: " وَرَجُلٌ فِى شِعْبٍ " وَلمْ يَقُلْ: "ثُمَّ رَجُلٌ ". 125 - (1889) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْجَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللهِ، يَطَيرُ عَلى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَليْهِ، يَبْتَغِى القَتْلَ وَالمَوْتَ مَظَانَّهُ. أَوْ رَجُلٌ فِى غُنَيْمَةٍ فِى رَأسِ شَعَفَة منْ هَذِهِ الشَّعَفِ، أَوْ بَطَنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلاةَ وُيؤْتِى الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأتِيَهُ اليَقِينُ، ليْسَ مِنَ النَّاسِ إِلا فِى خَيْرٍ ". 126 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، وَيَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِىَّ - كِلاهُمَا عَنْ أَبِى حَازِمٍ، بهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. وَقَالَ: عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَدْرٍ. وَقَالَ: " فِى شِعْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ " خِلافَ رِوَايَةِ يَحْيَى. 127 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الجُهَنِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى حَازِمٍ عَنْ بَعْجَةَ. وَقَالَ: " فِى شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من خير معاش الناس رجل ممسك عنان فرسه " الحديث: فيه تفضيل الجهاد وشرفه والمواظبة عليه، وأنه وإن ترى فيه أخذ المغانم والاكتساب فهذا لا يؤثر فى الأجر، إذا كان الباعث فضل (¬1) الجهاد والاحتساب فيه، بدليل قوله: " طار عليه يبتغى القتل فى سبيل الله "، وبقوله: " يطير على متنه " أى يسارع للجهاد على ظهر فرسه. وقوله: " كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليها "، قال الإمام: الهيعة: الصوت الذى يفزع منه، يقال: هاع يهيع هيوعاً وهياعاً: إذا جبن، وهاع يهاع: إذا جاع وإذا تهوع. وقوله: " فى رأس شعفة من هذه الشعف ": الشعفة، بفتح العين غير معجمة، واحدة الشعف، وهى رؤوس الجبال. ¬

_ (¬1) فى الأبى: قصد.

(35) باب بيان الرجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة

(35) باب بيان الرجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة 128 - (1890) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ المَكِّىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُليْنِ، يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، كِلاهُمَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ ". فَقَالوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " يُقَاتِلُ هَذَا فِى سَبِيلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيُسْتَشْهَدُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلى القَاتِلِ فَيُسْلِمُ، فَيُقَاتِلُ فِى سَبيلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ فَيُسْتَشْهَدُ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 129 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَضْحَكُ اللهُ لِرَجُليْنِ، يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، كِلاهُمَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ ". قَالوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " يُقْتَلُ هَذَا فَيَلِجُ الجَنَّةَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلى الآخَرِ فَيَهْدِيهِ إِلَى الاِسْلامِ، ثُمَّ يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيُسْتَشْهَدُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة " الحديث: الضحك هنا استعارة فى حق الله، ولا يجوز عليه الضحك المعلوم؛ لأنه إنما يصح من الأجسام وممن يجوز عليه تغير الحالات، والله تعالى منزه عن ذلك، وإنما يرجع إلى الرضا بفعلهما والثواب عليه، والإحسان إليهما أو حمد فعلهما ومحبته، وتلقى رسل الله لهما بذلك؛ لأن الضحك إنما يكون من أحدنا عند موافقة ما يراه وسروره به وبره لمن يلقاه (¬1)، وقد تقدم الكلام عليه مشبعاً فى صدر الكتاب، وقد يكون الضحك هنا على وجهِه المعلوم، والمراد به ملائكة الله ورسله الذين يوجههم للقائه وقبض روحه، وإدخاله الجنة، كما يقال: نادى الأمير فى البلد، وقتل السلطان فلاناً: رجاله وأمره. ¬

_ (¬1) بل الصحيح - وهو مذهب السلف -: إثبات صفة الضحك لله عز وجل من غير تكييف.

(36) باب من قتل كافرا ثم سدد

(36) باب من قتل كافراً ثم سدّد 130 - (1891) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلهُ فِى النَّارِ أَبَدًا ". 131 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الهِلالِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِىُّ، إِبْرَاهِيمُ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يجتمع كافرٌ وقاتله فى النار أبداً ": يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافراً فى مجاهدة العدو، وأن ذلك تكفير لذنوبه حتى لا يعاقب عليها، أو تكون بنية مخصوصة، وحاله. والله أعلم بها. ويحتمل أن تكون عقابه إن عوقب بغير النار فى الأعراف، كالحبس عن دخوله الجنة، فلا يدخل النار، أو يكون إن عوقب بها لا يكون حيث يعاقب الكفار، ولا يجتمع معهم فى إدراكها. وقوله فى الحديث الآخر: " اجتماعاً يضر أحدهما الآخر ": يدل أنه اجتماع مخصوص، وهو مشكل المعنى، وأوجه ما فيه أن يكون يحتمل ما أشرنا إليه ألا يجتمع معه فى وقت إن استحق للعقاب فيعيره بدخوله معه، وأن إيمانه وقتله إياه لم يغنه، وقد جاء مثل هذا فى بعض الآثار، ولكن قوله فى هذا الحديث: " مؤمن قتل كافراً ثم سدد " رادٌّ إشكالاً؛ لأن المؤمن إذا سدد، ومعناه: استقام على الطريقة ولم يخلط ولا راع. والسداد والسدد: الفضل، لم يدخل النار جملة، قتل كافراً أو لم يقتله، ووجهه عندى أن يرجع قوله: " ثم سدد " على الكافر القاتل، ويكون بمعنى الحديث المتقدم: " يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا فيستشهد فيدخل الجنة، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيستشهد "، وقد ذكر البخارى هذه الترجمة على نحو ما ذكرناه: " باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد " (¬1)، لكن لم يدخل هذا الحديث المشكل، وأدخل حديث الضحك بنصه، فلعله لم يدخله لإشكاله، أو لأنه رأى فيه فهماً، وأن صوابه: مؤمن قتله كافر ثم سدد. فهذا يطابق ترجمته لو جاءت به رواية، ولكن الأحاديث الآخر جاءت بمثل هذا، ويكون معنى قوله فى هذا الحديث: " لا ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجهاد، ب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل 4/ 28.

" لا يَجْتَمِعَانِ فِى النَّارِ اجْتِمَاعًا يَضُّرُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ". قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يجتمعان فى النار اجتماعاً يضر أحدهما الآخر ": أى لا يدخلانها للعقاب، ويكون هذا تخصيصاً واستثناء من اجتماع الورود وتخاصم العباد على حبس جهنم، كما جاءت به الآثار، والله أعلم بمراد نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن ذلك من تجاذبهما ومطالبة المقتول للقاتل لا تضره ولا تدركه تباعته؛ لأنه إنما قتله فى الله وفى سبيل الله.

(37) باب فضل الصدقة فى سبيل الله وتضعيفها

(37) باب فضل الصدقة فى سبيل الله وتضعيفها 132 - (1892) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى عَمْرٍو الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ فِى سَبِيلِ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمَائَةِ نَاقَةٍ، كُلهَا مَخْطُومَةٌ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهِذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى الذى جاء بناقة فى سبيل الله: " لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة " مطابق لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى تضعيف الحسنات إلى سبعمائة ضعف (¬1)، وأصله قوله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ} (¬2)، ويحتمل أن يكون على ظاهره، تكون له فى الجنة يركبها حيث شاء، كما جاء فى خيل الجنة ومجيئها (¬3)، وقد يكون ذلك إشارة إلى تضعيف ثوابه، وتسمية الثواب باسم الحسنة والطاعة، لكن قوله: " مخطومة " يقوى أنه على ظاهره، ومعناه: عليها خطام وهو مثل الزمام. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الإيمان، ب حسن إسلام المرء 1/ 17. (¬2) البقرة: 261. (¬3) الترمذى، ك صفة الجنة، ب ما جاء فى صفة خيل الجنة 4/ 681 (2543، 2544)، وقال: ليس إسناده بالقوى، وأحمد 5/ 352.

(38) باب فضل إعانة الغازى فى سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته فى أهله بخير

(38) باب فضل إعانة الغازى فى سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته فى أهله بخير 133 - (1893) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى عَمْرٍ والشَّيْبَانِىِّ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى أُبْدِع بِى فَاحْمِلنِى. فَقَالَ: " مَا عِنْدِى ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَدُلهُ عَلى مَنْ يَحْمِلهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ دَلَّ عَلى خَيْرٍ فَلهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ". (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَن شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرُّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، كُلهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 134 - (1894) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ سَلمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِثٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ سَلمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِثٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أُرِيدُ الغَزْوَ وَليْسَ مَعِى مَا أَتَجَهَّزُ. قَالَ: " ائْتِ فُلانًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إنى بُدِّعَ بى فاحملنى ": كذا رويناه عن جميعهم، وفى بعض النسخ: " أبدع " بالألف، وهو الصواب، ومعروف اللغة، وكذا رواه أبو داود وسعيد بن منصور فى مصنفيهما. قال الإمام: أى أهلك فرسى، يقال للرجل إذا كَلَّت ركابه أو عَطِبت، وبقى مقطوعاً به: قد بدِّعَ به. قال القاضى: قدمنا أن صوابه: " أبدع "، وكذا قال هذا الحرف جميع أهل اللغة وفسروه بما تقدم، واختصاصه هنا بالفرس لا وجه له، والأشبه أنه فى غيره؛ لأنهم إنما كانوا يطلبون من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحملان من الإبل وأما الخيل فلا، قال الله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الآية (¬1). ¬

_ (¬1) التوبة: 92.

فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ: أَعْطِنِى الذِى تَجَهَّزْتَ بِهِ. قَالَ: يَا فُلانَةُ، أَعْطِيهِ الَّذِى تَجَهَّزْتُ بِهِ، وَلا تَحْبِسِى عَنْهُ شَيْئًا. فَوَاللهِ، لاَ تَحْبِسِى مِنْهُ شَيْئًا فَيُبَارِكَ لكِ فِيهِ. 135 - (1895) وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ - قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ ابْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِىِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِى سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِى أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا ". 136 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنُ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلمُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَن بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِىِّ، قَالَ: قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِى أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا ". 137 - (1896) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، عَنْ عَلِىَّ بْنِ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلى المَهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِى لِحْيَانَ، مِن هُذَيْلٍ. فَقَالَ: " لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُليْنِ أَحَدُهُمَا، وَالأَجْرُ بيْنَهُمَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " مثل قوله: " من جهز غارياً فقد غزا ": أى له أجر فعل الخير، وأجر الغزو، وإن لم يلحق بجميع تضعيف أجر معطى الخير، وأجر الغازى؛ لأنه يجتمع فى تلك الأشياء أفعال أُخر وأعمال من البر كثيرة، ولا يلحق بها الدال الذى ليس عنده إلا بمجرد النية فى الحسنة، ويموت المسلم بما فعل. وقد بيّن فى هذا الحديث الآخر بقوله: " فله أجر نصف أجر الخارج " أو لأن الخارج بجهاز هذا ليس له الأجر فى إخراج المال أيضاً، وانما أجره فى الجهاد والخروج؛ ولهذا أجر إخراج المال فيه بمثل نصف أجر من خرج مجاهداً بنفسه وماله، وكذلك مجهز الغازى وخالفه فى عياله بالخير الذى ليس له إلا حسن عونه، وبذل ماله فى جهازه، والقيام بمن خلفه، وكذلك المعونة فى جميع أعمال البر، وبعكسه المعونة فى السياق كما جاء فى الحديث المشهور: بعث إلى بنى لحيان بن هذيل، فقال: " لينبعث من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما "، يعنى بعث لغزو بنى لحيان وهم كفار، وقال للذين بعثهم هذا الكلام، أى

(...) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الوَارِثِ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ - مَوْلى المَهْرِىِّ - حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِىُّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ بَعَثَ بَعْثًا. بِمَعْنَاهُ. (...) وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ مُوسَى - عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 138 - (...) وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو ابْنُ الحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى سَعيدٍ، مَوْلى المَهْرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى بَنِى لَحْيَانَ: " لِيَخْرُجَ مِنْ كُلِّ رَجُليْنِ رَجُلٌ "، ثُمَّ قَالَ لِلقَاعِدِ: " أَيُّكُمْ خَلفَ الخَارِجَ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ، كَانَ لهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الخَارِجِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ليخرج من كل جماعة نصفها من العدد والأجر بينهما؛ لأن الباقى يعين من الخارج بما يحتاج إليه، وبخلافه من يتخلفه فى القيام عليه، كما فسره فى آخر الحديث، وكما ذكر فى الحديث الآخر من ضد ذلك فى خلافته له فيهم بشر وخيانة. وبنو لحيان بفتح اللام وكسرها. وأبو سعيد مولى المهرى. وقوله: " أعطيه الذى تجهزت به ولا تحبسى عنه شيئاً، فوالله لا تحبسى منه شيئاً فيبارك لك فيه ": إما لأنه كان أخرجه لله ليتجهز به، كما قال فى الحديث: " فمنعه المرض " أو لأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له فى الحديث يرفعه إليه وترغيبه فى ذلك.

(39) باب حرمة نساء المجاهدين، وإثم من خانهم فيهن

(39) باب حرمة نساء المجاهدين، وإثم من خانهم فيهن 139 - (1897) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ ابْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُرْمَةُ نِسَاءِ المُجَاهِدِينَ عَلى القَاعِدِينَ، كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ منَ القَاعِدِينَ يَخْلفُ رَجُلاً مِنَ المُجَاهِدِينَ فِى أَهْلِهِ، فَيَخُوُنهُ فِيهِمْ، إِلا وُقِفَ لهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَأخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟ ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ - يَعْنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى حَدِيثِ الثَّوْرِىِّ. 140 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَعْنَبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: " فَقَالَ: فَخُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ ". فَالتَفَتَ إِليْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: فَمَا ظَنُّكُمْ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى الذى يخون المجاهد فى أهله: أنه يأخذ من حسناته يوم القيامة ما شاء فما ظنكم؟ يعنى لما ترون فى رغبته فى أخذ حسناته والاستكثار منها فى ذلك المقام، أى أنه لا يبقى له شيئاً منها إن أمكنه ذلك وأبيح له.

(40) باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين

(40) باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين 141 - (1898) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ فِى هَذِهِ الآيَةِ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} (¬1) فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا فَجَاءَ بِكَتِفٍ يَكْتُبُهَا، فَشَكَا إِلَيْهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتهُ، فَنَزلتْ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ}. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِى سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فِى هَذِهِ الآيَةِ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ. وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِى رِوَايَتِهِ: سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. 142 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبِ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلتْ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} كلمَهُ ابْنُ أُمَّ مَكْتُومٍ، فَنَزَلتْ: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث ابن أم مكتوم وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب الآية فى الكتف: فيه جواز كتب القرآن فى الألواح والأكتاف، ودليل على طهارة عظام ما ذكى مما يؤكل لحمه أو ذكى لأخذ عظامه. وقد يُستدل به على طهارة العظم وعلى استعمال عظام الفيل جملة، إذ لم يرد اختصاصهم بما كانوا يكتبون فيه من كتاف الإبل ما ذكى مما لم يذك، ولا ما أخذ قبل الإسلام أو بعده، وقد اختلف الناس فى هذا الباب، وتقدم منه. وقوله: " فنزلت {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} " فى الآية دليل على أن الأجور على قدر الأعمال، وأن الذى لا يجاهد ليس له ثواب المجاهد، إلا من منعه عذر فله بقدر نيته، كما قال: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} وكما قال تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمَجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} يعنى القاعدين من أولى الضرر {وَفَضَّلَ اللهُ اللَّهُ الْمَجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬2) يعنى من غير أولى الضرر الذين ذكر أنهم لا يستوون معهم. وفيه رد على المعتزلة لتسويتهم ¬

_ (¬1) و (¬2) النساء: 95.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأجر لأولى الضرر على فاسد أصولهم فى الثواب والعقاب، وقول الله تعالى فى كتابه يرد عليهم، وتفريقه بين القاعدين والمجاهدين واستثنائه أولى الضرر وتفضيل المجاهدين عليهم بدرجة. وقوله تعالى: {وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (¬1) أى المجاهد، والقاعد أولى الضرر، لصدق نيتهم معهم، وأن الله حبسهم. واختلف القراء والنحاة فى نصب راء {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} على الاستثناء، أو رفعها على النعت للقاعدين أو البدل، وقد قرأها بعضهم بالكسر على وصف المؤمنين أو البدل منهم (¬2). وقوله: {دَرَجَاتٍ مِّنْهُ} (¬3): أى فضائل ومنازل، قيل: الإسلام درجة، والجهاد درجة، والقتل فيه درجة، والهجرة درجة. وقيل: هى سبع درجات المذكورة فى " براءة " بأنه لا يصيبهم ظمأ ولا نصب - الآيتان (¬4). وقيل: هى سبعون درجة. وفى الآية والحديث دليل أن من حبسه عن طاعة عذر أو غلبه نوم أو مرض فله أجر، كما جاء فى حديث قيام الليل وغيره، لصدق نيته فى ذلك (¬5)، وهو أحد التأويلات فى معنى قوله تعالى: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (¬6)، أى غير مقطوع بزمانه أو كبر أو عذر، وأحد التأويلات فى قوله: " نية المؤمن خير من عمله " (¬7) لطول أمد النية وكثرة أملها فى الخير مما لم يقدر على عمله. وفيه اتخاذ الكتاب وتقييد العلم، ولا خلاف فى كتابة القرآن، وانما كان الخلاف بين السلف فى جواز كتابة العلم والحديث لعلل ذكرناها فى غير هذا الموضع، ثم وقع الإجماع على جوازه، والأحاديث الصحيحة تدل عليه، وقد بسطنا هذا فى كتاب الإلماع. ¬

_ (¬1) النساء: 95. (¬2) انظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 343. (¬3) النساء: 95. (¬4) التوبة: 120، 121. (¬5) أبو داود، ك الصلاة، ب من نوى القيام فنام 1/ 303. (¬6) التين: 6. (¬7) الطبرانى (5942)، والمجمع 1/ 109.

(41) باب ثبوت الجنة للشهيد

(41) باب ثبوت الجنة للشهيد 143 - (1899) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللفْظُ لسَعِيدٍ - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ قُتِلتُ؟ قَالَ: " فِى الجَنَّةِ ". فَأَلقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِى يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَفِى حَدِيثِ سُوَيْدِ: قَالَ رَجُلٌ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ. 144 - (1900) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَريَّاءَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى النَّبِيتِ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ جَنَابٍ المِصِّيصِىُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى النَّبِيتِ - قَبِيلٍ مِنَ الأَنْصَارِ - فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولهُ. ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَمِلَ هَذَا يَسِيرًا، وَأُجِرَ كَثِيرًا ". 145 - (1901) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِى النَّضْرِ وَهَارُونَ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَأَلفَاظهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالوا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ المُغِيرَةِ - عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَةَ عَيْنًا، يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِى سُفْيَانُ. فَجَاءَ وَمَا فِى البَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِى وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لا أَدْرِى مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ نِسَائِهِ - قَالَ: فَحَدَّثَهُ الحَدِيثَ. قَالَ فَخَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بعث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسيسة عيناً " كذا فى جميع النسخ بياء باثنتين تحتها بين السينين مصغراً، وكذا ذكره أبو داود (¬1) وأصحاب الحديث. والمعلوم فى كتب السير: " بسبس " بباء واحدة غير مصغر، وهو بسبس بن عمرو (¬2)، ويقال: ابن بشر من الأنصار من الخزرج ويقال: حليفهم، وأنشد ابن إسحاق فى خبره قوله: أقم لها صدورها بسبس ... أن ترد الماء بها يا كيس ومعنى " عيناً ": أى متجسساً ورقيباً. والعير الإبل والدواب التى تحمل الأحمال. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجهاد، ب بعث العيون 2/ 37. (¬2) الاستيعاب 1/ 190.

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلمَ. فَقَالَ: " إِنَّ لنَا طلِبَةً، فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَليْرَكَبْ مَعَنَا "، فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتأَذِنُونَهُ فِى ظُهْرَانِهِمْ فِى عُلوِ المَدِينَةِ. فَقَالَ: " لا، إِلا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا "، فَانْطَلقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَاُبهُ، حَتَّى سَبَقُوا المُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ المُشْرِكُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنكُمْ إِلَى شَىْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ "، فَدَنَا المُشْرِكُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ". قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الحُمَامِ الأَنْصَارِىُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَحْمِلكَ عَلى قَوْلِكَ: بَخٍ بَخٍ ". قَالَ: لا، وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ إِلا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: " فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا "، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة: "إن لنا طلبة " - أى شىء نطلبه - " فمن كان ظهره حاضراً فليركب معنا ": فيه كتم أمور الحرب، وأن الحزم ترك إنشائها والتورية بهم؛ لئلا يطلع العدو عليها ولتؤخذ على غرة. والظهر: الإبل التى تحمل، ويركب عليها. فظهر أنهم جمع ظُهر بضم الظاء كأنه جمع ظهير، وهو البعير الذى يحمل عليه لشدة ظهره. ومعنى " بخ بخ ": كلمة تقال لتعظيم الأمر وتهويله، يقال بسكون الخاء وبكسرها منوناً. وقوله: " رجاءة أن أكون من أهلها ": ممدود، قال ابن دريد: تقول العرب: فعلته رجاتك، أى رجاك. وقوله: " فأخرج تمرات من قرنه ": كذا عند الفارسى بفتح الراء والنون، وفى رواية العذرى: " قُرْبَةَ " بسكون الراء والباء وضم القاف، ورواه بعضهم: " قرقرة ". قال الإمام: " من قرنه ": أى من جعبته، وفى الحديث: " صَلِّ فى القوس واطرح القرن " (¬1). قال الهروى: القرن جعبة من جلود تشق ثم تخرز، وإنما تشق كى يصل إليها الريح، ولا يغسل الريش. وأمره بنزع القرن لأنه كان من جلد غير ذكى ولا مدبوغ ومنه حديث عمر، قال للرجل: " ما مالك؟ فقال: أقرن وآدِمَةٌ فى المنيئة ". الأقرن جمع قرن [وهى جعبة من جلود تكون للصيادين فيشق جانب منها] (¬2)، كما فسرنا. قال القاضى: وأما من رواه: " قربة " بالباء أو " قرقرة " فتغير - والله أعلم - وبعيد الوجه، إلا أن يريد بالقرقرة الثوب الذى يلبسه النساء، يشبه ثوبه الذى عليه به. وكانت التمرات فى جيبه أو حجزته - والله أعلم. وأما قربة فلقرب خاصره، فإن كان أراد أيضاً حجزته أو بإطلاقه، فسمى ما على القرب باسمه كما سمى الإزار حقواً، إنما الحقو مقعده ¬

_ (¬1) الطبرانى (6277)، والمجمع 2/ 60، 61. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِى هذِهِ، إِنَّهَا لحَيَاةٌ طَوِيلةٌ. قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلهُمْ حَتَّى قُتِلَ. 146 - (1902) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُليْمَانَ - عَنْ أَبِى عَمْرَانَ الجَوْنِىِّ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى، وَهُوَ بِحُضْرَةِ العَدُوِّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَبوَابَ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ "، فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الهَيْئَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من الجسد فيكون له معنى، أو يكون القرب هنا بضم القاف والراء جمع قراب وهما مما يجعل فيه الراكب سيفه وخفيف آلته وزاده، فيكون له أيضاً وجه. وقوله: " لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما معه فقاتلهم حتى قتل "، ومثله الحديث الذى بعده. فيه جواز الاستقتال فى الحرب، ومنية الشهادة، وحمل الإنسان وحده على الكفار إن علم أنهم يقتلونه فى حملته تلك، وليس هو من إلقاء اليد إلى التهلكة، وقد فعله كثير من الصحابة والسلف، وروى عن عمر بن الخطاب وأبى هريرة وعلى مما أجازه هذا، قالوا فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (¬1) ونحوها من الآيات. وروى عن مالك مثله فى الرجل إذا علم من نفسه قوة وعنى أن يبارز الجماعة. وقال محمد بن الحسن: لو حمل واحد على ألف وحده لم يكن به بأس إذا طمع فى نجاة أو نكاية، أو أن يفعل المسلمون مثل فعلته أو يرهب العدو بما يريهم من صلابة المسلمين فى دينهم، وإلا فهو مكروه، إلا أنه كره العلماء أن يفعل ذلك من يكون رأس كتيبة، وعلم إن أصيب هلك من معه من الجيش. فالصواب ألا يتعرض للقتل إلا أن يضطر إلى ذلك، وقد روى - أيضاً - عن عمر كره هذا الاستقتال، وقال: لأن أموت على فراشى خير من أقتل بين يدى صف، يعنى يستقتل. ورأى بعضهم هذا من إلقاء اليد للتهلكة، النهى عنه فى الآية. وأحسن ما قيل فى هذه الآية: أنها فى ترك الإنفاق فى الجهاد والخروج له، وقيل فى تأويل الآية غير هذا من الإسراف فى الإنفاق، وقيل: اليأس والقنوط من رحمة الله. وقوله: " أبواب الجنة تحت ظلال السيوف ": وهذه استعارة، يعنى أن الجهاد وحضور المعارك سبب لدخولها ومقرب إليها. ¬

_ (¬1) البقرة: 207.

فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، آنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَجِعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَقْرَأُ عَليْكُمُ السَّلامَ، ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلقَاهُ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إِلَى العَدُوِّ، فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ. 147 - (677) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالوا: أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالاً يُعَلَمُونَا القُرآنَ وَالسُّنَّةَ. فَبَعَثَ إِليْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالَ لهُمُ: القُرَّاءُ. فِيهِمْ خَالِى حَرَامٌ. يَقْرؤُونَ القُرْآنَ، ويَتَدَارَسُونَ بِالليْلِ يَتَعَلمُونَ. وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فى المَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ وَللفُقَرَاءِ. فَبَعَثَهُمُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِليْهِمْ، فَعَرَضُوا لهُمْ فَقَتَلوهُمْ، قَبْلَ أَنْ يَبْلغُوا المَكَانَ. فَقَالوا: اللهُمَّ، بَلغْ عَنَّا نَبِيَّنَا؛ أَنَّا قَدْ لقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا. قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا - خَالُ أَنَس - مِنْ خَلفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ. فَقَالَ حَرَامٌ: فَزْتُ، وَرَبِّ الكَعْبَة! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلوا، وَإِنَّهُمْ قَالوا: اللهُمَّ، بَلغْ عَنَّا نَبِيَّنَا؛ أَنَّا قَدْ لقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا ". 148 - (1903) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ. قَالَ: قَالَ أَنَسُ: عَمِّىَ الَّذِى سُمِّيتُ بِهِ لمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى صفة أصحاب بئر معونة: " كانوا يجيئون بالماء فيضعونه فى المسجد ": فيه جواز وضع الماء فى المسجد والطعام لمن احتاج إليه، وقد كان يفعل ذلك بإقناء التمر فى مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا أيضاً، وكانت لهم فى آخره صفة، وهو مكان مقتطع من المسجد مظلل عليه، يبيتون فيه، قاله الحربى. وأصله صفة البيت، وهو مثل الظلة أمامه. وذكر عن بعضهم أنهم إنما سموا أصحاب الصفة لأنهم كانوا يصفون على باب المسجد. وقوله: " بلغ عنا نبينا أنا لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا " من قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (¬1)، أى رضى عنهم بطاعتهم وإيمانهم، ورضوا عنه بثوابهم وما أعطاهم من الخير. والرضا من الله إفاضة الخير والإحسان والرحمة على عبده، فيكون من صفات الأفعال، أو إرادته ذلك لهم فيكون من صفات الذات. ¬

_ (¬1) البينة: 8.

فَشَقَّ عَليْهِ. قَالَ: أَوْلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُيِّبْتُ عَنْهُ، وَإِنْ أَرَانِىَ اللهُ مَشْهَدًا، فِيمَا بَعْدُ، مِعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليَرَانِىَ اللهُ مَا أَصْنَعُ. قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا. قَالَ: فَشَهِدَ مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. فَقَالَ لهُ أَنَسٌ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَيْنَ؟ فَقَالَ: وَاهَا لِرِيحِ الجَنَّةِ، أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ. قَالَ: فَقَاتَلهُمْ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ: فَوُجِدَ فِى جَسَدِهِ بِضعٌ وَثَمَانُونَ، مِنْ بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. قَالَ: فَقَالتْ أُخْتُهُ - عَمَّتِى الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرُ -: فَمَا عَرَفْتُ أَخِى إِلا ببَنَانِهِ، وَنَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (¬1). قَالَ: فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَهَا نَزَلتْ فِيهِ وَفِى أَصْحَابِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لئن شهدت فيما بعد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرين الله ما أصنع، فهاب أن يقول غيرها ": يشير أنه أبهم الأمر إلى ما يراه الله، ولم يفسر ما يصنع وهابه، لئلا يكون قوله مردوداً إلى قوته وحوله فيعجزه الله عنه. وقوله: " واهاً لريح الجنة ": كلمة تحنى وتلهف، وقد قيل: إنها بمعنى الإغراء، وقد يصح هنا، ولها معان أخر فى غير هذا، فقد تأتى بمعنى الاستهانة للشىء، وبمعنى الترحم عليه. وقوله: " أجده دون أحد ": يحتمل أن يكون حقيقة، وأن الله أوجده إياه تقدمة لما كتب له من الشهادة؛ ولأن ريح الجنة يوجد على مسيرة خمسمائة عام، كما جاء فى الحديث، أو يكون على التمثيل والتقريب، أى أنها موجبة لمن شهد أحداً أو يستشهد عنده. وقوله: " ففيه نزلت هذه الآية: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ": قيل: فيه حجة بجواز الاستقتال المقدم ذكره، والوفاء بذلك لمن عقده فى نيته، على أنه ليس فى الحديث هنا إلا قوله: " ليرين الله ما أصنع "، لكن ظاهر ما فى البخارى ذلك لأنه حمل على المشركين حين انكشف المسلمون وقال: " اللهم إنى أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعنى أصحابه " (¬2). ¬

_ (¬1) الأحزاب: 23. (¬2) البخارى، ك الجهاد، ب قول الله عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} 5/ 23.

(42) باب من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله

(42) باب من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله 149 - (1904) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ؛ أَنَّ رَجُلاً أَعْرَابِياً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُقَاَتِلُ لِلمَغْنَمِ، وَالرُّجُلُ يُقَاتِلُ ليُذْكَرَ، وَالرُّجُلُ يُقَاتِلُ ليُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِى سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ أَعْلى فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللهِ ". 150 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْن العَلاءِ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِياءً، أَىُّ ذَلِكَ فِى سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِىَ العُليَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللهِ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقيقٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، الرُّجُلُ يُقَاتِلُ مِنَّا شَجَاعَةً. فَذَكَرَ مِثْلهُ. 151 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِتَالِ فِى سَبِيلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ: الرُّجُلُ يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً. قَالَ: فَرَفَعَ رَأسَهُ إِليْهِ - وَمَا رَفَعَ رَأسَهُ إِليْهِ إِلا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا - فَقَالَ: " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِىَ العُليَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " فرفع رأسه إليه، وما رفعه إليه إلا أنه كان قائماً ": يعنى السائل. فيه أن مثل هذا من سائل وطالب حاجة وهو قائم للجالس أنه لا حرج فيه، وليس من القيام المنهى عنه على رأس الجالس.

(43) باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار

(43) باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار 152 - (1905) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٍ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. فَقَالَ لهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ القِيامَةِ عَليْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاَتَلتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلكِنَّكَ قَاتَلتَ لأَنْ يُقَالَ: جَرِىءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلقِىَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلمْتُ العِلمَ وَعَلمْتُهُ وَقَرَأتُ فِيكَ الَقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلكِنَّكَ تَعَلمْتَ العِلمَ ليُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأتُ القُرْآنَ ليُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلقِىَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَليْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلهِ، فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلكِنَّكَ فَعَلتَ ليُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلقِىَ فِى النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تفرق الناس عن أبى هريرة، فقال له ناتل أهل الشام (¬1) أيها الشيخ " الحديث، قال الإمام: قال الهروى: فى الحديث: أنه رأى الحسن يلعب ومعه صبية فى السكة، فاستنتل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمام القوم أى - تقدم - قال أبو بكر: وبه سمى الرجل ناتلاً، ونتيلة أم العباس بن عبد المطلب، [ومنه حديث أبى بكر] (¬2)، أنه ارتاب بلبن شربه، أى لم يحل له فاستنتل يتقيأ، أى تقدم. وذكر الهروى أنه يقال: نتل - أيضاً - إذا تقدم، ومنه أن عبد الرحمن بن أبى بكر برز يوم بدر فقال: هل من مبارز؟ فتركه الناس لكرامة أبيه - رضى الله عنه - فنتل أبو بكر ومعه سيفه، أى تقدم. ¬

_ (¬1) انظر: ثقات ابن حبان 5/ 484. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا الحَجَّاجُ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُليْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: تَفَرَّجَ النَّاسُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. فَقَالَ لهُ نَاتِلٌ الشَّامِىُّ. وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الحَارِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: حمله على أنه صفة، وإنما هو اسم رجل مشهور وهو ناتل بن قيس الجذامى. ويدل عليه قوله فى الرواية الأخرى: " فقال له ناتل الشامى " وكذلك يعرف. وحديث أبى هريرة هذا فى الغازى الذى استشهد والذى يعلم العلم والذى وسع الله عليه، وعقابهم لفعل ذلك لغير الله واحتسابه الأجر شديد فى الاشتراك فى العمل وتخليصه. وقوله: " تفرج الناس عن أبى هريرة ": أى افترقوا عن الاجتماع عليه، كما قال فى الحديث الأول: " تفرَّق الناس "، والفرجة: الفسحة بين الجبلين.

(44) باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم

(44) باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم 153 - (1906) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِى هَانِئٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللهِ فَيُصِيبُونَ الغَنَيِمَةَ، إِلا تَعَجَّلوا ثُلثَىْ أَجْرِهِمْ مِنَ الآخِرَةِ، وَيَبْقَى لهُمُ الثُلثُ، وَإِنْ لمْ يُصِيبُوا غَنَيِمَةً تَمَّ لهُمْ أَجْرُهُمْ ". 154 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ ابْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِى أَبُو هَانِئٍ، حَدَّثَنِى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلمُ إِلا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلوا ثُلثَىْ أُجُورِهِمْ، وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَخْفِقُ وَتُصَابُ إِلا تَمَّ أُجُورُهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم "، قال الإمام: قال أبو عبيد: الإخفاق أن تغزو فلا تغنم شيئاً، وكذلك كل طالب حاجة إذا لم يقضها فقد أخفق. وأخفق الصائد إذا خاب. قال القاضى: ذهب غير واحد أن هذا الحديث يعارض الحديث المتقدم فى قوم مع ما قال: " من أجرٍ أو غنيمة "، قالوا: ولا يصح أن تنتقص الغنيمة من أجورهم كما لم تنقص من أجر أهل بدر، وكانوا أفضل المجاهدين، وأفضلهم غنيمة، حتى قال بعضهم: لا يصح الحديث. وأبو حميد بن هانئ راوية ليس بمشهور، ورجحوا الحديث المتقدم عليه لشهرته وشهرة رجاله، لكن إدخال مسلم له من طريق يضعف قوله، قد ذكره البخارى فى التاريخ، فقال: أبو حميد الخولانى مصرى، سمع بعبد الرحمن الحبلى، وعمرو بن مالك سمع من حيوة وابن وهب. وقيل فى الجمع بينهما: إن هذه التى أخفقت تزداد من الأجر بالأسف على ما فاتها من المغنم، ويضاعف لها كما يضاعف لمن أصيب بماله وأهله. وقيل: بل لعل الذى تعجل من أجره بالغنيمة فى غنيمة أخذت على غير وجهها، وهذا بعيد لا يحتمله الحديث، وأصح ما يجمع فيه بين الحديثين أن الأول قال فيه: " لا يخرجه إلا للجهاد فى سبيله وتصديق كلماته "، فهذا الذى ضمن له الجنة، أو يرد إلى بيته مع ما نال من أجر أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غنيمة. وهذا الحديث الآخر لم يشترط فيه هذا الشرط، فيحتمل أنه فيمن خرج بنية الجهاد وطلب المغنم، فهذا شرك بما يجوز له الشريك فيه، وانقسمت نيته بين الوجهين فنقص أجره، والأول أخلص فكمل أجره. وأوجه من هذا عندى فى استعمال الحديثين على وجههما أيضاً: أن أجر المغانم بما فتح عليه من الدنيا وحساب ذلك عليه وتمتعه به فى الدنيا وذهاب شظف عيشه فى غزوة وبعده إذا قوبل، فمن أخفق ولم يصب منها شيئاً، وبقى على شظف عيشه والصبر على حالته فى غزوة، وجد أجر هذا [أبداً فى ذلك] (¬1) وافياً مطرداً بخلاف الأول، ومثله قوله فى الحديث الآخر: " فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئاً، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها " (¬2)، فكان هذا إذا لم يهدب ثمرة الدنيا والاتساع فيما فتح عليه من مغانمها، وبقى على حالته الأولى، كان أجره فى الصبر والتقلل على ما كان عليه، فلما خالف لم يكن له ذلك الأجر، فكأنه نقص بما كان له فى التقدير وكذلك هذا - والله أعلم. ويدل على صحة هذا التأويل قوله: " إلا تعجلوا ثلثى أجرهم " أى أنهم نالوا من الدنيا ما هو حساب ما فاتهم منها بقدر ثلثى الأجر، ولو كان نقصاً من الأجر فى الأصل كان على ثلث أجر من لم يغنم، كما قال فى صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (¬3)، لما كان حظ الأجر فى أصل العمل - والله أعلم. وأما على ما جاء فى الحديث فيخفق ويصاب الإثم أجورهم فبين؛ لان لهم أجر الجهاد كاملاً، وأجر ما فاتهم من الغنيمة، وأجر ما أصابهم من العدو، ونال منهم واستشهدوا، بخلاف من لم يصب الذى له أجر الجهاد فقط. ولا شك أن المصائب كثيرة الأجور، فكيف إذا كانت فى ذات الله؟، فهى مضاعفة على تقدير ما جاء فى الحديث من الثلثين وأكثر، فيكون معنى قوله فى التى غنمت ولم تصب: " أنها تعجلت ثلثى أجورها "، بالإضافة إلى الأخرى إلى تضاعف أجرها عليها مرتين ساوتها فى أجر الجهاد، وفضلت عليها بأجر الإخفاق وأجر الإصابة، فجاء نقصها عن درجتين من درجات هذه، كأنه تعجيل بما حصل لها من الدنيا، والأخرى بخلافها، كما قال فى الحديث المذكور قبل: " فمنا من لم يأكل من أجره شيئاً " على ما قدمناه. ¬

_ (¬1) سقط من س. (¬2) سبق تخريجه قريباً، وهو فى الجنائز حديث رقم (44). (¬3) سبق فى: ك صلاة المسافرين، ب جواز النافلة قاعداً وقائماً برقم (735).

(45) باب قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنية " وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال

(45) باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الأعمال بالنية " وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال 155 - (1907) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ". (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " (¬1) الحديث: ذكر الأئمة أن هذا الحديث ثلث الإسلام، وقيل: ربعه، وأن أصول الدين وعمدة من عمل الطاعات، ومفسر لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (¬2). قال بعض شيوخنا: قوله: " إنما الأعمال بالنيات " يرجع إلى معنيين: أحدهما: تجريد العمل من الشرك بالله بخالص التوحيد، والآخر: تجريده بخالص السنة. وفى قوله: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى " دليل أن ما عمل بغير نية غير جائز ولا لازم، وإنما يلزم منه ويصح ما قارفته. ورد على من أجاز الطهارة وغيرها من بعض القرب بغير نية (¬3)، وقد مرّ فى موضعه، ودليل أن من توضأ ليعلم أو يتعلم أو ليتبرد لا ينوى بذلك رفع الحدث والتقرب أنه لا يجزيه. ودليل أن المعتبر فى الأيمان وألفاظ الطلاق والعتاق وغيرها النية دون اللفظ. لكن اختلف العلماء فى هذا الأصل خلافاً كثيراً، فعندنا أنه يلزم ما نوى به الطلاق والعتاق كان من ألفاظ الطلاق والعتاق أو كناياتها. واختلف عندنا إذا نطق بذلك ولم ينو به طلاقاً ولا عتاقاً، هل يلزم أم لا؟ وإذا نوى ولم ينطق أو إذا نطق بلفظ ليس من ألفاظ الطلاق وكناياته، وعند غيرنا أنه لا يلزم إلا فى ألفاظ الطلاق أو كناياته، وذلك كان فيما بينه ¬

_ (¬1) حديث رقم (155) بلفظ: " بالنية "، ورواية البخارى: " بالنيات "، ك بدء الوحى 1/ 2. (¬2) البينة: 5. (¬3) وهم الأحناف؛ إذ يرون أنه تجور الطهارة بغير نية. تقدم الكلام عليه.

الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بإِسْنَادِ مَالِكٍ؛ وَمَعْنَى حَدِيثِهِ. وَفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وبين الله تعالى. وتفترق هذه الصور فى الحكم فيها ظاهراً إذا لم يأت مستفتياً، ويلزمه ظاهر لفظه فى اعترافه وكلامه فيما تعلق بحقوق الآدميين ويحكم بظاهر ذلك، ولا نصدقه فى ادعاء ما يخالفه بنيته. وقد تقدم الكلام على نية الحالف فى الحقوق.

(46) باب استحباب طلب الشهادة فى سبيل الله تعالى

(46) باب استحباب طلب الشهادة فى سبيل الله تعالى 156 - (1908) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِفا أعْطِيَهَاَ، وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ ". 157 - (1909) حدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لحَرْمَلَةَ - قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ - حَدَّثَنِى أَبُو شُرَيْحٍ؛ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حَدَّثهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ سَأَلَ الله الشَّهَادةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ الله مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ". وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الطَّاهِرِ فِى حَدِيثِهِ: " بِصِدْقٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من طلب الشهادة صادقاً أعطيها وإن لم تصبه "، وفى الرواية الأخرى: " بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ": مما تقدم معناه من تبليغ من نوى خيراً واعتقد فعله أجر ما نواه وإن عاقه عندنا عنه عائق، تفضلاً من الله وأجرًا على نيته. ومثله الحديث الآخر فيمن حبسه المرض عن الغزو.

(47) باب ذم من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو

(47) باب ذم من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو 158 - (1910) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الأَنْطاكِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّىِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ ". قَالَ ابْنُ سَهْمٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: فَنُرَى أَنَّ ذلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من مات ولم يغزو ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق ": بيّن فى أن من منعه مانع من أداء فرضٍ أو مسارعة إلى ركن من أركان الشرع أو سننه المشهورة، أن يكون على نيته فيه متى أمكنه فعل ذلك، وأن العزم على الشىء بدل من فعله إذا لم يتعين وقت فعله. قوله: " مات على شعبة من نفاق ": فسره فى الكتاب ابن المبارك: أنه مخصوص بزمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث كان الجهاد واجباً، وحمله على النفاق الحقيقى. وقد يحتمل أنه على العموم، ويكون معنى هذا: أنه تشبه بأخلاق المنافقين التى منها التخلف عن الجهاد، وهو أحد شعب النفاق وأخلاق المنافقين.

(48) باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر

(48) باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر (¬1) 159 - (1911) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزَاةٍ. فَقَالَ: " إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ المَرَضُ ". (...) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُس، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيث وَكِيعٍ: " إِلا شَرِكُوكُمْ فِى الأَجْرِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) تقدمت الإشارة إليه فى الأبواب السابقة.

(49) باب فضل الغزو فى البحر

(49) باب فضل الغزو فى البحر 160 - (1912) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمِّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ، ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِى رَأسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فى سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ - أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ " - يَشُكُّ أَيَّهُمَا قَالَ - قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحَكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فى سَبِيلِ اللهِ "، كَمَا قَالَ فِى الأُولَى. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ: " أَنْتِ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وتفلى رأسه ": أم حرام هذه قيل: اسمها: الرميصاء، وقيل: بل الرميصاء أم سليم أختها، وأم حرام الغميصاء، وكذا ذكرها البخارى فى أم سليم بالراء (¬1). وفى مسلم: " الغميصاء " (¬2) وفيها بالغين المعجمة، وهما بمعنى متقارب، وهو اجتماع القذا فى ماء العين وهدابتها. وقيل: الرمص هذا، والغمص: استرخاء فيها وانكسار، والأظهر أنه صفة لها. قال أبو عمر بن عبد البر: أم سليم هى الرميصاء والغميصاء (¬3). وخرج أبو داود من رواية معمر؛ أن أخت أم سليم الرميصاء. قال أبو داود: الرميصاء أخت أم سليم (¬4) من الرضاعة، وهذا وهم. قال ابن وهب: وأم حرام هذه إحدى خالات النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاعة؛ فلهذا كان يدخل عندها ويعمل عندها، وينام فى حجرها. وقال غيره: بل كانت خالة لأبيه أو لجده؛ ¬

_ (¬1) صحيح البخارى، ك المناقب، ب مناقب عمر بن الخطاب 5/ 12. (¬2) سيأتى فى ك فضائل الصحابة، ب فضائل أم سليم، رقم (2456). (¬3) الاستيعاب رقم (4163). (¬4) أبو داود، ك الجهاد، ب فضل الغزو فى البحر 2/ 6 ط. الحلبى.

الأَوَّلِينَ ". فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ الْبَحْرَ فِى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتَهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَهَلَكَتْ. 161 - (...) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ - وَهِىَ خَالَةُ أَنَسٍ - قَالَتْ: أَتَانَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ عِنْدَنَا، فَاسْتَيْقَظَ وهُوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى. قَالَ: " أُرِيتُ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِى يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ، كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ ". فَقُلْتُ: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ: " فَإِنَّكِ مِنْهُمْ ". قَالَتْ: ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ - أَيْضًا - وَهُوَ يَضْحَكُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. فَقُلْتُ: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ: " أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ ". قَالَ: فَتَزَوّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدُ، فَغَزَا فِى الْبَحْرِ فَحَمَلَهَا مَعَهُ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ قُرِّبَتْ لَهَا بغلَةٌ. فَرَكِبَتْهَا. فَصَرَعَتْهَا. فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن أم عبد المطلب من بنى النجار (¬1). وفيه جواز مثل هذا من ذوى المحارم، وأنه لا يجوز مثله إلا لذوى المحارم. والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كان معصوماً، فإنه يقتدى به فى مثل هذا من أفعاله. وفيه جواز إذن ذوات المحارم محارمهن، وإن لم يحضر الزوج. وفيه إباحة أكل ما قدمته المرأة لضيفها فى بيتها من مالها ومال زوجها؛ لأن الأغلب أن ما فى البيت من الطعام للزوج، إذا علم أنه ممن لا يكره أن يؤكل ما فى بيته. وفيه جواز مثل هذا للوكيل والمتصرف للرجل إذا علم من صاحب المال الإذن والسرور بذلك. ومعلوم من سرور زوج أم حرام إن كانت تحت زوج حنيئذ، وغيرة المسلمين ومحبتهم لدخول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيوتهم وأكله طعامهم. وقوله: " فاستيقظ وهو يضحك ": ضحكه لما بشر به من أمر أمته، وغزوهم فى البحر، وسروره بما يفتح الله عليهم فى الدنيا، ويدخله عليهم من الأجر فى الأخرى. وقوله: " يركبون ثبج هذا البحر "، قال الإمام: الثبج: الوسط. قال أبو زيد: ضربت بالسيف ثبج الرجل، أى وسطه. والثبج ما بين الكتفين. وفى حديث وائل بن ¬

_ (¬1) انظر: طبقات ابن سعد 8/ 434، 436، الجرح والتعديل 9/ 461، تهذيب الكمال 35/ 338، الإصابة 13/ 193، شذرات الذهب 1/ 36، سير أعلام النبلاء2/ 316.

162 - (...) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ المُهَاجِرِ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامِ بِنْتِ مِلحَانَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنّى، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ. قًالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: " نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ، يرْكَبُونَ ظَهْرَ هَذَا الْبَحْرِ الأَخْضَرِ "، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر تطوى الثبجة يقول: أعطوا الوسط فى الصدقة لا من خيار الأموال ولا من [رذالتها] (¬1). قال القاضى: قال الخطابى: الثبج: أعلى متن الشىء، قال غيره: ثبج متن البحر: ظهره، وقد جاء فى الحديث الآخر: " يركبون ظُهر البحر ". وقوله: " ملوكاً على الأسرة أو كالملوك على الأسرة ": بين فى الحديث أنه شك من الراوى، وقد جاء فى الحديث [الآخر] (¬2) بغير شك: " كالملوك على الأسرة "، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال أحدهما. فيه تأويلان: أن أحدهما أراد مصالحهم فى الآخرة، كما قال تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَة} (¬3)، {عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُون} (¬4). وقيل: يحتمل إذ يريد حالهم فى الدنيا من ركوب مراكب الغزاة، وسعة حالهم، وقوة أمرهم، وكثرة عددهم، وجودة آلتهم، فكأنهم الملوك على أسرتهم. وقوله لها فى المرة الثانية بعد أن دعا لها فى المرة الأولى: " أنت من الأولين ": يدل أن رؤياه الثانية غير الأولى، وأنه فى كل نومه عرض عليه صنف غير الآخر، وفيه جواز ركوب البحر للجهاد لسرور النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما عرض عليه من ذلك، وكذلك ينبغى للحج. وفيه جواز ركوب النساء فيه. وقد كرهه لهن مالك؛ لأنهن غالباً لا يمكنهن التستر ولا غض البصر عن المتصرفين، ولا يؤمن انكشاف عوراتهم فى تصرفهم ونظر النساء إليهم شديد، مع شدة الخوف عليهن فى هذا الباب، ولاسيما فيما صغر من السفن، وضرورتهن إلى قضاء الحاجة مع حضور الرجال، قالوا: وهو فيما كبر من السفن، وحيث يختصصن بأماكن يستترن فيها جائز. وروى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - إباحته عام الرمادة، ولا خلاف فى منع ركوبه حين ارتجاجه، وقيل: إنما منعه العمران - رضى الله عنهما - للتجارة، وطلب ¬

_ (¬1) فى ع: رذالته. (¬2) فى نسخ الإكمال سقط حرفان من آخر الكلمة. (¬3) الواقعة: 15. (¬4) يس: 56.

(...) وحدَّثنى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقَتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَر - عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَتَى رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنيا لا للطاعات وأداء الفرائض، والمروى عن عمر منعه، وقد روى عبد الله عن عَمْرو عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النهى عن ركوب البحر، إلا لحاج أو معتمر أو غاز (¬1). وضعفه أبو داود وقال: رواته مجهولون. وفيه الترغيب فى الجهاد تحت راية كل بر وفاجر، لذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأولين والآخرين؛ وفيه فضيلة معاوية، وكونه من هؤلاء المجاهدين الذين حصَّل هذا الفضل والمنقبة؛ لأن فى زمانه ركبت أم حرام البحر كما أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حالها. واختلف فى معنى قوله: " أيام معاوية، فأكثر أهل السير والخبر أن ذلك كان فى خلافة عثمان بن عفان، وأن فيها ركبت أم حرام معه وزوجها إلى فرس، وبها توفيت وصرعتها دابتها ودفنت بها. وقيل: بل ماتت بعد انصرافها بعد خروجها من البحر بالشام، وكذا ذكره البخارى (¬2)، ويكون معنى قوله: " فى زمن معاوية " على هذا: أى فى زمان غزوه فى البحر، وقيل: بل كان ذلك فى خلافته، وهو أظهر فى الكلام؛ لقوله: " زمانه " والله أعلم. وفيه وجوه من علامات النبوة، أخبر بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكانت كما أخبر من الغزو فى البحر، وكون هؤلاء الغزاة أولاً وآخراً، كما ذكر من ركوب أم حرام فى الأولين، ولم يجعلها فى الآخر ولا دعا لها بذلك لأنها ماتت قبل. وقيل: فيه أن الموت فى سبيل الله والقتل سواء فى الأجر؛ لأن أم حرام ماتت ولم تقتل، وليس فى هذا الحديث بيان لهذا؛ إذ لم يصفهم أنهم شهداء كلهم، وإنما وصفهم بما ذكر؛ لأنه قد جاء بتسوية الحالين أثر آخر ذكره مسلم بعد هذا (¬3)، أو مصداق هذا قوله تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْت} الآية (¬4)، وفى حديث آخر من رواية ابن وهب: " من صرع فى سبيل الله عن دابته فمات فهو شهيد " (¬5). وقوله فى الحديث الأول: " وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ": ظاهره أنه ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجهاد، ب فى ركوب البحر فى الغزو 3/ 6، 7. (¬2) البخارى ك الجهاد، ب فضل من يصرع فى سبيل الله فمات فهو منهم 4/ 22. (¬3) سيأتى حديث رقم (165) فى الكتاب. (¬4) النساء: 100. (¬5) أخرجه أبو يعلى فى مسنده عن عقبة بن عامر رقم (1752) وقال محققه: إسناده حسن 3/ 290. وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد 5/ 283، وقال: رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفه، وذكره أيضاً 5/ 301 وعزاه للطبرانى وقال: رجاله ثقات، وذكره الشيخ الألبانى فى الصحيحة برقم (1667).

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَةَ مِلْحَانَ - خَالَةَ أَنَسٍ - فَوَضَعَ رَأسَهُ عِنْدَهَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كان زوجها حين قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها، لكن جاء فى الحديث الآخر ما يبين غير ذلك، وأن عبادة تزوجها بعد ذلك. فأخبر الآن فى الحديث الأول عن حالها بعدُ لا فى ذلك الوقت، وفسره فى الثانى - والله أعلم. ولم يذكر فى كتاب مسلم نومه فى حجرها كما ذكر ابن وهب، وإنما ذكر فى حديثه: " فوضع رأسه عندها "، وفى آخر: " فنام قريباً منى، وقد تفلى رأسه " ورأسه على وسادة أو ما شاء الله غير حجرها. قال الإمام: ذكر مسلم فى الباب: نا محمد بن رمح، نا الليث، وفى نسخة الرازى: نا محمد بن رمح ويحيى بن يحيى، قالا: نا الليث، وسقط ذكر يحيى بن يحيى لابن ماهان والسجزى. قال القاضى: ثبت عندنا من رواية السجزى والعذرى عن الرازى، وسقط من رواية السمرقندى وغيره (¬1). ¬

_ (¬1) حديث رقم (162) من رواية السجزى والعذرى عن الرازى.

(50) باب فضل الرباط فى سبيل الله عز وجل

(50) باب فضل الرباط فى سبيل الله عز وجل 163 - (1913) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ، عَن سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِىَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ". (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن شُرَيْحٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى فضل الرباط: " وإن مات جرى عليه عمله الذى كان يعمله ": فضيلة مختصة به، أن عمله يجرى له أجره بعد موته. وقد جاء هذا مبينًا فى غير مسلم: " كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة " (¬1). وقوله: " وأجرى عليه رزقه " من قوله تعالى فى الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} (¬2)، ومن قوله تعالى فى الحديث: " تعلق فى شجر الجنة " (¬3)، أى تأكل. وقوله فى الحديث: " وأمن الفتان ": رويناه عن أكثرهم بالضم جمع فاتن، وعن الطبرى بالفتح، وذكره أبو داود مفسرًا: " وأمن من فتانى القبر " (¬4). ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجهاد، ب فى فضل الرباط 2/ 9. (¬2) آل عمران: 169. (¬3) سبق تخريجه قريباً. (¬4) انظر: أبا داود، السابق.

(51) باب بيان الشهداء

(51) باب بيان الشهداء 164 - (1914) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ ". وَقَالَ: " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِى سَبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ ". 165 - (1915) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ قُتِلَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَّهِيدٌ. قَالَ: " إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِى إِذًا لَقَلِيلٌ ". قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " مَنْ قُتِلَ فِى سَبِيلِ اللهِ فهُوَ شَّهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَّهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِى الطَّاعُونِ فَهُوَ شَّهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِى الْبَطْنِ فَهُوَ شَّهِيدٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الذى أخر غصن الشوك عن الطريق: " فشكر الله له ذلك فغفر له ": أى أحبه منه ورضى فعله، ثم جازاه عليه. فيه فضل إماطة الأذى عن الطريق، وتقدم قبل أنه أدنى شعب الإيمان فى الحديث الصحيح. وقوله: " الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد فى سبيل الله " وفى حديث مالك فى الموطأ - حديث جابر بن عتيك -: " الشهداء سبعة "، سوى القتل فى سبيل الله، فذكر الأربعة التى هنا سوى القتل، وزاد صاحب الجنب، والحرق، والمرأة تموت بجمع (¬1). وذكر مسلم فى الحديث الآخر: "من قتل فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد "، ولم يخرج البخارى ولا مسلم حديث مالك هذا فى السبعة، وهو صحيح فى سند حديث مالك، وحديث جابر بن عتيك لم يختلف فيه. قال الإمام: المطعون: هو الذى يموت فى الطاعون، ولم يرد المطعون بالسنان؛ لأنه قال فى آخره: والشهيد فى سبيل الله، وهو فى طريق آخر: " ومن مات فى الطاعون فهو شهيد ". ¬

_ (¬1) الموطأ، ك الجنائز، ب النهى عن البكاء على الميت 1/ 233، 234 (36).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ذكر مسلم - أيضاً -: " الطاعون شهادة لكل مسلم "، وفى غيره عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فناء أمتى بالطعن والطاعون ". قلت: أما الطعن فقد عرّفناه، فما الطاعون؟ قال: " غدة كغدة البعير، تخرج فى المراق والإباط " (¬1). وأما المبطون: فهو صاحب ذا البطن، قيل: هو صاحب البطون الذى بها الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل: هو صاحب انخراق البطن بالإسهال، وقيل: الذى يشتكى بطنه. والغريق: الذى مات غرقاً. وصاحب الهدم: الذى يموت تحته. وصاحب ذات الجنب: هى قرحة بالجنب وداء معروف، وهى [الشوطة] (¬2). وفى بعض الروايات فيها المجبون، يقال: رجل جنب مثل غرق. والحرق: الذى أحرقته النار. وقوله فى غير كتاب مسلم: " المرأة تموت بجمع شهيد " (¬3). يقال بضم الجيم وكسرها وفتحها، والضم أكثر وأعرف. واختلف فى تأويلها، فقيل: تموت حاملاً وقد جمعت ولدها فى بطنها، وقيل: تموت من نفاسه وبسبب ولادته وإن كانت ولدته، وقيل: تموت بكراً لم تطمث، والأول أشهر. وقال فى المرأة: " شهيد "، كما يقال للرجل، كما قيل خصم لها، وكما قيل: جمل ضامر وناقة ضامر. وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضيل الله على أربابها لشدتها وعظيم الألم فيها، فجاراهم الله على ذلك، بأن جعل لهم أجر الشهداء، أو يحتمل أنهم سموا بذلك لمشاهدتهم فيما قاسوا من الألم عند الموت وشدته، ما أعد لهم كما أعد للشهداء، أو سموا بذلك على أحد التأويلات. وقد ألحق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك من مات فى سبيل الله بغير القتل كما تقدم. وجاء عنه - أيضاً - وصف الشهادة لأنه كقوله: " من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد " (¬4). ¬

_ (¬1) أحمد 6/ 145. (¬2) فى الأصل: الشوص، والمثبت من الأبى. وقد ذكر صاحب اللسان أن (الجُنِبَ) أى أصابه ذات الجنب، والمجنوب الذى به ذات الجنب تقول منه: رجل مجنوب وهى قرحة تصيب الإنسان داخل جنبه، وهى علة صعبة تأخذ فى الجنب. وقال ابن شميل: ذات الجنب هى الدُّبَيْلَة وهى علة تثقب البطن، وربما كنوا عنها فقالوا: ذات الجنب، ويقال: جَنِبَ جنباً: إذا اشتكى جنبه، وذو الجنب الذى يشتكى جنبه بسبب الدبيلة انظر اللسان، مادة " جنب ". (¬3) سبق تخريجه قريباً فى الموطأ. (¬4) أبو داود، ك السنة، ب فى قتل اللصوص 2/ 546، والترمذى، ك الديات، ب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد 4/ 30 (1421)، والنسائى، ك تحريم الدماء، ب من قاتل دون أهله 7/ 116 (4094).

قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِيكَ، فِى هَذَا الْحَدِيثِ؛ أَنَّهُ قَالَ: " وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ". (...) وحدّثنى عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِهِ: قَالَ سُهَيْلٌ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مِقْسَمٍ: أَشْهَدُ عَلَى أَخِيكَ أَنَهُ زَادَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ: " وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وهُيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِ: قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مِقْسَمٍ، عَنْ أَبِى صَالِح. وَزَادَ فِيهِ: " وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ ". 166 - (1916) حدَّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، قَالَتْ: قَالَ لِى أَنَسُ بْن مَالِكٍ: بِمَ مَاتَ يَحْيَى بْنُ أَبِى عَمْرَةَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: بِالطَّاعُونِ. قَالَتْ: فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِم ". (...) وحدّثناه الوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم فى الباب فى حديث عبد الحميد: قال عبيد الله بن مقسم: أشهد على أبيك أنه زاد فى هذا الحديث: " ومن غرق فهو شهيد ". كذا لابن ماهان، وفى رواية الجلودى: " على أخيك "، وهو خطأ، والصواب: " على أبيك "، كما قال فى حديث زهير من غير خلاف. وإنما قاله ابن مقسم لسهيل بن أبى صالح، وتبيينه ما ذكره بعده فى الباب فى حديث محمد بن حاتم: أخبرنى عبيد الله بن مقسم عن أبى صالح وزاد فيه: " والغرق شهيد " القائل: " وأخبرنى عبيد الله " هو سهيل بن أبى صالح. روى هذه الزيادة عن عبيد الله عن أبيه أبى صالح، إذ لم يسمعها هو من أبيه كما سمع بقية الحديث. وقد جاء مبينًا فى كتاب أبى داود. قال سهيل: وحدثنى عبيد الله بن مقسم عن أبى ولم أسمعه منه، وذكر بقية الحديث (¬1). ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الجنائز، ب فضل من مات بالطاعون 2/ 167، 168.

(52) باب فضل الرمى والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه

(52) باب فضل الرمى والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه 167 - (1917) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى عَلِىٍّ، ثُمَامَةَ بْنِ شُفَىٍّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ - يَقُولُ: " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتمْ مِنْ قوَّةٍ، أَلا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْىُ، أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْىُ، أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْىُ ". 168 - (1918) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى عَلِىٍّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ، وَيَكْفِيكُمُ الله، فَلاَ يَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ ". (...) وحدّثناه دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضرَ، عَنْ عَمْرِو بْن الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى عَلِىٍّ الْهَمْدانِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 169 - (1919) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ الْحَارِثِ ابْنِ يَعْقوب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَمَاسَةَ؛ أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِىَّ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ، وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ. قَالَ عُقْبَة: لَوْلاَ كَلامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى تفسير قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة} (¬1): " ألا إن القوة الرمى " ثلاثاً: يقضى على سائر التفاسير فيه أنه (¬2) العدة والسلاح، وقد يحتمل أن مراده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الرمى أنكأ للقذف ورأس أنواع القوة، فسماه قوة لهذا، لما كان معظمها وأنفعها وأنكأها للعدو. وقوله: " ستفتح عليكم أرض ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه ": فيه جواز المناضلة والمسابقة بالسهام والحض على ذلك، وألا يترك ذلك، وإن استغنى عنه بما كفى الله من الفتح على الأعداء وظهور الدين، وقد تقدم هذا، ومثله جواز اللعب بالسلاح والمثاقفة وإجراء الخيل وأشباه هذا، مع ما عضده من الآثار الأخر؛ إذ فى كل ¬

_ (¬1) الأنفال: 60. (¬2) فى الأصل: أن، والمثبت من س.

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُعَانِيهِ. قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لابْنِ شَمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: " مَنْ عَلِمَ الرَّمْىَ ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيَسَ مِنَّا، أَوْ قَدْ عَصَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك التمرن والاستعداد، ومعاهدة الجسم، ورياضة الأعضاء بها. وقوله: " من علم الرمى ثم تركه فليس منا، أو قد عصى ": تحريض على المثابرة عليه وعلى المناضلة. وقوله: " فليس منا ": أى ليس ممن أخذ بسيرتنا، ولا متصف بصفات العرب، وإن صحت الرواية: " فقد عصى ": أى عصى ماحض عليه نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المناضلة والرمى، وعصى قوله: " ارموا بنى إسماعيل " (¬1) وغير ذلك من الأحاديث. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجهاد، ب التحريض على الرمى 4/ 45.

(53) باب قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم "

(53) باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم " 170 - (1920) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأتِىَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ ". وَلَيْسَ فِى حَديِثِ قُتيْبَةَ: " وَهُمْ كَذَلِكَ ". 171 - (1921) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ، كِلاَهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى الْفَزَارِىَّ - عَنْ إِسْمَاعَيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَة، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهَرِينَ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى يَأتِيَهُمْ أَمْرُ الله، وَهُمْ ظَاهِرُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم وخالفهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك "، وفى رواية: " ظاهرين على الناس "، وفى رواية: " لا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون ظاهرين على الحق، ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة "، وفى رواية: " يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم "، وفى رواية: " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ": قال على بن المدينى: هم العرب. والمراد بالغرب: الدلو الكبيرة لاختصاصهم بها، وقيل: إنه على ظاهره، وإنما أراد غرب الأرض، قال معاذ فى الحديث: " وهم بالشام "، وقد جاء مفسرًا فى حديث رواه الطبرى: " ببيت المقدس أو أكناف بيت المقدس "، وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك، وقيل: المراد بأهل الغرب: أهل الشدة والجلد. وغرب كل شىء حده. ولا يعارضه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقوم الساعة حتى لا يقول أحد: الله، الله " (¬1)، و " لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق " (¬2) وما جانسه من الأحاديث، وقد قال الطبرى: ¬

_ (¬1) سبق فى ك الإيمان، ب ذهاب الإيمان آخر الزمان (148). (¬2) المستدرك 4/ 456. وسيأتى فى ك الفتن، ب قرب الساعة (2949). بلفظ: " الناس ".

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْس قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعَبَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَرْوَانَ. سَوَاءً. 172 - (1922) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدَّينُ قَائمًا، يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". 173 - (1923) حدّثنى هَارُون بْنُ عَبْدِ الله وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ ابْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ ". 174 - (1037) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ؛ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ هَانِئٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَزَالُ طَائفَةٌ مِنْ أُمَّتِى قَائمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأتِىَ أَمْرُ الله وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ ". 175 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ - وَهُوَ ابْنُ بُرْقَانَ - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ ذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إنه لا تعارض بينهما؛ لأن المراد بهذا الخصوص ومعناه: لا تقوم الساعة على أحد يوحد الله إلا فى موضع كذا، التى بها الطائفة المذكورة، وقيل: بل هذا فى وقت دون وقت، وأن هذه الطائفة تبقى إلى حين قيام الساعة التى تقبض روح كل مؤمن، كما جاء فى الحديث فى الباب فى كتاب مسلم: " ثم يبعث الله ريحًا فلا تترك نفساً فى قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة "، فقد فسر فى الحديث نفسه القصة، وجمع الحديثين، وأن أولئك يموتون بين يديها، فلا تقوم حينئذ إلا على شرار الخلق، ومن لا يؤمن بالله.

حَدِيثًا رَوَاهُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ أَسْمَعْهُ رَوَى عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْبَرِهِ حَدِيثًا غَيْرَهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ، ولا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ". 176 - (1924) حدّثنى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّى عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَمَاسَةَ المَهْرىُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ، هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، لا يَدْعُونَ الله بِشَىْءٍ إِلا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ. فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ: يَا عُقْبَةُ، اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ الله. فَقَالَ عُقْبَةُ: هُوَ أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَنَا فَسَمعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلونَ عَلَى أَمْرِ الله، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى تَأتِيَهُمُ السَّاعَةُ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ". فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَجَلْ. ثُمَّ يَبْعَثُ الله رِيحًا كَريحِ الْمِسْكِ، مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ، فَلا تَتْرُكُ نَفْسًا فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الإِيمَانِ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ. 177 - (1925) حدَّثنا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشيْمُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قال أحمد بن حنبل فى هذه الطائفة: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدرى من هم؟ وإنما أراد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث. وقال البخارى: هم أهل العلم. وقوله: " ناوأهم": أى عادل لهم. وأصله أنه ناء إليهم وناؤوا إليه، أى نهضوا للقتال.

(54) باب مراعاة مصلحة الدواب فى السير والنهى عن التعريس فى الطريق

(54) باب مراعاة مصلحة الدواب فى السير والنهى عن التعريس فى الطريق 178 - (1926) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا سَافَرْتُمْ فِى الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِى السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ؛ فَإِنَّهَا مَأوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ ". (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ سُهَيْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا سافرتم فى الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم فى السنة فأسرعوا عليها السير "، وفى الرواية الأخرى: " فبادروا بها نقيها " بكسر النون، قال الإمام: المراد بالسنة هنا: القحط. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِين} (¬1)، أى بالقحوط، والسَّنة: الأزمة، ومنه حديث عمر: كان لا يجيز نكاح عام سنة، يقول: " لعل الضيقة تحملهم أن ينكحوا غير الأكفاء "، وكذلك حديثه: " لا يقطع عام سنة ". و " نقيها ": يعنى مخها. يقال: نقيت العظم ونقوته وأنقيته: إذا استخرجته منه. قال القاضى: يريد أنها فى الجذب لا تجدها ترعى فالإسراع بها وبها قوتها أصلح من التأنى بها، ولا تجدها ترعى فتهزل وتضعف، وربما كلّت ووقفت. وإذ كان فى الخصب - وهو كثرة العُشب والمرعى - فتعطى حظها من الأرض، ويرفق بها، فترعى فى بعض النهار وأثناء المراحل، فيكون أرفق بها فى الحالين، وهو مقصد الحديث. وقد جاء فى أوله فى حديث مالك فى الموطأ: " إن الله رفيق يحب الرفق " (¬2)، وذكر الحديث. وقوله: " إذا عرستم بالليل ": التعريس: النزول (¬3) بالليل للنوم بعد الإسراء فيه، وقيل: آخر الليل للنوم والراحة، قاله الخليل وغيره. وقال [أبو زيد] (¬4): هو النزول ¬

_ (¬1) الأعراف: 130. (¬2) الموطأ، ك الاستئذان، ب ما يؤمر به من العمل فى السفر 2/ 979. (¬3) فى الأصل: المنزول والمثبت من س. (¬4) فى الأصل: أبو يد، والمثبت من س.

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا سَافَرْتُمْ فِى الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مَنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِى السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقيَهَا، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ؛ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ، ومَأوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أىّ وقت كان من ليل أو نهار، وقد جاء فى الحديث: " معرسين فى نحر الظهيرة " (¬1). وقوله: " فاجتنبوا الطريق، فإنها مأوى الهوام وطرق الدواب بالليل ": إرشاد منه - عليه السلام - لمصالح الدنيا والآخرة، وحض على مصالح العباد فى أنفسهم وزكاتهم وأموالهم، وذلك أن الطرق المسلوكة المذلّلة بها يدب جميع الحيوانات الكامن بالنهار بالليل، إما لسقطها لها وتذليلها، أو بطلب ما يسقط للماشى بها من مأكل وتقصى آثارهم بشم الدواب لها، فربما يُصيبه منها ذو الأذى النائم فيها، أو يضره، أو يطأ عليه المسافر برجله فتنهشه ذوات السموم منها. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الشهادات، ب تعديل النساء بعضهن بعضاً 3/ 227.

(55) باب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجيل المسافر إلى أهله، بعد قضاء شغله

(55) باب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجيل المسافر إلى أهله، بعد قضاء شغله 179 - (1927) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، وَإسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِىُّ، وَمَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَمِيمِىُّ - وَاللَّفْظ لَهُ - قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ سُمَىٌّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ، فَليُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ "؟ قَالَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " السفر قطعة من العذاب ": يريد لما فيه من المشقة والتعب، ومقاساته الرياح والشمس والحر والبرد، وامتناع الأكل والشرب فى وقته المعتاد وعدمه أحياناً، وهو معنى قوله: " يمنع أحدكم طعامه وشرابه "، والمخافة فى الطريق والوحدة والاستيحاش. وقوله: " فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله ": النهمة، بفتح النون: بلوغ الهمة والإرادة، وقوله: " فليعجل إلى أهله ": يحتمل أن يريد تعجيل الأوبة، أو تعجيل السير، والأول أظهر. وعلى الوجه الثانى يكون الإسراع بالدواب وأعمالها لذلك؛ لضرورة قيامه على أهله وحاجتهم إليه. قال الإمام: ذكر مسلم فى سند هذا الحديث: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، وإسماعيل بن أبى أويس، وأبو مصعب الزهرى ومنصور بن أبى مزاحم، وقتيبة بن سعيد، قالوا: حدثنا مالك. كذا عند الجلودى والكسائى، وأما ابن ماهان فقال: عن مسلم: [نا عبد الله بن مسلمة] (¬1) وابن أبى الوزير إبراهيم ين عمر بن أبى الوزير: فكنا نأتى إسحاق ممن روى عن مالك، قال بعضهم: لم يدركه مسلم ولا أعلم لمسلم عنه رواية، قال: وأما البخارى فقد خرّج عنه عن عبد الله الجعفى عن أبى الوزير، مقروناً بالحسين بن الوليد عن ابن الغسيل فى كتاب الطلاق حديث الجونية التى تزوجها - عليه السلام - فاستعاذت منه (¬2). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) البخارى، ك الطلاق، ب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق 7/ 53.

(56) باب كراهة الطروق، وهو الدخول ليلا، لمن ورد من سفر

(56) باب كراهة الطروق، وهو الدخول ليلاً، لمن ورد من سفر 180 - (1928) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلاً، وَكَانَ يَأتِيهِمْ غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ لا يَدْخُلُ. 181 - (715) حدّثنى إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ؛ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزَاةٍ، فَلمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: " أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلاً - أَىْ عِشَاءً - كَىْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ ". 182 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلاً فَلا يَأتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا، حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ، وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيب، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبُادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، بِهَذَا الإِسْنَاد، مِثْلَهُ. 183 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله - عليه السلام -: " كان لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشية "، قال القاضى: وفى الحديث الآخر: النهى أن يأتى أحد أهله طروقاً، بضم الطاء، أى بالليل، وكل آت بالليل طارق، وفى الحديث الآخر: " أمهلوا حتى ندخل ليلاً - أى عشاء - كى تمشط الشعثةُ وتستحد المغيبة ". لا تعارض بين هذين الحديثين الأول: لا

أَطَالَ الرَّجُلُ الْغَيْبَةَ - أَنْ يَأتِىَ أَهْلَهُ طُرُوقًا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 184 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً، يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ عَبْدُ الَرَّحْمَن قَالَ سُفْيَانُ: لا أَدْرِى هَذَا فِى الْحَدِيثِ أَمْ لا، يَعْنِى: أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَراتِهِمْ. 185 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِكَرَاهَةِ الطُّرُوقِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يطرقهم ليلاً بغتة لئلا يجدهم على ما يكره من الأحوال على ما جاء فى الحديث: " يتخونهم "، أى يطلب عثراتهم، ومعنى " يتخونهم ": أى يكشف عنهم هل خانوا فى أنفسهن وعلى صورة من التبذل تكره المرأة أن يجدها زوجها بهما. والحديث الآخر: مهل حتى يدخل ليلاً، أى عشاء، كما قال فى الحديث الأول: " عشية "، وقد سبق الخبر واستعدت بما يحتاج إليه، مما ذكر فى الحديث. ومعنى " تستحد المغيبة " هو حلق شعر أسفل الإنسان، وهو استفعال من فعلَه بالحديد.

34 - كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان

بسم الله الرحمن الرحيم 34 - كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1) باب الصيد بالكلاب المعلمة 1 - (1929) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَن هَمَّامِ بْنِ الحَارِثِ، عَن عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أُرْسِلُ الكِلابَ المُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلىَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللهِ عَليْهِ. فَقَالَ: " إِذَا أَرْسَلتَ كَلبَكَ المُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ ". قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلنَ؟ قَالَ: " وَإِنْ قَتَلنَ، مَا لمْ يَشْرَكْهَا كَلبٌ ليْسَ مَعَهَا ". قُلتُ لهُ: فَإِنِّى أَرْمِى بِالمِعْرَاضِ الصَّيْدَ، فَأُصِيبُ. فَقَالَ: " إِذَا رَمَيْتَ بِالمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فكُلهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلا تَأكُلهُ ". 2 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عّنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الكَلابِ. فَقَالَ: " إِذَا أَرْسَلَتَ كِلابَكَ المُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَليْهَا فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَليْكَ، وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلا أَنْ يَأَكُلَ الكَلبُ، فَإِنْ أَكَلَ فلا تَأكُلْ، فَإنِّى أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالطَهَا كِلابٌ مِنْ غَيْرِهَا، فَلا تَأكُلْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الصيد والذبائح والضحايا قول عدى وأَبِى ثعلبة: " إنى أصيد، وإنا قوم يصيد، وإنا بأرض صيد ": لا خلاف بين المسلمين فى جواز الصيد على الجملة، قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم} (¬1)، وقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬2)، واختلف فى قوله: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشيْءٍ مِّنَ الصَّيْد} (¬3)، هل المراد بها الإباحة أو المنع لذكر الابتلاء لقوله: {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى} الآية (¬4)، ثم هو لمباح للاكتساب والحاجة للأكل والانتفاع. واختلف فيه للهو مع قصد ¬

_ (¬1) المائدة: 4. (¬2) المائدة: 96. (¬3) و (¬4) المائدة: 94.

3 - (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبِى السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التزكية، وللانتفاع، فكرهه مالك، وأجازه ابن عبد الحكم، وهو ظاهر قول الليث: ما رأيت حقاً أشبه بباطل منه. وأما إن فعله لغير نية التذكية فهو حرام لأنه من الفساد فى الأرض، وإتلاف نفس لغير منفعة. قال داود الأصفهانى: للصيد ثلاثة شروط: ممتنعاً، لا لملك أحد، حلال الله. وقوله: " إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل "، وفى بعض طرقه: " واذكر اسم الله " قلت: وإن قتلن؟ قال: " وإن قتلن، ما لم يشركهن كلب ليس معها "، وفى بعض طرقه: " فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره "، وفى بعض طرقه: " إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه "، وفى بعض طرقه: " ما أمسك عليك ولم يأكل منه فكله، فإن ذكاته أخذه "، قال الإمام: الحيوان الذى يحل أكله لا يستباح فى الشرع إلا بتذكية. والتذكية: عقر أو ذبح أو نحر. فأما الذبح والنحر ففى المقدور عليه. وأما العقر: فكل حيوان مأكول اللحم متوحش طبعاً، غير مقدور عليه، فذكاته العقر. فقولنا: حيوان؛ لأن ما ليس حيوان لا يذكى. وقولنا: مأكول اللحم؛ لأن الخنزير وما يحرم من الحيوان لا يصح تذكيته. وقولنا: متوحش؛ احترازاً من الإنسى كالبقر والشاة، فإنه لا يذكى بالعقر، وقلنا: طبعاً؛ احترازاً من الأنسى [إذا ند] (¬1)، فإنه لا يستباح بالعقر؛ لأن التوحش ليس من طبيعته. وقلنا: غير مقدور عليه؛ احترازاً من الوحش إذا حصل فى قبضة الصائد، فإنه لا يذكى بالعقر. هذا ضبط ما يذكى بالعقر. وأما الآلة التى يعقر بها، فكل حيوان يصيد ويقبل التعليم فإنه يجوز به الصيد عندنا، وما وقع من النهى عن التصيد ببعضه فى المذهب فمحمول على أنه لا يقبل التعليم، هذا مذهب مالك وأصحابه. ومن الناس من قصر الاصطياد على الكلاب خاصة، تعلقاً بقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِين} (¬2)، ومنهم من يستثنى الكلب الأسود، والدليل عليه قوله فى كتاب مسلم: " وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله " الحديث (¬3). وخرّج الترمذى عن عدى بن حاتم: سألت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيد البازى؟ فقال: " ما أمسك عليك فكل، وإن أكل فلا تأكل " (¬4)، فثبت بهذه الأحاديث جواز الصيد بالرمى والطير. ¬

_ (¬1) فى بعض نسخ ع: إذا توحش. (¬2) المائدة: 4. (¬3) حديث رقم (6) بالباب. (¬4) الترمذى، ك الصيد، ب ما جاء فى صيد البُزَاة رقم (1467)، وقال: لا نعرفه إلا من حديث مجالد عن الشعبى، والعمل عند أهل العلم لا يرون بصيد البُزَاة والصقور باساً 4/ 66.

المِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: " إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلا تَأكُلْ ". وَسَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الكَلْبِ؟ فَقَالَ: " إِذَا أَرْسَلَتَ كَلبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلا تَأكُلْ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلى نفْسِهِ ". قُلْتُ: فَإِنْ وَجَدْتُ مَعَ كَلبِى كَلبًا آخَرَ، فَلا أَدْرِى أَيُّهُمَا أَخَذَهُ؟ قَالَ: " فَلا تَأكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلى كَلبِكَ، وَلمْ تُسَمِّ عَلى غَيْرِهِ ". (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ، قَالَ: وَأَخْبَرنِى شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى السَّفَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ حَاتِمٍ يَقُولُ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المِعْرَاضِ. فَذَكَرَ مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: " كان أكل فلا تأكل ": فمذهب مالك: أنه يأكل وإن أكل. ومذهب الشافعى فى أحد قوليه: أنه لا يأكل، وهو مذهب أبى حنيفة (¬1) - رضى الله تعالى عنه. وهذا الحديث الذى ذكره مسلم من آكد ما يحتجون به، ويتعلقون - أيضاً - بظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (¬2)، ولو أراد كل إمساك لقال: " فكلوا مما أمسكن "، فزاده: " عليكم " إشارة لما قالوه، لما كان الإمساك يتنوع عندهم خصص الجائز منه بهذه الزيادة، قالوا: ولو كان القرآن محتملاً لكان هذا الحديث بياناً له؛ لأنه أخبر أنه إنما أمسك على نفسه. وأما أصحابنا فلا يسلمون كون الآية ظاهراً فيما قالوه، ويرون أن الباقى بعد أكله ممسك علينا. وفائدة قوله: " عليكم " الإشعار بأن ما أمسكه من غير إرسال لا يأكله. وأما الحديث الذى أخرجه مسلم فيقابلونه بحديث أبى ثعلبة، وقد ذكره أبو داود وغيره (¬3). ومنه إباحة الأكل مما أمسك وإن أكل، ويحمل حديث مسلم فى النهى عن التنزيه. والاستحباب، وحديث أبى ثعلبة على الإباحة حتى لا تتعارض الأحاديث. قال القاضى: واختلف قول الشافعى فى سباع الطير إذا أكلت، هل هى كالكلب عنده لا يؤكل صيدها أم لا؟ وكافة الفقهاء: أنها بخلاف الكلب، لم يختلفوا فى أكل صيدها وإن أكلت، وقد جاء ذكر صيد البازى فى بعض طرق حديث عدى. قال الإمام: وأما قوله: " وذكرت اسم الله فكل " فإن التسمية عند التزكية اختلف الناس فيها، فمن الناس من ذهب إلى أن الحيوان المذكى إن تركت التسمية عند تذكيته سهواً أو عمداً لم يؤكل، وهذا مذهب أهل الظاهر. ومنهم من لا يحرم أكله وإن تركها عمداً، ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 15/ 282 وما بعدها. (¬2) المائدة: 4. (¬3) أبو داود، ك الصيد، ب فى الصيد 2/ 97 رقم (2852)، وسبق تخريجه قريباً عند الترمذى، رقم (1467).

(...) وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْن نَافِعٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبِى السَّفَرِ، وَعَنْ نَاسٍ ذَكَرَ شُعْبَةُ عَنِ الشَّعْبِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المِعْرَاضِ. بِمِثْلِ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله بعض أصحاب مالك فى تاركها عمداً غير مستخف. ومنهم من منع الأكل مع العمد وأباحه مع النسيان، وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه. فأما أهل الظاهر فتعلقوا بظاهر قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه} (¬1) وإن لم يفرق، وأصحابنا يرون الآية إنما وردت فى تحريم الميتة، ويذكرون قول الجاهلية، واعتراضهم على الشرع بأنا نأكل ما قلناه ولا نأكل ما قاله الله، فرد الله عليهم بهذه الآية (¬2)، وقد يتعلق أهل الظاهر بهذا الحديث، وقد علق إباحة الأكل بذكر الله، والناسى غير ذاكر. وقال - أيضاً - فيمن وجد كلباً آخر مع كلبه لا يدرى أيهما أخذه: " فلا تأكل، إنما ذكرت اسم الله على كلبك، ولم تذكر على غيره " وهو فى تركه التسمية على كلب غيره أغرب من تركه إياها على كلب نفسه نسياناً، وأصحابنا يحملون التسمية فى هذا وأمثاله على ذكر القلب وقصده، فيكون المراد هاهنا قصد الكلب إلى التذكية، ولا شك أن الصائد الغير مع الاصطياد لا يأكل ما صادوا؛ إذا لم يسلم أصحابنا كون هذا الظاهر دلالة على منع الأكل مع النسيان. وقد ورد: " رفع عن أمتى خطؤها ونسيانها " (¬3)، وقد أباح أكل ما يأتى من اللحوم، ولا يدرى هل سم الله عليه أهله أم لا؟ الحديث المشهور (¬4)، قالوا: ولم يكن شرطاً لمن يستبيح ذلك للشك فى حصول التذكية، والجمهور من أصحابنا المانعون من أكلها مع العمد، يتمسكون بالظواهر المتقدمة، ويرون أن العامد غير معذور، وقاصد لمخالفة ما عليه الشرع وعمل المسلمين، فوجب أن يمنع. قال القاضى: حكى منذر بن سعيد عن مالك فى ترك التسمية عمداً: أنها تؤكل، وهو أحد قولى أحمد بن حنبل، وهو خلاف مذهب مالك المشهور عنه فى التفريق بين العامد والناسى، ومذهب كافة فقهاء الأمصار، ومن شيوخنا من يرى ترك أكلها فى العمد على الكراهة. واختلف عن الشافعى فى الساهى، ومشهور قوله كقولنا. ¬

_ (¬1) الأنعام: 121. (¬2) انظر: تفسير الطبرى 12/ 79 رقم (13808) تحقيق الشيخ شاكر - رحمه الله. (¬3) ابن ماجه، ك الطلاق، ب طلاق المكره والناسى عن أبى ذر رقم (2043). وقال صاحب الزوائد: إسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف أبى بكر الهذلى، رقم (2045) عن ابن عباس، وفى الزوائد: إسناده صحيح إن سَلِمَ من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع بدليل زيادة عبيد بن نمير فى الطريق الثانى، وليس ببعيد أن يكون السقط من جهة الوليد بن مسلم، فإنه كان يدلس. (¬4) حديث رقم (7) بالباب، بمعناه.

4 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ المِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: " مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلهُ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ ". وَسَأَلتُهُ عَنْ صَيْدِ الكَلبِ؟ فَقَالَ: " مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث المتقدم: " إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله ": حجة فى وجوب التسمية أنها شرط في صحة الذكاة مع الذكر، وقال الله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه} (¬1)، وقال: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬2). وقوله: " كلبك المعلم "، ولم يخص كلباً من كلب، حجة فى اشتراط التعليم، وهو مما لم يختلف فيه، وحجة فى عموم أجناس الكلاب المعلمة خلافاً للحسن والنخعى وقتادة فى منعهم صيد الكلب الأسود البهيم. وقوله: " فإن أدركته حياً فاذبحه " (¬3): لا خلاف فى ذلك إذا أدركه مجتمع الحياة، إلا شيئاً روى عن الحسن والنخعى مما شذ فيه: إذا لم يكن معك حديد فإن أرسلت الكلب عليه حتى يقتله وإن أدركه وقد نفذت الجوارح مقاتله فهو ذكى بغير خلاف، واستحب مالك تذكيته. وقوله: " فإن وجدت معه كلباً آخر فخشيت إن أخذه فلا تأكل منه ": إن فى ذلك مهلكة الجوارح مقاتله لا فيما أدرك حياً لأنه ذكاة متوصل إليها حقيقة، والآخر مشكوك فى ذلك، مثل قوله: " فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ". قال الإمام: وهذا أصل فى أن الشك فى التذكية يمنع من تأثيرها، ويبقى الحيوان على المنع، وهو الأصل الذى كان عليه فيما قبل؛ لأنه علق هذا بالشك والجواب، ومحمل قوله: " فإن وجدت عنده كلباً آخر " على أنه كلب غير مرسل على الصيد، وأما لو كان كلباً معلماً أرسله رجل آخر على هذا الصيد فأخذاه معاً لكان مذكى، ويكون شركة بينهما، وقوله: " وإن وجدت عنده كلباً آخر فخشيت إن أخذه معه وقد قتله فلا تأكل ". وقوله فى المعراض: " إذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ ": فيه إشارة إلى أحد القولين: أن الموقوذة والمنخنقة وما صار إلى حالة لا تدوم حياته معها فإنه مذكى؛ لأنه قيدها هنا بالقتل، وذلك يشير إلى أن القتل إذا لم يقع لم يحرم الأكل بالتذكية. وقد ذكر مسلم أيضاً: " وما أصبت بكلبك الذى ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل "، ولم يشترط أن يدركها وبها حياة تدوم، مع أن قوله: " أدركت " إشارة إلى أنه لو لم يدركه لمات. وأما ¬

_ (¬1) الأنعام: 118. (¬2) الأنعام: 121. (¬3) حديث رقم (6) بالباب.

أَمْسَكَ عَليْكَ وَلمْ يَأكُلْ مِنْهُ فَكُلهُ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ وَجَدْتَ عِندَهُ كَلباً آخَرَ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ، وَقَدْ قَتَلهُ، فَلا تَأكُلْ، إِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلى كَلبِكَ، وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلى غَيْرِهِ ". (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى المعراض: " إذا أصاب بعرضه فإنه وقيذ " فإن من شرط العقد أن يقع على صفة فيها تنييب وإدماء أو ما فى معنى ذلك، فإذا مات الصيد انتهاراً أو روعاً من غير مماسة أداة الصائد وإدمائه على ما ذكرناه عنه أكل بغير خلاف، وإن كان بعد مماسته أداة الصائد مصادماً أو ما فى معناها، ففى أكله قولان إذا كان ذلك من الكلاب، فوجه المنع قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} وظاهره ما جرح، ولأنه فى معنى المعراض، وقد ورد الحديث، ووجه الجواز فى قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم} (¬1) وهذا إمساك. قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعدى: " فإن ذكاته أخذه " أورده مسلم، ولأنه فعل حيوان غير مميز، ولا مضاف للصائد الذى هو مميز؛ وهو مما يعمل أحياناً، فوجب ألا يمتنع قياساً على التنييب والإدماء، بخلاف المعراض الوارد به الحديث الذى يصير به الصيد موقوذة. قال الهروى: المعراض: سهم لا ريش فيه ولا نصل. وقوله: " خزق ": معناه: نفذ، يقال: سهم خازق وخاسق للنافذ. والموقوذة: يعنى التى تقتل بعصا أو حجارة لا حد لها فيموت بلا ذكاة، يقال: وقذتها أقذها: إذا أثخنتها ضراباً، وفى حديث عائشة - رضى الله عنها - تصف أباها - رضى الله عنه -: " فوقذ النفاق "، تريد أنه دمغه وكسره. وقوله: إنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيب، فقال: " إذا رميت فخزق فكله، وإن أصاب بعرضه فلا تأكله "، وفى الرواية الأخرى: " فما أصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ "، قال القاضى: المعراض: خشبة ثقيلة، أو عصا فى طرفها حديدة، وقد تكون بغير حديدة. قال غير واحد: وهو أولى من التفسير الأول، وقال ابن دريد: المعراض: سهم طويل، له أربع قذذ رقاق، فإذا رمى به اعترض. وقال الأصمعى لقول الخليل الذى حكاه الهروى: أنه سهم دون ريش، وزاد: يذهب عرضاً، وقيل: هو عود رقيق الطرفين غليظ الوسط، إذا رمى به ذهب مستوياً. وجمهور العلماء وكافتهم أنه لا ¬

_ (¬1) المائدة: 4.

5 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ حَاتِمٍ - وَكَانَ لنَا جَاراً وَدَخِيلاً وَرَبِيطاً بِالنَّهْرَيْنِ - أَنَّهُ سأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُرْسِلُ كَلبِى فَأَجِدُ مَعَ كَلبِى كَلبًا قَدْ أَخَذَ، لا أَدْرِى أَيُّهُمَا أَخَذَ. قَالَ: " فَلا تَأكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلى كَلَبِكَ، وَلمْ تُسَمِّ عَلى غَيْرِهِ ". (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِثْلَ ذَلِكَ. 6 - (...) حَدَّثَنِى الوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِىُّ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَرْسَلتَ كَلبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَليْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلمْ يَأكُلْ مِنْهُ فَكُلهُ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلبكَ كَلبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلا تَأكُلْ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِى أَيُّهُمَا قَتَلهُ، وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلمْ تَجِدْ فِيهِ إِلا أَثَرَ سَهْمِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يؤكل ما أصاب بعرضه إلا ما خزق بحده، وذهب مكحول والأوزاعى وفقهاء أهل الشام إلى أكل صيده كيف كان. ونص السنة يرد عليهم، وكذلك قالوا فى البندقة أنها تؤكل صيدها، وخالفهم كافة فقهاء الأمصار وأئمة الفتوى، فلم يرد أكلها إلا ابن أبى ليلى وسعيد بن المسيب، فأجازوا أكل ما صيد بالبندقة لقول الشافعى. وحديث المعراض أصل فى منع ذلك؛ لأن ذلك كله رض ووقيذ، وهو معنى قوله: " فإنه وقيذ "، أى مقتولة بغير محدد. والموقوذة. المقتولة بالعصا وشبهها. وأصل ذلك من الكسر والدفع والمرض وشبهه. وفى قوله: " فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ": دليل أنه لا يؤكل إلا ما صاده، لكنه اصطاده وبكلب خرج عنه قصد الصائد وأشلائه لا ما صاده بأشلاء غيره لغير حضره أو بأشلائه من قتل نفسه، أو بأشلائه على صيد فأخذ غيره، واختلف مالك أو أشلائه وليس هو فى يده، والصحيح أنه يؤكل فى هذه، كذا هو مشهور، وخلافه فى المهمات المدونة وغيرها، وفى كتاب محمد: إنما اختلف قوله إذا كان معه وخرج فانتشلا من قبل نفسه، والصحيح فى هذا أنه لا يؤكل. وقوله: " فإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يوماً فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقاً فى الماء فلا تأكل ": زاد فى الرواية الأخرى: " فإنَّك لا تدرى الماء قتله أو سهمك "، وفى الحديث الآخر: " إذا رميت

فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِى المَاءِ، فَلا تَأكُلْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ سهمك فغاب عنك فكله ما لم ينتن " (¬1)، وقال فى الحديث الآخر فى الذى يدرك صيده بعد ثلاث: " كله ما لم ينتن " (¬2)، وفسره فى الرواية الأخرى فى صيد الكلب (¬3)، قال الإمام: من شرط استباحة [الصيد] (¬4) أن يتبعه الصائد، رجاء أن يدركه فيذكيه، فإن لم يفعل وتأخر عنه من غير عذر، ثم أتاه فوجده ميتاً وبه أثر سهمه أو كلبه، فالمشهور من المذهب أنه لا يأكل؛ لجواز أن يكون لو اتبعه لأدركه وصار أسيراً له، حتى لا يجوز تذكيته بالعقر. وحكى ابن القصار أكله، وكأنه رأى أنه لا يسقط التذكية المحققة بهذا الأمر يجوز وقد قال فى كتاب مسلم: " فإنَّ أَخْذَهُ ذكاته " ولم يشترط - أيضاً - فى هذا الذى مات ولم ينتن أن يكون اتبعه أو لم يتبعه. وأما إن غاب عنه الصيد، ثم وجده بعد ذلك وفيه أثر سهمه أو كلبه، ففى المذهب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يؤكل؛ لهذه الأحاديث. والثانى: أنه لا يؤكل؛ لقول ابن عباس: " كل ما أصميت ولا تأكل ما أنميت "، ومعنى " ما أصميت ": ما لم يغب عنك، و " ما أنميت ": ما غاب عنك. والقول الثالث: إجازة ذلك فى السهم ومنعُه فى الكلب؛ لأن السهم يقتل بالرمية الواحدة، والكلب يقتل على جهات مختلفة. وأما قوله: " ما لم يُنْتِن ": فإن ذلك لأن النفوس تعافه وتستقذره الطبائع، فنهى عنه تنزيهاً، أو لكون ذلك يضر بالأجسام ويسقمها، فنُهى عنه تحريماً، وقد روى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أكل إهالة سَنخة (¬5). والسَّنِخة: المغيرة، ومحملها على أنها لم تضر ولم تستقذر، فلا يكون ذلك مخالفاً لهذا الحديث. قال القاضى: قيل: يحتمل قوله: " ما لم ينتن " نتونة تغيره إلى حال لا يجوز أكله معها من تغيره صيد أو نحوه؛ لأنه صيد من الأنجاس والأرجاس والخبائث، أو يكون لما يخاف أن ذلك أصابه من نهش ذوات السموم وإفساد حاله، والخوف على أكله بسببه، وقد جاء مثل هذا عن ابن شهاب قال: كل مما قتل وأكل منه، إلا أن تجده يتعطن، فإذا تعطن فإنه تهميس، وذلك الذى يكره. وفسروا الحديث: " يتعطن ": أنه إذا مددته تمرط، ¬

_ (¬1) حديث رقم (9) بالباب التالى. (¬2) حديث رقم (10) بالباب التالى. (¬3) حديث رقم (11) بالباب التالى. (¬4) من ع. (¬5) البخارى، ك البيوع، ب شراء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنسيئة (2069)، الترمذى، ك البيوع، ب ما جاء فى الرخصة فى الشراء إلى أجل رقم (1215) عن أنس بلفظ: " بخبز الشجر وإهالة سنخة " الحديث 3/ 511.

7 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَألتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّيْدِ؟ قَالَ: " إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ، إِلَا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِى مَاءٍ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِى، المَاءُ قَتَلهُ أَوْ سَهْمُكَ ". 8 - (1930) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِىَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِىَّ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، نَأكُلُ فِى آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِى، وَأَصِيدُ بِكَلبِىَ المُعَلَّمِ، أَوْ بِكَلبِىَ الذَى لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَأَخْبِرْنِى مَا الَّذِى يَحِلُّ لنَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: " أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، تَأكُلونَ فِى آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ، فَلا تَأكُلوا فِيهَا، وَإِنْ لمْ تَجِدُوا فَاغْسِلوهَا، ثُمَّ كُلوا فِيهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا أَصَبْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الأعرابى: يقال: إنما سمى عطينة، أى منتن كالإهاب المعطون، وهو الذى تمرط شعره عنه وأنتن قال بعض اللغويين: يقال: أنتن اللحم: إذا تغير بعد طبخه، وصَلَّ وأصَلَّ إذا تغير وهو نىٌّ. وهذا الحديث فى البحر. وسماه منتناً خلاف ما قال، وقد ذهب بعض الناس قديماً إلى الأخذ بهذا الحديث فى ترك أكل ما أنتن، ثم وقع الاتفاق على جوازه. وقوله: " فإنك لا تدرى الماء قتله أو سهمك ": بين فى أنه لو تحقق الرامى أن سهمه قتله بأن يجده قد أنفذ مقاتله لأكله، وكذلك إذا تحقق فيما رماه فى الهواء أو من شاهق فسقط، أن سهمه أنفذ مقاتله أكله، وإن شك فيه لم يأكل؛ لأنه لا يدرى هل مات من السقطة أو الرمية، وتمثل هذا مالك وأصحابه والشافعى والليث وإسحاق وأصحاب الرأى والحسن البصرى وعطاء وقتادة والأوزاعى وأبو ثور، إلا أن الشافعى قال فيما رمى فى الهواء فسقط ميتاً، ولم يدر مم مات: أنه يؤكل، وقاله أبو ثور وأصحاب الرأى. قال ابن المنذر: واختلف فيه عن مالك، فروى ابن وهب عنه لقول هؤلاء. وروى ابن القاسم: إن كان السهم لم ينفذ مقاتله لم يؤكل. وقوله فى حديث عدى: " وكان لنا جاراً ودخيلاً وربيطاً بالنهرين ": الدخيل والدخال: الذى يداخل الرجل فى أموره، والدخلة: الخاصة، والدخل أيضاً: الباطنة. والربيط هنا: المرابط الملازم من الرباط. وذكر مسلم حديث أبى ثعلبة الخشنى: " إنا بأرض قوم أهل الكتاب نأكل فى آنيتهم "، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها، ثم

بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِكَلبِكَ المُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِكَلبِكَ الَّذِى ليْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ ". (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا المُقْرِئُ، كِلاهُمَا عَنْ حَيْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ المُبَارَكِ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ وَهْبٍ لمْ يَذْكُرْ فِيهِ: صَيْدَ القَوْسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كلوا فيها ". جاء هذا الحديث مفسراً فى غير مسلم، وفيه: " وأنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر " (¬1) من سؤاله عن أهل الكتاب لهذا؛ لأنهم يستعملونها فى الأنجاس عندنا فى الميتات ولحم الخنزير والخمر وغير ذلك، فرأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التنزه عنها أولى لما عساه بداخلها وتعلق بها، فإن اضطر إليها غسلت فاستعملت، والماء طهور لكل شىء. وجاء فى حديث ابن عباس: " ما كان من حديد أو نحاس فاغسلوه، وما كان من فخار فاغلوا فيها الماء، ثم اغسلوها واطبخوا فيها، فإن الله جعل الماء طهوراً "، وهذا مبالغة فيما عساه يتعلق به، وأصلها مما يشرب فيها من ودك النجاسات ورطوبتها، ويجب أن يكون حكم الإناء المطلى والزجاج، ثم حكم أوانى النحاس والحديد لأنها مصمتة ليست كمحلِلة الأجزاء كالفخار فيداخلها شىء، وهذا فيما يطبخون فيه، فأما ما يستعملونه فى غير الطبخ من إذابتهم للماء وشبهه فخفيف؛ لأنه طهور لكل ما حل فيه، إلا ما علم أنهم يستعملونه للحم، وقد توضأ عمر من ماء فى جرة نصرانية. وقوله: " وما أصبت بكلبك الذى غير معلم فأدركت ذكاته فكل ": هذا مما لا خلاف فيه أن غير المعلمة لا تأكل صيدها، إلا ما أدركت حياته. ¬

_ (¬1) أحمد فى المسند 4/ 194.

(2) باب إذا غاب عنه الصيد ثم وجده

(2) باب إذا غاب عنه الصيد ثم وجده (¬1) 9 - (1931) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الخَيَّاطِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ثَعْلبَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ، فَغَابَ عَنْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلهُ؛ مَا لمْ يُنْتَنْ ". 10 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلفٍ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ثَعْلبَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِى الَّذِى يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ -: " فَكُلهُ مَا لمْ يُنْتَنْ ". 11 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ابْنِ صَالِحٍ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ مَكْحُول عَنْ أَبِى ثَعْلبَةَ الخُشَنِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيثَهُ فِى الصَّيْدِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِى الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِى ثَعْلبَةَ الخُشَنِىِّ. بِمِثْلِ حَدِيثِ العَلاءِ. غَيْرَ أَنَّهُ لمْ يَذْكُرْ نُتُونَتَهُ. وَقَالَ - فِى الكَلبِ -: " كُلهُ بَعْدَ ثَلاثٍ، إِلا أَنْ يُنْتِنَ، فَدَعْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) تناول الإمام والقاضى - رحمهما الله - أحاديث هذا الباب ضمن تعليقاتهما على أحاديث الباب السابق.

(3) باب تحريم أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير

(3) باب تحريم أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير 12 - (1932) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ. قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ. زَادَ إِسْحَاقُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ فِى حَدِيثِهِمَا: قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَلمْ نَسْمَعْ بِهَذَا حَتَّى قَدِمْنَا الشَّامَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى - عليه السلام - عن أكل كل ذى ناب من السباع "، وفى حديث آخر: " وكل ذى مخلب من الطير "، وفى طريق آخر: " كل ذى ناب من السباع أكله حرام "، قال الإمام: اختلف الناس فى السباع، ففى ذلك عندنا روايتان: التحريم والكراهة، وبالتحريم قال أبو حنيفة والشافعى. وهذا الحديث أورده مسلم نص فى التحريم، وكان أصحابنا تعلقوا فى الكراهة بقوله سبحانه وتعالى: {قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية (¬1)، وليس فيها ذكر السباع، وهذا فيه نظر؛ لأنه إنما أخبر عن أنه لا يجد (*)، وتحريم السباع حكم محرماً، ووجدنا نحن محرماً إلا ما ذكر، وقد يمكن أن يوجد فيما بعد، وقد ذكر أن الحديث ورد بعد؛ لأن الآية مكية وهو مدنى، وأيضاً فإن الآية خبر عن أنه لم يجد، وتحريم السباع حكم والأحكام يصح نسخها، والأخبار لا يصح نسخها، ولا يمكن تعارضها إلا على وجه يمكن فيه البناء، فإذا أخبر أنه لا يجد محرماً ووجدنا نحن محرماً، حملناه على أنه أوحى إليه به فيما بعد؛ لأنه لو كان أوحى إليه فيما قبل وكان الخبر عاماً، صار الخبر كذباً، وهذا لا يصح. وأيضاً فإن قوله: {قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} لا يقضى بتحليل سوى المستثنى؛ لأنه إذا نفى التحريم لم يكن ذلك نص فى إثبات التحليل. ونحن نقول: إن الاستثناء (¬2) قبل ورود الشرع لا ينسبها (¬3) محرمة، ولا يكون ذلك منا تصريحاً بإنها محللة، بل الغرض نفى ورود الحكم، وتكون باقية على أصلها قبل الشرع، فيه خلاف بين أهل الأصول، لكن إن كان المراد من الاحتجاج بالآية نفيَ وجود التحريم الشرعى فى زمن نزولها فهذا صحيح، ولكن إثبات حكم معين أو نفى نزول حكم فيما بعد لا يصح ادعاؤه (¬4). ¬

_ (¬1) الأنعام: 145. (¬2) فى ع: الأشياء، والمثبت من الإكمال. (¬3) فى ع: نثبتها، والمثبت من الإكمال. (¬4) قيد قبلها فى الإكمال: " ادعاؤه " مكررة. (*) قال معد الكتاب للشاملة: هنا سقط وتصحيف، وقد صححنا من كتاب المعلم (3/ 73)، وهو كالتالي: " ... عن أنه لا يجد محرما إلا ما ذُكر، وقد يُمكن أن يوجد فيما بعد، وقد ذكر أن الحديث ورد بعد؛ لأن الآية مكية وهو مدنيّ".

13 - (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الخَوْلانِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ثَعْلبَةَ الخُشَنِىَّ يَقُولُ: نَهَى رَيمولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ عُلمَائِنَا بِالحِجَازِ، حَتَّى حَدَّثَنِى أَبُو إِدْرِيسَ، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الشَّامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما نهيه عن كل ذى مخلب من الطير (¬1)، فبه قال أبو حنيفة والشافعى، ومذهبنا أن أكلها ليس بحرام، ولعل أصحابنا يحملون هذا النهى على التنزيه، ويرون أنها قد تكون تتصيد السموم ما يخشى منه على أكلها. وهذا ضعيف، ولا يمكن ترك الأحاديث على هذا التشديد، لكن إنما يجب النظر بين الآية وهذا الحديث. وقد تكون الآية تقتضى جواز أكل كل ذى مخلب أو لا تقتضيه، وقد نبهنا على التخفيف (*) فى ذلك. فإن كان لا يقتضيه نُظِر فى النهى، هل يُحمل على التحريم أو الكراهة؟ وفيه خلاف بين أهل الأصول. ونُظِر - أيضاً - فى قول الراوى فيها، ولم يكن لفظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل يوجد (**) بذلك على ظاهره أم لا؟ وهذا أيضاً مبسوط فى كتب الأصول فهذا التحقيق فيه. قال القاضى: الخلاف فى أصل هذا الباب على ما ذكره، لكن الاختلاف عندنا فى الكراهة، والتحريم عند مالك إنما هو فى السباع العادية، فأما عداها فلا خلاف عندنا أنها غير محرمة. وقد أجاز ابن كنانة من أصحابنا ما لم يفترس ويأكل اللحم، وقال: لم يأت فيه نهى. ثم وقع خلاف آخر بين المحرمين لأكلها فى أعيان السباع ومن غيرها، فاختلفوا فى الضبع والثعلب والهرة والآنس والوحشى وشبهه، فأجاز الشافعى أكل الضبع وهو قول أحمد وإسحاق وأبى ثور، ولم يروها من السباع ورأوها صيداً، وهو قول على بن أبى طالب - كرم الله وجهه - وجماعة من الصحابة والسلف. ومنع أكلها الآخرون، وكرهها مالك فى أحد قوليه ورآها من السباع، وأجاز الشافعى أيضاً أكل الثعلب، وهو قول طاووس وقتادة وأبى ثور، وحرمها الآخرون، وكرهه مالك. وأجاز الليث أكل الهر، ومنعه الآخرون. وأحل مالك أكل الآنس منها والوحشى. واختلفوا فى القرد، فمنعه عكرمة ومجاهد والشافعى والحسن ومكحول وعطاء وابن حسن من أصحابنا. قال الباجى: والأظهر من قول مالك وأصحابه أنه ليس بحرام (¬2). ¬

_ (¬1) حديث رقم (16) بالباب. (¬2) قال الباجى فى المنتقى 3/ 132: وأما القرد، فعند ابن حبيب: لا يحل لحم القرد. وقال الباجى: والأظهر عندى أنه ليس بحرام لعموم الآية، ولم يرد فيه ما يوجب تحريماً ولا كراهية، فإن كانت كراهية فلاختلاف العلماء - والله أعلم. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابه "التحقيق"، وهو المثبت في المعلم للمازري (3/ 74) (**) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها "قول الراوي: (نهي)، ولم (ينقل) لفظ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل (يؤخذ) ... "، وهو المثبت في المعلم للمازري (3/ 74)

14 - (...) وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الخَوْلانِىِّ، عَنْ أَبِى ثَعْلبَةَ الخُشَنِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَابْنُ أَبِى ذِئْب وَعَمْرُو بْنُ الحَارِثِ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع وعَبْدُ بْنُ حُمَيْد، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْن المَاجِشُونِ. ح وَحَدَّثَنَا الحُلوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ وَعَمْرٍو، كُلُّهُمْ ذَكَرَ الأَكْلَ، إِلا صَالِحًا وَيُوسُفَ، فَإِنَّ حَدِيثَهُمَا: نَهَى عَنْ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ. 15 - (1933) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى حَكِيمٍ، عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، فَأَكْلهُ حَرَامٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف فى الفيل، فأجاز الشافعى أكله وابن شهاب، وكرهه الحسن والكوفيون؛ لأنه ذو ناب عندهم. واختلفوا فى جواز أكل الوبر واليربوع والضب والقنفذ، فأجازه الجمهور، وهو قول أبى يوسف فى الوبر، وقول مالك والشافعى وغيره فى الجميع وإن كان ذا ناب؛ لأنه ليس من السباع، ومنعها أبو حنيفة وبقية أصحابه فى الجميع لأصل الناب. وقال قوم: الضب حرام أكله، وروى عن مالك كراهة أكل القنفذ، حكاه ابن المنذر. ومشهور مذهب مالك فى الطير ما تقدم، وحكى عنه ابن أبى أويس كراهة أكل كل ذى مخلب من الطير، واختلف عنه فى أكل الخطاطيف بالكراهة والإباحة، وحكى عن عروة كراهة أكل الغراب والحدأة. وكره النخعى وطاووس أكل ما تأكل من الطير الجيف، وكره بعض أهل الحديث أكل الغراب الأبقع دون غيره من الغربان والطير، ونحوه عن محمد بن الحسن. وقد اختلف الناس، هل الأشياء أصلها على الإباحة وعلى ما كانت عليه قبل ورود الشرع؟ وهو قول طائفة من الفقهاء والأصوليين، وقاله أبو الفرج من المالكيين إلا ما ورد الشرع بتحريمه، وقالت طائفة أخرى: ذلك على الحظر والتحريم إلا ما ورد الشرع بتحريمه أو إباحته، وقاله أبو بكر الأبهرى من شيوخنا، ومعظم المتكلمين والفقهاء وغيرهم على الوقوف فى ذلك، حتى يستدل على حكمه من جهة الشرع بدليل، وذهبت المعتزلة ومن قال بالتحسين والتقبيح إلى أن ما تستقبحه العقول من ذلك ممنوع؛ كالظلم والفساد فى الأرض

(...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 16 - (1934) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِى مِخْلبٍ مِنَ الطَّيْرِ. (...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. (...) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ وَأَبُو بِشْرٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِى مِخْلبِ مِنَ الطَّيْرِ. (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِى بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ: أَخْبَرَنَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بِشْرٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وما تستحسنه واجب كشكر المنعم، وما عدا هذين البابين على الوقوف. ومذهب أهل السنة والحق أن التحسين والتقبيح إنما يرجع إلى الشرع لا إلى العقل؛ بدليل اختلاف العقلاء فيه. وذكر مسلم فى الباب حديث شعبة عن الحكم وأبى بشر، عن ميمون، عن ابن عباس. وقد ذكر البخارى فى تاريخه هذا الحديث عن إبراهيم، عن سعيد، عن على الأرقط، عن ميمون. ثم قال: قال سعيد: وأظن بين ميمون وابن عباس سعيد بن جبير (¬1). ¬

_ (¬1) تاريخ البخارى 6/ 261، 262 (2347).

(4) باب إباحة ميتات البحر

(4) باب إباحة ميتات البحر 17 - (1935) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَليْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَتَلقَّى عِيراً لِقُرَيْشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لمْ يَجِدْ لنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً. قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِىُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَليْهَا مِنَ المَاءِ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى الليْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلهُ بِالمَاءِ فَنَأَكُلهُ. قَالَ: وَانْطَلقْنَا عَلى سَاحِلِ البَحْرِ، فَرَفَعَ لنَا عَلى سَاحِلِ البَحْرِ كَهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضَّخْمِ، فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِىَ دَابَّةٌ تُدْعَى العَنْبَرَ. قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث جيش أبى عبيدة بن الجراح - رضى الله عنه - فيه: " بعثنا [النبى] (¬1) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتلقى عير قريش، وأمَّر علينا أبا عبيدة ": فيه وجوب التأمير على الجيوش والسرايا ليرجع الرأى إلى واحد، وقد استحب هذا العلماء أن يمثل ذلك فى الوقعة فى السفر وغيره ليرجع رأيهم إلى واحد، فإن الرأى متى انتشر وخرج عن واحد وقع الخلاف وفسد النظام. وقوله: " نتلقى عير قريش ": فيه جواز الرصد للعدو والخروج لأخذ ماله والغزو لذلك؛ لأن فى جميع ذلك نكاية. وقوله: " وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة " وأنهم كانوا ثلاثمائة، وقال فى الحديث الآخر: " نحمل أزوادنا على رقابنا "، وفى الحديث الآخر: " ففنى زادهم " وكان مزود تمر، وفى الموطأ: " مزودى تمر كان يقوتنا حتى كان نصيب كل يوم تمرة " (¬2)، وفى الرواية الأخرى: " كان يعطينا قبضة قبضة، ثم أعطانا تمرة تمرة ": الجمع بين هذه الروايات بين؛ زودهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المزود زائد إلى ما كان عندهم من زاد أموالهم، أو مما زودهم به غير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواساهم به، ويشهد لذلك قولهم: " وكنا نحمل أزوادنا على أعناقنا " (¬3)، فقد أخبروا أنه كان لهم زاد، وقولهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمزود، ويحتمل أنه لم يكن عندهم تمر غير الجراب، وكان عندهم غيره من الزاد، وزادهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) الموطأ، ك صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب جامع ما جاء فى الطعام والشراب 2/ 93 (24). (¬3) حديث رقم (20) بلفظ: " رقابنا ".

مَيْتَةٌ. ثُمَّ قَالَ: لا، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِى سَبِيلِ اللهِ، وَقَدْ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا. قَالَ: فَأَقَمْنَا عَليْهِ شَهْرًا، وَنَحْنُ ثَلاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا. قَالَ: وَلقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ منْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالقِلالِ الدُّهْنَ، وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الفِدَر كَالثَّوْرِ - أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ - فَلقْد أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَأَقْعَدَهُمْ فِى وَقْبِ عَيْنِهِ، وَأَخَذَ ضِلعًا مِنْ أَضْلاعِهِ، فَأَقَامَهَا، ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا، فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا، وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لحْمِهِ وَشَائِقَ. فَلمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لهُ. فَقَالَ: " هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لحْمِهِ شَىْءٌ فَتُطَعِمُونَا؟ " قَالَ: فَأَرْسَلنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، فَأَكَلهُ. 18 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ ثَلاثُمِائَةٍ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، نَرْصُدُ عِيراً لِقُرَيْشٍ. فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ، حَتَّى أَكَلنَا الخَبَطَ، فَسُمِّىَ جَيْشَ الخَبَطِ. فَأَلقَىَ لنَا البَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لهَا العَنْبَرُ، فَأَكَلنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهَا حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا. قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلعًا مِنْ أَضْلاعِهِ فَنَصَبَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ فِى الجَيْشِ، وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحَمَلهُ عَليْهِ، فَمَرَّ تَحْتَهُ. قَالَ: وَجَلسَ فِى حِجَاج عَيْنِهِ نَفَرٌ. قَالَ: وَأَخْرَجَنَا مِنْ وَقَبِ عَيْنِهِ كَذَا وَكَذَا قُلةَ وَدَك. قَالَ: وَكَانَ مَعَنَا جِرَابٌ مِنْ تَمْرٍ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا قَبْضَةً قَبْضَةً، ثُمَّ أَعْطَانَا تَمْرَة تَمْرَةً، فَلمَّا فَنِىَ وَجَدْنَا فَقْدَهُ. 19 - (...) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرو جَابِرًا يَقُولُ فِى جَيْشِ الخَبَطِ: إِنَّ رَجُلاً نَحَرَ ثَلاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ ثَلاثًا، ثُمَّ ثَلاثًا. ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعطى أبو (¬1) عبيدة لهم تمرة تمرة إنما كان فى الحال الثانى بعد أن فنى زادهم وطال لبثهم، وفسره فى الحديث الآخر. فإنما أخبر فى الحديث الأول عن مثال الحال لا عن أوله وظاهر ما بين فى الثانى إنما كان تمرة تمرة، فهو بعد أن قسم عليهم قبضة قبضة، ثم فقدوها عند تمام ذلك، كما قال فى الحديث الآخر: " لقد وجد [نا] (¬2) فقدها حين فنيت ". وانتفعوا بهذه التمرة ببركة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما زودهم فى ذلك ما ذكر فى الحديث من أكلهم الخبط مع ذلك حتى سمى. جيش الخبط، ومعهم التمرة، وتطيب أفواههم بها. ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: أبا، وهو تصحيف. (¬2) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

20 - (...) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ - يَعْنِى ابْنَ سُليْمَانَ - عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَعَثَنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ ثَلاثُمِائَةٍ، نَحْمِلُ أَزْوَادَنَا عَلى رِقَابِنَا. 21 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ مَالِكِ ابْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى نُعيمٍ، وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، ثَلاثَمِائَةٍ، وَأَمَّرَ عَليْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ، فَفَنِىَ زَادُهُمْ، فَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ زَادَهُمْ فِى مِزْوَدٍ، فَكَانَ يُقَوِّتُنَا، حَتَّى كَانَ يُصِيبُنَا كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وجمع أبو عبيدة زادهم فكان يقوتنا ": يحتمل أن أبا عبيدة فعل ذلك بمرضاتهم وموافقتهم عليه، وإن كان بعضهم قد فنى زاده وليس معه شىء على طريق المواساة قبل، ويحتمل أنه بحكم أداه إليه اجتهاده، أو خشى عليهم أو على بعضهم الهلاك، ورأى عند بعضهم ما يكفيه فألزمهم التساوى فيما عندهم، والأولى أنه كان بتراضيهم وموافقتهم عليه كما جاء فى حديث الأشعريين فى مثل هذه القصة (¬1)، وكما قال تعالى فى وصفهم: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} (¬2). وقد استدل بعض العلماء من هذا الحديث وما جاء من مثله عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جمع الأزواد عند الحاجة؛ أن للإمام إذا رأى من عنده فضله قرت إجباره على بيعه وإخراجه فى المجاعة. وقد ألزم عمر أهل كل بيت مثل عددهم عام الرمادة، ويحتفل عندى - وهو أيضاً ظاهر العادة - أن أبا عبيدة فعل ذلك إذا رأى أن أكثر ما كان عندهم من الزاد، وما بقى إنما كان مما زودوا به من مزودهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو غيره مما أعطوه معونة لهم، ومثل هذا معلوم من فعل الصحابة، ولم يخص واحداً دون آخر، وكان حقهم فيه سواء، فعدل بينهم فيه عند الضرورة، وكان حالهم فيه أولاً مع الإخسار خلاف ذلك، بأخذ كل واحد قدر حاجته. قيل: وفيه جمع الأزواد فى السفر، قال بعض العلماء: وهو سنة، وأن يَخْرج القوم إذا خرجوا بِعُفَّتِهم جميعاً وهو أحرى إن يبارك لهم وأطيب لأنفسهم. وقوله: " فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، وإذا به دابة تدعى العنبر، قال أبو عبيدة: ميتة. ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد اضطررتم "، وذكر إقامتهم عليها شهراً وهم ثلاثمائة حتى سمنوا - الحديث: وفيه أنهم تزودوا منها ¬

_ (¬1) البخارى ك الشركة، ب الشركة فى الطعام 3/ 184. (¬2) الفتح: 29.

(...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ - يَعْنِى ابْنُ كَثِيرٍ - قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وشائق، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم حين ذكروا ذلك له: " هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم منه شىء فتطعمونا؟ "، وأنه أكل منه. قال الإمام: جميع ما فى البحر مباح عند مالك على الجملة على اختلاف أشكاله وأسمائه، حية وطافية، لكنه توقف (¬1) فى خنزير الماء واستثنى الشافعى الضفدع، وقال أبو حنيفة: ما سوى السمك لا يؤكل، ومنع من أكل الطافى، وأجاز ما مات بسبب كالذى يجذر عنه الماء فيموت، أو يموت من شدة حر أو برد. ولنا فى إباحة جميع ما فيه على الإطلاق، قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} (¬2) فعم. وإنما توقف مالك فى خنزير الماء لأن هذه الآية يقتضى عمومها الإباحة. وقوله عز وجل: {وَلَحْمَ الْخِنزِير} (¬3) يقتضى تحريمه إن صح أن يسمى خنزيراً فى اللغة، فلما تعارض العمومان توقف، أو يكون لم يتوقف من ناحية التعارض، لكن من ناحية التسمية؛ هل هى بائنة فى اللغة أم لا؟ ولنا فى إباحة الطافى منه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته " (¬4)، وحديث أبى عبيدة هذا، وقد ذكر أن النبى أكل منه اختياراً، وتضمن حديث أبى عبيدة أيضاً الرد على أبى حنيفة فى منعه ما سوى السمك؛ لأن هذه الدابة - التى تسمى العنبر - الظاهر أنها ليست من السمك. وأما منع أبى حنيفة والشافعى الضفدع فلعلهما تعلقا بما خرجه النسائى؛ أن طبيباً ذكر ضفدعاً فى دواء عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتله (¬5)، لعل هذا الحديث لم يثبت عند مالك، أو يحمل إن ثبت على الاستحباب. قال القاضى: ظاهر قول أبى (¬6) عبيدة: " ميتة "، ثم قال: " لا، أنتم مضطرون " أنه حكم لهم بحكم الميتة، وإنما الاستباحة للاضطرار. وفيه: " زودهم منها الوشائق "، ففيه على هذا الظاهر حجة فى جواز التزود من الميتة للمضطر والشبع. وقد اختلف فى ¬

_ (¬1) فى الأصل: يقف، والمثبت من ع. (¬2) المائدة: 96. (¬3) البقرة: 173، المائدة: 3. (¬4) أبو داود، ك الطهارة، ب الوضوء بماء البحر 1/ 19 رقم (83)، الترمذى ك الطهارة، ب ما جاء فى البحر أنه طهور 1/ 101 رقم (69)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، النسائى فى الكبرى ك الطهارة، ب ماء البحر، رقم (58)، ابن ماجه، ك الطهارة، ب الوضوء بماء البحر 1/ 136 رقم (386)، كلهم عن أبى هريرة - رضى الله عنه. (¬5) النسائى فى الكبرى، ك الصيد، ب الضفدع عن عبد الرحمن بن عثمان 3/ 166. (¬6) فى الأصل: أبا.

سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك؛ لأن أكل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما حملوه عنها وبيانه لهم حلها يقضى على تأويلهم والحجة به، وقول مالك فى موطئه: له أن يأكل حتى يشبع ويتزود، وهو قول غيره، وذكر أنه أحسن ما سمع. وحكى عنه ابن المنذر وعبد الوهاب أنه يأكل منها ما يقيم رمقه، وهو قول عبد العزيز بن الماجشون وابنه وابن حبيب والحسن والنخعى وقتادة فى آخرين، قالوا: ثم لا يأكل منها حتى لا يضطر إلى ذلك ثانية، قال عبد الملك: إن تغذى حرمت عليه يومه، وإن تعشى حرمت عليه ليلته. واختلفوا فى سفر الباغى والعاصى بسفره، فقال: لا رخصة، وإنما رخص لمن خرج فى سفر طاعة وغير معصية، وهو قول مجاهد وابن جبير وغيرهما، وتأولوا قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} (¬1)، وهو قول الشافعى ورواية آخر عندنا، وقول ابن حبيب، وقال آخرون بجواز ذلك له، وهو مشهور قول مالك وأصحابه وأبى حنيفة، وظاهر قول ابن عباس، وقال: غير باغ فى الميتة ولا عاد فى الأكل، واليه نحا إسماعيل القاضى قال: لأن قتله نفسه إذا لم يأكل معصية ثانية. قال الإمام: وأما قوله: " كنا نضرب بعصينا الخبط " (¬2): وهو أن نضرب الشجر بعصا لتتحات ورقه، واسم الورق المخبوط خبط، وهو من علف الإبل. وقوله: " من وقب عينه " (¬3): يعنى داخل عينه، من قوله سبحانه: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَب} (¬4)، [يعنى] (¬5): دخل فى الظلمة. وقوله: " يزودنا من لحمه وشائق " (¬6): قال أبو عبيد: هو اللحم يؤخذ فيغلى إغلاءةً ويحمل فى الأسفار، ولا ينضج فيتهرأ (¬7). يقال: وشقت اللحم فاتشق، والوشيقة: القديد، ومنه الحديث: " فتواشقوهم بأسيافهم " (¬8)، أى قطعوه كما يقطع اللحم إذا قدد. وقوله: " حتى ثابت أجسامنا " (¬9): أى رجعت إلى ما كانت عليه، والراجع هو الثائب، من ثاب يثوب. وقوله: " فى حجاج عينه " (¬10): يقال: حِجاج وحَجاج، بفتح الحاء وكسرها. ¬

_ (¬1) البقرة: 173. (¬2) و (¬3) حديث رقم (17) بالباب. (¬4) الفلق: 3. (¬5) من ع. (¬6) حديث رقم (17) بالباب. (¬7) انظر: الهروى فى غريب الحديث 3/ 23، 4/ 403. (¬8) لقد ورد فى النهاية لابن الأثير، ولفظه: " وقد تواشقوه بأسيافهم ". النهاية 5/ 189، وابن جرير في التاريخ 2/ 510، الاستيعاب 1/ 352، البخارى فى صحيحه 5/ 125. (¬9) و (¬10) حديث رقم (18) بالباب.

سَرِيَّةً أَنَا فِيهِمْ، إِلَى سِيفِ البَحْرِ، وَسَاقُوا جَمِيعًا بَقيَّةَ الحَدِيثِ. كَنَحْوِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَبِى الزُّبَيْرِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: فَأَكَلَ مِنْهَا الجَيْشُ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ ليْلَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: الوشائق: شرائح اللحم بيبس الشمس، الواحد وشقة، وهو منكة القديد، والمراد فى هذا الحديث. ووقب العين حفرها، والوقبة: الحفرة فى الحجر، ووقب الدهن متقعره، وكذلك وقب الثريد: حفرته التى بجعل فيها دسمه. وقوله فيه: " كهيئة الكثيب الضخم " (¬1): يفسر معنى قوله فى مالك: " مثل الظرب ". ويصحح تأويل مالك أنه الجبل الصغير (¬2) وقاله غيره من أهل اللغة، وقال الخليل: هو ما نتأ من الحجارة، وما قاله مالك أصح؛ لقوله - عليه السلام - فى حديث الاستسقاء: " على الظراب والآكام وبطون الأودية " (¬3) واحدها ظرب مثل وعل، وظرب مثل قرد. وقال غيره: الظرب ما كان من الحجارة. أصله ثابت فى الجبل وطرفه محدد، فإذا كانت خلقة الجبل كذلك سمى ظرب، وهذا يجمع التفسيرين. وقوله: " ونقطع الفدر كالثور، وكقدر الثور " (¬4): أى القطع. الفدرة: القطعة من اللحم، ووقع عند السجزى: " أو كقدر الثور بألعاب " وهو تصحيف. وقوله: " سيف البحر ": هو ساحله، ويفسره قوله فى الحديث الآخر: " فأقمنا بالساحل " (¬5). وأكلهم منه هذه المدة الطويلة، ومثلها يتغير فيها اللحم ويفسد فى الكلية، فإما أن يكون لكثرة شحمه وودكه، كما ذكر فى الحديث أنهم اغترفوا من وقب عينه بالقلال الدهن وكثرة الشحم، والودَك مما يصون اللحم عن التغيير، أو يكون لكبره وعظمه فما يفسد منه يطرح ويطلب ما تحته مما لم يصبه الهواء، فإذا صين عنه تماسك، وقد يكون هذا الحديث إلقاء البحر إلى ساحله ميتاً لكن شخصه فى الماء، بحيث يصونه الماء ويحفظه ببرده، ومثل هذا موجود فى الموتى الذين يدفنون فى الأرض الباردة الندية لا يتغيرون، ويحتمل أنهم أولاً أكلوه طرياً، ثم اتخذوه وشائق وقديداً فأكلوا بقية الأيام من ذلك، والله أعلم. واحتج به من أجاز أكل الصيد وإن أنتن، وأنه ليس بحرام، وقد مرّ الكلام فيه. قيل: وحمل الحديث على الكراهة أو على التغيير للطعام لأنه حينئذ من الخبائث والرجس. ¬

_ (¬1) حديث رقم (17) بالباب. (¬2) الموطأ، ك صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب جامع ما جاء فى الطعام والشراب. (¬3) سبق فى ك الاستسقاء، ب الدعاء فى الاستسقاء. (¬4) حديث رقم (17) بالباب. (¬5) حديث رقم (18) بالباب.

(...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. ح وَحَدثَّنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُنْذِرِ القَزَّازُ، كِلاهُمَا عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا إِلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ، وَاسْتَعْمَلَ عَليْهِمْ رَجُلاً. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى الباب حديث حجاج بن الشاعر، وفيه: حدثنا أبو المنذر القزاز. كذا للعذرى والسجزى بالقاف، ولغيرهم: " البزاز " وبالقاف ذكر أبو على الجيانى لا غير وهو إسماعيل بن عمر الواسطى يعدد به مسلم. وفى الحديث جواز طلب الصديق لصديقه الطعام على جهة الاستلطاف والمودة؛ لطلب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم ومنه، [وقد يكون فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) تطيباً لقلوبهم لأكله لغير ضرورة أو بياناً لفعلة. وقوله: إن ميتة العنبر (¬2) بخلاف غيرها، وذكر فى أحد الروايات أنهم أكلوا منه نصف شهر، وفى آخر: ثمانية عشر يوماً، وكل ذلك متقارب المعنى، وأما قوله فى الرواية الأخرى: " فأقمنا عليه شهراً "، فقد يجمع بينه وبين ما تقدم أنهم أقاموا على الأكل منه طرياً نصف شهر ونحوه، وأكلوا بقيه الشهر منه وشائق ومقدداً كما ذكر. وإجلاس أبى عبيدة لمن أجلس فى عينه، وما فعله بضلعه، تعجباً من عظم قدرة الله وخلقه، واعتباراً بذلك، ويتحقق التحدث به لغيره ليعتبروا بذلك، والله أعلم. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش. (¬2) فى نسخ الإكمال: الحوت، وليس هذا لفظ الحديث.

(5) باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية

(5) باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية 22 - (1407) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالحَسَنِ - ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلىٍّ - عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ. وَعَنْ لحُوَمِ الحُمُرِ الإِنْسِيةِ. (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ يُونُسَ: وَعَنْ أَكْلِ لحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الأنسية " بفتح الهمزة، قد مضى فى النكاح والحج الكلام على هذين الأصلين بما يكفى، وقول من قال فى لفظه أن صوابه " الأنسية " بفتح الهمزة وبالنون، وبالوجهين ضبطناه. قال الإمام: المذهب عندنا على قولين فى الحمر الإنسية، فقيل بالتحريم وقيل بالكراهة المغلظة، فمن قال بالتحريم [تعلق بالحديث المذكور فيه التحريم] (¬1)، وهو نص فى بابه، فيكون هذا النص مؤكداً لظاهر القرآن، وهو قوله عز وجل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (¬2)، فذكر المنافع التى ذكرها (¬3) لها، ولو [كان] (¬4) أكلها مباحاً لنبه عليه سبحانه، وذكر وجه المنة به على عباده كما ذكر غيره من المنافع. ووجه القول بالكراهة ما وقع من الاضطراب بين الصحابة فى هذا النهى. فذكر مسلم، قال: " تحدثنا بيننا فقلنا: حرمها البتة، وحرمها من أجل أنها لم تخمس "، وفى بعض طرقه: " فقال ناس: إنما نهى عنها لأنها لم تخمس، وقال آخرون: نهى عنها البتة "، وذكر ابن عباس قال: لا أدرى أنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل أنه كانت حمولة الناس، فكره أن [يحمل] (¬5) تذهب حمولتهم أو حرمه فى يوم خيبر لحوم الحُمر الأهلية، وفى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) النحل: 8. (¬3) فى الأصل: خلقها، والمثبت من ع. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬5) زائدة فى الأصل.

23 - (1936) وَحَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْد، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِح، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. 24 - (561) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ وسَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ لحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. 25 - (...) وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبِى وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الحِمَارِ الأَهْلِىِّ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَكَانَ النَّاسُ احْتَاجُوا إِليْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض طرقه: جاء رجل فقال: " يا رسول الله، أكلت [الحُمر] (¬1) "، ثم جاء آخر فقال: " يا رسول الله، أُفنيت الحمر، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا طلحة [فنادى] (¬2): إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس أو نجس "، وفى بعض طرقه أنه: " لما فتح الله خيبر أصبنا حمراً (¬3) خارجاً من القرية، فنادى منادى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ألا] (¬4) إن الله ورسوله نهاكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فكفئت القدور بما فيها. وقد خرّج أبو داود: قلت: يا رسول الله، أصابتنا سنة ولم يكن فى مالى ما أطعم أهلى إلا سمان حمر، وإنك حرّمت لحم الحمر الأهلية، فقال: أطعم أهلك من سمين حُمُرك، وإنما حرمتها من أجل جوال القرية (¬5). فلما رأى بعض أصحابنا هذا الاضطراب فى علة النهى، هل لأنها لم تخمس أو لأنها فنيت، أو من أجل جوال القرية قالوا بالكراهة المغلظة دون التحريم؛ لأن هذه العلل قد تذهب فيذهب التحريم بذهابها، ولكن يبقى على هذا سؤال يقال: لو كانت هذه علة التحريم لما أمر بإكفاء القدور وكسرها ولا عدل عنه لما روجع إلى غسلها، بل هذا يشير إلى ما وقع فى الطريق الأخرى وهى قوله: " فإنها رجس أو نجس "، قيل: لأجل هذا التعليل الآخر قوى التحريم عند بعض أصحابنا، وقد تكون العلل المتقدمة أسباباً يزول عندها الحكم معللاً بما ذكر مناديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله فى حديث أبى داود: " من أجل جوال القرية ": مأخوذ من الجلة وهى العذرة ¬

_ (¬1) ساقطة من ع. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬3) فى الأصل: حماراً، والمثبت من المطبوع رقم (34). (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬5) أبو داود، ك الأطعمة، ب فى كل لحوم الحمر الأهلية 2/ 321.

26 - (1937) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، قَالَ: سَأَلتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى عَنْ لحُومِ الحُمُرِ الأَهْليَّةِ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ. يَوْمَ خَيْبَرَ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَصَبْنَا لِلقَوْمِ حُمُرًا خَارِجَةً مِنَ المَدِينَةِ، فَنَحَرْنَاهَا، فَإِنَّ قُدُورَنَا لتَغْلِى؛ إِذْ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنِ اكْفَؤُوا القُدُورَ، وَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لحُومِ الحُمُرِ شَيْئًا. فَقُلْتُ: حَرَّمَهَا تَحْرِيمَ مَاذَا؟ قَالَ: تَحَدَّثَنَا بَيْنَنَا فَقُلنَا: حَرَّمَهَا البَتَّةَ، وَحَرَّمَهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لمْ تُخَمَّسْ. 27 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا سُليْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى يَقُولُ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَة ليَالِى خَيْبَرَ، فَلمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِى الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَانتَحَرْنَاهَا، فَلمَّا غَلتْ بِهَا القُدُورُ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنِ اكفَؤُوا القُدُورَ، وَلَا تَأكُلوا مِنْ لحُومِ الحُمُرِ شَيْئًا، قَالَ: فَقَالَ نَاسٌ: إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّهَا لمْ تُخَمَّسْ. وَقَالَ آخَرُونَ: نَهَى عَنْهَا البَتَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ سميت بذلك لأكلها لها، وأشد ما فى هذا قوله عند أبى داود: " أطعم أهلك من سمين حُمُرك "، ولعل هذا الحديث لم يثبت عند أصحابنا، أو تكون قضية فى عين لا تتعدى، أو القصد منه نفى التحريم وإن [كان] (¬1) لحومها مكروهة، وقد ذكر أنه ما عنده ما يطعم أهله إلا الحمر، وهذه ضرورة. قال القاضى: وقوله: " اكفؤوا القدور ": وكذا ضبطناه بألف الوصل، وفتح الفاء من كفأت، ومعناه: قلبت، ويصح فيه قطع الألف وكسر الفاء من أكفأت، وهما بمعنى عند كثير من أهل اللغة. قال الإمام: يقال كفئت القدر: كببتها وقلبتها لتفرغ ما فيها، وكفأت الإناء: إذا أملته. وقال ابن السكيت: يقال: كفأت وأكفأت. قال القاضى: قال الكسائى: أكفأت الإناء، وكل شىء قلبته، ولا يقال: أكفأته، قال القتبى: أكفأته أيضاً لغة. قال الإمام: خرّج مسلم فى حديث البراء: " أصبنا يوم خيبر حُمُراً، [الحديث عن ابن مثنى وابن بشار، وذكر السند، قال البراء: " أصبنا يوم خيبر حُمراً] (¬2). فنادى منادى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن اكفؤوا القدور، وقال أبو مسعود: لهذا الحديث تعليل وهو مرسل. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع، (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

28 - (1938) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ - قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى يَقُولانِ: أَصَبْنَا حُمُرًا، فَطبَخْنَاهَا، فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْفَؤُوا القُدُورَ. 29 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ. قَالَ: قَالَ البَرَاءُ: أَصَبْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ حُمُرًا، فَنادَى مُنَادِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنِ اكْفَؤُوا القُدُورَ. 30 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَن ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ. قَال: سَمِعْتُ البَرَاءَ يَقُولُ: نُهِينَا عَنْ لحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. 31 - (...) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُلقِىَ لحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، نِيئَةً وَنَضِيجَةً، ثُمَّ لمْ يَأمُرْنَا بَأَكْلِهِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 32 - (1939) وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لا أَدْرِى، إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولةَ النَّاسِ، فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولتُهُمْ، أَوْ حَرَّمَهُ فِى يَوْمِ خَيْبَرَ، لحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. 33 - (1802) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وهذا مما يجب النظر فيه لأنه لم يعين المنادى، ولا ذكر إضافة نص قوله إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن الأظهر أن النداء فى الجيش لا يخفى على الإمام والصاحب إضافة إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا مما يعلم بقرينة الحال، وقد قال بعد هذا: فأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا طلحة فنادى: أن الله ورسوله. فأضاف الأمر إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجملة، وسمى المنادى، وذكر ما نادى به. والظاهر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بذلك اللفظ.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَليْهِمْ فَلمَّا أَمْسَى النَّاسُ، اليَوْمَ الذِى فُتِحَتْ عَليْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلى أَىِّ شَىْء تُوقِدُونَ؟ " قَالوا: عَلى لحْمٍ قَالَ: " عَلَى أَىِّ لَحْم؟ " قَالُوا عَلَى لَحْمِ حُمُر إِنْسِيَّةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ نُهرِيقُهَا وَنَغْسِلهَا. قَالَ: " أَوْ ذَاكَ ". (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَصَفْوَانُ بْنُ عِيسىَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، كُلهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 34 - (1940) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، أَصَبْنَا حُمُرًا خَارِجًا مِنَ القَرْيَةِ، فَطَبَخْنَا مِنْهَا، فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَلا إِنَّ اللهَ وَرَسُولهُ يَنْهِيَانِكُمْ عَنْهَا، فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَأُكْفِئَتِ القُدُورُ بِمَا فِيهَا، وَإِنَّهَا لتَفُورُ بِمَا فِيهَا. 35 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّد بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ جَاءَ جَاءٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُكِلتِ الحُمُرُ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُفْنيَتِ الحُمُرُ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَلْحَةَ فَنَادَى: إِنَّ اللهَ وَرسُولهُ يَنْهِيَانِكُمْ عَنْ لحُومِ الحُمُرِ، فَإِنَّهَا رَجِسٌ أَوْ نَجَسٌ. قَالَ: فَأُكْفِئَتِ القُدُورُ بِمَا فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " أهريقوها واكسروها " فقالوا: أو نهريقها ونغسلها، قال: " أو ذاك ": فيه ما تقدم الآنية التى طبخت فيها النجاسات إذا غسلت، كما تقدم فى آنية المجوس، وهى علة كسر هذه القدور وغسلها لقوله: " إنها رجس من عمل الشيطان " ورجس ونجس؛ ولأن ما حرم أكله لم يعمل الذكاة فى لحمه، وكل هذا مما يغلظ تحريمها، وقد يكون وصفها بذلك لأنها من جوال القرية على ما تقدم. وقوله: " وكان الناس احتاجوا إليها ": على أحد العلل فى الحديث من خوف فناء الظهر، وفى الرواية الأخرى: " وكانت لم تخمس " على العلة الأخرى، وفى الحديث الآخر: " لأنها كانت جوال القرية " (¬1) على التعليل الثالث، فالعلل الثلاثة جاءت فى الحديث. ¬

_ (¬1) أبو داود، السابق 2/ 321.

(6) باب فى أكل لحوم الخيل

(6) باب فى أكل لحوم الخيل 36 - (1941) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لحُومِ الحُمُرِ الأَهْلَيَّةِ، وَأَذِنَ فِى لحُومِ الخَيْلِ. 37 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَكَلنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الخَيْلَ وَحُمُرَ الوَحْشِ، وَنهَانَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحِمَارِ الأَهْلِىِّ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِى يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ وَأَحْمَدُ ابْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وأذن فى لحوم الخيل "، قال الإمام: اختلف الناس فيها، فأباح أكلها الشافعى، ومذهبنا أنها مكروهة (¬1)، وقال الحكم: حرّم القرآن الخيل، وتلا الآية، فتعلق الشافعى بقوله: " وأذن " والإذن إباحة. وقد خرّج النسائى وأبو داود عن خالد بن الوليد أنه سمع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير "، قال النسائى: يشبه إن كان صحيحاً أن يكون منسوخاً؛ لأن قوله: " أذن فى لحوم الخيل " دليل على ذلك (¬2)، ولما رأى أصحابنا اختلاف هذه الأحاديث، وكان حديث جابر أصح قدّموه (¬3)، فى نفى التحريم، وقالوا بالكراهة لأجل ما وقع فى معارضته بالحديث الآخر، ولما يقتضيه ظاهر الآية وقد ذكر فيها الخيل كما ذكر الحمير، وقد بينه على المنة بما خلقت له ولم يذكر الأكل. قال القاضى: عامة فقهاء أصحاب الحديث - أحمد وإسحاق وأبو داود وابن المبارك - ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 15/ 331. (¬2) أبو داود، ك الأطعمة، ب فى أكل لحوم الخيل 2/ 317، النسائى، ك الصيد، ب تحريم أكل لحوم الخيل 7/ 202 (4331). (¬3) أبو داود، ك الأطعمة، ب فى أكل لحوم الخيل 2/ 316.

38 - (1942) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَوَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالتْ: نَحَرْنَا فَرَسًا عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكَلنَاهُ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على جواز أكل لحوم الخيل لقول الشافعى، وهو قول الثورى وأبى يوسف وشريح والحسن وعطاء وحماد بن أبى سليمان وسعيد بن جبير فى جماعة السلف، ووافق أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والأوزاعى مالكاً فى كراهة ذلك، وروى مثله عن ابن عباس، واختلف فى إباحته أو كراهته على محمد بن الحسن (¬1). ¬

_ (¬1) الاستذكار 15/ 331.

(7) باب إباحة الضب

(7) باب إباحة الضب 39 - (1943) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وابْنُ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّبِّ؟ فَقَالَ: " لسْتُ بِآكِلِهِ وَلا مُحَرِّمِهِ ". 40 - (...) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ؟ فَقَالَ: " لا آكُلهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ ". 41 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللهِ، عنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلى المِنْبَرِ - عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ؟ فَقَالَ: " لا آكُلهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ ". (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْد اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عنْ عُبَيْدِ اللهِ. بِمِثْلِهِ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، كِلاهمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَل. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الوَلِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ، كُلهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لست بآكله ولا محرمه "، وفى الحديث الآخر: " لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه "، قال الإمام: اختلف طرق الأحاديث فى علة امتناعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أكله، فذكر مسلم أنه تركه لأنه - عليه السلام - عافه، وذكر فى طريق آخر: أنه [قال: " لا أدرى لعله من القرون التى مسخت "، وفى غير مسلم: أنه] (¬1) قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى تحضرنى من الله حاضرة - يريد الملائكة عليهم السلام - فأحترمهم " (¬2)؛ لأنه له رائحة ثقيلة، واتَّقاه ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) الموطأ، ك الاستئذان، ب ما جاء فى أكل الضب 2/ 967.

ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الضَّبِّ. بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ أَيُّوبَ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضَبٍّ فَلمْ يَأكُلهُ وَلمْ يُحَرِّمْهُ. وَفِى حَدِيثِ أُسَامَةَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فِى المَسْجِدِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المِنْبَرِ. 42 - (1944) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ العَنْبَرِىِّ، سَمِعَ الشَّعْبِىَّ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ سَعْدٌ، وَأُتُوا بِلحْمِ ضَبٍّ، فَنَادَتْ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لحْمُ ضَبٍّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلَوا، فَإِنَّهُ حَلالٌ، وَلكِنَّهُ ليْسَ مِنْ طَعَامِى ". (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ العَنْبَرِىِّ، قَالَ: قَالَ لِى الشَّعْبِىُّ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الحَسَنِ عَنِ النَبىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، فَلمْ أَسْمَعْهُ رَوَى عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا. قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سَعْدٌ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ. 43 - (1945) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِىَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوَى إِليْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللاتِى فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأكُلَ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ. فَقُلتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لا، وَلكِنَّهُ لمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِى، فَأَجِدُنِى أَعَافُهُ ". قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلتُهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ. 44 - (1946) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وحَرْمَلةُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قال حَرْمَلةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ لأجلهم كما يتقى الثوم. وأما التعليل بأنه يخاف أن يكون من المسوخ فإنَّ هذا لم يتحقق، وفيه التوقِّى لأجل الشك، وقد تقدم أصل هذا. وقوله: " أعافه ": معناه: أكرهه، يقال: عفت الشىء أعافه عيفاً: إذا كرهته، وعفته أعيفه عيافة من الزجر، وعاف الطير يعيف: إذا حام على الماء ليجد فرصة فيشرب. والمحنوذ: المشوى، وقيل: المشوى على الرضف؛ وهى الحجارة المحماة. قال

أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَحْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - الَّذِى يُقَالُ لهُ سَيْفُ اللهِ - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى مَيْمُونَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِىَ خَالتُهُ وَخَالةُ ابْنِ عَبَّاسٍ - فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدَّمُ إِليْهِ طَعَامٌ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وُيسَمَّى لهُ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ. فَقَالتْ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَدَّمْتُنَّ لهُ. قُلنَ: هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللهِ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ. فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لا، وَلكِنَّهُ لمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِى، فَأَجِدُنِى أعَافُهُ ". قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلتُهُ، وَرَسُولُ اللهِ يَنْظُرُ، فَلمْ يَنْهَنِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو الهيثم: أصل المحنوذ من حناذ الخيل وهى أن يظاهر عليها جُل فوق جُل لتعرق تحته. قال ابن عرفة فى قوله عز وجل: {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (¬1): أى مشوى بالرضاف حتى يقطر عرقاً، يقال: حنذته النار والشمس: إذا شوته. وقوله: " فى غائط مضبَّة " (¬2): يريد أرضاً متطامنة ذات ضباب. قال القاضى: كذا ضبطناه هنا " بأرض مَضَبة " بفتح الميم والضاد، ويقال: " مُضِبة " بضم الميم وكسر الضاد، وكلاهما معناه: ذات ضباب، وكذلك أرض مسبعة، وماسدة: ذات سباع وأسود. وقد ذكر سيبويه أن مفعلة بالهاء والفتح للتكثير، وقد ذكرنا قبل من كره أكل الضب ومن حرمه، والكافة على إباحته. وقوله: " أكل خِوان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": أى مائدته، يقال: بضم الخاء وكسرها، والجمع أخونة وخون. وفى قولها: أخبروا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يريد أن يأكل، ولم يكن يأكل شيئاً حتى يعلم ما هو سنة فى هذا الباب؛ لئلا يقع الإنسان فيما لا يحل أكله إذا علم أنه لم يعلم ما هو، ولم يعلم مذهبه فيه. ¬

_ (¬1) هود: 69. (¬2) حديث رقم (51) بالباب.

45 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ. وَهِىَ خَالتُهُ. فَقُدِّمَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحْمُ ضَبٍّ، جَاءَتْ بِهِ أُمُّ حُفَيْد بِنْتُ الحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِى جَعْفَرٍ - وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَأكُلُ شَيْئًا حَتَّى يَعْلمَ مَا هُوَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. وَزَادَ فِى آخِرِ الحَدِيثِ: وَحَدَّثَهُ ابْنُ الأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ، وَكَانَ فِى حَجْرِهَا. (1945) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: أُتِىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَلمْ يَذْكُرْ: يَزِيدَ بْنَ الأَصَمِّ: عَنْ مَيْمُونَةَ. (...) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الليْثِ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى خَالِدُ ابْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى هِلالٍ عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ؛ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ - وَعِنْدَهُ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ - بِلحْمِ ضَبٍّ. فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. 46 - (1947) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَهْدَتْ خَالتِى أُمُّ حُفَيْدٍ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبا، فَأَكَلَ مِنَ السَّمْنِ وَالأَقِطِ، وَتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا، وَأُكِلَ عَلى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلى مَائِدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أهدته لها أختها أم حفيدة " بضم الحاء مصغر، وفى الرواية الأخرى: " أم حفيد " (¬1) بغير هاء كذا للعذرى عن مسلم بالهاء فى حديث أبى النضر ولغيره بغيرها، وعند أكثر رواة البخارى: " أم حفيدة " (¬2)، وكذا فى رواية أبى الطاهر وحرملة فى مسلم، اسم لا كنية، والأشهر: " أم حفيد " بغير هاء، واسمها: هذيلة. فكذا ذكره أبو عمر ¬

_ (¬1) هى هذيلة بنت الحارث بن حرب الهلالية، أخت ميمونة أم المؤمنين قيل: هى أم حفيد، قاله أبو عمر، قال: وكانت نكحت فى الأعراب، وهى التى أهدت الضباب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الإصابة 4/ 421، 422. (¬2) البخارى، ك الأطعمة، ب الشواء 7/ 93.

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 47 - (1948) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، قَالَ: دَعَانَا عَرُوسٌ بِالمَدِينَةِ، فَقَرَّبَ إِليْنَا ثَلاثَةَ عَشْرَ ضَبًّا، فَآكِلٌ وَتَارِكٌ، فَلقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنَ الغَدِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَكْثَرَ القَوْمُ حَوْلهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا آكُلهُ، وَلا أَنْهَى عَنْهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ ". فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. بِئْسَ مَا قُلْتُمْ. مَا بُعِثَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا مُحِلاً وَمُحَرِّمًا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَعِنْدَهُ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى، إِذْ قُرِّبَ إِليْهِمْ خِوَانٌ عَليْهِ لحْمٌ، فَلمَّا أَرَادَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأكُلَ، قَالتْ لهُ مَيْمُونَةُ: إِنَّهُ لحْمُ ضَبٍّ، فَكَفَّ يَدَهُ، وَقَالَ. " هَذَا لحْمٌ لمْ آكُلهُ قَطٌ ". وَقَالَ لهُمْ: " كُلوا "، فَأَكَلَ مِنْهُ الفَضْلُ وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ وَالمَرْأَةُ. وَقَالتْ مَيْمُونَةُ: لا آكُلُ مِنْ شَىْءٍ إِلا شَىءٌ يَأكُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 48 - (1949) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ، فَأَبَى أَنْ يَأكُلَ مِنْهُ. وَقَالَ: " لا أَدْرِى، لعَلهُ مِنَ القُرُونِ التِى مُسِخَتْ ". 49 - (1950) وَحَدَّثَنِى سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلتُ جَابِرًا عَنِ الضَّبِّ؟ فَقَالَ: لا تَطْعَمُوهُ، وَقَذِرَهُ. وَقَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمْ يُحَرِّمْهُ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ. فَإِنَّمَا طَعَامُ عَامَّةِ الرِّعَاءِ مِنْهُ، وَلوْ كَانَ عِنْدِى طَعِمْتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الصحابة، وهى رواية النسائى (¬1) عن البخارى، وكان فى رواية بعض شيوخ ابن أبى جعفر: " أم حميد " وهو خطأ، وعند ابن السكن: " أم جعيرة " وهو خطأ أيضاً. وقوله: " ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": حجة فى أن إقرار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دليل على جواز ما أقره (¬2)، إذا كان لا يقر على منكر، ولا يحرر ذلك فى حقه لأنه جاء بالبيان والبلاغ وهذا ضده؛ لما فيه من الإشكال والالتباس. ¬

_ (¬1) النسائى ك الصيد، ب الضب 7/ 198. (¬2) جاء بعدها فى الأصل: " ما أقره " مكررة، ولا وجه لتكرارها.

50 - (1951) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ مَضَبَّةٍ، فَمَا تَأمُرُنَا؟ أَوْ فَمَا تُفْتِينَا؟ قَالَ: " ذُكِرَ لِى أَنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ "، فَلمْ يَأمُرْ وَلمْ يَنْهَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ليَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَإِنَّهُ لطَعَامُ عَامَّةِ هَذِهِ الرِّعَاءِ، وَلوْ كَانَ عِنْدِى لطَعِمْتُهُ، إِنَّمَا عَافَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 51 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى فِى غَائِطٍ مَضَبَّةٍ، وَإِنَّهُ عَامَّةُ طَعَامِ أَهْلِى. قَالَ: فَلمْ يُجِبْهُ. فَقُلنَا: عَاوِدْهُ. فَعَاوَدَهُ فَلمْ يُجِبْهُ، ثَلاثًا. ثُمَّ نَادَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الثَّالِثَةِ فَقَالَ: " يَا أَعْرابِىُّ، إِنَّ اللهَ لعَنَ - أَوْ غَضِبَ - عَلى سِبْطٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ، فَمَسَخَهُمْ دَوابَّ يَدِبُّونَ فِى الأَرْضِ، فَلا أَدْرِى لعَلَّ هَذَا مِنْهَا، فَلسْتُ آكُلُهَا، وَلا أَنْهَى عَنْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وهى خالته وخالة ابن عباس ": الهاء عائدة على خالد بن الوليد، وبسبب المحرمية كان دخولهما عليها وإدلالهما فى بيتها. أم ابن عباس أم الفضل لبابة الأكبر، وأم خالد لبابة الصغرى وهى العصماء، وهما شقائقها وهما [معاً] (¬1) وأم حفيد هذيلة وميمونة أخوات بنات الحارث بن جرن الهلالى، وزينب وسلمى وأسماء بنت عميس أخوات ميمونة أيضاً لأمها. أمهن هند بنت عوف الجرشية. وزعم الباجى أن أم حفيدة لبنى الصغرى لأم خالد، وأما ابن عمر فجعلها غيرها، وقال: فى صحبة لبنى الصغرى وإسلامها نظر. وفى أكل خالد له باجتراره، ولم يأت أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن له فى ذلك وهو بيته؛ إما لعلمه بأن ميمونة وهى ربة البيت، والمهدى لها أخرجته لجميعهم وهو الأظهر، أو بحكم إدلال خالد فى بيت خالته وهو ما أباح الله الأكل منه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من الأبى.

(8) باب إباحة الجراد

(8) باب إباحة الجراد 52 - (1952) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى يَعْفُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، نَأكُلُ الجَرَادَ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى يَعْفُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِى رِوَايَتِهِ: سَبْعَ غَزَوَاتٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: سِتَّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: سِتٌ أَوْ سَبْعٌ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى يَعْفُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: سَبْعَ غَزَوَاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " غزونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات نأكل الجراد " قال الإمام: اضطرب المذهب عندنا فيه، واختلف الناس أيضاً، هل تحرم ميتته لعموم قوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (¬1)؟ أو يحل لقوله - عليه السلام -: " أُحلت لى ميتتان: السمك والجراد " (¬2)؟ والمشهور عندنا افتقاره إلى الذكاة، وقال مطرِّف: يؤكل بغير ذكاة، وعامة السلف أجازوا كل ميتة الجراد، وعلى القول بافتقاره إلى الذكاة اختلفوا فى ذكاته، فقال ابن وهب: أخذه زكاته. وابن القصار قال: لا تؤكل ميتته، ولو وقع فى قدر أو نار وهو حى لأُكل، وفى المدونة: لا يؤكل إلا أن يموت من فعل [من] (¬3) يفعله بها، من قطع أرجلها وأجنحتها، أو بطرحها فى نار فيسلقها أو يقليها. وقال أشهب فى مدونته: لا يؤكل إذا قطعت أجنحته أو أرجله ثم مات قبل أن يسلق، ولا يؤكل إلا بقطع [رأسه] (¬4) أو يعمل صباً، يريد يطرح فى ماء أو نار. واختلف إذا سلقت الأحياء والأموات أو الأرجل معها، فقال أشهب فى مدونته: يطرح كله، وجميعه حرام. وقال سحنون: يؤكل الأحياء بمنزلة خشاش تموت فى القدور. وقد روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سُئل عن الجراد، فقال: " أكثر جنود الله، لا آكله ولا أُحرّمه " (¬5). ¬

_ (¬1) المائدة: 3. (¬2) ابن ماجه، ك الصيد، ب صيد الحيتان والجراد 2/ 1073، أحمد 2/ 97. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من الهامش. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬5) أبو داود، ك الأطعمة، ب أكل الجراد 1/ 321 وقال الألبانى: ضعيف.

(9) باب إباحة الأرنب

(9) باب إباحة الأرنب 53 - (1953) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَرَرْنَا فَاسْتَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَوْا عَليْهِ فَلغَبُوا. قَالَ: فَسَعَيْتُ حَتَّى أَدْرَكْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا. فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبِلهُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ يَحْيَى: بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ [قوله] (¬1): " فاستبعجنا (¬2) أرنباً بمرّ الظهران فسعوا عليه فلغبوا ": قال ابن القوطية: بعج بطنه بعجاً: شقه، وتبعج السحاب بالمطر، وبعجه حب كذا: اشتد وجده به، وقوله: " فلغبوا ": اللغوب: الإعياء، يقال: لغب - بفتح الغين - يلغب لغوباً ولغب - بكسر الغين - لغة. قال القاضى: لم نر من رواه: " استبعجنا " بالباء والعين، وهو تصحيف ممن رواه لا شك فيه فاسد المعنى، فكيف يشقوا بطنها، ثم يسعون خلفها حتى لغبوا، ثم بعد ذلك يأخذونها ويذبحونها؟! وكيف يصح ذبحها وفتها بعد شق بطنها؟! وإنما الحرف فى الرواية واللغة: " استنفجنا " بالنون والفاء، وكذا فى سائر النسخ وسائر المصنفات والشروح، وكذا رويناه عن جميع من لقيناه، ومعناه: أثرناها من لحمها. تنفجت: يقال: نفجت الأرنب: إذا وثبت. قال الهروى: يقال: أنفجت الأرنب من جحرة فنفج، أى أثر به فثار، وهذا الفعل هو الذى يصح معه السعى خلفها، ويحصل الإعياء حتى يؤخذ ويذبح. فأكل الأرنب حلال عند جمهور العلماء وكافة الأمة؛ إلا ما ذكر عن ابن أبى ليلى وعبد الله بن عمرو بن العاص من كراهة ذلك، وجاء فى حديث خرّجه أبو داود وغيره من أصحاب المصنفات؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينه عنها، ولم يأمر بأكلها، وزعم أنها تحيض (¬3). فال بعضهم: وهذا من نحو تقذره أمر الضب. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬2) فى الحديث المطبوع رقم (53): " فاستنفجنا "، وقد ورد شرح الإمام على " فاستبعجنا ". (¬3) أبو داود، ك الأطعمة، ب فى أكل الأرنب 2/ 317، وابن أبى شيبة 8/ 61، 62.

(10) باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو وكراهة الخذف

(10) باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو وكراهة الخذف 54 - (1954) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهَ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ. قَالَ: رَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ المُغَفَّلَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ يَخْذِفُ. فَقَالَ لهُ: لا تَخْذِفْ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ - أَوْ قَالَ - يَنْهَى عَنِ الخَذْفِ، فَإِنَّهُ لا يُصْطَادُ بِهِ الصَّيْدُ، وَلا يُنْكَأ بِهِ العَدُوُّ، وَلكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ وَيَفْقَأ العَيْنَ، ثُمَّ رآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ. فَقَالَ لهُ: أُخْبِرُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ - أَوْ يَنْهَى - عَنِ الخَذْفِ، ثُمَّ أَرَاكَ تَخْذِفُ، لا أُكَلمُكَ كَلِمَةً، كَذَا وَكَذَا. (...) حَدَّثَنِى أَبُو دَاوُد، سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا كَهْمَسٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 55 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مُغَفَّلٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَذْفِ. قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فِى حَدِيثِهِ: وَقَالَ: إِنَّهُ لا يَنْكَأُ العَدُوَّ وَلا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ وَيَفْقَأُ العَيْنَ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِىٍّ: إِنَّهَا لا تَنْكَأُ العَدُوَّ. وَلمْ يَذْكُرْ: تَفْقَأ العَيْنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان ينهى عن الخذف " بالخاء والذال المعجمتين، قال الإمام: قال الليث: رميك حصاة أو نواة، تأخذها بين سبابتيك، أو تجعل مخذفة من خشبة ترمى بها بين إبهامك والسبابة. قال القاضى: نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه إذ لم يره من آلات الحرب فيتمرن به التمرن الجائز فى رمى السهام، ولا من آلات الصيد فينتفع بذلك؛ لأنه إنما يرض فقتله موقوذ كما تقدم فى السرقة، فلم يكن فيه منفعة، ولم يكن اللهو به مباحاً، مع ما يخشى من عقباه من كسر السن وفقء العين. وقوله: " لا ينكأ العدو ": كذا رويناه [عن] (¬1) مهموزاً، وفى الروايات: " ينكئ " ¬

_ (¬1) زائدة فى الأصل، والمثبت من س.

56 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفلٍ خَذَفَ. قَالَ فَنَهَاهُ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الخَذْفِ، وَقَالَ: " إِنَّهَا لا تَصِيدُ صَيْدًا، وَلا تَنَكَأ عَدُوًّا، وَلكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ العَيْنَ " قَالَ: فَعَادَ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ! لا أُكَلمُكَ أَبَدًا. (...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِىُّ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر الكاف، وهو أوجه فى هذا الموضع؛ لأن المهموز إنما هو نكأت القرحة، وليس هذا موضعه إلا على تجوز، وإنما هذا من النكاية، ويقال منه: نكيت العدو وأنكيته نكاية. قال صاحب العين: ونكأت لغة: فعلى هذا تتوجه رواية شيوخنا فى الخذف. وقول عبد الله: " أحدثك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الخذف ثم تخذف! لا أكلمك أبداً ": فيه هجران من خالف السنن على علم، وتأديب أهل المعاصى بالهجران.

(11) باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة

(11) باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة 57 - (1955) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُليَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَبِى الأَشْعَثِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلى كُلِّ شَىْءٍ، فَإِذَا قَتَلتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَليُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ. بِإِسْنَادِ حَدِيثِ ابْنِ عُليَّةَ ومَعْنَى حَدِيثِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ": عام فى كل شىء من التذكية والقصاص وإقامة الحدود وغيرها، من أنه لا يعذب خلق الله وليجهز فى ذلك. والقِتلة، بالكسر: الهيئة والصفة، وبالفتح: الفعلة من ذلك. وقوله: " وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ": تفسير الإحسان: الذبح الذى إذا حدّ الشفرة أراح الذبيحة فأحسن الذبح بخلاف ضد ذلك، ومن إحسان القتلة ألا يحد الذبيحة إلى مذبحها، قاله عمر بن الخطاب، ومنها: ألا تذبح وآخر ينظر، قاله ربيعة، وحكى عن مالك جوازه.

(12) باب النهى عن صبر البهائم

(12) باب النهى عن صبر البهائم 58 - (1956) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلتُ مَعَ جَدِّى - أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - دَارَ الحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ، فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا. قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ البَهَائِمُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 58 م - (1957) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 59 - (1958) وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو كَامِلٍ - وَاللفْظُ لأَبِى كَامِلٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِنَفَرٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَتَرَامُوْنَهَا، فَلمَّا رَأَوا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " نهى أن تصبر البهائم "، قال الإمام: معناه: أن نحبسها وهى حية، ثم نرميها، وكل من حُبس لقتل أو يمين فهو قتل صبر أو يمين صبر. قال القاضى: ونهيه أن يقتل شىء من الدواب صبراً فى الحديث الآخر. قوله: " لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً ": يفسر صبراً للبهائم، وقد تقدم صدر الكتاب وتصحيف من صحفه فيه، وحكاه فى تفسيره فى الأم؛ وذلك لأنه قتل روح لغير منفعة كان الذكاة لا تحصل بهذا، وإنما هى ميتة لأنها ليست بصيد ولا ذكيت بما يذكى به الإنسى المقدور عليه، مع ما فيها من تعذيب الحيوان وإتلاف نفسه لغير منفعة جائزة.

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا. (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إِنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا. 60 - (1959) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ ابْنُ عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّد، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَلَ شَىْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وجعلوا لصاحب الطير كل خاطئة، من ضرب بأسهم ": أى ما لم يصب الغرض (¬1). ¬

_ (¬1) فى س: تم الجزء الحادى والعشرون من أصل المؤلف المنتسخ منه.

35 - كتاب الأضاحى

بسم الله الرحمن الرحيم 35 - كتاب الأضاحى (1) باب وقتها 1 - (1960) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِى جُنْدَبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلمْ يَعْدُ أَنْ صَلى وَفَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ، سَلمَ، فَإِذَا هُوَ يَرَى لحْمَ أَضَاحِىَّ قَدْ ذُبِحَتْ، قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاتِهِ. فَقَالَ: " مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلىَ - أَوْ نُصَلْى - فَليَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لمْ يَذْبَحْ، فَليَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الضحايا قوله - عليه السلام -: " من ذبح أضحيته قبل أن يصلى - أو نصلى - فليذبح مكانها أخرى ": يقال: أضحية، وإضحية، بالضم والكسر مشددة الياء، وجمعها أضاحى، مشدد الآخر. وضحية وجمعها ضحايا، وأضحاه وجمعها أضحى وأضاح، ومنه قيل: يوم الأضحى، ومنه سميت بذلك، وقيل: سميت بذلك اليوم لأن وقتها وقت ضحى النهار، وهو ارتفاعه. وقيس تذكر الأضحى، وتميم تؤنثه. قال الإمام: اختلف الناس فى الأضحية، فعندنا أنها سنة مؤكدة، وقال أبو حنيفة والأوزاعى والليث: إنها واجبة. واشترط أبو حنيفة فى الوجوب أن يكون المضحى يملك نصاباً. وقد زعم بعض شيوخنا أن المذهب على قولين فى وجوبها (¬1)، وخرج القول بالوجوب من قوله فى المدونة: إذا اشتراها ولم يضحّ حتى ذهبت أيام الأضحى أثم. وكان شيخنا - رحمه الله تعالى - ينكر هذا الاستقراء ويقول: لعله رآه باشترائها ملتزماً لذبحها، فأثم لترك ما التزم. وخرّجوا القول بالوجوب أيضاً من قوله فى الموازية: هى سنة واجبة، وهذا قد يقال فيه أيضاً: إنهم ربما يطلقون هذا اللفظ بالتأكيد للسنة، ولكن ابن حبيب نص على التأثيم، وهو من كبار أصحاب مالك، ولكن قد وقع - أيضاً - لأصحابنا التأثيم بترك السنن على صفةٍ، وقد يكون هذا النحو نحى ابن حبيب وإن كان الأظهر حمل هذا الجواب على إفادة الإيجاب. ¬

_ (¬1) انظر: التمهيد 2/ 164 وما بعدها.

2 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلامُ بْنُ سُليْمٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تعلق من نفى الوجوب بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رأى هلال ذى الحجة وأراد أن يضحى فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحى " (¬1) فوكل الأضحية إلى إرادته، وذلك يدل على نفى وجوبها، وهذا قدح فيه بأنه قد يستعمل مثله فى الواجب، فيقال: من أراد أن يحج فليلبِّ، ومن أراد أن يصلى الظهر فليتوضأ. وتعلقوا - أيضاً - بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت بالنحر وهو لكم سنة " (¬2)، وروى: " ثلاث هن علىَّ فرائض، وهن لكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الفجر " (¬3). وتعلق من أثبت الوجوب بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبى بردة: " اذبحها ولن تجزى عن أحد بعدك "، وقوله: " فمن ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى "، وهذا [الأمر] (¬4) وذكر الإجزاء يدلان على الوجوب، وقدح فى هذا بأنه لما خالف السنة بأن أوقعها على غير الجهة المشروعة بين [له الجهة المشروعة] (¬5) له فقال: " اذبح مكانها "، وقال: " لن تجزى "، يعنى عن السنة التى شرعت. وخرّج الترمذى والنسائى وغيرهما: " على أهل كل بيت فى كل عام أضحية وعَتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هذه التى يقول الناس: الرجبية " (¬6) ولفظه على تقييد الوجوب، وهذا الحديث لعله لم يثبت عند من أنكر الوجوب. وقد قال بعض المحدثين: هو ضعيف المخرج، وأظنه أحد رواته مجهولاً، لا سيما وقد عطف على الأضحية العتيرة، وهى غير واجبة باتفاق. ولو صح نسخ وجوب العتيرة، كما قال أبو داود (¬7)، لأمكن أن يحمل قوله: " على أهل كل بيت " أن المراد به: عليهم إن أرادوا إقامة السنة، وقد قال فى المتعة: {حَقًّا عَلَى ¬

_ (¬1) الترمذى، ك الأضاحى، ب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحى 4/ 102 (1523)، النسائى، ك الأضحية 7/ 211 (4361). (¬2) الدارقطنى فى سننه، ك الأشربة وغيرها، ب الصيد والذبائح والأطعمة رقم (41) عن جابر الجعفى، وهو ضعيف جداً عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت بالنحر وليس بواجب " 4/ 282. (¬3) أحمد فى المسند 1/ 231، الحاكم فى المستدرك عن ابن عباس. قال الذهبى: سكت الحاكم عنه، وفيه أبو جناب الكلبى وقد ضعفه النسائى والدارقطنى 1/ 300. (¬4) ساقطة من نسخ الإكمال، والمثبت من ع. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من س، ع. (¬6) أبو داود، ك الضحايا، ب ما جاء فى إيجاب الأضاحى رقم (2788)، الترمذى، ك الأضاحى، ب الأذان فى أذن المولود رقم (1518) وقال: حسن غريب ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، النسائى، ك الفرع والعتيرة، ب نفسه رقم (4224)، ابن ماجه، ك الأضاحى، ب الأضاحى واجبة هى أم لا رقم (3125)، أحمد فى المسند 4/ 215، 5/ 76، كلهم عن مخنف بن سليم. (¬7) أبو داود السابق، رقم (2788).

فَلمَّا قَضَى صَلاتَهُ بِالنَّاسِ، نَظَرَ إِلَى غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ. فَقَالَ: " مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَليَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَليَذْبَحْ عَلى اسْمِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُتَّقِينَ} (¬1)، وقال: " غسل الجمعة واجب على كل محتلم " (¬2)، ولم يحمل مالك ذلك على الوجوب لأدلة [قامت] (¬3) عليه، فكذلك هذا. وأما العتيرة فقد فسرها فى الحديث بأنها الشاة التى تذبح فى رجب، وهو الذى يشبه معنى الحديث، وأما العتيرة التى تعرفها الجاهلية: فهى الشاة تذبح ويصب من دمها على رأس الصنم، والعتير بمعنى الذبح، قال الحارث بن حلزة: عنَنًا باطلا وظلما كما تعـ ... ـتر حجرة الربيض الظباء قال أبو (¬4) عمرو الشيبانى: سمعت الأصمعى ينشد هذا، فصحف البيت تعتر بتعنز فقلت له: وما تعنز. قال: تنحر بالعنزة وهى الرمح الصغيرة، فقلت: إنما هى تعتز فصاح على فأكثر، فقلت له: إنك لا ترويها بعد اليوم إلا كما قلت لك، وذكر بقية الحكاية، وفيه: أن الأصمعى أيضاً ألقى عليه بيتاً غلطه فيه " الفراء "، ففسره الشيبانى أنه على أنه جمع فروء، فقال له الأصمعى: أخطأت، إنه جمع فِرى مقصور، وهو حمار الوحش. هذا الكلام فى وجوب الضحية. وإنما تفسير البيت: [فمعنى] (¬5) " عنناً ": إعراضاً، وكانوا فى الجاهلية إذا طلب أحدهم أمراً نذر إن ظفر به ذبح عدداً من الغنم فى رجب وهى العتاير، فإذا ظفر به قد يضن بغنمه وهى الربيض فيذبح عددها ظباء، فيضرب مثلُ لمن أخذ بذنب غيره. قال القاضى: قد أجمع المسلمون أن الذبح لأهل الحضر لا يجوز قبل الصلاة، وإنما اختلفوا إذا ذبح بعدها وقبل الإمام، واختلف فيه الآثار. وأما أهل البوادى ومن لا إمام له أو إذا لم يبرز الإمام أضحيته، فعندنا فى المذهب قولان، وقال ربيعة وعطاء فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس لم يجزه، ويجزئه بعد، وقال أهل الرأى: يجزئهم من بعد الفجر، قال بعض المفسرين: وإنما كره الذبح قبل الصلاة والإمام لئلا يشتغل الناس بذلك عن الخروج للصلاة، وتركه دعوة المسلمين، وسماع الخطبة والذكر فيها، مع حض النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حضورها حين أمر بخروج العواتق وذوات الخدور. ¬

_ (¬1) البقرة: 241. (¬2) سبق فى مسلم، ك الجمعة، ب الطيب والسواك يوم الجمعة، رقم (846/ 7) وهو فى البخارى 2/ 356، وأبى داود 1/ 93، النسائى 3/ 93، ابن ماجه 1/ 246، أحمد 3/ 60. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من س، ع. (¬4) فى الأصل: ابن. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من س، ع.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الهروى فى العتيرة: كان الرجل ينذر النذر إن كذا وإذا بلغ نساؤه كذا فعليه أن يذبح من كل عشرة منها فى رجب كذا، فكانت تسمى العتاير، قال أبو عبيد: وهى الرجبية، وقال ابن دريد: العتيرة: شاة كانت تذبح فى رجب فى الجاهلية يبقون بها، وكان ذلك فى صدر الإسلام أيضاً، والعتر: الذبح، وعامة أهل العلم على تركها للنهى عنها؛ لأن ابن سيرين كان يذبح فى رجب العتيرة، ولم يره منسوخاً، وسيأتى حديثها آخر الباب. قال الإمام: وأما ما تضمنه الحديث من إعادتها إذا ذبح قبل الصلاة، فاختلف الناس فيه، فعند مالك: لم يشرع الذبح إلا بعد صلاة الإمام وذبحه، إلا أن يؤخر تأخيراً يتعدى فيه فيسقط الاقتضاء به، وعند أبى حنيفة: الفراغ من الصلاة دون مراعاة ذبح، وعند الشافعى: إذا حلت الصلاة، وذهب مقدار ما يتوقع فيه فبانصرام وقتها شرعت الذبيحة، فاعتبر الوقت دون الصلاة، واعتبر أبو حنيفة الصلاة دون الذبح، واعتبر مالك الصلاة والذبح جميعاً. فأما أصحابنا فيتعلقون بما ذكر مسلم عن جابر قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجال فنحروا، وظنوا أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نحر، فأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان نحر قبله أن يعد نحراً آخر، ولا تنحروا حتى ينحر النبى - عليه السلام (¬1). وهذا نص فى مذهب مالك؛ لأنه أمر بالإعادة من نحر قبله، وذكر أنهم ظنوا أنه - عليه السلام - نحر؛ فدل أن هذا الحكم مشهور ولم يعذرهم بظنهم وغلطهم، وهذا يؤكد ما قاله مالك. وأما أبو حنيفة فتعلق بهذا الذى أخذنا بالكلام عليه وهو قوله: " من ذبح قبل أن يصلى أو نصلى فليذبح مكانها أخرى "، وفى بعض طرقه: " من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها "، وفى بعض طرقه: " ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين "، فاعتبر فى هذه الأحاديث الصلاة دون الذبح، وقد قال فى بعضها: " فمن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه "، واشتراط الذبح زيادة تفتقر إلى دليل، وأما الشافعى فرأى أن المراد بذكر الصلاة الوقت، وجعل الفراغ منها علماً عليه، فلهذا اعتبر الوقت. هذا الكلام فى مبتدأ زمن الذبح، وأما منتهاه: فمن الناس من قال: يوم النحر خاصة، ومنهم من قال: يوم النحر ويومان بعده، وهو مذهب مالك، ومنهم من قال: يوم النحر وثلاثة بعده، ومنهم من قال: إلى آخر الشهر، وقال أصحابنا: قوله عز وجل: {وَيَذْكرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} (¬2) يرد قول من ¬

_ (¬1) حديث رقم (14) بالباب التالى. (¬2) الحج: 28.

أَبِى عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: عَلى اسْمِ اللهِ. كَحَدِيثِ أَبِى الأَحْوَصِ. 3 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ، سَمِعَ جُنْدَبًا البجَلِىَّ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى يَوْمَ أَضْحَى، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: " مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلىَ، فَليُعِدْ مَكَانَهَا، وَمَنْ لمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَليَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ ". (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 4 - (1961) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: ضَحَّى خَالِى - أَبُو بُرْدَةَ - قَبْلَ الصَّلاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: يوم النحر خاصة؛ لأن الأيام [جمع] (¬1) لا يعبر بها عن اليوم الواحد، وأقل الجمع ثلاثة على رأى كثير من أهل الأصول، فيحمل على هذا المتيقن، وزيادة أيام عليه يفتقر إلى دليل. قال القاضى: اختلف أهل العلم، هلِ يضمن ذكره - تعالى - الأيام لياليها فى قوله: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} (¬2)، فرأى مالك فى مشهور قوله وعامة أصحابه: أنها لا تتضمن الليالى، ولا يجزى الهدى والضحية ليلاً. وقال أبو حنيفة والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور: الليالى داخلة فى الأيام وتجزى فيها، وقد روى عن مالك وأشهب نحوه، ولأشهب تفريق بين الهدى والضحية، وأجاز الهدى ليلاً ولم يجز الضحية فيه ليلاً. وقوله: " صلى يوم أضحى ثم خطب ": الحديث حجة على أن خطبة العيد بعد الصلاة، وقد تقدم الكلام على ذلك فى كتاب الصلاة. وقوله للذى ذبح قبل الصلاة: " تلك شاة لحم ": أى ليست بنسك وضحية ولا فيها أجر، ولكن ينتفع بلحمها، كما قال آخر الحديث: " من ضحى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين "، وكما قال فى الحديث الآخر: " إنما هو لحم قدمته لأهلك ". وقوله: " فليذبح على اسم الله " معنى قوله فى الحديث الآخر: " فليذبح باسم الله " ويحتمل معانى: ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س، ع. (¬2) الحج: 28.

" تِلْكَ شَاةُ لحْمٍ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عِنْدِى جَذَعَةً مِنَ المَعْزِ. فَقَالَ: " ضَحِّ بِهَا، وَلا تَصْلحُ لِغَيْرِكَ ". ثُمَّ قَالَ: " مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلاةِ، فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلمِينَ ". 5 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ أَنَّ خَالهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ، اللحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَإِنِّى عَجَّلتُ نَسِيكَتِى لأُطْعِمَ أَهْلِى وَجِيرَانِى وَأَهْل دَارِى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعِدْ نُسُكًا ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عِنْدِى عَنَاقَ لبَنٍ، هِىَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَى لحْمٍ. فَقَالَ: " هِىَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ، وَلا تَجْزِى جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: فليذبح لله والباء بمعنى اللام، والاسم هو المسمى. الثانى: فليذبح بملة الله ومشيئته. الثالث: فليذبح بتسمية الله على ذبيحته إظهارًا لإسلامه ومخالفة لمن ذبح لغيره، وقمعاً للشيطان. الرابع: تبركاً باسمه ويمنا بذكره، كما قال: يقول: سر على بركة الله، وسر باسم الله. وكره بعض العلماء أن يقول: افعل كذا على اسم الله، قال: لأن اسمه على كل شىء ولم يقل شيئاً يرد قوله. وقوله: يا رسول الله، إن عندى جذعة من المعز قال: " ضح بها، ولن تجزى عن أحد بعدك "، قال الإمام: فيه دلالة على أن الجذعة من المعز لا تجزئ فى الضحايا، وأما الجذع من الضأن فيضحى به، خلافاً لمن منعه. والحجة فى الإجزاء ما ذكره مسلم بعد هذا عن عقبة بن عامر؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه غنماً يقسمها على أصحابه ضحايا، فبقى عتود، فذكره لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ضح به أنت " (¬1)، وفى بعض طرقه عن عقبة بن عامر قال: قسم فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحايا، فأصابنى منهم جذع، فقلت يا رسول الله، إنما أصابنى جذع، فقال: " ضح به " (¬2)، وعند النسائى وأبى داود: أنه - عليه السلام - كان يقول: " إن الجذع يوفى بما يوفى منه الثنى " (¬3)، وعند الترمذى عن أبى هريرة: سمعت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نعم - أو نعمت - الأضحية الجذع من الضأن " (¬4). ¬

_ (¬1) حديث رقم (15) بالباب التالى. (¬2) حديث رقم (16) بالباب التالى. (¬3) أبو داود، ك الضحايا، ب ما يجوز من السن فى الضحايا 2/ 86، النسائى، ك الأضاحى، ب السنة والجذعة 7/ 219. (¬4) الترمذى، ك الأضاحى، ب ما جاء فى الجذع من الضأن فى الأضاحى 4/ 87.

(...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: " لا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلى ". قَالَ: فَقَالَ خَالِى: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ، اللحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ هُشَيْمٍ. 6 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلى صَلاتَنَا، وَوَجَّهَ قِبْلتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَلا يَذْبَحْ حَتَّى يُصَلىَ ". فَقَالَ خَالِى: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ نَسَكْتُ عَنِ ابْنٍ لِى. فَقَالَ: " ذَاكَ شَىْءٌ عَجَّلتَهُ لأَهْلِكَ ". فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِى شَاةً خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ. قَالَ: " ضَحِّ بِهَا، فَإِنَهَا خَيْرُ نَسِيكَةٍ ". 7 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ الإِيَامِىِّ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن تعلق المخالف بقوله فى كتاب مسلم: " لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " (¬1)، قيل: يصح حمل هذا على الاستحباب للمكثر؛ أن يذبح فوق سن الجذعة، لا على أنها لا تجزئ أصلاً. كيف وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن "، فلو كانت مدخل لها فى الأضاحى لم يقل هذا، كما لم يقل بما لا يجزئ من الحيوان. قال القاضى: وقوله: " إن هذا يومٌ اللحم فيه مكروه ": كذا رويناه بالهاء والكاف من طريق السجزى والفارسى، وكذا ذكره الترمذى (¬2)، ورويناه من طريق العذرى: " مقدوم " بالقاف والميم، وصوب بعضهم هذه الرواية، وقال: معناه: يوم يشتهى فيه اللحم، [يقال: كرمته إلى اللحم] (¬3) وكرمته: إذا اشتهيته، وإنما معنى (¬4) قوله فى الحديث الآخر فى غير مسلم: " عرفت أنه يوم أكلٍ وشربٍ فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلى وجيرانى " (¬5)، وكما ¬

_ (¬1) حديث رقم (13) بالباب التالى. (¬2) الترمذى، ك الأضاحى، ب ما جاء فى الذبح بعد الصلاة 4/ 93. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬4) فى الأصل: يمنعنا، والمثبت من س. (¬5) أبو داود، ك الأضاحى، ب ما يجوز فى الضحايا من السن 2/ 86، النسائى، ك الضحايا، ب ذبح الضحية قبل الإمام 7/ 223.

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأ بِهِ فِى يَوْمِنَا هَذَا، نُصَلى ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، ليْسَ مِنَ النُّسُكِ فِى شَىْءٍ ". وَكَانَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ قَدْ ذَبَحَ. فَقَالَ: عِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ: " اذْبَحْهَا، وَلنْ تَجْزِىَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ". (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، سَمِعَ الشَّعْبِىَّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلهُ. (...) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهُنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاةِ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 8 - (...) وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال فى الحديث الآخر: " إن هذا اليوم يوم أكل وشرب، يشتهى فيه اللحم "، وكذا رواه البخارى (¬1) أيضاً. وأما على رواية: " مكروه " فقال بعض شيوخنا: صوابه: اللحم فيه مكروه، بفتح الحاء أى ترك الذبح والضحية فيه، وأن يترك العلة بلا لحم حتى يشتهوه. واللحم، بالفتح: اشتهاء اللحم. وقال لى الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان (¬2): معنى قوله: " اللحم مكروه ": أى ذبح ما لا يجزئ فى الأضحية، كما هو لحم مكروه لمخالفته السنة، كما قال فى الحديث: " شاتك شاة لحم ". وقوله: " عندى عناق لبنى ": العناق: اللبنى من المعز. قال غيره: ابن خمسة أشهراً ونحوها، وهو سن الجذعة. وقوله هاهنا: " عناق لبن ": يشير لصغرها، وأنها ترضع بعد. كما قال جذعة من المعز، وقيل: معناه: أنثى، وليس بشىء. وقوله: " هى خير من شاتى لحم ": يريد لطيب لحمها وسمنها. قيل: فيه حجة أن المقصود فى الضحايا طيب اللحم لا كثرته، وحجة مالك وأصحابه فى ذلك لإجازته ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأضاحى، ب من ذبح قبل الصلاة أعاد 7/ 132. (¬2) هو الأديب الراوية أبو عبد الله محمد بن سليمان النفذى المعروف بابن أخت غانم، أصله من مالقة، وبها سكناه ووفاته، ولزم قرطبة كثيراً، وهو شيخ القاضى عياض وبها لقاه هناك، وكان أكثر أخذه عن خاله أبى محمد غانم الأدب، وقد قرأ القاضى عليه كتاب الكامل عن خاله. انظر: الغنية ص 59.

الفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، حَدَّثَنِى البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى يَوْمِ نَحْرٍ. فَقَالَ: " لا يُضَحِّيَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلىَ ". قَالَ رَجُلٌ: عَنْدِى عَنَاقُ لبَنٍ هِىَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لحْمٍ. قَالَ: " فَضَحِّ بِهَا، وَلا تَجْزِى جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ". 9 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلمَةَ، عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْدِلهَا ". فَقَالَ: يَا رسُولَ اللهِ، ليْسَ عِنْدِى إِلا جَذَعَةٌ - قَالَ شُعْبَةُ: وَأَظُنُّهُ قَالَ - وَهِىَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْعَلهَا مَكَانَهَا، وَلنْ تَجْزِىَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنِى وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَذْكُرِ الشَّك فِى قَوْلِهِ: هِىَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. 10 - (1962) وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُليَّةَ - وَاللفْظُ لِعَمْرٍو - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الجذعة على صغرها؛ لما ذكره من أنها عناق لبن خير من شاتى لحم، أى مما يراد به مجرد اللحم وكثرته. قال بعضهم: وخصه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإجزائها دون غيرها لما ذكر من ذبحه قبل ما ذبح، وإطعامه منه جيرانه لما ذكر من حاجتهم وخصاصتهم، فسمح له الجميل فعله، وقد قال فى الحديث نفسه: " وكان النبى عذره ". وقوله: " خير نسيكتيك ": أى خير من الذى زعمت نسكت بها قبل الصلاة؛ إذ لا يجزيك، ثم خصه بإجزاء هذه، وأنها لا تجزئ لأحد بعده. وقد يحتمل أنه سماها بنسيكة وإن لم يكن ضحته لقصده بها إطعام جيرانه المساكين. قال الإمام: قال أبو الحسن القابسى: فيه دلالة على أن ما ذبح قبل الإمام أنه لا يباع وإن كان لا يجزئ؛ لأنه سماه بنسيكة، والنسك لا يباع. قال القاضى: وفى هذا نظر.

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ -: " مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَليُعِدْ ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللحْمُ، وَذَكَرَ هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ. كَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَدَّقَهُ. قَالَ: وَعِنْدِى جَذَعَةٌ هِىَ أَحَبُّ إِلىَّ مِنْ شَاتَىْ لحْمٍ، أَفَأَذْبَحُهَا؟ قَالَ: فَرَخَّصَ لهُ. فَقَالَ: لا أَدْرِى أَبَلَغَتْ رُخْصَتُهُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لا؟ قَالَ: وَانْكَفَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا، فَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ. فَتَوَزَّعُوهَا - أَوْ قَالَ: فَتَجَزَّعُوهَا. 11 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى ثُمَّ خَطَبَ، فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ أَنْ يُعِيدَ ذِبْحًا. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُليَّةَ. 12 - (...) وَحَدَّثَنِى زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الحَسَّانِىُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ وَرْدَانَ - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحَى. قَالَ: فَوَجَدَ رِيحَ لحْمٍ، فَنَهَاهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا. قَالَ: " مَنْ كَانَ ضَحَّى فَليُعِدْ ". ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى هذا الحديث: " وذكر هنة من جيرانه ": كذا لأكثر الرواة، أى حالة وأمراً وحاجة، كما جاء فى الرواية الأخرى عند البخارى (¬1). وإنما قال: " هنة " خطأ، وإنما قال: " لهم فقر "، وفى رواية الفارسى: " سنة " والأول أوجه، قيل: لأجل ما ذكر فى الحديث من حاجة جيرانه، فإنه رخص له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذبح الجذعة وخصه بها، إذ ذكر أنه ليس عنده سواها، ألا ترى قوله: " وكأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقه ". ويحتمل أن يكون هذا من الضحية بالجذع من المعز جائزاً، وبدليل إجازته لعقبة فى الحديث الذى يأتى بعد هذا، ثم نسخه النبى - عليه السلام - بقوله هنا: " ولن تجزئ عن أحد بعدك " على ما قاله بعضهم. وقوله فى حديث أنس: " فلا أدرى أبلغت رخصته من سواه أم لا؟ ": قال بمبلغ علمه وإذ بيّن فى حديث البرَاء ذلك بقوله: " ولن تجزئ عن أحد بعدك ". ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأضاحى، ب من ذبح قبل الصلاة أعاد 7/ 132.

(2) باب سن الأضحية

(2) باب سنّ الأضحية 13 - (1963) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا زهير، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً، إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَليْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تذبحوا إلا مُسِنَّة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ": هذا خصوص أنه لا يجزئ من غير الضأن، وهو موضع بيان، ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجزئ الجذع إلا من الضأن وحدها، وهو عند بعضهم ابن ستة أشهر، وقيل: ابن سبعة، فإذا تمت له سنة فهو ثنى. وقيل: الجذع ابن سنة تامة وهو أشهر، وقيل: ابن عشرة أشهر، وقيل: ابن ثمانية أشهر. قال الداودى: التى قاربت سقوط بنيتها، وقال الأخفش: هى التى سقطت لها بنية، فإذا سقطت بنتاها فهى ثنية، وقال أبو عبيد فى المعز والضأن: يكون جذعاً فى السنة الثانية ثم تثنى، والمسن التى من كل ثنى من الأنعام فما فوقه. وفيه الاستحباب أن يكون الثنى من الضأن مقدماً على الجذع. وقوله: " انكفأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كبشين قد ذبحهما " (¬1) أى مال وعطف. قال الإمام: والأصناف التى يضحى بها: غنم وإبل وبقر. وعندنا أن الغنم أفضل؛ اتباعاً لفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أضحيته. وعند المخالف الإبل أفضل؛ لأنها أكثر ثمناً وأعم نفعاً، ولم يرد عند مالك هذا الذى ظنه المخالفة، وإنما أراد ما هو أطيب لحماً. واختلف عندنا إذا عدل عن الغنم، ما الذى يليها فى الفضل؟ فقيل: الإبل، وقيل: البقر، وقيل: الغنم. قال القاضى: ولا خلاف بين العلماء سمينها وطيبها وفضلة ذلك، واختلف فى تسميتها (*)، فالجمهور على جوازه، وفى البخارى عن أبى أمامة: " كنا نُسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون " (¬2)، وحكى ابن نصر عن ابن القرطى (¬3) أنه كان يكره ذلك لئلا يتشبه باليهود. وفى ذبحه - عليه السلام - كبشين حجة فى جواز الضحية بالعدد وأكثر من واحد. ¬

_ (¬1) حديث رقم (10) بالباب السابق. (¬2) البخارى، ك الأضاحى، ب أضحية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكبشين أقرنين 7/ 130. (¬3) هو العلامة أبو إسحاق شيخ المالكية واسمه محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيعة العمارى المصرى، من ولد عمار بن ياسر، ويعرف بابن القرطى، نسبة إلى بيع القُرْط، له تصانيف بديعة، منها: " كتاب الزاهى " فى الفقه، وهو مشهور، و" أحكام القرآن ". قال القاضى فى الترتيب: كان رأس المالكية بمصر وأحفظهم مذهباً مع التفنن. انظره 5/ 264، الميزان 4/ 14، السير 16/ 78. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها "تسمينها"، والله أعلم.

14 - (1964) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: صَلى بِنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا، وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلهُ، أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 15 - (1965) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَبَقِىَ عَتُودٌ. فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " ضَحِّ بِهِ أَنْتَ ". قَالَ قُتَيْبَةُ: عَلى صَحَابَتِهِ. 16 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوائِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ بَعْجَةَ الجُهَنِىِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنىِّ. قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا ضَحَايَا، فَأَصَابَنِى جَذَعٌ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ أَصَابَنِى جَذَعٌ. فَقَالَ: " ضَحِّ بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قوله فى حديث عقبة: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه غنماً يقسمها على أصحابه ضحايا " جواز ضحية الرجل بما وهب له بذلك. وفى فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك دليل على تأكيد الضحية، فإن كان أعطاها الأغنياء فكانت من الفىء والخمس، وإن كان خص بها الفقراء فمن الصدقة، والله أعلم. وقول عقبة: فبقى عتود، فقال: " ضح به أنت ". العتود: الصغير من ولد المعز. قيل: حديث أبى بردة ناسخ لهذا لقوله فى الجذعة من المعز: " لن يجزئ عن أحد بعدك "، وقال فى الحديث الآخر عن عقبة: " جذع "، فتبين أن سنة العتود سن الجذع، ومما يعضد أنه منسوخ بحديث أبى بردة، وأنه كان أولاً يجزئ على ما جاء ها هنا، قوله فى أول هذا الحديث: " أعطاه غنماً يقسمها على أصحابه ضحايا "، وقوله: " فأصابنى منها عتود " ولا يعطى للضحايا كان قد بلغ سن ما يجوز فى الضحايا، بدليل قول من قال من أهل اللغة: إن العتود الجدى الذى بلغ السفاد. وقال ابن الأعرابى: المعز والإبل والبقر يضرب فحولتها إلا بعد أن يثنى، فإذا كان هذا فهو جائز فى الضحايا لكن قوله فى الرواية الأخرى: " العتود، الذى بلغ السفاد.

(...) وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرُّحْمَنِ الدَّارِمِىّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ حَسَّانَ - أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ - وَهُوَ ابْنُ سَلامٍ - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِى بَعْجَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِىُّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ. بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: الذى استكرش، وقال ابن عمر: العتود من أولاد المعز ما شق وقرب، وقال أبو عبيد: العريض إذا ادعى وقوى، والعتود نحوٌ منه. وقد أجمع العلماء على الأخذ بحديث أبى بردة، وأنه لا يجزئ الجذع من المعز.

(3) باب استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير

(3) باب استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير 17 - (1966) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: ضَحَّى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلهُ عَلى صِفَاحِهِمَا. 18 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ. قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلى صِفَاحِهِمَا. قَالَ: وَسَمَّى وَكَبَّرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بكبشين أملحين ": اختلفوا فى تفسير هذا الحديث، فقال الأصمعى: هو الأبيض لون الملح، قال: وهو بياض يشوبه شىء من سواد، وقال أبو حاتم: هو الذى يخلط بياضه حمرة، وقال بعضهم: هو الأسود يعلوه حمرة، وقال الكسائى: هو الذى فيه بياض وسواد والبياض أكثر، وقال الخطابى: هو الأبيض الذى فيه خلال صوفه طبقات سود، وقال الداودى: هو المتغير الشعر بالبياض والسواد كالشهبة، وقال ابن الأعرابى: هو النقى البياض. وقوله: " أقرنين ": استحب العلماء القرناء على الجماء والذكران على الإناث اقتداء بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا خلاف بين العلماء فى جواز الضحية فى الأجم. واختُلف فى مكسورة القرن، فجمهورهم على جوازه. ورُوى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى النهى عنه أثر، وكرهه مالك إن كان يدمى؛ لأنه رآه مرضاً، فإذا لم يدم فأجازه، واستحب جميعهم فيها غاية الكمال واجتناب النقص. وأجمعوا أن العيوب الأربعة فى حديث البراء من المرض والعجف والعور والعرج (¬1) لا يجزئ فيها الضحية، وكذلك ما هو من نوعها أشنع كالعمى وقطع الرجل وشبهه. واختلف فيما عدا ذلك، فذهب قوم إلى أن تجزى بكل عيب غير هذه الأربعة إذا لم ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الأضاحى، ب ما يكره من الضحايا 2/ 87، الترمذى، ك الأضاحى، ب ما لا يجوز من الأضاحى 4/ 85، النسائى، ك الضحايا، ب ما نهى عنه من الأضاحى العوراء 7/ 214 (4369)، ابن ماجه، ك الأضاحى، ب ما يكره أن يضحى به 2/ 1050، الدارمى، ك الأضاحى، ب ما لا يجوز فى الأضاحى 2/ 77، الموطأ، ك الضحايا، ب ما ينهى عنه من الضحايا 2/ 481 (1).

(...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. قَالَ قُلْتُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: نَعَمْ. (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: يَقُولُ: " بِاسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ ". 19 - (1967) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ حَيْوَةُ: أَخْبَرَنِى أَبُو صَخْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ فِى سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِى سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِى سَوَادٍ، فَأُتِىَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غيرها وهو موضع بيان، وبه قال بعض أئمتنا البغداديين وذهب الجمهور إلى اعتبار ما كان نقصاً وعيباً، ثم اختلفوا فى أعيانها على ما ترتب فى علم الفقه (¬1). ولم يجمع مسلم ولا البخارى حد عيوب الضحايا؛ لأنه مما تفرد به عبيد بن فيروز ولا يُعرف إلا بهذا الحديث، وأدخله مالك فى الموطأ (¬2) لما صحبه عنده العمار من المسلمين ووطأه اتفاقهم على قبوله. وقوله فى الحديث الآخر: " يطأ فى سواد ويبرك فى سواد ": أى أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود، فإن كان هو أحد الكبشين الأولين فهذا تفسير للحجة، وحجة لمن قال: إن فيه بياضاً وسواداً، وأمره بشحذ المدية، أى حد السكين ليذبح، يقال: شحذت السكين بالحجر: حددته به. وهذا لما تقدم من أمره بذلك لإحسان الذبح وإراحة الذبيحة. وقوله: " فأضْجعه ثم ذبحه ": سُنّة فى صفة الذبح، من إضجاعه برفق، ولا تذبح قائمة ولا باركة، ومضى العمل بإضجاعها على الشق الأيسر؛ لأنه أهنأ لمناولة ذبحها باليمين وإمساك رأسها باليسار. وقوله: " ووضع رجله على صفاحهما ": أى صفحتى أعناقهما، وهما جانباها. وصفحة كل شىء جانبه. قال الأزهرى: صفحة كل شىء وجهه وجانبه، وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له، ولئلا يضرب الكبش برأسه عند الذبح فتزهق يد الذابح. وهذا أصح من الحديث الآخر الذى جاء بالنهى عن هذا. ¬

_ (¬1) الاستذكار 15/ 124 وما بعدها. (¬2) الموطأ 2/ 482.

لِيُضَحِّىَ بِهِ. فَقَالَ لهَا: " يَا عَائِشَةُ، هَلمِّى المِدْيَةَ ". ثُمَّ قَالَ: " اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ "، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فسمى وكبر " وفى الحديث الآخر: " فقال بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد "، وتولى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذبح أضحيته بيده سنة فى الضحايا مستحبة تولى ذلك بيده. قال مالك: وذلك من التواضع، ولأنها نسك وفدية ودم مهراق لله فنحر لنا، فيستحب أن يتولاه ويجوز أجره، ولا يوليه غيره، فإن ولى ذلك مسلماً أجزأه، والأولى توليه بيده إلا من عذر، وكذلك الهدى فإن ولاه ذمياً فاختلف عندنا، هل يجزيه عن الضحية أم لا؟ ورأى مالك فى أحد القولين: عليه الإعادة؛ إذ هى قربة لا تصح على يد كافر، وكره ذلك جماعة من السلف وعامة أصحاب الفتوى وأئمة الأمصار إلا أنهم قالوا: تجزئ إذا فعل ذلك عطاء ابتداء. وفى الحديث الآخر قال: " باسم الله ". وقوله: " فسمى وكبر ": فيه التسمية على الضحية والذبيحة، وقد تقدم ذكر صفة التسمية والتكبير، وهو استحباب كافة العلماء، ولا خلاف أن " باسم الله " تجزئ فيها. قال ابن حبيب: وكذلك لو قال: " الله أكبر " فقط و " لا إله إلا الله " أو " باسم الله " أو شيئاً من كل تسمية. ولكن ما مضى عليه العمل من " باسم الله، والله أكبر " أحسن. وقال نحوه محمد بن الحسن، قال: ولو قال: " الحمد لله " ولا يريد بذلك تسمية لم يجزه ولا يؤكل، وقاله الشافعى. ولا يجزئ شىء من ذلك عند أبى ثور، وقال: التسمية كالتكبير فى الصلاة، لا يجزئ من ذلك غيرها. وكره كافتهم من أصحابنا وغيرهم الصلاة على النبى عند التسمية فى الذبح أو ذكره، وقالوا: لا يذكر هنا إلا الله وحده، وأجاز الشافعى الصلاة عليه عندنا (¬1). وقوله: " اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد ": أجاز أكثر العلماء من أصحابنا وغيرهم أن يقول فى الضحية: " اللهم تقبل منى " اقتداء بقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستحب ذلك بعض أصحابنا، واستحب بعضهم أن يقول ذلك بعد الآية: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬2). وكره أبو حنيفة أن يقول شيئاً من ذلك عند الذبح والتسمية، قال: ولا بأس به قبل ذلك، وكره مالك قولهم: " اللهم منك وإليك "، وقال: هذه بدعة. وأجاز ذلك الحسن وابن حبيب من أصحابنا. وقوله: " اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد " حجة لمالك وكافة علماء الأمصار فى تجويز ذبح الرجل عنه وعن أهل بيته الضحية، وإشراكهم فيها معه، مع استحباب مالك أن يكون واحد عن كل واحد. وكان الثورى وأبو حنيفة وأصحابه ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 15/ 136 وما بعدها. (¬2) البقرة: 127.

فَفَعَلتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: " بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ، تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ "، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يكرهون ذلك. وقال الطحاوى: لا يجزئ، وزعم أن الحديث فى ذلك من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أمته منسوخ أو مخصوص (¬1)، وما ادعاه من النسخ يحتاج إلى توقيف. وضبط من يصح أن يدخله الرجل عندنا فى أضحيته بثلاث صفات: أن يكونوا من قرابته والد، وحكم الزوجة وأم الولد حكمهم عند مالك والكافة، وأباه الشافعى فى أم الولد، وقال: لا أجيز لها ولا للمكاتب والمدين والعبد أن يضحوا. والثانى: أن يكونوا فى نفقة وجب عليه أو تطوع بها. الثالث: أن يكونوا فى بيته ومساكنه غير بايتين عنده. فإن انخرم شرط من هذه الشروط لم يصح إشراكهم فى أضحيته، والنبى مع أمته كالرجل مع قرابته، ومن فى بعضه لقوله: " أنا أولى بالؤمنين من أنفسهم " (¬2)، [ولقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ] (¬3) وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} (¬4) وكما حكم أزواجه حكم الأمهات، فكذلك حكمه هو حكم الأب، ولا يجوز عند جميعهم شركة جماعة فى ضحية يشترونها ويذبحونها عن أنفسهم أو فى هدى، إذا كانوا أكثر من سبعة. واختلفوا فيما دونها، فمذهب الليث ومالك: أن الشركة لا تجوز بوجه فيها، كانت بدنة أو بقرة أو شاة، أهدوا أو أضحوا. وذهب جمهور الفقهاء من الحجازيين والكوفيين والشاميين إلى جواز اشتراك السبعة فما دون ذلك فى البدنة والبقرة فى الهدى والضحية، ولا تجزئ شاة إلا عن واحد. ¬

_ (¬1) شرح معانى الآثار للطحاوى 4/ 178. (¬2) سبق فى ك الفرائض، ب من ترك مالاً فلورثته رقم (1619). (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬4) الأحزاب: 6.

(4) باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام

(4) باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام 20 - (1968) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى العَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ عَبَايَةَ بْن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لاقُو العَدُوِّ غَدًا. وليْسَتْ مَعَنَا مُدًى. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْجِل - أَوْ أَرْنِى - مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنا لاقو العدو غداً، وليس معنا مدى ": أى سكاكين. وقوله: " فنذكى بالليط ": هى شظايا القصب، وأصله قشوره، وليط كل شىء: قشره. وقد جاء مفسراً فى الحديث الآخر: " أفنذبح بالقصب "، وفى كتاب أبى داود وغيره: " أفنذبح بالمدوة وشقة العصا " (¬1). [قال الإمام: قال عيسى: الليطة: فلقة القصبة، والشطير فلقة العصا] (¬2)، والضرر فلقة الحجر، فكل ما ذبح به هذا فلا بأس به إذا قطع الأوداج والحلقوم، قال: والشطاط عود محدد الطرف، والذكاة به جائزة فى حال الضرورة. قال القاضى: قوله: " الضرر " كذا هو بالضاد فى النسخ الواصلة إلينا من المعلم، وصوابه بالظاء. والشظاظ فلقة العود أيضاً. وفى الحديث دليل أنه إنما يعدل بغير الحديد فى التذكية عند عدمه، ولا خلاف فى هذا، والأمر بحد الشفار وإحسان القِتلة يعضده؛ ولهذا ترجم مالك على الذكاة بشظاظ: ما يجوز فى الذكاة على الضرورة. وإنما سألوه عن الذبح بالقصب وشبهه إذا لم يكن معهم مدى، وعندهم السيوف وأسنّة الرماح؛ استبقاء للسلاح وصيانة لها - والله أعلم - عن امتهانها فى الذبح، لا أنه لا يجوز بها الذبح؛ إذ لا خلاف فى جوازه بكل آلة محددة من حديد أو غيره، ما لم يكن ظفراً أو سنًا، وما فى معناهما من القرن والعظم، على ما يذكره بعد. وقوله: " أعجل أو أرنى ": اختلف فى ضبط هذا الحرف وتفسيره، وكذا رويناه هنا بسكون الراء وياء الإضافة بعد النون مثل: أقضى، ووقع فى كتاب أبى داود (¬3) بنون مطلقة وسكون الراء، وفى كتاب البخارى من رواية الأصيلى: " أرنى " بكسر الراء، ومن رواية ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الأضاحى، ب فى الذبيحة بالمدوة 2/ 91 رقم (2821)، النسائى، ك الضحايا، ب إباحة الذبح بالعود 7/ 225 رقم (4401). (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من هامش المخطوطة. (¬3) أبو داود، ك الأضاحى، ب فى الذبيحة بالمدوة 2/ 91.

أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ، ليْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكَ. أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ السبعى وغيره: " أرن " بسكون النون (¬1)، مثل: فخذ، وكذا فى بعض روايات أبى داود. قال الإمام: هذه اللفظة تفيد قريباً من معنى الأول، وهى بمعنى النشاط والسرعة، من قولهم: [أرن] (¬2) المهر يأرن، وقال بعض أهل اللغة: صوابه أن يكون مهموزاً. قال القاضى: قال أبو سليمان الخطابى: طالما استفتيت فيه الرواة (¬3) وسألت عنه أهل العلم، فلم أجد عند أحد منهم شيئاً يقطع بصحته وخرجه، فهو على وجوه، منها: أن يكون صوابه: " أأرن " على وزن أعجل وبمعناه، أى خِف وانشط لئلا تموت حتفاً، فإن الذبح إذا كان بغير الحديد خشى عليه ذلك، يقال: أَرن المهر يأرن إذا نشط، قال: ويكون " أرن " بكسر الراء من أران القوم: إذا هلكت مواشيهم، أى أهلكها ذبحاً. قال: ويكون " أرن " بالسكون، أى أرن الحز ولا تغتر من رنوت، أى أدمت النظر، ويحتمل أن يكون " أزن " بالزاى، أى شديدك على المحز من أزرت الجرادة: إذا أدخلت ذنبها فى الأرض لتبيض إن ساعدت هذا الوجه رواية، ويكون " أرن ": بمعنى هات (¬4). وقد رد بعضهم من قول الخطابى أنه من أران القوم إذا هلكت مواشيهم؛ لأن هذا لا يتعدى والذى فى الحديث تعدى على ما فسره، ورد أيضاً عليه قوله:" أارن "؛ إذ لا يجمع همز ثان فى كلمة أحدهما ساكنة، وإنما يقال فى هذا: " أيرن " بالياء، وقال بعضهم: معنى " أرنى " على رواية من رواه: أى سيلان الدم، وقال لنا بعض المسندات من رواية على بن عبد العزيز وضبطه: " أرنى وأعجل ما أنهر الدم " كان الراوى شك: أى اللفظين قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك؟ فإذ أبيت هذا فقد اتضح الإشكال كأنه قال: ما أسرع ما أنهر الدم أعجله أو أدناه وبالله التوفيق. وقوله: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكُلْ ": أى أساله وصبه بكثرة، أفعل من النهر، يشبه. خروج الدم من المذبح يجرى الماء فى النهر أن المعبر فى الذكاة بما يقطع ويجرى الدم، لا بما يدفع ويقتل من غير ذلك، وذكر الخشنى فى شرحه هذا الحرف " ما أنهز الدم " بالزاى، والنهز بمعنى الدفع. والمشهور بالراء كما تقدم، ذكره الحربى وغيره. قال بعض العلماء: حكمة الله فى الذبح وإنهار الدم يميز ما أحل من اللحم والشحم مما حرم من الدم، وتأكد تحريم الميتة لبقاء دمها [فيها واختلاطه بلحمها] (¬5). وقوله: " ليس السن والظفر " الحديث، قال الإمام: كل ما تمكن الذكاة به وينهر ¬

_ (¬1) البخارى، ك المظالم، ب من عدل عشراً من الغنم بجزور فى القصم 3/ 186. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬3) فى الأصل: الرواية، والمثبت من س. (¬4) الخطابى فى غريب الحديث 1/ 386، أعلام الحديث 2/ 1255. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من س.

الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ ". قَالَ: وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبْلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدم، وليس فيه معنى يمنع من حصول التذكية فالتذكية به تصح، وأما ما استثناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السن والظفر، فقد اضطرب العلماء فى ذلك. والذى وقع فى مذهبنا منصوصاً: التفرقة بين المتصل فى ذلك والمنفصل، فيمنع حصول التذكية بالسن والظفر المتصلين بالإنسان، ويحصل التذكية بالمنفصلين عنه إذا تأتت بهما التذكية. وقد وقع فى بعض ما نقل عن مالك المنع مطلقاً، ووقع لبعض أصحابنا ما يشير إلى صحة التذكية مطلقاً إذا أمكنت بهما. فمن منع على الإطلاق أخذ بعموم الحديث، لا سيما والإشارة للتعليل منه بالعظم يدل على المساواة بين المتصل والمنفصل لكون السن عظماً فى الحالين. وأما الإجازة على الإطلاق فيحتمل الحديث على أن المراد به سن يصغر عن التذكية، ولا يسلم القول بالعموم فيه. ولذلك ندعى التخصيص والتعليل فنقول: لما علم أن العظم لا تتأتى به الذكاة، وأن ذلك مما تعلمونه أحال التعليل عليه، وأما المنصوص من المذهب فهو التفرقة فكأنه يرجع إلى هذا القول الآخر الذى هو الإجازة على الإطلاق؛ لأن المجيز على الإطلاق يشترط كون التذكية متأتية بهما، ولكنه لم يعين الوجه الثانى وعينه فى المنصوص، فرأى أن كونه متصلاً يمنع من الثانى، ومنفصلاً لا يمنع منه؛ فلهذا فرق بينهما. وأما العظم فإنه يجوز التذكية به إذا أمكن ذلك، ولم ير فيه نص خلاف، وتعليل النهى فى الحديث به يقتضى أن يقال فيه ما قيل فى السن، وقد كان بعض شيوخنا يشير إلى هذا [ويجريه مجرى السن] (¬1)، ويعتل بما عللناه من التعليل به فى الحديث. فإن قيل: ما وجه أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذابح هنا بالعجلة؟ قيل: يحتمل أن يكون ذلك لأن الحديد يجهز القتل بحدته وغيره لا يفعل ذلك، فإذا لم يشرع الذبح به خشى أن يقتل الذبيحة بالضغط والخنق، فكان الأحوط الإسراع فى الفعل، وهذا يظهر صوابه الحسن. وقوله: " أما الظفر فمدى الحبشة، وأما السن فعظم "، قال القاضى: فيه بيان أن العلة فى الظفر كونه مدى الحبشة وأنه به يذبح، وقيل: يغرز أظفارها فى موضع الذبح فيخنقه، وهذا تنبيه على المتصل. وقوله: " وأما السن فعظم " تنبيه على علته، وحجة لمن منعه بالعظم، وظاهره فى المتصل والمنفصل، وبه يحتج المخالف. وقد اختلف الناس فى الذبح بهما فذهب النخعى والحسن بن صالح والليث والشافعى وفقهاء أصحاب الحديث إلى منع الذكاة بالعظم والظفر كيف، وأجازوه بما عداهما للحديث المتقدم، وهو قول مالك فى كتاب محمد بن القصار؛ أنه حقيقة مذهب مالك. وذهب أبو ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

فَحَبَسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحْشِ، فَإِذَا غَلبَكُمْ مِنْهَا شَىْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حنيفة وصاحباه إلى أنه بالسن والظفر المنفصلين المنزوعين، ولا يجوز بالمتصلين، ولا يؤكل لأنه خنق. وحكى هذا عن مالك، وهو قول ابن حبيب، وعن مالك التفريق بين السن والعظم وأنه يجزيه بالعظم وهو مشهور مذهبه ويكرهه بالسن وفى المبسوط (¬1)، وحكى ابن المنذر عنه جوازه بالقرن والعظم، وكل شىء يمر مراً، وهذا نحو قول من أجاز جميع ذلك بما كان بعظم أو سن أو ظفر أو غيره. واختاره ابن القصار إذا كان عريضاً محدوداً يقطع الحلقوم والأوداج بمدوة كان مما يؤكل لحمه أو لا، ويمنعه ابن جريج بما لا يؤكل لحمه، وقال فى الحديث: " كل ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل " كذا رواه مسلم والبخارى (¬2)، وفيه حذف وتمامه فى رواية غيرهما وذكر اسم الله عليه (¬3). وقد بين فى غيره تتمة المسألة بقوله: " وفرا الأوداج "، وفى حديث آخر: " ما فرى الأوداج فكل " (¬4). فأخذ بظاهره قوم، منهم ابن عباس وعطاء، وتأوله بعض شيوخنا عن مالك من ألفاظ وقعت له فيما قطعت أوداجه أنه قد تمت ذكاته، ولم يشترط غير الودجين. ومشهور مذهبه ومذهب أصحابه اشتراط قطع الحلقوم مع الودجين، وهو قول الليث، وحكى عنه البغداديون شرطاً رابعاً وهو قطع المرىء، وهو قول أبى ثور باشتراط الأربعة. ثم اختلف أصحابنا فى مراعاة قطع ذلك من الحلقوم أو أكثره، واختلاف عن مالك فى جواز قطع أحد الودجين والحلقوم. وذهب الشافعى إلى اشتراط الحلقوم والمدى دون الودجين، لكن من تمامهما الودجان ولا يجزى دونهما، ويجريان دون الودجين (¬5). ثم عن قدماء أصحابنا خلاف كثير فى مراعاة الغلصمة، وكون الذبح تحتها. والناس مجموعون متى كان القطع فى الأعضاء المذكورة تحت الغلصمة فقد تمت الذكاة، وكذلك يتعلق بقوله: " ما أنهر الدم " من يتخير نحر ما يذبح وذبح ما ينحر، وأن الذبح والنحر ذكاة للجميع لإنهاره الدم، وهو قول عامة السلف والعلماء وفقهاء الأمصار. وأشهب من أصحابنا ومالك يمنع أكله، مرة بالكراهة، ومرة جملة، وله قول فى أكل ذبح ما ينحر دون نحر ما يذبح. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً حرم أكل شىء من ذلك كله. ولم يختلفوا أن الذبح أولى فى الغنم، والنحر أولى فى الإبل، والتخير فى البقر. وقيل: الذبح لأنه الذى ذكر الله. ¬

_ (¬1) التمهيد 16/ 128 وما بعدها، الاستذكار 15/ 232. (¬2) ك الذبائح والصيد، ب ما أنهر الدم من القصبة والمدوة والحديد 7/ 118. (¬3) أبو داود، ك الضحايا، ب فى الذبيحة بالمدوة 2/ 91. (¬4) الموطأ، ك الذبائح، ب ما يجوز من الذكاة فى حال الضرورة 2/ 489 (6)، وعبد الرزاق فى مصنفه، ك المناسك، ب ما يزكى به (8630). (¬5) الاستذكار 5/ 241 وما بعدها.

21 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِى الحُليْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلاً، فَعَجِلَ القَوْمُ، فَأَغْلوْا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وأصبنا نهب الإبل ": يريد غنيمة إبل، ومنه قوله: " أتجعل نهبى ونهب العبيد ". وقوله: فند منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال - عليه السلام -: " إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شىء فاصنعوا به هكذا ". معنى " ند " شرد ونفر. قال الإمام: اختلف الناس فى الإنسى إذا توحش حتى صار غير مقدور عليه، فمذهب مالك: ألا يذكى إلا بما يذكى به الإنسية، والحجة له لاستصحاب الأصل الذى كان عليه قبل استيحاشه، ولأن الأحكام باقية عليه كبقاء الملك إلى غير ذلك، وكذلك يجب أن يبقى عليه حكم المنع من التذكية بالعقر، وأما أبو حنيفة والشافعى فإنهما أخرجاه عن الأصل ورأيا تذكيته بما يذكى به الوحش؛ اعتباراً بالحالة التى هو عليها، ووجود العلة التى من أجلها أبيح العقر فى الوحش وهو عدم القدرة عليه، وكذلك هذا المستوحش قد صار غير مقدور عليه، واعتمدوا على هذا الحديث، وقد قال فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شىء فاصنعوا به هكذا "، فقد أباح صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصطياد البعير إذا ند بالرمى وهذا نفس ما قالاه. وقد قال بعض أصحابنا فى الانفصال عن هذا إن الحديث خبر عن فعلة واحدة، لا ندرى كيف وقعت، وجوابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محال عليها، فيقع فى جوابه من الاحتمال ما يقع فيها، ويحتمل أن يكون هذا البعير حبسه السهم ولم يقتله، فكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرهم أن حبسه بالرمى وغيره، مما فيه ألم له وتعريض لتلفه يجوز لا على أنه يحصل التذكية به، ويحتمل الحديث سقط التعلق به. وقد يتعلق المخالف بما خرجه الترمذى عن رجل ذكره، قلت: يا رسول الله، أما تكون الذكاة إلا فى الحلق واللبة؟ فقال له: " لو طعنت فى فخذها لأجزأ عنك ". قال يزيد بن هارون: هذا فى الضرورة (¬1). وهذا الحديث لم يسلم بعض أصحابنا بثبوته، وقال بعضهم: يمكن أن يراد به الصيد الذى لا يقدر عليه، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم عن السائل بقرينة حال أنه سأله عن صيد أراد أن يتصيد، هلا يزكى إلا فى الحلق واللبة؟ فأجابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قال. وأما ابن حبيب المجيز لقتل ما سقط فى مهواه بالطعن فى الجنب ونحوه، فإنه قد يحمل هذا الحديث على مثل هذا الذى انفرد بإجازته دون أصحاب مالك، وقد ألزم على ¬

_ (¬1) الترمذى، ك الأطعمة، ب ما جاء فى الذكاة فى الحلق واللبة 4/ 75 (1481).

بِهَا القُدُورَ، فَأمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الغَنَمِ بِجَزُورٍ. وَذَكَرَ بَاقِى الحَدِيثِ، كَنَحْوِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. 22 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ. ثُمَّ حَدَّثَنِيهِ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لاقُو العَدُوِّ غَدًا، وَليْسَ مَعَنَا مُدًى، فَنُذَكِّى بَالليطِ؟ وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَقَالَ: فَنَدَّ عَليْنَا بَعِيرٌ مِنْهَا، فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الذى انفرد به جواز صيد البعير إذا ند بالعقر كما حكيناه عن المخالف، وقد لا يلزمه ذلك لأنه إذا سقط فى مهواه يتبقى تلفه، فقد يبيح صيانة المال عن التلف هذا النوع من التذكية، والبعير إذا ند فقد يعود إلى التأنس وإلى الملك كما كان أول [مرة] (¬1) فيذكى ذكاة [الإنسية، وقد يتحيل عليه قبل أن يعود بنفسه حتى يحصل سليماً أو جريحاً جرحاً يؤمن عليه معه فيذكى ذكاة] (¬2) الإنسية، فلا يلزمه عندى أن يقول فيما ند ما قاله المخالف. ومعنى قوله: " أوابد كأوابد الوحش " فإن الأوابد قد تأبدت: أى توحشت، ونفرت من الإنس، وقد أبدت تأبد، وتأبدت الديار: توحشت وخلت من قطانها، ومنه قولهم: جاء بآبدة، أى بكلمة أو خصلة ينفر منها ويستوحش. قال ابن الأنبارى: وقد أبدى الشاعر: إذا أتى بالعويص فى شعره وما لا يعرف معناه، وهى أمثال مؤبدة: إذا كانت وحشية معتاصة على المخرج لها والباحث عنها. وقوله: " فرميناه بالنبل حتى وهصناه "، قال القاضى: قيل: معناه: رميناه رمياً عنيفاً، ويكون بمعنى: أسقطناه إلى الأرض، ويكون بمعنى: أنخناه وشدخناه، ويكون بمعنى: أثقلناه. ورواه بعضهم فى غير مسلم: " رهصناه " بالراء (¬3)، ومعناه: حبسناه، وفيه قوة لتأويل المالكية أنه لم ينفذ السهم مقاتله، وإنما أشواه وحبسه حتى أدركت ذكاته كما قال فى الحديث: " فحبسه ". قال الإمام: فى الحديث: " إلا وَهَصه الله إلى الأرض "، قال بعض أهل اللغة: أى حطه الله ودقه، يقال: وهصت الشىء ووقصته ووطسته، ومنه الحديث: " إن آدم - عليه السلام - حين أهبط من الجنة وهصه الله إلى الأرض " (¬4). وقال أبو حمزة رُمى رمياً عنيفاً، وكلّ من وضع قدمه على شىء فشدخه فقد وهصه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من س. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من س. (¬3) انظر: النهاية لابن الأثير، حيث ذكر فقال فى مادة " رهص ": ومنه فى الحديث: " فرميناه بالصيد حتى رهصناه " 2/ 282، وهذا ما وقفنا عليه فى هذا بَعد عنّ الجهد. (¬4) النهاية فى غريب الحديث 5/ 232.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ القَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، الحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ بِتَمَامِه. وَقَالَ فِيهِ: وَليْسَتْ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالقَصَبِ؟ 23 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لاقُو العَدُوِّ غَدًا، وَليْسَ مَعَنَا مُدًى. وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَلمْ يَذْكُرْ: فَعَجِلَ القَوْمُ، فَأَغَلوْا بِهَا القُدُورَ، فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ. وَذَكَرَ سَائِرَ القِصَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أصبنا غنماً وإبلاً فعجل القوم، فأغلوا بها القدور، فأمر بها فكفئت " الحديث، قال القاضى: أى قلبت، وقد تقدم. قال القاضى: يمكن أن يكون أمره بإكفاء القدور لأنهم استباحوا منها على القرب ما كانوا يعرفون فيما بعد عن بلاد الإسلام، وموضع الأمر مطاع مما هو مضطرون إليه، وفى هذه الغنيمة كانوا بذى الحليفة - كما جاء فى الحديث - قريباً من المدينة ومن منازلهم، فلم يكونوا مضطرين إليها، فمنعهم من ذلك إلا بإذنه، وأراهم أن ما فعلوه فلا يجوز لهم، وأنه من باب الغلول. قال: ولو قيل إن ذلك كان من قبل أنهم بادروا قبل القسم لكان داخلاً فى المعنى، وقال غيره: إنما أبيح أكل الطعام والحيوان فى بلاد العدو، وقيل: تخليص الغنيمة إلى أرض الإسلام، وأما فى أرض الإسلام فلا يأخذوا منها إلا ما قسم لهم لأنها غنيمة خالصة، وقد يكون عندى من باب أنهم إن نهبوها ولم يأخذوها باعتدال وقدر الحاجة، وكذلك وقع فى غير مسلم فى غير هذا الحديث: فانتهبناها، فأمرهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإكفاء القدور بما فيها، وقال: " إنها لا تحل النهبة " الأثر (¬1). كيف قال فى هذا الحديث: " فأصبنا نهب إبل وغنم "، وأنه عدل بينهم فيما بقى بعد ذلك، فقد عدل عشراً من الغنم بجزور. ولم يذكر هنا قرعة، ولا خلاف أن ما اختلف أجناسه ولم يدخله قرعة أنه جائز، تفاضلوا فيه أو تساووا لأنها مراضاة، ولا يجوز القرعة إلا فى التساوى والجنس الواحد، والتعديل فى عدل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جزوراً الأصل عندنا المذهب، والأظهر والأكثر جوازه وفيه حجة لنقوص ذلك فى الهدايا على ما تقدم فى الحج. قال المهلب: إنما أمرهم بإكفاء القدور وطرح ما فيها عقوبة لهم؛ لاستعجالهم وتركهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أخريات القوم، ولما يخشى من مكيدة، كما جاء فى الحديث: والنبى فى أخريات القوم فعجلوا ويقدم مسرعاً والناس، فنصبوا القدور فحرمهم ما تعجلوا له عقاباً لهم؛ كما منع القاتل الميراث وشبهه. ¬

_ (¬1) ابن ماجه، ك الفتن، ب النهى عن النهبة رقم (3938) بلفظ: " أن النهبة لا تحل ": قال فى الزوائد: إسناده صحيح 2/ 1299.

(5) باب بيان ما كان من النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث فى أول الإسلام. وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء

(5) باب بيان ما كان من النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث فى أول الإسلام. وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء 24 - (1969) حَدَّثَنِى عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ، قَالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الخُطبَةِ. وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَأكُلَ مِنْ لحُومِ نُسُكِنَا بَعْدَ ثَلَاثٍ. 25 - (...) حَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى أَبُو عُبَيْدٍ - مَوْلى ابْنِ أَزْهَرَ - أَنَّهُ شَهِدَ العِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ. قَالَ: ثُمَّ صَليْتُ مَعَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ. قَالَ: فَصَلى لنَا قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَاكَمْ أَنْ تَأكُلوا لحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، فَلا تَأكُلوا. (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الحُلوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مسلم فى أول باب النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث: حدثنى عبد الجبار ابن العلاء، حدثنا سفيان، حدثنا الزهرى - وذكر الحديث. هذا الحديث عند أهل الصنعة علة فى رفعه؛ فإن الحافظ عن سليمان لم يرفعوه، وكذلك لم يخرجه البخارى من رواية سفيان، وخرّجه من غير طريقه (¬1). قال الدارقطنى: هذا مما وهم فيه عبد الجبار بن العلاء؛ لأن ابن المدينى وابن حنبل والقعنبى وأبا خيثمة وإسحاق وغيرهم رووه عن سفيان بن عيينة موقوفاً، ورفع الحديث عن الزهرى ومالك من رواية جويرية، كلهم رووه عن الزهرى مرفوعاً (¬2)، وقول علىّ: " نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نأكل من نُسكنا بعد ثلاث فلا تأكلوا " (¬3)، ومثله عن ابن عمر، قال سالم: " فكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث " ثم ذكر ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأضاحى، ب ما يؤكل من لحوم الأضاحى وما يتزود منها، من حديث عائشة 7/ 133. (¬2) الإلزامات والتتبع. وقيل: ابن المدينى الحميدى وغيرهم كقتيبة وأبى عبد الله ص 286. (¬3) حديث رقم (24) بدون: " فلا تأكلوا ".

26 - (1970) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لا يَأكُلْ أَحَدٌ مِنْ لحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ - كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ الليْثِ. 27 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لحُومُ الأَضَاحِى بَعْدَ ثَلاثٍ. قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لا يَأكُلْ لحُومَ الأَضَاحِى فَوْقَ ثَلاثٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: بَعْدَ ثَلاثٍ. 28 - (1971) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَاقِدٍ. قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالتْ: صَدَقَ. سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ حَضْرَةَ الأَضْحَى، زَمَنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادَّخِرُوا ثَلاثًا، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِىَ ". فَلمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث جابر بمثله فى النهى، ثم قال: " كلوا بعد وادخروا وتزودوا "، وحديث عائشة فيه: دَفَّ أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى من أهل البادية زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ادخروا ثلاثة أيام ثم تصدقوا بما بقى " الحديث، وفيه: " إنما نهيتكم من أجل الدافة التى دفت، فكلوا وادخروا وتصدقوا "، وذكر معناه من حديث سلمة بن الأكوع وأبى سعيد وثوبان وبريدة. الدافة: قوم يسيرون جماعة سيراً ليس بالشديد. ودافة الأعراب من يرد منهم المصر، والمراد هنا من ورد عليهم من ضعف الأعراب للمواساة والدفف (¬1). وقوله: " حضرة الأضحى ": كذا رويناه عن أكثرهم بالسكون، وفيه بعضهم بالفتح، وهما بمعنى القرب والمشاهدة. قال يعقوب: يقال: كلمته بحضرة فلان وحضرته ¬

_ (¬1) انظر: اللسان، مادة " دفف ".

قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النَّاسِ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِن ضَحَايَاهُمْ، وَيَجْمِلونَ مِنْهَا الوَدَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ. فَقَالَ: " إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ التِى دَفَّتْ، فَكُلوا وَادَّخِرُوا، وَتَصَدَّقُوا ". 29 - (1972) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحضرة. قال أبو عبيد: وحضرته. اختلف فى الأخذ لهذه الأحاديث، فذهب قوم إلى تحريم إمساكها والأكل منها بعد ثلاث، على ما تقدم عن على وابن عمر، وأن حكم المنع باق، وذهب آخرون إلى إباحة ذلك ونسخ النهى جملة، وهو قول الكافة والجمهور، وظاهر الأحاديث. وهذا من نسخ السنة بالسنة. وقيل: كان النهى الأول على التحريم فوردت الإباحة، والإباحة بعد التحريم نسخ، وقيل: ليس بنسخ وإنما كان تحريماً لعلة، فلما ارتفعت ارتفع الحكم، واستدل قائل هذا بما فى حديث سلمة وقد سألوه عن ذلك، فقال: إن ذاك عام كان الناس فيه بجهد، فأردت أن يفشوا فيهم (¬1)، وعن عائشة وسُئلت: أحرّم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: لا، ولكنه لم يكن ضحى منهم إلا قليل (¬2)، ففعل ذلك ليطعم من ضحى من لم يضح. وقيل: بل كان النهى الأول على الكراهة، وعلى هذا فيحتمل أن تكون الكراهة باقية مع الإباحة والجواز، والنهى باق ورد مورد العموم، والمراد به الخصوص للعلة الواردة المذكورة، وأن الحاجة لو نزلت اليوم بقوم قذفت الناس مواساتهم، وعلى هذا يحتمل [مذهب] (¬3) على وابن عمر، وقيل: يحتمل أن تكون الكراهة منسوخة وهو أظهر. وقوله: " بعد ثلاث ": يحتمل من أول يوم النحر فلا يتعدى وإن ذبحت فى أخراها، ويحتمل أن تكون بعد ثلاث ثم ذبحها متى ذبحها من أيام النحر؛ لئلا يضيق عليهم فى أمد ذبحها إن أرادوا التأخير، والأول أظهر إذا لم يعتد ذلك بذبحها، وإن ما أطلقه فهو محمول من يوم قوله. واستدل بقوله: " بعد ثلاث " بعض مشائخنا على مذهب مالك؛ أن أيام الذبح ثلاث، خلاف من قال: هى أربع أو أكثر من ذلك على ما تقدم لغيره. ¬

_ (¬1) حديث رقم (34) بالباب. (¬2) الترمذى، ك الأضاحى، ب ما جاء فى الرخصة فى أكلها بعد ثلاث رقم (1511) وقال: حسن صحيح، الطحاوى، ب أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاثة أيام بلفظه 4/ 188. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من الهامش.

جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: " كُلوا، وَتَزَوَّدُوا، وَادَّخِرُوا ". 30 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مِسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - وَاللفْظُ لهُ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا لا نَأكُلُ مِنْ لحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاثِ مِنًى، فَأَرْخَصَ لنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " كُلوا وَتَزَوَّدُوا ". قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَالَ جَابِرٌ: حَتَّى جِئْنَا المَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. 31 - (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا لا نُمْسِكُ لحُومَ الأَضَاحِى فَوْقَ ثَلاثٍ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَزَوَّدَ مِنْهَا، وَنَأكُلَ مِنْهَا - يَعْنِى فَوْقَ ثَلاثٍ. 32 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُهَا إِلَى المَدِينَةِ، عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فكلوا وتصدقوا وادخروا "، قال الإمام: جمهور الفقهاء على أن الأكل من الضحية غير واجب، وشذ بعضهم فأوجب الأكل منها لظاهر هذه الأوامر، والجمهور لما كانت عندهم [جاءت] (¬1) بعد الحظر حملت على الإباحة، كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (¬2)، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْض} (¬3). قال القاضى: لمالك فى كتاب ابن حبيب ما يدل أن ذلك على الندب، وأنه كان لم يأكل مخطى، وقال: لو أراد أن يتصدق بلحم أضحيته كله، كان كأكله كله حتى يفعل الأمرين جميعاً. وقال الطبرى: جميع الأمصار على جواز ألا يأكل منها إن شاء ويطعم جميعها، وهو قول محمد بن المواز. وقد اختلف الأصوليون من الفقهاء والمتكلمين فى لفظة " أفعل " إذا جاءت بعد الحظر، هل يحتمل على الوجوب أو الإباحة؟ فجمهور محققيهم ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) المائدة: 2. (¬3) الجمعة: 10.

33 - (1973) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلى، عَنِ الجَرِيرِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعلى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَهْلَ المَدِينَةِ، لا تَأَكُلوا لحُومَ الأَضَاحِى فَوْقَ ثَلاثٍ ". وَقَالَ ابْنُ المُثَنَّى: ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لهُمْ عِيالاً وَحَشَمًا وَخَدَمًا. فَقَالَ: " كُلوا، وَأَطْعِمُوا، وَاحْبِسُوا أَوِ ادَّخِرُوا ". قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: شَكَّ عَبْدُ الأَعْلى. 34 - (1974) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ ضَحَّى مِنكُمْ فَلا يُصْبِحَنَّ فِى بَيْتِهِ بَعْدَ ثَالِثَةٍ شَيْئًا ". فَلمَّا كَانَ فِى العَامِ المُقْبِلِ قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلنَا عَامَ أَوَّلَ؟ فَقَالَ: " لا، إِنَّ ذَاكَ عَامٌ كَانَ النَّاسُ فِيهِ بِجَهْدٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَفْشُوَ فِيهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من القائلين بالنصيفة واقتضائه بمجرده، الوجوب من أصحابنا، وغيرهم يحملها على الوجوب هاهنا. قال القاضى أبو بكر: لو كنت من القائلين بالنصيفة لقلت بأنها لو أطلقت بعد الحظر يقتضى الوجوب، وذهبت طوائف منهم من فقهاء أصحابنا وغيرهم من المتكلمين أنها تحمل على الإباحة ورفع الحرج، وهو مذهب الشافعى. وقال قائلون: إن كان الحظر موقفا فهو على الإباحة، وكان من قال بوجوب الأكل فى مشينا إلى هذا الأصل استروح، كما أشار إليه الإمام أبو عبد الله، واسترواحه عندى فى ذلك غير صحيح؛ لأن هذا الحظر معلق بعلة نص عليها الشارع، وأبان أن نهيه لسببها، فإذا ارتفعت ارتفع موجبها وبقى الأمر على ما كان عليه قبل الإباحة، فليس فى ذكره له بعد الحظر من زائد على ما يوجبه سقوط العلة بقوله: " إنما نهيتكم من أجل الدافة " لفهم أن سقوط العلة سقوط الأمر على الإباحة. وقوله: " وتصدقوا ": لا خلاف أن الأمر بالصدقة باق غير منسوخ، فإنه على الاستحباب دون الوجوب، إلا مذهب من منع الأكل من السلف وبعض العلماء؛ أن الصدقة منها على الوجوب، ولا حد له عند مالك وأكثرهم فى ذلك، فيتصدق بما شاء، ويأكل ما شاء، ويطعم ما شاء، واستحب الشافعى الصدقة بالثلث. واختار بعض شيوخنا وغيرهم الصدقة بأكثر وأكل الثلث والأقل، واستحب آخرون الصدقة بالنصف (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار 15/ 173 وما بعدها.

35 - (1975) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِى الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ ثَوْبَانَ. قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ. ثُمَّ قَالَ: " يَا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لحْمَ هَذِهِ ". فَلمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ المَدِيَنَةَ. (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ مُعَاوِيَةَ ابْنِ صَالِحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 36 - (...) وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى الزُّبَيْدِىُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ لِى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ -: " أَصْلِحْ هَذَا اللحْمَ ". قَالَ: فَأَصْلحْتُهُ، فَلمْ يَزَلْ يَأكُلُ مِنْهُ حَتَّى بَلغَ المَدِينَةَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَقُلْ: فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ. 37 - (1977) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ فُضَيْلٍ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِى سِنَانٍ. وَقَالَ ابْنُ المُثَنَّى: عَنْ ضِرَارِ بْنُ مُرَّةَ - عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وادخروا ": لا خلاف بين العلماء اليوم أنه على الإباحة أيضاً، منسوخ الحكم الأول من النهى عن الادخار بعد ثلاث. وقوله: " ويجملون منها الودك ": أى يدينون، يقال: جملت وأجملت أجمل وأجمل. وقول ثوبان: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذبح أضحيته ثم قال: " أصلح لحم هذه " فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة: فيه جواز الادخار والتقيد للحم الأضحية فى السفر، وهو قول الكافة؛ أنها على المسافر كما هى على الحاضر، وخالف فى ذلك أبو حنيفة والنخعى، وروى عن على: فلم يروا على المسافر أضحيته، واستثنى مالك من المسافرين والمقيمين الحاج من أهل منى ومكة وغيرها فلم ير عليهم أضاحى، وهو قول النخعى، وروى ذلك عن أبى بكر وعمر وابن عمرو جماعة من السلف، ورأى الشافعى وأبو ثور الأضحية واجبة على الحاج بمنى.

ابْنُ فَضْيَلٍ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ - أَبُو سِنَانٍ - عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لحُومِ الأَضَاحِى فَوْقَ ثَلاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلا فِى سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلهَا، وَلا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا ". (...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاك بْنُ مَخْلدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ ". فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى سِنَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ": تقدم فى الجنائز. ونهيه عن الأسقاء تقدم فى كتاب الإيمان، ويأتى فى كتاب الأشربة، ويأتى معنى قوله: " اشربوا فى الأسقية " يذكره هناك، وما فيه من تفسير وصوابه إن شاء الله. وقوله فى حديث أبى بكر بن أبى شيبة عن ابن مشهور قلت لعطاء: قال جابر: حتى جئنا المدينة، قال: نعم. كذا فى كتاب مسلم. وفى كتاب البخارى قال: " لا مكان " (¬1). قوله: " نعم "، وقوله فى حديث سلمة: " إن ذلك كان عام للناس فيه بجهد، فأردت أن يفشوا فيهم ": كذا فى جميع نسخ مسلم وتأويله: يفشوا فيهم لحم الضحايا، وفى البخارى: " فأردت أن تعينوا فيها " (¬2)، ويحتمل أن يكون أحد اللفظين مغير من الآخر ومصحف منه، وما فى كتاب مسلم أشبه (¬3). قال الإمام: خرّج مسلم فى الباب حديثا محمد بن المثنى: حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد بن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدرى. هكذا عند أبى العلاء، وأما عند الجلودى والكسائى فهو: حدثنا ابن مثنى، نا عبد الأعلى، نا سعيد عن قتادة، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد: فزاد فى الإسناد: قتادة. قال بعضهم: الصلاة عندى ما عند أبى العلاء، وكذلك خرجه الدمشقى فى كتاب الأطراف عن مسلم، عن محمد بن مثنى، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن أبى نضرة، ليس فيه: عن قتادة. قال القاضى: وفى الباب: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا أبو مسهر، حدثنا ثوبان. كذا لكافة الرواة. ورواه لنا الخشنى عن الطبرى: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، مكان: إسحاق بن منصور. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأطعمة، ب ما كان السلف يدخرون فى بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره 7/ 98. (¬2) البخارى، ك الأضاحى، ب ما يؤكل من لحوم الأضاحى وما يتزود منها 7/ 134. (¬3) قال فى المشارق: رواية البخارى أوجه، وقال فى شرحه: رواية مسلم أشبه. قال ابن حجر: ومخرج الحديث واحد، ومداره على أبى عاصم، وأنه تارة قال هذا، وتارة قال هذا، والمعنى فى كل صحيح، فلا وجه للترجيح. الفتح 1/ 28.

(6) باب الفرع والعتيرة

(6) باب الفرع والعتيرة 38 - (1976) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ وَعَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، عَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا فَرعَ وَلا عَتِيرَةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا فرع ولا عتيرة "، وفى رواية الطبرى: " لا قرعة ": قال ابن عمر: وهى القرعة، والفرع بنصب الراء، كانوا يذبحونها فى الجاهلية، فنهوا عنها. وقيل: كانوا يفعلون ذلك إذا بلغت إبل الرجل مائة. قال الإمام: أما الفرع فقد فسره مسلم بأنه أول النتاج [فى سياق الحديث] (¬1) كان ينتج لهم فيذبحونه، قال غيره: يذبحونه لآلهتهم (¬2). قال أبو عبيد عن أبى عمر: والفرع والفرعة، بنصب الراء: هو أول ما تلد الناقة، وكانوا يذبحون ذلك لآلهتهم، فنهى المسلمون عن ذلك (¬3). وقد أفرع القوم: إذا بلغت إبلهم ذلك، وقال شَمِر: قال أبو مالك: كان الرجل فى الجاهلية إذا تمت إبله مائة قدم بكراً فنحره لصنمه، فذلك الفرع. وذكر أبو عبيد تفسير العتيرة، والذى ذكر أنها الرجبية، ذبيحة كانت تذبح فى رجب يتقرب بها أهل الجاهلية، ثم جاء الإسلام فكان على ذلك، ثم نسخ بعد، وذكر أن هذا الحديث فيما يرى هو الناسخ لقوله: " على كل مسلم فى كل عام أضحاة وعتيرة " (¬4)، وذكر فى موضع آخر من كتابه فى حديث النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سئل عن الفرع، فقال: " حق، وأن يتركه حتى يكون ابن مخاض وابن لبون زخزبا (¬5) خير من أن تلقى أباك "، وقوله: ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) قيدت قبلها فى الأصل: لغير، وهو تصحيف. (¬3) انظر: غريب الحديث 1/ 194. (¬4) انظر: غريب الحديث 1/ 195. (¬5) أبو داود فى الأضاحى فى العقيقة رقم (2842)، انظر: النهاية فى غريب الحديث لابن الأثير 2/ 299. هكذا فى الأصل. والزُّخْزُبُّ بالضم وتشديد الباء: القوى الشديد، وقيل: الغليظ، وقيل: هو من أولاد الإبل الذى قد غلظ جسمه واشتد لحمه. يقال: صار ولد الناقة رُخْزُبا: إذا غلظ جسمه واشتد لحمه، انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة " زخزب ". والحديث أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى بلفظ: " زخزبا "، وأشار صاحب الجوهر النقى ابن التركمانى أن الرواية فى النسخة المصرية بلفظة: " زخزفاً "، وهى موافقة لنسخة الإكمال [الأصل] =

زَادَ ابْنُ رافِعٍ فِى رِوَايَتِهِ: وَالفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَّاجِ، كَانَ يُنْتَجُ لهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ناقتك وتذبحه يلصق لحمه بوبره، فقال: الفرع أول شىء تنتجه الناقة، وكانوا يجعلونه لله، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو حق " (¬1)، ولكنهم كانوا يذبحونه حين يولد، وفيه من الكراهة أنه لا ينتفع به إلا بَرَى. قوله: " ويذبحه يلصق لحمه بوبره ": وفيه - أيضاً - أن ذهاب ولدها يرفع لبنها إلا بَرَى. قوله: " خير من أن تكفا إناك ": يعنى إذا فعلت ذلك فكأنك كفأت إناك وهرقته وإشارته إلى ذهاب اللبن، قال: وفيه - أيضاً - أن يكون فجعها به، فيكون آثماً، ألا تراه يقول: " وتوليه ناقتك "، ومنه الحديث فى السبى؛ أنه نهى أن توله والدة على ولدها، فأشار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتركه حتى يكون ابن مخاض وهو ابن سنة، ثم يذبح وقد طاب لحمه واستمتع بلبن أمه، ولا يشق عليها مفارقته؛ لأنه استغنى عنه. والزخزب هو الذى غلظ جسمه واشتد لحمه. قال القاضى: قال أبو إسحاق الحربى: جاءت فى الفرع الأحاديث فى الغنم بخمسة مذاهب، وفى الإبل واحد. فأما الإبل فحديث نبيشة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فى كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه " (¬2)، فأوجبه فى السائمة. وفى حديث الحارث: " فمن شاء فرع ومن شاء لم يفرع " (¬3)، وعن عائشة: " أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفرع فى كل خمسين شاة شاة " (¬4)، وفى حديث أبى هريرة: " لا فرع ولا عتيرة " يدل أنها ليست واجبة. قال ابن - المنذر: حديث نبيشة وعائشة يأتيان وكانت العرب تفعلها، وفعلها بعض أهل الإسلام بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم نهى عن ذلك، فانتهى الناس، وهو منسوخ عند كافتهم، وقد تقدم مذهب ابن سيرين فى بقاء سنة ذبح العتيرة فى رجب، وهو شذوذ، وتقدم الكلام فيها. ¬

_ = السنن الكبرى للبيهقى 9/ 312. وقد ذكر أبو داود فى السنن هذه الرواية بلفظة " شُغْزُبا ". قال الخطابى: وهو غلط، والصواب: "زُخْرُبا "، وهو الغليظ، كذا رواه أبو عبيد وغيره، ويشبه أن يكون حرف الزاى قد أبدل بالسين لقرب مخارجهما، وأبدل الخاء غيناً لقرب مخرجهما. فصار سغربا، فصحفه بعض الرواة فقال: شُغْزُباً. مختصر سنن أبى داود للخطابى، ك الضحايا، ب فى العقيقة 4/ 131. (¬1) انظر السابق. (¬2) أبو داود، ك الأضاحى، ب فى العتيرة 2/ 94. (¬3) النسائى، ك الفرع والعتيرة، ب الفرع والعتيرة 7/ 168 (4226). (¬4) أبو داود، ك الأضاحى، ب فى العتيرة 2/ 93.

(7) باب نهى من دخل عليه عشر ذى الحجة وهو مريد التضحية، أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئا

(7) باب نهى من دخل عليه عشر ذى الحجة وهو مريد التضحية، أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً 39 - (1977) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ المَكِّىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلتِ العَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّى، فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا ". قِيلَ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لا يَرْفَعُهُ. قَالَ: لكِنِّى أَرْفَعَهُ. 40 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، عَنْ أُمِّ سَلمَةَ تَرْفَعُهُ، قَالَ: " إِذَا دَخَلَ العَشْرُ، وَعِنْدَهُ أُضْحِيَّةٌ، يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّىَ، فَلا يَأخُذَنَّ شَعْرًا، وَلا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا ". 41 - (...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ العَنْبَرِىُّ - أَبُو غَسَّانَ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحى، فلا يمس من شعر بشره شيئاً "، وفى الرواية الأخرى: " وعنده أضحية يريد أن يضحى "، وفى الرواية الأخرى: " من كان له ذبح فلا يأخذن شعراً، ولا يقلمن ظفراً "، وفى الحديث الآخر: " حتى يضحى " وقول ابن المسيب: هذا حديث قدسى وترك - وذكر الحديث: الذبح، بالكسر: الكبش الذى يذبح. قال الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (1). قال الإمام: مذهبنا أن هذا الحديث لا يلزم العمل به، واحتج أصحابنا بقول عائشة - رضى الله عنها -: " كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهدى من المدينة فاختل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنب المحرم " وظاهر هذا الإطلاق أنه لا يحرم تقليم الأظفار، ولا قص الشعر، ومذهب ربيعة وأحمد وإسحاق وابن المسيب المنع؛ أخذاً بالحديث المتقدم، ويرون أن النص على ما ذكر فيه أولى من التمسك بالإطلاق الذى وقع من لفظ عائشة - رضى الله عنها. ومذهب الشافعى حمله على الندب، وحكى عن مالك، ورخص فيه أصحاب الرأى.

_ (1) [الصافات: 107] قال معد الكتاب للشاملة: وضع المحقق الإشارة لهذا الهامش ولم يكتب له حاشية، ووضع حاشية مكررة من الصفحة السابقة.

سَلمَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِى الحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ، فَليُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَكَمِ الهَاشِمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ أَوْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 42 - (...) وَحَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الليْثِىُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ بْنِ عَمَّارِ بْنِ أُكَيْمَةَ الليْثِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلمَةَ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ لهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلالُ ذِى الحِجَّةِ، فَلا يَأَخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّىَ". (...) حَدَّثَنِى الحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الحُلوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارٍ الليْثِىُّ، قَالَ: كُنَّا فِى الحَمَّامِ قُبَيْلَ الأَضْحَى، فَاطَّلى فِيهِ نَاسٌ. فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الحَمَّامِ: إِنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيّبِ يَكْرَهُ هَذَا، أَوْ يَنْهَى عَنْهُ. فَلقِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: احتج بهذا من لم يوجب الأضحية لقوله: " وأراد أن يضحى "، وإسنادها إلى إرادته وهذا لا يلزم، وقد تقدم الكلام عليه قبل، وأن مثله قد يستعمل فى الواجب. وقال الليث: قد جاء هذا الحديث وأكثر الناس على خلافه. قال الطحاوى: ولما رأينا الجماع الذى يفسد الحج لا يحرم على من دخل عليه غير ذلك، ووجه الندب لما فى الحديث التشبه بالحاج. وقوله: " كنا فى الحمام قبل الأضحى فاطّلى فيه ناس، فقال بعضهم: إن سعيداً يكره هذا وينهى عنه "، وقول سعيد: " هذا حديث قد نسى ": إنما أشار لكراهة سعيد حلق الرأس لما كان فى عشر ذى الحجة للحديث المذكور لا مجرد الإطلاق، بدليل استدلال سعيد بحديث أم سلمة فى ذلك، وقد حكى ابن عبد البر أن سعيد بن المسيب كان يجيز الإطلاء بالنورة فى العشر، وأنه ترك لما روى من الحديث، وما فى كتاب مسلم يضاد القول عنه، وقيل: لعله أفتى بذلك لمن يريد أن يضحى. وذكر مسلم فى الباب الخلاف فى راوى الحديث عن سعيد بن المسيب، فذكره عن شعبة، عن مالك، عن عمرو بن مسلم. وذكره من رواية أخرى عن سعيد، عن مالك، عن عمر أو عمرو بن مسلم من رواية ابن معاذ عن محمد بن عمرو الليثى، عن عمرو بن

سَعِيدَ بْنَ المُسَيّبِ فَذَكَرْتُ ذِلكَ لهُ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِى، هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِىَ وَتُرِكَ، حَدَّثَتْنِى أُمُّ سَلمَةَ - زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو. (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَخِى ابْنِ وَهْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِى خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلالٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ الجُنْدَعِىِّ؛ أَنَّ ابْنَ المُسَيّبِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أُمَّ سَلمَةَ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ. وَذَكَرَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم بن عماد بن أكيمة الليثى. كذا لجميعهم (¬1)، ولابن مسلم ابن عمار الليثى، وذكره من رواية سعيد بن أبى هلال عن عمر بن مسلم، ونسبه الجندعى، وقال فيه: ابن أبى خيثمة، وقال فيه ابن معن: عمرو، وقيل فيه: عمار بن مسلم. وقال البخارى فى تاريخه: عمرو بن مسلم الجُنْدَعِى ثم الليثى، يروى عن ابن المسيب، روى عنه مالك وسعيد بن أبى هلال. وقال بعضهم: الخناعى،. ويقال فيه: عمر (¬2)، وجندع بفتح الدال وضمها. وجندع بطن من ليث والخزاعى لا شك بعيد من الجندعى، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الصافات: 107. (¬2) انظر: رجال مسلم لابن منجويه 2/ 80، ميزان الاعتدال رقم (6450)، تهذيب الكمال 22/ 240، رقم (4450)، تهذيب التهذيب 8/ 14، وقال الحافظ فى التقريب: صدوق 2/ 79.

(8) باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، ولعن فاعله

(8) باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، ولعن فاعله 43 - (1978) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنْ مَرْوَانَ. قَالَ زهُيْرٌ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِىُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرّ إِليْكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَىَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ النَّاسِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَنِى بِكَلمَاتٍ أَرْبَعٍ. قَالَ: فَقَالَ: مَا هُنَّ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قَالَ: " لعَنَ اللهُ مَنْ لعَنَ وَالِدَهُ، وَلعَنَ اللهُ منْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ ". 44 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ سُليْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْنَا لِعَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ: أَخْبِرْنَا بِشَىْءٍ أَسَرَّةُ إِليْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا أَسَرَّ إِلىَّ شَيْئًا كَتَمَهُ النَّاسَ، وَلكَنِّى سَمِعْتُهُ يقُولُ: " لعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيرِ اللهِ، وَلعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلعَنَ اللهُ مِنْ لعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ المَنَارَ ". 45 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ أَبِى بَزَّةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِىٌّ: أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَىْءٍ؟ فَقَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَىْءٍ لمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً، إِلا مَا كَانَ فِى قِرَابِ سَيْفِى هَذَا. قَالَ: فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول على: " ما كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسر إلى شىء يكتمه عن الناس، وما خصنا بشىء يعم به الناس " وغضبه على من ذكر له غير هذا: فيه رد على الشيعة والإمامية والرافضة فيما تدعيه من الوصية إلى على بالخلافة وبغير ذلك. وقوله: " حدثنى بكلمات أربع " وذكر: " لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غيّر منار الأرض ": أما من لعن والده فقد تقدم معناه وشرحه فى كتاب الإيمان (¬1)؛ أن من الكبائر أن يشتم الرجل ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 6/ 369 رقم (2664).

مَكْتُوبٌ فِيهَا: " لعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلعَنَ اللهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرْضِ، وَلعَنَ اللهُ مَنْ لعَنَ وَالِدَهُ، وَلعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والدته، وفسره: " يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه ". وأما الوجوه الأخر فينبه، ويكون الحديث فى الدين وقد تقدم أيضاً. وقوله: " من غير منار الأرض ": أى علامات حدودها، وظلم غيره فيها، ودخوله فى ملكه مثل قوله فى الحديث الآخر: " تخوم الأرض " (¬1)، وقد جاء فى الوعيد فى ذلك وتطويقه من سبع أرضين (¬2) ما تقدم، كما قال فى الحديث الآخر: " من سرق منار الأرض "، قال أبو عبيد: وقد يكون ذلك فى تغيير حدود الحرم التى حد إبراهيم. وقوله: " إلا ما كان فى قراب سيفى ": تقدم تفسير القراب، وهو كالجراب يدخل فيه السيف بغمده وما خف من الآلة. ¬

_ (¬1) أحمد فى المسند عن على 1/ 108. (¬2) سبق فى ك المساقاة، ب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها برقم (1610).

36 - كتاب الأشربة

بسم الله الرحمن الرحمن 36 - كتاب الأشربة (1) باب تحريم الخمر، وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب، وغيرها مما يسكر 1 - (1979) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّد، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ أَبِيهِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، قَالَ: أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَغْنَمٍ، يَوْمَ بَدْرٍ. وأَعْطَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَارِفًا أُخْرَى، فَأَنخَتْهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَاب رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لأَبِيعَهُ، وَمَعِىَ صَائِغٌ منْ بَنِى قَيْنُقَاعَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الأشربة ذكر حديث على وحمزة وقوله: " أصبت شارفاً "، وقوله: " ألا يا حمز للشرف النواء "، قال الإمام: الشارف: المسن من الإبل، وكذلك الناب، وجمع الشارف شرف. والنواء: السمان، يقال: نوت الناقة تنوى: إذا سمنت. قال القاضى: [هذا] (¬1) صواب الرواية، ومن رواه: " النوى " بالقصر [أخطأ] (¬2) أو بفتح النون. وقال الخطابى: إن أبا جعفر الطبرى رواه: " الشرف النوى " بفتح الشين والراء وفتح النون وقصرها. قال: وفسره بالبعد. قال الخطابى: وهكذا رواه أكثر المحدثين والرواية والتفسير غلط. ورواه الخطابى: " ذا الشرف "، وأسنده هكذا أبو عمر المطرز فيما ذكره (¬3). [قال] (¬4) القاضى: وصوابه ما فى الأم وصحيح البخارى (¬5). وأكثر المصنفات للشرف لتغريه بنحرها. قوله: " ومعى صائغ من بنى قينقاع ": يريد لنا بجمعه معه من الإذخر لبيعه من الصواغين ليستعملوه فى الصياغة، كما فُسِّر فى الحديث، وليستعين به على وليمة فاطمة كما ذكر. ¬

_ (¬1) فى ح: هذه هى. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) انظر: أعلام الحديث (1181، 1184، 1185)، غريب الحديث 1/ 522. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬5) البخارى، ك المساقاة، ب الحطب والكلأ 3/ 149.

وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَلِبِ يَشْرَبُ فِى ذَلِكَ الْبَيْتِ، مَعَهُ قَيْنَةٌ تغَنِّيِه. فَقَالَتْ: أَلا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النَّوَاءِ. فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ، فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا. قُلْتُ لابْنِ شِهَابٍ: وَمِنَ السِّنَامِ؟ قَالَ: قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا فَذَهَبَ بِهَا. قَالَ ابْنُ شَهِابٍ: قَالَ عَلِىٌّ: فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِى، فَأَتَيْتُ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ الخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ. فَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلا عَبِيدٌ لآبائِى؟ فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَهْقِرُ حتَىَ خَرَجَ عَنْهُمْ .. (...) وحدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 2 - (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ - أَبُو عُثْمَانَ الْمَصْرِىُّ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِىٍّ؛ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِى شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِى مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِى شَارِفًا مِنَ الخَمُسِ يَوْمَئَذٍ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتنِىَ بفَاطمَةَ - بنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَاغًا مِنْ بَنِى قَيْنُقَاعَ يَرْتَحِلُ مَعِىَ، فَنَأَتِى بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ فِى وَلِيمَةِ عُرْسِى، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَىَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالحِبَالِ، وَشَارفَاىَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَجَمَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارفَاىَ قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عيْنَىَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه أن الوليمة مشروعة، وقد تقدم الكلام عليها فى النكاح، وفيه جواز قطع إذخر مكة وحده من بين سائر عشبها كما استثنى فى الحديث الآخر المقهور والصاغة، وجواز الصياغة وأكل ثمنها، وهذا فيما يجوز صياغته، بخلاف لو صاغ صوراً أو حلياً للرجال. وقوله: " فبينا أنا أجمع لشارفى متاعاً من الأقتاب " إلى قوله: " وجمعت حين جمعت ما جمعت ": كذا للسجزى والسمرقندى، وللعذرى والطبرى وابن ماهان: " حتى

المَنْظَرَ مِنْهُمَا. قَلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَلِبِ، وَهُوَ فِى هَذَا الْبَيْتِ فِى شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ. غَنَّتْهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابِه. فَقَالَتْ فِى غِنَائِهَا: أَلا يَا حَمْزُ للِشُّرُفِ النّوَاءِ. فَقَامَ حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ، فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، فَأَخَذَ مَنْ أَكْبَادَهِمَا. قَالَ عَلِىٌّ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى وَجْهِىَ الَّذِى لَقِيتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَالَكَ؟ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَىَّ فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَاهُوَ ذَا فى بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ. قَالَ: فَدَعَا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدَائِهِ فَارْتَدَاهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ يمْشِى، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَة، حَتَّى جَاءَ الْبَابَ الَّذِى فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ. فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ. فَقَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلا عَبِيدٌ لأَبِى؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى، وَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مكان معين ". واتفقت النسخ على قوله أولاً: " وجمعت "، وسقط من بعضها، وسقوطه مع ثبوت " حتى " أو إصلاحه مع ثبوت " حتى " مكان " معين " يصح الكلام، وإلا فلا معنى لجمعت هنا مع الحرفين، ولعله مغير من " حيث "، وأنه بنحوه. ذكره الحميدى فى مختصره، قال: " وأقبلت حين جمعت ما جمعت " ما ذكره من فعل حمزة وشربه الخمر. وما ذكر فى الحديث من القصة، فذلك قبل أن يحرم [كله] (¬1). وليس فى فعل حمزة من جب أسمنتها وبقر خواصرها واستخراج أكبادها حجة لجواز أكل ذلك مما لم يذك، فكل ما أخذ من الحى ميتة لا يحل أكله، وقد ذكر أهل المصنفات فى هذا الحديث: " إلا سنمًا فبقره لخواصرها " كان بعد أن نحرها وذكاها، فيصح أكلها حينئذ على قول كافة العلماء فى جواز أكل ما ذبح وذكى بغير إذن مالكه، مما ذبحه غاصب أو سارق أو متعد، وهو قول مالك وقول أبى حنيفة والثورى والشافعى والأوزاعى. وخالف فى ذلك إسحاق وداود فقالا: لا تؤكل، وروى عن عكرمة، وهو قول شاذ عند العلماء. وقد روى ابن وهب حجة للكافة فى جواز أكلها أثراً عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدل أن حمزة قد ذكاها بقية الشعر وهو فيما أنشده ابن قتيبة: ¬

_ (¬1) ساقطة من ح.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء صنع السكين فى اللبان منها ... وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أصايبها لشرب ... قديد أو طبيخ أو شواء ومعنى جب واجتب: أى قطعها واستأصلها. والأسنمة: الحدب، واحدها سنام. وبقر: شق. ومعنى ثمل: أى سكران. والشرب، بفتح الشين: الجماعة يشربون. ولم يذكر تغريم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحمزة ما أفسده السكران من الأموال ولا إسقاطه عنه، ولا أعلمه فى شىء من المصنفات، لكن عمر بن أبى شيبة ذكر الخبر فى كتابه وزاد فيه من رواية أبى بكر بن عياش: " فغرمها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحمزة ". ولا خلاف فيما أفسده السكران من الأموال أنه يضمنه، ويحتمل أن علياً لم يطلب منه تغريمه، أو أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عوّض علياً من ذلك لحكم حقه من العمومة، كما قال فى العباس فى الذكاء: " هى على معها " على أحد الروايات والتأويلات، وقد تقدم. وقد احتج بهذا الحديث من لا يرى طلاق السكران لما لم يلزمه شىء على [خشين] (¬1) كلامه للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذى لو قاله صلح لوجب نكاله، ولا حجة فيه لأنه إنما ألزمه من ألزمه ذلك لأنه أدخله على نفسه بمعصية الله - تعالى - بخلاف لو سكر بلبن شربه أو من عارض عرض له من طباعه، فهذا لا حكم لطلاقه ولا لأحكامه، إذ هو كالمغمى والجنون بإلزامه، وبه قال مالك والشافعى والكوفيون والثورى والأوزاعى، وفو قول ابن المسيب فى جماعة من السلف وكافة العلماء كالحسن والنخعى وعطاء وغيرهم، وحكى عن عثمان وابن عباس وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وطاووس والليث وربيعة: أنه لا يلزم، وقاله إسحاق وأبو ثور والمزنى، ووقف فيها ابن حنبل. وقوله: " فرجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقهقر حتى خرج عنهم ": قال أبو عمر: القهقر: الإحضار، فهو على هذا بمعنى خرج مسرعاً. وقال الأخفش: رجع القهقرى: إذا رجع وراءه ووجهه إليك. قال القاضى: وهذا أعرف فى معنى اللفظة وأشبه بمعنى الحديث، كأنه حذر منه ما يبدر منه إن ولاه ظهره، لما كان عليه من السكر، وهو بمعنى ما فى الحديث الآخر: ¬

_ (¬1) فى ح: حسب.

3 - (1980) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ سَاقِىَ الْقَوْمِ - يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ - فِى بَيْتِ أَبِى طَلْحَةَ، وَمَا شَرَابُهُمْ إِلا الْفَضِيخُ: الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِى. فَقَالَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ. فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِى: أَلا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. قَالَ فَجَرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ " نكص على عقبيه القهقرى "، أى رجع وانصرف. وقوله: " فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردائه فارتداه، ثم انطلق يمشى ": فيه أخذ أهل الهيئات زينتهم فى المحافل وفى الخروج عن منازلهم، ومراعاة هيأتهم بين الناس، فهى من المروءة، ومما يلزم استعمالها ويكره خلافها. ومعنى " طفق يلوم حمزة ": أى جعل، يقال بفتح الفاء وكسرها، والكسر أشهر. وقال أنس: " كنت ساقى القوم يوم حرمت فى بيت أبى طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر، فإذا منادى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا إن الخمر قد حُرّمت " [الحديث] (¬1): قال الحربى: الفضيخ: هو أن يفضخ [البسر ويصب عليه الماء ويتركه حتى يغلى] (¬2). قال أبو عبيد: هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسه نار، فإن كان معه تمر فهو خليط. وقوله فى الحديث: " من فضيخ وتمر "، وفى الرواية الأخرى: " أنها البسر والتمر " يصحح هذا التفسير، وفى رواية أخرى فى تفسيره: " هو بسر ورطب ": وفيه اتفاق من حضر من الصحابة على تحريم مسكر الفضيخ والخليط من البسر والرطب والتمر، وأنه خمر، وهم أرباب اللسان. قال الإمام: قد حصل الاتفاق على تحريم عصير العنب التى إذا اشتد فأسكر، واختلف الناس فيما سواه، فذهب مالك والشافعى وجماعة من الصحابة والتابعين - لا يحصون كثرة - إلى تحريم كل مسكر من أى نوع كان، مطبوخاً كان أو نيّاً، وذهب قوم من البصريين إلى قصر التحريم على عصير العنب [ونقيع الزبيب] (¬3) والنيِّئ، فأما المطبوخ منهما والنيِّئ والمطبوخ مما سواهما فحلال، ما لم يقع الإسكار. وذهب أبو حنيفة إلى قصر التحريم على المعتصر من ثمرات النخل والأعناب [وتحليل ما سواهما ما لم يقع الإسكار، وله فى ثمرات النخيل والأعناب] (¬4) تفصيل، فيرى أن سلافة العنب تحرم قليلها وكثيرها إلا أن يطبخ حتى ينقص ثلثاها، وأما نقيع الزبيب والتمر فيحل مطبوخهما وإن مسته النار مساً قليلاً، من غير اعتبار بحد كما اعتبر فى سلافة العنب، وأما التى منهما فحرام، ولكنه مع تحريمه إياه لا يوجب الحد فيه. وهذا كله ما لم يقع الإسكار، فإن ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬3) و (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من ع، ح.

فِى سكَكِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لِى أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا. فَهَرَقْتُهَا. فَقَالُوا - أَوْ قَالَ بَعْضُهمْ -: قُتِلَ فُلانٌ، قُتِلَ فُلانٌ، وَهِى فِى بُطُونِهِمْ - قَالَ: فَلا أَدْرِى هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع الإسكار استوى الجميع عند الجميع. والحجة لجمهور العلماء الاستنباط من الكتاب وظواهر الأخبار، [فأما] (¬2) المستنبط من الكتاب: فإن الله - سبحانه - نبه على أن علة تحريم الخمر كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، [وتوقع العداوة والبغضاء على حسب ما قال الله عز وجل: {إِنِّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاة} (¬3)] (¬4) وهذا المعنى بعينه موجود فى كل مسكر على حد سواء، لا تفاضل بين الأشربة فيه، فيجب أن يكون حكم جميعها واحداً. فإن قيل: إنما يتوقع هذا فى الإسكار المغير للعقل، وتلك حالة اتفق الجميع على منعها، قلنا: قد اتفق الجميع على منع عصير العنب وإن لم يسكر، وعلل البارى - سبحانه - التحريم [بما ذكرناه، فإذا كان ما سواه فى معناه فيجب أن يجرى فى الحكم مجراه، وصار التحريم] (¬5) للجنس، وعلل بما يحصل من الجنس على الجملة، وهذا وجه صحيح. هذا مأخذ التعليل من تنبيه الشرع، وتلقى التعليل من سياق التنزيل أولى وآكد من سائر ما يتعلق به فى هذا النوع. وللتعليل مأخذ ثانٍ، وهو أنا نقول: إذا شربت سلافة العنب عند اعتصارها ولم تشتد وهى حلوة فهى حلال إجماعاً، وإن اشتدت وأسكرت حرمت إجماعاً، فإن تخللت - أيضاً - من قبل الله تعالى حلت أيضاً، فنظرنا إلى تبدل هذه الأحكام وتجددها عند تجدد صفات وتبدلها، فأشعر ذلك بارتباط الأحكام بهذه الصفات، وقام هذا مقام النطق بذلك، فوجب جعل ذلك علة، وحكم بكون الشدة والإسكار علة التحريم؛ لما رأينا التحريم يوجد بوجودها ويفقد بفقدها، وإذا وضح ذلك ثبت ما قلناه. هذه إحدى الطريقتين من تصحيح ما عليه الجمهور، والطريقة الأخرى: الأحاديث الكثيرة، منها ما ذكر مسلم لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكر حرام " (¬6) وقوله: " نهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة " (¬7)، وقوله: " إن الله عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة ¬

_ (¬1) المائدة: 93. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع. (¬3) المائدة: 91. (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬6) و (¬7) سيأتى فى ب بيان أن كل مسكر خمر، برقم (72).

4 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْفَضِيخِ؟ فَقَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا خَمْرٌ غَيْرَ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِى تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ، إِنِّى لَقَائِمٌ أَسْقِيهَا أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا أَيُّوبَ وَرِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَيْتِنَا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ قُلْنَا: لا. قَالَ: فَإِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَالَ: يَا أَنَسُ، أَرِقْ هَذِهِ الْقِلالَ. قَالَ: فَمَا رَاجَعُوهَا وَلاسَأَلُوا عَنْهَا، بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ. 5 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: إِنِّى لَقَائِمٌ علَى الْحَىِّ، عَلَى عُمُومَتِى، أَسْقِيهِمْ مِنْ فَضِيخٍ لَهُمْ، وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ سِنًّا. فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ حُرِّمَتِ الخَمْرُ. فَقَالُوا: اكْفِئْهَا يَا أَنَسُ. فَكَفَأتُهَا. قَالَ قُلْتُ لأَنَسٍ: مَا هُوَ؟ قَالَ: بُسْرٌ وَرُطَبٌ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: كَانَتْ خُمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبال ". قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: " عرق أهل النار أو عصارة أهل النار " (¬1)، قال القاضى: وقول أبى طلحة لأنس: " أهرقها " عند سماع المنادى، وفى الرواية الأخرى: أن رجلاً جاءهم فأخبرهم أن الخمر قد حرمت، وفى الرواية الأخرى: " قم إلى هذه الخمرة فاكسرها، فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت " (¬2) فيه قبول خبر الواحد على هذه الرواية، وامتثال الأوامر لأول حال على الفور، وأن المحرمات لا ينتفع بها ولا يحل بيعها ولا تصريفها، وأن النداء فى البلد على الأمير والحاكم الذى يعرف أنه لا تخفى عليه مقام قوله وسماعه منه، وأن الإقرار على الشىء من قول أو فعل لقوله أو فعله. وفيه كسر أوانى الخمر وهى إحدى الروايتين عن مالك على كل حال؛ لما داخلها من أجزاء الخمر وعسر زوال ذلك منها بالغسل، والرواية أنها إذا طبخ فيها الماء وغسلت فلا بأس باستعمالها، وشدد مرة فى الذقاق لتعلق الرائحة بها، وهى معتبرة عنده على مشهور مذهبه. والمهراس: الحجر الذى يدق به ويهرس بعض الأشياء، وقد مضى من ذلك أول الكتاب حديث وفد ربيعة. ¬

_ (¬1) سيأتى فى ب بيان أن كل مسكر خمر، برقم (73). (¬2) حديث رقم (9) بالباب.

قَالَ سُلَيْمَانُ: وَحَدَّثَنِى رَجُلٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا. 6 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ قَائمًا عَلَى الحَىِّ أَسْقِيهِمْ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. وَأَنَسٌ شَاهِدٌ. فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ ذَاكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِى بَعْضُ مِنْ كَانَ مَعِى؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ خَمْرَهُمْ يَومَئِدٍ. 7 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَنْتُ أَسْقِى أَبَا طَلَحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، فِى رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ، فَقَالَ: حَدَثَ خَبَرٌ، نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ. فَكَفَأَنَاهَا يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّهَا لَخَلِيطُ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: لَقَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، وَكَانَتْ عَامَّةُ خُمُورِهِمْ يَوْمَئِذٍ، خَليطَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ. (...) وحدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشّارٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إِنِّى لأَسْقِى أَبَا طَلْحَةَ وَأبَا دُجَانَةَ وَسُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ مِنْ مَزَادَةٍ، فِيهَا خَلِيطُ بُسْرٍ وَتَمْرٍ. بِنَحْوِ حَدِيثِ سَعِيدٍ. 8 - (1981) وحدّثنى أَبُو الطّاهرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْجٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدَّثهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّهْوُ ثُمَّ يُشْرَبَ، وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَامَّةَ خُمُورِهِمْ، يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ. 9 - (1980) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: كُنَتُ أَسْقِى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فجرت فى سكك المدينة ": أى طرقها، وأصله الطريقة المستوية من النخل. قال الإمام: خرّج مسلم فى الباب: حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا ابن علية، أنبانا

الجَرَّاحِ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ، شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ، فَأَتَاهُمْ آت فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ، قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجَرَّةِ فَاكْسِرْهَا. فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ، حَتَّى تَكَسَّرَتْ. 10 - (1982) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ - يَعْنِى الحَنَفِىَّ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِى أَبِى؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ الآيَةَ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ فِيهَا الْخَمْرَ، وَمَا بِالمَدِينَةِ شَرَابٌ يُشْرَبُ إِلا مِنْ تَمْر. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد العزيز بن صهيب. وفى [بعض] (¬1) النسخ: " يحيى " مكان " ابن أيوب "، وهو وهم. قال الإمام: وفى أصل ابن ماهان: " ابن عيينة، مكان " ابن علية "، وهو وهم، والصواب: ابن علية، نبه [عليه عبد الغنى وقال: كان فى أصل ابن العلاء: ابن عيينة عن عبد العزيز بن] (¬2) صهيب، وهو خطأ، ليس عند ابن عيينة عن عبد العزيز شىء. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

(2) باب تحريم تخليل الخمر

(2) باب تحريم تخليل الخمر 11 - (1983) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلا؟ فَقَالَ: " لا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إنه سُئل - عليه السلام - عن الخمر تتخذ خلاً؟ فقال: " لا "، قال الإمام: قد اختلف الناس فى تخليلها، فمنعه قوم، والمشهور عندنا أنه مكروه، فإن فعل أكل، وقال بعض أصحابنا: لا يؤكل، وهذا الحديث حجة فى النهى. قال القاضى: تقدم الكلام على هذه المسألة فى كتاب البيوع.

(3) باب تحريم التداوى بالخمر

(3) باب تحريم التداوى بالخمر 12 - (1984) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِى؛ أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفَىَّ سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ؟ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا للِدَّوَاءِ. فَقَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إنما أصنعها للدواء. فقال عليه الصلاة والسلام: "ليس بدواء، ولكنه داء ": حجة فى أنه لا يتعافى بالخمر ولا بما حرّم الله، وقد تقدم الكلام على هذا أيضاً هناك وما للعلماء فيه، وفيه حجة لمن لا يرى تخليلها لأنه لو جاز لم أريقت؟ لأنه كان إذاً من إضاعة المال.

(4) باب بيان أن جميع ما ينبذ، مما يتخذ من النخل والعنب، يسمى خمرا

(4) باب بيان أن جميع ما ينبذ، مما يتخذ من النخل والعنب، يسمى خمراً 13 - (1985) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِى عُثَمَانَ، حَدَّثَنِى يَحْيَىَ بْنُ أَبِى كَثِيرٍ؛ أَنَّ أَبَا كَثِيرٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ ". 14 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو كَثِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَخلَةِ وَالْعِنَبَةِ ". 15 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ وَعِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ وَعُقْبَةَ بْنِ التَّوْأمِ، عَنْ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: الْكَرمَةِ وَالنَّخْلَةِ ". وفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ: " الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة " وفى الرواية الأخرى: " الكرمة " مما يتعلق به أبو حنيفة، ولا حجة له فيه؛ إذ ليس فيه أنه لا خمر إلا منهما وإنما الخمر منهما، وقد ذكر مسلم: حديث: " كل مسكر خمر " وحديث: " كل ما أسكر حرام "، وحديث معاذ فى السؤال عن شراب العسل والذرة والشعير فقال: " أنهى عن كل مسكر " (¬1)، وهذا كله تفسير وبيان يرفع الإشكال. وتسميته شجرة العنب الكرمة، وقد جاء حديثه بالنهى عن ذلك، لا تعارض فيه إن شاء الله؛ لأنه - عليه السلام - كره أن يسمى ما حرم الله، وذمه بأنواع الذم تسميته المدح والفضل، وأما أوصاف المسلم فربما حمل ذلك سامعه بما تضمن اسمها بذلك من صفة المدح على استعمالها، وقاله هو - عليه السلام - هاهنا للبيان كاستعمالهم ذلك الاسم غالباً، ويحتمل أن النهى عن ذلك إنما كان بعد هذا؛ إذ قوله هذا إنما كان بعد استقرار التحريم للخمر - والله أعلم. ¬

_ (¬1) سيأتى فى ب بيان أن كل مسكر خمر برقم (71).

(5) باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين

(5) باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين 16 - (1986) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِم، سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِى رَبَاحٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىُّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُخْلَطَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ، وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. 17 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىِّ، عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الَتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالبُسْرُ جَمِيعًا. 18 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجِ، قَالَ: قَالَ لِى عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالبُسْرِ، وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، نَبِيذًا ". 19 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ المَكِّىَّ، مَوْلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللهِ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الَزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، وَنهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهيه - عليه السلام - عن الخليطين، وانتباذ التمر والبسر والزبيب والتمر، أو الرطب والزبيب والبسر، أو الرطب والزبيب، أو الزهو والرطب، أو البلح والزهو، جميعاً على ما جاء من اختلاف ألفاظ الأحاديث، والأمر بانتباذ كل واحد من ذلك [على حدته، وأن يشرب كل واحد من ذلك فرداً] (¬1): علة ذلك عند العلماء من أجل انتزاع السكر والغليان إليهما باجتماعهما، فربما كان أعجل فى بعض الأحيان (¬2) بتعاون قوتيهما من معهود بهما، أحدهما قبل فساده [] (¬3) فيدخل اللبس ويخاف السكر، فحمى ذلك للذريعة. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) فى ح: الأخبار. (¬3) بياض فى الأصل.

20 - (1987) حدِّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنِ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدِ؛ أَنَّ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، وَعَنِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا. 21 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ - أَبُو مَسْلَمَةَ - عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَخْلِطَ بَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَأَنْ نَخْلِطَ الْبُسْرَ وَالتَّمْرِ. (...) وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنِ علىّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - عَنْ أَبِى مَسْلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 22 - (...) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلمٍ العَبْدِىِّ، عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ مِنْكُمْ، فَليَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا، أَوْ تَمْرًا فَرْدًا، أَوْ بُسْرًا فَرْدًا ". 23 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِىُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَخْلِطَ بُسْرًا بِتَمْرٍ، أَوْ زَبِيبًا بِتَمْرٍ، أَوْ زَبِيبًا بِبُسْرٍ. وَقَالَ: " مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ ". فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. 24 - (1988) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِىُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَنْتبِذُوا الزُّهُو وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلا تَنْتَبِذُوا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا، وَانْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: [اختلف العلماء] (¬1) فى الخليطين ومذهبنا النهى عنها، وبعض المتقدمين من أصحابنا يشدد فى ذلك ويعاقب عليه، وبعض المتأخرين منهم يشير إلى ألا يبلغ به ذلك، وقد يتعلق من يرخص فيه بقول عائشة: " أنه - عليه الصلاة والسلام - كان ينبذ له زبيب فيلقى فيه تمر أو بسر، فيلقى فيه زبيب "، هذا إذا كان الخليطان كل واحد منهما لو انفرد صار منه نبيذًا، فأما إذا كان أحدهما لو انفرد لم يصر منه نبيذاً فاضطرب المذهب فى ذلك فى مسائل ذكرناها. ¬

_ (¬1) سقط من ح.

(...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبَدىُّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِى عُثْمَان عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثير، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 25 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِىٌّ - وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ؛ أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَلَكَنِ انْتَبِذُوا كُلَّ وَاَحِدِ عَلَى حِدَتِهِ ". وَزَعَمَ يَحْيَى أَنَّهُ لَقِىَ عبدَ اللهِ بْنَ أَبِى قَتَادَةَ فَحَدَّثهُ عَنِ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ هَذَا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْن إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَيْنِ الإِسْنَادَيْنِ. غَيْر أَنَّهُ قَالَ: " الرُّطَبَ وَالزَّهْوَ، وَالتَّمْرَ وَالزَّبِيبَ ". 26 - (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ الْعَطّارُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ نَبِىَّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ. وَقَالَ: " انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ ". (...) وحدّثنى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. 26 م - (1989) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: نهيه - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك عند الانتباذ والشرب يقتضى التحريم فى الوجهين عند القائلين، أى مجرد النهى فى ذلك يقتضيه. وبالأخذ بهذه الأحاديث فى المنع من الانتباذ والاستعمال قال جمهور العلماء وكافة أهل الفتوى وفقهاء الأمصار، إلا أبا حنيفة وأبا يوسف فى أحد قوليه فلم يقولانه، وقالا: لابأس باستعماله وشربه، وما حل مفرداً حل مجموعاً، وهذا تحكم على الشرع. وتأول أصحابهما النهى أنه من باب السرف، وجمع إدامين فى إدام. وقد أشار البخارى إلى ذلك وترجم عليه (¬1) فى ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأشربة، ب من رأى ألا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكراً، وألا يجعل إدامين فى إدام 7/ 140.

حَدَّثَنَا وَكَيعٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَالْبُسْرِ وَالتَّمرِ. وَقَالَ: " يُنْبذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ ". (...) وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمِ بْنِ القَاسِمْ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْن عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ابْنُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ - وَهُوَ أَبُو كَثِيرٍ الْغُبَرِىُّ - حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 27 - (1990) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَأَنْ يُخْلَطَ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، وَكتَبَ إِلَى أَهْلِ جُرَشَ يَنْهَاهُمْ عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى الطَّحَّانَ - عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِى التَّمْرِ والزَّبِيبِ. وَلَمْ يَذْكُرِ: الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ. 28 - (1991) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَدْ نُهِىَ أَنْ يُنْبَذَ البُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا، وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا. 29 - (...) وحدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا رُوحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ نُهَى أَنْ يُنْبَذَ البُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا، وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب، وقال الليث بقول الجماعة، لكنه قصر النهى على الانتباذ وأجازه حين الشراب والاستعمال، وكأنه لم يبلغه حديث النهى عن جمعه للشرب، والتفت إلى العلة لمنع انتباذهما لأجل إسراع الشدة والسكر بخلطهما وإشكال ذلك، فيكون سبب مواقعة الحرام. وأبَى مالك والشافعى وغيرهما من خلطهما على حال الأحاديث فى ذلك وللعمل بالمدينة. واختلف أصحابنا: هل هو نهى تحريم أو كراهة؟ واختلفوا: هل يختص ذلك بالشرب أو بعمد وغيره إن خلط ذلك للتخليل؟ وعن مالك فى ذلك قولان، واختصاصه فى النهى بالانتباذ والشرب يرجح أحد الروايتين، ويصحح ما ذهب إليه أصحابنا وغيرهم فى جواز فعل ذلك لغير الانتباذ والشرب، كجعل العصير والعسل فى المربى أو فى المربات.

(6) باب النهى عن الانتباذ فى المزفت والدباء والحنتم والنقير وبيان أنه منسوخ، وأنه اليوم حلال، ما لم يصر مسكرا

(6) باب النهى عن الانتباذ فى المزفت والدباء والحنتم والنقير وبيان أنه منسوخ، وأنه اليوم حلال، ما لم يصر مسكراً 30 - (1992) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ، أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ. 31 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىّ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ، أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ. (1993) قَالَ: وَأَخْبَرَهُ أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَنْتَبِذُوا فِى الدُّبَّاءِ وَلا فِى المُزَفَّتِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاجْتَنِبُوا الْحَنَاتِم. 32 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُزَفَّتِ وَالْحَنَتَمِ وَالنَّقِير. قَالَ: قِيلَ لأَبِى هُرَيْرَةَ: مَا الْحَنْتَمُ؟ قَالَ: الْجِرَارُ الخُضْرُ. 33 - (...) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ: " أَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَم وَالنَّقِيرِ وَالْمُقَيَّرِ - وَالْحَنْتَمُ الْمَزَادَةُ المَجْبُوَبَةُ - وَلَكِنِ اشْرَبْ فِى سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ ". 34 - (1994) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ شَعْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْتَّيْمِىِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِى الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم نهيه - عليه الصلاة والسلام - عن الدباء والحنتم والمزفت أن ينبذ فيه، ونهى عن نبيذ [الجر] (¬1) وفسر الحنتم بالجرار الخضر. وهذا تفسير أن الجر هو الحنتم. وذكر أيضاً - فى بعضها النهى عن الانتباذ فى النقير وقد جاء تفيسر هذا كله فى الحديث [فى الأم، وقد تقدم فى صدر الكتاب فى حديث وفد ربيعة الحديث] (¬2) والكلام عليه، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من الهامش.

هَذَا حَدِيثُ جَرِيرٍ. وَفِى حَدِيثِ عَبْثَرٍ وَشُعْبَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. 35 - (1995) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ زهُيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لِلأَسْوَدِ: هَلْ سَأَلْتَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يُكْرَهُ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ. قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرينِى عَمَّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ. قَالَتْ: نَهَانَا - أَهْلَ الْبَيْتِ - أَنْ نَنْتَبِذَ فِى الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَمَا ذَكَرْت الْحَنْتَمَ وَالْجَرَ؟ قَالَ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكَ بِمَا سَمِعْتُ، أَأُحَدِّثُكَ مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ 36 - (...) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ، قَالا: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ وَحَمَّادُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 37 - (...) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ - يَعْنِى ابْنَ الفَضْلِ - حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ الْقُشَيْرِىُّ، قَالَ: لَقِيتُ عَائِشَةَ فسَأَلْتُهَا عَنِ النَّبِيذِ؟ فَحَدَّثَتْنِى أَنَّ وَفْدَ عَبْدْ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيذِ؟ فَنَهَاهُمْ أَنْ يَنْتَبِذُوا فِى الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْحَنْتَمِ. 38 - (...) وحدّثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وما حكاه الحربى فى تفسير الحنتم من الخلاف، ومن قال: إنها جرار مزفتة، ومن قال: إنه معنى الخضر السود من المزفت وأنها المزفتة. وقيل: جرار كان يُحمل فيها الخمر، فنهى عنها حتى تغسل ويذهب منها رائحته. ومن قال: إنها جرار كانت تصنع من طين عجن بالشعر والدم، وهو قول عطاء.

(...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. إِلا أَنَّهُ جَعَلَ مَكَانَ " الْمُزَفَّتِ ": " الْمُقَيَّرِ ". 39 - (17) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادِ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْد الْقَيْسِ عَلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُقَيَّرِ ". وَفِى حَدِيثِ حَمَّادٍ، جَعَلَ مَكَانَ " الْمُقَيَّرِ ": " الْمُزَفَّتِ ". 40 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىُّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيد بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ. 41 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حَبِيبٍ بْنِ أَبِى عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ، وَأَنْ يُخْلَطَ الْبَلَحُ بِالزُّهُوِ. 42 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى الْبَهْرَانِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وبالنهى عن الانتباذ فى الأوعية التى ورد فيها النهى عن الانتباذ قال مالك، قال: وأجاز ذلك ابن حبيب فقال: لم يكن بين نهيه عن ذلك وإباحته إلا جمعة. وقد ذكر مسلم: " نهيتكم عن الظروف، فإن الظروف لا تحل شيئاً ولا تحرمه، وكل مسكر حرام " (¬1) فنهاهم أولاً حماية للذريعة لئلا يقع الإشكال؛ لكون هذه الأوعية معينة عليه، وأباح مرة، ووكلهم إلى أمانتهم؛ ولهذا قال فى آخره: " وكل مسكر حرام ". وأما ما وقع فى الحديث الذى قدمناه أولاً [أنه لما جاء رجل بتحريم الخمر أراقوها ¬

_ (¬1) حديث رقم (64) بالباب.

43 - (1996) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنِ التَّيْمِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْجَر أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ. 44 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، بهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكسروا الجرار، فإنه إن كان التحليل ثابتاً عندهم بالشرع المقطوع به فإن هذا قبول النسخ من خبر الآحاد، وقد قدمنا] (¬1) أن الإجماع على منع النسخ به بعد زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن بعض الأئمة زعم أن النسخ كان يجوز به فى زمن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا على أنه قد يتناول الأمر فى ذلك على تأويلات يصح معها ما فعلوه مع منع النسخ. قال القاضى: قد مر من هذا أول الكتاب، وقد روى عن مالك الترخيص فى الزقاق المزفتة، وفى الانتباذ فى الجر. ذكر مسلم فى الباب فى حديث الجهضمى: " أنهاكم عن الدباء والحنتم المزادة المجبوبة لكن اشرب فى سقائك وأوكه " (¬2) كذا رواية الكافة، وكذا فى سائر النسخ، ورويناه عن أبى جعفر من طريق الهوزنى: " والحنتم والمزادة المجبوبة "، وهذا هو الصواب، والأول تغيير ووهم. وكذا ذكره النسائى: " والحنتم وعن المزادة المجبوبة " (¬3). وفى كتاب أبى داود: " والحنتم والدباء والمزادة المجبوبة " (¬4)، وكله يصحح ما قلناه. وكذ ضبطناه فى هذه الكتب: " المجبوبة " بجيم [بباء] (¬5) بواحدة فيهما. ورواه بعضهم: " المخنوثة " بالخاء المعجمة والنون أولاً والثاء المثلثة [آخراً] (¬6) وكأنه عنده من الحديث الآخر: " نهى عن اختناث الأسقية " (¬7)، وليس بشىء، والصواب الأول. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح، ع. (¬2) حديث رقم (33) بالباب. (¬3) النسائى، ك الأشربة ب الإذن فى الانتباذ التى خصها بعض الروايات التى أتينا على ذكرها، رقم (5646) الصغرى. (¬4) أبو داود، ك الأشربة، ب فى الأوعية 2/ 297. (¬5) من ح. (¬6) من ح. (¬7) ابن ماجه، ك الأشربة، ب اختناث الأسقية رقم (3418) 2/ 1131.

45 - (...) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا الْمُثَنّى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ فِى الْحَنْتَمَةِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ. 46 - (1997) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ - وَاللَّفْظ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُمَا شَهِدَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ. 47 - (...) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ - حَدَّثَنَا يَعْلَى ابْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ؟ فَقَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيذَ الْجَرِّ. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْت: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ؟ قَالَ: وَمَا يَقُولُ؟ قُلْتُ: قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيذَ الجَرِّ. فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ عُمَرَ، حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيذَ الْجَرِّ فَقُلْتُ: وَأَىُّ شَىْءٍ نَبِيذُ الْجَرِّ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَىْءٍ يُصْنَعُ مَنِ الْمَدَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الهروى: فى حديث ابن عباس نهى عن الجُب، بضم الجيم، وفسره: أنها المزادة يخاط بعضها إلى بعض ينتبذ فيهما حتى تضمرا، ويقال لها: المجبوبة أيضاً (¬1). قال الحربى: وماجب: هى التى قطع رأسها فصارت كهيئة الدن؛ وذلك لأنها لا توكأ فيعلم إذا غلا ما فيها. وأصل الجب: القطع. وقال الخطابى: لأنها ليست لها عزلاء يتنفس منها، فقد يتغير شرابها ولا يشعر به. وقوله بعد ذلك: " ولكن اشرب فى سقايك وأوكه " تفسيره: لأنه السقاء إذا وكى وشد متى تغير مامنه وأشتد، وغلا بتشقيق جلده، فما دام فيه النبيذ على حاله [أمن] (¬2) من فساده، بخلاف السقاء المجبوب وغيره من الأوعية التى يخفى فساد ما فيها. وقوله: " نهى عن نبيذ الجر " وتفسير ابن عباس له: " كل ما يصنع من المدر "، وفسره بعضهم بأنه الحنتم، كما تقدم أيضاً من تفسير الحنتم بأنها: الجرار فى الحديث. قيل: وقد مضى هذا كله مشبعاً أول الكتاب. وقوله فى تفسير الدباء: القرعة. كذا هو بسكون الراء. وتفسيره النقير بالنخلة تنسح ¬

_ (¬1) انظر الحديث فى: النهاية لابن الأثير، مادة " جب " 1/ 233 حيث لم نجده إلا فيه. (¬2) ساقطة من ح.

48 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسِ فِى بَعْضِ مَغَازِيهِ. قَالَ ابْن عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، فَانْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ أَبْلُغُهُ، فَسَأَلْتُ: مَاذَا قَالَ؟ قَالُوا: نَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ فِى الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. 49 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّاد. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنّى وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، عَنِ الثَّقَفِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ الأَيْلِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَلَمْ يَذْكُرُوا: فِى بَعْضِ مَغَازِيهِ. إِلا مَالِكٌ وأُسَامَةُ. 50 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: قَلْتُ لابْنِ عُمَر: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ؟ قَالَ: فَقَالَ: قَدْ زَعَمُوا ذَاكَ. قُلْتُ: أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَدْ زَعَمُوا ذَاكَ. (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: أَنَهَى نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ طَاوُسٌ: وَاللهِ، إِنِّى سَمِعْتُهُ مِنْهُ. 51 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جَرَيْج، أَخْبَرَنِى ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلاً جَاءَهُ فَقَالَ: أَنَهَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْبَذَ فِى الْجَرِّ وَالدُّبَّاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ. 52 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْجَرِّ وَالدُّبَّاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نسخًا وتنقر نقراً، بالسين والحاء المهملتين، معناه: يقشر عنها قشرها ثم يحفر فيها وينبذ ليسرع فيه الشدة، وهو معنى قوله: " وينقر نقراً "، كذا رويناه بالنون. وعند بعضهم عن ابن الحذاء بالباء، والوجه هنا ما رويناه.

53 - (...) حَدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ وَالدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ؟ قَالَ: نَعَمْ. 54 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِب بْنِ دِثَار، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحَنْتَمِ وَالدُّبَاءِ وَالْمُزَفَّتِ. قَالَ: سَمِعْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. (...) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ مُحَارِبِ ابْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَأُرَاهُ قَالَ: وَالنَّقِيرِ. 55 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَرِّ وَالدُّبَاءِ وَالْمُزَفَّتِ. وَقَالَ: " انْتَبِذُوا فِى الأَسْقِيَةِ ". 56 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَنْتَمَةِ. فَقُلْتُ: مَا الْحَنْتَمَةُ؟ قَالَ: الْجَرَّةُ. 57 - (...) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، حَدَّثَنِى زَاذَانُ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: حَدِّثَنِى بِمَا نَهَى عنهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَشْرِبَةِ بِلُغَتِكَ، وَفَسِّرْهُ لِى بِلُغَتِنَا، فَإِن لَكُمْ لُغَةً سِوَى لُغَتِنَا. فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَنْتَمَ، وَهِىَ الجَرَّةُ. وَعَنِ الدُّبَاءِ، وَهِىَ القَرْعَةُ. وَعَن الْمُزَفَّتِ، وَهُوَ الْمُقَيَّرُ. وَعَنِ النَّقِيرِ، وَهِىَ النَّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحًا، وَتُنْقَرُ نَقْرًا، وَأَمَرَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِى الأَسْقِيَةِ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. 58 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ - عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ - وَأَشَارَ إِلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدُ الْقَيْسَ عَلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ فَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، وَالْمُزَفَّتِ؟ وَظَنَنَّا أَنَّهُ نَسِيَهُ. فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعُهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. وَقَدْ كَانَ يَكْرَهُ. 59 - (1998) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهُيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَالدُّبَّاءِ. 60 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جَرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الْجَرِّ وَالدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. (...) قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: وَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَرِّ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ. (1999) وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُنْتَبَذُ لَهُ فِيهِ، نُبِذَ لَهُ فِى تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. 61 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ فِى تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. 62 - (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ يُنْتَبَذُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سِقَاءٍ، فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا سِقَاءً نُبِذَ لَهُ فِى تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ - وَأَنَا أَسْمَعُ لأَبِى الزُّبَيْرِ -: مِنْ بِرَامٍ؟ قَالَ: مِنْ بِرَامٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والبقر، بالباء: الشق. وكذا عنده ينسج نسجاً بالجيم، وهو وهم أيضًا، والنساجة، بضم النون: ما يتساقط من قشر التمر. قوله: " كان ينتبذ له - عليه السلام - فى توْرٍ من حجارة "، وفى الحديث الآخر: " من برام " هما بمعنى واحد. والبرام جمع برمة، وتجمع - أيضاً - برم، وهو قدر من

63 - (977) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِى سِنَانٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: عَن ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ - عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ - أَبُو سِنَانٍ - عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلا فِى سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا ". 64 - (...) وحدَّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا ضَحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ، وَإِنَّ الظُّرُوفَ أَوْ ظرفًا - لا يُحِلُّ شَيْئًا وَلا يُحَرِّمُهُ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حجارة وهو التور. قال الخليل: التور معروف، يذكره العرب. وقيل: هو دخيل. وذكر مسلم كذا فى الباب: حدَّثنا شيبان بن فروخ، حدثنا القاسم - يعنى ابن المفضل. كذا قيدناه عن أبى بحر، وضبطناه عن الصدفى والخشنى: " ابن الفضل ". كذا ذكر أبى (¬1) عبد الله الحاكم. قال القاسم بن المفضل: [أعرفه بالدلل الحرابى فيما تفرد به مسلم، وكذا جاء بعد هذا فى باب نبذ رسول الله على الصواب] (¬2). ذكره مسلم - أيضاً - فى الباب: حدَّثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدَّثنا شعبة، عن يحيى بن [أبى] (¬3) عمر، عن ابن عباس. كذا قيدناه عن جميع شيوخنا، ورواه بعضهم هنا. وفى حديث إسحاق فى باب نبيذ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عن يحيى بن أبى عمر، وهو وهم، وإنما هو يحيى بن عبيد أبو عمر البهرانى. وكذا جاء بعد هذا فى باب نبيذ النبى عليه الصلاة والسلام: شعبة عن يحيى بن [أبى عمر] (¬4) البهرانى، سمعت ابن عباس فى حديث عبيد الله العنبرى، وكذا ذكره ابن البيع فيمن تفرد به مسلم، وقال البخارى فى التاريخ مثله، وقال: كوفى سمع ابن عباس، يروى عنه الأعمش وشعبة (¬5). ¬

_ (¬1) وجاءت فى الأصل: " ابن "، وهو تصحيف، والمثبت من ح. (¬2) من ح. (¬3) ساقطة من ح. قال النووى: وقع فى معظم نسخ بلادنا يحيى أبى عمر بالكنية وهو الصواب، وهو يحيى ابن عبيد أبو عمر البهرانى، وكذا هو فى الحديث الآتى (79) من هذا الكتاب. (¬4) من ح، وساقطة من الأصل. (¬5) التاريخ الكبير 8/ 294 رقم (3052).

65 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ عَنْ مُحارب بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنَتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَشْرِبَةِ فِى ظُرُوفِ الأَدَمِ، فَاشْرَبُوا فِى كُلِّ وِعَاءٍ، غَيْرَ أَلا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا ". 66 - (2000) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى عُمَرَ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى عِيَاضٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيذِ فِى الأَوْعِيَةِ، قَالُوا: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ فَأَرْخَصَ لَهُمْ فِى الْجَرِّ غَيْرَ المُزَفَّتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى الباب: عبد الخالق بن سلمة، عن سعيد بن المسيب. ضبطناه بكسر اللام وفتحها، وبالوجهين ذكر البخارى فى تاريخه (¬1) وأصحاب المؤتلف فى كتبهم. قال الإمام: وذكر مسلم فى الباب فى حديث ابن أبى شيبة وابن أبى عمر قالا: حدثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن مجاهد عن ابن أبى عياض، عن عبد الله بن عمرو، قال: " لما نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النبيذ " الحديث: هكذا عن ابن ماهان، ووقع فى النسخة: عن أبى العباس الرازى، عن عبد الله بن عمر - يعنى ابن الخطاب. قال بعضهم: كذا عند السجزى والكسائى، كلهم قال: عن عبد الله بن عمر بن الخطاب والمحفوظ: لعبد الله بن عمرو بن العاص، وكذا جعله الحميدى وابن أبى شيبة عن سفيان ابن عيينة فى مسند عبد الله بن عمرو بن العاص. قال القاضى: وكذا ذكره البخارى (¬2)، وكذا رويناه عن الأسدى من طريق السجزى والسمرقندى، وروينا من طريق الكسائى وابن الحذاء: عمرو. ذكر مسلم فى حديث الخليطين: عن أبى كثير الحنفى. كذا فى جميع النسخ. قال بعضهم: صوابه: السحمى، واسمه يزيد بن عبد الرحمن، وكذا نسبه الحاكم أبو عبد الله، لكن قال فيه: يزيد بن عبد الله بن أزنية (¬3). ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 3/ 2/ 125. (¬2) البخارى، ك الأشربة، ب ترخيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأوعية والظروف بعد النهى 7/ 138. (¬3) انظر: رجال مسلم لابن منجويه 2/ 362.

(7) باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام

(7) باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام 67 - (2001) حدَّثنا يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ؟ فَقَالَ: " كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ، فَهُوَ حَرَامٌ ". 68 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُوُنسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ البِتْعِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ، فَهُوَ حَرَامٌ ". 69 - (...) حَدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ سُفْيَانَ وَصَالِحٍ: سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ؟ وَهُوَ فِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَفِى حَدِيثِ صَالِحٍ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كُلُّ شَرَاب مُسْكِر حَرَامٌ ". 70 - (1733) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وِإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: بَعَثَنِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَمُعَاذ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، مِنَ الشَّعِير. وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ: الْبِتْعُ، مِنَ الْعَسَلِ. فَقَالَ: " كُلُّ مُسْكَرٍ حَرَامٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم [فى] (¬1) حديث معاذ وتوجيهه - عليه السلام - له إلى اليمن مع أبى موسى وتوصيته التى لهما بالتيسير والمطاوعة، وقد تقدم تفسير التيسير. فيه ذم المخالفة ومخافة مغبتها وفساد الأحوال معها، وفيه التعاون على البر ومصالح المسلمين، وفيه مسألة النبى عن البتع وهو شراب العسل، وعن المزر وهو شراب الشعير، وفسره فى موضع آخر من الذرة والشعير وعما يطبخ من شرابه العسل حتى يعقد. ¬

_ (¬1) ساقطة من ح.

(...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُمَا: " بَشِّرَا وَيَسِّرَا، وَعَلِّمَا وَلا تُنَفِّرَا "، وَأُرَاهُ قَالَ: " وَتَطَاوَعَا ". قَالَ: فَلَمَّا وَلَّى رَجَعَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لَهُمْ شَرَابًا مِنَ الْعَسَلِ يُطْبَخُ حَتَّى يَعْقِدَ، وَالْمِزْرُ يُصْنَعُ مِنَ الشَّعِيرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مَا أَسْكَرَ عَنِ الصَّلاةِ، فَهُوَ حَرَامٌ ". 71 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ أَبِى خَلَفٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى خَلَفٍ - قَالا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ - وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: " ادْعُوَا النَّاسَ، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا ". قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفْتِنَا فِى شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ: الْبِتْعُ، وَهُوَ مِنَ الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ. وَالْمِزْرُ، وَهُوَ مِنَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْطِىَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ بِخَوَاتِمِه. فَقَاَلَ: " أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنِ الصَّلاةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: - عليه السلام -: " كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام ": نبه بهذا عن المسكر من غيرها؛ بدليل إطلاقه هذا اللفظ فى سائر الأحاديث دون ذكر الصلاة، وقد كان أولاً قبل تحريم الخمر ورد النهى عن قرب الصلاة فى حال السكر، على قول أكثر العلماء فى المراد بالآية أنه من سكر الخمر. ثم اختلفوا فى ذلك، فذهب بعضهم إلى أن المفهوم منها السكر دون غيره وذلك قبل تحريم الخمر، ثم نسخ جميع ذلك [بقوله: {فَاجْتَنِبُوهُ} (¬1) وبقوله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون} (¬2)، وقيل: بل نسخ ذلك] (¬3) بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاة} الآية (¬4)، فلم يبح لهم تأخير الصلاة جملة وقيل: المراد سكر النوم. وقوله: " يطبخ حتى يعقد " بفتح الياء وكسر القاف، يقال: عقد العسل فهو عقيد، وأعقدته أنا فهو معقد: إذا شددته بالنار، وعقدت الحبل وغيره فهو معقود. واختلف فيما طبخ من العصير بالحد المباح منه، فجمهور العلماء على أن ينقص الثلثين يبيحه ويؤمن معه السكر، وهو المذكور فى حديث عمر (¬5)، وحكى مثله عن مالك. وكافة العلماء وفى كتاب محمد: لا حد فى ذلك، إلا أن يكون لا يسكر، والأكثر أنه يحل ¬

_ (¬1) المائدة: 90. (¬2) المائدة: 91. (¬3) سقط من ح. (¬4) المائدة: 6. (¬5) الموطأ، ك الأشربة، ب جامع تحريم الخمر 2/ 847 رقم (14).

72 - (2002) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَردِىَّ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابَرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ منْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَو مُسْكِرٌ هُوَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَهْدًا، لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: " عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بذهاب الثلثين وليس فى كل شراب ولا كل عصير، وأما الوضع المعروف فلا بأس بذلك. وجواب النبى - عليه السلام - عن هذا بقوله: " كل ما أسكر " يعضد هذا كله. وأجاز أبو حنيفة وأصحابه شرب ما ذهب منه ثلثاه وإن أسكر، وجعلوا ذهاب الثلثين حدًا للحل، وروى عن جماعة من السلف أن ذهاب النصف بالطبخ حد يبيح شربها، وروى - أيضاً - عن أبى حنيفة وأبى يوسف. والمراعاة فى ذلك ما ذهب إليه أصحابنا، وهى حقيقة قول مالك: مراعاة عدم الإسكار، وأن حديث عمر: أن عصير عنبهم كان إذا ذهب ثلثاه بالطبخ أمن منه ذلك (¬1). قال ابن حبيب: ومن تحفظ التزم الشرطين: عدم الإسكار، وذهاب الثلثين، كأنه احتاط لرفعه واختزانه، وحديث [أبى] (¬2) موسى ومعاذ هذا له علة، فذكره مسلم عن شعبة، عن أبى بردة، عن أبيه، [عن جده] (¬3) [عن أبى موسى. وذكره - أيضًا - عن محمد بن عباد، عن سفيان بن عمر - وهو ابن كيثار - عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن جده، (¬4) وذكره - أيضًا - عن زيد بن أبى أنَيْسَة، عن سعيد بن أبى بردة، حدثنا أبو بردة، عن أبيه. قال الدارقطنى: اختلف فيه على شعبة، فأخرجه البخارى عنه، عن سعيد بن أبى بردة، عن أبيه: " بعث النبى - عليه السلام - جده (¬5) أبا موسى ومعاذ " الحديث. كذا قاله البخارى (¬6) من رواية مسلم عن شعبة، وتابعه العبدى ووهيب عنه، وقال وكيع والنضر وأبو داود: عن أبيه، عن جده. كما ذكر مسلم هنا. وأما رواية ابن عباد، فقال الدارقطنى: لم يتابع ابن عباد عليه، ولا يصح هذا عن عمرو بن دينار، وقد روى عن ابن عيينة عن ابن مسعود، ولا يثبت، ولم يخرجه البخارى من حديث عيينة، وهذا مما استدركه الدارقطنى على مسلم (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ، ك الأشربة، ب جامع تحريم الخمر 2/ 847 رقم (14). (¬2) ساقطة من ح (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) سقط من ح. (¬5) فى الأصل: أبو، وهو تصحيف. (¬6) البخارى، ك الأدب، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يسروا ولا تعسروا " رقم (6124). (¬7) الإلزامات والتتبع ص 198.

73 - (2003) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا، لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِى الآخِرَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والذى عندى: إنما ذكر مسلم حديث محمد بن عباد ليستشهد به على رواية وكيع لموافقته له فى إسناد الحديث، وهذا ومثله يبين أن مسلماً استوفى فى كتابه الأقسام التى أشار إليها، والعلل التى وعد بذكرها، خلاف ما ذهب إليه الحاكم أبو عبد الله من تأويله أنه مات قبل أن يؤلف من ذلك إلا الضرب، وقد بينا هذا أول الكتاب. وقوله: " نهيتكم عن الأشربة فى ظروف الأدم فاشربوا فى كل وعاء " (¬1) كذا لفظه فى حديث ابن أبى شيبة، وفيه تغيره من النعلة، وصوابه: " إلا فى ظروف الأدم " بدليل الحديث قبله: " نهيتكم عن النبيذ إلا فى سقاء "، وأنه - عليه السلام - حين نهاهم عن الأوعية أباح أسقية الأدم للغاية التى ذكرناها من أمر خفاء التغيير؛ لما فيها من شد أعلاها، كما قال: " ولا يشرب إلا من موكأ لهم " ثم أباح - عليه السلام - سائر الظروف ما لم يسكر، ولذلك قوله فى حديث ابن نمير: " نهيتكم عن النبيذ إلا فى سقاء، فاشربوا فى الأسقية كلها " قيل: فيه تغيير أيضاً، وصوابه: " فاشربوا فى الأوعية أو الظروف كلها " إذ كانت الأسقية كلها قبل مباحة كما تقدم، وبدليل قوله فى حديث حجاج بعده: " نهيتكم عن الظروف " (¬2). وقوله فى حديث ابن أبى شيبة: " فاشربوا فى كل وعاء " (¬3): فالنسخ إذا كان فى الأوعية والظروف عن الأسقية، وفيها اختلف الحكم. وأما الأسقية فلم تزل مباحة، وقد ذكر البخارى فى حديث عبد الله بن عمرو: " نهيتكم عن الأوعية "، فقالوا: ليس كل الناس يجد سقاء (¬4). وهذا هو الصحيح، وقد ذكره من رواية أخرى عن الأسقية، والصواب الأول. وكان نهى النبى لهم أولاً حيطة لهم على دينهم فى أن يوقعهم الانتباذ فيها فى شرب المسكر، وعلى أموالهم فى أن يفسد أنبذتهم لسرعة الشدة والإسكار فيها، فلما أعلموه بضرورتهم بذلك راعى أخف الضررين، وأن منيعتهم بالانتباذ أُخذ من خوف فساد أنبذتهم، وحذرهم من موافقة الحرام المسكر. ¬

_ (¬1) تقدم فى الباب السابق برقم (65). (¬2) حديث رقم (64) بالباب السابق. (¬3) حديث رقم (63) بالباب السابق. (¬4) البخارى، ك الأشربة، ب ترخيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأوعية والظروف بعد النهى 10/ 57 (5593).

74 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، كِلاهُمَا عَنْ رُوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ". (...) وحدّثنا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ السُّلَمِىُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ المُطَّلِبِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكان أوتى جوامع الكلم وخواتمه " (¬1): المراد بجوامع الكلم هنا: الإيجاز فى اللفظ، وجمع المعانى الكثيرة فى الألفاظ القليلة، وهو فى غير هذا الحديث القرآن، ومعنى خواتمه من هذا، كأنه يختم على المعانى ويضمها لوجيز اللفظ كما يختم الكتاب ويجمعه به. وقوله: " كل مسكر خمر، وكل خمر حرام "، قال الإمام: نتيجة هاتين المقدمتين أن كل مسكر حرام، وقد أراد بعض أهل الأصول أن يمزج هذا بشىء من علم أصحاب المنطق [فيقول: إن أهل المنطق] (¬2) يقولون: لا يكون القياس ولا تصح النتيجة إلا بمقدمتين. فقوله: " كل مسكر خمر " مقدمة لا يبح بانفرادها شيئاً، وهم يسمون اللفظة الأولى من المقدمة موضوعاً، واللفظة الثانية محمولاً؛ بمعنى أن اللفظة الأولى وضعت لأن تحمل الثانية [محمولاً] (¬3) عليها، فيكون المحمول فى المقدمة الأولى هو الموضوع فى المقدمة الثانية، وتكون النتيجة موضوع المقدمة الأولى ومحمول الثانية، فيصير: كل مسكر حرام. ويجعل أصحاب المنطق هذا أصلاً يسهلون به معرفة النتائج والقياس. وهذا وإن اتفق لهذا الأصولى هاهنا وفى موضع أو موضعين فى الشريعة، فإنه لا يستمر فى سائر أقيستها، ومعظم طرق الأقيسة الفقهية لا يسلك فيها هذا المسلك، ولا يعرف من هذه الجهة؛ وذلك أنَّ مثلاً لو عللنا تحريمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التفاضل فى البُرِ بأنه مطعوم، كما قال [به] (¬4) الشافعى، لم يقدر أن نعرف هذه العلة إلا ببحث وسبر وتقسيم، فإذا عرفناها فللشافعى أن يقول حينئذ: كل سفرجل مطعوم، وكل مطعوم ربوى، فتكون النتيجه [السفرجل ربوى، على حسب ما قلناه من كون النتيجة] (¬5) موضوع الأولى ومحمول الثانية، ولكن هذا ما يفيد الشافعى فائدة؛ لأنه إنما عرف هذا وصحة هذه النتيجة بطريقة أخرى، فلما عرفها من تلك الطريقة أراد أن يضع عبارة يعبر بها عن مذهبه، جاء ¬

_ (¬1) حديث رقم (71) بالباب. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ح، ع. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) ساقطة من الأصل، ع، والمثبت من ح. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من ح، ع.

75 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ - وَلا أَعْلَمَهُ إِلا عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بها على هذه الصيغة. ولو جاء بها على أى صيغة أراد مما يؤدى عنه مراده لم يكن لهذه الصيغة مزيد عليها، وإنما نبهنا على ذلك لما ألفينا بعض المتأخرين؟ صنّف كتاباً أراد أن يرد فيه أصول الفقه لأصول علم المنطق. وقد وقع فى بعض طرق مسلم: " كل مسكر حرام ": هذا نتيجة تينك المقدمتين من غير أن تذكر، وتانك المقدمتان ذكرتا فى طريق أخرى من غير نتيجة، وفى طريق ثالثة: " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام "، وهذا ذكر فيه إحدى المقدمتين مع نتيجتهما لو اجتمعتا، وهذا يشعرك بأن الشرع لا يلتفت إلى الناحية التى التجأ (¬1) إليها هذا المتأخر. قال القاضى [عياض] (¬2): اختلف فى هذا الحديث عن نافع فى رفعه عن ابن عمر، فرواه أبو الزناد، وعبد الله العمرى، وابن عجلان، وأيوب، والليث، وحماد بن زيد، وموسى بن عقبة، وجماعة من الحفاظ مرفوعاً، واختلف فيه عن مالك [موقوفاً على عبد الله] (¬3) والعمرى، قد ذكره مسلم وأصحاب الموطأ عن مالك موقوفاً على عبد الله بن عمر، ولم يرفعه من أصحاب الموطأ غير معن؛ ولذلك رواه عنه عبد الملك بن الماجشون مرفوعاً. واختلف فيه عن عبد الله بن عمر، فكان مرة يوقفه، وربما قال أحياناً: لا أعلمه إلا عن النبى - عليه السلام - وكذلك رفعه جماعة عن ابن عمر غير نافع، فيهم أبو سلمة ابن عبد الرحمن وزيد بن أسلم، وعبد الله بن كسار، وسالم، كلهم رفعوه عن ابن عمرو، ورفعه صحيح. وقوله: " إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال "، وفسرها بعرق أهل النار أو عصارة أهل النار. السكر، بفتح السين هنا: الخمر المسكر، وكذا وقع فى رواية الطبرى: " المسكر "، وفيه الحديث: " حرمت الخمر بعينها، والسكر من غيرها "، كذا رواه أحمد بن حنبل: " والمسكرات كلها من غيرها " (¬4). وقال المفسرون فى قوله: ¬

_ (¬1) فى ع: نحا. (¬2) من الأصل، وساقطة من ح. (¬3) سقط عن ح. (¬4) النسائى، ك الأشربة، ب ذكر الأخبار التى اعتل بها من أباح فى شراب السكر رقم (5684، 5685) الصغرى 8/ 321 بلفظ: " حرمت الخمرة "، أحمد فى المسند 2/ 25 بلفظ: " لعنت الخمر بعينها ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ {تَتَّخِذونَ مِنْهُ سَكَرًا} (¬1) أى خمراً، قالوا: وذلك قبل تحريم الخمر (¬2). قال ابن عرفة: السكر خمر الأعاجم، ويقال لما يسكر: السكر. ومعنى " أن على الله عهداً ": أى ألزم ذلك وأوجبه، وقضى به، والعهد الموثق. وهذا الحديث حجة - أيضاً - فى تحريم الخمر، وأن شرب ذلك من الكبائر؛ لأن ما أوعد الله عليه بالعقاب فهو حرام. ¬

_ (¬1) النحل: 67. (¬2) وهو قول ابن عباس، وقال القرطبى: وهو قول الجمهور، منهم عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأبو رزين، والحسن، ومجاهد، وابن أبى ليلى، والكلبى وغيرهم. وهو قول أهل اللغة. انظر: الجامع لأحكام القرآن 10/ 128.

(8) باب عقوبة من شرب الخمر إذا لم يتب منها بمنعه إياها فى الآخرة

(8) باب عقوبة من شرب الخمر إذا لم يتب منها بمنعه إياها فى الآخرة 76 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الدُّنْيَا، حُرِمَهَا فِى الآخِرَةِ ". 77 - (...) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الدُّنْيَا فَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِى الآخِرَةِ فَلَمْ يُسْقَهَا ". قِيلَ لِمَالِكٍ: رَفَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. 78 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِى الآخِرَةِ، إِلا أَنْ يَتُوبَ ". (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ - يَعْنِى ابْنَ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِىَّ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ [وقوله] (¬1): " من شرب الخمر فى الدنيا فمات وهو مدمنها لم يتب منها لم يشربها فى الآخرة ": ففى قوله: " لم يتب " دليل أن التوبة تكفر الذنوب على ما تظاهرت به دلائل الشريعة، ولم يختلف أئمة أهل السنة. أن قبولها وتكفير الخطايا بها واجب شرعاً، واختلف أئمة المتكلمين من أهل السنة: هل هى مسألة قطعية أو ظنية؟ فيرجح فيها بعضهم، وذهب غيرهم من المعتزلة إلى أن ذلك واجب عقلاً على أصولهم. وقوله: " حرمها فى الآخرة ": أى أن عاقبه الله بها، وأنفذ عليه وعيده، وأنه بعد العفو عنه أو المعاقبة فى النار إن عاقبه الله وأنفذ عليه وعيده، وحينئذ يحرم شربها فى الجنة؛ إذ هى من أشربة الجنة، وإن كانت بخلاف خمر الدنيا كما قال تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُون} (¬2). قال بعض العلماء: ينساها، وقال غيره: يحتمل ألا يشتهيها، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) الصافات: 47.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: بل دليله أنه يحرم الجنة جملة بأنه إن حرم شربها وهو فى الجنة، عالم بمنعه لذتها الحقة حزن وغم، والجنة لا حزن فيها ولا غم، وإن كان لم يعلم بذلك ولم يخطر بباله فلا عقوبة فى هذا أيضاً. ومعنى هذا عند هذا القائل أن يُحبس عن الجنة ويحرمها مدة ما كما جاء فى غير حديث فى العقاب: لم يُرْح رائحة الجنة، ولم يدخل الجنة. فيكون عقابه منعه من الالتذاذ تلك المدة، ويكون إما من أصحاب الأعراف وأهل البرزخ، وإما أن يحرم الجنة بالكلية، فليس مذهب أهل السنة فى أصحاب الذنوب، ويقول الأولون: لا يقول: إن فى ذلك كله عليه حسرة، ولا يكون بتنسيتها إياه أو ترك شهوتها عقوبة، وإنما هو نقص نعيم ومباينة لغيره ممن تم نعيمه، كما اختلفت درجاتهم ومنازلهم فيها دون نقص ولا غم على أحد منهم، ولا تطلع نفس وحسرة على ما مالت.

(9) باب إباحة النبيذ الذى لم يشتد ولم يصر مسكرا

(9) باب إباحة النبيذ الذى لم يشتد ولم يصر مسكراً 79 - (2004) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْد أَبِى عُمَرَ الْبَهْرَانِىِّ، قَالَ: سَمِعتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ، إِذَا أَصْبَحَ، يَوْمهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِى تَجِىءُ، وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِىَ شَىْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمُ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ. 80 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى الْبَهْرَانِىِّ، قَالَ: ذَكَرُوا النَّبِيذَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ فِى سِقَاءٍ. قَالَ شُعْبَةُ: منْ لَيْلَةِ الإِثْنَيْنِ، فَيَشْرَبُهُ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَالثَّلاثَاءِ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَىْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ صَبَّهُ. 81 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ وَأَبِى كُرَيْبٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ، فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ، إِلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَأمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهَرَاقُ. 82 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى عُمَر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِى السَّقَاءِ، فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ، فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَىْءٌ أَهْرَاقَهُ. 83 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، أَبِى عُمَرَ النَّخَعِىِّ، قَالَ: سَأَلَ قَوْمٌ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان ينبذ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التى تجىء والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر، فإن بقى شىء سقاه الخادم، أو أمر به فصب ": فيه جواز شرب النبيذ ما دام حلواً ولم يتغير ولم يغل، وجواز الانتباذ، ولا خلاف فى هذا وأنه بعد ثلاث يخشى تغيره ولا يؤمن أن تداخله داخلة فتحرّى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بعد ذلك ولم يشربه وسقاه غيره، كراهية ما لعله يوجد فيه من رائحة لا أنه مسكر، إذا لو كان مسكراً لما سقاه الخادم ولا غيره، كما لم يشربه هو.

الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا وَالتِّجَارَةِ فِيهَا؟ فَقَالَ: أَمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ بَيْعُهَا وَلا شِرَاؤُهَا وَلا التِّجَارَةُ فِيهَا. قَالَ: فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيذِ؟ فَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سَفَرٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ نَبَذَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِى حَنَاتِمَ ونَقِيرٍ وَدُبَّاءٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُهَرِيقَ، ثُمَّ أَمَر بِسِقَاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَمَاءٌ، فَجُعِلَ مِنَ اللَّيْلِ فَأَصْبحَ، فَشَرِبَ مِنْهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَيْلَتَهُ الْمُسْتَقْبِلَةَ، وَمِنَ الْغَدَ حَتَّى أَمْسَى، فَشَرِبَ وَسَقَى، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمَر بِمَا بَقِىَ مِنْهُ فَأُهَرِيقَ. 84 - (2005) حدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ - يَعْنِى ابْنَ الفَضْلِ الْحُدَّانِىَّ - حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ - يَعْنِى ابْنَ حَزْنٍ الْقُشَيْرِىَّ - قَالَ: لَقِيتُ عَائِشَةَ، فَسَأَلْتُهَا عَنِ النَّبِيذِ؟ فَدَعَتْ عَائِشَةُ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً، فَقَالَتْ: سَلْ هَذِهِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتِ الْحَبَشِيَّةُ: كُنْتُ أَنْبِذُ لَهُ فِى سِقَاءٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَأوكِيهِ وَأعَلِّقُهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ. 85 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سِقَاءٍ، يُوكَى أَعْلاهُ، وَلَهُ عَزْلاءُ، نَنْبِذُهُ غُدْوةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً فيَشْرَبُهُ غُدْوَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: " أو صبه أو أراقه " إذا رأى فيه شبهة التغيير والفساد، وأنكر أخذه وسقيه بعد ثلاث ما لم يخش ذلك منه وتحفظ هو عنه تنزهاً عن تغير رائحته وابتداء فساده، ولا يتفق صبه وإراقته وقت جوازه سقيه لغيره لأنه من إتلاف المال، وإنما الوجهان من سقى الخادم أو غيره أو صبه وإراقته بإختلاف الحالين - والله أعلم - والحالة الأولى التى كان يشربها هو فيها قبل تمام الثلاث حيث لا تغير فيه فى رائحة ولا طعم ولا مغل. وقد ذكر مسلم عن عائشة أنه " كان ينتبذ له عشاء فيشربه غدوة، وينتبذ له غدوة فيشربه عشية ": وهذا حال فيما انتبذ من النبيذ القليل والذى يفرغ ويشرب من يومه وليلته، والحديث الآخر فيما كثر منه وسقى فلم يتعد بعد ثلاث لما تقدم، وقد يحتمل أن حديث عائشة فى زمن الحروب يخفى فساده فى الزيادة على يوم وليلة أو تتغير رائحته، وفى حديث ابن عباس فى زمن آخر بخلافه مما يؤمن عليه الفساد، وتغيير الريح والطعم إلا بعد ثلاث - والله أعلم. وقوله: " وله عزلاء ": أى فم أسفل يكون فى السقاء. وقوله: " أوكيه ": أى شد فمه بالوكاء، وهو الخيط الذى يشد به القربة.

86 - (2006) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى حَازِمٍ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِىُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى عُرْسِهِ، فَكَانَتِ امْرَأتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمهُمْ، وَهِىَ الْعَرُوسُ. قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِى تَوْرٍ، فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ. (...) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلاً يَقُولُ: أَتَى أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِىُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ. 87 - (...) وحدثّنى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى أَبَا غَسَّانَ - حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَن سَهْلَ بْنِ سَعْدٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ: فِى تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ، تَخُصُّهُ بِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الطعام أماثته فسقته تخصه بذلك ": يعنى ما أنقعت له من تمر، كذا رويناه بالثاء المثلثة فى الأولى والمثناة فى الثانية. قال الإمام: وقع فى بعض النسخ: " أماتته " بتائين، كل واحدة منهما معجمة باثنتين فوقها. وفى بعض النسخ: " أماثته " بالثاء المعجمة ثلاثاً أو ما بعدها معجمة باثنتين، ومعناه: إذا إذابته. قال ابن السكيت: [يقال: ماث الشىء يمثه ويموثه موثاً وموثاناً: أذابه. لكن ابن السكيت] (¬1) ذكره ثلاثياً، والذى وقع فى الحديث هنا رباعياً. قال القاضى: الوجهان فيه معروفان، رباعى كما جاء فى الحديث، وثلاثى كما قال ابن السكيت. وفسره غيره بمعنى: غركته ولبنته ليستخرج قوته وعسيلته، وهو أحسن عبارة وأولى بالتفسير. وقال الهروى: مثت الشىء أمثه وأمتثه: دقته، وهو بهذا المعنى وقد تقدم تفسيره، وقال آخر فى أماث الطعام: لينه، وكله بمعنى. وقوله: " تخصه بذلك ": أى تخص به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ لم يكن ذلك الشراب يتسع لكل من حضر الوليمة. فيه جواز خصوص بعض أهل الوليمة والحاضرين بنوع من اللبن والطعام دون الآخرين، لأن هذا موكول إلى صاحب الدعوة، لكن مكارم الأخلاق وحسن المروءة توجب اجتناب هذا لئلا يخدش الصدور. ولا يعترض على قولنا بما ذكرناه من تخصيص هذا للنبى بكرامتها، فإن الكل كان مسروراً بتخصيصها إياه، مفضلاً له على نفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كذا جاء هذا اللفظ عند مسلم " تخصه "، وكذا رواه بعض رواة البخارى وعند ¬

_ (¬1) سقط من ح.

88 - (2007) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ: حَدَّثَنَا - ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ مُطَرِّفٍ، أَبُو غَسَّانَ - أَخْبَرَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: ذُكرَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأةٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَدِمَتْ، فَنَزَلَتْ فِى أُجُمِ بَنِى سَاعِدَةَ. فَخَرَجَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأسَهَا، فَلَمَّا كَلَّمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، قَالَ: " قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّى ". فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ منْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: لا. فَقَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَكِ لِيَخْطبَكِ. قَالَتْ: أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ. قَالَ سَهْلٌ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: " اسْقِنَا " لِسَهْلٍ. قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُمْ هَذَا الْقَدَحَ، فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن السكن منهم: " تتحفه بذلك " وهو قريب من " تخصه "، وبمعناه قال ابن دريد: أتحفت الرجل بالشىء إتحافاً: إذا أطوقته به أو تخصه به. و" أُجُم بنى ساعدة " بضم الهمزة والجيم، خصه بها. قال أبو عبيد: الأجام: الحصون، واحدها أجم (¬1). وقول النبى للذى دخل عليها ليخطبها واستعاذت منه: " أعذتك منى ": يحتمل أنه كافأها فيها بذلك لسوء مابدا له من قلة حرصها وزينتها، ويحتمل أنه فعل ذلك كراهة لها لما تخيل فيها من التكبر والزهو؛ إذا ذكر أنه دخل عليها وهى منكسة رأسها ثم استعاذتها [منه] (¬2)، أو أنها لم تعجبه، مع أن الحديث يدل أنها لم تعرف أنه النبى - عليه السلام - ولا لما دعيت له، فهى أعذر (¬3) فى قولها. وفى استيهاب عمر بن عبد العزيز القدح الذى يشرب فيه النبى وشرب [فيه] (¬4) فعلاً المسلمين تبركاً به: جواز التبرك بما مسه - عليه السلام - أو شرب فيه، أو كان له سبب، [لم يزل المسلمون على استعمال هذا وتعظيم جميع ما كان منه له سبب] (¬5)، والتبرك به والسقى به للمرضى، وسيأتى فى الكتاب منه فى باب غسل عيادة للمرضى، ومضى منه فى اقتسامهم شعره وما فعله - عليه السلام - من إعطائه حقوه لكفن ابنته، ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 2/ 72، 73. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى ح: تعهد، والمثبت من الأصل. (¬4) ساقطة من ح. (¬5) سقط من ح.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فأَخْرَجَ لَنَا سُهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا فِيهِ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَوَهَبَهُ لَهُ. وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ: قَالَ: " اسْقِنَا يَا سَهْلُ ". 89 - (2008) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ بِقَدَحِى هَذَا الشَّرَابَ كُلَّهُ؛ الْعَسَلَ وَالنَّبِيذَ وَالمَاءَ وَاللبَنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإعطائه القميص لعبد الله بن أبى، وجعله الجريدتين على القبر وغير ذلك، وما استمر به عمل المسلمين من دخول الغار لدخول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، ومن صلاتهم فى مصلاه فى الروضة ومثل هذا. وقول أنس: " لقد سقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدحى هذا الشراب كله العسل والنبيذ والماء واللبن ": فيه جواز شرب النبيذ والعسل وغيره إذا كان حلواً، ولا خلاف فى هذا.

(10) باب جواز شرب اللبن

(10) باب جواز شرب اللبن 90 - (2009) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ، وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيت. 91 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ البَرَاءَ يَقُولُ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتْبَعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بنِ جُعْشُمٍ. قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَاخَتْ فَرَسُهُ. فَقَالَ: ادْعُ اللهَ لِى وَلا أَضُرَّكَ. قَالَ: فَدَعَا اللهَ. قَالَ: فَعَطِشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرُّوا بِرَاعِى غَنَمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مررنا براع وقد عطش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحلبت له كُثبة من لبن " بضم الكاف: قال بعضهم: هو قدر حلبة. وقال الخليل: هو القليل منه، وكل ما جمعته من شىء فهو كثبة. وقوله: " شرب منها حتى رضيت ": أى حققت أنه أخذ حاجته وروى، فأرضانى ذلك. وشربه - عليه السلام - من لبن الغنم وربها غير حاضر؛ إما لأنها العادة عندهم لكل أحد، أو أنه لا قيمة للبن الغنم فى الطرق هناك، وإنما هو للرعاة الذين يلون أمرها ويتعيشون به فى فلواتهم، وقد تكون الغنم لمن يعلم - عليه السلام - أنه يسره شربه للعجماء. وقد جاء فى مسلم آخر الكتاب: أنها لرجل من أهل المدينة، وهو وَهْم، والصحيح من أهل مكة إن شاء الله، وقد ذكر البخارى فيه من رواية إسرائيل: " لرجل من قريش " (¬1)، وفى رواية أخرى: " من أهل مكة أو المدينة " (¬2). ¬

_ (¬1) البخارى، ك فضائل الصحابة، ب مناقب المهاجرين وفضلهم 7/ 8 (3652). (¬2) البخارى، ك المناقب، ب علامات النبوة. الفتح 4/ 245 (3615).

92 - (168) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاد وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ عَبَّادٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، أَخْبَرَنَا يُونُس، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِىَ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ بِإِيليَاءَ بِقَدَحَيْنِ منْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ. فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: الْحَمْدُ للهِ الَّذِى هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ، غَوَتْ أُمَّتُكَ. (...) وَحَدَّثَنِى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: بِإِيليَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد سُئل مالك عن مثل هذا على الجملة فكرهه، وسئل - أيضاً - فيما يشبه فى الرجل يدخل الحائط فيجد التمر ساقطاً، فمنعه إلا أن يعلم أن نفس (¬1) صاحبه تطيب بذلك، أو يكون محتاجًا. وقد تقدم الكلام على هذه المسألة، وهل يغرم المضطر؟ ومن أباح ذلك ومنعه قيل آخر الأقضية. وقوله: " أتى ليلة الإسراء بقدحين من خمر (¬2) ولبن فأخذ اللبن، فقال جبريل له: الحمد لله الذى هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك ": قيل فى قوله لأخذه اللبن: هداك للفطرة؛ لأن اللبن أول ما يتغذاه الصبى، وأصل الفطرة: الابتداء، فاستدل من ذلك على الجبلة التى خلق الله عليها بنى آدم فى صلب أبيهم من الإسلام، كما قال - عليه السلام -: " كل مولود يولد على الفطرة " (¬3)، وقد يحتمل أنها علامات وصفها الله لجبريل ليعلم بظاهرها ما قسمه الله لمحمد - عليه السلام - ولأمته من الهداية، ويحتمل أنه لما كان اللبن غذاء الأجسام ومصلحة لهم مجردة عن المضار غالباً فى دنياهم، دل أخذه له على توفيقه، وسداد أمته لما فيه مصلحتهم فى أحوالهم وهدايتهم لذلك. ولما كانت الخمر تذهب العقول وتثير الفحشاء والعداوة والبغضاء، دل على خلاف ذلك. وقوله: " غويت وغويت أمتك ": أى ملت عن الخير والاستقامة والغى والانهماك فى الشر. وفيه حجة على تحريم الخمر؛ لأن ما هو سبب للغى والفساد محرم، وبهذا وضعها الله وعلل تحريمها فى الآية. ¬

_ (¬1) فى الأصل. يفسق، والصواب من ح. (¬2) فى الأصل: خبر، والصواب من الصحيحة المطبوعة، ح. (¬3) سبق تخريجه، وهو فى البخارى 2/ 125، أبو داود 4/ 229 رقم (4714)، أحمد 2/ 233، 275، موطأ مالك 1/ 241.

(11) باب فى شرب النبيذ وتخمير الإناء

(11) باب فى شرب النبيذ وتخمير الإناء 93 - (2010) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى عَاصِمٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِىُّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ، لَيْسَ مُخَمَّرًا، فَقَالَ: " أَلا خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودًا ". قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: إِنَّمَا أُمِرَ بِالأَسْقِيَةِ أَنْ تُوكأَ لَيْلاً، وَبِالأَبْوَابِ أَنْ تُغْلَقَ لَيْلاً. (...) وحدّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا رَوحُ بْنُ عُبَادَة، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَزَكَرِيَّاءُ ابْنُ إِسْحَاق، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِىُّ؛ أَنَّهُ أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ. بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ زَكَرِيَّاءُ قَوْلَ أَبِى حُمَيْدٍ: بِاللَّيْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أتيت النبى - عليه السلام - بقدح من النقيع ": كذا روينا هذا الحرف عن أبى بحر بالباء بواحدة، وعن غيره من شيوخنا بالنون. واختلف فيه الرواة - أيضاً - عن البخارى، قال أبو ذر والقابسى هنا بالنون، وكذا ذكره الهروى فى هذا الحديث. وهو حد وادى العقيق على عشرين فرسخاً من المدينة، وهو موضع حمى عمر لنعم الصدقة. وقد روى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حماه قبل، وإنما زاد عمر فى حماه. وضبطه أبو عبيد السكرى بالباء وصححه، ولم يذكر خلافاً. والأشهر فيه النون، وبالنون ذكر الخطابى، وقال: البقيع: القاع، وقال السكرى: البقيع: قاع ينبت، وأصله كل موضع يستنقع فيه الماء، وأما بقيع الغرقد - وهو مدفن موتى المدينة - بالتاء بغير خلاف. وبقيع بطحان بالباء أيضاً. قال الخليل: البقيع، بالباء: كل موضع من الأرض فيه شجر شتى (¬1). وقوله: ليس مخمراً، فقال: " ألا خمرته " أى غير مغطى، وتخمير الإناء: تغطيته. وقوله: " ولو تعرض عليه عوداً " بضم الراء: أى تمده عليه عرضاً، يريد عند عدم ما يغطيه به، كما قال فى الحديث الآخر: " إن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً، ويذكر اسم الله "، كذا رويناه بضم الراء، وكذا قاله الأصمعى، ورواه أبو عبيد ¬

_ (¬1) ومعناه: شجر يستجم حتى يغيب الراكب فيه. انظر: معجم البلدان، نقع 5/ 302، اللسان، مادة " بقع ".

94 - (2011) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَسْقَى فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا نَسْقِيكَ نَبِيذًا؟ فَقَال: " بَلَى ". قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَسْعَى، فَجَاءَ بِقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا خَمَّرتهُ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودًا " قَالَ: فَشَرِبَ. 95 - (...) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ وَأَبِى صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيَعِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر [الباء الموحدة] (¬1) والراء، والوجه الأول؛ لأنه من جعله بالعرض الذى هو خلاف الطول، أما ما خصه على تغطيته بكل حال فإنه أنظف؛ مخافة ما يسقط فيه. وأما أمره به بذلك بالليل فقد بين العلة فيه من أجل ولوغ الشيطان فيه، أو أذاه بما يقدر عليه بقوله: " فإن الشيطان لا يكشف إناء " وقد أعلم - عليه السلام - أنه إذا اجتهد العبد فيما أمر به من ذلك وسمى اسم الله على كل ذلك - كما جاء فى الحديث الآخر - كفاه الله الشيطان، ولم يجعل له قدرة على كشف غطاء ولا حل سقاء ولا فتح باب، ولا يصل إليه إذا أخذ فى ذلك، ولا ينال بها فى هذه الأشياء شيئاً، ولو لم يحجبها إلا بعود وذكر اسم الله، وكما منعه المبيت إذا سمى عند دخوله منزله كما جاء فى الحديث الآخر، وكما منعه أن يجول بين المصلى وقبلته إذا دنى من سترته وامتثل فى كل ما أمر به حدود الشرع ولم يتعدها، وللعلة الأخرى التى ذكرها فى الحديث الآخر من نزول الوباء فى ليلة من السماء فيما لم يغط. قال الليث بن سعد: والأعاجم يتقون ذلك فى كانون الأول (¬2). وأيضاً فمخافة ما عساه يدخله من الهوام والحشرات المؤذية إذا لم يغط، ولعل صاحبه يقوم إليه من الليل فيشرب منه ولا يعلم ما فيه. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) كانون الأول: هو شهر ديسمبر من الشهور الأفرنجية.

(12) باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم وكف الصبيان والمواشى بعد المغرب

(12) باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم وكفّ الصبيان والمواشى بعد المغرب 96 - (2012) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلا يَفْتَحُ بَابًا، وَلا يَكْشِفُ إِنَاءً. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللهِ، فَلْيَفْعَلْ. فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ "، وَلَمْ يَذْكُرَ قُتَيْبَةُ فِى حَدِيثِهِ: " وَأَغْلِقُوا الْبَابَ ". (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَأَكْفِئوا الإِنَاءَ، أَوْ خَمِّرُوا الإِنَاءَ ". وَلَمْ يَذْكُرْ: تَعْرِيضَ الْعُودِ عَلَى الإِنَاءِ. (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زهير، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَغْلِقُوا الْبَابَ ". فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَخَمِّرُوا الآنِيَةَ ". وَقَالَ: " تُضْرمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ ثِيَابهُمْ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَقَالَ: " وَالْفُوَيْسِقَةُ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَى أَهْلِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: " وأوكوا السقاء " (¬1): أى شدوا فمه بالوكاء، وهو الخيط الذى يشد به ويربط، وعلى أن ذلك بالليل حمل أبو عبيد فى الكتاب الأمر بتغطية الإناء فى الباب كله. والفويسقة هنا الفأرة، وقد جاء - أيضاً - فى حديث ابن عباس أنه من فعل الشيطان، وأنه - عليه السلام - قال: " إن الشيطان يدلها على ذلك فتحرقكم ". ¬

_ (¬1) حديث رقم (99) بالباب.

97 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقولُ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ - أَوْ أَمْسَيْتُمْ - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشَرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا. وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا. وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ ". (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ نَحْوًا ممَّا أَخْبَرَ عَطَاءٌ، إِلا أَنَّهُ لا يَقُولُ: " اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ". (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. كَرِوَايَةِ رَوْحٍ. 98 - (2013) وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى الباب: [حدثنا عمرو الناقد، حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا الليث ابن سعد] (¬1) حدثنا يزيد بن عبد الله عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن عبد الله، قال الإمام: هكذا إسناده عن الرازى والكسائى، وفى النسخة [المقروءة] (¬2) على الجلودى: حدثنى يزيد بن عبد الله ويحيى بن سعيد بواو العطف (¬3)، وكذلك عند ابن ماهان، والمحفوظ فى هذا الإسناد: عن [يزيد عن] (¬4) يحيى، وهكذا أخرجه أبو مسعود الدمشقى عن مسلم. وقوله: " إذا أجنح الليل ": أى أقبل ظلامه. وأصل الجنوح: الميل، والجنح والجُنح الظلام، بالضم والكسر. وقوله: " لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت [الشمس] (¬5) يذهب فحمة ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من الصحيحة المطبوعة، ح. (¬2) من ع. (¬3) فى الصحيحة المطبوعة: عن يحيى بن سعيد، بدون واو العطف. (¬4) من ع. (¬5) من الصحيحة، ح.

الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ زُهَيْرٍ. 99 - (2014) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِىُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَر ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإنَّ فِى السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْس عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وكَاءٌ، إِلاَ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ ". (...) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَإِنَّ فِى السَّنَةِ يَوْمًا يَنْزِلُ فيه وَبَاءٌ ". وَزَادَ فِى آخِرِ الحَدِيثِ: قَالَ اَللَّيْثُ: فَالأَعَاجِمُ عِنْدَنَا يَتَّقُونَ ذَلِكَ فِى كَانُونَ الأَوَّلِ. 100 - (2015) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شيْبَةَ وَعَمْرو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَتْرُكُوا النَّارَ فِى بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ ". 101 - (2016) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرو الأَشْعَثِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى عَامِرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْد، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا حُدِّثَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَأنِهِمْ قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِىَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأطْفِئوهَا عَنْكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ العشاء، قال الإمام: فحمة العشاء: سواده، والفواشى: البهائم، كذا فسره [بعض الناس] (¬1). قال القاضى: أصله كل ما فشى وانتشر من المال، يقال: أفشى الرجل: إذا كثرت فواشيه [من الإبل والغنم السائمة وغيرها. قال ابن الأعرابى يقال: أفشى وأمشى وأوشى بمعنى واحد؛ إذا كثرت فواشيه] (¬2)، وقد علل نهيه عن ذلك بانتشار الشياطين حتى تذهب؛ لئلا يصيبها منها ضرر أو روع. ¬

_ (¬1) من ع. (¬2) سقط من ح.

(13) باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما

(13) باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما 102 - (2017) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قاَلا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا، حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعَ يَدَهُ. وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِى الطَّعَامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَلا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِها، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهَذَا الأَعْرَابِىِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إِنَّ يَدَهُ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ [كتاب الأطعمة والأشربة] (¬1) وقوله: " كنا إذا حضرنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فيضع يده "، قال القاضى: هذا من أدب الأكل ألا يتقدم الكبير والفاضل [والمعظم] (¬2)، لا فى غسل اليد ولا فى ابتداء الطعام ولا الشراب، إلا أن يؤاكلهم صاحب الطعام. فقد استحبوا أن يكون هو البادئ للحاضرين بالغسل والأكل لتنشيطهم بذلك، وبعكسه فى رفع اليد وغسلها عند انتهاء الطعام؛ لئلا يظهر [منه] (¬3) بالبداية حرصه على رفع [أيديهم] (¬4). وقوله: " فجاءت جارية كأنها تدفع "، وفى الرواية الأخرى: " كأنما يُطردُ " أى لشدة إسراعها فذهبت لتضع يدها فى الطعام، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدها. وذُكر عن أعرابى نحوه. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الشيطان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه، وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، الحديث: فيه أن التسمية مشروعة فى أول الطعام والشراب، مع ما جاء فى الحديث الآخر: " سم الله، وكل مما يليك "، كما أن الحمد مشروع فى أخره كما جاء عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [وقوله: " إن الشيطان كان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه "] (¬5)، [يحتمل ¬

_ (¬1) هذه العبارة ليست فى موضعها، وقد سبق موضعها، وقيدناها هنا لأنها فى جميع نسخ الإكمال، وهنا يبدأ ب الطعام والشراب وأحكامهما. (¬2): (¬4) ساقطة من ح. (¬5) سقط من ح.

يَدِى مَعَ يَدِهَا ". (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى حُذَيْفَةَ الأَرْحَبِىِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون على ظاهره، وأنه يصيب منه إذا لم يسم عليه، (¬1) ويحتمل أن يكون استحلاله له استحسانه له لرفع البركة منه إذا لم يسمّ عليه [الله] (¬2)، وهذا مثل الحديث الآخر: " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله عند دخوله وطعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ". وقد اختلف فى معنى ما جاء فى الآثار من أكل الشيطان وشربه، فجعله الأكثر من أصحاب الحديث والفقهاء وغيرهم على الحقيقة؛ إذ قد جاء بذلك آثار كثيرة متظاهرة، وليس ثم ما يحيله ويمنعه، ولا للأقيسة والعقول فيها مجال. وهم وإن كان ليس منهم أجسام لطيفة روحانية، فلا يبعد أن يكون لهم ببعض الأغذية إلام من لطيف لرطوبتها أو روايحها، [فقد جاء فى الحديث: " من بات وفى يده غمر فأصابه شىء، فلا يلومن إلا نفسه] (¬3) فقد قيل: وقد يكون له طعام يختص به من الأنجاس والأقذار، ويشارك الناس فيما نبهت الآثار عليه من الروائح والطعام والأرواث، وما لم يذكر اسم الله عليه وبات غير مغطى، وما أكل بالشمال، ونحوه. وقيل: بل هذا كله على الاستعارة والمجاز، وأن معنى ذلك أنه من أمر الشيطان وموافقته وإغوائه؛ ليبعد فاعله عن امتثال السنة، ومخالفة أمر النبى - عليه السلام - ونهيه، وليضر المسلمين من ذلك بما عليه من رفع بركة طعامهم بترك التسمية عليه، والمخالفة للسنة. وقد قيل: إن أكلهم شمُّ واسترواح؛ إذ المضغ والبلع لذوات الأجسام والأمعاء وآلات الأكل، وقد جاء فى الآثار: أن منهم ذوات أجسام وجنان، ومنهم جنان البيوت، ومثل هذا يتهيأ منه الأكل والشرب المعلوم، وإن كانت تلك [جميع] (¬4) خليقتهم الأصلية، أو فى الوقت الذى يصورهم الله فيها بتلك الصورة - والله أعلم. وروى عن وهب بن منبه قال: هم أجناس: فخالص الجن لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون، هم ريح، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون، ومنهم السعالى والغيلان والقبطارية. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) الحديث أخرجه الترمذى، ك الأطعمة، ب ما جاء فى كراهية البيتوتة وفى يده ريح غمر 4/ 289 برقم (1859، 1860) وقال: حديث حسن، وكذا الحاكم فى المستدرك 4/ 137، والبيهقى فى الكبرى 7/ 276. وقال فى النهاية: الغمر بالتشريك: الدسم والزهومة من اللحم كالوضر من السمن. وهذه العبارة ساقطة من س، والمثبت من ح. (¬4) من الأصل، وساقطة من ح.

قَالَ: كُنَّا إِذَا دُعِينَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَعَامٍ. فَذَكَرَ بِمَعْنى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. وَقاَل: " كأَنَّمَا يُطْرَدُ ". وَفِى الْجَارِيَةِ: " كأَنَّمَا تُطْرَدُ ". وَقَدَّمَ مَجِىءَ الأَعْرَابِىِّ فِى حَدِيثِهِ قَبْلَ مَجِىءِ الجَارِيَةِ. وَزَادَ فِى آخِرِ الْحَدِيثِ: ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللهِ وَأَكَلَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، بَهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَدَّمَ مَجِىءَ الْجَارِيَةِ قَبْلَ مَجِىءِ الأَعْرَابِىِّ. 103 - (2018) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى أَبَا عَاصِمٍ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالعَشَاءَ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرِيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقولُ؛ إِنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ": مما تقدم الكلام عليه، وأن يذكر اسم الله واستعمال العبد ما ندب إليه منه فى مواطنه منع الشيطان من الاستقذار والأكل من عشائه، ولم يجعل له قدرة عليه إذا جعل الحديث على وجهه وظاهره، وإن صرف إلى المجاز كان معناه: أى لا منفعة لكم بالمبيت؛ إذ كفاه الله - بذكره إغوائكم له وضركم إياه، ومنعه رغبتكم من نقص طعامه ورفع البركة منه، وقلة الانتفاع به بمعاقبة الله إياه بذلك؛ إذ لم يسمه ولا امتثل أمر الله فى ذلك. وقوله: " والذى نفسى بيده، إن يده فى يدى مع يدها ": ظاهره مباشرة الشيطان الأكل بنفسه ويده على أحد التأويلين المتقدمين، وكذا فى النسخ: " مع يدها "، قالوا الوجه مع أيديهما؛ لأنه ذكر فى الحديث أخذه بيد الجارية والأعرابى. وقوله: " ثم ذكر اسم الله [عليه] (¬1) وأكل ": فيه [أن] (¬2) التسمية مشروعة عند ابتداء الطعام، كما شرع الحمد آخره، واستحب بعضهم ذلك فى كل لقمة يأكلها، ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من ح.

حَدِيثِ أَبِى عَاصِمٍ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: " وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عِنْدَ طَعَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عِنْدَ دُخُولِهِ ". 104 - (2019) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاَلَ: " لا تَأكُلُوا بِالشِّمَالِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأكُلُ بِالشِّمَالِ ". 105 - (2020) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاَلَ: " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرَبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ". (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيَما قُرِئَ عَلَيْهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمره - عليه السلام - بالأكل والشرب باليمين ونهيه عن ذلك بالشمال، وزاد فى حديث نافع: " ولا يعطى بها، ولا يأخذ بها " على ما تظاهرت به سنته - عليه السلام - من أمره بذلك فى غير شىء، وحبه التيامن فى أمره كله، ولما فى اللفظة من اليُمن، ولثناء الله على أصحاب اليمين، واختصاصه أصحاب اليمين باليمين؛ لأخذهم كتبهم بذلك، ولكونهم عن يمين العرش وتشريفهم بذلك، وتفضيل اليمين فى قوتها وبطشها، وإضافة العرب كل خير لها، وضد ذلك لضدها، وتسميتهم إياها شؤماً، وقد قال الله فى أصحاب الشمال: {أَصْحَابُ الْمَشْأَمَة} (¬1)، وقال الشاعر: أبينى أفى يمينى يديك جعلتنى ... فافرح أو صيرتنى فى شمالِك وليتناول إزالة الأقذار من الجسم وغيره بالشمال. وقوله: " فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ". كمثل أكله هو على الحقيقة، أو أنه على ما تقدم على المجاز. فإن قيل: إنه حقيقة فنهى عن التشبه فى مخالفته ومضادته الاستقامة فى أموره، وقد تكون الهاء هنا فى " شماله " عائدة على الشارب والطاعم، أى يأكل بها الشيطان معه. أو يكون على المجاز، أى ذلك من محبة الشيطان ونزغه حتى خالف سنة نبيه. ¬

_ (¬1) الواقعة: 9.

نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهْوَ الْقَطَّانُ - كِلاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِىِّ. بِإسْنَاد سُفْيَانَ. 106 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ - قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِى القَاسِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَهُ عَنْ سَالِم، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاَلَ: " لا يَأكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِن الشَّيْطَانَ يَأكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِهَا ". قاَلَ: وَكاَنَ ناَفِعٌ يَزِيدُ فِيهَا: " وَلا يَأخُذُ بِهَا وَلا يُعْطِى بِهَا ". وَفى رِوَايَة أَبِى الطَّاهِرِ: " لا يَأكُلَنَّ أَحَدُكُمْ ". 107 - (2021) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ عِكْرِمَةَ ابْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ. فَقَالَ: " كُلْ بِيَمِينِكَ ". قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: " لا اسْتَطَعْتَ "، مَا مَنَعَهُ إلا الْكِبْر. قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ. 108 - (2022) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ فِى حَجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - للذى أكل عنده بشماله فقال: " كل بيمينك "، فقال: لا أستطيع، فقال: " لا استطعت "، قال: " ما منعه إلا الكبر " فما أكل بها بعد: فيه إجابة دعاء النبى - عليه السلام - وتعجيل معاقبة من خالف أمره فى الدنيا، وهذا يدل على أن الرجل كان منافقاً - والله أعلم - لقوله: " ما منعه إلا الكبر " أى لن يتواضع بنفسه مخالفة هواها، وطاعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أمر به؛ ولهذا استحباب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عليه، ولو علم أن قوله: " لا أستطيع " صحيحاً لما دعا عليه. وقد أجاز العلماء لمن به عذر بيمينه أكله بشماله وشربه به؛ إذ هو غاية مقدوره. وقد ذكره العلماء تباعاً لهذه الأحاديث كما تحب لمناوله بالشمال والصدقة بها. روى ذلك عن نافع وعطاء. وقوله: " كنت فى حجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بفتح الحاء: أى فى حضانته، هذا إذا أريد به المصدر، وبالكسر إذا أريد به الاسم.

الصَّحْفَةِ. فَقَالَ لِى: " يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ". 109 - (...) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قاَلا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَكَلْتُ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجعلتُ آخُذُ مِنْ لَحْمٍ حَوْلَ الصَّحْفَةِ. فَقاَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلْ مِمَّا يَلِيكَ ". 110 - (2023) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ. 111 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدُ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فكانت يدى تطيش فى الصحفة ": أى تحف فى جوانبها، وتفسيره قوله فى الرواية الأخرى: " فجعلت آكل من لحم حول الصحفة "، وفى البخارى: " من نواحى الصحفة " (¬1) كذا رواية جميعهم، وللهوزنى: " تبطش " وليس بشىء، والأول المعروف. وقول النبى له: " يا غلام، سمّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليكَ " فيه ثلاثة سنن فى أدب الطعام مشهورة، مضى الكلام على اثنتين منها، والثالث قوله: " كل مما يليك ". وهى أيضاً سنة متفق عليها؛ لأن كل أكل جاء ما يليه من الطعام فإدخال غيره يده عليه وتركه ما أمامه قبيح، ومشاركته له فيما فيه حوزة بغير إذنه، مع ما فى ذلك من تقزز النفوس بما خاضت فيه الأيدى، واختلف فيه أصابع الغير، وليس كل أحد يستحسن ذلك منهم لاسيما فى الطعام الرطب والأمراق وأشباهها؛ ولما فيه من الجشع والحرص على الطعام، وإيثار النفس على المؤاكل، وكل هذا مذموم؛ ولأنه إذا كان نوعاً واحداً فلا فائدة فى ذلك إلا سوء الأدب وشرههم بذلك، بخلاف إذا اختلف أجناس الطعام، فقد أباح العلماء اختلاف الأيدى فى الطبق والصحفة وشبهها لطلب كل نفس ما تشتهيه من ذلك، بخلاف إذا كان جنساً واحداً. وقوله: " نهى - عليه السلام - عن اختناث الأسقية "، قال الإمام: أصل هذه الكلمة من التكسر والتثنى واللين، ومنه سمى الرجل المشبه بالنساء فى طبعه وكلامه مخنثاً؛ ¬

_ (¬1) أخرجه البخارى، ك الأطعمة، ب الأكل مما يليه. الفتح 9/ 523 رقم (5377).

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ: أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِهَا. (...) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَهُ قَالَ: وَاخْتِنَاثُهَا أَنْ يُقْلَبَ رَأسُهَا ثُمَّ يُشْرَبَ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لتكسره ولين معاطفة، ويحتمل أن يكون نهى عنها لئلا ينال الشارب أذىً مما يكون فى الماء ولا يشعر به؛ لأنه يشرب ما لا يبصر، أو يكون ذلك لأنه يغير رائحة السقاء بما يكتسبه نكهة الشارب. قال القاضى: فسره فى الحديث نفسه [قال] (¬1): " واختناثها أن يُقَلَبَ برأسها ثم يشرب منه ". قال ابن دريد: اختناث الأسقية: كسر أفواهها إلى خارج ليشرب منها، فأما كسرها إلى داخل فهو القبع. والنهى عن هذا الباب كله، والأمر به عند العلماء من باب الأدب والترغيب لا من باب الواجب والغرض، وقد قيل فى النهى عن اختناث الأسقية والشرب من فم السقاء: أنه للتقذر أيضاً، لإدخالها فى فيه أو إدخال شفتيه فيها، أو لما يخشى من وقوع بصاقه فيها، أو غيره. [وفى النهى عن اختناث الأسقية] (¬2) قيل: قد يكون للتقذر أيضاً؛ مخالفة ما يكون برأسها، وما تطويه من خارجه من قذر، فينعكس عند جلبه فى الماء فيقذره. وقد روى عن أبى سعيد؛ أن رجلاً شرب من فى سقاء فانساب جان فى بطنه، فنهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اختناث الأسقية (¬3)، ذكره ابن أبى شيبة من رواية الزهرى. وقد خرج الزبيدى وغيره: أن النبى - عليه السلام - قام إلى قربة فخنثها وشرب من فيها، فهذا يدل على وجه التعلل بالتقذر؛ إذ لا يتقذر منه - عليه السلام -[شىء] (¬4)، ولأنه فى قربة نفسه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) سقط من ح، والمثبت من الأصل. (¬3) ابن أبى شيبة، ك الأشربة، ب فى الشرب من السقاء 8/ 19 (4179). (¬4) ساقطة من ح.

(14) باب كراهية الشرب قائما

(14) باب كراهية الشرب قائماً 112 - (2024) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قاَئِماً. 113 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِماً قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا: فَالأَكْلُ؟ فَقَالَ: ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ. (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ قَتَادَةَ. 114 - (2025) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِى عِيسَى الأُسْوَارِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدِ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قاَئِماً. 115 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرِ وَابْنِ الْمُثَنّى - قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِى عِيسَى الأُسْوَارِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا. 116 - (2026) حدّثنى عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى الفَزَارِىَّ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ، أَخْبَرَنِى أَبُو غَطَفَانَ الْمُرِّىُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمٌ، فَمَنْ نَسِىَ فَلْيَسْتَقِئْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم الأحاديث فى نهيه - عليه السلام - عن الشرب قائماً، قيل فالأكل، قال: " أشْرُّ أو أخبث "، وفى الحديث الآخر: " فمن نسى فليستقئ "، وذكر مسلم حديث ابن عباس: " سقيت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من زمزم فشرب وهو قائم "، قال الإمام: اختلف الناس فى الشرب قائماً، فأجازه عمر وعثمان وعلى وجمهور الفقهاء - رضى الله عنهم - ومالك ابن أنس، وكرهه آخرون لهذا الحديث المذكور فى كتاب مسلم، وحجة الجمهور قوله هاهنا: " شرب من زمزم وهو قائم "، وما خرّجه البخارى والترمذى وأبو داود عن على - رضى الله عنه - أنه شرب قائماً وقال: " إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنى رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل كما رأيتمونى فعلت " (¬1). وقد قال بعض شيوخنا: لعل النهى منصرف لمن أتى أصحابه بماء ورده (¬2) ليشربه قائماً قبلهم، استبداداً به، وخروجاً عن الأحسن من كون ساقى القوم آخرهم شرباً، وأيضاً فإن فى حديث أبى هريرة: " ومن شرب (¬3) فليستقئ ". ولا خلاف من أهل العلم أن من يشرب قائماً ناسياً فليس عليه أن يستقئ. قال بعض الشيوخ: والأظهر أن هذا موقوف على أبى هريرة، ولا خلاف فى جواز الأكل قائماً وإن كان قتادة قال: " فقلنا: فالأكل، قال: ذلك أشر وأخبث "، لكن حكى بعض شيوخنا أنه لا خلاف فى جواز الأكل، والذى يظهر لى أن الأحاديث الواردة بشربه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً تدل على الإباحة والجواز، إن قلنا بتعدى أفعاله، ويحمل حديث النهى على جهة الاستحسان والحث على ما هو أولى وأجل، أن يكون لأن فى الشرب قائماً ضرراً ما، فكره من أجله وفعله - عليه السلام - لأمته منه. وعلى هذا التأويل يكون قوله محمله على أن ذلك حرك منه خلطاً يكون السقاء (¬4) منه فى فيه (¬5)، وقد قال النخعى فى [النهى عن] (¬6) ذلك: إنما ذلك لداء فى البطن، هذا نحو ما قلناه. هذا الأظهر عندى إن كان لا بد من بناء الحديثين. قال القاضى: لم يدخل مالك فى موطئه، ولا البخارى فى صحيحه أحاديث النهى عن الشرب قائماً، فأدخلا إباحة ذلك من الأحاديث والآثار؛ إذ لم يصح عندهم النهى عن ذلك - والله أعلم. وذكر مسلم فى الباب ثلاثة أحاديث: حديث قتادة عن أنس وهو معنعن، وكان شعبة يتقى من حديث قتادة من لا يقول فيه: حدثنا، وحديث قتادة - أيضاً - عن أبى عيسى الأسوارى عن أبى سعيد مثله، وأبو عيسى - أيضاً - هو غير مشهور واضطراب قتادة فى سند هذا الحديث مما يعلله فى مخالفة الأحاديث الأخر وأئمة الصحابة والخلفاء والتابعين. وحديث عمر بن حمزة لا يحتمل مثل هذا الحديث لمخالفة غيره عن أبى غطفان عن أبى هريرة، قالوا: وعمر بن حمزة لا يتحمل مثل هذا الحديث لمخالفة غيره له، والصحيح أنه موقوف على أبى هريرة. وشرب النبى - عليه السلام - وهو قائم لا يقال فيه: ترك ما هو الأولى لعلة إنما كان فى الحج - والله أعلم. على ما جاء فى كتاب الحج. وحاله حينئذ من ألا يخفى فى أعمال ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأشربة، ب الشرب قائماً 7/ 143، أبو داود، ك الأشربة، ب فى الشرب قائماً 2/ 302، الترمذى، ك الأشربة، ب ما جاء فى الرخصة فى الشرب قائماً 4/ 301. (¬2) فى ح: وبادر. (¬3) فى ح والمطبوعة رقم (116): نسى. (¬4) فى ح: الشفاء. (¬5) فى ح: قيئه. (¬6) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحج، وقلة التمكن للجلوس لكثرة الناس، بحيث لا يخفى أو لا يراه الناس فيعلموا أنه غير صائم، وإن كان فى غير هذا اليوم فليس إباحة ذلك، [إن كان النهى أولاً على] (¬1) ما تقدم، ولئلا يظن نهيه على العموم وللوجوب، أو ليبين نسخ ذلك إن كان النهى أولاً على الوجوب. وقوله: " أشر وأخبث ": قد تقدم مثل هذا فى الحديث: " من أشر وأخير "، وإيجاز النحاة مثل هذا، وأن وجهه خير وشر، ولا يقال فيه: أفعل، قال الله تعالى: {شَرٌّ مَّكَانًا} (¬2) {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا} (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) المائدة: 60، يوسف: 77، مريم: 57، الفرقان: 34. (¬3) الكهف: 46.

(15) باب فى الشرب من زمزم قائما

(15) باب فى الشرب من زمزم قائماً 117 - (2027) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ. 118 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ، مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَائِمٌ. 119 - (...) وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ. ح وَحَدَّثَنِى يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ وَإسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ إسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا - هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَمُغِيْرَةُ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ. 120 - (...) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ، سَمِعَ الشَّعْبِىَّ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ. فَشَرِبَ قَائمًا، وَاسْتَسْقَى وَهُوَ عِنْدَ الْبَيْتِ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمَا: فَأَتْيتُهُ بِدَلْوٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى شرب النبى من زمزم: " فشرب قائمًا واستسقى " هو كذا، أى سألهم أن يسقوه، كما جاء مفسرًا فى حديث الحج، وفى رواية ابن الحذاء: " وأسقى " من الإسقاء، وهو غلط، بل قد نص أنه لم يفعله، وقال: " لولا أن يغلبوا عليه لأسقيت معكم ".

(16) باب كراهة التنفس فى نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثا خارج الإناء

(16) باب كراهة التنفس فى نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء 121 - (267) حدَّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِىُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِى الإِنَاءِ. 122 - (2028) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِى الإِنَاءِ ثَلاثًا. 123 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِى عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِى الشَّرَابِ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: " إِنَّهُ أَرْوَى، وَأَبْرَأُ، وَأَمْرَأُ ". قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِى الشَّرَابِ ثَلاثًا. (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قاَلا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِىِّ، عَنْ أَبِى عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَقَالَ: فِى الإِنَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان - عليه السلام - يتنفس فى الإناء ثلاثاً "، وفى الرواية الأخرى: فى الشراب، ويقال: " إنه أروى وأبرأ وأمرأ ". الأول مقصور والآخران ممدودان مهموزان، ومعنى " أروى " من الرى، أى أكثر رياً؛ لأنه فى شربه فى مدة واحدة قد يقطع عليه تمام نفسه دره فلا يستوفيه، و " أبرأ وأمرأ " بمعنى: أحسن شرباً وأهناه وأقله ضرراً، قال الله تعالى: {هَنِيئًا مَّرِيئًا} (¬1)، أى سائغاً غير منغض. يقال: هنأ فى الطعام وهنأنى بالفتح والكسر، هنأ وهنأ يهنأ، وأصله فى كل ما أتاك بغير مشقة، ويقال: استمريت الطعام: إذا انساغ لك، وهو إذا شرب فى مرة بنفس واحد فقد بعّض به وسوف ويكثر عنه فيضرّ به ويولد أدواء. ومعنى قوله هنا فى الحديث الواحد: " فى الإناء " يفسره قوله فى الحديث الآخر: ¬

_ (¬1) النساء: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ " فى الشراب " يعنى أن يتنفس حين شربه ويقطعه، لا أنه يتنفس داخل الإناء، وقيل: " فى الإناء " هنا بمعنى: عن الإناء بمعنى قوله: " أبن القدح عن فيك ". وقد جاءت الأحاديث الصحيحة فى مسلم وغيره عن النهى فى التنفس فيه، وعن النفخ فى الطعام والشراب، ولقوله - عليه السلام - فى الحديث الآخر: " أبن القدح عن فيك ثم تنفس " (¬1)، وعلة ذلك إما للتقزز أو التقذر، مما لعله يخرج عند التنفس والنفخ من أنفه أو فيه من ماء أو غيره، أو لما يكتسب الإناء من بخر ورائحة قبيحة بالنفس، أو لما لعله يكون متغير النكهة فيتعلق ذلك بالإناء وبفيه. وقال عمر بن عبد العزيز: إنما نهى عن التنفس فى الإناء، فأما إذا لم يتنفس فاشرب إن شئت بنفس واحد. وقد حمل بعضهم تنفسه - عليه السلام - فى الإناء على ظاهره ليرى جواز ذلك، ولأنه - عليه السلام - كان لا يتقذر أحد بسؤره، ولا ما تنفس فيه، بل كانوا يتبركون به، كما أمر بالأكل مما يلى وكان هو يتبع الدبى من حول القصعة؛ لعلمه أنه كان يستحسن ذلك منه، بخلاف غيره، كما سنذكره بعد إن شاء الله. وقال بعض العلماء: هذا فى [غير] (¬2) حق الشارب وأما الإنسان ومع من يعلم أنه لا يتقذره فلا بأس بتنفسه فى الإناء، كما فعل - عليه السلام. قال الإمام: مذهبنا جواز الشرب فى نفس واحد؛ لقوله - عليه السلام - للذى شكى إليه أنه لا يروى من نفس واحد: " أبن القدح عن فيك، ثم تنفس "، فظاهره أنه أباح له الشرب فى نفس واحد إذا كان يروى منه. وقد استحب بعض العلماء الحديث الوارد فى مسلم فى التنفس ثلاثاً. قال القاضى: اختلف السلف فى الأخذ بظواهر هذه الأحاديث، فكره بعضهم الشرب من نفس واحد، منهم: ابن عباس، وطاووس، وعكرمة، وقالوا: هو شرب الشيطان. وأباحه جماعة منهم: ابن المسيب، وعطاء بن أبى رباح، وعمر [بن] (¬3) عبد العزيز، ومالك بن أنس، وقد ذكرنا مذهب عمر بن عبد العزيز فى الجمع بين الحديثين. قال الإمام: ذكر مسلم فى الباب: حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا الثقفى، عن أيوب، عن يحيى بن أبى كثير، عن عبد الله بن أبى قتادة، عن أبيه. [قال بعضهم: هكذا روى إسناده مجرداً فى النسخة عن الجلودى، وفى رواية السجزى فيه وهم، قال: عن ¬

_ (¬1) مالك فى الموطأ، ك صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب النهى عن الشراب فى آنية الفضة والنفخ فى الشراب 2/ 925 (12)، أحمد 3/ 57، الترمذى، ك الأشربة، ب ما جاء فى كراهية النفخ فى الشراب 4/ 304 (1887). (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى ح: وابن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى بن أبى كثير، عن عبد الله، عن أبى قتادة، وليس هذا بشىء، وإنما هو عبد الله ابن أبى قتادة عن أبيه] (¬1). واتفق الرازى مع الكسائى وابن ماهان على الصواب. قال القاضى: وذكر مسلم فى الباب فى سند حديث يحيى بن يحيى: أنبانا عبد الوارث، عن أبى عصام. كذا لكافتهم، وعند الهوزنى: عن أبى عاصم. ولم يختلفوا فى حديث قتيبة عن أبى عاصم، وهذا هو الصواب. قال البخارى: أبو عصام عن أنس روى عنه الدستوائى وعبد الوارث (¬2)، وقال أبو عبد الله بن البيع، أبو عصام عن أنس أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) البخارى فى التاريخ الكبير، ك الكنى ملحق 8/ 58.

(17) باب استحباب إدارة الماء واللبن، ونحوهما، عن يمين المبتدئ

(17) باب استحباب إدارة الماء واللبن، ونحوهما، عن يمين المبتدئ 124 - (2029) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قاَلَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِىَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِىٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِىَّ. وَقَالَ: " الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ ". 125 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزَهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ، وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ. وَكُنَّ أُمَّهَاتِى يَحْثُثْنَنِى عَلَى خِدْمَتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَارَنَا، فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ، وَشِيْبَ لَهُ مِنْ بِئْرٍ فِى الدَّارِ. فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ -: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ. فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيًّا عَن يَمِينِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ ". 126 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ - أَبِى طُوَالَةَ الأَنْصَارِىِّ - أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى بْنَ بِلالٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى دَارِنَا، فَاسْتَسْقَى. فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً، ثُمَّ شبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِى هَذِهِ. قاَلَ: فَأَعْطَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: أتى بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابى، وعن يساره أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابى، وقال: " الأيمن فالأيمن "، وفى الحديث الآخر: فقال عمر: هذا أبو بكر يا رسول الله، يريه إياه، وأعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعرابى وترك أبا بكر وعمر، وقال: " الأيمنون " ثلاثاً. قال أنس: فهى سنة، وفى الحديث الآخر: عن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: " أتأذن لى أن أعطى هؤلاء؟ ". فقال: لا والله، لا أوثر بنصيبى منك أحداً، فتله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى يده: قيل: إنما استأذن الغلام ولم يستأذن الأعرابى استئلافاً للأعرابى وحذر الحماسة من استئذانه فى صرفه عنه لأصحابه، وقرب عهده بأنفة الجاهلية واستأذن الغلام - وهو ابن عباس - ثقة منه بطيب نفسه باستئذانه بدفعه للأشياخ والكبراء من آله وقومه، وفى بعض الروايات: " عمك وابن عمك أتأذن لى

عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ وُجُاهَهُ -، وَأَعْرَابِىٌّ عَنْ يَمِينِهِ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شُرْبِهِ، قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ، يَا رَسُولَ اللهِ - يُرِيهِ إِيَّاهُ - فَأَعْطَى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَعْرَابِىَّ وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ ". قَالَ أَنَسٌ: فَهْىَ سُنَّةٌ، فَهْىَ سُنَةٌ، فَهْىَ سُنَّةٌ. 127 - (2030) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ - فيمَا قُرِىءَ عَلَيْهِ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِىَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ. وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ. فَقَالَ لِلْغُلامِ: " أَتَأذَنُ لِى أَنْ أُعْطِىَ هَؤُلاءِ؟ ". فَقاَلَ الغُلامُ. لا، وَاللهِ، لا أوثِرُ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أعطيه؟ " (¬1) يعنى خالد بن الوليد، ولحمله عليه، وإدلاله لقرباه منه وصغر سنه، واستئلاف الأشياخ أيضاً بهذا الاستئذان من تعريف الحكم فى ذلك، بأنه لا يصرف عنه إلا بإذنه لمن لم يكن علمه منهم، فشح ابن عباس على نصيبه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفضل شرابه وبركته لا على نصيبه من المشروب، وقد يكون لم يستأذن الأعرابى للعادة عندهم فى جرى الشراب عندهم عن اليمين، كما قال: صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكأن الكاس مجراها اليمينا فلو استأذنه لظن به غضاضة منه، وتقصيراً فى حقه مع أنفة الجاهلية، وجفاء الأعرابى، لاسيما قد بدا من عمر - رضى الله عنه -[قبل ذلك] (¬2) ما بدا له من قوله: أعطه أبا بكر يا رسول الله، فإنه هو يدفعه إليه دون استئذانه. وفيه أن مثل هذا من الحقوق إذا تميزت لأحد أن صاحب الحق أولى به، لا يلتفت فى ذلك إلى الأسن، ولا الأفضل. كصاحب الدابة أولى بمقدمها، وإمامة صاحب الدار، وإنما يراعى الترجيح بالفضائل والمزايا مع استواء الأقدام فى ذلك الحق، وترك السبق إليه، كالبداية بالشرب، وغسل اليد، وبالشهادة، والتقديم للصلاة، وغير ذلك. قال الإمام: هذا مطابق لأصول الشرع من استحباب التيامن، فإن عورض هذا بما وقع فى الحديث الآخر من تقدمه الأكبر، قلنا: هذا مع تساوى الأحوال فيرجح بالسن، وهكذا الرواية عند استحباب التيامن فى الشهادات المثبتة فى الكتاب وفى الوضؤء، وغيره تقدم الأيمن. ¬

_ (¬1) أحمد 1/ 284 بلفظ: " اسق عمك ". (¬2) فى ح: قبل من ذلك.

قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى يَدِهِ. 128 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيز بْنُ أَبِى حَازِمٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - كِلاهُمَا عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَقُولا: فَتَلَّهُ، وَلَكِنْ فِى رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: قَالَ: فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وشوب اللبن بالماء لشربه يجوز، وشوبه لبيعه لا يجوز؛ لأنه تدليس. ومعنى " شيب بماء ": أى خلط بماء. وقوله: " فتله فى يده ": قال ابن الأنبارى [فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1): " بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت فى يدى " [معناه: ألقيت فى يدى] (¬2)، يقال: تللت الرجل: إذا ألقيته، وقال [ابن الأعرابى] (¬3): معناه: فصبت فى يدى، والتل: الصب، يقال: تل يتل: إذا صب، وتل تيل بكسر التاء: إذا سقط، وقوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِين} (¬4): أى صرعه، والتل: الدفع والصرع، قاله غير ابن الأعرابى. قال القاضى وذكر فى حديث الغلام والأشياخ فى حديث ابن أبى شيبة مفسراً: أن الغلام: عبد الله بن عباس الذى عن يساره، والأشياخ: خالد بن الوليد. يريد أقربهم إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: المهلب: التيامن فى الأكل والشرب وجميع الأشياء من السنن. قال غيره: وما روى عن مالك أن ذلك فى الشراب خاصة لم يقل غيره، و [فى] (¬5) حديث عائشة " أنه كان يحب التيامن فى أمره كله " يقضى عليه ويعم كل شىء. قال أبو عمر: ولا يصح ما روى فى ذلك عن مالك مما ظاهره خلافه. قال القاضى: يشبه أن يكون قول مالك: إن ذلك فى الشرب خاصة، يعنى أن فيه جاءت السنة مثبتة بتقديم الأيمن فالأيمن، وغير ذلك إنما هو بالاجتهاد، والقياس عليه، وأن حديث التيامن فى غير ذلك، والبداية باليمين إنما جاءت فى فعل الإنسان بنفسه وتقديمه يمينه من أعضائه فى أعماله على شماله. وفى الحديث من الفقه: شرب اللبن المشوب بالماء، وإنما يشابه ليبرد أو ليكثر إن كان قليلاً، وأنه ليس من باب الخليطين؛ إذ ليس كل واحد ينبذ بنفسه، وإنما الخليطان ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح، ع. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ع. (¬3) فى ح: ابن الأنبارى. (¬4) الصافات: 103. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى النبيذين أو فيما يكون منهما ينبذ، وفيه مشاركة المهدى له من حضر، أى فيما [يكون] (¬1) قصد به من هدية وإكرام، وقبول الأفاضل ذلك واستعمالهم ممن يعرف صحة قصده فى ذلك، ومناولة الفضلاء، وتواضع الأجلاء ومجالستهم الضعفاء والأعراب وأهل البوادى، [أبيض] (¬2) إلى مجلس كان أولى به، وإن جاء من هو أفضل منه أن يعرف له قدره، ويوسع له أو يجلسه مكانه، على ما جاء فى الحديث، وسيأتى الكلام على هذا إن شاء الله وقد يحتمل أن يكون هذا الأعرابى من زعماء القبائل الذين كانوا يتسابقون على الإسلام؛ فلذلك - أيضاً - تمكن من النبى - عليه السلام - وجلس منه هذا المجلس، ولم يسبقه أحد إليه، وقد قال - عليه السلام -: " ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى " (¬3). قال بعضهم: وفيه دليل على أن من قدم إليه شىء مما يأكله أو يشربه، ولم يعرف هو مكسب مقدمه، أنه لا يلزمه السؤال من حيث كان لما لم يسأل هذا وهذا لا حجة فى ظاهره وإن كان صحيح المعنى، لأنه قد فسر فى حديث أنس أنه حلبه من شاة لهم وشاة بما من يبدأهم والأظهر أن تلك بمرائى من النبى - عليه السلام. ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) فى ح: وأن من سبق. وهو الأصح. (¬3) أبو داود، ك الصلاة، ب ما يستحب أن يلى الإمام فى الصف وكراهية التأخير 1/ 156، الترمذى، ك الصلاة، ب ما جاء: " ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى " 1/ 442 (228).

(18) باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها

(18) باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها 129 - (2031) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا ". 130 - (...) حدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو عَاصِمٍ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءٌ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مِنْ الطَّعَامِ، فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا ". 131 - (2032) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ مِنَ الطَّعَامِ. وَلَمْ يَذْكُر ابْنُ حَاتِمٍ: الثَّلاثَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فِى رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ. (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمره - عليه السلام - بلعق الأصابع، ولعقه إياها، وأمره ألاَّ يمسح يده بالمنديل حتى يفعل ذلك من بدء الطعام، وأنه لا يتهاون بقليله ولا كثيره، وكذلك أمره بسلت الصحفة ولعقها وهما بمعنى، ومن مروءة البدء وتنظيفها إن لم يكن الغسل واللعق (¬1) وذهاب وضر الطعام وبقيته عنها، مع ما جاء فى ذلك فى الحديث من قوله: " فإنكم لا تدرون فى أى طعامكم البركة "، ومعنى ذلك - والله أعلم - زيادة التغذية وكفاية التقليل منه والتقوى به. واْصل البركة: الزيادة والاتساع فى الشىء، ويكون بمعنى الثبات واللزوم. ¬

_ (¬1) فى ح: باللعق.

الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأكُلُ بِثَلاثِ أَصَابِعَ، وَيَلْعَقُ يَدْهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا. 132 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ - أَوْ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ - أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأكُلُ بِثَلاثِ أَصَابِعَ، فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا. (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ حَدَّثَاهُ - أَوْ أَحَدُهُمَا - عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يأكل بثلاثة أصابع ": هو من أدب الأكل وسننه ومن المروءة؛ لأن الأكل بأكثر منها إنما هو من الجشع وسوء الأدب فيه وتكثير اللقم، وذلك من غير آدابه ومستحسناته، ولأنه غير [مضطر] (¬1) لأكثر من ثلاث لجمع لقمته وإمساكها من جهاتها، إلا أن يضطر إلى غير ذلك لخفة الطعام، وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة. وفيه جواز مسح اليد بعد الطعام بالمنديل وهذا - والله أعلم - فيما لم يحتج فيه لغسل مما ليس فيه غمر ولزوجة مما لابد منه إلا الغسل، فقد جاء فى الحديث فى الترغيب فى غسله أو الحذر من تركه، فذكر أبو داود فى مصنفه، والترمذى وغيره من رواية أبى هريرة: " من نام وفى يده غمر ولم يغسله فأصابه شىء، فلا يلومن إلا نفسه " (¬2)، وسئل مالك عن هذا الحديث فلم يعرفه، وقال الترمذى فيه: حديث حسن غريب. وقد ذكر أصحاب المصنفات من حديث سلمان عنه - عليه السلام - قال: " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده " (¬3)، قال أبو عيسى: ولا نعلمه إلا من حديث قيس بن ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) أبو داود، ك الأشربة، ب غسل اليد من الطعام 2/ 330، الترمذى، ك الأشربة، ب ما جاء فى كراهية البيتوتة فى يده ريح غمر 4/ 289 (1860)، والبيهقى فى السنن، ك الصداق، ب غسل اليد قبل الطعام وبعده 7/ 275، 276. (¬3) أبو داود، ك الأطعمة، ب فى غسل اليد قبل الطعام 2/ 311، والترمذى، ك الأطعمة، ب ما جاء فى الوضوء قبل الطعام وبعده 4/ 281 (1846).

133 - (2033) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقَالَ: " إِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِى أَيِّهِ الْبَرَكَةُ ". 134 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا منْ أَذَىَ وَلْيَأكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا للِشَّيْطَانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ، حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لا يَدْرِى فِى أَىِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ ". (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُد الْحَفَرِىُّ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلِهِ. وَفِى حَدِيِثِهِمَا: " وَلا يَمْسَحُ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلعَقَهَا أَوْ يُلعِقَهَا " وَمَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الربيع وهو ضعيف (¬1). وقد ذكروا حديث ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُرب إليه طعام فقيل له ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: " إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة " (¬2). وكان سفيان ومالك والليث يكرهون الوضوء قبل الطعام، وقال مالك: هو من فعل الأعاجم، وحكى الدراوردى كراهة مالك له أيضاً بعد الطعام، وكان الليث يراه بعد الطعام، ولعل مالكًا إنما كرهه فيما لا معنى له لمن يده طاهرة، ومن طعام لا دسم فيه ولا دهونة، وقد أمر - عليه السلام - بالمضمضة من اللبن وقال: " إن له دسمًا " (¬3). وقوله: " إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان ": أى يزيله وينحيه عنها، ومعنى ذلك: ألا يتركها كبرًا عن أكل ما سقط واستهانة بالنعمة؛ فإن الذى يحمله على ذلك الشيطان ترفيعًا لنفسه، وكبراً عن أكلها بعد سقوطها، وقد يحتمل أن يكون بركتها للشيطان أن يكون له فيها غذاء، والأول أظهر. ¬

_ (¬1) الترمذى، ك الأطعمة، ب ما جاء فى الوضوء قبل الطعام وبعده 4/ 281 (1846)، أبو داود، السابق. (¬2) أبو داود، ك الأطعمة، ب في غسل اليدين عند الطعام 2/ 310. (¬3) البخارى، ك الوضوء، ب هل يمضمض من اللبن 1/ 63، مسلم، ك الحيض، ب نسخ الوضوء مما مست النار (95).

135 - (...) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَىْءٍ مِنْ شَأنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مَنْ أَذَى، ثُمَّ لِيَأكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا للِشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لا يَدْرِى فِى أَىِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ ". (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: " إِذَا سَقَطَتْ لقْمَةُ أَحَدِكُمْ " إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَلَ الْحَدِيثِ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ وَأَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى ذِكْرِ اللَّعْقِ، وَعَنْ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ اللُّقْمَةَ. نَحْوَ حَدِيِثْهِمَا. 136 - (2034) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعِ الْعَبْدِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ. قَالَ: وَقَالَ: " إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَى، وَلْيَأكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا للِشَّيْطَانِ "، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلتَ الْقَصْعَةَ. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِى أَىِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ ". 137 - (2035) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى سند حديث الباب: حدثنا أبو بكر بن نافع، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى (¬1). كذا فى أكثر الأصول، ووجدت تقييدى فيه عن أبى بحر بن أبى رافع، وإصلاح ذلك من ¬

_ (¬1) عبد الرحمن بن مهدى بن حسان بن عبد الرحمن العنبرى، وقيل: الأزد مولاهم أبو سعيد البصرى اللؤلؤى الحافظ الإمام العلم، روى عن أيمن بن نابل وجرير بن حازم وعكرمة بن عمار وغيرهم، وعنه ابن المبارك وابن حازم وعكرمة بن عمار وغيرهم، وعنه ابن المبارك وابن وهب وابنه موسى وغيرهم. وهو إمام ثبت ثقة، حافظ عارف بالرجال والحديث، قال ابن المدينى: ما رأيت أعلم منه، مات الثورى فى داره، وقال الشافعى: لا أعرف له نظيراً في الدنيا، مات سنة ثمان وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وستين، وذكره ابن حبان فى الثقات. التهذيب 6/ 279 - 281.

سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لا يَدْرِى فِى أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكَةُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:. " وَلْيَسْلُتْ أَحَدُكُمُ الصَّحْفَةَ ". وَقَالَ: " فِى أَىِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ، أَوْ يُبَارَكُ لَكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن نافع، والأول الصواب إن شاء الله، وإن كانا جميعاً من شيوخ مسلم والبخارى وممن خرجا عنهم، لكن المكنى بأبى بكر هو ابن نافع، وأما ابن رافع فيكنى بأبى عبد الله.

(19) باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام، واستحباب إذن صاحب الطعام للتابع

(19) باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام، واستحباب إذن صاحب الطعام للتابع 138 - (2036) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلامٌ لَحَّامٌ، فَرَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ فِى وَجْهِهِ الْجُوعَ. فَقَالَ لِغُلامِهِ: وَيْحَك، اصْنَعْ لَنَا طَعَامًا لِخَمْسَةِ نَفَرٍ، فَإِنِّى أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ. قَالَ: فَصَنَعَ، ثُمَّ أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَاتَّبَعَهُمْ رَجُلٌ. فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذَا اتبَعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأذَنَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ ". قَالَ: لا، بَلْ آذنُ لَهُ، يَا رَسُولَ الله. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر حديث أبى شعيب وأنه كان له غلام لحّام - أى يبيع اللحم - وأنه دعى النبى خامس خمسة واتبعهم رجل، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " إن شئت أن تأذن له، وإن شئت رجع " قال: بل آذن له، وفى الحديث الآخر فى الفارسى الطيب المرق، إذ جاءه يدعوه، فقال النبى: " وهذه "، تعنى عائشة، فقال: لا، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا "، ثم قال فى الثانية: نعم، قال الإمام: ذكرها هنا أنه استأذن صاحب المحل، وذكر فى حديث أبى طلحة أنه قال لمن معه: " قوموا " - وهم سبعون أو ثمانون - ولم يستأذن، وعن هذا ثلاثة أجوبة: أحدها: أن يقال: علم من أبى طلحة رضاه بذلك فلم يستأذن، ولم يعلم رضا أبى شعيب فاستأذنه. والجواب الثانى: أن أكل القوم عند أبى طلحة إنما خرق به العادة لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبركة أحدثها - سبحانه وتعالى - لا ملك لأبى طلحة عليها، إنما أطعمهم مما لم يملكه فلم يفتقر إلى استئذانه. والجواب الثالث: أن يقال: فإن الأقراص جاء بها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده ليأخذها منه، فكأنه قبلها وصارت ملكاً له، فإنما استدعى لطعام ملكه، فلا يلزمه أن يستأذن فى ملكه. قال القاضى: فيه جواز [صناعة] (¬1) الجزارة وأكل مال الجزار، وجواز اتخاذ الأمراق ¬

_ (¬1) ساقطة من ح.

(...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ فِى رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىُّ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ، حَدَّثَنَا عَمَّار - وَهُوَ ابْنُ رُزَيْقٍ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِى سَلَمَةُ ابْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْينَ، حَدَّثَنَا زهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيبة وألوان الطعام الحسنة وأكلها، واستعمال ما أخرج الله لعباده وأحله لهم والطيبات من الرزق. وفيه وفى حديث أبى طلحة، وجابر، وأبى الهيثم بن التيهان: ما كان - عليه السلام - فيه من شظف العيش، وما اختار لنفسه من ذلك فى الدنيا، وما ابتلى به. وأما استئذانه الفارسى حين دعاه أن يأذن لعائشة فقال: لا، فيحتمل أنه إنما كان صنعه للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة لما رأى فى وجهه من الجوع، وقدر ما يكفيه، فرأى أن مواساة النبى فيه مما يضر به فى نفسه، وأراد إفراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به ليقع منه بموقع ويسد خلته، فأبى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مشاركة من حضره فى الكرامة، على ما كان عليه من الخلق الجميلة، وكانت عائشة مع خصوصيتها به حيث كانت. ولعله رأى من حاجتها مثل حاجته، فلما لم يأذن لها وقال: لا، قال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نفسه أيضاً: " لا " ممتنعاً من إجابة دعوته، وكراهة للاستئثار على من حضر بكرامته. ومثل هذا قول مالك فى الرجل يدعو الرجل يكرمه، قال: إذا أراد: فليبعث بذلك إليه بأكله مع أهله، فإنه قبيح بالرجل أن يذهب بكل الطيبات ويترك أهله.

139 - (2037) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا، كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ. فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ. فَقَالَ: " وَهذِهِ؟ " - لِعَائِشَةَ - فَقَالَ: لا. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ". فَعَادَ يَدْعُوهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَهَذِهِ؟ ". قَالَ: لا، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ". ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَهَذِهِ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. فِى الثَّالِثَةِ. فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ، حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه إجابة دعوة الجار والصديق، وجواز الشفاعة فى مثل هذا، وجواز أكله بعد الإذن وطيب نفسه وإن تقدم منعه لِعِلة ومنع ذلك بغير إذنه وتحريم طعام الطفيليين، ومنع أن يحمل الإنسان غيره إذا دعى إكرامه، إذ لا يدرى ما يوافق صاحب الطعام من ذلك، وقاله مالك إلا أن يأذن له صاحب الطعام أو يأمره بذلك، ومنع أن يظهر الرجل دعوة الرجل وفى نفسه الكراهة؛ لأنه يطعمه ما نفسه تكرهه ولا علم عند الآخر، فجمع الرياء والبخل وصفة ذى الوجهين، وإطعامه المسلم ما لم يطب له به نفسه.

(20) باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، ويتحققه تحققا تاما، واستحباب الاجتماع على الطعام

(20) باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، ويتحققه تحققاً تاماً، واستحباب الاجتماع على الطعام 140 - (2038) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ: " مَا أخْرَجَكُمَا مِنْ بِيُوُتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ ". قَالا: الْجُوعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث أبى هريرة وخروج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وعمر، وأن الجوع أخرجهم، وقصدهم رجلاً من الأنصار، وهو أبو الهيثم بن التيهان، واسمه مالك، وإكرامه لهم وإطعامه إياهم - الحديث: فيه ما ابتلى به الأنبياء والفضلاء من ضيق العيش أحياناً، وصبرهم على ذلك، وفيه دلال الصديق على صديقه وقصده إياه ليطعمه ويطعم عنده والحركة فى طلب الرزق، وفيه ما كان ينالهم أول الإسلام من الجهد وقلة ذات اليد، وذلك قبل فتوح الله عليهم ما فتح واستغنائهم بذلك، وفى بعض الأخبار دون بعض فقد مات - عليه السلام - ودرعه مرهونة عند يهودى فى شعير (¬1). وقد فتح الله عليه من الفتوح، وأفاء الله عليه من أموال أهل القرى ما علم، وقسم فى آل بيته وغيرهم من الأموال ما قسم، وأعطى الجزيل، لكنه - عليه السلام - كانت تأتيه وتأتى أصحابه أوقات يضيق بها حالهم؛ لإخراجهم قبل ذلك ما بأيديهم فى نوائب الحقوق، ومواساة المسلمين، وتجهيز الجيوش. وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار مع برهم له - عليه السلام - وإكرامهم إياه وإتحافهم له فى الأحيان، وبما (*) لم يعرفوا ما يبلغ منه الحاجة ولا فراغ ما عنده بإيثاره على نفسه، وبذله ما عنده، ومن علم ذلك ربما كان حاله فى تلك الأحيان كحاله، كحال أبى بكر وعمر فى هذا الحديث، وإيثارهم بما عندهم فى وجوه البر، والنفقة فى السبل المرضية، والحقوق الطارئة، وقد خرج أبو بكر عن ماله كله مرة، وعمر عن نصفه مرة، وعثمان جهز جيش العسرة، وهكذا غيرهم. فلا يبعد أن تأتى عليهم أحوال وليس عندهم ما يواسى به بعضهم بعضاً، ومن عنده قد لا ينكشف له حال غيره، فإذا انكشف له بادر إلى تلافيها كما جاء فى حديث أبى طلحة إذ قال: سمعت صوت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرف فيه الجوع، وكما قال فى حديث جابر: " رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خمصاً "، وفى حديث مولى الغلام اللحام: " فعرف فى وجهه الجوع " (¬2)، ومثل هذا. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجهاد، ب ما قيل فى درع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقميص فى الحرب 4/ 50. (¬2) حديث رقم (138) بالباب السابق. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها: "ربما"، والله أعلم.

يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " وَأَنَا، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لأَخْرَجَنِى الَّذِى أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا ". فَقَامُوا مَعَهُ. فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِى بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا، وَأَهْلاً. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ فُلانٌ ". قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ. إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِىُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ للهِ، مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّى. قَالَ: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقِ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ. فَقَالَ: كُلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يظن بهم أنهم عرفوا من حاله ضرورة فاعرضوا عنها، أو من حال بعضهم بعضاً، وقد وصفهم الله بأنهم: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} (¬1) وبأنهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة} (¬2)، فكيف معه - عليه السلام - وقد كانوا يفدونه بأنفسهم؟ فكيف بأن يشحوا عليه بأموالهم؟، فهذا يدفع الاعتراض والتعارض بين الأحاديث فى هذه الأبواب، ولنحو ما ذكرناه أشار أبو جعفر الطبرى. وفى قوله: " فأنا أخرجنى الجوع ": جواز إجهار الرجل بما يصيبه عند الضرورة، لا بطريق التشكى وقلة الرضا، بل لفائدة، وتسلية المسلم كما [كان هناك] (¬3) لصاحبيه، وفيه برُّ الضيف والصديق والمبالغة فى ذلك، والاختيار لطيب الطعام له. ودخوله منزل الأنصارى وهو غائب، فيه جواز إذن الزوجة فى منزل زوجها لمن تعلم أنه لا يشق [ذلك عليه] (¬4). وفى قولها: " يستعذب لنا الماء " جواز استعذاب الماء والمشروب، وقد منّ الله بذلك على عباده فقال: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُه} (¬5). وقول الأنصارى: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافاً منى ": شكراً لله تعالى على ما منحه من مجىء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه، وإدلاله فى منزله وطلبه أكل طعامه (¬6). وفيه تلقى الضيف بالكلام الحسن وإظهار المبرة به؛ وجواز قول الرجل للآخر: مرحباً وأهلاً، وهى من البرّ، أى صادفت رحباً وسعة وأهلاً تأنس بهم. ومجيؤه إياهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب. العذق هنا بكسر العين: الكباسة وهو العرجون، وإنما جاءهم بمثل هذا العذق لاختلاف ألوانه، وليأكلوا من أنواع فاكهته لاختلاف طعوم أجناسها، وقد قال بعض المتكلمين: لعله: " بعرق " يعنى الزنبيل، فعبر بعذق لما ذكر من جمعه فيه البسر والتمر والرطب، ولا ضرورة لما قاله، ولا ينكر أن يجمع العذق الواحد ما أرطب بتبكير ويبس بعضه، ويبقى بعض ما فيه بعد ليأخذه بسراً، وقد روى هذا الحرف أبو عيسى الترمذى فقال فيه: " يقنو " وهذا تصحيح أنه العرجون. ¬

_ (¬1) الفتح: 29. (¬2) الحشر: 9. (¬3) فى ح: قال. (¬4) سقط من ح. (¬5) فاطر: 12. (¬6) فى ح: الطعام.

مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ "، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ، وَشَرِبُوا. فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَتُسْألُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ ". (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ - يَعْنِى الْمُغِيْرَةَ بْنَ سَلَمَةَ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَيْنَا أَبُو بَكْرٍ قَاعدٌ وَعُمَرُ مَعَهُ؛ إِذْ أَتاَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " مَا أَقْعَدَكُمَا هَهُنَا؟ ". قَالا: أَخْرَجَنَا الْجُوعُ مِنْ بِيُوُتِنَا، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ. 141 - (2039) حدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنِى الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ مِنْ رُقْعَةٍ عَارَضَ لِى بِهَا، ثُمَّ قَرَأهُ عَلَىَّ، قَالَ: أَخْبَرَنَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه المبادرة إلى الضيف أولاً كما حضروا كرامة له به إلى أن يجىء ما يتكلف له، لاسيما إن علم حاجته إلى الطعام، وهذا من أدب الضيف، فقد يكون محتاجاً إلى تعجيل ما تقدم إليه ويضر به [انتظار] (¬1) ما يتكلف له، وقد يكون مستعجلاً للحركة فيضر به الانتظار، وقد روى عن السلف كراهة التكلف للضيف لما ذكرناه - والله أعلم - لما عليه فيه مشقة، فأما بما قدر عليه فمن السنن، قد ذبح إبراهيم لأضيافه عجلاً، وقال - عليه السلام - فى الضيف: " جائزته يوم وليلة " (¬2) على أحد التأويلين فى المحافة [والتكلف له، وهو تأويل قدمه أصحابنا وغيرهم تناول أن يُعطَى ما يجوز] (¬3) به يوماً وليلة. وفيه استعمال الفاكهة قبل الطعام وهو أوفق للمعدة وقوام الصحة لسرعة هضمها، بخلاف غيرها مما يبطئ هضمه. وقوله: " وأخذ المدية " يعنى السكين. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إياك والحلوب " هى: التى تحلب، فعول بمعنى: مفعولة، مثل ناقة ركوب، وقد تكون بمعنى فاعلة، أى ذات حلب ومعطية من نفسها، مثل ماء طهور، بمعنى مطهر وطاهر، وهو من باب المبالغة. وفى الحديث الآخر: " فكف عن ذوات ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) سبق فى ك اللقطة، ب الضيافه ونحوها رقم (14، 15) عن أبى شريح العدوى. (¬3) سقط من ح.

قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا. فَانْكَفَأتُ إِلَى امْرَأَتِى، فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ شَىْءُ؟ فَإِنِّى رَأَيْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا. فَأَخْرَجَتْ لِى جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ. وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنُ. قَالَ: فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِى، فَقَطَّعْتُهَا فِى بُرْمَتِهَا، ثَمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الدر " (¬1)، أى ذات اللبن. وفيه حجة لمن لم ير من أصحابنا ذبح حوامل الماشية، وكذلك فيما كان يصلح من البقر للحريث؛ لأن هذا - إذا لم يضطر إليه - من الفساد. [وقوله] (¬2): " فأكلوا حتى شبعوا ": فيه جواز الشبع فى الأكل وما جاء من كراهة الشبع عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن السلف فذلك حكم المداومة عليه؛ لأنه يقسى القلب، وينسى أمر المحتاجين وحالهم، ويكثر عليه المحاسبة، غير أن المباح منه ما لم يزد على القدر، ويشغل عن أداء الواجب، ويضر بالنفس، ويضيقه ويورث التخمة، ويثقل المعدة وما زاد على هذا فغير مباح، قد جاء عن النبى - عليه السلام - فى الحديث: " إن كان ولابد فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس " (¬3) وخرجه أصحاب المصنفات. وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتسألن عن نعيم هذا اليوم ": قال المفسرون: كل شىء من لذة الدنيا من النعيم الذى يسأل عنه (¬4)، والسؤال عنه: هل يقيم بحق شكره ومنة الله عليه فيه بنعمته؟ وذكر مسلم فى سند هذا الحديث: حدثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا أبو هشام - يعنى المغيرة بن سلمة - حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا يزيد - هو ابن كيسان - حدثنا أبو حازم، سمعت أبا هريرة - الحديث، قال الإمام: هكذا روى هذا الحديث مجوداً عن أبى أحمد الجلودى من طريق السجزى، وسقط منه فى رواية ابن ماهان والرازى رجل وهو: عبد الواحد بن زياد، ولا يتصل إلا به. وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقى عن مسلم، عن إسحاق عن مغيرة، عن عبد الواحد بن يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة. قال بعضهم: والذى عند ابن ماهان خطأ بين، قال البخارى: مغيرة بن سلمة أبو هشام سمع عبد الواحد بن زياد وهشام ومروان الفزارى، مات سنة مائتين. ¬

_ (¬1) ابن ماجه، ك الذبائح، ب النهى عن ذبح ذوات الدَّر، بلفظ: " إياك والحلوب " أو قال: " ذات الدر " رقم (3181) عن أبى بكر بن أبى قحافة، وقال صاحب الزوائد: فى إسناده يحيى بن عبد الله، واهى الحديث 2/ 1062. (¬2) من ح. (¬3) الترمذى، ك الزهد، ب ما جاء فى كراهية كثرة الأكل رقم (380) وقال: حسن صحيح، النسائى فى الكبرى، ك أداب الأكل، ب القدر الذى يستحب للإنسان من الأكل (6768/ 1)، ابن ماجة، ك الأطعمة، ب الاقتصاد فى الأكل وكراهة الشبع (3349)، كلهم عن المقدام بن معدى كرب. (¬4) هذا قول مجاهد، وقال ابن كثير فى التفسير: وهو أشمل هذه الأقوال 8/ 497، وقد ذكر عشرة أقوال فى تفسير النعيم.

فَقَالَتْ: لا تَفْضَحْنِى بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ: فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَتْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ فِى نَفَرٍ مَعَكَ. فَصَاحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُورًا، فَحَيَّهَلا بِكمْ ". وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلا تَخْبِزُنَّ عَجِينَتَكُمْ، حَتَّى أَجِىءَ ". فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِى. فَقَالَتَ: بِكَ، وَبِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِى قُلْتِ لِى. فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ. ثُمَّ قَالَ: " ادْعِى خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، وَاقْدَحِى مِنْ بُرْمَتِكُمْ، وَلا تُنْزِلُوهَا ". وَهُمْ أَلْفٌ. فَأُقْسِمُ بِاللهِ، لأَكَلُوَا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث جابر وفضله يوم الخندق: قال القاضى: قوله: " رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمصاً ": أى رأيته ضامر البطن، وأخمص: حالة البطن من الجوع. وقوله: " فانكفأت إلى امرأتى ": أى انصرفت وانقلبت. وقوله: " فأخرجت لى جراباً فيه صاع من شعير ": الجراب: وعاء من جلد. وقوله: " ولنا بهيمة داجن "، قال الإمام: لعله أراد تصغير بهمة. والبهم: صغار الغنم. والداجن: ما ألف البيت. وقوله: " إن جابراً صنع لكم سوراً فحيهلا بكم ": السور: هو الطعام بالفارسية. قال القاضى: [وقال غيره] (¬1) هو الدعوة للطعام بالفارسية. قال الطبرى: أى اتخذ طعاماً لدعوة الناس، كلمة فارسية. فيه أن النبى - عليه السلام - قد كان يتكلم بالفارسية وغيرها من لغات الأمم. وقوله: " فحيهلا بكم "، قال الإمام: ذكر الهروى فى الحديث: " إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر " (¬2)، أن معناه: حى هلم، وهلا حثاً، فجعلا كلمة واحدة، يريد: إذا ذكروا فهات وعجل بعمر، وذكر فى موضع آخر من كتابه: معنى " حى ": [أى] (¬3) أسرع بذكره، ومعنى " هلا ": أى أسكن عند ذكره حتى تنقضى فضائله، ومنه قول ليلى: وأى حصان لا يقال لها هلا. أى أسكن للزوج، فإن شددت اللام من " هلا " صارت للوم والتحضيض. قال القاضى: كان فى هذا الكلام من العلم تعبير عما فى كتاب الهروى، فجئنا به على الصواب، إذ عنه حكاه (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) مسند أحمد 6/ 148. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) انظر: غريب الحديث للهروى 4/ 89.

كَمَا هِىَ، وَإِنَّ عَجِينَتَنَا - أَوْ كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ - لَتُخْبَزُ كَمَا هُو. 142 - (2040) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا، أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذه اللفظة لغات: قال الأحمر: يقال: حى هل وهل وهلا. وحكى أبو عبيد: حى هلك، قال غيره: يقال: حى هل، مثل بل لكثرة الحركات والوقف، تشبيهاً بصه وَمَه، وحى هلا مثل " على " مقصور، [و" حى هلاً " منون على المصدر، و" حى هلن " بالنون] (¬1)، و" حى هل " بنصب اللام لكثرة الحركات، و" حى هل " بسكونهما مثل بخ بخ، تشبيهاً بها، و" حى هلك " بالكاف. وجاء فيها - أيضاً - " حى على " بمعناها. ومعناه عند أبى عبيد: عليك بكذا أو ادع بكذا. وقال السلمى: " حى " أعجل و" هلا " صلة. وتقدم الكلام على حمل النبى الناس إلى منزل أبى طلحة ولم يستأذنه فى ذلك، وكذلك فعل فى حديث جابر [هذا. وقول امرأة جابر] (¬2). " بك وبك ": إشفاقاً من فضيحتها بأن طعامها لا يقوم بالناس، وكذلك فى حديث أبى طلحة من قوله: " قد جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس وليس عندنا ما يطعمهم "، لكن كان عند زوجته من اليقين ما يثبته بقولها: " الله وسوله أعلم "، وقد يحتمل أن امرأة جابر ظنت أنه لم يبين للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدار الطعام؛ ولذلك قال لها: " قد فعلت الذى قلت لى " يعنى قولها: " لا تفضحنى برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن معه "، أى لا تدع إلا بمقدار الطعام، ولذلك ساره النبى - عليه السلام - بالأمر. ومعنى قولها: " بك وبك " عتباً، كأنما قالت له: برأيك وسوء نظرك للإفتاء فعلت هذا، وبك تلحق الفضيحة، وبك يتعلق الذم. أو يكون كالدعاء عليه بذلك، أوقع الله بك الفضيحة وأدناك اللوم. وقد تكون الباء بمعنى: من أجل، أى من أجلك حل بنا ما يتوقعه من الفضيحة والخزى مع الناس. وقوله: " فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقدم الناس ": هذا جاء له هنا؛ لأنه دعاهم لهذا الطعام، فهم يسيرون خلفه له فلا يتقدمونه، وكانت عادته فى غير هذا إذا مشى مع الناس أن يتقدمهم (¬3) بين يديه؛ كيلا يتخلق بأخلاق أهل الكبر والدنيا فى وطء عقبه الذى ذم فاعل ذلك - عليه السلام. ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من ح. (¬3) فى ح: يقدمهم.

ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِى، وَرَدَّتْنِى بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ بَهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِى الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ ". قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " أَلِطَعَامِ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: " قُومُوا ". قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِىَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى حديث جابر وأبى طلحة أن صاحب الدار لا يستأذن فى داره، وأن من يدخل معه يستغنى عن الإذن؛ لأن دخوله معه إذن له فى الدخول. وفى حديث أبى طلحة أن الناس لم يدخلوا إلا بإذن؛ لقوله: " ائذن لعشرة "؛ إذ لم يدعوا ولا أتوا مع أبى طلحة، وإنما دعاهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما جاء الطعام أذن لهم حينئذ. ففيه أن أحداً لا يدخل منزل أحد إلا بإذنه وإن علم أنه خال ممن يستتر منه؛ لأن دخول العشرة [الأولين] (¬1) والإذن لهم لم يكن إلا بعد تمام امرأة أبى طلحة من شغلها، فلم يكن الإذن للعشرة [الأول] (¬2) إذناً للباقين حتى أذن لهم فى الدخول، مع أن فى هذا الإذن مصلحة للكافة؛ إذ لو أذن لجميعهم لضاق بهم المحل ولم يتمكنوا من الأكل، فالإذن لهم عشرة عشرة من صلاح حالهم. وفيه مواساته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما خص به ولما لم يكن قسم ذلك بينهم على حاله دعاهم إليه جميعاً، وجمعهم عليه زمرة بعد أخرى ببركته وآياته. وما ذكر فيه من أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصق فى العجين والبرمة وبارك، هذا كما فعل فى الماء - أيضاً - رجاء بركته كما كانت، وليس فيه ما يعترض به؛ إذ كان بصاق النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير متقذر (¬3) عند المسلمين، بل كانوا يرغبون في ذلك، ويحكون بها وبنخامته وجوههم. وقوله: " ادعى خابزة " كذا للسجزى، وهو صواب الكلام، ووجهه بأنه إنما خاطب المرأة، ورواه غيره: " ادعنى " بنون، وبعضهم: " ادعونى " بزيادة واو. كله له وجه، أى اطلب أو اطلبوا لى، كما يقال: بغيته كذا وبغيته له بمعنى. قال الله تعالى: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَة} (¬4). وقوله: " اقدحى من برمتكم ": أى اغرفى. والمقدحة: المغرفة. وأمر النبى بذلك، ودعاء النبى لجابر: فيه إدلال الضيف والصديق فى دار صديقه، وأمره فى ذلك بما يراه، لاسيما فى هذه القصة التى كان أمر النبى فيها وتناوله [لها] (¬5) بسبب البركة والمعجزة البينة. وفيه قبول مواساة الصديق وأكل طعامه. ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى ح: متقذذ. (¬4) التوبة: 47. (¬5) سقطت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنهم أكلوا من ذلك وهم ألف، وانحرفوا " أى انصرفوا " والبرمة تغط " أى تغلى وتسمع غليانها. والغطغطة، والغطيط: الصوت من ذلك وما يشبهه، وكذلك صوت النائم. وفيه آيتان بينتان من علامات نبوته - عليه السلام -: إحداهما: فعلية فى تكثير القليل من الطعام وبركة بصاقه وإجابة دعوته. والثانية: قولية بدعوة النبى العدد الكثير لما قد علم قلته، وأنه على ذلك بارك فيه ويكفيهم بوحى الله، ويقين منه بذلك، ومثله فى حديث أبى طلحة، وقوله: " فإن الله سيجعل فيه بركة ". ودعاء النبى الناس لطعام غيره تقدم الكلام عليه أيضاً فى حديث الغلام اللحام، وغيره معنى مما نبهنا عليه قبل مما هو فى حديث جابر أيضاً، وفيه أنه لا يجب لإنسان أن يدعو لطعامه أكثر من قدره فيفضح نفسه، ويخجل الحاضرين، إلا عند الضرائر والشدائد والمواساة. وفيه فضل الثريد، وكون البركة معه، ومعونة المرأة زوجها فى أضيافه وخدمتها فى بيتها وطعامها. وذكر حديث أبى طلحة وقوله: " لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضعيفاً أعرف فيه الجوع ": فيه من معنى ما تقدم من ابتلاء الفضلاء وصبرهم على ذلك وكتمانه، وغير ذلك مما تقدم فى حديث جابر من المعانى والفقه الذى طابقت هذا الحديث، مما نبهنا عليه من المعجزتين. قال بعضهم: وفيه الحجة فى جواز الشهادة على الصوت لقوله: " أعرف فيه الجوع " وإنكاره منه ما عرف، قيل: وفى هذا ضعف جداً، أى إنما هو حكم على ما دل عليه الصوت من ضعفه، فأما سماع الصوت [فمع المشاهدة كان، وإنما الشهادة على الصوت] (¬1) المتكلم فيها قمع غيبة العين. وقد نازع فيه الخالف، وقال: إنه دليل على منع الشهادة على الصوت؛ إذ إنما علم تغير صوته بالمشاهدة، فلا يبعد أن يعترى بعض الناس تغير فى أصواتهم، فكيف تصح الشهادة على الصوت؟ وهذا أضعف؛ لأنه إنما شهد على ما حققه ولم يتغير عنده وأما ما تغير فلا يشهد به. وفى حديث أبى طلحة - مما لم يتقدم فى الأحاديث الأخر -: الخروج لتلقى الضيفان إلى الطريق، وتحسين الهدية، وإكرام المهدى لها؛ للف أم سليم تلك الأقراص فى خمارها. وفيه أن الخبز كان عندهم - من شعير أو غيره - أفضل الطعام، فقد كان أبو طلحة من أكثر أنصاره بالمدينة مالاً ونخلاً، فإنما عدل عن التمر للخبز لفضله. ويحتمل أن يكون ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلُمِّى، مَا عِنْدَك، يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ". فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ "، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ "، ـــــــــــــــــــــــــــــ فى وقت قد نفد ما عنده من التمر، ألا تراه كيف قال لزوجته: هل عندك [شىء] (¬1) من شىء؟ ويحتمل أن يريد شيئاً حاضراً لتعجيل ذهاب ما بالنبى مما أضعفه من الجوع، أو كان تمره يبعد تناوله، إما من حيث أخبرته أو لمعاناة جمعه والمجىء به من حائطه، وأما على الحديث الآخر ففيه: أن أم سليم قالت له: عندنا كسر من الخبز وتمرات، فقد زاد هنا [- إن صح الخبر - تمراً] (¬2). قوله: " ثم دسته تحت ثوبى ": كذا فى مسلم من رواية يحيى بن يحيى التميمى عن مالك، وفى رواية غيره فى الموطأ: " تحت يدى " (¬3) أى إبطى؛ صيانة لما حمله من ذلك، ولعله ليحبس ما فيها من دفء وسخانة. وقوله: " وردتنى ببعضه ": فيه تأويلان [أحدهما] (¬4): قيل: ردتنى بطرف خمارها. فيه - أيضاً - تجميل الرسول [ما أهدته] (¬5). وقيل: ردت جوعى ببعضه، أى أعطتنى من ذلك شيئاً. فيه مناولة الخادم من طعام مخدومه حتى لا يتعلق باله إليه، وتنازعه شهوته له، لاسيما الصبيان الصغار ومن يتعلق باله بالطعام. قالوا: وفى هذا الحديث من الفقه أن من استحق شيئاً مع غيره وعلم أن ذلك يصح قسمته بالاعتدال أو بإسهام، أنه لا بأس أن يبدأ به من شاء على غير قرعة كالمكيل والموزون، إذا كان إقسامهم له بالقرب. وفيه دليل أنه يستحب ألا يكون على مائدة أكثر من عشرة؛ لإدخالهم هنا عشرة عشرة. وقد يكون هذا قدر ما يتخلق بهذه الجفنة، وإذا كانت كبيرة يتخلق عليها أكثر من هذا العدد فلا يجب أن يقتصر هنا على العشرة، بل ذلك على قدر الموائد والجفان، ويقدر ما لا يضر بعضهم فى التضايق عليها بعضاً. وقوله: " وعصرت عليه عكة لها فأدمته ": العكة، بضم العين: وعاء من جلد صغير للسمن خاصة والنجى أكبر منه، ومعنى " أدمته " بمد الألف وقصره، قال الإمام: أى ¬

_ (¬1) زائدة فى الأصل. (¬2) فى ح: أن مع الخبز تمراً. (¬3) الموطأ، ك صفة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب جامع ما جاء فى الطعام والشراب 2/ 927 (16). (¬4) ساقطة من ح. (¬5) فى ح: بالهدية.

فَأَذَنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: " ائْذنْ لِعَشَرَةٍ " حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلاً أَوْ ثَمَانُونَ. 143 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَنِى أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَدْعُوَهُ، وَقَدْ جَعَلَ طَعَامًا. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ، فَنَظَرَ إِلَىَّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ. فَقَالَ للِنَّاسِ: " قُومُوا ". فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا صَنَعْتُ لَكَ شَيْئًا. قَالَ: فَمَسَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ. ثُمَّ قَالَ: " أَدْخِلْ نَفَرٌ، مِنْ أَصَحَابِى، عَشَرَةً "، وَقَالَ: " كُلُوا ". وَأَخْرَجَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَخَرَجُوا. فَقَالَ: " أَدْخِلْ عَشَرَةً "، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلا دَخَلَ، فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ. ثُمَّ هَيَّأَهَا. فَإِذَا هِى مِثْلَهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا. (...) وحدّثنى سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَنِى أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِى آخِرِهِ: ثُمَّ أَخَذَ مَا بَقِىَ فَجَمَعَهُ، ثُمَّ دَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ. قَالَ: فَعَادَ كَمَا كَانَ. فَقَالَ: " دُوْنَكُمْ هَذَا ". (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّىُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَصْنَعِ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ أَرْسَلَنِى إِلَيْهِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَسَمَّىَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ "، فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا. فَقَالَ. " كُلُوا وَسَمُّوا الله "، فَأَكَلُوا. حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلت فيه إداماً، يقال منه: أدم الطعام وأدمه. قال القاضى: وفيه جواز اتخاذ الأدم، وأنه ليس من الإسراف، وفى بعض روايات مسلم فى أكل القوم: " وأخرج لهم فيه شيئاً من بين أصابعه "، بينه فى الرواية الأخرى: " فوضع فيه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده وسمى عليه "، وذلك كبركة يده، وأنهم أكلوا من بين أصابعه، كما نبع الماء بوضع يده فيه من بين أصابعه.

ثُمَّ أَكَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْبَيْتِ، وَتَرَكُوا سُؤْرًا. (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ، بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، فِى طَعَامِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ فِيهِ: فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ، حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ شَىْءٌ يَسِيرٌ. قَالَ: " هَلُمَّهُ، فَإِنَّ اللهَ يَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ ". (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجَلِىُّ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَأَفْضَلُوا مَا أَبْلَغُوا جِيَرَانَهُمْ. (...) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَى أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِى الْمَسْجِدِ، يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، فَأَتَى أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِى الْمَسجَدِ، يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَأَظُنَّهُ جَائِعًا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فيه: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَأَنَسُ ابْنُ مَالِكٍ. وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَأَهْدَيْنَاهُ لِجِيرَانِنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ثم أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو طلحة، وأم سليم، وأنس ": فيه أن المضيف هو يأكل آخر القوم، والنبى وإن كان المدعى فقد صار ناظراً فى إطعام الناس من هذا الطعام الذى كان إنما صنع له، فكان حكمه حكم أصحابه مُطْعَمِيهِ وكواحد منهم، وقد قال - عليه السلام -: " ساقى القوم آخرهم شرباً " (¬1) أصل فيه، وهو وإن كان الشرب لا يتأتى فيه المشاركة فى إناء واحد فى وقت واحد بخلاف الأكل، فقد يتفق أحياناً أن يكون المشروب كثيراً والأوانى كثير فيوافق الأكل. وفيه مُآكلة النبى لأم سليم وزوجها، وأكل الضيف مع المضيف وزوجه إذا شاء وقد أجاز العلماء ذلك. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الأشربة، ب فى الساقى متى يشرب عن عبد الله بن أبى أوفى 2/ 303، الترمذى، ك الأشربة، ب ما جاء أن ساقى القوم آخرهم شرباً رقم (1894) وقال: حسن صحيح.

(...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ؛ أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ الأَنْصَارِىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ، وَقَدْ عَصَّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ - قَالَ أُسَامَةُ: وَأَنَا أَشُكُّ - عَلَى حَجَرٍ. فَقُلْتُ لِبَعْضَ أَصْحَابِهِ: لِمَ عَصَّبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْنَهُ؟ فَقَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِى طَلْحَةَ - وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ - فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَصَّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّى. فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، عِنْدِى كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ بِقِصَّتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال مالك: لا بأس للمرأة أن تأكل مع غير ذى محرم أو مع غلامها إذا كان على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال، وهذا ليس فيه إلا إبداء كفيها ووجهها، وذلك مباح منها النظر إليه لغير تلذذ ومداومة لتأمل المحاسن. قال ابن عباس: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (¬1) قال: الوجه والكفان، وقاله عطاء، وذكر ابن بكير: أنه قول مالك وغيره، وإليه مال إسماعيل القاضى قال: لأنه الذى يبدو من المرأة فى الصلاة. ففيه دليل أن للغرباء والأجانب رؤيته من المرأة. وقال الأزهرى: معنى قول مالك التقدم فى المؤاكلة ذلك فى الحِجَال. وقد يحتمل أن تكون أم سليم امرأة أبى طلحة ذات محرم من النبى - عليه السلام - إذ ذكر أن أختها أم حرام كانت خالته من الرضاعة، فقد تكون هذه - أيضاً - مثلها، أو تكون أجنبية على ما تقدم، إذ ليس كل أخت خالة من الرضاعة والسبب حاله. وفيه مآكلة المضيف مع الضيف؛ لأنه أبسط له. [وقوله: " وتركوا سؤراً ": هى البقية من الطعام أو الشراب] (¬2). وقوله فى آخر الروايات: " رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتقلب ظهراً لبطن، وأظنه جائعاً "، وفى الأخرى عن أنس: " وقد عصب بطنه على حجر، فسألت، فقيل: من الجوع، فذهبت إلى أبى طلحة فأخبرته " وذكر الحديث: فليس فى هذا كله بمخالف، وإنما هى ¬

_ (¬1) النور: 31. (¬2) سقط من ح.

(...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى طَعَامِ أَبِى طَلْحَةَ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادات من بعض الرواة، وحفظ بعضهم ما لم يحفظ آخرون؛ إذ يحتمل أن أنسًا نَبَّه أبا طلحة متثبتاً فرأى ذلك منه وسمع صوته، فأتى أم سليم عند ذلك فأخبرها بصفة ما صنعت. ومعنى قوله: " عصب بطنه على حجر ": قيل: هو استعارة وكناية على شدة الحال به، وقيل: بل هو على وجهه، وهى عادتهم فى بلاد الحجاز؛ لأن ما يصل من برد الحجر إلى باطن الحشا يبرد حرارة الجوع ويسكن سورته، أو لأن عادتهم كانت عند ضمور بطونهم شد الحجارة عليها ليعتمد، وقيل: إنما فعل هذا - عليه السلام - موافقة لأصحابه، أو ليعلمهم أنه ليس عنده طعام استأثر به دونهم، وإن كان هو فى هذا الباب بخلافهم لقوله: " إنى لست كهيئتكم، إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى " (¬1). وفى الباب فى سند هذا الحديث: حدثنا حسن بن الحلوانى، حدثنا وهب بن جرير ابن يزيد، [حدثنا أبى، سمعت جرير بن يزيد] (¬2)، بزيادة ياء على مثال يعيش، وهو وَهْم، وإنما هو: جرير بن زيد، وهو جرير بن حازم، ذكره البخارى وابن أبى حاتم الرازى. ¬

_ (¬1) سبق فى مسلم، ك الصيام، ب النهى عن الوصال فى الصوم رقم (61). (¬2) سقط من ح.

(21) باب جواز أكل المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضا وإن كانوا ضيفانا إذا لم يكره ذلك صاحب الطعام

(21) باب جواز أكل المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضاً وإن كانوا ضيفاناً إذا لم يكره ذلك صاحب الطعام 144 - (2041) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيَما قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ. قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَىِ الصَّحْفَةِ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مُنْذُ يَوْمَئِذٍ. 145 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ - أَبُو كُرَيْبٍ - حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَجِىءَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبَّاءُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأكُلُ مِنْ ذَلِكَ الدُّبَّاءِ وَيُعْجِبُهُ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أُلُقِيهِ إِلَيْهِ ولا أَطْعُمُهُ. قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ يُعْجِبُنِى الدُّبَّاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أنس: " فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبع الدباء حوالى الصحفة "، قال القاضى: الدباء، بالمد وضم الدال: القرع المأكول فى هذا الحديث، وقد جاء مقصوراً أيضاً، فمن مده قال فى واحده: دباءة، ومن قصر قال فى الواحدة: دباة. أنبأنا به بعض شيوخنا عن أبى مروان بن سراج: لم يذكر فيها أبو على غير المد. وقوله: " وجعلت ألقيه إليه ولا أطعمه ": فيه جواز مناولة من على المائدة ما بين أيديهم بعضهم بعضاً مما بين أيديهم؛ لأن جميعه لهم، وإنما يكره من ذلك أن يتناول من على مائدة لمن على مائدة أخرى، وقاله ابن المبارك، وكذلك أن يتناول إنسان ما أمام غيره لآخر؛ لأنه يجمع سوء الأدب، وعلة الأكل مما بين يدى غيره، وأنس هنا لم يكن معه غير النبى - عليه السلام - وكان الطعام بين أيديهما معاً لا غير، فإنما ناول أنس ما بين يدى نفسه، وغير ذلك كان بين يدى النبى - عليه السلام. قال الإمام: وتتبع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدباء يحتمل أن يكون من باب الطعام المختلف، أو لأنه كان يأكل مع من يعلم سروره بذلك ولا يستثقله. قال القاضى: أو لأن الطعام إنما كان عمل النبى - عليه السلام - فكان جميعه له؛

(...) وحدَّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ وَعَاصِم الأَحْوَلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلاً خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وزَادَ: قَالَ ثَابِتُ: فَسَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: فَمَا صُنِعَ لِى طَعَامٌ بَعْدُ، أَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُصْنَعَ فِيهِ دُبَّاءٌ إِلا صُنِع. ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن حكم الزمن والرجل المعظم عندهم جواز ذلك، وهو نحو ما تقدم من أن ذلك لا يستقذر منه ولا يكره، بل يتودد له بذلك ويستحب منه، ويحابى به وإن لم يتناوله هو بنفسه. وقول أنس: " فما زلت أحب الدباء من يومئذ ": لأجل ما رأى من حب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، ومن تمام الإيمان حب كل ما أحب النبى، وتتبع آثاره فى كل شىء، والتخلق بأخلاقه. فقد كان ابن عمر يحب موافقة ذلك منه فى كل شىء حتى فى مواطئ حافر ناقته، وقد قال ابن المنذر: يستحب أكل الدباء لأجل هذا الحديث. وفى طبخ القديد بالدباء جواز استعمال ذلك، وطبخ اللحم والقديد مع غيره من الخضر وغيرها لتكثير الطعام وتطييبه، وليس من باب إدامين ولا من السرف، وقد جاء فى الخبر الآخر يكثر به طعامنا، مع ما فى ذلك من تدبير طى لكسر حرارة القديد، وتعديل يبسه ببرد القرع ورطوبته، كما قال - عليه السلام - فى أكل القثاء بالرطب: " يكسر برد هذا حر هذا ". وفى أكل أنس مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما بإذن صاحب الطعام، أو لأنه كان صنع للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وملكه، فلو شاء أكله كله إذا كان قدر كفايته، فله مواساة غيره منه. وفيه أن الخياط لم يؤاكلهما، ففيه دليل أنه ليس من الواجب على المضيف أكله، لكن قد يستحب له أحياناً لتبسطه بذلك وتنشطه، لاسيما إذا كان الضيف وحده، وقد يستحب له ترك ذلك إذا كان الطعام قليلاً يؤثره به، ولا يضيق عليه فيه، وقد يأتى مواضع يكون الحال فيها سواء والخيار له فيما فعل، وكل واسع.

(22) باب استحباب وضع النوى خارج التمر، واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام، وطلب الدعاء من الضيف الصالح، وإجابته لذلك

(22) باب استحباب وضع النوى خارج التمر، واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام، وطلب الدعاء من الضيف الصالح، وإجابته لذلك 146 - (2042) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِى. قَالَ: فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ أُتِىَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأكُلُهُ وَيُلْقِى النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، وَيَجْمَعُ السَّبَابَةَ وَالْوُسْطَى - قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ ظَنِّى. وَهُوَ فِيهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، إِلْقَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " فقربنا إليه طعاماً ووطئة ": كذا ضبطناه على أبى بحر بالواو وكسر الطاء مهموزاً، وكان فى كتاب العذرى مهملاً، وقيده فى كتاب ابن عيسى: " رطبة " [بالراء وفتح] (¬1) الطاء وباء موحدة، والصواب من هذا كله الأول، قال ابن دريد: الوطية: التمر يستخرج نواه ويعجن باللبن، وفى كتاب البزار: " فقربنا له طعاماً ووطئة فجاؤوه بحيس فأكل منه "، قال أبو مروان بن سراج: لعله طعاماً وطية على البدل؛ لقوله: فأكل منها، وهو خير من العطف، وهو طعام يتخذ من اللبن. وفى كتاب ثابت قال سهل بن سعد: إن النبى استسقاه، قال: فحصب له وطية فثسرب. قال ثابت: قال بعض أهل اللغة: هو طعام للعرب تتخذه من ثمر أراه كالحيس، قال: وهذا أولى مما ذكر ابن قتيبة (¬2)، ويعضد ما قاله رواته: فجاؤوه بحيس فأكل، ثم جاؤوه بتمر - الحديث، فقال: " حيساً كان وطية " فدل أنهما بمعنى، ومسلم والبزار جاءا أنه عن شيخ واحد بسند ومعناه. وقال ابن دريد: الوطية: عصيدة التمر، وقال القتبى فى الحديث: " أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك فأخرج لنا ثلاث أكل من كل وطية "، قال: والوطية: الغرارة. قال القاضى: فعلى هذا تكون الواو الأولى فى الأم مغيرة من " فى "، أو من " من "، أى طعاماً من وطية، أو فى وطية، ومعنى " ثلاث أكُل ": أى ثلاث لقم، أو يكون ثلاث لقم من هذا الحيس - والله أعلم. وقوله: " ثم أتى بتمر فكان يأكله ويلقى النوى يين إصبعيه، ويجمع بين السبابة والوسطى ": دليل على قلة ما كان يأكله - عليه السلام - لأن ما يجتمع بين السبابة ¬

_ (¬1) من ح، وفى الأصل: بكسر. (¬2) فى ح: عيينة، والمثبت من الأصل.

النَّوَى بَيْنَ الإِصْبَعَيْنِ - ثُمَّ أُتِىَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِى عَنْ يَمِينِهِ. قَالَ: فَقَالَ أَبِى - وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ -: ادْعُ اللهَ لَنَا. فَقَالَ: " اللهُمَّ، بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَشُكَّا فِى إِلْقَاءِ النَّوَى بَيْنَ الإِصْبَعَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والوسطى إنما يكون من تمر قليل. وفيه أنه لم يلقه فى التمر لنهيه عن ذلك لما فيه من إفساد للطعام، وخلطهُ بغيره مما يطرح فيه، وهذه سنة، وفيه أنه لم يلق النوى [من حوله وفى المنزل] (¬1) فيزيل نظافته فيه الكناسات، وهذا من الأدب والمروءة. وذهب ابن المنذر أن معناه: أنه كان يجمعه على ظهر إصبعيه فيرمى به، وقول شعبة: وفيه ظنى، وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الأصبعين، يعنى أنه شك هل هو فى الحديث؟ ثم غلب ظنه فيه، كذا الرواية للكافة وهو صواب بيِّن، ألا تراه قال فى الحديث الآخر: " ولم يشك فى ذلك "، وعند السمرقندى [قال شعبة] (¬2) [ضبطه] (¬3) وهم، والصواب ما تقدم. وفى دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم أخذاً بالبركة فى الرزق وفى الآخرة بالمغفرة والرحمة، دعاء جامع لمصالح الدنيا والآخرة، وفيه دعاء الضيف للمضيف، وسؤال الناس الرجل الفاضل الدعاء. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬3) ساقطة من ح، والمثبت من الأصل.

(23) باب أكل القثاء بالرطب

(23) باب أكل القثاء بالرطب 147 - (2043) حدَّثنا يَحْيَى بْن يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلالِىُّ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: حَدَّثَنَا - إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأكُلُ القِثَّاءَ بِالرُّطَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يأكل القثاء بالرطب ": فيه جواز أكلهما معاً، وجواز التطبيب والعلاج وأكل الطعامين، لاسيما إذا كان فى ذلك مصلحة، كما فسره فى بعض الحديث بقوله: " يكسر حر هذا برد هذا، وبرد هذا حر هذا "، وجواز التوسع فى اليسير وأكل الطيبات، وفيه أكل الفاكهتين وخلطهما معاً وخلط الطعامين؛ لأنه زيادة الطيب، وجواز أكل إدامين معاً، ولا خلاف بين العلماء فى ذلك إلا ما روى عن عمر من كراهته، ونحوه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى معناه فى العسل باللبن، على جهة التواضع، والتقلل وترك السرف لا على التحريم.

(24) باب استحباب تواضع الآكل وصفة قعوده

(24) باب استحباب تواضع الآكل وصفة قعوده 148 - (2044) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، كِلاَهُمَا عَنْ حَفْصٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْعِيًا، يَأكُلُ تَمْرًا. 149 - (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ، فَجَعَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُهُ وَهُوَ مُحْتَفِزٌ، يَأكُلُ مِنْهُ أَكْلاً ذَرِيًعا. وَفِى روَايةِ زُهَيْرٍ: أَكْلاً حَثِيثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: والحديث الآخر: " أتى بتمر فجعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسمه وهو محتفز " بالزاى: مستعجل مستوف، وغير متمكن فى جلوسه، والاحتفاز: الاستيفاز، وفسره فى الرواية الأخرى بقوله: " مُقْعِياً "، والإقعاء: جلسة المستوفز على أطراف إليتيه، وهذا هو تفسير قوله: " أما أنا فلا آكل متكئاً " عند أبى سليمان الخطابى: أى متمكناً فى الجلسة من التربع وشبهه، والاعتماد على الوطاء الذى تحته، قال: وكل من استوى قاعداً على وطاء فهو: متكئ، ومعناه عنده: أى لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الأطعمة، ويتمكن للقعود لها قعد مستوفز، أو أكل العلقة للضرورة، كما قال آخر الحديث: " بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد ". وروى أنه - عليه السلام - كان يجلس إذا أكل مقعياً، وهو نحو قوله هنا: " مستوفزاً "، وإنذار الخطابى أن يكون تفسير الحديث: الاتكاء على الجانب، وهو تأويل أكثر الناس، وعلته عندهم وجهان: أحدهما: أنه من شيم أهل الكبر والترفه. والثانى: يخشى ضرره لأجل ضغط مجارى الطعام بضغط الجانب والأضلاع بالاتكاء. وقوله: " ويأكل منه أكلاً ذريعاً ": أى كثيراً، وفى الرواية الأخرى: " حثيثاً ": أى مستعجلاً، وهو تفسير معنى الذريع الكبير المتقدم، أنه فى صفة الأكل، وحثه وكثرة استعجاله لاستيفازه لا كثرة المأكول؛ إذ لم يكن صفته - عليه السلام - الإكثار من الأكل، وقيل: إن هذا التمر لم يكن من الصدقة؛ لأكل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، أو يكون استعجاله وإكثاره الأكل لحاجته إليه.

(25) باب نهى الآكل مع جماعة، عن قران تمرتين ونحوهما فى لقمة، إلا بإذن أصحابه

(25) باب نهى الآكل مع جماعة، عن قران تمرتين ونحوهما فى لقمة، إلا بإذن أصحابه 150 - (2045) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ. قَالَ: وَقَد كَانَ أَصَابَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ، وَكُنَّا نَأكُلُ فَيَمُرُّ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ وَنَحْنُ نَأكُلُ. فَيَقُولُ: لا تُقَارِنُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الإِقْرَانِ، إِلا أَنْ يَسْتَأذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ. قَالَ شُعْبَةُ: لا أُرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِلا مِنْ كَلِمَةِ ابْنِ عُمَرَ - يَعْنِى: الاسْتِئْذَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإقران، إلا أن يستأذن الرجل أخاه ": وفى النهى عن القران فائدتان، ولمنعه علتان: أحدهما: الشَّرَة والجشع، وبهذا عللته عائشة بقولها لإنهاء سؤاله، وجابر يقول: لا بأس به إلا أنها طعمة قبيحة. والثانية: إيثار الإنسان نفسه بأكثر من حقه مع مؤاكله أو شريكه، أو رفيقه، وحكمهم فى ذلك كله التساوى، ولذلك قال: " إلا أن يأذن "، وكما روى عن أبى هريرة: " بعث إلينا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر فكنا نقرن من الجوع، فكان أحدنا إذا قرن قال: قد قرنت فأقرنوا " (¬1)، وقد روى مثل هذا الكلام عن النبى - عليه السلام - وحمل أهل الظاهر هذا النهى على الوجوب، وقال غيره من علمائنا: وهذا فيما اشتركوا فيه أو هرقوه، وأما ما كان على طريق النقلة وغير التقوت والمجاعة فليس القران فى ذلك بممنوع، إلا على سبيل الأدب (¬2) والمروءة. قال الإمام: يحتمل إذا علم من أصحابه أن ذلك مما يرضوه ويخف عليهم ألا يمنع منه، وقد قال: " إلا أن يستأذن أخاه "، ولا فرق بين أن ينطق بإذن أو يفهم عنه، ويقال: قرنت بين التمرتين: أكلتهما عبرة، وقرنت بين الحج والعمرة: جمعتهما، والشىء ¬

_ (¬1) ابن حبان فى صحيحه رقم (1350) والحافظ لابن حجر فى الفتح 9/ 494 فى الأطعمة وعزاه لابن حبان، وفى تاريخ دمشق 19/ 111/ 1. (¬2) فى الأصل: الإذن، والمثبت من ح.

(...) وحدّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيِثِهِمَا قَوْلُ شُعْبَةَ. وَلا قَوْلُهُ: وَقَدْ كَان أَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ. 151 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ، حَتَّى يَسْتَأذِنَ أَصْحَابَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشىء: شددته إليه. قال القاضى: قالى الخطابى: هذا كان فى زمنهم لما كانوا عليه من الضيق والمواساة؛ فأما اليوم مع اتساع الحال [فلا يحتاجون] (¬1) إلى الاستئمار، وفى الأمر نظر. قوله هنا: " الإقران " كذا فى جميع النسخ، إنما يأتى من أقرن، وقد قال الفراء: قرن فى الحج والعمرة، ولا يقال: أقرن، وقال غيره: وإنما يقال: أقرن على الشىء: إذا قوى عليه وأطاقه. ¬

_ (¬1) سقط من ح.

(26) باب فى إدخال التمر ونحوه من الأقوات للعيال

(26) باب فى إدخال التمر ونحوه من الأقوات للعيال (¬1) 152 - (2046) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ ". 153 - (...) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّد بْنِ طَحْلاءَ، عَنْ أَبِى الرِّجَال، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ. يَا عَائِشَةُ، بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ - أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ ". قَالَهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ستأتى الإشارة إليه فى الباب التالى.

(27) باب فضل تمر المدينة

(27) باب فضل تمر المدينة 154 - (2047) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلاَلٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَكَل سَبْعَ تَمَراتٍ، مِمَّا بَيْنَ لابَتَيْهَا، حِينَ يُصْبِحُ، لَمْ يَضُرَّهُ سَمُّ حَتَّى يُمْسِىَ ". 155 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، قَالَ: سَمِعُتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ تَصَبَّح بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلا سِحْرٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سحر ولا سم "، وخص فى الرواية الأخرى ذلك مما بين لابتى المدينة، وعم التمر ولم يخص العجوة، وقال فى الحديث الآخر: " عجوة العالية شفاء أو ترياق أول البُكْرَةِ ": والعالية: ما كان من الحوائط والقرى والعمائر فى جهة المدينة العليا مما يلى نجد، والسافلة من الجهة الأخرى مما يلى تهامة، وأدنى العالية ثلاثة أميال، وأبعدها ثمانية أميال من المدينة. والعجوة: ضرب من جيد التمر. قال الإمام: هذا مما لا يعقل معناه فى طريقة علم الطب، ولو صح أن يخرج لمنفعة التمر فى السم وجه من جهة الطب لم يقدر على [إظهار] (¬1) وجه الاقتصار منه على هذا العدد [الذى هو] (¬2) السبع، ولا هذا الجنس الذى هو العجوة، ولعل هذا كان لأهل زمنه خاصة أو لأكثرهم؛ إذ لم يثبت عندى استمرار وقوع الشفاء بذلك فى زمننا غالباً، وإن وجدنا ذلك فى زمننا فى أكثر الناس حمل على أنه أراد وصف غالب الحال. قال القاضى: تخصيصه - عليه السلام - ذلك بعجوة العالية وبما بين لابتى المدينة، يرفع هذا الإشكال، ويكون خصوصاً لها، كما وجد الشفاء لبعض الأدواء فى بعض الأدوية التى تكون في بعض البلاد دون ذلك الجنس فى غيره، لتأثير يكون فى ذلك من الأرض أو الهواء، والله أعلم. ¬

_ (¬1) و (¬2) من ع.

(...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، كِلاهُمَا عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. وَلا يَقُولانِ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكثير من النباتات فى بعض البلاد عذبة مأكولة، وفى بعضها سموم قاتلة، أو مؤذية لاختلاف الأهوية والأراضى، مع أنه لا يبعد أن يعقل معناه على قانون الطب، فقد نص أئمة الأطباء أن التين نافع من السموم، وخص بعضهم يابسه وهو فى الحرارة بقرب من التمر، وقد ذكر بعضهم أن منفعة التصبح على العجوة من السموم؛ أن معظم السموم إنما تقتل لإفراط بردها ويبسها فتجمد دم القلب تخنق الحرارة الغريزية، فمن دام على التصبح على العجوة تحكمت فيه الحرارة، واستعانت بها الحرارة الطبيعية التى ركبها الله فى عباده على مقاتلة برد السم ويبسه فيغلب بردها. وأكثر السموم الحيوانية كالأفاعى والعقارب والريقلى والحيات باردة يابسة، وهى التى تخشى عادتها ببلاد الحجاز والصحارى والفيافى غالباً، وكذلك أكثر النباتات كالبنج والأفيون وأشباههما من السموم النباتية التى معاناتها بالمواد المقوية حرارة القلب، بخلاف غرائب السموم التى لا يوجد فى بلادهم ولا نبتها من النباتات والمركبات، كالبيش، والبلادر والأفربيون التى سمها يفرط حرارتها لتذويبها الدم وحلها الحرارة الغريزية. وأما تخصيص هذا العدد فأمر جاء فى الشرع فى هذا الباب كثير، كقوله " صبوا على من سبع قرب " (¬1)، وكان هذا العدد مبالغة كثيرة ويرد الايراد والإشفاع؛ لأنه زاد على نصف العشرة وفيه إشفاع ثلاثة وإيتار أربعة فجمع جمع الشفع والوتر الأعداد، كما جاء فى غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً (¬2) ولقوله تعالى: {سَبْعَ سَنَابِل} (¬3)، وكما أن السبعين مبالغة كثيرة العشرات، كما جاء فى قوله تعالى: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة} (¬4)، وفى ذكر سبعين حجاباً فى الحديث، وكما أن سبعمائة مبالغة فى كثرة المبين لقوله: " إلى سبعمائة ضعف " وهكذا ما جاء فى السبعين ألف ملك (¬5) وغير ذلك، وقال بعض أهل ¬

_ (¬1) البخارى، ك الوضوء، ب الغسل والوضوء فى المخضب والقدح والخشب والحجارة 1/ 60، وأحمد 6/ 151 من حديث عائشة. (¬2) البخارى، ك الوضوء، ب الماء الذى يغسل به شعر الإنسان، وسبق فى كتاب مسلم، ك الطهارة، ب حكم ولوغ الكلب رقم (89 - 92). (¬3) البقرة: 261. (¬4) التوبة: 80. (¬5) الترمذى، ك صفة جهنم، ب ما جاء فى صفة النار رقم (2573).

156 - (2048) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ شَرِيكٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى نَمِرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ فِى عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً، أَوْ إِنَّهَا تَرْيَاقٌ، أَوَّلَ الْبُكْرَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ اللغة: العرب يضع السبع موضع الكثرة ولا يريد به الحصر، ولابتى المدينة: حرتاها، وأراد جانبيها، وتقدم تفسير الحرة. والترياق بكسر التاء، ويقال: درياق وطرياق أيضاً، وهو دواء مركب معلوم لدفع السموم. قوله: " لا يجوع أهل بيت عندهم التمر " (¬1)، و " بيت لا تمر فيه جاع أهله " (¬2): حجة فى جواز إدخار الأقوات من التمر وشبهه مما يدخر وتحريض عليه. ¬

_ (¬1) حديث رقم (152) بالباب السابق. (¬2) حديث رقم (153) بالباب السابق.

(28) باب فضل الكمأة، ومداواة العين بها

(28) باب فضل الكمأة، ومداواة العين بها 157 - (2049) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنَ ". 158 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنَ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِىِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حَدَّثَنِى بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ. 159 - (...) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، الَّذِى أَنْزَلَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين "، قال الإمام: قال أبو عبيد: يقال: إنما شبهها بالمن الذى كان يسقط على بنى إسرائيل؛ لأن ذلك كان ينزل عليهم عفواً بلا علاج منهم، وإنما كانوا يصبحون وهو بأفنيتهم فيتناولونه، وكذلك الكمأة ليس على أحد منها مؤونة فى بذر ولا سقى ولا غيره، وإنما هو شىء ينشئ الله - عز وجل - فى الأرض حتى يصير إلى من يجتنيه. قال القاضى: جاء فى الرواية الأخرى فى الأم: " من المن الذى أنزل على بنى إسرائيل " فيحتمل أنه على وجهه، وهو ظاهر الكلام، ويحتمل أنه على التشبيه كما تقدم.

160 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْحَكَمِ ابْنِ عُتَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِىِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِى أَنْزَلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ". 161 - (...) حدَّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ يَقُولُ: قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُوَلُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِى أَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَىَ بَنِى إِسْرَائِيلَ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ". 162 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: فَلَقِيْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ، فَحَدَّثَنِى عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: " وماؤها شفاء للعين ": يقال: إنه ليس معناه أن يؤخذ ماؤها بحتاً، أى صرفاً، فيقطر فى العين، ولكنه يخلط ماؤها فى الأدوية التى تعالج بها العين فعلى هذا يوجه الحديث. قال القاضى: قال بعض أهل المعرفة بالطب والحذق فيه وغيره فى بعض ما ألفه وتكلم عليه فى معنى هذا الحديث: إما لتبريد العين من بعض ما يكون فيها من الحرارة فشفى بنفسها مفردة، وأما لغير ذلك فمركبة مع غيرها.

(29) باب فضيلة الأسود من الكباث

(29) باب فضيلة الأسود من الكباث 163 - (2050) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَنَحْنُ نَجْنِى الْكَبَاثَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ ". قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ رَعَيْتَ الْغَنَمَ. قَالَ: " نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِىٍّ إِلا وَقَدْ رَعَاهَا " أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: كنا نجنى الكباث، فقال - عليه السلام -: " عليكم بالأسود منه "، قال الإمام: هو النضيج من ثمر الأراك. قال القاضى: هذا قول الهروى، وهو قول الأصمعى وغيره، وقال كذا أبو الحسين بن سراج حين قرأت عليه هذا الحرف: صوابه أن الكباث الذى لم ينضج، والمراد هو الذى نضج وأسود، وأنشدنا عليه بيت أبى ذؤيب: وسود ماء المرد فاها فلونه ... كلون النؤر وهى أدماء سارها أى سايرها، وحكى مثل هذا عن الأصمعى أيضاً. قال القاضى: ويدل على صحة هذا قوله فى الحديث: " عليكم بالأسود منه " وقال الحربى عن الأصمعى: المراد هو: الغض. والكباث: النضج، وكلاهما بفتح الكاف والضم، وحكى عن ابن الأعرابى أن الذى لم يسود هو الكباث والأسود هو البرير، وجماعه المزد، وحكى عن مصعب: ثم الأراك إذ ورد فهو مر فإذا حصوم وهو الكباث، فإذا أسود فهو البرير، ويحكى عن عمه: العصير، فإذا نضج بالعنب فهو البرير، فإذا تدنب فهو الكباث، وقال فى كتاب آخر: الغض ونضيجه المراد وكله البرير، وحكى عن الأصمعى. وقوله: كأنك رعيت الغنم؟ قال: " نعم، وهل من نبى إلا رعاها؟ ": فى هذا تدريب الله لأنبيائه برعاية الغنم؛ للين جانبها وقلة تعبها؛ لسياسة أممهم بغيرهم، ولما أراده الله لهم من الخلوة، والاستعداد لهدايته، والعزلة عن الناس؛ لصفاء قلوبهم؛ ولما أعد الله من كرامته لهم؛ وليأخذوا حظهم من التواضع فى رعايتها.

(30) باب فضيلة الخل، والتأدم به

(30) باب فضيلة الخل، والتأدم به 164 - (2051) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نِعْمَ الأُدُمُ - أَوِ الإِدَامُ - الْخَلُّ ". 165 - (...) وحدّثناه مُوسَى بْنُ قُرَيْشِ بْنُ نَافِعٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " نِعْمَ الأُدُمُ " وَلَمْ يَشُكَّ. 166 - (2052) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ. فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلا خَلٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نعم الإدام الخل ": قال بعضهم: سماه إدامًا لأنه يصطنع به، [قال: وكل ما يصطنع به] (¬1) فهو إدام، هذا قول أصحاب أبى (¬2) حنيفة، يقال: طعام مأدوم، وجمع الإدام: أدم، مثل إهاب وإهب، والأدم بالسكون رواه أيضاً، وجمعه أدم، ومنه فى الرواية الأخرى: " نعم الأدم الخل " وفيه إثبات أن الخل أدم ولم يختلف فيه. وقد اختلف الناس فيما ينطلق عليه اسم الإدام، فمن حلف لا يأكل إدامًا، فحقيقة مذهبنا أن ذلك راجع إلى اعتياد البلاد فى الائتدام، ومعرفة الناس ذلك فيه، ويحنث بما هو عند الحالف إدام، ولكل قوم عادة أكلهم لخبزية غالباً، كان مائعاً أو غيره؛ السمن، والعسل، والخل، والزيت، والودك، والشحم، والزيتون، والجبن، والحالوم، واللحم، والحوت مشوياً وطبيخاً، طريهما أو مملوحهما، والطير، والسلجم، والمركب، والسراز، وشبهه. ولم يروا الملح الجريش ولا المطيب إداماً، وجعله بعضهم إداماً. وذهب الكوفيون إلى أن الإدام: كل ما يصطنع به مما يستهلكه الخبز، مثل: اللبن، والزيت، والخل، وشبهه. وقال أبو ثور مثل قولنا، قال: والإدام: كل ما كان من طبيخ، أو شواء، أو لبن، أو سمن، أو خل، أو زيت، أو خبز، أو زيتون، وسمك طرى أو مالح، أو بيض، أو تمر، أو ما يأتدم به الناس، ونحوه قاله الشافعى وابن الحسين، وقال أبو حنيفة وأبو ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى الأصل: أبو، وهو تصحيف.

فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأكُلُ بِهِ وَيَقُولُ: " نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ، نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ ". 167 - (...) حدّثنى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِى، ذَاتَ يَوْمٍ، إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ، فَقَالَ: " مَا مِنْ أُدُمٍ؟ " فَقَالُوا: لا، إِلا شَىْءٌ مِنْ خَلٍّ. قَالَ: " فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الأُدُمُ ". قَالَ جَابِرُ: فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ طَلْحَةُ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ. 168 - (...) حدَّثنا نَضْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. إِلَى قَوْلِهِ: " فَنِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدهُ. 169 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ ابْنُ أَبِى زَيْنَبَ، حَدَّثَنِى أَبُو سُفْيَانَ، طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ. قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِى دَارِى. فَمَرَّ بِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَشَارَ إِلَىَّ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِى. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَلَ، ثُمَّ أَذِنَ لِى، فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ يوسف فى الخبز، والبيض، واللحم المشوى، وشبه ذلك مما لا يصطنع به، ليس بإدام، ولا يحنث به. وحجتنا وحجة الجمهور قوله - عليه السلام: " وقد أخذتموه " وكسره هذه إدام هذه، وقوله: " فما إدامهم؟ قال: زيادة كبد النون "؛ لأن المعنى فى الائتدام الجمع بين الخبز وما يطيبه عند الأكل ويسيغه، فما كان لهذه السبل معهود وهو إدام. قال الخطابى: وقصده فى الحديث التى على الاقتصاد فى الأكل ولا يتألق فى المأكل، كأنه يقول: ائتدموا فى الخل وما تيسر (*). وقول جابر: " فما زلت أحب الخل منذ سمعت من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثل قول أنس فى الدباء، وقد تقدم الكلام فيه. وإدخال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جابر بعض حجر نسائه بعد إذنه له، وقوله: " دخلت الحجاب عليها "، ليس فيه أنه رآها، فقد يحتمل أن يكون قبل نزول الحجاب، وقد يحتمل أنه بعد دخل الحجاب بعد استتارها فى جهة منه واحتجابها بشىء دونه. _______ (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صواب العبارة: "وقصده في الحديث [الحث] على الاقتصاد في الأكل، ولا يتأنق في المأكل ... " والله أعلم. وقد وجدنا النقل عن الخطابي بنحوه في معالم السنن (4/ 254)، كالتالي: "معنى هذا الكلام الاقتصاد في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة، كأنه يقول: ائتدموا بالخل وما كان في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده، ولا تتأنقوا في المطعم؛ فإن تناول الشهوات مفسدة للدِّين مسقمة للبدن"، وانظر شرح النووي على مسلم (14/ 7).

فَقَالَ: " هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟ ". فَقَالُوا: نَعَمْ. فَأُتِىَ بِثَلاثَةِ أَقْرِصَةٍ، فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِىٍّ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْصًاً فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَىَّ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْنِ، فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَىَّ. ثُمَّ قَالَ: " هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟ ". قَالُوا: لا، إِلا شَىْءٌ مِنْ خَلٍّ. قَالَ: " هَاتُوهُ، فَنِعْمَ الأُدُمُ هُوَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هل من غداء " من كريم أخلاقه - عليه السلام - وكرمه، وبره بأصحابه. قوله: " فأتى بثلاثة أقرصة فوضعن على بتى " (¬1)، كذا ضبطناه عن الصدفى والأسدى من شيوخنا بفتح الباء بواحدة، وبعدها تاء باثنين من فوقها مكسورة مشددة، وبعدها ياء باثنين تحتها مشددة منونة. قال: البت: كِساء من وبر أو صوف، فلعله منديل وضع عليه هذا الطعام كما لفته أم سليم بخمارها. وكان فى كتاب الخشنى عن الباجى نحوه، وكان عنده لابن ماهان مثله، إلا أنه بفتح الباء والتاء معاً. وعنده للطبرى: " بنى " بضم الباء أوله بكسر النون فى ثانيه وتشديدها. قال القاضى الكنانى: وهو صواب، وهو طبق من خوص. قال ابن وضاح: بنى طبق أو مائدة من خوص أو حلفى، وجاء فى بعض النسخ: " على نبى " بتقديم النون المفتوحة وكسرها الباء بواحدة بعدها. وقيل فى تفسيرها: إنها مائدة من خوص، قال ثعلب: الثقبة شىء مدور يعمل من خوص وشريط، وهى التى تسميها العرب الثنية، قال ابن الأعرابى: هى البعتة والنعتة والمكيل والمكيلة، وفى كتاب العينى: البقعة: طبق من خوص عريض يبقى فيه الطعام. وقال كراع: البقعة: سفرة مدورة يتخذ من خوص. وقوله: " فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرصاً فوضعه بين يديه، وأخذ آخر فوضعه بين يدى، وكسر الثالث [باثنين] (¬2)، فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدى ": هذا حقيقة المواساة، وموافق لقوله: " طعام الواحد كافى الاثنين " (¬3)، ولاشك أن هذه الأقرصة كانت صغاراً مقدار غذائه - عليه السلام. ويحيى بن صالح الوحاظى، المذكور فى سند الحديث، بضم الواو وحاء مهملة وآخره ظاء معجمة. ووحاظة قبيلة من حمير، كذا قيدناه عن شيوخنا، وقال القاضى أبو الوليد الباجى: بفتح الواو. ¬

_ (¬1) حديث رقم 69 بلفظ " نبى " بالنون، وقد أثبت القاضى التاء، وقال: أكثر الرواة عليها. (¬2) من المطبوعة الصحيحة والأصل. (¬3) سيأتى فى باب فضيلة المواساة فى الطعام القليل رقم (179).

(31) باب إباحة أكل الثوم، وأن ينبغى لمن أراد خطاب الكبار تركه، وكذا ما فى معناه

(31) باب إباحة أكل الثوم، وأن ينبغى لمن أراد خطاب الكبار تركه، وكذا ما فى معناه 170 - (2053) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أُتِىَ بِطَعَامٍ أَكَلَ مِنْهُ وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إِلَىَّ، وَإِنَّهُ بَعَثَ إِلَىَّ يَوْمًا بِفَضْلَةٍ لَمْ يَأكُلْ مِنْهَا، لأَنَّ فِيهَا ثُومًا. فَسَأَلْتُهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: " لا، وَلَكِنِّى أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيْحِهِ ". قَالَ: فَإِنِّى أَكْرَهُ مَا كَرِهْتَ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَن شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. 171 - وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ - وَاللَّفْظُ مِنْهُمَا قَرِيبٌ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ - فِى رِوَايَةِ حَجَّاجِ بنِ يَزِيدَ: أَبُو زَيْدٍ الأَحْولُ - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَفْلَحَ - مَوْلَى أَبُو أَيُّوبَ - عَنْ أَبِى أَيُّوبَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى السِّفْلِ وَأَبُو أَيُّوبَ فِى الْعُلْوِ. قَالَ: فَانْتَبَهَ أَبُو أَيُّوبَ لَيْلَةً فَقَالَ: نَمْشِى فَوْقَ رَأسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَتَنَحَّوْا، فَبَاتُوا فِى جَانِبٍ. ثُمَّ قَالَ للِنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السِّفْلُ أَرْفَقُ ". فَقَالَ: لا أَعْلُو سَقِيْفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا. فَتَحَوَّلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْعُلوِ وَأَبُو أَيُّوبَ فِى السِّفْلِ، فَكَانَ يَصْنَعُ للِنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا، فَإِذَا جِىءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ، فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ. فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ، فَلَمَّا رُدَّ إِلَيهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَأكُلْ، فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الثوم حين سئل عنه؛ إذ لم يأكل منه: أحرام هو؟ قال: " لا، ولكنى أكرهه من أجل ريحه ": نص فى الباب، ورد على من حرمه من الظاهرية الموجبين حضور الجماعات، وقد تقدم الكلام فى المسألة فى كتاب الصلاة.

فَقَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا، وَلَكِنِّى أَكْرَهُهُ ". قَالَ: فَإِنِّى أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ، أَوْ مَا كَرِهْتَ. قَالَ: وَكَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه: " وكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤتى ": كذا فى روايتنا، وفى بعض الروايات: " يؤتى بالوحى " وهو معناه، وتفسره الأحاديث الأخر: " إنى أناجى من لا تناجون، وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم " (¬1). وفى إرساله فضلة الطعام الذى كان يوجهه إليه أبى أيوب: أدب من آداب الطعام، أن يفضل الآكل والشارب مما يأكل ويشرب، وقد أمر السلف بذلك، قد يحتمل أن يكون هذا الطعام الموجه به إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عشاء جميعهم، فكانوا يبدؤون بالنبى - عليه السلام - فيأخذ حاجته ويبقى فضله. ونزول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاً عند أبى أيوب فى السفل فسره فى الحديث: " هو أرفق بى "؛ لقلة العناء له فى طلوع العلو والمشقة فى ذلك، ولمن يغشاه - أيضاً - من المسلمين، فيكون من فى السفل (¬2) أستر (¬3) وأرفق لقلة العناء له فى طلوع العلو، والمشقة بهم هم أيضاً، لكن أبا أيوب استقبح بقاءهم فوق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى العلو ومشيه فوق رأسه، ومخافة ما يناله فى ذلك من ضرر من شىء يسقط عليه لتحركهم فوقه، أو ما ينصب من ماه وغيره، فلم يزل به حتى نقله، فآثر - عليه السلام - فى ذلك أخف الضررين. وتتبعه مواضع أصابع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الطعام تبركاً بذلك. وكراهة أبى أيوب لما كره النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مما تقدم؛ لحبهم ما أحبه، وأن هذا كله من تمام الإيمان، ومحبة النبى - عليه السلام - لأن من أحب أحداً أحب ما يحب، وكره ما يكرهه، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (¬4). وقول مسلم فى سند هذا الحديث: حدثنا حجاج بن الشاعر وأحمد بن سعيد بن صخر (¬5)، قال: حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا ثابت فى رواية حجاج بن يزيد - أبو زيد الأحول - حدثنا عاصم. كذا فى أصل الكتاب، وكذا ضبطناه عند شيوخنا، إلا أنه كان ¬

_ (¬1) أخرجه البخارى فى بدء الوحى، ب الأحكام التى تعرف بالدلائل 9/ 35. (¬2) فى الأصل: العلو، والمثبت من ح. (¬3) فى ح: أيسر، والمثبت من الأصل. (¬4) آل عمران: 31. (¬5) فى ح: حجر، والمثبت من الصحيحة المطبوعة والأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند القاضى أبى على عن العذرى، وفى رواية حجاج بن زيد: أخو زيد، وكتب عليه خطأ. قال القاضى: أما قوله: " أخو " فخطأ محض، كما قال: وإنما أراد مسلم بن حجاج، قال فى نسب ثابت الذى روى عنه أبو النعمان: ثابت بن يزيد وهو أبو زيد الأنصارى، قال البخارى: ثابت بن يزيد أبو زيد سمع عاصماً الأحول، وهلال بن حبان كناه لنا موسى ابن إسماعيل، وهو ثابت الأحول، ويعد فى البصريين، قال أبو داود: عن ثابت بن يزيد أبو زيد، والأول أصح (¬1)، فقد ذكر البخارى الاختلاف فى اسم أبيه كما تقدم، وهو بصرى خرج عنه البخارى ومسلم، قال أبو حاتم الرازى: هو ثقة أحفظ من عاصم، وذكر أن شعبة دل عليه. وقال يحيى بن سعيد: هو وسط، وعاصم هو عاصم بن سليمان أبو عبد الرحمن البصرى، يعرف بالأحول أيضاً. قال البخارى: مولى تميم، ويقال: مولى عثمان بن عفان، قاضى المدائن، خرج عنه البخارى ومسلم: وقال الثورى: كان حفاظ البصرة يليه سليمان التيمى، وعاصم الأحول، وداود بن أبى هند، وعاصم أحفظهم. وقال شعبة: عاصم أحب إلىّ من قتادة وأبى عثمان النهدى؛ لأنه أحفظهما. وقال يحيى بن سعيد القطان: لم يكن بالحافظ وكان يضعفه. وقال ابن المدينى: هو ثبت. وقال ابن معين وأبو زرعة الرازى: هو ثقة. قال أبو حاتم: هو صالح الحديث. وروى عن ابن سيرين أنه قال: ما أبالى سمعت الحديث أو حدثنيه عاصم الأحول، توفى سنة ثنتين وأربعين ومائة (¬2). ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 2/ 172 (2097). (¬2) انظر: علل ابن المدينى 60، 64، 99، التاريخ الكبير للبخارى 6/ 485 (3058)، ابن حبان فى الثقات 5/ 237، سير أعلام النبلاء 6/ 13، تذكرة الحفاظ 1/ 149، تهذيب التهذيب 5/ 42.

(32) باب إكرام الضيف وفضل إيثاره

(32) باب إكرام الضيف وفضل إيثاره 172 - (2054) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ فُضْيلِ ابْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى مَجْهُودٌ. فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقَالَتْ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِى إِلا مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلُ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلُ ذَلِكَ: لا، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِى إِلا مَاءٌ. فَقَالَ: " مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ، رَحَمُهُ اللهِ ". فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: لا، إِلا قُوتُ صِبْيَانِى. قَالَ: فَعَلَّلِيِهِمْ بِشَىْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِى السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأكُلَ فَقُومِى إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ. قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث الذى نزل فى قصته: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم} الآية (¬1)، وقوله: " إنى مجهود ": أى أصابنى الجهد، أى الهزال، رجل مجهود: أى هزيل، وقد يكون من الشدة والمبالغة فى الحاجة، ومنه جهد البلاء، وكله بالفتح. ومنه فى حديث المقداد بعده: " فذهبت أبصارنا وأسماعنا من الجهد ". وسؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه عما تصنعوا به؟ فقالت: " ما عندى إلا ماء " وكذلك سائر أزواجه: فيه ما كان يتحفهم أحياناً من الضيقة وشدة العيش. وقوله بعد: " من يضيفُ هذا ": فيه أنه بدأ أولاً بنفسه، وهذا حكم المواساة (¬2) فى الشدائد. وقصة الأنصارى معه، فيه غاية بر الضيف، والإيثار، وحسن السياسة فى الأمور؛ إذ لو لم يطفئ السراج لرأى الضيف أنهم لا يأكلون ويؤثرونه، فربما امتنع من الأكل وأكل قليلاً. ومعنى " أهوى بيده ": أى أمالها لشىء يأخذه، وقد تقدم. وقوله: " عجب ربكم من صنيعكم الليلة ": قيل: فيما جاء فى القرآن، والحديث من إضافة العجب إلى الله أى رضى فعل ذلك (¬3)، وقيل: جازى وأثاب عليه، وقيل: عظم ¬

_ (¬1) الحشر: 9. (¬2) فى ح: المساواة، والمثبت من الأصل. (¬3) الذى عليه مذهب السلف: هو إثبات تلك الصفة - وأمثالها - من غير تأويل أو تكييف.

صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ ". 173 - (...) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ. فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: نَوِّمِى الصِّبْيَةَ وَأَطْفِئِى السِّرَاجَ، وَقَرِّبِى للِضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ. قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة} (¬1). (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُضِيفَهُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُضِيفُهُ. فَقَالَ: " أَلا رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا، رَحِمَهُ اللهُ ". فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَذَكَرَ فِيهِ نُزُولَ الآيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ وَكِيعٌ. 174 - (2055) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ. قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِى، وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا، فَأَتَيْنَا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَى أَهْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فعله ذلك عند الله، وقد يكون التعجب مضافاً إلى ملائكة الله وكتبه ورسله أفعال العباد وأقوالهم، وأضيف إلى الله تشريفاً لهم، كما قيل فى قوله: " اهتز العرش لموت سعد " (¬2) أى ملائكة، وفى غير حديث. وقد فسر مسلم فى الرواية الأخرى أن صاحب هذه القصة هو: أبو طلحة. وقوله فى حديث المقداد وأصحابه أنهم عرضوا أنفسهم على أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يقبلوهم، يعنى - والله أعلم - القيام بهم؛ إذ ليس بفرض عين ويعلمهم أنهم لا يهلكون ولابد من قائم بهم، فكان متولى ذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف الأعنز الثلاثة بينهم وبينه، ولعل الصحابة فى ذلك الوقت كانوا من القلة والجهد حيث كان ذلك موجب قعودهم عن القيام بهم. " والجُرعة ": الشربة الواحدة، بضم الجيم، وشرب شراب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

_ (¬1) الحشر: 9. (¬2) سيأتى فى مسلم، ك فضائل الصحابة، ب من فضائل سعد بن معاذ رضى الله عنه برقم (2466/ 123)، وفى البخارى، ك مناقب الأنصار، ب مناقب سعد فى الفتح برقم (3803)، وفى الترمذى برقم (3847)، وابن ماجه فى المقدمة (158)، كلهم من حديث جابر بن عبد الله.

فَإِذَا ثَلاَثَةُ أَعْنُزٍ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا ". قَالَ: فَكُنَّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيْبَهُ، وَنَرْفَعُ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيْبَهُ. قَالَ: فَيَجِىءُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيما لا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ. قَالَ: ثُمَّ يَأَتِى الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّى، ثُمَّ يَأَتِى شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ، فَأَتَانِى الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِى. فَقَالَ: مُحَمَّدٌ يَأَتِى الأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ، وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ، مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجُرْعَةِ. فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ فِى بَطْنِىَ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ، قَالَ: نَدَّمَنِى الشَّيْطَانُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! مَا صَنَعْتَ؟ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ؟ فيَجِىءُ فَلا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ، فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وآخِرَتُكَ. وَعَلَىَّ شَمْلَةٌ، إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَىَّ خَرَجَ رَأسِى، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأسِى خَرَجَ قَدَمَاىَ، وَجَعَلَ لا يَجِيْئُنِى النَّوْمُ. وَأَمَّا صَاحِبَاىَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ. قَالَ: فَجَاءَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ كمَا كَانَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ: الآنَ يَدْعُو عَلَىَّ فَأَهْلَكُ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ، أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِى، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِى ". قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلَى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَىَّ، وَأَخَدْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الأَعْنُزِ، أَيُّهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا هِىَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فلما وغلت فى بطنى ندمنى الشيطان "، قال الإمام: الوغول: الدخول فى الشىء وإن لم يتعد فيه، وكل داخل فهو واغل، يقال منه: وغلت أغل وغولاً ووغلاً، ولهذا قيل للداخل على الشرب من غير أن يدعى: [واغل ووغل، والذى جاء فى الحديث: " إن هذا الدين متين] (¬1) فأوغل فيه برفق " (¬2). قال الأصمعى وغيره: الإغال: السير الشديد والإمعان فيه، يقال: أوغلت إيغالاً. قال القاضى: وخوفه من دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فعله من شرب شرابه، ولقاء النبى ذلك بالتسليم، والدعاء بأن يطعم الله من يطعمه ويسقى من سقاه، بما كان جبل عليه من العفو، والصبر، والإغضاء، وحسن الكلام، والمعاشرة، وكرم النفس، والنزاهة. وذهاب المقداد بالشفرة ليذبح من تلك الشياة فوجدها حفلاً، كلها آية من آيات النبى، ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح، ع. (¬2) أخرجه أحمد عن أنس بلفظ: " فأوغلوا " قال صاحب الزوائد: مرسلاً، والبيهقى بنفس اللفظ وزيادة: " إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهرًا أبقى " وقال عن جابر: وهو مرسل، وعن عمرو بن العاص، ك الصلاة 1/ 1988، وفى التمهيد 1/ 195، وكذا فى مجمع الزوائد 1/ 62.

حَافِلَةُ، وَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ. فَعَمَدْتُ إِلَى إِنَاءٍ لآلِ مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ. قَالَ: فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ "، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِى. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِى. فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوِىَ، وَأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ، ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الأَرْضِ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ مِنْ أَمْرِى كَذَا وَكَذَا، وفَعَلْتُ كَذَا. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذِهِ إِلا رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ، أَلا كُنْتَ آذَنْتَنِى، فَنُوقِظَ صَاحِبَيْنَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا ". قَالَ: فَقُلْتُ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُبَالِى إِذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ، مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 175 - (2056) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، جَمِيعًا عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ مُعَاذٍ - حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وبركة من بركاته؛ لحاجته إلى شرابه ذلك الوقت، وكما كن حلبن قبل هذا واستخرج ما فيهن من لبن. وقوله: " فلما عرفت أن النبى روى وأصبت دعوته، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض ": أى سقط من كثرة الضحك، يريد: ذهبت بما كان من الحزن على فعله من شرب شراب النبى، وسرّ بإجابة دعوة النبى ليسقى من سقاه، وإطعام من أطعمه. وبشرب النبى - عليه السلام - وريه من اللبن وتعجبه من قبح فعله أولاً وحسنه آخراً، وكون ذلك على يديه وذريعة لإعلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقضية، ولذلك قال له النبى - عليه السلام -: " إحدى سوآتك " وفى رواية الهوزمى وأراها رواية، وابن ماهان: " أخبرنى بسوأتك "، وليس بشىء، هو تصحيف، والصواب الأول، أى ضحكك هذا من أحد الأفعال السيئة من أفعالك. فأخبره خبره فقال - عليه السلام -: " ما كانت هذه إلا رحمة من الله ": أى إحداث هذا اللبن فى غير حينه وعادته، وإن كان الكل من فضل الله.

الْمُعْتَمِرُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ - وَحَدَّثَ أَيْضًا - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثِينَ وَمِائَةً. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ ". فَإِذَا مِعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ - مُشْرِكٌ مُشْعَانٌ طَوِيلٌ - بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبَيْعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ - أَوْ قَالَ - أَمْ هِبَةٌ؟ " فَقَالَ: لا. بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً، فَصُنِعَتْ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوَادِ الْبَطْنَ أَنْ يُشْوَى. قَالَ: وَايْمُ اللهِ، مَا مِنَ الثَّلاثِينَ وَمِائَةً إِلا حَزَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُزَّةً حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهُ، وإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَ لَهُ. قَالَ: وَجَعَلَ قَصْعَتَيْنِ، فَأَكَلْنَا مِنْهُمَا أَجْمَعُونَ، وَشَبِعْنَا، وَفَضَلَ فِى الْقَصْعَتَيْنِ، فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ - أَوْ كَمَا قَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " روى " بكسر الواو، وكذا يقال فى الشرب: روى يروَى، بفتحها فى المستقبل. وأما " روى " بفتحها فى الماضى وكسرها فى المستقبل كذا الاستقاء على الإبل وغيرها فى الرواية ونحوها، وكذلك فى رواية الحديث وغيره. وقوله فى حديث عبد الرحمن بن أبى بكر: " هل مع أحد منكم طعام؟ " فإذا مع رجل صالح [من طعام] (¬1) فأمر به فعجن، وذكر أنهم كانوا مائة وثلاثين: فيه استدعاء الفاضل من أصحابه ما معهم، لاسيما إذا كان ليطعمهم إياه ويشبع جميعهم. فيه: واشترى لى الشاة، وأنهم جعلوا الطعام قصعتين، فأكلوا أجمعون من ذلك، وفضلت فضلة من القصعتين حملت على البعير، وأنه أمر بسوادِ بطن الشاة فشوى، وأنه حز لكل واحد من المائة وثلاثين حزة من سواد بطنها، إن كان شاهداً أعطاه وإن كان غائباً خبأ له. وسواد البطن قيل: الكبد، وقد يحتمل أنه جميع الحشى. وكيف كان؟ ففى هذا الخبر معجزتان: إحداهما: [فى] (¬2) تكثير سواد البطن حتى وسع هذا العدد، والأخرى: تكثير الصاع ولحم الشاة حتى وسعهم أجمعين وشبعوا، كما جاء فى الحديث: " وفضلت منه فضلةٌ ". قال الإمام: وقوله فى الحديث: فجاء رجل مشرك مشعانُ. [قال الأصمعى: رجل مشعان] (¬3) وشعر مشعان، وهو الثائر المتفرق. ¬

_ (¬1) فى الأصل وح: شعير. (¬2) من الأصل، وأسقطت فى ح. (¬3) من ع.

176 - (2057) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِىُّ، كُلُّهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ - وَاللَّفْظُ لابْنِ مُعَاذٍ - حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ أَبِى: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ، فَليَذْهَبْ بِثَلاثَةٍ. وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ، فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، بِسَادِسٍ " - أَوْ كَمَا قَالَ - وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاثَةٍ. وانْطَلَقَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ. وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلاثَةٍ. قَالَ: فَهُوَ وَأَنَا وَأَبِى وَأُمِّى وَلا أَدْرِى هَلْ قَالَ: وَامْرَأَتِى وَخَادِمٌ بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِى بَكْرٍ - قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: هو بضم الميم وشين معجمة وتشديد النون، يقال: اشعان الشعر إشعاناً: إذا انتفش. وقوله - عليه السلام -: " من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ": كذا صحيح الحديث، وكذا ذكره البخارى (¬1)، وجاء فى جميع نسخ مسلم: " فليذهب بثلاثة "، والأول الصواب. ثم قال: " ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس ": هذا حقيقة المواساة بثلث القوت؛ لأن المد إذا نقصه ثلث قوته لم يضره، وهذا مثل الحديث الآخر: " طعام الاثنين كافى الثلاثة، وطعام الثلاثة كافى الأربعة " (¬2). وقد ذكر مسلم فى حديث جابر: " طعام الواحد كافى الاثنين، وطعام الاثنين كافى الأربعة، وطعام الأربعة كافى الثمانية " (¬3): وهذا على المواساة بنصف القوت، وإلى هذا ذهب عمر فى سنة الجماعة، وهو أن يجعل على كل بيت مثلهم، وقال: " لن يهلك أحد عن نصف قوته ". قيل: يحتمل أن يريد بذلك - عليه السلام - التغذى وكفاية القوة ورد كلب الجوع لا الشبع والتملى، أى طعام الواحد يغذى اثنين وإن لم يشبعهما؛ إذ فائدة الطعام التغذى وحذر القوة. قيل: ويحتمل أن يريد به الحض على المواساة بما يضطر إليه الإنسان، وأن الله يجعل فيه البركة حتى يكفى اثنين. وفيه حض على التقليل من المأكل لأنه أصفى للذهن، وأنتج للجسم. وفى الإكثار من التملى والتخم الأسقام، وجادة النفس، وكلالة الذهن. وقوله: " فجاء أبو بكر بثلاثة، وانطلق النبى بعشرة ": هذا على أخذ النبى بأفضل ¬

_ (¬1) البخارى، ك مواقيت الصلاة وفضلها، ب السمر مع الضيف والأهل 1/ 156. (¬2) حديث رقم (178) بالباب التالى. (¬3) حديث رقم (179) بالباب التالى.

وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ. قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ - أَوْ قَالَتْ ضَيْفِكَ؟ - قَالَ: أَوَ مَا عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِىءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ. قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ، وَقَالَ: يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ. وَقَالَ: كُلُوا، لا هَنِيْئًا. وَقَالَ: وَاللهِ، لا أَطْعَمُهُ أَبَدًا. قَالَ: فَايْمُ اللهِ، مَا كُنَّا نَأخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا. قَالَ: حَتَّى شَبِعْنَا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ. فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِىَ كَمَا هِىَ أَوْ أَكْثَرُ. قَالَ لامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِى فِرَاسٍ، مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لا. وَقُرَّةِ عَيْنِى! لَهِىَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاثِ مِرَارٍ. قَالَ: فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ - يَعْنِى يَمِينه - ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. قَالَ: وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الأَجَلُ، فَعَرَّفْنَا اثْنَا عَشَر رَجُلاً، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللهُ أَعْلَمُ كَمْ معَ كُلِّ رَجُلٍ، إِلا أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ - أَوْ كَمَا قَالَ. 177 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوْحٍ العَطَّارُ، عَنِ الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، قَالَ: نَزَلَ عَلَيْنَا أَضْيَافٌ لَنَا. قَالَ: وَكَانَ أَبِى يَتَحَدَّثُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ. قَالَ: فَانْطَلَقَ وَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، افْرُغْ مِنْ أَضْيَافِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جِئْنَا بِقِرَاهُمْ. قَالَ: فَأَبَوْا. فَقَالُوا: حَتَّى يَجِىءَ أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمور وأعظم المواساة، وإن جعل لواحد مثله؛ لأن عيال النبى لم يكونوا عشرين حتى تكون العشرة من حساب لكل اثنين واحد، وإنما هذا على الحديث الآخر عن جابر. وأما فعل أبى بكر ومجيؤه بثلاثة وعد من عياله نحو خمسة، فهو على الحديث الأول عن أبى هريرة: " طعام الاثنين كافى الثلاثة " (¬1)، وعلى مضمون حديث عبد الرحمن هذا " من كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس ". وما ذكر من تعشى أبى بكر عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتغيبه عن أضيافه، فيه: جواز مثل هذا إذا كان وراءه من يقوم بأمرهم كعبد الرحمن هذا. [وقوله] (¬2): " أفرغ إلى أضيافك ": أى اقصد لهم واعتمد على شغلهم، وهو ¬

_ (¬1) حديث رقم (178) بالباب التالى. (¬2) ساقطة من الأصل.

مَنْزِلِنَا فَيَطْعَمَ مَعَنَا. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّهُ رَجُلٌ حَدِيدٌ، وَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا خِفْتُ أَنْ يُصِيْبَنِى مِنْهُ أَذًى. قَالَ: فَأَبَوْا. فَلَمَّا جَاءَ لَمْ يَبْدَأْ بِشَىْءٍ أَوَّلَ مِنْهُمْ. فَقَالَ: أَفَرَغَتُمْ مِنْ أَضْيَافِكُمْ؟ قَالَ: قَالُوا: لا، وَاللهِ، مَا فَرَغْنَا. قَالَ: أَلَمْ آمُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: وَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. قَالَ: فَتَنَحيْتُ. قَالَ: فَقَالَ: يَا غنْثَرُ! أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِى إِلا جِئْتَ. قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: وَاللهِ، مَالِى ذَنْبٌ، هَؤُلاَءِ أَضْيَافُكَ فَسَلْهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التأويل فى قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلان} (¬1) وقد يكون " أفرغ إلى أضيافك ": أى يفرغ من كل شغل إلا شغلهم، كما قال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} (¬2) من كل شىء إلا من ذكره والاهتمام به، وقيل غير هذا. وقوله: " وكان أبى يتحدث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل "، وقوله: " ولبث حتى تعشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه جواز السمر بعد العشاء إذا كان علم أو مصالح المسلمين، ومسامرة الرئيس مع وزرائه لتدبير أموره ومصالح رعاياه. وإنما نهى عنه للحديث فى غير فائدة. إيابة الأضياف من الأكل حتى يأتى أبو بكر أدب منهم، لئلا يتعشوا دونه ولم يعلموا أنه يتعشى عند النبى - عليه السلام - لكن الصواب للضيف ألا يتحكم على رب الدار فيما أدياه من طعام، وألا يكون له اختيار معه فى ذلك، فربما كان لرب الدار عذر لا يمكن إبداءه فتحرجه مخالفتهم له كما كان من قصة أبى بكر وحرجه. وقول عبد الرحمن " فذهبت فاختبأت " يعنى: خوفاً من أبى بكر، وكان - رضى الله عنه - فى خلقه حدة، كما قال فى الحديث نفسه: " إنه رجل حديد "، وأخشى أن يصبنى منه أذى. ورواه القابسى: " فاحتبذت "، والأوجه الأول. وقول أبى بكر له: " يا غنثر، فجدع وسب " بضم العين المعجمة وفتح الثاء المثلثة وضمها معاً، قال الإمام: قال الهروى: أحسبه الثقيل الوخيم، وقيل: هو الجاهل. والغثارة: الجهل، يقال: رجل غثر والنون فيه زائدة. قال القاضى: وقيل: الغنثر: سفهاء الناس. وقال كراع: الغنثر: ذباب أزرق، وقال غيره: هو مأخوذ من الغثر وهو اللؤم والسقوط، كأنه قال له: يا لئيم. النون هاهنا زائدة، وهذه الكلمة إنما قالها له أبو بكر على سبيل السب والتعنيف له والتحقير؛ إذ لم يبلغه أمله من بر أضيافه وتقديمهم، وظن به التفريط فيهم، ألا تراه كيف قال: " فجدع وسب ". ¬

_ (¬1) الرحمن: 31. (¬2) القصص: 10.

قَدْ أَتَيتهُمْ بِقِرَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يَطْعَمُوا حَتَّى تَجِىءَ قَالَ: فَقَالَ: مَا لَكُمْ، أَلا تَقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ، لا أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَقَالُوا: فَوَاللهِ، لا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ كَالشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ قَطُّ. وَيْلَكُمْ، مَا لَكُمْ أَلا تَقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الأُوَلَى فَمِنَ الشَّيْطَانِ، هَلُمُّواَ قِرَاكُمْ. قَالَ: فَجِىءَ بِالطَّعَامِ فَسَمَّى فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. قَالَ: فَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو عمر الشيبانى: جادعته مجادعة: ساببته، والمجادعة بالدال المهملة: المساببة والمساررة، وقال غيره: معناه دعى عليه بالجدع، وهو قطع الأنف والأذن وقد ذكر الخطابى هذا الحرف ورواه: " يا عنتر " بفتح العين المهملة وتاء بثنتين مفتوحة. وقال: هو الذباب تحقيراً له، وقيل: هو الأزرق منه، وحكى فى الرواية الأخرى عن البخارى وغيره كما تقدم. وعلقنا عن بعض الشيوخ أن صوابه: " غنثر " بفتح الغين المعجمة وفتح الثاء المثلثة، وبضم الغين ضبطها الخطابى فى الرواية الأخرى، وبها ضبطناها عن عامة شيوخنا. وقوله: " كلوا لا هنيئاً " فى الحديث الأول صفة للحال التى أخرجته، وأخرجه الحال بتأخرهم عن قِراهم وقت أتاهم، وأنهم لم يتهيؤوه حينئذ، إلا أنه دعا عليهم. وقد يحتمل أن الحرج والضجر الذى طبع عليه بنو آدم حمله على هذه الكلمة. وحلفه ألا يطعمه وحلفهم هم ألا يطعموا حتى يطعم، كله من عدم الهناء. وتحنيث أبى بكر نفسه، من كرم الأخلاق، والأولى تحمل المضيف على نفسه، إذ لو لم يحنث نفسه لا هو ولا هم خرجوا عنه دون قِرى، وفيه ما فيه وهم أعذر منه، فكان الأولى بصاحب المنزل والمضيف الحمل على نفسه والصبر، وتحنيث نفسه، وتطييب قلوب أضيافه بأكله معهم وإزالة حرجه، بذلك سنتهم، وتمام برهم بإجابتهم إلى مرادهم وتأنيسهم. والحديث الثانى فى أكله معهم مفسر للأول، وهو أحسن مساقاً، وفى الأول تقديم وتأخير، ولم يذكر فيه أكله معهم. قوله: " أما الأولى فمن الشيطان ": يعنى [حلفه ألا يطعمه، وقد جاء كذا فى الحديث نفسه مفسراً، يعنى] (¬1) يمينه. وقيل: بل أراد اللقمة الأولى للشيطان، أى لقمعه وأخرى به ومخالفته الذى أغواه باليمين إذ بها وقع الحنث فيها. وما ذكر فى بقية الحديث من أنهم ما كانوا يأخذون منها لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، وأنهم أكلوا حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت، وأنهم بعد أكل جميعهم حملوا منها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأصبحت عنده حتى أكل منها الناس الكثير. الذي ذكر فى ¬

_ (¬1) سقط من ح.

أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ، بَرَّوا وَحَنِثْتُ. قَالَ: فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: " بَلْ أَنْتَ أَبَرُّهُمْ وَأَخْيَرُهُمْ ". قَالَ: وَلَمْ تَبْلُغْنِى كَفَّارَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث فيه كرامات الصديقين والأولياء، وإظهار الله قدرته وبركته على أيديهم. وقول زوجه: " لا وقرة عينى، لهن الآن أكثر منه قبل ذلك بثلاث ": معنى " لا " هنا - والله أعلم -: أى ما نقصت شيئاً، بل زادت فحذفت اختصارًا، وأقسمت بما رأته من قرة عينها من بركة بعلها وطعامها وسرورها بذلك. و" قرة العين " يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه. قيل هو: ألا تستشرف عنه لشىء، ويقر لبلوغه أمنيته، مأخوذ من القرار. وقيل: هو مأخوذ من القر وهو البرد، أى بقى الله عينه باردة. قال الأصمعى: معنى " أقر الله عينه ": أى أبرد دمعته؛ لأن دمعة الفرح باردة. وضده عنده: " أسخن الله عينه "؛ لأن دمعة العين سخنة. وقول أبى بكر للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بروا وحنثت، فقال له: " بل أنت أبرهم وأخيرهم ": دليل على أنه لا حرج فى تحنيث الإنسان نفسه إذا كفر كفارة يمينه، ولاسيما إذا أدى حنثه إلى مكرمة وفعل خير وصلاح. قال مسلم: بل هو مندوب إلى الحنث فى مثل هذا، وربما وجب عليه أحياناً بحسب تغير ذلك، وهذا مثل الحديث الآخر: " من حلف على يمين فرأى [غيرها] (¬1) خيراً منها، فليأت الذى هو خير، وليكفر عن يمينه " (¬2). وقوله هنا: " قال: ولم تبلغنى كفارة ": حجة للكافة من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار فى جواز الحنث قبل الكفارة؛ لأن أبا بكر لم يكفر قبل أكله، ولو كان لرواه فى الحديث، فجاء أن كفارته إنما كانت بعد، وقد تكلمنا على المسألة فيمن منعها قبل. وقوله: " ما لكم ألا تقبلوا عنا قراكم " بتخفيف اللام على التحضيض، واستفتاح الكلام عند الجمهور، وعند ابن أبى جعفر بتشديدها، ومعناه: ما لكم لا تقبلوا قراكم، وما منعكم ذلك وأحوجكم إلى تركه، كما قيل فى قوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إذْ ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) سبق فى ك الأيمان، ب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتى الذى هو خير، ويكفر عن يمينه رقم (11).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَمَرْتُك} (¬1)، ومثل قوله: {مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِين} (¬2). والقرى، بالكسر والقصر: ما يصنع للضيف من مأكول ومشروب. وقول أبى بكر: " يا أخت بنى فراس ": نسب أم رومان، وفراس هو ابن غنم بن مالك بن كنانة. ولا خلاف فى نسب أم رومان إلى غنم بن مالك. واختلف فى رفع نسب أبيها إلى غنم اختلافاً كثيراً، وهل هى من بنى فراس بن غنم؟ أو من بنى الحارث ابن غنم؟ وهذا الحديث تصحيح كونها من بنى فراس بن غنم. وقوله: " فعرفنا اثنا عشر رجلاً مع كل رجل ناس ": أى جعلناهم عرفاء فيه جواز العرافة. وفى كتاب أبى داود عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العرافة حق " (¬3)، وذلك لما فيه من المصلحة للناس، وقوله فى الحديث الآخر: " العرفاء فى النار " (¬4) قيل: يريد التعرض للرياسة والإثارة؛ لما يخشى فى ذلك من الغيبة، وتحذير القيام فيها بحق الله، والتقصير المؤدى للنار، وفيه نهيه عن مثل هذا. ¬

_ (¬1) الأعراف: 12. (¬2) الحجر: 32. (¬3) و (¬4) أبو داود، ك الإمارة، ب فى العرافة 2/ 118.

(33) باب فضيلة المواساة فى الطعام القليل، وأن طعام الاثنين يكفى الثلاثة، ونحو ذلك

(33) باب فضيلة المواساة فى الطعام القليل، وأن طعام الاثنين يكفى الثلاثة، ونحو ذلك (¬1) 178 - (2058) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِى الثَّلاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كَافِى الأَرْبَعَةِ ". 179 - (2059) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِى الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفَى الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِى الثَّمَانِيَةَ ". وَفِى روَايَةِ إِسْحَاقَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ: سَمِعْتُ. (...) حدَّثنا ابْنُ نمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ. 180 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - أَبُو معَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ. رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِى الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنِيْنِ يَكْفِى الأَرْبَعَةَ ". 181 - (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " طَعَامُ الرَّجُلِ يَكْفِى رَجُلَيْنِ، وَطَعَامُ رَجُلَيْنِ يَكْفِى أَرْبَعَةً، وَطَعَامُ أَرْبَعَةٍ يَكْفِى ثَمَانَيةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(34) باب المؤمن يأكل فى معى واحد، والكافر يأكل فى سبعة أمعاء

(34) باب المؤمن يأكل فى معى واحد، والكافر يأكل فى سبعة أمعاء 182 - (2060) حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْكَافِرُ يَأكُلُ فِى سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأكُلُ فِى معى وَاحِدٍ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 183 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ مِسْكِينًا، فَجَعَلَ يَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَأكُلُ أَكْلاً كَثِيرًا. قَالَ: فَقَالَ: لا يُدْخَلَنَّ هَذَا عَلَىَّ، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الْكَافِرَ يَأكُلُ فِى سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الكافر يأكل فى سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل فى معى واحد "، وذكر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضافه ضيف - وهو كافر - فأمر له بشاة فحلبت، فشرب حلاب شاة ... ولم يستتم أخرى، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المؤمن يشرب فى معى واحد، والكافر يشرب فى سبعة أمعاء "، وذكر قول ابن عمر لنافع فى المسكين الذى رآه يأكل أكلاً كثيراً: " لا يدخلن هذا على، فإنى سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وذكر الحديث، قال القاضى: قوله: " ضافه ضيف " يقال: ضفت الرجل: إذا نزلت به، وأضفته: أنزلته إلى ضيافتى، وكذلك ضفته. والضيف: اسم الواحد والجميع، يقال: هذا ضيفى، وهؤلاء ضيفى وأضيافى وضيفانى وضيوفى، قال الله تعالى: {وَلا تُخْزُونِ في ضَيْفِي} (¬1) وكانوا جماعة من الثلاثة، قال الله تعالى عنهم: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} الآيات (¬2). قال الإمام: قيل: إن هذا فى رجل بعينه، وقيل: إنه على جهة التمثيل، وقيل: المراد به أن المؤمن يقتصد، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ ¬

_ (¬1) هود: 78. (¬2) هود: 69.

184 - (2061) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمُؤْمِنُ يَأكُلُ فِى مِعى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأكُلُ فِى سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ". (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكَرِ: ابْنَ عُمَرَ. 185 - (2062) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمُؤْمِنُ يَأكُلُ فِى مِعىً وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأكُلُ فِى سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ". (...) حدَّثنا قُتَيُبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُريْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيِثِهِمْ. 186 - (2063) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَافَهُ ضَيْفٌ - ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُم} (¬1)، ويمكن أن يراد به: أن المؤمن يسمى الله عز وجل عند طعامه، [ولا يشركه الشيطان فيه، والكافر لا يسمى الله تعالى عند طعامه] (¬2)، وقد روى مسلم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الشيطان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه " (¬3)، فإذا شاركه الشيطان فيه يضاعف الأكل وأربا على أكل المؤمن. وقوله: " ضافه ضيف ": يعنى صار ضيفه، وأضفته: أنزلته على نفسك. وفيه ضيافة الكافر، ولعله استئلافاً له لِيسلم، أو لأن له عهداً فخاف أن يضيع، وقيل: إنه ثمامة بن آثال، وقيل: هجاجة الغفارى. وكره مالك أن يؤكل مع النصرانى فى إناء واحد. [قال القاضى: وقيل: إن الرجل اسمه: نضلة، وقد جاء كذلك مسمى فى حديث وهو: نضلة بن عمرو الغفارى، وقيل: هو] (¬4) نضرة بن أبى نضرة الغفارى. ¬

_ (¬1) محمد: 12. (¬2) من ح، ع. (¬3) سبق فى باب آداب الطعام والشراب (102 - 117). (¬4) سقط من ح، والمثبت من الأصل.

وَهُوَ كَافِرٌ - فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، حَتَّى شَرِبَ حِلابَ سَبْعِ شِيَاهٍ. ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلابَهَا، وَأَمَرَ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِى مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِى سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وزعم أهل الطب والتشريح أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها: التواب، والصايم، والرقيق، وهى كلها رقائق. ثم ثلاثة غلاظ: الأعور، والقولون، والمستقيم، [وطرفة الدبر] (¬1). فيكون على هذا موافقاً لما قاله - عليه السلام -: أن الكافر المذكور إن كان يعنيه، أو بعض الكفار، أو من يأكل منهم بشرهة أو جشعة، أو لا يسمى اسم الله على أكله، لا يشبعه إلا بملء أمعائه السبعة كالأنعام وأكلة الخضر، والمؤمن المقتصد فى أكله بسبعة؛ بل وعاء واحد، ويكفيه شغله بالطعام وتسكين ثورة الجوع عن استيفاء ما يوضع بين يديه وملء أمعائه به، قال الله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَل} (¬2). وقيل: المراد بالسبعة: صفات سبعة: الحرص، والشره، وبعد الأمل، والطمع، وسوء الطبع، والحسد، والسِّمن. وقيل: شهوات الطعام على سبعة: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، والضرورة سابعها وهو الجوع. والمؤمن لا يأكل إلا للضرورة، [ولا يأكل للشهوة، فهو سُبع ما يأكله الكافر، ومن لا يأكله للضرورة] (¬3) يأكل لهذه الأسباب السبعة وأن يملأ من الطعام، وقد قال - عليه السلام -: " ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، فإن كان لابد فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس " (¬4) ففى قوله: " لابد " كان غاية المباح، فيجب أن يكون المستحسن بصفة وهو السدس أو أقل منه شيئاً وهو السبع. قال القاضى: والذى عندى أن قوله: " فإن كان ولابد " غاية إلى ضرورة الأكل لا إلى غاية مقداره، وأن الثلث فى خير الاستحباب والإباحة، وقيل: المراد بالمؤمن هنا: التام الإيمان، المعرض عن شهواته والآخذ بالضرورة من أكله وشرابه. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) الحجر: 3. (¬3) سقط من ح. (¬4) الترمذى، ك الزهد، ب ما جاء فى كراهية كثرة الأكل رقم (2380) وقال: هذا حديث حسن صحيح، عن مقدام بن معدى كرب 4/ 590، وأحمد 4/ 132.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفائدة الحديث على الجملة - والله أعلم -: التقلل من الدنيا، والزهد فيها، وقصر الأمل، والقناعة، قال الله تعالى فى الكفار: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَل} (¬1)، مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجال، وضده كثرته، وبه مدحت أم زُرْعَ أبا زرع بأنه " يشبعه ذراع الجفرة، ويروية قبعة البعرة "، وذمت صاحبتها زوجها بأنه " إذا أكل لف، وإذا شرب اشتف " (¬2). وكراهة ابن عمر أن يدخل عليه المسكين الذى أكل كثيراً؛ لشبهه بالكافر، ولما رأى من حرصه وشرهه، وأن ما يتصدق به عليه من الطعام يكفى جماعة غيره ويسد خلتهم. ¬

_ (¬1) الحجر: 3. (¬2) حديث أم زرع سيأتى - إن شاء الله - فى ك الفضائل، ب ذكر حديث أم زرع، رقم (92).

(35) باب لا يعيب الطعام

(35) باب لا يعيب الطعام 187 - (2064) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، كَانَ إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. (...) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، بهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 188 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى يَحْيَى - ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما عاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً قط " الحديث: هو من آداب الطعام. وذكر مسلم فى الباب حديث أبى معاوية: حدثنا الأعمش عن أبى يحيى - مولى أبى جعدة - عن أبى هريرة، من رواية ابن أبى شيبة وأبى كريب (¬1) ومحمد بن المثنى (¬2) وعمرو الناقد. وذكره - أيضاً - من رواية أبى كريب وابن المثنى عن أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى حازم، عن أبى هريرة، وهو مما ذكره الدارقطنى وعلله (¬3). ومن جملة الأحاديث المعللة فى كتاب مسلم التى أبان مسلم علتها كما وعد، وذكر الوجهين فيها والآراء والاختلاف، وأبو معاوية هذا: خالفه جماعة من الحفاظ فى أبى يحيى منهم: الثورى، وشعبة، وجرير، وزهير، فرووه عن الأعمش عن أبى حازم، وقد ذكر مسلم روايتهم هذه إلا طريق شعبة أول الباب، وجاء بحديث أبى معاوية [أخراً بعدهم لعلته، ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: ذئب، وهو تصحيف. (¬2) فى نسخ الإكمال: مثنى، وهو تصحيف. (¬3) الإلزامات والتتبع ص 176.

مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَابَ طَعَامًا قَطُّ، كَانَ إِذَا اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِهِ سَكَتَ. وحدّثناهُ أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يذكر البخارى حديث أبى معاوية] (¬1) لعلة، ولا خرجه من طريقه، وخرجه من طريق غيره. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

37 - كتاب اللباس والزينة

بسم الله الرحمن الرحيم 37 - كتاب اللباس والزينة (1) باب تحريم استعمال أوانى الذهب والفضة فى الشرب وغيره، على الرجال والنساء 1 - (2065) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أُمِّ سَلمَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الَّذِى يَشْرَبُ فِى آنِيَةِ الْفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارُ جَهَنَّمَ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب اللباس والزينة (¬1) قوله عليه السلام: " الذى يشرب فى آنية الفضة إنما يجرجر فى بطنه نار جهنم "، وفى بعض الطرق: " الذى يأكل ويشرب فى آنية الذهب والفضة "، قال الإمام: النهى (¬2) عن ذلك؛ لأنه من السرف والتشبه بفعل الأعاجم، والمذهب عندنا: كراهية الشرب فى إناء مضبب بالفضة، كما كره أن ينظر فى المرآة فيها حلقة فضة، قال عبد الوهاب (¬3): ويجوز استعمال المضبب إذا كان يسيراً. ¬

_ (¬1) تأخرت فى النسخة التى بين أيدينا إلى الباب الثانى. (¬2) فى الأصل: المنهى، والمثبت من ع. (¬3) فى الأصل: عبد الواهب، والمثبت من ع. وهو أبو محمد عبد الوهاب بن على بن نصر أحمد بن الحسين بن هارون بن مالك بن طوق التغلبى البغدادى الفقيه المالكى. قال القاضى عياض عنه: كتبت عنه ولم أر فى المالكية أفقه منه. ولى القضاء بالدينور، من تصانيفه: " التلقين والمعونة فى مذهب عالم المدينة " وغيرها، توفى سنة 422 بمصر. انظر: ترتيب المدارك 2/ 691، وفيات الأعيان 3/ 219، تاريخ بغداد 11/ 31، الديباج المذهب ص 159.

أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرَّوخٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجِ، كُلُّ هَؤلاءِ عَنْ نَافِعٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ عَلِىِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ: " أَنَّ الَّذِى يَأكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِى آنِيَةِ الْفَضَّةِ وَالذَّهَبِ "، وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذِكْرُ الأَكْلِ وَالذَّهَبِ، إِلا فِى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال بعض شيوخنا (¬1): وعلة مجرد السرف لا يقتضى التحريم، كأوانى [البلاد] (¬2) التى لها الثمن الكبير والياقوت، فإن استعمالها عندنا جائز غير حرام، لكنه مكروه للسرف. واختلف قول الشافعى فى ذلك، فرأى مرة تحريمها لعلة السرف، قياساً على الذهب والفضة، وكذلك يلزم هذا على مجموع العلة بالسرف واتخاذ الكفار لها، والصحيح أن تحريمها لعينها، وأن تعليلها لكونها قيم المتلفات، فإذا اتخذت أوانى قلت فى أيدى الناس، كما حرم فيها التجارة والربا. وأجمع العلماء أن الأكل والشرب فى آنية الفضة والذهب واستعمالها لا يحل، وما روى عن بعض السلف (¬3) فى إجازة ذلك فشاذ، والظن به أنه لم يبلغه السنة فى ذلك. واختلفوا فى اقتنائها لغير الاستعمال، فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء: أنه لا يجوز، وذهبت طائفة من العلماء إلى جواز اتخاذها دون استعمالها، كاتخاذ ثياب الحرير واقتنائها، وذهب بعض شيوخنا إلى تخريج ذلك من مسائلنا فى التجارة بها، ولشيوخنا فى هذه المسائل تأويلات معروفة (¬4). واختلف فى المتوضئ من ذلك، فعندنا: أنه يصح مع تحريم فعله، وقال داود: لا ¬

_ (¬1) منهم الإمام الباجى. انظر: المنتقى 7/ 236، هذا من الرسالة. (¬2) وهكذا فى الأصل، والصواب كما فى كتب الفقه والمنتقى: " البلور " حجر معروف أبيض شفاف. (¬3) منهم معاوية بن قرة فيما سأله شعبة عن الشرب فى قدح الفضة، فقال له: لا بأس. رواه عنه أبو بكر ابن أبى شيبة فى المصنف 5/ 519. قال: النووى، وابن حجر: نقل ابن المنذر الإجماع على تحريم الشرب فى آنية الذهب والفضة إلا عن معاوية بن قرة أحد التابعين، فكأنه لم يبلغه النهى، وعن الشافعى فى القديم وقد رجع عنه، وكذلك حكى عن داود، ولعله لم يبلغه الحديث. وقال القرطبى: ما روى عن بعض السلف فى إباحة ذلك هو خلاف شاذ مطروح فى هذا الباب. انظر: المفهم 2/ 157، النووى 13/ 28، فتح البارى 10/ 77، أسهل المدارك 1/ 40. (¬4) المدونة 1/ 247، المنتقى 4/ 257، 258.

2 - (...) وحدّثنى زَيْدُ بْنُ يَزِيدٍ - أَبُو مَعْنٍ الرَّقَّاشِىُّ - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ - يَعْنِى ابْنَ مُرَّةَ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ شَرِبَ فِى إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يصح، بناء على الأصل فى الصلاة فى الدار المغصوبة، وعندنا وعند الكافة: يصح، واختيار بعض أصحابنا الإعادة فى الوقت، وهو مبنى على الصحة، وعند أهل الظاهر: أنها باطل (¬1). واختلف فيما ضبب منها [أو كانت] (¬2) فيه حلقة، فمذهبنا ومذهب الجمهور من السلف والعلماء: كراهة ذلك كما تقدم، وأجاز ذلك أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق (¬3) إذا لم يجعل فاه على الفضة، وروى مثله عن بعض السلف (¬4) قالوا: وهو كالعلم فى الثوب، والخاتم فى اليد يشرب به، وفرق بعض العلماء بين الحلقة والضبة فاستخف الحلقة. واختلف إذا غشيت آنية الفضة والذهب برصاص أو نحاس أو كانت من نحاس فموهت بالذهب والفضة، فإن اعتبرنا مجرد السرف، جاز فى الأول ولم يجز فى الثانى، وهو أصل الشافعى، وإن اعتبرنا تحريم العين لم يجز فيهما، وهو أظهر ما فى المذهب، وقيل: يجوز فى الثانية لاستهلاك العين فيها. وأجمعوا على إيجاب الزكاة فيها إذا بلغ ذهبها النصاب (¬5). وقوله: " إنما يجرجر فى بطنه نار جهنم " رويناه بالفتح والضم، قال الإمام فى معنى يجرجر: يصوت. والجرجرة: صوت البعير عند الهدير، فعلى هذه الرواية تكون الرواية: " نار جهنم " بالرفع، وقد يكون " يجرجر " بمعنى: يتجرع، وتكون الرواية على هذا: " نار جهنم " بالنصب. وقال الزجاج: " يجرجر فى جوفه ": أى يردده فى جوفه. قال القاضى: اختار الخطابى نحو هذا من النصب، ويدل عليه قوله فى الحديث الآخر: " ناراً من جهنم "، قيل: معنى هذا أنه يعاقب عليها فى جهنم، فيحتمل أن ¬

_ (¬1) انظر: المحلى 1/ 223 (271). (¬2) فى الأصل: وأدانت، والمثبت من ح. (¬3) هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلى، المعروف بابن راهويه، قرين الإمام أحمد بن حنبل، قال عنه ابن حنبل: لا أعرف له بالعراق نظيراً، توفى 238. انظر: حلية الأولياء 9/ 234 تذهيب التذهيب 1/ 217، تذكرة الحفاظ 2/ 483. (¬4) منهم أنس بن مالك، وقتادة، وعمران بن حصين والقاسم بن محمد، وطاووس، وزاذان، وميسرة، وسعيد بن جبير. انظر: مصنف ابن أبى شيبة 8/ 212. (¬5) انظر: التمهيد 16/ 109.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون العقاب بجنس كسبه، كما جاء فى عقاب شارب الخمر غير حديث (¬1)، وذلك بأن يسقى المهل، أو حميم شرابها الذى يوصف بأنه نار أو كالنار، أو يكون أىّ عقاب عوقب به عليها من شربها المسبب له جرجرته؟ واختلف فى المراد بالحديث، فقيل: المراد به: الخبر عن الكفار من ملوك العجم التى هى عادتهم: " هى لهم فى الدنيا ولكم فى الآخرة "، وصفتهم كما قال فى الحديث الآخر: " هى لهم فى الدنيا ولكم فى الآخرة ومن شرب بهما فى الدنيا لم يشرب بهما فى الآخرة " (¬2)، وكقوله فى ثوب الحرير: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له " (¬3)، يريد: أنها لباس الكفار من الأعاجم، فأعلمنا بحالهم وحذرنا أن نتشبه بهم، وقيل: بل المراد بذلك نهى المسلمين عن ذلك، وأن من ارتكب نهيه استوجب هذا الوعيد إلا أن يغفر الله له. ¬

_ (¬1) سبق فى ك الأشربة، ب عقوبة من شرب الخمر (76 - 78). (¬2) حديث رقم (4) بالباب التالى. (¬3) حديث رقم (9) بالباب التالى.

(2) باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء. وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع

(2) باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء. وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع 3 - (2066) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ - أَوِ الْمُقْسِمِ - وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِى، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ. وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ - أَوْ عَنْ تَخَتمٍ - بِالذَّهَبِ، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنِ القِسِّىِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدَّيبَاجِ. (...) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. إِلا قَوْلَهُ: وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوِ الْمُقْسِمِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الحَرْفَ فِى الْحَدِيثِ. وَجَعَلَ مَكَانَهُ: وَإِنْشَادِ الضَّالِّ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كِلاهُمَا عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " أمرنا بسبع ونهانا عن سبع "، قال الإمام: تشميت العاطس: هو الدعاء له، يقال: شمت العاطس وسمته، بالسين والشين [والمعجمة أعلاهما] (¬1)، قال ابن الأنبارى (¬2): يقال: سمت فلان، وشمت فلاناً، وشمت عليه، فكل داع بالخير مسمت ومشمت. قال ثعلب: الأصل السين من السمت: وهو القصد، ومنه الحديث: ¬

_ (¬1) فى ع: والشين أعلى اللغتين. (¬2) هو أبو بكر بن محمد بن القاشم ابن بشار النحوى، حدث عنه الدارقطنى وغيره، من تصانيفه: الزاهر، وغريب الحديث. توفى سنة 328. انظر: تاريخ بغداد سنة 3/ 184، طبقات المفسرين للداودى 2/ 229، تذكرة الحفاظ 3/ 842.

مِثْلَ حَدِيثِ زُهَيْرٍ. وَقَالَ: إِبْرَارِ الْقَسَمِ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَزَادَ فِى الْحَدِيثِ: وَعَنِ الشُّرْبِ فِى الْفِضَّةِ. فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِى الدُّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْ فِى الآخِرَةِ. (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِىُّ وَلَيْثُ بْنُ أَبِى سُلَيْمٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْن أَبِى الشَّعْثَاءِ، بِإِسْنَادِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةَ جَرِيرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنِى بَهْزٌ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثُ بْنِ سُلَيْمٍ بِإِسْنَادِهِمْ، وَمَعْنِى حَدِيثِهِمْ، إِلا قَوْلَهُ: وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَدَلَهَا: وَرَدِّ السَّلامِ. وَقَالَ: نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ - أَوْ حَلَقَةِ الذَّهَبِ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، بِإِسْنَادِهِمْ. وَقَالَ: وَإِفْشَاءِ السَّلامِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. 4 - (2067) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُهُ يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِى فَرْوَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ " فدعى لفاطمة وسمت عليها " (¬1). كتاب اللباس والزينة (¬2) وقوله: " ونهانا عن المياثر والقسى وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج "، قال الإمام: المياثر سميت بذلك للينها، فإذا حمل النهى فيها على كونها حريراً، كان فيه دلالة على النهى عن الجلوس على الحرير؛ لأنها إنما تكون فى السروج، والسروج مما يجلس عليها، والمشهور عندنا: منع الجلوس على الحرير، وقال [غير لملك] (¬3) ¬

_ (¬1) غريب الحديث 1/ 335. (¬2) ذكرت هنا فى الأصل، والمفروض أن مكانها سبق كما ذكرنا. (¬3) هكذا فى الأصل، وفى ع: عبد الملك.

عُكَيْمٍ قاَلَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ، فَاسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ. فَجَاءَهُ دِهْقَانٌ بِشَرَابٍ فِى إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: إِنِّى أُخْبِرُكُمْ أَنِّى قَدْ أَمَرْتُهُ أَلا يَسْقِيَنِى فِيهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَشْرَبُوا فِى إِنَاءٍ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلا تَلْبَسُوا الدَّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا، وَهُوَ لَكُمْ فِى الآخِرَةِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بإجازته، [وعلى] (¬1) المنع باللبس المذكور فى الحديث، وفى الحديث: النهى أن يجلس عليه، خرجه البخارى (¬2)، وهذا يرد ما قاله عبد الملك، وكذلك المذهب عندنا النهى عن الجلوس عليه وإن كان بطانة لما يجلس عليه، أو محشواً فيها يجلس عليه كما يحشى الصوف. والقسى: قيل: إنه المقزى (¬3)، وأبدلت الزاى سيناً، وقيل: منسوب إلى موضع يقال له: القس (¬4)، قال بعض أصحابنا: وهى ثياب يخالطها حرير. قال القاضى: جاء عن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - بعد هذا أنه قال: القيسة ثياب أتتنا من الشام، أو من مصر مضلعة، قال فى البخارى: فيها حرير أمثال الأترج (¬5). والميثرة: كان النساء تصنعه لبعولتهن مثل القطائف (¬6) الأرجوان، وقيل: الميثرة: جلود السباع، قال أبو عبيد: [وأصحاب الحديث يقولونه: القسى، بالكسر. وأهل مصر يفتحون القاف، ينسب إلى بلاد يقال لها: القس] (¬7). قال ابن وهب وابن بكير وأصحاب الحديث: هى ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس من بلاد مصر مما يلى الفرما (¬8) وجاء فى [الحديث] (¬9) حديث آخر: " المياثر الحمر " (¬10)، وقال الطبرى: المياثر: ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، وفى ع: وعلق. (¬2) البخارى، ك اللباس، ب افتراش الحرير 7/ 193. (¬3) هكذا فى ز، وفى ع: القزى. (¬4) هو منسوب إلى القس قرية بساحل البحر يصنع بها، وقيل: موضع من بلاد مصر. انظر: الأبى 5/ 372. (¬5) البخارى، ك اللباس، ب لبس القسى 7/ 195 (تعليقاً). (¬6) البخارى، ك اللباس، ب لبس القسى 7/ 195. (¬7) هذا الكلام تكرر فى الأصل. (¬8) بالفاء وراء مفتوحة بالتحريك والقصر واسم أعجمى قيل: هى مدينة قديمة يين العريش والفسطاط قرب قطية وشرقى تنيس على ساحل البحر على يمين القاصد لمصر، فتحها عمرو بن العاص عنوة سنة 18 هـ. انظر: معجم البلدان 4/ 265، المسالك والممالك 80، 83، 153، 333. (¬9) ضرب عليها بخط. (¬10) البخارى، ك اللباس، ب لبس القسى 7/ 195.

(...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى فَرْوَةَ الْجُهَنِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُكَيْمٍ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ: " يَوْمَ القِيَامَةِ ". (...) وحدّثنى عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ العُلاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى نَجِيحٍ - أَوَّلاً - عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ، ثَمَّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ - سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى - عَنْ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُكَيْمٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّ ابْنَ أَبِى لَيْلَى إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: " يَوْمَ القِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ النثرة، وكان النساء يصنعنه لأزواجهن من الأرجوان الأحمر، ومن الديباج على سروجهم وكان من مراكب العجم والأرجوان: الصوف، بفتح الهمزة وضم الجيم. وقال الحربى عن ابن الأعرابى: هو كمدفقة (¬1) تتخذ [بصفة الشرح] (¬2). وقال غيره هى: أغشية السروج من الحرير. وقال النضر: هى مرفقة محشوة ريشاً، أو قطن ويبسطه الرجل، وقيل: هى سروج من الديباج. قال بعضهم: وجه النهى عنهما إن لم يكن حريراً حماية للذريعة أو يتشبه لراميها أنها حرير، وفى النهى عنهما النهى عن افتراش الحرير. ورمى حذيفة للدهقان بإناء الفضة، وذكر علته فى الحديث: أنه كان نهاه أن يسقيه به، ولذلك عاقبه إذ غاظه ذلك من فعله بعد نهيه عنه. والدهقان: فارسى معرب، وهم زعماء القرى من العجم والفرس. قال [أبو عبد] (¬3): يقال: دِهْقَان ودُهْقَان بالكسر والضم، ويحتمل إن سمى من جمع المال أو صبه وملأ الأوعية منه، يقال: دهقت الماء إدهاقاً ودهقته: إذا أفرغته إفراغاً، ودهق لى دهقة من المال: أعطانيه، وأدهقت الإناء: ملأته، قال الله تعالى: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} (¬4) أى ملأى. فقد يكون اسم الدهقان من هذا، قال الشاعر: دهقانة تسجد الملوك لها يجبى ... إليها الخراج فى الجرب أو يكون من اللين. والدهقة لين الطعام والدهقنة؛ لأنهم يلينون طعامهم وعيشهم لسعة أحوالهم، أو يكون دهقنة الطعام ولينه مشتقاً من اسمهم؛ إذ هى عادتهم - والله ¬

_ (¬1) فى ح: كالمرفقة. (¬2) هكذا فى ز، وفى ح: كصفة السرج. انظر: المشارق ص 279، الإعلام بفوائد الأحكام ص 229. (¬3) فى ح: أبو عبيدة. (¬4) النبأ: 34.

(...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى لَيْلَى - قَالَ: شَهِدْتُ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى بِالْمَدَائِنِ، فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ. فَذَكَرَهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَإِسْنَادِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِى الْحَدِيثِ شَهِدْتُ حُذَيْفَةَ، غَيْرُ مُعَاذٍ وَحْدَهُ. إِنَّمَا قَالُوا. إِنَّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، كِلاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنِى حَدِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم. وقيل: معناه: الحذق والدهاء. وذكر فى حديث عمر أنه رأى حلة سيراء تباع، وقيل: مضلعة بالحرير، وكذا فسرها فى الحديث فى كتاب أبى داود (¬1)، ونحوه للأصمعى، كأنها شبهت خطوطها بالسيور وهى الشركة، قال ابن شهاب: هى الثياب المضلعة بالقز، وقيل: الأشبه أنها مختلفة الألوان، وقيل: ضروب من الثياب، وقال مالك: هو وشى من الحرير، وقيل: هى الحرير الصافى. وقد جاء فى الحديث الآخر فى كتاب مسلم: " ديباج أو حلة حرير "، وفى آخر: " حلة من إستبرق "، وفى آخر " حلة سندس ". فهذه الآثار تدل على أنها حرير محض، [والمحدثون] (¬2) ينونون " حلة "، والمتقنون منهم لا ينونونها، ويرونها على الإضافهّ. وبالإضافة رواه ابن سراج، وقال سيبويه: ولم يأت فعلاء صفة على الصفة. قال الخطابى (¬3): قيل: " حلة سيراء " كما قيل: " ناقة عشراء " لقولهم: ثوب وشى. والإستبرق: فسره فى الحديث بغليظ الديباج وخشنه، وهو فارسى عربته العرب. والسندس: ما رق منه. وتقدم الكلام على معنى الحلة، وفيه جواز التجارة بثياب الحرير لقوله: " تباع عند المسجد ". ¬

_ (¬1) أبو داود، ك اللباس، ب فى الحرير. للنساء 2/ 372. (¬2) كررت فى ز خطأ. (¬3) أعلام الحديث 1/ 575.

5 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى قَالَ: اسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ. فَسَقَاهُ مَجُوسِىٌّ فِى إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَلْبَسُوا الْحَريرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فَى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأكُلُوا فِى صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِى الدَّنْيَا ". 6 - (2068) حدَّثنا يَحْيَى بنْ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمَعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِى الآخِرَةِ " ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَسَوْتَنِيهَا، وَقَدْ قُلْتَ فِى حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لَمْ اُكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا " فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ. (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ. 7 - (...) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَى عُمَرُ عُطَارِدًا التَّمِيمِىَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً سِيَراءِ، وَكَانَ رَجُلاً يَغْشَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له آخر الحديث: " إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها " يعنى: تبيعها، كذا جاء. وقوله: " لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة [وللوفد ": فيه جواز التجمل للوفود] (¬1) والأعياد والمحافل ومجامع الإسلام؛ لأن فيها إظهار الإسلام، وجمالهم، وغيظ الكفار بهم، إلا أن يكون المجامع لآية وحالة مخوفة؛ كالكسوف والزلازل والاستسقاء، فليس ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح، هـ، نقلاً عن الرسالة.

الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى رَأَيْتُ عُطَارِدًا يُقِيمُ فِى السُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَوَ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا لِوُفُودِ الْعَرَبِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ - وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمَعَةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِى الآخِرَةِ "، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أُتِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ، فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بموضع تجمل، وهى مظان تضرع وإظهار الفاقة والمسكنة. وقوله - عليه السلام -: " إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لا خلاق له فى الآخرة "، قال الإمام: اختلف الناس فى لباس الحرير، فذهب قوم إلى منعه على الإطلاق، وآخرون إلى جوازه على الإطلاق، وجمهور العلماء على إباحته، ومنعه للرجال، والدليل على ما ذهب إليه الجمهور قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لا خلاق له فى الآخرة ". وأخرج مسلم فى حديث الحلة: " فلما كان بعد ذلك أتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحلل (¬1) سيراء، فبعث إلى عمر بحلة، وبعث إلى أسامة " الحديث: وفيه أن أسامة راح بحلته (¬2)، فنظر إليه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظراً عرفت أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنكر ما صنع، فقال: يا رسول الله، ما تنظر إلىّ، أنت بعثت بها إلى، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى لم أبعث إليك بها لتلبسها ولكن بعثت [إليك] (¬3) بها إليك تشققها خُمُراً بين نسائك ": ففرق فى هذا بين الرجال والنساء. وفى بعض طرقه: " أهدى إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثوب حرير فأعطاه علياً - رضى الله عنه - فقال: شققه خمراً بين الفواطم " (¬4): وفيه صلة الإخوان والقرابة وإن كانوا على غير الإسلام، وجواز البيع والشراء على باب المسجد. وفى بعض طرقه: " فأمرنى فأطرتها على نسائى " (¬5) وأظهر النكير على (¬6) نسائه، فلما اعتذر إليه [بأنه] (¬7) بعثها، أخبره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه بعثها ليشققها خمراً بين نسائه. هذا حكم الحرير المحض (¬8)، وأما المختلط كالذى سداه (¬9) حرير ولحمته قطن أو كتان، فروى عن مالك أنه يكره من الثياب ما كان سداه حريراً أن يلبسه الرجال (¬10)، وهو مذهب ابن عمر، وأجازه ابن عباس، قال بعض أصحابنا: اختلف فيه، وأجيز وكره، وإجازته أكثر. ¬

_ (¬1) فى الرسالة: بحلة. (¬2) فى الرسالة: فى حلته. (¬3) كررت خطأ. (¬4) حديث رقم (18) بالباب. (¬5) حديث رقم (17) بالباب. (¬6) فى ح، م - نقلاً عن الرسالة -: بين. (¬7) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬8) التمهيد 14/ 24. (¬9) انظر: اللسان، مادة " سدى ". فالسدى من الثوب خلاف اللحمة، وهو ما يُمد طولاً من النسيج أى ما يكون الأسفل من الثوب. (¬10) المدونة 1/ 460.

وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحُلَّةٍ، وَأَعْطَى عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ حُلَّةٍ. وَقَالَ: " شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ ". قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلَّتِهِ يَحْمِلُهَا. فَقَالَ. يَا رَسُولَ اللهِ، بَعَثْتَ إِلَىَّ بِهَذِهِ، وَقَدْ قُلْتَ بِالأَمْسِ فِى حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قَلْتَ: فَقَالَ: " إِنِّى لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنِّى بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا "، وَأَمَّا أُسَامَةُ فَرَاحَ فِى حُلَّتِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرًا عَرَفَ أَنَّ رَسُوَلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْكَرَ مَا صَنَعَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَنْظُرُ إِلَىَّ؟ فَأَنْتَ بَعَثْتَ إِلَىَّ بِهَا. فَقَالَ: " إِنِّى لَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنِّى بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ ". 8 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ - قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ بِالسُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْ هَذِهِ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوَفْدِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الخز، فذكر ابن حبيب (¬1) عن خمسة عشر من الصحابة إجازته، ويذكر عن مالك جوازه، قال عبد الوهاب: يجوز لبسه، وكرهه مالك لأجل السرف. وأما العلم (¬2) يكون فى الثوب، فذكر ابن حبيب أنه يرخص فى لبسه والصلاة فيه وإن عظم (¬3)، وقد روى عن مالك فى غير كتاب ابن حبيب اختلاف فى قدر الأصبع من الحرير تكون علماً فى الملاحف أو الثياب، فنهى عنه مرة وأجازه أخرى، ودليل إجازة اليسير منه: ما خرجه مسلم أن عمر - رضى الله عنه - خطب فقال: " نهانا (¬4) رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبس الحرير إلا موضع إصبعيه أو ثلاث أو أربع "، وفى بعض طرقه: فجاءنا كتاب عمر أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يلبس الحرير إلا من ليس له منه شىء فى ¬

_ (¬1) هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن جناهمة السلمى القرطبى، فقيه الأندلس، كان حافظاً للفقه على مذهب مالك، غير أنه لم يكن له علم بالحديث ولا معرفة بصحيحه من سقيمه، من مؤلفاته: الواضحة فى السنن والفقه، وغريب الحديث، وتفسير الموطأ. توفى سنة 238 هـ. انظر: بغية الوعاة 2/ 109، لسان الميزان 4/ 59، ميزان الاعتدال 2/ 652. (¬2) هو رسم الثوب، وعلمه: رقمه فى أطرافه، والمراد ما يكون من الثياب من تطريز وتطريف ونحوهما. انظر: اللسان، مادة " علم ". (¬3) المنتقى 7/ 222. (¬4) كذا فى ز، ونص الحديث: " نهى " رقم (15) بالباب.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ ". قَالَ: فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ: " إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ ". أَوْ " إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ ". ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَىَّ بِهَذِهِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَبِيعُهَا وَتُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ ". (...) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. 9 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ. فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوِ اشْتَرَيْتَهُ. فَقَالَ: " إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ ". فَأُهْدِى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةٌ سِيَرَاءُ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَىَّ. قَالَ: قُلْتُ: أَرْسَلْتَ بِهَا إِلَىَّ، وَقَدْ سَمِعْتُكَ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ قَالَ: " إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا ". (...) وحدّثنى ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا، وَلَمْ أَبْعَثْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخرة، إلا هكذا " قال أبو عثمان (¬1) بإصبعيه اللتين تليان الإبهام، فرأيتهما [إلا أزرار] (¬2) الطيالسة، فدل هذا على جواز العَلَم اليسير يكون فى الثوب. وأما لو كان حريراً محضاً فإنه يحرم منه القليل والكثير، وفى كتاب ابن حبيب [النهى عن اتخاذ الجيب منه، وقد عورض ما فى كتاب ابن حبيب] (¬3) بما خرجه مسلم عن عبد الملك - مولى أسماء - قال: أرسلتنى أسماء إلى ابن عمر فقالت: " بلغنى أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم فى الثوب " وذكرت ما سواه فحدثنا ابن عمر: سمعت عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما يلبس الحرير من لا ¬

_ (¬1) هو عبد الرحمن بن مل النهدى بن عمرو بن نهد، أدرك الجاهلية، وأسلم فى عهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، سكن الكوفة ثم البصرة، توفى 95 هـ. تهذيب التهذيب 6/ 277. (¬2) كذا فى ز، ونص الحديث " أزرار " رقم (13). (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من م، هـ، عن الرسالة.

بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا ". (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ لِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِى الإِسْتَبْرَقِ. قَالَ: قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ. فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ: " إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالاً ". 10 - (2069) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ، وَكَانَ خَالَ وَلَدِ عَطَاءٍ - قَالَ: أَرْسَلَتْنِى أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. فَقَالَتْ: بَلَغَنِى أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلاثَةً: الْعَلَمَ فِى الثَّوْبِ، وَمِيْثَرَةَ الأُرْجُوَانِ، وَصَوْمَ رَجَبَ كُلِّهِ. فَقَالَ لِى عَبْدُ اللهِ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الأَبَدَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ العَلَمِ فِى الثَّوْبِ، فَإِنِّى سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاق له [فى الآخرة] (¬1) "، فخفت أن يكون العلم منه، قال: فرجعت إلى أسماء فأخبرتها، فقالت: هذه جبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخرجت إلىّ جبة طيالسة [بروونية] (¬2) لها لبنة ديباج [وفرجاها] (¬3) [مكفوفان] (¬4) بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة - رضى الله عنها - حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها. وهذا خلاف ما ذكر ابن حبيب. وقد أجاب بعض أصحابنا (¬5) عن هذا بأن قال: لعل هذا الحرير أحدث فيها بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يكن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبسها وفيها هذا الحرير، فيكون فى ذلك حجة على جوازه، وإذا احتمل سقط التعلق به (¬6). قال بعض أصحابنا: ما وقع فى الحديث من استثناء العلم يدل على جواز اتخاذ الطوق منه أو اللبنة. وأما السيراء فعند النسائى: أنه المضلع بالقز (¬7)، قال الخليل: هو المضلع بالحرير. قال بعض شيوخنا: والأشبه أنها حرير مختلف الألوان، سميت سيراء لاختلاف ألوانها، وقد ذكر فى بعض الطرق أنها من إستبرق وهو كله حرير. ¬

_ (¬1) زائدة فى الأصل. (¬2): (¬4) كذا فى ز. (¬5) منهم الباجى 7/ 222. (¬6) هذا الاحتمال رده ابن العربى. العارضة 7/ 225، المفهم 3/ ق: 159، فتح المنعم 2/ 191. (¬7) النسائى، ك اللباس، ب الرخصة للنساء فى لبس السيراء 8/ 197.

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ "، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ، وَأَمَّا مِيْثَرَةُ الأُرْجُوَانِ، فَهَذِهِ مِيْثَرَةُ عَبْدِ اللهِ، فَإِذَا هِىَ أُرْجُوَانٌ. فَرَجَعْتُ إِلَى أَسْمَاءَ فَخَبَّرْتُهَا فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَخْرَجَتْ إِلَىَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ، لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ. فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا للمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا. 11 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَلِيْفَةَ بْنِ كَعْبٍ، أَبِى ذُبْيَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: أَلا لا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمُ الْحَرِيرَ، فَإِنِّى سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِى الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ ". 120 - (...) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهُيْرٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ: يَا عُتْبَةُ بْنِ فَرْقَدٍ، إِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف فى علة النهى عن لبس الحرير فقال [الأزهرى] (¬1): لئلا يتشبه بالنساء، وقال غيره (¬2): لما فيه من الخيلاء، واختلف فى لباسه فى القز، فمذهب مالك المنع (¬3)، واستحب ابن الماجشون لباسه فى الغزو؛ إذ لا يقصد به فيه الخيلاء الممنوعة، وأما لبسه للحكة فرخص فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض أصحابه، وقال القاضى عبد الوهاب: يجوز لبسه للضرورة والحاجة، وظاهر كلام مالك النهى عنه. والحلة ثوبان؛ إزار ورداء. وقوله: " فكساها (¬4) عمر أخاً له مشركاً له " (¬5): قيل: إنه كان أخاه لأمه. وفيه جواز صلة الكافر، وكان يقال فى المذاكرة: إن هذا إنما يظهر وجهه على القول بأن ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، وهو خطأ والصواب: الأبهرى. وهو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهرى، سكن بغداد، ودرس فى جامع المنصور فيها، كان أحد أئمة القراء والمتصدرين لذلك، له التصانيف الكثيرة فى شرح مذهب مالك، يقال: إنه دون ثلاثة آلاف باب من مؤلفات مختلفة للمالكية، من بينها: كتاب الأحكام لإسماعيل القاضى، وأهم مصنفاته: " شرح مختصر ابن عبد الحكم "، توفى سنة 375 هـ انظر: ترتيب المدارك 3/ 466، الديباج المذهب 255. (¬2) انظر: العارضة 7/ 220، المفهم 3/ ق: 158. (¬3) التمهيد 14/ 256، المنتقى 7/ 223. (¬4) فى ز: فكساه. (¬5) حديث رقم (6) بالباب.

لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ، وَلا مِنْ كَدِّ أَبِيكَ، وَلا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ. فَأَشْبِعِ الْمُسْلِمَيْنَ فِى رِحَالِهِمْ، مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزَىَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرَ! فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَبُوسِ الْحَرِيرِ. قَالَ: إِلا هَكَذَا، وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِصْبِعَيْهِ الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ وَضَمَّهُمَا. قَالَ زُهَيْرٌ: قَالَ عَاصِمٌ: هَذَا فِى الكِتَابِ. قَالَ: وَرَفَعَ زُهَيْرٌ إِصْبَعِيْهِ. 13 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْحَرِيرِ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة؛ فلهذا استجاز عمر - رضى الله عنه - أن يكسوها لمشرك. وذكر مسلم فى حديث: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل إليه قباءً (¬1) ديباج، فقال: يا رسول الله كرهت أمراً وأعطيتنيه؟ فقال: " إنى لم أُعْطِكَهُ لتلبسه إنما أَعْطَيْتُكَهُ تبيعه " فباعه بألفى درهم: وإنما أجاز له بيعه وإن كان محرماً لباسه على الرجل؛ لأنه يحل لبسه للنساء، وهى منفعة مقصودة تصح المعاوضة عليها. وأما قوله: " إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لا خلاق له فى الآخرة " (¬2): الخلاق: النصيب الوافر من الخير، ومنه قوله تعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِم} (¬3)، أى انتفعوا به، {أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَة} (¬4). قال القاضى: قال الطبرى (¬5): اختلف فى قوله: " إنما يلبس هذا من لا خلاق له فى الآخرة "، فقيل: من لا حرمة له، وقيل: من لا قوام له، وقيل: من لا دين له، قال: ومن لبسه لباس اختيال ممن لا خلاق له فى الآخرة. وقوله: " فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة " (¬6): قيل: كان أخاه من أمه، وكذلك ذكر النسائى فيه صلة الرحم المشرك، وجواز الهدية له بما يصح استعمال المسلم له وما لا يصح، وقسم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحلل من (¬7) أصحابه مما لا يجوز لهم لبسه لينتفعوا بها، كما قال فى الحديث الآخر. فيه صحة ملك المسلم لثياب الحرير وشرائه وبيعه لها؛ لأن ¬

_ (¬1) القباء - بفتح القاف والباء -: هو ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص. المعجم الوسيط 2/ 713. (¬2) حديث رقم (7) بالباب. (¬3) التوبة: 69. (¬4) آل عمران: 77. (¬5) انظر: جامع البيان 1/ 465 تفسير سورة البقرة. (¬6) حديث رقم (6) بالباب. (¬7) هكذا فى ز، وفى ح: بين.

(...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَهُوَ عُثْمَانُ - وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ - وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ - أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، فَجَاءَناَ كِتَابُ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ إِلا مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَىْءٌ فِى الآخِرَةِ إِلا هَكَذَا ". وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الإِبْهَامَ، فَرُئِيتُهُمَا أَزْرَارَ الطَّيَالِسَةِ، حَيْنَ رَأَيْتُ الطَّيَالِسَةِ. (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 14 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِىَّ قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ وَنِحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، أَوْ بِالشَّامِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ إِلا هَكَذَا، إِصْبَعَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من المسلمين من ينتفع بها على ما تقدم من إناثهم، ولم يختلف العلماء فى هذا (¬1). ومعنى قوله: " ليستمتع بها " (¬2) يفسره قوله: " لينتفع بها وتصيب بها ما لا [ومضى] (¬3) حاجتك وتنتفع بثمنها " (¬4) على ما جاء فى الأحاديث الأخر. والأرجوان، بفتح الهمزة وضم الجيم [الجيم] (¬5): الصوف الأحمر. وقوله فى الحلة التى وجهها إليهما: " شققها خمراً بين نسائك "، وكذلك قال لأسامة: فيه جواز لباس النساء الحرير وهو قول الجمهور، والخلاف فيه شاذ (¬6). وقول على فى الحديث: " فأطرتها بين نسائى "، قال الإمام: معناه: قسمتها، يقال: طان (¬7) لى فى القسم (¬8) [كذا، أى صار لى (¬9). قال الشاعر (¬10): فما طار لى فى القسم] (¬11) إلا ثمينها ¬

_ (¬1) التمهيد 14/ 249. (¬2) حديث رقم (9) بالباب. (¬3) هكذا فى ز، وفى ح: وتقضى بها. (¬4) حديث رقم (9) بالباب. (¬5) كررت خطأ. (¬6) المغنى 1/ 626، والتمهيد 14/ 242. (¬7) هكذا فى ز، وفى ح: طار. (¬8) فى ح: القسمة. (¬9) انظر: غريب الخطابى 1/ 169، النهاية 1/ 54. (¬10) الشاعر هو: يزيد بن الطثرية. انظر: اللسان، مادة " قسم ". (¬11) سقط من الأصل، والمثبت من ع.

قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: فَمَا عَتَّمْنَا أَنَّهُ يَعْنِى الأَعْلامَ. (...) وحدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِى عُثْمَانَ. 15 - (...) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَأَبُو غَسَّانٍ الْمِسْمَعِىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَامِر الشَّعْبِىِّ، عَنْ سُوَيْدِ ابْنِ غَفَلَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيةِ فَقَالَ: نَهَى نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إِلا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 16 - (2070) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى فى الرواية الأخرى: " شققه خمراً بين الفواطم " (¬1): قال ابن قتيبة: الفواطم ثلاث: إحداهن: فاطمة بنت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوج على، والثانية: فاطمة بنت أسد ابن هاشم أم على، وهى أول هاشمية ولدت لهاشمى، قال: ولا أعرف الثالثة. قال الأزهرى: هى فاطمة بنت حمزة الشهيد. قال القاضى: كذا ذكره ابن قتيبة والأزهرى كما قال، وذكره الهروى، وقد ذكر عبد الغنى بن سعيد وأبو عمر بن عبد البر الحافظ: أن هذا الحديث رويناه من حديث يزيد بن أبى زناد، عن أبى فاختة عن جعدة بن هبيرة، عن على، وفيه أسماء النسوة المذكورات، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " اجعلها خمراً بين الفواطم " قال: فشققت منها أربعة أخمرة: خمار لفاطمة بنت أسد أم على، وخمار لفاطمة بنت محمد - عليه السلام - وخمار لفاطمة بنت حمزة. قال يزيد بن أبى زناد: فاطمة أخرى نسيتها (¬2). قال القاضى: يشبه أن تكون الرابعة فاطمة امرأة عقيل بن أبى طالب لاختصاصها بعلى، وقربها بالمناسبة، وهى بنت شيبة بن ربيعة، شهدت مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً، ولها ¬

_ (¬1) حديث رقم (18) بالباب. (¬2) التمهيد 14/ 251.

وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ - وَاللَّفْظُ لابْنِ حَبِيبٍ - قاَلَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الْزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَبِسَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِىَ لَهُ، ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ. فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَوْشَكَ مَا نزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقالَ: " نَهانِى عَنْهُ جِبْرِيَلُ "، فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِى. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَرِهْتَ أَمْرًا وَأَعْطَيتَنِيهِ، فَمَا لِى؟ قَالَ: " إِنِّى لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسِهُ إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ "، فَبَاعَهُ بِأَلْفَىْ دِرْهَمٍ. 17 - (2071) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عَوْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ سِيَرَاءَ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَىَّ، فَلَبِسْتُهَا، فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ. فَقَالَ: " إِنِّى لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبِسَهَا، إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقَّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ النِّسَاءِ ". (...) حدّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قصة مشهورة فى المغانم، [إذ دفع إليها عقيل إبرة وقال: تخيطين بها ثيابك، فلما سمع منادى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألقاها فى المغانم] (¬1)، وقيل هى: فاطمة بنت الوليد بن عتبة، وقيل: فاطمة بنت عتبة، وهى التى تفاقم ما بينها [ومن] (¬2) عقيل، فوجه عثمان ابنَ عباس ومعاوية حكمين بينهما، والقصة مشهورة فى المدونة (¬3) وغيرها (¬4). وما فى الحديث من ذكر فاطمة بنت أسد صحيح ويصحح هجرتها، قال غير واحد خلافاً لمن زعم أنها لم تهاجر، وأنها ماتت قبل الهجرة. وذكر مسلم فى الباب: حدثنى محمد بن مثنى، حدثنا عبد الصمد، سمعت أبى يحدث قال: حدثنا يحيى بن أبى إسحاق قال: [قال] (¬5) لى سالم بن عبد الله فى الإستبرق، قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه (¬6)، ثم ذكر حديث عمر. [كما] (¬7) كذا وقع فى جميع النسخ فى مسلم، ووقع فى كتاب البخارى (¬8) فى الجامع وفى النسائى (¬9): قال لى سالم: ما الإستبرق؟ وهو وجه الكلام وصوابه. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) فى ح: بين. (¬3) المدونة 2/ 372. (¬4) طبقات ابن سعد 8/ 232. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬6) حديث رقم (9) بالباب. (¬7) هكذا فى الأصل، وهى زائدة. (¬8) البخارى، ك الأدب، ب ممن تجمل للوفود 8/ 27. (¬9) النسائى، ك الزينة، ب صفة الإستبرق 8/ 198.

مُحَمَّدُ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عَوْنٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، فِى حَدِيثِ مُعَاذٍ: فَأَمَرَنِى فَأَطَرْتُها بَيْنَ نِسَائِى وَفِى حَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنِ جَعْفَرٍ: فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِى، وَلَمْ يَذْكُرْ: فَأَمَرَنِى. 18 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِى عَوْنٍ الثَّقَفِىِّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ الْحَنَفِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ؛ أَنَّ أُكَيْدِرَ دُوْمَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ، فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا. فَقَالَ: " شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ ". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ بَيْنَ النِّسْوَةِ. 19 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، قَالَ: كَسَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيرَاءَ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ. قَالَ: فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى الباب: حدثنا يحيى بن يحيى، أنبانا خالد بن عبد الله، عن عبد الملك، عن عبد الله مولى أسماء بنت أبى بكر - وكان خال ولد عطاء - قال: أرسلتنى أسماء إلى عبد الله فقالت: " بلغنى أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلَمُ فى الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله " (¬1)، قال الإمام: هكذا رواية ابن ماهان والكسائى، ووقع فى أصل الجلودى: " وكان خال ولد عطارد " بزيادة راء ودال بدل " عطاء " (¬2) قال نعمتهم (¬3): والصحيح ما فى رواية ابن ماهان. قال القاضى: وأمَّا قول عبد الله - وهو ابن عمر - فى جوازها (¬4): أما ما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم الدهر: دليل على إنجازه (¬5) ما بلغها عنه من ذلك، وفيه حجة على جواز صيام الدهر، وأن مذهب ابن عمر إجازته. وأما ما ذكر عنه من كراهة علم الحرير، فقد أخبر أن ذلك تورع منه، وخوف أن يدخل فى جملة النهى عن لباس الحرير، ومذهبه مغ قليله وكثيره، وقد تقدم الكلام عليه. ¬

_ (¬1) حديث رقم (10) بالباب. (¬2) المشارق 2/ 122. (¬3) فى ح: بعضهم. ومنهم أبو على الجيانى فى كتابه: الأوهام الواقعة فى الصحيحين، العلل الواردة فى صحيح مسلم، ق: 137 أ (اللباس). (¬4) فى ح: جوابها. (¬5) فى ح: إنكاره.

20 - (2072) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو كَامِلٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كَامِلٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَرَ بِجُبَّةِ سُنْدُسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: بَعَثْتَ بِهَا إِلَىَّ وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: " إِنِّى لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبِسَهَا، وَإِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَنْتَفِعَ بِثَمَنِهَا ". 21 - (2073) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ ". 22 - (2074) وحدّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِىُّ، أَخْبَرَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِىُّ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، حَدَّثَنِى شَدَّادٌ، أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ ". 23 - (2075) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أُهْدِىَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا، كَالْكَارِهِ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: " لا يَنْبَغِى هَذَا لِلْمُتَّقِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: وأما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد الله، فإذا هى أرجوان، يعنى: التى يركب أو يجلس عليها، يريد أيضاً إنكار ما بلغها عنه من ذلك. وقول أسماء: " هذه جبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخرجت جبة طيالسية كسروانية ": كذا روايتنا عن الجمهور بكسر الكاف، هى عند الخشنى عن الهروى (¬1): " طيالسة خسروانية، لها لبنة ديباج، [وفرجاها مكفوفان] (¬2) بالديباج ": اللبنة، بكسر اللام وسكون الباء: رقعة فى الجيب، قاله صاحب العين، والفرج فى الثوب: الشق يكون فيه خلفه وأمامه فى أسافله، وإنما يكون فى الأقبية وشبهها من ملابس العجم. ¬

_ (¬1) هكذا فى ز وفى ح: الهورنى. وهو أبو حفص عمر بن الحسن أندلسى، من أهل أشبيلية، كان زعيمها قبل تولى المعتضد، ثم رحل إلى مصر، ثم إلى مكة، وسمع فى طريقه صحيح البخارى، ثم رجع إلى أشبيلية، فقتله المعتضد سنة ستين وأربعمائة. انظر: الصلة 394، نفح الطيب 2/ 93، الاعلام 5/ 44. (¬2) هكذا فى ز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى " مكفوفان بالديباج " (¬1): أى جعلت لهما كفة - بالضم - وهو ما يكف به جوانبها، وكل شىء مستطيل كفة - بالضم. قال الخطابى: المكفف من الحرير: ما اتخذ جنبه منه، وكان لذيله وأكمامه كفاف منه (¬2)، تقدم الكلام على معنى هذه الجبة. وقول من قال: لعل الحرير كان محدثاً فيها بعد موت النبى - عليه السلام - وهذا بعيد جداً؛ لأن أسماء إنما احتجت بها على العلم للباس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها لأجل الحرير الذى فيها، وقيل: لعل النبى إنما كان يلبسها فى الحرب (¬3)، وقد تقدم الكلام على هذا الفصل. وقولها: " فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها ": لما فى ذلك من بركة (¬4) ما لبسه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لمسه، وقد جرت عادة السلف والخلف بالتبرك بذلك منه - عليه السلام - ووجود ذلك وبلوغ الأمل من شفاء وغيره (¬5). وذكر فى الحديث بعده: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا عبيد بن سعيد. كذا لكافة شيوخنا، وفى بعض النسخ: حدثنا عثمان بن أبى شيبة، حدثنا عبيد، وفيه: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب يقول: لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإنى سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يقول] (¬6): " لا تلبسوا الحرير فمن لبسه فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة " (¬7)، هذا مذهب عبد الله ومن قال بقوله بتحريمه على الرجال والنساء، وحمله له على العموم. وقد انعقد الإجماع بعد من العلماء على جوازه للنساء؛ وقد ذهب قوم إلى نسخ هذا الحديث لما ورد مما يخالفه فى أمر النساء، وتخصيص تحريمه بالذكور، وقيل نسخ فى النساء والرجال بالإباحة، والجمهور على أنه ليس فيه ناسخ ولا منسوخ، وإنما هذه أحاديث مجملة، وحديث تخصيص الرجال بذلك مفسر لها، وحمل بعضهم النهى العام فى ذلك على الكراهة لا على التحريم. وفى قوله: " من لبسه فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة " وروى ابن الزبير أنه قال: " من لم يلبسه فى الآخرة لم يدخل الجنة " (¬8)، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِير} (¬9): يحتمل أنه يريد بالحديث كفار ملوك العجم والأمم الذى كان زيهم، ويحتمل أنه يريد من أراد الله عقابه بذلك من مذنبى المؤمنين فتحريمه فى الآخرة وقفاً قبل دخول الجنة، وإمساكه عنها مدة حسابه. ¬

_ (¬1) مشارق الأنوار 1/ 346، النهاية 4/ 191. (¬2) معالم السنن 4/ 327 (4050). (¬3) التمهيد 4/ 256. (¬4) كذا فى ز، وفى ح: بركة. قال معد الكتاب للشاملة: أثبتنا ما في النسخة "ح"، وهو الأولى، والله أعلم. (¬5) سيأتى فى ك الفضائل، ب طيب عرق النبى والتبرك به، رقم (84). (¬6) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬7) حديث رقم (11) بالباب. (¬8) مسند الإمام أحمد 1/ 37 عن عبد الله بن الزبير. (¬9) الحج: 23، فاطر: 33.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يحتمل أنه يمنع من لباسه بعد دخول الجنة لكن ينسيه الله أمره، وشغله عن ذكره، يشغله بلذات أخر عنه حتى يقضى الله أمر حبسه عنه أو أبداً، ويكون [هذا منها] (¬1) أثناء ذلك بحالة غير ملتفت إلى ما نقصه من لباسه، ولا حاسد غيره عليه، ولا منتغص (¬2) بذلك، ولا ذاكر له؛ ليتم لذته دون [نغص] (¬3) ولا حسد ولا رؤية نقص لحاله؛ إذ لا حزن ولا نغص فى الجنة، ولا يرى أحد منهم أن منزلة غيره فوقه، ولا لذة فوق لذته، كما أن أهل الغرف فى عليين يراهم من دونهم كالكوكب الدرى فى أفق السماء، ثم من دونهم لا نقص عنده بحالهم ولا نقص لحاله دونهم. وقد يكون معنى قوله: " لم يلبسه فى الآخرة " إذ حرم أن يلبسه فى الآخرة مدة عقابه إذا عوقب على معصيته بارتكاب النهى. وهذا الحديث وشبهه يدل على تحريم لباسه مع النص، وفى بعضها بقوله: " حرام على ذكورها " (¬4). وقوله: " أن أكيدر دومة أهدى للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثوب حرير ": فيه قبول الخليفة هدية الملوك والمشركين، وكان ملك أيلة، وأسلم بعد هذا، وقبول الأمراء هدايا المشركين، وقد تقدم الكلام على هذا قبل. و" دومة " بالفتح (¬5) حكاه ابن دريد (¬6)، قال: والمحدثون يضمون (¬7) الدال وهو خطأ. قال القاضى: وقد رويناه عن الجُلة بالوجهين، وكذا (¬8) ضبطناه عن ابن سراج وغيره (¬9). وقوله فى حديث عقبة: " أهدى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فروج حرير فلبسه، ثم صلى فيه، ثم نزعه " الحديث، وكذلك فى حديث جابر فى قصة عمر: لبس النبى له كان قبل تحريمه على الرجال ونزول الوحى بذلك، ألا تراه كيف قال فى حديث عمر: " إن جبريل نهانى عنه ". وهذا أولى من قول من قال: لعله نزعه لكونه من زى العجم. وقوله: " أوشك أن نزعه ": أى أسرع وأقرب، وكذا قوله: " فأوشك ما نزعته "، هذا يرد قول الأصمعى فى أن هذه اللفظة لا تأتى فى الماضى، ولا يقال: أوشك، وإنما تأتى فى المستقبل: " يوشك " بكسر الشين، وقد ذكر فيه " أوشك " الخليل وغيره. ¬

_ (¬1) فى ح: هو راضياً. (¬2) وهو كدر العيش. انظر: اللسان مادة " نغص ". (¬3) فى ح: نقص. (¬4) الطبرانى فى المعجم الكبير 5/ 211 (5125)، ومجمع الزوائد 5/ 146، وقال: إن زيد بن ثابت بن أرقم ضعيف. (¬5) فى هـ: بالضم، عن الرسالة، وموافقة لكتب اللغة والجمهرة. (¬6) انظر جمهرة العرب 2/ 301. (¬7) فى هـ - نقلاً عن الرسالة -: يفتحون. (¬8) فى ح: وكذلك. (¬9) مشارق الأنوار 1/ 265، النهاية 2/ 141.

(...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى أَبَا عَاصِمٍ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والفروج، بفتح الفاء وضم الراء وتخفيف الراء، وقيل: قباء مشقوق من خلف، أما من الطير فكذلك، لكنه بالتثقيل فقط.

(3) باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها

(3) باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها 24 - (2076) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِى عَروبَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنْبَأَهُمْ؛ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ فِى القُمُصِ الحَرِيرِ فِى السَّفَرِ، منْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا، أَوْ وَجَعٍ كَانَ بِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الرحمن بن عوف والزبير فى القميص الحرير فى السفر من حكة كانت بهما، [أو وجع كان بهما] (¬1)، ولم يذكر فى الحديث الآخر السفر، وفى حديث آخر: " أنهما اشتكيا إليه القمل، فرخص لهما فى ذلك فى غَزَاة لهما ": مذهب مالك منعه فى الوجهين، وبعض أصحابه يبيحه فيهما، وقد تقدم الكلام فى ذلك. قال الطبرى: يستدل به إن كان علة بالإنسان تضطره إلى لبس الحرير، ويرجأ بلبسه خفتها أنه يجوز معها لباسه. وحديث أبى عثمان: " كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان: يا عتبة بن فرقد " الحديث (¬2): قال الدارقطنى: خرجه البخارى (¬3) ومسلم، وهو مما لم يسمعه أبو عثمان، إنما هو [عن كتاب عمر] (¬4)، وهذا الحديث هو مما تتبعه عليهما (¬5)، وهو حجة فى جواز ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) حديث رقم (12) بالباب السابق. (¬3) البخارى، ك اللباس، ب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه 7/ 193. (¬4) فى ح: على كتاب عثمان. (¬5) الإلزامات والتتبع ص 382 مسند عمر بن الخطاب. وقد اعترض النووى على تتبع الدارقطنى على مسلم والبخارى فى هذا الحديث وقال: هو باطل، والذى عليه جمهور المحدثين والفقهاء جواز العمل بالكتاب وروايته عن الكاتب إذا اقتصر عليها. واعتذر ابن حجر للدارقطنى بأنه رجع عن استدراكه، وقال: هذا الحديث أصل فى جواز الرواية بالكتابة عند الشيخين. وقال ابن الصلاح فى المقدمة إذا اقتصر على الكتابة، وقد أجاز الرواية بها كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم منصور والليث. انظر: النووى 14/ 45، الفتح 10/ 234، وابن الصلاح فى التقييد والإيضاح ص 197.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلمْ يَذْكُرْ: فِى السَّفَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث من الكتاب وإن لم يقل: حدث (¬1) بما فيه عنى، كما قال منصور (¬2) وأيوب (¬3): إذا كتبت إليك فقد حدثتك (¬4). والحجة فى ذلك أيضاً: كتاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عماله وأمرائه وامتثالهم ما فيها، وقوله فى الرواية الأخرى: " أتانا كتاب عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد " (¬5) يريد أنهم معه بأذربيجان، فالكتاب جامعه بدليل الحديث الأول (¬6): أتانا كتاب عمر ونحن بأذربيجان: " يا عتبة بن فرقد " كما تقدم، ويدل عليه من هذا الحديث أيضاً قوله: " أو بالشام " (¬7). وقوله: " ليس من كدك ولا من كد أبيك أمك " (¬8): يعنى: مال المسلمين. والكد: التعب والمشقة والشدة، أى ليس من كسبك وتعبك فى ذلك فتشح به. وقوله: " فأشبع المسلمين فى رحالهم مما تشبع به فى رحلك " (¬9): يعنى: إدرار أرزاقهم، وقسم مال الله عليهم ولا يؤثر نفسه عليهم بلين العيش ولا كثرة مأكول. وقوله: " وإياك والتنعم وزى أهل الشرك ولبوس الحرير، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، ورفع إصبعين " (¬10): وهذا طرف من حديث أبى عثمان [هذا، وفيه زيادة كثيرة. وروى شعبة عن قتادة عن أبى عثمان] (¬11) النهدى قال: " أتانا كتاب عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد: أما بعد، فاتزروا، وارتدوا، وانتعلوا، وألقوا الخفاف والسراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والنعم (¬12) وزى العجم، ¬

_ (¬1) فى ح: حدثته. (¬2) هو ابن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمى أبو عقاب الكوفى. قال العجلى: كوفى ثقة. وقال ابن مهدى: لم يكن بالكوفة أحد أحفظ منه، وقال ابن معين: منصور من أثبت الناس. انظر: الحلية 5/ 240، الجرح والتعديل 8/ 177، التهذيب 10/ 312. (¬3) هو ابن أبى تميمة السختيانى، يكنى أبا بكر، روى عن أنس والحسن. قال ابن سعد: أيوب ثقة ثبت فى الحديث حجة عدل، وقال ابن معين: ثقة، مات 131. انظر: الجرح 2/ 255، الحلية 3/ 3، التهذيب 1/ 397. (¬4) انظر: فتح المغيث 2/ 124. (¬5) حديث رقم (14) بالباب السابق. (¬6) حديث رقم (12). (¬7) سبق، حديث رقم (14). (¬8): (¬10) سبق حديث رقم (12) بالباب السابق. (¬11) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬12) فى ح: والتنعم.

25 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ رُخِّصَ - للزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِى لبْسِ الحَرِيرِ، لحِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وعليكم بالشمس، فإنها خيام (¬1) العرب، وتمددوا، واخشوشنوا (¬2)، واخلولقوا، واقطعوا الركب، وانزوا وارموا على الأغراض، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الحرير إلا هكذا، وضم إصبعيه السبابة والإبهام " (¬3) يعنى الأعلام. وذكر مسلم أيضاً فى الحديث: " فرئيتهما إزار الطيالسة " يريد أطواقها والله أعلم. قوله فى الحديث الآخر: " [قال عثمان] (¬4): فما غنما إلا أنه الأعلام " (¬5): [كذا روايتنا عن الصدفى والأسدى، ومعنى ذلك: أى لم يتردد ولم يبطئ. وفى رواية الطبرى: " فما علمنا إلا أنه يريد الأعلام "، قال بعضهم: صوابه: " فأعلمنا أنه يريد الأعلام "، كذا وقع فى رواية] (¬6) أبى بكر بن المهندس فى فوائده، رواه قاسم بن أصبغ: " فعلمنا أنه يريد الأعلام ". وذكر مسلم - أيضاً - فى الباب: حدثنا قتادة عن الشعبى، عن سويد بن غفلة؛ أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية. وذكر فيه: " إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع " (¬7). وقد تقدم الكلام على العلم من الحرير والخلاف بين العلماء فى تقديره ممن رخصه، ومنع من منع قليلة وكثيره، وقد احتج بعضهم بالترخيص فى قليله والعلم، على أن النهى عنه نهى كراهة للسرف والاختيال. وهذا الحديث أيضاً مما استدركه الدارقطنى على مسلم وقال: لم يرفعه عن الشعبى إلا قتادة وهو مدلس، ورواه شعبة، عن أبى السفر (¬8)، عن الشعبى من قول عمر، ورواه بيان (¬9) وداود بن أبى هند عن الشعبى، عن سويد، عن عمر [قوله] (¬10)، وكذا قال ¬

_ (¬1) فى ح: حمام. (¬2) فى الأصل: واخشن. (¬3) انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان رقم [5430] 7/ 401، والبيهقى فى شعب الإيمان، ب 39، ونصب الراية 4/ 226، وأحمد 1/ 43، وعبد الرزاق 11/ 84 رقم (19994)، وابن أبى شيبة 8/ 215 بزيادة فيه. (¬4) من ح. (¬5) حديث رقم (14) بالباب السابق. (¬6) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬7) حديث رقم (15) بالباب السابق. (¬8) هو سعيد بن يحمد، ويقال: أحمد أبو السفر الهمدانى الكوفى، وثقه ابن معين. التهذيب 4/ 96. (¬9) وثقه ابن معين وغيره. انظر: تهذيب التهذيب 1/ 506. (¬10) زيادة من الأصل.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 26 - (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ شَكَوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القَمْلَ، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِى قُمُصِ الحَرِيرِ، فِى غَزَاةٍ لَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة: عن الحكم، عن خيثمة عن سويد، وابن عبد الأعلى، عن سويد، وأبو حصين عن إبراهيم عن سويد (¬1). ¬

_ (¬1) الإلزامات والتتبع ص 262، 263.

(4) باب النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر

(4) باب النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر 27 - (2077) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ ابْنَ مَعْدَانَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ أَخبَرَهُ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ. فَقَالَ: " إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ، فَلا تَلْبَسْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علىَّ ثوبين معصفرين فقال: " هذه من لباس الكفار فلا تلبسها "، وفى الحديث الآخر: " أأمك أمرتك بهذا " قلت: أغسلهما؟ قال: " بل أَحْرِقْهُمَا"، وفى الآخر النهى عن لبس الذهب والمعصفر، قال الإمام: رُوى عن مالك أنه أجاز لباس الملاحف (¬1) المعصفرة للرجال فى البيوت وفى أفنية الدور، وكره لباسها فى المحافل وعند الخروج إلى الأسواق، فكأنه رأى أن التصرف [بها بين] (¬2) الملأ من الناس اشتهار؛ فلهذا نهى عنه، وفى الديار ليس فيها اشتهار فأجازه. وأما المصبوغ بالمشق هو المغرة (¬3) فيجوز لباسه. وأما المغير بالزعفران فاختلف الناس فيه، وبالجواز قال مالك لما وقع فى حديث ابن عمر: " رأيتك تصنع أربعاً " (¬4) فيه الصبغ بالصفرة وقد تقدم الحديث. وحجة من نهى عنه ما ورد من النهى عن نهى تزعفر الرجل. ومجمل هذا عندنا على أنه غير بدنه بالزعفران تشبهاً بالنسوان وهو أظهر من هذا اللفظ، هكذا قال بعض أصحابنا. وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحرقها " فلعله على وجه التغليظ والعقوبة فى المال. قال القاضى: اختلف الناس فى لباس المعصفر، فأجاز لباسه جماعة (¬5) من الصحابة والتابعين (¬6) والفقهاء (¬7)، وهو قول الشافعية وأهل الكوفة ومالك، إلا أنه قال: وغير ذلك ¬

_ (¬1) هى الملاءة أى اللباس الذى فوق سائر اللباس من دثائر البرد ونحوه. انظر: اللسان، مادة: " لحف ". (¬2) من ح، وفى الأصل: بهاتين. (¬3) وهو صبغ الثياب بالطين الأحمر. المشارق 1/ 388. (¬4) سبق فى ك الحج، ب الإهلال من حيث تنبعث راحلته (25). (¬5) انظر: مصنف عبد الرزاق، ك اللباس، ب الخز والعصفر عن أنس وعروة وعائشة وبعض أزواج النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر بن عبد العزيز 11/ 74. (¬6) ابن أبى شيبة، عن نافع وعروة وإبراهيم والشعبى وعلى بن الحسين. المصنف 6/ 14. (¬7) منهم عمر بن الخطاب وابن محيريز. انظر: عبد الرزاق 11/ 78.

(...) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ المُبَارَكِ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالا: عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ. 28 - (...) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الموصِلِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ نَافِعٍ، عَنْ سُليْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ: رَأَى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ. قَالَ: " أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟ ". قُلْتُ: أَغْسِلْهُمَا؟ قَالَ: " بَلْ احْرِقْهُمَا ". 29 - (2078) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لبْسِ القَسِّىِّ وَاَلمُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ فِى الرُّكُوعِ. 30 - (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ يَقُولُ: نَهَانِى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ القِرَاءَةِ وَأَنَا رَاكِعٌ، وَعَنْ لبْسِ الذَّهَبِ وَالمُعَصْفَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من اللباس أحب إلى ولا أعلم فيه شيئاً حراماً. واختلف فى لباس المعصفر عن ابن عمر، وكره بعضهم جميع ألوان الحمرة، وأباح بعضهم ما خف، وكره ما اشتدت حمرته، وهو قول عطاء وطاووس، ورخص بعضهم فيما يمتهن منها وكره ما يلبس، وهو قول ابن عباس (¬1). وحمل الطبرى النهى عن ذلك على الكراهة؛ لأنه - عليه السلام - قد لبس حلة حمراء لتعلم منه جواز ذلك، وفى حديث ابن عمر: " رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبغ بالصفرة "، وقد تقدم فى الحج (¬2) الكلام عليه. وقال الخطابى فى النهى: إنه منصرف (¬3) إلى كل ما صبغ من الثياب بعد النسج، وأما ما صبغ غزله ثم نسج فغير داخل فى النهى، وحلل [اليمن] (¬4) إنما يصبغ غزلها وهى ¬

_ (¬1) المغنى 3/ 296، الموطأ 2/ 912، التمهيد 2/ 180، 16/ 111. (¬2) ب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة رقم (25). (¬3) فى الأصل: معصرف، والمثبت من ح. (¬4) فى الأصل: النهى.

31 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، قَالَ: نَهَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ القَسِّىِّ، وَعَنِ القِرَاءَةِ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ المُعَصْفَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ حمر وصفر وخضر ما بين ذلك من الألوان ولا يصبغ بعد النسج. وحمل بعضهم النهى عن ذلك للمحرم خاصة كما جاء فى حديث ابن عمر: " نهى أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بورس أو زعفران " (¬1). وقد مر الكلام على تختم الذهب، ومر الكلام على القراءة فى الركوع والسجود فى الصلاة (¬2). وقوله: " أمك أمرتك بهذا ": إشارة - والله أعلم - إلى لباس المعصفر للنساء ومن أخلاقهن. ¬

_ (¬1) سبق فى ك الحج، ب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، رقم (3). (¬2) سبق فى ك الصلاة، ب النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود، رقم (479، 481).

(5) باب فضل لباس ثياب الحبرة

(5) باب فضل لباس ثياب الحبرة 32 - (2079) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: قُلْنَا لأَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ؛ أَىُّ اللِّبَاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَعْجَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: الحِبَرَةُ. 33 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحِبَرَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكان أعجب اللباس إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحِبَرَة ": فيه جواز لباسها، وهى ثياب كتان أو قطن يمنية محبرة، أى مزينة محسنة والتحبير: التحسين.

(6) باب التواضع فى اللباس والاقتصار على الغليظ منه واليسير فى اللباس والفراش وغيرهما وجواز لبس الثوب الشعر، وما فيه أعلام

(6) باب التواضع فى اللباس والاقتصار على الغليظ منه واليسير فى اللباس والفراش وغيرهما وجواز لبس الثوب الشعر، وما فيه أعلام 34 - (2080) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلى عَائِشَةَ فَأَخَرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيْظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِاليَمَنِ، وَكِسَاءً مِنَ الَّتِى يُسَمُّونَهَا المُلبَّدَةَ. قَالَ: فَأَقْسَمَتْ بِاللهِ؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فِى هَذِيْنِ الثَّوْبَيْنِ. 35 - (...) حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُليَّةَ. قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ. قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا وَكِسَاءً مُلَبَّدًا. فَقَالَتْ: فِى هَذَا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِى حَدِيثِهِ: إِزَارًا غَلِيْظًا. (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. وَقَالَ: إِزَارًا غَلِيْظًا. 36 - (2081) وَحَدَّثَنِى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْن أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ. 37 - (2082) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خرج - عليه السلام - وعليه مرط مرحل من شعر أسود ": كذا رويناه عن الجمهور بالحاء المهملة وعند الهوزنى بالجيم، وهذا حديث [وصله] (¬1) مسلم ومن فوقه ¬

_ (¬1) من ح.

عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ وِسَادَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِى يَتَّكِئ عَليْهَا - مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ. 38 - (...) وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِى يَنَامُ عَلَيْهِ - أَدَمًا، حَشْوُهُ لِيْفٌ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالا: ضِجَاعُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ: يَنَامُ عَليْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لإثبات هذه السنة من لباس ما هذه صفته من المروط. والمرط: كساء من صوف [مربع، يجمع مرط ومروط. قال ابن الأعرابى وأبو زيد هو: الإزار. قال الخليل: هو كساء من صوف] (¬1) أو خز أو كتان. قال الخطابى: هو كساء يؤتزر به. وقال النضر: لا يكون المرط إلا درعاً وهو من خز أخضر، ولا يسمى المرط إلا الأخضر، ولا يلبسه إلا النساء، وما جاء فى الحديث من قوله: " من شعر أسود ". وتمام الحديث بعد هذا من إدخال على وفاطمة وابنيهما فيه ودعائه لهم (¬2)، وهذا مما يصحح أنه كساء لا إزار. قال الإمام: " مرط مرحل " بالحاء: أى موشى، سمى بذلك؛ لأن عليه تصاوير الرحال. وجمعها المراحل ومنه الحديث: " حتى يبنى الناس بيوتاً يوشونها وشى المراحل " (¬3)، ويروى: " المراجل " بالجيم أيضاً، ويقال لذلك العمل: الترجيل. قال القاضى: المرجل، بالجيم: الذى عليه تصاوير الرجال. [قيل: الذى عليه تصاوير المراجل وهى القدور، ومنه قيل: " مرط مرجل "] (¬4) على الإضافة. وقال الخطابى: المرجل الذى فيه خطوط (¬5). وقوله: " كان وساد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذى يتكئ عليه من أدم، حشوها ليف "، وفى الحديث الآخر: " كان فراش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وضجاع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬6) الذى ينام عليه أدم، حشوه ليف ": وهما بمعنى. فيه جواز اتخاذ الوسائد والاتكاء عليها والارتفاق بها، واتخاذ الفراش للنوم محشواً، واستعمال الأدم وهى الجلود فى [كل] (¬7) ذلك. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) معالم السنن 4/ 315. (¬3) البخارى فى الأدب المفرد، حديث رقم (777). (¬4) سقط من ح. (¬5) معالم السنن 4/ 315. (¬6) زائدة من س. (¬7) ساقطة من س، والمثبت من ح.

(7) باب جواز اتخاذ الأنماط

(7) باب جواز اتخاذ الأنماط 39 - (2083) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالَ عَمْرٌو وَقُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا - سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجْتُ -: " أَتَّخَذْتَ أَنْمَاطًا؟ ". قُلْتُ: وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قَالَ: " أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ ". 40 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجْتُ قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَّخَذْتَ أَنْمَاطًا؟ ". قُلْتُ: وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قَالَ: " أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول جابر: قال لى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما تزوجت: " أتخذت (¬1) أنماطاً؟ " قلت: أنى لنا أنماط، قال: " إنها ستكون "، قال جابر: وعند امرأتى نمط، فأقول: نحيه عنى، فتقول: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ستكون " فأدعها: قال الخليل: النمط: ظهارة الفراش (¬2)، وقال ابن دريد: النمط: ثوب من صوف يطرح على الهودج (¬3). والذى يدل من حديث جابر: أنها من غير هذا، أو أنها فرش - كما قال الخليل - أو ستور تعلق لقول عائشة - فى الحديث الآخر الذى ذكره مسلم بعد هذا -: " فأخذت نمطاً فسترته عن الباب " (¬4). ففيه جواز اتخاذ الستر من الصوف، وإن كان كرهها بعض السلف (¬5) ورآه من السرف، واحتجوا بالحديث الذى ذكره مسلم بعد هذا: " أن الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة والطين " (¬6) وهذا ليس فيه دليل تحريم، لكن فيه التنزه عنه، وهو كقوله فى الحديث الآخر: " كلما دخلت هذا ذكرت الدنيا " (¬7)، فيه جواز اتخاذ الأنماط فرشاً إذ لم تكن حريراً أو كان مما يجلس عليها النساء خاصة لقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها ستكون " ولم [ينكر اتخاذه] (¬8). وقد تكون هذه الأنماط من غير الحرير (¬9) فيجوز اتخاذها للرجال والنساء، يدل عليه ¬

_ (¬1) فى الأصل: الحديث، وهو تصحيف. (¬2) العين 7/ 444. (¬3) الجمهرة 3/ 117. (¬4) سيأتى فى ب تحريم تصوير الحيوان رقم (87). (¬5) نقل ذلك عن أبى أيوب. انظر: صحيح البخارى، ك النكاح، ب هل يرجع إذا رأى منكراً فى الدعوة 6/ 144. (¬6) و (¬7) سيأتى فى باب تحريم تصوير الحيوان (88). (¬8) فى ز: يشكو، والمثبت من ح، والصحيحة المطبوعة. (¬9) هكذا فى ز: حرم، وهو تصحيف.

قَالَ جَابِرٌ: وَعِنْدَ امْرَأَتِى نَمَطٌ، فَأَنَا أَقُولُ: نَحِّيهِ عَنِّى. وَتَقُولُ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهَا سَتَكُونُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ: فَأَدَعُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث عائشة فى النمط، وأنها قطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك على، وفى الرواية الأخرى: " وكان يرتفق بهما فى البيت "، ويكون قول جابر [قوله] (¬1): " نحه عنى ": أى من بيتى؛ لما فيه من زينة الدنيا [كما قال - عليه السلام - لعائشة، لا لأنه كان يجلس عليه أو يغطيه] (¬2)، كما يظن بعضهم أنه كاللحف والطنافس وشبهها. وفيه [أنه] (¬3) آية بينة من علامات نبوته - عليه السلام - وإخباره فيما لم يكن بعد أنه يكون، ثم كان كما قال. وقوله: " كان ضجاع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفراش رسول الله الذى ينام عليه " لكن يفسره الحديث الآخر: " كان وساد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬4): يريد ما يجعل تحت رأسه لا ما يجعله تحته. والضجاع: ما يضجع عليه. وفى حديث ابن عباس: " فاضجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى طول الوسادة واضجعت فى عرضها " (¬5)، فهذا يدل أنه وضع رؤوسهما عليها. ¬

_ (¬1) من س وساقطة من ح. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬3) من الأصل. (¬4) حديث رقم (38) بالباب السابق. (¬5) سبق فى ك صلاة المسافرين، ب فى صلاة الليل وقيامه، رقم (526).

(8) باب كراهة ما زاد على الحاجة من الفراش واللباس

(8) باب كراهة ما زاد على الحاجة من الفراش واللباس 41 - (2084) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أَبُو هَانِئٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " فِرَاشٌ للرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ للضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ للشَّيْطَانِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان ": يريد أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال، وما لبس للتزين لا من ضرورة الحياة الدنيا فهو من المكروه المذموم، وكل مذموم مضاف للشيطان. وقد يحتمل أن يكون على وجهه، وأنه إذا كان هنا متخذاً لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل، كما له فى البيت إذا لم [يسم الله] (¬1) عند دخوله، وفى الطعام عشاء إذا لم يسم الله عليه، أو لم يغط بالليل (¬2). وفيه حجة أنه لا يلزم الرجل النوم مع أهله ولا من حقها، وأن له أن يتخذ فراشاً لنفسه، ولو كان لا ينبغى له لم يكن هنا اتخاذه جائز، أو لكان زائداً، لكن هو جائز بإجماع، ولذلك يدل حال النبى وكونه مع أهله فى فراش فى حديث ميمونة وعائشة (¬3) وغيرهما. لكن كون كل واحد منهما بمعزل إلا عند الحاجة للاستمتاع مما يستحب؛ لاصلاح الجسم، وقلة استدعاء المواقعة، وتحريك الشهوة بالمباشرة فى كل حال. ¬

_ (¬1) فى ح: يذكم اسم الله. (¬2) سبق فى ك الأشربة، ب الأمر بتغطية الإناء وإكاء السقاء رقم (96). (¬3) البخارى، ك الصلاة، ب الصلاة على الفراش 1/ 101.

(9) باب تحريم جر الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز إرخاؤه إليه، وما يستحب

(9) باب تحريم جرّ الثوب خيلاء وبيان حدّ ما يجوز إرخاؤه إليه، وما يستحب 42 - (2085) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللهِ ابْنِ دِينَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَم، كُلُّهُمْ يُخْبِرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء " زاد فى رواية أخرى: " يوم القيامة "، وفى الآخر: " ومن جر إزاره لا يريد إلا المخيلة "، وفى الآخر: " بطراً ": المخيلة والخيلاء والبطر: بمعنى، وهو الكبر والزهو والتبختر، قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ (¬1) لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، وقال: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِين} (¬2). [قال سيبويه: الخيلاء: فعلاء - ممدود - اسم بضم الخاء، ويقال بكسرها] (¬3). قال الإمام: المخيلة: يعنى الكبرياء، يقال: خال الرجل خالاً واختال اختيالاً: إذا تكبر، وهو رجل خال: أى متكبر، وذو خال: أى ذو تكبر، ومنه قول ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت إذا أخطأتك حالان: سرف ومخيلة (¬4)، ومنه قول أبى طلحة لعمر: ولا تخول عليك، أى لا تتكبر (¬5). قال القاضى: قوله: " من جر ثوبه " عموم فى كل ثوب؛ إزار وغيره، وقد روى أصحاب المصنفات: أنه - عليه السلام - قال: " الإسبال (¬6) فى الإزار والقميص والعمامة، من جر منهما شيئاً لم ينظر الله إليه يوم القيامة " (¬7)، قالوا: وإنما خص الإزار فى بعض الحديث؛ لأنه أكثر ما كان يستعمل فى عهده - عليه السلام - ويجر ويرخى. وأجمع العلماء: أن هذا ممنوع فى الرجال خاصة دون النساء. وقوله: " خيلاء ": دل أن النهى إنما تعلق لمن جره لهذه العلة، فأما لغيرها فلا، من استعجال الرجل لحاجته وجر ثوبه خلفه، أو من قلة ثياب ردائه على كتفيه فلا حرج. ¬

_ (¬1) فى ز: الله وهو خطأ، والآية من سورة الحديد: 23. (¬2) النحل: 23. (¬3) سقط من ح. (¬4) البخارى، ك اللباس، ب فى المقدمة معلقاً، وقد وصله ابن أبى شيبة فى مصنفه 6/ 63. (¬5) الغريب 1/ 384، النهاية 1/ 261. (¬6) فى الأصل: الاشتبال، وهو تصحيف، والمثبت من ح. (¬7) أبو داود، ك اللباس، ب فى قدر موضع الإزار 4/ 60، والنسائى، ك الزينة، ب إسبال الإزار 8/ 208، وابن ماجه، ك اللباس 2/ 184 (3576)، وابن أبى شيبة فى اللباس 6/ 231.

(...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامَلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أُسَامَةُ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادُوا فِيهِ: " يَوْمَ القِيَامَةِ ". 43 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَسَالِمُ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَنَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الَّذِى يَجُرُّ ثِيَابَهُ مِنَ الخُيَلاءِ، لا يَنْظُرُ اللهُ إِليْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهَرٍ عَنْ الشَّيْبَانِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عن مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَجِبْلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد جاءت فى ذلك كله أحاديث صحيحة فى الرخصة فيه، وكذلك إن كان جره خيلاء على الكفار أو فى الحرب؛ لأن فيه إعزازاً للإسلام وظهوره فى استحقار عدوه وغيظه، بخلاف الأول الذى إنما فيه استحقارُ المسلمين وغيظهم والاستعلاء عليهم، وفى ذلك أيضاً أثر صحيح (¬1)، وإن كان قد روى عن ابن عمر كراهة ذلك على كل حال (¬2). وقوله: " لا ينظر الله إليه يوم القيامة ": أى لا يرحمه، كما قال تعالى: {وَلا يَنظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ} الآية (¬3). ¬

_ (¬1) روى أبو داود والنسائى وأحمد عن جابر بن عتيك؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما التى يحبها الله فالغيرة فى الريبة، وأما الغيرة التى يبغضها الله فى غير ريبة. وإن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها ما يحب الله، فأما الخيلاء التى يحب فاختيال الرجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة، وأما التى يبغض الله فاختياله فى البغى " قال موسى: " والفخر ". انظر: أبو داود 5/ 544، والنسائى 5/ 78، وأحمد 5/ 544. قال الطحاوى: الحديث سكت عنه أبو داود والمنذرى، وفى إسناده عبد الرحمن بن جابر بن عتيك وهو مجهول، وقد صححه الحاكم. انظر: ترجمة ابن جابر فى التقريب (338). (¬2) ذكره ابن عبد البر فى التمهيد 3/ 283، 284. (¬3) آل عمران: 77.

44 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا حَنْظَلةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الخُيَلاءِ، لمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ". (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا حَنْظَلةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: سِمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، مِثْلهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ثِيَابَهُ. 45 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَنَّاقَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَجُرُّ إِزَارَهُ. فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُ. فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى لَيْثٍ، فَعَرَفَهُ ابْنُ عُمَرَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنَىَّ هَاتَيْنِ يَقُولُ: " مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ، لا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلا المَخْيَلةَ، فَإِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِليْهِ يَوْمَ الَقِيَامَةِ ". (...) وحَدَّثَنَا ابْن نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى خَلفٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ نَافِع - كُلُّهُمْ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ أَبِى يُونُسَ: عَنْ مُسْلِمٍ، أَبِى الحَسَنِ. وَفِى رِوَايَتِهِمْ جَمِيعًا: " مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ "، وَلمْ يَقُولَوا: ثَوْبَهُ. 46 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَابْنُ أَبِى خَلفٍ - وَأَلفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالُوا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ بْنُ عُبَاَدَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سمِعْتُ مُحَمَّدَ ابْنَ عَبَّادِ ابْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَمَرْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ - مَوْلَى نَافِعٍ بْنِ عَبْدِ الحَارِثِ - أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ عُمَرَ. قَالَ - وَأَنَا جَالِسٌ بَيْنَهُمَا -: أَسَمِعْتَ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِىَ الَّذِى يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الخُيَلاءِ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " لا يَنظُرُ اللهُ إِليْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ". 47 - (2086) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَرَرْتُ عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِى إِزَارِى اسْتِرْخَاءٌ. فَقَالَ: " يَا عَبْدَ اللهِ، ارْفَعْ إِزَارَكَ " فَرَفَعْتُهُ. ثُمَّ قَالَ: " زِدْ " فَزِدْتُ، فَمَا زِلتُ أَتَحَرَّاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ابن عمر فى جر الإزار أنصاف الساقين مثل حديث أبى: " إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما أسفل من ذلك ففى

بَعْدُ. فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ. 48 - (2087) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَرَأَى رَجُلاً يَجُرُّ إِزَارَهُ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ الأَرْضَ بِرِجْلِهِ - وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى البَحْرينِ - وَهُوَ يَقُولُ: جَاءَ الأَمِيرُ، جَاءَ الأَمِيرُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا ". (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ: كَانَ مَرْوَانُ يَسْتَخْلِفُ أَبَا هُرَيْرَةَ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ المُثَنَّى: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُستَخْلَفُ عَلى المَدِينَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ النار " (¬1)، وجعل (¬2) الحد المستحسن المشروع إلى نصف الساقين، والإباحة والرخصة إلى الكعبين، وما دون ذلك محظور متوعد عليه فاعله بالنار، وذلك القدر من رجليه وساقيه فى النار، وذلك إن عاقبَهُ الله وأنفذ عليه وعيده، وبهذا فسره نافع (¬3). قال أهل العلم: ويكره بالجملة كل ما زاد على الحاجة والمعتاد فى اللباس (¬4) من الطول والسعة. وقد كره ذلك مالك وغيره من أهل العلم (¬5)، وروى عن عمر وعلى مثله (¬6). ¬

_ (¬1) أبو داود 4/ 59، وابن ماجه 2/ 1183، ومالك فى الموطأ 2/ 94، وأحمد 3/ 5. (¬2) فى ح: فحد. (¬3) انظر: عبد الرزاق فى مصنفه 11/ 84. (¬4) فى الأصل: الناس، وهو تصحيف، والمثبت من ح. (¬5) انظر: المنتقى 7/ 226. (¬6) انظر: ابن أبى شيبة 6/ 32.

(10) باب تحريم التبختر فى المشى، مع إعجابه بثيابه

(10) باب تحريم التبختر فى المشى، مع إعجابه بثيابه 49 - (2088) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى، قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِى الأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". (...) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابنِ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ هَذَا. 50 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا المُغِيْرَةُ - يَعْنِى الحِزَامِىَّ - عَن أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ، يَمْشِى فِى بُرْدَيْهِ، قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْم القِيَامَةِ ". (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِى بُرْدَيْنِ ". ثُمُّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ. (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ رَجُلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَبَخْتَرُ فِى حُلَّةٍ ". ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بينما رجل يتبختر يمشى فى برديه أعجبته نفسه، فخسف الله به، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة "، قال الإمام: يتجلجل فيها: أى يتحرك [يعنى فى الأرض] (¬1)، والجلجلة: الحركة مع صوت، أى يسوخ فيها حتى يخسف به. قال القاضى: قال الخليل: التجلجل: السيوخ فى الأرض مع التحرك والاضطراب. وقال الحربى: الجلجلة: الذهاب بالشىء والمجىء به (¬2). قال بعضهم: يحتمل أن يكون من هذه الأمة فأخبر عما يكون بعد، ويحتمل أنه ممن تقدم، وهذا أظهر، وقد أدخله البخارى فى باب ذكر بنى إسرائيل (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) غريب الحديث للحربى 1/ 125. (¬3) البخارى، ك أحاديث الأنبياء، ب ذكر بنى إسرائيل 4/ 205.

(11) باب تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته فى أول الإسلام

(11) باب تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته فى أول الإسلام 51 - (2089) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ. 52 - (2090) وَفى حَدِيثِ ابْنِ المُثَنَّى، قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ - مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتِمًا مِنْ ذَهَبٍ فِى يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: " يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مَنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِى يَدِهِ ". فَقِيلَ لِلرَّجُلِ - بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لا، وَاللهِ، لا آخُذُهُ أَبَدًا، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " نهى - عليه السلام - عن خاتم الذهب "، وفى الحديث الآخر: أنه رآه فى يد رجل فطرحه، وقال: " يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها فى يده "، فقيل له: خذ خاتمك انتفع به، فقال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفى الحديث الآخر: أنه اصطنع [خاتماً من ذهب فصنع الناس، وذكر أنه نزعه فقال: " لا ألبسه أبداً "، فنبذ الناس خواتيمهم] (¬1). فيه تحريم اتخاذ خاتم الذهب، ونسخ جواز فعله بعد أن كان لبسه، ونزعه له على المنبر ليراه الناس، وينقلوا فعله وقوله معاً فى منعه. وقد وقع الإجماع بعد من جمهور العلماء على هذا وتخصيصه بالرجال دون النساء؛ لنص النبى فى الحديث الآخر فى الحرير والذهب: " هذان حلالان لإناث أمتى، حرامان على ذكورها " (¬2)، وما حكى فيه عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فى تختمه ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) بهذا اللفظ أخرجه الطبرانى فى الكبير 5/ 211 رقم (5125)، وقال الهيثمى: فيه ثابت بن ثابت بن =

53 - (2091) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْطَنَعَ خَاتِمًا مَنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فى بَاطِنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ. ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ: " إِنِّى كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الخَاتِمَ وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ " فَرَمَى بِهِ. ثُمَّ قَالَ: " وَاللهِ، لا أَلْبَسُهُ أَبَدًا "، فَنَبَذَ النَّاسُ خَواتِيمَهُمْ. وَلَفْظُ الحَدِيثِ لِيَحْيَى. (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ بْنُ الحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا سَهْلٌ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عن نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الحَدِيثِ. فِى خَاتَمِ الذَّهَبِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ: وَجَعَلَهُ فِى يَدِهِ اليُمْنَى. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ المُسَيّبِىُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أُسَامَةَ، جَمَاعَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى خَاتِمِ الذَّهَبِ. نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيْثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالذهب فشذوذ (¬1)، والأشبه أنه لم تبلغه السنة، والناس بعد على خلافه مجمعون، ولذلك ما روى فيه خباب؛ بدليل إلقائه له حينما قال له ابن مسعود: أما آن لهذا الخاتم أن يلقى، وقوله له: لن تراه علىّ بعد اليوم (¬2)، وقد ذهب بعضهم إلى أن لبسه للرجال بمعنى الكراهة لا التحريم، ولأجل السرف، كما قال فى الحرير. وقوله: " فنبذ الناس خواتيمهم ": فيه امتثال ما يلزمهم من الاقتداء بأوامر ¬

_ = أرقم وهو ضعيف، مجمع 5/ 143. وبمعناه أخرجه الترمذى والنسائى وأحمد عن أبى موسى الأشعرى، وقال الترمذى: حسن صحيح 4/ 217 رقم (1720)، وأحمد 1/ 96 عن على، 4/ 392 عن أبى موسى. (¬1) انظر: التمهيد، حيث قال: لعل ابن حزم لم يبلغه الحديث، وإن صح عنه وعن غيره فلا معنى له لشذوذه، ولمخالفة السنة الثابتة، والحجة فيها لا فى غيرها 17/ 109. (¬2) البخارى، ك المغازى، ب قدوم الأشعريين، وأحمد 1/ 424.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفعاله. وقوله فى حديث الرجل: " لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": مبالغة فى امتثال طاعته واجتناب نهيه، وفيه أن أصحابه فهموا من طرحه وطرح النبى خاتم نفسه صحة (¬1) الملك والانتفاع، وإنما طرحه عنه [تحيناً للبسه] (¬2)، ويحتمل أن الرجل تركه لغيره ممن يستحقه من المساكين؛ لأن تركه لذلك من إضاعة المال. ¬

_ (¬1) قيد قبلها " نصه " فى الأصل، ولا معنى لها. (¬2) فى الأصل: للمسه.

(12) باب لبس النبى صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده

(12) باب لبس النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتماً من ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده 54 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللهِ، عنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَكَانَ فِى يَدِهِ. ثُمَّ كَانَ فِى يَدِ أَبِى بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ فِى يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِى يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِى بِئْرِ أَرِيسٍ، نَقْشُهُ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ". قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَتَّى وَقَعَ فِى بِئْرٍ. وَلمْ يَقُلْ: مِنْهُ. 55 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتِمًا مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتِمًا مِنْ وَرِقٍ، وَنَقَشَ فِيهِ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ". وَقَالَ: " لا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتِمِى هَذَا "، وَكَانَ إِذَا لَبِسَهُ جَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِىَ بَطْنَ كَفِّهِ، وَهُوَ الَّذِى سَقَطَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ فِى بِئْرِ أَرِيسٍ. (2092) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتِمًا مَنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فيهِ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ "، وَقَالَ لِلنَّاسِ: " إِنِّى اتَّخَذْتُ خَاتِمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشْتُ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَلا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اتخذ [النبى] (¬1) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتماً من ورق ": أجمع العلماء على جواز اتخاذ خواتم الورق للرجال جميعاً، لا ما ذكر عن بعض أهل الشام من كراهتهم لبسه لغير ذى سلطان، ورووا فى ذلك أثراً، وهو شذوذ أيضاً (¬2). قال الخطابى: وكره للنساء ¬

_ (¬1) فى ح: الناس، وهو تصحيف. (¬2) انظر: التمهيد 17/ 101. والحديث رواه أبو داود، ك اللباس، ب ما جاء فى لبس الحرير 2/ 396، والنسائى فى الصغرى، ك الزينة، ب النتف 8/ 143، وأحمد 4/ 134، 135. قال السيوطى فى المجتبى: الحديث أعله ابن القطان بالهيثم بن شفى، وقال: لا يعرف حاله. وقال ابن حجر: رجل متهم.

(...) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى الحَدِيثِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ التختم بالفضة؛ لأنه من زى الرجال، فإن لم يجدن ذهباً فليصفرنه بزعفران وشبهه (¬1). وقوله: " ونقش فيه محمد رسول الله ": فيه جواز النقش فى الخواتيم (¬2)، ونقش أسماء أصحابها، ونقش اسم الله فيها، وهو قول مالك وسعيد بن المسيب وغيرهما، وحكى عن ابن سيرين وبعضهم كراهة ذلك. وقوله: " لا ينقش أحد على نقش خاتمى هذا ": لأنه إنما نقش فيه ذلك ليختم به كتبه، ولو نقش على نقشه لدخلت الداخلة (¬3) على خاتمه وكتبه من ذلك. قال العلماء: وسواء نقش فيه (¬4) اسمه، أو نقش فيه كلمة حكمة، أو بعض الأذكار، لم يمنع أن ينقش عليها لذلك. وفيه جواز تسمية [الأمير] (¬5) نفسه بذلك، أو الخليفة بأمير المؤمنين، أو القاضى بالقاضى لتمييز ختمه، ولنقشه - عليه السلام -: " محمد رسول الله " فى خاتمه. وقوله: " وجعل فصه مما يلى كفه ": ليس فى لباس (¬6) الخاتم على هذا أمر من النبى - عليه السلام - لكن الاقتداء به حسن، وجرى من عمل الناس باتخاذه فى الظهر أو فى البطن، وروى عن ابن عباس جعله فى الظهر، وقال: لا أخاله إلا قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس خاتمه كذلك (¬7). وسئل مالك عن اتخاذه فى باطن اليد فقال: لا، معناه: أنه ليس بلازم وإذا وجد عمل الناس بخلافه، لكن وجه فعله كما فعل - عليه السلام - حسن فى لبس الخاتم وصيانة لفصه إن كان من غيره أو منه، وحفظه على تغيير نقشه؛ لأنه إذا كان بظاهره لمن يأمن ضربه (¬8) فى بعض إشاراته لما [لعله] (¬9) يؤثر فى الفص، [أو يطمس نقشه] (¬10)، وأيضاً فإنه أقرب للتواضع، وأبعد من المخيلة والتزيين بإظهاره لظاهر كفه كفعل أهل الزهو. ¬

_ (¬1) معالم السنن 4/ 323. (¬2) انظر: اللسان، مادة " ختم ". (¬3) بمعنى حدوث اللبس والمفسدة والخلل. انظر: اللسان، مادة " دخل ". (¬4) فى ح: عليه. (¬5) ساقطة من ح. (¬6) فى ح: لبس. (¬7) أبو داود، ك الخاتم، ب ما جاء فى التختم فى اليمين أو اليسار 2/ 407، والترمذى، ك اللباس، ب لبس الخاتم فى اليمين 4/ 228 (1742). (¬8) فى ح: ضره. (¬9) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬10) فى ح: أو تطمئن نفسه.

(13) باب فى اتخاذ النبى صلى الله عليه وسلم خاتما لما أراد أن يكتب إلى العجم

(13) باب فى اتخاذ النبىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتماً لما أراد أن يكتب إلى العجم 56 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتاَدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ، قَالَ: قَالُوا: إِنَّهُمْ لا يَقْرَؤُونَ كِتَابًا إِلا مَخْتُومًا. قَالَ: فَاتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتِمًا مِنْ فِضَّةٍ، كَأَنِّى انْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَقْشُهُ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ". 57 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى العَجَمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ العَجَمَ لا يَقْبَلونَ إِلا كِتَابًا عَليْهِ خَاتِمٌ. فَاصْطَنَعَ خَاتِمًا مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ: كَأَنِّى انْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِى يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إن سبب اتخاذ الخاتم كتابه إلى العجم وأنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً: فيه مخالقة الناس بأخلاقهم واستئلاف العدو بما لا يضر. وقوله: " كان فصه حبشياً " (¬1): يعنى حجراً حبشياً، وقد روى أنه كان فصه منه، وخرجه البخارى (¬2) قال أبو عمر: وهو أصح، وقال غيره: ليس بتخالف، كان للنبى خواتم، فص أحدهما حبشى والآخر منه (¬3)، وقد روى أنه تختم بفص عقيق. وقوله: " فكان فى يده، ثم فى يد أبى بكر، ثم فى يد عمر، ثم فى يد عثمان حتى سقط منه فى بئر أريس " (¬4): فيه أن خواتيم الخلفاء وأولى الأمر يجب الاهتبال بها وحفظها. وفيه التبرك بكل ما كان للنبى، مما لبسه، أو لمسه، أو كان بسببه. وفيه أنه - عليه السلام - لم يورث، وإنما كان ما ترك صدقة، فهذا الخاتم مما اختص به الخلفاء بعده ولم يرثه ورثته. ¬

_ (¬1) حديث رقم (61) من هذا الكتاب. (¬2) البخارى، ك اللباس، ب فص الخاتم 7/ 202. (¬3) التمهيد 17/ 108، الحاوى للفتاوى 1/ 116. (¬4) حديث رقم (54) بالباب السابق.

58 - (...) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ ابْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِىِّ. فَقِيلَ: إِنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلا بِخَاتِمٍ. فَصَاغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتِمًا حَلقَةً فِضَّةً، وَنَقَشَ فِيهِ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روى هشام بن الكلبى: أن أبا بكر دفع آلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد موته لعلى؛ دابته وحذاءه وألبسته، وقال: ما سوى ذلك فهو صدقة، ويحتمل أن دفعه لهذا ليس على سبيل الميراث؛ بدليل أنه لم يعط نصفها للعباس عاصبه، وإنما دفعها لهم تسلية وتبركاً ونظراً، وحبس هو الخاتم.

(14) باب فى طرح الخواتم

(14) باب فى طرح الخواتم 59 - (2093) حَدَّثَنِى أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ أَبْصَرَ فِى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتِمًا مِنْ وَرِقٍ، يَوْمًا وَاحِدًا. قَالَ: فَصَنَعَ النَّاسُ الخَواتِمَ مِنْ وَرِقٍ فَلَبِسُوهُ. فَطَرَحَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتِمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَواتِمَهُمْ. 60 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى زِيَادٌ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ رَأَى فِى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتِمًا منْ وَرِقٍ يَوْمًا واحدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسِ اضْطَرَبُوا الخَواتِمَ مِنْ وَرِقٍ فَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ. (...) حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمِّىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث ابن شهاب: عن أنس أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرح خاتم الورق من يده لما اتخذها الناس: توهم (¬1) عند جميع أهل الحديث عن ابن شهاب: من خاتم الذهب، والمروى عن أنس من غير طريق ابن شهاب - أيضاً - اتخاذ النبى خاتماً من ورق، وقال بعضهم: يمكن الجمع بين الحديثين عن أنس من رواية ابن شهاب ورواية غيره؛ أنه يحتمل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما غدا (¬2) على طرح خاتم الذهب وحرمه اتخذ خاتم الفضة، فلما لبس خاتم الفضة أراه الناس ذلك اليوم لتردهم (¬3) إباحته، ثم طرح عند ذلك خاتم الذهب، فطرح الناس خواتمهم، يعنى الذهب. قال القاضى: وهذا كان يشاع (¬4) لو جاء الكلام مجملاً، ولكن فى الحديث من رواية ابن شهاب المذكورة عن أنس؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذها خاتماً من ورق [يوماً واحداً، ثم إن الناس اضطربوا الخواتم من ورق] (¬5) فلبسوها، فطرح النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتمه فطرح الناس خواتمهم. ذكره مسلم. واختلف العلماء فى خواتم (¬6) الحديد، فروى عن ابن مسعود أنه لبسه، وكرهه غيره (¬7)، وجاءت آثار فى كراهته وكراهة خاتم الصفر (¬8). ¬

_ (¬1) فى ح: فوهم. (¬2) فى ح: عزم. (¬3) فى ح: ليريهم. (¬4) فى ح: ينساغ. (¬5) سقط من ح. (¬6) فى ح: خاتم. (¬7) انظر: مصنف ابن أبى شيبة، ك اللباس، ب فى خاتم الحديد 6/ 64. (¬8) الصفر، بضم الصاد والكسر، لغة فيه، وهو: النحاس الجيد. انظر: اللسان، مادة " صفر ".

(15) باب فى خاتم الورق فصه حبشى

(15) باب فى خاتم الورق فصه حبشى 61 - (2094) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ المَصْرِىُّ، أخْبَرَنَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا. 62 - (...) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى، قَالا: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى - وَهُوَ الأَنْصَارِىُّ ثُمَّ الزُّرَقِىُّ - عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتِمَ فِضَّةٍ فِى يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِىٌّ، كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِى كَفَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى رواية سليمان بن بلال وطلحة بن يحيى عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس؛ أنه - عليه السلام - لبس خاتم فضة فى يمينه، ومن رواية حماد عن ثابت، عن أنس: " كان خاتم النبى - عليه السلام - فى هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى " (¬1)، وعن على بن أبى طالب - رضى الله عنه -: " نهانى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أجعل خاتمى فى هذه أو التى تليها " (¬2) وأومأ إلى الوسطى والتى تليها، وروى غير مسلم: " السبابة والوسطى " (¬3): ولا خلاف بين العلماء ولا فى الآثار أن اتخاذ خاتم الرجال فى الخنصر، قالوا: لأنه أحفظ، قالوا: لأنه أحفظ له من المهنة وما يستعمل فيه اليد للدية (¬4) طرفاً منها؛ ولأنه لا يشغل اليد عما يتناوله من إشغاله بخلاف غيره، وإنما اختلفت الآثار ما بين اليمين والشمال، وبحسبها اختلف فعل السلف، فتختم كثير منهم فى اليمين وكثير فى الشمال (¬5)، واستحب مالك التختم فى الشمال وكرهه فى اليمين (¬6). وقال الدارقطنى (¬7): لم يتابع سليمان بن بلال على هذه الزيادة " بيمينه "، وخالفه الحفاظ عن يونس، مع أنه لم يذكرها أحد من أصحاب الزهرى، مع تضعيف إسماعيل بن أبى أويس ¬

_ (¬1) الحديث رقم (63) من الباب التالى. (¬2) الحديث رقم (64) من هذا الكتاب. (¬3) الترمذى، ك اللباس، ب كراهية التختم فى إصبعين 2/ 249 (1786). (¬4) فى ح: لكونه. (¬5) الترمذى، ك اللباس، ب لبس الخاتم فى اليمنى 4/ 200 (1744). (¬6) المنتقى 7/ 254. (¬7) انظر: الإلزامات والتتبع ص 309، 310.

(...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِى سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ راودها عن سليمان. قال القاضى: قد تكلم فيه النسائى ويحيى بن معين، وقد خرج عنه البخارى ومسلم، وقد ذكر مسلم رواية طلحة بن يحيى عن يونس بمثل حديث سليمان. واختلف العلماء إذا كان فى الخاتم نقش " اسم الله " واتخذ فى اليسار، هل يستنجى به ويدخل به الخلاء؟ فخففه سعيد بن المسيب ومالك وبعض أصحابه، ومنعه أكثر أصحابه (¬1). وفى حديث علىّ ذكر القسى والمياثر (¬2)، ومضى تفسيره. ¬

_ (¬1) مصنف عبد الرزاق 1/ 346، المغنى 1/ 159. (¬2) حديث رقم (64) من هذا الكتاب.

(16) باب فى لبس الخاتم فى الخنصر من اليد

(16) باب فى لبس الخاتم فى الخنصر من اليد (¬1) 63 - (2095) وَحَدَّثَنِى أبو بَكْرِ بْنِ خَلادٍ البَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى هَذَا وَأَشَارَ إِلَى الخِنْصِرِ مِنْ يَدِهِ اليُسْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(17) باب النهى عن التختم فى الوسطى والتى تليها

(17) باب النهى عن التختم فى الوسطى والتى تليها 64 - (2078) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: نَهَانى - يَعْنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِى فِى هَذِهِ، أَوِ الَّتِى تَلِيهَا - لَمْ يَدْرِ عَاصِمٌ فِى أَىِّ الثَنْتَيْنِ - وَنَهَانِى عَنْ لُبْسِ القَسِّىِّ، وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَى الْمَيَاثِرِ. قَالَ: فَأَمَّا الْقَسِّىُّ فَثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُؤْتَى بِهَا منْ مِصْرَ وَالشَّامِ فِيهَا شِبْهُ كَذَا، وَأَمَّا الْمَيَاثِرُ فَشَىْءٌ كَانَتْ تَجْعَلُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ عَلَى الرَّحْلِ، كَالْقَطَائِفِ الأُرْجُوَانِ. (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنِ ابْنٍ لأَبِى مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا. فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِهِ. (...) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ، قَالَ: نَهَى أَوْ نَهَانِى، يَعْنِى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 65 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِىٌّ: نَهَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِى إِصْبَعِى هَذِهِ أَوْ هَذِهِ. قَالَ: فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالتَّى تَلِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى القسى: " ثياب مضلعة يؤتى بها من مصر أو الشام فيه شبه [الأترج] (¬1) ": كذا رواه البخارى (¬2): " فيه شبه الأترج من الحرير "، يحتمل أن يرجع قوله من الحرير على ما فيها من شبه الأترج فلا يكون كله (¬3) حريراً، ويحتمل أن يرجع على جملة الثوب. ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) البخارى، ك اللباس، ب لبس القسى " تعليقاً " 7/ 195. (¬3) فى ح: كلها.

(18) باب استحباب لبس النعال وما فى معناها

(18) باب استحباب لبس النعال وما فى معناها 66 - (2096) حدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - فِى غَزْوَةٍ غَزَوْنَاهَا -: " اسْتَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يزال الرجل راكباً ما انتعل ": يريد كالراكب فى خفة المشقة والتعب، والراحة من مقاساة الرجل وخشونة الأرض، وأذى ما يطأ عليه من حجارة وشوك ونحوه.

(19) باب استحباب لبس النعل فى اليمنى أولا والخلع من اليسرى أولا وكراهة المشى فى نعل واحدة

(19) باب استحباب لبس النعل فى اليمنى أولاً والخلع من اليسرى أولاً وكراهة المشى فى نعل واحدة 67 - (2097) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِىُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأ بِالْيُمْنَى، وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأ بِالشِّمَالِ، وَلينْعِلْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا ". 68 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِى نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِينْعِلْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا ". 69 - (2098) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، واذا خلع فليبدأ باليسرى (¬1)، ولينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً ": فى هذا الحديث ثلاث سنن فى الانتعال: البداية فى الانتعال باليمين على ما تقدم من سنة التيامن فى الأمور الشرعية والاعتيادية، ولإكرام اليمين بالوقاية أولاً والصيانة لفضلها على الشمال. وبعكس هذا إذا خلع، يجعل خلع اليمين آخراً؛ إبقاءً لصيانتها وحفظها، وإكراماً لها. وأما النهى عن المشى فى نعل واحدة والأمر بأن ينعلهما جميعاً أو يخلعهما جميعاً؛ فلما فى ذلك من التشويه والمثلة، ومخالفة زى الوقار، واختلال الحال فى المشى باختلاف حال الرجلين. فربما عثر ونزل العدل من (¬2) جوارحه. وهذه جملة لم يختلف العلماء فيها، وأنها أوامر أدب وتحضيض لا تجب، إلا شيئاً روى عن بعض السلف فى المشى فى نعل واحد أو خف واحد، أثر لم يصح وله تأويل فى ¬

_ (¬1) فى ح: باليسار. (¬2) فى ح: بين.

قَالا: حَدَّثَنَا بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى رَزِينٍ، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ: أَلا إِنَّكُمْ تَحَدَّثُونَ أَنِّى أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ، أَلا وَإِنِّى أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ، فَلا يَمْشِ فِى الأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى رَزِينٍ وَأَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ المشى اليسير وبقدر ما يصلح الأخرى (¬1)، وإن كان نص الحديث يخالفه بقوله: " من انقطع شِسْعُ نعله فلا يمش فى نعل واحدة حتى يصلح شِسْعَهُ " (¬2). وقد اختلف العلماء فى هذا واختلف المذهب عندنا (¬3) فى ذلك: هل يقف حتى يصلحها؟ أو يمشى [أياماً] (¬4) يصلحها، ومنع من ذلك مالك وإن كان فى أرض حارة وقال: ليجعلهما (¬5) معاً ولا يخلع الأخرى إذا كان المشى اليسير، أو يخلعهما حتى يصلح الأخرى، ولا يقف منتعلاً بها ولا يخلعها إلا أن يكون الوقوف الخفيف. والاستحباب خلعها حتى يصلحها عندهم (¬6). قال الإمام: وذكر مسلم فى الباب: عن على بن مسهر (¬7)، عن الأعمش، عن أبى رزين وأبى صالح، عن أبى هريرة، قال بعضهم. كذا وقع فى جميع النسخ عندنا: عن أبى رزين وأبى صالح. وقال أبو مسعود الدمشقى: إنما يرويه. أبو رزين عن أبى صالح عن أبى هريرة، وكذلك خرجه فى كتابه عن مسلم، وذكر أن على بن مسهر انفرد بهذا. ¬

_ (¬1) الترمذى، ك اللباس 4/ 214 (1777)، (1778)، ومصنف عبد الرزاق، ك اللباس، ب المشى فى النعل الواحدة 11/ 166. (¬2) حديث رقم (71) فى الباب التالى. (¬3) المنتقى 7/ 277. (¬4) فى ح: أثناء ما. (¬5) فى ح: ليحفهما. (¬6) التمهيد 18/ 180، المنتقى 7/ 277. (¬7) على بن مسهر القرشى أبو الحسن الكوفى الحافظ، قاضى الموصل، روى عن يحيى بن سعيد الأنصارى وهشام بن عروة والأعشى وغيرهم، وروى عنه أبو بكر وعثمان ابنا أبى شيبة وخالد بن مخلد وغيرهم، وثقه أبو زرعة والنسائى وابن حبان. مات سنة تسع وثمانين ومائة. تهذيب التهذيب: 7/ 383، 384.

(20) باب النهى عن اشتمال الصماء، والاحتباء فى ثوب واحد

(20) باب النهى عن اشتمال الصماء، والاحتباء فى ثوب واحد 70 - (2099) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأَكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ، أَوْ يَمْشِىَ فِى نَعْلٍ وَاحدَةٍ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِىَ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، كَاشَفًا عَنْ فَرْجِهِ. 71 - (...) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ -: " إِذَا انْقطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ - أَوْ مَنِ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ - فَلاَ يَمْشِ فِى نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ، ولا يَمْشِ فِى خُفٍّ وَاحِدٍ، وَلا يَأكُلْ بِشَمَالِهِ، وَلا يَحْتبِى بِالثَّوْبِ الوَاحِدِ، وَلا يَلْتَحِفِ الصَّمَّاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يشتمل الصماء "، وفى الرواية الأخرى: " ألا يلتحف الصماء "، قال الإمام: قال الأصمعى: هو أن يشتمل الرجل بالثوب حتى يجلل به جسده، ولا يرفع منه جانباً فيكون فيه فرجة يخرج منها يده (¬1). قال القتبى: إنما قيل لها الصماء؛ لأنه إذا اشتمل به سدت على يديه ورجليه المنافذ كلها، كالصخرة الصماء التى ليس فيها خرق ولا صدع. قال أبو عبيد: أما تفسير الفقهاء: فهو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه. قال غيره: من فسر هذا المسير ذهب إلى كراهة التكشف وإبداء العورة، ومن فسره تفسير أهل اللغة فإنه كره أن يتزمل به شاملاً جسده؛ مخافة أن ترفع (¬2) منها إلى حالة تداخله بعض الهوام المهلكة، فلا يمكنه نفضها عنه. قال القاضى: [وقوله] (¬3): " وأن يحتبى فى ثوب واحد كاشفاً عن فرجه ": كانت هذه عادة العرب فى مجالسها أن يحتبى فمنهم (¬4) العظيم الموقر بردائه، ويشده على ركبتيه ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث لأبى عبيد 1/ 271. (¬2) فى ح: يدفع. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) فى ح: فيهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وظهره، كان عليه الإزار أو لم يكن، فإذا لم يكن انكشف فرجه مما يلى السماء لمن كان [مكتفاً ومطلقاً] (¬1) عليه، فنهى النبى - عليه السلام - عن ذلك. وقد مَرَّ من هذا فى كتاب الصلاة ما فيه كفاية (¬2). ¬

_ (¬1) فى ح: مشرفاً أو مطلعاً. (¬2) ك الصلاة، ب الصلاة فى ثوب وصفة لبسه (275).

(21) باب فى منع الاستلقاء على الظهر ووضع إحدى الرجلين على الأخرى

(21) باب فى منع الاستلقاء على الظهر ووضع إحدى الرجلين على الأخرى 72 - (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَالاحْتِبَاءِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، وَهُوَ مُستَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ. 73 - (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا - مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَمْشِ فِى نَعْلٍ وَاحِدٍ، وَلا تَحْتَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث جابر: " ولا تضع إحدى رجليك على الأخرى إذا استلقيت " [وذكر حديث عباد بن تميم عن عمه: " أنه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستلقياً فى المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى " (¬1)] (¬2)، قال الإمام: قال بعض أهل العلم: يجب أن تبين هذه الأحاديث، فيحمل النهى على حالة تبدو فيها العورة، وفعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حالة كان مستتراً فيها (¬3). وقد أدخل مالك فى الموطأ حديث استلقائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى المسجد، واضعاً إحدى رجليه على الأخرى (¬4)، قال بعض أصحابنا: وإنما قصد بإدخاله الرد على من كرهه من فقهاء الأمصار (¬5). قال القاضى: فيه جواز الاستلقاء للراحة وللنوم فى المسجد، ويحتمل أن فعل النبى هذا بغير محضر جماعة وعند خلائه، أو لضرورة وإعياء [ناله] (¬6) وطلب راحة؛ وإلا فقد علم أن جلوسه - عليه السلام - كان فى المجامع على خلاف ذلك من التربع والاحتباء، وهو كان أكثر جلوسه بالقرفصاء والإقعاء، وشبهها من جلسات الوقار ¬

_ (¬1) حديث رقم (75) بالباب التالى. (¬2) سقط من ح. (¬3) انظر: معالم السنن 5/ 187، شرح معانى الآثار 4/ 280. (¬4) مالك فى الموطأ، ك قصر الصلاة فى السفر، ب جامع الصلاة 1/ 172. (¬5) منهم ابن عبد البر. انظر: التمهيد 9/ 204. (¬6) ساقطة من ح.

فِى إِزَارٍ وَاحِدٍ، وَلا تَأكُلْ بِشِمَالِكَ، وَلا تَشْتَمِلِ الصَّمَّاءَ وَلا تَضَعْ إِحْدَى رِجْلَيْكَ عَلَى الأَخْرَى، إِذَا اسْتَلْقَيتَ ". 74 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى الأَخْنَسِ - عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَسْتَلْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ ثُمَّ يَضَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والتواضع، وعند الأكل والاستيفاز. قال الإمام: خرج مسلم فى باب الاستلقاء فى المسجد: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد ابن حميد (¬1)، عن عبد الرزاق، عن معمر (¬2) هكذا فى رواية الجلودى [والكسائى] (¬3)، وكذلك خرجه الدمشقى عن مسلم. ووقع عند ابن ماهان: حدثنا إسحاق بن منصور وعبد ابن حميد. فجعل " إسحاق بن منصور " بدل " إسحاق بن إبراهيم ". [قال بعضهم: الذى أعتقد صواب من قال: إسحاق بن إبراهيم] (¬4)، لأنهما كثيراً ما يجيئان مقرونين فى رواية مسلم هذه النسخة (¬5) عنهما عبد الرزاق، [وإن كان إسحاق بن منصور يروى عن عبد الرزاق] (¬6). ¬

_ (¬1) هو ابن نصر الكشى: أبو محمد قيل: إن اسمه عبد الحميد، مصنف المسند الكبير والتفسير، كان من الأئمة الثقات. مات - رحمه الله - سنه 249. تهذيب التهذيب 6/ 455، 457، وتذكرة الحفاظ 2/ 534، 535. (¬2) معمر بن راشد الأسدى، أبو عمرو البصرى، سكن اليمن، وثقه ابن معين والعجلى والنسائى. قال عمرو بن يعلى: كان من أصدق الناس. قال الذهبى: توفى سنه 153. تهذيب التهذيب 10/ 243. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬5) فى الأصل: الرواية، والمثبت من ح. (¬6) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

(22) باب فى إباحة الاستلقاء، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى

(22) باب فى إباحة الاستلقاء، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى (¬1) 75 - (2100) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَميمٍ، عَنْ عَمِّهِ؛ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِى الْمَسْجِدِ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. 76 - (...) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(23) باب نهى الرجل عن التزعفر

(23) باب نهى الرجل عن التزعفر 77 - (2101) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ. قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِى للِرِّجَالِ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن التزعفر " تقدم الكلام فيه، وفى بعض طرقه: " عن أن يتزعفر الرجل ": ومحمله عندنا على تغيير يديه (¬1) بالزعفران، تشبهاً بالنسوان. ¬

_ (¬1) فى ح: بدنه.

(24) باب استحباب خضاب الشيب بصفرة أو حمرة، وتحريمه بالسواد

(24) باب استحباب خضاب الشيب بصفرة أو حمرة، وتحريمه بالسواد 78 - (2102) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أُتِىَ بِأَبِى قُحَافَةَ - أَوْ جَاءَ - عَامَ الفَتْحِ - أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ - وَرَأسُهُ وَلِحْيَتُهُ مثْلُ الثَّغَامِ أَوِ الثَّغَامَةِ، فَأَمَرَ، أَوْ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ، قَالَ: " غَيِّرُوا هَذَا بِشَىْءٍ ". 79 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أُتِىَ بِأَبِى قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَرَأسُهُ وَلِحْيَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ورأسه ولحيته مثل الثغام "، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غيروا هذا بشىء واجتنبوا السواد "، وفى طريق أخرى: " أن اليهود والنصارى لا يصنعون فخالفوهم " (¬1): قال أبو عبيد (¬2): هو نبت أبيض الزهر، والثمر شبه بياض الشبه (¬3). وقال ابن الأعرابى: هى شجرة تبيض كأنها النخبة (¬4). قال الإمام: لم يحرم مالك - رضى الله عنه - التغيير بالسواد، ولا أوجب الصباغ. فلعل يحمل النهى على التغيير بالسواد على الاستحباب، والأمر بالتغيير على حالة هجن المشيب صاحبها (¬5). قال عبد الوهاب: يكره السواد، لأن فيه تدليساً على النساء، فيوهم الشباب فتدخل المرأة عليه. قال [القاضى] (¬6): اختلف السلف من الصحابة والتابعين فى الخضاب وفى جنسه، فرأى بعضهم أن ترك الخضاب أفضل، وبقاء الشيب أولى من تغييره. ورووا حديثاً فى نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تغيير الشيب، وأنه لم يغير هو شيبه ولا اختضب (¬7)، وممن ذكر ذلك عنه على، وعمر، وأُبى فى آخرين، قال: فرأى آخرون: الخضاب أفضل ¬

_ (¬1) حديث رقم (80) من الباب التالى. (¬2) غريب الحديث 2/ 139. (¬3) فى ح: الشيب، وكذلك فى المطبوعة. (¬4) فى ح: الثلجة، وأشار إلى أنها كذلك فى اللسان. (¬5) مالك فى الموطأ، ك الشعر، ب فى صبغ الشعر 2/ 950. (¬6) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬7) النسائى، ك الزينة، ب الخضاب بالصفرة 8/ 141.

كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَيِّرُوا هَذَا بِشَىْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وخضب جماعة من الخلفاء والصحابة والتابعين فمن بعدهم (¬1)، واحتجوا بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخضاب بالأحاديث التى ذكر مسلم وغيره فى ذلك. ثم اختلفوا: فكان أكثرهم يخضب بالصفرة، منهم على وابن عمر وأبى (¬2) هريرة، فى آخرين، وكان منهم من يخضب بالحناء وبالكتم، ومنهم من يصبغ بالزعفران، وكان منهم من يخضب بالسواد وذكر ذلك عن عمر، وعثمان، والحسن، والحسين، وعقبة بن عامر، [ومحمد بن على، وعلى بن عبد الله بن عباس، وعروة] (¬3) وابن سيرين، وأبى بردة فى آخرين، وروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: هو [أشار] (¬4) للزوجة، وأهيب للعدو. وكان بعضهم لا يخضب، وبه أخذ مالك وذكره عن على بن أبى طالب، قال: وتغيير السواد أحب إلىّ. قال الطبرى: والصواب عندنا أن الآثار التى رويت عن النبى - عليه السلام - بتغيير الشيب وبالنهى عن تغييره كلها صحاح، وليس فيها شىء يبطل ما خالفه، لكن بعضها عام وبعضها خاص، فالمراد بأحاديث التغيير الخصوص مما كان مثل شيب أبى قحافة. فأما الشمط (¬5) ففيه النهى عن التغيير والبقاء على الشيب. واختلاف السلف فى فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم فى ذلك، مع أن الأمر والنهى فى ذلك ليس على الوجوب للإجماع على هذا؛ ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه فى ذلك، ولا يصح أن يقال: إن أحدهما نسخ الآخر؛ لعدم دليل ذلك ومعرفة المتقدم من المتأخر من ذلك. وقال غيره (¬6): الأمر فى ذلك على وجهين وحالين: أحدهما: عادة البلد، فمن كانت عادة موضعه ترك الصبغ أو الصبغ فخروجه عن المعتاد شهرة تقبح [وبلده] (¬7). ¬

_ (¬1) منهم أبو بكر، وعمر، ومحمد بن الحنفية، وعبد الله بن أبى أوفى، والحسن بن على، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن الأسود. انظر: التمهيد 21/ 84، وابن أبى شيبة، باب فى الخضاب بالحناء 6/ 50. (¬2) فى ح: أبو. (¬3) سقط من ح. (¬4) فى ح: أسكن. الحديث رواه ابن ماجه عن صهيب 2/ 1197. (¬5) هو اختلاط الشيب بالشعر، وقيل: هو أن يعلو البياض فى الشعر السواد، وقيل: هو اختلاط البياض بالسواد. انظر: اللسان مادة " شمط ". (¬6) هو الباجى فى المنتقى 7/ 270، ك الجامع، ب ما جاء فى صبغ الشعر. (¬7) فى ح: ومكروه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانى: اختلاف الناس فى حال شيبهم، فرب شيبة نقية هى أجمل منها مصبوغة، ومنهم من يستبشع منظر شيبه فالصبغ أولى به. قال أهل العلم: وللخضاب فائدتان: إحداهما: تنظيف الشعر مما يتعلق به مما يغير بياضه من الغبار والدخان ويسمج لونه. والأخرى: مخالفة أهل الكتاب؛ لقوله - عليه السلام - فى الحديث ذلك كما تقدم، ويكون مخالفتهم لمعنيين: أحدهما: لئلا يعتقدوا التسنن بهم، كما قالوه فى غير ذلك، وقد كان يجب موافقتهم حتى أمر بمخالفتهم (¬1). الثانى: إظهار الشبيبة والكهولة للأعداء وغيظ الكفار. وفيه - أيضاً - ما تقدم فى حق النساء والمباعلة (¬2). ¬

_ (¬1) مسلم، ك الفضائل، ب فى سدل النبى شعره وفرقه (90). (¬2) أى المباشرة وحسن العشرة، وملاعبة الرجل أهله. انظر: النهاية 4/ 212.

(25) باب فى مخالفة اليهود فى الصبغ

(25) باب فى مخالفة اليهود فى الصبغ (¬1) 80 - (2103) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهيْرُ ابْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنَ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لا يَصْبُغُون، فَخَالِفُوهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(26) باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتا فيه صورة ولا كلب

(26) باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتاً فيه صورة ولا كلب 81 - (2104) حدّثنى سوَيْد بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: وَاعَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلامِ - فِى سَاعَةٍ يَأتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأتِهِ. وَفِى يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ. وَقَالَ: " مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ، وَلا رُسُلَهُ "، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَقَالَ: " يَا عَائِشَةَ، مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَهُنا؟ ". فَقَالَتْ: وَاللهِ، مَادَرَيْتُ". فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاعَدْتَنِى فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأتِ ". فَقَالَ: مَنَعَنِى الْكَلْبُ الَّذِى كَانَ فِى بَيْتِكَ، إِنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ. (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ بهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ جِبْرِيلَ وَعَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأتِيَهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يُطَوِّلْهُ كَتَطْوَيلِ ابْنِ أَبِى حَازِمٍ. 82 - (2105) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِى مَيْمُونَةُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا. فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْم. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِى أَنْ يَلْقَانِى اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَلْقَنِى. أَمَ وَاللهِ، مَا أَخْلَفَنِى ". قَالَ: فَظَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ وَقَعَ فِى نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أصبح يوماً واجماً "، قال الإمام: الواجم: المغتم (¬1). يقال: وجم يجم وجوماً، ووجم أيضاً: حزن، وأجم الطعام وأجماً: كرهه. قال القاضى: ونَضْحُ النبى مكان الجرو مما يحتج به المخالف فى نجاسته، وقد يحتمل ¬

_ (¬1) فى ح: المهتم.

تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ. فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ. فَقَالَ لَهُ: " قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِى أَنْ تَلْقَانِى الْبَارِحَةَ ". قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ. فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلابِ، حَتَّى إِنَّهُ يَأمرَ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ. 83 - (2106) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ ". 84 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورةٌ ". (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ يُونُس، وَذِكْرِهِ الأَخْبَارَ فِى الإِسْنَادِ. 85 - (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ بُكَيْرٍ. عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أن نضحه [لما نهى] (¬1) أن يصيب الموضع من بوله ورجيعه. وقوله: " إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ": هذا - أيضاً - مما يحتج به المخالف فى نجاسته [ورجيعه فيه] (¬2)؛ إذ لا يقال فى الصور: إنها نجسة، لكن لمعنى آخر - والله أعلم. كما أنهم لم يدخلوا البيت لأجل الصور التى ضاهى صانعها خلق الله، ونصب أمثلتها للعبادة من دون الله، فأبغضوها لله، وتجنبوا مواضعها. وكذلك الكلاب؛ إما لأكلها النجاسات، وهم المطهرون المقدسون عن مقاربتها، أو لأنها من الشيطان على ما جاء وبيناه فى كتاب الصلاة (¬3)؛ إذ الملائكة أضاد الشياطين فى ¬

_ (¬1) فى ح: لما توفى. (¬2) فى ح: ولا حجة فيه. (¬3) ب قدر ما يستر المصلى، رقم (265).

" إِنَّ المَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ". قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بَعْدُ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الخَوْلانِىِّ - رَبَيْبِ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِيْنَ قَالَ: إِلا رَقْمًا فِى ثَوْبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كل حال، أو لقبح روائحها، وهم يكرهون الروائح القبيحة، ويستحبون ضدها. أو لما نهى عن اتخاذها عوقب متخذها بذلك وتجتنب الملائكة دخول بيته غضباً عليه لمخالفته، فحرم بركتها وصلاتها، واستغفارها ومعونتها له على طاعة ربه، ومقاومة عدوه وشيطانه. وكذلك ممسك الصورة المنهى عنها. وقال بعض العلماء: وهؤلاء الملائكة هم: ملائكة الوحى، فأما الحفظة فيدخلون كل بيت ولا يفارقون بنى آدم على حال (¬1). وفيه حجة فى منع اتخاذ الكلاب فى الدور، والقرى، والبيوت، وحراسة السراق وغير ذلك، بخلاف ما رخص فيه من كلب الصيد والزرع والماشية (¬2)، وأن الملائكة إنما لا تدخل البيت الذى فيه الكلب المنهى عن اتخاذه (¬3). وقوله: " فأمر بقتل الكلاب، فكان يقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير ": للحاجة إلى حماية جوانبه. وحفظ أرجائه، بخلاف الصغير الذى يحميه ساكنه، ويستغنى عن كلب وغيره ممن يحميه، فأشبه اتخاذه فى الدور. وقد كرهه مالك وغيره من العلماء (¬4)، وتقدم الكلام فيها فى كتاب البيوع. وقولها: " جرو كلب تحت فسطاط لنا ": يقال بفتح الفاء وكسرها. الفسطاط: شبه الخباء، يريد به هاهنا: بعض حجر (¬5) البيت؛ بدليل قوله فى الحديث الآخر: " تحت سرير عائشة " (¬6). وأصل الفسطاط: عمود الأبنية التى يقام عليها. وفيه لغات أخر: فستاط بالتاء، وفسَّاط بتشديد السين وبضم الفاء، وبكسرهما فيهما أيضاً. وقوله فى الصور: ألم تسمعه حين قال: " إلا رقماً فى ثوب "، وفى الحديث الآخر: " كان لنا ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقبله، فقال لى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ¬

_ (¬1) قال بهذا الخطابى. انظر: معالم السنن 1/ 154 (227). (¬2) مسلم، ك المساقاة، ب الأمر بقتل الكلاب (46). (¬3) قال به الخطابى. انظر: معالم السنن 1/ 154 (227)، التمهيد 14/ 219. (¬4) انظر: التمهيد 8/ 405، المنتقى 7/ 289، المغنى 4/ 300. (¬5) فى ح: مجال جمع مجلة بالتحريك، وهو بيت كالقبة يستر به الثياب والستور، ويكون له أزرار. (¬6) أحمد فى المسند 6/ 143.

86 - (...) حدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ حَدَّثَهُ، وَمَعَ بُسْرٍ عُبَيْدُ اللهِ الْخَوْلانِىُّ؛ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ". قاَلَ بُسْرٌ: فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا نَحْنُ فِى بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ. فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلانِىِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِى التَّصَاوِيرِ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: إِلا رَقْمًا فِى ثَوْبٍ، أَلَمْ تَسْمَعْهُ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: بَلَى. قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ. 87 - (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَبِى الْحُبَابِ - مَوْلَى بَنِى النَّجَّارِ - عَن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا تَمَاثِيلُ ". (2107) قَالَ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا يُخْبِرُنِى؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا تَمَاثِيلُ "، فَهَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: لا، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ مَا رَأَيْتُهُ فَعَلَ، رَأَيْتُهُ خَرَجَ فِى غَزَاتِهِ، فَأَخَذْتُ نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ، فَلَمَّا قَدِمَ فَرَأَى النَّمَطَ، عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِى وَجْهِهِ، فَجَذَبَهُ حَتَّى هتَكَهُ أَوْ قَطَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ لَمْ يَأمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّيْنَ ". قَالَتْ: فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَىَّ. 88 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ، وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ. فَقالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَوِّلِى هَذَا، فَإِنِّى كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا " قَالَتْ: وَكَانَتْ لَنَا قَطِيْفَةٌ، كُنَّا نَقُولُ عَلَمُهَا حَرِيرٌ، فَكُنَّا نَلْبَسُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ " حولى هذا، إنى كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا "، وفى الحديث الآخر: " سترت على بيتى درنوكاً فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمرنى فنزعته ": هو بضم الدال وفتحها:

89 - (...) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ وَعَبْدُ الأَعْلَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَزَادَ فِيهِ - يُرِيدُ عَبْدَ الأَعْلَى -: فَلَمْ يَأمُرْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِهِ. 90 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَدِمِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِى دُرْنُوكًا، فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، فَأَمَرَنِى فَنَزَعْتُهُ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ عَبْدَةَ: قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ. 91 - (...) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بُنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَسَتِّرَةٌ بِقِرَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثوب له خمل، وفى الحديث الآخر: " نمرقة ": [والنمرقة، بضم النون والراء وكسرهما: الوسادة، وقيل: المرفقة] (¬1). ويقال: نمروق. ويدل عليه قولها: " اشتريتها لك لتتوسدها وتقعد عليها "، وقال الله تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَة} (¬2)، وقيل فى هذه المجالس - أيضاً - عن ابن عباس (¬3)، وفى الرواية الأخرى: وقد سترت سهوة لى بقرام فيه صور، فتلون وجهه ثم هتكه، وقال: " من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله". قال الإمام: قال الأصمعى: الشبهوة (¬4): شبيه بالرف أو بالطاق، يوضع فيه الشىء. قال أبو عبيد: وسمعت غير واحد من أهل اليمن يقولون: إن الشبهوة (¬5) عنده بيت صغير منحدر فى الأرض، [وشملة] (¬6) مرتفع من الأرض، شبيه بالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع، قال: وهذا عندى أشبه ما قيل فى الشبهوة (¬7). والقرام: الستر الرقيق فإذا حفظ (¬8) فصار كالبيت فهو كله، وقال لبيد يصف الهودج: من كل محفوف يظل عصيه ... زوج عليه كله وقرامها والعصى: عيدان الهودج، والزوج: النمط. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) الغاشية: 15. (¬3) رواه ابن جرير الطبرى عن ابن عباس فى تفسير سورة الغاشية 15/ 164. (¬4) و (¬5) فى ح، ع: السهوة. وانظر: غريب الحديث لأبى عبيد 1/ 178. (¬6) فى ح، ع: وسمكة. (¬7) فى ح، ع: السهوة، وانظر: غريب الحديث لأبى عبيد 1/ 178. (¬8) فى ح، ع: خيط.

فِيهِ صُورَةٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللهِ ". (...) وحدّثنى حَرْمَلَة بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا. بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ثَمَّ أَهْوَى إِلَى الْقِرَامِ فَهَتَكَهُ بِيَدِهِ. (...) حدَّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمَا: " إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا " لَمْ يَذْكُرَا: مِنْ. 92 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِى بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال الخليل: الشبهوة (¬1) أربعة أعواد أو ثلاثة يعارض بعضها على بعض، ثم يوضع عليها شىء من الأمتعة، قيل: هو أن يبنى من (¬2) حائط البيت حائط صغير، ويجعل السقف على الجميع. فما كان فى وسط البيت فهو شبهوة (¬3)، وما كان داخله فهو المخدع. وقال بعضهم: الشبهوة (¬4): كالصُّفَّة، تكون بين يدى البيت. وقيل: هى شبيه دخلة فى ناحية البيت. وقيل: الشبهوة (¬5): الكوة بين الدارين، قاله ابن الأعرابى. وقيل: بيت صغير شبه المخدع. واستدل بعضهم بهذا الحديث على منع دخول الوليمة إذا رأى فيها منكراً (¬6). قال الإمام: وقال بعض أصحابنا: وما وقع فى حديث عائشة من كراهة الصور المرقومة يحتمل أن يكون ذلك أولاً عند كونهم حديثى عهد بجاهلية وعبادة الصور، فلما ¬

_ (¬1) فى ح، ع: السهوة، وانظر غريب الحديث 1/ 178. (¬2) فى ح: بين. (¬3) فى ح، ع: سهوة. (¬4) و (¬5) فى ح، ع: السهوة. (¬6) انظر: التمهيد 1/ 302، المغنى 8/ 110.

يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ. 93 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ، مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةٍ. فَكَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّى إِلَيْهِ. فَقَالَ: " أَخِّرِيهِ عَنِّى ". قَالَتْ: فَأَخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 94 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ وَقَدْ سَتَرْتُ نَمَطًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَنَحَّاهُ، فَاتَّخَذْتُ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ. 95 - (...) وحدّثنا هَارُونَ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَة - ـــــــــــــــــــــــــــــ طال الأمر [وأمن عليهم] (¬1) أبيح لهم الرقم فى الثوب، ويكون ذلك كالناسخ لما وقع فى حديث عائشة. ولم يحرم مالك من الصور المرقومة ما كان يمتهن (¬2)؛ لأن امتهانه ينافى تعظيمه على حسب ما كانت الجاهلية تعظم بعض الصور. قال القاضى: اختلف الناس فى هذه الأحكام، فذهب بعضهم [إلى أن الممنوع من ذلك ما كان له ظل، فأما ما لا ظل له فلا بأس به وذهب بعضهم] (¬3) إلى منع الصور على العموم واستعمال ما هى فيه، ودخول البيت التى (¬4) هى فيه، رقماً كانت أو غير رقم، فى ثوب أو آلة أو حائط، يمتهن أو لا يمتهن، وهو مذهب ابن شهاب على ظاهر بعض الأحاديث العامة فى ذلك (¬5)، ومنه حديث النمرقة وغيره. وذهب آخرون إلى جواز كل ما كان منها رقماً فى ثوب، [تمتهن] (¬6) أو لا تمتهن، ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) انظر: التمهيد 1/ 302، المغنى 8/ 110. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬4) فى ح: الذى. (¬5) مصنف ابن أبى شيبة 6/ 85، التمهيد 21/ 195. (¬6) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا نَصَبَتْ سَتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَعَهُ. قَالَتْ: فَقَطَعْتُهُ وِسَادَتَيْنِ. فَقَالَ رَجُلٌ فِى المَجْلَسِ حِيْنَئِذٍ - يُقَالُ لَهُ: رَبِيْعَةُ بْنُ عَطَاءٍ، مَوْلَى بَنِى زُهْرَةَ -: أَفَمَا سَمِعْتَ أَبَا مُحَمَّدٍ يَذْكُرُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَفِقُ عَلَيْهِمَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا. قَالَ: لَكِنِّى قَدْ سَمِعْتُهُ. يُرِيدُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ. 96 - (...) حدَّثنا يَحْيَىِ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ ابْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ. فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ - أَوْ فَعُرِفَتْ - فِى وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَمَاذَا أَذْنَبتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ ". فَقَالَتِ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ، تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ. وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ". ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَةُ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ مما يعلق أم لا، وكره ما كان له ظل أو كان مصوراً فى الحيطان وشبهها، مرقوماً أو غير مرقوم، وحجتهم: قوله: " رقماً فى ثوب "، فخصوه بالثوب وهو مذهب القاسم بن محمد. وذهب آخرون إلى كراهة ما كان منها فى غير ثوب، وكراهة ما كان [منها] (¬1) فى ثوب لا يمتهن، أو يعلق لنصبه منصب العبادة، وعادة الكفار المعظمين لها، وأجازوا ما كان من ذلك رقماً فى ثوب يمتهن ويوطأ، وحجتهم: هتك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرام، واستعماله للوسادتين منه بعد ذلك، واتكاؤه على إحداهما [على إحداهما] (¬2) على ما جاء فى الأحاديث، وهو أوسط الأقاويل وأصحها (¬3). والجامع للأحاديث المختلفة فى ذلك وهو قول كثير من الصحابة والتابعين، وقول مالك والثورى وأبى حنيفة والشافعى (¬4). ولا يختلف فى كراهة ما كان له ظل ووجوب تغييره وكسره، إلا ما ورد فى اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة فى ذلك، لكن كره مالك شراء الرجل لها لابنته؛ لأنه ليس من ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) كررت فى الأصل خطأ. (¬3) انظر: التمهيد 21/ 199. (¬4) المصدر السابق 1/ 301، 21/ 198.

جَدِّى، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ ابْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - ابْنُ أَخِى الْمَاجِشُونِ - عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَبَعْضُهُمْ أَتَمُّ حَدِيثًا لَهُ مِنْ بَعْضٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ ابْنِ أَخِى الْمَاجِشُونِ: قَالَتْ فَأَخَذْتُهُ فَجَعَلْتُهُ مِرْفَقَتَيْنِ، فَكَانَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا فِى الْبَيْتِ. 97 - (2108) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا - عَلَىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - جَمِيعًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ". (...) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أخلاق أهل المروءة والهيئات. وقد ذهب بعض الناس إلى أن اللعب بالبنات وإباحته منسوخ بهذه الأحاديث. وفيه وجوب تغيير الصور بهتك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الستر، وفيه أن عملها من الذنوب الكبار المتوعد عليها بالنار والعذاب، وفيه جواز اتخاذ النمارق والوسائد للقعود عليها والارتفاق واتخاذ الستور والكمال (¬1) إذا كانت لعلة ستر الأبواب والأسرة وبعض الأمتعة فى البيت وشبهها عن الأبصار، فهذا [ما كان] (¬2) يكره، وهو الذى صنعته عائشة، وذلك أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هتكه للعلة التى ذكر من أجل الصورة، وفى الحديث الآخر لتذكيره له الدنيا وزينتها. وأما الستر بالأنماط للحيطان وتزيينها بذلك فمكروه؛ للحديث المتقدم، أو لأنه ¬

_ (¬1) فى ح: الكلل، وهو جمع كلة، وهى الستر الرقيق يخاط كالبيت ليتوقى فيه من البق والبعوض. اللسان، مادة " كلل ". (¬2) فى ح: ما لا.

98 - (2109) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ "، وَلَمْ يَذْكُرِ الأَشَجُّ: إِنَّ. (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى روَايَةِ يَحْيَى وَأَبِى كُرَيْبٍ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ: " إِنَّ مِنْ أَشَدِّ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابًا المُصَوِّرُونَ ". وَحَدِيثُ سُفْيَانَ كَحَدِيثِ وَكِيعٍ. (...) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ فِى بَيْتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ. فَقَالَ مَسْرُوقٌ: هَذَا تَمَاثِيلُ كِسْرَى. فَقُلْتُ: لا، هَذَا تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ. فَقَالَ مَسْرُوقٌ: أَمَا إِنِّى سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ ". 99 - (2110) قاَلَ مُسْلِمٌ: قَرَأتُ عَلَى نَصْرِ بْنِ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىِّ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى ابْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى الحَسَنِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ لمجرد زينة الحياة الدنيا وليس بحرام، قال بعض علمائنا: ويحتمل ما قاله - عليه السلام - فى النهى فى جميع الصور على الكراهة، ويحتمل أنه على التحريم إلا ما استثناه من الرقم فى الثوب (¬1). وقوله: " أشد الناس عذاباً يوم القيامة: المصورون "، وفى الحديث الآخر: " الذين يضاهون خلق الله "، وفى الآخر: " كل مصور فى الدنيا يجعل بكل صورة صورها نفس تعذبه فى جهنم ": يحتمل أن الصورة التى صور هى تعذبه بعد أن يجعل فيها نفس أو روح، والباء بمعنى " فى "، ويحتمل أن يجعل له بعدد كل صورة ومكانها نفس أى شخص يعذبه، وتكون الباء بمعنى لام السبب، أو من أجل. ¬

_ (¬1) المفهم 3/ 165.

إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. فَقَالَ: إِنِّى رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ، فَأَفْتِنِى فِيهَا. فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنِّى. فَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ مِنِّى. فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأَسِهِ. قَالَ: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كُلُّ مُصَوِّرٍ فِى النَّارِ، يجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا، فَتُعَذِّبُهُ فِى جَهَنَّمَ ". وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ لابُدَّ فَاعِلاً، فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لا نَفْسَ لَهُ. فَأَقَرَّ بِهِ نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ. 100 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُفْتِى وَلا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّى رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ. فَقالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: ادْنَهْ. فَدَنَا الرَّجُلُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِى الْدُّنْيَا كُلِّفَ إِنْ يَنَفُخَ فِيهَا الرُّوْحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ ". (...) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ " وما جاء فى لعن المصورين: كل هذا يدل على تحريم صنعة الصور، وأنها من الكبائر، قيل: قوله: " من أشد الناس عذاباً " فى عمل ذلك على القصد لعبادتها ونحت الأصنام فهى فى الكفار؛ إذ لا يكون مذنب أشد عذاباً من كافر، وقيل: بل ذلك فيمن قصد المعنى الذى جاء فى الحديث من مضاهاة خلق الله واعتقد ذلك، فهو كافر بقصده، فله من أشد العذاب ما للكفار. وأما من لم يضاه بذلك خلق الله ولا قصده ولا نواه، فليس يناله هذا الوعيد وإن كان مخطئاً فى فعله وعاصياً، وفى قوله: " يضاهون " دليل أن هذا مما له ظل وشكل قائم. وقوله: " أحيوا ما خلقتم " وحتى ينفخ فيه الروح: دليل على أن هذا الوعيد فى المصور لما له روح، خلاف ما لا روح فيه من الثمار، فقد أجاز هذا العلماء، وأجازوا صنعته والتكسب به، إلا مجاهداً فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه ولم يقله غيره (¬1)، ¬

_ (¬1) انظر: المفهم 3/ 166.

101 - (2111) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ فِى دَارِ مَرْوَانَ، فَرَأَى فِيهَا تَصَاوِيرَ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِى؟ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جِرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ. قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ دَارًا تُبْنَى بِالْمَدِينَةِ لِسَعِيدٍ أَوْ لِمَرْوَانَ. قَالَ: فَرَأَى مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ فِى الدَّارِ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً ". 102 - (2112) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ بِلالٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةَ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استدل بعضهم على هذا بقوله: " ومن أظلم ممن ذهب أن يخلق خلقاً كخلقى " فعم، وبقوله: " فليخلقوا حبة "، هذا أشد ما جاء فى هذا الباب. قال المهلب: ثم استقرت الكراهة على ما فيه الروح. وقال بعض العلماء (¬1): إن رأس الصورة إذا قطعت فهو تغيير لها، ويباح اتخاذها حينئذ. وقد جاء [فى] (¬2) هذا أثر ذكره أبو داود (¬3)، وعليه تأول بعضهم اتخاذ القرام وسائد؛ إذ لعله فى قطعه وهتك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له تقطعت صورته وانقسمت أشكالها، فلم يبق منها فى وسادة منها صورة كاملة (¬4)، وهذا يقوله من يمنعها فى الممتهن وغيره، وإذا كان هذا لم تكن فيه حجة فى جواز اتخاذها فيما يمتهن. وليس فى شىء من هذه الأحاديث أن هذا الدرنوك أو الستر أو القرام أو النمط كان من حرير أو ديباج حتى يحتج به عبد الملك من أصحابنا، والمخالف فى جواز [افتراش الحرير وتخصيص تحريمه باللباس على ما تقدم منها] (¬5). وجمهور العلماء على خلافه والتسوية بينهما، ونص الحديث فى النهى عن افتراشه. وقولها: " كانت لنا قطيفة، كنا نقول عَلَمُها من حرير، وكنا نلبسها " [زاد] (¬6) ¬

_ (¬1) منهم الخطابى، ذكر ذلك فى معالم السنن 4/ 389. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬3) أبو داود، ك اللباس، ب فى الصور 2/ 393. (¬4) فى ح: تامة. (¬5) سقط من ح. (¬6) من ح، وفى الأصل: كاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النسائى: " فلم يقطعه " (¬1)، وفى غيره: " ولا ينهانا عنه ": وفيه حجة للرخصة فى العلم، وهو قول الكافة وقد تقدم، والقطيفة [كساء فيه خمل] (¬2). قال الإمام: وخرج مسلم فى باب كراهة الصور: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا على بن مسهر، عن سعيد بن أبى عروبة، عن النضر بن أنس، قال: كنت جالساً عند ابن عباس، هكذا إسناده فى هذا الحديث، رواه سعيد بن أبى عروبة عن النضر ابن أنس، ووهم بعضهم فأدخل بينهما قتادة وليس بشىء، فإنه قد سمع سعيد [بن النضر] (¬3) هذا الحديث وحده، ذكره البخارى فى الجامع: حدثنا عياش، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، [قال: سمعت النضر بن أنس يحدث قتادة، قال: كنت عند ابن عباس - فذكر الحديث (¬4). قال البخارى: سمع] (¬5) سعيد بن أبى عروبة من النضر بن أنس هذا الحديث [الواحد] (¬6). قال القاضى: قال عبد الغنى: ذكر قتادة هنا خطأ، وأما فى الحديث الذى بعده عن معاذ بن هشام، حدثنى أبى، عن قتادة، عن النضر فإثباته صواب. ¬

_ (¬1) النسائى فى الصغرى، ك الزينة، ب التصاوير 8/ 213. (¬2) فى الأصل: كساء دخل. والقطيفة: دثارٌ مُخملٌ، وقيل: كساءٌ له خملٌ. انظر: اللسان، مادة " قطف ". (¬3) فى الأصل: ابن أنس، والصواب من ح. (¬4) البخارى، ك اللباس، ب من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، رقم (5963) الفتح. (¬5) سقط من ح، والمثبت من الأصل. (¬6) ساقطة من ح. وانظر: التاريخ الكبير للبخارى، رقم (1679) 3/ 504، 505.

(27) باب كراهة الكلب والجرس فى السفر

(27) باب كراهة الكلب والجرس فى السفر 103 - (2113) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حَسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلا جَرَسٌ ". (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - كِلاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 104 - (2114) وحدّثنا يَحَيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تصحب الملائكة [رفقة فيها كلب ولا جرس ": هو مما تقدم من منافرة الملائكة] (¬1) الكلاب للعلل التى ذكرناها، وفيه حجة على منع اتخاذها فى الأسفار لحراسة الدواب والسراق، وهو قول أصحاب مالك (¬2)، وأجاز هشام بن عروة اتخاذها لحراسة البقر من السائمة. وفيه كراهة الأجراس، وهو قول مالك وغيره، ومنافرة الملائكة لها إما لشبهها بالنواقيس، أو لأنها من باب المعاليق المنهى عنها فى الأعناق، وقيل: لصوته، وهو تأويل مالك، وعليه يدل قوله فى الحديث: " الجرس من مزامير الشيطان " [وهذا يعضد أن منافرة الملائكة لها وللكلب من سبب الشيطان] (¬3). وفرق أهل الشام بينهما فقالوا: هذه الكراهة إنما هى فى الجرس الكبير، فأما الصغير فلا بأس به، وروينا هذا الحرف بفتح الراء وهو الأكثر، وضبطناه عن أبى بحر بسكونها اسم الصوت، وأصله الصوت الخفى. وقوله فى الحديث الآخر: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير " (¬4) [قيل] (¬5): يحتمل أنه شك من الراوى فى اللفظ. والمعنى واحد، وقيل: لعله أراد بالتماثيل: ما كان قائم الشخص. وبالتصوير (*): ما كان رقماً وتزويقاً فى ثوب أو حائط، ويحتمل أن تكون " أو " بمعنى الواو (¬6). ¬

_ (¬1) من ح، وقد سقط من الأصل. (¬2) انظر: المنتقى 7/ 289. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬4) الحديث رقم (102) من الباب السابق. (¬5) ساقطة من ح. (¬6) فى ز: الواقد والمثبت من ح. [قال معد الكتاب للشاملة: لم يشر المحقق في المطبوعة إلى مكان الحاشية، واجتهدنا في وضعها، وقد راجعنا أحد النسخ الخطية فوجدنا النص كما هو] (*) قال معد الكتاب للشاملة: في أحد النسخ الخطية "وبالتصاوير"، وهو الأصح، والله أعلم.

(28) باب كراهة قلادة الوتر فى رقبة البعير

(28) باب كراهة قلادة الوتر فى رقبة البعير 105 - (2115) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ؛ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ. قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولاً - قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِى مَبِيتِهِمْ -: " لا يَبْقَيَنَّ فِى رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلادَةٌ، إِلا قُطِعَتْ ". قَالَ مَالِكٌ: أُرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يبقين (¬1) فى رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت ": قال مسلم: قال مالك: أرى ذلك من العين. قال الإمام: الظاهر من مذهب مالك قصر النهى على الوتر خاصة، وأجازه ابن القاسم بغير الوتر، وقال بعض أصحابنا: فيمن قلد بعيره شيئاً ملوناً فيه خرز قال: إن كان للجمال فلا بأس به (¬2). وقد اختلف الناس فى تقليد البعير وغيره من الحيوان - والإنسان أيضاً - ما ليس بتعاويذ قرآنية (¬3) مخافة العين، فمنهم من نهى عنه ومنعه قبل الحاجة إليه، وأجازه عند الحاجة إليه لنفى ما أصابه من ضرر العين [وشبهه، ومنهم من أجازه قبل الحاجة وبعدها، كما يجوز الاستظهار بالتداوى قبل حلول المرض، قال عبد الوهاب: يكره للمسافرين الأجراس والأوتار، واحتج بقوله: " لا تصحب الملائكة [رفقة] (¬4) [فيها كلب ولا] (¬5) جرس "، وأما الأوتار فقد تؤدى إلى جناية تكره [يعنى] (¬6) الاختناق بها] (¬7) وشبه ذلك. وقد خرج مسلم: " لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس " (¬8)، وقد قال بعضُ الناس (¬9): إن النهى عن تقليد الأوتار محمول على الدخول وما اعتادوا من طلب الدماء عليها. ¬

_ (¬1) فى ز: لا يتوقى، وفى ح: لا تبق، والمثبت من المطبوعة. (¬2) انظر: التمهيد 17/ 160. (¬3) فى ز: قريبة، والمثبت من ح. (¬4) ساقطة من ح. (¬5) سقط من الأصل. (¬6) ساقطة من ح. (¬7) هذا الجزء كرر خطأ فى ز. (¬8) الحديث رقم (103) من هذا الكتاب. (¬9) منهم: النضر بن شميل، وقد جنح وكيع بن الجراح إلى نحوه. انظر: التمهيد 17/ 163.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الراوى: قلادة من وتر أو قلادة، يحتمل أن يكون على الشك من التخصيص للوتر أو التعميم لسائر القلائد فيكون الوتر ثابتاً فى الحالين مع القول بالعموم؛ ولهذا قصر مالك النهى على الوتر كما قدمنا. قال القاضى: قوله هنا: " قلادة من وتر " يضعف تأويل من تأول فى تقليد الأوتار [الدخول] (¬1). ¬

_ (¬1) ساقطة من ح.

(29) باب النهى عن ضرب الحيوان فى وجهه، ووسمه فيه

(29) باب النهى عن ضرب الحيوان فى وجهه، ووسمه فيه 106 - (2116) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَن أَبِى الزُّبَيْرِ، عَن جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّرْبِ فِى الْوَجْهِ، وَعَنِ الْوَسْمِ فِى الْوَجْهِ. (...) وحدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 107 - (2117) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَن أَبِى الزُّبَيْرِ. عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِى وَجْهِهِ. فَقَالَ: " لَعَنَ اللهُ الَّذِى وَسَمَهُ ". 108 - (2118) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ؛ أَنَّ نَاعِمًا - أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ - حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. قَالَ: فَوَاللهِ، لا أَسِمُهُ إِلا فِى أَقْصَى شَىْءٍ مِنَ الْوَجْهِ. فَأَمَرَ بِحِمَارٍ لَهُ فَكُوِىَ فِى جَاعِرَتَيْهِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَوَى الجَاعِرَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن الضرب فى الوجه وعن الوسم فى الوجه " وأنه لعن فاعله الذى وسم حماراً فى وجهه، وقوله فى حديث ابن عباس: " [قال] (¬1): فلا والله لا أسمه إلا فى أقصى شىء من الوجه، فكوى حماره فى جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين ": قائل هذا هو العباس والده لا ابنه عبد الله صاحب الحديث، وكذا بينه فى كتاب أبى داود (¬2)، وكذا ذكره البخارى فى التاريخ مفسراً (¬3)، وهو فى كتاب مسلم مشكل ليس فيه ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) لا يوجد فى أبى داود فى المطبوع الذى فى أيدينا، وهو فى البزار فى كشف الأستار رقم (2066)، ومجمع الزوائد 8/ 111. (¬3) التاريخ الكبير 1/ 187.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر لقائله، وتوهم أنه من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيانه ما تقدم. وكذا ضبطنا هذا الحرف - الوسم - بالسين المهملة، وبعضهم يقول: فيه الوجهين السين والشين، وبعضهم فرق فقال: بالمهملة فى الوجه، وبالمعجمة فى سائر الجسد. والجاعرتان حرفا الورك المشرفان مما يلى الدبر. وأما نهيه عن الضرب فى الوجه، فإن فيه المحاسن وأقل أثر فيه يشينه، وربما آذى البصر أو أذهبه، مع إهانة الصورة التى اختص الله بها بنى آدم وكرمهم [بها] (¬1)، ونبه فى الحديث الآخر على إكرامها بخلق نبيه آدم أبى البشر عليها (¬2). قال الإمام: قال عبد الوهاب: تكره السمة فى الوجه ولا أكرهه فى غيره؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن السمة فى الوجه وأرخص فيها فى الأذن، قال: ويجوز فى غيره؛ لأن بالناس حاجة إلى علامات يعرفون بها بهائمهم. [قال القاضى: وما ذكره مسلم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسم غنماً] (¬3)، وذكر فى آذانها (¬4): يدل على ما ذكر وعلى جواز الوسم بالقطع والشق؛ لأنه الذى يمكن فى الأذن. ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) سيأتى فى ك البر والصلة والآداب، ب النهى عن ضرب الوجه (112/ 2612). (¬3) سقط من ح. (¬4) حديث رقم (110) من الباب التالى.

(30) باب جواز وسم الحيوان غير الآدمى فى غير الوجه وندبه فى نعم الزكاة والجزية

(30) باب جواز وسم الحيوان غير الآدمى فى غير الوجه وندبه فى نعم الزكاة والجزية 109 - (2119) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِى: يَا أَنَسُ، انْظُرْ هَذَا الغُلامَ، فَلا يُصِيْبَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ. قَالَ: فَغَدَوْتُ فَإِذَا هُوَ فِى الحَائِطِ، وَعَلَيْهِ خَمِيْصَةٌ حُوَيْنِيَّةٌ، وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِى قَدِمَ عَلَيْهِ فِى الْفَتْحِ. 110 - (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يُحَدِّثُ؛ أَنَّ أُمَّهُ حِينَ وَلَدَتِ، انْطَلَقُوا بِالصَّبِىِّ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ. قَالَ: فَإِذَا النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مِرْبَدٍ يَسِمُ غَنَمًا. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ عِلْمِى أَنَّهُ قَالَ: فِى آذَانِهَا. 111 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِى هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرْبَدًا وَهُوَ يَسِمُ غَنَمًا. قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: فِى آذَانِهَا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ وَيَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 112 - (...) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: رَأَيْتُ فِى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيْسَمِ، وَهُوَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فى مربد ": وإنما المربد للإبل، فقد يحتمل أنه على ظاهره، فأدخلت فيه الغنم فوسمها فيه، ويحتمل أنه استعار لحظيرة الغنم اسم المربد، وهو ما تحبس به الإبل مثل الحظيرة للغنم. وقوله: " رأيته وفى يده ميسم وهو يسم إبل الصدقة ويسم الظهر ": أى الإبل التى تحمل الثقل، يدل على جواز الوسم بالكى. والميسم: المكواة، بكسر الميم. وفيه ما كان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام - من التواضع وخدمة مال نفسه ومال المسلمين، والنظر فى مصالحهم. وقول أم أنس: " انظر هذا الغلام، ولا يصيبن شيئاً حتى تغدو به إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحنكه ": فيه أن هذه سنة مستحسنة (¬1) مرغب فيها من حمل الأطفال عند ولادتهم للفضلاء للدعاء لهم، وأم سليم ذلك ما قصدته، وألا يدخل جوفه شىء حتى يحنكه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يمضغه من تمر كانت وجهته معه، فتناله بركة ريقه وطعامه ودعائه. وقولها: " وعليه خميصة (¬2) حوينية ": كذا رويناه عن العذرى بالحاء [المفتوحة المهملة] (¬3) وبعد الواو الساكنة تاء باثنتين فوقها مفتوحة بعدها نون، ووقع عندنا من رواية الهوزنى: " حونية " بضم الحاء وكسر النون بعد الواو، وعن عبد الغافر الفارسى (¬4): " خويتة " بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء باثنتين تحتها بعدها [تاء باثنتين فوقها] (¬5)، ورواه البخارى (¬6): " حريثية " منسوبة إلى حريث، قيل: رجل من قضاعة، وصوبه ابن مفرج: " حونبية " بفتح الحاء المهملة وفتح النون بعدها وكسر الباء بواحدة بعدها. والخميصة: كساء أسود مربع. قال الإمام: قال الأصمعى: الخمائص: [ثياب خز أو صوف معلمة] (¬7) كانت من لباس الناس. ¬

_ (¬1) فى الأصل: مستحبة، والمثبت من ح. (¬2) فى الأصل: خميصته، والمثبت من الصحيحة المطبوعة، ح. (¬3) سقط من ح. (¬4) هو ابن محمد بن عبد الغافر أبو الحسين النيسابورى، ولد سنة 350، حدث عنه الجلودى فى صحيح مسلم، وأخذ عنه القاضى، وحدث عن الخطابى بغريب الحديث، توفى سنة 448. بنيسابور. سير أعلام النبلاء 18/ 19. (¬5) سقط من ح. (¬6) البخارى، ك اللباس، ب الخميصة السوداء 7/ 191. (¬7) فى ز: ثياب مقلمة، والمثبت من ح. انظر غريب الحديث 1/ 168.

(31) باب كراهة القزع

(31) باب كراهة القزع 113 - (2120) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى يَحْيَى - يَعْنِى ابْنِ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنَ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعَ. قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: وَمَا الْقَزَعُ؟ قَالَ: يُحْلَقُ بَعْضُ رَأسِ الصَّبِىِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ. (...) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَجَعَلَ التَّفْسِيرَ، فِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ، مِنْ قَوْلِ عُبَيْدِ اللهِ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْغَطَفَانِىُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ. ح وَحَدَّثَنِى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ نَافِعٍ. بِإِسْنَادِ عُبَيْدِ اللهِ. مِثْلَهُ. وَأَلْحَقَا التَّفْسِيرَ فِى الْحَدِيثِ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَان، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجِ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهى عن القزع " بفتح القاف والزاى، قال الإمام: إذا كان ذلك فى مواضع كثيرة فمنهى عنه بلا خلاف، وقال نافع (¬1): هو أن يحلق بعض رأس الصبى ويترك بعضه، وإن لم يكن كذلك كالناصية وشبهها، فاختلف فى جوازه. قال القاضى: ومذهب مالك منعه، وقال: هو من جهة القزع، وكرهه فى الجارية والغلام. وقال نافع: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس به، وأما أن يترك ناصيته شعراً دون غيرها فذلك القزع، وقد ذكر مسلم فى حديث بعد هذا: أن التفسير ملحق فى الحديث، يريد لم يذكره من قول نافع، وقد ذكر بعضهم أن علة ذلك: أنه تشويه، ¬

_ (¬1) قيد قبلها " ابن " فى ح، وهو تصحيف، والمثبت من الصحيحة المطبوعة، ز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعض العلماء: إن الكراهة فى ذلك لعلة؛ لأنه زى أهل الدعارة والشر، وأن الأمر فى ذلك راجع إلى عادة البلاد، فحيث يكون زى غير هؤلاء، فلا ينبغى أن ينكر، وفى هذا نظر، لأن العوايد لا تغير السنن، والنهى عن ذلك سنة مأثورة (¬1)، وقد ذكر أبو داود فيه علة فى الحديث وقال: إنه زى اليهود (¬2). ¬

_ (¬1) انظر التمهيد 6/ 79، وقد جاء فى المغنى عن المروزى عن ابن حنبل؛ أنه من فعل المجوس. انظر: المغنى 1/ 75. (¬2) أبو داود، ك الترجل، ب ما جاء فى الرخصة 2/ 401.

(32) باب النهى عن الجلوس فى الطرقات وإعطاء الطريق حقه

(32) باب النهى عن الجلوس فى الطرقات وإعطاء الطريق حقه (¬1) 114 - (2121) حدّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِى الطُّرُقَاتِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا، نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ". قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: " غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنْ الْمُنْكَرِ ". (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبَدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِىُّ، ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - كِلاهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، بَهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(33) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة والمتفلجات، والمغيرات خلق الله

(33) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة والمتفلجات، والمغيرات خلق الله 115 - (2122) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسْولَ اللهِ، إِنَّ لِى ابْنَةً عُرَيِّسًا، أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ، فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا، أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَالَ: " لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوصِلَةَ ". (...) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَعَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، أَخْبَرَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. غَيْرَ أَنَّ وَكِيعًا وَشُعْبَةَ فِى حَدِيثِهِمَا: فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا. 116 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا منْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: إِنِّى زَوَّجْتُ ابْنَتِى، فَتَمَرَّقَ شَعْرُ رَأسِهَا، وَزَوْجُهَا يَسْتَحْسِنُهَا أَفَأَصِلُ يَا رَسُولَ الله؟ فَنَهَاهَا. 117 - (2123) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " إن ابنتى عُرَيِّساً أصابتها حصبة ": الحصبة، بفتح الحاء وسكون الصاد: مرض معروف ومنها قولها: " عَرق شعَرها " بالراء والقاف، وفى الرواية الأخرى: " تمرط " بالطاء، أى انتتف، وهو التمرط أيضاً، وقد جاء فى الرواية الأخرى: مفسراً: " فتساقط شعرها "، يقال: مرق الصوف عن الإهاب. يمرق مرقاً وتمرق وانمرق. وقوله: " لعن الله الواصلة والمستوصلة "، قال الإمام: وصل الشعر عندنا ممنوع للحديث. قال القاضى عبد الوهاب: [والمعنى فيه] (¬1) أنه غرر وتدليس. ¬

_ (¬1) سقط من ز.

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ، وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهُ. فَسَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَلَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. 118 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، أَخْبَرَنِى الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ يَنَّاقَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَةَ لَهَا، فَاشْتَكَتْ فَتَسَاقَطَ شَعْرُهَا، فَأَتَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا يُرِيْدُهُا، أَفَأَصِلُ شَعَرَهَا؟ فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لُعِنَ الْوَاصِلاتُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " لُعِنَ الْمُوصِلاتُ ". 119 - (2124) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ ومُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - واللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّان - عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اختلف العلماء فى معنى نهيه - عليه السلام - عن ذلك، [فقال بعضهم] (¬1): لا بأس فى وصلها شعرها بما وصلته من صوف أو خرق ما لم يكن شعراً، والنهى إنما يختص بالصلة بالشعر، وهو قول الليث بن سعد. وقال آخرون: الوصل بكل شىء ممنوع لعموم الخبر، وهو قول مالك وجماعة من العلماء واختيار الطبرى. وأباح آخرون وضع الشعر على الرأس، قالوا: وإنما ينهى عن الوصل، وهو قول إبراهيم (¬2)، وقال آخرون: كل ذلك جائز (¬3)، وروى عن عائشة نحوه (¬4) وتأولت أن الحديث على غير وصل الشعر، ولا يصح عنها، والصحيح عنها مثل قول الجمهور. فأما ربط خيوط الحرير الملونة وشبهها مما لا يشبه الشعر، فليس من الوصل، ولا هو مقصده وإنما هو للتجميل والتحسين، كما يشد منه فى الأوساط، ويربط من الحلى فى الأعناق، ويجعل فى الأيدى والأرجل. وفيه من الفقه أن هذا ممنوع لضرورة وغيرها، للعروس وغيرها، وأنه من الكبائر ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) انظر: مصنف ابن أبى شيبة، ك اللباس والزينة، ب واصلة الشعر بالشعر 6/ 77، وعبد الرزاق، ك الصلاة، ب المرأة تؤم الناس 3/ 142. (¬3) انظر: القرطبى فى التفسير، وقال: هو قول باطل ترده الأحاديث 5/ 394. (¬4) الضعفاء للعقيلى 2/ 193 برقم (717).

عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ بَزِيْعٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا صَخْرُ ابْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 120 - (2125) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ - أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِى عَنْكَ؛ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِىَ لا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَهُوَ فِى كِتَابِ اللهِ. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأتُ مَا بَيْنَ لَوْحَى الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ. قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (¬1) فَقَالَتْ الْمَرْأةُ: فَإِنِّى أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الآنَ. قَالَ: اذْهَبِى فَانْظُرِى. قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا. فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا. فَقَالَ: أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ للعن فاعله، وفيه أن المعين على الشىء مثل فاعله فى الإثم والأجر (¬2) بأن هذه التى وصلت شعر غيرها وهى الواصلة قد لعنت كما لعنت المستوصلة، وهى طالبة ذلك لنفسها. وأما قوله: " والواشمة والمستوشمة " قال الإمام: قال أبو عبيد: الوشم فى اليد وذلك أن المرأة كانت تغرز ظهر كفها أو (¬3) معصمها بإبرة أو مسلة حتى تؤثر فيه، ثم تحشوه كحلاً أو بالنَّور فيخضر بفعل ذلك بداراة (¬4) ونقوش، يقال منه: قد وشمت تشم وشماً فهى واشمة والأخرى موشومة ومستوشمة (¬5). ¬

_ (¬1) الحشر: 7. (¬2) يعنى حديث أبى مسعود الأنصارى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " ك الإمارة، ب فضل إعانة الغازى فى سبيل الله بمركوب وغيره رقم (133). (¬3) فى الأصل: أى، والمثبت من ح. (¬4) معناها: دوائر. انظر: اللسان، مادة " دور ". (¬5) غريب الحديث 1/ 104.

نُجَامِعْهَا. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ - وَهُوَ ابْنُ مُهَلْهِلٍ - كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: الْوَاشِمَاتِ وَالْمَسْتَوْشِمَاتِ. وَفِى حَدِيثِ مُفَضَّلٍ: الْوَاشِمَاتِ وَالْمَوْشُمَاتِ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، بَهَذَا الإِسْنَادِ، الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُجَرَّدًا عَنْ سَائِرِ الْقِصَّةِ، مِنْ ذِكْرِ أُمُّ يَعْقُوبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " المتنمصات ": قال أبو عبيد: النامصة: التى تنتف الشعر من الوجه، ومنه قيل للمنقاش: المنماص لأنه ينتف. والمتنمصة التى يفعل ذلك بها (¬1). و" المتفلجات ": الفلج فى الأسنان، والمراد أنها تعالج أسنانها، وكذلك "الواشرة " المذكورة فى غير هذا الموضع (¬2)، هى التى تنشر أسنانها تفلجها وتحددها حتى يكون لها أشر، والأشر: تحدد [ورقة] (¬3) فى أطراف الأسنان، ومنه قيل: ثغر موشر، وإنما يكون ذلك فى أسنان الأحداث؛ تفعله المرأة الكبيرة تشبيهاً بأولئك (¬4). قال القاضى: جاء فى صحيح البخارى من قول نافع: الوشم فى اللثة (¬5)، وكل هذا غير مختلف؛ لأن أبا عبيد أخبر بالغالب من وشم ظهر (¬6) الكف والمعصم، وقد تشم لثتها وغير ذلك، وقد روى عن الحسن وابن مسعود فى قوله تعالى: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (¬7) قال: هو الوشم، وعن ابن عمر وأنس وطائفة: هو الخصى، وعن مجاهد: {خَلْقَ اللَّه}: دين الله (¬8). ووقع عندنا فى كتاب مسلم فى حديث محمد بن نمير من رواية الهوزنى فى " الواشية والمستوشية " والمشهور المعروف ما تقدم، لكنه صحيح المعنى؛ لأنها توشى يديها بذلك ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 1/ 103. (¬2) أحمد فى المسند 1/ 415. (¬3) فى ز: وتدقق، والمثبت من ح. (¬4) انظر: غريب الحديث 1/ 104. (¬5) البخارى، ك اللباس، ب وصل الشعر 7/ 212. (¬6) فى ح: ظاهر. (¬7) النساء: 119. (¬8) انظر: تفسير الطبرى 4/ 283 وما بعدها، وابن كثير 1/ 577.

(...) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ - حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. 121 - (2126) وحدّثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: زَجَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأسِهَا شَيْئًا. 122 - (2127) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ، عَامَ حَجَّ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ فِى يَدِ حَرَسِىٍّ. يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مَثْلِ هَذَهِ، وَيَقُولُ: " إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِيْنَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ ". (...) حدَّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بن حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الوشم، وقد روى عن عائشة اختلاف فى ذلك، ورخصة فى جواز النمص وحف المرأة جبينها لزوجها وقالت: " أميطى عنك الأذى " وكذلك قالت فى التى تقشر وجهها: إن كانت للزينة فلا يحل وإن كان بوجهها كلف شديد فكأنها كرهته ولم تصرح. قال بعض علمائنا: وهذا المنهى عنه المتوعد على فعله فيما يكون باقياً، فإنه من تغيير خلق الله، فأما ما لا يكون باقياً كالكحل فلا بأس به للنساء والتزين به عند أهل العلم، وقد أجازه مالك للنساء، وكرهه للرجال، وكذلك أجاز أن توشى المرأة يديها (¬1) بالحناء، وروى عن عمر إنكار ذلك وقال: إما أن تخضب يديها (¬2) كله أو تدع (¬3)، وأنكر مالك هذا عن عمر، وجاء فى حديث النهى عن تسويد الحناء، ذكره صاحب النصائح. قال أبو جعفر الطبرى فى هذا الحديث: إنه لا يجوز لامرأة تغيير شىء من خلقها الذى خلقها الله عليه بزيادة فيه أو نقص منه التماس الحسن لزوج (¬4) أو غيره، سواء ¬

_ (¬1) و (¬2) فى ح: بدنها. (¬3) عبد الرزاق فى المصنف، ك الصيام، ب خضاب النساء 4/ 318 وإسناده ضعيف، ومجمع الزوائد 5/ 174. (¬4) فى ح: لزوجها.

مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ: " إِنَّمَا عُذِّبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ". 123 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَنَا وَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُهُ إِلا اليَهُودَ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ فَسَمَّاهُ الزُّورَ. 124 - (...) وحدّثنى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ اْلمُثَنَّى، قَالا: أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ؛ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فلجت أسنانها أو نشرتها، أو كان لها سن زائدة فأزالتها، أو أسنان طوال فقطعت أطرافها طلب التحسين والتجمل، كل ذلك منهى عنه، وهى مقدمة على ما نهى عنه الله على لسان نبيه، وكذلك لا يجوز لها حلق لحية أو شارب أو عنفقة إن نبت ذلك لها؛ لأن كل ذلك تغيير لخلق الله (¬1). قال القاضى: ويأتى على ما ذكره وأدخله فى جملة [النهى] (¬2) أن من خلق بأصبع زائدة أو عضو زائد أنه لا يجوز له قطعه ولا نزعه عنه؛ لأنه من تغيير خلق الله، إلا أن يكون هذا الزائد مما يؤذيه من أصبع أو ضرس ويؤلمه. فلا بأس على [كل] (¬3) حال بنزعه عند هذا وغيره. وقول عبد الله بن مسعود للتى قالت له أرى شيئاً (¬4) من هذا على امرأتك. تريد ما تقدم أول الحديث من ذكر الواشمة وأصحابها فقال: " لو كان ذلك لم أجامعها " أظهر ما فيه: لم أبق معها وأفارقها، ويحتمل لم أطأها (¬5). فيه وجوب هجرة أصحاب الذنوب، فإن هجرة الرجل زوجته لسبب معصية جاءت بها ليست بإثم ولا حرج عليه فيه، وقد قال الله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} (¬6). ¬

_ (¬1) المفهم للقرطبى 3/ 169. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فى الأصل: أشياء. والمثبت من ح. (¬5) قال النووى فى شرح مسلم: وقوله: " لم أطأها " ضعيف، والصحيح قول جماهير العلماء، والمعنى: لم أصاحبها ولم نجتمع نحن وهى بل كنا نطلقها ونفارقها 14/ 107. (¬6) النساء: 34.

إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثَتُمْ زِىَّ سَوْءٍ، وَإِنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الزُّورِ. قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا عَلَى رَأسِهَا خِرْقَةٌ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلا وَهَذَا الزُّورُ. قَالَ قَتادَةُ: يَعْنِى مَا يُكَثِّرُ بِهِ النِّسَاءُ أَشْعارَهُنَّ مِنَ الْخِرَقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى الباب: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا جرير، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا السند مما استدركه الدارقطنى وتتبعه على مسلم، وقال: الصحيح عن الأعمش إرساله، ولم يسنده عنه غير جرير، وخالفه أبو معاوية وغيره فرووه عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله مرسلاً، وهو صحيح مسند من رواية منصور عن إبراهيم (¬1). قال القاضى (¬2): وقد ذكره مسلم عن منصور مسنداً كما قال من رواية جرير وشعبة وسفيان ومَفْضَل بن مهلهل. وقوله فى حديث جابر: " زجر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن تصل المرأة شعرها بشىء " (¬3): حجة لمالك والكافة فى منعه بكل شىء، خلافاً لمن يخص بذلك الشعر على ما تقدم. وقول معاوية، وتناول قُصةَ شعرٍ كانت فى يد حَرَسِىٍّ: " يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن مثل هذا " (¬4) الحديث: القُصة: ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس، قاله الأصمعى. وفيه حجة - أيضاً - على من ذهب إلى جواز إلقاء الشعر والجمة على الرأس، وخص النهى بالوصل، وقد تقدم؛ لأن القُصة مما توضع وليست موصولة. وفيه قيام الأئمة بالنهى عن المنكر والتعريف به على المنابر، ولا سيما إذا رآه مشتهراً. وفى قوله: " أين علماؤكم ": قيل: استعانة بهم على التعريف بهذا المنكر وتغييره و (¬5) الإنكار عليهم (¬6) إن كانوا لم ينكروه، وهذا أظهر بقصده على مساق كلامه. واحتج به بعضهم على المالكية، ومن قال بإبطال الحجة بإجماع أهل المدينة وعملهم (¬7)، ولا حجة له فى هذا؛ إذ لم يثبت أن هذا كان شائعاً بالمدينة، وغير منكرٍ بها، وإنما تناولها [معاوية] (¬8) من يد حرس وجدها على امرأة، ولم تسلم المدينة ولا غيرها فى [وقت] (¬9) من مذنب [ولا] (¬10) مرتكب للمعاصى بمشيئة الله فى زمن النبى ¬

_ (¬1) انظر: الإلزامات والتتبع ص 338. (¬2) فى ح: الإمام، وهو خطأ؛ بدليل عدم وجوده فى ع المطبوعة والمخطوطة. (¬3) حديث رقم (121) بالباب. (¬4) حديث رقم (122) بالباب. (¬5) فى ز: أو، والمثبت من ح. (¬6) فى ز: عليه، والمثبت من ح. (¬7) فى ح: وعلمهم. (¬8) ساقطة من ز. (¬9) ساقطة من ح. (¬10) ساقطة من ز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعده. وليس فى قوله: " أين علماؤكم؟ " ما يدل أنهم جهلوه أو رأوه ولم ينكروه، والحجة بعمل أهل المدينة [أشهر على التحقيق فيما نقلوه] (¬1) النقل المستفيض، وتداوله (¬2) عملهم خلفاً عن سلف إلى زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالأذان والصاع ونحو ذلك، وهذا مما وافق عليه المخالف فيه حين بين له، ورجع إليه أبو يوسف حين مناظرته لمالك فى المسألة. واختلفوا فيما أجمعوا عليه من جهة الاجتهاد. واختلف فيه تأويل شيوخنا على مذهب مالك، فذهب قدماء أصحابه العراقيين أنه ليس بحجة ولا هو مراد مالك، ومذهب بعض المدنيين والمتأخرين من العراقيين والمغاربة من أصحابه أنه حجة. وذهب الكثير من أئمة الأصوليين إلى أنه ترجيح للآثار التى اختلفت، وكل هذا غير موجود فى مسألتنا. وقوله: " إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم " (¬3): إعلام بتعجيل العقوبة لهم بذلك، قيل: ويحتمل أنه كان محرماً عليهم فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه، وقيل: يحتمل أن الهلاك كان به وبمجموع [غيره مما] (¬4) ارتكبوه، فكان هلاكهم لذلك كله عند ظهور هذا فيهم وزمنه. وفيه معاقبة الكافة [بفشو المنكر بين أظهرهم] (¬5). وفى تناوله قصة الشعر وهو على المنبر: حجة على طهارة شعر بنى آدم، خلافاً للشافعى (¬6) وقد تقدم الكلام عليه. وقول [معاوية: " إن نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الزور. وجاء رجل بعَصًا على رأسها خرقة فقال: وهذا من الزور، يعنى ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق ": حجة لعموم النهى عن ذلك بكل شىء على ما تقدم] (¬7). ¬

_ (¬1) فى ح: إنما هو بما تلقوه. (¬2) فى ح: وتداولوه، والمثبت من الأصل. (¬3) حديث رقم (122) بالباب. (¬4) ساقطة من ح. (¬5) وهذا معنى حديث مسلم عن زينب بنت جحش؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب " سيأتى فى ك الفتن، ب اقتراب الفتن رقم (1/ 2880). (¬6) المجموع 1/ 422، الحاوى 1/ 237. (¬7) سقط من ح.

(34) باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات

(34) باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات 125 - (2128) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قاَلَ: قاَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا؛ قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنَمِةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ": يحتمل أن وجوب النار لهم من أجل ظلمهم وتعذيبهم واستطالتهم على الناس بالضرب بهذه السياط وغيرها، ويحتمل أن ذلك لمعاصٍ (¬1) أخرى أوجبت النار لهم من كفرهم وغير ذلك، وأنَّ ذكر سياطهم وضربهم قصد الوصف لا قصد علة التعذيب بالنار. وقوله: " نساء كاسيات عاريات " الحديث، ذكره الإمام وفسره آخر الكتاب حيث كرره فلم يكرره هنا (¬2)، وذكرنا هناك ما قاله وما فيه من زيادات فى التفسير والمعانى. وقوله: [فى] (¬3) رؤوسهنَّ كأسنمة البخت المايلة " (¬4): بياء باثنتين من تحتها، كذلك الرواية فى جميع النسخ، وكان القاضى أبو الوليد الوقشى يقول: صوابه: " الماثلة " بالثاء المثلثة، يعنى الظاهرة، ولا معنى للماثلة هنا، وقد تكلمنا عليه هناك وعلى تصويب الرواية، فانظره فى موضعه مع الكلام على بقية الحديث. ¬

_ (¬1) فى ح: لمعاصى، وهو خطأ. (¬2) ذكر الإمام هذا الكلام فى ك الجنة، ب النار يدخلها الجبارون، برقم (13). (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) فى ح: المائلة.

(35) باب النهى عن التزوير فى اللباس وغيره، والتشبع بما لم يعط

(35) باب النهى عن التزوير فى اللباس وغيره، والتشبع بما لم يُعط 126 - (2129) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقُولُ: إِنَّ زَوْجِى أَعْطَانِى مَا لَمْ يُعْطِنِى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَلابِسِ ثَوْبَىْ زُورٍ ". 127 - (2130) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ لِى ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ أَتَشَبَّعَ مِنْ مَالِ زَوْجِى بِمَا لَمْ يُعْطِنِى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَلابِسِ ثَوْبَىْ زُورٍ ". (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول المرأة التى قالت للنبى - عليه السلام -: إن لى ضرة فهل على جناح أن أتشبع من مال زوجى بما لم يعطنى؟ فقال: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور ": الضرة: الشريكة فى الزوج، سميت بذلك لاستضرار الأخرى بها، ويقال: تزوجت المرأة على ضرة، وضرة بالضم والكسر: إذا تزوجها على أخرى. قال الإمام: المتشبع: المتكثر بأكثر مما عنده يتصلف به، وهو الرجل يرى أنه شبعان وليس كذلك، وتفسير " ثوبى زور ": هو أن يلبس المرائى ثياب الزهاد يرى أنه زاهد. وقال غيره: هو أن يلبس قميصاً يصل بكميه كمين آخرين، يرى أن عليه قميصين. قال القاضى: وفيه وجهان آخران ذكرهما الخطابى: أحدهما: أن ذكر الثوبين هنا كناية عن حاله ومذهبه، والعرب تكنى بالثوب عن حال لابسه، والمعنى أنه بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن. الوجه الثانى: الرجل فى الحى يكون له هيئته، فإذا احتيج إليه فى شهادة زور شهد بها، فلا يرد لأجل هيئته وحسن ثوبه، فأضيفت شهادة الزور إلى ثوبه إذ كانت بسببها (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن، ك اللباس، ب المتشبع بما لم يعط 5/ 270.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وخرج مسلم هذا الحديث عن محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا وكيع وعَبْدَةُ، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة - رضى الله عنها - أن امرأة قالت يا رسول الله، إن تشبعت من زوجى - الحديث. ثم أردف عليه أبو العلاء بن ماهان عن مسلم: حدثنا أبو بكر، حدثنا أبو أسامة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو معاوية [كلاهما عن هشام. بهذا الإسناد. قال بعضهم: هذه المتابعة لا تصح] (¬1) أن تكون على أثر حديث ابن نمير [هذا، وإنما أتت فى رواية الجلودى وغيره على أثر حديث ابن نمير] (¬2) عن عبيدة عن هشام عن فاطمة عن أسماء، قالت: جاءت امرأة إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إن لى ضرة - الحديث. قال عبد الغنى: وقع فى نسخة ابن ماهان حديث أبى بكر وإسحاق على أثر حديث ابن نمير عن وكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة - رضى الله عنها - يزعم أنه مثل الأول، وهذا خطأ قبيح؛ لأنه عند غيره يعقب حديث فاطمة عن أسماء، قال: وليس يعرف حديث هشام عن أبيه عن عائشة إلا من حديث مسلم عن ابن نمير، ومن رواية معمر بن راشد. وقال الدارقطنى فى كتاب العلل: فى حديث هشام عن أبيه عن عائشة - رضى الله عنها [إنما يروى هذا معمر ومبارك بن فضالة، ويرويه غيرهما عن فاطمة عن أسماء وهو الصحيح. وقال فى إخراج مسلم حديث هشام عن أبيه عن عائشة] (¬3): لا يصح، والصواب حديث عَبْدَة ووكيع وغيرهما عن هشام عن فاطمة عن أسماء. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬3) سقط من ح.

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المعلِم بفَوَائِدِ مُسْلِم لِلإِمَام الحَافظ أبى الفضل عيَاض بن مُوسَى بن عيَاض اليَحْصَبِى ت 544 هـ تحْقِيق الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل الجزءُ السَّابِعُ

حقوق الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - ج. م. ع - المنصورة الإدارة: ش الإمام محمد عبده المواجه لكلية الآداب ص. ب 230 ت: 342721/ 356220/ 356230 فاكس 359778 المكتبة: أمام كلية الطب ت 347423

شَرْحُ صَحِيح مُسْلِم لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكْمَال المُعلِم بِفَوَائِدِ مُسْلِم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

38 - كتاب الآداب

بسم الله الرحمن الرحيم 38 - كتاب الآداب (1) باب النهى عن التكنى بأبى القاسم وبيان مايستحب من الأسماء 1 - (2131) حدّثنى أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنيَانِ الْفَزَارِىَّ - عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: نَادَى رَجُلٌ رَجُلاً بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْه رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى لَمْ أَعْنِكَ، إِنَّمَا دَعَوْتُ فُلانًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَسَمَّوْا بِاسْمِى، وَلا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِى ". 2 - (2132) حدّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ - وَهُوَ الْمُلقَّبُ بِسَبَلانَ - أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ وَأَخِيهِ عَبْدِ اللهِ، سَمِعَهُ مِنْهُمَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمائَةٍ، يُحَدِّثَانِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ". 3 - (2133) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا - جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ. فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا. فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ. لا نَدَعُكَ تُسَمِّى بِاسْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقَ بِابْنِهِ حَامِلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأَتَى بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام (¬1): قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سموا (¬2) باسمى، ولا تكنوا بكنيتى، فإنما بعثت قاسماً أقسم بينكم ": ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذا مقصور على حياة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه قد ذكر سبب الحديث: أن رجلاً نادى: يا أبا القاسم، فالتفت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: لم أعنك، إنما دعوت فلاناً. فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى " الحديث. ¬

_ (¬1) هذا بداية كتاب الأدب، ولكنه قد جاءت فى الأصل قبل لفظه: " كتاب الأدب " فانتبه، فهذا الجزء متداخل فى كتاب اللباس فى الأصل، خلاف ح. (¬2) جاءت فى ز: تسموا، والمثبت من ح والصحيحة.

وُلِدَ لِى غُلامٌ، فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا. فَقَالَ لِى قَوْمِى: لا نَدَعُكَ تُسَمِّى بِاسْمِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَسَمَّوْا بِاسْمِى، وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، أقْسِمُ بَيْنَكُمْ ". 4 - (...) حدّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ، فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا. فَقُلْنَا: لا نَكْنِيكَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَسْتَأمِرَهُ. قَالَ: فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ وُلِدَ لِى غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ برَسُولِ اللهِ، وَإِنَّ قَوْمِى أَبَوْا أَنْ يَكْنُونِى بِهِ، حَتَّى تَستَأذِنَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " سَمُّوا بِاسْمِى، وَلا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِى، فَإِنَّمَا بُعثْتُ قَاسِمًا، أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ ". (...) حدّثنا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثمِ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى الطَّحَّانَ - عَنْ حُصَيْنٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " فَإِنَّمَا بُعِثْت قَاسِمًا، أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ ". 5 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَسَمَّوْا بِاسْمِى، ولا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِى، فَإِنَى أَنَا أَبَو الْقَاسِمِ، أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: " وَلا تَكْتنُوا ". (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " إِنَمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الأدب (¬1) قال القاضى: ذكر مسلم فى أول أحاديث: " تسموا باسمى ": حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء وابن أبى عمر، قال: أبو كريب: أنبأنا، وقال ابن أبى عمر: حدثنا - واللفظ له - قال: حدثنا مروان الفزارى. كذا جاء في النسخ، وفيه إشكال؛ لأنه قال عن ابن أبى عمر وحده: حدثنا، ثم قال: قالا حدثنا. وصوابه: وقال ابن أبى عمر: حدثنا - واللفظ له - قال: حدثنا مروان فكرره (¬2). وقوله؟ نادى رجل رجلاً بالبقيع: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ¬

_ (¬1) هكذا وردت فى الأصل، ولعلها تكون قبل " قال الإمام ". (¬2) الإمام مسلم قد اضطر أن يكرر ليثبت أن الاثنين: ابن أبى عمر وكريب رويا عن مروان، مع أنه ذكر قبل هذا أن اللفظ لابن أبى عمر والتكرار لا يضر؛ لأن قصده التفريق بين الصيغتين.

6 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وُلِدَ لَهُ غُلامٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا، فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: " أَحْسَنَتِ الأَنْصَارُ، سَمُّوا بِاسْمِى، وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى ". 7 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرُو بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - وَحَدَّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ، كُلهُمْ عَنْ سَالِم بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ وَمَنْصُورٍ وَسُلَيْمَانَ وَحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: سَمِعْنَا سَالِمَ بْنَ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُمْ مِنْ قَبْلُ. وَفِى حَدِيثِ النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: وَزَادَ فِيهِ حُصَيْنٌ وَسُلَيْمَانُ. قَالَ حُصَيْنٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا بُعثْتُ قَاسِمًا، أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ ". وَقَالَ سُلَيْمَانُ: " فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: إنى لم أعنك، إنما دعوت فلاناً، فقال - عليه السلام -: " تسموا باسمى، ولا تكنوا بكنيتى "، قال الإمام: ذهب جماعة من أهل (¬1) العلم إلى أن هذا مقصور على حياة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه قد ذكر سبب الحديث: أن رجلاً نادى: يا أبا القاسم، فالتفت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: [إنى لم] (¬2) أعنك، إنما دعوت فلاناً، فقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى "، وقد أجاز مالك أن يتسمى محمدًا، ويكنى بأبى القاسم، وقد كان محمد بن أبى بكر جمع الأمرين الكنية والاسم، وجماعة من المحمديين (¬3) ولم ينكر ذلك عليهم، وقد أخذ بعض الناس (¬4) بظاهر الحديث ولم يقصره على زمن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

_ (¬1) فى ح: أفضل. (¬2) من ح. (¬3) وقد أخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه أن محمد بن الحنفية وابن الأشعث وابن أخت عائشة كانوا يكنون بأبى القاسم 6/ 160. (¬4) منهم: الشافعى، وأهل الظاهر، وأبو بكر بن المنذر. انظر: المجموع 8/ 439.

(...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: وُلِدَ لِرَجُلٌ مِنَّا غُلام، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقُلْنَا: لا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلا نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ". (...) وحدّثنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيعٍ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - كِلاهُمَا عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: وَلا نُنْعِمُكَ عَيْنًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: كان المنافقون والمستهزئون يعنون النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا، فلما أجابهم قالوا: لم نعنك؛ استهزاء واستخفافاً، فنهى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عن هذا. ففيه ما يجب من توقير النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) وتخصيصه بالبر والإكرام، وأن يتميز فى حقوقه من غيره، وقد قال الله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} (¬2)، قيل فيه: لاتنادوه باسمه ولكن عظموه ووقروه، ونادوه بأشرف ما يحب: يا نبى الله، يا رسول الله، على أحد التأولين. واختلف الناس، هل النهى عام أو خاص أو هو منسوخ؟ فذهب طائفة من السلف - وهو مذهب أهل الظاهر - إلى أن التكنى وحده بأبى القاسم ممنوع، كيف كان الاسم، على ظاهر هذا الحديث. وذهب آخرون من السلف إلى منع التكنى بأبى القاسم، وكذلك تسمية الولد: القاسم؛ لئلا يكون سببها التكنية، حتى غير مروان - حين بلغه الحديث - اسم ابنه عبد الملك، وكان اسمه القاسم، فسماه حينئذ عبد الملك، وفعله بعض الأنصار - أيضاً - وحجتهم ظاهر هذا الحديث أيضاً. وذهب آخرون من السلف - أيضاً - إلى أن الممنوع الجمع بين الكنية والاسم، وأنه لا بأس بالتكنى بأبى القاسم مجردًا، ما لم يكن الاسم محمدًا أو أحمد، أو بالتسمية بأحمد أو محمد مجردًا، ما لم تكن التكنية بأبى القاسم. وروى فى ذلك حديث جابر عنه - عليه السلام -: "من تسمى باسمى فلا يتكنى بكنيتى، ومن تكنى بكنيتى فلا يتسمى باسمى" (¬3). وذهب آخرون إلى أن النهى فى ذلك منسوخ بالرخصة، والإباحة لذلك منهم بحديث على، وطلحة، واستشهاد على ناسًا أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص فى ذلك (¬4) وهو قول ¬

_ (¬1) سقط فى ح. (¬2) النور: 63. (¬3) أبو داود، ك الأدب، ب من رأى ألا يجمع بينهما 4/ 292 رقم (4966). (¬4) انظر: أبا داود، السابق، وكذا الترمذى، ك الأدب، حديث رقم (2843) وقال: حديث صحيح 5/ 137.

8 - (2134) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَسَمَّوْا بِاسْمِى، وَلا تَكَنَوْا بِكُنْيَتِى ". قَالَ عَمْرٌو: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَلَم يَقُلْ: سَمِعْتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أكثر السلف، وقول جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وقد سمى جماعة ممن لا تنعد منهم أبناءهم: محمدًا، وكنوهم بأبى القاسم. وذهب لطبرى إلى أن هذا ليس بنسخ، وأنما كان من النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على [جهة] (¬1) الندب لا [على] (¬2) الإيجاب (¬3). قال القاضى: وهذا لا يخلصه من النسخ؛ فإن الندب حكماً من أحكام الشرع، وإذا نهى عن شىء لذلك ثم أباحه، فقد نسخ حكمه من الندب والكراهة إلى حكم الجواز والإباحة. وشذ آخرون، فمنعوا التسمية باسم النبى جملة، كيفما تكنى، وروى فى ذلك عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث: " تسموا (¬4) أولادكم محمدًا، ثم تلعنوهم " (¬5). وقد كتب عمر إلى الكوفة: لا تسموا أحدًا باسم نبى. وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم (¬6) محمدًا، حتى ذكر له جماعة أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماهم بذلك فتركهم، والأشبه أن فعل عمر لهذا إعظامًا لاسم النبى وتوقيرًا له، كما جاء فى الحديث: " يسمون أبناءهم محمدًا، ثم يلعنونهم " (¬7). وقيل: إن سببه أنه سمع رجلاً يقول لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب: فعل الله بك يا محمد وصنع بك، فدعا عمر به وقال: لا أرى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسب بك، والله لا تدعى محمدًا أبداً ما بقيت، وسماه بعبد الرحمن، فبذلك يعرف. وقوله: " فإنما أنا قاسم، أقسم بينكم ": يشعر أن الكنية إنما تكون بسبب وصف ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) انظر: الفتح لابن حجر 10/ 473، الأحكام للآمدى 1/ 91. (¬4) فى الأصل: سموا، وهو تصحيف. (¬5) أخرجه أبو يعلى فى مسنده 6/ 116، والبزار فى كشف الأستار، رقم (1987) بلفظ: " تسمونهم محمدًا، ثم تسبونهم "، قال الهيثمى فى المجمع: رواه أبو يعلى والبزار، وفيه الحكم بن عطية، وثقه ابن معين، وضعفه غيره، وبقيه رجاله رجال الصحيح 8/ 48. (¬6) أبناء طلحة بن عبيد الله. انظر: مسند أحمد 4/ 216، والهيثمى فى مجمع الزوائد 8/ 51 وقال: رجال أحمد رجال الصحيح. (¬7) السابق عند أبى يعلى والبزار.

9 - (2135) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ - وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُوَنِى. فَقَالُو ا: إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} (¬1). وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا. فَلَمَّاَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: " إنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح لازم فى المكنى، أو بسبب اسم ابنه (¬2). وقد كان للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن من خديجة اسمه القاسم، ولما ولد له من مارية إبراهيم جاء فى حديث: أن جبريل قال له: " السلام عليك يا أبا إبراهيم " (¬3)، لكن ذلك جائز كيف كان. وقد قال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأخى أنس وهو صغير: " يا أبا عمير " (¬4). وفى هذا الحديث - وغيره من الأحاديث - جواز التكنى؛ لأن فيه إلطافاً وبراً وإكباراً عن ذكر اسم المكنى، وقد جاء فى حديث: " تكنوا، فإنه أكرم للمكنى " (¬5) وقال عمر: " عجلوا بكنى أبنائكم، لا تسرع إليهم ألقاب السوء " (¬6). ولا خلاف بين العلماء فى التكنية للرجل بابنه. وقوله: " كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم ": حجة فى جراز التسمى بأسماء الأنبياء، وقد ذكر أبو داود وغيره حديثًا عن أبيه أنه قال فيه: " تسموا بأسماء الأنبياء" (¬7)، وقد ذكر عن عمر: لا يتسمى أحد باسم نبى، وكتب بذلك إلى أهل الكوفة. ولعل تأويله ماقدمناه؛ من تنزيه أسمائهم عن العبث (¬8) بها فيمن سميت به، توقيراً لهم، وتنزيهاً عن ذم أسمائهم، وأن يسمى بها غيرهم. وقد سمى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنه إبراهيم وسمى غيره محمدًا، وتسمى جماعة بأسماء الأنبياء فلم ينكر عليهم، وقد وردت الكراهة بالتسمى بأسماء الملائكة عن بعص العلماء، وروى ذلك عن الحارث بن ¬

_ (¬1) مريم: 28. (¬2) فى ز: أبيه، والمثبت من ح. (¬3) انظر: مجمع الزوائد 4/ 333، وفيه ابن لهيعة، وعزاه للطبرانى ولم نجده فى الأوسط المطبوع، انظر: المجمع أيضاً 9/ 164. (¬4) سيأتى فى ب استحباب تحنيك المولود عند ولادته رقم (30) من هذا الكتاب. (¬5) و (¬6) لم أعثر على هذا الحديث فيما تحت يدى من مصادر. (¬7) أبو داود، ك الأدب، ب تغيير الأسماء 4/ 287. (¬8) فى الأصل: العقب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسكين (¬1)، وكره مالك التسمى بجبريل وياسين (¬2). ¬

_ (¬1) هو ابن محمد بن يوسف أبو عمر الفقيه المحدث الثبت، قاضى القضاة بمصر، ولد سنة 154 هـ، وكان قوالاً بالحق، من قضاة العدل، أثنى عليه أحمد بن حنبل، ووثقه النسائى، وقال ابن معين: لا بأس به، توفى سنة 250 هـ. الجرح والتعديل 3/ 90، وفيات الأعيان 2/ 56، وتذكرة الحفاظ 2/ 514. (¬2) المنتقى، ك الجامع، ب ما يكره من الأسماء 7/ 296.

(2) باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، وبنافع ونحوه

(2) باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، وبنافع ونحوه 10 - (2136) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الرُّكَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ الرُّكَيْنَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب - قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَمِّىَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَة أَسْمَاءٍ: أَفْلَحَ، وَرَبَاحٍ، وَيَسَارٍ، وَنَافِعٍ. 11 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَن الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُسَمِّ غُلامَكَ رَبَاحًا، وَلا يَسَارًا، وَلا أَفْلَحَ، وَلا نَافِعًا ". 12 - (2137) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ عُمَيلَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحَبُّ الْكَلامِ إلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لايَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ، وَلا تُسَمِّينَّ غُلامَكَ يَسَارًا، وَلاَ رَبَاحًا، وَلا نجِيحًا، وَلا أَفْلَحَ، فإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فلا يَكُونَ. فَيَقُولُ: لا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن نسمى رقيقنا بأربعة أسماء: أفلح، ورباح، ويسار، ونافع "، وفى الحديث الآخر: " نجيحًا " مكان " نافع "، وفى حديث جابر: نهانا أن يسمى [بيعلى] (¬1) أو بركة وأفلح ويسار ونافع، ونحو ذلك، وفى بعض نسخ مسلم: " يعلى " مكان " مقبل " والأشبه أنه تصحيف، والمعروف: " مقبل "، وقال أَخر الحديث: " ثم سكت عنها ": دل اختلاف هذه الروايات مع قوله: " ونحو ذلك " على أنه لم يختص هذه الأسماء المنصوصة، بل فى معناها؛ للعلة التى ذكرت فى الحديث فى كتاب مسلم من قوله: " أثم؟ " فلا يكون فيقول: " لا " بينه فى غير مسلم (¬2)، يعنى: يقال: أثم أفلح أو نجيح؟، فيقال: لا. وقول سَمُرَةَ: " إنما هى أربع، فلا تزيدوا علىَّ ": يعنى التى سمع، وروى هو، وإلا فقد جاء فى حديث جابر ما ذكرناه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: نفيل، وفى ح: مقبل، والمثبت من الصحيحة المطبوعة. (¬2) ابن أبى شيبة 6/ 159، وأبو داود، ك الأدب، ب ما جاء فى تغيير الاسم القبيح 4/ 290.

إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ، فَلا تَزِيدُنَّ عَلَىَّ. (...) وحدّثنا إِسحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنِى جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ، بِإِسْنَادِ زهُيْرٍ. فَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ وَرَوْحٍ، فَكَمِثْلِ حَدِيثِ زهُيْرٍ بِقِصَّتِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ شُعْبَةَ فَلَيْسَ فِيهِ إِلا ذِكْرُ تَسْمِيَةِ الْغُلامِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَلامَ الأَرْبَعَ. 13 - (2138) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَرَادَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهِى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى، وَبِبَرَكَةَ، وَبِأَفْلَحَ، وَبِيَسَارٍ، وَبِنَافِعٍ، وَبِنَحْوِ ذَلَكَ. ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قُبِضَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ. ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول جابر: " ثم سكت عنها ": دليل أنه ترك النهى، وأن نهيه أولاً إنما كان نهى تنزيه وترغيب؛ مخافة سوء القال، وما يقع فى النفس مما ذكره وعكس ما قصده المسمى بهذه الأسماء من حسن الفأل. وقد كان للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام اسمه رباح، ومولى اسمه يسار، وسمى ابن عمر غلامه نافعاً. وفل هذا كراهته اسم حزن وسماه سهلاً (¬1). وكراهية اسم حرب ومرة (¬2) لقبح معانيها، وكراهة النفوس لها. وكذلك غير اسم غراب (¬3) لتشاؤم العرب به، ولما فى اسمه من الغربة ولخبثه وفسقه. وقد غير اسم شيطان (¬4) وحُباب (¬5)، وقيل أيضاً: لأنه اسم الحية. وغير اسم أصرم (¬6)؛ لما فيه من ذكر الصرم وهو القطيعة (¬7). واسم شهاب (¬8)؛ لأنه شعلة من نار. ذكر مسلم فى آخر الباب: حدثنا محمد بن أحمد بن أبى خلف، ثم ذكر بعده ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأدب، ب اسم الحزن 8/ 53. (¬2) الموطأ، ك الجامع، ب ما يكره من الأسماء 2/ 973. (¬3) أبو داود، ك الأدب، ب فى تغيير الاسم القبيح 4/ 289. (¬4) انظر: معالم السنن 5/ 242. (¬5) انظر: النهاية 1/ 327. (¬6) أبو داود، ك الأدب، ب تغيير الاسم القبيح 4/ 288. (¬7) و (¬8) معالم السنن 5/ 240.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أحمد بن حنبل فى تغيير اسم عاصية (¬1)، وهما ثابتان فى النسخ للرواة إلا عند السمرقندى فسقطا له. ¬

_ (¬1) الحديث رقم (14) من الباب التالى.

(3) باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرية ونحوها

(3) باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرية ونحوها 14 - (2139) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ. وَقَالَ: " أَنْتِ جَمِيلَةُ ". قَالَ أَحْمَدُ مَكَان " أَخْبَرَنِى ": " عَنْ ". 15 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالَ لَهَا: عَاصِيَةُ. فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ. 16 - (2140) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - مَوْلَى آل طَلْحَةَ - عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ جُوَيْرِيَة اسمُهَا بَرَّةُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ أَبِى عُمَرَ، عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كانت جويرية اسمها برة، فحول اسمها جويرية "، وكان [يكره] (¬1) أن يقال. خرج من عند برة، وقوله: " إن زينب كان اسمها برة فقال: تزكى نفسها، فسماها زينب "، ذكر ذلك فى ابنة جحش وفى بنت أبى سلمة، ونهى عن هذا الاسم، وقال: " لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم ": فقد بين (¬2) فى هذين الحديثين علة تغيير هذين الاسمين وما فى معناهما من التزكية أو مخافة سوء الفأل. وكره مالك التسمى بمهدى لما فيه من التزكية - والله أعلم. وقوله: " إن ابنة لعمر كان يقال لها: عاصية، فسماها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميلة (¬3) ": ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) فى الأصل: مرّ، والمثبت من ح. (¬3) لم أجد " جميلة " بنتاً لعمر بل زوجة عمر بن الخطاب وليست ابنته، وجاء ذلك فى الإصابة. انظر: 4/ 245، حرف الجيم رقم (332). وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 201، وسنن أبى داود 4/ 288، وسنن الترمذى 5/ 123، ومسند أحمد 2/ 18، وابن ماجه 2/ 1230.

17 - (2141) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، سَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَة. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ ابْنِ مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ. فَقِيلَ: تُزَكِّى نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لهَؤُلاءِ دُونَ ابْنِ بَشَّار. وَقَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ. 18 - (2142) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِاءٍ، حَدَّثَتْنِى زَيْنَبُ بِنْتُ أَمِّ سَلَمَةَ. قَالَتْ: كَانَ اسْمِى بَرَّةَ، فَسَمَّانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ. قَالَتْ: وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَاسْمُهَا بَرَّةُ، فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ. 19 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِى حَبِيبٍ. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمَّيْتُ ابْنَتِى بَرَّةَ. فَقَالَتْ لِى زَيْنَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ففيها النهى عن التسمى بما فيه تزكية، أو بما فيه قبح (¬1) من الأسماء، أو شارك فى معناه صفات الذم؛ من العصيان وشبه ذلك، ألا ترى أنه قد نبه فى الحديث المتقدم - فِى الجهاد - أنه غير اسم العاص بن الأسود بالمطيع. وقد غير - عليه السلام - اسم حكيم وعزيز لما فيه من التسمية (¬2) بأسماء الله وصفاته، وكذلك بـ " ملك الأملاك " لما فى ذلك من التعاظم والكبر المذموم عند الله، وأن " ملك الأملاك " صفة لا تليق بغير الله - تعالى - كما ذكر فى الحديث. وكذلك الذى تسمى بـ " عتلة " لما فيه من القوة والوصف بالغلظة، وهو من جهة الكبر والتجبر. وفيه تحويل الأسماء إلى ما هو أحسن وأولى، وذلك على طريق الندب والترغيب، إلا ¬

_ (¬1) فى الأصل: فتح، والمثبت من ح، وهو الصواب. (¬2) فى الأصل: التشبه، والمثبت من ح.

بِنْتُ أَبِى سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا الاِسْمِ، وَسُمِّيتُ بَرَّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ، اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ "، فَقَالُوا: بِمَ نُسَمِّيهَا؟ قَالَ: " سَمُّوهَا زَيْنَبَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ما جاء فى " ملك الأملاك "، فذلك ممنوع بالجملة وحرام وقد جاء فيه [من] (¬1) الوعيد. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

(4) باب تحريم التسمى بملك الأملاك، وبملك الملوك

(4) باب تحريم التسمى بملك الأملاك، وبملك الملوك 20 - (2143) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو الأَشْعَثِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ - قَالَ الأَشْعَثِىُّ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخرَانِ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ أَخْنَع اسْمٍ عِنْدَ الله رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمَلاكِ ". زَادَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فِى رِوَايَتِهِ: " لا مَالِكَ إِلا اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ". قَالَ الأَشْعَثِىُّ: قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ؟ فَقَالَ: أَوْضَعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله ": فسره أبو عمر، فى الكتاب بمعنى: أوضع، أى أشد ذلاً وصغارًا. وفيه تجوز على حذف المضاف أن ذلك راجع إلى أصحابها والمسمين بها عند الله بقدر ما قصدوا من ضد ذلك، ويدل عليه قوله فى الرواية الأخرى: " أغيظ رجلٍ على الله يوم القيامة ". وقد يستدل بهذا على أن الاسم هو المسمى. وقيل: " أخنع " بمعنى: أفجر، يقال: خنع الرجل إلى المرأة وخنعت إليه: إذا أتاها إلى الفجور، وهذا بمعنى " أخبث " فى الرواية الأخرى، أى أكذب الأسماء، وقيل: أقبح وأفجر (¬1): [وجاء فى بعض روايات البخارى " أخنا " (¬2) وهو بمعنى ما تقدم، أى أفحش وأفجر] (¬3). والخنا: الفحش ويكون أيضاً بمعنى: أهلك لصاحبه المسمى بذلك. والإخناء: الهلاك، يقال: أخنا عليه الدهر: أهلكه، وخنا الدهر: أماته، وقد ذكر أبو عبيد أنه روى: " أنخع "، أى أقتل وأهلك، والخنع: القتل الشديد (¬4). ¬

_ (¬1) الترمذى 5/ 123 (2837). (¬2) ك الأدب، ب أبغض الأسماء إلى الله 8/ 56. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬4) انظر: غريب الحديث 2/ 17، 18.

21 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبَّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ، رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ، لا مَلَكَ إِلا اللهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وأخبثه وأغيظه عليه " كذا جاءت الرواية فى جميع النسخ: " أغيظ " تكرراً فى الموضعين من الغيظ، وليس وجه الكلام، ولا شك أن فيه وهماً إما من تكريره أو من تغييره. قال بعض الشيوخ (¬1): لعل أحدهما: " أغنط " بالنون والطاء المهملة، أى أشده عليه. الغنط: شدة الكرب، وكلا اللفظين مشكل المعنى. قال الإمام: " أغيظ " هنا مصروف عن ظاهره، والبارى - سبحانه - لا يوصف بالغيظ، وقد يريد به هاهنا معنى الغضب، وقد تقدمت الإشارة إلى معنى الغضب والرحمة، وبسطنا القول فى الطلاق (¬2) هذه التسميات والمراد ما يكون عنها على حسب ما تقدم بيانه فى مواضعه (¬3). قال: والأسماء تكره لمعانٍ: أحدها: ما ذكر فى الحديث المتقدم فى " رباح وأفلح ". والثانى: يقبح المعنى المشتق منه كتغييره اسم عاصية بجميلة، وقد يكره أيضاً لتزكية النفس، كنهيه عن اسم برة، وتغييره اسمها، وقال: " لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم " (¬4)، فقالوا: بم نسمها؟ قال: " سموها زينب "، وفى بعض طرقه: فحول اسمها جويرية (¬5)، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة، وهذا يعود إلى المعنى الأول، فقد يكره لما فيه من التعظيم والكبر كالتسمية بملك الأملاك. قال القاضى: مفهوم ما ذكره فى تغيير اسم برة بزينب وجويرية: أنه اختلاف فى أسم امرأة واحدة وليس كذلك، وإنما هى ثلاثة أحاديث فى ثلاث نسوة بينة فى الكتاب غير مشكلة؛ أحدهما: فى جويرية بنت الحارث، والأخرى: فى زينب بنت جحش، والثالث: فى زينب بنت أبى مسلمة، ربيبته. وقوله: " قال سفيان مثل: شاهان شاه ": كذا روايتنا فى هذا الكتاب، وفى رواية: " شاه شاه "، قال بعضهم: قول من قال فى هذا: " شاه شاهان " بالعكس أصوب، وكذا جاء فى بعض الأخبار عن كسرى وشاه ملك، وشاهان الملوك، وكذلك يقولون فى ¬

_ (¬1) منهم: القاضى أبو الوليد الكنانى. انظر. شرح النووى 14/ 721. (¬2) فى ح: إطلاق. (¬3) الصحيح - وهو مذهب السلف - إثباتها بلا تأويل ولا تكييف. (¬4) حديث رقم (19) بالباب السابق. (¬5) سبق فى حديث رقم (16) بالباب السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قاضى القضاة: موبذ موبذان. قال القاضى: ولا ينكر ما جاءت به الرواية من لا ينكر فى كلام العجم قلب الكلام والتشبيه، فهو أصل من أصول كلامهم، كأنهم يقولون: الملوك هذا ملكهم، وكذلك أكثر كلامهم. وفسر الحديث عن سفيان: هو أن يتسمى بأسماء الله، كالعزيز، والجبار، والرحمن، وغيره.

(5) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله وإبراهيم وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام

(5) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله وإبراهيم وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام 22 - (2144) حدّثنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّاد، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَن ثابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ بَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلَحَةَ الأَنْصَارِى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُلِدَ. وَرَسُوَلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى عَبَاءةٍ يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ. فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَنَاوَلْتُهُ تَمَرَاتٍ، فَأَلْقَاهُنَّ فِى فِيهِ، فَلاكَهُنَّ، ثُمَّ فَغَرَ فَا الصَّبِىِّ فَمَجَّهُ فِى فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " [ذهبت] (¬1) بعبد الله بن أبى طلحة حين وُلِدَ، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه التبرك بالصالحين ودعائهم، وأن هذه سورة (¬2) حسنة فى المولود: أن يذهب به للرجل الصالح والعالم يدعو له ويسميه. وقوله: " فوجدته فى عباءة ": هى كساء فيه خطوط سود واسعة، وجمعه عباء. وقوله: " يهنأ بعيراً له "، قال الإمام: قال أبو عبيد: يقال: هنأت البعير أهنأه وأهنوه، والهناء: القطران، قال الشاعر: مبتذلاً تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النقب (¬3) وقوله: " فتناول تمرات فألقاها فى فيه فلاكهن "، قال القاضى: أى مضعهن وردهن فى فيه ليرطبهن للصبى، واللوك يختص بمضغ الشىء الصلب. وقوله: " فغر فا الصبى فمجه فى فيه "، قال الإمام: فغره: أى فتحه. قال القاضى: ومجه فيه: أى طرحه، والمج: الطرح من الفم من مائع، وهو مثل قوله فى حديث ابن الزبير: " فمضغها ثم بصقها فى فيه ". قوله: " فجعل الصبى يتلمظه ": أى يحرك لسانه لطلبه فى فيه. والتلمظ واللمظ: فعل ذلك باللسان إثر الأكل لتتبع بقاء الطعام فى الفم والشفتين، وأكثر ما يستعمله الإنسان فيما يستطيبه. واسم الذى فى الفم منه: لُماظة بضم اللام. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) فى ح: سيرة. (¬3) انظر: غريب الحديث لأبى عبيد 4/ 79.

فَجَعَلَ الصَّبِىُّ يَتَلَمَّظُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُبُّ الأَنْصَارِ التَّمْرُ "، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ. 23 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ يَشْتَكى، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِىُّ. فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِى؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ. فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا. فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبِىَّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: " أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حب الأنصار التمر، وسماه عبد الله "، ومثله فى حديث ابن الزبير: " وأنه مسحه وصلى عليه " أى دعى، كما قال فى الحديث الآخر، وذكر أيضاً فى حديث أبى موسى: " ولد لى غلام فأتيت به النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة " وفى حديث سهيل (¬1): " أنه سمى ولد أبى أسيد: المنذر ": فى هذا كله جواز التسمى بالأسماء الحسنة والصحيحة المعنى والسالمة من الوجوه المتقدمة المذكورة، وأن قوله: " أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن " غير مانع من التسمية بغير ذلك؛ إذ لو اقتصر الناس على التسمية بذلك وشبهه لاشتبهت الأسامى ولم يقع التمييز والتعارف التى لأجلها وضعت. وفيه أن فعل [مثل] (¬2) هذا من تحنيك الصبى مستحسن ولاسيما بالتمر؛ اتباعاً لفعل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبركاً باتباعه، وإنما فعلوا ذلك ليكون أول شىء يدخل فى جوفه ما خالط ذلك من ريق النبى - عليه السلام. وفيه: جواز تسمية المولود حين يولد. وفيه ما كان - عليه السلام - من كرم الأخلاق وحسن العشرة من وضع الأطفال والمواليد على فخذه وفى حجره. وفى قصة أبى طلحة وأم سليم وقولها فى ابنه حين مات: " هو أسكن مما كان " حتى تعشى أبو طلحة [وأم سليم] (¬3) وأصاب من زوجته: ما كانت عليه أم سليم من الفضل والصبر والتسليم. وفيه جواز المعاريض، وأنها ليست من الكذب، كما يقال: فى المعاريض مندوحة عن الكذب؛ إذ أرادت هى سكون حركاته بالموت، وجاءت بلفظ مشترك، وفهم أبو طلحة منه سكون ما به من وجع وألم. وقوله - عليه السلام -: " أعرستم الليلة ": كناية عن المجامعة، قال الأصمعى: يقال: أعرس الرجل: إذا دخل بامرأته، ولا يقال فى هذا: عرّس، وقال الخليل: ¬

_ (¬1) فى ح: سهل. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) سقط من ح.

قَالَ: " اللَّهُمَ، بَارِكْ لَهُمَا "، فَوَلَدَتْ غُلامًا. فَقَالَ لِى أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِىَ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَى بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعَثَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَها النّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَمَعَهُ شَىْءٌ؟ ". قَالُوا. نَعَمْ، تَمَرَاتٌ. فَأَخَذَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ، فَجَعَلَهَا فِى فِى الصَّبِىِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ. 24 - (2145) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْد، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: ولِدَ لِى غُلامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بتَمْرَةٍ. 25 - (2146) حدّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْحَاقَ - أَخْبَرَنِى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ، حِينَ هَاجَرَتْ، وَهِىَ حُبْلَى بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَدِمَتْ قُبَاءً، فَنُفِسَتْ بِعَبْدِ الله بقُبَاءٍ، ثُمَّ خَرَجَتْ حِينَ نُفِسَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَنِّكَهُ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا فوَضَعَهُ فِى حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَكَثْنَا سَاعَةً نَلْتَمِسُهَا قَبْلَ أَنْ نَجِدَهَا، فَمَضَغَهَا، ثُمَّ بَصَقَهَا فِى فِيهِ، فَإِنَّ أَوَّلَ شَىْءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لِرِيقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَتْ أَسْمَاءُ: ثُمَّ مَسَحَهُ، وَصَلَّى عَلَيهِ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ، ثُمَّ جَاءَ - وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ - لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رآهُ مُقْبِلاً إِلَيهِ، ثُمَّ بَايَعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحسن ذلك أن يقال: أعرس: إذا اتخذ عرساً. وفيه إجابة [دعوة] (¬1) النبى لقوله: " اللهم بارك لهما "، فولدت غلاماً، فكان من أفاضل الصحابة، ثم ولد فضلاء عدة، فقهاء علماء: إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة وأخوته العشرة. وقوله: " احمله إلى النبى، فبعث معه بتمرات " لتقريب ذلك وتيسيره كيلا يحتاج إلى طلب ذلك، كما جاء فى حديث ابن الزبير: " فمكثنا ساعة نلتمسها "، وفى الحديث: " فعز علينا طلبها ". ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

26 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ أَنَّهَا حَمَلَتْ، بِعَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِى حَجْرِهِ، ثُمِّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِى فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُوَدٍ وُلِدَ فِى الإسْلامِ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكَرٍ؛ أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِىَ حُبْلَى بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ. 27 - (2147) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ - يَعْنِى ابْنَ عُرْوَةَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانَ، فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَنِّكهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أسماء: " أنها حملت بعبد الله بمكة قالت: فخرجت وأنا متم فأتينا المدينة ": كذا وجدته مضبوطاً فى كتابى الذى سمعته وقيدته عن شيوخنا الأسدى وغيره بسكون التاء، [وعند ابن عيسى] (¬1) " متم " بكسر التاء، وكذا فى سائر النسخ. ولغيره وهو أصوب؛ لأنها قد ذكرت أنها وضعت قبل وصولها للمدينة بقباء، وكذا ذكره البخارى (¬2)، يقال للمرأة إذا حان لها أن تضع، قاله الكسائى. وأما " المتم " بالسكون: فالتى تأتى بتوأمين معًا فى بطن وليس من هذا - والله أعلم - ممن جاء الوهم فيه. وفى الحديث كله مناقب لابن الزبير من أنه أول شىء دخل جوفه ريق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه دعى له وبارك عليه، وأنه أول مولود ولد فى الإسلام. وفى قوله: " مسحه وصلى عليه ": أى دعى، جواز المسح على من يدعى له من مريض أو غيره، وقد كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذلك، وفعله الأنبياء والفضلاء والصالحون. قال الإمام: ذكر مسلم سند حديث أبى طلحة فى الباب: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك. هكذا جاء فى الإسناد: " ابن سيرين " غير مسمى. وأخرجه البخارى عن نضر، عن ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) البخارى، ك العقيقة، ب تسمية المولود غداة يولد 7/ 108.

28 - (2148) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جِئْنَا بعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ، فَطَلَبْنَا تَمْرَةً، فَعَزَّ عَلَيْنَا طَلَبُهَا. 29 - (2149) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنِ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ابْنُ مُطَرِّفٍ، أَبُو غَسَّانَ - حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أُتِىَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِى أُسَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وُلِدَ - فوَضَعَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ. فَلَهِىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَىْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ عَلَى فَخِذِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْلبُوهُ، فَاسْتَفَاقَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " أَيْنَ الصَّبِىُّ؟ ". فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أَقْلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: " مَا اسْمُهُ؟ ". قَالَ: فُلانٌ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " لا، وَلَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِرْ " فَسَمَّاَهُ - يَوْمَئِذٍ - الْمُنْذِرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد بن هارون، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك. فسماه (¬1). قال القاضى [وقوله] (¬2) فى حديث أبى أسيد: " فنهى (¬3) عنه ": كذا رويناه بفتح الهاء، يقال: لهيت عن الشىء، بالكسر، ألهى عنه: إذا انصرفت عنه، ولهى عنه، بالفتح: إذا اشتغل عنه بطرب أو نحوه، وألهانى كذا وكذا: شغلنى، ومنه قول عمر: " ألهانى السفق بالأسواق " (¬4)، وقيل: " لهى " لغة طىء فى هذا الباب، وكذا رقى وثوى وتوى وغيرهم يقولون: لهى ورقى وثوى وتوى بالكسر. وأما من اللهو فلا يقال: إلا لهى، بالفتح، يلهو. قوله: " فأقلبوه ": أى صرفوه، كذا رويناه فى الكتاب، والمعروف فى مثل هذا قلبوه مخففاً ثلاثياً، قال صاحب الأفعال: قلبت الشىء: رددته، وقلبت الصبى. قال الأصمعى: ولا يقال: أقلبته، وتسميته [له] (¬5) بالمنذر، قيل: لموت ابن عم أبيه المنذر بن عمرو، استشهاده يوم بئر معونه، وهو كان أميرهم وهو المنعى (¬6) ليموت تفاؤلاً ليكون خلفاً منه، وكلاهما من بنى ساعدة. وأبو أسيد أبوه مالك بن ربيعة، بضم الهمزة. وحكى ابن مهدى فيه عن سفيان بن أبى أسيد، بفتحها. قال ابن حنبل: وبالضم قاله عبد الرزاق ووكيع، وهو الصواب. ¬

_ (¬1) البخارى، ك العقيقة، ب تسمية المولود غداة يولد 7/ 109. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى ح، فلهى. (¬4) سيأتى فى هذا الكتاب، حديث رقم (36). (¬5) ساقطة من ح. (¬6) فى ح: المعنق.

30 - (2150) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيْمَان بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِث، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًاَ، وَكَانَ لِى أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ. قَالَ: أَحْسبُهُ قَالَ: كَانَ فَطِيمًا. قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ قَالَ: " أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ ". قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " كان لى أخ يقال له أبو عمر (¬1) " أحسبه قال: " فطيمًا "، فكان إذا جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآه قال: " أبا عمير، ما فعل النغير " قال: فكان يلعب به، النغير: تصغير النغر، وهو طائر. قال صاحب العين: النغر: فراخ العصافير، الواحدة نغرة، والنغر أيضاً ضرب من الحمر (¬2). وقال الخطابى: النغر: طائر صغير، ويجمع نغران (¬3). قال الإمام: وفيه من الفقه جواز صيد المدينة وقد تقدم ذكره، وجواز التكنية للصغير ولايكون كذَّاباً، واستعمال السجع فى بعض الأحايين (¬4). قال القاضى: وفيه جواز المزاح والدعابة فيما ليس فيه إثم، وفيه جواز تصغير بعض الأسماء والمخلوقات، وفيه جواز لعب الصبى بالطير الصغير. ومعنى هذا اللعب عند العلماء إمساكه له وتلهيته بحبسه لا بتعذيبه والعبث به، وفيه ما كان عليه - عليه السلام - من الخلق الحسن والعشرة الطيبة مع الصغير والكبير، والانبساط إلى الناس. وقوله فى كتاب مسلم: " ما فعل النغير " قال: فكان يلعب به، كذا له. قال بعضهم: لعل هذا الكلام راجع إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أى يمازحه. وسمى اللعب مزاحاً كما جاء فى الحديث الآخر (¬5): " يمازحه "، والأظهر هنا فى قوله: " يلعب هنا به " عائد إلى النغير، كما فسره فى الرواية الأخرى: " كان نغيراً يلعب به فمات " (¬6). ¬

_ (¬1) فى ح: عمير. (¬2) فى ح: الحمرة. (¬3) انظر: معالم السنن للخطابى، ك الأدب، ب ما جاء فى الرجل يتكنى 7/ 264. (¬4) انظر: السابق، التمهيد 6/ 313، المغنى 3/ 369. (¬5) انظر: مسند أحمد 3/ 188. (¬6) أبو داود، ك الأدب، ب ما جاء فى الرجل يتكنى وليس له ولد 2/ 589.

(6) باب جواز قوله لغير ابنه: يا بنى، واستحبابه للملاطفة

(6) باب جواز قوله لغير ابنه: يا بنى، واستحبابه للملاطفة 31 - (2151) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ. قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا بُنَىَّ ". 32 - (2152) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى عُمَرَ - قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِى: " أَىْ بُنَىَّ، وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لَنْ يَضُرَّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعَهُ أَنْهَارَ الْمَاءِ وَجِبَالَ الْخُبْزِ. قَالَ " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا سُرَيْجُ ابْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيَل، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ: " أَىْ بُنَىَّ " إِلا فِى حَدِيثِ يَزِيدَ وَحْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يا بنى ": فيه جواز قول الرجل للصبى والشاب: يا بنى، ويا ولدى. وجواز تصغير ذلك كما هنا. وتحقيقه: أنك فى السن بمنزلة ولدى، أو فى الحنان والمحبة. وقوله فى الدجال: " وما ينصبك منه: من النصب والمشقة أى ما يشق عليك ويعنتك، وهو ناصب، بمعنى: منصب شاق. وهذه رواية الكافة، وفى رواية الهوزنى: " مضيك " (¬1) بالضاد بعدها ياء باثنتين تحتها، وهو بعيد - والله أعلم - بعد التخريج، وأقرب ما فيه من معانى هذه اللفظة: الهزال، جمل نضو: أنضاه السفر أى أهزله، والرجل مثله وهو فى الدواب أكبر (¬2) استعمالاً، فإن صحت هذه الرواية فمعناه قريب من الأول، أى ما تهمك (¬3) حتى يهزلك ويذهب يجدها (¬4). وقوله فى الدجال: يزعمون أن معه أنهار الماء وجبال الخير (¬5)، " هو أهون على الله من ذلك " مع ما جاء فى الأحاديث الأخر مما يظهره الله من الفتن والعجائب على يديه، قد جاء الكلام عليها مستوفياً آخر الكتاب. ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، أما فى ح: ينضيك. (¬2) فى ح: أكثر. (¬3) فى ح: يهمك. (¬4) فى ح: لحمك هماً. (¬5) فى ح: الخبر.

(7) باب الاستئذان

(7) باب الاستئذان 33 - (2153) حدّثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا - وَاللهِ - يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: كُنْتُ جَالِسًا بِالْمَدِينَةِ فِى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ، فَأَتَانَا أَبُو مُوسَى فَزِعًا أَوْ مَذْعُورًا. قُلْنَا: مَا شَأنُكَ؟ قَالَ: إِن عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَىَّ أَنْ آتِيَهُ. فَأَتَيْتُ بَابَهُ فَسَلَّمْتُ ثَلاثًا فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأَتِيَنَا؟ فَقُلْتُ: إِنِّى أَتَيْتُكَ، فَسَلَّمْتُ عَلَى بَابِكَ ثَلاثًا، فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَىَّ، فَرَجَعْتُ، وَقَدْ قَاَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِذا اسْتَأذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعُ ". فَقَالَ عُمَرُ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبينَّةَ وَإلا أَوْجَعْتُكَ. فَقَالَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ: لا يَقُومُ مَعَهُ إِلا أَصْغَرُ الْقَوْمِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قُلْتُ: أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ قَالَ: فاذهَبْ بِهِ. (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِى عُمَر، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ فِى حَدِيثِهِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقُمْتُ مَعَهُ، فَذَهَبْتُ إِلَى عُمَرَ فَشَهِدْتُ. 34 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بن الأشَجِّ؛ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: كُنَّا فِى مَجْلِسٍ عِنْدَ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، فَأَتَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ مُغْضَبًا حَتَّى وَقَفَ. فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الاسْتِئْذَان ثَلاثٌ، فَإِنْ أُذْنَ لَكَ، وِإلا فَارْجِعْ ". قَالَ أُبَىٌّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: اسْتَأذَنْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث الاستئذان وقصة أبى موسى فى ذلك مع عمر بن الخطاب إذا استأذن عليه ثلاثاً فرجع. وقوله: إن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع " وقول عمر له: أقم البينة عليه وإلا أوجعتك - الحديث، قال الإمام: الاستئذان مشروع، وقد جاء الحديث بكونه ثالثاً. وأختلف أصحابنا: إذا ظن أنه لم يسمع هل يزيد على هذا العدد؟

ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُؤذَنْ لِى فَرَجَعْتُ، ثُمَّ جِئْتُهُ الْيَوْمَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّى جِئْتُ أَمْسِ فَسَلَّمْتُ ثَلاثًا، ثُمَّ انْصَرَفْتُ. قَالَ: قَدْ سَمِعْنَاكَ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ عَلَى شُغْلٍ، فَلَوْ مَا اسْتَأذَنْت حَتَّى يُؤْذَنَ لَكَ؟ قَالَ: اسْتَأذَنْتُ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَوَاللهِ، لأَوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ، أَوْ لَتَأتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا. فَقَالَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ: فَوَاللهِ، لا يَقُومُ مَعَكَ إِلا أَحْدَثُنَا سِنًّا، قُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ. فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا. 35 - (...) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا بشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ أَبَا مُوسَى أَتَى بَابَ عُمَرَ، فَاسْتَأذَنَ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ. ثُمَّ اسْتَأذَنَ الثَّانِيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: ثِنْتَانِ. ثُمَّ اسْتأذَنَ الثَّالثَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: ثَلاثٌ. ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتْبَعَهُ فَرَدَّهُ. فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا شَيْئًا حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَا، وَإِلا فَلأَجْعَلَنَّكَ عِظَةً، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَتَانَا، فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الاسْتئذَانُ ثَلاثٌ؟ ". قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أَتَاكُمْ أَخُوكُمُ الْمُسْلِمُ قَدْ أُفْزِعَ، تَضْحَكُونَ؟ انْطَلِقَ فَأَنَا شَرِيكُكَ فِى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ. فَأَتَاهُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو سَعِيدٍ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْجُرَّيْرِىِّ وَسَعِيدِ بْنِ يَزِيد، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، قَالا: سَمِعْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، بِمَعْنَى حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُفَضَّلٍ عَنْ أَبِى مَسْلَمَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيل: لا يزيد عليه أخذاً بظاهر الحديث، وقيل: له أن يزيد عليه؛ لأن التكرير المذكور فى الحديث يكون يراد به الاستظهار فى الإعلام فإذا ظن أنه لم يعلم فله الزيادة ليعلم به، وقال بعض أصحابنا: هذا إذا كان بأن يستدعى رجلاً باسمه فله أن يدعوه فوق الثلاث (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المنتقى 7/ 284، التمهيد 3/ 192.

36 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ؟ أَنَّ أَبَا مُوسَى اسْتأذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلاثًا، فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولاً، فَرَجَعَ. فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ تَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، ائذَنُوا لَهُ، فَدُعِىَ لَهُ. فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. قَالَ: لَتُقِيمَنَّ عَلَى هَذَا بَيِّنَةً أَوْ لأَفْعَلَنَّ. فَخَرَجَ فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالُوا: لا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلا أَصْغَرُنَا. فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ فقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: خَفَى عَلَىَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلْهَانِى عَنْهُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ - يَعْنِى ابْنُ شُمَيْل - قَالا جَمِيعًا حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيث النَّضْرِ: أَلْهَانِى عَنْهُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. 37 - (2154) حدّثنا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، قَالَ: جَاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ. فَلَمْ يَأذَنْ لَهُ. فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، هَذَا أَبُو مُوسَى: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، هَذَا الأَشْعَرِىُّ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: رُدُّوا عَلَىّ، رُدُّوا عَلَىَّ. فَجَاءَ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا رَدَّكَ؟ كُنَّا فِى شُغْلٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلا فَارْجِعْ ". قَالَ: لَتَأتِيَنِّى عَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستئذان صورته أن يقول: السلام عليكم. وهو بالخيار أن يسمى نفسه مع هذا أو يقتصر على التسليم. وقد ذكر مسلم فى بعض طرقه أن أبا موسى قال: السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس، السلام عليكم هذا أبو موسى، السلام عليكم هذا الأشعرى، فأضاف إلى السلام تسميته. وخالف بين ألفاظها [طلباً] (¬1) للتعريف لئلا يكون جهل الأول فعرف بالثانى، وكنى نفسه لعله ظن أن به يعرف. وقد تعلق من رد خبر الواحد بقول عمر لأبى موسى: " أقم عليه البينة وإلا أوجعتك "، وهذا لا تعلق فيه؛ لأن من يرد خبر الواحد لا يلزمه أن يضرب المخبر إذا لم يتبين كذبه، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

بِبَيِّنَةٍ، وَإِلا فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ. فَذَهَبَ أَبُو مُوسَى. قَالَ عُمَرُ: إِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً تَجِدُوهُ عِنْد الْمِنْبَرِ عَشِيَّةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً فَلَمْ تَجِدُوهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ بِالْعَشِىِّ وَجَدُوهُ. قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا تَقُولُ؟ أَقَدْ وَجَدْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُبَىَّ ابْنَ كَعْبٍ. قَالَ عَدْلٌ. قَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ يا ابْنَ الْخَطَّابِ؛ فَلا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ؛ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وعمر قد تهدده هاهنا. قال بعض الناس: إنما هذا حرص على التقليل من الخبر عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولئلا يكون إكثار الثقات سبباً لتقول الكذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقل، وقد روى عن عمر - رضى الله عنه - أنه قال: " أقلوا الخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا شريككم " (¬1). قيل: معناه: شريككم فى التقليل، ومما يؤيد أنه لم يذهب المذهب الذى ذهبوا إليه: أنه قال له فى بعض طرق مسلم: " يا أبا موسى، أوجدت؟ قال: نعم، أبى بن كعب، قال: عدل، قال: يا أبا الطفيل، ما يقول هذا؟ قال: سمعت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك يا ابن الخطاب، فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سبحان الله، إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت ". وقيل: إنما ذلك، لأنه صار كالدافع عن نفسه المعتذر عن فعله، فطلب شهادة غيره. وقوله: " ألهانى عنه الصفق بالأسواق ": قال الأزهرى: الصفاق: الكثير الأسفار والتصرف فى التجارة، وقال غيره: لأنهم (¬2) كانوا يصفقون أيديهم عند المبايعة، وسميت المبايعة بذلك فيكون المراد: ألهانى التجر فى الأسواق. قال القاضى: اختصاصه بالثلاث لئلا يخفى صوته، واستئذانه فى المرة الأولى، فكرر ثانية للبيان، ثم ثالثة لذلك، وليكون وتراً. وكذلك كان - عليه السلام - يكرر كثيراً مما يأمر به، ويؤكده ثلاثاً لهذين المعنيين - والله أعلم. فيه القيام بالحق بين أيدى الخلفاء لقول أبى لعمر ما قال. وفيه حماية الأئمة للشرع والتبيين أن يزاد فيها أو يتقول على النبى - عليه السلام - شىء. وفيه التغليظ بالقول. ويحتمل قوله: " لأجعلنك عظة، أو لأوجعن ظهرك وبطنك " أن يكون إذا تبين له أنه قال على النبى ما لم يقل وافترى عليه، لاسيما من قول أبى موسى: " هكذا كنا نؤمر "، ¬

_ (¬1) ابن ماجه، المقدمة، ب التوقى 1/ 12. (¬2) فى ح: لعلهم.

(...) وحدّثناه عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ طَلْحَةَ ابْنِ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا منْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَلا تَكُنْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَمَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فأحال القصة على جماعة، وسنة فاشية عندهم إن لم يجد ما ساعده عليها فيطرأ الوهم عليه. وأما ضحكهم من ذعر أبى موسى فلعجب رأوه من فرط هلعه وخوفه من إنفاذ عمر وعيده فيه لظاهر قوة لفظه، وكانوا قد أمنوا أن يجرى عليه شىء من دلك لملمهم بقوة حجته وسماعهم ما أنكر عليه من النبى - عليه السلام - فلم يهتموا بأمره.

(8) باب كراهة قول المستأذن: أنا، إذا قيل: من هذا؟

(8) باب كراهة قول المستأذن: أنا، إذا قيل: من هذا؟ 38 - (2155) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَوْتُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ هَذَا؟ ". قلْتُ: أَنَا. قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: " أَنَا، أَنَا!! ". 39 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لأبِى بَكْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا - وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: اسْتَأذَنْتُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ " فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا، أَنَا!! ". (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنِى وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمْ: كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث جابر: " أتيت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعوت، فقال النبى - عليه السلام -: من هذا؟ " قلت: أنا، فخرج وهو يقول: " أنا أنا "، وفى بعض طرقه: " كأنه كره ذلك ": قيل: إنما كره - عليه السلام - هذا من قوله؛ لأنه لم يزده من قوله: " أنا " إلا إبهاماً لما استفسره من قوله: " من هذا؟ " إذ لا يقتضى " أنا " تفسيراً وتعنيفاً (¬1) إلا لمن يعرف الصوت (¬2)، وإلا فهو تعنيفاً (¬3) غير مفيد، وقيل: بل أنكر عليه الاستئذان بالدق وتغيير السلام؛ لأنه فى غير كتاب مسلم: " فدققت الباب " (¬4). واستدل به بعضهم على جواز ذلك، وجواز ضرب باب الحاكم وإخراجه (¬5). وقد كره بعض العلماء أن يكون الاستئذان بغير السلام (¬6)، والذى جاء فى الآثار الجمع بينهما، وفى حديث أبى موسى [" السلام عليكم هذا أبو موسى "] (¬7) وفى حديث عمر: " السلام عليكم أيدخل عمر؟ " (¬8) وهذا قد يعرف صوته ويميز كلامه. ¬

_ (¬1) فى ح: تعييناً. (¬2) انظر: الخطابى فى معالم السنن 62/ 8. (¬3) فى ح: []. (¬4) البخارى، ك الاستئذان، ب من إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا 7/ 131. (¬5) انظر: عارضة الأحوذى 10/ 147. (¬6) منهم ابن عبد البر فى التمهيد 3/ 203، مصنف عبد الرزاق، ب الاستئذان بعد السلام 10/ 382. (¬7) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬8) أبو داود، ك الأدب، ب السلام 2/ 642، أحمد 1/ 303.

(9) باب تحريم النظر فى بيت غيره

(9) باب تحريم النظر فى بيت غيره 40 - (2156) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا الَّليْثُ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِى جُحْرٍ فِى بَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرَى يَحُكُّ بِهِ رَأسَهُ، فَلَمَّا رآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْتَظِرُنِى لَطَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنِكَ ". وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ ". 41 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِىَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِى بَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرً ى يُرَجِّلُ بِهِ رَأسَهُ. فَقَالَ لَهُ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ، طَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنِكَ، إِنَّمَا جَعَلَ اللهُ الإِذْنَ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرُو النَّاقِدُ وَزُهَيْرٌ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِياَدٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، كِلاهُمَا عَنِ الْزُّهْرِىِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيْثِ وُيونُسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أن رجلاً اطلع فى جحر من باب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مدرى يحك بها رأسه ". وفى رواية: " يرجل "، وقول النبى - عليه السلام -: " لو أعلم أنك تنظرنى لطعنت بها فى عينك، إنما جعل الإذن من أجل البصر "، وفى الحديث الآخر: " فكأنى أنظر إلى النبى يختله ليطعنه "، وفى الأخرى: " لو أن رجلاً اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح ": المدرى، بكسر الميم: المشاط (¬1)، وقال ثابت: نحو المشط، وقيل: هى أعواد تحدد وتجمع صفافاً يجعل منها شبه المشط، تجمع مدارى. قال النضر: المدرى: هو من عاج تنشر به المرأة شعرها وتجعده وترفعه فى السماء ثم تضعه. قال ابن كيسان: هو عود تدخله المرأة فى شعرها لتضم بعضه إلى بعض، وبه يشبه القرن، قاله ثابت، ومن أثبه (¬2) قال: ¬

_ (¬1) فى ح: المشط. (¬2) فى ح: أنثه.

42 - (2157) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى وَأَبِى كَامِلٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصِ أَوْ مَشَاقصَ، فَكَأَنِّى أَنْظُر إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعَنَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مدرارة (¬1) قال: ويقال: مدرية، قال غيره ويقال: مدراية. وقوله: " يحكه " يفسره قوله: " يرجل ". وفيه جواز ترجيل الشعر، وأنه من زى النبى - عليه السلام -[وأصحابه - رضى الله عنهم - وقد جاءت به الأحاديث من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2) بذلك وهو من النظافة وتحسين الزى وإكرام الشعر، وكره من ذلك الإكثار وهو الذى جاء فيه الحديث النهى عن الأرفاه، وفسره فى الحديث: الترجل فى كل يوم، ولأنه (¬3) خارج عن عادة الرجال ويشبه بعادة النساء واشتغال لازم بزينة الدنيا، ومضادة لقوله فى الحديث [الآخر] (¬4) التذاذه (¬5) من الإيمان، يريد فى بعض الأحيان، فلا يغفل عن الترجل بيده حتى يتشعث وتنكر حالته وصورته حتى يكون ثائر الرأس كأنه شيطان، ولا يواظب على ذلك كل يوم حتى يكون فى عدد المترفين والمشبهين بالنساء فى لزوم الزينة. وهذا يجمع هذه الأحاديث إن شاء الله تعالى وقد روى [الحديث] (¬6) المذكور: " كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن كثير من الأرفاه "، وهذا اللفظ يبين ما ذكرناه. وقوله: " إنما جعل الإذن من أجل البصر ": تنبيه على علة الاستئذان. وفيه حجة للعاصين (¬7) وأصحاب المعانى، ورد على أهل الظاهر عن المانعين من ذلك. ومعنى " يختله ": أى يراوغه ويغفله. وأصله الحذر، ومخادعة العبيد ومراوغته. وقوله: " فحذفته " بالحاء: أى رميته بحجر من (¬8) أصبعيك، وقد تقدم تفسيره فى أول الكتاب. [وبعده] (¬9). قال الإمام: قد تقدم الكلام على هذه الأحاديث، وذكرنا الخلاف بين العلماء وبين أصحابنا فى ضمان العين لو فقئت على هذه الصفة، عند كلامنا على المعضوض أصبعه فاندر ثنية العاض، فيطالع هناك. ¬

_ (¬1) فى ح: مدراة. (¬2) سقط من الأصل. (¬3) فى ح: لأن هذا. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬5) فى ح: البذاذة. انظر: سنن ابن ماجه، ك الزهد 2/ 1379 برقم (4118)، وأبو داود 4/ 75 برقم (4164)، والنهاية فى غريب الحديث 1/ 110 باب الباء مع الذال. (¬6) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬7) فى ح: القائصين. (¬8) فى ح: بين. (¬9) ساقطة من ح.

43 - (2158) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنِ اطَّلَعَ فِى بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنهُ ". 44 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنِ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفقَأتَ عَيْنَهُ، ما كان عَلْيْكَ مِنْ جُنَاحٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " [فقد حل لهم] (¬1) أن يفقؤوا عينه ": فحمله على أنه لم ينزجر ولا قدروا على كفه عن النظر إلى عورتهم إلا بفعل أدى إلى ذهاب عينه. قال القاضى: وقيل فى هذا كله: إنه على طريق التغليظ والزجر والمبالغة فى التكبر (¬2). وقوله: " لو علمت أنك تنتظر فى ": كذا الرواية لغير العذرى، وعند العذرى: " تنظرنى " وهو الصواب. النظر يقع بمعنى الانتظار ولا يقع الانتظار بمعنى النظر إلا على تجوز من تكلف [المنظر مثل النظر] (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح والمطبوع رقم (43). (¬2) فى ح: النكير. (¬3) فى ح: النظر مئل ابتدر.

(10) باب نظر الفجأة

(10) باب نظر الفجأة 45 - (2159) حدّثنى قُتَيْبَةَ بنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، كِلَاهمَا عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرفَ بَصَرِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سألته عن نظرة الفجاءة، فأمرنى أن أصرف بصرى ": الفجاءة، مهموز ممدود: ما كان من غير قصد، يقال: فجاءة الأمر وفجأه أيضاً. ومعنى: نظرة الفجاة: التى لم يقصد صاحبها تأملها والنظر إليها، فتلك معفو عنها. والنهى عنه المحرم من ذلك إدامة النظر وتأمل المحاسن على وجه التلذذ والاستحسان والشهوة؛ ولهذا قال فى الحديث: إن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلى: " لا تتبع النظرة بالنظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الثانية " (¬1). وأمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، كما أمرهم بحفظ الفروج، وقال - عليه السلام -: " العين تزنى " (¬2). وفى هذا كله عند العلماء حجة أنه ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها، وإنما ذلك استحباب وسنة لها، وعلى الرجل غض بصره عنها. وغض البصر يجب على كل حال فى أمور: كالعورات وأشباهها. ويجب مرة على حال دون حال مما ليس بعورة، فيجب غض البصر إلا لغرض صحيح من شهادة أو تقليب جارية للشراء، أو النظر لامرأة للزواج، أو نظر الطبيب، ونحو هذا. وقد اختلف السلف من العلماء فى معنى قوله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (¬3)، فذهب جماعة من السلف: أنه الوجه والكفان (¬4). قال القاضى إسماعيل: وهو الظاهر؛ لأن المرأة يجب عليها أن تستر فى الصلاة كل موضع منها لا يراه الغرباء إلا وجهها وكفيها، فدل أنه مما يجوز للغرباء أن يروه وهو قول مالك. قالوا: والمراد بالزينة: مواضع الزينة، وقيل: المراد: الثياب، ولا خلاف أن ¬

_ (¬1) أبو داود، ك النكاح، ب ما يؤمر به من غض البصر 1/ 495، الترمذى، ك الأدب، ب ما جاء فى نظرة المفاجأة 5/ 94 (2777). (¬2) أحمد 2/ 329. (¬3) النور: 31. (¬4) منهم: ابن عمر، وسعيد بن جبير. انظر: مصنف ابن أبى شيبة 3/ 383، التمهيد 6/ 368، تفسير الطبرى 8/ 118، تفسير ابن كثير 3/ 285.

(...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَكيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فرض ستر عورة الوجه مما اختص به أزواج النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ نزل الحجاب، وسيأتى الكلام عليه بإثر هذا الكتاب [إن شاء الله] (¬1). ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح.

39 - كتاب السلام

بسم الله الرحمن الرحيم 39 - كتاب السلام (1) باب يسلم الراكب على الماشى، والقليل على الكثير 1 - (2160) حَدَّثَنِى عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى مَحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقِ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى زِيَادٌ، أَنَّ ثَابِتًا - مَوْلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ - أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُسَلمُ الرَّاكِبُ عَلى المَاشِى، وَالمَاشِى عَلى القَاعِدِ، وَالقَليِلُ عَلى الكَثِيرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب السلام قوله: " يسلم الراكب على الماشى، والماشى على القاعد، والقليل على الكثير "، قال الإمام: ابتداء السلام سنة، ورده واجب. هذا المشهور عند أصحابنا (¬1)، وهو من عبادات الكفاية التى فعل الواحد فيها ينوب عن الجميع؛ ولهذا يجزئ أن يبتدئ من الجماعة. واحد، ويرد منها واحد (¬2). وقال أبو يوسف: لا بد أن يرد الجماعة كلها (¬3). وإنما شرع سلام الراكب على الماشى لفضل الراكب عليه من باب الدنيا، فعدل الشرع؛ بأن (¬4) جعل للماشى فضيلة أن يبدأ. واحتياطاً على الراكب من الكبر والزهو وإذا حاز الفضيلتين؛ ولهذا المعنى أشار بعض أصحابنا. وإذا تلاقى رجلان كلاهما مار فى الطريق، بدأ الأدنى منهما الأفضل إجلالاً للفضل وتعظيماً للخير؛ لأن فضيلة الدين مرعية فى الشرع مقدمة. وأما بدء المار للقاعد، فلم أر فى تعليله نصاً، ويحتمل أن يجرى فى تعليله على هذا الأسلوب، فيقال: فإن القاعد [قد] (¬5) يتوقع شراً من الوارد عليه أو يوحس (¬6) فى نفسه خيفة، فإذا ابتدأه بالسلام أنس إليه، أو لأن التصرف والتردد فى الحاجات الدنيوية ¬

_ (¬1) التمهيد 5/ 289. (¬2) قال ابن عبد البر: وهو قول مالك والشافعى وأصحابهما وأهل المدينة. انظر: التمهيد 5/ 287. (¬3) لم أعثر عليه فى كتب الأحناف، وهو فى التمهيد 5/ 287، والنووى فى شرح مسلم 14/ 140. (¬4) فى ز: لأن، والمثبت من ح. (¬5) من ح. (¬6) فى ز: يوجش، والمثبت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وامتهان النفس فيها ينقص من مرتبة المتصاونين والآخذين بالعزلة تورعاً، فصار للقاعدين (¬1) مزية فى باب الدين؛ فلهذا أمر بابتدائهم. أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم والتشوف إليهم، فسقطت البداية عنه وأمر بها المار؛ لعدم المشقة عليه. وأما بداية القليل للجماعة الكثيرة، فيحتمل أحياناً أن يكون الفضيلة للجماعة، ولهذا قال الشارع: عليكم بالسواد الأعظم، ويد الله مع الجماعة (¬2)، فأمر ببدايتهم فضلهم، أو لأن الحماعة إذا بدؤوا الواحد خيف عليه الكبر والزهو، فاحتيط له بألا يبدأ، وقد يحتمل غير ذلك، ولكن ما ذكرناه هو الذى يليق بما قدمناه عنهم من التعليل، ولا يحسن معارضة مثل هذه التعاليل بآحاد مسائل شذت عنها؛ لأن التعليل الكلى لموضع الشرع لا تتطلب فيه ألا يشذ عنه بعض الجزئيات. [قال القاضى] (¬3) وقوله: قال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء أن ابتداء السلام سنة، والرد فرض (¬4). وقال القاضى عبد الوهاب: [لا خلاف أن ابتداء السلام سنة أو فرض على الكفاية] (¬5) فإن سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم. قال القاضى: معنى قوله: أو فرض على الكفاية، مع ما تقدم من قول غيره: أنهم أجمعوا أنه سنة من غير خلاف، أى أن إقامة السنة وإحياءها فرض على الكفاية. وللسلام أحكام فى صفته وصفة رده ومعنى لفظه وحكمه، وحكم رده ومن المخاطب بالابتداء به، وقد مضى الكلام فى هذه الأحكام الثلاثة الأخيرة. فأما صفته فأن يقول: السلام عليكم، أو سلام عليكم، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} (¬6)، وقال: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ} (¬7)، وقال: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِين} (¬8). وفى التشهد: السلام عليك أيها النبى [ورحمة الله وبركاته] (¬9) ودخول الألف واللام فيه عندهم للتعظيم. قال أهل ¬

_ (¬1) فى الأصل: القاعد، والمثبت من ح. (¬2) رواه ابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إن أمتى لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم " ك الفتن، ب السواد الأعظم 2/ 1303. وجاء بطريق آخر عن أبى أمامة موقوفاً، وأحمد 4/ 278. وفى إسناد ابن ماجة: أبو خلف الأعمى، واسمه: حازم بن عطاء وهو ضعيف. انظر: مجمع الزوائد. ورواه الترمذى بقرب لفظه رقم (2167) ك الفتن، وقال: حديث غريب 4/ 466. (¬3) فى ز: قوله، والمثبت من ح. (¬4) انظر: التمهيد 5/ 289. (¬5) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬6) الأنعام: 54. (¬7) الرعد: 23، 24. (¬8) الصافات: 130. (¬9) سقط من ز. وهو جزء من حديث تقدم فى ك الصلاة، ب التشهد فى الصلاة (402).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العربية: وهى تدخل لثلاثة معان: للتعريف: كقولك: الرجل، وللجنس: كقولك: النساء والذهب. وللتعظيم: كقولك: العباس والحسن، وهاتان لغتان فى السلام معروفتان، ولغة ثالثة: سلم، بكسر السين، وأنشدوا: وقفنا فقلنا إيه سلما فسلمت ... كما انهل بالبرق والغمام اللوائح فإن زاد: " ورحمة الله وبركاته " فحسن، وقد استدلوا بقول الملائكة بعد ذكر السلام: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت} (¬1). وقد جاء فى التشهد: السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته (¬2)، وقد جاءت بذلك عن السلف آثار. ويكره أن يقول فى الابتداء: عليك السلام، وجاء فى الحديث النهى عنه، وأنه تحية الموتى (¬3)، ومعناه: أنه عادة الشعراء المؤبنين (¬4) للموتى فى أشعارها ومراثيها، كقوله: عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما (¬5) لا أن هذه هى السنة، وقد قال - عليه السلام -: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين " (¬6)، فحياهم تحية الأحياء. قال بعضهم (¬7): ولأن عادة العرب فى تحية الموتى قد جرت فى تقديم اسم المدعو عليه فى الشر (¬8)، كقولهم: عليه لعنة الله وغضبه، وظ ل الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّين} (¬9)، وهذا لا حجة فيه؛ لأن الله قد نص فى الملاعنة بتقديم اللعنة والغضب على الاسم، وقيل: لأن السلام اسم الله (¬10) وهو أولى بالتقديم وهذا حسن لو سلم، وقد تقدم الخلاف فيه، ويناقضه جواز ذلك فى الرد وهو [ما لا] (¬11) يختلف فى جوازه، وقد روى عن الملائكة فى حديث آدم (¬12)، وروى أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فى ¬

_ (¬1) هود: 73. (¬2) انظر: التشهد فى الصلاة (402). فروى عن زهرة بن خميصة قال: ردفت أبا بكر فكنا نمر بالقوم فنسلم عليهم، فيردون علينا أكثر مما نسلم، فقال أبو بكر. ما زال الناس غالبينا. انظر: ابن أبى شيبة 8/ 421. (¬3) الترمذى، ك الاستئذان، ب ما جاء فى أن يقول: عليك السلام مبدئاً (2721). (¬4) فى ز: والمرثيين. (¬5) البيت عزاه النضر بن شميل لعبدة بن الطيب من قصيدة رثى فيها قيس بن عاصم حين توفى. الإصابة 3/ 254، واللسان 2/ 290. (¬6) سبق فى مسلم، ك الجنائز، ب ما يقال عند دخول القبور رقم (102/ 974). (¬7) منهم: ابن بطال فى شرح البخارى 4 ق/ 85. (¬8) فى ز. السوء، والمثبت من ح. (¬9) ص: 78. (¬10) سبق فى ك الصلاة، ب التشهد فى الصلاة رقم (402). (¬11) فى ح: ما لم. (¬12) البخارى، ك الاستئذان، ب بدء السلام 7/ 125.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرد كذلك: " عليك السلام ". وأما فى الرد فيقول: " السلام عليك (¬1) " أو: " عليك السلام ورحمة الله وبركاته " وإن اقتصر على السلام أجزأه إلا أن يكون المسلم أولا قد زاد الرحمة والبركة، فعلى الراد مثل ذلك. وقد جاء فى الحديث الصحيح عند خلق آدم وأمر الله له أن يسلم على الملائكة وأن يسمع ما يحيونه به فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: " السلام عليكم " فقالوا: " السلام عليك ورحمة الله وبركاته " (¬2)، وهو أحد التأويلين فى قوله: {وإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (¬3). وأما معنى السلام، فقيل: معناه هنا: اسم الله، أى كلاءة الله عليك وحفظه كما يقال: الله معك، والله يصاحبك. والسلام: اسْم من أسماء الله هو: {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن} (¬4)، ومعناه: السالم (¬5) من النقائص والمعايب، وقيل: المسلم (¬6) لعباده، وقيل: المسلم (¬7) على أوليائه فى الجنة، وقيل: مسلمهم من عذابه (¬8)، وقيل: معنى سلام عليك: أى السلامة والنجاة لكم، كما قال: {فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين} (¬9). وقيل معناه: أنا مسالم لك، وسلم لك غير حرب. والسِّلم والسلام [الصلح] (¬10). ¬

_ (¬1) فى ح: عليكم. (¬2) البخارى، السابق. (¬3) النساء: 86. (¬4) الحشر: 23. (¬5): (¬7) فى ز: السلام وهو خطأ. (¬8) انظر: أحكام القرآن للقرطبى 5/ 298 سورة النساء. (¬9) الواقعة: 91. (¬10) من ح.

(2) باب من حق الجلوس على الطريق رد السلام

(2) باب من حق الجلوس على الطريق ردّ السلام 2 - (2161) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: كُنَّا قُعُودًا بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَليْنَا. فَقَالَ: " مَا لكُمْ وَلمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ ". فَقُلنَا: إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ، قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ. قَالَ: " إِمَّا لا، فَأَدُّوا حَقَّهَا: غَضُّ البَصَرِ، وَرَدُّ السَّلامِ، وَحُسْنُ الكَلامِ ". 3 - (2121) حَدَّثَنَا سُويْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالجُلوسَ بِالطُرُقَاتِ ". قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لنَا بُدٌ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أبَيْتُمْ إِلا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ". قَالوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: " غَضُ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُّ عَنِ المُنْكَرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " اجتنبوا مجالس الصعدات " بضم العين، قال الإمام: هى الطرق مأخوذة من الصعيد، وهو التراب، وجمعه صعد، ثم صعدات، مثل: طريق وطرق، ثم طرقات. قال القاضى: قد جاء فى الروايات الأخرى مفسرًا بذلك: " إياكم والجلوس بالطرقات "، وقيل: الصعيد: الطريق الذى لا نبات فيه (¬1)، مأخوذ من الصعيد، وهو التراب أو وجه الأرض. وقوله: " فإما لا فأدوا حقها " [بكسر الهمزة، معناه: إلا لم تتركوها فادوا حقها] (¬2)، كما قال فى الحديث الآخر: " إن أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ". قال ابن الأنبارى: ومعناه: افعل كذا وكذا إن كنت لا تفعل كذا وكذا، فدخلت " ما " صلة، وقد مر من هذا [الحرف] (¬3). وقوله: وما حقه؟ قال: " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر ¬

_ (¬1) فى الأصل: فيها، والمثبت من ح. (¬2) سقط من الأصل. (¬3) ساقطة من الأصل.

(...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ المَدَنِىُّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمعروف والنهى عن المنكر "، وفى الحديث الآخر: " وحسن الكلام ": قد بين من هذا [معنى] (¬1) علة ما نهى عنه من الجلوس على الطرقات من التعرض للفتن بحضور النساء الشواب، وخوف ما يلحق من ذلك من النظر إليهن والفتنة بسببهن، ومن التعرض لحقوق الله وللمسلمين بما (¬2) لا يلزم [الإنسان إذا كان فى بيته وحيث ينفرد أو يشتغل بما يلزمه] (¬3)، ومن رؤية المناكر وتعطيل المعارف، فيجب على المسلم الأمر والنهى عند ذلك، فإن ترك ذلك، فقد تعرض لمعصية الله. وكذلك هو يتعرض لمن يمر عليه ويسلم، وربما كثر ذلك عليه فيعجز. عن رد السلام على كل مار ورده فرض فيأثم والمرء مأمور ألا يتعرض للفتن، ولا لإلزام (¬4) نفسه ما لعله لا يقوم بحقه فيه فندبهم النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ترك هذا، فلما أعلموه أنه لا بد لهم من ذلك لما يقصده الإنسان بمجالسة جيرته وأصحابه فى أفنية منازلهم لترويح قلوبهم وقضاء حوائجهم والمباحثة عن أحوالهم. قال لهم: إن أبيتم إلا ذلك فأدوا الحقوق اللازمة لكم. وفيه دليل أن أمره - عليه السلام - لم يكن لهم على الوجوب، وإنما كان على طريق الترغيب والحض لما هو أولى (¬5)؛ إذ لو فهموا منه الوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة، وقد يحتج به من لا يرى الأوامر على الوجوب. وفيه حجة على وجوب رد السلام، وحجة على أن الماشى يسلم على القاعد، كما تقدم فى الحديث قبل. وأما قوله: " وكف الأذى ": فيحتمل أن يكف أذى الناس بعضهم عن بعض، وهو من نحو قوله: " والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر " وقد يكون أن تكف أذاك عن المار فيه بألا تجلس حيث يضيق عليه الطريق، أو من يتأذى بجلوسك على باب منزله، أو طريق واردته، أو حيث يكشف عياله، أو ما يريد التستر به من حاله. وقوله: " وحسن الكلام ": ندب إلى حسن معاملة المسلمين بعضهم لبعض، وأن الجالس على الطريق يمر به العدد الكثير من الناس، فربما سألوه عن بعض شأنهم، ووجه طرقهم، فيجب أن يتلقاهم بالجميل من الكلام، ولا يتلقاهم بالضجر وخشونة اللفظ، ولعل هذا من باب كف الأذى المتقدم. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى الأصل: مما. (¬3) سقط من ز. (¬4) فى الأصل: لازم. (¬5) قال القرطبى فى المفهم: هذا الحديث إنكار للجلوس على الطرقات وزجر عنه، لكن محمله إذا لم يطرأ على ذلك حاجة. لكن العلماء فهموا أن جهة المنع ليس على جهة التحريم، وإنما هو من باب سد الذرائع 30 ق/ 178.

ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامٍ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - كِلاهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: خرج مسلم فى هذا الباب: حَدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم - الحديث. ثم أردف عليه: حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا عد العزيز بن محمد - الحديث. وحدثنى محمد بن رافع، حدثنا ابن أبى فديك، عن هشام بن سعد، كلاهما عن زيد بن أسلم. هكذا رواه الرازى عن الجلودى. وأما السجزى فلم يتكرر عنده ولا عند ابن ماهان ولا غيرهما، وتكررت عند الجلودى والكسائى فى مواضع أخر من كتاب الأدب، فذكر أحاديث (¬1)، سويد، ثم أعقبا بعده، فقالا: حدثنا يحيى ابن يحيى، حدثنا عبد الله بن يزيد، عن زيد. فجعل مكان " عبد العزيز بن محمد ": " عبد الله بن يزيد ". قال بعضهم: والصواب ما تقدم، وكذلك خرجه الدمشقى فى كتاب الأطراف عن يحيى بن يحيى، عن عبد العزيز. وكذلك رواه ابن ماهان فى الموضعين معاً، لم يكن عنده فيه خلاف. ¬

_ (¬1) فى ح: حديث.

(3) باب من حق المسلم للمسلم رد السلام

(3) باب من حق المسلم للمسلم ردّ السلام 4 - (2162) حَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ المُسَيّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَقُّ المُسْلِمِ عَلى المُسْلِمِ خَمْسٌ ". ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ تَجِبُ للمُسْلِمِ عَلى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلام، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ ". قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانَ مَعْمَرٌ يُرْسِلُ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، وَأَسْنَدَهُ مَرَّةً عَنِ ابْنِ المُسَيّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله: " حق المسلم على المسلم خمس " فذكر: " رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز ": فلا خلاف أن القيام بذلك على الجملة فرض، لكنه فى الجنازة على الكفاية، حتى إذا لم يكن بالحضرة عدة كثيرة إلا من يقوم تعين عليهم. واختلف فى رد السلام وتشميت العاطس، هل هو فرض على الكفاية أو على العين، وقد تقدم منه، وسيأتى الكلام فى تشميت العاطس. وأما إجابة الدعوة، ففى الوليمة فرض وقد تقدم الكلام عليه، وفى غيرها ندب، وقد يكره ذلك فى غير الوليمة لأهل الفضل. وأما عيادة المريض فمندوب إليه إلا فيمن لا قائم عليه، فعلى المسلمين فرض على الكفاية، القيام عليه، وتمريضه؛ لئلا يضيع ويموت جوعاً وعطشاً. وذلك أصل سنة العيادة لتفقد حال المرضى والقيام عليهم. وأما ابتداء السلام، فقد تقدم الكلام فيه. وأما النصيحة، فمرغب فيها غير واجبة، لكنه إذا استنصح كان مندوباً إلى أن ينصح؛ لأنه حض - عليه السلام - على النصيحة لكل مسلم، فإذا استنصح؛ وجب عليه النصيحة (¬1)، ¬

_ (¬1) سبق فى ك الإيمان، ب بيان أن الدين النصيحة (95).

5 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُو ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " حَقُّ المُسْلِمِ عَلى المُسْلِمِ سِتٌّ ". قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " إِذَا لقِيتَهُ فَسَلمْ عَليْهِ، وَإِذَا دَعَاَكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَبِعْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يداهن فى ذلك. ولفظة " حق " لا تقتضى الوجوب حيث وقعت، وقد تقدم هذا فى الوصايا. وقوله: " وتشميت العاطس ": هو الرد عليه. يقال بالسين المعجمة والمهملة، وأصله: الدعاء، وكل داع بالخير فمشمت.

(4) باب النهى عن ابتدإء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم

(4) باب النهى عن ابتدإء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم 6 - (2163) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ أَبِى بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا سَلمَ عَليْكُمْ أَهْلُ الكَتَابِ فَقُولوا: وَعَليْكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم "، وفى الرواية الأخرى: " إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم، فقولوا: وعليك " وكذا فى رواية السجزى، ولغيره: " عليك " بغير واو، وفى الحديث الآخر فى رده - عليه السلام - عليهم، فقال: " قد قلت: عليكم " وفى الآخر: " وعليكم "، قال الإمام: اختيار بعض الناس فى الرد أن يقول: عليك، بغير واو (¬1)، ورأى أن إثبات الواو تفيد إثباته على نفسه حتى يصح العطف عليه، وقاله ابن حبيب من أصحابنا (¬2)، ووقع لغيره من أصحابنا إثبات الواو فى الرد، وهكذا وقع فى كتاب مسلم إثباتها إلا فى بعض طرقه فى رد النبى - عليه السلام - فإنه قال: " قلت: عليكم "، وفى بعض طرقه: " قلت: وعليكم " والانفصال عما قاله ابن حبيب أن يكون الواو للاستئناف لا للعطف والتشريك بين الأول والثانى، واستعمالهما للاستئناف كثير، فاستعملت له ها هنا. واختار بعضهم أن يرد عليهم السلام - بكسر السين - وهى الحجارة. قال القاضى عبد الوهاب: والأول أولى؛ لأن السنة وردت بما ذكرناه؛ ولأن الرد إنما يكون: بجنس المردود لا بغيره. وقد تعلق بعض الناس فى إباحة لفظ السلام بقوله سبحانه وتعالى: {سَلامٌ علَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} (¬3)، وبقوله عز وجل: {وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (¬4). والجواب عن هذا: أنه لم يقصده بهذه التحية، وإنما قصد المباعدة والمتاركة؛ ولهذا قال بعض الناس فى قوله جلت [حضرته] (¬5) قدرته: {وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}: إنها منسوخة بآية السيف لما كان القصد بها المباركة. ¬

_ (¬1) منهم: سفيان بن عيينة، والخطابى. انظر: معالم السنن 5/ 384. (¬2) المنتقى 7/ 281. (¬3) مريم: 47. (¬4) الزخرف: 89. (¬5) زائدة فى الأصل.

7 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الحَارِثِ - قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَالَلفْظُ لهُمَا - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالوا للنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَهْلَ الكِتَابِ يُسَلمُونَ عَليْنَا، فَكَيْفَ نَرَدُّ عَليْهِمْ؟ قَالَ: " قُولوا: وَعَليْكُمْ ". 8 - (2164) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - وَاللفْظُ لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَار؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اليَهُودَ إِذَا سَلمُوا عَليْكُمْ، يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَليْكُمْ، فَقُلْ: عَليْكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " السام عليكم " هو الموت، ومنه الحديث الآخر: " لكل داء دواء إلا السام "، قيل: يا رسول الله، ما السام؟ قال: " الموت " (¬1)، قال القاضى: تأول قتادة السام فى هذا الحديث على خلاف ما تقدم، وأنه بمعنى تسأمون دينكم، وهو مصدر سئمت سآمة وسآماً، مثل: لذاذة ولذاذاً، ورضاعة ورضاعاً (¬2). وقد جاء مثل هذا مفسرًا من قول النبى (¬3) وكذلك رواه بقى بن مخلد فى تفسيره أنه قال فى معناه: أى يسمون دينكم، وعلى هذا فرواية من رواه بحذف الواو أحسن ممن رواه بالواو، وقاله الخطابى. وقد اختلف العلماء فى رد السلام على أهل الذمة، فألزمه جماعة إلزامه الرد على المسلمين لعموم الآية (¬4) والحديث (¬5)، وهو مذهب ابن عباس (¬6) والشعبى (¬7) وقتادة (¬8). وذهب غيرهم إلى أن الآية والحديث مخصوص بالمسلمين بدليل تفسير هذه الأحاديث التى فى الباب (¬9)، وأنه لا يرد عليهم، ورواه أشهب وابن وهب عن مالك. قال: فإن رددت، ¬

_ (¬1) لم نعثر على هذا الحديث. بهذا اللفظ. (¬2) انظر: الخطابى فى أعلام الحديث 3/ 2176. (¬3) رواه البزار عن سعيد بن أبى عروبة. انظر: كشف الأستار 2/ 422، وقال الهيثمى: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 8/ 45. (¬4) النساء: 86. (¬5) أحاديث رد السلام. (¬6) انظر. ابن أبى شيبة، ك الأدب، ب فى رد السلام على أهل الذمة 6/ 143. (¬7) المنتقى 7/ 281. (¬8) تفسير الطبرى 4/ 189 تفسير سورة النساء. (¬9) انظر السابق.

9 - (...) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَقُولوا: وَعَليْكَ ". 10 - (2165) وَحَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتِ: اسْتَأذَنَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالوا: السَّامُ عَليْكُمْ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَليْكُمْ السَّامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقل: عليك. قال بعض شيوخنا: ومعنى قولهم هذا: لا يرد عليهم، أى بلفظ السلام المشروع، وليرد عليهم بما جاء فى الحديث: " عليكم ". وهذا قول أكثر العلماء (¬1). وقال ابن طاووس: يقول: علاك السلام، أى ارتفع عنكم. قيل: فى هذا الحديث دليل أنهم لا يبدؤون بالسلام؛ لقوله: " إذا سلم عليكم اليهود " ولم يذكر ابتداء السلام عليهم، فدل أنه غير مشروع ولا جائز (¬2). وقول عائشة: " بل عليكم السام والذام " مخفف الميم، وفى رواية العذرى " الهام " مكان " الذام "، فأما الذام: فهو من الذم، وكذا رواه الهروى:، والدام "، ويكون ألفه منقلبة من ياء، ويقال: ذممته ذماً: إذا لمته فى إساءته، وذمته أذيمه ذيماً: عبته، أو يكون ألفه منقلبة من همزة [من الذأم وهو الاستحقار. يقال ذامه ذأماً: إذا حقره] (¬3) وهذا من نحو قولها فى الرواية الأخرى: " بل عليكم السام واللعنة "، ولم تختلف الرواية فيه أنه بالذال المعجمة (¬4)، ولو كان بالمهملة؛ لكان له وجه (¬5). قال ابن الأعرابى: الدام: بمعنى الدائم، ويكون معناه: عليكم الموت الدائم. وأما الهام، فلا وجه له إلا أن يكون بمعنى الموت أيضاً، من قولهم: فلان هامة اليوم وغد. والعرب تزعم أن الميت إذا مات خرج من رأسه طائر يقال له: الهام. ويقال: ذلك يختص بمن قتل ولم يدرك بثأره، فيقال لمن كبر وشاخ ذلك: إن موتك قريب فيكون معنى قول عائشة هذا، أو يكون الهام ها هنا بمعنى: الطيرة، على ما كانت العرب تطير به من الهام، أى: عليكم الموت والطيرة والشؤم - والله أعلم. ¬

_ (¬1) منهم: أنس، وإبراهيم، وعامر. انظر: ابن أبى شببة، ك الأدب، ب رد السلام على أهل الذمة 6/ 142، 143. (¬2) التمهيد 17/ 93، 94. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬4) يعنى رواية صحجح مسلم بالذال المعجمة. (¬5) وهذا ما قاله النووى فى شرح مسلم 14/ 145.

وَاللعْنَةُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلهِ ". قَالتْ: أَلمْ تَسْمَعْ مَا قَالوا؟ قَالَ: " قَدْ قُلْتُ: وَعَليْكُمْ ". (...) حَدَّثَنَاهُ حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كَلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ قُلْتُ: عَليْكُمْ "، وَلمْ يَذْكُرُوا الوَاوَ. 11 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاس مِنَ اليَهُودِ. فَقَالوا: السَّامُ عَليْكَ، يَا أَبَا القَاسِمِ. قَالَ: " وَعَليْكُمْ ". قَالتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَليْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، لا تَكُونِى فَاحِشَةً ". فَقَالتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالوا؟ فَقَالَ: " أَوَ ليْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَليْهِمُ الذِى قَالوا؟ قُلْتُ: وَعَليْكُمْ ". (...) حَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَعْلِى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَتَّهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَهْ، يَا عَائِشَةُ، فَإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ ". وَزَادَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّه} (¬1) إِلى آخِرِ الآيَةِ. 12 - (2166) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ ابْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَلمَ نَاسٌ مِنْ يَهُودَ عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالوا: السَّامُ عَليْكَ، يَا أَبَا القَاسِمِ. فَقَالَ: " وَعَليْكُمْ ". فَقَالتْ عَائِشَةُ، وَغَضِبَتْ: أَلمْ تَسْمَعْ مَا قَالوا؟ قَالَ: " بَلى، قَدْ سَمِعْتُ، فَرَدَدْتُ عَليْهِمْ، وَإِنَّا نُجَابُ عَليْهِمْ وَلا يُجَابُونَ عَليْنَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله فى الحديث الآخر: " ففطنت بهم عائشة، فسبتهم ": كذا روايتنا عن شيوخنا فى هذا الحرف بالفاء والنون، وقد روى: " فقطبت " بالقاف وتشديد الطاء والباء، بمعنى ما جاء فى الحديث الآخر: " فقالت عائشة وغضبت ". ¬

_ (¬1) المجادلة: 8.

13 - (2167) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِى طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلى أَضْيَقِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ سب عائشة لهم قيل: فيه الانتصار للسلطان وأهل الفضل، ووجوب ذلك على حراسهم وغيرهم من المسلمين. وفى قول النبى - عليه السلام - لها: " إن الله يحب الرفق فى الأمر كله "، وفى الرواية الأخرى: " لا تكونى فاحشة "، وفى الأخرى: " إن الله لا يحب الفحش والتفحش ": الفاحش ذو الفحش فى كلامه، والمتفحش: المتكلف لذلك ومتعمده. قيل: ويكون المتفحش الذى يأتى الفاحشة المنهى عنها والفواحش: القبائح، والفحش من القول ما يقبح، ومن الذنوب كذلك، وقيل: الفحش: الزيادة على ما عهد من مقدار الشىء والعدوان فيه. وقد تأول ذلك الهروى فى حديث عائشة وأنه نهاها النبى - عليه السلام - عن العدوان فى الجواب، إذ لم يكن منها إليهم فحش (¬1). قال القاضى: لا أدرى ما قال، وأى فحش فى الكلام أفحش من اللعنة وما قرنته من السب معها. وقولها: ألا تسمع ما قالوا؟، فقال: " قد رددت عليهم دا قالوا: قد قلت: " وعليكم " إنا نجاب فيهم ولا يجابون فينا فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} (¬2): كله يبين أن النبى سمع ما قالوه مما وصفهم الله به، والله بعد قد أعلمه بذلك، وفضح تلبيسهم وتحريفهم الكلم عن مواضعه الذى قد وصفهم الله به فى الآية الأخرى (¬3). وفيه الحض على محاسن الأخلاق وترك فحش الكلام [أحد] (¬4)، وانخداع أهل الفضل وتغافلهم عن أهل السفه، كما قيل: العاقل الفطن المتقابل (¬5)، والانتصار والمعارضة بالتى هى أحسن إذا أمكن ذلك، والصبر على أذى من ترجى فيه، ورجوعه وائتلافاً للخير، وقد كان النبى - عليه السلام - يستألف الكفار والمنافقين بالأقوال (*) الطائلة، فكيف بالكلام الحسن الظاهر. وقوله: " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ": هذه سنة، بها أخذ عامة السلف ¬

_ (¬1) الغريبين 3/ ق: 7. (¬2) المجادلة: 8. (¬3) منها: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِه} النساء: 46. (¬4) فى ح: لكل واحد. (¬5) فى ح: المتغافل. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها: بالأموال، والله أعلم.

(...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كُلهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ وَكِيعٍ: " إِذَا لقِيتُمُ اليَهُودَ ". وَفِى حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: فِى أَهلِ الكِتَابِ. وَفِى حَدِيثِ جَرِيرٍ: " إِذَا لقِيتُمُوهُمْ "، وَلمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنَ المُشْرِكِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والفقهاء ومالك وغيره، وذهب آخرون إلى جواز ذلك ابتداءً، وروى ذلك عن ابن عباس وأبى أمامة وابن محيريز (¬1)، واحتج من قال هذا بقوله - عليه السلام -: " أفشوا السلام "، وذهب آخرون إلى [جوازه ابتداء] (¬2) للضرورة أو لحاجة تعن له إليه، أو لذمام (¬3) وسبب. يروى ذلك عن إبرأهيم وعلقمة. وقال الأوزاعى: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون (¬4). وقوله: " إذا لقيتم أحدهم فى طريق فاضطروه إلى أضيقه ": والمراد بذلك - والله أعلم -: ألا يظهر برهم بالتنحى لهم عن منهج الطريق وسبيله ويؤثرهم به، وينضم هو إلى ضيقه [وجوانبه] (¬5)، بل يسلكه المسلم حتى يضطر هو إلى حواشى الطريق [وضيقه] (¬6) ولم يرد - عليه السلام - والله أعلم - إذا كان الطريق واسعاً لحملهم أن يضيق عليهم ذلك [فضلاً] (¬7) ويمنعهم منه حتى يضطروا إلى غيره. ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب أبو محيريز القرشى المكى، كان من العلماء العاملين سكن بيت المقدس، قال الأوزاعى: من كان مقتضيًا فليقتض بمثل ابن محيريز، إن الله لم يكن ليضل أمة فيها ابن محيريز. الإصابة 2/ 329. (¬2) فى ح: جواز الابتداء. (¬3) الذمام: هو الحق والحرمة والعهد. اللسان، مادة " ذم ". (¬4) قول الأوزاعى لم نعثر عليه فى المصنفات، وقد ذكره القرطبى فى تفسير سورة مريم 11/ 112، والحافظ فى الفتح 11/ 37. (¬5) فى ح: وهو أشبه. (¬6) فى هامش ز. (¬7) فى ح: قصدًا.

(5) باب استحباب السلام على الصبيان

(5) باب استحباب السلام على الصبيان 14 - (2168) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلى غِلمَانٍ فَسَلمَ عَليْهِمْ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ. 15 - (...) وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارِ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ ثَابِتٍ البُنَانِىِّ، فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلمَ عَليْهِمْ. وَحَدَّثَ ثَابِتٌ، أَنَّهُ كَانَ يَمْشِى مَعَ أَنَسٍ، فَمَرَّ بِصْبِيَانٍ فَسَلمَ عَليْهِمْ. وَحَدَّثَ أَنَسٌ؛ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلمَ عَليْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مر - عليه السلام - بصبيان فسلم عليهم "، وفى الرواية الأخرى: " غلمان " وهما بمعنى، يقال للمولود: غلام، من حين يولد إلى بلوغه. وتقول العرب - للرجل المستجمع قوة: غلام. فيه تواضعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحسن عشرته مع الصغير والكبير وتدريب الجميع على السنن والآداب [ورياضة] (¬1) لهم بخلق الشريعة، وفيه سنة السلام على الصبيان الذين يعقلون ذلك ويفهمونه اقتداءً به - عليه السلام - وأنه (¬2) من جملة المسلمين، ومن تشملهم أحكامه. وأما التسليم على النساء، اختلف العلماء فى ذلك، فجمهورهم - مالك وغيره - على جواز ذلك على المتجالاَّت ابتداء، وكراهيته على الشابة؛ مخافة الفتنة من خلطتها ومكالمتها وردها وسماع صوتها، وحجتهم: عموم الأمر بإفشاء السلام فى الأحاديث، وحديث سلامهم على العجوز بعد صلاة الجمعة التى كانت تطبخ لهم أصول السلق بالشجر وتطعمهم (¬3). وقال الكوفيون: لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن منهم ذوات محارم، وقالوا: كما سقط عنها الأذان والإقامة والجهر بالقراءة فى الصلاة، سقط عنها رد السلام، ولا نسلم عليهن. وقال ابن وهب: بلغنى عن ربيعة أنه لا يسلم الرجل على النساء ولا النساء على الرجال. ¬

_ (¬1) فى ح: ورياضته. (¬2) فى ح: أنهم. (¬3) الحديث أخرجه البخارى بإسناده من حديث أبى حازم عن سهل قال: كنا نفرح يوم الجمعة. قلت ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة - نخل بالمدينة - فتأخذ من أصول السلق فتطرحه فى قدر وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها، فتقدمه إلينا ونفرح من أجله، وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة 8/ 68.

(6) باب جواز جعل الإذن رفع حجاب أو نحوه من العلامات

(6) باب جواز جعل الإذن رفع حجاب أو نحوه من العلامات 16 - (2169) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ - وَاللفْظُ لِقُتَيْبَةَ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذْنُكَ عَلىَّ أَنْ يُرْفَعَ الحِجَابُ، وَأَنْ تَسْتَمِعَ سِوَادِى، حَتَّى أَنْهَاكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذنك على أن يرفع الحجاب وأن تستمع سوادى حتى أنهاك ": السواد، بكسر السين: السود، أصله دنو سواد الشخص من سواد الآخر (¬1). فيه أن من على بابه حجاب عن شىء فإذا رفعه، فهو إذن، فمن كان حجابه بسد بابه عن العامة من الأمراء والحكام والكبراء (¬2)، فإذا فتحه كانت علامة إذنه، وكانت العادة حينئذ الدخول عليه دون استئذان، فلا يحتاج الداخل عليه إلى إذن، وكذلك عادة الرجل فى بيته مع خدمه ومماليكه وحاشيته متى ما أرخى حجابه، فلا دخول عليه إلا بإذن، فإذا رفعه؛ جاز لهؤلاء الدخول بغير إذن بدليل هذا الحديث، وقد قال الله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} (¬3) الآية. قيل: اختص هذا الإذن فى هذه الثلاث؛ لأنها أوقات [للاكتشاف والخلوة بالأهل] (¬4) قال ابن عباس: كان الناس لا سترة لبيوتهم، فربما دخل الخادم والرجل على أهله (¬5) وهذا يبين ما بيناه من مراعاة الحجاب وعدمه. واختلف فى المراد بالآية، قال ابن عباس: {الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم}: هم الذين لم يبلغوا الحلم، والتقدير عنده: ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم. وقيل: ¬

_ (¬1) غريب الحديث 1/ 33. (¬2) فى ح: الأكابر. (¬3) النور: 58. (¬4) نقله الطبرى فى التفسير 10/ 165، البغوى فى معالم التنزيل 3/ 255. (¬5) أبو داود، ك الأدب، ب الاستئذان 4/ 349 (5192).

(...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُوبَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد بما {مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم}: إلا ما دون الذكور الكبار؛ لأن حلم هؤلاء فى هذه الأوقات وغيرها على سادتهم؛ إذ لا يحل النظر إلى أجسامهم.

(7) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان

(7) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان 17 - (2170) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ - بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَليْهَا الحِجَابُ - لِتَقْضِى حَاجَتَهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً تَفْرعُ النِّسَاءَ جِسْمًا، لا تَخْفَى عَلى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ. فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ، وَاللهِ مَا تَخْفِينَ عَليْنَا، فَانْظُرِى كَيْفَ تَخْرُجِينَ. قَالتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَيْتِى، وَإِنَّهُ ليَتَعَشَّى وَفِى يَدِهِ عَرْقٌ. فَدَخَلتْ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى خَرَجْتُ، فَقَالَ لِى عُمَرُ: كَذَا وَكَذَا. قَالتْ: فَأُوحِى إِليْهِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ العَرْقَ فِى يَدِهِ مَا وَضَعَهُ، فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: وذكر مسلم أحاديث حجاب أزواج النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر خروج سودة، وقصة عمر وقوله لها، وفى رواية هشام عن أبيه [أنه بعد الحجاب وقول النبى: " قد أذن لكم أن تخرجن لحاجتكن " وذكر فى رواية الزهرى عنه] (¬1) [أنه كان قبل الحجاب، وأن قول عمر حرصاً على نزول الحجاب] (¬2) فأنزل الحجاب. فرض الحجاب مما اختص به أزواج النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا خلاف فى فرضه عليهن فى الوجه والكفين الذى اختلف فى ندب غيرهن إلى ستره. قالوا: ولا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها، ولا ظهور أشخاصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه الضرورة من الخروج للبراز كما جاء فى الحديث: وقد كن إذا خرجن جلسن للناس من وراء حجاب، وإذا خرجن لضرورة حجبن وسترن أشخاصهن. كما جاء فى حديث حفصة يوم موت عمر، ولما ماتت زينب صنع على نعشها قبة تستر جسمها (¬3)، وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} (¬4). وفيه تنبيه أهل الفضل غيرهم على ما يكره منهم بقول عمر: قد عرفناك، وفيه فضل عمر، وصحة نظره، وصواب رأيه، حتى وافق الوحى والشرع فى أمور كثيرة؛ منها الححاب وغيره، مما سيأتى ذكره فى فضل عمر. وفيه عرض الوزير والصاحب الرأى على ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) سقط من ح. (¬3) انظر: ابن سعد فى الطبقات 8/ 111. (¬4) الأحزاب: 53.

وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: يَفْرَعُ النِّسَاءَ جِسْمُهَا. زَادَ أَبُو بَكْرٍ فِى حَدِيثِهِ: فَقَالَ هِشَامٌ: يَعْنِى البَرَازَ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: وَكَانَتِ امْرَأَةً يَفْرَعُ النَّاسَ جِسْمُهَا. قَالَ: وَإِنَّهُ ليَتَعَشَّى. (...) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 18 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الليْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِالليْلِ، إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلى المَنَاصِعِ، وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ. وَكَانَ عُمَرُ ابْنُ الخَطَّابِ يَقُولُ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ - زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليْلَةً مِنَ الليَالِى عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلةً. فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلا قَدْ عَرَفْنَاكِ، يَا سَوْدَةُ، حِرْصًا عَلى أَنْ يُنْزِلَ الحِجَابُ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الحِجَابَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمير من قبل نفسه لما يراه من الصلاح، وسبب تأكيد ذلك وتكريره عليه إن لم يسمع منه أولاً (¬1). قال الإمام: قوله: " تفرع النساء ": يعنى تطولهن، يقال: فرعت القوم، أى طلتهم. وقوله: " يعنى البراز " بفتح الباء وكسر الباء مما يستعمل فى المبازرة، والبراز، بفتح الباء: هو المكان الطاهر الواسع. وقوله: " كن يخرجن إلى المناصع، وهو صعيد أفيح ": قيل: هى المواضع التى يتخلى فيها لبول أو حاجة، واحدها منصع. قال القاضى: قال الأزهرى: أراها مواضع خارج المدينة، وعليه يدل قوله فى الحديث: " وهى صعيد أفيح "، أى أرض متسعة، والصعيد - أيضاً: الطريق الذى لا ينبت. ومعنى قوله: " أفيح ": أى واسع. ¬

_ (¬1) سيأتى فى ك فضائل الصحابة، ب فضائل عمر (36).

(...) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فانكفأت راجعة ": أى انصرفت وانقلبت على أدراجها. قوله: " وإنه ليتعشى وفى يده عرقاً " هو بفتح العين وسكون الراء، قال صاحب العين: العراق، بضم العين: العظم إذا لم يكن عليه لحم، فإذا كان عليه اللحم فهو العرق (¬1)، وزعم الكلابى أن العرق: العظم الذى أخذ أكثر ما عليه من اللحم، وهذا قد لا يمكن أن يكون اختلافاً. يقال: تعرقت العظم واعترقته وعرقته: إذا تتبعت ما عليه من اللحم، وقيل لعرق العذرة من اللحم. ¬

_ (¬1) الخليل فى العين 1/ 154.

(8) باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها

(8) باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها 19 - (2171) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا - هُشَيْمٌ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا لا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ، إِلا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ ". 20 - (2172) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا الليْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالدَّخُولُ عَلى الْنِّسَاءِ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: " الحَمْوُ المَوْتُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إياكم والدخول على النساء "، وفى الحديث الآخر: " لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم ": خص الثيب دون الأبكار؛ إذ العادة احتجاب الأبكار عن الرجال، فكيف أن يدخل عليهن أو يباح عندهن. وقوله: " إلا ناكحاً ": يعنى: ذات روح حاضر يكون مبيته بحضرة زوجها، وقد يضمن الحديث الآخر الدخول، وإن لم يكن مبيت، والشرع قد حرم أن يخلو الرجل بامرأة ليست منه بذات محرم (¬1). وقوله: أفرأيت الحمو؟ قال: " الحمو الموت ": فسره الليث فى الأم: أنه أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج؛ العم ونحوه. وفى رواية: ابن العم ونحوه، وكلاهما صحيح. قال ابن السكيت: كل شيء من قِبَلِ الزوج [أخوه] (¬2) أو أبوه أو عمه فهم الأحماء. قال غيره: يقال: هذا حموك، مضموم الميم فى الرفع، ورأيت حماك، و [يورث] (¬3) بحميك، ولغة أخرى: هذا حمؤك، بسكون الميم وهمزة مرفوعة، ورأيت حمأك، ومررت بحمئك، أجرى الإعرإب فى الهمزة، ولغة ثالثة: هذا حمَكَ، ورأيت حمَكَ، ومررت بحمك بغير همزة، ولا واو. ولغة رابعة، يقال: هو [حماوها] (¬4) ورأيت حماها، ومررت بحماها. قال الأصمعى: الأحماء: أهل [الرجل] (¬5)، والأختان: ¬

_ (¬1) النووى 14/ 153. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى ح: مررت. (¬4) فى ح: حماها. (¬5) فى ح: الزوج.

(...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ وَالليْثِ ابْنِ سَعْدٍ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِمْ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِى حَبِيبٍ حَدَّثَهُمْ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 21 - (...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الليْثَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: الحَمْوُ أَخُ الزوْجِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ، ابْنُ العَمِّ وَنَحْوُهُ. 22 - (2173) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ؛ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِى هَاشِمٍ دَخَلوا عَلى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وَهِىَ تَحْتَهُ يَومَئِذٍ - فَرَآهُمْ، فَكَرِهَ ذَلِكَ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لمْ أَرَ إِلا خَيْرًا. فَقَالَ - رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المِنْبَرِ فَقَالَ: " لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِى هَذَا - عَلى مُغِيبَةٍ، إِلا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل المرأة، والأصهار يقع عليهما ويقال: هذا حم. فى الانفراد إذا لم يضف، ويقال فى أم زوج المرأة: هذه حماتها لا غير. وقوله: " الحمو الموت "، قال الإمام: قال أبو عبيد: يقال: فلتمت ولا تفعل هذا، فإذا كان ذلك فى أبى الزوج وهو محرم فكيف بالغريب (¬1)؟ قال ابن الأعرابى: هى كلمة تقولها العرب كما تقول: الأسد الموت، أى لقاؤه مثل الموت. قال القاضى: يريد فى هذا لما فيه من الغرر (¬2) المؤدى إلى الموت، فكذلك الخلو بالأحماء مؤد إلى الفتنة والهلاك فى الدين، فجعله كهلاك الموت، فأورد هذا الكلام مورد التغليظ والتشديد. والأشبه أنه فى غير أبى الزوج ومن عدا المحارم منهم - والله أعلم - بدليل قوله فى الحديث المتقدم: " إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم "، فقد فسر أن الحرج والمنع إنما هو لغير ذوى المحارم. وقوله: " لا يدخل رجل على امرأة مغيبة إلا معه رجل أو اثنان ": هذا لئلا يحصل الخلو معها، فإذا كانوا جماعة ارتفعت التهمة وما وقع بالنفس وهذا فى ذلك [الذين] (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 2/ 85. (¬2) فى ح: التغرير. (¬3) فى ح: الزمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصلاح العامة والخاصة واستتار من عساه يلم بأمر عن غيره، فأما فى الأزمنة الفاسدة فلا يجب أن يخلو بالمرأة لا واحد ولا أكثر للحقوق المظنة بهم، إلا أن يكون الجماعة الكثيرة أو يكون فيها قوم صالحون، ومن يعرف أنه لا يتواطأ على ريبة فتزول المظنة بحضوره. والمغيبة، بضم الميم وكسر الغين: هى التى غاب عنها زوجها. وسواء كان مغيبة عن البلد أو المنزل بدليل هذا الحديث الذى فى الكتاب، وأن القصة التى قال فيها - عليه السلام - إنما كان أبو بكر غائباً عن منزله لا فى سفر، فأنكر دخول من دخل منزله فى غيبته وذكر ذلك للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: لم أرَ إلا خيرًا.

(9) باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خاليا بامرأة، وكانت زوجته أو محرما له، أن يقول: هذه فلانة ليدفع ظن السوء به

(9) باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خالياً بامرأة، وكانت زوجته أو محرماً له، أن يقول: هذه فلانة ليدفع ظن السوء به 23 - (2174) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ بْنِ قعْنَبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَدَعَاهُ، فَجَاءَ. فَقَالَ: " يَا فُلانُ، هَذِهِ زَوْجَتِى فُلانَةُ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ كُنَتُ أَظُنُّ بِهِ، فَلمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ". 24 - (2175) وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَتَقَارَبَا فِى اللفْظِ - قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىٍّ، قَالتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ ليْلاً، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِىَ ليَقْلِبَنِى، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِى دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلمَّا رَأَيَا النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلى رَسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ ". فَقَالا: سُبْحَانَ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلوبِكُمَا شَرًّا " أَوْ قَالَ: " شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للذين رأيا معه صفية: " إنها صفية " وقوله: " إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، وإنى خشيت أن يلقى فى قلوبكما شيئًا " زاد فى غير مسلم " فتهلكا " (¬1): هو إشفاق منه على أمته، فقد كان بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، وخشيته من ظنهم به شيئًا فيهلكوا، كما قال - عليه السلام - إذا ظن السوء بالأنبياء كفر، والكبائر غير جائزة عليهم بإجماع عند الجميع، ومن مقتضى دليل المعجزة عند الأستاذ أبى إسحاق الإسفرايينى. وقد كشفنا هذا الباب غاية الكشف فى كتاب الشفا (¬2). وفى هذا الحديث من الفقه: من قال فى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من هذا أو جوزه عليه فهو كافر مباح الدم. ¬

_ (¬1) هذه زيادة لم نعثر عليها، وقد ذكرها القرطبى فى المفهم 3/ 183. (¬2) تكلم القاضى عن عصمة الأنبياء من الكبائر فى هذا الكتاب 2/ 143 - 145.

25 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخَبْرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ؛ أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ، فِى اعْتِكَافِهِ فِى المَسْجِدِ، فِى العَشْرِ الأَوَخِرِ منْ رَمَضَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يقذف ": أى يلقى. وفيه جواز زيارة النساء المعتكف له فى معتكفه، وتحدثهن معه، وأن ذلك خير مفسد لاعتكافه، لكنه يُكره كثرة: مجالسته لهن خوف الذريعة، وأما الممنوع فاستلذاذه بهن كيف كان، من قليل أو كثير، ليلاً أو نهارًا، فى المسجد أو غيره. وفيه ما يجب على المسلم من التحرز من الناس من سوء الظن، وطلب السلامة من الناس، والتحفظ من صغير الذنب. وقد مر من هذا فى الاعتكاف. وقولها: " ثم قمت لأنقلب فقام معى ليقلبنى ": بفتح الباء، أى ليصرفنى ويشيعنى. ظاهر هذا جوازه للمعتكف ما لم يخرج من المسجد؛ ولذلك ترجم عليه البخارى: " خروج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد " (¬1) لأنه فى هذا الحديث إنما بلغ معها باب المسجد، فمر رجلان من الأنصار - وذكر الحديث. فليس فيه أنه شيعها خارج المسجد، وكان بيت صفية خارج المسجد. ولم يختلف العلماء فى جواز خروجه خارج المسجد لما لا غنى له عنه؛ من وضوء، وغسل جنابة، أو غائط، وبول وشبهه، إذ لم يمر تحت سقف (¬2). [واختلفوا إذا دخل تحت سقف] (¬3) واختلف قول مالك فى خروجه لشراء، حاجته (¬4)، على ما قدمناه فى الاعتكاف. ولم يختلفوا أنه لا يفسد اعتكافه خروجه إلى باب المسجد أو مشيه فى المسجد للإمامة والأذان وشبهه، وإن اختلفوا فى كراهة تصرفه لغير ضرورة؛ كزيارة مريض فيه، أو صلاة على جنازة، أو الصعود إلى المنار للأذان، أو الجلوس إلى قوم ليصلح بينهم. وكره مالك ذلك كله أن يفعله. واختلف قوله فى صعوده للمنار وقد تقدم [هذا] (¬5) كله. وقوله: " على رسلكما " بكسر الراء، الرسل والترسل: السكون والسير اللين، وحكى فيه فتح الراء أيضاً، وكل شىء هيّن رسل. وقولهما له: " سبحان الله ": فيه جواز مثل هذا عند تعظيم الأمر والتعجب، قال ¬

_ (¬1) البخارى، ك صلاة التراويح، ب الاعتكاف: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟ 2/ 257. (¬2) قال ابن المنذر: هذا إجماع من أهل العلم. انظر: الإجماع ص 54. (¬3) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬4) المدونة 1/ 288. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، وَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْلِبُهَا. ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَعْمَرٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلغُ مِنَ الَإِنْسَانِ مَبْلغَ الدَّمِ " وَلمْ يَقُلْ: " يَجْرِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَك} (¬1). وقوله: " إن الشيطان يجرى من [الإنسان] (¬2) مجرى الدم ": قيل: هو على ظاهره، فإن الله جعل له قوة وقدرة فى الجرى فى باطن الإنسان فى مجارى دمه، وقيل: هذا على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته، فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه. ¬

_ (¬1) النور: 16. (¬2) فى الأصل: ابن آدم، والمثبت من ح والمطبوعة، وقد أتت هذه اللفظة فى البخارى، ك الأحكام، ب موعظة الإمام للخصوم.

(10) باب من أتى مجلسا فوجد فرجة فجلس فيها، وإلا وراءهم

(10) باب من أتى مجلساً فوجد فرجة فجلس فيها، وإلا وراءهم 26 - (2176) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئ عَليْهِ - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ؛ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ - مَوْلى عَقِيلِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ - أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِى وَاقِدٍ الليْثِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِى المَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلاَثَةٌ. فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ. قَالَ: فَوَقَفَا عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِى الحَلقَةِ فَجَلسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلسَ خَلفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا. فَلمَّا فَرَغَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. " أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَة؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلى اللهِ، فَآوَاهُ اللهُ. وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ. وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث الثلاثة: " فأما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فاعرض الله عنه ": هذا من تحسين الكلام وِمقابلته بالمماثلة فى اللفظ، كما قال: {مُسْتَهْزِئُونَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم} (¬1)، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} (¬2)، أى جازاهم على فعلهم، فسمى مجازاتهم مثل أسماء أفعالهم واستعار لها ألقابها. وقوله: " أما أحدهما فأوى إلى الله فآواه الله ": الأول مقصور ثلاثى غير متعد، والثانى ممدود رباعى مُعدّى، وهو قول الأصمعى. وهذه لغة القرآن، قال الله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْف} (¬3). وقال فى الثانى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} (¬4)، وقد حكى بعض [أهل] (¬5) اللغة فيها جميعًا اللغتين: المد والقصر، قالوا: وسواء قوله: أويت إلى الرجل، وأويته بمعنى: نزلت، وآويت الرجل: أدخلته منزلى وأنزلته، والأشهر فى اللازم القصر. ومعنى " أوى إلى ": أى لجأ إليه، ومعناه عندى هنا: دخل مجلس ذكر الله، أو دخل مكان رسوله ومجمع أوليائه، وانضم إليه لدخوله الحلقة، وقربه من نبيه، يقال: ¬

_ (¬1) البقرة: 14، 15. (¬2) آل عمران: 54. (¬3) الكهف:10. (¬4) الضحى: 6. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من الهامش.

(...) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ - وَهُوَ ابْنُ شَدَّادٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أويت إلى منزلى، والمأوى: المنزل، أى أدخلته، وأويت الرجل: أدخلته منزلى وضممته إليه، وأنزلته. " فآواه الله " [أى قبله وقربه وأجاب رغبته، وقيل: رحمه، وقد يكون] (¬1) آواه إلى جنته، وكله بمعنى متقارب. وقوله فى الذى جلس خلف الحلقة: " وأما الآخر فاستحيا ": أى ترك المزاحمة والتخطى كما فعل الآخر حياءً من النبى وممن حضر، أو استحيا من النبى أن يُعرض ويذهب كما فعل الآخر. واستحياء الله منه: أى فرحمه ولم يعذبه وترك معاقبته على ما تقدم له من ذنب وغفر له. قال بعضهم: أى جازاه على فعله ولم يلحقه بدرجة صاحبه من قبوله وبره بإيوائه إليه، وتقريبه منه. وأما قوله: " وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه ": أى لم يرحمه وسخط عليه، وهو معنى الإعراض من الله تعالى؛ لأن من أعرض عن نبيه وزهد فيه فليس بمؤمن، وإن كان هذا مؤمناً وذهب لحاجة من حوائج الدنيا وضرورة دعته إلى ذلك، فيكون إعراض الله - تعالى - عه ترك رحمته وعفوه، وتقريبه وقبوله الذى أعطاها صاحبيه، فلم يثبت له حسنة ولا نفى عنه سيئة؛ إذ لم يكن منه ما يثاب بذلك. وفى هذا الحديث أبواب من الفقه والعلم منها: أولاً: قوله فى الحديث: فأقبل اثنان إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فسلما عليه] (¬2) تسليم الوارد على القوم، وأنه ابتدأهم بالسلام وتسليم القائم على القاعد، ولم يذكر فى الحديث رد السلام عليهما اكتفاء بشهرة الأمر، وكذلك لم يذكر أنهما حييا المسجد بالركوع، ولا أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهما بذلك. يحتمل أن إتيانهم كان من جانب المسجد، أو كانوا على طهارة، أو فى غير وقت ركوع أو قبل شرع الركوع، أو أنهما ركعا فلم يذكر ذلك الراوى، أو لأنه ليس بواجب، وقد سبق تعليم النبى له ولم يلزم أمرهم به. وفيه أدب مجالسة العالم، والحرص على القُرب منه، وجواز التخطى إلى فرجة فى الحلقة إن كانت [فيها] (¬3) كما فعل الأول، والجلوس حيث انتهى به المجلس كما فعل الثانى، والاقتداء بالله فى إيواء من آوى إليه، والتفسح لقاصد المجلس، وجواز الإخبار ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) هذه اللفظة لم ترد فى مسلم، ولعلها فى النسخ التى فى يد القاضى ولم تصل إلينا، وكذلك لم ترد فى البخارى، ووردت فى الترمذى، ك الاستئذان 5/ 68. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورً، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا أبَانٌ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ؛ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ حَدَّثَهُ فِى هَذَا الإِسْنَادِ. بِمِثْلِهِ، فِى المَعْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أهل المعاصى والتعريف بأحوالهم وبواطنهم، وإن كان الثالث منافقاً أو كافراً، وأن ذلك ليس بغيبة فى مثله وإن كان مؤمناً، إنما فعل ذلك لضرورة، فليس فى ذلك إخبار عن شىء لم يعرفه الحاضرون، وإنما أخبر عن خيبته من الأجر الذى حصل لصاحبيه والثواب الذى حصلاه دونه. وفيه الثناء على الحياء والحض على تعليم العلم.

(11) باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذى سبق إليه

(11) باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذى سبق إليه 27 - (2177) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رُمْح بْنِ المُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا الليْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يُقِيمَنَّ أَحَدَكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ ". 28 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ - كُلهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْر وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ أَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ - كُلهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ الليْثِ، وَلمْ يَذْكُرُوا فِى الحَدِيثِ: " وَلكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا " وَزَادَ فِى حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ: فِى يَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: فِى يَوْمِ الجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يقيمن الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه، لكن تفسحوا وتوسعوا " زاد فى بعضها: " يوم الجمعة " وفى حديث ابن جريج: " فى الجمعة وغيرها "، وذكر أن ابن عمر كان إذا قام له الرجل من مجلسه لم يجلس فيه، وقد قال الله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} (¬1). ¬

_ (¬1) المجادلة: 11.

29 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ثُمَّ يَجْلِسُ فِى مَجْلِسِهِ "، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، إِذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ عَنْ مَجْلِسِهِ، لمْ يَجْلِسْ فِيهِ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 30 - (2178) وَحَدَّثَنَا سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ - عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ ليُخَالِفْ إِلى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدَ فِيهِ، وَلكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلف أهل العلم فى معنى الآية، فقيل: هو مجلس النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، كانوا يتنافسون فيه، فإذا رأوه أتى تضايقوا حرصاً على القرب من النبى - عليه السلام. وقيل: المراد بذلك مجلس القتال. وقيل: الآية على العموم فى كل مجلس من مجالس النبى - عليه السلام - والحرب والذكر. والمراد بالمجلس هنا: المجالس، اسم للجنس (¬1). واختلف الناس فى تأويل هذا الحديث - أيضاً - فتأوله قوم على الوجوب، وقالوا: هو حق بمجلسه ما دام فيه. ¬

_ (¬1) انظر: جامع البيان 14/ 17، الجامع لأحكام القرآن 17/ 296، تفسير ابن كثير 4/ 327.

(12) باب إذا قام من مجلسه ثم عاد، فهو أحق به

(12) باب إذا قام من مجلسه ثم عاد، فهو أحق به 31 - (2179) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - كِلاهُمَا عَنْ سُهْيَلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ ". وَفِى حَدِيثِ أَبِى عَوَانَةَ: " مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِليْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر مسلم عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ": وإذا كان هذا بعد قيامه فما لم يقم منه أولى. وذهب آخرون أنه على الندب، قالوا: وهو موضع غير متملك لأحد قبل الجلوس فكذلك بعده، والأول أظهر. وكذلك اختلفوا فى معنى حديث أبى هريرة إذا قام منه وأنه أحق به. وأما معنى القيام المذكور، فذهب مالك إلى أن ذلك على الندب وذلك إذا كانت أوبته قريبة، وإن بعد ذلك حتى يذهب ولبعد فلا أرى ذلك، وأنه لحسن من محاسن الأخلاق. وقال محمد بن مسلمة: معنى الحديث فى مجلس العالم هو أولى به إذا قام لحاجة، فإذا قام تاركاً له فليس هو بأولى. وعلى هذا اختلف العلماء فيمن ترسم من العلماء والقراء بموضع من المساجد للتدريس والفتيا، فحكى عن مالك أنه أحق به إذا عرف به. والذى عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بحق واجب، ولعله مراد مالك (¬1). وكذلك قالوا فيمن قعد من الباعة فى موضع من أفنية الطريق وأقضية البلاد غير المتملكة وأصحاب الحوائج والمرافق، فهو أحق به ما دام به جالسًا، فإذا قام منه ونيته الرجوع إليه من عنده (¬2) بمتاعه، وأختلفوا فقيل: هو أحق به حتى يتم غرضه، وحكاه الماوردى عن مالك قطعًا للتنازع (¬3)، وقيل: هو وغيره فيه بعد قيامه سواء والسابق يعد أحق به، وهو قول الجمهور. ¬

_ (¬1) انظر: المغنى 2/ 205. (¬2) فى ح: غده. (¬3) انظر: الأحكام السلطانية، ب فى الحمى والأرفاق ص 188.

(13) باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب

(13) باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب 32 - (2180) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، كُلهُمْ عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أَيْضًا - وَاللفْظُ هَذَا - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلمَةَ؛ أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَهَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْبَيْتَ. فَقَالَ لأَخِى أُمِّ سَلمَةَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى أُمَيَّةَ، إِنْ فَتَحَ اللهُ عَليْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَإِنِّى أَدُلكَ عَلى بِنْتِ غَيْلانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعِ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. قَالَ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لا يَدْخُلْ هَؤُلاءِ عَليْكُمْ ". 33 - (2181) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: كَانَ يَدْخُلُ عَلى أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ، فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولى الإِرْبَةِ. قَالَ: فَدَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً. قَالَ: إِذَا أَقْبَلتْ أَقْبَلتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَهُنَا، لا يَدْخُلنَّ عَليْكُنَّ ". قَالتْ: فَحَجَبُوهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث المخنث: " أدُلك على بنت غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان "، وقوله - عليه السلام -: " ألا أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخل هؤلاء عليكم " فحجبوه، قال الإمام: قال أبو عبيد: يعنى أربع عكن (¬1) تقبل بهن ولهن أطراف أربعة من كل جانب فتصير ثمانية تدبر بهن، وإنما أنث فقال: " بثمان " ولم يقل: " بثمانية "، وواحد الأطراف طرف، وهو مذكر: لأنه لم يذكرها، ولو ذكر الأطراف لم يجد بدًا من التذكير، وهذا كقولهم: هذا الثوب سبع فى ثمان، والثمان يراد بها الأشبار، فلم يذكرها لما لم يأت بذكر الأشبار، والسبع إنما يقع على الأذرع، فلذلك أنّث، والذراع أنثى (¬2). ووجه دخول المخنث على أزواج النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه يمكن أن يكون عند النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير أولى الإربة، فلما وصف هذا علم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ليس من أولئك فأمر - عليه السلام - ¬

_ (¬1) العكن والأعكان: الإطواء فى البطن من السمن وجاريه علياء ومعكنة: ذات عكن. انظر: اللسان، مادة " عكن ". (¬2) انظر: غريب الحديث لأبى عبيد 10/ 350.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بإخراجه، ألا تراه يقول: " ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا ". قال القاضى: فى هذا الحديث من الفقه: منع المخنثين من الدخول على النساء ومحادثتهن، ومنع وصف محاسن المرأة بحضرة الرجال، ومنع انكشاف النساء عليهم، وتحريم نظرهم إلى ما لا يحل للأجانب النظر إليه منهن وكذلك الخصيان الأحرار. واختلف فى المماليك منهم إذا لم يكن وغداً أو كان وغداً ملكاً لغيرهن، هل يدخل عليهن ويرى شعورهن وما يرى [منهن] (¬1) ذوو المحارم (¬2). واختلف فى اسم هذا المخنث، والأشهر أن اسمه: " هيت " بياء ساكنة باثنتين تحتها وآخره تاء باثنتين فوقها، وقيل: صوابه: " هنب " بالنون والباء بواحدة أخرى، قاله ابن درستويه، وقال: إن غير هذا تصحيف، قال: والهنب: الأحمق، حكاه لنا أستاذنا أبو عبد الله بن سليمان النحوى. وجاء فى خبر آخر أن قائل هذا " ماتع " مولى فاختة المخزومية [وهو بتاء باثنتين] (¬3) فوقها، قال: وكان هو وهيت فى بيوت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان النبى لا يرى أنه يفطن لشىء من أمر النساء، وذكر له قصة ابنة غيلان بنحو حديث هيت المتقدم، وفيه زيادة " وشعر " (¬4)، وذكر قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه كما هنا، وأنه [غربهما] (¬5) معًا إلى الحمى، ذكر ذلك الواقدى. وذكر أبو منصور الباوردى نحو [الحكاية] (¬6) عن مخنث، كان بالمدينة يقال له: " أنة " ولم يسم ابنه غيلان ولا [عبد الله] (¬7) بن أبى أمية فى حديثه، وذكر أن النبى - عليه السلام - نفاه إلى حمراء الأسد (¬8)، والمحفوظ أنه لهيت (¬9). وقد استدل بهذا الحديث بعضهم على جواز دخول المخنثين على النساء إذا كانوا ممن لا إرب له فيهن، وأنهم من غير أولى الإربة، وكالخصيان وشبههم وممن لا يفرق بين الحسنة والقبيحة وقد قال ذلك فى تأويل الآية فى أولى الإربة عكرمة وغيره، وأنه المخنث الذى ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) انظر: تفسير القرطبى 12/ 234، المغنى 7/ 457. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) انظر: الواقدى فى المغازى والسير 3/ 933. والحديث هذا رواه البيهقى فى السنن، ك: الحدود، ب: ما جاء فى نفى المخنثين 8/ 224. (¬5) فى الأصل: غيربهما، وهو تصحيف. (¬6) فى ز: أى كأنه، والمثبت من ح. (¬7) فى ز: عبد الرحمن، والصواب: عبد الله، كما فى متن الحديث رقم (32). (¬8) موضع على بعد ثمانية أميال من المدينة إليه أنتهى الرسول - عليه السلام - يوم أحد فى طلب المشركين. معجم البلدان 2/ 301. (¬9) فى ز: أهنت، وهو تصحيف، والمثبت من ح. نقله النووى فى شرح مسلم 14/ 163، والعراقى فى طرح التثريب 8/ 113 عن القاضى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا إرب له فى النساء. قالوا: ولهذا لم ينكر النبى - عليه السلام - أولاً دخوله بعد الحجاب على أزواجه، ولم يحكم له بحكم الرجال فى هذا حتى سمعه يصف ما وصف فقال: " [ألا أرى] (¬1) تعرف ما ها هنا "، فأخرجه ونفاه عن المدينة إلى الحمى. وفيه جواز النفى، وحجة لكافة العلماء القائلين به وقد تقدم، واستدل به أيضاً أن المخنث الذى هو خلقة لا حرج عليه ولا عقوبة عليه، إذ لا اكتساب له فيه وإذ لم ينكر النبى - عليه السلام - أولاً أمره، وأن الذى لعنه فى الحديث الآخر من المخنثين من الرجال (¬2) إنما [عنى بهم] (¬3) المتشبهين بالنساء المستعملين ذلك، وأما من خلق خلقهُ فلا؛ إذ لا يقدر على تغيير خلقه وطبعه الذى طبعه الله عليه، ولو كان كل مخنث ملعوناً من النبى كان خلقة أو تخلقاً لما شرع النبى بقاء (¬4) هذا أولاً فى المدينة، ولا أخرجه لأول وهلة. قالوا: وإخراج النبى له لثلاثة معان: أحدها: المعنى المتقدم؛ أنه كان [يحسبه من] (¬5) غير أولى الإربة، فظهر له من يفطنه لما تتفطن إليه الرجال أنه صار منهم. الثانى: وصف النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال، وقد نهى النبى - عليه السلام - المرأة أن تصف لزوجها جارتها حتى كأنه يراها، فكيف الرجل؟ الثالث: أنه إن كشف له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء، فكيف الرجال، لا سيما فى الزيادة فى غير الأم من أوصافها فى الحديث: " حتى وصف ما بين رجليها " يريد عورتها؛ ولهذا قال - عليه السلام -[حينئذ] (¬6): " لقد غلغلت النظر، أى عدو الله " (¬7). وفى قوله: " لا يدخل هؤلاء عليكم " (¬8): عموم فى المخنثين، وإشارة إلى الجنس، لما انكشف له من هذا [ما انكشف] (¬9) اطلاعهم على أجساد النساء وعوراتهن ووصفهن للرجال. ¬

_ (¬1) فى ز: تراك، والمثبت من ح والصحيحة المطبوعة. (¬2) انظر: البخارى، ك اللباس، ب إخراج المتثسبهين بالنساء من البيوت 7/ 55. (¬3) من ح، وفى ز: أعيانهم. (¬4) فى ز: بقى، والمثبت من ح. (¬5) فى ز: نحسبه أن، والمثبت من ح. (¬6) ساقطة من الأصل. (¬7) انظر: القرطبى فى المفهم 3/ 185، ابن حجر فى الفتح 8/ 36. (¬8) حديث رقم (32) بالباب. (¬9) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

(14) باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت فى الطريق

(14) باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت فى الطريق 34 - (2182) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَبُو كُرَيْبٍ الهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ، قَالتْ: تَزَوَّجَنِى الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِى الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلا مَمْلوكٍ وَلا شَىْءٍ، غَيْرَ فَرَسِهِ. قَالتْ: فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَكْفِيهِ مَؤُنَتَهُ، وَأَسُوسُهُ، وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ، وَأَعْلِفُهُ، وَأَسْتَقِى المَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ، وَأَعْجِنُ، وَلمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ لِى جَارَاتٌ مِنَ الأَنْصَار، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ. قَالتْ: وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ - التِى أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلى رَأسِى، وَهِىَ عَلَى ثُلثَىْ فَرْسَخٍ. قَالتْ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلى رَأسِى. فَلقِيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَانِى ثُمَّ قَالَ: " إِخْ، إِخْ " لِيَحْمِلنِى خَلفَهُ. قَالتْ: فَاسْتَحْيَيْتُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ. فَقَالَ: وَاللهِ لحَمْلكِ النَّوَى عَلَى رَأسِكِ أَشَدُّ مِنْ رَكُوبِكِ مَعَهُ قَالتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلىَّ أَبُو بَكْرٍ، بَعْدَ ذَلِكَ، بِخَادِمٍ، فَكَفَتْنِى سَيَاَسَةَ الفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقتَنِى. 35 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُليْكَةَ؛ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالتْ: كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ البَيْتِ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ، وَكُنْتُ أَسُوسُهُ، فَلمْ يَكُنْ مِنَ الخِدْمَةِ شَىْءٌ أَشَدَّ عَلىَّ مِنْ سِيَاسَةِ الفَرَسِ. كُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها فى حديث أسماء والزبير: " كنت أخدم الزبير خدمة [البيت] (¬1) " " وكنت أعلف فرسه (¬2) وأسوس فرسه "، فى الرواية الأخرى، أى أقوم عليه وأخدمه " وأخرز غربه " أى الدلو الذى يسقى به فى أرضه. والغرب: الدلو الكبيرة (¬3). وذكر الحديث، وفيه: " وأعجن وأنقل النوى من أرضه ": فيه معونة المرأة زوجها فى الخدمة، فأما ما هو خارج بيتها مثل خدمة الفرس ونقل النوى فلا يلزمها بإجماع (¬4)، إلا أن تتطوع بذلك معونة له، وحسناً لصحبته. ¬

_ (¬1) فى ز: أربت، والمثبت من ح. (¬2) فى ز: ناضحه. (¬3) هذا الكلام ذكره أبو عبيد فى غريب الحديث 2/ 519. (¬4) المغنى 8/ 130.

عَليْهِ وَأَسُوسُهُ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهَا أَصَابَتْ خَادِمًا. جَاءَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْىٌ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا. قَالتْ: كَفَتْنِى سِيَاسَةَ الفَرَسِ، فَأَلقَتْ عَنِّى مَؤُنَتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما خدمة البيت كالعجن والكنس والطبخ فعلى العوائد ومقادير النساء واليسار. قال بعض شيوخنا: على كل امرأة (¬1) من خدمة بيتها بقدرها وخدمة مثلها حتى على الشريفة من ذلك الأمر والنهى للخدم بذلك، وليس بواجب عليها عند مالك إلا أن تطوع (¬2). قال فى المبسوط: إلا (¬3) لمثل أصحاب الصفة (¬4). قال بعض أصحابنا: وليس عليها إلا أن تمكن من نفسها، وفى كتاب ابن حبيب: عليها فى العسر الخدمة الباطنة كما هى على الدنيئة ونحوه لربيعة. وقولها: " وأنقل النوى من أرض الزبير التى أقطعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": [هذه الأرض التى أقطع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬5) الزبير قيل: من موات البقيع، أقطعه من ذلك ركض فرسه فأجراه، ثم رمى بسوطه رغبة فى الزيادة فأعطاه ذلك كله (¬6). وفى البخارى عن عروة: أقطع النبى - عليه السلام - أرضاً من أموال بنى النضير (¬7). والأشبه فى هذا الحديث ما تقدم. وقد جاء فى حديث أسماء: " وهى منى على ثلثى فرسخ ": يريد من مسكنها بالمدينة. وفى هذا جواز الإقطاع ولكن لا يكون ذلك إلا من الإمام فيما يجوز فيه تصرفه من عامر الأرض، مما لا يتعين مالكه، مما اصطفاه الأئمة لبيت المال من الفتوح [نحو] (¬8) الخمس، أو باستطابة نفوس الغانمين، أو استحقه بيت المال بالميراث، أو من موات الأرض وأذن الإمام فيه. وإقطاعه شرط فى إحيائه عند أبى حنيفة. وعند مالك والشافعى والجمهور ليس إذن الإمام شرط فى إحياء الموات؛ إذ يجوز ذلك بغير إذن الإمام، وعلى القولين فإقطاع الإمام وإن لم يحييه يوجب لمن أقطعه أنه أحق به من غيره (¬9). وقولها: فلقيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه نفر من أصحابه فدعانى ثم قال: " إِخْ إِخْ " ليحملنى خلفه فاسحييت كذا روينا هذا الحرف بكسر الهمزة وسكون الخاء. قال ابن دريد: ¬

_ (¬1) فى ز: المرأة. (¬2) اختلاف العلماء فى خدمة المرأة زوجها، انظر: الفتاوى لشيخ الاسلام ابن تيمية 34/ 90، والمغنى 8/ 131. (¬3) فى ز: لا. (¬4) المبسوط فى الفقه المالكى للقاضى إسماعيل بن إسحاق البغدادى، ت 282. انظر: ترتيب الدارك 2/ 189. (¬5) سقط من ح، والمثبت من ز. (¬6) وهذا نص حديث فى سنن أبى داود، ك الخراج، ب إقطاع الأرضين 3/ 177 رقم (3072). (¬7) البخارى فى فرض الخمس، ب ما كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس. 4/ 61 الفتح 6/ 195. (¬8) فى ز: الحق. (¬9) انظر: المغنى 6/ 147، بدائع الصنائع 6/ 194، المجموع 15/ 229.

فَجَاءَنِى رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ، إِنِّى رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِى ظِلِّ دَارِكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال ذلك للجمل ليبرك، ولا فعل له إلا أناخ (¬1). فيه ما كان - عليه السلام - جبل عليه من الخلق الكريمة والضرائب المبرة (¬2) لجميع الناس والإشفاق والرأفة لبنى أصحابه ونسائهم وجميع أمته، وإكرامهم وتقريبهم وخلطهم بنفسه. وأما إرادته إردافه [لها] (¬3) خلفه وليست بذى محرم منه، وهذا خاص له - عليه السلام - بخلاف غيره. وقد أمر بالمباعدة بين أنفاس الرجال والنساء، وكان غالب حاله البعد من ذلك لتقتدى به أمته، وأنه لم يبايع امرأة إلا بالكلام ولم يصفق لواحدة منهن على يد (¬4)، ولا كانت هذه من الخصوصية ببنوة أبى بكر، وأخوة عائشة، وزوجية الزبير، كانت كإحدى أهله ونسائه وكان هو من المالك لإربه (¬5)، حيث كان يخصها (¬6) بهذا كما خص بذلك الغفارية التى حاضت على الحقيبة (¬7) خلفه، وأما إرداف ذوات المحارم فلا حرج فيه. وفيه ركوب اثنين على دابة والآثار بذلك كثيرة (¬8). وفيه إباحة لفظ المطروحات فما كان متملكاً قبل. كالنوى الذى كانت تلتقطه من أرض الزبير، وفيه مما كان يأكل الناس من تمرهم وكذلك لقط خرق المزابل وسقطاتها، وما يطرح الناس من سقط المتاع ونفاية الخضر (¬9) وغيرها، مما تعرف أنهم لم يتركوها ليرجعوا إليها، وإنما أخرجوها عن أملاكهم استحقاراً لها، فقد لقطها الصالحون الورعون، ورأوا أنها من الحلال المحض، فأكلوا منها ولبسوا. ¬

_ (¬1) الجمهرة مادة " أخخ " 1/ 15. (¬2) فى الأصل: المنزة، والمثبت من ح وهو الصواب. (¬3) من ح. (¬4) البخارى، ك الطلاق، ب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية 6/ 173. (¬5) صحيح البخارى، ك الحيض، ب مباشرة الحائض من حديث عائشة، وكان يملك إربه. وسبق فى مسلم، ك الصيام رقم (64 - 66). (¬6) فى ز: مخصياً، وهو خطأ وتصحيف من الناسخ، والمثبت من ح. (¬7) فى ز، م: الحقيقية. وهى امرأة أبى ذر الغفارى، صحابية، كانت تخرج مع النبى فى مغازيه، وتداوى الجرحى. الإصابة 4/ 403. والحقيبة: هى الزيادة فى آخر القتب، وهى كالبردعة. انظر: اللسان، وابن الأثير. وحديثها فى أبى داود، ك الطهارة، ب الاغتسال من الحيض رقم (313) 1/ 84. (¬8) منها: ما رواه البخارى عن أسامة بن زيد؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب على حمار على أكاف عليه قطيفة فدكية وأردف أسامة وراءه، ك اللباس، ب الإرداف على الدابة 7/ 67، وسبق فى مسلم، ك الحج، ب بيان وجوه الإحرام من حديث عائشة رقم (1211). (¬9) فى ح: الحصر.

قَالتْ: إِنِّى إِنْ رَخَّصْتُ لكَ أَبى ذَاكَ الزُّبَيْرُ. فَتَعَالَ فَاطْلبْ إِلىَّ، وَالزُّبَيْرُ شَاهِدٌ. فَجَاءَ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ، إِنِّى رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِى ظِلِّ دَارِكِ. فَقَالتْ: مَالكَ بِالمَدِينَةِ إِلا دَارِى؟ فَقَالَ لهَا الزُّبَيْرُ: مَالِك أَنْ تَمْنَعِى رَجُلاً فَقِيرًا يَبِيعُ؟ فَكَانَ يَبِيعُ إِلى أَنْ كَسَبَ. فَبِعْتُهُ الجَارِيَةَ، فَدَخَلَ عَلىَّ الزُّبَيْرُ وَثَمَنُهَا فِى حَجْرِى. فَقَالَ: هَبِيهَا لِى. قَالتْ: إِنِّى قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها فى الفقير الذى جاء يستأذنها فى أن يبيع (¬1) فى ظل دارها. فيه أن الجلوس فى أفنية الدور وحيث قد يتأذى بالجلوس فيها لا يباح إلا باذن أربابها، إلا [أن يكون] (¬2) لهم حق فى الفناء، ولا تأذى عليهم من انكشاف أو تضييق طريق أو غيره. وفيه أن صاحب المنزل مندوب إلى إباحة ذلك؛ لقول الزبير: " مالك أن تمنعنى رجلاً فقيراً يبيع " وفى توقفها هى عن إجابته مخافة منع الزبير؛ إما لغيرته أو لما توقعته من ذلك. وأمرها له أن يسألها ذلك بحضرته؛ لعلمها أنه إذا لم يكن ابتداءً من قبلها لم يمنعه، فيه حسن الملاطفة فى الأمور والمداراة الحسنة مع الأزواج وغيرهم. وفيه أن للزوج أن يمنع [زوجته] (¬3) من الإذن فى أمر يخشى ضرره أو عقباه، وأنه ليس له التحكم فى مال زوجته وحقوقها إلا برضاها إذا لم يبح له هو ذلك وإنما نهاها عن منعه، وفيه سؤال الزوج الهبة من زوجته، وأنه لا يراعى بينهما ثلث المال كما يراعى فى الأجنبى إذا كان ثمن المملوكة التى سألها جملة مالها إذا لحق الزوج، فإذا كانت الهبة له بجميع مالها، وقبل ذلك فهو رضا وتسويغ كما لو سوغ ذلك له أجنبى. ¬

_ (¬1) فى ز: تبيع. (¬2) فى ز: أن لا يكن، والمثبت من ح. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(15) باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث، بغير رضاه

(15) باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث، بغير رضاه 36 - (2183) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ ثَلاثَةً، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ ". (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - كُلهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ الليْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ بْنَ مُوسَى، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. 37 - (2184) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلطُوا بِالنَّاسِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد " زاد فى الحديث الآخر: " حتى يختلطوا بالناس؛ من أجل أنه يحزنه ": قال الإمام: وكذلك الجماعة عندنا: لا يتناجون دون واحد لوجود العلة؛ لأنه قد يقع فى نفسه أن الحديث عنده بما يكره، وأنه لم يروه أهلاً لاطلاعه على ما هم عليه، ويجوز إذا شاركه جماعة لأنه يزول الحزن عنه بالمشاركة. قال القاضى: وقيل: إنما المراد هذا الحديث فى السفر، وفى المواضع التى لا يأمن الرجل فيها صاحبه ولا يعرفه ولا يثق به ويخشى غدره (¬1)، وقد روى فى ذلك أثر وفيه زيادة " بأرض فلاة " (¬2)، وأما فى الحضر وبين العمارة فلا (¬3)، وقيل: بل هذا كان فى ¬

_ (¬1) انظر: ابن عبد البر فى التمهيد 15/ 288. (¬2) انظر: أحمد فى المسند 2/ 177. (¬3) انظر: معالم السنن 5/ 179.

38 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أول الإسلام، فلما فشى الإسلام وأمن الناس سقط هذا الحكم، وذلك ما كان يفعله المنافقون بمحضر المؤمنين، قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} (¬1) الآية، ومذهب ابن عمر حمله على عمومه، وهو مذهب مالك وجماعة العلماء. ¬

_ (¬1) المجادلة: 10.

(16) باب الطب والمرض والرقى

(16) باب الطب والمرض والرقى 39 - (2185) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ المَكِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الهَادِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَاهُ جِبْرِيلُ. قَالَ: بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، ومِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِى عَيْنٍ. 40 - (2186) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ ابْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَىْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ. 41 - (2187) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الطب (¬1) قوله: " كان - عليه السلام - إذا اشتكى رقاه جبريل: باسم الله أرقيك " وذكر فيه: " من شر كل ذى عين " وفى الحديث الآخر: " من شر كل نفس أو عين حاسد ": فيه جواز الرقية بأسماء الله، وسيأتى ذكر ذلك. وقوله: " من شر كل نفس ": فيحتمل أن مراده به أنفس الحيوان، ويحتمل أن المراد به العين. والنفس: العين، ورجل نفوس: إذا كان يصيب بعينه، كما قال فى الحديث الأول: " من شر كل ذى عين ". ويكون قوله: " أو عين حاسد " تخصيصًا بالحساد، أو شكاً من الراوى فى لفظه - عليه السلام. ¬

_ (¬1) لا يوجد فى مسلم " كتاب الطب "، بل هو متداخل فى كتاب السلام؛ إذ فى مسلم " باب الطب والمرض والرقى ".

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العَيْنُ حَقٌّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " العين حق، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا "، قال الإمام: بظاهر هذا الحديث أخذ الجمهور من علماء الأمة، وقد أنكره طوائف من المبتدعة. والدليل على فساد ما قالوه: أن كل معنى ليس بمحال فى نفسه ولا يؤدى إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل، فإنه من مجوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه فلا معنى لتكذيبه. وهل فرق بين تكذيبه فى هذا إذا ثبت جوازه ومن تكذيبه فيما يخبر من أخبار الآخر؟ وقد زعم بعض الطبائعيين (¬1) المثبتين لما أثبتناه من هذا: أن العائن تنبعث من عينه قوة سُمّية يتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد، قالوا: لا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب يتصل باللديغ فيهلك، وإن كان ذلك غير محسوس لنا، فكذلك العين. وهذا عندنا غير مُسلم لأنا بينا فى كتب علم الكلام أن لا فاعل إلا الله تعالى، وبيّنا إفساد القول بالطبائع، وبينا أن المحدث لا يفعل فى غيره شيئاً. وهذه الفصول إذا تقررت لم تكن بنا حاجة معها إلى إثبات ما قالوه، ونقول: هل هذا المنبعث من العين جوهر (¬2) أو عرض، فباطل أن يكون عرضاً، إذ العرض لا ينبعث ولا ينتقل، وباطل أن يكون جوهراً؛ إذ الجواهر متناجسة، فليس بعضها بأن يكون مفسداً لبعض أولى من أن يكون الآخر مفسداً له، فماذا بطل [أن يكون] (¬3) عرضاً أو جوهراً مفسداً على الحقيقة بطل ما يشيرون إليه. وأقرب طريقة سلكها من ينتحل الإسلام منهم أن يقول: غير بعيد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالمعيون وتتخلل (¬4) مسام جسمه فيخلق البارى - عز وجل - الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم، عادة أجراها الله - سبحانه وتعالى - لا ضرورة، وطبيعة ألجأ العقل إليها. وهكذا مذهب أهل السنة: أن المعيون إنما يفسد ويهلك عند نظر العائن بعادة أجراها - الله سبحانه - أن يخلق الضرر عند مقابلة شخص لشخص آخر. وهل لْم جواهر تخفى أم لا من ¬

_ (¬1) فى الأصل: الطائفتين، وهو تصحيف، والمثبت من ع والأبى، والنووى. انظر: النووى 14/ 171. (¬2) قال ابن حزم: ذهب بعض المتكلمين إلى إثبات شىء سموه جوهراً ليس جسماً ولا عرضاً، وحد هذا الجوهر أنه قابل للمتضادات. الفصل فى الملل والنحل 5/ 66. (¬3) فى ح: كونه. (¬4) فى الأصل: تتحلل، والمثبت من ح.

42 - (2188) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ - قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مجوزات العقول؟ والقطع إنما يختص بنفى الفعل عنها، وبإضافته إلى الله - سبحانه - فمن قطع من الأطباء المنتحلين للإسلام على انبعاث الجواهر بلا يد فقد أخطأ فى قطعه، وإنما التحقيق ما قلناه من تفصيل موضع القطع والتجويز. هذا القدر كاف فيما يتعلق بعلم الأصول. وأما ما يتعلق بعلم الفقه، فإن الشرع ورد بالوضوء له فى حديث سهل بن حنيف (¬1) لما أصيب بالعين عند اغتساله، فأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائنه أن يتوضأ. خرّجه مالك - رحمه الله - فى الموطأ (¬2). وصفة وضوء العاين عند العلماء: أن يؤتى بقدح من ماء، ولا يوضع القدح فى الأرض، فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها فى القدح، ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه، ثم يغسل بشماله ما يغسل به كفه اليمنى، ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى، ثم بشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر، ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين، ثم قدمه اليمنى، ثم اليسرى، ثم ركبته اليمنى، ثم اليسرى على الصفة المتقدمة والرتبة المتقدمة. وكل ذلك فى القدح ثم داخلة إزاره، وهو الطرف المتدلى الذى يلى حقه الأيمن. وقد ظن بعضهم أن داخلة الإزار كناية عن الفرج، وجمهور العلماء على ما قلناه. فإذا استكمل هذا صبه خلفه من على رأسه (¬3). وهذا العنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه، وليس فى قوة العقل الاطلاع على أسرار المعلومات كلها، فلا يدفع هذا ألا يعقل معناه. وقد اختلف فى العائن هل يُجبر على الوضوء للمعيون أم لا؟ واحتج من قال بالجبر بقوله فى الموطأ: " توضأ له " (¬4) وبقوله فى مسلم " وإذا استغسلتم فاغسلوا " وهذا أمر يُحمل على الوجوب. ويتضح عندى الوجوب ويبعد الخلاف فيه إذا خُشى على المعيون الهلاك وكان وضوء ¬

_ (¬1) هو سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم الأنصارى، والد أبى أمامة بن سهل، شهد بدراً والمشاهد، صحب عليًا - رضى الله عنه - من حين بويع فاستخلفه على البصرة، ثم شهد معه صفين، وولاه فارس. توفى بالكوفة سنة 38 هـ. الاستيعاب 2/ 92، الإصابة 2/ 287. (¬2) الموطأ، ك العين، ب الوضوء من العين 2/ 938. وكذا أحمد فى المسند 3/ 486. (¬3) انظر: التمهيد 6/ 236، عارضة الأحوذى 8/ 217. (¬4) الموطأ، ك العين، ب الوضوء من العين 2/ 938، وأحمد فى المسند 3/ 486.

قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ العائن مما جرت العادة بالبر به أو كان الشرع مما أخبر به خبراً عاماً ولم يمكن زوال الهلاك عن المعيون إلا بوضوء هذا العائن، فإنه يصير من باب من يتعين عليه إحياء نفس مسلم، وهو يجبر على بذل الطعام الذى له ثمن ويضر بذله، فكيف بهذا؟! هذا مما لا يرتفع الخلاف فيه. قال القاضى: بقى من تفسير هذا الغسل على قول الجمهور، وما فسر به الزهرى وأخبر أنه أدرك العلماء يصفونه، واستحسنه علماؤنا مضى به العمل إن غسل العائن وجهه، إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى، وكذلك [سائر] (¬1) أعضائه إنما هو صبه على ذلك العضو فى القدح، ليس على صفة غسل الأعضاء فى الوضوء وغيره، وكذلك غسل يده، وكذلك غسل داخلة الإزار، إنما هو إدخاله وغمسه فى القدح، ثم يقوم الذى فى يده القدح فيصبه على رأس المعين من ورائه على جميع جسده، ثم يكفأ القدح وراءه على ظهر الأرض، وقيل: يغتفله بذلك عند صبه عليه، هذه رواية ابن أبى ذئب عن ابن شهاب، وقد جاء وصف ابن شهاب من رواية عقيل بمثل هذا، إلا أن فيه البداية بغسل الوجه قبل المضمضة، وفيه فى صفة غسل كفه اليمنى مرة واحدة فى القدح وهو ياء زائدة وذكر فى غسل القدمين أنه لا يغسل جميعهما، وإنما قال: ثم يفعل مثل ذلك فى طرف قدمه اليمنى من عند أصول أصابعه، واليسرى كذلك. " وداخلة الإزار ": هو ما فسرته، والإزار هنا المئزر وداخلته مما يلى جسده، وقيل: كناية عن موضعه من الجسد فقيل أراد مذاكيره كما يقال: فلان عفيف الإزار، يراد الفرج. وقيل أراد وركه إذ هو مقعد الإزار. وقد جاء فى حديث سهل بن حنيف من رواية مالك فى صفته. أنه قال للعائن: " اغتسل له. فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره " (¬2) ومن رواية معمر: فغسل وجهه وظاهر كفيه ومرفقيه، وغسل صدره وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه، ظاهرهما فى الإناء. قال: وحسبته قال: وأمره فحسى منه حسوات (¬3). وقد ذهب بعض شيوخ متكلمى أهل الباطن أن معنى قوله: " العين حق " يحتمل أن يريد به القدر والعين التى تجرى منها الأحكام والقضاء السابق، وأن ما أصاب بالعادة من ضرر عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق، لا شىء يحدثه الناظر فى المنظور؛ إذ لا يحدث المحدث فى غيره شيئاً، ولا هو محل قدرته لمحدثه، لكنه لما كان منهيًا عن تجديد ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) أخرجه مالك فى الموطأ 2/ 939. (¬3) المصنف لعبد الرزاق 11/ 14، التمهيد 6/ 235.

" العَيْنُ حَقٌّ، وَلوْ كَانَ شَىْءٌ سَابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلتُمْ فَاغْسِلوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ النظر وإدامته، لا سيما مع جرى عادته بذلك، ولم يمتثل ما أمره به الشرع من التبريك والدعاء، كان مذموماً مؤاخذاً بنظره. وفيه من الفقه ما قاله بعض العلماء: ينبغى [إذا عرف أحد بالإصابة بالعين اجتنابه والتحرز منه، وينبغى] (¬1) للإمام منعه من مداخلة الناس، ويأمره بلزوم بيته، وإن كان فقيراً رزقه ما يقوم به ويكف أذاه عن الناس، فضرره أشد من ضرر آكل الثوم والبصل الذى منعه النبى دخول المسجد لئلا يؤذى المسلمين، ومن ضرر المجذوم الذى منع عمر والعلماء اختلاطهم بالناس، ومن ضرر العوادى من المواشى الذى أمر بتغريبها حتى لا يتأذى منها. وهذا الحديث وشبهه أصل فى جواز النشرة (¬2) والطيب بها. ووقع فى الأم فى سند هذا الحديث: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى وحجاج بن الشاعر وأحمد بن خواش. كذا هو فى الأصول بالخاء المعجمة والواو (¬3) والشين المعجمة، وقيل: هو وهم، وصوابه: أحمد بن جواس (¬4)، بالجيم والواو المشددة والسين المهملة (¬5). وقوله: " لو سبق شىء القدر سبقته العين " (¬6): بيان أن لا شىء إلا ما قدره الله، وأن كل شىء من عين وغيره إنما هو بقدر الله ومشيئته، لكن فيه صحة أمر العين وقوة دائه. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) فى الأصل: النشر. (¬3) لم يذكر القاضى شيئاً عن الواو، فلعل زيادة الواو خطأ من النساخ، أو أن الراء حرفت إلى واو. وقال النووى: إنه ورد فى جميع النسخ: " خراش " بالخاء المعجمة والراء والشين، وهو الصواب، ولا خلاف فى شىء من النسخ. انظر: شرح مسلم للنووى 14/ 173. (¬4) هو أبو عاصم الحنفى الكوفى، روى عنه ابن وارة وأحسن الثناء عليه، قال: بقى بن مخلد لم يحدث إلا عن ثقة، ت 238 هـ. انظر: الجرح والتعديل 2/ 44، تهذيب التهذيب 1/ 22. (¬5) كذا نقله النووى. كلام القاضى غلط فاحش لأن ابن جواس لم يرو عن مسلم بن إبراهيم 14/ 173. (¬6) لفظ القاضى الذى ذكره هو فى الموطأ ك العين، ب الرقية من العين رقم (3).

(17) باب السحر

(17) باب السحر 43 - (2189) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِىٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِى زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ: لبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهودى "، وقوله: [" حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشىء وما يفعله " وفى الرواية الأخرى] (¬1): " حتى أنه يخيل إليه أنه يأتى أهله ولا يأتيهن " الحديث (¬2)، قال الإمام: أهل السنة وجمهور العلماء من الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقائق غيره من الأشياء الثابتة (¬3)، خلافاً لمن أنكره (¬4) ونفى حقيقته وأضاف ما يتفق منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها. وقد ذكر الله - سبحانه - فى كتابه العزيز، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما يشير إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق به بين المرء وزوجه، وهذا كله لا يمكن أن يكون فيما لا حقيقة له، وكيف يتعلم ما لا حقيقة له وهذا الحديث فيه - أيضاً - إثباته، وأنه أشياء دفنت وأخرجت، وهذا كله يبطل ما قالوه. والذى يعرف [بالعقل] (¬5) من هذا أن إحالة كونه من الحقائق محال، وغير مستنكر (¬6) فى العقل أن يكون البارى - سبحانه - يخرق العادات عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوى على ترتيب ما لا يعرفه إلا الساحر. ومن يشاهد بعض الأجسام منها قتالة كالسموم، ومنها مسقمة كالأدوية الحادة، ومنها مصحة كالأدوية المضادة للمرض، لم يبعد فى عقله أن ينفرد الساحر بعلم [قوى قتالة (¬7)] (¬8)، أو كلام مهلك أو مؤد إلى التفرقة. وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث من طريق ثانية، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن [تجويز هذا يعدم] (¬9) الثقة بما شرعوه من الشرائع، ولعله يتخيل إليه جبريل وليس ثَمَّ ما يراه، أو أنه أوحى إليه وما ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) البخارى، ك الأدب، ب قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَان} وقوله: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم} وقوله: {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّه} وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر. (¬3) الجامع لأحكام القرآن 2/ 46 تفسير آية (102) البقرة، وفتح البارى 10/ 182. (¬4) هو أبو بكر الرازى من الحنفية، وأبو إسحاق الاستراباذى من علماء الشافعية، وابن حزم الظاهرى، وهو مذهب عامة المعتزلة والقدرية. المغنى 10/ 113. (¬5) من ح. (¬6) فى الأصل: مستو، وهو تصحيف. (¬7) فى الأصل: قباله. (¬8) سقط من الأصل. (¬9) فى ز: يحط بزهد علم، ولا معنى لها، والمثبت من ح.

قَالتْ: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِليْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ، وَمَا يَفْعَلهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أوحى إليه! وهذا الذى قالوه باطل، وذلك أن الدليل قد قام على صدقه فيما يبلغه عن الله - سبحانه - وعلى عصمته فيه، والمعجزة شاهدة بصدقه، وتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل. وما يتعلق ببعض أمور الدنيا التى لم يبعث بسببها، ولا كان رسولاً مفضلاً من أجلها، وهو فى كثير منه عرضة لما يعترض البشر - فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له. وقد قال بعض الناس: إنما المراد بالحديث: أنه كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل فى المنام للإنسان مثل هذا المعنى، ولا حقيقة له. فلا يبعد أن يكون صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخيله فى اليقظة وإن لم يكن حقيقة. وقال بعض أصحابنا: يمكن أن يكون تخيل إليه الشىء أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله أنه صحيح، فتكون اعتقاداته كلها على السداد، فلا يبقى لاعتراض (¬1) الملحدة طريق (¬2). قال القاضى: ظهر لى فى تأويل هذا الحديث ما هو أجلى وأبعد من مطاعن الملحدين، مع استفادته من نفس الحديث وخروجه عن حد الاحتمال والاستنباط (¬3) إلى النص والبيان، وذلك أن هذا الحديث روى عن ابن المسيب وعروة، وفيه عنهما: " سحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يهود بنى زريق] (¬4) فجعلوه فى بئر حتى كاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينكر [بصره] (¬5)، ثم دله الله عليه واستخرجه من البئر " (¬6). وروى نحوه الواقدى عن عبد الرحمن بن كعب وعمر [بن الحكم] (¬7) وذكر عن عطاء الخراسانى عن يحيى بن يَعْمر حبس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عائشة سنة، وذكره عبد الرزاق (¬8)، وزاد: " حتى أنكر بصره " (¬9)، وروى محمد بن سعد عن ابن عباس: مرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحبس عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان وذكر القصة (¬10). ¬

_ (¬1) فى ز: لاعتقاد، والمثبت من ع، ح. (¬2) نقل القاضى - رحمه الله - هذا الكلام - أيضاً - بتمامه فى كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2/ 181). ثم قال: هذا ما وقفت عليه لأئمتنا فى هذا الحديث. (¬3) فى ز: الأسباط، وهو تحريف. (¬4) فى الأصل: يهودى نضيق، وهو تحريف. (¬5) فى الأصل: نصره، وهو خطأ. (¬6) أخرج هذا الحديث عبد الرزاق فى مصنفه، ك الطب، ب النشر وما جاء فيه 11/ 14. (¬7) فى الأصل: عبد الحكم، وهو خطأ. (¬8) المصنف، ك الطب، ب النشر وما جاء فيه 11/ 14 رقم (19765). (¬9) عبد الرزاق نفسه 11/ 13 رقم (19763). (¬10) ابن سعد فى الطبقات 2/ 198.

ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ ليْلةٍ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا. ثُمَّ قَالَ: " يَا عَائِشَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد استبان من معانى هذه الروايات أن السحر إنما يسلط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده، ويكون معنى قوله فى الحديث: " حتى يظن أنه يأتى أهله ولا يأتيهن "، ويروى: " يخيل إليه " أى يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن وزوال ما أنكر قبل من حاله، فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولا يتمكن من ذلك، كما يعترى من وخذ وسحر عن ذلك، ويكون معنى قول عائشة فى الرواية الأخرى: " حتى إنه ليخيل إليه أنه [فعل] (¬1) شيئاً وما فعله " من باب ما اختل من بصره، فيظن أنه رأى شخصاً من بعض أزواجه أو غيرهن أو شاهد فعلاً من غيره، ولم يكن على ما يخيل إليه [للآفة الطارئة] (¬2) على بصره، لا لشىء طرأ عليه فى ميزه. وإذا كان هذا لم يكن فيما ذكر من إصابة السحر له وتأثيره فيه ما يدخل لبسًا على الرسالة، ولا يوجب (¬3) طعناً لأولى الضلالة. قال الإمام: واختلف الناس فى القدر الذى يقع به السحر، ولهم فى ذلك اضطراب كثير. وقد رأيت بعض الناس ذهب إلى أنه لا يبلغ الأمر فيه إلى غريبة (¬4) تربى على التفرقة بين المرء وزوجه، وذكر أن الله - سبحانه - إنما ذكر ذلك تعظيماً لما يكون عنده (¬5) وتهويلاً له فى حقنا، فلو كان يقع عنه ما هو أعظم لذكره؛ إذ لا يضرب المثل عند المبالغة إلا باعلا أحوال المذكور. ومذهب الأشعرية (¬6) أنه يجوز أن يقع عنه ما هو أكثر من ذلك والذى قالته الأشعرية هو الصحيح عقلاً، وإذا قلنا: إنه لا فاعل إلا الله - سبحانه - وأن ما يقع من ذلك عادة أجراها الله - تعالى - فلا تفترق الأفعال فى ذلك، وليس بعضها أولى من بعض، وهذا واضح، لكن إن ورد السمع بقصوره عن مرتبة ما وجب اتباع السمع فى ذلك وسمع قاطع يوجب الاقتصار على ما قاله من حكينا قوله لا يوجد. وذكر التفرقة بين الزوجين ليس بنص جلى فيما قاله، ولكنه إنما يبقى النظر فى كونه ظاهراً، والمراد فى المسألة القطع، فلذلك لم نشتغل (¬7) ها هنا بتحرير ما تعلق به من الآية. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬2) فى ز: لأنه الصارمة، ولا معنى لها، والمثبت من ح. (¬3) فى الأصل: يوجد. (¬4) فى ز: عربية. (¬5) فى ز، ع: عنه، والمثبت من ح. (¬6) هو أصحاب أبى الحسن على بن إسماعيل الأشعرى، المولود بالبصرة سنة 260، وكان تلميذاً لأبى على الجبائى رئيس معتزلة البصرة، ثم خالفه وأعلن براءته من مذهب الاعتزال. انظر: الفصل فى الملل والنحل 1/ 181، فتاوى ابن تيمية 2/ 228، 5/ 556. (¬7) فى ز: يستغل، والمثبت من ع، ح.

أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ جَاءَنِى رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأسِى وَالآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: إذا جوزت الأشعرية خرق العادة على يدى الساحر فبماذا (¬1) يتميز من النبى الصادق؟ قيل: العادة تنخرق على يدى النبى، وعلى يدى الولى (¬2)، وعلى يدى الساحر، إلا أن النبى يتحدى (¬3) بها ويستعجز سائر الخلق، ويحكى عن الله - سبحانه - خرق العادة لتصديقه. فلو كان كاذباً لم يخرق العادة على يديه، ولو خرقها لأظهرها على يد غيره من المعارضين له مثل ما أظهر على يده، والولى والساحر لا يتحديان (¬4) ولا يستعجزان الخليقة ليستدلوا على صدقهما وعلى نبوتهما، ولو حاولا شيئاً من ذلك لم تنخرق لهما العادة، أو تنخرق، ولكنها تنخرق لمن يعارضهم. وأما الولى والساحر فإنهما يفترقان من طريق أخرى، وهى أن الساحر يكون ذلك عَلماً على فسقه وكفره، والولى لا يكون ذلك علماً على ذلك فيه، فافترق حال الثلاثة بعضهم من بعض. والساحر - أيضاً - يكون ذلك منه على أشياء يفعلها وقوى يمزجها ومعاناة (¬5) وعلاج، والولى لا يفتقر إلى ذلك. وكثيراً مَا يقع له ذلك بالاتفاق من غير أن يستدعيه أو يشعر به. هذا القدر كاف (¬6) فيما يتعلق بعلم الأصول من المسألة، وأما ما يتعلق بعلم الفقه: فالساحر عندنا إذا سحر بنفسه قتل، فإن تاب لم تقبل توبته، خلافاً للشافعى. وهذه المسألة مبنية على الخلاف فى قبول توبة الزنديق؛ لأنه مسرٌ لما يوجب قتله كالساحر، وإنما قلنا: إنه يقتل على الجملة؛ لأن من عمل السحر وعلمه فقد كفر، والكافر يقتل، قال الله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُر} (¬7)، فإذا ثبت كونه كفراً وجب (¬8) القتل به. قال بعض أصحابنا: وقد قال تعالى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ} (¬9) أى باعوها، وبيعه نفسه يتضمن قتله، وقال الشافعى: إن عمل السحر وقتل به سُئل، فإن (¬10) قال: تعمدت القتل به، قتل. وإن قال: لم أتعمد القتل به، كانت فيه الدية (¬11). وإذا ثبت أنه كافر استغنى عن هذا التفصيل الذى قاله الشافعى (¬12). ¬

_ (¬1) فى ز: فيما. (¬2) فى ز: الموالى. (¬3) فى ز: يتحرى. (¬4) فى ز: يتحريان. (¬5) فى ز: معاياه، وهو سهو من الناسخ. (¬6) فى ز: كافة، وهو سهو من الناسخ. (¬7) البقرة: 102. (¬8) فى ز، ع: أوجب، والمثبت من ح، نسخة ل، ع. (¬9) البقرة: 102. (¬10) فى ز: كان. (¬11) حكاه المزنى فى: حكم الساحر إذا قتل بسحره. انظر: مختصر المزنى 8/ 255. (¬12) انظر: المجموع 19/ 245، المغنى بشرح الكبير 10/ 115، التاج والإكليل 6/ 280.

عِنْدَ رجْلىَّ. فَقَالَ الذِى عِنْدَ رَأسِى لِلذِى عِنْدَ رجْلىَّ، أَوِ الذِى عِنْدَ رجْلىَّ لِلذِى عِنْدَ رَأسِى: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِى أَىِّ شَىْءٍ؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَالَ: وَجُبِّ طَلعَةِ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى بِئْرِ ذِى أَرْوَانَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: بقول مالك قال أحمد بن حنبل، وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين. وللشافعى فيها قول آخر غير ما ذكر: ألا يقتل بسحره إلا أن يقتل دون تفصيل، وروى عنه - أيضاً - أنه سئل عن سحره، فإن كان كفراً استتيب منه. وقال مالك فى المرأة تعقد زوجها: تنكل ولا تقتل. وقال سعيد بن المسيب فى رجل به [طب] (¬1) أو يوخذ عن امرأته، يحل أو ينشر، قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، أما ما ينفع فلم ينه عنه. وأجاز سعيد أن يسأل الساحر حل السحر عن المسحور، وكرهه الحسن البصرى، وإلى الجواز مال الطبرى (¬2). قال الإمام: وقوله: " ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب ": المطبوب: المسحور، يقال: طب الرجل: إذا سحر، فكنى بالطب عن السحر، كما كنوا بالتسليم عن اللديغ. قال ابن الأنبارى: الطب حرف من الأضداد، يقال لعلاج الداء: طب، وللسحر: طب، وهو من أعظم الأدواء، ورجل طبيب حاذق، ويسمى طبيبًا لحذقه وفطنته. وقوله: " فى مُشَاطة ": المشاطة: الشعر الذى سقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط. وقوله: " وجب (¬3) طلعة ذكر " الجف وعاء الطلع، وهو الغشاء الذى عليه، ويروى: " جب طلعة " أى فى جوفها. قال شمر: أراد بالجب داخلها إذا خرج عنها المكفرى، كما يقال لداخل الركية (¬4) من أسفلها إلى أعلاها: جب. قال القاضى: قال أبو عمرو (¬5): جب وجف معاً يقال: لوعاء الطلع، وقد قيل فى تفسير جب طلعة: أنه من قولهم فى زمن التلقيح (¬6): قد أتى زمن الجباب. وقد جب الناس كأنه من القطع، أى ما قطع من قشورها عنها. وقد رواه ابن عيينة فى كتاب البخارى. " ومشاقة " (¬7) بالقاف، قيل: هو ما يخرج من الشعر إذا مشط وهذا مثل المشاطة، وهى من مشاقة الكتان. ¬

_ (¬1) فى ز: طف، والمثبت من ح. (¬2) انظر: الفتح 10/ 191. (¬3) فى نسخة النووى فى مسلم وابن حجر فى الفتح: " وجف ". النووى 14/ 177، الفتح 10/ 246. (¬4) فى ز: الزكية، وهو تصحيف. والركية: هى البئر. انظر: المصباح ص 91. (¬5) هو أبو عمرو الشيبانى. (¬6) فى ز: التلييح. (¬7) البخارى، ك الطب، ب هل يستخرج السحر 7/ 29، 30، وفى الفتح 10/ 190.

قَالتْ: فَأًتَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. ثُمَّ قَالَ: " يَا عَائِشَةُ، وَاللهِ، لكَأنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلكَأَنَّ نَخْلهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ ". قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا أَحْرَقْتُهُ؟ قَالَ: " لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِى اللهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلى النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فى بئر ذى أروان ": كذا هو فى الأصل وخارج الحاشية: " فى يبرُذ روان ". ووقع فى البخارى فى كتاب الدعوات: " فى دروان بيرنى بنى زريق " (¬1)، وقال القتبى: الصواب: " ذى أروان " كما فى الأم (¬2). وقوله: " فقلت: يا رسول الله، أفلا أحرقته " يعنى السحر، كذا الرواية عندنا فى جميع النسخ. قيل: صوابه: " أفلا أخرجته "، وكذلك وقع بعد فى مسلم فى الحديث الآخر وفى غير مسلم (¬3)، وبدليل قوله بعد: " كرهت أن أثير على الناس شراً، فأمرت بها فدفنت " يريد - والله أعلم -: يثير عليهم شراً بإخراجها واطلاع بعضهم عليها، وتعلم السحروعمله لمن يراها، فأمر بدفن البئر، أى ردمها. ولا يبعد عندى صواب: " أحرقته "، ولا يعترض عليه بما تقدم، بل لا يحرقه حتى يخرجه فيخشى الوقوف عليه، بل أحرقته أظهر لما أراد به من إفناء ذاته وإبطال عمله، وما يتوقع من بقاء شره [مع بقائه] (¬4) ولم يغير. وقد رواه بعضهم عن سفيان، وفيه: " فاستخرجه "، وقال فى موضع: " أفلا أستخرجته (¬5)، أفلا تنشرت " فرجح بعضهم رواية سفيان لحفظه، وأن السؤال عن النشرة، وجمع بعضهم بين الروايتين وأن [إثبات] (¬6) الاستخراج من البئر ونفيه من الجف، وهو الذى كان يثير على الناس بين المشاهدة صفة عقده وعمله، ثم يكون ردم البئر بعد هذا - والله أعلم - لما لعله يخشى أن يبقى فيها منه أو لفساد مائها للاستعمال، وعدم الانتفاع بها؛ لكون مائها كنقاعة الحناء. ويكون فى هذا حجة فى منع استعمال الماء المتغير فى الطهارة لدفنه هذا البئر؛ إذ ليس فيه أنه كان صفة مياه تلك الأرض، وأن تغييره إنما كان مما ألقى فيه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الدعوات، ب تكرير الدعاء 7/ 164. (¬2) غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 162. (¬3) وردت رواية للبخارى، ك الطب، ب السحر 7/ 28، وكذا أحمد فى المسند 6/ 96. (¬4) ساقطة من ز. (¬5) البخارى، ك الطب، ب هل يستخرج السحر 7/ 29. (¬6) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

44 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: سُحِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ أَبُو كُرَيْبٍ الحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. وَقَالَ فِيهِ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى البِئْرِ، فَنَظَرَ إِليْهَا وَعَليْهَا نَخْلٌ. وَقَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخْرِجْهُ. وَلمْ يَقُلْ: أَفَلا أَحْرَقْتَهُ؟ وَلمْ يَذْكُرْ: " فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه حجة على جواز النشرة (¬1) على أحد الروايات، إذ لم ينكر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عملها، وإنما قال: " أما أنا فقد عافانى الله ". واختلفوا فى عمل النشرة (¬2)، فأجازها الشعبى ويحيى بن سعيد وجماعة، وجاءت بها آثار وروى عن الحسن أنها من السحر، وعن جابر بن عبد الله: من عمل الشيطان. وقد أسنده عن النبىصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى كتاب أبى داود (¬3). ¬

_ (¬1) و (¬2) فى ز: الشرة، وهو تصحيف. (¬3) أبو داود، ك الطب، ب فى الشرة 4/ 6.

(18) باب السم

(18) باب السم 45 - (2190) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَة، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِىءَ بِهَا إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلهَاَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلكَ. قَالَ: " مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلطَكِ عَلى ذَاكِ ". قَالَ: أَوْ قَالَ: " عَلىَّ ". قَالَ: قَالوا: أَلا نَقْتُلهَا؟ قَالَ: " لا ". قَالَ: فَمَا زِلتُ أَعْرِفُهَا فِى لهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إن امرأة يهودية أتت (¬1) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاة مسمومة فجىء بها إليه، فقالت: أردت قتلك، قال: " ما كان الله ليسلطك على ذلك "، أو قال: " على " فيه عصمة النبى - عليه السلام - من الناس كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (¬2) ومعجزته فى كفاية الله له من السم المهلك لغيره، ومعجزته [إعلام الله - تعالى - بأنها مسمومة، وكلام عضو ميت له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد جاء] (¬3) فى غير الأم: أن النبى - عليه السلام - قال: " إن هذا الذراع يخبرنى بأنها مسمومة " (¬4). وقوله: " فما زلت أعرفها فى لهوات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": اللهاة: هى اللحمة الحمراء المعلقة فى أصل الحنك. قاله الأصمعى: وقال أبو حاتم: هى ما بين منقطع اللسان إلى منقطع القلب من أعلى الفم والقلب من أعلى الفم ما خلف الفراشة بكسر الفاء، ومعنى: " ما زلت أعرفها ": كأنها أثرت فيها أثراً من اسوداد أو ما الله أعلم به. وقوله: ألا نقتلها؟ قال: " لا ": اختلفت الآثار واختلف العلماء، هل قتلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟ فذكر ها هنا ما تقدم، ومثله عن أبى هريرة من رواية ابن وهب وجابر، وذكر عنه فى رواية أبى سلمة أنه قتلها (¬5). وفى رواية ابن عباس: أنه دفعها لأولياء بشر بن البراء، وكان أكل منها فمات، فقتلوها (¬6). وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتلها. ¬

_ (¬1) فى نسخ الإكمال: سحرت، وهو تصحيف؛ لأن غاية ما وقفت عليه فى متن هذا الحديث هى: " أتت وأهدت "؛ ولم أعثر على " سحرت "، ولم يثبت أنها كانت ساحرة. (¬2) المائدة: 67. (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬4) أبو داود، ك الديات، ب فيمن سقى رجلاً سماً فمات هل ينقاد منه 4/ 173، عبد الرزاق، ك الجامع، ب الحجامة وما جاء فيه بلفظ: " العظم " 11/ 29، ابن سعد فى الطبقات 1/ 201. (¬5) رواها البيهقى فى دلائل النبوة 4/ 262. (¬6) انظر: ابن سعد فى الطبقات 1/ 202، الفتح 7/ 401، 10/ 201.

(...) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ هِشَامَ ابْنَ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَعَلتْ سَمًّا فِى لحْمٍ، ثُمَّ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنْحوِ حَدِيثِ خَالِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وجه الجمع عندى - والله أعلم - أنه لم يقتلها أولاً لما فعلته من السم (¬1) إذ اطلع عليه، وأشار عليه من حضر بقتلها فقال: " لا ". فلما مات بشر بن البراء من ذلك السم، وكان أكل منها أسلمها - كما قال فى الحديث - لأوليائه فقتلوها. فهو قول من قال: قتلها. فلم يقتلها فى حين [وقتلها فى حين] (¬2) آخر - والله أعلم. قال الداودى: إنما لم يقتلها لاحتمال ألا ينقص من عذابها فى الآخرة، ويبقى له أجره موفوراً. قال: ويحتمل أنه لم يقتلها لأن لها ذمة ولم تقتل [بسمها] (¬3). اختلف العلماء فيمن سقى رجلاً سماً، فمذهب مالك: أن تقتل به، وبمثل ما قتله به. قال مالك: وذلك أنه إذا استكرهه على شربه (¬4). وقال الكوفيون: لا قصاص عليه فى هذا، وفيه الدية على عاقلته (¬5). ولو دسّه له فى طعام أو شراب فناوله إياه فشربه لم يكن عليه شىء ولا على عاقلته. وقال الشافعى: إذا فعل ذلك به غير مكره ففيها قولان: أحدهما: عليه القود (¬6). وهو أشبههما. والثانى: لا قود، وإن فعل ذلك ووضعه فأخذه الرجل فأكله فلا عقل ولا قود ولا كفارة عليه. ¬

_ (¬1) فى النسخ: السحر. وأراه وهماً من الناسخ بدليل ما نقله أبو عبد الله الأبى فى إكمال الإكمال 6/ 11 وما سيذكره القاضى بعد هذا. (¬2) من ح. وقد سقطت فى ز. (¬3) فى جميع النسخ: بسحرها، وهو تصحيف: قال الزهرى: إنها أسلمت. وقال الخطابى: إنه ليس فى هدا الحديث أكثر من أن اليهودية أهدتها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأن بعثت بها إليه، فصارت ملكاً له، وصار أصحابه أضيافاً له، ولم تكن هى التى قدمتها إليهم وإليه. وما هذا سبيله فالقود فيه ساقط، لما ذكرناه من علة المباشرة، وتقديمها على السبب. انظر: سنن أبى داود مع معالم السنن 6/ 307 - 309. (¬4) المدونة 6/ 433. (¬5) انظر: حاشية ابن عابدين 6/ 542. والعاقلة: قال فى المغنى: من يحمل العقل، والعقل: الدية، تسمى عقلاً لأنها تعقل اللسان ولى المقتول، وقيل: إنها سميت العاقلة؛ لأنهم يمنعون القاتل. والعقل: المنع، والعاقلة: العصبات. واختلف فى الآباء والبنين، هل هم العاقلة أم لا؟ المغنى (9/ 515). (¬6) القود، بفتحتين: القصاص، وأقاد الأمير قاتله بالقتيل قتله به، فهو قتل النفس بالنفس. المصباح واللسان، مادة: " قود ".

(19) باب استحباب رقية المريض

(19) باب استحباب رقية المريض 46 - (2191) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ - وَاللفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ، مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَذْهِبِ البَاسَ، رَبِّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِى، لاَ شِفَاءَ إِلا شِفَاؤكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ". فَلمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ، أَخَذْتُ بِيَدِهِ لأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِى. ثُمَّ قَالَ: " الَلهُمَّ، اغْفِرْ لِى وَاجْعَلنِى مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلى ". قَالتْ: فَذَهَبْتُ انْظُرُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى. (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنِ الأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ. فِى حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَشُعْبَةَ: مَسَحَهُ بِيَدِهِ. قَالَ: وَفِى حَدِيثِ الثَّوْرِىِّ: مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرقى بهذه الرقية " الحديث وفى الحديث الآخر: كان إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه، وقال: " أذهب الباس رب الناس " الحديث، وفى الآخر: كان إذا اشتكى الإنسان الشىء [بجسده] (¬1) لو كانت به قرحة أو جرح قال النبى بأصبعه هكذا - ووضع سفيان سبابته بالأرض، ثم رفعها -: " بسم الله، تربة أرضنا بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا بإذن ربنا " (¬2): هذا من فعله - عليه السلام - حقيقة الطب مع التبرك باسم الله والتشفى به، وذلك أن تراب الأرض لبرده ويبسه يقوى الموضع الذى ¬

_ (¬1) ساقطة من ز. (¬2) حديث رقم (54) من هذا الكتاب.

وَقَالَ فِى عَقِبِ حَدِيثِ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ. قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ مَنْصُورًا، فَحَدَّثَنِى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ. بِنَحْوِهِ. 47 - (...) وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَادَ مَرِيضًا يَقُولُ: " أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِهِ أَنْتَ الشَّافِى، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكُ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ". 48 - (...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوق، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى المَرِيضَ يَدْعُو لَهُ قَالَ: " أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِى، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكُ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: فَدَعَا لهُ، وَقَالَ: " وَأَنْتَ الشَّافِى ". (...) وَحَدَّثَنِى القَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ وَمُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى عَوَانَةَ وَجَرِيرٍ. 49 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْقَى بِهَذِهِ الرُّقْيَةِ: " أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفَاءُ، لا كَاشِفَ لَهُ إِلاَ أَنْتَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ به الألم، ويمنع انصباب المواد إليه يبسه وتجفيفه (¬1) مع منعته فى تجفيف الجراح وإدمالها. واختصاص بعض الأرضين بتحليل الأورام والريق مختص بالتحليل والإنضاج والإدمال وابراء الجراحات والأورام والقوباء والثأليل والجراحات، لا سيما من الصائم والجائع، ومن بعد عهده بالأكل والشرب، وذلك بانفراده فى الأجسام الرخيصة، وأما فى القوية فقد يضاف إليها فى علاج الأورام الحنطة الممضوغة وأشباهها من المحللات المضحات. وذهب ¬

_ (¬1) وقد تعقبه القرطبى فى المفهم فقال: وهذا إنما يكون عند المعالجة والشروع فيها على قوانينها، مع مراعاة مقدار التراب والريق وملازمة ذلك فى أوقاته، وأما النفث ووضع السبابة على الأرض فلا تعلق بالمرقى؛ لما له بال ولا أثر، وإنما هذا من باب التبرك بأسماء الله وآثار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3/ ق 201.

(...) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم إلى أن تخصيص قوله " أرضنا " بالمدينة تبركاً بتربتها لفضلها، والصواب ما قلناه، وسيأتى الكلام على الرقى شافياً إن شاء الله، ويأتى الكلام بعد فى فضل عائشة على قوله: " مع الرفيق الأعلى ".

(20) باب رقية المريض بالمعوذات والنفث

(20) باب رقية المريض بالمعوذات والنفث 50 - (2192) حَدَّثَنِى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامُ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، نَفَثَ عَليْهِ بِالمُعَوِّذَاتِ. فَلمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الذِى مَاتَ فِيهِ، جَعَلتُ أَنْفُثُ عَليْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِى. وَفِى رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ: بِمُعَوِّذَاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى [الحديث] (¬1) الآخر: " كان إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات "، وفى الآخر: " كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث "، وفى الآخر: " ومسح عنده بيده " (¬2)، وفى الآخر: " رخص رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل البيت من الأنصار فى الرقية من الحمة " (¬3)، وفى الأخرى: " والنملة والعين " (¬4)، وأمر بالاسترقاء من العين (¬5)، ومن الحية (¬6)، وقال فى الذى رأى فى وجهها سفعة: " استرقوا لها " (¬7)، وقال أول الكتاب: " لا رقية إلا من عين أو حمة " (¬8)، قال الإمام: جميع الرقى عندنا جائزة إذا كانت بكتاب الله - عز وجل - وذكر الله، وينهى عنها بالكلام الأعجمى وما لا يعرف معناه؛ لجواز أن يكون فيه كفر أو إشراك. وقد كره مالك أن يحلف بالعجمية، وقال: ما تدريه أن الذى قال كما قال. وأما رقية أهل الكتاب فاختلف فيها (¬9)، وأخذ مالك كراهيتها على أنه روى فى موطئه عن الصديق - رضى الله عنه - أنه أمر الكتابية التى وجدها ترقى أن ترقى بما فى كتابها (¬10)، ولعل مالكاً - رحمه الله - رأى أن التبديل لما دخلها خيف أن تكون الرقية بما بدل منه مما ليس بكلام الله - سبحانه - ويكون المجيز لذلك رأى أن التبديل، لم يأت عليها، ولعلهم لم يبدلوا مواضع الرقى منها؛ إذ لا منفعة لهم فى ذلك. وقد قال فى كتاب مسلم: " لا بأس ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) حديث رقم (52) بالباب التالى. (¬3) حديث رقم (53) بالباب التالى. (¬4) حديث رقم (57) بالباب التالى. (¬5) حديث رقم (56) بالباب التالى. (¬6) حدبث رقم (60) بالباب التالى. (¬7) حديث رقم (59) بالباب التالى. (¬8) سبق فى كتاب الإيمان، ب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب رقم (3074). (¬9) قال ابن حجر. أجاز الشافعى رقية أهل الكتاب للمسلمين إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله. الفتح 10/ 161. وشرح البخارى لابن بطال 4/ ق 191. (¬10) الموطأ، ك العين، ب التعوذ والرقية فى المرأة 2/ 943.

51 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالرقى ما لم يكن فيه شرك " (¬1). وذكر مسلم - أيضاً - فى بعض طرقه أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه رجل فقال: يا رسول الله، إنك نهيت عن الرقى، وأنا أرقى من العقرب، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " (¬2)، فيحتمل أن يكون النهى ثابتاً ثم نسخ، أو يكون كان النهى لأنهم كانوا يعتقدون منفعتها بطبيعة الكلام كما كانت تعتقد الجاهلية، فلما استقر الحق فى أنفسهم وارتاضوا بالشرع أباحها لهم، مع اعتقادهم أن الله هو النافع الضار، أو يكون النهى عن الرقى الكفرية، ألا تراه [قال] (¬3) للذى قال له: نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ما أرى بأساً " (¬4). وقد وقع فى بعض الأحاديث: " لا رقية إلا من عين أو حمة "، وهذا تأوله أهل العلم (¬5) على أنه لم يرد به نفى الرقى عما سواها، بل المراد به: لا رقية أحق وأولى من العين والحمة. وقد وقع فى بعض الأحاديث: أنه سُئل عن النشرة فأضافها إلى الشيطان (¬6). والنُّشرة أمر معروف عند أهل التعزيم (¬7) وسميت ذلك لأنها تنشر عن صاحبها أى تحل عنه. وقال الحسن: هى من السحر (¬8) ويحمل هذا على أنها أشياء خارجة عن كتاب الله وعن ذكره، وعن المداواة المعروفة التى هى من جنس [الطب] (¬9) المباح، ولعلها ألفاظ لا تجوز، أو استعمال بعض الأجساد على غير جهة صناعة الطب والتداوى، على حسب ما كانت تعتقده الجاهلية من إضافة الأفعال لذوات هذه الأشياء، وقد رأيت بعض المتقدمين مال فى حل المعقودين إلى نحو من هذه الطريقة، وإن كان البخارى حكى عن سعيد بن المسيب أنه قيل له فى رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح (¬10)، فأما ما ينفع فلم ينه عنه (¬11). ¬

_ (¬1) حديث رقم (64) من هذا الكتاب. (¬2) حديث رقم (63) بالباب التالى. (¬3) ساقطة من ز. (¬4) حديث رقم (63) بالباب التالى. (¬5) منهم الخطابى، ك الطب، ب تعليق التمائم، المعالم 4/ 213. (¬6) رواه عبد الرزاق فى مصنفه 11/ 13، ب النشر وما جاء فيه. (¬7) هم أهل العزائم التى تقرأ بآيات ليشفى بها من به آفات. انظر: اللسان، مادة " نشر ". (¬8) أخرجه ابن أبى شيبة، ك الطب 5/ 434 وذكر الخطابى فى المعالم 4/ 201، البغوى فى شرح السنة 12/ 159. (¬9) ساقطة من ح. (¬10) فى ز: الاصطلاح، وهو خطأ من الناسخ، والمثبت من ح. (¬11) رواه البخارى معلقاً فى ك الطب، ب هل يستخرج 7/ 177.

عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ. فَلمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَليْهِ، وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ذكر فى أحاديث مسلم كلها أن الرقية إنما جاءت بعد الشكوى، وذكر البخارى عن عائشة كان - عليه السلام - إذا أوى إلى فراشه نفث فى كفيَّه بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده (¬1). قيل فيه جواز الاسترقاء للصحيح لما عساه يخشاه من طوارق الليل وهوامه وغير ذلك مما يسترقى له، فيمنعه الله من أذى ذلك، قيل: وهو مثل قوله فى الحديث الآخر: " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه " (¬2) أى كل هامة وشيطان لم يضره ليلته. قال القاضى: قال أبو عمر (¬3): لا أعلم خلافاً فى جواز الرقية من العين والحمة، وهى لدغة العقرب وما كان مثلها، إذا كانت بأسماء الله وما يجوز به الرقى، وكان ذلك بعد نزول الوجع والبلاء به، وإن كان ترك الرقى عندهم أفضل وأعلى؛ لما فيه من اليقين أن العبد ما أصابه لم يكن ليخطئه ولا يعدو شىء وقته، وذكر حديث عكاشة. وقوله فى هذا الحديث: " ونفث فيه " جواز النفث فى الرقية. قال بعض علمائنا (¬4): هذه سنة فى نفث الراقى، وبالأخذ بهذا والاقتداء بالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال جماعة من الصحابة (¬5) ومن بعدهم (¬6)، وهو قول مالك (¬7). قال الطبرى: وأنكر بعضهم النفث والتفل فى الرقى، وأجازوا فيها النفخ. قال بعض علمائنا القدماء: وهو شبيه البزق ولا يلقى شيئاً، وهو بخلاف التفل الذى معه شىء. قال القاضى: وهذا نحو قول من قال: النفخ، فإن كان هذا النفث الذى أجازه أولئك فهو النفخ الذى أجازه الآخرون فلا خلاف إذاً فيه على هذا الوجه. وقد اختلف فى التفل والنفث، فقيل: هما بمعنى، ولا يكونان إلا ومعهما شىء من الريق، وقال أبو عبيد: لا يكون التفل إلا ومعه شىء من الريق بخلاف النفث، وقيل بعكس هذا (¬8). وقال بعضهم: والتفل، بالفتح: البصاق نفسه. وسئلت عائشة عن نفث ¬

_ (¬1) البخارى، ك الطب، ب النفث فى الرقية 7/ 172. (¬2) البخارى، ك فضائل القرآن، ب فضل البقرة 6/ 231. (¬3) انظر: التمهيد 5/ 264، 8/ 129، 24/ 156. (¬4) منهم ابن عبد البر فى التمهيد 8/ 129، والباجى فى المنتقى 7/ 260. (¬5) ابن أبى شيبة فى المصنف 5/ 442، البخارى 7/ 25. (¬6) منهم محمد بن سيرين. انظر: مصنف ابن أبى شيبة. (¬7) نقله عن الباجى 7/ 260. (¬8) انظر: غريب الحديث 1/ 180.

(...) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى زِيَادٌ، كُلهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِإِسْنَادِ مَالِكٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَليْسَ فِى حَديثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: رَجَاءَ بَرَكَتِهَا، إِلا فِى حَدِيثِ مَالِكٍ. وَفِى حَدِيثِ يُونُسَ وَزِيَادٍ: أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الرقية، فقالت: كما ينفث آكل الزبيب (¬1). قال بعض شيوخنا: وهذا يقتضى أنه يلقى اليسير من الريق، وليس كما قال، بل هو كما قاله الأول لأن نافث الريق لا بزاق معه، ولا اعتبار بما يخرج عليه من بله ولا يقصد ذلك، لكن قد جاء فى حديث الذى رقى بفاتحة الكتاب: " فجعل يجمع بزاقه ويتفل " (¬2). وفائدة ذلك - والله أعلم - التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء والنفس المباشر للرقية والذكر الحسن والدعاء والكلام الطيب، كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء الحسنى فى النشر. وقد يكون على وجه التفاؤل بزوال ذلك الألم عن المريض وانفصاله عنه، كانفصال ذلك النفث عن فىّ الراقى. وقد كان مالك ينفث إذا رقى نفسه وكان يكره الرقية بالحديدة والملح والذى يعقد أو الذى يكتب خاتم سليمان (¬3)، وكان العقد عنده أشد كراهة لما فيه من مشابهة السحر، كأنه تأول قوله تعالى: {النَّفَاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (¬4). وفيها سنة السح باليد اليمنى عند الرقية. قال الطبرى: ومعنى ذلك: تفاؤلاً لذهاب الوجع لمسحه بالرقى. وفيه جواز الرقى بالقرآن وبالمعوذات وبالدعاء إلى الله بالشفاء وتخصيصه - عليه السلام - الرقى بالمعوذات فى هذه الأحاديث لعمومها الاستعاذة من أكثر المكروهات من شر السواحر النفاثات، وشر الحاسدين، والشيطان ووسوسته، ومن شر شرار الناس، وشر كل ما خلق، وشر ما جمعه الليل من المكاره والطوارق. واختلف قول مالك فى رقية اليهودى والنصرانى للمسلم، فله فى المستخرجة (¬5) كراهة ذلك، وروى عنه جوازه، وهو قول الشافعى. ¬

_ (¬1) أحمد فى المسند 6/ 38. (¬2) حديث رقم (65) من هذا الكتاب. (¬3) البداية والنهاية 2/ 18. قصص القرآن للبخارى 318. (¬4) الفلق:4. (¬5) المستخرجة: هى المعروفة بالعتبية، جمعها أبو عبد الله بن أحمد العتبى. ترتيب المدارك 3/ 145 وهى مطبوعة.

(21) باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة

(21) باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة 52 - (2193) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلتُ عَائِشَةَ عَنِ الرُّقْيَةِ؟ فَقَالتْ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الأَنصَارِ فِى الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِى حُمَةٍ. 53 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِى الرُّقْيَةِ مِنَ الحُمَةِ. 54 - (2194) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللفْظُ لابْنِ أَبِى عُمَرَ - قَالوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّىْءَ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ، قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا. وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا: " بِاسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، لَيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا ". قَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: " يُشْفَى "، وَقَالَ زُهَيْرٌ: " ليُشْفَى سَقِيمُنَا ". 55 - (2195) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللفْظُ لهُمَا -: حَدَّثَنَا - مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَر، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأمُرُهَا أَنْ تَسْتَرْقِىَ مِنَ العَيْنِ. (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: الحُمة، بضم الحاء وفتح الميم وتخفيفها: السم، والنملة قروح تخرج فى الجنب. قال ابن قتيبة وغيره: كانت المجوس تزعم أن ولد الرجل من أخته إذا خط

56 - (...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُنِى أَنْ أَسْتَرْقِىَ مِنَ العَيْنِ. 57 - (2196) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فِى الرُّقَى، قَالَ: رُخِّصَ فِى الحُمَةِ وَالنَّمْلةِ وَالعَيْنِ. 58 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ - وَهُوَ ابْنُ صَالِحٍ - كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ، وَالحُمَةِ، وَالنَّمْلةِ. وَفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الحَارِثِ. 59 - (2197) حَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ، سُليْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ الزُّبَيْدِىُّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلمَةَ، عن أم سلمة زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَارَيَةٍ، فِى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بِوَجْهِهَا سَفْعَةً فَقَالَ: " بِهَا نَظْرَةٌ، فَاسْتَرْقُوا لهَا " يَعْنِى: بِوَجْهِهَا صُفْرَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ على النملة شفى صاحبها (¬1)، ومنها قول الشاعر: ولا عيب فينا غير عرق لمعشر ... كرام وأنا لا نخط على النمل قال القاضى: النملة هذا، وقد يكون - أيضاً - قرحتها فى غير الجنب، والنملة - أيضاً - النميمة، وحكاها الهروى بالضم، والنملة بالكسر: المشية التقاربة، حكاها الفراء (¬2). وقوله: فى الجارية التى بوجهها سفعة [فقال: " بها نظرة فاسترقوا لها " قال فى الحديث: يعنى بوجهها صفرة. قال الحربى: به سفعة، وسفع من الشيطان: أى سواد فى وجهه] (¬3). قال الهروى: رأى بها نظرة أى عيناً أصابتها (¬4)، قال: وقيل: أى ضربة واحدة، يقال: سفعه: إذا لطمه. قال غيره: يعنى أخذه من الشيطان، وفى كتاب الدلائل: النظرة كاللمم والمس. وأصل النظرة: العيب. قال أبو عبيد: ويقال: رجل به ¬

_ (¬1) انظر: غريب ابن قتيبه 2/ 276. (¬2) تهذيب اللغة 15/ 366. (¬3) سقط من الأصل، وانظر: غريب الحديث للحربى 3/ 947. (¬4) غريب الحديث للهروى 3/ 189.

60 - (2198) حَدَّثَنِى عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمِّىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: رَخَّصَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لآلِ حَزْمٍ فِى رُقْيَةِ الحَيَّةِ. وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: " مَالِى أَرَى أَجْسَامَ بَنِى أَخِى ضَارِعَةً، تُصِيبُهُمُ الحَاجَةُ ". قَالتْ: لا، وَلكِنِ العَيْنُ تُسْرِعُ إِليْهِمْ. قَالَ: " ارْقِيهِمْ ". قَالتْ: فَعَرَضْتُ عَليْهِ. فَقَالَ: " ارْقِيهِمْ ". 61 - (2199) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا رَوْح بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَرْخَصَ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى رقية الحية لبنى عَمرٍو. قال الزبير: وسمعت جابر بن عبد الله يقول: لدَغَتْ رَجُلاً مِنَّا عَقْرَبٌ، وَنَحْنُ جُلوسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرْقِى؟ قَالَ: " مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَليَفْعَلْ ". (...) وَحَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَاد مِثْلهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَرْقِيهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلمْ يَقُلْ: أَرْقِى. 62 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ لِى خَالٌ يَرْقِى مِنَ العَقْرَبِ، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى. قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، وَأَنَا أَرْقِى مِنَ العَقْرَبِ. فَقَالَ: " مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَليَفْعَلْ ". (...) وَحَدَّثَنَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ نظرة، أى شحوب (¬1)، وقال الأصمعى: هى حمرة يعلوها سواد (¬2)، كذا ضبطناه هنا: " سفعة " بفتح السين، وفسره بما تقدم. وبالفتح ضبطناه فى الهروى والدلائل وغيرهما على أبى الحسين، ورأيته فى كتابى عن القاضى أبى على بالضم، وفى كتاب العين السفعة: سواد وشحوب فى الوجه (¬3). ¬

_ (¬1) لم نعثر عليه فى غريب الحديث. (¬2) انظر: المفهم 3/ ق 201. (¬3) انظر: المشارق 2/ 226.

63 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى. فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِى بِهَا مِنَ العَقْرَبِ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى. قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَليْهِ. فَقَالَ: " مَا أَرَى بَأَسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَليَنْفَعْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث مما تتبع الدارقطنى إخراجه على مسلم والبخارى لعلة فيه، ولرواية عقيل عن الزهرى عن عروة مرسلاً، وإرسال مالك وغيره له من أصحاب يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة. قال الدارقطنى: وأسنده أبو معاوية فلا يصح، وقال: عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهرى [عن سعيد] (¬1) ولم يصنع شيئاً (¬2). وقوله: " ما لى أرى أجساد بنى أخى ضارعة ": يعنى بنى جعفر. الضارع: الضاوى النحيف. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) الإلزامات 1/ 217.

(22) باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك

(22) باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك (¬1) 64 - (2200) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، قَالَ: كُنَّا نَرْقِى فِى الجَاهِليَّةِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " اعْرِضُوا عَلىَّ رُقَاكُمْ، لا بَأسَ بِالرُّقَى مَا لمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب قبل السابق.

(23) باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار

(23) باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار 65 - (2201) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ أَبِى المُتَوكِّلِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِى سَفْر، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلمْ يُضِيفُوهُمْ. فَقَالوا لهُمْ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الحَىِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعَمْ. فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعْطِىَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلهَا، وقَالَ: حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ للنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ، مَا رَقَيْتُ إِلا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ. فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: " وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ". ثُمَّ قَالَ: " خُذُوا مِنْهُمْ، وَاضْرِبُوا لِى بِسَهْمٍ مَعَكُمْ ". (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ، مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى الحَدِيثِ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ أُمَّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ، وَيَتْفُلُ، فَبَرَ أَالرَّجُلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الذى رقى اللديغ بفاتحة الكتاب فأعطى قطيعاً من الغنم: " ما أدراك أنها رقية، خذوا منهم، واضربوأ لى بسهم معكم ": فيه جواز الرقية بأم القرآن لما فيها من الإخلاص والعبودية لله والبناء (¬1) عليه، وتفويض الأمر إليه بالاستعانة به. وفيه جواز أخذ الأجرة على الرقية والطب وعلى تعليم القرآن، وهو قول مالك وأحمد والشافعى وأبى ثور وإسحاق، وجماعة من السلف وأهل العلم. ومنعه أبو حنيفة وأصحابه فى تعليم القرآن، وأجازوه فى الرقية. وفيه جواز المعارضة (¬2) على ترك المعروف وإن كان ضد ذلك أحسن لقوله: " استضفناكم فلم تضيفونا " (¬3) فمنعوهم معروفهم فى الرقية إلا بأجر مكافأة لهم. وفيه لزوم الضيافة على ما كانت عليه أولاً، وقد تقدم الكلام فى هذا. وقوله: " اقسموا واضربوا لى بسهم ": إنما قسموها بمراضاتهم إذا كانت الأجرة للراقى وحده وفيه جواز القسمة بالقرعة. ¬

_ (¬1) فى الأصل: النباء. (¬2) فى الأصل. المقارضة، والمثبت من ح. (¬3) انظر: البخارى، ك: الإجارة، ب: ما يعطى فى الرقية على أحياء العرب 3/ 121.

66 - (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَخِيهِ، مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قَالَ: نَزَلنَا مَنْزِلاً، فَأَتَتْنَا امْرَأَةٌ فَقَالتْ: إِنَّ سَيْدَ الحَىِّ سَلِيمٌ، لدِغَ، فَهَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاق؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا، مَا كُنَّا نَظُنُّهُ يُحْسِنُ رُقْيَةً، فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَبَرَأَ، فَأَعْطُوْهُ غَنَمًا، وَسَقَوْنَا لبَنًا. فَقُلْنَا: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً؟ فَقَالَ: مَا رَقَيْتُهُ إِلا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ. قَالَ: فَقُلْتُ: لا تُحَرِّكُوهَا حَتَّى نَأتِىَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْنَا النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَنَا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " مَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِى بِسَهْمٍ مَعَكُمْ ". (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا، مَا كُنَّا نَأبُنُهُ بِرُقْيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وما يدريك أنها رقية ": دليل أن القرآن وإن كان كله مرجو البركة، ففيه ما يختص بالرقية دون جميعه. قيل: وموضع الرقية فى أم القرآن قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬1)؛ لعموم التفويض إليه [سبحانه] (¬2)، واللجأ والرغبة فى هذا وغيره. وقوله: " إن سيد الحى سليم ": أى لديغ. السليم: هو الملدوغ. قيل: سمى بذلك على طريق التفاؤل بالسلامة، وقيل: لأنه مستسلم لما به. وقوله: " ما كنا نأبنُهُ برقية "، قال الإمام: أى ما كنا نتهمه بها. [(¬3) قال الهروى: وفى حديث أبى الدرداء: " أنؤبن بما ليس فينا ": أى نتهم. يقال: أبنت الرجل آبنه، وآبنه: إذا رميته بخلة سوء، قال ابن الأنبارى: رجل مأبون: أى معيب، والأبنة فى كلام العرب: العيب، ومنه قولهم: عود مأبون: إذا كانت فيه أبنة وهى العقبة، يعاب بها وتفسده، قال الأعشى: سلاجم كالنخل ألبستها ... قضيب سراء قليل الأُبن (¬4) السلاجم: النصال العراض. وقال غيره: يقال: أنبت الرجل خيرًا أو شرًا؛ إذا قذفته به. قال القاضى: قد روينا هذا الحرف فى هذا الحديث من رواية الباجى: " ما كنا نظنه برقية "، وهى تفسير الرواية الأخرى، وذكر أيضاً من رواية ابن أبى شيبة: " ما كنا نظنه ". ¬

_ (¬1) الفاتحة: 4. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) بداية سقط فى الأصل. (¬4) انظر: اللسان، مادة " سلجم ".

(24) باب استحباب وضع يده على موضع الألم، مع الدعاء

(24) باب استحباب وضع يده على موضع الألم، مع الدعاء (¬1) 67 - (2202) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطعَمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ الثَّقْفِىِّ؛ أَنَّهُ شَكَا إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا، يَجِدُهُ فِى جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضَعْ يَدَكَ عَلى الذِى تَأَلمَ مِنْ جَسَدِكَ. وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، ثَلاثاً. وَقُلْ - سَبْعَ مَرَّات -: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سيأتى التعليق عليه ضمن أحاديث الباب التالى.

(25) باب التعوذ من شيطان الوسوسة فى الصلاة

(25) باب التعوذ من شيطان الوسوسة فى الصلاة 68 - (2203) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَف البَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلى، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرىِّ، عَنْ أَبِى العَلاءِ؛ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِى العَاصِ أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِى وَبَيْنَ صَلاتِى وقِرَاءَتِى، يَلبِسُهَا عَلىَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خِنْزَبٌ. فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفُلْ عَلى يَسَارِكَ ثَلاثاً ". قَالَ: فَفَعَلتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّى. (...) حَدَّثْنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ الجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى العَلاءِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى العَاصِ؛ أَنَّهُ أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. وَلمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ: ثَلاثًا. (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعِيدُ الجُرَيْرِىِّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى العَاصِ الثَّقَفِىِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ذاك شيطان يقال له: خنزب ": ضبطناه بكسر الخاء " خنزب " على الصدفى، وعن غيره بفتحها (¬1)، وبالفتح قيدها الجيانى (¬2). وذكر فى هذا الحديث: " تعوذ بالله "، وفيه: " واتفل عن يسارك ثلاثاً "، وفى الأخرى: " قل: بسم الله ثلاثاً " " وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " (¬3)، فيه اختصاص هذه الأمور بالوتر، وتخصيص الثلاث منها والسبع، وذلك كثير فى موارد الشرع، لا سيما تخصيص السبع بما هو فى باب الشفاء والمعافاة والنشر، ودفع السحر وأمر الشيطان والسم، كقوله: " صبوا علىّ من سبع قرب " (¬4)، و" من تصبح بسبع تمرات لم يضره سم " (¬5). ¬

_ (¬1) أبو بحر الأسدى. انظر: المشارق 1/ 170. (¬2) انظر: المشارق 1/ 170. (¬3) حديث رقم (67) بالباب السابق. (¬4) أحمد فى مسنده 6/ 151. (¬5) سبق فى مسلم، ك الأشربة، ب فضل تمر المدينة، رقم (154).

(26) باب لكل داء دواء، واستحباب التداوى

(26) باب لكل داء دواء، واستحباب التداوى 69 - (2204) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الحَارِثِ - عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لِكُلِ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى ": قال: الدَّواء والدِّواء بالفتح والكسر، والكسر لغة الكلابيين، وفى حديث آخر: " إن كان فى شىء من أدويتكم خير ففى شرطة محجم، أو شربة من عسل، أو لدغشة بنشار "، وقال: " ما أحب أن أكتوى "، وذكر فى حديث سعد بن معاذ: " أنه رمى فى أكحله فكواه - عليه السلام "، وفى آخر: " الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء "، وذكر فى حديث آخر: فدخلت عليه بابن لى وقد أعلقت عليه من العذرة فقال: " علامه " تدغرن أولادكن بهذا العِلاق، عليكن بهذا العود الهندى، فإن فيه [سبعة] (¬1) أشفية، منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب " (¬2)، وفى بعض طرقه: قال يونس: أعلقت: غمزت، فهى تخاف أن تكون به عذرة، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " علامه تدغرن أولادكن بهذا الأعلاق؟ عليكن بهذا العود الهندى - يعنى به: الكست - فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب " (¬3)، وذكر فى حديث آخر: " إن فى الحبة السوداء شفاءً من كل داء إلا السام " (¬4) والسام: الموت، والحبة السوداء: الشونيز، وفى حديث آخر عن عائشة - رضى الله عنها -: " إذا مات الميت من أهلها وتفرق النساء إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت: كلن منها فإنى سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " التلبينة مَجِمة لفؤاد المريض تذهب بعض الحزن " (¬5)، وذكر فى حديث آخر: قال رجل: يا رسول الله، إن أخى استطلق بطنه، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسقه عسلاً "، فسقاه ثم جاءه، فقال: إنى سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: " اسقه عسلاً "، فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صدق الله، وكذب بطن أخيك "، فسقاه فبَرَأ (¬6). ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) حديث رقم (86) من هذا الكتاب. (¬3) حديث رقم (87) من هذا الكتاب. (¬4) حديث رقم (88) من هذا الكتاب. (¬5) حديث رقم (90) من هذا الكتاب. (¬6) حديث رقم (91) من هذا الكتاب.

70 - (2205) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَادَ المُقَنَّعَ ثُمَّ قَالَ: لا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ، فَإنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ فِيهِ شِفَاء ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: ذكر ههنا هذه الفصول من الطب والعلاج، وقد وقع فى بعضها تشنيع ممن فى قلبه مرض. ومن ناشئة المتلاعبين من يلهج بذكر هذه الأحاديث استهزاء، ويقول: الأطباء مجمعون على أن العسل مسهل، فكيف يوصف لمن به الإسهال ما يسْهِل؟. ويقولون أيضاً: الأطباء مجمعون على أن استعمال المحموم الاغتسال بالماء البارد خطر وقرب من الهلاك لأنه يجمع المسام، ويحقن البخار المتحلل ويعكس الحرارة لداخل الجسم فيكون ذلك سبباً للتلف وكذلك أيضًا يقولون: إن الأطباء ينكرون مداواة ذات الجنب بالقسط مع ما فيه من شدة الحرارة والحراقة، ويرون ذلك خطرًا!! وهذا الذى قالوه جهالة، وهم فيها كما قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} (¬1). ونحن نبدأ بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث الأول: " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله ": فهذا فيه تنبيه [حسن] (¬2) [بين] (¬3)، وذلك أنه قد علم أن الأطباء يقولون: إن المرض خروج الجسم عن المجرى الطبيعى، والمداواة رده إليه وحفظ الصحة بقاؤه عليه، فحفظها يكون باصلاح الأغذية وغيرها، ورده يكون بالموافق من الأدوية المضادة للمرض. وبقراط (¬4) يقول: الأشياء تداوى بأضدادها، ولكن قد تدق وتغمض حقيقة المرض وحقيقة طبع العقار والدواء المركب، فتقل الثقة بالمضادة التى هى الشفاء، ومن ههنا يقع الخطأ من الطبيب، فقد يظن العلة عن مادة حارة وتكون عن غير مادة أصلاً، أو عن مادة باردة أو حارة دون الحرارة التى قدر فلا يكون الشفاء. فكأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلافى بآخر كلامه ما قد يعارض به أوله، بان يقال: فإنك قلت: " لكل داء دواء " ونحن نجد كثيرًا من المرضى يداوون فلا يبرؤون. فنبه على أن ذلك لفقد العلم بحقيقة المداواة لا لفقد الدواء، وهذا تتميم حسن فى الحديث، وما قلناه واضح حتى نظمه الشعراء فقالوا: والناس يلجون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدار ¬

_ (¬1) يونس: 39. (¬2) من ع. (¬3) من ح. (¬4) هو ابن إبراقيلس ولد فى جزيرة ألوس بآسيا الصغرى 460 ق. م، درس الطب على والده، عاش 95 سنة انظر: قصة الحضارة 7/ 19.

71 - (...) حَدَّثَنِى نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُليْمَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِى أَهْلنَا، وَرَجُلٌ يَشْتَكِى خُرَاجًا بِهِ أَوْ جِرَاحًا. فَقَالَ: مَا تَشْتَكِى؟ قَالَ: خُرَاجٌ بِى قَدْ شَقَّ عَلىَّ. فَقَالَ: يَا غُلامُ، ائْتِنِى بِحَجَّامٍ. فَقَالَ لَهُ: مَا تَصْنَعُ بِالحَجَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أُعَلقَ فِيهِ مِحْجَمًا. قَالَ وَاللهِ، إِنَّ الذُّبَابَ ليُصِيبُنِى، أَوْ يُصِيبُنِى الثَّوْبُ، فَيُؤْذِينِى، وَيَشُقُّ عَلىَّ. فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ، فِفِى شَرْطَةِ مَحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلِ، أَوْ لذْعَةٍ بِنَارٍ ". قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ ". قَالَ: فَجَاءَ بِحَجَّامٍ فَشَرَطَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ. 72 - (2206) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ليْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا الليْثُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ أُمَّ سَلمَةَ اسْتَأذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الحِجَامَةِ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الحديث الآخر وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان فى شىء من أرديتكم خير ففى شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار ": فإن هذا من البديع عند من علم صناعة الطب، وذلك أن سائر الأمراض الامتلائية؛ إما أن تكون دموية، أو صفراوية، أو سوداوية، أو بلغمية (¬1). فإن كانت دموية فشفاؤها بإخراج الدم. وإن كانت من الثلاثة أقسام الباقية فشفاؤها بالإسهال المسهل الذى يليق بكل خلق منها، فكأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبه بالعسل عند المسهلات، وبالحجامة عن الفصد (¬2). ووضع القلق وغيرهما مما فى معناهما. وقد قال بعض الناس فإن الفصد قد يدخل فى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شرطة محجم "، فإذا أعينى الدواء فآخر الطب الكى، فذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الأدوية لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية، وحيث لا ينفع الدواء المشروب. فيجب أن يتأمل ما فى كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه الإشارات وتعقيبه بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحب أن أكتوى "، إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه، ولا يوجد الشفاء إلا فيه؛ لما فيه من استعجال الألم الشديد فى دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكى. ¬

_ (¬1) القانون فى الطب لابن سينا 1/ 13 - 17. (¬2) الفصد: أى الشق، يقال: فصد العرق: شقه. المعجم الوسيط 2/ 690، القانون فى الطب 1/ 204.

قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ غُلامًا لمْ يَحْتَلِمْ. 73 - (2207) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى - وَاللفْظُ لَهُ -: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَان: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى أُبَيِّ بْنِ كُعْبٍ طَبِيبًا، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا، ثُمَّ كَوَاهُ عَليْهِ. (...) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، كِلاهُمَا عَنْ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلمْ يَذْكُرَا: فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا. 74 - (...) وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - عَن شُعْبَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ سُليْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: رُمِىَ أُبَىٌّ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلى أَكْحَلِهِ، فَكَوَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم نعود إلى الانفصال عما طعنت به الملحدة من المطاعن التى ذكرناها عنهم، فنقول: قل ما يوجد فى علم الافتقار إلى التفصيل مثل ما يوجد فى صناعة الطب، حتى إن المريض يكون الشىء دواه فى هذه الساعة، ثم يعود داء فى الساعة التى تليها لعارض يعرض له من غضب بحمى مزاجه] (¬1) فينتقل علاجه، أو هذا (¬2) يتغير بنقل علاجه، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة. فإذا وجد الشفاء بشىء ما فى حالة ما فلا يطلب التشفى فى سائر الأحوال فى سائر الأشخاص به. والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن، والدين (¬3)، والعادة، والغذاء المتقدم، والتدبير المألوف وقوة الطباع. فإذا أحطت بهذا علماً فينبغى أن يُعلم أن الإسهال يعرض من ضروب كثيرة، لو كان كتابيا (¬4) هذا كتاب طب لذكرناها، ولكن منها الإسهال الحادث من التخمة والهيضاب (¬5). ¬

_ (¬1) نهاية السقط من اللوحة. وبدايتها: قال الهروى. (¬2) فى ح هواء. (¬3) فى ح: والزمن. (¬4) فى ح: كتابنا. (¬5) فى الرسالة: الهيضاب. والهيضة انطلاق البطن. اللسان 7/ 249، وفى المعجم الوسيط: مرض أعراضه القىء الشديد والإسهال والهزال (الكوليرا) 2/ 1003.

75 - (2208) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: رُمِىَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِى أَكْحَلِهِ. قَالَ: فَحَسَمَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ، ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ. 76 - (1202) حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلال، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ، وَأعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَاسْتَعَطَ. 77 - (1577) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ - وَاللفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ - عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لا يَظِلمُ احَدًا أَجْرَهُ. 78 - (2209) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالمَاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والأطباء مجمعون فى مثل هذا على أن علاجه بأن يترك الطبيعة وفعلها، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت، ما دامت القوة باقية، فأما جنسها (¬1) فضرر عندهم واستعجال مرض. فإذا وضح هذا قلنا: يمكن أن يكون هذا الذى أصابه الإسهال إصابة من امتلاء وهيضة على حسب ما قلنا، فدواؤه تركه، والإسهال، أو تقويته فأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرب العسل فزاد منه فزاده إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال، فيكون الخلط الذى كان بالرجل يوافق فيه شرب العسل، فإذا خرج ذلك على صناعة الطب فإنما يؤذن الاعتراض عليه بجهل المعترض هذا، ولسنا نستظهر على قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يصدقه الأطباء بل لو كذبوه لكذبناهم، وكفرناهم وصدقناه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يوجدون المشاهدة بصحة ما قالوه فيفتقر حينئذ إلى تأويل كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتخريجه على ما يصح إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب. فجعلنا هذا الجواب وما بعده ¬

_ (¬1) فى ح: حبسها.

(...) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ ومُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ شِدَّةَ الحُمَّى مِنْ فَيْح جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالمَاءِ ". 79 - (...) وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ - كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَطْفِئوها بِالمَاءِ ". 80 - (...) حَدَّثَنَا أَحَمْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - وَاللَفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَطْفِئوهَا بِالمَاءِ ". 81 - (2210) حَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالمَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عدة للحاجة إليه، إن اعتضدوا بشىء من المشاهدة، أو ليظهر به جهل المعترض بالصناعة التى اعترض بها وانتسب إليها. وكذلك القول فى استعمال الماء بالمحموم، فانهم قالوا عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقل، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل أكثر من قوله: " أبردوها بالماء "، ولم يبين الصفة والحالة. فمن أين لهم أنه أراد الانغماس؟! والأطباء يسلمون أن الحمى الصفراوية (¬1) يؤمر صاحبها بسقى الماء البارد الشديد البرد (¬2)، تعم (¬3) ويسقونه الئلج ويغسلون أطرافه بالماء البارد، فغير بعيد أن يكون صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد هذا النوع من الحمى والغسل على مثل ما قالوه أو قريباً منه. ¬

_ (¬1) الصفراء مزاج من أمزجة البدن، وصفرة تعلو لون من شحوب ومرض، والحمى الصفراوية تسمى بالحمى المحرقة لأن ماديتها تعفنت داخل العروق بقرب القلب والكبد، وسميت بالمحرقة لشدة حرارته وكثرة عطشه. كشاف مصطلحات الفنون (2/ 332)، المعجم الوسيط 1/ 516. (¬2) فى ح: التبرد. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ وَعَبْدَةُ بْنُ سُليْمَانَ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. 82 - (2211) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُليْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالمَرْأَة المَوْعُوكَةِ، فَتَدْعُو بِالمَاءِ فَتَصُبُّهُ فِى جَيْبِهَا، وَتَقُولُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ابْرُدُوهَا بِالمَاءِ ". وَقَالَ: " إِنَّهَا مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد خرّج مسلم عن أسماء - رضى الله عنها - أنها كانت تؤتى بالمرأة المرغولة: (¬1) فتدعو بالماء فتصيبه (¬2) فى جنبها (¬3)، وتقول: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أبردوها بالماء ". فهذه أسماء شاهدت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهى فى القرب منه على ما علم، فتأولت الحديث على ما قلناه، ولا يبقى للملحد إلا أن يتقول الكذب ويعارض كذبه بنفسه، وهذا مما لا يلتفت إليه. وأما إنكارهم التشفى من ذات الجنب بالقسط (¬4) فغير صحيح، وقد ذُكر عن بعض قدماء الأطباء أنه قال: فإن ذات الجنب إذا حدثت من البلغم كان القسط من علاجها. وقد رأيت فى كلام دسقور بروش (¬5) أنه قال: إذا شرب نفع من أوجاع الصدر، وذكر جالينوس (¬6) أن ينفع من وجع الكزاز (¬7) ومن وجع الجنبين وذكر ابن سينا (¬8) فى كتابه أنه ينفع من وجع الصدر، وهذا خلاف ما حكى هؤلاء الملحدون من الأطباء، وقد ذكر بعض القدماء منهم قال: يستعمل بالجملة حيث يحتاج إلى إسخان عضو من الأعضاء وحيث يحتاج على أن يحدث الخلط من باطن البدن إلى ظاهره، وبهذا - أيضاً - وصفه ابن سينا ¬

_ (¬1) فى ح. الموعوكة. (¬2) فى ح فتصبه. (¬3) فى ح: جيبها. وجيب القميص: هو ما يدخل منه الرأس عند لبسه وينفتح على النحر. مقاييس اللغة 1/ 497، المعجم الوسيط 1/ 149. (¬4) القسط فيه ثلاثة أصناف: عربى وهندى وشامى، وأجوده العربى الأبيض، ثم الهندى، ثم الشامى. وهو مر جدًّا، وقيل: هو العود الهندى. القانون فى الطب 1/ 420. (¬5) فى الرسالة دسقوريدس: ذكره ابن النديم فى الفهرست باسم دسقوريدس العين زربى، ويقال له: السائح فى البلاد. قال: ويحيى النحوى يمدحه فى كتابه التاريخ، ويقول عنه: المقتبس لعلوم الأدوية المفردة من البرارى والجزائر والبحار المعدد لمنافعها قبل المسألة عن أفاعلها. الفهرست 7/ 31، وانظر القانون لابن سبنا. (¬6) جالينوس: هو آخر عظماء الأطباء من الإغريق، كان وجيهًا عد الملوك، كثير الوفادة عليهم، ولد سنة 130 م. إلا أن ابن النديم قال: بينه وبين المسيح 57 سنة، عاش 80 سنة تقريباً. الفهرست 7/ 348. (¬7) الكزاز: تشنج أو رعدة تصيب الإنسان من برد شديد، أو من خروج دم كثيرًا، وأيضاً مرض قتال يصيب المجروح إذا تلوثت جراحه بتراب الأرض المحتوى على باسبل التيتانوس. المعجم الوسيط 2/ 786. (¬8) انظر: ترجمته فى وفيات الأعيان 2/ 157، النجوم الزاهرة 5/ 25، سير أعلام النبلاء 17/ 531.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: صَبَّتِ المَاءَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا. وَلمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ: " أَنَّهَا مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: قَالَ إِبْرِاهِيمُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى كتابه وغيره، وهذا يحقق ما قلناه، ويبين كذبهم على الأطباء. وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فيه سبعة أشفية ". فقال الزهرى: بَيَّن اثنين ولم يبين الخمسة، وقد رأيت الأطباء تطابقوا فى كتبهم على أنه يدر البول والطمث، وينفع من السموم، ويحرك شهوة الجماع، ويقتل الدود وحب القرع فى الأمعاء إذا شرب بعسل، ويذهب بالكلف إذا طلى عليه، وينفع من ضعف الكبد والمعدة وبردهما، ومن حمى الورد والدبغ. قال بعضهم: ينفع من النافض لطوخًا بالزيت، وكذلك قال جالينوس: ينفع من البرد الكائن بالزور، غير أنهم يدهنون البدن قبل تهييج البرد، وكذلك يفعلون فى أصحاب عرق النساء؛ يسخنون بعض أعضائهم، وقال بعضهم: يعمل منه لطوخ بالزيت لمن به نافض قبل أخذ الحمى، ولمن به فالج واسترخاء. وهو صنفان: بحرى وهندى، والبحرى هو القسط الأبيض يأتون به من بلاد العرب، وزاد بعضهم فيه على هذين الصنفين، وبعضهم ينص على أن البحرى أفضل من الهندى وهو أقل حرارة منه. قال إسحاق بن عمران (¬1): هما حاران يابسان فى الدرجة اليابسة (¬2)، والهندى أشد حرًا فى الجو الثالث من الحرارة. وقال ابن سينا: القسط حار فى الثالثة يابس فى الثانية. فأنت ترى هذه المنافع التى اتفق عليها الأطباء فقد صار ممدوحاً شرعاً وطبًا. وأما وصفه فى الحبة السوداء، فيحمل - أيضاً - على الأعلال الباردة على حسب ما قلناه فى القسط، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد يصف بحسب ما يشاهد من غالب أحوال [أصحابه] (¬3) فى الزمن الذى يخاطبهم فيه، وإنما عددنا هذه المنافع فى القسط من كتب الأطباء لذكر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها عدداً على الجملة لم نفصله. وقول الزهرى: لم يبين لنا الخمسة [فبينا، نحن منها ما يمكن أن يراد بالحديث. قال القاضى: قد ذكر الأطباء] (¬4) فى منفعة الحبة السوداء التى هى الشونيز [منافع] (¬5) ¬

_ (¬1) إسحاق بن عمران: يلقب بسم ساعة، وهو من حكماء الإسلام، ممن سكن المغرب. طبقات الأطباء والحكماء ص 84، عيون الأنباء فى طبقات الأطباء 2/ 36. (¬2) فى ح: الثالثة. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬4) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

83 - (2212) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لعلل كثيرة وخواص عجيبة ما يصدقه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، فذكر جالينوس أنها تحل النفخ، وتقتل ديدان البطن إذا أكل أو وضع على البطن، وتشفى الزكام إذا قلى وصر فى خرقة واشتم، ويزيل العلة التى يتقشر منها الجلد ويقلع الثآليل المتعلقة والمنكسة والخبلان، وتدر الطمس، المحتبس إذا كان احتباسه من أخلاط غليظة لزجة، وينفع الصداع إذا طلى به الجبين، ويقلع البثور والجرب ويحلل الأورام البلغمية إذا تضمد به مع الخل، وينفع من الماء العارض فى العين إذا استسعط به مسحوقاً بدهن الأريا (¬1)، وينفع من انصباب (¬2) النفس، ويتمضمض به من وجع الأسنان، ويدر البول واللبن، وينفع من دهشة الرتيلاء، وإذا بُخِّر به طرد الهوام. قال غيره: خاصيته إذهاب حمى البلغم والسوداء، ويقتل حب القرع، وإذا علق فى عنق المزكوم نفعه، وينفع من حمى الربع. قال بعضهم: ولا يبعد منفعة الحار [من أدواء] (¬3) حارة بخواص فيها كوجودنا ذلك فى أدوية كثيرة فيكون الشونيز منها العموم قوله - عليه السلام - ويكون أحياناً مفرداً وأحياناً مركباً. وفى جملة هذه الأحاديث ما حواه - عليه السلام - من علوم الدين والدنيا وصحة علم الطب. وجواز التطبيب على الجملة وبالأمور التى ذكر فيها من وجوه العلاج والطب من الكى، والحجامة، وشرب الأدوية، والسعوط، واللدود، وقطع العرق، والرقى، والعوذ، والنشر. ورد على من أنكر ذلك من غلاة الصوفية وإن كان كل شىء بقضاء وقدر، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنزل الدواء الذى أنزل الداء " (¬4) ففيه التفويض إلى الله - تعالى - وأنه فاعل ذلك كله، وأن الله - تعالى - قد قدر فى أزله أن مرض هذا سيكون ويتطبب فيه، هذا وإذ لم يتطبب لم يبرأ، ولكن لا بد له أن يتطبب، فهو من باب علمه لما لا يكون أو لو كان كيف كان يكون، وهو مثل الأمر بالدعاء لباقى الأمور، والأمر بالتوقى من القتل والمعاطب والهلاك، مع أن الأجل لا يُزاد فيه ولا ينقص، والمقادير لا يسبق أوقاتها ولا يتأخر عنه، ولا بد ما هو كائن أن يكون وتفسر هذا الحديث الآخر، وقد سُئل عن الرقى والأدوية والإبقاء (¬5)، هل يرد ذلك من قدر الله من شىء؟ فقال: " فإنه من قدر الله " (¬6). ¬

_ (¬1) انظر القانون فى الطب: 1/ 255، 3/ 403. (¬2) فى ح: انتصاب. (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬4) الموطأ، ك العين، ب تعالج المريض 2/ 943. (¬5) فى ح: الاتقاء. (¬6) أحمد 3/ 421، الترمذى، ك الطب، ب ما جاء فى الرقى والأدوية (2065)، ابن ماجة، ك الطب، ب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء (3437) وكلهم من حديث أبى خزامة.

عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الحُمَّى فَوْرٌ مِنْ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالمَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: " أنزل الدواء الذى أنزل الداء ": أى أعلمهم إياه وأذن لهم فيه، كما ابتلاهم بالداء وأحدثه فيهم، وقد يكون إنزاله [أنزل الملائكة] (¬1) خلقه من الأرض وتيسيره بها كما جعل الداء فى الأجساد، وقد يكون إنزاله إنزال الملائكة من السماء الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من داء ودواء - والله أعلم - ويعضد هذا قوله فى غير مسلم: " لم يضع داء إلا وضع له دواء " (¬2). قال بعض أهل العلم بالطب: فى نصه - عليه السلام - فى الأدوية فى الحديث المتقدم على " شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة نار " إشارة إلى جمع ضروب المعاناة القياسية الموهومة (¬3)، إذ ضروب المعاناة أربعة: ثلاثة منها مفهومة السبب، وذلك أن ما كان من العلل من ضعف الجسم أو قواه مما يعتريه من غلبة أحد الأخلاط عليه، فمعالجته بالثلاث التى ذكر فى الحديث من " شربة عسل، أو لذعة نار، أو شرطة محجم "، فما كان من امتلاء أو فور خلط بها بالاستفراغ بالدواء والبطء والشرط [والكى] (¬4)، وذلك لأنه تخفيف رطوبة الوضع. وما كان سببه من ضعف أحد القوى فيقابل بما يغذيها (¬5) وهو شربة عسل وما فى معناه من شرب ما يقوى تلك القوة من الأشربة والأدوية واللطوخ. والمعاناة الرابعة مما يتعلق بالنفس والروح، وقد يؤدى ذلك إلى ضراعة الجسم وفتور الأعضاء واختلالها؛ كالسحر، والعين، ونظرة الجن ومسه، فمعاناة هذا بالرقى، والكلام الطيب، والتعوذ، وأنواع من الخواص مغيبة السر لا تدرك بقياس. وتفسيره فى الحديث الحبة السوداء بالشونيز هو الأشهر، والمراد فى هذا الحديث - والله أعلم. وذكر الحربى عن الحسن أنها الخردل، وحكاه الهروى عن غيره أنها الحبة الخضراء، قال: والعرب تسمى الأخضر أسود، والأسود أخضر. والحبة الخضراء ثمرة البطم (¬6) وهو شجر الضرو (¬7)، قال: وقال ابن الأعرابى هو الشينيز (¬8) كذا تقوله العرب. ¬

_ (¬1) ضرب عليها بخط فى ز. (¬2) أبو داود، ك الطب، ب فى الرجل يتداوى (3855)، ابن ماجة، ك الطب، ب ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء 2/ 1137 (3464)، الترمذى، ك الطب، ب ما جاء فى الدواء والحث عليه 4/ 335. (¬3) فى ح: المفهومة. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬5) فى ح: يقويها. (¬6) البطم: هو شجر الحبة الخضراء، واحدتها بطمة، ويقال بالتشديد. وأهل اليمن يسمونها الضرو. (¬7) الضِّرو والضَّرو: شجر طيب الريح يستاك به، ويجعل ورقه فى العطر. (¬8) بكسر الشين غير مهموز، هذه الحبة السوداء. والكلمة أصلها فارسى قال: والفرس يسمونه: الشونيز. وقد عزاه صاحب اللسان لأبى حنيفة الدينورى. انظر: اللسان، مادة " شنز ".

84 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم وَأَبُو بَكْرِ ابْنُ نَافِعٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام (¬1): ورأيت غيره قاله الشونيز. وقوله: " إن أبا طيبة حجّم أم سلمة، قال: وحسبت أنه كان أخاها من الرضاعة أو غلامًا لم يحتلم " (¬2): حجة فى أن الأخ من الرضاعة له أن يطلع على ما يزيد على الوجه والكفين؛ من الرأس والمعصم ونحو ذلك، وقد تقدم، إذ الحجامة إنما يكون (¬3) فيما عدا الوجه والكفين. وفيه أن الأجنبى ليس له رؤية ذلك ولا مباشرته إلا أن يدعو (¬4) إلى ذلك ضرورة فادحة. وفيه أن الغلام الذى لم يحتلم ليس حكمه فى هذا حكم الرجال، لأنه أخف، لاسيما لما تدعو إليه الحاجة. وقوله: " فى شرطة محجم " [بكسر الميم] (¬5): هى الحديدة التى يشرط بها موضع الحجامة. وقوله: " أعلق عليه محجماً ": هى الآلة التى تمص ويجمع بها مواضع الحجامة. وقوله: عن جابر: رمى أبى يوم الأحزاب على أكحله (¬6) فكواه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬7): كذا للسجزى بضم الهمزة وفتح الباء، وللعذرى والسمرقندى: " أبى " بفتح الهمزة وكسر الباء وهو غلط، والصواب الأول؛ بدليل الحديث الآخر قبله: وبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبى بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كواه (¬8)، وأيضاً فإن أبا جابر لم يدرك يوم الأحزاب واستشهد بأحد، وخبره مشهور. والأكحل عرق معروف. قال الخليل: هو عرق الحياة، يقال: هو نهر الحياة فى كل عضو منه شعبة، له اسم على حدة فإذا قطع فى اليد لكل يرقأ الدم. وقال أبو حاتم: هو عرق فى البدن (¬9) يقال له فى الفخذ: النساء، وفى الظهر: الأبهر. ومرّ الكلام فى أجرة الحجام. وقوله عن أسماء: " أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصيب فى جنبها " (¬10) وفى الموطأ (¬11): " بينها وبين جيبها ": قال عيسى بن دينار: تصب [الماء] (¬12) بين ¬

_ (¬1) فى ح: قال القاضى. (¬2) حديث رقم (72) من هذا الباب. (¬3) فى ح: تكون، وهو الصواب. (¬4) فى ح: تدعو، وهو الصواب. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬6) فى ز: الحكة. (¬7) حديث رقم (74) من هذا الباب. (¬8) حديث رقم (73) من هذا الباب. (¬9) فى ح: اليد. (¬10) فى ح: جيبها. (¬11) ك العين، ب الغسل بالماء من الحمى 2/ 945 (15). (¬12) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

رِفَاعَةَ، حَدَّثَنِى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا عَنْكُمْ بِالمَاءِ "، ولَمْ يَذْكُرْ أَبُو بَكْرٍ: " عَنْكُمْ " وَقَالَ: قَالَ: أَخْبَرَنِى رَافِعُ ابْنُ خَدِيجٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ طوقها وجسدها حتى يصل الماء إلى جسدها. هذا كله يرد قول الأطباء وتصحح البرء من الحمى بصب الماء، ولولا تجربة أسماء والمسلمين لمنفعته لما استعملوه، ويدل على ظاهره لا على ما تقدم من التأويل، قوله فى حديث آخر رواه قاسم بن ثابت؛ أن رجلاً شكى إليه الحمى فقال له: اغتسل له ثلاثة أيام قبل طلوع الشمس، وقل: بسم الله، اذهبى يا أم ملدم. فإن لم تذهب فاغتسل سبعًا (¬1). ¬

_ (¬1) هذا الحديث رواه قاسم بن ثابت فى كتابه الدلائل فى معانى الحديث، ق 62 وابن عبد البر فى التمهيد 22/ 228.

(27) باب كراهة التداوى باللدود

(27) باب كراهة التداوى باللدود 85 - (2213) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: لدَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَرَضِهِ، فَأَشَارَ أَلا تَلُدُّونِى. فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. فَلمَّا أَفَاقَ قَالَ: " لا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلا لُدَّ، غَيْرُ العَبَّاسِ، فَإِنَّهُ لمْ يَشْهَدْكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لددنا (¬1) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": اللدود، بالفتح: ما صب فى أحد جانبى الفم، أو أدخل من هناك بأصبع، وحنّك به للمريض. فيه إكراه المريض على الدواء. وقوله: " لا يبقى (¬2) أحد فى البيت إلا لد إلا عمى العباس، فإنه لم يشهدكم ": فيه معاقبة [أبى أنى] (¬3) والقصاص بمثل ما فعل، وقد زعم بعضهم أن بهذا الحديث أخذ عمر هتك (¬4) من تمالأ على قتل الغلام بصنعاء (¬5). وقوله: " الحمى من فور جهنم " (¬6) بمعنى: فيح، فى الرواية الأخرى. وهو قوة حرها وانتشاره، ومنه فارت القدر، وفار التنور. وذات الجنب: الشوصة (¬7)، وقال الترمذى: ذات الجنب: يعنى السل. ¬

_ (¬1) كذا فى متن الحديث وهو الصواب، وفى ز: لدوديا .. (¬2) الحديث رقم (85) كذا فى متن الحديث وهو الصواب، وفى ز يتق. (¬3) فى ح: الجانى. (¬4) فى ح: بقتل. (¬5) الحديث رواه عبد الرزاق (9/ 477) باب النفر يقتلون الرجل، وفيه: أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك فى حجرها ابناً له من غيرها يقال لها أصيل، فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلاً فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله، فأبى فامتنعت منه، فطاوعها فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه، ثم قطعوه أعضاء وجعلوه فى عيبة فطرحوه فى ركية فى ناحية القرية. فلما بلغ عمر خبره قال: والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا فى قتله لقتلتهم جميعاً. قال ابن حجر فى الفتح: إسناده جيد (12/ 191). (¬6) حديث رقم (83) من هذا الكتاب. (¬7) الشوصة: ريح تنعقد فى الأضلاع يجد صاحبها كالوخز منها، تجول مرة فى الجنب ومرة فى الظهر. انظر: اللسان، مادة " شوص "، العين 6/ 273.

(28) باب التداوى بالعود الهندى، وهو الكست

(28) باب التداوى بالعود الهندىّ، وهو الكست 86 - (287) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيَبةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصِنِ، أُخْتِ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصِنِ، قَالتْ: دَخَلتُ بِابْنِ لِى عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لمْ يَأكُلِ الطَّعَامَ، فَبَالَ عَليْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ. (2214) قَالتْ: وَدَخَلتُ عَليْهِ بِابْنٍ لِى، قَدْ اعْلقْتُ عَليْهِ مِنَ العُذْرَةِ. فَقَالَ: " عَلامَهْ تَدْغَرْنَ أَوْلادَكُنَّ بِهَذَا العِلاقِ؟ عَليْكُنَّ بِهَذَا العُودِ الهِنْدِى، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ، يُسْعَطُ مِنَ العُذْرَةِ، وَيُلدُّ مِنْ ذَاتِ الجَنْبِ ". 87 - (...) وَحَدَّثَنِى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بن عَبْدِ الله بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ أُمَّ قَيْس بِنْتَ مِحْصِنٍ - وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللاِتى بَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِىَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ ابْنِ مِحْصِنٍ، أَحَدِ بَنِى أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ - قَالَ: أَخْبَرَتْنِى أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لهَا لمْ يَبْلغْ أَنْ يَأكُلَ الطَّعَامَ، وَقَدْ أَعْلقَتْ عَليْهِ مِنَ العُذْرَةِ - قَالَ يُونُسُ: أَعْلقَتْ غَمَزَتْ فَهْىَ تَخَافُ أَنْ تَكُونَ بِهِ عُذْرَةٌ - قَالتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلامَهْ تَدْغَرْنَ أَوْلادَكُنَّ بِهَذا الإِعْلاقِ؟ عَليْكُمْ بِهَذَا العُودِ الهِنْدِىِّ - يَعْنِى بِهِ: الكُسْتَ - فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: اختلف الرواة فى: " أعلقت عليه "، فقال أحدهم: أعلقت عنه، أشار إلى أنه الخيار، ومعناه: عالجت رفع إهابه (¬1) بإصبعها. وقوله: " تدغرن ": معناه: تدفعن، ووقع فى بعض طرقه: " الإعلاق ". والعدوة: وجع نهج فى الحلق، فإذا عولج منه صاحبه يقال: غدرة فهو معذور. ¬

_ (¬1) فى ح: لهاته.

(287) قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَأَخْبَرَتْنِى أَنَّ ابْنَهَا، ذَاكَ، بَالَ فِى حَجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءِ فَنَضَحَهُ عَلِى بَوْلِهِ وَلمْ يَغْسِلهُ غَسْلاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فحسمه " (¬1): أى قطع الدم عنه بالكى، وقد تقدم ذكره، وذكر المشقص، وذكر فيح جهنم. ¬

_ (¬1) حديث رقم (75) من هذا الكتاب.

(29) باب التداوى بالحبة السوداء

(29) باب التداوى بالحبة السوداء (¬1) 88 - (2215) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ المُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا الليْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولَ: " إِنَّ فى الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلا السَّامَ ". وَالسَّامُ: المَوْتُ. وَالحَبَّةُ السَّوْدَاءُ: الشُّونِيزُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالوا: حَدَّثَنَا سُفيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، كُلهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عُقَيْلٍ. وَفِى حَدِيثِ سُفْيَانَ وُيونُسَ: الحَبَّةُ السَّوْدَاءُ. وَلمْ يَقُلِ: الشُّونِيزُ. 89 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ داءٍ، إِلا فِى الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ مِنْهُ شِفَاءٌ، إِلا السَّامَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبق التعليق عليه فى الباب (26) من هذا الكتاب.

(30) باب التلبينة مجمة لفؤاد المريض

(30) باب التلبينة مجمة لفؤاد المريض 90 - (2216) حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الليْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ، إِذا مَات المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ، فَصُبَّتِ التَّلبِينَةُ عَليْهَا. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " التلبينة مجمة ": معناه: أن تسرو همه، وهو كالحديث الآخر: " الحساء تسرو عن فؤاد السقيم " (¬1)، وفى حديث طلحة - رضى الله عنه - رمى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفرجلة، وقال دونكها؛ فإنها تجم الفؤاد (¬2)، وقال ابن عائشة (¬3): معناه مرتجة (¬4)، وقال غيره: معناه: تجمعه وتحمل صلاحاه (¬5) ونشاطه. قال القاضى: لم يروه فى الكتاب كله مسلم إلا " أعلقت عليه " وفسروه فى كتاب يونس: " غمزت "، لكن فى كتاب البخارى الخلاف فيه، فعمر وغيره يقول: " عليه "، وسفيان بن عيينة يقول: " عنه " وفسره فيه سفيان برفع الحنك بالإصبع، وكله متقارب المعنى وهو معنى ما فسره به القتبى (¬6) وأبو عبيد (¬7) من رفع اللهاة، قال الخطابى: كذا يروونه المحدثون والصواب: " أغلقت (¬8) عنه ". وقال الأصمعى: العذرة قريب من اللهاة، وفى البارع (¬9): العذرة: اللهاة، وذكر بعض المتكلمين على الحديث. ومضى الكلام فى ¬

_ (¬1) رواه الترمذى، ك الطب، ب ما يطعم المريض (2039)، ابن ماجة، ك الطب، ب التلبينة (3445)، أحمد 6/ 32، النسائى فى الكبرى، ك الطب، ب الدواء بالتلبينة، حديث رقم (7573/ 2). (¬2) رواه ابن ماجة، ك الأطعمة، ب أكل الثمار (3369). (¬3) هو عبيد الله بن حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمى، كان من أهل البصرة، فقدم بغداد وحدث بها، ثم عاد إلى البصرة، كان فصيحًا، أديبًا، حسن الخلق خلابًا للحديث، عالماً بالعربية، توفى سنة 228. انظر: تاريخ بغداد 1/ 314، تقريب التهذيب 374. (¬4) فى ح: تريحه. (¬5) فى ح: صلاحه. (¬6) لم نعثر على هذا المعنى عند القتبى فى كتبه التالية: " غريب الحديث، تأويل مختلف الحديث، أدب الكاتب " وقد ذكره القاضى فى المشارق 2/ 71. (¬7) أبو عبيد فى غريب الحديث 1/ 71. (¬8) فى ح: أعلقت، بالعين المهملة. (¬9) لأبى على القالى.

قَالتْ: كُلنَ مِنْهَا، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " التَّلبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تُذْهِبُ بَعْضَ الحُزْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ نضح النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بول الصبى الذى بال فى حجره (¬1). وقوله: " أتيت ببرمة من تلبينة ": تقدم تفسير البرمة أنه البور (¬2)، قِدْر من حجارة. " ومجمّة لفؤاد المريض " بفتح الميم والجيم، ويقال بضم الميم وكسر الجيم، ومضى تفسيره. وقوله: " يذهب بعض الخدر (¬3) " لأن الجوع وحرارة المعدة منه والأحشاء يزيد فى حرارة القلب، فيزيد الغم والحزن. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) فى ح: التور، وهو الصواب كما جاء فى اللسان. (¬3) فى ح: الحزن.

(31) باب التداوى بسقى العسل

(31) باب التداوى بسقى العسل 91 - (2217) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى المُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخِى اسْتَطْلقَ بَطْنُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْقِهِ عَسَلاً "، فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّى سَقَيْتُهُ عَسَلاً فَلمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقًا. فَقَالَ لَهُ ثَلاثَ مرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: " اسْقِهِ عَسَلاً " فَقَالَ: لَقدْ سَقَيْتُهُ، فَلَمْ يَزِدْهُ إلا اسْتِطْلاقاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ " فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّاب - يَعْنِى ابْنَ عَطَاءٍ - عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى المُتَوَكِّلِ النَّاجِى، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخِى عَربَ بَطْنُهُ. فَقَالَ لَهُ: " اسْقِهِ عَسَلاً " بِمَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إن أخى عرب بطنه، قال: " اسقه عسلاً ": كذا رويناه عن الأسدى وغيره براء مكسورة، ومعناه: فسد هضمه، واعتلت معدته. والاسم: العرب، بفتح الراء. والذرب - أيضاً - بالذال، وقد عربت وذربت، ورويناه عن الخشنى وعن القاضى الشهيد: " عزب " بالزاى، والصواب الأول. وفى قوله: " صدق الله وكذب بطن أخيك ": حجة للعاملين (¬1) أن المراد بقوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} (¬2) العسل، وأن الهاء ضميره، وهو قول ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة. وقال آخرون: الهاء عائدة إلى القرآن، وهو قول مجاهد، والأول أظهر. وقال بعض العلماء: الآية على الخصوص، أى شفاء لبعض الناس ومن بعض الأدواء (¬3). ¬

_ (¬1) فى ح: للقائلين، وهو الصواب. (¬2) النحل: 69. (¬3) انظر: تفسير الطبرى 8/ 139، القرطبى 10/ 136، ابن كثير 2/ 576. وقال: هو قول صحيح فى ذاته، ولكنه ليس الظاهر من الآية.

(32) باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها

(32) باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها 92 - (2218) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ وَأَبِى النَّضْرِ - مَوْلى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ - عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطَّاعُونُ رِجْزٌ - أَوْ عَذَابٌ - أُرْسِلَ عَلى بَنِى إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضِ فَلا تَقْدَمُوا عَليْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ". وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ: " لا يُخْرِجُكُمْ إِلا فِرارٌ مِنْهُ ". 93 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا المُغِيرَةُ - وَنَسَبهُ ابْنُ قَعْنَبٍ فَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِىُّ - عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ عَامِرٍ ابْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطَّاعَونُ آيَةُ الرِّجْزِ، ابْتَلى اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلا تَدْخُلوا عَليْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَفِرُّوا مِنْهُ ". هَذَا حَدِيثُ القَعْنَبِىِّ. وَقُتَيْبَةُ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الطاعون (¬1) وقوله فى الطاعون: " إن هذا الوجع أو السقم ": العرب تسمى كل مرض وجعًا. وقوله: " رجزا أُرسل على بنى إسرائيل " الحديث: الرجز: العذاب، وفى الحديث الآخر: " الرجز أو عذاب "، وفى الآخر: " رجز عذب به بعض الأمم قبلكم ". وقوله: " إذا سمعتم به بأرض وأنتم بها فلا تفروا منه " وفى الرواية الأخرى: " فلا تخرجوا فراراً منه "، ويروى: " إلا فراراً منه " وهذه الرواية ضعيفة عند أهل العربية مُفسدة للمعنى؛ لأنها مقتضية المنع ألا يخرجهم شىء من الأسباب والأعراض إلا الفرار ¬

_ (¬1) فى الأصل مبوب هكذا، ولا يوجد فى صحيح مسلم (كتاب الطاعون).

94 - (...) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ سُلطَ عَلى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ - أَوْ عَلى بَنِى إِسْرَائِيلَ - فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ، فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلوهَا ". 95 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ عَنِ الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هُوَ عَذَابٌ أَوْ رِجْزٌ أَرْسَلهُ اللهُ عَلى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ، أَوْ نَاسٍ كَانُوا قَبْلكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلوهَا عَليْهِ، وَإِذَا دَخَلهَا عَليْكُمْ فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجوز، حتى رواه بعضهم: " إلا فرار " وهذا لا يجوز - أيضاً - إذ لا يقال: أفروا، وإنما يقال: فروا. كذلك قال جماعة - أيضاً - فى رواية النصب، وقالوا: إن إدخال " إلا " ها هنا غلط على كل حال، وإنما هو كما جاء فى الأحاديث الأخر: " لا تخرجوا فراراً منه "، أو " لا يخرجكم فرارُ عنه "، وبعض المحققين من أهل العربية خرّج فى رواية النصب الجواز على الحال، وأن [الإهالة إيجاب] (¬1) لا للاستثناء؛ لأنها توجب هنا بعض ما نفاه من الجملة، ونهى عنه من الخروج؛ كأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارًا من الطاعون، وأباح الخروج إذا كان لغرض آخر ما لم يكن قصدًا إلى الفرار، وهذا تفسير معنى الحديث الآخر المجمل " ولا تخرجوا منها "، فبيّن أن النهى عن الخروج على الخصوص لا على العموم. قوله: سُئل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الطاعون فقال: " غدة كغدة البعير، يخرج فى المراقى والآباط ": قال أبو عمر بن عبد البر: قال غير واحد من أهل العلم: وقد يخرج فى الأيدى والأصابع وحيث شاء الله من البدن، وما أخبر به - عليه السلام - حق، لكنه الغالب - والله أعلم (¬2). ¬

_ (¬1) فى ح: إلا ههنا للإيجاب. (¬2) انظر: التمهيد 19/ 205، ب عبد الله بن جابر بن عتيك، والمغنى عن حمل الأسفار 2/ 249فوائد السفر.

(...) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، سُليْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، كِلاهُمَا عَنْ عَمْرِو ابْنِ دِينَارٍ بِإِسْنَادِ ابْنِ جُرَيْجٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الخليل: الوباء: الطاعون، وقيل: هو كل مرض عام. وقال القاضى الباجى: الوباء هو الطاعون، وهو مرض يعم الكثير من الناس فى جهة من الجهات دون غيرها، تخالف المعتاد من أمراض الناس (¬1). ويكون مرضهم واحد بخلاف سائر الأوقات باختلاف الأمراض. قال القاضى: أصل الطاعون القروح الخارجة فى الجسد، والوباء: عموم الأمراض، فسميت طاعوناً لشبهها بالهلاك بذلك، وإلا فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعوناً على ما ذكرناه، ويدل على ما أشرنا إليه قوله - عليه السلام - فى حديث أبى موسى: " الطاعون وخز أعدائكم من الجن " (¬2). ووباء الشام الذى وقع به إنما كانت طاعونًا وقروحًا، وهو طاعون عمواس. فى هذا الحديث من العلم: توقى المكاره ومن (¬3) منها قبل وقوعها، وفيها التسليم لأمر الله وقدره إذا وقعت المصائب والبلايا، وهذا كما قال - عليه السلام -: " لا تمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا " (¬4) وفيه أن الأمور كلها بقدر الله، وأنه لا ينجى الفار من القدر فراره، وفيه منع القدوم على بلاء الطاعون والوباء، وتحريم الخروج عنها فراراً من ذلك. وقد اختلف السلف فى هذا، فمنهم من أخذ بظاهر الحديث وهم الأكثر، روى عن عائشة وقالت: هو كالفرار من الزحف (¬5)، ومنهم من خرج إلى بلاد الطاعون وخرج عنها، وروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب، وأنه ندم على رجوعه من شرغ (¬6)، وقال: اللهم اغفر لى رجوعى من شرغ. وكتب إلى عامله بالشام: إذا سمعت بالطاعون قد وقع ¬

_ (¬1) انظر: العين للخليل 8/ 418. (¬2) رواه أحمد 4/ 395، 413. قال فى مجمع الزوائد (2/ 315): رواه أحمد بأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح. وقال ابن حجر: العمدة فى هذا الباب على حديث أبى موسى، فإنه يحكم له بالصحة. (¬3) فى ح: التحفظ بدلاً من (من). (¬4) أحمد 4/ 353، 354، البخارى، ك التمنى، ب كراهية تمنى لقاء العدو (7237)، مسلم، ك الجهاد والسير، ب كراهية تمنى لقاء العدو، أبو داود، ك الجهاد، ب كراهية تمنى لقاء العدو (2631). (¬5) لم يرو موقوفاً عن عائشة ولكن مرفوعاً فى مسند أحمد (6/ 82) وإسناده حسن كما قال ابن حجر فى الفتح (10/ 153)، ب ما يذكر فى الطاعون. انظر: الرسالة (529). (¬6) فى ح: سرغ بالسين المهملة. وأزعم رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه (8/ 39) ك التأريخ، وقال ابن حجر: إسناده جيد. الفتح (10/ 152).

96 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو وَحَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ هَذَا الوَجَعَ أَوِ السَّقَمَ رِجْزٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ قَبْلكُمْ، ثُمَّ بَقِىَ بَعْدُ بِالأَرْضِ، فَيَذْهَبُ المَرَّةَ وَيأتِى الأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا يَقْدَمَنَّ عَليْهِ، وَمَنْ وَقَعَ بِأَرْضٍ وَهُوَ بِهَا فَلا يُخرِجَنَّهُ الفِرَارُ مِنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عندكم فاكتب إلى حتى أخرج إليه. وكتب إلى أبى عبيدة فى الطاعون الذى وقع بالشام، فعزم عليه أن يقدم عليه مخافة أن يصيبه الطاعون. قوله: وروى عن مسروق والأسود بن هلال وأبى موسى الأشعرى؛ أنهم فروا من الطاعون (¬1)، وروى عن عمرو بن العاص أنه قال: تفرقوا عن هذا الرجز فى الشعاب والأودية ورؤوس الجبال، فقال معاذ: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم (¬2). قال ابن قلابة (¬3): ومعناه: دعوة نبيكم. قال: دعى أن يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون. قال القاضى: كذا رواه جماعتهم، والصحيح من الرواية أنه - عليه السلام - أخبره جبريل أن فناء أمته بطعن أو طاعون (¬4)، فقال: " اللهم فبالطاعون " (¬5)، وهذا هو الذى يوافق حديثه الآخر: " ألا يجعل بأسَهم بينهم ولا يسلط عليهم عدواً من غيرهم " وإن كان منع من إحداهما (¬6) كما جاء فى الحديث. قال بعض أهل العلم: لم ينه عن دخول أرض الطاعون والخروج عنها مخافة أن يصيب غير ما كتب عليه ويهلك قبل أجله، لكن حذار الفتنة [على الحى] (¬7) من أن نظن أن ¬

_ (¬1) انظر: شرح البخارى لابن بطال (4/ ق 190)، ك الطب، ب من خرج من أرض لا تلائمه. قال ابن عبد البر فى التمهيد: لم يبلغنى عن أحد أن أحدًا من حملة العلم فر من الطاعون إلا ما ذكر المدائنى أن على بن يزيد بن جدعان هرب من الطاعون. التمهيد 6/ 214. (¬2) أحمد فى المسند 5/ 248، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 314)، وقال: رواه أحمد وأبو قلابة لم يدرك معاذ بن جبل. (¬3) فى ح: أبو قلابة. (¬4) أحمد 5/ 81، ذكره الهيثمى فى المجمع (2/ 313) وقال: رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجال أحمد ثقات، ونصه: عن أبى عسيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتانى جبريل - عليه السلام - بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتى ورحمة لهم ورجس على الكافرين ". (¬5) انظر: تاريخ الطبرى 2/ 202 السنة الـ 17، وإسناد الحديث فيه مجهول. (¬6) أحمد 5/ 245، ذكره الهيثمى فى المجمع 2/ 314 وقال: رواه أحمد. (¬7) سقط من ز، والمثبت من ح.

(...) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِإِسْنَادِ يُونُسَ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. 97 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أبى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ، قَالَ: كُنَّا بِالمَدِينَةِ فَبَلغَنِى أَنَّ الطَّاعُونَ قَدْ وَقَعَ بِالكُوفَةِ. فَقَالَ لِى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ فَوَقَعَ بِهَا فَلا تَخْرُجْ مِنْهَا، وَإِذَا بَلغَكَ أَنَّهُ بِأَرْضٍ، فَلا تَدْخُلهَا ". قَالَ: قُلْتُ: عَمَّنْ؟ قَالوا: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ يُحَدِّثُ بِهِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقَالوا: غَائِبٌ. قَالَ: فَلقِيتُ أَخَاهُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ فَسأَلتُهُ؟ فَقَالَ: شَهِدْتُ أُسَامَةَ يُحَدِّثُ سَعْدًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ هَذَا الوَجَعَ رِجْزٌ - أَوْ عَذَابٌ أَوْ بَقِيَّةُ عَذَابٍ - عُذِّبَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ قَبْلكُمْ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا بَلغَكُمْ أَنَّهُ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلوهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ هلاك من هلك من أجل قدومه، ونجاة من نجى لأجل فراره. وهذا نحو نهيه عن الطيرة والقرب من المجذوم، مع قوله: " لا عدوة " (¬1) دليل أن من خرج من بلاد الطاعون على سبيل الفرار فجائز له الخروج، ومن دخله إذا أيقن أن دخوله لا يجلب إليه قدراً لم يسبق فسائغ له الدخول. وقد روى عن ابن مسعود أنه قال: الطاعون فتنة على المقيم، وعلى الفار. أما الفار فيقول: فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت فمت، وإنما فرّ من لم يجئ أجله، وأقام فمات من جاء أجله (¬2). قال المدائنى (¬3): ويقال: مافرّ أحد من الطاِعون فسلم من الموت، وقد قيل فى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} (¬4): أنهم خرجوا فراراً من الطاعون فماتوا، فدعا لهم نبى من الأنبياء أن يحييهم الله، فأحياهم. وقوله: " رجزٌ أرسل على بنى إسرائيل أو على من كان قبلكم " (¬5): ذكر أنه مات فى بنى إسرائيل فى ساعة واحدة عشرون ألفاً، وقيل: سبعون ألفاً (¬6). قيل: يحتمل ¬

_ (¬1) فى ح ومن الحديث: لا عدوى. (¬2) هذا الأثر ذكره ابن بطال فى شرح البخارى 4/ 191، ولم يسنده، والقرطبى فى المفهم 3/ 209. (¬3) نقل هذا القول عن المدائنى ابن عبد البر فى التمهيد 6/ 214، ابن بطال فى شرح البخارى 4/ 192، القرطبى فى تفسيره 3/ 223. (¬4) البقرة: 243. (¬5) حديث رقم (95) با لباب. (¬6) تاريخ الطبرى 1/ 439.

قَالَ حَبِيبٌ: فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيمَ: آنْتَ سَمِعْتَ أُسَامَةَ يُحَدِّثُ سَعْدًا وَهُوَ لا يُنْكِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ. (...) وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ لمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ فِى أَوَّلِ الحَدِيثِ. (...) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قَالوا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ. (...) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَ أُسَامَةُ بَنُ زَيْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجهين: أنه أول ما بدا فى الأرض وحدث بالناس، والوجه الثانى: أنهم عُذِّبُوا بِهِ. وقد جاء فى الصحيح - فى غير كتاب مسلم - " أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث فى بلده صابرًا، يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد " (¬1)، وفى حديث آخر: " الطاعون شهادة لكل مسلم " (¬2)، وفى الحديث المشهور: " الطعون شهيد " (¬3) وقد تقدم تفسيره (¬4)، ويأتى على ما جاء فى الحديث الذى قبل هذا أنه إنما يكون شهيدًا إذا أقام وصبر وسلم. قوله: وذكر مسلم أسانيد هذه الأحاديث من رواية مالك وغيره، مرة عن عامر بن سعد عن أبيه أنه سمعه [سئل] (¬5) أسامة بن زيد، ومرة لم يذكر فيه أباه، وكلاهما صحيح؛ لأنه إذا سمع أباه [سُئل] (5) أسامة عنه، فقد سمعه من أسامة، قالوا: والأكثر روايته له عن أسامة، وقد روى عن سعد عن النبى وهوَ وهْم (¬6). ¬

_ (¬1) البخارى، ك الطب، ب أجر الصابر على الطاعون (5734)، أحمد 6/ 64، 154 عن يحيى بن يعمر. (¬2) أحمد 3/ 150، البخارى، ك الطب، ب ما يذكر فى الطاعون، مسلم، ك الإمارة، ب بيان الشهداء (1916/ 166) كلهم من حديث أنس بن مالك - رضى الله عنه. (¬3) مسلم، ك الإمارة، ب. بيان الشهداء (1915/ 165)، النسائى، ك الجنائز، ب الشهيد (2054)، الدارمى، ك الجهاد، ب ما يعد من الشهداء 2/ 207. (¬4) فى ك: الإمارة. (¬5) فى ح: يسأل. (¬6) قال ابن عبد البر: وقد روى قوم هذا الحديث عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبى - عليه السلام - وهو عندى وهم لا يصح - والله أعلم - ممن رواه كذلك. التمهيد 12/ 251.

وَسَعْدٌ جَالسَيْنِ يَتَحَدَّثانِ، فَقَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِهمْ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى الطَّحَّانَ - عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. 98 - (2219) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمىُّ، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الَخَطَّابِ خَرَجَ إِلى الشَّامِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغٍ لقِيَهُ أَهْلُ الأَجْنَادِ - أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ وَأَصْحَاُبهُ - فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى كتاب حديث عمر بن الخطاب ورجوعه من سرغ إذا بلغه أن الوباء بالشام، واستشاريه (¬1) أولاً المهاجرين الأولين ثم الأنصار، واختلافهم عليه، ثم مشاورته مشيخة قريش من مهاجرة الفتح واتفاقهم على الرجوع بالمسلمين ورجوعه، وقول أبى عبيدة له: أفرار (¬2) من قدر الله يا عمر، ومحاجة عمر معه وإخبار عبد الرحمن بن عوف بما سمعه فيه من النبى - عليه السلام - أنه قال: " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه ": سرْغ (¬3) بسكون الراء أشهر ما يقال فيه، ورويناه عن بعضهم بسكونها وفتحها، ولم يصوب ابن مكى (¬4) غير السكوت. قال ابن حبيب: سرغ: قرية بوادى تبوك، وحكاه الجوهرى عن مالك، وقيل: هى آخر عمل الحجاز الأول، وقيل: مدينة بالشام، قال ابن وضاح (¬5): بينها وبين المدينة ثلاثة عشر مرحلة (¬6). ¬

_ (¬1) فى ح: استشارته. (¬2) فى ح: أفراراً، وكذا فى المتن فى صحيح مسلم برقم (98) فى هذا الكتاب. (¬3) انظر: معجم البلدان 3/ 211، مشارق الأنوار 2/ 233. (¬4) هو أبو حفص عمر بن خلف بن مكى الصقلى النحوى، إمام لغوى محدث حافظ، من تصانيفه " تثقيف اللسان وتلقيح الجنان " وهو مطبوع، ولى قضاء تونس وخطابتها، توفى سنة 501 هـ. بغية الوعاة 2/ 218، إنباه الرواة 2/ 229. (¬5) هو محمد بن وضاح أبو عبد الله المروانى، محدث الأندلس، مولى عبد الرحمن بن معاوية الداخل، كان عالماً بالحديث، بصيرًا بطرقه وعلله، ورعًا زاهدًا. قال ابن الفرضى: له خطأ كثير محفوظ عنه ولا علم له بالعربية ولا الفقه، ارتحل إلى الحجاز والشام ومصر، توفى سنة 289 هـ. تذكرة الحفاظ 2/ 646، السير 13/ 445، النجوم الزاهرة 15/ 121. (¬6) المرحلة واحدة المراحل، وهى المسافة يقطعها السائر فى نحو يوم أو ما بين المنزلين مرحلة. انظر: اللسان، معجم الوسيط 1/ 335.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِىَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ. فَدَعُوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُم أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاخْتَلفُوا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتُ لأَمْرٍ وَلا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلى هَذَا الوَبَاءِ. فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِىَ الأَنْصَارِ فَدَعُوْتُهُمْ لَهُ، فَاستَشَارَهُمْ، فَسَلكُوا سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلفُوا كَاخْتِلافِهِمْ. فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه خروج الأئمة بأنفسهم ليطلع أعمالهم مشاهدة، وفيه تلقى الأمراء الإمام الأعظم وإعلامهم إياه ما حدث ببلادهم، واستشارة الإمام أهل العلم والرأى، وتقديمه فى ذلك أولى السابقة والدين والفضل. والمهاجرون الأولون هم من صلى القبلتين، وأما من لم يسلم إلا بعد تحويل القبلة فلا يعد فى الأولين. ومهاجرة الفتح قيل: الظاهر أنهم هم الذين هاجروا قبل الفتح، خصهم لفضل الهجرة؛ إذ لا هجرة بعد الفتح، وقيل: بل أراد مسلمة الفتح الذين هاجروا بعد، فحصل لهم الاسم دون الفضيلة، وهو عندى أظهر لأنهم الذين ينطلق عليهم مشيخة قريش وظاهر هذا [أن عمر - رضى الله عنه - قد رجع لرأيهم ورأى من وافقهم، ولا يبعد هذا] (¬1)؟ إذ لم يكن هذا الأمر إلا من باب النظر للمسلمين والحيطة عليهم، وأيضًا فإنهم لم ينفردوا بهذا الرأى حتى يكون هو يؤثر لرأيهم على رأى المهاجرين الأولين والأنصار، بل قد وافقهم عليه كثير من الأنصار والمهاجرين كما تقدم من اختلافهم، فحصل ترجيح الرأى بالكثرة، لا سيما لأولى السن والحنكة والتجربة والعقول الراجحة. وحجة الطائفتين فى اختلافهم بينة كلها مبنية على أصلين من أصول الشريعة؛ الأول: التوكل والتسليم للقضاء والقدر، والثانى: الحيطة والحذر وترك إلقاء اليد للتهلكة، وكلاهما فرعان متشعبان من أصل قاعدة القدر. وقيل: بل رجوع عمر إنما كان لحديث عبد الرحمن بن عوف، كما قال عبد الله بن عمر: إنما رجع بالناس عن حديث عبد الرحمن بن عوف، ورجح هذا بعض العلماء لإخبار عبد الله عن أبيه به وهو العالم بحقائق أبنائه، ولأن عمر لم يكن ليرجع لرأى دون رأى بغير حجة، حتى وجد علمًا، وتأول قوله: " إنى مصبح على ظهر " قبل هذا، أى على سفر لوجهه الذى كان توجه له، لا أنه راجع، وهذا بعيد. وتأول الأولون أن عبد الله بن عمر لعله لم يبلغه قول عمر هذا قبل إخبار ابن عوف له بما أخبر. ومعنى " مصبح على ظهر ": أى على سفر وعلى ظهور الركائب. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح.

قَالَ: ادْعُ لِىَ مَنْ كَانَ هَهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ. فَدَعَوْتَهُمْ فَلمْ يَخْتَلِفْ عَليْهِ رَجُلانِ. فَقَالوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلا تُقْدِمْهُمْ عَلى هَذَا الوَبَاءِ. فَنَادَى عُمَرُ فِى النَّاسَ: إِنِّى مُصْبِحٌ عَلى ظهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَليْهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لوْ غَيرَكَ قَالهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! - وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلافهُ - نَعَمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرَ اللهِ إِلى قَدَرِ اللهِ، أَرَأَيْتَ لوْ كَانَتْ لكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عِدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ والأُخْرَى جَدِبَةٌ، أَليْسَ إِنْ رَعَيْتَ الخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرَ اللهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الجَدِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِى مِنْ هَذَا عِلمًا، سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَليْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ". قَالَ: فَحَمِدَ اللهَ عمرُ بْنُ الخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى عبيدة: " أفرارًا من قدر الله؟ ": دل أن أبا عبيدة ممن أشار عليه من المهاجرين بألا يرجع، وأن يتوكل ويسلم للقدر، وأن ما قُدّر عليه لم يكن لينجيه منه رجوع ولا فرار، ولا تغنى فيه حيلة. وقول عمر له: " لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ": يريد من ليس عنده من العلم ما عندك، وأن رجوعى ليس بفرار من قدر، ولكنه أخذ بالحذر والحزم الذى أمرنا الله به، وطلب الأسباب التى هى سوابق القدر وأسرار القضاء، كما أمر باتخاذ الحبن من العدو واجتناب المخاوف والمهالك، وكل شىء إنما يكون بما سبق به القدر، ثم مثّل له مثلاً صحيحًا فى هذا الباب مما يستعمله جميعهم كل وقت، ولا يختلف فيه من الانتقال [فى الرعى من الجنبة الجدبة إلى الخصبة، وأن هذا من الانتقال] (¬1) من وجه إلى وجه، لا فرق بينه وبين الانتقال من القدوم على الوباء أو الرجوع؛ إذ لا يكون من هذا كله إلا ما قدره الله، لكن على الإنسان طلب الأسباب والاكتساب، وهو مثل قوله - عليه السلام -: " اعملوا فكل ميسر لما خُلق له " (¬2)، وقوله: " اعقلها وتوكل " (¬3). وحمد لله على ما حدثه به ابن عوف؛ لبيان الصواب فيما اختلف فيه عليه من أمره، وأن انصرافه لسنة وشرع لآدم (¬4) بحسب الاتفاق عليه، لا الرأى واجتهاد يقع الخلاف فيه. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) أحمد 1/ 6، البخارى، ك القدر، ب وكان أمر الله قدرًا مقدورًا (6605)، مسلم، ك القدر، ب كيفية خلق الآدمى (2647/ 9)، أبو داود، ك السنة، ب فى القدر (4709) (¬3) الترمذى، ك صفة الجنة، ب 60 (2517). (¬4) فى ح: لازم.

99 - (...) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيث مَالِكٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ: قَالَ: وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: أَرَأَيْتَ أَنَّهُ لوْ رَعَى الجِدْبَةَ وَتَرَكَ الَخَصِبةَ، أَكُنْتَ مُعَجِّزَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَسِرْ إِذًا. قَالَ: فَسَارَ حَتَّى أَتَى المَدِينَةَ. فَقَالَ: هَذَا المَحِلُّ، أَوْ قَالَ: هَذَا المَنْزِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحَارِثِ حَدَّثَهُ. وَلمْ يَقُلْ: عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. 100 - (...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلى الشَّامِ، فَلمَّا جَاءَ سَرْغَ بَلغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَليْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ "، فَرَجَعَ عُمَرُ ابْنُ الخَطَّابِ مِنْ سَرْغَ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ بِالنَّاسِ مَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله لما ورد المدينة: " هذا المحل " بفتح الحاء وكسرها محل القوم ومحلهم ومحلتهم: موضع حلولهم، وهذا الحرف فى أحرف قليلة شذت فى اسم ما جاء على مفعل بالضم بالوجهين، وإلا فبابه المطرد مفعل بالفتح. ووقع فى سند هذا الحديث: عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن ابن عباس، قال الدارقطنى: كذا قال مالك، وقال معمر ويونس: عن عبد الله بن الحارث، قال: والحديث صحيح على اختلافهم (¬1). وقد أخرجه مسلم - أيضاً - عن يونس عن عبد الله ابن الحارث، وأما البخارى فلم يخرجه إلا من طريق مالك وحده (¬2). ¬

_ (¬1) التتبع ص 422، 423. (¬2) البخارى، ك الطب، ب ما يذكر فى الطاعون (5729).

(33) باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح

(33) باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح 101 - (2220) حدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لأَبِى الطَّاهِرِ - قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. قَالَ ابْنُ شهَابٍ: فَحَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ حِينَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عَدْوى ولا صَفَرَ وَلا هَامَةَ ". فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا بَالُ الإِبِل تَكُونُ فِى الرَّمِلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَجِىءُ البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟ قَالَ: " فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ ". 102 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم وَحَسَنٌ الحُلْوَانِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُو ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ ". فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. 103 - (...) وحدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله - عليه السلام -: " لا عدوى ولاطيرة ولا صفر " وفى بعضها: " ولا نوء " وفى بعضها: " ولا غول " " ولا هامة " الحديث، وقوله: " فمن أَعدى الأول؟ "، وقوله: " لا يوردن ممرض على مصح "، وحديث أبى هريرة بالحديثين أولاً ثم صمت عن قوله: " لا عدوى "، وأقام على الآخر، وقول أبى سلمة: لقد كان يحدثناه فلا أدرى أنسى أم نسخ أحد القولين الآخر، وهذا مثل قوله فى الصحيح فى غير مسلم فى آخر حديث: " لا عدوى وفِرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد " (¬1) وقوله فى مسلم بعد هذا للمجذوم: " قد بايعناك فارجع " (¬2)، وفسر جابر فى الأم الصفر: البطن. يقال: ذوات (¬3) البطن، ووقع فى رواية العذرى بتاء باثنتين فوقها وذال معجمة، كانت العرب تقول: إنها تعدى من كانت به إلى غيره فسيأتى تمام [تفسيره] (¬4). ¬

_ (¬1) البخارى، ك الطب، ب الجذام (5707). (¬2) حديث رقم (126) من هذا الكتاب. (¬3) فى ح: دواب. (¬4) ساقطة من ز، والمثبت ح.

شُعَيْبٍ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سنَانُ بْنُ أَبِى سِنَانٍ الدُّؤَلِىُّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عَدْوَى "، فَقَامَ أَعْرَابِىٌّ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ وَصَالِح. وَعَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ ابْنِ أخْتِ نَمِر؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ ". 104 - (2221) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو الزبير فى تفسير الغول: هذا الغول التى تغول، كذا لكافتهم وهو الصواب، وعند الطبرى: " قال أبو هريرة ": كان (¬1) " أبى الزبير "، وفى بعضها: " وكان يعجبه الفأل "، قال: وفسره قال: " الكلمة الطيبة والكلمة الحسنة " (¬2)، وفى رواية: " الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم " (¬3). والطيرة: التشاؤم، وهو مصدر التطير، قالوا: تطير طيرة، كما قال: تحير حيرة (¬4)، وليس فى المصادر غيرهما، وفى السماء (¬5) حرفان، [قالوا لنوع من السحر] (¬6) وشىء (¬7) طيبة أى طيب. قال الخطابى: وكذلك ضبطناه عن شيوخنا بفتح الباء، وحكى الصابونى (¬8) أن بعضهم قال: إنما هى بسكون الياء. قال الإمام: اضطرب الناس فيما ذكر عن أبى هريرة من الحديثين اللذين أسقط أحدهما، فقال بعض أصحابنا: " لا يورد ممرض على مصح " منسوخ بقوله: " لا عدوى "، وقال آخرون: ليس بينهما تناف فيقتصر إلى المنسوخ، ولكن نفى العدوى، وهى اعتقاد كون بعض الأمراض بفعل فى غيرها بطبيعتها، وأما أن يكون سبباً بخلق الله - سبحانه - ¬

_ (¬1) فى ح: مكان. (¬2) الحديث رقم (111) من الباب التالى. (¬3) الحديث رقم (110) من الباب التالى. (¬4) فى ح: تخير خيرة. وانظر: العين للخليل 7/ 447، الخطابى معالم السنن 4/ 236، المجموع المغيث 2/ 378. (¬5) فى ح: الأسماء. (¬6) فى ح: قولهم: قوله لنوع من السحر. (¬7) فى ح: وسبى. (¬8) الصابونى: لعله إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن اسماعيل أبو عثمان الإمام، العلامة الفسر المحدث، كان من أئمة الأثر له مصنف فى السنة وأعتقاد السلف، توفى سنة 449 هـ، السير 18/ 40، النجوم الزاهرة 5/ 62، كف الظنون 21015. ولعله ابن الصابونى أبو الوليد هشام بن عبد الرحمن القرطبى المالكى المعروف، كان فقيهاً محدثا، صنف كتاباً فى شرح غريب صحيح البخارى. فهرست ابن خير 198، هدية العارفين 6/ 509.

حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى "، وَيُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهمَا كِلْتَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هَرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ: " لا عَدْوَى "، وَأَقَامَ عَلَى: " ألا يُورِدُ مُمْرَضٌ عَلَى مُصِحٍّ ". قَالَ: فَقَالَ الحَارِثُ بْنُ أَبِى ذَبَابٍ - وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِى هُرَيْرَةَ -: قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، تَحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الحَدِيثِ حَدِيثًا آخَرَ، قَدْ سَكَتَّ عَنْهُ، كُنْتَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عندها مرض ماوردت عليه فلم ينفه، فإنما نهى أن يورد المرض على المصح؛ لئلا يمرض الصحاح من قبل الله جلت قدرته عند ورود المرضى، فيكون المرضى كالسبب فيها (¬1). وقال آخرون: إنما المراد هذا الاحتياط على اعتقاد الناس لئلا يتشاءم بالإبل المبيضة (¬2) ويعتقد أنها أمرضت إبله، فيأثم فى هذا الاعتقاد (¬3) وقال آخرون: إنما ذلك التأذى بمشاهدة المرضى، ويقبح صور الجذماء، وتعذيب النفس برؤيتهم، والتأذى بها قد يكون منهم من رائحة تؤذى (¬4)، وهو المراد بما يوقع فى بعض الأحاديث: " فإنه أذى " (¬5)، وقال بعض أصحابنا: هذا إن كان مندوحة عن مخالطة من يتأذى به كره للوارد وإلا فلا، وكذا فى أهل الجذام إذا تأذى الناس بمخالطتهم فى البئر، فإن كان لهم مندوحة بماء آخر ينصرفون إليه أمروا أن ينصرفوا إليه، دفعًا للضرر عن هؤلاء، وإن لم يكن لهم مندوحة قيل للآخرين: أوجدوهم العوض وإلا فشاركوهم؛ لأن كل في ذى مال أحق بماله. وقوله: " لا عدوى ": تفسيره: أن العرب كانت تعتقد أن المرض يعدى وينتقل إلى الصحيح، فأنكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتقادهم، ونهى عنه (¬6). وأما قوله: " ولا صفر ": ففيه قولان: قيل: تأخيرهم المحرم إلى صفر فى النسىء الذى كانوا يفعلونه (¬7)، وإلى هذا ذهب مالك (¬8) وأبو عبيدة (¬9)، وقيل: الصفار: ¬

_ (¬1) انظر: المنتقى 7/ 265. (¬2) فى ح: المريضة. (¬3) ممن قال بهذا القول أبو جعفر الطبرى. تهذيب الآثارص 35 مسند على بن أبى طالب، وأبو جعفر الطحاوى. انظر: شرح معانى الآثار (4/ 311). (¬4) الباجى فى المنتقى 7/ 264. (¬5) انظر: الموطأ 6/ 946 رقم (18) باب عيادة المريض. (¬6) المنتقى 7/ 263. (¬7) رواه الطبرى فى تهذيب الآثار ص 39 مسند على. (¬8) نقله عنه الباجى فى المنتقى 7/ 264، ابن بطال فى شرح البخارى 4 ق/ 188، القرطبى فى المفهم 3 ق/ 211، النووى فى شرح مسلم 14/ 215. (¬9) نقله عنه أبو عبيد فى غريبه، ولم يقل أحد منهم إنه من الشهور غير أبى عبيدة. غريب الحديث 1/ 27.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عَدْوَى "، فَأَبَى أَبُو هَرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ. وَقَالَ: " لا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ "، فَمَا رآهُ الحَارِثُ فِى ذَلِكَ حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَطَنَ بِالحَبَشِيَّةِ. فَقَالَ لِلْحَارِثِ: أَتَدْرِى مَاذَا قُلْتُ؟ قَالَ: لا. قَالَ أَبُو هَرَيْرَةَ: قُلْتُ: أَبَيْتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ دواب فى البطن، وكانوا يعتقدون أن الصفر دابة فى البطن يهيج عند الجوع وربما قتلت، ويراها العرب أعدى من الجرب (¬1) وإلى هذا ذهب مطرف (¬2) وابن وهب وابن حبيب (¬3) من أصحاب مالك، وهو اختيار أبى عبيد (¬4)، وقد تقدم ما فى مسلم من التفسير لهذا. وأما قوله: " ولا هامة " فاختلف فيه، فقيل: كانت العرب تتشاءم بالهامة إذا سقطت على دار أحدهم، فيراها ناعية نفسه أو أحدًا من أهله، وإلى هذا التفسير ذهب مالك. وقيل: كانت العرب تعتقد أن عظام الميت تنقلب هامة تطير، فأنكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا كله وأبطله، ويسمى الطائر الذى يعتقد خروجه من هامة الميت صيدًا (¬5)، وجمعه أصدى، وقد قيل: إن المراد بالحديث هذا الطائر الذى يخرج من الرأس، قال لبيد: فليس الناس بعدك فى بعير (¬6) ... ولاهم غير أصداء وهام (¬7) وقال أبو زيد (¬8): " هامة " مشددة الميم. وأما الفأل بالهمز وجمعه فؤول، فقد فسره فى كتاب مسلم. والطيرة مأخوذة مما كانوا يعتادونه فى الطير ويعتقدونه فى البوارح (¬9) والسوائح (¬10). وكان لهم فى التشاؤم والتيامن طريقة معروفة (¬11)، وقيل: منها أخذ اسم الطيرة، وقال بعضهم: فإن الفأل ¬

_ (¬1) ذكره أبو عبيد فى غريبه 1/ 26، تهذيب الآثارص 38 مسند على. (¬2) هو ابن عبد الله بن مطرف بن سليمان اليسارى الهلالى أبو مصعب المدنى، وهو ابن أخت الإمام مالك وكان أصم، روى عن مالك وتفقه به، وروى عنه البخارى فى صحيحه، توفى سنة 220. تهذيب التهذيب 10/ 175. (¬3) نقل الباجى وذلك عن ابن وهب فى المنتقى 7/ 264، ونقل القرطبى عن مطرف وابن وهب وابن حبيب فى المفهم 3 ق/ 212، والنووى فى شرح مسلم 14/ 215. (¬4) غريب الحديث لأبى عبيد بن سلام 1/ 27. (¬5) فى ح: صدنى. (¬6) فى ح: نقير. (¬7) البيت نقله أبو عبيد فى غريبه، وعزاه للبيد وقال: إنه يرثى فيه أخاه أريد بن قيس أخو لبيد لأمه، وكذلك البيت فى اللسان فى موضعين، مادة " نقر " ومادة " صدى ". وأنظر: الاستيعاب 3/ 324 - 326. (¬8) نقله أبو عبيد فى غريبه 1/ 27، فتح البارى 10/ 197. (¬9) البارح: ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك، والعرب تتطير به. انظر: النهاية 1/ 114. (¬10) فى ح: السوانح. وهو ما مر من الطير والوحش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب تتيمن به؛ لأنه أمكن للرمى والصيد. النهاية 1/ 114. (¬11) قال ابن حجر: أصل التطير أنهم كانوا فى الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به، وإن رآه طار يسرة تشاءم به. الفتح 10/ 174.

قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَلِعَمْرِى، لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى " فَلا أَدْرِى أنَسِىَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ القَوْلَيْنِ الآخَرَ؟ 105 - (...) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَحَسَنٌ الحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ - يَعْنُون ابْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى " وَيُحَدِّثُ مَعَ ذَلِكَ: " لا يُورِدُ المُمْرِضُ عَلَى المُصِحِّ " بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. (...) حدَّثناه عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ رجوع إلى قول مسموع وأمر محسوس، يحسن معناه فى العقول، فتخيل للنفس وقوع مثل ذلك المعنى. وتحسين الظن بالله سبحانه ورجاء الخير منه بأدنى سبب لايُقْبَح، الطيرة أخذ المعانى من أمور غير محسوسة ولا معقولة ولا معنى يشعر العقل بما يتوقع من ذلك، فلهذا فارقت الفأل وبأنها لا تقع إلا على توقع بأمر مكروه، والفأل يقع على ما يحب وما يكره، والمستحسن منه ما يحب [ويكره ما ينفى فألاً كان وهو أحسن] (¬1) فسمى الفأل أو طيرة هكذا قال بعضهم. قال القاضى: وقيل فى الفرق بين الطيرة والفأل: وكلاهما فأل من سماع كلام يُستحسن أو يُستقبح أو رؤية حيوان يمثل ذلك تعليق النفس بما يقتضيه المسموع أو المرئى، فإذا عقلها بخير على ما سمعه أو رآه من خير واقعه (¬2) فهو من حسن الظن بالله، وبضده التطير بالمكروه والشر، وتعليق النفس به، فهو من سوء الظن، وقد قال الله تعالى: " أنا عند ظن عبدى بى " (¬3). وقوله: " فمن أعدى الأول ": بيّن واضح فى الحجة فى قطع دعوى العدوى؛ لأنه إذا وجدنا هذا الداء أولاً من غير عدوى فى الأول فبم يحكم فى الثانى أنه من سبب الأول، ¬

_ (¬1) فى ح: وما يكره ويتقى فألاً كان وهو أحد. (¬2) فى ح: وافَقَهُ. (¬3) أحمد 2/ 251، 315، البخارى، ك التوحيد، ب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (7405)، مسلم، ك التوبة، ب فى الحض على التوبة والفرح بها (2675/ 1)، الترمذى، ك الزهد، ب ما جاء فى حسن الظن بالله (2388)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ابن ماجة، ك الأدب، ب فضل العمل (3822).

106 - (2220) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى وَلا هَامَةَ وَلا نوْءَ وَلا صَفَرَ ". 107 - (2222) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرُ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا غُولَ ". 108 - (...) وحدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ بنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - وَهُوَ التُّسْتَرِىُّ - حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عَدْوَى وَلا غُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يكن للأول سبب إلا مشيئة الله وقدره، والممرض صاحب المشيئة المريضة، والمصح صاحب المشيئة الصحيحة. واختلف فى قوله: " لا عدوى "، هل هو على جهة النهى أن يقال ذلك أو يعتقد؟ فعلى هذا يصح دخول النسخ فيه، وأن يكون ناسخًا على قول بعض لقوله: " لا يوردن ممرض على مصح " (¬1)، وقيل: هو على وجه الخبر لنفيها، وأنه غير موجود ولا مملق (¬2)، وعلى هذا لا يصح دخول النسخ فيه. وكذلك اختلفوا، هل قوله على العموم أو الخصوص وقد تقدم فيه ما تقدم من التأويلات، وهو على جملة العموم، وذهب فى معنى قوله فى زيادة فى حديث: " لا يوردن ممرض على مصح " فإنه أذى، هل ذلك راجع إلى نفس العدوى أو إلى تأذى النفس بذلك (¬3). وقيل معنى إعجابه بالفأل الحسن؛ فلما جبلت عليه النفوس من استحسان الحسن من كل شىء بالميل إليه، كما جاء أنه كان يعجبه الأترج والفاغية (¬4) والحمام الأحمر ونحوه. وقيل فى قوله: " ولا غول " أى أن الجنى لا تستطيع أن تغول أحدًا، أو تضله، أو تُغَيِّر صفته، ويدل عليه قوله فى الحديث الآخر ولا غول ولكن السعالى قالوا والسعالى: ¬

_ (¬1) هذا الكلام رد عليه الباجى حيث قال: إن كان بمعنى النهى يريد: لا تكرهوا البعير الجرب بين إبلكم غير الجربة، ولا تمنعوا ذلك ولا تمتنعوا منه، فإنا لا نعلم أيهما قال أولاً، وإن تعلقنا بالظاهر فقوله: " لا عدوى " ورد فى أول الحديث فمحال أن يكون ناسخاً لما ورد بعده أو لما لا يدرى ورد قبله أو بعده لأن الناسخ إنما يكون ناسخًا لحكم قد ثبت قبله. المنتقى 7/ 265. (¬2) فى ح: ممكن. (¬3) انظر: المنتقى 7/ 264. (¬4) الفاغية: وهو كل ما كان من الشجر له ريح طيبة لا تكون لغير ذلك، وقيل: نور الريحان، وقيل: نور كل نبت. اللسان، وغريب الحديث لابن قتيبة 1/ 88.

وَلاصَفَرَ ". 109 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا غُولَ ". وَسَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ يَذْكُرُ؛ أَنَّ جَابِرًا فَسَّرَ لَهُمْ قَوْلَهُ: " وَلا صَفَر ". فَقَالَ أَبُو الزَّبَيْرِ: الصَّفَرُ: البَطْنُ. فَقِيلَ لِجَابِرٍ: كَيْفَ؟ قَالَ: كَانَ يُقَالُ دَوَابُّ البَطْنِ. قَالَ: وَلَمْ يُفَسِّرِ الغُولَ. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: هَذِهِ الغُولُ الَّتِى تَغَوَّلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ شجرة (¬1) الجن. ومثله حديث عمر: " أن أحدًا لا يستطيع أن يغير أحدًا عن خلق الله، ولكن للجن [شجرة كشجرتكم] (¬2)، فإذا رأيتموهم فأذنوا بالصلاة " (¬3)، ومضى الكلام فى قوله: " ولا صفر "، وبقى منه ما حكاه بعضهم أن أهل الجاهلية كانوا يتشاءمون بصفر (¬4). قال الإمام: وأما الخط فقد تقدم الكلام عليه فيما سبق، وأما النوى فقد تقدم الكلام عليه فيما سبق أيضاً، وأما البوم فالأنثى منه الهامة والذكر يسمى صدى (¬5). قال القاضى: لم يقع عند أشياخنا وفى جميع الروايات التى فى كتبهم فى هذا الحرف إلا النوء وحده. قال الإمام: وأما قوله: " ولا غول ": فإن العرب كانت تقول: إن الغيلان فى [القلوب برأى] (¬6) للناس فتتغول تغولاً، أى تتلون تلوناً، فيضلهم عن الطريق فيهلكهم وقد ذكروها فى أشعارهم فأبطل ذلك - عليه السلام. ¬

_ (¬1) فى ح: سحرة الجن. انظر: الحيوان 6/ 158، غريب الخطابى 1/ 463. (¬2) فى ح: سحرة كسحرتكم. (¬3) انظر: مصنف عبد الرزاق، ك الحج، ب ذكر الغيلان 5/ 162. (¬4) انظر: أبا داود، ك الطب، ب الطيرة (3915) 4/ 18. (¬5) انظر: مشارق الأنوار 2/ 272. (¬6) فى ح: الفلوات تراءى.

(34) باب الطيرة والفأل، وما يكون فيه من الشؤم

(34) باب الطيرة والفأل، وما يكون فيه من الشؤم 110 - (2223) وحدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الفَألُ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الفَألُ؟ قَالَ: " الكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكمْ ". (...) وحدَّثنى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جِدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانَ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادَ، مِثْلَهُ. وَفِى حَدِيثِ عُقَيْلٍ: عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ. وَفِى حَدِيثِ شُعَيْبٍ: قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَمَا قَالَ مَعْمَرٌ. 111 - (2224) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِى الفَألُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةَ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةَ ". 112 - (...) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجُبَنِى الفَألُ ". قَالَ: قِيلَ: وَمَا الفَألُ؟ " قَالَ: " الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ". 113 - (2223) وحدَّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنِى مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَأُحِبُّ الفَألَ الصَّالِحَ ". 114 - (...) حدَّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عَدْوَى وَلا هَامَةَ وَلا طِيَرَةَ، وَأُحِبُّ الفَألَ الصَّالِحَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

115 - (2225) وحدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٍ بنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ - ابْنَىْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الشُّؤْمُ فِى الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ ". 116 - (...) وحدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةَ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ - ابْنَىْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنُ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَإنَّمَا الشُّؤْمُ فِى ثَلاثَةٍ: المَرْأَةِ وَالفَرَسِ وَالدَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث ابن عمر: " الشؤم فى الدار والمرأة والفرس "، وفى رواية أخرى عنه: " إنما الشؤم "، وفى رواية أخرى عنه: " إن يكن من الشؤم شىء حق " وذكر مثله، ومثله فى حديث سهل بن سعد، وجابر بن عبد الله. قال الإمام: أما ذكره الشؤم فى الدار والمرأة والفرس، فإن مالكًا أخذ هذا على ظاهره ولم يتأوله، فذكر فى كتاب الجامع من العتبية أنه قال: " [زيد أرسلها] (¬1) قوم فهلكوا، وآخرون بعدهم فهلكوا "، وأشار إلى حمل الحديث على ظاهره، فإن هذا محمله على أن المراد به: أن قدر الله - سبحانه - ربما اتفق بما يكره عند سكنى الدار، فيصير ذلك كالسبب، فيتسامح فى إضافة الشؤم إليه مجازًا واتساعاً، قالوا: وقد قال فى بعض طرق مسلم: " إن يكن الشؤم حقاً " فهذا لفظ ينافى القطع، ويكون محمله أن يكون الشؤم حقاً، فهذه الثلاث أحق به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها. وقد وقع فى بعض الأحاديث: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما شكى إليه فى بعض الديار ذهاب الأهل والمال، قال: " دعوها ذميمة " (¬2). وقد اعترض بعض أهل العلم فى هذا الموضع بأن قال: فإنه نهى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفرار من بلد الطاعون، وأباح الفرار من هذه الدار، فما الفرق؟ قيل: قال بعض أهل العلم إن الجامع لهذه الفصول كلها ثلاثة أقسام: ¬

_ (¬1) فى ح: رُبَّ دار سكنها. (¬2) مالك فى الموطأ، ك الاستئذان، ب ما تبقى من الشؤم 2/ 972 (23)، أبو داود، ك الطب، ب فى الطيرة (3924) عن أنس بن مالك - رضى الله عنه.

(...) وحدَّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ - ابْنَىْ عَبْدِ اللهِ - عَنْ أَبِيهِمَا، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ - ابْنَىْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَر، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ المَلِكَ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. حِ وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. ح وحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى الشُّؤْمِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. لا يذْكُرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: العَدْوَى وَالطَيرَةَ، غَيْرَ يُونُسَ ابْنِ يَزِيدَ. 117 - (...) وحدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْد اللهِ بْنِ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدُ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَىءٌ حَقٌّ، فَفِى الفَرَسِ وَالمَرْأَةِ وَالدَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فأحد الأقسام: ما لم يقع التأذى به ولاضطرب (¬1) فيه عادتهم خاصة ولا عامة، نادرة ولا متكررة. فهذا لا يصغى إليه، والشرع أنكر الالتفات إليه وهو الطيرة لأن [نفى الغراى] (¬2) فى بعض الأسفار ليس فيه إعلام ولا إشعار بما يكره، أو يختار بلا جهة النذور ولا التكرار، فلهذا قال - عليه السلام -: " لا طيرة ". والقسم الثانى: مما يقع به الضرر، ولكنه يعم ولا يخص، ويندر ولا ينكر (¬3) كالوباء، فإن هذا لا يقدم عليه احتياطًا، ولا يفر منه، لعدم أن يكون وصل الضرر إلى الفأل على الندور والتكرار. والقسم الثالث: يخص ولا يعم، ويلحق منه الضرر كالديار، فإن ضررها مختص بساكنها. وقد ذهب فيها أهله وماله، على حسب ما قال الشاكى (¬4) للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا يباح ¬

_ (¬1) فى ح: اضطررت. (¬2) فى ح: لقيا الغراب. (¬3) فى ح: يتكرر. (¬4) الشاكية امرأة، على حسب رواية مالك وأبى داود. قال ابن العربى: هى دار مكمل بن عوف أخى عبد الرحمن بن عوف. القبس 2/ 356.

(...) وحدَّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَقُلْ: حَقٌّ. 118 - (...) وحدَّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ بِلالٍ، حَدَّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِى شَىْءٍ، فَفِى الفَرَسِ وَالمَسْكَنِ وَالمَرْأَةِ ". 119 - (2226) وحدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْل بْن سَعْدٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ كَانَ، فَفِى المَرْأَةِ وَالفَرَسِ وَالمَسْكَنِ " يَعْنِى: الشُّؤْمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ له الفرار. فهذا التقسيم الذى قسمه بعض العلماء (¬1) يشير إلى الفرق بين هذه المسائل بعضها من بعض. قال القاضى: وقد عارض بعض الملحدة هذا الحديث بقوله: " لا طيرة ". قال القتبى: وهذا تعسف، ووجهه: أن هذا الحديث مخصوص بحديث الشؤم، كأنه قال: لا طيرة إلا فى هذه الثلاثة، والطيرة على من تطير. كان أهل الجاهلية يقولون ذلك، فنهاهم النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الطيرة، فلم ينتهوا فبقيت فى هذه الثلاثة الأشياء. وقد روى أبو هريرة عنه - عليه السلام -: " الطيرة على من تطير، وإن يكن فى شىء ففى المرأة والدار والفرس "، وهذا يعضد قول من قال (¬2): إنه على الاستثناء، وقد جاء فى حديث آخر (¬3): " لا شؤم "، وقيل: معناه: أن هذه الأشياء مما يطول التعذب بها وكراهة أمرها، وذلك لملازمتها بالسكنة والصحبة، وإن دفع الإنسان ذلك عن اعتقاده، فكلامه - عليه السلام - بذلك بمعنى الأمر بفراق ذلك وزوال التعذب به، كما قال: " اتركوها ذميمة " (¬4). قال الخطابى: معنى هذا الحديث: [إن طال] (¬5) مذهبهم فى التطير بالسوانح والبوارح، إلا أنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، وإمرأة يكره صحبتها، أو ¬

_ (¬1) منهم: أبو الوليد الباجى. المنتقى 7/ 294. (¬2) الخطابى فى معالم السنن 4/ 2237. (¬3) رواه الترمذى 5/ 117 (824). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) فى ح: إبطال.

(...) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 120 - (2227) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الحَارِثِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ، فَفِى الرَّبْعِ وَالخَادِمِ وَالفَرَسِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فرس لا تعجبه ارتباطه - فليفارقه، بأن ينتقل عن الدار، ويبيع الفرس، ويفارق المرأة. وكان مجرى هذا الكلام عن استثناء الشىء من غير جنسه، وتسهل الخروج من كلام إلى غيره. وقد قيل: شؤم الدار ضيقها، [سوء جارها] (¬1)، وشؤم الفرس ألا يغزى عليه. وشؤم المرأة ألا تلد (¬2). وقد يكون الشؤم هنا على غير المفهوم منه من معنى التطير، لكن بمعنى قلة الموافقة وسوء الطباع، كما جاء فى الحديث الآخر: " سعادة ابن آدم فى ثلاثة، وشقوة ابن آدم فى ثلاثة: فمن سعادته: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب الصالح. ومن شقاوته: المسكن السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء " (¬3)، وجاء فى حديث آخر من رواية جويرية عن مالك عن الزهرى، أن بعض أهل أم سلمة - زوج النبى - أخبره أن أم سلمة كانت تزيد السيف فى الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) انظر: معالم السنن 4/ 236. (¬3) أحمد (1/ 168) عن سعد بن أبى وقاص عن أبيه عن جده. (¬4) الفتح 6/ 48، ابن ماجة، ك النكاح (1/ 642) (1995) ب ما يكون فيه اليمن والشؤم، ومصنف عبد الرزاق (1/ 401) ب الشؤم.

(35) باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان

(35) باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان 121 - (537) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قاَلا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ابْنِ الحَكَمِ السُّلَمِىِّ، قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهاَ فِى الْجَاهِلَيَّةِ. كُنَّا نَأتِى الكُهَّانَ. قَالَ: " فَلا تَأتُوا الْكُهَّانَ ". قَالَ: قُلْتُ: كُنَّا نَتَطَيَّرُ. قَالَ: " ذَاكَ شَىْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِى نَفْسِهِ، فَلا يَصُدَّنَّكُمْ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنِى حُجَيْنٌ - يَعْنِى ابْنَ الْمُثَنّى - حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قاَلا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهَرِىِّ، بِهَذَا الإسْناَدِ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ يُونُس. غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا فِى حَدِيِثِه ذَكَرَ الطَّيَرَةَ. وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْكُهَّان. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قاَلا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْن أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَال يَخُطُّونَ قَالَ: " كَانَ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: كنا نأتى الكهان، قال: " فلا تأتوا الكهان "، قالوا: كنا نتطير، قال: " ذلك شىء يجده أحدكم فى نفسه فلا يصدنكم ": أى لا يصدنكم عما كنتم تريدون فعله. قيل: دل من هذا أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما نهى عن الطيرة أن تعتقد أن لها تأثيراً، ويصمم على العمل بها عمل أهل الجاهلية، وأن نفيه لها نفى لحكمها لا نفى لوجودها إذا كانت الجاهلية تعتقدها، وتدين بها، ويجدون تأثيرها مما يقع فى أوهامهم وتصادف قدر الله وما أمر الكهان.

122 - (2228) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قاَلَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر: إنهم يحدثونا بالشىء فنجده حقاً، قال: " تلك الكلمة الحق يخطفها الجنى، فيقذفها فى أذن وليه ويزيد فيها مائة كذبة ": كذا لهم، وهو الصواب. وفىِ رواية: " يحفظها "، والأول المحفوظ ونص كتاب الله، قال الله - سبحانه: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} (¬1). قال الإمام: أما الكهان فهم قوم يزعمون أنهم قوم يعلمون الغيب بأمر يلقى فى أنفسهم (¬2)، وقد أكذب الشرع من ادعى علم الغيب، ونهى عن تصديقهم، وقد ذكر مسلم عن النبى - عليه السلام - وجه إصابة بعضهم فى بعض الأحايين، وأنه من استراق السمع، يسترقه ولى الكاهن من الجن ويوصله إليه. قال القاضى: الكهانة كانت فى العرب على أربعة ضروب: أحدهما: [أن يكون له إنسان أى من الخير] (¬3) فيخبره بما يسترق من السمع من السماء، وهذا القسم قد بطل منذ بعث الله محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما نص الله - تعالى - فى الكتاب (¬4). الثانى: أن يخبره بما يطرأ فى أقطار الأرض وما خفى عنه بما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده ونفت هذا كله المعتزلة (¬5) وبعض المتكلمين (¬6) وأحالوه، ولا إحالة ولا بعد فى وجود مثله، لكنهم يصدقون ويكذبون، والنهى عام فى تصديقهم والسماع منهم. الثالث: التخمين والخرز، وهذا يخلق الله منه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فى هذا الباب أغلب. ومن هذا الفن العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذى يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعى معرفتها بها (¬7)، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن فى ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة وهذا الفن هى العيافة بالياء، وكلها ينطلق عليها اسم الكهانة عندهم، ويعلمها فى أكثر كتبهم. وفى الحديث الذى ذكر مسلم: " من أتى ¬

_ (¬1) الصافات: 10. وهذا الكلام المذكور عن الكهانة مذكور قبل كتاب الكهانة وهو واضح. (¬2) انظر: معالم السنن 4/ 225 واللسان، مادة " كهن ". (¬3) فى ح: أن يكون للإنسان ولى من الجن. (¬4) قوله تعالى فى سورة الجن: 8، 9، والصافات: 6 - 10. (¬5) الملل والنحل 1/ 53. (¬6) انظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ص 437. (¬7) انظر: معالم السنن 4/ 225.

إِنَّ الْكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّىْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا. قَالَ: " تِلْكَ الْكَلِمَةُ الحَقُّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ فَيَقْذفُهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ ". 123 - (...) حدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ - عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قاَلَتْ عَائِشَةُ: سَأَل أُنَاسٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكُهَّانِ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسُوا بِشَىْءٍ ". قاَلُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّىْءَ يَكُونُ حَقًّا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عرافاً فسأله عن شىء لن تقبل له صلاة أربعين يوماً " تقدم معنى العرافة، وأنه من الكهان. قال الهروى: العراف: الحاذى والمنجم الذى يدعى علم الغيب، وقد استأثر الله به. وأما معاقبته بترك قبول صلاته، فمذهب أهل السنة: أن السيئات لا تبطل الحسنات ولا يحبطها شىء إلا الكفر، والمراد بهذا [القبول] (¬1) - والله أعلم - قبول الرضى وتضعيف الأجر، ولا قبول الأداء وسقوط العهدة (¬2). وما اختصاصه بأربعين ليلة فى قبول صلاته، وقد جاء مثل هذا فى شارب الخمر (¬3) - فمن أسرار الحكمة الشرعية، وقد جاء عدد الأربعين فى تنقل أطوار الخلق فى الرحم؛ من النطفة، والعلقة، والمضغة (¬4)، وجاء الحد فى قصة الأظافر والشارب، وحلق العانة أربعون يوماً (¬5)، وجاء: " من أخلص الله أربعين صباحاً، ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " (¬6)، فيحمل فى شارب الخمر أنه ينتقل اللحم المتولد عما شرب من الخمر وتبدله بغيره. وقد ذكر أهل التجارب أن السمن يظهر فى الحيوان فى أربعين يوماً. وكذلك المخلص أربعين يوماً يظهر بذلك تغيير طباعه عما كانت عليه وانتقال صفاته، ولذلك تغير نبات الشعر والأظفار فى أربعين يوماً. وقوله فيهم: " ليسوا على شىء " دليل على بطلان قولهم، وأنه لا صحة ولا حقيقة ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) نقل مثل هذا القول القرطبى فى المفهم 3/ ق 215، شرح مسلم 14/ 227. (¬3) رواه الترمذى، ك الأشربة، ب ما جاء فى شارب الخمر 4/ 257، أحمد 2/ 189، ابن ماجة 2/ 176، النسائى 8/ 317. (¬4) البخارى 4/ 78 ب ذكر الملائكة، ك بدء الخلق. (¬5) صحيح مسلم 1/ 222، الترمذى 5/ 86، أبو داود 4/ 84. (¬6) الحلية: 5/ 189، ابن الجوزى كما فى الموضوعات 3/ 144.

الْكَلِمَةُ مِنَ الجِنِّ يَخْطَفُهَا الْجِنَّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةَ، فَيَخْلِطُونَ فِيهاَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ". (...) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ, أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, بِهَذَا الإِسْنَادِ, نَحْوَ رِوَايَةِ مَعْقِلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. 124 - (2229) حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْد -قَالَ حَسَنٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ. وَقَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراَهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْن؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ, قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَنْصَارِ؛ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ, وَماتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّهَا لا يُرْمَى بهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ, وَلَكِنْ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعاَلَى اسْمُهُ- إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ, ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّماء الَّذِينَ يَلُونَهُمْ, حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا, ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ له, وفيه جواز الغلو وإطلاق مثل هذا اللفظ العام, والمراد به الخاص من أحوالهم لا ذواتهم؛ لأنهم أشياء بلا شك, ولا يعد هذا كذباً. والخط تقدم الكلام فيه أول الكتاب (¬1). وقوله: "أن نبياً كان يخط فمن وافق خطه فذاك" (¬2): أي الذي يصيب, وليس فيه دليل على جوازه, وإنما أخبر عن وقوعه وسبب الإصابة فيه أحيانا إذا وافق, كما ذكر أن علم النجوم كان آية لبعض الأنبياء, ثم حرم الشرع النظر فيه (¬3). ودخل كل هذا تحت النهي عن الكهانة وتخرص (¬4) علم الغيب. وقيل: فيه رخصة للنظر في الخط, وقد تقدم أول الكتاب. وقوله: في الحديث الآخر "تلك الكلمة من الجن يخطفها (¬5) الجني فيقرها في أذن ¬

_ (¬1) ك المساجد 102. (¬2) حديث رقم (121) بالباب. (¬3) نقله القرطبي فى تفسيره 15/ 92 آية 88 من سورة الصافات. (¬4) هو الكذب والافتعال, ومنه قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} انظر: اللسان, مادة "خرص". (¬5) في ح: يحفظها.

الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونُهُمْ مَاذَا قَالَ. قَالَ: فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة ". قال الإمام: يقال: قررت الخبر فى إذنه أقره قراً: أودعته، وقر الطائر قراً: صوت، قال بعضهم. وقال غيره: قرت الدجاجه قراً. وفى رواية المقريزلى (¬1) عن البخارى (¬2): " قر الدجاجة "، بكسر القاف، وهو حكاية صوتها. قال الخطابى فى غريبه: قرت يقر قراً: وإذا رجعت فيه، قيل: قرقرت وقرقريرا (¬3)، قال الشاعر: [إذاً قر قرت هاج الهوى قرقر يرها] (¬4) وقال الراجز: [صوت الشقراق إذا قال قرقر]. فأظهر لعلة التضعيف على الحكاية، قال: والمعنى: أن الجنى يقذف بالكلمة إلى وليه الكاهن فيتسامع بها الشياطين (¬5)، كما يؤذن الدجاجة بصوتها صواحباتها فيتجاوب، قال: وفيه وجه آخر وهو أن تكون الرواية كقر الدجاجة، يدل عليه رواية البخارى: " فيقرها فى أذنه كما تقر القارورة " (¬6)، فذكر القارورة فى هذه الرواية يدل على ثبوت الرواية بالدجاجة. قال القاضى: أما مسلم فلم تختلف الرواية فيه " الدجاجة " بالدال، وأما رواية الزجاجة بالزاى فاختلفت فيها الروايات عن البخارى (¬7)، فقد ذكر الدارقطنى أنه مما صحفوا فيه (¬8)، وأن الصواب: " الدجاجة " بالدال، تكن رواية " القارورة " تصحح ¬

_ (¬1) فى ح: الفربرى، وهو الصحيح. وهو محمد بن يوسف بن مطر بن صاح بن بشير الفربرى، نسبه إلى فربر، أبو عبد الله راوى الجامع الصحيح عن البخارى سمعه منه بفربر مرتين، مات سنة 320. انظر: وفيات الأعيان 4/ 290، السير 15/ 10، معجم البلدان 4/ 246. (¬2) البخارى، ك الأدب، ب قول الرجل للشىء ليس بشىء وهو ينوى أنه ليس بحق (6213). (¬3) انظر: غريب الحديث للخطابى 1/ 612. (¬4) البيت فى تهذيب اللغة 8/ 282، الصحاح 2/ 790. (¬5) تفسير الخطابى مخالف لنص حديث البخارى الذى ساقه هو فى خلال شرحه. قالته الباحثة فى الرسالة. قال القرطبى فى المفهم بعد أن ذكر كلام الخطابى: والأشبه بمساق الحديث أن يكون معناه: أن الجنى يلقى إلى وليه تلك الكلمة بصوت خفى فيراجع بزمزمة ويرجعه له، كما يلقيه الكهان للناس، فإنهم تسمع لهم زمزمة وأسجاع وترجيع، على ما علم من حالهم بالمشاهدة والنقل. (¬6) البخارى، ك صفة إبليس، ب بدء الخلق. الفتح 6/ 263. (¬7) ذكره القاضى فى المشارق عن مسلم، أنه لم يختلف الرواية فيه، قال: واختلفت فيه الروايات فى البخارى. المشارق 1/ 254. (¬8) ذكره القاضى فى المشارق 1/ 254، والقرطبى فى المفهم 3/ 215، وابن حجر فى الفتح 10/ 180.

بعْضًا، حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، وَيُرْمَوْنَ بِهِ، فَمَا جَاؤُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ ". (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِىُّ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قاَلا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِى سَلَمَةُ ابْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - يَعْنِى ابْنَ عُبَيْدِ اللهِ - كُلُّهُمْ عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، وأنه بمعنى الزجاجة، ويكون قرها [بمعنى] (¬1)، قال القابسى (¬2) معناه: يكون لما يلقيه لوليه حس كحس القارورة عند تحريكها مع [التدار وعلى] (¬3) صفا، وكذا يفهم من الإسناد الآخر، وكذا فى الحديث الآخر (¬4) الذى فيه: " كقرقرة الدجاجة "، أى كما يسمع من صوت الدجاجة إذا حكت على شىء. وقد قيل: قر الزجاجة صوت صب الماء فيها أو الشىء يلقى، يقار: قر عليه دلواً من ماء: إذا صبها عليها. قال صاحب الأفعال: قررت وأقررت الماء فى السقاء: صببته، أو يكون صوت تردد الماء فى القارورة حين صبها. وكذا جاء فى الحديث: " كما تقر القارورة " إذا فرغ ما فيها. وقال ابن الأعرابى (¬5): القَر: ترديد الكلام فى أذن الأبكم حتى يفهمه، وقال: قر ذلك فى أذنه: إذا ساره به. وقال صاحب الأفعال: قررت الخبر فى أذنه أقره قراً: أودعته. وقال أبو زيد: أقره بالكسر، قال بعضهم: فالمعنى على هذا: أنه يقر الكلمة فى أذن الكاهن من غير صوت وعلى القرقرة، والتفاسير الأخر: أنه يضعها بصوت، قالوا: وقوله: " كما يقر القارورة وقر الزجاجة على من رواه، وإنما هو على الاتساع، أى كما يقر الشىء فى القارورة أو يصب الماء فيها، كما قال تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (¬6) أى مكر (¬7) بالليل والنهار. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬2) هو أبو الحسن على محمد بن خلف المعافرى القروى القابسى المالكى، ولد سنة 324 هـ، راوى الجامع الصحيح للبخارى، كان عارفاً بالعلل والرجال والفقه والأصول والكلام، وكان ضريراً، له من التصانيف: المهذب فى الفقه، وأحكام الديانات وملخص الموطأ وغيرها، توفى سنة 403 هـ. وفيات الأعيان 3/ 340، السير 17/ 158، تذكرة الحفاظ 3/ 1079. (¬3) فى ح: اليد أو على. (¬4) البخارى، ك التوحيد، ب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم 8/ 218. (¬5) نقله عنه الهروى فى الغريبين 3/ 46، والخطابى فى الغريب 1/ 612، واللسان، وأعلام الحديث 3/ 1516. (¬6) سبأ: 33. (¬7) فى ح: مكرهم.

الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ يُونُسَ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَنِى رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَنْصَارِ. وَفِى حَدِيثِ الأَوْزَاعِىِّ: " وَلَكِنْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ ". وَفِى حَدِيثِ يُونُسَ: " وَلَكِنَّهُمْ يَرْقَوْنَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ ". وَزَادَ فِى حَدِيثِ يُونُسَ: " وَقَالَ اللهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} (¬1). وَفِى حَدِيثِ مَعْقِلٍ كَمَا قَالَ الأَوْزَاعِىُّ: " وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ ". 125 - (2230) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ " " منْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: إن معناه: أن الجنى يقرها فى أذن وليه الكاهن يسامع بها الشياطين، كما تؤذن الدجاجة بصوتها صواحبها، فيتجاوبن، وذلك من شأنهن قوله وأما ما ذكر عن الفربرى أنه رواه: " قر! بكسر القاف، فلم يضبطه عن الفربرى من جميع الطرق ولا عن غيره، ولا يصح الكسر فيه ولو صحت به الرواية، لكنه وضع فى كتب بعض الشيوخ كما قال. وقوله: " فيقذفها فى أذن وليه ": أى بلغتها (¬2)، قال الله تعالى: {إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ (¬3) عَلاَّمُ الْغُيُوب} (¬4). قال نفطويه (¬5): أن يلقى الحق فى قلب من يشاء، ويحتمل أن يكون معناه: أن يقول فى أذن وليه ما لا يعلم، ولا حقيقة عنده منه إلا ما استرق من كلمة من قصة لا يدرى شرحها وتمامها، قال الله تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيد} (¬6)، أى يتخرصون ويقولون ما لا يعلمون. وفى الحديث الآخر من رواية صالح عن الزهرى: " يقرفون (¬7) فيه ويزيدون (¬8) فيه " بالذال، هذه رواية الجلودى وغيره، وهى بمعنى ما تقدم من التخوص، وقول ما لا يعلمون. وفى رواية ابن ماهان من طريق الهوزنى: " ويقرفون " بالراء، وكذا جاء بغير خلاف ¬

_ (¬1) سبأ: 53. (¬2) فى ح: يلقتها. (¬3) فى ز: بالغيب. (¬4) سبأ: 48. (¬5) هو أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتلى الأسدى المشهور بنفطويه لذمامته وأومته، تشبيهاً له بالنفط، توفى سنة 323 هـ، وفيات الأعيان 1/ 47، السير 15/ 75. (¬6) سبأ: 53. (¬7) فى ز: يقذفون. (¬8) فى ز: تريدون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى رواية الأوزاعى ومعقل، ومعناه عندى: أن يكون من الخلط. قال صاحب العين: القرف: الخلط، أى يخلطون فيها من الكذب، كما قال ويزيدون. وفى حديث يونس: " يرقون فيها ويزيدون " كذا قيدناه على شيوخنا بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف (¬1) وفى بعض النسخ: " يرقون " بفتح الياء وسكون الراء، قال بعضهم: وهو الصواب، ومعناه بمعنى: يزيدون (¬2)، يقال: رقى فلان على الباطل: إذا تقوله، بكسر القاف. وهو من أكبر (¬3) وهو الصعود، أى أنهم يدعون فوق ما سمعوا. قال القاضى: ولا فرق بين اللفظين، أحدهما مضعف والآخر على أصله. وقوله: " لكن ربنا إذا قضى أمراً سبح حملة العرش وسبح أهل السماء الذين يلونهم، خى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، قال الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم " ثم ذكر استخبار بعضهم بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء، فيخطف الجن السمع: فيه جواز التسبيح عند استعظام الأمور، وذلك أن عظمتها من عظمته تعالى وتحت قدرته فتسبح لك. وقيل: إن حملة العرش من أقرب الملائكة وأعلاهم منزلة وأكثرهم علماً، وأنهم أول ما يطلع على ما ينكشف من الأمور ويظهر الله من قضائه وعلم غيبه، وأن ملائكة كل سماء إنما تستمد العلم من ملائكة السماء التى فوقها. قال الإمام: وأما التنجيم، فمن اعتقد اعتقاد كثير من الفلاسفة فى كون الأفلاك فاعلة لما تحتها، وكل فلك يفعل ما تحته حتى ينتهى الأمر إلينا وسائر الحيوان والمعادن والنبات، ولا صنيع للبارى - سبحانه وتعالى - فى ذلك، فإن ذلك مروق من الإسلام (¬4). وأما من قال: لا فاعل إلا الله جلت قدرته، وهو عز وجل فاعل الكل، ولكن فعل البارى سبحانه فى هذه الجواهر قوى طبيعية يفعل بها، كما خلق فى النار قوة وطبيعة يحرق بها، ويحتجون على ذلك بمشاهدتهم الشمس تسخن ويصلح أكثر النباتات، فيقولون: على هذا غيره مستنكر أن يكون امتزاج قوة المشترى وزحل فى قرانها الأصفر، يكون من التأثير عنه كذا وكذا، ويكون التأثير عن قرانها الأوسط أعظم لزيادة القوة الطبيعية، وقرانهما الأعظم يكون فيه التأثير عظيماً مهولاً؛ لعظم قوتها، وزيادة الطبيعة المؤثرة بانتقالها على صفة أحما (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المشارق 1/ 299. (¬2) انظر. غريب الحديث للخطابى 1/ 612. (¬3) فى ح: الترقى. (¬4) انظر فى هذا المعتقد الباطل ودحضه: الفصل لابن حزم 5/ 147، النبوات لابن تيمية ص 51، تهافت الفلاسفة ص 86. (¬5) فى ح: أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويعتذر الحذاق منهم المنتسبون إلى الإسلام العاطلون (¬1) بهذه الشبهة (¬2)، التى هى القياس على ما شوهد من الشمس عن خطاياهم فى كثير من القضايا، بأن يقولوا: فإن القوة الحادثة عن امتزاج الكوكبين واتصالهما على بعض صفات الاتصال التى يذكر، ومنها لا يوقف على حقيقتها، وإنما تؤخذ بالحدس والتخمين فيقع الغلط لأجل ذلك، كما يعرف الطبيب قوة كل عقار على انفراده، ولكنه إذا مزج الكثير منها لا يقف على حقيقة المزاج المركب؛ فلهذا لا يقع الشفاء بكل دواء يشفيه (¬3). ويقولون - أيضاً -: وربما صادمت بعض القوى الأرضية القوى السماوية فمنعها التأثير، فيغلط المنجم حينئذ، وهذا كما أن السم قتال يقضى بذلك الطبيب، فإذا تقدم شاربه بشرب بازهر ذلك السم وترياقه بطل تأثيره. وهذا مسلك الحذاق منهم، والرد عليهم أن يبطل القول بالطبيعة أصلاً، وهذا مستقصىً فى كتب الأصول (¬4)، ومن أقر به أن الفاعل من شرطه أن يكون عالماً قادراً حياً، والطبيعة ليست كذلك عندهم، فلو صح قوة (¬5) الفعل إلى قوة ما وليست بحية ولا عالمة، صح إضافة الفعل إلى الموت أمناً (¬6)، ويقع هؤلاء فى نفى البارى سبحانه ولا حاجة - على أصلهم - إليه ولا دليل يقوم على إثبات فاعل عالم مختار، وما (¬7) المانع على أصلهم أن يكون الذى يسمونه واجب الوجود يفعل بقوة فيه من غير أن يكون عالماً ولا حياً، كما صح أن يفعل بالطبائع عندهم وليست بحية ولا عالمة. ومن صرح بهذا وضح كفره. وأيضاً، فإن هذه القوة لا يقدرون على بيانها، ولا يزال يضطرهم إلى تفسيرها حتى يلحقوها بالجواهر أو بالأعراض، وكلاهما لا يصح منه خلق الأجسام، ولا الفعل فى غيره. وأيضاً، فإن المفعول (¬8) عندهم على القياس على المشاهدة، على حسب ما قالوه فى الشمس من شرط أفعال المحدثات بعضها فى بعض، أن يكون باتصال أو محاسة أو بوسائط وزحل فى الفلك الشائع (¬9) عندهم والإنسان فى الأرض التى هى غير محسوسة عندهم بإضافتها إلى فلك زحل، لا اتصال بينه وبين رجل (¬10)، ولا وسائط يتصل بعضها ببعض، حتى ينتهى الأمر إلى الإنسان، وقصارى ما يشتهون (¬11) به الهواء، ¬

_ (¬1) فى ح: الغالطون. (¬2) فى ح: التسمية. (¬3) فى ح: يسقيه. (¬4) انظر: تهافت الفلاسفة ص 86، النبوات ص 51. (¬5) فى ح: إضافة. (¬6) فى الرسالة: منا. (¬7) فى ح: أما. (¬8) فى ح: المعقول. (¬9) فى ح: السابع. (¬10) فى ح: زحل. (¬11) فى ح: يشيهون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه متصل بالإنسان بكل مكان، وهو متصل بما فوقه، هكذا إلى زحل. وهذا باطل من طريقين: إحداهما: أن القوة التى يقبلها الهواء التبريد والتسخين والرطوبة واليبس. فهب أنا سلمنا لهم وقوع بعض الأمراض لتغيير الهواء بفعل زحل فيه، فلما اختص المرض بهذا الإنسان والهواء شامل؟ وما الحيلة فيما يجرى على الإنسان من غير الأمراض لضرب عنقه، أو زوال رياسته، أو ذهاب ماله؟ وهذا بعيد أن يظن أنه من قتل بغير (¬1) الهواء وأيضاً فان الكرة التى عندهم تعلو الهواء - وهى النار -: يجب إذا وصلت قوة زحل إليها أن ينقلب إلى طبيعة النار أو يتغير عن حقيقتها بمضار من قوة ثابتة مضادة لها فلا تصل القوة إلى الهواء على حالها فتفعل فيه. وأيضاً، فإنه ما حصل لهم. أكثر من اقتران خمسين (¬2)، زعموا أنهما يؤثران فيما يحبهما (¬3)، فلو أدعى مدع أن ما تحتهما أثر فيهما، وأما الذى يكون جوابه فكون الشىء فوق أو تحت لا حظ له عندهم فى القوة الفاعلية. ولو زعم زاعم أن بعض اتصالات الزهرة وعطارد أو الشمس أثر ما أضافوه إلى زحل أو كسب زحل قوة على التأثير، ماذا يكون جوابه؟ وليس له جواب إلا أن يقول: فإنا نشاهد هذا التأثير عند قران هذين النقلين (¬4)، سواء كان ما تحتهما على ما قلتموه، أو لم يكن. قلنا: وأنتم - أيضاً - مشاهدون هذا القران، ولا يؤثر ما يجب تأثيره عندكم. فإذا سئلتم عن هذا قلتم: كان فى البروج من الكواكب الثابتة ما أبطل فعله، فإذا أريناكم فى قران آخر تلك الصفة بعينها ولم يؤثر قلتم كان قبله من قوة الاجتماع والاستقبال ما أبطل فعله، فإذا أريناكم هذه النصبة، وأيضاً ولم يؤثر قلتم: كان طالع التحويل يمنع هذا التأثير. فإذا أيضاً عدنا للمناقضة [قلت] (¬5): فإن برج الابتهاء منه معه كذا وكذا، ولا أقل من أنه يدعى أمراً ويذكر اتصالاً ويحيل عليه، ولا قدرة لكم على منعه منه إلا بعوائد تطرد فى تلك النصب، وهو ألا يتفق تكرره مع عدم المقادير (¬6)، وكيف يتصور تأثير الطبيعة بأن انتهاء عمر المولود كذا وكذا، وهذا لا مدخل له فى الطبيعة حتى يقدر فعلاً أو مانعاً. وهذه الطريقة - أيضاً - تضعف طريقة الإسلاميين منهم الذين يقولون: لا خالق إلا الله عز وجل، وإنما هى دلالات على الغيوب بعادة أجراها البارى - جلت قدرته - كما أجرى الغيوم والسحب الثقيلة دلالة على الأمطار، وإن كانت ربما خانت؛ لأن ما يذكرونه ¬

_ (¬1) فى ح: قيل تغير. (¬2) فى ح: جسمين. (¬3) فى ح: تحتهما. (¬4) فى ح: الثقلين. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) فى ح: المعاذير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الطرق التى يتحصل المعرفة منها يتصل (¬1) جداً ولا ينضبط. والحذاق منهم يعترفون [بهذا] (¬2). وقد حاول القاضى ابن الطيب (¬3) الاعتضاد فى الرد عليهم بالسمعيات وما وقع من العمومات؛ فى ألا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، وما وقع من الآثار عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى النجوم بالتخصيص (¬4). وهذا القدر كاف، وإنما يشير إلى اللباب فى كل طريقة. ¬

_ (¬1) فى ح: تتسع. (¬2) ساقطة من الأصل، وأثبتناها من ح. (¬3) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد، المعروف بالباقلانى البصرى، المتكلم المشهور، كان مالكياً فاضلاً، لقب بشيخ السنة. ت 403 هـ. انظر: ترتيب المدارك 4/ 585، وفيات الأعيان 4/ 609. (¬4) من هذا ما رواه زيد بن خالد الجهنى فى صحيح مسلم 1/ 83 حديث رقم (125).

(36) باب اجتناب المجذوم ونحوه

(36) باب اجتناب المجذوم ونحوه 126 - (2231) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بِنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كَانَ فِى وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِليْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: كان فى وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا قد بايعناك فارجع "، قال القاضى: هذا موافق للحديث الآخر فى صحيح البخارى: " وفر من المجذوم فرارك من الأسد " (¬1)، وقد مضى الكلام على هذا المعنى، وأنه غير معارض لقوله. " لا عدوى "، وهو موافق لقوله: " لا يوردن ممرض على مصح " (¬2). وقد اعترض النظام من المبتدعة بمعارضة هذه الأحاديث. وما تقدم من الكلام فى باب العدوى كافٍ فى الرد عليه. وقد اختلفت الآثار عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قصة المجذوم وحكمه، فروى عنه ما تقدم، وقد ذكر الطبرى عن جابر: أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واكل مجذوماً وأقعده معه، وقال: " كل ثقة بالله وتوكلاً عليه " (¬3)، وعن عائشة وقد سألتها امرأة عن الحديث المتقدم فى الفرار منه فقالت: كلا والله، ولكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا عدوى فمن أعدى الأول؟ "، وقد كان لنا مولى أصابه ذلك، فكان يأكل فى صحافى ويشرب فى أقداحى، وينام على فراشى (¬4). وهذا يدل من فحوى كلام عائشة أنها لم تنكر الحديث الأول، ولكنها ذهبت إلى نسخه بقوله: " لا عدوى " وبفعله - عليه السلام - وقد روى - أيضاً - ذلك عن أئمة السلف عمر وغيره (¬5). وقد ذهب بعضهم - أيضاً - إلى الجمع بين الحكمين بغير طريق النسخ وترك أحد الخبرين بأن أمره - عليه السلام - بتجنب ذلك على سبيل الاحتياط ومخافة ما يقع فى ¬

_ (¬1) البخارى، ك الطب، ب الجذام (5707). (¬2) مسلم، ك السلام، ب لا عدوى ولا طيرة حديث رقم (104). (¬3) رواه الطبرى فى تهذيب الآثار ص 31 مسند على، والترمذى 4/ 234 (1817). (¬4) الطبرى فى تهذيب الآثار ص 30 مسند على، ابن حجر فى الفتح، وقد سكت عنه 10/ 130 ك الطب، ب الجذام. (¬5) تهذيب الآثار ص 28 - 31 مسند على، ابن حجر فى الفتح 10/ 129، المنتقى 7/ 264.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النفس من أمر العدوى، ثم فعله بخلاف ذلك ليرى أن أمره ليس على الوجوب والتحريم. وإلى هذا نحا الطبرى (¬1). وذهب الباجى إلى أنه بمعنى الإباحة، أى إذا لم يصبر على أذاهُ وكرهت مجاورته، فمباح لك أن تفر منه (¬2). قال بعض العلماء (¬3): وفى هذا الحديث - وما فى معناه -: الدليل على أنه يفرق بين المجذوم وامرأته، إذا حدث به الجذام وهى عنده لموضع الضرر، إن لم ترض المقام معه. واختلف أصحابنا فى منعه إماءه (¬4) إذا كان فى ذلك ضرر أو إباحة ذلك له. قالوا: وكذلك يمنع من المسجد واختلاط الناس (¬5). وكذلك اختلفوا هل يؤمرون إذا كثروا بأن يتخذوا لأنفسهم موضعاً خارجاً عن الناس، ولا يمنعوا من التصرف فى منافعهم ومسكنهم، وهو الذى عليه أكثر الناس؟ أو لا يلزمهم التنحى (¬6)؟ ولم يختلفوا فى القليل منهم، ولا يمنعون من الجمعة ويمنعون من غيرها. وإذا استضر أهل القرية بمن جذم من شركائهم فيها وفى مائها، فقد قال بعض أصحابنا: إن قووا على استنباط ماءٍ آخر من غير حرج ولا ضرر أمروا به، وإلا كلف الآخر أن يستنبطوه أو يقيموا لهم من يستقى لهم، وإلا فهم أحق بنصيبهم من الماء (¬7). ¬

_ (¬1) تهذيب الآثار ص 33. (¬2) المنتقى 7/ 265. (¬3) منهم: الخطابى فى أعلام الحديث 3/ 2119، الباجى فى المنتقى 7/ 265. (¬4) فى ز: إياه وهو تصحيف. (¬5) انظر: شرح البخارى 4/ 187، المنتقى 7/ 266. (¬6) انظر: تفصيل أقوال العلماء فى شرح البخارى لابن بطال 4/ ق 187، المنتقى 7/ 257. (¬7) هذا القول قاله يحيى بن يحيى، نقله عنه الباجى 7/ 265.

(37) باب قتل الحيات وغيرها

(37) باب قتل الحيات وغيرها 127 - (2232) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ ذِى الطُّفْيَتينِ، فَإِنَّهُ يَلْتَمِسُ الْبَصَرَ وَيُصِيبُ الحَبَلَ ". (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ. بِهَذا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: الأَبْتَرُ وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ. 128 - (2233) وحدّثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ وَيَلْتَمِسَانِ البَصَرَ ". قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْتُلُ كلَّ حَيَّةٍ وَجَدَهَا، فَأَبْصَرَهُ أَبُو لُبَابَةَ بْنْ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَوْ زَيْدُ ابْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يُطَارِدُ حَيَّةً. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ البُيُوتِ. 129 - (...) وحدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأَمُرُ بِقَتْلِ الْكِلابِ. يَقُولُ: " اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَالْكِلابَ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ، فَإِنَهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَالَى ". قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَنُرَى ذَلِكَ مِنْ سُمَّيْهِمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَلَبِثْتُ لا أَتْرُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلا قَتَلْتُهَا. فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً يَوْمًا، مِنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ، مَرَّ بِى زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ أَوْ أَبُو لُبَابَةَ، وَأَنَا أُطَارِدُهَا. فَقَالَ: مَهْلا، ياَ عَبْدَ اللهِ. فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِنَّ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يستسقطان الحبالى ": قال الزهرى: ويرى ذلك من سمهما ويلتمسان البصر. وفى رواية: " يخطفان البصر "، وفى رواية: " يلتمعان البصر "، وفى بعض طرقه: " اقتلوا الحيات والكلاب واقتلوا ذا

نَهَى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ. 135 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُميْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمرٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ صَالِحًا قَالَ: حَتَّى رآنِى أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ المُنْذِرِ وَزَيْدُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقَالا: إِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ البُيُوتِ. وَفِى حَدِيثِ يُونُسَ: " اقْتُلُوا الحَيَّاتِ " وَلَمْ يَقُلْ: " ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبتَرَ ". 131 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ كَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ لِيَفْتَحَ لَهُ بَابًا فِى دَارِهِ، يَسْتَقْرِبُ بِهِ إِلَى المَسْجِدِ، فَوَجَدَ الغِلْمَةُ جِلْدَ جَانٍّ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: الْتَمِسُوهُ فَاقْتُلُوهُ. فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: لَا تَقْتُلُوهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الجِنَّانِ الَّتِى فِى البُيُوتِ. 132 - (...) وحدَّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَريرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْتُلُ الحَيَّاتِ كُلَّهُنَّ، حَتَّى حَدَّثَنَا أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ البَدْرِىُّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ جَنَّانِ البُيُوتِ، فَأَمْسَكَ. 133 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّان - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى ناَفِعٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَباَ لُبَابَةَ يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الجِنَّانِ. 134 - (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِى، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِى لُبَابَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطفيتين والأبتر "، وفى بعضه: " اقتلوا الحيات " لم يزد، وفى بعض طرقه نهى عن قتل الجنان التى تكون فى البيوت " إلا الأبتر وذا الطفيتين "، وفى بعضها: " نهى عن قتل الجنان لم يزد "، وفى بعضها " عن عوامر البيوت "، وذكر حديث الفتى الذى قتل الحيه فمات، وقال: " إن بالمدينة جناً أسلموا، فإذا رأيتم منها شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإذا بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان " وفى بعض طرقه: " إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئاً منها فحرجوا عليها ثلاثاً، فإن ذهب وإلا فاقتلوه، فإنه كافر " وذكر أمر

اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ فِى الْبُيُوتِ. 135 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ - قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى ناَفِعٌ؛ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ المُنْذرِ الأَنْصَارِى - وَكَانَ مَسْكَنُهُ بِقُبَاءٍ فَانْتَقَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ - فَبَيْنَمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسًا مَعَهُ يَفْتَحُ خَوْخَةً لَهُ، إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ مِنْ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ، فَأَرَادُوا قَتْلَهَا. فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: إِنَّهُ قَدْ نُهِىَ عَنْهُنَّ - يُرِيدُ عَوَامِرَ الْبُيُوتِ - وَأُمِرَ بِقَتْلِ الأَبْتَرِ وَذِى الطُّفْيَتَيْنِ. وَقِيلَ: هُمَا اللَّذَانِ يَلْتَمِعَانِ الْبَصَرَ وَيَطَّرَحَانِ أوْلادَ النِّسَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى بقتل الحية التى خرجت عليهم فى غار فسبقتهم، فقال: " وقاها الله شركم كما وقاكم شرها "، قال الإمام: [أما حيات المدينة] (¬1) فإنها لا تقتل بغير إنذار لهذا الحديث المذكور فيها، وأما ما سواها من البلاد فإن مالكاً نهى عن قتل حيات البيوت بغير إنذار، ولكن يرى ذلك فى حيات المدينة. وأكد ابن نافع (¬2) قصر الحديث على ما ورد فيه من حيات المدينة ورأى سائر البلاد بخلافها لما ورد من إباحة القتل عاماً (¬3)، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتلوا الحيات " وذكرها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الخمس التى يقتلها المحرم (¬4) والحلال فى الحل والحرم، ولم يذكر إنذاراً، وأخذ هذه الأحاديث على عمومها، وخص المدينة بالحديث الوارد من هذا العموم. وأما صفة الإنذار: فحكى ابن حبيب عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أنشدكن بالعهد الذى أخذ عليكن سليمان ألا تؤذيننا، وأن تظهرن لنا " (¬5). وأما مالك فإنه قال: يكفى فى الإنذار أن يقول: أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) هو أبو بكر عبد الله بن نافع الزبيرى الفقيه، صاحب الإمام مالك، من فقهاء المدينة ت 216. انظر: الجرح والتعديل 5/ 184، ترتيب المدارك 1/ 365، السير 10/ 374. (¬3) نقل كلام ابن نافع ابن عبد البر فى التمهيد 16/ 263، العارضة 6/ 282، المنتقى 7/ 300. (¬4) سبق فى مسلم، ك الحج، ب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب فى الحل والحرم (1200/ 75)، أبو داود، ك المناسك، ب ما يقتل المحرم من الدواب (1848). (¬5) هذا الاثر مذكور فى كتاب القرطبى: المفهم 3/ 191، ووردت آثار أخرى تدل على هذا المعنى. قال أبو ليلى: قال رسول الله - عليه السلام: " إذا ظهرت الحية فى المسكن فقولوا لها: إنا نسألك بعهد نوح وبعهد سليمان بن داود ألا تؤذينا، فإن عادت فاقتلوها " الترمذى، ك الأحكام والفوائد، باب ما جاء فى قتل الحيات، أبو داود، ك الأدب، ب قتل الحيات، تفسير القرطبى 1/ 318، البقرة: 36.

136 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ عِنْدَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ عُمَرَ بْنِ ناَفِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَوْمًا عِنْدَ هَدَمٍ لَهُ، فَرَأَى وَبَيصَ جَانٍّ. فَقَالَ: اتَّبِعُوا هَذَا الْجَانَّ فَاقْتُلُوهُ. قَالَ أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِىُّ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِى تَكُونُ فِى الْبُيُوتِ، إِلا ـــــــــــــــــــــــــــــ تبدو لنا ولا تؤذينا. وأظن مالكاً إنما ذكر هذا لما وقع فى كتاب مسلم: " فحرجوا عليها ثلاثاً " فلهذا ذكر: أحرج عليك. وأما قوله: " ذا الطفيتين ": فقال أبو عبيد (¬1): الطفية: خوص المقل، وجمعها طفا. وأراه شبه الخطين اللذين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل. وقال بعض أصحابنا (¬2): هما خطان أبيضان على ظهر الحية. والجنان: الحيات، وهى جمع جان. والجان: الحية الصغيرة، وقيل: الرضعة (¬3) البيضاء. وأما الأبتر فهو الأفعى. وحكى ابن مزين (¬4) عن عيسى: أنه حمل على المذهب: أن الأبتر وذا الطفيتين يقتلان ولا ينذران وقد تقدم استثناؤهما فى كتاب مسلم (¬5). قال القاضى: قال الخليل (¬6) فى ذى الطفيتين: هى حية لينة خبيثة. وأنشد: كما تذل الطفا من رقية الراقى وقوله: " يلتمسان البصر " (¬7): معناه ما جاء فى الأم فى الرواية الأخرى: " يخطفان " وفى غيره: " يطمسان " (¬8)، أى يذهبان به ويبطلانه. ومنه قوله (¬9): التمست أحشاءه بالرمح. وقوله: " يلتمعان البصر " (¬10) بمعنى ما تقدم. وفى حديث ابن مسعود: " لعل بصره سيلتمع " (¬11) قال الهروى: أى يختلس (¬12)، ومنه: التمع لونه: إذا ذهب. قال الخطابى: يعنى باللدغ واللسع (¬13). وقد تقدم قول الزهرى فى الأم، وظاهره أشبه أنه خصوص بنفس النظر كأذى العائن بنظره - والله أعلم. ¬

_ (¬1) غريب الحديث 1/ 42. (¬2) منهم: ابن عبد البر فى التمهيد 16/ 23. (¬3) فى الرسالة: الرقيقة. (¬4) هو يحيى بن زكريا بن إبراهيم بن مزين، له تآليف، منها تفسير الموطأ، وقيل عنه: أفقه من رؤى فى علم مالك وأصحابه، ت 259هـ. انظر: ترتيب المدارك 2/ 133. (¬5) انظر: تفصيل تفسير هذه الألفاظ فى العين 6/ 21، النهاية 1/ 308، المنتقى 7/ 301. (¬6) انظر: العين 7/ 457. (¬7) حديث رقم (128)، (129) بالباب. (¬8) البخارى 4/ 97 (¬9) فى الرسالة: قولهم. (¬10) حديث رقم (135) بالباب. (¬11) رواه الطبرانى فى الكبير 9/ 295، ومجمع الزوائد 2/ 86. (¬12) انظر: غريب الحديث 4/ 58. (¬13) معالم السنن 5/ 411.

الأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ، وَيَتَتبَّعَانِ مَا فِى بُطونِ النِّسَاءِ. (...) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أُسَامَةُ؛ أَنَّ ناَفِعًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ مَرَّ بِابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ عِنْدَ الأُطُمِ، الَّذِى عِنْدَ دَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يَرْصُدُ حَيَّة. بِنَحْوِ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. 137 - (2234) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَارٍ، وَقَدْ أُنزِلَتْ عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} فَنَحْنُ نأخُذُهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً، إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ. فَقَالَ: " اقْتُلُوهَا "، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَقَاهَا اللهُ شَرَّكُمْ كَمَا وَقاكُمْ شَرَّهَا ". (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث إسحاق: " ويتتبعان ما فى بطون النساء ": كذا لأكثر الرواة، وعند بعضهم: " يبتغيان "، ورجحه بعضهم (¬1)، وهما بمعنى، كما تقدم: " يسقطان "، وذلك بالروع منه، أو بخاصته كما تقدم وهو أظهر، إذ يشركه غيره فى الروع. ولعل صحيح هذه اللفظة: " يلقيان " بدليل الروايات الأخر: " يسقطان! و " يطرحان " والله أعلم. وقيل: الجنان: ما لا يتعرض للناس، والخيل ما يتعرض لهم ويؤذيهم (¬2)، وأنشد: يتناوح جنان بهن وخيل وعن ابن عباس: الجنان: مسخ الجن، كما مسخت القردة فى بنى إسرائيل (¬3)، ومثله عن ابن عمر (¬4). وقال يعقوب: الجنان: الحيات (¬5) قال ابن وهب: عوامر البيوت تتمثل فى صورهَ حية رقيقة بالمدينة وغيرها، وتلك التى نهى عن قتلها حتى تنذر ويقتل ما وجد فى ¬

_ (¬1) المشارق 1/ 119. (¬2) انظر: ابن عبد البر فى التمهيد 16/ 18 (269). (¬3) أثر ابن عباس فى المصنف 10/ 434. (¬4) التمهيد 16/ 21. (¬5) انظر: إصلاح المنطق لابن السكيت.

138 - (2235) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنًى. (2234) وحدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَارٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَأَبِى مُعَاوِيَةَ. 139 - (2236) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِر، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرُو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِك بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَيْفِى - وَهُوَ عِنْدَنَا مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ - أَخْبَرَنِى أَبُو السَّائِبِ - مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةِ - أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ فِى بَيْتِهِ. قَالَ: فَوَجَدْتهُ يُصَلِّى، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِىَ صَلاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِى عَرَاجِينَ فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ، فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إلَىَّ: أَنِ اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِى الدَّارِ. فَقَالَ: أَتَرى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ. كَانَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحارى دون إنذار على كل حال (¬1). قال مالك: يقتل ما وجد منها فى المساجد، وذكر الترمذى عن ابن المبارك: إنما يقتل من الحيات الحية التى تكون دقيقة كأنها فضة ولا تلتوى فى مشيتها (¬2). وقال النضر بن شميل فى الأبتر: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب، لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما فى بطنها. وقوله فى حديث أبى سعيد: " فاستأذن الفتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنصاف النهار، فَرجع إلى أهله ": هذا امتثال لقوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَه} (¬3). و " أنصاف النهار " كذا رويناه بفتح الهمزة، يريد: تنصف النهار، يقال: نصْف ونُصْف ونَصِيف، وكأنه وقت لآخر النصف الأول، وأول الثانى فجمعه، كما قَالَ: ظهور الترسين (¬4). وقيل: يحتمل أن يكون [المراد] (¬5) بأنصاف النهار مصدر أنصف النهار، يقال: ¬

_ (¬1) التمهيد 16/ 19، المشارق 1/ 157. (¬2) الترمذى، ك الأحكام والفوائد، ب ما جاء فى قتل الحيات (1483). (¬3) النور: 62. (¬4) انظر: العين 7/ 132، مقاييس اللغة 5/ 432، اللسان. (¬5) ساقطة من الأصل وح، والمثبت من م والأبى.

فَتى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ. قَالَ: فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتأذِنُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ. فَاسْتَأذَنَهُ يَوْمًا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ فَإِنِّى أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ ". فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَة، فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ. فَقَالَتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ، وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِى أَخْرَجَنِى. فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِى الدَّارِ، فَاضْطرَبَتْ عَلَيْهِ، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرعَ مَوْتًا، الْحَيَّةُ أَمِ الفَتَى؟ قَالَ: فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ. وَقُلْنَا: ادْعُ اللهَ يُحْيهِ لَنَا. فَقَالَ: " اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ ". ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ". 140 - (...) وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أنصف النهار: إذا بلغ نصفه. وبعضهم يقول: إنما يقال: نصف وانتصف، ولم يعرف أنصف. وقوله: " فرجع إلى أهله ": أى يطالع حالهم وما يحتاج إليه، لا سيما وقد جاء فى الحديث أنه كان حديث عهد بعرس. ويحتمل أن يكون استئذانه لتفقد حال أهله وتأنيسها لقرب عهدها به. وقوله - عليه السلام -: " إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منها شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام ": إعلام أن من الجن من قد أسلم بالمدينة، وأنه قد يتصور فى صور الحيات؛ ولهذا يذهب من ذهب إلى أن ذلك مخصوص بالمدينة؛ لتخصيصه إياها بالذكر. وحجة الآخر: أن تخصيصه بالمدينة حينئذ؛ إما لأنه كلم مسلمى المدينة من بنى آدم، وأعلمهم بحكمهم مع من أسلم منهم من جنها، وأنه إذا أسلم سائر بنى آدم فى بلادهم فحكمهم ذلك الحكم مع جنهم، أو لعله لم يكن أسلم حينئذ من الجن [سوى من بالمدينة] (¬1). ويقتضى أن حكم بيوت المدينة وغير بيوتها سواء، وأن المراد بالحديث الآخر بالبيوت مواضع العمارة والسكنى لا الصحارى. ورتب بعض العلماء هذه الأحاديث: أن الأمر بقتل الحيات مطلقاً مخصوص بنهيه ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح.

أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ أَسْمَاءَ بْنَ عُبَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ السَّائِبُ - وَهُوَ عِنْدَنَا أَبُو السَّائِب - قاَلَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ سَمِعْنَا تَحْتَ سَرِيرِهِ حَرَكَةً، فَنَظَرْنَا فَإِذَا حَيَّةٌ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ صَيْفى. وَقَالَ فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِهَذِه الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأيتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلاثًا فَإِنْ ذَهَبَ، وَإِلا فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ ". وَقَالَ لَهُمُ: " اذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ ". 141 - (...) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، حَدَّثَنِى صَيْفِىٌّ عَنْ أَبِى السَّائِبِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاثًا، فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ، فَإِنَّهْ شَيْطاَنٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عن حيات البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنه يقتل على كل حال، كان فى البيوت أو غيرها، أو ما ظهر منها بعد الإنذار، ويخص الإطلاق بالنهى عن قتل الجنان على ذوات البيوت أيضاً، إلا ما خص منه من الأبتر وذى الطفيتين (¬1). وقوله: " فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان ": أى إن لم يذهب بالإنذار فقد دل أنه ليس من عوامر البيوت، ولا ممن أسلم، وأنه شيطان، [قتله] (¬2) حينئذ مباح، وأنه لا حرمة له بعد الإنذار، وأن الله لا يجعل له سبيلاً للانتصار ممن قتله كما جعل لجنان البيوت ومن أسلم. وقوله: " ثلاثة أيام ": ظاهرهُ ما قال مالك: أحب إلىّ أن ينذروا ثلاثة أيام (¬3). قال عيسى بن دينار: [ينذر] (¬4) ثلاثة أيام، وإن ظهرت فى اليوم مراراً، ولا يقتصر على إنذارها ثلاث مرات فى يوم واحد حتى يكون ذلك فى ثلاثة أيام، وعلى قوله فى الأحاديث الأخر: " فليؤذنه ثلاثاً " و " حرجوا عليه ثلاثاً " يحتمل ثلاث مرات، ولكن الحديث الآخر أنها ثلاثة أيام يفسره. وقوله: " وإنا لنتلقاها من فيه رطبة " يعنى بالمرسلات: هذه استعارة لا كان فيه رطوبة قبل طول مكثه كذلك شبه به غيره، أى نتلقاها ليسمعها منه لأول نزولها كالشىء الرطب فى أول أحواله. ¬

_ (¬1) انظر: تفصيل هذه المسألة فى ابن عبد البر فى التمهيد 16/ 23، مشكل الآثار 4/ 94. (¬2) ساقطة من ز. (¬3) نقله ابن عبد البر فى التمهيد 16/ 263. (¬4) ساقطة من ز.

(38) باب استحباب قتل الوزغ

(38) باب استحباب قتل الوزغ 142 - (2237) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنةَ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ: أَمَرَ. 143 - (...) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنِ المُسَيّبِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا اسْتَأمَرَتِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى قَتْلِ الوِزْغَانِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا. وَأُمُّ شَرِيكٍ إِحْدَى نِسَاءِ بنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ. اتَّفَقَ لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ أَبِى خَلَفٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ وَهْبٍ قَرِيبٌ مِنْهُ. 144 - (2238) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مُعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ، وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أمر بقتل الوزغ، وسماه فويسقاً " وقوله - عليه السلام - " من قتل وزغة فى أول ضربة فله كذا وكذا حسنة "، فى الرواية الأخرى " فله سبعون حسنة "، وفى الأخرى " مائة حسنة "، " ومن قتلها فى الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى، فإن قتلها فى الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية ": تسميته لها بالفسوق كما جاء " خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم " (¬1). وأصل الفسق الخروج (¬2). وهؤلاء فواسق لخروجهم عن طباع أجناسهم إلى الأذى. ¬

_ (¬1) سبق فى كتاب الحج حديث (68). (¬2) انظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 503، الغريبين 3/ 18.

145 - (2239) وحدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْوَزَغ: " الفُويْسِقُ ". زَادَ حَرْمَلَةُ: قَالَتْ: وَلَمْ أَسْمَعَهُ أَمَرَ بقَتْلِهِ. 146 - (2240) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِى أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِى الضَرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، لِدُونِ الأُولَى، وَإِنْ قَتَلَهَا فِى الضَرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، لِدُونِ الثَّانِيَةِ ". 147 - (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ زَكْرِياءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والوزغة عندها من أنواع الضر والأذى ما خرجت به عن أجناسها من الحشرات المستضعفات. وأما تخصيصها فى تكثير الأجر لمن قتلها فى المرة الأولى، وتضعيفه على من ضربها ولم يقتلها إلا فى الثانية أو فى الثالثة، فمن أسرار الحكمة والتكليف، وأكثر ما جاءت مضاعفة الأجور على تكثير العمل ومعاودته وتكراره، وهذا بعكسه؛ ولعل السر فى ذلك: الحض على المبادرة لقتلها والحد فيه، وترك التوانى، حتى تفوت سليمة والله أعلم. وقوله فى سند هذا الحديث: عن سهيل قال: حدثنى أخى، عن أبى هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنه قال: " فى أول ضربة سبعين حسنة "، قال الإمام: كذا روى هذا الإسناد عن أبى أحمد الجلودى: سهيل حدثنى أخى عن أبى هريرة. ومن رواية الرازى، عنه: حدثنى أختى عن أبى هريرة. وفى كتاب الأطراف لأبى مسعود الدمشقى. حدثنى أخى عن [أبى عن] (¬1) أبى هريرة. وفى كتاب أبى داود: سهيل حدثنى أخى أو أختى عن أبى هريرة (¬2). قال بعضهم: وما وقع فى رواية أبى العلاء هو خطأ. قال عبد الغنى بن سعيد: إسماعيل بن زكريا (¬3) يقول فى هذا الإسناد: حدثنى أخى، ولكن كذا وقع فى ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) أبو داود، ك الأدب، ب فى قتل الأوزاغ (5264). (¬3) هو أبو زياد الكوفى الخلقانى، مولى بنى أسد، ولد 108 هـ، صدوق يخطئ قليلاً، ت 194 هـ. انظر: تقريب التهذيب ص 107، السير 8/ 475.

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ خَالِدٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، إِلا جَرِيرًا وَحْدَهُ، فَإِنَّ فِى حَدِيثِهِ: " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِى أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتبَتْ لَهُ مَائَةَ حَسَنَةٍ، وَفِى الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِى الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ ". (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ زَكَرِيَّاءَ - عَن سُهَيْلٍ، حَدَّثَتْنِى أُخْتِى، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " فِى أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أصل (¬1) أبى العلاء: حدثنى أبى. قال القاضى: أخت سهيل سودة (¬2) وأخواه (¬3) هشام وعباد (¬4). ¬

_ (¬1) فى ز: إسناد، والمثبت من ح. (¬2) ذكرها المنذرى فقال: وأخوة سهيل بن أبى صالح، فذكرهم وذكر سودة، ولم يذكر هشامًا، انظر: مختصر سنن أبى داود 8/ 111. (¬3) انظر: تفصيل إخوة سهيل: تهذيب التهذيب 3/ 219، 9/ 175. (¬4) هو عبد الله بن أبى صالح السمان المدنى، المشهور بعباد، لين الحديث، من السادسة. انظر: تهذيب التهذيب 5/ 263، التقريب ص 308.

(39) باب النهى عن قتل النمل

(39) باب النهى عن قتل النمل 148 - (2241) حدَّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ نَمْلَةٌ قَرَصَتْ نَبيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَفِى أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ؟ ". 149 - (...) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَزَلَ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن نبياً (¬1) قرصته نملة، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة ": ظاهره أن التحريق كان غير ممنوع فى شريعته، كما كان أولاً فى شريعتنا حتى نسخ، ويدل عليه قوله: " فهلا نملة واحدة "، فلم يعاقب على إحراق واحدة. وفيه دليل على جواز قتل النمل وكل مؤذ، لكن الله تعالى عتبه على التشفى لنفسه بقتله هذه الأمة العظيمة المسبحة بسبب واحدة، ودل أنه لم يأت محظورًا ولا ذنباً؛ أنه لم يعنف على ذلك بأكثر مما تقدم. وقيل: كان عتبه بذلك تعنيفاً له لما تقدم منه من سؤاله عما لا يجب؛ لأنه جاء فى خبر: أنه مر بقرية أو بمدينة أهلكها الله تعالى، فقال: يارب، قد كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذينا (¬2)، ثم إنه نزل تحت شجرة. فجرت له هذه القصة التى قدرها الله على يديه؛ تنبيهاً له على اعتراضه على قدر ربه، وفعله ما شاء فى عبيده، فقال له تعالى: " فهلا نملة واحدة، إذ إنما قرصتك واحدة " (¬3). وفيه أن الجنس المؤذى يقتل وإن لم يؤذ، كما يقتل الخمس الفواسق وإن لم تؤذ، ويقتل أولادها وإن لم تبلغ الأذى على أحد القولين. ¬

_ (¬1) قال الحكيم الترمذى: إن هذا النبى هو موسى بن عمران. انظر: نوادر الأصول ص 123. وقال ابن حجر: قيل: إنه العزير. انظر: الفتح 6/ 276. (¬2) فى الرسالة: يقترف ذنباً. (¬3) انظر: الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول ص 123.

150 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هريْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَزَلَ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِى النَّارِ ". قَالَ: " فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: فَهلا نَمْلَةً وَاحِدَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يكون قتل النمل فى شرع هذا النبى مباحاً أو مأمورًا به، لكنه عتب على ذلك بسبب أذى واحدة، وفيه تنبيه على أن بلاد المعاصى والمناكير لا تأمن العقاب العام. قال الإمام: يكره قتل النمل عندنا، إلا أن يؤذوا، ولا يقدر على دفعهم إلا بالقتل فيستحق، ولا يحرقوا بالنار، ولا يحرق القمل (¬1). قال القاضى: ذكر أهل الأخبار: أن عدى بن حاتم رؤى وهو يفت الخبز للنمل، فقيل له فى ذلك، فقال: إنهم جيران ولهم حرمة. وهذا من فضل كرم حاتم وجوده الموروث. وقد خرج أبو داود حديثاً: أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل النمل (¬2). قال الخطابى: قيل ذلك فى نوع مخصوص منها، وهى الكبار ذوات الأرجل الطوال، فذلك أنها قليلة الضرر (¬3). ¬

_ (¬1) نقل ابن أبى زيد عن مالك: أنه قال: أكره قتل القمل والبراغيث فى النار، وهذه مثلة. وأكره قتل الذباب والذر فى الحرم أو فى الإحرام. قيل: فقتل الذر الكثير أو النمل للحلال يؤذيه قال: ما يعجبنى. وسئل عن النمل يؤذى السقف، قال: إن قدرتم أن تمسكوا عنها فافعلوا، فإن أضرت بكم ولم تقدروا على تركها فأرجو أن يكون من قتلها سعة. انظر: الجامع للآداب ص 248، المفهم ق 192. (¬2) أبو داود، ك الأدب، ب فى قتل الذر (5267). (¬3) انظر: معالم السنن 5/ 418.

(40) باب تحريم قتل الهرة

(40) باب تحريم قتل الهرة 151 - (2242) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا، حَتَّى مَاتَتْ؛ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لا هِىَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلا هِىَ تَرَكَتْهَا تَأَكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ". (...) وحدّثنى نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعلَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. (...) وحدّثناه هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِذَلِكَ. 152 - (2243) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثنَا عَبْدةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " عذبت امرأة من جراء هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هى أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض " (¬1): جراء بمعنى: من أجل هرة ومن سبب هرة، فقال: فعلته من أجلك، ومن جريرتك، ومن جراك، ومن جرائك، ومن إجلالك، ومن جلالك ومن جللك، يقول: جراء بمعنى الجريرة، أى دخلت النار بجريرتها وذنبها فيها. وخشاش الأرض: هَوامها، ويفسره قوله فى الحديث الآخر: " من حشرات الأرض ". وقيل: الخشاش: الهوام وصغار الطير، وهو بفتح الخاء، وقد تقدم أول الكتاب بأشيع من هذا. وتعذيب هذه المرأة بسبب قتل هذه الهرة يحصل أن يكون هذا العذاب بالنار، أو يكون بالحساب على ذلك؛ فمن نوقش الحساب عذب (¬2). وقد جاء فى حديث ¬

_ (¬1) سبق فى حديث رقم (135) من كتاب البر والصلة والآداب، ب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان بلفظ: " جراء ". (¬2) سيأتى فى ك الجنة، ب إثبات الحساب، رقم (79).

هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ لَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا، وَلَمْ تَتْرُكْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ". (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيِثِهمَا: " رَبَطَتْهَا ". وَفِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ: " حَشَرَاتِ الأَرْضِ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. قَالَ: قاَلَ الزُّهْرِىُّ: وَحَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيِثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ العصفور: أنه يحاج عند الله قاتله (¬1)، يقول له: يارب، لم قتلنى؟ لا هو ذبحنى فأكلنى، ولاهو تركنى أعيش. أو تكون هذه المرأة كافرة فعذبت لكفرها، وزيدت عذاباً بسيئ أعمالها، وكان منها هذا إذ لم تكن مؤمنة فتغفر صغائرها باجتناب الكبائر (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النسائى، ك الضحايا، ب من قتل عصفوراً بغير حقها (4445)، الدارمى 2/ 84، أحمد 2/ 166، 197، 210، 4/ 289. (¬2) ذكر النووى كلام القاضى هذا ثم أعقب قائلاً: ليس بصواب، بل الصواب المصرح به فى الحديث: أنها عذبت بسبب الهرة وهو كبيرة؛ لأنها ربطتها وأصرت على ذلك حتى ماتت، والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، كما هو مقرر فى كتب الفقه وغيره، وليس فى الحديث ما يقتضى كفر هذه المرأة. انظر: شرح النووى 6/ 207 كتاب الكسوف.

(41) باب فضل ساقى البهائم المحترمة وإطعامها

(41) باب فضل ساقى البهائم المحترمة وإطعامها 153 - (2244) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ سُمَىٍّ - مَوْلى أَبِى بَكْرٍ - عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ؛ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ مِنِّى، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأ خُفَّهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِىَ، فَسَقَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بينما رجل يمشى بطريق اشتد عليه العطش، فوجد فيها بئراً، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش " وذكر باقى الحديث وسقيه له، وقوله: " فشكر الله له فغفر له "، وقوله: " فى كل كبد رطبة أجر " وذكر الحديث الآخر: " أن امرأة بغياً رأت كلباً قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها فغفر لها"، قال الإمام: البغى: الفاجرة (¬1) وقد تقدم ذكرها. وقوله: " أدلع لسانه ": أى أخرجه، يقال: دلع لسانه وأدلعه فدلع اللسان: أى خرج. قال القاضى: ويقال اندلع، ومعناه: خرج عن شفته واسترخى، وهو معنى قوله: " يلهث " أيضاً. قال الخليل: لهث الكلب عند الإعياء وعند شدة الحر، وهو دلع اللسان من العطش، يقال: لهث، بفتح الهاء وكسرها، وفى المستقبل بالفتح لا غير، والاسم: اللهث، بفتح الهاء. واللهاث، بضم اللام. والموق: الخف، فارسية معربة. ومعنى " نزعت له بموقها ": ألمحما استقت له بيدها فيه. يقال: نزعت بالدلو ونزعت الدلو معاً، والنزوع من البئر، بفتح التون: ما يستقى باليد. وأما على الرواية الأخرى: " فنزعت موقها فاستقت به " فمعناه: خلعته من رجلها، هذا أظهر. ويحتمل، أنه بمعنى الأول، وجاء: " فاستقت له به " تكراراً وبياناً. وشكر الله يحتمل ثوابه على فعله وجزاؤه عليه، ويحتمل ثناؤه عليه لذلك. وقيل: قبل عمله ذلك، وما تقدم أظهر. ¬

_ (¬1) فى ز: العاجزة، والمثبت من ح.

الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ " قاَلُوا: ياَ رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِى هَذِهِ الْبَهَائِمِ لأجْرًا؟ فَقَالَ: " فِى كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ". 154 - (2245) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِى يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا، فَغُفِرَ لَهَا ". 155 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيانِىِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فى كل ذى كبد رطبة أجر ": إشارة إلى الحياة؛ لأن من مات جف جسمه وكبده أو فنى، وهذا عام فى سائر الحيوان، وأن الإحسان إلى جميعها، كن مملوكات أو غير مملوكات، طاعة لله مأجور صاحبها، مكفر لسيئاته. وبحسب ذلك العقاب على الإساءة لها والوزر. وفى هذا وجوب نفقة (¬1) الإنسان على [ما يملكه مـ] (¬2) ما يستحيا من الحيوان، والنهى عن إهلاكه وتضييعه. قال بعضهم: وإذا كان هذا، فهذا معارض للأمر بقتلها؛ لأن قتلها ضد الإحسان إليها، وقد تقدم الكلام على حديث قتلها فى البيوع واختلاف الناس فيه، ومن قال: إنه منسوخ بجواز أكل صيدها واتخاذها للزرع والضرع والصيد، وقال غيره: ليس الأمر بقتلها مما يضاد الإحسان إليها، وإن فى ذلك أجراً ما لم يقتل فإذا قتلت أحسنت قتلتها. ففيه إحسان إليها بخلاف تعذيبها وتجويعها وإساءة قتلتها بالعبث فيها. ¬

_ (¬1) فى ز: تفقه (¬2) سقط من ز، والمثبت من ح.

40 - كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها

40 - كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها (1) باب النهى عن سب الدهر 1 - (2246) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ الله - عَزَّ وَجَلَّ -: يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِىَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ". 2 - (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى عُمَرَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ الله - عَزَّ وَجَلَّ -: يُؤْذِينِى ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْل وَالنَّهارَ ". 3 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ الله - عَزَّ وَجَلَّ -: يُؤْذِينِى ابْنُ آدَمَ. يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَلا يقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنِّى أَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارهُ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا ". 4 - (...) حدّثنا قُتيْبَةُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها قوله: " يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر، بيدى الليل والنهار "، وفى الرواية الأخرى: " يؤذينى ابن آدم، يسب الدهر "، وفى الرواية الأخرى: " فلا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر، فإنى أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره، وإن شئت قبضتهما ": كذا رويناه فى هذه الأحاديث من جميع الطرق فى جميع المصنفات، وعلى رواية الرفع فسره

5 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَسبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عبيد (¬1) والشافعى (¬2) وغيرهما (¬3) من المتقدمين والمتأخرين. وكان محمد بن داود الأصبهانى (¬4) يقول: إنما هو الدهر، بالنصب على الظرف، أى أنا مدة الدهر أقلب ليله ونهاره. وحكى هذه الرواية بالنصب أبو عمر بن عبد البر عن بعض أهل العلم (¬5). وقال ابن النحاس (¬6): يجوز النصب (¬7)، أى فإن الله باق مقيم أبداً لا يزول. وقال بعضهم (¬8): نصبه على الخصوص، والظرف أصح وأصوب. وفى الحديث الآخر: " لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر "، قال الإمام: أما قوله: " فإن الله هو الدهر ": فإن ذلك مجاز، والدهر إن كان عبارة عن تعاقب الليل والنهار واتصالهما سرمداً، فمعلوم أن ذلك كله مخلوق، وأنه أخص أجزاء العالم المخلوقة، ولا يصح أن يكون المخلوق هو الخالق، وإنما المراد أنهم كانوا ينسبون الأفعال، لغير الله - سبحانه وتعالى - جهلاً بكونه - عز وجل - خالق كل شىء ويجعلون له شريكاً فى الأفعال، فأنكر عليهم هذا الاعتقاد، وأراد أن الذى يشيرون إليه بأنه يفعل هذه الأفعال، [هو الله جلت قدرته ليس هو الدهر] (¬9)، وهذا كما لو قال قائل: القاضى فلان قتل فلاناً الزانى، فيقول الآخر: الشرع قتله، لم يقتله القاضى، أو يقول: الشرع هو القاضى، وإنما يعنى أنه يجب إضافة الشىء إلى ما هو الأصل فيه أو التنبيه على غلط ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 1/ 285. (¬2) انظر: مناقب الشافعى 1/ 336. (¬3) كذلك فسره الخطابى بالرفع. انظر: معالم السنن 5/ 423، غريب الحديث 1/ 490، شرح النووى 15/ 2. (¬4) هو أبو بكر محمد بن داود على بن خلف الأصبهانى، المعروف بالظاهرى، كان فقيهاً، أدبياً، شاعراً على مذهب والدته، له كتاب الزهرة، والوصول إلى معرفة الأصول، والإيجاز، كان يجتهد ولا يقلد أحدًا، مات قبل الكهولة. انظر: وفيات الأعيان 4/ 259، السير 13/ 109. (¬5) انظر: التمهيد 18/ 154. (¬6) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المصرى النحوى، صاحب التصانيف، ارتحل إلى بغداد، وكان من أذكياء العالم، من كتبه: إعراب القرآن، ت 338 هـ. انظر: وفيات الأعيان 1/ 99، السير 5/ 401. (¬7) هذا الكلام موجود فى شرح البخارى لابن بطال 4/ ق 167. (¬8) المشارق 2/ 362. (¬9) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القائل [وإرشاده لموضع الصواب؛ إذ ظن به أنه خفى عليه] (¬1). قال القاضى: ذكر من لا تحقيق له أن الدهر اسم من أسماء الله، وهذا جهل من قائله، وذريعة إلى مضاهاة قول الدهرية والمعطلة. والمعنى فيه ما تقدم، ويفسره الحديث الآخر نفسه بقوله: " فإنى أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره "، وهذا هو معنى ما أشار إليه المفسرون من أن فاعل ذلك فى الدهر هو الله - عز وجل، والدهر مدة زمان الدنيا. قال بعضهم: هو أحد مفعولات الله تعالى، وقيل: بل هو فعله، كما قيل: أنا الموت، وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوه} (¬2) وإنما رأوا أسبابه وقد شبه جهلة الدهرية وكفرة المعطلة بهذا الحديث على من لا علم عنده، ولا حجة لهم فيه؛ لأن الدهر عندهم حركات الفلك، وأمد العالم ولا شىء عندهم سواه، ولا صانع عند القائلين بقدم العالم منهم سواه، فإذا كان عندهم هو المراد بالله، فكيف يصرف الدهر؟ ويقلب الشىء نفسه، تعالى الله عن كفرهم وضلالهم. وقوله: " يؤذينى ابن آدم "، قال الإمام: هو مجاز، والبارى - تعالى - لا يتأذى من شىء، فيحتمل أن يريد: أن هذا عندكم إذا قاله بعضهم لبعض؛ لأن الإنسان إذا أحب آخر لم يصح أن يسبه لعلمه أن السب يؤذيه، والمحبة تمنع من الأذى، ومن فعل ما يكرهه المحبوب، وكأنه قال: يفعل ما أنهاه عنه، وما يخالفنى فيه، والمخالفة فيها أذى فيما بينكم، فيجوز فيها فى حق البارى - سبحانه. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمبثت من ح، ع. (¬2) آل عمران: 143.

(2) باب كراهة تسمية العنب كرما

(2) باب كراهة تسمية العنب كرماً 6 - (2247) حدّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَسُبُّ أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ، فَإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ: الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ ". 7 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُولُوا: كَرْمٌ، فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ". 8 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم "، وفى حديث آخر: " فإن الكرم قلب المؤمن "، وفى رواية أخرى: " ولكن قولوا: العنب والحبلة " بفتح الحاء والباء ويسكن الباء أيضاً، وهى أصل الكرمة، مجمل هذا عند أهل العلم على أنه لما حرم الخمر عليهم وكانت طباعهم تحثهم على الكرم ونفوسهم، مجبولة عليه فكره - عليه السلام - أن يسمى هذا المحرم باسم وضع لمعنى يهيج طباعهم إليه عند ذكره، وتهش نفوسهم نحوه عند سماعه، فيكون ذلك كالمحرك على الوقوع فى المحرمات؛ ولهذا احتج - عليه السلام - بقوله: " وإنما الكرم قلب المؤمن " يعنى أن الكرم حبس النفس عن شهواتها، وإمساكها عن المحرمات عليها، فهذه الحالة أحق بأن يسمى كرماً. قال القاضى: يقال: رجل كريم وكرام وكرم، وامرأة كرم ورجال كرم ونساء كرم، كله بمعنى كريم، وصف بالمصدر. وقال الخطابى (¬1): وتسكن الراء منه، قال الشاعر: فتنبوا المعين عن كرم عجاف قال الأزهرى (¬2): سمى به العنب لكرمه؛ لأنه ذل لقاطفه ونيس عليه شوك يؤذى ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن 5/ 256. (¬2) انظر: تهذيب اللغة 10/ 235.

9 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: الْكَرمُ، فَإِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ". 10 - (...) وحدّثنا ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ، لِلْعِنَبِ: الْكَرْمَ، إِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ ". 11 - (2248) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاك بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا تَقُولُوا: الْكَرْمُ، وَلَكِنْ قولُوا: الْحَبَلَةُ " يَعْنِى: الْعِنَبَ. 12 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُولُوا: الْكَرْمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ جانيه ويحمل الأصل منه ما يحمل النخلة، أو أكثر، وكل شىء كثر نفعه فقد كرم. وأصل الكرم: الكثرة والنفع، فالكريم من كثر نفعه وكثرت فضائله، ومنه: نخلة كريمة للكبيرة الحمل، وناقة كريمة: الكثيرة اللبن، وأرض كريمة: الكثيرة النبات. وقد يسمى بالكرم الرفيع القدر؛ لأن من كثر نفعه عظم قدره.

(3) باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد

(3) باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد 13 - (2249) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِى وَأَمَتِى، كُلُّكُمْ عَبِيدُ الله، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ الله، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلامِى وَجَارِيَتِى، وَفَتَاىَ وَفَتَاتِى ". 14 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِى، فَكُلُّكُمْ عَبِيدُ الله، وَلَكِنْ لِيقُلْ: فَتَاىَ. وَلا يَقُلِ الْعَبْدُ: رَبِّى، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: سَيِّدِى ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيِعُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثهِمَا: "وَلا يَقُلِ الْعبْدُ لِسَيِّدِهِ: مَوْلاىَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لا يقل أحدكم عبدى وأمتى، كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: فتاى وفتاتى وغلامى وجاريتى " و" لا يقل العبد: ربى، ولا يقل العبد لسيده: مولاى، فإن مولاكم الله، وليقل: سيدى "، وفى حديث آخر: " مولاى "، وفى حديث آخر: " ولا يقل أحدكم: اسق ربك، وضئ ربك ". قال الإمام: [قال ابن شعبان فى الزاهى: لا يقل السيد: عبدى وأمتى، ولا يقل المملوك: ربى ولا ربتى، وذكر حديثاً فى ذلك وهو نحو مما فى كتاب مسلم. قال القاضى] (¬1): بين فى الحديث العلة فى ذلك من اشتراك اللفظ بين المخلوق والخالق، وأن الربوبية إنما هى حقيقة لله تعالى، فيجب للعبد المربوب ألا يسامح بتسميته بذلك وندائه بذلك بحال. وأصل الربوبية الملك وكل من ملك شيئاً فهو ربه. والربوبيه - أيضاً - القيام على ¬

_ (¬1) سقط من ز.

وَزَادَ فِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ: " فَإِنَّ مَوْلاكُمُ الله - عَزَّ وَجَلَّ - ". 15 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَقُلْ أَحِدُكُمُ: اسْقِ رَبَّكَ، أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ. وَلا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: رَبِّى، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِى، مَوْلاىَ. وَلا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِى، أَمَتِى، وَلْيَقُلْ: فَتَاىَ، فَتَاتِى، غُلاَمِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الشىء، يقال لمن أصلح شيئاً وقام به: قد ربه يربه، ومنه سمى الربانيون؛ لقيامهم بشرائع مللهم، لكن لا رب حقيقة ولا مالك حقيقة ولا فاعل حقيقة إلا الله تعالى، فهو رب الأرباب، ومالك كل مالك، وخالق كل شىء ورازق، وقيام السماوات والأرض والقائم على كل تفس بما كسبت، وغيره مخلوق بملك مملوك غير مالك لنفسه ولا قديم، الملك لما ملك ولا يدوم له ولا يعم ملكه. فإن قيل: فإذا نهى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا، فما الجمع بينه وبين قوله تعالى: {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّك} (¬1) و {ارْجِعْ إِلَى رَبِّك} (¬2)، {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَاي} (¬3)، وقوله - عليه السلام - فى أشراط الساعة: " أن تلد الأمة ربتها " (¬4) فأعلم أن هذا مما تقدم مثله فى النهى عن تسمية العشاء العتمة، تم قد سماها - عليه السلام - عتمة فى بعض الأحاديث، وأن النهى عن ذلك أن يتخذ عادة، ولا يذكر اسم سواه حتى يغشوا ويستعمل استعمال مثله فى الخالق تعالى، وربما أدخل اللبس باستعمال مثله على الضعفاء بعض الزنادقة، وأصحاب الإلحاد والحلول من النصارى وأصحاب التنابيح (¬5)، وغلاة الرافضة، وغلاة الباطنية؛ من تسميتهم بعض الناس أرباباً وادعائهم ذلك حقيقة فيهم، قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} (¬6) تعالى الله عن قولهم. ولم ينه نهى وجوب وحتم، بل نهى أدب وحظر، ثم خاطبهم أحياناً بما فهم عنه من صحة استعمالهم له فى لغتهم وعلى ¬

_ (¬1) يوسف: 42. (¬2) يوسف: 50. (¬3) يوسف: 23. (¬4) البخارى، ك الإيمان، ب سؤال جبريل النبى (50)، مسلم، ك الإيمان، ب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (1/ 37). (¬5) فى ح: التناسخ. (¬6) التوبة: 31.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير الوجه المذموم، ولأن ذكر النبى لما ذكر فيهم أمن فيه ما يقع من المعين إذا سمع نداءه بذلك عنده، وما يقع فى نفسه من التعظيم والكبر. وأما ما ذكر عن يوسف، فيحمل أنه كان استعمالهم فى ذلك الوقت فى حق الملوك، والنهى إنما جاء فى شرعنا. والفرق بين الرب والسيد وإن كان قال النبى - عليه السلام - للذى قال له: أنت سيد قريش: " السيد الله " (¬1) على مقابلة اللفظ، وإعطاء اللفظ حقه. وقيل: إن لفظ السيد غير مستعمل، فى حق الله استعمال الرب، ولا متداول على الألسن من صفاته، ولا جاء فى الكتاب ولا فى حديث متواتر تسميته بذلك، وقد كره مالك الدعاء بسيدى (¬2) وإن كان الله هو السيد حقيقة. والنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال ذلك على طريق التواضع، وكراهة المدح فى الوجه، وقد قال للأنصار: " قوموا لسيدكم " (¬3) يعنى سعد بن معاذ، وقال: " اسمعوا ما يقول سيدكم " (¬4) سعد بن عبادة. والسيد: رئيس القوم ومعظمهم ومقدمهم فى الخير والفضل، والقائم بأمورهم ومصالحهم. وسيد المرأة: بعلها، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ} (¬5). وسيد الدار: قيمها، وهو فى حق الله تعالى بمعنى مالك الخلق ومدبرهم، فليس فى قول العبد: سيدى، إشكال؛ إذ قد يستعمله غير العبد، ولا فيه ما يدخل لبساً ولا كبراً ولا تشبهاً. بالخالق كما يأتى فى لفظ الرب. وكذلك مولاى، فإن المولى: الناصر، والمولى والمنعم بالعتق والمنعم عليه وابن العم والحليف، وهى لفظة منصرفة مستعملة فى القرآن والحديث فى هذه المعانى، فأبيح هنا ذكرها فى حق العبد لسيده لكثرة استعماله فى المخلوقين فى معنى الولاية والقيام بالأمر والإنعام، والله تعالى مولى الذين آمنوا، ونعم المولى ونعم النصير، فهو أيضاً المولى حقيقة، والمالك يقيناً، والنعم عموماً، وناصر أوليائه خصوصاً. لكن جاء فى كتاب مسلم من رواية وكيع وأبى معاوية عن الأعمش عن أبى صالح عن ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الأدب، ب فى كراهية التمادح (4806)، أحمد 4/ 24. (¬2) انظر: ابن أبى زيد ص 251، البيان والتحصيل 1/ 456. (¬3) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب مناقب سعد بن معاذ (3804)، أبو داود، ك الأدب، ب ما جاء فى القيام (5215)، أحمد 3/ 22، 71. (¬4) مسلم، ك اللعان، (1498/ 14)، أبو داود، ك الديات، ب فيمن وجد مع أهله رجلاً يقتله (4532)، ابن ماجه، ك الحدود، ب الرجل يجد مع امرأته رجلاً (2605). (¬5) يوسف: 25.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى هريرة: " ولا يقل العبد لسيده: مولاى " زاد أبو معاوية: " فإن مولاكم الله "، ولم يذكر جرير عن الأعمش [هذه اللفظة فى الكتاب، وإنما نهى عن قوله: " ربى " وذكر فيه من حديث معمر عن همام عن أبى هريرة مثله، وبينه وزاد خلاف رواية وكيع وصاحبه، وقال: " فليقل سيدى ومولاى "، وهذا - والله أعلم - أصح للاختلاف فيه عن الأعمش] (¬1) كما تقدم، وكما نهى العبد عن قول هذا، كذا نهى السيد فى الحديث أن يقول: عبدى وأمتى، وبين العلة فى ذلك بقوله: " كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله ". فنهى عن التطاول، فى اللفظ كما نهى عنه فى الفعل وأمر بالتواضع، إذ هو عبد مثله حقيقة فليجتنب هذه اللفظة تواضعاً واعترافاً بملك الجميع لله، فإن حقيقة ملك الحر والعبد لله، وإنما ملك بنو آدم من بنى آدم بحكم علة الكفر المسلطة على المالك منافعهم وحركاتهم وتصرفاتهم لا أشخاصهم؛ ولهذا قال أصحابنا: إذا قال الرجل لعبده: وهبتك خدمتك أو خراجك أو عملك فهى حرية له. قوله: " وأمره - عليه السلام - بأن يقول: غلامى وفتاى وجاريتى وفتاتى " إذ هذه ألفاظ تنطلق على الحر والعبد، وليس فيها من معنى الملك ما فى عبدى، وإنما هى بمعنى الاختصاص، قال الله تعالى: {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِه} (¬2) أى عبدها، {وَقَالَ لفِتْيَتِهِ} وقرئ {لِفِتْيَانِهِ} {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} (¬3) {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاه} (¬4) ولم يكن هَذا عبداً هو يوشع بن نون صاحبه. وأصل الفتوة الشباب، وهو الفتاء، بالد. والرجل الشاب فتى، بالقصد، وفتى أيضاً، وهى بعد الغلومية. وأصل الغلومية فى بنى آدم فى الصغر، ينطلق عليه اسم غلام، من حين يولد إلى أن يبلغ، فينقطع عنه اسمها. ¬

_ (¬1) سقط من ز. (¬2) يوسف:30. (¬3) يوسف: 62. (¬4) الكهف: 60.

(4) باب كراهة قول الإنسان: خبثت نفسى

(4) باب كراهة قول الإنسان: خبثت نفسى 16 - (2250) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلِكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى ". هَذَا حَدِيثُ أَبِى كُرَيْبٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " لَكِنْ ". (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 17 - (2251) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَقُلْ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلْيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لا يقولن أحدكم: خبثت نفسى، ولكن ليقل: لقست نفسى "، قال الإمام: لقست نفسى، أى غثت. قال القاضى: قال أبو عبيد (¬1) وغيره: لقست وخبثت بمعنى، لكن كره - عليه السلام - لفظ الخبث وبشاعة الاسم، وعلمهم الأدب فى المنطق واستعمال الحسن منه، وهجران القبيح. وقيل: اللقس: سوء الخلق. وقال ثعلب عن ابن الأعرابى: لقست نفسى، أى ضاقت. وقال الأصمعى: معناه: غثت. قال ثعلب: وقول ابن الأعرابى أحسن، لأن النفس تضيق من الأمر ولا يكون فيها غثيان. ولا يعترض على هذا بقوله - عليه السلام -: " فأصبح خبيث النفس كسلان " (¬2)؛ فإن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا مخبر عن غيره معين، وعن مذموم من الفعل يصلح فيه استعمال هذا اللفظ، ولو أخبر به مخبر عن نفسه من نومه عن الصلاة وعقد الشيطان على قافيته. ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 2/ 72، معالم السنن 5/ 258. (¬2) أحمد 2/ 243، البخارى، ك بدء الخلق، ب صفة إبليس وجنوده (3269)، مسلم، ك صلاة المسافرين، ب ما روى فيمن قام الليل أجمع حتى أصبح (776/ 207).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذه الأحاديث كلها إرشاد منه - عليه السلام - لأمته عظيم إلى أن تعرف مواضع الألفاظ المشتركة بالشىء المكروه، والتجنب عنها، وترك المبالغة والإغراق فى الأوصاف، واستعمال ألفاظ التواضع والعبودية، وترك ألفاظ التطاول والجبرية والتعظيم والكبرياء، وإشارة إلى تجنب الذرائع كلها، لما لا يجب ولا يجوز فعله أو قوله، أو التشبه بمن يفعله أو يقوله.

(5) باب استعمال المسك، وأنه أطيب الطيب وكراهة رد الريحان والطيب

(5) باب استعمال المسك، وأنه أطيب الطيب وكراهة ردّ الريحان والطيب 18 - (2252) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِى خُلَيْدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ قَصِيرَةٌ، تَمْشِى مَعَ امْرَأَتَينِ طَوِيلَتَيْنِ، فَاتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ، وَخَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مُغْلَقٍ مُطْبَقٍ، ثُمَّ حَشَتْهُ مِسكًا - وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ - فَمَرَّتْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ، فَلَمْ يَعْرِفُوها. فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا " وَنَفَضَ شُعْبَةُ يَدهُ. 19 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْمُسْتَمِرِّ، قَالا: سَمِعْنَا أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ امْرَأَةً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيَلَ، حَشَتْ خَاتَمَهَا مِسْكًا. وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم حديث الإسرائيلية القصيرة، وهو اتخاذها لذلك رجلين من خشب حتى مشيت بين الطويلتين فلم تعرف، واتخاذها المسك فى خاتمها وهو أطيب الطيب. إذا كانت فعلت هذه المرأة هذا لتستتر لا تتميز فحسن ذلك، وإن فعلته لتظهر نفسها بالكمال للرجال والتزين لهم فغير مباح فعلها فى الشرع. وأما اتخاذها المسك فى خاتمها وإشارتها به، فذلك غير مباح عندنا إذا خرجن. والطيب على النساء إذا لم يخرجن غير ممنوع. وفى الحديث: " لا تقبل صلاة المرأة تطيبت لهذا المسجد، حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة " (¬1)، وفيه: " فليخرجن إذا خرجن ثقات " (¬2). وقوله - عليه السلام - فى المسك " وهو أطيب الطيب ": تدل على طهارته، وجواز استعماله. والإجماع قد وقع عليه وهو العمدة فيه، غير ملتفت إلى أصله، ولا ما يولد عنه، وهو غير (¬3) مخصوص من سائر ما يشبهه من النجاسات ورطوبة الميتات وأجزائها ¬

_ (¬1) أحمد 2/ 246، أبو داود، ك الترجل، ب ما جاء فى المرأة تتطيب للخروج (4174). (¬2) فى ح: تفلات. وهذا الحديث رواه الدارمى فى السنن 1/ 293. (¬3) فى ح حذفت كلمة " غير ".

20 - (2253) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهيْرُ بْنُ حَربٍ، كِلاَهُمَا عَنِ الْمُقْرِئ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِىُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى أَيُّوبَ، حَدَّثَنِى عُبَيْدُ الله ابْنُ أَبِى جَعْفَر، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلا يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيف الْمَحْمَلِ طَيِّبُ الرِّيحِ ". 21 - (2254) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَبُو طَاهِرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى - قَال أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - ابنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اسْتَجْمَرَ اسْتَجْمَرَ بِالأَلُوَّةِ غَيْرَ مُطَرَّاةٍ، وَبِكَافورٍ، يَطْرَحُهُ مَعَ الأَلُوَّة. ثمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد مر منه، ولم يذكر فيه خلاف إلا ما حكاه عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ولا تصح، والمعروف من السلف إجماعهم على استعماله، واقتداؤهم بالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك. وقوله - عليه السلام -: " من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح ": قال صاحب العين: الريحان كل بقلةٍ طيبة الريح. وقد يحتمل عندى أن يراد به فى هذا الحديث الطيب كله، وقد جاء فى الحديث مثل هذا: " من عرض عليه طيب " الحديث بنصه، وذكره أبو داود (¬1). وفى البخارى: " كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرد الطيب " (¬2)، وفى الحديث: نهى المحرم أن يكتحل بالإثمد المروح (¬3). قالوا: معناه الطيب بالمسك، وهذا يقوى أن المراد بالريحان الطيب - والله أعلم. وقوله: " كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بألوةٍ غير مطراةٍ، وكافور يطرحه مع الألوة، وقال: هكذا كان يستجمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": الاستجمار هنا: البخور، مأخوذ من الجمرة. قال الإمام: قال الأصمعى: الألوة: العود يتبخر به، وأراها كلمة فارسية عربت. قال أبو عبيد (¬4): وفيها لغتان: الأُلوة، بفتح الهمزة وضمها. وحكى غيره عن ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الترجل، ب فى رد الطيب (4172). (¬2) البخارى، ك اللباس، ب من لم يرد الطيب (5929) (¬3) ابن أبى شيبة فى المصنف 4/ 442. (¬4) غريب الحديث 1/ 42.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسائى: ألية. قال غيره (¬1): وفيه لغتان: مخفف، ومشدد، بكسر الهمزة وضمها. وفى كتاب الهروى (¬2) قال بعضهم: لوة ولية، وتجمع الألوة الألويه. قال القاضى: وقوله: " غير مطراة ": أى غير ملطخة بخلوق أو طيب غيرها. وأصله غير مطررة، من طررت الحائط: إذا غشيته بجص أو جير وحسنته وجددته. وقد يحتمل أن يكون " مطراة " محسنة، مبالغة. وذلك من الإطراء وهو المبالغة فى المدح. وفيه جواز استعمال البخور للرجال، واستعمال الأرايج الطيبة من جميع وجوهها وأنواع الطيب، وذلك مندوب إليه فى الشريعة لمن قصد به مقاصده، من امتثال أمر نبيه - عليه السلام - بذلك ليوم الجمعة، والأعياد، ومجامع الناس، ليدفع عن نفسه ما يكره من الروائح، وليدخل على المؤمنين راحة ويدفع عنهم مضرة، وما يوافق الملائكة من ذلك فى المساجد، ومظان حلق الذكر وغيرها، وليقوى دماغه، ويصلح خاطره، ويطيب نفسه؛ لتأثير الطيب فى تقوية هذه الأعضاء، وليعينه على ما يحتاج إليه من أمور النساء، فله فى ذلك من التأثير ما لا ينكر، ولتطيب رائحته عند أهله وإخوانه المؤمنين، وتظهر مروءته ونظافته؛ وقد بنى الإسلام على النظافة. ولا يفعل هذا فخراً أو رياءً واختيالاً بدنياه ومباهاة بوجده، فالله لا يحب كل مختالٍ فخور. ¬

_ (¬1) انظر: المخصص 4/ 198، النبات لأبى حنيفة الدينورى ص 219. (¬2) الغريبين ا/ ق 27/ ب.

41 - كتاب الشعر

بسم الله الرحمن الرحيم 41 - كتاب الشعر 1 - (2255) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْن الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا. فَقَالَ: " هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِى الصَّلْتِ شَيْئًا؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " هِيهِ "، فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا. فَقَالَ: " هِيِه "، ثُمَّ انْشَدْتُهُ بَيْتًا. فَقَالَ: " هيه "، حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَن إِبْرَاهِيمَ ابْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ - أَوْ يَعْقُوبَ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ الشَّرِيدِ - قَالَ: أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهَ. (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِىِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَنْشَدَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَمِثلِ حَدِيث إِبْرَاهِيمَ ابن مَيْسَرَةَ. وَزَادَ: قَالَ: " إِنْ كَادَ لَيُسْلِمُ ". وَفِى حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِىٍّ قَالَ: " فَلَقَدْ كَادَ يُسْلِمُ فِى شِعْرِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الشعر ذكر مسلم استنشاد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشريد بن سويد (¬1) شعر أمية بن أبى الصلت وقوله: " هيه " إلى أن أنشده مائة بيت، وقوله: " إن كاد ليسلم "؛ فيه جواز سماع أشعار الجاهلية وأخبارها، والتحدث بها وإنشادها (¬2). و " هيه " مكسورة الهاء ساكنة الياء والهاء الآخرة: كلمة استزاده، أى زد، وأصلها: إيه، فإن نونت فهو استزادة ما [لا] (¬3) يعرف، وإن كسرت ولم ينون فهو استزادة لما يعرف. ¬

_ (¬1) الشريد بن سويد الثقفى له صحبة، وقيل: إنه من حضرموت روى عن النبى، وروى عنه ابنه عمرو وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعمرو بن نافع الثقفى وغيرهم، وفد على النبى فسماه الشريد، وشهد بيعة الرضوان. التهذيب: 4/ 332. (¬2) قال ابن حجر: نقل ابن عبد البر الإجماع على جواز الشعر إذا لم يكثر منه فى المسجد، وخلا من هجو، وعن الإغراق فى المدح والكذب المحض والتغزل بمعين لا يحل. انظر: الفتح 10/ 443، التمهيد 22/ 195، المغنى 12/ 44. (¬3) زائدة فى الرسالة.

2 - (2256) حدَّثنى أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، جَمِيعًا عَنْ شَرِيكٍ. قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيدِ: " أَلا كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه أن الشعر لنفسه ليس بمنكر، وإنما المنكر منه المذموم الإكثار منه، أو ما يتضمنه من الهجاء للمسلمين، وقذف المحصنات، والتشبيب بالحرم، وذكر أوصاف الحريم وأنواع الباطل مما يهيج طباع البشر المرتكبين لذلك وتجرئهم على المعاصى. وقد جاء من ذلك أشياء فى أشعار حسان وكعب وغيرهما مما مدح به النبى - عليه السلام - فى وصف الخمر والتشبب بغير معين جرياً على عادة العرب فيستخف منه القليل، ولم ير أصحابنا بمثل هذا رد شهادة الشاهد، ولا جعلوه جرحة فيه (¬1). قال الإمام: خرج مسلم فى هذا الباب: حدثنا زُهير بن حرب وأحمد بن عبدة، جميعًا عن ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد أو يعقوب بن عاصم ابن الشريد، عن الشريد قال: أردفنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه. هكذا إسناد هذا الحديث، ووقع عند أبى العلاء: عن الشريد، عن أبيه، وهذا وهم. والشريد هو الراوى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أبوه، وهو الشريد بن سويد الثقفى. قال القاضى: الأسانيد الأخر عن عمرو بن الشريد عن أبيه تصحح الوهم فى هذا السند من رواية ابن ماهان، وكان فى كتاب ابن أبى جعفر فيه تخليط آخر زائد قال فيه يعقوب بن عاصم: يعنى عن ابن الشريد، قال: أردفنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كذا كان عنده، وفيه الوهم من وجوه: منها: قوله: ابن عصام (¬2)، وإنما هو ابن عاصم كما تقدم. ومنها: قوله: يعنى عن ابن الشريد، وإنما صوابه: يعنى ابن السويد (¬3)، وهو يعقوب بن عاصم بن الشريد، وإنما يروى الحديث عن أبيه الشريد. ومنها: أنه ليس عنده عن أبيه وأراه إنما كان إصلاحًا من بعض الشيوخ لرواية ابن ماهان، فأصبح عن الشريد، ورد ابن لتصبح له زيادة عن أبيه، فلم يتيقن فى كتاب شيخنا فزاد تخليطاً. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 5/ 153. (¬2) فى ز: عاصم، وهو تصحيف. (¬3) فى ح: ابن الشريد، وهو خطأ، والمثبت من ز.

3 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ، كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ وَكَادَ أُمَيَّةُ ابْنُ أَبِى الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ ". 4 - (...) وحدّثنى ابْنُ أَبِى عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاَلَ: " أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ: أَلا كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ وَكَادَ ابْنُ أَبِى الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ ". 5 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَتْهُ الشُّعَرَاءُ: أَلا كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أصدق كلمة قالها شاعر "، وفى رواية: " أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد: ألا كل شىء ما خلا الله باطل ". هذا على الحقيقة. ومعنى باطل هنا: مضمحل أو فان. وأما الذى هو ضد الصحيح والصدق فلم يرده؛ إذ لا ينطلق على هذا باطل من هذه الجهة. وقوله: بينا نحن نسير مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [بالعرج إذ عرض له شاعر ينشد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1): " خذوا الشيطان - أو أمسكوا الشيطان - لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً، خير له من أن يمتلىء شعراً "، وفى الرواية الأخرى: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه، خير له من أن يمتلئ شعراً ". ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من الحديث المطبوع رقم (9) من هذا الكتاب.

6 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ " مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. 7 - (2257) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوَيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأَنْ يَمْتَلِئ جَوْفُ الرَّجُلِ قَيْحًا يَرِيهِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئ شِعْرًا ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِلا أَنَّ حَفْصًا لَمْ يَقُلْ " يَرِيهِ ". 8 - (2258) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جَبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لأَنْ يَمْتَلِئ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا يَرِيهِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئ شِعْرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قال أبو عبيد: قال الأصمعى: هو من الورى على مثال الرّمى، وهو أن تدوى جوفه، يقال منه: رجل مورى، مشدد غير مهموز. قال أبو عبيد: هو أن يأكل القيح جوفه (¬1) قال صاحب الأفعال: يقال: ورى الإنسان والبعير ورىً، دوى جوفه ووراه الروا ورياً أفسد جوفه، وورى الكلب: سعر أشد السعار (¬2). قال أبو عبيد: وقوله - عليه السلام: " خير له من أن يمتلئ شعراً " قال بعضهم: يعنى من الشعر الذى هجى به النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان شطر بيت لكان كفراً، فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه فقد رخص فى القليل منه، ولكن وجهه عندى [أن] (¬3) يمتلئ قلبه حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله عز وجل، فيكون الغالب عليه من أى الشعر كان، فإذا كان القرآن والعلم الغالب عليه فليس جوف هذا يمتلئ من الشعر. ¬

_ (¬1) غريب الحديث 1/ 31. (¬2) الأفعال لابن القوطية ص 91. (¬3) فى ز. ألا.

9 - (2259) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ يُحنِّسَ - مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ - عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدَّرِىِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالعَرْجِ، إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ. فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذُوا الشَّيْطَانَ - أَوْ امْسِكُوا الشَّيْطَانَ - لأَنْ يَمْتَلِئ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئ شِعْرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " أمسكوا الشيطان ": هذا الحديث وشبيهه مما يحتج به من نهى عن الشعر ومنعه جملة، قليله وكثيره، واحتج بهذا وشبهه. وإليه ذهب الحسن ومسروق وعبد الله بن عمرو بن العاص (¬1) فى آخرين والكافة على خلافه، وأنه كالكلام، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، كما روى عن الشافعى (¬2). وقد روينا هذا الكلام مرفوعاً (¬3) للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أنشد النبى - عليه السلام - الشعر وتمثل به، واستنشده، وقال أصحابه، وحضهم على قوله فى هجاء المشركين. وقد روى عن الخلفاء، وأئمة الصحابة، وفضلاء السلف فى استشهادهم به، وإنشادهم وقولهم الجيد منه والرقيق والمثقف فى ضروب أفانينه ما يغنى عن جلب شاهد عليه لشهرته (¬4)، وإنما المذموم الوجوه المتقدمة، وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1) انظر: اختلاف العلماء فى رواية الشعر: فى شرح معانى الآثار 4/ 295، 300، النووى 15/ 14، المصنف لعبد الرزاق 11/ 264 (2053)، مصنف ابن أبى شيبة 6/ 184. أشارت الباحثة أنها لم تعثر على أثر لعبد الله بن عمرو فى كراهة الشعر. (¬2) الأم، ك الشهادات، شرح السنة للبغوى 12/ 369، الفتح 10/ 443. (¬3) البخارى فى الأدب المفرد ص: 265، قال ابن حجر: سنده ضعيف. انظر: الفتح 10/ 443. (¬4) فى الأصل: ليشهر به.

(1) باب تحريم اللعب بالنردشير

(1) باب تحريم اللعب بالنردشير 10 - (2260) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةً، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِى لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده فى لحم خنزير ودمه "، قال الإمام: مالك ينهى عن اللعب بالنرد والشطرنج، ويرى الشطرنج شراً من النرد وألهى منها (¬1)، وهذا الحجة حجة له، فإن كان ورد فى النردشير قيست الشطرنج عليها، لاشتراكهما فى كونهما شاغلين عما يفيد فى الدين والدنيا، موقعين فى القمار [أو التشاجر الحادث فيهما عند التغالب، مع كونهما غير مقتدين] (¬2)، وقد نبه مالك على هذا بقوله: الشطرنج ألهى، وينهى عن اللعب القليل والكثير بقمار أو غير قمار؛ لأن القليل يوقع فى الكثير، واللاعب - وإن ترك القمار - قد يقع فى القمار، لكن رد الشهادة لا يكون بركوب كل محرم أو مكروه، بأن كان لاعب [الشطرنج] (¬3) فأمر عليها ردت شهادته، وإن قل فعله لذلك. وقال أبو حنيفة: إن كانت محاسنه أكثر من مساوئه واجتنب الكبائر جازت شهادته على الجملة (¬4). والقمار إذا كان محرمًا، أو تحريمه مشتهراً، أو يؤذن ركوبه لسقوط المروءة، فلا معنى لقبول الشهادة، وإن لم يقامر عليها، فمالك يشترط فى رد شهادة الإدمان عليها. وفسر بعض أصحابه الإدمان بلعبها مرة فى السنة، وهذا تعسف وبعيد من لفظ مالك. وراعى بعض أصحابنا فى رد الشهادة بانقطاعه بلعبها عن صلاة الجماعة. وراعى بعضهم الحالة التى يقع اللعب عليها، فإن أذنت لسقوط المروءة كلعب المتصون الملحوظ بعين الجلالة مع سفلة الناس معلناً بذلك، سقطت الشهادة. وإن كان مستتراً بها ملاعباً لأمثاله من أهل الصون فى بعض الأحايين لم ترد الشهادة به. وراعى بعض الأصوليين القصد باللعب، فإن كان لتسلية النفس وشغلها عن هموم لزمتها، أو تجويد القريحة وشحذ الذهن الكال لم تسقط الشهادة، بل يميل هؤلاء إلى الجواز ¬

_ (¬1) الموطأ 2/ 958 وانظر: المدونة 5/ 153. (¬2) سقط من ح، والمثبت من الأصل. (¬3) فى الأصل: الشهادة. (¬4) الهداية 3/ 123، بدائع الصنائع 6/ 269.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على هذه الحالة. وقد حكى عن أفاضل من التابعين لعبها (¬1). وقال بعضى شيوخنا (¬2): لا تثبت ذلك عنهم، وإنما يتقول ذلك أهل البطالة ليجعلوا لأنفسهم أسوة فى بطالتهم. والشطرنج لعب معروف، والنردشير جنس آخر من اللعب. وقد قال بعض العلماء (¬3): كأن الأوائل لما نظروا إلى أمور الدنيا فوجدوها تجرى على أسلوبين مختلفين: منها ما يجرى بحكم الاتفاق، ومنها ما يجرى بحكم السعى والتخيل، فوضعوا النرد مثالاً لما يجرى من أمور الدنيا بحكم الاتفاق؛ لتشعر به النفس وتتصداه، ووضعوا الشطرنج مثالاً لما يجرى من أمور الدنيا بحكم السعى والاجتهاد؛ لتشعر النفس بذلك، وتنهض الخواطر إلى عمل مثله من المطلوبات. وإنما ذكرنا هذا ليعرف منه على الجملة حقيقة اللعبين حتى تعلم من علم حكمهما حقيقتهما على الجملة إن لم يكن يعرفهما تفصيلاً. قال القاضى [قال بعضهم] (¬4) النرد يسمى الكعاب ويسمى الإرب، والنردشير، قال صاحب العين: النرد فارسى (¬5)، ويقال: إن الذى وضعها من الفلاسفة، كان على رأى أصحاب الجبر عندهم وعدم القدرة والحيلة، وأن الذى وضع الشطرنج كان على رأى أصحاب الممكن عندهم، وهم أصحاب الاكتساب والقدرة. ومذهب الشافعى وأبى حنيفة أنه لا يرد شهادة اللاعب بها إذا كان موصوفًا بالعدالة فى أحواله (¬6). قال أصحاب الشافعى: إلا أن يلعبها قماراً، وكان بذلك معروفاً فتسقط بذلك شهادته (¬7)، لأكله المال بالباطل، هذا مذهبه، وهو نحو قول إسحاق (¬8)، وكان الشافعى (¬9) يكره اللعب بالنرد والشطرنج، ويرى الشطرنج أخف من النرد. وكان الليث، يرى الشطرنج أشد من النرد (¬10)، كما ذكر عن مالك، وأسقط بذلك شهادة اللاعب بها. ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: ممن رويت الرخصة عنه سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين ومحمد بن المنكدر وعروة بن الزبير وغيرهم. انظر: التمهيد 13/ 182. (¬2) منهم: الباجى فى المنتقى 7/ 178، القبس 2/ 354. (¬3) فى ح: الحكماء. (¬4) من ح، لم ترد فى ز، انظر: التمهيد 8/ 176، القرطبى 8/ 338. (¬5) لم أجد هذا القول فى العين، وذكر فى اللسان، مادة " نرد ". (¬6) انظر: الأم 6/ 208، الوجيز 2/ 249، الهداية 3/ 123، المغنى 12/ 35. (¬7) المجموع 20/ 2280، شرح السنة 12/ 385. (¬8) التمهيد 13/ 180. (¬9) الأم 6/ 208 شهادة أهل اللعب. (¬10) التمهيد 13/ 179.

42 - كتاب الرؤيا

بسم الله الرحمن الرحيم 42 - كتاب الرؤيا 1 - (2261) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عَمَرَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنةَ - وَاللَّفْظ لابْنِ أَبِى عُمَرَ - حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّى لا أُزَمَّلُ، حَتَّى لَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لهُ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلَيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَنْ تضُرَّهُ ". (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ - وَعَبْدِ رَبِّهِ وَيَحْيَى ابْنَى سَعِيد، وَمُحَمَّدِ بْنِ عُمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِهِمْ قَوْلَ أَبِى سَلَمَةَ: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا، غَيْرَ أَنِّى لا أُزَمَّلُ. (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْد، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهمَا: أُعْرَى مِنْهَا. وَزَادَ فِى حَدِيثِ يُونُسَ: " فَليَبْصُقْ عَلَى يَسَارِهِ، حِينَ يَهُبُّ مِنْ نَوْمِهِ ثَلاثَ مَرَّات ". 2 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَب، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلال - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا رأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهَه فَلْيَنْفِث عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثِ مَرَّاتِ، وَلْيَتَعَوَّذُ بِاللَّه مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الرؤيا قول أبى سلمة: " كنت أرى الرؤيا أُعْرى منها، غير أنى لا أزمل " معناه: أحم منها لارتياعه من ظاهره، والعرواء، ممدود: نفض الحمى. وقوله: " لا أزمل ": لا أغطى وألف كما يعمل بالمحموم. الرؤيا، مقصورة: من رؤية النوم، والرؤية، بالهاء: من رؤية العين.

تَضُرَّهُ ". فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَىَّ مِنْ جَبَلٍ، فَمَا هُوَ إِلا أَنْ سَمِعْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَمَا أُبَالِيهَا. (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْح، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْر، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ الثَّقَفِىِّ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَإِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ اللَّيْثِ وَابْنِ نُمَيْر قَوْلُ أَبِى سَلَمَةَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَزَادَ ابْنُ رُمْحٍ فِى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: " وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِى كَانَ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلمًا يكرهه فلينفث عن يساره "، وفى رواية: " فليتفل وليتعوذ بالله من شرها "، وفى رواية: "وشر الشيطان، فإنها لن تضره "، وفى رواية: " فليبصق عن يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات "، وفى رواية: " فليتحول عن جنبه الذى كان عليه "، وفى رواية: " ولا يخبر بها إلا من يحب "، وفي بعض الطرق: " الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان "، وقول أبى سعيد (¬1): " إن كنت لأرى الرؤيا هى أثقل على من الجبل، فما هو إلا أن سمعت هذا الحديث فما أباليها ": الحُلْم، بضم الحاء وسكون اللام: هو الرؤيا والفعل منه حَلَم بفتح اللام. قال الإمام: كثر كلام الناس فى حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة لما حاولوا الوقوف على حقائق لا تعلم بالعقل، ولايقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسمع، فاضطربت لذلك مقالاتهم فمن [ينتهى إلى الطلب] (¬2) ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط، ويستدل بالمنامات على الخلط المغالب، فيقول: من غلب عليه البلغم رأى السباحة فى الماء ويشبهه لمناسبة الماء فى طبيعته طبيعة البلغم. ومن غلب عليه الصفراء رأى النيران والصعود فى العلو، ويشبهه لمناسبة النار فى الطبيعة طبيعة الصفراء؛ ولأن خفتها وانقيادها يخيل إليه الطيران فى الجو، والصعود فى العلو، وهكذا يصنعون فى بقية الأخلاط، وهذا مذهب، وإن جوزه العقل وأمكن عندنا أن يجرى البارى جلت قدرته العادة؛ بان يخلق مثل ما قالوه عند غلبة هذه الأخلاط، فإنه لم يقم عليه دليل، ولا اطردت به عادة، والقطع فى موضع التجويز غلط وجهالة هذا لو ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل، والمثبت عندنا: " أبى سلمة " من ح. (¬2) فى ح: ينتمى إلى الطب.

3 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، والرُّؤْيَا السَّوء مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ لا تَضُرُّهُ، وَلا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيُبْشِرْ، وَلا يُخْبِرْ إِلا مَنْ يُحِبُّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ نسبوا ذلك إلى الأخلاط على جهة الاعتياد، وأما إن أضافوا الفعل فإنها تقطع بخطئهم، ولا يجوز ما قالوه؛ إذ لا فاعل إلا الله. ولبعض أئمة الفلاسفة تخليط طويل فى هذا، وكأنه يرى أن صور ما يجرى فى الأرض فى العالم العلوى كالمنقوش، وكأنه يدور بدوران الآخر (¬1)، فما حاذى البعض المنقوش منه انتقش فيها، وهذا أوضح فساداً من الأول، مع كونه تحكماً بما لم يقع عليه برهان، والانتقاش من صفات الأجسام، وكثيراً ما يجرى فى العالم الأعراض، والأعراض لا تنتقش ولا يتنقش فيها. والمذهب الصحيح ما عليه أهل السنة، وأن الله - سبحانه - يخلق فى قلب النائم اعتقادات كما يخلقها فى قلب اليقظان، وهو - تبارك اسمه - يفعل ما يشاء ولا يمنعه من فعله نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه - سبحانه - جعلها عَلَماً على أمور أخر، يخلقها الله فى ثانى حال، أو كان قد خلقها. فإذا خلق فى قلب النائم اعتقاد الطيران وليس بطائر فقصارى ما فيه أنه اعتقد أمراً على خلاف ما هو عليه، [وكم فى اليقظة ممن يعتقد أمراً خلاف ما هو عليه] (¬2) فيكون ذلك الاعتقاد علماً على غيره، كما يكون خلق الله - سبحانه - الغيم علماً على المطر، والجميع خلق الله - سبحانه - ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التى جعلها علماً على ما يسر [بحضرة أو] (¬3) بغير حضرة الشيطان، ويخلق ضدها مما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان، فينسب إليه مجازاً وأتساعاً. وهذا المعنى بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرؤيا من الله، الحلم من الشيطان "، لا على أن الشيطان يفعل شيئاً فى غيره، وتكون الرؤيا اسمًا لما يحب، والحلم لما يكره. وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنها لن تضره ": فقيل: معناه: أن الروع يذهب [هذا التعب] (¬4) المذكور فى الحديث، إذا كان فاعله مصدقًا به، متكلاً على الله جلت قدرته فى دفع المكروه عنه. وقيل: يحتمل أن يريد أن هذا الفعل منه يمنع من نفوذ ما دل عليه المنام من المكروه، ويكون ذلك سبباً فيه، كما تكون الصدقة تدفع البلاء، إلى غير ذلك من النظائر المذكورة عند أهل الشريعة. ¬

_ (¬1) فى جميع النسخ: الأكر، وفى إكمال الإكمال: الآخر. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬4) فى ح: بهذا النفث.

4 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاد الْبَاهِلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ: إنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِى قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ. فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِى، حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلا يُحَدِّثُ بِهَا إِلا مِنْ يُحِبُّ، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفِلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَتَعَوَّذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا، وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تخبر بها إلا من تحب ": فيحتمل عندى أن يكون حذرًا من أن يغيرها له من يبغضه على الصفة المكروهة فيحزنه ذلك، أو يتفق وقوعها على ما عبر. ويكون وصفها بأنها حسنة بمعنى حسنها فى الظاهر. وأهل العبارة يقولون فى تقاسيمهم: فى المنامات ما هو حسن فى الظاهر مكروه فى الباطن، ومنها عكسه، إلى بقية الأقسام التى يعدونها. وأما قول أبى سلمة: " إنى لأرى الرؤية أعرى منها ولا أزمل ": فلم أقف على تفسيره عند أهل الغريب، غير أن صاحب الأفعال (¬1) قال: عرى الرجل عرية وعروة: صار عرياناً. والليلة اشتد بردها فهى عرَية، وعروتك عرواً: نزلت بك، والأمر نزل به، والحمى لذعته وهى عرواء، فيحتمل أن يكون أراد: أرعدته الحمى، أو اشتد برده فزعاً مما أرى (¬2) إن لم يكن من التعرى. وأما " أزمل " فالمعروف أن الزمل التدثر. قال القاضى: وقيل فى معناه: " الرؤيا الصالحة من الله "، وهو معنى الرواية الأخرى التى ليس فيها لفظ " الصالحة " إضافة اختصاص وإكرام؛ لسلامتها من الأضغاث، وهو التخليط وجمع الأشياء المتضادة، كضغث الحشيش وشبهه، وطهارتها عن حضور الشيطان وإفساده لها، وهذا مثل قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان} (¬3)، والكل من عنده. كما أن الرؤيا كلها مما حضره الشيطان أو لم يحضره من خلق الله وقدرته، فخص ما طهر من الشيطان وسلم من تخليطه بالإضافة إلى الله؛ تكريمًا وتشريفًا وتخصيصًا. وإضافة الأخرى إلى الشيطان عند بعضهم لأنها مكروهة مخلوقه على طبعه، من التحزين والكراهة التى خلق فيها (¬4). قد تقدم غير هذا التأويل فيها، وقيل: لأنها توافق الشيطان ثم تسير ويستحسنها لما فيها قد يشغل بال المسلم وأستضراره منها. قال بعضهم (¬5): وإن كان التحزين غالبًا من الشيطان فقد يكون - أيضاً - نادراً فى ¬

_ (¬1) لابن القوطية ص 24. (¬2) فى ح: رأى. (¬3) الحجر: 42. (¬4) تفصيل هذا الكلام فى الفتح 12/ 311، شرح البخارى لابن بطال 3/ 215. (¬5) منهم: المهلب، وقد نقل قوله ابن بطال فى شرح البخارى 4/ 215.

5 - (2262) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْح، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِى كَانَ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الرؤيا الصحيحة؛ إنذاراً من الله وعناية بعبده؛ لئلا يفجئه ما قدر عليه بغتة، وليكون فيه على حذر وأهبة، كما أن الرؤيا الصالحة والحسنة من الصالحين، هذا - أيضاً - على الغالب، وقد يكون فى رؤياهم أضغاث ولكن على سبيل الندور بضد الأولى لعوارض تقتضى ذلك - والله أعلم - من وسوسة [النفس] (¬1) وحديثهما، أو غلبة خلط عليه، أو فساد ذكرها أحياناً وتخييلها وفكرها. ويحتمل قوله: " الحسنة، والصالحة " أن يكون راجعًا إلى حسن ظاهرها، ويحتمل أن يرجع إلى صحتها، كما أن قوله فى الأخرى: " [الرؤية] (¬2) السوء " يحتمل الوجهين؛ سوء الظاهر، أو سوء التأويل. وفى أمره بنفثه وبصقه ثلاثاً: طرد للشيطان الذى حضر رؤياه المكروهة، [واستقذاره لها] (¬3)، كما يبصق على ما يستقذر ويكره، كما أمر بذلك عند التثاؤب. وكون ذلك فى يساره؛ لأن اليسار أبداً جهة الشيطان وجهة المذام والأقذار، والجهة المشؤومة بضد اليمين، والعرب تسميها الشؤما. وقوله: " فليبصق، وليتفل، ولينفث " على اختلاف الأحاديث، كله بمعنى، وقد تقدم الكلام على ذلك، ومن فرق بين التفل والنفث، ومن جعلهما بمعنى فى كتاب الصلاة، وفى كتاب الطب. وأمره بتحويله عن جنبه: تفاؤلاً بتحويل حالها، وظاهر مكروه تأويلها، وأنها لا تضره، وهذا يصحح أحد التأويلين فى قوله: " لاتضره " أنه عائد، إلى صرف سوء تأويلها ودفع الله بما فعل عنه مكروهها. وأما قوله: " ولا تخبر بها أحدًا " فما فائدة كتمانها؟ فقيل: إن ذلك مخافة تعجيل اشتغال السوء (¬4) بمكروه تفسيرها إن وافق ظاهرها باطنها، والتعذيب به مدة لا يدرى قربها من بعدها، فقد تخرج الرؤيا بعد طول السنين، واذا لم يخبر بها وفعل ما أمر به من النفث والاستعاذة، كان دواء مكروهها وخروجها عن ذلك على أحد التأولين، وعلى التأويل الآخر: أن ذلك إنما يريك (¬5) روعتها وتحزنه بها. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبتة فى ح. (¬2) ساقطة من ز، والمثبتة من ح. (¬3) فى ح: واستقذار، له. (¬4) فى ح: النفس. (¬5) فى ح: يزيل.

6 - (2263) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِى، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمَ تَكْذِبُ، وأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمَسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مَنْ النُّبُوَة، وَالرُؤْيَا ثَلاَثَةُ: فَرُؤْيَا الصَالِحَةِ بَشْرَى مِنْ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ. فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا لم يذكرها لأحد ولم يفصل له تفسيرها بقى بين الطمع والرجاء من أنه أهل (¬1) لها تفسيراً حسنًا، أو أنها من أضغاث الأحلام أو حديث النفس، فكان أسكن لنفسه وأقل لتعذيب قلبه. واختلف المتكلمون فى النائم المستغرق فى النوم جميع أجزاء قلبه، فقيل: لا يصح ضرب المثل لمثل هذا ولا رؤياه؛ لأن ضرب المثل إنما يرجع إلى الاعتقاد ووجوده بالمضروب، وهذا لا يصح من المستغرق، ولا يحضر هذا ملك ولا شيطان. ورأى من قال هذا أن النوم آفة، يخرج الحى عن صفات التميز والظنون والتخيل والاعتقادات، كما يخرجه عن صفة العلم. ولم يرض آخرون هذا المذهب، وقالوا: إن النائم يصح مع استغراق أجزاء قلبه ألا يمتنع ألا يكون ظانًا ومتخيلاً، واتفقوا على أنه لا يصح أن يكون عالماً، وذهب هذا إلى أن النوم آفة يمغ حصول الاعتقادات الصحيحة فى اليقظة دون ما فى المنام. والصحيح عند المحققين من شيوخنا المتكلمين القول الأول، وأن الظنون والخيالات والاعتقادات جنس واحد مضادة للعلوم، وأنه لا يصح منه اعتقاد إلا أن يكون بعض أجزاء قلبه ولا نوم به فيه يرى ويضرب له المثل، ولا يلزم ما ألزمهم الآخرون أنه إذا كان كذلك فهو إذاً مكلف، مخاطبٌ، وقد أسقط عنه الشرع ذلك؛ لأن هذا ليس بحقيقة وجود العلم وصحة الميز، وإنما بقيت [عندهم] (¬2) فيه عند الرؤيا بقية حياة وميز بضرب (¬3) بضرب المثل لا بحقيقة الأشياء، بدليل مشاهدته وحاله. وقوله: " إذا أقترب الزمان لم يكن (¬4) رؤيا المؤمن كذب (¬5) "، قال الإمام: اختلف الناس فى معناه، قال بعضهم: المراد به: إذا اقترب من اعتدال [الكتاب والنهايعان] (¬6) فإن الرؤيا حينئذ لم تكن تكذب، وبهذا فسره أبو داود (¬7). ¬

_ (¬1) فى ح: لعل. (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬3) تكررت هذه الكلمة فى ز. (¬4) فى ح: تكد. (¬5) فى ح: تكذب. وكذلك ما أثبتناه من الحديث المطبوع رقم "9" من هذا الكتاب. (¬6) فى ح: الليل والنهار. (¬7) انظر 28 سنن أبى داود، ك الأدب، ب ما جاء فى الرؤيا (5019) ومعالم السنن، ك الأدب، ب الرؤيا 4/ 282.

مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ ". قَالَ: " وَأُحِبُّ الْقَيْدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ، وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِى الدِّينِ " فَلا أَدْرِى هُوَ فِى الْحَدِيثِ أَمْ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ فى الْحَدِيثِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَيُعْجِبُنِى الْقَيْدُ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ. وَالْقَيْدَ ثَبَاتٌ فِى الدَّيْنِ وَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جَزْءٌ مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِن النُّبُوَّةِ ". (...) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ - يَعْنِى ابْنَ زَيْد - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِذَا اقْتَربَ الزَّمَانُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَدْرَجَ فِى الْحَدِيثِ قَوْلَهُ: وَأَكْرَه الْغُلَّ، إِلَى تَمَامِ الْكَلامِ. وَلَمْ يَذْكُرِ: " الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةِ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ". 7 - (2264) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَة. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعضهم (¬1): بل المراد به آخر الزمان والهرب (¬2) من القيامة. قال القاضى: أهل العبادة (¬3) والمفسرون لها يزعمون أن [أحسن الأزمان وأصدقها للعبارة حيث انفتاق] (¬4) الأزهار ووقت بيع (¬5) الثمار، وهذان الوقتان هما وقت تقارب الزمان واعتدال الليل والنهار، وقد روى عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث بلفظ آخر من رواية ¬

_ (¬1) هذا القول أحد قولى الخطابى، حيث فسر الحديث على وجهين: الأول: الذى ذكرناه سابقًا، والآخر: قوله: إن اقتراب الزمان إنهاء أمله إذا دنا قيام الساعة. معالم السنن (4/ 282). وهو أيضاً اختيار ابن بطال فى شرحه على البخارى (4/ ق 222)، وصححه ابن العربى حيث قال: الأصح أنه اقتراب يوم القيامة، فإنها الحاقة التى تحق فيها الحقائق، وأنكر التأويل الآخر. انظر: العارضة 9/ 125. (¬2) فى ح: القرب. (¬3) فى ح: العبارة. وانظر فتح البارى (12/ 296) ك التعبير. (¬4) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬5) فى ح: ينع.

(...) وحدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِت الْبُنَانىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ. مِثْلَ ذَلِكَ. 8 - (2263) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ". (...) وحدّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُؤْيا الْمُسْلِمِ يَرَاهَا أَوْ تُرَى لَهُ ". وَفِى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ". (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ - يَعْنِى ابْنَ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ - يَعْنِى ابْنَ شَدَّادٍ - كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ معمر عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبى هريرة، عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " فى آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن " (¬1) وهذا يفسر الحديث، وأنه بمعنى التأويل الآخر - والله أعلم (¬2). وقال ابن سيرين فى آخر الحديث الأول فى كتاب البخارى (¬3): وأنا أقول فى هذه الأمة، يشير إلى عموم صدق الرؤيا فى هذه الأمة، وأن صدقها لا يختص بصالح من طالح وهو بين؛ إذ غالب رؤيا الصالح فى كل حين الصدق على ما تقدم، دون اشتراط تقارب الزمان. ¬

_ (¬1) الترمذى، ك الرؤيا، ب ما جاء فى رؤيا النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الميزان الدلو 4/ 469. (¬2) وهذا قول الخطابى فى معالم السنن 4/ 282، ابن العربى فى العارضة 9/ 125، ابن بطال فى شرح البخارى 4/ ق 222. (¬3) صحيح البخارى، ك الرؤيا، ب القيد فى المنام 8/ 76، 77.

9 - (2265) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ": قال بعضهم: وإنما كان ذلك - والله أعلم - لانقطاع العلم آخر الزمان، ودروس معالم الديانة، وموت العلماء والصالحين والزاجرين، والناهين عن المنكر، كما أنذر - عليه السلام - به، فجعل الله لهم صدق الرؤيا زاجراً لهم وحجة عليهم وبينها (¬1) لهم. وقوله: " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً " فهذا أيضًا بين؛ لأن غير الصادق فى حديثه يعترى الخلل فى رؤياه لوجهين. أحدهما: أن اعتقاده وتحديثه نفسه قد يجرى فى نومه على عادته من الكذب والتساهل، فيكذب رؤياه. والثانى: عند إخباره بما رآه قد يتسامح فى العبارة عما رآه، ويحقر العظيم، أو يعظم الحقير، ويميل مع هوى نفسه إلى التساهل فيما يحكيه عنها أو عن غيرها من (¬2) رؤياه لما يوافق ذلك - والله أعلم (¬3). وقوله: " رؤيا المسلم (¬4) جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة " وفى رواية أخرى: " من ستة وأربعين "، وفى رواية أخرى: " رؤيا المؤمن "، وفى أخرى: " المسلم "، وفى أخرى: " الصالح، جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة " فخص هنا رؤيا المؤمن وعم فى الأولى، وزاد فى أخرى: " يراها أو ترى له "، وفى حديث آخر: " الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة "، وفى غير مسلم عن ابن عباس: " جزء من أربعين " (¬5)، وعن عبد الله بن عمرو: " من تسعة وأربعين " (¬6)، وفى حديث العباس: " من خمسين " (¬7)، وفى حديث أنس: " من ستة وعشرين " (¬8)، وعن عباده بن ¬

_ (¬1) فى ح: مُنَبِّهًا. ومن الذين نحوا هذا المنحى فى تأويل الحديث ابن بطال فى شرحه على البخارى 4/ ق 222. (¬2) فى ح: فى. (¬3) فسره ابن العربى بذلك، حيث قال بأن الأمثال إنما تضرب له على مقتضى أحواله من تخليط وتحقيق، وكذب وصدق، وهزل وجد، ومعصية وطاعة. انظر. العارضة 9/ 125، المفهم 3/ ق 218. (¬4) فى ح: المؤمن. (¬5) الهيثمى فى مجمع الزوائد، ك التعبير، ب الرؤيا الصالحة 7/ 177، وقال: رواه البزار، وفيه عبد الله ابن عيسى الخزاز وهو ضعيف، من حديث أبى هريرة. (¬6) أحمد 2/ 219، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد، ك التعبير، ب فيمن رأى ما يحب أو غيره 7/ 178 وقال: رواه أحمد من طريق ابن لهيعة عن دراج، وحديثهما حسن، وفيهما ضعف، وبقية رجاله ثقات. (¬7) الهيثمى فى مجمع الزوائد، ك التعبير، ب الرؤيا الصالحة 7/ 176. (¬8) عزاه ابن حجر فى الفتح إلى ابن عبد البر 12/ 363، وانظر التمهيد 1/ 282.

(...) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيد، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الصامت " [من] (¬1) أربعة وأربعين " (¬2)، والأكثر من ذلك والأصح عند أهل الحديث: " من ستة وأربعين " (¬3). قال الإمام: أما قوله: " رؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة " فإنه مما قال بعض الناس فيه: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقام يوحى إليه ثلاثة وعشرين عامًا، عشرة بالمدينة وثلاثة عشر بمكة، وكان قبل ذلك بستة أشهر يرى فى المنام ما يلقيه إليه الملك - عليهما السلام - وذلك نصف سنة من ثلاثة وعشرين سنة جزءاً من ستة وأربعين جزءاً (¬4). وقد قيل: إن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خُص دون الخليفة بضروب وفنون، وجعل له إلى العلم طرق لم تجعل لغيره، فيكون المراد: أن المنامات نسبتها مما حصل له وميز به جزء من ستة وأربعين، فلا يبقى على هذا إلا أن يقال: بينوا هذه الأجزاء. ولا يلزم العلماء أن تعرف كل شىء جملة وتفصيلاً، وقد جعل الله - سبحانه - للعلماء حداً تقف عنده، فمنها ما لا تعلمه أصلاً، ومنها ما تعلمه جملة ولا تعلمه (¬5) تفصيلاً وهذا منه، ومنها ما تعلمه جملة وتفصيلاً، لا سيما ما طريقه السمع، ولا مدخل للعقل فيه، فإنما يعرف منه قريباً (¬6) عرف به السمع. وقد مال بعض شيوخنا إلى هذا الجواب الثانى، وقدح فى الأول؛ لأنه لم يثبت أن أمد رؤياه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل النبوة كانت ستة أشهر ومائة بعد الهجرة (¬7) رأى منامات كثيرة، فيجب أن يلعق فيها (¬8) ما يضاف إلى الستة أشهر، فيتعين (¬9) الحساب وتفسد النسبة، ولا وجه عندى لاعتراضه بما كان من المنامات خلال زمن الوحى؛ لأن الأشياء توصف بما يغلب عليها وينسب إلى الأكثر منها، فلما كان الستة أشهر محضاً فى المنامات والثلاثة وعشرون سنة جاها (¬10) وحى، وإنما فيه منامات شىء يسير يعد عدًّا، صح أن يطرح الأقل فى حكم النسبة والحساب. ويحتمل عندى أن يراد بالحديث وجه آخر، وهو أن يمره (¬11) المنامات الخبر [لا البر] (¬12) وإن كان يبيع (¬13) ذلك إنذار وتبشير، والأخبار بالغيب أحد ثمرات النبوة ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬2) الطبرى 7/ 135 فى تفسير سورة يونس آية 64، وانظر: الفتح 12/ 363. (¬3) انظر: المفهم 3/ ق 218 أ، شرح البخارى 4/ ق 216. (¬4) انظر: أعلام الحديث 4/ 2315، معالم السنن 5/ 281، وقال ابن العربى: إن هذا يفتقر إلى نقل صحيح، ولو ثبت بالنقل ما أفادنا شيئاً فى غرضنا، والأصح حمل اللفظ عليه. انظر: القبس 2/ 353. (¬5) فى ح: يعلم. (¬6) فى ح: قدر ما. (¬7) فى ح: النبوة. (¬8) فى ح: منها. (¬9) فى ح: فيتغير. (¬10) فى ح: جلها. (¬11) فى ح: ثمرة. (¬12) فى ح: بالغيب لا أكثر. (¬13) فى ح: يتبع.

(...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْح، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْك، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ - كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ اللَّيْث: قَالَ نَافِعٌ: حَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: " جُزْءٌ مِنْ سَبْعِين جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأحد فوائدها، وهو فى جنب فوائد النبوة والمقصود بها يسير؛ لأنه يصح أن يبعث نبى ليشرع الشرائع، ويبين الأحكام، ولا يخبر بغيب أبدًا، ولا يكون ذلك قادحًا فى نبوته، ولا مبطلاً للمقصود منها. وهذا الجزء من النبوة - وهو الإخبار بالغيب - إذا وقع فلا يكون إلا صدقاً ولا يقع إلا حقًّا. والرؤيا بما (¬1) دلت على شىء ولم يقع ما دلت عليه، إما لكونها من الشيطان، أو من حديث النفس، أو من غلط العابر فى أصل العبارة، إلى غير ذلك من الضروب الكثيرة التى توجب عدم الثقه بدلالة المنام. فقد صار الخبر بالغيب أحد ثمرات النبوة وهو غير مقصود فيها، ولكنه لا يقع إلا حقًّا وثمرة المنام الإخبار بالغيب، ولكنه قد لا يقع صدقاً فتقدر النسبة فى هذا بقدر ما قدره الشرع بهذا العدد، على حسب ما أطلعه الله تعالى عليه، ولأنه يعلم من حقائق نبوته ما لا نعلمه (¬2) نحن. وهذا الجواب وإن كان فيه ملاحظة لما قدمناه من الجواب الثانى عن بعض أهل العلم، فإنهم لم يكشفوه لهذا، ولا بسطوه هذا البسط (¬3). وأما اختلاف الروايات فى هذا القدر، ففى كتاب مسلم: " خمسة "، وفيه: " ستة "، وفيه: " جزء من سبعين جزءاً من النبوة ". وقد أشار الطبرى إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائى، فالمؤمن الصالح تكون نسبة رؤياه من ستة وأربعين، والفاسق سبعين؛ ولهذا لم يشترط فى رواية السبعين فى وصف الرائى ما اشترط فى وصف الرائى فى الحديث المذكور فيه ستة وأربعين، فقد قال فى بعض طرق مسلم: " رؤيا الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة "، هان كان قد أطلق فى بعض طرقه فقال: " رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين "، وقال فى السبعين: " الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة "، ولم يشترط كون الرائى صالحاً. وقد يحمل مطلق قول الرؤيا الصالحة جزءًا من ستة وأربعين على أن المراد به إذا كان (¬4) من رجل صالح، بدليل الحديث الآخر. ¬

_ (¬1) فى ح: ربما. (¬2) فى ح: نعلم. (¬3) نقل هذا الجواب الخطابى عن بعض العلماء، حيث قال: قال بعض العلماء: معناه: أنها جزء من أجزاء علم النبوة باق والنبوة غير باقية بعد رسول الله. وهذا الذى نحا إليه الخطابى، وقال أيضًا: قال بعض العلماء: معناه: أن الرؤيا تجىء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة. معالم السنن 5/ 281، وانظر: أعلام الحديث 4/ 2319. (¬4) فى ح: كانت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قيل: إن المنامات دلالات، والدلالات منها خفى ومنها حكى (¬1)، فيما (¬2) ذكر فيه السبعون أريد به [أنه] (¬3) الخفى منها، وما ذكر فيه الستة وأربعون أريد به الجلى منها. قال القاضى: قد قيل فى تنزيل هذه الأحاديث ما تقدم، وقد قيل: إن المراد بها أنها خصلة من خصال النبوة، وخصلة من خصائصها، كما قال فى الحديث الآخر: " القصد والتؤدة وحسن السمت جزء من خمسة وعشرين من النبوه " (¬4)، وقد جاء هذا (¬5) الحديث بألفاظ مختلفة وزيادات، واختلاف فى الأجزاء. فيحتمل أن حصر هذه الخصال إلى هذا العدد المذكور مراده، ويحتمل أنه مرة يأتى بها على إجمال النوع الواحد منها، كما جعل القصد والتؤدة وحسن السمت فى هذا الحديث جزءاً فيكون أقسامها (¬6) على عددها على هذا الترتيب، فإذا فصلت آحاد أنواعها انقسمت على أكثر من ذلك وبلغت الخمسين والسبعين، بحسب الالتفات إلى آحادها، وليس فى حديث منها أنه ليس للنبوة خصال وخصائص سوى أحد هذه الأعداد حتى يحمل على التخالف والتناقض، وإنما أخبر أن هذا الشىء واحد من عدد خصائصها وترك تمام العدد، وإحصاء ذلك مرة ومرة قصد تمام عدده وإاحصائه - والله أعلم. وقد (¬7) يكون جزءاً من أربعين أو دونها على ما جاء فيمن كان من أهل إسباغ الوضوء فى السبرات والصبر على المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. ومن كان حاله بخلاف ذلك فبحسبها تكون رؤياه من الأربعين إلى السبعين [لاينقص من الأربعين ولا يزاد فى السبعين، وقيل] (¬8): [قد] (¬9) يحتمل أن تكون هذه التجزئة من طرق الوحى [و] (¬10) منه ما سمع من الله دون واسطة، كما قال [{مِن وَرَاءِ حِجَاب} (¬11) ومنه بواسطة الملك، كما قال] (¬12): {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} (¬13)، ومنه ما يلقيه فى القلب كما قال: {وَحْيًا} (¬14)، ثم منه ما يأتيه به الملك على صورته (¬15)، ومنه ما يأتيه به على صورة الآدمى، وقد (¬16) يعرفه كما جاء فى غير حديث (¬17)، ومنه ما يتلقاه منه وهو لا يعرفه حتى يعرفه آخركحديث: " ردوا على الرجل " (¬18)، ومنه ما يأتيه به فى منامه بحقيقة كقوله: " الرجل مطبوب " ¬

_ (¬1) فى ح: جلى. (¬2) فى ح: فما. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬4) مالك، ك الشعر، ب ما جاء فى المتحابين فى الله 2/ 954 (17). (¬5) من هذه الأحاديث: مارواه الترمذى من حديث عبد الله بن سرجس. السنن 4/ 322 (2010)، الطبرانى من حديث ابن عباس. انظر: مجمع الزوائد 3/ 93. (¬6) فى ح: انقسامها. (¬7) فى ح: قيل. (¬8) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬9) ساقطة من ح. (¬10) فى ح: إذ. (¬11) الشورى: 51. (¬12) سقط من ز. (¬13) و (¬14) الشورى: 51. (¬15) انظر: صحيح البخارى، ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم آمين والملائكة فى السماء آمين (4/ 83 الفتح). (¬16) فى ح: وهو. (¬17) انظر: البخارى 4/ 80، مسلم 4/ 1816 حديث رقم (87) ك الفضائل. (¬18) مسلم، ك الإيمان (5).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه ما ما يأتيه به بالمثال، وأحياناً يسمع الصوت ويرى الضوء (¬1)، وأحياناً يغط ويأخذه به فى الرحضاء (¬2)، ومنه ما يأتيه كصلصلة الجزيئين (¬3)، ومنه ما يلقيه روح القدس (¬4). إلى غير ذلك مما وقفنا عليه ومما لم نقف عليه. فنقول: الرؤيا [التى هى] (¬5) بضرب المثل جزءٌ من ذلك العدد من أجزاء الوحى - والله أعلم. وبالجملة فى هذا كله صحة أمر الرؤيا وتعظيم شأنها وعلمها، وأنها جزءٌ من النبوة، وخاصية من خصائصها، وكانت حقيقة من أجزاء النبوة لما فيها من الإعلام الذى هو معنى النبوة على أحد الوجهين. وقد قال كثير من العلماء: إن للرؤيا ملكًا وكل بها يرى الرائى من ذلك ما فيه تنبيه على ما يكون له، أو يقدر عليه من خير أو شر، وهذا من معنى النبوة؛ لأن لفظ النبى قد يكون فعيلاً بمعنى مفعول كجريح [بمعنى مجروح] (¬6) أى يعلمه الله ورسله أنه نبى ويطلعه من غيبه فى منامه [على] (¬7) ما لا يظهر عليه أحدًا إلا من ارتضى من رسول، وقد يكون معنى نبى: فعيل بمعنى فاعل، كعليم، أى يعلم غيره بما أوحى إليه، وهذا أيضاً صورة صاحب الرؤيا. وقوله: " والرؤيا ثلاث، فالرؤية الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء [به] (¬8) نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل " (¬9) الحديث: قد تقدم هذا المعنى، وذكره هنا الصلاة لما فيها من التضرع والمناجاة ومراغمة الشيطان بالقطع به عن الرجوع إلى النوم ليعيد عليه التحزين، ويقطع عنه وسواسه وما يحدث به المرء نفسه. وهذه الأقسام من الرؤيا لا رابع لها؛ لأن ما يكون من الأخلاط من باب ما يحدث به المرء نفسه، لأن غلبة حديث المرء عليه فى يقظته تعتريه فى نومه حتى يسمعه يتكلم به، وقد يعتريه عند شدة مرضه وبرسامة (¬10) إغمائه حتى فى صحته عند اشتغال سره، يتكلم بشىء مع غيره فنقلت (¬11) اللفظ ويغير الخطاب ببعض الكلمات والأسماء التى يحدث بها المرء نفسه. وكذلك غلبة الخلط عليه هو من هذا الباب. والصادقة من هذه الأقسام الثلاثة التى لا أضغاث فيها هو ما هو بشرى من الله، وكذلك ما كان إنذاراً منه فيما يخشى، فهو كله عناية من الله بعبده وتقدمة [له] (¬12) لا يصيبه من خير يفرح به ويستعد له، أو شر [فيتوقاه] (¬13) ويكون على أهبة له ثم هى على ضربين: منه ما يخرج على وجهه كما رآه، ¬

_ (¬1) مسلم، ك الفضائل (123). (¬2) مسلم، ك الفضائل (86). الرحضاء: عرق الحمى. انظر: اللسان. (¬3) فى ح: الجرس. (¬4) انظر: الطبرانى فى الكبير، وأبو نعيم فى الحلية 10/ 27. (¬5) فى ح: هى التى. (¬6) سقط من ح، والمثبت فى ز. (¬7) ساقطة من ح. (¬8) ساقطة من ز. (¬9) حديث رقم (6) بالباب (¬10) هى علة معروفة، وهى التهاب فى الغشاء المحيط بالرئة. انظر: اللسان والوسيط. (¬11) فى ح: فيقلب. (¬12) و (¬13) فى هامش ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه ما يحتاج إلى تأويل، والوجهان الآخران هما اللذان يدخلهما الأضغاث وباطل الرؤيا. وقوله: " من رأى رؤيا حسنة [فليقص " (¬1) له الرواه] (¬2) بالباء، وعند العذرى: " فلينشر " بالنون، وهو تصحيف، إنما هو من البشارة. بشرت الرجل مخففا أبشره بالضم، ويبشر به أيضاً مشددًا، وأبشره هو وبشر من البشرى. وقوله: " وأحب القيد، وأكره الغل والقيد ثبات فى الدين " (¬3) فلا أدرى هو فى الحديث أم قاله ابن سيرين. كذا ذكره مسلم فى حديث الثقفى عن أيوب السختيانى، عن ابن سيرين، عن أبى هريرة، وذكر فى حديث معمر عنه قال أبو هريرة: " فيعجبنى القيد، وأكره الغل " الحديث، وكذلك ذكر الحديث كله من رواية حماد (¬4) بن زيد عن أيوب وهشام من قول أبى هريرة، ولم يذكر فيه النبى، وذكره من رواية قتادة عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة، عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وأخرج (¬5) قوله ت " وأكره الغل " إلى تمام الكلام (¬6)، ومعناه: أدخله متصلاً بكلام النبى - عليه السلام - وهذا النوع يسميه أهل الحديث المدرج جاء هذا الحديث فى القيد والغل مجملاً، وأحب القيد لأنه فى الرجلين، فهو كف فى العبارة عن المعاصى والشر ومخالفة الدين، والغل إنما هو فى العنق، وقد وصف الله به أهل النار فقال: {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُون} (¬7) فهو مذموم لهذا، لكن أهل علم العبارة تركوا هاتين المسألتين (¬8) نوازل بحسب قراءتها وأحوالها. فإذا كان القيد فى الرجلين وصاحبه فى مسجد أو مشهد خير أو على حالة حسنة وفعل جميل فسره (¬9) بثباته فيه، كذلك ولو رآه (¬10) ذو أمر أو سلطان لدله على ثباته فيه أيضاً، وبضد ذلك فلو رآه (¬11) مريض أو مسجون أو مسافر أو مكروه فهو ثباته فيه، وكذلك لو قارنه ما يكره فى العبارة، مثل أن يكون القيد مع الغل غلب فيه المكروه؛ لأنها [من] (¬12) ¬

_ (¬1) حديث رقم (3) بالباب. (¬2) فى ح: فليبشر كذا الرواية. (¬3) حديث رقم (6) بالباب. (¬4) حماد بن زيد بن درهم أبو إسماعيل البصرى، الإمام الفقيه الحافظ الثقة، كان ضريراً، وأكبر فوائده. فى الأقضية والأحكام، قال عنه الإمام أحمد: هو من أئمة المسلمين من أهل الدين، ت 179 هـ، انظر: تذكرة الحفاظ 1/ 228، تهذيب التهذيب 3/ 9. (¬5) فى خ: أدرج فيه. (¬6) حديث رقم (6) بالباب. (¬7) غافر: 71. (¬8) استدركت فى هامش ح. (¬9) فى ح: بشره. (¬10) فى ح: لو رأى ذلك. (¬11) فى ح: رأى ذلك. (¬12) ساقطة من ز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صفات السخوط عليهم والمعذبين، ولمعاضدة الصورة الواحدة الثابتة ظاهراً ومعنى. وأما الغل فمذموم مكروه لما ذكرناه، وذلك إذا كان فى العنق وربما دل على الكفر والبدعة وشهادة الزور، أو حكم بجور وعلى المرأة السوء، لقوله - عليه السلام -: " غل قمل، وليقيد (¬1) ذلك فى الأعناق " (¬2) وقد يدل على الولاية (¬3) إذا كانت معهما قرائن ولما جاء: " أن كل وال يحشر مغلولاً حتى يطلقه عدله ". وإن كانت المغلولة اليدان دون العنق كان عندهم حسنًا، ودل على كف اليدين عن الشر، وربما دل على بخل البخيل، ومنعه لقول اليهود: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} (¬4) ويدل على المنع والحبس عما يهم به الإنسان من أمر [وتنويه] (¬5) فى يقظته. ¬

_ (¬1) فى ح: لتقلد. (¬2) لم نعثر على هذا الكلام فى كتب الحديث وإنما هو قول عمر، انظر: النهاية 3/ 381. (¬3) فى ح: الولايات. (¬4) المائدة: 64. (¬5) فى ح: دنياه وثبوته.

(1) باب قول النبى عليه الصلاة والسلام: " من رآنى فى المنام فقد رآنى "

(1) باب قول النبى عليه الصلاة والسلام: " من رآنى فى المنام فقد رآنى " 10 - (2266) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " من رآنى فى المنام فقد رآنى، فإن الشيطان لا يتمثل بى "، وفى رواية: " [فإنه] (¬1) لاينبغى للشيطان أن يتمثل فى صورتى "، وفى الحديث الآخرة: " فقد رأى الحق ". قال الإمام: اختلف المحققون فى تأويل هذا الحديث، فذهب القاضى أبو بكر بن الطيب - رحمه الله - إلى أن المراد بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رآنى فى المنام فقد رآنى " أنه رأى الحق، وأن رؤياه لا تكون أضغاثًا، ولا من تشبهات الشيطان. ويعضد ما قاله بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بعض الطرق: " من رآنى فقد رأى الحق " إن كان المراد به ما أريد بالحديث الأول فى المنام. وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن الشيطان لا يتمثل بى ": إشارة إلى أن المراد أن رؤياه لا تكون أضغاثًا وإنما تكون حقًّا، وقد يراه الرائى على غير صفته المنقولة إلينا، كما لو رآه شيخاً أبيض اللحية، أو على خلاف لونه، أو يراه رؤيتين فى زمان واحد، أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب، ويرأه كل واحد منهما معه فى مكانه. وقال آخرون [بل] (¬2): الحديث محمول على ظاهره، والمراد: أن من رآه فقد أدركه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولا مانع يمنع من ذلك، ولا عقل يحيله حتى يضطر إلى صرف الكلام عن ظاهره. وأما الاعتلال بأنه قد يرى على خلاف صفته المعروفة وفى مكانين مختلفين معاً، فإن ذلك غلط فى صفاته، ويخيل لها على غير ما هى عليه. وقد يظن بعض الخيالات مرئيات، لكون ما يتخيل مرتبطاً بما يرى فى العادة، فتكون ذاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرئية وصفاته مختلفة (¬3) غير مرئية، والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافات، لا يكون المرئى مدفوناً فى الأرض ولا ظاهراً عليها، وإنما يشترط كونه موجوداً. ولم يقم دليل على فناء جسمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل جاء فى بعض الأخبار (¬4) ما يدل على بقياه صلوات الله عليه، ويكون اختلاف الصفات ¬

_ (¬1) و (¬2) سقطتا من ز. (¬3) فى ح: متخيلة. (¬4) حديث: " إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " ابن ماجة، ك إقامة الصلاة (1085)، أبو داود ك الصلاة (1047)، أحمد 4/ 8.

11 - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَسَيَرانِى فِى الْيَقَظَةِ - أَوْ لَكَأَنمَا رَآنِى فِى الْيَقَظَةِ - لا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِى ". (2267) وَقَالَ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ رَآنِى فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المتخيلة ثمرتها اختلاف [الصفات المتخيلة] (¬1) الدلالات. وقد ذكر الكرمانى (¬2) فى باب رؤية النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وقد جاء فى الحديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رؤى شيخًا فهو عام سلم، وإذا رؤى شاباً فهو عام حرب. وكذلك أحد جوابهم عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لو رؤى آمرًا بقتل من لا يحل قتله، فإن ذلك من الصفات المستحيلة (¬3) له لا المرئية. وجوابهم الثانى: منع وقوع مثل هذا. ولا وجه عندى لمنعهم إياه مع قولهم فى تخيل الصفات، فهذا انفصال، هؤلاء عما احتج به القاضى (¬4). وللمسألة تعلق بغامض الكلام فى الإدراكات وحقائق متعلقاتها، وبسطه خارج عن طريقة هذا الكتاب. قال القاضى: يحتمل معنى قوله: " فقد رآنى " و " فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل بى " إذا رؤى على الصفة التى كان عليها فى حياته لا على صفة مضادة لحاله، فإن رؤى على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة، فإن من الرؤيا ما يخرج على وجهه، ومنها ما يحتاج إلى تأويل وعبارة. قال بعضهم (¬5): خص الله نبيه بعموم صدق رؤياه كلها، ومنع الشيطان أن يتمثل فى صورته؛ لئلا يتذرع بالكذب على لسانه فى النوم، ولما خرق الله العادة للأنبياء دليلاً على صحة حالهم فى اليقظة، واستحالة تصور الشيطان على صورته فى اليقظة ولا على صفة مضادة لحاله؛ إذ لو كان ذلك لدخل اللبس بين الحق والباطل، ولم يوثق بما جاء من جهة النبوة مخافة هذا التصور، فحمى الله حماها لذلك من الشيطان وتصوره ونزغه وإلقائه وكيده على الأنبياء، وكذلك حمى رؤياهم أنفسهم ورؤيا غير النبى للنبى عن تمثيل الشيطان بذلك لتصح رؤياه فى الوجهين، ويكون طريقاً إلى علم صحيح لا ريب فيه. ¬

_ (¬1) غير موجودة فى ح، وضرب عليها بخط فى ز. (¬2) هو إبراهيم بن عبد الله بن محمد الكرمانى الأصبهانى، المشهور بابن خرشيد، ولد 307 هـ، ودخل بغداد 321 هـ، وعاصر الهدى وفسر له الرؤية، وله كتاب فى الرؤية. انظر: السير 17/ 69، العبر 2/ 196، نزهة الألباء فى طبقات الأدباء - ترجمة أبى بكر بن الأنبارى. (¬3) فى ح: المتخيلة. (¬4) هو أبو بكر الباقلانى. (¬5) منهم: ابن بطال فى شرح البخارى 4/ ق 214، ك التعبير.

(...) وَحَدَّثنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا عَمِّى. فَذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا بِإِسْنَادَيْهِمَا. سَوَاءً. مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ. 12 - (2268) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْح، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِر؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ رَآنِى فِى النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِى، إِنَّهُ لا يَنْبَغِى لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمثَّلَ فِى صُورَتِى ". وَقَالَ: " إِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ فَلا يُخْبِرْ أحَدًا بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ فِى الْمَنَامِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يختلف العلماء فى جواز صحة رؤية الله فى المنام، وإذا رئى على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجسام للتحقيق أن ذات (¬1) المرئى غير ذات الله؛ إذ لا يجوز عليه التجسيم ولا اختلاف فى الحالات، بخلاف رؤية النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى النوم، فكانت رؤيته - تعالى - فى النوم من أنواع الرؤيا من التمثيل والتخيل (¬2). قال القاضى أبو بكر: رؤية الله تعالى فى النوم أوهام وخواطر فى القلب بأمثال لا تليق به بالحقيقة، ويتعالى سبحانه عنها، وهى دلالات الرائى على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات (¬3). قال غيره من أهل هذا الشأن: وإذا قام الدليل، للعابد فى رؤية البارى أنه هو المرئى لا تأويل له يغره كانت حقًّا صدقاً لا كذب فيها، لا فى قود ولا فعل (¬4). قال الإمام: وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة " " أو كأنه (¬5) رآنى فى اليقظة "، فإن كان المحفوظ: " كأنما رآنى فى اليقظة " فتأويله مأخوذ مما تقدم، وإن كان المحفوظ: " فسيرانى فى اليقظة " فيحتمل [أنه يريد] (¬6) أهل عصره ممن لم يهاجر إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه إذا رآه فى المنام فسيراه فى اليقظة، ويكون البارى جعل رؤية المنام علمًا على رؤية اليقظة، فأوحى بذلك إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال القاضى: وقيل: معناه: يرى تصديق تلك الرؤيا فى اليقظة [وصحتها. وأبعد بعضهم أن يكون معناه: سيرانى فى اليقظة أى] (¬7) فى الآخرة، إذ يراه فى الآخرة جميع أمته، من رآه ومن لم يره (¬8). ¬

_ (¬1) فى ح: ذلك. (¬2) اتفق الصحابة والتابعون ومن بعدهم على جواز وقوعها، وروى ما أهل العلم حديثاً من طرق كثيرة: أنه رأى ربه فى المنام. انظر: سراج الطالبين على منهاج العابدين، شرح إحسان محمد دحلان 1/ 133، المفهم 3/ ق 22، مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 390، الفقه الأكبر بشرح القارى ص 13. (¬3) نقله ابن بطال فى شرح البخارى 4/ ق 214، القرطبى فى المفهم 3/ ق 222. (¬4) انظر: ابن بطال فى شرح البخارى 4/ 215 كتاب التعبير. (¬5) فى ح: كأنما. (¬6) استدركت فى هامش ح. (¬7) استدركت فى هامش ح. (¬8) ممن قال هذا ابن بطال فى شرح البخارى 4/ ق 214.

13 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم، حَدَّثَنَا رُوحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ رَآنِى فِى النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِى لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ولا يبعد عندى أنه محتمل لهذا، وأن تكون رؤياه له فى النوم على الصفة التى عرف بها ووصف عليها موجبة لكرامته فى الآخرة، ورؤيته إياه رؤية خاصة فى القرب منه أو الشفاعة فيه، ونحو هذا من خصوصية الرؤية. وقد قيل فى قوله - عليه السلام - فى المسلم والكافر: " لا تراءى ناراهما " (¬1) أى لا يجتمعان فى الآخرة، ويبعد كل واحد منهما من صاحبه. وفيه تأويلات معروفة، ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين فى القيامة بمنعه رؤية محمد نبيه وشفيعه مدة. ¬

_ (¬1) هذا الحديث رواه: أبو داود، ك الجهاد 3/ 45، الترمذى، ك السير 4/ 132، النسائى 8/ 36، انظر معنى هذا الحديث فى معالم السنن، ك الجهاد 5/ 105.

(2) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به فى المنام

(2) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به فى المنام 14 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ لأَعْرَابِىٍّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّى حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِى قُطِعَ، فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " لا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِى الْمَنَامِ ". 15 - (...) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عن الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِى ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأَعْرَابِى: لا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِى مَنَامِكَ ". وَقَالَ: سَمِعْتُ النَبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعدُ يَخْطُبُ فَقَالَ: " لا يُحَدِّثنَّ أَحَدُكُمْ بِتَلَعُّبَ الشَّيْطَانِ بِهِ فِى مَنَامِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للأعرابى الذى جاءه فقال: إنى حلمت أن رأسى قطع فأنا أتبعه فزجره، وفى رواية: فتدحرج فاشتددت على أثره، وقال:: لا تخبر بتلعب الشيطان بك فى المنام "، قال الإمام: يحتمل أن يكون - عليه السلام - علم أن منامه هذا من الأضغاث بوحى أوحى إليه، أو دلالة فى المنام دلته على ذلك، أو على أنه من المكروه الذى هو تحزين الشيطان. وحكى عن بعض العابدين أنه قال: يمكن أن يكون اختصر من المنام، أو سقط عن بعض الرواة منه ما لو ذكر لدل على أنه من الأضغاث. وأما العابدون فيتكلمون فى كتبهم على قطع الرأس، ويجعلونه - على الجملة - دلالة على مفارقة ما فيه الرائى من النعم، ويفارق من هو فوقه، ويزول سلطانه، وغير (¬1) حاله فى جميع أموره، إلا أن يكون عبدًا فتدل على عتقه، أو مريضاً فعلى شفائه، أو مدياناً فعلى قضاء دينه، أو ضرورة فعلى حجة، أو مغمومًا فعلى فرجه، أو خائفًا فعلى أمنه. وينظرون - أيضاً - فى اتساع هذا له ويصرفون دلالة ذلك فيما مضى مما ذكرناه عنهم، وفى غيره مما لم يذكره حتى يخلص لهم معنى مما قلناه، أو معنى آخر يقتضيه دلالة الحال، وهذا مصروف للعابدين، وإنما ذكرنا دلالة قطع الرأس على الجملة لا الحكم بغير هذا المنام بعينه. وقد ذكر ابن قتيبة فى كتابه (¬2) - كتاب الأصول لعبارة [الرؤيا] (¬3)، أن رجلاً قال: يا رسول الله، رأيت فيما يرى النائم كأن رأسى قطع، فجعلت انظر إليه بإحدى ¬

_ (¬1) فى ح: ويتغير. (¬2) هذا الكتاب مفقود. (¬3) ساقطة من ز.

16 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ رَأْسِى قُطِعَ. قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِى مَنَامِهِ، فَلا يُحَدثْ بِهِ النَّاسَ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: " إِذَا لُعِبَ بِأَحَدِكُمْ " وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّيْطَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عينى، فضحك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " بأيهما كنت تنظر إليه؟ " (¬1) فلبث ما شاء الله، ثم قبض النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فعبر الناس أن الرأس كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2) والنظر إليه كان اتباع السنة. ¬

_ (¬1) انظر: المطالب العالية (2827). (¬2) سقط من ز.

(3) باب فى تأويل الرؤيا

(3) باب فى تأويل الرؤيا 17 - (2269) حدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِىِّ، أَخْبَرَنِى الزُّهْرِىُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - أَوْ أَبَا هُرَيْرَةَ - كَانَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ - وَاللَّفْظَ لَهُ. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِى يُونَسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتَبَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاس كَانَ يُحَدِّثُ أَنْ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَرَى اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلِ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيْدِيهِمْ، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ. وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلاً منَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدكَ فَعَلا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُل آخَرُ فَانْقَطَعَ بِهِ، ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: يا رسول الله، إنى كنت أرى الليلة فى المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمقل، وأرى سبباً واصلاً من السماء إلى الأرض، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر من بعدك فعلا، ثم اْخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل له فعلا. قال أبو بكر - رضى الله عنه -: يا رسول الله، بأبى أنت وأمى، والله لتدعنى فلأعبرنها. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعبرها ". قال أبو بكر: [يا رسول الله] (¬1) أما الظلة فظلة الإسلام، وأما الذى ينطف من السمن والعسل فالقرآن، حلاوته ولينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذى أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرنى يا رسول الله بأبى أنت؛ أصبت أم أخطأت؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً ". قال: فوالله يا رسول الله، لتحدثنى بالذى أخطأت. قال: " لا تقسم "، قال الإمام: اختلف الناس فى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا " فقال بعضهم: المراد بأنه أصاب عبرها، وأخطأ فى تقدمه بين يدى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعبر المنام وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاضر. ورد بعض العلماء هذا التأويل بأن قالوا: قد أذن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له فى ذلك وقال له: " اعبرها "، فلا ملام عليه فى التقدم. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِى أَنْتَ، وَاللهِ، لَتَدَعَنِّى فَلأَعُبَرَنَّهَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعبُرْهَا ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّاَ الظُّلَّةُ فَظَلَّة الإِسْلامِ، وَأَمَّا الَّذِى يَنْطِفُ مِنْ السَّمْنِ وَالعْسَلِ فَالْقُرْآنُ، حَلاوَتُهُ وَلِينُهُ، وأمَّا ما يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأخُذُ بِهِ فَيُعَلِيكَ اللهُ بِهِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرَ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبَرَنِى يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِى أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأتُ؟ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَصَبْتُ بَعْضًا، وَأَخْطَأتَ بَعْضًا ". قَالَ: فَوَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لَتَحُدَّثَنِى مَالَّذِى أَخْطَأتُ؟ قَالَ: " لا تُقْسِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخرون: إنما وقع الخطأ عليه فى أمر أغفله وأضرب عن تفسيره، فصار كأنه قصر فى العبارة لا على أنه قال قولاً أخطأ فيه. واختلف أصحاب هذه الطريقة على قولين فيما إذا أغفل، فقال بعضهم: ذكر الرائى أنه رأى ظلة تنطف السمن والعسل، فعبر الصديق - رضى الله عنه - ذلك بالقرآن حلاوته ولينه، وذلك عبر العسل ولم يعبر السمن، وأغفل ذكره، قالوا: وقد يكون العسل كناية عن القرآن، والسمن كناية عن السنة، فكأنه كان من حقه أن يقول: أما الذى ينطف فالقرآن وما سننت أنت من السنين. وإلى هذا التأويل أشار الطحاوى (¬1). وقال بعضهم: فإن المنام يدل على خلع عثمان؛ لأنه ذكر أنه أخذ بالسبب فانقطع به، وذلك يدل على انخلاعه بنفسه، ولما انقطع به دل على خلعه قهراً. وإذا كان عثمان - رضى الله عنه - قد خلع قهراً وقتل، حمل الوصل المسبب على ولاية غيره من بعده من قومه. وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقسم " لما سأله أن يحدث بما يجرى فى الفتن عن (¬2) أصحابه، ويذكر لعثمان بأنه يبتلى. وقال بعض أهل العلم فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حض على إبرار المقسم (¬3) ولم يبر قسم أبى بكر، وما هذا إلا لما رآه من المصلحة فى ترك هذا وإبرار المقسم إذا منع منه مانع خرج من الحديث المذكور فيه الحض عليه. قال القاضى: قيل: خطأه فى قوله: " فتوصل (¬4) له فيعلو به "، وليس فى الرؤيا إلا أنه يوصل وليس فيها: " له "، ولذلك لم [يذكر: " له "، لكن] (¬5) وصله ¬

_ (¬1) انظر: مشكل الآثار 1/ 290. (¬2) فى ح: بين. (¬3) البخارى 7/ 51، مسلم حديث رقم (1)، ك اللباس. (¬4) فى ح: فيوصل. (¬5) فى ح: يكن.

(...) وحدّثناه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ أُحُدٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ ظُلَّةً تنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لعثمان إنما كان لعلى. وقيل: الخطأ هاهنا بمعنى الترك، أى تركت بعضًا لم تفسره [كما قيل قوله] (¬1). ومن يخطئ يعمر فيهرم (¬2) وقيل: خطأه فى سؤاله إياه ليعبرها، ونحوه لأبى محمد بن أبى زيد فى تأويلها، وإن كان قد أذِنَ له فى ذلك. وقيل فى قوله: " لا تقسم ": لعله فى ألا يوبخه بلسانه أنه فى التقدم بين يديه على ما تقدم من أحد التأويلات فى خطئه، أو على ترك تعيين الرجال المذكورين فى الحديث الذى لم يصل أبو بكر إلى ذلك بطريق العبارة، ولم ير النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعيينهم؛ إذ لو عينهم لكان كالنص عليهم، وقد شاء الله أن تكون الخلافة على غير هذا الوجه، أو تكون لما يدخل فى النفوس، لا سيما من الذى انقطع فى يده السبب. وفيه دليل على أدب الناس والمتعلمين بين يدى العالم، وألا يتقدموا بين يديه بالكلام إلا عن إذنه، ولا يفتوا [من سأله] (¬3) إلا بأمره. قالوا: وفيه جواز سكوت العابر وكتمه عبارة الرؤيا؛ إذا كان فيها ما يكره أو فى السكوت عنها مصلحة وفى ذكرها مضرة وفتنة [على الناس] (¬4). وفيه أن الرؤيا ليست لأول عابر على كل حال؛ إذ لو كانت لأول عابر لم يخطئ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر فيها. قالوا: وتفسير ما جاء عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا لأول عابر (¬5) معناه: إذا أصاب وجه العبارة وإلا فهى لمن أصابها بعده، ولا يجب أن يسأل عنها غير أول عابر، إلا أن يظهر له منه تقصير وخطأ فى العبارة، كما فعل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصديق. قال أهل هذا العلم: لا يعبر الرؤيا عبارة عابر ولا غيره، وكيف يصح هذا وإن [تعين ما جاء] (¬6) فى أم الكتاب غير أن الذى يستحب لمن لم تندر (¬7) فى علم التأويل ولا اتسع فيه أن [لا] (¬8) يتعرض لما قد سبق إليه من ثبت (¬9) علمه وصحت ¬

_ (¬1) فى ح: قال. (¬2) هذا جزء من بيت شعر لزهير بن أبى سلمى. (¬3) فى ح: عن أمر يساله. (¬4) سقط من ز. (¬5) البخارى، ك التعبير، ب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب. الفتح 12/ 431، وله شاهد أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجة بسند حسن. (¬6) فى ح: يغير ما جاءت نسخته. (¬7) فى ح: يتدرب. (¬8) ساقطة من ز. (¬9) فى ز: تبت.

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانَ مَعْمَرٌ أَحْيَانًا يَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْيَانًا يَقُولُ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى أَرَى اللَّيْلَةَ ظُلَّةً. بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبارته (¬1)، ولا ينبغى أن يسأل صاحب الرؤيا عنها إلا عالمًا ناصحًا أمينًا (¬2). وقد قال مالك (¬3) - وقيل له: أتعبر على الرؤيا على الخير وهى عنده على الشر؟ - فقال: معاذ الله، أبالنبوة يتلعب؟ هى من أجزاء النبوة. وقوله فى الحديث: " إنى أرى الليلة " فقال ثعلب: يقال من لدن الصباح إلى الظهر. أريت (¬4) الليلة، يعنى عن الماضية، ومن الظهر إلى الليل: أرأيت البارحة. قال الإمام: وأما الظلة فهى سحابة (¬5). " وتنطف " معناها: تقطر، و" يتكففون ": يأخذون بأكفهم. و" سببًا واصلاً من السماء إلى الأرض " بمعنى موصولاً، فيكون فاعلاً بمعنى مفعول، كقوله تعالى: [{مَّاءٍ دَافِقٍ} (¬6) أى مدفوق و {عِيشَةٍ رَّاضِيَة} (¬7) "] (¬8) بمعنى مرضية والسبب: الحبل. قال القاضى: أصل الظلة: كل ما علاك وأظلك. وقيل: الظلة: سحابة لها ظل. وقال ابن دريد (¬9): كل شىء جمعته فقد كففته. وقال بعض أهل هذا الشأن (¬10): إنما عبر الظلة بالإسلام؛ لأن الظلة نعمة (¬11) الله فى الدنيا بالمطر والرحمة والظلال، وكذلك على أهل الجنة، وكذلك كانت على بنى إسرائيل، وكذلك كانت تظل النبى - عليه السلام - وكذلك الإسلام يقى الأذى، وينعم به المؤمن فى الدنيا والآخرة، وهو رحمة له. قال القاضى: وقد يكون غيرها (¬12) بذلك لما نطفت العسل والسمن، وقد عبر فيها ذلك بالقرآن وذلك لما (¬13) كان عن الإسلام والشريعة، قالوا (¬14): وأما العسل فإن الله تعالى قال: {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاس} (¬15)، وقال فى القرآن: {شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُور} (¬16)، ¬

_ (¬1) قال لذلك الكرمانى، كما ذكر ابن بطال فى شرح البخارى 4/ ق 229، ابن حجر فى الفتح 12/ 367 ك التعبير ب من لم ير الرؤيا لأول عابر. (¬2) قال هذا الكلام ابن قتيبة فيما نقله عنه ابن بطال فى شرح البخارى 4/ 229. (¬3) نقله ابن أبى زيد فى الجامع ص 261، الباجى فى المنتقى 7/ 277، ابن بطال فى شرح البخارى 4/ 229. (¬4) فى ز: أرى. (¬5) فى ح: السحابة. (¬6) الطارق: 6. (¬7) القارعة: 7. (¬8) سقط من ز. (¬9) انظر: الجمهرة 1/ 117 مادة " كفف ". (¬10) منهم: المهلب. انظر: شرح البخارى 4/ 229. (¬11) فى ز: يعيم. (¬12) فى ح: عبرها. (¬13) فى ح: إنما. (¬14) منهم: المهلب. شرح البخارى 4/ 229. (¬15) النحل: 69. (¬16) يونس: 57.

(...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِير، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ كَثِير - عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِمَّا يَقُولُ لأَصْحَابِهِ: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فُلْيَقُصَّهَا أَعْبُرْهَا لَهُ ". قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ ظُلَّةً. بِنَحْوِ حَدِيثهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو حلو على الأسماع كحلاوة العسل على المذاق، ولأن القرآن وحى، والعسل من هذا الباب، قال الله تعالى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل} (¬1)، فقد حصل لهما اشتراك فى اللفظ وإن اختلفت معانيهما. وقوله: " لا تقسم " وقد أقسم، حجة فى أن من قال: أقسم، لا كفارة عليه؛ إذا لم يقل: بالله؛ لأنه (¬2) لم يزد على قوله: أقسم عليك. فلم يجبه لذلك ولم يجبه ولا أمره بكفارة. واختلف إذا نوى بالله، واختلف فيه عن مالك، ومشهور قوله: أنه ليس بيمين حتى يقول: بالله، وقد ذكرنا هذا بأبسط فى حديث: " خيركم قرنى " (¬3) بعد هذا، وكذلك جاء فى السمن من البقر " أنه شفاء من كل داء " (¬4). وقوله: كان مما يقول لأصحابه: من رأى منكم رؤيا فيقصها أعبرها له: معنى " مما " هنا عندهم: كثيراً ما كان يفعل كذا. قال ثابت فى مثل هذا: كأنه يقول: هذا من شأنه ودأبه، فجعل " ما " كناية عن ذلك، يريد ثم أدغم نون " من " فقال: " مما ". وقال غيره معنى (¬5): " مما " هنا - والله أعلم -: " ربما "، وهو من معنى ما تقدم لأن " ربما " تأتى للتكثير أيضاً. فيه الحض على علم الرؤيا والتهمم بها وشرف علمها وصحته. ويحتمل أن أمره لهم بذلك إما لتعلمهم علمها أو تعرفهم مسراتها، ويدخل المسرات على المسلمين بسببها، أو ليزداد علماً من علم الغيب وأسرار الكائنات بما يطلع علمه منها؛ إذْ هى أحد أجزاء النبوة. وفيه أنه لا يعبر الرؤيا كل أحد، ولا يعبرها إلا العالم بها. ¬

_ (¬1) النحل: 68. (¬2) فى ز: لا أن، والمثبت من ح. (¬3) مسلم ك فضائل الصحابة، ب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (2535/ 214). (¬4) رواه الطبرانى عن زهير، مجمع الزوائد ك الطب، باب التداوى بسمن البقر 5/ 93 وقال: رواه الطبرانى، والمرأة لم تسم، وبقية رجاله ثقات. (¬5) نقله القرطبى عن القاضى، المفهم 3/ 223، شرح النووى 3015.

(4) باب رؤيا النبى صلى الله عليه وسلم

(4) باب رؤيا النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 18 - (2270) حدثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىَّ، عَنْ أَنَسِ بنْ مَالِك، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِيَما يَرَى النَّائِّمُ، كأَنَّا فِى دَارِ عُقْبَةَ بنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْن طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِى الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِى الآخِرَةِ، وَأَنَّ دِيَنَنَا قَدْ طَابَ ". 19 - (2271) وحدثنا نَصْرُ بْنَ عَلِىٍّ الْجْهضَمِىُّ، أَخْبَرَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " رأيت كأنا فى دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب (¬1)، فأولت الرفعة لنا فى الدنيا، والعاقبة لنا فى الآخرة، وأن ديننا قد طاب ": وجوه عبارة الرؤيا أربعة: فمنها هذا الباب وهو ما يشتق من الأسماء (¬2) ويدل عليه معانى الألفاظ. ومنها ما يعتبر بمثاله ويفسر بشكله؛ كدلالة معلم الكتاب على القاضى والسلطان وصاحب السجن ورأسى السفينة وعلى الوصى والوالد. ومنها ما يعبر بالمعنى المقصود من ذلك الشخص المرئى؛ كدلالة فعل السفر على السفر، وفعل (¬3) السوق على المعيشة، وفعل (¬4) الدار على الزوجة والخادم. ومنها ما يعبر بما تقدم له فى القرآن والسنة، أو الشعر، أو في كلام العرب وأمثالها، وكلام الناس، أو خبر معروف للمرئى، فيعبر بذلك كله كعبارة الخشب بالمنافق والكافر؛ لقوله: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} (¬5) ويعبر الغراب بالفاسق لتسميته - عليه السلام - إياه بذلك، [واعتبار الزجاجة أحياناً لعمر المرأة لتسمية بعض الشعراء إياه بذلك] (¬6)، وكاعتبارنا رؤية الأنبياء والخلفاء بما كان فى أيامهم وخاص قصصهم. ومعنى " ديننا قد طاب " أى قارب الاستقامة وتناهى صلاحه، كقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} (¬7). قيل: ولعلُه بهذه الرؤيا سمى المدينة طابة - والله أعلم (¬8). قيل: يحتمل أنه رأى هذه الرؤيا بعد أحد والخندق عند استقامة الدين، ويحتمل أن ذلك قيل بشارة له بما يكون من حاله وحال دينه. ¬

_ (¬1) قال النووى: رجل من أهل المدينة، نسب إليه نوع خاص من التمر. شرح النووى (31115). (¬2) فى ز: السماء. (¬3) و (¬4) فى ز: نقل. (¬5) المنافقون: 4. (¬6) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬7) المائدة: 3. (¬8) أحمد فى المسند 5/ 97.

جُوَيْريَةَ، عَنْ نَافِع؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثهُ؛ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرَانِى فِى الْمَنَامِ أَتسَوَّكُ بِسِوَاك، فَجَذَبَنِى رَجُلانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَر، فَنَاوَلْتُ السّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيل لِى: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ ". 20 - (2272) حدَّثنا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَّيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، جَدِّهِ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ أَنِّى أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِى إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِىَ المَدِينَةِ يَثْرِبُ. وَرَأَيْتُ فِى رُؤْيَاىَ هَذِهِ أَنَّى هَزَزْتُ سَيْفاً، فاَنْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤمِنِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنى أرانى أتسوك بسواك، فجاءنى رجلان، فناولت السواك الأصغر، فقيل لى: كبر، فدفعته إلى الأكبر ": فيه تقديم الأكبر، ورؤيا النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق، وهذا معلوم من سنته وأمره فى غير هذا الحديث. وقد تقدم. وقوله: " رأيت فى المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلى إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هى المدينة يثرب ": الوهل، بفتح الهاء: الوهم، وهو المراد به هاهنا. وقد يكون بمعنى الغلط والنسيان، فيه: خروج الرؤيا على وجهها [لمهاجرة النبي] (¬1) إلى أرض بها نخل، فلم يحتج هذا الفصل عبارة. وتسميته المدينة يثرب وقد جاء تركه - عليه السلام - ذلك وسماها طابة، تفاؤلاً بالطيب، إما لتطيب [سكانها] (¬2) للمسلمين، أو لتطيب معيشتها وحالها، أو لتطييب الدين فيها، أو لتطيب فى نفسها من جند الكفرة والمنافقين، وتنفيهم كما ينفى [الكير] (¬3) خبث الحديد. وكره اسمها يثرب؛ لما فيه من التراب، فلا يجوز تسمية إحدها بذلك، وكانت الجاهلية تسميها بذلك باسم موضع منها كان اسمه يثرب. ولعل قوله هذا - عليه السلام - كان قبل نهيه: أى التى يسمونها قبل يثرب، ألا تراه كيف قال قبل: " فإذا هى المدينة " ثم زاد: " يثرب " للبيان. وقوله: " رأيت كأنى هززت سيفاً فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد " الحديث: كذا روايتنا فيه من طريق العذرى وابن ماهان، ووقع فى رواية غيرهما فى الموضعين: " هزَّته " بتشديد الزاى وتخفيف التاء، وهى لغة بكر بن وائل. هذا الفصل من الرؤيا بخلاف الأول، هو على ضرب المثال وغرضه التأويل. تأولها بذلك - عليه السلام - لأن سيف الرجل أنصاره وأولياؤه الذين يصول بهم كما ¬

_ (¬1) فى ز: لمهاجرتها، والمثبت من ح. (¬2) و (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا، وَاللهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُد، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِى آتَانَا اللهُ بَعْده، يَوْمِ بَدْرٍ ". 21 - (2273) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْل التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يصول بسيفه. وقد يكون السيف ولده أو والده أو أخاه أو عمه، وقد يكون زوجته، وقد يدل على الولاية والوديعة، وعلى لسان الرجل وحجته، وقد يدل على السلطان الجائر. وكل ذلك بحسب قرائنه عند [أهل] (¬1) الرؤيا التى تشهد لأحد الوجوه وتخصها به، أو قرائن حال الرائى فى نفسه ووقته. وخص النبى - عليه السلام - هنا أصحابه وأنصاره لهزه إياه، وكون ذلك دلالة على استعماله فى الحرب مع قرائن حال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى محاربة أعدائه. وقوله: " رأيت فيها أيضاً بقراً، والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء من الخير، بعد وثواب الصدق الذى آتانا الله بعد يوم بدر ": كذا جاء الحديث فى كتاب مسلم وفيه زيادة فى غيره (¬2): " ورأيت بقراً ينحرونه "، تصح عبارة الرؤيا بما جاء فى الحديث؛ إذ [دل نحر] (¬3) البقر على قتل من قتل من أصحابه. قال بعض أهل هذا اللسان (¬4): إنما تأولهم على أصحابه؛ لأن البقر شبه رجال الحرب؛ لما معها من أسلحتها التى هى قرونها ولمدافعتها بها ومناطحتها بعضها بعضاً. قال القاضى: وقد كانت العرب تستعمل القرون فى الرماح عند عوز أسنة الحديد. وشبهت الفتن بصياصى البقر - وهى قرونها - وبوجوهها؛ لتشابه بعضها بعضاً. وخص أصحابه بذلك من غيرهم ومن عداهم، وليس فى الرؤيا يا دليل ظاهر على تخصيصه بهم لقرائن الحال؛ لأن البقر قد يعبر بها عن أهل الحرب والبادية، ومن يثير الأرض لأنها تثيرها، وبها يقوم ذلك، ولأن الذكر منها ثور وكانت هذه صفة أصحاب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنصار وأصحاب المدينة؛ لاشتغالهم بالفلاحة والزراعة، ولم تكن تلك صفة من عداهم من قريش، أو لأن أصحابه الثائرون معه على العرب والقائمون بدعوة الإسلام حينئذ، ولتحريكهم جهتهم من الأرض وقلتهم ظاهرها وباطنها. ويحتمل - والله أعلم - أنه إنما تأول نحر (¬5) البقر بمن يقتل من أسمها، وشبهه بنفر، ألا تراه كيف قال: " ورأيت فيها بقراً، فإذا هم النفر من المؤمنين " الحديث - والله أعلم. وقوله: " والله خير ": قال أكثر من تكلم على الحديث: معناه: وثواب الله خير، يعنى للمقتولين من حياتهم وبقارهم (¬6) فى الدنيا. وقيل: " والله خير ": أى صنع الله خيراً لهم وهو قتلهم يوم أحد (¬7). وقيل: فى الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: ¬

_ (¬1) ساقطه من ز. (¬2) انظر مسند أحمد 1/ 271، رواه الدارمى، ك الرؤيا، باب فى القمص والبير واللبن 2/ 129. (¬3) فى ح: ذل بحر. (¬4) فى ح. الشأن. (¬5) فى ز: بحر. (¬6) فى ز: وفقرهم. (¬7) فى الأصل، ح: بدر، والصواب أحد، كما جاء فى المطبوعة والإكمال.

الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِى مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ. فَقَدِمهَا فى بَشَر كَثِيرٍ مِن قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَاس، وَفَى يَدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةَ جِرَيدَةٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمةَ فِى أصْحَابِهِ، قَالَ: " لَوْ سَأَلْتَنِى هَذِهِ القَطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ أَتعَدَّى أمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإِنِّى لأُرَاكَ الَّذِى أُرَيْتَ فِيكَ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّى " ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ورأيت والله خير بقر تنحر. والاسم هنا مخفوض على القسم لتحقيق الرؤيا. وبهذا النص ذكر الخبر ابن (¬1) هشام فى السير، وسمى هذا خيراً على التفاؤل، هان كان عبارته مكروهة وشراً فى الظاهر فسماه خيراً لعقباه، وهذا كما يقول العابر لمن يقص عليه رؤياه: خير. والأولى قول من قال: إن قوله: " والله خير " من جملة الرؤيا، وكلمة ألقيت إليه وسمعها فى الرؤيا عند رؤياه البقر؛ بدليل عبارته لها بقوله: " وإذا الخبر ما جاء الله به بعد يوم بدر " الحديث. وكذا ضبطناه وهذه الحروف على جملتهم: " واللهُ خيرُ " بضم الهاء والراء على المبتدأ والخبر، " وبعدُ يومَ بدر " بضم الدال ونصب يوم، وقد روى بضم الدال، قالوا: ومعناه: ما جاء الله به بعد بدر الثانية؛ من تثبيت قلوب المؤمنين إذ جمع لهمِ الناس وخوفوا، فزادهم الله ايماناً، وانقلبوا كما أخبر تعالى: {بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء} (¬2) وعليه يتأول الخبر هنا مع تفرق العدو عنهم وهيبته لهم. وهذه الرؤيا تدل أنها كلها (¬3) قبل الهجرة، وظاهرها أنها واحدة غير منفصلة، والله أعلم. وذكر مسلم حديث مسيلمة ووروده على النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة ومجىء النبى - عليه السلام - إليه وبيده قطعة جريدة، وقوله: " لو سألتنى هذه القطعه ما أعطيتكها ": إنما جاءه - عليه السلام - استئلافاً له ولقومه كما نزل (¬4) على عبد الله بن أبى، وليبلغ ما أمر الله بتبليغه مما أنزل عليه، وكان يقصد به من لم يأته. ويحتمل مجيئه إليه لأن مسيلمة قد قصده ليلقاه من بلده، فجاءه هو - أيضاً - مكافأة لفعله. ففيه تلقى كبير القوم إذا ورد وزيارته، لا سيما فيمن يرجى بذلك منه منفعة فى دين أو دنيا. وكان مسيلمة إذ ذاك يرفع للإسلام ظاهراً، ويشترط شروطاً، وإنما ظهر كفره وارتداده بعد ذلك. وقد جاء فى حديث آخر: أنه هو أتى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5) ويحتمل أنها مرتان وقد جاء فى حديث آخر: أنه بقى فى ظهر القوم، فسأل عنه - عليه السلام. ولعله أول وفادته. قيل - والله أعلم -: وإنما قال له: " لو سألتنى هده القطعة " للجريدة التى كانت ¬

_ (¬1) فى ح: أن، انظر: سيرة ابن هشام 3/ 36 رؤيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة أحد. (¬2) آل عمران: 174. (¬3) فى ح: كانت. (¬4) فى ح: يدل. (¬5) رواه الحاكم فى المستدرك 3/ 53.

(2274) فقال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكَ أَرَى الَّذِى أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ "، فَأَخْبَرَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِى يَدَىَّ سُوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِى شَأنَهُمَا، فَأُوحِىَ إِلىَّ فِى الْمَنَامِ أَن انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِى. فَكأَنَّ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِىَّ، صَاحِبَ صَنْعَاءَ، والآخَرُ مُسَيْلمَةَ، صَاحِبَ الْيَمَامَةِ ". 22 - (...) وحدّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّه، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ، فَوَضَعَ فِى يَدَى أُسْوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بيده، وهى سعفة النخلة " ما أعطيتكها " يريد ما تقدم أول الحديث من قوله: إن جعل لى محمد الأمر من بعده تبعته. قوله: " لن أتعدى أمر الله فيك ": كذا فى جميع نسخ مسلم، وفى كتاب البخارى " ولن يعدو أمر الله فيك " (¬1). قال الكنانى (¬2): وهو الصواب. ولعل مافى مسلم: " ولن تعدى "، والألف زائدة. قال القاضى: والوجهان صحيحان لن يعدو أمر الله فيه خيبته مما أمل وهلاكه، أو مما قدر عليه من شقاوة وسبق أمر الله فيه. ولن يعدو النبى أمر الله فيه فى أنه لا يجيبه إلى ما طلب مما لا ينبغى له، وأن يبلغه ما أنزل عنه، ويدفع أمره بالتى هى أحسن. قوله: " ولئن أدبرت ليعقرنك الله ": أى إن لم تجب إلى اتباعى، وتقبل ما جئت به ليهلكنك الله، كما كان من قتله بعده. وهذا من جملة آياته - عليه السلام - والعقر: القتل، ومنه: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} (¬3). وقوله: " وهذا ثابت يجيبك عنى ": كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو كان المجاوب للوفود عن خطبهم وتشدقهم. وقوله: " وإنى لأراك الذى أريت فيه ما أريت " وذكر أنه رأى فى يديه سوارين من ذهب، وفى الرواية الأخرى: " سوارين فأهمه شأنهما، فأوحى إليه فى المنام: أن انفخهما، فنفخهما، فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدى "، وفى الحديث ¬

_ (¬1) البخارى، ك التوحيد، ب قول الله تعالى: {إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} [النحل: 40]. (¬2) وهو يحيى بن عمر بن يوسف أبو زكريا الأندلسى الفقيه، وشيخ المالكية، سكن القيروان، ثقة، ضابطاً لكتبه، له شهرة كبيرة بإفريقيا، وكانوا لا يروون، المدونة والموطأ إلا عنه، له من التصانيف: كتاب الرد على الشافعى والمنتخبة، وله كتب فى أصول السنة مثل: الميزان، الرؤيا، ت 289 هـ. انظر: ترتيب المدارك 2/ 434، السير 3/ 462. (¬3) الأعرف: 77.

فَكَبُرَا عَلَىَّ وَأَهَمَّانِى، فَأَوحِىَ إِلَىَّ أَن انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ ". 23 - (2275) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر: " فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما: العنسى صاحب صنعاء، ومسيلمة صاحب اليمامة ": هذا يبين أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نص على اسمهما، وفى غير هذه الرواية أن النص على اسمهما من الراوى. وقوله: " بعدى " وقد كانا فى زمنه - عليه السلام - إشارة إلى إظهار ارتدادهما بعد، ومحاربتهما المسلمين ودعواهما النبوة. وإنما يؤول (¬1) ذلك - والله أعلم - فيهما لما كانا السواران (¬2) فى اليدين جميعًا من الجهتين، وكان حينئذ النبى - عليه السلام - بينهما، وتأول السوارين على الكذابين ومن ينازعه الأمر غير موضعهما؛ إذ هما من حلى النساء، وموضعهما أيديهن لا أيدى الرجال. وكذلك الكذب والباطل هو الأخبار بالشىء على غير ما هو به ووضع الخبر على غير موضعه، مع كونها من ذهب وهو حرام على الرجال، ولما فى اسم السوارين من لفظ السوء لقبضهما على يديه، وليستا من حليته، [فأهمه ذلك كله] (¬3) لهذا. وتأول ذلك قبض هذين الكذابين بعض نواهيه أوامره، ومنازعتهما نفوذ ذلك فى جهتيهما، ونفخه فيهما فطارا، دليل على اضمحلال أمرهما من سببه وريح نصره وأمره بذلك؛ لأن النفخ من هذا الباب كله؛ ولأن كونهما من ذهب فيه إشعار بذهاب أمرهما وبطلان باطلهما، ويقال: سوار وسوار وأسوار بضم الهمزة. فأما أساورة الفرس، وهم قوادهم، وقيل: المجيدون فى الرمى، فأسوار بالكسر والضم معاً. وقوله: " وأوتيت خزائن الأرض " وفى غير مسلم: " وأتيت بمفاتيح خزائن الأرض " (¬4) يتأول على سلطانها ولملكها وفتح بلادها وخزائن أموالها، كما كان بحمد الله. وقوله: كان إذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه فقال: " هل رأى أحد منكم البارحة [رؤيا] (¬5) ": وتقدم الكلام على هذا وما فيه من الفائدة. وفيه أن عبارة الرؤيا بعد الصبح وأول النهار أولى عندهم، اقتداءً بفعل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأن الذهن حينئذ أجمع؛ والقلب أجلى (¬6) قبل تلبسه باشتغال النهار والفكرة فى أخبار الدنيا؛ ولأن الرائى لما رآه ¬

_ (¬1) فى ح: تأول. (¬2) فى ح: السوارين. (¬3) فى ح: فاهمة ذلك. (¬4) أحمد 2/ 264، البخارى، ك التعبير، ب رؤيا الليل (6998). (¬5) ساقطة من ز، والمثبت من الحديث المطبوع (23). (¬6) فى ز: أخلى.

رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب؛ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجهِهِ، فَقَالَ: " هَلْ رَأَى أَحَد مِنْكمُ الْبَارِحَة رُؤْيَا؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أقرب عهداً، ولم يطرأ عليه ما يشوش عليه رؤياه ويخلطها عليه بعد، وللمبادرة إلى علم تأويلها، فلعل فيها ما يحتاج إلى تعجيل علمه من التحذير عن معصيه أو فعل تحذر عقباه. وفيه التكلم فى العلم بعد صلاة الصبح، والاستناد إلى القبلة فى المساجد، وبإثر الصلاة واستدبارها للتحلق للعلم، وغير ذلك، والله أعلم.

43 - كتاب الفضائل

بسم الله الرحمن الرحيم 43 - كتاب الفضائل (1) باب فضل نسب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتسليم الحجر عليه قبل النبوّة 1 - (2276) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ، جَمِيعًا عَنِ الوَلِيدِ. قَالَ ابْنُ مهْرَانَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ أَبِى عَمَّارٍ، شَدَّادٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الله اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِى مِنْ بَنِى هَاشِمٍ ". 2 - (2277) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، حَدَّثَنِى سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّى لأَعْرِفُهُ الآنَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الفضائل قوله: " إنى لأعرف حجراً بمكة، كان يسلِّم علىَّ قبل أن أبعث ": أى لأنى أعرفه الآن. زاد بعضهم فى غير مسلم: وكانوا يرونه الحجر الأسود.

(2) باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق

(2) باب تفضيل نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جميع الخلائق 3 - (2278) حدَّثنى الحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هِقْلٌ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، حَدَّثَنِى أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ": قال الهروى: السيد: الذى يفوق قومه فى الخير، وقد بين ذلك [فى الحديث] (¬1) بقوله: " وأول من ينشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع ". وقال غيره: قالها - عليه السلام - هنا لأن السيد هو الذى ينزع إليه القوم فى النوائب والشدائد، فيقوم بأمورهم، ويتحمل عنهم مكارههم، ولدفعها عنهم. وبقية الحديث يفسر معناه من قوله: " أنا خطيبهم إذا وفدوا؛ وشفيعهم إذا حبسوا، ومبشرهم إذا ما يأسوا، ولا فخر ". وخص - عليه السلام - ذلك يوم القيامة بهذا الحديث، وهو سيد ولد آدم فى الدنيا والآخرة، كما جاء مطلقاً فى غير هذا الحديث؛ يلجأ جميعهم إليه يوم القيامة - آدم ومن ولد - يشفع لهم فى الموقف، ولم يبق حينئذ من ينازعه السؤدد، لا حقيقة ولا باطلاً، كما نازعه إياه فى الدنيا ملوك الكفرة وغيرهم من زعماء المشركين. وهذا كما قال تعالى: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار} (¬2) وله الملك قبل ذلك اليوم بلا شك، لكن كان فى الدنيا مدعون للملك ومتصفون به، ويوم القيامة ذهب ذلك كله وانقطعت الدعاوى فيه، وخلص حقاً لله الواحد القهار. وفيه جواز التحدث بنعمة الله على عبده؛ إذا أمن بها العجب والفخر، وخلص من الكبر، كما قال - عليه السلام -: " ولا فخر " فى هذا الحديث. وهو هنا فى حق النبى واجب تبليغ لما يجب أن تعتقده أمته، وتدين لله به فى حقه وطاعته. ولا يعارض هذا قوله: " لا تفضلوا بين الأنبياء " (¬3) ولا قوله: " ما ينبغى لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى " (¬4) لوجوه، منها: أنه يحتمل أن ذلك كان قبل ¬

_ (¬1) سقط من أصل ح واستدرك فى الهامش. (¬2) غافر: 16. (¬3) مسلم، ك الفضائل، ب من فضائل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (159). (¬4) البخارى، ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى قوله: {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (3413).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إعلام الله له أنه أفضل ولد آدم، أو يكون ذلك على طريق الأدب والتواضع، أو أن يكون ذلك نهياً أن يفضلوا بينهم تفضيلاً [ينقص من البعض] (¬1) من المفضول أو لا يفضل بينهم فى النبوة. وأما تغيضيلهم بخصائص خص الله بها بعضهم كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض} الآية (¬2). ¬

_ (¬1) فى ح: يفضى إلى الغض. (¬2) البقرة: 253.

(3) باب فى معجزات النبى صلى الله عليه وسلم

(3) باب فى معجزات النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4 - (2279) وحدَّثنى أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيْمَانُ بْن دَاوُدَ العَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَأُتِىَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ، فَجَعَلَ القَوْمُ يَتَوَضَّؤُونَ، فَحَزَرْتُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى المَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. 5 - (...) وحدَّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَانَتْ صَلاةُ العَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأتَىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ. قَالَ: فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم [الاحاديث] (¬1) أنس فى نجع الماء من بين أصابعه - عليه السلام - وهى إحدى معجزاته المشهورة الغريبة الخارقة للعادة، وقد جاء النقل بها متواتراً من حديث أنس، وعبد الله بن مسعود، وجابر، وعمران بن حصين. قال الإمام: وقوله: " فأتى بقدح رحراح " يعنى واسعاً. قال القاضى: ويقال: زحرح أيضاً وأزح، وجفنة زحا. قال ابن الأنبارى: ويكون قصير الجدار مع ذلك. وأصل الرحرح: السعة والانبساط. وقوله: " رأيت الماء ينبع من بين أصابعه ": حمله أكثرهم على خروج الماء منها وانبعاثه من ذاتها، وإليه ذهب المزنى وغيره، [فقال] (¬2): وهو أبهر أنه من تفجير موسى الحجر وغير ذلك؛ إذ خروجه من الحجر معهود. وقال آخرون: يحتمل هذا، ويحتمل أن الله كثر الماء فى ذاته، فجعل يندفع فى الجفنة والإناء، ويفور من بين أصابعه. وكلا الوجهين فمعجزة عظيمة، وآية باهرة خارقة للعادة. وقوله: " فالتمس الناس وضوءًا ": أى ماءً، سمى بما يفعل به، وهو بالفتح، وقد تقدم فى الطهارة. ¬

_ (¬1) فى ح: أحاديث. (¬2) فى هامش ح.

أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. 6 - (...) حدَّثنى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِى، حَدَّثَنَا مُعاذٌ - يَعْنِى ابْنَ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالزَّوْرَاءِ - قَالَ: وَالزَّوْرَاءُ بِالمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوق وَالمَسْجِدِ فِيمَا ثَمَّهْ - دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ، فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ. قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كَانُوا يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: كَانُوا زُهَاءَ الثَّلاثِمَائَةِ. 7 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالزَّوْرَاء، فَأُتِىَ بِإِنَاءِ مَاءٍ لا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ، أَوْ قَدْرَ مَا يُوَارِى أَصَابِعَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ هِشَامٍ. 8 - (2280) وحدَّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِى لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا، فَيَأتِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأتى بإناء ماء لا يغمر أصابعه ": أى لا يغطيها. وقوله: " كانوا زهاء ثلاثمائة ": أى قدرها، يقال: لهم زهاء كذا ولها كذا باللام، أى قدره. وجاء فى الحديث الآخر: " فحزرت ما بين الستين إلى الثمانين " هذا يدل أنهما فى موطنين؛ الأول بالزوراء كما قال، والآخر فى غيرها. والزوراء: سوق المدينة، وكان عليه (¬1) التماسهم الماء بالمدينة حينئذ ما جاء فى غير هذا عن أنس: حضرت الصلاة، فقام جيران المسجد يتوضؤون، وبقى ناس من السبعين إلى الثمانين، كانت منازلهم بعيداً، وذكر الحديث. وجاء فى حديث جابر ذلك مفسراً فى غزوة الحديبية وغزوة بواط، وحديث أنس عن الموضعين بالمدينة. وذكر مسلم فى الباب: حدثنا محمد بن [هشام] (¬2)، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة. كذا للعذرى. وعند غيره حدثنا سعيد، عن قتادة. كذا للسجزى والسمرقندى. قال لنا القاضى أبو على: وهو الصواب، وكذا ذكره البخارى (¬3) لسعيد وهو ابن أبى عروبة لا لشعبة. ¬

_ (¬1) فى ح: علة. (¬2) هكذا فى ح وفى الحديث المطبوع رقم (7): المثنى. (¬3) البخارى، ك المناقب، ب علامات النبوة فى الإسلام (3572).

بَنُوهَا فيَسْأَلُونَ الأُدْمَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَىْءٌ، فَتَعَمِدُ إِلَى الَّذِى كَانَتْ تُهْدِى فِيهِ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا. فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، فَأَتَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " عَصَرْتِيهَا؟ ". قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ: " لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا ". 9 - (2281) وحدَّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ، فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ. فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا، حَتَّى كَالَهُ، فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ، وَلَقَامَ لَكُمْ ". 10 - (706) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِىٍّ الحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ - وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ المَكِّىِّ؛ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلاةَ. فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعًا. حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلاةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالعِشَاء جَمِيعًا. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَأتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأتُوهَا حَتَّى يُضْحِى النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِىَ ". فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلانِ. وَالعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَىْءٍ مِنْ مَاءٍ. قَالَ: فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ ". قَالا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فى الباب - أيضاً - حديث مالك فى قصته عام تبوك، وقد تقدم فى كتاب الصلاة، والكلام على ما فيه من جمع الصلاتين، واختلاف الروايات فى تبض وتبص، ومعنى ذلك، فأما هنا فبالضاد المعجمة عند الرواة بغير خلاف. قال الإمام: " تبص بشىء منها ": من رواه بالصاد المهملة معناه: ترق، يقال: بصَّ يبص بَصيصاً، ووبص يبص وبيصاً بمعنى. ومن رواه بالمعجمة فمعناه: تسيل، يقال: بض وضب بمعنى سال. وقوله: " بماء منهمر ": أى كثير شديد الاندفاع، قال الله تعالى: {بِمَاءٍ مُّنْهَمِر} (¬1) أى كثير الانصباب. ¬

_ (¬1) القمر: 11.

لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. قَالَ: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ العَيْنِ قَلِيلاً قَلِيلاً، حَتَّى اجْتمعَ فِى شَىْءٍ. قَالَ: وَغَسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ العَيْن بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ - أَوْ قَالَ: غَزيْرٍ، شَكَّ أَبُو عَلِىٍّ أَيُّهُمَا. قَالَ: حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: " يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا هَا هُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " حتى استقى الناس ": كذا للكافة، وفى كتاب التميمى: " حتى أشفى الناس " بالشين المعجمة، وهو وهم، والمعروف الأول، وتقدم هذا وما فيه من الآيات الباهرة والعلامات الخارقة من الإعلام بما يكون من شأن العين أولاً، وأمرهم ألا يمسوا شيئاً من مائها ومن قوله: " ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً " فكأن ذلك كله، ومن تكثير الماء القليل والخبر بهذا مشهور صحيح. وهذه العلامات المقطوع بها بكثرة الأخبار بها واشتهارها وتواترها من جهة المعنى، ولأن الراوى لها والذاكر لها بمجمع الصحابة المخبر عن قصة جرت لهم فى مجمع من جموعهم، ومشهد عظيم من مشاهدهم، وجيش كثير من جيوشهم، لا يمكن سكوتهم على مدعى الكذب فيها، ولا كانوا ممن يداهن فى ذلك، ولا هو مما يخفى عليهم؛ إذ هم الذين توضؤوا وشربوا، وشاهدوا الأمر المخبر به عنهم، فكان الحديث عنهم. وكذلك أحاديثه فى تكثير الطعام من هذا الباب، وعلى هذا الأسلوب. وقد بسطنا الكلام فى هذا ونجيناه، وذكرنا أعيان الأحاديث، ومن روى كل واحد منهما من الصحابة، ومن رواه عنهم من التابعين بمبلغ علمنا ومنتهى إدراكنا، وما اتصل الكلام بذلك فيه فى كتاب: " الشفاء " بما يغنى عن إعادته هنا. وقوله: " فسبَّهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال لهما ما شاء الله أن يقول ": فيه تأديب الحاكم باللسان، والسب غير المقزع نفسه. ذكر مسلم هنا حديث أم مالك، وأنها كانت تهدى للنبى فى عكة لها [بين أقياتها] (¬1) بنوها فسيكون (¬2) للإدام وليس عندهم شىء، فتعمد إليها، فتجد فيها سمناً، فما زالت تقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها (¬3). وقول النبى لها: " عصرتيها، لو تركتيها ما زالت قائمة " مما تقدم، وذكر الحديث فى الذى أطعمه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شطر وسق شعير، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله. فقال: " لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم ": أى ولبث ودام، ويروى: " بكم " أى لكفاكم وأغناكم. فيه رد الظرف المهدى فيه إلى صاحبه، وفى المثل المعروف: رد الظروف. ¬

_ (¬1) فى ح: سمنا فيأتيها. (¬2) فى ح: فسألوها. (¬3) فى ح: عصرته.

11 - (1392) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بَلالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاس بْنِ سَهْل بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِىَ القُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لامْرَأَةٍ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْرِصُوهَا "، فَخَرَصْنَاهَا، وخرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ. وَقَالَ: " أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ، إِنْ شَاءَ اللهُ ". وَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَتَهُبَّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه أن هذه الأمور الكونية يجب ألا ينقضى أمرها وتترك مهملة لا تدخل تحت التقدير، ومثله حديث شعير عائشة، وأنها [لما] (¬1) كالته فنى؛ لأن كيلها وعصرها وتَقَصىِّ ما فيها مضاد للتسليم والتوكل على رزق الله ويقضى على تقدير ما لا يحصيه التقدير من سعة فضل الله، وتكلف لما لا طائل وراءه، فعوقب فاعله بأن رفعت تلك البركة عنه، ورد إلى قوته وحوله التى تكلفها - والله أعلم. هذا هو وجه التأويل فيه، وظاهر معناه، وإن كان بعضهم تأول فى حديث عائشة أنه لما أكالته (¬2) عرفت قدره بقى على حسابها، وكانت أولاً لم تؤزره، فطال ذلك فى ظنها، ولم يجعل فى ذلك الله بينة ولا بركة. وظاهر الحديث يرد قوله، لا سيما مع ما فى هذا الحديث من قوله - عليه السلام -: " لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام بكم "، فقد نص على ضد ما قاله هذا الشارح والله الموفق برحمته. ومعنى " مقيم لها أدم بيتها ": أى يكمها ونفسها (¬3). ومنه: قوام العيش، أى كفايته وما يغنى منه. وكذلك قوله: " ما زال قائماً ". ويحتمل أن يريد ثابتاً دائماً. والعكة، بضم العين: للسمن، وهى أصغر من القربة. " وشطر وسق الشعير ": نصفه. وذكر حديث أبى حميد فى خرص النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديقة المرأة: فيه جوار الخرص، وقد تقدم فى الزكاة. ولا خلاف عندنا فيه فى التمر والعنب فى الزكاة. واختلف فى الزرع والزيتون. وقوله: " ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، ولا يقيم فيها أحد " وأن الريح هبت، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيئ. فيه آية بينة من إعلامه - عليه السلام - بالغيوب وما يكون. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز. (¬2) فى ح: كالته. (¬3) فى ح: ويغنيها.

عِقَالَهُ "، فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ. فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلىْ طَيِّئٍ. وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ العَلْمَاءِ - صَاحِبِ أَيْلَةَ - إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكتَابٍ، وَأَهْدى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِىَ القُرَى. فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا: " كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟ ". فَقَالَتْ: عَشرَةَ أَوسُقٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى مُسْرِعٌ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِىَ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ ". فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ. فَقَالَ: " هذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ". ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ خَيْرَ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِى النَّجَارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِى عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَج، ثُمَّ دَارُ بَنِى سَاعِدَةَ، وَفِى كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ ". فَلَحِقْنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ دُورَ الأَنْصَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وجاء [رسول] (¬1) ابن العلماء - صاحب أيلة - إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهدى له بغلة بيضاء. " ابن العلماء ": بفتح العين المهملة وسكون اللام الممدودة، وهذه البغلة هى " دلدل " بغلة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعروفة، لكنه قال هنا ما ظاهره أنها أهديت له فى غزوة تبوك، وقد كانت عنده. قيل: وحضر عليها يوم حنين، ولم يرو أنه كان للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلة سواها، ولعله يعنى أنه أهداها له قبل هذا، كأنه قال: والذى أهدى له البغلة. وقد تقدم الكلام فى قبول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدايا، ورده لما رد منها، وحكم غيره فى ذلك من الأئمة. وتقدم الكلام فى قوله: " هذا جبل يحبنا [ونحبه] (¬2) ". وقوله: " خير دور الأنصار بنو النجار " الحديث: المراد بها أهلها، والدور القبائل هنا، وفضلهم بالسبق إلى الإسلام. وفيه جواز التفضيل والتخيير بين الناس، [وإنزال كل أحد منزلته. وقد كره بعض العلماء التفضيل بين الناس] (¬3)، وهذا - والله أعلم - لغير ضرورة، إما للحاجة إلى ذلك فى التعديل والتجريح فى الشهادات [والحديث] (¬4) والولايات، فمضطر إليه محتاج لذكره واعتقاده، وهذا ليس بغيبة. وقوله: " ثم دار بنى عبد الحارث من الخزرج ": كذا للسعدى (¬5) [الفارسى] (¬6) [والواو مثل] (¬7)، وهو وهم، والصواب بنو الحارث. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، ح. (¬2) ساقطة من ز. (¬3) فى هامش ح. (¬4) ساقطة من ح. (¬5) فى ح: العذرى (¬6) ساقطة من ز. (¬7) سقط من ح.

فَجَعَلَنَا آخِرًا. فَأَدْرَكَ سَعْدٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَيَّرْتَ دُورَ الأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِرًا. فَقَالَ: " أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الخِيَارِ ". 12 - (...) حدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا المُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ المَخْزُومِىُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بَهَذَا الإِسْنَادِ، إِلِى قَوْلِهِ: " وَفِى كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ ". وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ وُهَيْبٍ: فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَحْرِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِ وُهَيبٍ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكتب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببحرهم (¬1)، وأهدى له بردة ": أى ببلدهم. والتجار (¬2): القرى فيه المكافأة على الهدية، وجواز الإقطاع. ¬

_ (¬1) فى ز: بتحرهم، والصواب ما أثبتناه من المتن وح. وهو حديث رقم 12. (¬2) فى ح: البحار.

(4) باب توكله على الله تعالى، وعصمة الله تعالى له من الناس

(4) باب توكله على الله تعالى، وعصمة الله تعالى له من الناس 13 - (843) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِى سِنَانٍ الدُّؤَلِىِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَة قِبَل نَجْدٍ، فَأَدْرَكنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ. فَنَزَلَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا. قَالَ: وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِى الوَادِىَ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَجَرِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ رَجُلاً أَتَانِى وَأَنَا نَائِمٌ، فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلى رَأسِى، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلاَّ وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِى يَدِهِ. فَقَالَ لِى: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُ. ثُمَّ قَالَ فِى الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى؟ قَالَ: قُلْتُ: الله. قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ. فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ "، ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 14 - (...) وحدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى سِنَانُ بْنُ أَبِى سِنَانٍ الدُّؤَلِىُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أدركنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى واد كثير العضاه ": هى كل شجر ذات شوك، واحدها عضه وعضاهة. وقوله: فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت شجرة وعلق سيفه بغصن من أغصانها، وأن رجلاً أتاه وهو نائم فأخذ السيف، فاستيقظ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قائم على رأسه بالسيف صَلْتًا، وقال: من يمنعك منى؟ فقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [" الله "] (¬1)، فشام السيف، [ثم] (¬2) لم يعرض له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الإمام: قوله: " السيف صلتاً " أى مجرداً. قال ابن قتيبة: فيه لغتان: بفتح الصاد وضمها، يقال: شام السيف: إذا أغمده، ويقال: شام السيف: إذا سله وإذا أغمده، وهو من الأضداد. قال القاضى: فيه تعليق السيوف بالشجر، ونوم المقاتلة (¬3) فى الجيوش، وعصمة ¬

_ (¬1) و (¬2) سقطتا من ز. (¬3) فى ح: القائلة.

وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىَّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكتْهُمُ القَائِلَةُ يَوْمًا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَمَعْمَرٍ. (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. وَلَمْ يَذْكُرْ: ثُمَّ لَمْ يعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعدائه، وهى إحدى آياته، وقد قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (¬1) وفيه ما كان - عليه السلام - من الحلم والعفو والتوكل والتواضع. واسم هذا الرجل: غورث بن الحارث، بفتح الغين المعجمة. وبعضهم بضمها، والفتح الصواب. وبعض رواة البخارى قيده بالعين المهملة، وبالمعجمة الصواب. وقال الخطابى فى حديثه: غويرة أو غويرث على التصغير والشك (¬2). وقد جاء مثل هذا الخبر فى حديث آخر وسمى الرجل فيه: دعثور بن الحارث. ¬

_ (¬1) المائدة: 67. (¬2) انظر: غريب الحديث للخطابى 1/ 307، 308.

(5) باب بيان مثل ما بعث النبى صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

(5) باب بيان مثل ما بعث النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الهدى والعلم 15 - (2282) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِىِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ - وَاللَّفْظُ لأَبِى عَامِرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِى اللهُ بِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ وَالعشْبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، ومنها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله بما بعثنى به [فعلم] (¬1) وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به ": هذا بديع فى الشبه وتقسيم الكلام، ويدل (¬2) بعضه (¬3) على بعض وجاء الترتيب بعد مجملاً، ورده رداً واحداً مرتباً على ما قبله، ولعله (¬4) آخراً فى كلام واحد، وهو من بديع الإيجاز والبلاغة، فإنه ذكر ثلاثة أمثلة ضربها فى الأرض: اثنان منها محمودان، ثم جاء بكلام واحد تضمن لما جاء به اثنان منها محمودان، وذلك قوله: " فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله بما بعثنى به، فعلم وعلم "، فهذان مثالا المثالين الأولين على ترتيبها (¬5) فى التقديم والتأخير. والأول: مثل الأرض التى قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فانتفعت بالرى (¬6) وأكثر فى نفسها وأنفع (¬7) الناس بالرعى لما أنبتته، وهذا كالذى يفقه فى نفسه وعلم ما يحمله، وعلَّمه الناس. والثانى: من يحمل ما تحمَّله ولم يفتح له بالتفقه فيه، لكنه حفظ ما يحمله، وعمل منه بما يُسّر له، وبلغه غيره، فهذا مثل الذى أمسكت الماء وإليه يرجع قوله: " فشرب الناس وسقوا ". وقوله بعد هذا: " ورعوا " راجع إلى الأول؛ إذ ليس فى هذا المثال أنها أنبتت شيئاً وهو مثل جمع المثلين. والثالث: من لم يهتبل بما بلغه، ولا رفع به رأساً، ولا قبله كالقيعان والصفا التى ¬

_ (¬1) ساقطة من ز. (¬2) فى ح: رد. (¬3) فى ح: بعضهم. (¬4) فى ح: لفّه. (¬5) فى ح: ترتيبهما. (¬6) فى ح: الرعى. (¬7) فى ح: وانتفع.

الكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِىَ قِيْعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِى دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ بمَا بَعَثَنِى الله بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تنبت ولا تمسك ماء. وقوله: " قبلت الماء ": كذا (¬1) رويناه هنا بالباء بواحدة بغير خلاف. واختلف فيه الرواية فى صحيح البخارى (¬2) عن شيوخه، ففى بعضها قيلت بياء باثنتين تحتها مشددة، فزعم الأصيلى وغيُره أنه تصحيف. وقال غيره: بل هو صواب ومعناه بمعنى قيلت [أى] (¬3) شربت. والقيل: الشرب نصف النهار، وقيلت الإبل: شربت قائلة. وقال غيره: معناه: جمعت وحبست ورويت، فهى بمعنى قيلت أيضاً. قال أبو عبيد البكرى فيما قرأته بخطه: قال أبو بكر: تقيل الماء بالمكان المنخفض: اجتمع فيه. قال الإمام: وقوله: " سقوا ورعوا ": يقال: سقيت وأسقيت بمعنى واحد. قال لبيد. سقى قومى بنى نجد وأسقى ... نميراً والقبائل من هلال قال القاضى: وقيل: سقيته: ناولته [ماء] (¬4) فشرب، وأسقيته: جعلت له سقياً. وقوله: " رعوا "، قال الإمام: يقال: رعت الماشية النبات: أكلته، وأرعاها الله: أى أنبت له (¬5) ما ترعاه، وأنشد ابن قتيبة: كأنهاظبية تعطوا إلى فنن ... يأكل من طيب والله يرعيها وقوله: " ومنها أجادب ": [قال القاضى: لم يروه إلا هكذا بالدال المهملة] (¬6). قال الإمام: قوله: " كان منها أجادب ": كذا ذكره بالمعجمة. وقال الخطابى: الأجادب: صلاب الأرض التى تمسك الماء فلا يُسرع إليه النضوب (¬7). وقال بعضهم: " أحازب " بالحاء والزاى، وليس بشىء. وقال بعضهم: " أجادب " بالجيم والدال، وهو صحيح إن ساعدته الرواية. قال الأصمعى: الأجادب من الأرض: ما لم ينبت الكلأ، ¬

_ (¬1) ساقطة من ز. (¬2) البخارى، ك العلم، ب فضل من علم وعلم (79). (¬3) ساقطة من ز. (¬4) ساقطة من ح. (¬5) فى ح: لها. (¬6) فى هامش ح. (¬7) انظر: أعلام الحديث 1/ 198.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معناه: أنه أجرد بارزة، لا يسترها النبات. وقال بعضهم: إنما هى: " أخاذات " سقط منها الألف فى (¬1) الأخاذات مشاكات الماء واحدتها أخاذة. وهى أمثال ضُربت لمن قبل الهدى فتعلم وعلم، ولمن لم يقبل، ولمن انتفع ولم ينفع (¬2). وفى حديث البخارى: " فكان منها ثغبة قبلت الماء " (¬3)، والثغبة: مستنقع الماء فى الجبال والصخور، وهو الثغب أيضاً، ويجمع على الثغاب. قال القاضى: قدمنا أنا لم نرو هذا الحرف هنا ولا فى غير هذا الكتاب، وكذا فى البخارى إلا بالدال المهملة من الجدب الذى هو ضد الخصب، وعليه شرح الشارحون، قالوا: وأجادب جمع جدب على غير قياس، وكان القياس أن يكون جمع [أجدب، ومثله محاسن جمع حسن، وكان قياسه أن يكلون جمع] (¬4) محسن، ولم يسموا، وكذلك متشابه جمع شبه، وقياسه جمع مشبه (¬5). وقد رواه بعضهم أيضاً: " أجارد "، وحكاه الهروى جمع أجرد، وهو ما لا نبات فيه. وأما حكايته عن البخارى: " فكان منها نقية قبلت الماء " (¬6) تفسيره جمع مستنقع الماء فى الجبال، [إما ما قال] (¬7) فغلط من الرواية وإحالة لمعنى الحديث؛ لأن تفسير الثغبة إنما يمكن تخرجه (¬8) من الطائفة الثانية لا فى الأولى. وما روينا هذا الحرف عن البخارى من جميع الطرق، إلا " فكان منها نقية "، وهو مثل قوله فى كتاب مسلم: " طائفة طيبة " هى (¬9) التى توصف بأنها تنبت الكلأ والعشب، وأما الأخرى فوصفها بإمساك الماء فقط، وهذه هى بمعنى الثغب فكان فيبطل التشبيه الأول، والثغب - كما ذكر - حفير ليستنقع فيه الماء وهى الماء الصافى المستنقع بها نقب (¬10) أيضاً. ¬

_ (¬1) فى ح: و. (¬2) فى ح: يشفع. (¬3) البخارى، ك العلم، ب فضل من علم وعلم (79). (¬4) فى هامش ح. (¬5) فى ح شبيه. (¬6) سبق تخريحه. (¬7) فى ح: إلا ما قاله. (¬8) فى ح: تخريجه. (¬9) فى ح: فهذه. (¬10) فى ح: ثقب.

(6) باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، ومبالغته فى تحذيرهم مما يضرهم

(6) باب شفقته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمته، ومبالغته فى تحذيرهم مما يضرهم 16 - (2283) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبَىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِى اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ. فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّى رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنِى، وَإِنِّى أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ. فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى التمثيل فى الحديث الآخر: " أنا النذير العريان "، قال الإمام: قال [الهروى] (¬1): خص العريان لأنه أبين فى العين (¬2). قال ابن السكيت: والنذير العريان: رجل من جثم حمل عليه، يؤذى الخليفة، عوف بن مالك اليشكرى، فقطع يده ويد امرأته، وكانت كتابية. قال القاضى: بقى من تمام الخبر ما فيه تفسير، وهو أنه كان يخص قومه على قيس، فضرب به المثل، [وقيل: إنما قيل: " النذير العريان " لأنه سلبه، فأتى قومه عرياناً] (¬3). وقيل: بل قيل ذلك لأن الرجل إذا رأى ما يوجب إنذار قومه تجرد من ثيابه، وأشار بها؛ ليعلمهم بما دهمهم. وقيل: بدء المثل فى قصة أوذانى داود، وقيل: النهرانى لهم وسجن النعمان له وتجهيزه جيشه إلى بهذا الانتصار الأبى (¬4) داود وتجهيز النهرانى امرأته إلى قومه، فلما وصلتهم تعرت، وقالت: أنا النذير العريان. قال الإمام: وقوله: " فإذا لجوا " (¬5) أى ساروا من أول الليل، يقال: أدلج إدلاجاً، والاسم الدلج والدلجة بفتح الدال، فإن خرجت آخر الليل قلت: أدلجت بتشديد الدال أدلج إدلاجاً، والاسم الدلجة بالضم. قال ابن قتيبة: ومن الناس من يجيز الوجهين فى كل واحد منهما، كما يقال: برهة من الدهر وبرهة. وقوله: " فالنجاء " قال ابن ولاد: يقال بالمد والقصر [وهو بعيد ونحو علمه] (¬6). وقوله: " فَصبَّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ": أى أصابهم وغلبهم، ويقال: ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) انظر: غريب الحديث للهروى 1/ 230. (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى ح: النبى. (¬5) فى ح: فأدلجوا. (¬6) فى ح: وهو مصدر انج.

فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِى وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِى وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ ". 17 - (2284) وحدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِىُّ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ أُمَّتِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ ". (...) وحدَّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 18 - (...) حدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هَرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلِى كَمَثَل رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجِزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا. قَالَ: فَذَلكُمْ مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، فَتَغْلبُونِى تَقَحَّمُونَ فِيهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حاجتهم السنة تحوجهم حوجاً وحياجة. قال القاضى: المعروف فى النجاء إذا أفرد المد، وحكى أبو زيد فيه القصر أيضاً، فأما إذا كرروه فقالوا: النجاء النجاء، ففيه الوجهان. وقوله: " فجعل الجنادب [والفراش يقعن فيها "، قال الإمام: الجنادب] (¬1) جمع جندب، هو الجراد. وفيه لغتان: بضم الدال، وفتحها. قال الفراء: والفراش: هو غوغاء الجراد الذى يتفرش ويتراكب. قال غيره: الفراش: الطير الذى (¬2) يتساقط فى النار والسراج. قال القاضى: قوله: " الجنادب " هو الجراد، ليس بالجراد نفسه، وإنما هو الصرار عند بعضهم، وقال أبو حاتم: الجندب على خلقة الجراد، لها (¬3) أربعة أجنحة كالجراد ¬

_ (¬1) سقط من ز. (¬2) فى ح: التى. (¬3) فى ح: له.

19 - (2285) حدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الجَنَادِبُ وَالفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصغر منها، تطير وتصر بالليل صراً شديداً، وهو معروف. وحكى أبو عبيد إنكار هذا، وأن الصرار إنما هو الجرد جرد والصرى، وأما الصرار فأصغر منه. قال: والناس يقولون: الجندب الهراز الذى يصير بالليل. وفيه لغة ثالثة: " جِندَب " بكسر الجيم وفتح الدال. وقال الخليل: الفراش الذى يطير معروف كالبعوض، ويقال للخفيف من الرجال: فراشة، وقال غيره: [الفراش ما تراه كصغار البق يتهافت فى النار. وقوله]: (¬1) " فأنا آخذ بحجزكم ": حجزة الإزار والسراويل معقدها، وتحاجز القوم: أخذ بعضهم بحجزة بعض، وإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه. وقوله: " وأنتم تقحمون فيها ": التقحم: التقدم والوقوع فى الأهوية وشبهها، والدخول فى الأمر (¬2) الشاقة من غير تثبت ولا روية. فشبه - عليه السلام - تساقط الجاهلين بماضيهم (¬3) وشهاداتهم فى النار فى الأخرى بحالة الفراش فى الدنيا، وضعف ميزها وتطارحها على ما فيه هلاكها من النار بجهلها. ¬

_ (¬1) سقط من ز. (¬2) فى ح: الأمور. (¬3) فى ح: بمعاصيهم.

(7) باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين

(7) باب ذكر كونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين 20 - (2286) حدّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأحْسَنَهُ وَأجْمَلَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهِ، يَقُولُونَ: مَا رأيْنَا بُنْيَانًا أحْسَنَ مِنْ هَذَا، إلا هَذِهِ اللَّبنَةَ، فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةُ ". 21 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَة عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلِى وَمثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى، كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنِى بُيُوتًا فَأَحْسَنَهَا وَأجْمَلَهَا وَأَكْمَلَهَا، إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وُيعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ، فَيَقُولُونَ: ألا وَضَعْتَ هَهُنَا لَبِنَةٍ! فَيَتِمَّ بُنْيَانُكَ "، فَقَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَكُنْتُ أَنَا اللَّبنَةَ ". 22 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثلِى وَمَثَلُ الأنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كِمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأحْسَنَهُ وأجْمَلَهُ، إلا مَوْضِعَ لَبِنَة مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبَنَةُ! قَالَ: فَأنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبيينَ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلِى وَمَثَلُ النَّبِيِّينَ ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " مثلى ومثل الأنبياء كرجل ابتنى دارًا " الحديث، إلى قوله: " فكنت أنا موضع اللبنة، حيث ختمت الأنبياء ": يقال: " لَبِنة " بفتح اللام وكسر الباء و " لِبْنة " بكسر اللام وسكون الباء، وهى معروفة، التى يبنى بها من الطين، وهى التى تسمى الطوب، وكل شىء رقعته فقد لبنته، وتجمع اللبنة بفتح اللام كذلك. ومن قال: " لِبنة "

23 - (2287) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حيَّانَ، حَدَّثَنَا سعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأتَمَّهَا وَأكْمَلَهَا إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَل النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ! " قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الأنْبِيَاءَ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ بَدَلَ " أَتَمَّهَا ": " أحْسَنَهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالكسر جمعها لبن، بفتح الباء. وتميم تسهل مثل هذا وتسكنه. فُسر فى الحديث المراد بهذا المثل، وأن الأمر به تم والإنذار به ختم. فى هذه الأحاديث كلها جواز ضرب الأمثال فى الدين والعلم، وغير ذلك مما شوهد وعرف بقربها للأفهام.

(8) باب إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها

(8) باب إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها 24 - (2288) قَالَ مُسْلِمٌ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِى أسَامَةَ، وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ ابْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، حَدَّثَنِى بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِى بُرْدةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِذَا أرَادَ رَحْمَةَ أمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ، قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا، فَجْعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَإِذَا أرَادَ هَلَكَةَ أمَّةٍ، عَذَّبَهَا، وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأهْلَكَهَا وَهوَ يَنْظُرُ، فَأقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِين كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أمْرَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إذا أراد الله رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها " الحديث، قال الإمام: هو مقطوع السند، قال: فيه حديث عن أبى أسامة، وممن رووا ذلك عنه إبراهيم بن عبدالله الجوهرى، حدثنا أبو أسامة، حدثنا يزيد بن عبد الله عن أبى بردة، عن أبى موسى عنه - عليه السلام. قال القاضى: كذا فى النسخ الواصلة إلينا من المعلم: إبراهيم بن عبد الله الجوهرى، وهو وَهْم، وإنما هو فى كتاب مسلم: إبراهيم بن سعد الجوهرى، وكذلك ذكره الحاكم ممن خرج مسلم عنه، وقد بين عليه (¬1) ما ذكره فى الحديث بقوله: " فجعله لها فرطًا وسلفًا بين يديها " هذه استعارة حسنة وتجوز بديع. والفرط، بفتح الراء والفاء: الذى يتقدم الواردة فيهيئ لهم الدلاء والحياض، يقال: رجل فرط، وقوم فرط، وقوم فراط. يريد: أنه يكون مقدمًا بين أيديهم يشفع لهم وينفعهم، كالذى يتقدم الواردة فى نفعهم. ومنه الحديث الآخر بعده فى الكتاب: " أنا فرطكم على الحوض " (¬2): أنا (¬3) متقدمكم وسابقكم إليه، وهو هنا أقرب إلى الحقيقة منه إلى المجاز؛ لاستعماله فى بابه. ومنه فى الدعاء على الصغير: اجعله لنا فرطًا، أى أجرًا يتقدمنا وينتفع به. ¬

_ (¬1) فى ح: علة. (¬2) حديث رقم (25) من الباب التالى. (¬3) فى ح: أى.

(9) باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته

(9) باب إثبات حوض نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفاته 25 - (2289) حدّثنى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَائدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُوَلُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، جَمِيعًا عَنْ مِسْعَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جُنْدَبٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 26 - (2290) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلاً يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبَىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظَمَأ أبَدًا، وَلَيَرِدَنَّ عَلَىَّ أَقْوَامٌ أعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِى، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من شرب منه لم يظمأ أبدًا "، قال الإمام: أى لم يعطش. قال ابن ولاد: الظمأ، بالهمز والقصر: العطش، يقال: ظمأ يظمأ ظمأ، وظماه فهو ظمآن، والجمع ظمأ. قال القاضى: ظاهره يدل أن الشرب منه بعد الحساب والنجاة من النار، فذلك للذى [لا] (¬1) يظمأ، لقوله: " لم يظمأ أبدًا ". وقيل: بل لا نشرب [منه] (¬2) إلا من لم يقدر عليه بالنار. وقد يحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة ثم قدر الله عليه العقوبة بالنار على ذنوبه أنه لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك؛ إذ ظاهر حديث الحوض أنه تشرب منه الأمة كلها، إلا من ارتد على عقبه وغير وبدل. وقد قيل: إن جميع الأمم المؤمنين يأخذ كتبها بأيمانها، ثم يعاقب الله من يشاء من مذنبيهم، وقيل: إنما يختص بأخذ كتابه بيمينه الناجون، فهذا مثله. ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من ز.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِى عَيَّاشٍ وَأَنَا أحَدِّثهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ. فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً يَقُولُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. (2291) قَالَ: وَأَنَا أشْهَدُ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُولُ: " إنَّهُمْ مِنِّى. فَيُقَالُ: إنَّكَ لا تَدْرِى مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِى ". (...) وحدّثنا هَارُوَنُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أسَامَةُ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِى عَيَّاشِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يَعْقُوبَ. 27 - (2292) وحدّثنا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِىُّ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَوْضِى مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ، وَمَاؤُهُ أبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ، وَرِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيَزَانهُ كَنُجَومِ السَّمَاءِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلا يَظْمَأُ بَعْدهُ أبَدًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ومن ورد شرب ": يعنى أن الممنوع من شربه إنما هو من لم يرد عليه، وهم الذين زيدوا وذبوا عنه، واختلجوا دونه، وأن كل من ورد يشرب. وقد مضى الكلام على هذا الحديث مستوفاً فى الطهارة. ومعنى المراد عنه. وقوله: " حوضى مسيرة شهر، وزواياه سواء ": أى أركانه، ذكر بعضهم فى الاستدلال على علمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسائر العلوم واحتوائه على جميع المعارف، وأن هذا من علم الهندسة والتكسير والحساب، وأن معنى ذلك كونه مربعاً معتدل التربيع، كما قال فى الحديث الآخر: " عرضه مثل طوله " (¬1)، وفى الحديث الآخر: " وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة " (¬2) وأغنى ذكر العرض هنا خصوصاً عن الطول؛ لأنه دليل على أن الطول مثله وأكبر منه، لكنه دل أنه مثله لقوله؟ " وَزواياه سواء " [وفى الحديث الآخر: ما بين ناحيته كما بين جربا وأذرح] (¬3)، وفى الحديث الآخر: " ما بين عمان إلى إيلة "، وفى الحديث الآخر: " ما بين المدينة وعمان "، وفى الحديث الآخر: " عرضه من مقامى إلى عمان "، وفى الآخر: " قدر حوضى ما بين أيلة وصنعاء من اليمن "، وفى الآخر: ¬

_ (¬1) حديث رقم (36) من الباب. (¬2) حديث رقم (31) من الباب. (¬3) سقط من ز.

(2293) قَالَ: وَقَالَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنِّى عَلَى الْحَوضِ حَتَّى أنْظُرَ مَنْ يَردُ عَلَىَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ أنَاس دُونِى. فَأقُولُ: يَا رَبّ، مِنِّى وَمِنْ أمَّتِى. فَيُقَالُ: أمَا شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللهِ، مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلَى أعْقَابِهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " ما بين صنعاء والمدينة ": أيلة، بفتح الهمزة وسكون الياء مدينة معروفة على النصف ما بين مكة ومضر، وقيل: هى جبل ينبع بين مكة والمدينة، وهو شعبة من رضوى. والجحفة، بضم الجيم: قرية جامعة أحد مواقيت الحج، بينها وبين المدينة ثمانية مراحل، وهى على طريق مكة وهى مهيعة، وبينها وبين البحر نحو من ستة أميال. وقوله: " ما بين جربا وأذرح " بفتح الجيم وسكون الراء وباء بواحدة: مدينة من مدن الشام مقصور، ووقع عند بعض رواة البخارى ممدود، وهو خطأ. وأذرح، بفتح الهمزة وذال معجمة ساكنة وراء مضمومة وآخره حاء مهملة. كذا هو الصواب، وكذا ضبطناه عن جميع شيوخنا، إلا أنه كان فى كتاب القاضى الصدفى عن العذرى بالجيم، وهو خطأ، وهى مدينة من أدانى الشامى. قال ابن وضاح: هي فلسطين. وفى الأم عن نافع أنه قال: هما قريتان بالشام، بينهما ثلاثة أيام، يعنى جربا وأذرح. وقوله: " ما بين أيلة وعَمَّان " (¬1): عمان، بفتح العين وتشديد الميم. كذا ضبطناه عن شيوخنا هنا، هى قرية من عمل دمشق ويبينه قوله فى رواية أبى عيسى الترمذى: " من عدن إلى عمان البلقاء " (¬2) والبلقاء بالشام. هذا الضبط هو الذى [صححه] (¬3) الخطابى فى هذا الحرف فى هذا الحديث. قال البكرى: ويقال فيه أيضًا: عُمان، بالتخفيف والضم كالذى باليمن. ولا خلاف أن الذى باليمن هكذا، وهى مدينة كبيرة وهى قرضة بلاد اليمن، وزعم غير واحد أن الصحيح هنا عمان؛ لذكره فى الأحاديث الأخر: " ما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وما بين المدينة وصنعاء "، وما تقدم فى كتاب الترمذى من ذكر عدن. وعدن وصنعاء من بلاد اليمن، وإن كانت بالشام صنعاء أخرى، لكن قد قيد هذه بصنعاء اليمن فارتفع الإشكال. وهذا كله من اختلاف التقدير، ليس فى حديث واحد فيحسب اختلافاً واضطرابًا من الرواة، وإنما جاء فى أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة سمعوه فى مواطن مختلفة. ¬

_ (¬1) حديث رقم (36) من الباب. (¬2) الترمذى، ك صفة القيامة والرقائق والورع، ب ما جاء فى صفة أوانى الحوض (2444) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. (¬3) ساقطة من ز.

قَالَ: فَكَانَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللهُمَّ، إنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أعْقَابِنَا، أَوْ أَنْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنا. 28 - (2294) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ أَصْحَابِهِ -: " إنِّى عَلَى الْحَوْضِ، أنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَىَّ مِنْكُمْ. فَوَاللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى كل واحد منهما ميلاً (¬1) لبعد أقطار الحوض وسعته وكبره، بما تسنح له من العبارة وقرب للأفهام، لبعد ما بين البلاد النائية البعيد بعضها عن بعض، لا على التقدير والمحقق لما بينهما بلا (¬2) إعلام ببعد المسافة، وسعة القطر، وعظم الحوض. فبهذا تجتمع هذه الألفاظ من جهة المعنى - والله أعلم - كما قال فى الآنية: " عددها كنجوم السماء " إشارة إلى غاية الكثرة. وعلى هذا تأول كثير قوله تعالى: {مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (¬3)، وقوله - عليه السلام -: " لا يضع عصاه عن عاتقه " (¬4) وهو باب في المبالغة غير منكر فى اللغة ولا فى الشرع، ولا يعد هذا كذباً وإذا كان المخبر عنه بخبر الكثرة والعظم ومبلغ الغاية فى بابه، بخلاف لو كان بغير ذلك. ومثله قوله: كلمته فى هذا ألف مرة ولقيته مائة لقية. فهذا مباح جائز فى الكثير المنكر وكذب لا يجوز فى المرات القليلة. وحديث الحوض صحيح، والإيمان به واجب، والتصديق به من الإيمان، وهو على وجهه عند أهل السنة والجماعة، لا يتأول ولا يحال عن ظاهره، خلافًا لمن لم يقل من المبتدعة الباقين (¬5) له، والمحرفين له بالتأويل عن ظاهره. وهو حديث ثابت متواتر النقل، رواه جماعة من الصحابة. فذكره مسلم من رواية ابن عمر، وأبى سعيد، وسهل بن سعد، وجندب، وعبدالله ابن عمرو بن العاص، وحارثة بن وهب الخزاعى، والمستورد، وأبى ذر، وثوبان، وأبى هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن سمرة. ¬

_ (¬1) فى ح: مثلاً. (¬2) فى ح: بل. (¬3) الصافات: 147. (¬4) أحمد 6/ 412، 413، مالك ك الطلاق، ب ما جاء فى نفقة المطلقة 2/ 580 (67)، مسلم، ك الطلاق، ب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها (1480)، الدارمى، ك النكاح، ب النهى عن خطبة الرجل على خطبة أخيه 2/ 135، وكله من حديث فاطمة بنت قيس - رضى الله عنها. (¬5) فى ح: النافين.

فَوَاللهِ، لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِى رِجَالٌ، فَلأقُولَنَّ: أىْ رَبِّ، مِنِّى وَمِنْ أمَّتِى. فَيَقُولُ: إنَّكَ لا تَدْرِى مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أعْقَابِهِمْ ". 29 - (2295) وحدّثنى يُونسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - أَنَّ بُكيْرًا حَدَّثَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ الْهَاشِمىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ - مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ - عَنْ أمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أسْمَعُ النَّاسَ يَذْكُرُونَ الْحَوْضَ، وَلَمْ أسْمَعْ ذَلِكَ منْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَاريَةُ تَمْشُطُنِى، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَيُّهَا النَّاسُ " فَقُلْتُ لِلْجارِيَةِ: اسْتَأخِرِى عَنِّى. قَالَتْ: إنَّمَا دَعَا الرِّجَالَ وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ. فَقُلْتُ: إنِّى مِنَ النَّاسِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنِّى لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْضِ، فَإيَّاىَ لا يَأتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبُّ عَنِّى كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، فَأقُولُ: فِيمَ هَذَا؟ فَيُقَالُ: إنَّكَ لا تَدْرِى مَا أحْدَثُوا بَعْدكَ، فَأقُولُ: سُحْقًا ". (...) وحدّثنى أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ وأبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرو - حَدَّثَنَا أفْلحُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَافِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكره غير واحد عن أسماء بنت أبى بكر، وأبى برزة الأسلمى، وأبى أمامة، وزيد ابن أرقم، وعبد الله بن زيد، وسويد بن جبلة، وعبد الله الصنابحى: والبراء، وأبى بكر، وخولة بنت قيس، وغيرهم. وفى بعض هذا ما يخرج هذا الحديث عن خبر الواحد إلى حديث الاستفاضة والتواتر. وقول أم سلمة لماشطتها: كُفى رأسى، أما سمعت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أيها الناس ": أى ضمى أطرافه وأجمعيه. وقول جاريتها: " إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إنى من الناس " حجة أولاً لأصحاب القول بالعموم، وأن له صيغة، وأن لفظة " الناس " تعم الذكور والإناث. قال الإمام: وقوله: " ماؤه أبيض من الورق " (¬1): وخرج [هذا] (¬2) اللفظ على غير ما أصلته النحوية من أن فعل التعجب يكون ماضيه على ثلاثة أحرف، فإذا صار على أكثر من ثلاثة أحرف فلا يتعجب من فاعله، وإنما يتعجب من مصدره. فلا يقال: ما أبيض زيدًا، ولا زيد أبيض من عمرو، إنما يقال: ما أشد بياضه، وهو أشد بياضًا من ¬

_ (¬1) حديث رقم (27) من الباب. (¬2) فى ز: غير، والمثبت من ح.

قَالَ: كَانَتْ أمُّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهْىَ تَمْتَشِطُ - " أيُّها النَّاسُ " فَقَالَتْ لِمَاشِطَتِهَا: كُفِّى رَأسِى. بِنَحْوِ حَدِيثِ بُكَيْرٍ عَنِ الْقَاسِم بْنِ عَبَّاسٍ. 30 - (2296) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أهْلِ أحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ. " إنِّى فَرَطٌ لَكُمْ، وأنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإنِّى وَاللهِ لأنْظُرُ إلَى حَوْضِىَ الآنَ، وإنَّى قَدْ أعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائنِ الأرْضِ - أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ - وَإنِّى وَاللهِ مَا أخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى، وَلَكِنْ أخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فِيهَا ". 31 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا وَهْبٌ - يَعْنِى ابْنِ جَرِيرٍ - حَدَّثَنَا أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلى أحُدٍ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرِ كَالْمُوَدِّعِ للأحْيَاءِ وَالأمْوَاتِ، فَقَالَ: " إنِّى فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أيْلَةَ إلَى الْجُحْفَةِ -، إنِّى لَسْتُ أخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى، وَلَكِنِّى أخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا، وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلِكُوا، كَمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبْلَكُمْ ". قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ. 32 - (2297) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلأنَازِعَنَّ أقْوَامًا ثمَّ لأُغْلَبَنَّ عَلَيْهِمْ، فَأقُولُ: يَارَبِّ، أصْحَابِى، أصْحَابِى. فَيُقَالُ: إنَّكَ لا تَدْرِى مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك. قالوا: وقول الشاعر: جارية فى درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بنى أياض إنما جاء استثناء ولا يقاس عليه، ومثله قول الآخر: إذا الرجال شتوا واشتد أكلهم ... فأنت أبيضهم سربال طباخ

(...) وحدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ " أصْحَابِى. أصْحَابِى ". (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، جَمِيعًا عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. وَفِى حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ. (...) وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ عَمْرو الأشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، كِلاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عن النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِ الأعْمِشِ وَمُغِيرَةَ. 33 - (2298) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَارِثَةَ؛ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " حَوْضُه مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمدِينَةِ ". فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ قَالَ: " الأوَانِى "؟ قَالَ: لا. فَقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ: " تُرَى فِيهِ الآنِيَةُ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ ". (...) وحدّثنى إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. وَذَكَرَ الْحَوْضَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْل الْمُسْتَوْرِدِ وَقَوْلَهُ. 34 - (2299) حدّثنا أَبُو الرَّبيعِ الزَّهْرَانِىُّ وأبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ - وَهْوَ ابْنُ زَيْد - حَدَّثَنَا أيُّوبُ عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أمَامَكُمْ حَوْضًا، مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ جَرْبَا وَأذْرُحُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الذى وقع س الحديث يصحح كون ذلك لغة، وكذلك قول عمر - رضى الله عنه -: " ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع " قد احتج به بعضهم فى أن التعجب قد يكون

(...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهْوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أخْبرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أمَامَكُمْ حَوْضًا كَمَا بَيْنَ جَرْبَا وَأذْرُحَ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنّى: " حَوْضِى ". (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ بِشْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَسَألْتُهُ فَقَالَ: قَرْيَتَيْنِ بالشَّأمِ. بَيْنَهُمَا مَسِيَرةُ ثَلاثِ لَيالٍ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ بِشْرٍ: ثَلاثَةِ أيَّامٍ. (...) وحدّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ. 35 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أمَامَكُمْ حَوْضًا كَمَا بَيْنَ جَرْبَا وَأذْرُحَ، فِيهِ أبَارِيقُ كُنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ وَرَدَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ، لَمْ يَظْمَأ بَعْدَهَا أبَدًا ". 36 - (2300) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ - واللَّفْظُ لابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّىُّ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا آنِيَةُ الْحَوْض؟ قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءَ وَكَوَاكِبِهَا، ألا فِى الَّليْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأ آخِرَ مَا عَلَيْه، يَشْخُبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الزائد على الثلاثى، وأنشدوا لذى الرمة: وماشية خرقاء واهية الكلأ ... سقى بهما ساق ولم شللا بأضيع من عينك (¬1) للماء كلما ... توهمت ربعاً أو تذكرت منزلا قال القاضى: قد جاء فى الروايات الأخر على الوجه المعروف عند النحاة: " ماؤه أشد بياضًا من اللبن " (¬2). ¬

_ (¬1) فى ح: غيرك. (¬2) الترمذى، ك القيامة، ب ما جاء فى صفة أوانى الحوض 4/ 629 (3444).

يَظْمَأ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِه، مَا بَينَ عَمَّانَ إلَى أيْلَةَ، مَاؤُهُ أشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللّبَن، وَأحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ". 37 - (2301) حدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وألْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ معْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ الْيَعْمُرِىِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنِّى لَبِعُقْرِ حَوْضِى أذُود النَّاسَ لأهْلِ الْيَمَنِ، أضْرِبُ بِعَصاىَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ ". فَسُئلَ عَنْ عَرْضهِ فَقَالَ: " مِنْ مُقَامِى إلَى عَمَّانَ ". وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: " أشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، يَغِتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ، يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، أحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالآخَرُ مِنْ وَرِقٍ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. بِإسْنَادِ هِشَامٍ، بِمِثْلَ حَدِيثِه. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: " أَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ عُقْرِ الْحَوْضِ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدِيثَ الْحَوْضِ. فَقُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ: هَذَا حَدِيثٌ سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِى عَوَانَةَ، فَقَالَ: وَسَمِعْتُهُ - أيْضًا - مِنْ شُعْبَةَ. فَقُلْتُ: انْظرْ لِى فِيهِ. فَنَظَرَ لِى فِيهِ فَحَدَّثَنِى بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنى لبعقر حوضى ": قال ثابت: عقر الحوض، بضم العين وسكون القاف: موقف الإبل إذا وردته. وقال غيره: عقره مؤخره، وعقر الدار، بفتح العين: أصلها. ويقال هذا بالضم أيضاً، وهى لغة الحجازين. وقال أبو زيد: عقر دار القوم: وطنهم، وقال ثابت: عقر الدار: معظمها وبيضتها. وقال يعقوب: العقر: البناء المرتفع. وقوله: " يَغُتُّ فيه ميزابان ": كذا رويناه من ريق الفارسى والسجزى بغين معجمه وتاء باثنتين فوقها، وكذا ذكره ثابت والهروى والخطابى (¬1) وأكثرهم، ومعناه [اتباع] (¬2) الصب. وأصله: اتباع الشرب الشرب، والقول القول، فأراد أن هذين الميزابين يصبان فيه دائمًا، واللفظ يدل على أنه دفعة بعد دفعة. وقال الهروى: معناه: يدفقان فيه الماء ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 1/ 91. (¬2) من ح.

38 - (2302) حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِىُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لأذُودَنَّ عَنْ حَوْضِى رِجَالاً، كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإبِلِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِه. 39 - (2203) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَدْرُ حَوْضِى كَمَا بَيْنَ أيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ، وَإنَّ فِيهِ مِنَ الأبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ ". 40 - (2304) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ صُهَيْبٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيَرِدَنَّ عَلَىَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمِّنْ صَاحَبَنِى، حَتَّى إِذَا رَأيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إلَىَّ، اخْتُلِجُوا دُونِى، فَلأقُولَنَّ: أىْ رَبِّ، أصَيْحَاَبِى، أصَيْحَابِى. فَلَيُقَالَنَّ لى: إنَّكَ لا تَدْرى مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، جَمِيعًا عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِهَذَا الْمَعْنَى. وَزَادَ: " آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ دفقًا شديدًا متتابعًا. ورويناه من طريق العذرى: " يَعُبُّ " بعين مهملة وباء بواحدة، وكذا ذكره الحربى، وفسره بمعنى ما تقدم، أى لا ينقطع جريهما، قال: والعَبُّ الشرب بسرعة فى نفس واحد. ووقع فى رواية ابن ماهان: " يثعب " بثاء مثلثة قبل العين، ومعناه: يتفجر، كما قال فى الحديث الآخر: " وجرحه يثعب دمًا " (¬1). وقوله فى الحديث الآخر: " يشخب فيه ميزابان " (¬2) بالشين والخاء المعجمتين بمعناه. والشخَب، بالفتح: السيلان بصوت. ¬

_ (¬1) سبق في مسلم، ك الإمارة، ب فضل الجهاد والخروج فى سبيل الله، رقم (105). (¬2) حديث رقم (36) من الباب.

41 - (2303) وحدّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِيُّ وَهُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى - وَاللَّفْظُ لِعَاصِمٍ - حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا بَيْنَ نَاحِيَتَىْ حَوْضِى كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ ". 42 - (...) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أنَّهُمَا شَكَّا فَقَالا: أَوْ مِثْلَ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَعَمَّانَ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى عَوَانَةَ: " مَا بَيْنَ لابَتىْ حَوْضِى ". 43 - (...) وحدّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ أنَسٌ: قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرَى فِيهِ أَبَارِيقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما بين لابتى حوضى " أى ناحيتيه؛ إذ عليهما يكون العطاش، أى تحوم للورود من العطش، ومنه: " لابتى المدينة " أى جانباها لكثرة حرها، وما يصيب فيها من العطش سبب ذلك. وأصل اللابة. الحرة، وهى أرض ألبست حجارة سود. زاد المطرز: إذا كانت بين جبلين، الواحدة لابة ولُوبة. زاد أبو عبيد: ونوبة بالنون ولم يعرف ابن الأعرابى: نوبة، والجمع لاب ولوب ولابات فى القليل. قال الخليل: اللاب واللوب واللواب: العطش. قال بعضهم: أصل قولهم: ما بين اللابتين بالمدينة، ثم استعمل فى غيرها، كأنه ما بين حدين. وقيل: اللَّوْبُ واللُّوَبُ واللواب: الحوم حول الحياض فى العطش، فلم يصل إليه بعدُ. وقوله: " سحقاً " (¬1): أى بعدًا. وفى هذا الحديث من علامات نبوته ما أخبر به - عليه السلام - عن إعطائه بمفاتيح خزائن الأرض، وذلك ما ملكت أمته منها. جاء فى الحديث: أن إعطاءه مفاتيحها فى النوم، فيحتمل، أنها رؤيا عبرها لما دفعت إليه مفاتيحها بملكها وفتحها على أمته، ويحتمل، أنها رؤيا وحى حقيقة من إعلامه بذلك وتمليكها إياه وتحذيره وقهره. وإعلامه أنه ما يخاف أن يشركوا بعده، ولكن إنما يخاف من هلاكهم بتنافس الدنيا كما كان، لم يرد - عليه السلام - بإشراكهم وإشراك بعضهم، وقد ذكر فى الحديث ¬

_ (¬1) حديث رقم (26) من الباب.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنَ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِثْلَهُ. وَزَادَ: " أَوْ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ ". 44 - (2305) حدّثنى الْوَلِيَدُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ السَّكُونِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى - رَحِمَهُ اللهُ - حَدَّثَنِى زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حربٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ألا إنِّى فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإنَّ بُعْدَمَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وأيْلَةَ، كَأنَّ الأبَارِبقَ فِيهِ النُجُومُ ". 45 - (...) حدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غَلامِى نَافِعِ: أخْبِرْنِى بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فَكَتَبَ إلَىَّ: إنِّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه: أن منهم من يرتد، وإنما أراد إشراك جميعهم أو عامتهم، كما خاف من هلاك أكثرهم بالتنافس فى الدنيا. وذكر مسلم، حدثنا هارون بن سعيد الأيلى، حدثنا ابن وهب، أنبأنا أبو أسامة، عن أبى حازم، عن سهل، عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن النعمان بن أبى عياش عن أبى سعيد. كذا فى الأصول، وفيه إشكال (¬1)، على من ينعطف، وتقدير عطفه على سهل، والقائل عن النعمان هو غير أبى حازم، روى الحديث عن سهل، عن النبى، وعن النعمان عن أبى سعيد، عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله فى هذا الحديث: " خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت " يعنى: أنه دعا لهم بمثل دعائه على الميت، وليس فيه حجة على الصلاة فى الشهداء إذا لم يكن هذا عند قتلهم ودفنهم، وإنما كان بعد ذلك. وقد تقدم الكلام على هذه المسألة أول الكتاب وفى الجنائز. وقوله: " أزُودُ الناس عنه لأهل اليمن " (¬2) لتشرب ويطرد غيرهم عنه ويدفعهم حتى يشربوا، إكراماً لهم ومجازاة، كما تقدموا الناس للإيمان. وزاد ما أعداه عنه وعن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والزود: الطرد والدفع. وقوله: " أضرب بعصاى حتى يرفض [عليهم] (¬3) ": أى يسيل عليهم. وأصله ¬

_ (¬1) حديث رقم (26) من الباب. (¬2) حديث رقم (37) من الباب. (¬3) ساقطة من ز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الدفع، يقال: أرفض الدمع: إذا سال متفرقاً. وعصاه هذه عندى المذكورة فى الحديث هى المكنى عنها بالهراوة فى صفته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتب القديمة بصاحب الهراوة. قال أهل اللغة: الهراوة: العصا، وهروته: إذا ضربته بالعصا، ولم يأت لمعناها فى صفته تفسير إلا ما يظهر من هذا الحديث. وقوله: " كما تزاد الغريبة من الإبل " (¬1) معناه: أن الرجل إذا سقى إبله ودخلت بينهما ناقة ليست منها، طردها وزادها عن حوضه، ودفعها عنه، حتى يسقى إبله. وهذا كما جاء فى الحديث الآخر: " كما يزاد البعير الضال " (¬2). وقوله فى رواية أنس فى هذا الحديث: " فيمن يزاد رجال ممن صاحبنى " (¬3) يدل على صحة تأويل من تأول [أنهم] (¬4) أهل الردة، ولذلك قال - عليه السلام - فيهم: " سحقاً سحقاً ". والنبى - عليه السلام -. لا يقول ذلك فى مذنبى أمته، بل يشفع له ويهتم بأمرهم، ويضرع إلى الله - تعالى - فى رحمتهم والعفو عنهم. وقيل: بل هم صنفان، منهم العصاة المرتدون عن الاستقامة، المبدلون عملهم الصالح بغيره. ومنهم المرتدون على أعقابهم بالكفر، واسم التبديل يشملهم كلهم، وقد تقدم الكلام عليه مستوعبًا قبل. وقوله: " أوتيت مفاتيح خزائن الأرض " جمع بمفاتيح (¬5)، ومن رواه مفاتح بغير ياء التعويض فجمع مفتح، وهما لغتان فيه إعلامه - عليه السلام - بما يفتح عليه وعلى أمته بعده من ممالك الأرض وخزائنها. ¬

_ (¬1) حديث رقم (38) من الباب. (¬2) حديث رقم (29) من الباب. (¬3) حديث رقم (40) من الباب. (¬4) فى هامش ز. (¬5) حديث رقم (30) من الباب.

(10) باب فى قتال جبريل وميكائيل عن النبى صلى الله عليه وسلم، يوم أحد

(10) باب فى قتال جبريل وميكائيل عن النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يوم أحد 46 - (2306) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْر وَأَبُو أسَامةَ، عَنْ مِسْعَرٍ؛ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأيْتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أحُدٍ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، مَا رَأيْتُهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ - يَعْنِى جِبْرِيلَ وَمِيَكَائِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلامُ. 47 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا سَعْدٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأيْتُ يَوْمَ أحُدٍ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، يُقَاتِلانِ عَنْهُ كَأشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأيْتُهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول سعد: " رأيت عن يمين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن شماله يوم أحد رجلين، عليهما ثياب بيض، يقاتلان عنه كأشد قتال ": فيه كرامة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، وكرامة الأولياء بذلك، واستحسان الناس (¬1) البياض، وتقوية قلوب المؤمنين بما أراهم الله من ذلك، ورعبًا لقلوب المشركين. وقيل: إن إظهارهمِ للمشركين إنما كان عند أخذ القتل فيهمِ واحتضارهم الموت: [كما قال تعالى] (¬2): {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} (¬3). وقيل: يجوز أن يردهم وإن لم يموتوا، إبلاغاً للإعتذار، وزيادة فى إقامة الحجة عليهم. ¬

_ (¬1) فى ح: لباس. (¬2) سقط من ز. (¬3) الفرقان: 22.

(11) باب فى شجاعة النبى، عليه السلام، وتقدمه للحرب

(11) باب فى شجاعة النبىّ، عليه السلام، وتقدمه للحرب 48 - (2307) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وأبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ وأبُو كَامِلٍ - وَاللَّفْظ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - حَمَّادُ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْودَ النَّاسِ، وَكَانَ أشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِى طَلْحَةَ عُرْى، فى عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: " لَمْ تُراعُوا، لَمْ تُرَاعُوا "، قَالَ: " وَجَدْنَاهُ بَحْرًا - أَوْ إنَّهُ لَبَحْر ". قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان - عليه السلام - أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس "، وذكر الحديث فيه أن صفات الأنبياء على أتم صفات الكمال فى الأخلاق الحميدة، والنزاهة عن كل رذيلة. وقد بينا هذا على الغاية فى غير هذا الكتاب. وقوله: " [وهو] (¬1) على فرس لأبى طلحة عُرْى " [إلى قوله: " وجدناه بحرًا "، قال الإمام: يقال: فرس عُرْى] (¬2). وقيل: أعراء وقد أعر ولاه: إذا ركبه عرياً، ورجل عريان. وقوله: " وجدناه بحراً ": قال أبو عبيد: يقال للفرس: إنه لبحر، وإنه لحث أى (¬3) واسع الجرى. قال القاضى: قال غيره: وكذلك فرس سكب وسح وقيض وغمر، كله إذا كان سريعاً كثير العدو. وقال أبو عبيد: البحر: الفرس الذى كلما بَعُدَ جَرْىُ عقبه يجرى إجراء. قال: وأصل ذلك كله من السعة والكثرة، ومنه يقال للجواد: بحر، [وللعالم بحر] (¬4)، شبه جميعهم بالبحر الذى لا ينقطع مده. وقوله: " لم تراعوا ": أى لم يكن شىء يفزعكم، ولا حدث ما يروعكم. والروع: الفزعَ. كذا قال فى الرواية الأخرى: " ما رأينا من فزع ". ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من الحديث المطبوع، رقم (48). (¬2) فى هامش ح. (¬3) فى ز: بمثابة، والمثبت من ح والأبى. (¬4) فى هامش ح.

49 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٍ، فَاسْتَعَارَ النَّبِىُّ فَرَسًا لأَبِى طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ، فَرَكِبَهُ، فَقَالَ: " مَا رَأيْنَا مِنْ فَزَعٍ، وَإنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرِ قَالَ: فَرَسًا لَنَا. وَلَمْ يَقُلْ: لأبِى طَلْحَةَ. وَفِى حَدِيثِ خَالِدٍ: عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أنسًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكان فرسًا يبطأ " كذا [لجميع] (¬1) الجمهور وشيوخنا، وعند الطبرى وبعضهم: " تبطا " أى يقبلا، وهو من معنى تبطأ، فيه بركة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما ركبه، وأنه من آيات نبوته، وتقدمه فى الشجاعة والصبر. وفيه أجر الخيل عند مهم الأمور، وسبق الإنسان وانفراده بنفسه وخروجه فى طلائع العدو والحرس، إذا كان يثق بنفسه فى ذلك، وركوب الرجل فرس غيره فى الغزو. وجاء فى الحديث الآخر: أن اسم هذا الفرس: مندوب. يحتمل أنه اسمه، لقب لغير معنى كسائر الأسماء، ويحتمل أنه سمى بذلك لندب به، وهو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، ويحتمل أنه سمى بذلك من الخطر فى السباق. والندب: الخطر، إما أن يكون سبق واحد خطر صاحبه أو سبق فجعل له الخطر - والله أعلم. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز.

(12) باب كان النبى صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة

(12) باب كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود الناس بالخير من الريح المرسلة 50 - (2308) حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنِ الزُّهْرِى. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ - واللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا إبْرَاهيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرَ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فىِ شَهْرِ رَمَضَانَ. إِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَان يَلْقَاهُ فِى كُلِّ سَنَةٍ فِى رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجْوَدَ بِالْخَيرِ مِنَ الرَّيحِ الْمُرْسَلَةِ. (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ عَنْ يُونسَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمرٌ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن جبريل كان يلقاه فى كل سنة فى رمضان حتي ينسلخ، فيعرض عليه القرآن ": كذا فى أكثر الروايات والنسخ، وهي رواية عامة شيوخنا. وفى بعض النسخ: " كل ليلة " وهو المحفوظ، لكنه بمعنى الأول؛ لأن قوله: " حتى ينسلخ " " بمعنى ": " كل ليلة ". وقوله: " فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة ": هذا بحكم تجديد الإيمان واليقين فى قلبه، يملأ فاه الملك، وزيادة ترقيه فى المقامات، وعلو الدرجات، بمناقشته ومدارسته للقرآن معه. وفى قوله: " أجود بالخير من الريح المرسلة " جواز المبالغة والإعياء في الكلام، وقد مر منه قبل هذا. وفى فعله - عليه السلام - هذا لقوله تعالى فى تقديم الصدقة بين يدى نجوى الرسول التى كان أمر الله بها عباده فامتثله - عليه السلام - بين يدى [مناجاة] (¬1) الملك وإن الله تعالى قد خفف الحكم ونسخه عن أمته. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(13) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا

(13) باب كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس خلقاً 51 - (2309) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك، قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لى: أفّا قَطُّ، وَلا قَالَ لِى لِشَىْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلا فَعَلْتَ كَذَا؟ زَادَ أَبُو الرَّبِيع: لَيْسَ مِمَّا يَصْنَعُهُ الْخَادِمُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: وَاللهِ. (...) وحدّثناه شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ، عَنْ أنَسٍ بِمِثْلِهِ. 52 - (...) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ حنْبَلٍ وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ إسْمَاعِيلَ - وَاللَّفْظُ لأحْمَدَ - قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بيَدِى، فَانْطَلَقَ بِى إلَى رَسُولِ اللهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ أَنَسًا غَلامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فىِ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَاللهِ مَا قَالَ لىِ لِشَىْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلا لِشَىْءٍ لَمْ أصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟ 53 - (...) حدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا زَكِرِيَّاءُ، حَدَّثَنِى سَعِيدٌ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى بُرْدَةَ - عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا أعْلَمُهُ قَالَ لى قَطُّ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلا عَابَ عَلَىَّ شَيْئًا قَطُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خدمت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين، ما قال لى: أفاً قط، ولا قال لى لشىء قط: لم فعلت كذا، وهلا فعلت كذا، ولا عاب على شيئاً قط ": هذا من كرم خلقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصبره، وحسن عشيرته (¬1)، قال الإمام: وقوله: " أفاً ": الأف كلمة، معناها: التبرم، وهى اسم فعل، وأتى بها فى الكلام للاختصار والإيجاز؛ لأنه يستعمله (¬2) للواحد والاثنين والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، ومنه قوله تعالى: {فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} (¬3). ¬

_ (¬1) فى ح: عشرته. (¬2) فى ح: لأنك تستعمله. (¬3) الإسراء: 23.

54 - (2310) حدّثنى أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ: قَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأرْسَلَنِى يَوْمًا لِحَاجَةٍ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لا أذهَبُ، وَفِى نَفْسِى أَنْ أذهَبَ لِمَا أمَرَنِى بِهِ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجْتُ حتَّى أمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فىِ السُّوقِ، فإذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَاىَ مِنْ وَرَائِى. قَالَ: فَنَظَرْتُ إلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَالَ: " يَا أنَيْسُ، أذَهَبْتَ حَيْثُ أمَرْتُكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أذْهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ. (2309) قَالَ أَنَسٌ: وَاللهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَىْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشَىْءٍ تَرَكْتَهُ: هَلا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا. 55 - (2310) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: كَانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيها لغات كثيرة، فإذا لم ينون فهو معرفة، وإذا نون فهو نكرة. فمعنى المعرفة: لا تقل لهما القبيح من القول. ومعنى النكرة: لا تقل لهما قبحاً من القول. قال الهروى: يقال لكل ما يضجر منه ويستقل: أف له. وقال بعضهم: معنى أف: الاحتقار والاستقذار (¬1)، أخذًا من الأنف وهو العليل، وفى الحديث: " فالعاتق به على أنفه، ثم قال: أف أف ". قال ابن الأنبارى: معناه: الاستقذار لما بينهم. قال القاضى: الأف والنف: وسخ الأطفال، تستعمل هذه الكلمة فى كل ما يستقذر. وفيه عشر لغات: أف بغير تنوين بالفتح والضم والكسر هذه ثلاث، وكذلك بالتنوين فهذه ست، وبالسكون وضم الهمزة وبالفتح وكسر الهمزة، وأفى وأفه بضم الهمزة فيهما، فهذه عشرة (¬2). وقوله فى الحديث الواحد: " خدمته عشر سنين "، وفى الآخر: " تسع (¬3) سنين " أخره مرة عن السنين الكاملة، ولم يحسب الزائدة من الشهور عليها، فحسبت تسعاً، ولم يحسب فيها السنة التى ابتدأ خدمته فيها بعد قدومه، ومرة حسبها، إذ مدة مقام النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة من حين قدومه إلى حين وفاته عشرة أعوام، لم يزد ساعة واحدة؛ إذ توفى من ¬

_ (¬1) فى ح: الاستثقال. (¬2) فى ح: عشر. (¬3) فى ز: سبع، والمثبت من الحديث المطبوع رقم (53، 54).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النهار فى مثله من اليوم الذي قدم فيه، وبعد استقراره بها كان استخدامه لأنس وهو ابن عشر، وقيل: ابن ثمان. قال الإمام: ذكر مسلم [فى الباب] (¬1) عن شيبان وأبى الربيع قالا: حدثنا عبد الوارث، عن أبى التياح (¬2)، عن أنس. كذا عند الجلودى وغيره فى نسخة أبى العلاء، قالا: حدثنا عبد الواحد، عن أبي التياح. فجعل " عبد الواحد " بدل " عبد الوارث " وهو ابن سعيد البنودى صاحب أبى التياح. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) هو يزيد بن حميد أبو التياح الضبعى البصرى، روى عن أنس وأبى عثمان النهدى وأبى الوداك وغيرهم، وعنه سعيد بن أبى عروبة وشعبة وعبد الوارث بن سعيد وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى، وذكره ابن حبان فى الثقات، مات سنة 189 هـ. التهذيب 11/ 320، 321.

(14) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا. وكثرة عطائه

(14) باب ما سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً قط فقال: لا. وكثرة عطائه 56 - (2311) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لا. (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا الأشْجَعِىُّ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىَّ - كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ، مِثْلَهُ سَوَاءً. 57 - (2312) وحدّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإسْلامِ شَيْئًا إلا أعْطَاهُ. قَالَ: فَجَاءَه رَجُلٌ فَأعْطَاهُ غَنمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَاقَوْمِ، أسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِى عَطَاءً لا يَخْشَى الْفَاقَةَ. 58 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ؛ أنَّ رَجُلاً سَألَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأعْطَاهُ إياهُ. فَأتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَىْ قَوْمِ، أسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِى عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وخرج بعد هذا بيسير حديث جابر [عن عبد الرحمن بن مهدى. قال بعضهم: وعن محمد بن حاتم] (¬1): ما سئلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن شىء قط فقال: لا. قال: حدثنا أبو كريب عن الأشجعى قال: وحدثنى محمد بن حاتم، قال: حدثنا عبد الرحمن - يعنى بن مهدى - هذا فى نسخة أبى العلاء، ووقع عند الجلودىّ: حدثنا " محمد بن مثنى " بدل " محمد بن حاتم ". [عن عبد الرحمن بن مهدى. قال بعضهم وعن محمد بن حاتم] (¬2) خرجه أبو مسعود الدمشقى عن مسلم. قال القاضى: وذكر مسلم فى باب جود النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكرمه وتأليفه على الإسلام بالعطاء، وقول أنس: " إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) سقط من ز.

فَقَالَ أنَسٌ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إلا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإسْلامُ أحبَّ إلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. 59 - (2313) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ - فَتْحِ مَكَّةَ - ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ اللهُ دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أميَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أعْطَانِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أعْطَانِى، وَإِنَّهُ لأبْغَضُ النَّاسِ إلَىَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِى حَتَّى إنَّهُ لأحَبُّ النَّاسِ إلَىَّ. 60 - (2314) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمَنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ جَابِرٍ، أحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى الآخَرِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. قَالَ سفْيَانُ: وَسَمِعْتُ - أيْضًا - عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَلِىٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. وَزَادَ أحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهكَذَا وَهَكَذَا "، وَقَالَ بِيَدَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحب إليه من الدنيا وما عليها ": أق يظهر الإسلام أولاً للدنيا، فما يلتزم الإسلام ويتمكن منه إلا وقد انشرح صدره له، وصرفه الله. وقول صفوان: " لقد أعطانى، وإنه لأبغض الناس إلىّ فما برح يعطينى حتى أنه لأحب الناس إلىَّ ": فيه التأليف على الدين وعلى الخير، والأخذ بالتى هي أحسن. وقد كان العطاء أولاً للمؤلفة قلوبهم مشروعًا، كما نص عليه - تعالى - فى كتابه، وجعلهم أحد أصناف الصدقات، ثم اختلف هل حكمهم باق إلى وقتنا هذا متى احتيج إلى ذلك أم لا، وقد تقدم هذا فى كتاب الزكاة. والفاقة: الحاجة. ومعنى قوله: " ما برح ": أى ما زال.

جَمِيعًا. فَقُبِضَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَجِىءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ. فَقَدِمَ عَلَى أَبِى بَكْرٍ بَعْدَهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مِنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةُ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأتِ. فَقُمْتُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالَ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا أَوْ هَكَذَا "، فَحَثَى أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً. ثُمَّ قَالَ لِى: عُدَّهَا. فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِىَ خَمْسُمِائَةٍ. فَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا. 61 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وَأخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِىِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَه عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ، فَلْيَأتِنَا. بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى بكر: " من كانت له على النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدة أو دين فليأت ": فيه ما يلزم الأئمة من قضاء ديون من قبلهم، وتنفيذ [أوامرهم] (¬1) إذا كانوا على الحق، وفى سبيل الخير والنظر للمسلمين. ¬

_ (¬1) فى ح: أمرهم.

(15) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه، وفضل ذلك

(15) باب رحمته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصبيان والعيال وتواضعه، وفضل ذلك 62 - (2315) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ - وَاللَّفْظُ لِشَيْبَانَ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وُلِدَ لِى اللَّيْلَةُ غُلامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِى، إبْرَاهِيمَ "، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى أمِّ سَيْفٍ، امْرَأَةِ قَيْنٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو سَيْفٍ. فَانْطَلَقَ يَأتِيهِ وَاتْبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إلَى أَبِى سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ، قَدِ امْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأسْرَعْتُ الْمَشْىَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ، أمْسِكْ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأمْسَكَ فَدَعَا النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبِىِّ، فَضَمَّهُ إلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. فَقَالَ أنسٌ: لَقَدْ رَأيْتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدىْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " تَدْمَعُ الْعيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ إلاَ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَاللهِ يَا إبْرَاهِيمُ إنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ ". 63 - (2316) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث موت إبراهيم ابن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله: " وهو يكيد بنفسه ": قال فى العين: معناه يسوق. قال أبو مروان بن سراج: يكون من الكيد وهو العين، يقال: كاد يكيد، شبه يقلع نفسه عند الموت بذلك، أو يكون من كيد الغراب وهو نفسه، وهو نحو منه، أو من كاد يكيد (¬1): إذا قارب، كله ممكن قريب المعنى فى هذا، لأنه قارب أجله. وقوله: فدمعت عينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: " تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون ": فيه أن ما لا يملك الإنسان من دمع العين وحزن القلب غير مؤاخذ به عند المصائب، ولا فى التفريق بما يجده الإنسان من ذلك إثم ولا حرج، لقوله ذلك - عليه السلام. وقوله: " ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان [إبراهيم] (¬2) ¬

_ (¬1) فى ح: يكاد. (¬2) من ح.

أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا رَأيْتُ أحَدًا كَانَ أرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: كَانَ إبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا لَهُ فىِ عَوَالىِ الْمَدِينَةِ، فَكانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ وَإنَّهُ لَيُدَّخَنُ، وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنًا، فَيَأخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ. قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّى إبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِى، وَإنَّهُ مَاتَ فىِ الثَّدْىِ، وَإن لَهُ لَظِئْرَيْنِ تُكَمِّلانِ رَضَاعَهُ فىِ الْجَنَّةِ ". 64 - (2317) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وأبُوْ كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسترضعًا له فى عوالى المدينة، فكان ينطلق " الحديث، إلى قوله: " وكان ظئره قَينْا فيأخذه فيقبله ثم يرجع ". كذا رواية الأكثر: " أرحم بالعيال "، وهو ظاهر سياق الحديث، وفى بعض الروايات: " بالعباد ". فيه خلقه - عليه السلام - فى الرحمة التى وصفه الله بها، فقال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم} (¬1)، وسماه نبى الرحمة. وفيه حب الذرية، وجواز الاسترضاع، وتقبيل الولد والصغير ورحمته. والحديث الآخر مثله. ومعنى قوله: " وإنه مات فى الثدى وإن له لظئرين مرضعانه فى الجنة ". أى مات فى سن رضاع الثدى أو تغذية الثدى. قال الإمام: الظئر: المرضعة، وجمعه ظؤار، هو جمع شاذ. قال ابن السكيت: لم يأت " فعال " بضم الفاء جمعًا إلا تؤام جمع توأم، وظؤار جمع ظئر، وعراق جمع عرق، ورخال جمع رخل، وفرار جمع فرير، وهو ولد الظبية، وغنم رباب جمع شاة رُبا. قال ابن ولاد: وهى الشاة الحديثة العهد بالنتاج. قوله: القين الحداد، وأيضًا العبد. والقينة الأمة، وأيضًا المغنية، وأيضًا الماشطة. قال القاضى: جاء بالظئر هنا للمذكر. قال الخليل: يقع للمذكر والؤنث. قال أبوحاتم: الظئر مؤنثة من الناس والإبل إذا عطفت على ولد غيرها، ويجمع ظؤار. قال ابن الأنبارى: وأظوار، ولا يقال: ظور. وحكى أبو زيد في جمعه ظؤرة أيضًا. قال الهروى: ولا يحمع على فعلة إلا أربعة أحرف: ظئر وظؤرة، وصاحب وصحبة. وفاره وفرهه، ورائق ودوقة. ذكر مسلم أبا سيف وأم سيف ظئرى إبراهيم ابن النبى - عليه السلام. وأبو سيف هذا هو البراء بن الغنوى، وأم سيف زوجته هى (¬2) أم بردة، واسمها خولة بنت المنذر الأنصارية. ¬

_ (¬1) التوبة: 128. (¬2) فى ز: على.

وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالُوا: لَكِنَّا وَاللهِ مَا نُقَبِّلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأمْلِكُ إنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ ". وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: " مِنْ قَلْبكَ الرَّحْمَةَ ". 65 - (2318) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ الأقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أبْصَرَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ. فَقَالَ: إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّهُ مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ". (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 66 - (2319) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَلىُّ بْنُ خَشْرَم، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حِ وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِى ظِبَيْانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: " مَنْ لا يَرْحَمِ النَّاسَ لا يَرْحَمْهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله للذين قالوا: لا يقبلون أولادهم: " وأملك إن كان الله نزع من قلبك الرحمة " تفسيره ما جاء فى رواية البخارى: " وأملك لك إن نزع الله من قلبك الرحمة " (¬1)، ومعناه: أو أملك منك فى ذلك حتى أصرفه عنك. اللام هنا بمعنى " منك "، وقد تكون الهمزة بمعنى " لا " على قول بعضهم فى قوله: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} (¬2) إن معنى لا يفعل ذلك. وقوله فى حديث الأقرع بن حابس أنه ذكر له أنه لا يقبل ولده: " إنه من لا يرحم لا يرحم " كلام عام، ليس هو راجع لخصوص رحمة الولد، إنما هو على عموم الرحمة ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأدب، ب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (5998). (¬2) الأعراف: 155.

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفيَانَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المشروعة، كما قال فى الحديث الآخر: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله "، وكما قال:" إنما يرحم الله من عباده الرحماء " (¬1) " ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء " (¬2). ومن الرحمة واجبة؛ وهى كف الأذى عن المسلمين، وإغاثة الملهوف، وفك العانى، وإحياء المضطر، واستنقاذ الغريق، والواقع فى هلكته وتسميته. ومن ذلك: سد خلة الضعفاء والفقراء من الواجبات، فهذا كله من لم يرد حق الله فيه عافية الله ومنعه رحمته إذا أنفذ عليه وعيده، إن شاء عفا عنه وسمح له بفضل رحمته وسعتها. ¬

_ (¬1) أحمد 5/ 204، 206، 207، البخارى، ك الجنائز، ب قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يعذب الميت ببكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته (1284)، مسلم، ك الجنائز، ب البكاء على الميت (923/ 11)، أبوداود، ك الجنائز، ب فى البكاء على الميت (3125)، ابن ماجه، ك الجنائز، ب ما جاء فى البكاء على الميت (1588). (¬2) الترمذى، ك البر والصلة، ب ما جاء فى رحمة المسلمين (1924) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(16) باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم

(16) باب كثرة حيائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 67 - (2320) حدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ ابْنَ أَبِى عُتْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى عُتْبَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فىِ خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِى وَجْهِهِ. 68 - (2321) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو حِينَ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ إلَى الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا. وَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد حياء من العذراء فى خدرها ": العذراء: البكر التى لم تفرغ بعد عذرتها. الخدر: ستر يجعل للجارية [فى ناحية البيت. وقوله: " كان إذا كره شيئًا عرفناه] (¬1) فى وجهه ": أى لا يبدى الكراهة بالكلام، ولا يؤاخذ أحدًا بما يكره، وإن تغير لذلك وعرف فى وجهه. والحياء من الأخلاق المحمودة، ومن خصال الإيمان، ما لم يخرج إلى الضعف والمهانة. وقد تقدم [الكلام فى] (¬2) أول الكتاب. جاء فى سند هذا الحديث: حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وأحمد بن سنان كذا لجمهور الرواة والطبرى: أحمد بن سنان، وهو غلط، وليس عنده أحمد بن يسار، وإنما هو أحمد بن سنان العطار خرجا عنه جميعًا. وقوله: " ولم يكن فاحشًا ولا متفحشًا (¬3) ": أصل الفحش: الزيادة والخروج عن الحد. قال الطبرى: الفاحش: البذىء. قال ابن عرفة: الفواحش عند العرب: القبائح. وقال الهروى: الفاحش ذو الفحش، والمتفحش: الذى يتكلف ذلك ويتعمده، وقد يكون الذى يأتى الفاحشة. وقوله: " إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا " وفى وصف النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث بعد: ¬

_ (¬1) (¬2) سقط من ز. (¬3) فى ح: أو متفحشًا.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحَاسِنَكُمْ أخْلاقًا ". قَالَ عُثْمَانُ: حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إلَى الْكُوفَةِ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالدٍ - يَعْنِى الأحْمَرَ - كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحسن الناس خلقًا، حسن الخلق من صفات الأنبياء والأولياء. وحسن الخلق اعتدالها بين طرفى مذمومها، ومخالفة الناس بالجميل منها، والبشر والتودد لهم، والإشفاق عليهم، والاحتمال، والحلم والصبر فى المكاره (¬1)، وترك الاستطالة والكبر على الناس والمؤاخذة، واستعمال الغضب والسلاطة والغِلظة، قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ [الْقَلْبِ] (¬2) لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (¬3). وحكى الطبرى اختلاف السلف فى الخُلُق، هل هى غريزة غير مكتسبة أو مكتسبة؟ [والصحيح أن منها ما يخلق الله تعالى عليه العبد، وأنها تكتسب] (¬4) أيضاً، ويتخلق بها، ويقتدى بغيره فيها، وينشأ عليها، حتى يصير له كالغريزة. ¬

_ (¬1) فى ز. والمكاره. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) آل عمران: 159. (¬4) سقط من ز، والمثبت من ح.

(17) باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته

(17) باب تبسمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحسن عشرته 69 - (2322) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَثِيرًا. كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلاهُ الَّذِى يُصَلِّى فِيهِ الصّبْحَ حَتَّى تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأخُذُونَ فىِ أمْرِ الْجَاهِليَّةِ، فَيَضْحَكُونَ، ويَتَبَسَّمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان لا يقوم من مصلاه الذى صلى فيه الصبح حتى تطلع الشسس فإذا طلعت قام ": هذه سنة مستحبة، كان السلف وأهل العلم يلتزمونها ويقتصرون فى ذلك الوقت للذكر (¬1) والدعاء حتى تطلع الشمس، وتحين صلاة الضحى. وقوله: " كانوا يتحدثون فيأخذون فى أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم ": فيه جواز الخبر والحديث (¬2) عن أخبار الجاهلية وغيرها من الأمم، وجواز الضحك، وأن التبسم هو المستحسن منه، اللائق بأهل الفضل والسمت، وهو كان أكثر ضحكه - عليه السلام. ويكره الإكثار من الضحك؛ لأنه يميت القلب، كما قال لقمان، وهو من خلق أهل البطالة والسفه. وقوله: " كان إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء (¬3) إلا غمس يده فيها، فربما جاؤوا فى الغداة الباردة، فغمس يده فيها " (¬4): كانوا يفعلون ذلك تبركًا بما لمسه وأدخل يده فيه، وفيه صبره - عليه السلام - وحسن خلقه ومشاركته الجميع، وإجابة دعوة الصغير والكبير، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬5). ¬

_ (¬1) فى ح: على الذكر. (¬2) فى ز: فى الحديث. (¬3) فى ز: بآنية. (¬4) حديث رقم (74) من هذا الكتاب. (¬5) القلم: 4.

(18) باب رحمة النبى صلى الله عليه وسلم للنساء وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن

(18) باب رحمة النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن 70 - (2323) حدّثنا أَبُو الرَّبيع الْعَتَكِىُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو الرَّبِيع: حَدَّثَنَا حَمَّاد، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ أَبِى قلابَةَ، عَنْ أنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فىِ بَعْضِ أسْفَارِهِ، وغُلامٌ أسْوَدُ يُقَالُ لَهُ: أنْجَشَةُ، يَحْدُو. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " يَا أنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ، سَوْقًا بَالْقَوَارِيرِ ". (...) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. بِنَحْوِهِ. 71 - (...) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للحادى - وكان حسن الصوت -: " رويدك سوقًا بالقوارير " وفى رواية: " رويدًا لا تكسر القوارير " يعنى: ضعفه النساء فسره كذا فى الحديث، وقول أبى قلابة: " تكلم بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه "، قال الإمام: " رويدك " معناه: رفقك، يقال: سار سيرًا رويدًا، أى سيرًا رفيقًا. وأصله من رادت الريح ترود روداناً: إذا تحركت حركة خفيفة ورويد تصغير رود، وقد يوضع رويد موضع الأمر فيقال: رويد زيدًا، أى أرود زيدًا. والإرواد الرفق فى المشى وغيره. وقوله: " سوقك بالقوارير " شبهن بها لضعف عزائمهن، والقوارير يسرع إليها الكسر. وكان أنجشة يحدو بهن، وينشد من القريض والرجز ما فيه شبيب، فلم يأمن أن يفتنهن أو يقع بقلوبهن حداؤُه، فأمره بالكف عن ذلك. قال الإمام: وجاء فى كتاب مسلم: " لا تكسر القوارير ": يعنى ضعفة النساء، فكأن هذا يخرج على غير ما تأوله الهروى. قال القاضى: ذهب بعض المفسرين إلى نحو مما أشار إليه. من أن المراد به الرفق فى السير، وترك حث الإبل؛ لئلا يسقط النساء عند قوة حركة السير بالحداء؛ لقلة ثباتهن فى الركوب، بخلاف الرجال، فيسقطن فينكسرن كالقوارير. والتفسير الأول أشبه بمقصده -

أزْوَاجِهِ، وَسَوَّاق يَسُوقُ بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أنْجَشَةُ، فَقَالَ: " وَيْحَكَ يَا أنْجَشَةُ، رُوَيْدًا سَوْقَكَ بالْقَوَارَيرِ ". قَالَ: قَالَ أَبُو قِلابَةَ: تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ. 72 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ. حَدَّثَنَا التَّيْمِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: كَانَتْ أمُّ سُلَيْمٍ مَعَ نِسَاءِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ يَسُوقُ بِهِنَّ سَوَّاقٌ. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أىْ أنْجَشَةُ، رُوَيْدًا، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ ". 73 - (...) وحدّثنا ابْنُ الْمُثنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدّثَنِى هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ حَسَنُ الصُّوْتِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُوَيْدًا يَا أنْجَشَةُ، لا تَكْسِرِ الْقَوَا رِيرَ " يَعْنِى ضَعَفَةَ النِّسَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام - وبمقتضى (¬1) اللفظ. وقد قيل: الغناء رقية الزنا، وهو الذى يدل عليه كلام أبى قلابة المتقدم آخر الحديث، وإلا فلو عبر بذلك عن الكسر والسقوط لم يغلب على أحد. وانتصب " رويدًا " هنا على الصفة للمصدر المحذوف، أى سر سيرًا رويدًا، أو سق سوقًا رويدًا. وإما على الرواية الأخرى: " رويدًا سوقك " فانتصب رويدًا على المصدر، و" سوقك " منصوب على المفعول به، أى ارود سوقك رويدًا، وقد يكون نصبًا على عدم الخافض، أى ارفق فى سوقك (¬2). وفيه جواز قول الرجل للآخر: ويحك. وجاء فى رواية أخرى فى غير مسلم " ويلك ". قال سيبويه: " ويلك " كلمة تقال لمن وقع، وويحك زجر لن أشرف على الهلاك. وقال الفراء: " ويح " و " ويس " بمعنى: ويل. ويح كلمة لمن وقع فى هلكة لا يستحقها فيرثى له ويترحم عليه، وويل بضده، ووسين تصغير، أى هى دونهما. وقد تقدم منه، وقال بعض أهل اللغة: لا يراد بهذه الألفاظ الدعاء، وإنما يراد بها المدح والتعجيب. فيه جواز الحداء والترنم بالأرجاز فى مواضعها؛ من سوق الإبل، وقطع الأسفار، وإنشاد الرقيق من الشعر بالأصوات الحسنة. ¬

_ (¬1) فى ز: تمعيض. (¬2) فى ح: سيرك.

(...) وحدّثناه ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: حَادٍ حَسَنُ الصَّوْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى حديث يحيى بن يحيى فى هذا الباب: كانت أم سليم مع نساء النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [كذا لجماعتهم، وعند السمرقندى: كانت أم سليم، والأول أصح. وقوله مع نساء النبى] (¬1). يصحح، أعنى من غير نساء النبى. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(19) باب قرب النبى عليه السلام من الناس وتبركهم به

(19) باب قرب النبىّ عليه السلام من الناس وتبركهم به 74 - (2324) حدّثنا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِى النَّضْرِ وَهَارُونُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى النَّضْرِ. قَالَ أَبُو بَكْرِ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ - يَعْنِى هَاشِمَ بْنَ الْقَاسِمَ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغيِرَةِ، عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتى بِإنَاءٍ إلا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا جَاؤوهُ فِى الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا. 75 - (2325) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَلاقُ يَحْلِقُهُ، وَأطَافَ بِهِ أصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَع شَعْرَةٌ إلا فىِ يَدِ رَجُلٍ. 76 - (2326) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فىِ عَقْلِهَا شَىْءٌ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لِى إلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ: " يَا أمّ فُلانٍ، انْظُرِى أىَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أقْضِىَ لَكِ حَاجَتَكِ "، فَخَلا مَعَهَا فىِ بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رأيته - عليه السلام - والحلاق يَحْلقه، فما يريدون أن يقع شعره إلا فى يد رجل ": فيه ما عرف من تبركهم بكل شىء منه - عليه السلام - لا سيما من جسمه وذاته، وفيه حجة على طهارة الشعر من الميت والحى، وقد مضى الكلام فيه، واختلاف العلماء فى شعر الحى وشعر الميت.

(20) باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته

(20) باب مباعدته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للآثام، واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته 77 - (2327) حدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيَما قُرِئَ عَلَيْهِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةً - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّها قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أمْرَيْنِ إلا أخَذ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثمًا، فَإنْ كَانَ إثْمًا كَانَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، إلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ. (...) وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَريرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ. فىِ رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ شِهَابٍ. وَفِى رِوَايَةِ جَرِيرٍ، مُحَمَّدٍ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. 78 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ عَائِشَةَ، قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أحَدُهُمَا أيْسَرُ مِنَ الآخَرِ، إلا اخْتَارَ أيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فَإنْ كَانَ إثمًا كَانَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة: " ما خير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه ": فيه الأخذ بالأيسر والأرفق، وترك التكلف وطلب المطاق، إلا فيما لا يحل الأخذ به كيف كان ويحتمل أن يكون التخيير هنا من الله تعالى مما فيه عقوبتان، أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية، أو فيما يخبره فيه المنافقون من المواعدة (¬1) والمحاربة، أو أمته من الشدة فى العبادة أو القصد. وكان يذهب فى كل هذا إلى الأيسر. ويأتى قولها: " ما لم يكن إثمًا " استثناء مما يخبره فيه الكفار والمنافقون على وجه. وإن كان التخيير من الله أو أمته فيكون إستثناء منقطعًا؛ لأنه لا يصح تخييره هنا فيما فيه إثم. ¬

_ (¬1) فى ح: المراوعة.

(...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، إلَى قَوْلِهِ: أيْسَرَهُمَا. وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ. 79 - (2328) حدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلا امْرَأَةً، وَلا خَادِمًا، إلا أَنْ يُجَاهِدَ فىِ سَبِيلِ اللهِ. وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَىْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَىْءٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " وما ضرب شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهد فى سبيل الله ": فيه دليل على جواز ضرب النساء والخدم للأدب؛ إذ لو لم يكن مباحًا لم يتحرج بالتنزه عنه. وفيه حجة على أن التنزه عنه أفضل بأهل المروءات والفضل. وقولها: " وما انتقم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفسه إلا أن ينتهك حرمة الله ": فيه ما كان عليه - عليه السلام - من الحلم والصبر. وما كان [عليه السلام] (¬1) من القيام بالحق والصلابة فيه، وهذا هو الخلق الحسن المحمود، فإنه لو كان يترك ذلك كله فى حق الله تعالى وفى حق غيره كان ضعفاً ومهانة، ولو كان ينتقم أيضاً لنفسه فى كل شىء لم يكن ثَمَّ صبر ولا حلم ولا احتمال، وكان هذا الخلق بطشًا وانتقامًا، فانتفى عنه الطرفان المذمان، وبقى وسطها، وخير الأمور أوسطها، وكلا طرفى قصد الأمور ذميم. ويحتمل قوله: " إلا أن تنتهك حرمة الله " استئناء مما تقدم وفى حقه من أذاه - عليه السلام - فيما فيه غضاضة عن الدين، فذلك من انتهاك حرمات الله. قال بعض علمائنا: لا يجوز أن يؤذى النبى بفعل مباح ولا غيره، وأما غيره من الناس فتجوز إذايته بما يباح للإنسان فعله، ولا يباح أن يمنع من إذايته، واحتج بقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مراده على تزويج بنت أبى جهل، أى لا أحرم ما أحل الله، " وأن فاطمة يؤذينى ما أذاها، ولا يجتمع ابنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابنة عدو الله عند رجل أبدًا " (¬2) وبقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} الآية (¬3) فأطلق وعمم، وقال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} (¬4). [فقيد وشرط {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا}] (¬5). ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) البخارى، ك النكاح، ب ذب الرجل عن ابنته فى الغيرة والإنصاف (5230)، مسلم، ك فضائل الصحابة، ب فضائل فاطمة بنت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2449/ 93)، أبو داود، ك النكاح، ب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء (2071)، الترمذى، ك المناقب، ب فضل فاطمة بنت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3867) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ابن ماجة، ك النكاح، ب الغيرة (1998). (¬3) الأحزاب: 57. (¬4) الأحزاب: 58. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلّهِ - عَزَّ وَجَلَّ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مالك: كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعفو عن شتمه، وقد عفا عن الذى قال له: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله. وهذا وإن كان فيه غضاضة على الدين فقد يكون عفوه عنه لأنه لم يقصد الطعن عليه فى الميل عن الحق، بل اعتقد أنه من رأى مصالح الدنيا الذى يصح الخطأ فيه والصواب، أو كان هذا استئلافًا لمثله كما استألفهم بماله ومال الله رغبة فى إسلام مثله، أو تثبيت قومه. وقد مر من هذا عند ذكر هذا الحديث ما فيه كفاية فى كتاب الزكاة. وأجمع العلماء أن من سب النبى كفر. واختلفوا هل حكمه حكم المرتد يستتاب؟ أو حكم الزنديق [يقتل لا يستتاب] (¬1) ولا تقبل توبته (¬2)؟ وهو مشهور مذهب مالك، وقول الليث والشافعى وأحمد وإسحاق ورأوا أن قتله وإن تاب للحد، وأن حد من سب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القتل لايدفعه التوبة، كما [لا] (¬3) يدفع التوبة حد قذف غيره من المسلمين، وسواء كانت توبته عندهم بعد القدرة عليه، أو جاء معترفًا تائبًا من قِبل نفسه. لكن هذا تنفعه توبته عند الله، ولا يسقط حد القتل عنه. كذا بينه شيوخنا - رحمهم الله. وقال أبو حنيفة والثورى: هى كفر وردة [ويُقبل بتوبته] (¬4) إذا تاب، وهى رواية الوليد بن مسلم عن مالك. واختلفوا إذا سبه الذى بغير الوجه الذى كفر، فعامة العلماء على أنه يقتل لحق النبى كالمسلم. وأبو حنيفة والثورى والكوفيون لا يرون قتله، قالوا: وما هو عليه من الكفر أشد. واختلف أهل المدينة وأصحاب مالك فى قتله إذا كان سبه بالوجه الذى كفر به من تكذيبه أو جحد بنبوته (¬5)، والأصح والأشهر قتله. وقد اختلفوا فى إسلام الكافر بعد سبه، هل يسقط ذلك القتل عنه؟ فالأشهر عندنا سقوطه؛ لأن الإسلام يجب ما قبله. وحكى أبو محمد بن نصر فى درء القتل (¬6) عنه بإسلامه روايتين. وقد يكون قوله: " إلا أن يكون حرمة الله فينتقم لله منها " استثناء منقطعًا أيضاً، أى لا ينتقم لنفسه وحقوقه الذى له العفو عنها، وإنما ينتقم لحقوق الله وحدوده التى لا ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) فى الأصل: يقتل قومه، والمثبت من ح. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) فى ز: وتقتل توبته. (¬5) هكذا فى الأصل، فى ح: نبوته. (¬6) فى ح: الحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خيار له فى تركها ولا رخصة. وهذا الحديث أصل مما يجب للحكام وأولى الأمر والقدرة امتثاله بترك الانتقام لأنفسهم، والتجافى عمن أذاهم تأسيًا بالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخذًا بالفضل والخلق الحسن. وقد أجمع العلماء أن القاضى لا يقضى لنفسه ولا لمن لا يجوز شهادة له. وذكر مسلم فى الباب: حدثنا زهير بن حرب وإسحاق، جميعًا عن جرير، حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا فضيل بن عياض [كلاهما] (¬1) عن منصور عن محمد. وفى رواية: فضل بن شهاب وفى رواية: جرير عن الزهرى عن عروة عن عائشة. كذا رواية الكافة وهو الصواب. ومحمد - المذكور - هو ابن شهاب، فزاد فضل فى روايته شبه ابن شهاب وقال، جرير عن الزهرى. وجاء فى كتاب ابن الحذاء مشركاً له وهما. قال: وفى رواية فضيل عن ابن شهاب، فزيادة ابن هنا خطأ يؤذن أن واحداً منهم لم يقل عن محمد كما ذكر أولاً. ¬

_ (¬1) زائدة فى ح.

(21) باب طيب رائحة النبى صلى الله عليه وسلم، ولين مسه، والتبرك بمسحه

(21) باب طيب رائحة النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولين مسه، والتبرّك بمسحه 80 - (2329) حدّثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ، حَدَّثَنَا أسْبَاطٌ - وَهُوَ ابْنُ نَصْرِ الْهَمْدَانِىُّ - عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الأولَى، ثُمَّ خَرَجَ إلَى أهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّىْ أحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا. قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّى. قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْداً أَوْ رِيحًا، كَأنَّمَا أخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ. 81 - (2330) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا هَاشِمٌ - يَعْنِى ابْنَ الْقَاسِمِ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ - عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ أنَسٌ: مَا شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ وَلا مِسْكًا وَلا شَيْئًا أطْيَب مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ دِيبَاجًا وَلا حَرِيرًا ألْيَنَ مَسًّا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 82 - (...) وحدّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّان، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " استقبله ولدان، فجعل يمسح خدى أحدهم واحدًا واحدًا ": فيه حسن خلقه وعشرته مع الصغير والكبير وسيطه لهم. وقوله: " فوجدتُ لِيده بَرْدًا أو ريحًا كأنما أخرجها من جؤنة عطار ": الجؤنة، بضم الجيم، كالسقط، يجعل فيه العطار متاعه، قاله الحربى. وهو مهموز، وقد يسهل. قال صاحب العين: هى سليلة مستديرة مغشاة أدمى. وقول أنس: " ما شممت عنبرًا ولا مسكًا أطيب من ريحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وقول أم سليم فى عرقه حين جمعته فى قواريرها: " هو من الطيب أطيب " (¬1)، وفى الرواية الأخرى: " نرجو بركته لصبياننا " (¬2): كانت هذه الحالة حالته - عليه السلام - وإن لم يمس طيبًا، نص عليه فى الحديث. وقوله: " إذا مشى [مشيا] (¬3) تكفأ ": بهمزة آخره. قال شمر: أى مال يمينًا ¬

_ (¬1) في ح. من أطيب الطيب. (¬2) حديث رقم (84) من الباب التالى. (¬3) ساقطة من ح.

حَمَّادُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤْ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَلا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلا حَرِيرَةً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا شَمَمْتُ مِسْكَةً وَلا عَنْبَرَةً أطْيَبَ مِنْ رَائحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وشمالاً كما تكفأ السفينة. قال الأزهرى: هذا خطأ، وهذه صفة المختال، ولم تكن صفته - عليه السلام - وإنما معناها: أنه يميل إلى سمته ومقصد مشيه كما قال فى الرواية الأخرى: " كما ينحط من صبب ". قال القاضى: لا بعد فيما قاله شمر إذا كان خلقة وجبلة، والمذموم منه ما كان مستعملاً.

(22) باب طيب عرق النبى صلى الله عليه وسلم، والتبرك به

(22) باب طيب عرق النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتبرّك به 83 - (2331) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ - يَعْنِى ابْنَ الْقَاسِمِ - عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ. وَجَاءَتْ أمِّى بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا. فَاسْتيْقَظَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا أمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا الَّذِى تَصْنَعِينَ؟ ". قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فىِ طَيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ. 84 - (...) وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - وهُوْ ابْنُ أَبِى سَلَمَةَ - عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ: قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنامَ عَلَى فِراشِها فَأتِيَتُ، فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ فِى بَيْتِكِ، عَلَى فِرَاشِكِ. قَالَ: فَجَاءتْ وَقَدْ عَرِقَ، وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ، عَلَى الْفَرَاشِ. فَفَتَحَتْ عَتِيْدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِى قَوَارِيرِهَا، فَفَزِعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقالَ: " مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ " فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنِا. قَالَ: " أَصَبْتِ ". 85 - (2332) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا وَهَيْبُ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأتِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أم سليم: أنه كان يدخل عندها فنام على فراشها. ذلك لأنها فيما ذكر على ما تقدم كانت ذات محرم منه من الرضاعة، فيه جواز الخلوة مع المحارم، والنوم عندهن، والتبرك بكل ما كان من النبى - عليه السلام - وجواز النوم على الأنطاع والأدم. وقوله: " ففتحت عتيدتها " هى مَنَة للمرأة تعد فيها الطيب. قال صاحب العين: العتاد الذى تعده للأمر فهى عتيد، أى يتعد للركوب ومن عتيدة الطيب. وقوله: ففزع النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ما تصنعين؟ " أى هب من نومه [قاله الهروى] (¬1). ¬

_ (¬1) زائدة فى ح.

فَيَقِيلُ عِنْدَهَا، فَتَبسُطُ لَهُ نَطِعاً فَيَقِيلُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ، فَكَانَتْ تَجمَعُ عَرَقَهُ فَتَجْعَلُهُ فِى الطِّيبِ وَالْقَوَارِيرِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا؟ " قَالَتْ: عَرَقكَ أَدُوفُ بِهِ طِيْبِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " عرقك أذُوفُ به طيبى "، كذا ضبطناه عن أكثر شيوخنا بالذال المعجمة، ومعناه: أخلط. وعندنا فى رواية الطبرى: " أدوف " بالمهملة ومعناه أيضاً: أخلط. قال ابن دريد: دفت الدواء وغيره بالماء أدوفه، بالدال المهملة. وقال غيره: وذفته بالمعجمة - أيضاً - أذيفه، حكى فيه: أذفت رباعى، وقد تقدم أول الكتاب بأتم من هذا. عند بعضهم: " أذك به طيبنا " وفى رواية: " الطيب " وكله متقارب المعنى.

(23) باب عرق النبى صلى الله عليه وسلم فى البرد، وحين يأتيه الوحى

(23) باب عرق النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى البرد، وحين يأتيه الوحى 86 - (2333) حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنْ كَانَ لَيُنْزَلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، ثُمَّ تَفِيضُ جَبْهَتُهُ عَرَقاً. 87 - (...) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينْةَ. ح وحدثنا أَبُوكَرَيْبٍ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ بِشْرٍ، جَمِيعاً عَنْ هِشَامٍ. ح وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ نُمَيْرٍ - واللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بِشْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَأَتِيكَ الْوحْىُ؟ فَقَالَ: " أَحْيَانًا يَأْتِينِى فِى مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُو أَشَدُّهُ عَلَىَّ، ثمَّ يَفْصِمُ عَنِّى وَقَدْ وَعَيْتُهُ، وَأَحْيانًا مَلَك فِى مِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى صفة نزول الوحى عليه: " أحياناً يأتينى فى مثل صلصلة الجرس وهو أشده علىّ، ثم يفصم عنى "، قال الإمام: صلصلة الجرس: صوته. قال القاضى: قال أئمتنا: معنى هذا: أن صوت الملك النازل [عليه] (¬1) بالوحى هو مثل صلصلة الجرس وذلك ليستغرقه عن أمور الدنيا، ويفرغ حواسه الصوت الشديد، حتى لا يسمع غيره فيتخلص لسماعه، ويفهم ما يلقى إليه وهذا فائدة الغط فى الحديث الآخر. قال بعضهم: ومثل هذه الحالة تتلقى الملائكة الوحى من الله؛ بدليل قوله فى الحديث الآخر: " إذا [قضى الله أمراً] (¬2) فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله: كأنها سلسلة (¬3) على صفوان ". وقوله: " فيفصم عنى ": أى يذهب عنى. ويبين ثم يقلع. يقال منه: فصم وأفصم، قال الله تعالى: {لا انفِصَامَ لَهَا} (¬4) أى لا انقطاع وانصداع. الفصم: الانصداع دون بينونة، القصم بالقاف: إذا بان (¬5). وقال لنا الوزير أبو الحسين عن أبيه الحافظ أبى مروان: عبر عن حاله هنا مع الملك بالقصم بهذا لأن الملك وإن بان عنه وزال فهو غير انفصال بان، بل الاتصال بينهما موجود ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) فى ح: قضى بالأمر. (¬3) فى ح: كأنها صلصلة. (¬4) البقرة: 256. (¬5) فى ح: أبان.

صُورَةِ الرَّجُلِ، فَأَعِى مَا يَقُولُ ". 88 - (2334) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَة، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كَانَ نَبىُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ، كُرِبَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ. 89 - (2335) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ قَتَاَدَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِىِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ نَكَسَ رَأسَهُ، وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُؤُسُهُمْ، فَلَمَّا أُتْلىِ عَنْهُ رَفَعَ رَأسَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ باق والصورة منتظرة. وقوله: " وأحياناً يأتينى فى صورة الرجل فأعى ما يقول ": ذكر هذين الوجهين من الوحى ولم يذكر الثالث، وهى الرؤيا. وقد أعلم - عليه السلام - أن رؤيا الأنبياء وحى (¬1)؛ لأنهم إنما سألوه عن إتيانهم فى اليقظة، وأما الرؤيا فمشتركة فى كيفيتها غيره وقد عرفوها، فلم يشكل عليهم ولا سألوه عنها. وقوله: " فأعى ما يقول ": أى أحفظه وأجمعه فى صدرى، قال الله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} (¬2) أى حافظة لما سمعت، عاقله به، وقال: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} (¬3) أى يجمعون فى صدورهم من تكذيبك. وقوله: " كرب لذلك، وتربد وجهه "، [قال الإمام: يقال: كربه للأمر كرباً: أخذ بنفسه، وتربد وجهه] (¬4): أى تغير. وقال الهروى: ويقال: تربد وجهه وأربد، أى تلون وصار كلون الرماد. وذكر هذا الحديث، [ومنه حديث: " كان إذا نزل عليه الوحى أربد وجهه "] (¬5). ومنه حديث عمرو بن العاص: " مقام من عند عمر مربد الوجه ". قال أبو عبيد: الربدة: لون بين السواد والغبرة، ومنه قيل للنعام: ربد، جمع ربد. وقوله: " فلما أتلى عنه ": الظاهر أى أراد خلى عنه وترك، ولكن حكاه ابن القوطية فى كتاب الأفعال ثلاثياً، فقال: تليت لى من حقى تلية وتلاوة ومن الشهر كذلك بقيت، وتلوت القرآن تلاوة: اتبعت بعضه بعضاً، والخبر أخبرته، والشىء تلواً تبعته، ¬

_ (¬1) فى ح: حق. (¬2) الحاقة: 12. (¬3) الإنشقاق: 23. (¬4) فى هامش ح. (¬5) من ع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرجل خزلته وتركته، وأتْلَتْ كل [أنثى] (¬1) تبعها ولدها. فالرجل أعطيته التلا وهو الذمة، وأيضاً جعلته تالياً لك. قال القاضى: اختلف شيوخنا فى ضبط هذا الحرف علينا فى كتاب مسلم فضبطناه من طريق العذرى: " أثل " بثاء مثلثة مكسورة، ولام مطلقة مفتوحة، وهمزة مضمومة. وعند الفارسى: " أثلى " بثاء مثلثة - أيضاً - ساكنه، وبعد اللام ياء وعند القاضى التميمى عن الجيانى مثله، إلا أنه بتاء باثنتين. وكان عند القاضى الصرفى: " أجلى " بالجيم، وعند ابن ماهان، وكذا عند البخارى. ورواه بعضهم: " أثلى ". وأكبر هذه الألفاظ معبرة غير صحيحة المعنى ولا واقعة موقعها فى هذا الحديث إلا قوله: انجلى وأجلى، أى أفرج عنه ما به أو فارقه الملك. يقال: أجليت عنه الهم، أى فرجته عنه. وأجلوا عن قتيل: أفرجوا عنه وتركوه. قال بعضهم: لعله: " فلما أوتلى " أى قصر عنه وأمسك فصحف " واجلى وانجلى "، وكذا رواه ابن أبى خيثمة، أى ينجر عنه. ومنه قول أبى جهل: " أعل عنى " أى تنح عنى. ¬

_ (¬1) من ع.

(24) باب فى سدل النبى صلى الله عليه وسلم شعره، وفرقه

(24) باب فى سدل النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعره، وفرقه 90 - (2336) حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ وَمَحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر بْنِ زِيَاد - قَالَ مَنْصُورُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرنَا - إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِيَانِ ابْنَ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْركوُنَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُمْ، وكانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، فَسَدَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرقَ بَعْدُ. (...) وحدثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرنِى يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشىء، فسدل ناصيته ثم فرق بعدُ ": سدل الشعر: إرساله، والمراد به هنا عند العلماء: إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة، يقال: سدل شعره وثوبه إذا أرسله ولم يضم جوانبه. والفرق: تفريق الشعر بعضه من بعض. والفرق: تفريقك من كل شيئين قال الحربى: والفرق موضع المفرق، والفرق فى الشعر سنة؛ لأنه الذى رجع النبى - عليه السلام - والظاهر أنه بوحى لقوله: " إنه كان يوافق أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشىء فسدل ثم فرق بعد ". فظاهره أنه لأمر حتى جعله بعضهم نسخاً. وعلى هذا لا يجوز السدل واتخاذ الناصية والجمة. وقد روى أن [عمر بن عبد العزيز] (¬1) كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرساً، يجيزون كل من لم يفرق شعره. ويحتمل أن يدل على إجازة الفرق ولا على وجوبه. ويحتمل أن يكون الأمر باجتهاد منه - عليه السلام - فى مخالفة أهل الكتاب آخراً، ورجوعه عن موافقتهم أولاً، ويكون الفرق هنا على الاستحباب والندب بدليل اختلاف السبب فى ذلك، ففرق منهم جماعة، واتخذ اللمة منهم آخرون. وقد جاءت الرواية أنه كانت للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمة، فإن انفرقت فرقها وإلا تركها. وقال مالك: فرق شعر الرأس للرجال أحب إلى. واختلف تأويل العلماء فى قوله: " يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه ¬

_ (¬1) فى الأصل: عمر بن عماد العنبرى، والمثبت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شىء "، فقيل: كان هذا ائتلافاً لهم أول الإسلام، وموافقة لهم على مخالفة سيرة أهل الأوثان، فلما أغنى الله عن استئلافهم، وأظهر الإسلام على الدين كله، أمر بمخالفتهم فى غير شىء، وحض على ذلك. وقال بعضهم: بل يحتمل أنه شرع له اتباع شرائع من قبله فيما لم ينزل عليه فيه شىء. ولعله - عليه السلام - علم أن هذا مما لم يبدلوه من شرائعهم؛ ولهذا استدل بعض الأصوليين بهذا الحديث على أن شرع من قبلنا لازم لنا ما لم يرد خلافه. والأظهر أن هذه الحجة حجة على قائل هذا القول، وحجة المخالفة ممن لايقول ذلك، لأنه لو كان هذا لازماً له - عليه السلام - وإنما لم يقل فى هذا الحديث: يحب موافقة أهل الكتاب، بل ذلك كان يكون اللازم له.

(25) باب فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم وأنه كان أحسن الناس وجها

(25) باب فى صفة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه كان أحسن الناس وجهاً 91 - (2337) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مَرْبُوعاً، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المنْكَبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةُ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 92 - (...) حَدَّثَنَا عَمْرُو النَّاقِدُ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ الْبَراءِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِى لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِى حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكبَيْهِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكبَيْنِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ ولا بِالْقَصِير. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: لَهُ شَعَرُ. 93 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعلاَءِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيم بْن يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى إسْحَاقَ، قَالَ. سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ وَجْهاً، وَأَحْسَنَهُ خَلْقاً، ليْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى صفته - عليه السلام -: " عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه "، وفى حديث آخر: " يضرب شعره منكبيه "، وفى آخر: " بين أذنيه وعاتقه ". وفى آخر: " إلى أنصاف أذنيه "، وفى آخر: " ما رأيت من ذى لمة أحسن فى حلة حمراء منه "، قال الإمام: قال شمر: الجمة أكبر من الوفرة، وهى الجمة إذا سقطت على المنكبين، والوفرة إلى شحمة الأذنين، واللمة هى التى ألمت بالمنكبين. قال القاضى: وجميع هذه الألفاظ وتأليفها: أن ما يلى الأذن، هى التى تبلغ شحمة أذنيه، هو الذى بين أذنيه وعاتقه، وما خلفه منها هو الذى يضرب منكبيه. وقيل: بل ذلك لاختلاف الأوقات، وإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب، وإذا قصر كانت إلى أنصاف الأذنين، ويحسب ذلك بقصر وبطول. والعاتق: ما بين المنكب والعنق. وشحمة الأذن: ما لان من أسفلها، وهو معلق القرط. ويوضح معنى اختلاف هذه الألفاظ ما جاء فى رواية الحربى: كان شعر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوق الوفرة ودون الجمة.

(26) باب صفة شعر النبى صلى الله عليه وسلم

(26) باب صفة شعر النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 94 - (2338) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا قَتادَةُ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: كَيْفَ كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كَانَ شَعْرًا رَجِلاً، لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلا السَّبِطِ، بَينَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ. 95 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أنَسٍ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ منْكِبَيْهِ. 96 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله " كان شعره رجلاً "، قال الإمام: يقال: شعر مرجل: مسرح. قال القاضى: الرجل هنا غير المرحل، وإن كان فى اللغة بمعنى. كال الأصمعى: شعر رَجِل، بفتح الراء وكسر الجيم، ورجل ورجل ثلاث لغات إذا كان بين السبوطة والجعودة. قال بعضهم: كأنما رجل بالمشط.

(27) باب فى صفة فم النبى صلى الله عليه وسلم، وعينيه، وعقبيه

(27) باب فى صفة فم النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعينيه، وعقبيه 97 - (2339) حدّثنا مُحمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - واللفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ، أشْكَلَ الْعَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ. قَالَ: قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ. قَالَ: قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ. قَالَ: قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لحْمِ الْعَقِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الامام: " ضليع الفم ": قال شمر: يعنى عظام الأسنان وتراضعها. ويقال للرجل: إنه لضليع الثنايا، أى غليظها وشديدها، ويقال: إنه لضليع الخلق، أى شديده. قال أبو بكر الرازى: سألت ثعلبًا عن " ضليع الفم " فقال: واسع الفم. قال غيره: " ضليع الفم ": أى عظيم الفم، والعرب تحمد ذلك وتذم صغير الفم، ومنه قوله فى وصف منطقه: " كان يفتتح الكلام ويختمه. بأشداقه " وذلك لرحب شدقيه. ويقال للرجل إذا كان كذلك: أشدَق. وقوله: " أشكل العين ": قال أبو عبيد: الشهلة: حمرة فى سواد العين، والشكلة: حمرة فى بياض العين، وهو محمود، قال الشاعر: ولا عيب فيها غير شكلة عينها ... كذاك عتاق الخيل شكلى عيونها ويروى: شكل. قال صاحب الأفعال: يقال: شكلت العين، بكسر الكاف، شكُلة وشكلاً: خالط بياضها حمرة. وقوله: " منهوس العقب ": قال ابن الأعرابى: يقال: رجل منهوس القدمين، ومنهوش القدمين. وقال أبو العباس: النهس: بأطراف الأسنان، والنهش: بالأضراس. قال سماك فى كتاب مسلم: " منهوس العقب ": أى قليل لحم العقب، وكذلك قال - أيضاً -: إن " ضليع الفم " معناه: عظيم الفم. وقال - أيضًا -: إن " أشكل العينين " [معناه] (¬1): طويل شق العينين. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(28) باب كان النبى صلى الله عليه وسلم أبيض، مليح الوجه

(28) باب كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض، مليح الوجه 98 - (2340) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الجُرَيْرِىِّ عَنْ أَبِى الطُّفيْلِ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ أبْيَضَ، مَلِيحَ الْوَجْهِ. قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: مَاتَ أَبُو الطُّفَيْلِ سَنَةَ مِائَةٍ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 99 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيْرِى. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَكَيْفَ رأيْتَهُ؟ قَالَ: كَانَ أبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " كان أبيض مليحًا مُقَصَّدًا ": المقصد: الذى ليس بجسيم ولا قصير. وقال شمر: هو القصد من الرجال نحو الربعة. قال القاضى: تفسير سماك الشكلة فى العين بما ذكر وهم عند جميعهم، وصوابه ما تقدم لغيره من الشارحين أنها حمرة تخالط بياض العين. [وقوله فى حديث البراء: " كان أحسن الناس وجهاً وأحسنه خلقًا " بسكون اللام ضبطناه هنا؛ لأنه إنما قصد فيما ذكره من صفات جسمه وأما فى حديث أنس فبضم اللام؛ لأنه إنما أخبر عن حسن معاشرته وقوله: " وأحسنه خلقًا " قال أبو حاتم: العرب تقول: فلان أجمل الناس] (¬1). وقوله: " وأحسنه " يريدون أحسنهم ولا يتكلمون به وإنما كلامهم وأحسنه. قال: النحويون: يذهبون إلى أن " و " أحسن من " ثم "، ومنه فى الحديث: " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أشفقه على ولد، وأعطفه على زوج فى ذات يده " (¬2)، ومنه قول أبى سفيان: أحسن نساء العرب وأجمله. وقوله: " فى حلة حمراء " (¬3): حجة لجواز لباس الثياب الحمر والصبغ بالحمرة، وقد تقدم منه فى اللباس. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) أحمد 2/ 319، البخارى، ك الأنبياء، ب قوله تعالى: {إذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ ...} (3434) من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - ولفظه عند البخارى: " نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل، وأرعاه على زوج فى ذات يده ". (¬3) حديث رقم (91) من هذا الكتاب.

(29) باب شيبه صلى الله عليه وسلم

(29) باب شيبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 100 - (2341) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ إدْرِيسَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأُوْدِىُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سُئِلَ أنَسُ بْنُ مَالِكٍ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَأَى مِنَ الشَّيْبِ إلا - قَالَ ابْنُ إدْرِيسَ: كَأنْهُ يُقَلِّلُهُ - وَقَدْ خَضَب أَبُو بَكْرِ وَعَمَرُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. 101 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَألْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضَبَ؟ فَقَالَ: لمْ يَبْلُغْ الْخضَابَ، كَانَ فىِ لَحْيَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَكَانَ أَبُو بَكْرِ يَخْضِبُ؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، بِالْحِنَاءِ وَالْكَتَمِ. 102 - (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا مُعَلَّىَ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَألْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أخَضَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إلا قَلِيلاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم أحاديث فى الاختلاف فى شيب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقول أنس فى حديث: " ما شانه الله ببيضاء ": أى ما عابه الله. وقوله فى حديث آخر: " لو شئت أن أعد شمطات كن فى رأسه فعلت ". وقوله: " إنما كان البياض فى عَنْفَقَته وفى الصُّدغين وفى الرأس نبذٌ " أى شىء يسير متفرق. وقوله: " لم يكن رأى من الشيب إلا " يسيره (¬1) فى الحديث الآخر: " إلا قليلاً " وقول [رأيت] (¬2) أبى جحيفة: " رأيت هذه منه بيضاء " يعنى عنفقته، وفى حديث آخر: " رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض قد شاب ". وقول جابر ابن سمرة: " كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وإذا دهن رأسه لم ير منه شىء، وإذا لم يدهن رئى منه " يعنى دهنه بالطيب. وذكر قول أنس: أنه لم يخضب. وروى عن أم ¬

_ (¬1) فى ح: تفسيره، والمثبت من الأصل. (¬2) زائدة فى الأصل.

103 - (...) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ قَالَ: سُئِلَ أنَسُ بْنُ مَالِكِ عَنْ خِضَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِى رَأسِهِ فَعَلْتُ. وَقَالَ: لَمْ يَخْتَضِبْ، وَقَدِ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرِ بِالْحنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَاخْتَضَبَ عَمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحتًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمة أنها أخرجت لهم شعرات من شعر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمراء مخضوبة بالحناء والكتم (¬1). فاختلف الناس، هل خضب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟ فمنعه الأكثر لحديث أنس، وهو قول مالك. وذهب بعض أصحاب الحديث أنه خضب، واحتجوا بحديث أم سلمة هذا، وبقول ابن عمر: أنه رأى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبغ بالصفرة. وقد تقدم اختلاف التأويل فى هذا، لكن الطبرى رواه: " يصفر لحيته ". وجمع بعضهم بين هذا بما أشار إليه أنس من قوله فى حديث أم سلمة: " ما أدرى ما هذا الذى يحدثون إلا أن يكون ذلك من الطيب الذى يطيب به شعره " وذلك أنه كان - عليه السلام - كثيرًا ما يستعمل الطيب وهو يغير لون الشعر ويزيل سواده، ويعجل فيه الشيب لمن أدامه، لا سيما بعض أنواعه مثل الكافور. فأشار أنس أن تغيير ذلك ليس بصبغ، وإنما هو ضعف لون سواد شعره من أجل الطيب. وقيل: قد يكون خضابه ليس لأجل الشيب لكن لتليين الشعر وتحسينه لا لتغيير الشيب فيه. فمن نفى الخضاب أراد الذى هو الصبغ للشيب، ومن أثبته فمعناه ما ذكرناه. ويحتمل أن تلك الشعرات تغيرت بعد موته لكثرة تطييب أم سلمة لها إكراماً لها - والله أعلم. وأما الاختلاف فى ذكر شيبه، فقد بين أنس أيضًا أنها كانت شعرات لو شاء عَدَّها، ولأبى ذر نحو حديث أنس، وقد جاء فى بعض حديث أنس: [وليس فى رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. وفى حديث أنس] (¬2): ما كنت أدرى هل عد خمس عشرة شيبة؟ وأخبر فى حديثه الآخر: أنه " ما شانه الله ببيضاء " نفى عنه الشيب الأبيض الناصع، وأنه كان ذلك الشىء الذى ذكر على قلته مما تغير لونه عن السواد لأجل الطيب أو غيره الخضاب لأجل تليين الشعر. ¬

_ (¬1) البخارى، ك اللباس، ب ما يذكر فى الشيب (5897) ولفظه: " دخلت على أم سلمة فأخرجت إلينا شعراً من شعر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخضوبًا "، ابن ماجة، ك اللباس، ب الخضاب بالحناء (3623)، أحمد 6/ 319، وزادا: " بالحناء والكتم ". (¬2) سقط من ح، واستدرك بهامش.

104 - (...) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: يكْرَهُ أَنْ يَنْتِفَ الرَّجُلُ الشَّعْرَةَ الْبَيْضَاءَ مِنْ رَأسِهِ ولِحْيَتِهِ. قَالَ: وَلَمْ يَختَضِبْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إنَّمَا كَانَ الْبَيَاضُ فىِ عَنْفَقَتِهِ وَفِى الصُّدْغَيْنِ، وَفِى الرَّأْسِ نَبْذٌ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا المُثَنّى، بِهَذَا الإسْنَادِ. 105 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ وَهَارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى دَاوُدَ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن روى أنه قد شاب فغير مخالف؛ إذ ينطلق ذلك على ما قل منه، ويكون ذلك فى عنفقته - على ما جاء فى الحديث الآخر - ويكون ذلك [الشيب] (¬1) ما يغير منه بالحمرة والانكسار غير لون السواد لا بنصوع البياض فيتلفق ألفاظ الأحاديث على هذا. وقد يتلفق أيضًا على ما جاء فى حديث جابر بن سمرة: " كان إذا دهن رأسه لم ير منه شىء وإذا لم يدهن رُئِى منه " فاتفق أبو جحيفة [له فى وقت بعد عنه الوهم فظهرت تلك الشعرات] (¬2) له فى عنفقته كما قال أنس: " إنما كان البياض فى عنفقته "، وقد يكون قول أنس: " ما شانه الله ببيضاء " أى لم يكن فى حقه (¬3) يُعَدُّ شينًا، ولا نقصت من جمال شانه وحسن رِدَائِه، بل زاد به وقاراً وجمالاً وهيبة، أو لم يكثر فى شعره حتى تدهن بجماله ويكون الغَالب عليه، فيفى (¬4) الشين بها لهذا. ومعنى قوله: " شمط ": أى ابتدأه الثيب. قال الإمام: قال ابن الأنبارى: الشمط فى كلام العرب: اختلاط البياض بالسواد، فإذا كان نصفين أو شبهاً بهما قيل: أحلس الشعر منه فهو محلس. فإذا غلب السواد فهو أعثم. قال القاضى: قال الأصمعى: إذا رأى الرجل البياض فهو أشمط وقد شمط. [وأشمط. قال الخليل: الشمط: اختلاط الشعر بالشيب. قال أبو حاتم: هو الذى علا بياضه سواده. وقال: بانت كل لونين اختلطا فهو شمط، والمحمول هنا هو الذى ابتدأه - كما قال الأصمعى - لموافقة الأحاديث الأخر. وقوله: " وفى رأس نبذ " [بسكون النون] (¬5) وسكون الباء: أى شىء قليل مشد. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) سقط من الأصل. (¬3) فى ح: حكمه. (¬4) هكذا فى الأصل، ولعلها: فينفى، وهى المثبتة من ح. (¬5) زائدة فى الأصل.

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ، سَمِعَ أَبَا إيَاسٍ عَنْ أنسٍ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْبِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ. مَا شَانَهُ اللهُ بِبَيْضَاءَ. 106 - (2342) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَة، عَنْ أَبِى إسْحَاقَ، عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءَ وَوَضَعَ زُهَيْرٌ بَعْضَ أصَابِعِهِ عَلَى عَنْفَقَتِهِ. قِيلَ لَهُ: مِثْلُ مَنْ أنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَبْرِى النَّبْلَ وَأرِيشُهَا. 107 - (2343) حدّثنا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالدٍ، عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبْيَضَ قَدْ شَابَ، كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ يُشْبِهُهُ. (...) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ، بِهَذَا. وَلَمْ يَقُولُوا: أبْيَضَ قَدْ شَابَ. 108 - (2344) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ سُئِلَ عَنْ شَيْبِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ إِذَا دَهَنَ رَأسَهُ لَمْ يُرَ مِنْهُ شَىْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَدْهُنْ رُئِىَ مِنْهُ. 109 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اختضب أبو بكر بالحناء والكتم " (¬1): الحناء ممدود قال أبو على: وهو جمع حناه. والكتم مخفف التاء. وأبو عبيد يقولها مشددة، ولم يأت على " فعل " إلا ستة أحرف هذا منها، وهو نبات يصبغ به الشعر يكسر بياضه أو حمرته إلى الدهمة. قيل: وهى الوسمة. وقيل: بل غيرها وربما سود صبغه. وقيل: يخلط معها. قال أبو حنيفة: الوسمة الخضر والعظلم والملح والثومة، وكلها يصبغ به السواد. وقال أبو عبيد البكرى: هو النبات الذى يسمى عندنا الحناء المحنوت. واختلف اختيار السلف فى الصبغ بالحمرة والصفرة والسواد أو تركه، وقد تقدم. ¬

_ (¬1) حديث رقم (103) بالباب.

سِمَاكٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَكَان إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وإِذَا شَعثَ رَأسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيَر شَعْرِ اللِّحْيَةِ. فَقَالَ رَجُلُ: وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيراً، وَرَأَيْتُ الخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله " يكره أن ينتف [الرجل] (¬1) الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته "، قال الإمام: المذهب عندنا: أنه ليس بحرام وإن كان تركه أحب. وقد ذكر فى بعض الأحاديث أنه - عليه السلام - نهى عن نتف الشيب. وقال: " إنه من نور الإسلام " (¬2) رواه ابن شعبان فى الزاهى. قال القاضى: وقوله فى صفة وجهه: " كان مستديراً " وجاء فى غير هذا الحديث: " أنه ليس بالمطهم ولا بالمكلثم " (¬3)، وفسر بعضهم: " المكلثم " بالمستدير الوجه، [لكن هذا مع قصر الذقن. وقال شمر: هو القصير الحنك الدانى الجبهة المستدير الوجه] (¬4) ولا يكون هذا إلا مع كثرة اللحم. قال القاضى: وهذا معيب، والاستدارة المحمودة المستحسنة بخلافه، مع شمط الوجه والذقن، كما جاء: أسبل الخدين. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من الحديث المطبوع رقم (104)، وكذا من ح. (¬2) أحمد 2/ 279، أبو داود، ك الترجل، ب فى نتف الشيب (4202)، الترمذى، ك فضائل الجهاد، ب ما جاء فى فضل من شاب شيبة فى سبيل الله (1634)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إلا الترمذى فهو عن كعب بن مرة. (¬3) الترمذى، ك المناقب، ب ما جاء فى صفة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3638)، وقال: حسن غريب. (¬4) سقط من ح، واستدرك بالهامش.

(30) باب إثبات خاتم النبوة، وصفته ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم

(30) باب إثبات خاتم النبوة، وصفته ومحله من جسده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 110 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ خَاتِمًا فى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأنَّهُ بَيْضَةُ حَمَامٍ. (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحِ عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 111 - (2345) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنِ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِى خَالَتِى إلى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِى وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأسِى وَدَعَا لِى بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِن وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلَف ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتِمِهِ بَيْنَ كتَفَيْهِ مَثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. 112 - (2346) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِي ابْنِ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِى سُوَيْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى صفة خاتم النوة: مثل بيضة الحمامة، شبه جسده، وفى الحديث الآخر " ناغض كتفه [اليسرى] (¬1) جمعا، عليه خيلان، كأمثال الثآليل "، وفى الحديث الآخر: " مثل (¬2) زر الحجلة " كذا رويناه بتقديم الزاى وفتح الحاء والجيم، ومعناه: الزر الذى يعقد النساء به عرى خجالهن كأزرار القميص والحجلة هنا واحد الحجال، وهى توردات سجون. وقال البخارى فى تفسيرها: الحجلة من حجل الفرس الذى بين عينيه (¬3). كذا قيدناه هنا بضم الحاء وسكون الجيم وفسره الترمذى، بمثل زر بيض (¬4)، وهذا غير معروف، كأنه يريد بيض الحجل الطائر المعلوم المزرقى لبيض غير معلوم. لكن الخطابى رواه " رز " بتقديم [الراى على الزاى] (¬5)، فهذا قد يستقيم تفسيره بالبيض، يقال: أزرت الجرادة: أى أدخلت ذنبها فى الأرض لتبيض. وقد جاء فى البخارى: " كانت ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من الحديث المطبوع رقم (112). (¬2) فى الأصل: كأنه، والمثبت من ح والمطبوعة الصحيحة. (¬3) البخارى، ك المناقب، ب خاتم النبوة (3541). (¬4) الترمذى، ك المناقب، ب فى خاتم النبوة (3643). (¬5) فى ح. الراء على الزاى. وهو الصواب، وفى الأصل: الزاى على الراء.

ابْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، كِلاَهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ. ح وَحَدَّثَنِى حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبكَرَاوِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ سَرْجسَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا. أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَر لَكَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، ولَكَ. ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (¬1). قَالَ: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتِمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى جُمْعًا، عَلَيْهِ خِيلاَنٌ كَأمْثَالِ الثَّآلِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بضعة ناشزة " (¬2) أى مرتفعة عن جسده، وفى حديث آخر: " مثل السلعة " (¬3). وقوله: " جمعًا " يعنى الكف إذا جمع، يقال فيه: ضربته بجمع كفى، وجمع كفى، وهذا كله متقارب، مجمع على أنها ناشزة عن جسده. وقدر بيض الحمامة، أو بيضة الحجلة، أو زر الحجال متقارب، وليى فيها مخالف إلا من جعلها كجمع الكف فى القدر، والأحاديث الأخر أكثر وأصح والأشبه، وهذا الخاتم هو ترث المَلَك (¬4) بين كتفيه. [وقوله: " وعند ناغض كتفه "] (¬5). قال الإمام: قال شمر: الناغض من الإنسان أصل العنق، حيث تبيض رأسه ونغض الكتف: هو المعظم الرقيق على طرفها. قال غيره: الناغض: فرع الكتف، سمى ناغضاً لتحركه. ومنه قيل للزليم نغض؛ لأنه يحرك رأسه إذا غدا. ¬

_ (¬1) محمد: 19. (¬2) الترمذى فى الشمائل ص 43 (21)، وتفرد به الترمذى وإسناده صحيح وليس فى البخارى، وفى أحمد 3/ 69 بلفظ: " كنا نجالس أبا سعيد الخدرى بالمدينة، فسألته عن خاتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذى كان بين كتفيه، فقال بأصبعه السبابة: هذا لحم ناشز بين كتفيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، عن غياث البكرى. (¬3) أحمد 2/ 226 - 228، من حديث أبى رميثة، 3/ 435 من حديث معاوية بن قرة. (¬4) فى ح: الملكين. (¬5) سقط من الأصل.

(31) باب فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم، ومبعثه، وسنه

(31) باب فى صفة النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومبعثه، وسنه 113 - (2347) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسِ بالطَّوِيلِ الْبَائِنُ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلاَ بِالآدَمِ، وَلاَ بِالْجَعِدِ الْقَطَطِ وَلاَ بِالسَّبطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللهُ عَلَى رَأسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِى رَأسِهِ وَلِحْيَتِه عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ": أى ليس بالطويل المتفاوت ولا بالقصير، كان ربعَ القامة. قال القاضى: قيل: الطويل البائن: المضطرب المفرط فى طوله، ويدل على هذا قوله فى الرواية الأخرى: " ليس بالطويل الذاهب " أى الزائد فى الطول، وفى الحديث الآخر: " أطول من المربوع وأقصر من المشذب " وهو البائن الطول فى نحافة. والأشبه هنا أن المراد به أنه لم يكن طويلاً يبين طوله؛ بدليل ما جاء فى الحديث الآخر: " ليس بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد كان ربعة " (¬1)، وفى آخر: " لا طويل ولا قصير ". قال الإمام: وقوله: " ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم " يعنى: لم يكن بالشديد البياض الذى يتوهم الناظر إليه برصًا [كان بياضه مشربًا بحمرة] (¬2). قال القاضى: الأمهق: هو البياض الناصع الذى لا يخالطه حمرة ولا إشراق لبياضه ولا صفرة، كأنه برص. وقد قال فى الحديث الآخر: " أبيض مشرب " يريد بحمرة. قال الخليل: المهق: بياض فى زرقة، والمقت مثله. وقيل: أشد منه، والآدم الأسمر؛ سمى لشبه لونه بأدمة الأرض. وقيل: لذلك سمى آدم. قال الإمام: أى ليس الشديد السمرة " ولا بالجعد القطط " يعنى: الشديد الجعودة "ولا بالسبط " يعنى: المرسل الشعر. قال القاضى: هو الشديد الجعودة الذى لا يطول مثل شعر [السودان] (¬3) والسبط المسترسل الذى [ليس] (¬4) فيه تكسر، والذي بين هاتين الصبغتين هى التى تقدمت فى قوله: " رجل الشعر " (¬5) أى فيه كسر قليل كأنه قد رجل أي مشط. وقوله: " بعثه الله على رأس أربعين سنة، وأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر ¬

_ (¬1) الترمذى، ك المناقب، ب ما جاء فى صفة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3638). (¬2) سقط من نسخ الإكمال. (¬3) من ح. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح. (¬5) حديث رقم (94) من هذا الكتاب.

(...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَان بْنُ بِلاَلٍ، كِلاَهُمَا عَنْ رَبِيَعةَ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِهِمَا: كَانَ أَزْهَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة "وذكر فى الرواية الأخرى عن أنس: " قبض وهو ابن ثلاث وستين " (¬1) وذكر مثله عن عائشة ومعاوية، وعن ابن عباس مثله، وأنه " أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه " (¬2)، وفى الأخرى: " بضع عشرة " (¬3)، وفى الرواية الأخرى عنه: " أربعين بعث وخمسة عشر بمكة يأمن ويخاف، وعشرة بالمدينة " (¬4)، وفى رواية أخرى عنه: " يسمع الصوت، ويرى الضوء سبع سنين، ولا يرى شيئاً، وثمان سنين يوحى إليه " (¬5)، وذكر عن ابن عباس - أيضًا - أنه " توفى وهو ابن خمس وستين " (¬6) هذا ما فى جملة كتاب مسلم من الاختلاف، وقد اختلفت الآثار عن أصحابه بهذه الأقاويل، وجاء عن ابن عباس: " أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين " وهو قول سعيد بن المسيب، وروى عنه: " أربعين " (¬7) أيضاً. وقد روى عن أنس وغيره أنه " توفى وهو ابن خمس وستين سنة " مثل إحدى الروايتين (¬8) عن ابن عباس. وقال البخارى فى رواية من روى عن أنس: " ثلاث وستين " هذه أصح ممن قال: " ستين " فيتفق على ثلاث وستين كل من قال: إنه بعث على رأس ثلاث وأربعين، وأقام بمكة عشراً. ومن قال: إنه بعث على رأس أربعين، وأقام بمكة ثلاث عشرة. ولا خلاف أنه ولد - عليه السلام - عام الفيل. ¬

_ (¬1) حديث رقم (114) من الباب التالى. (¬2) حديث رقم (118) من هذا الكتاب. (¬3) حديث رقم (116) من هذا الكتاب. (¬4) حديث رقم (121) من هذا الكتاب. (¬5) حديث رقم (123) من هذا الكتاب. (¬6) حديث رقم (122) من هذا الكتاب. (¬7) حديث رقم (121) من هذا الكتاب. (¬8) فى ح: الروايات.

(32) باب كم سن النبى صلى الله عليه وسلم يوم قبض

(32) باب كم سنّ النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم قبض (¬1) 114 - (2348) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ الرَّازِىُّ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانَ بْنُ زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَاقَ: قُبِضَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وستِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ، وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ ". 115 - (2349) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ. حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّىَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. (...) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى، قَالاَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا. مِثْلَ حَدِيثِ عُقَيْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(33) باب كم أقام النبى صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة

(33) باب كم أقام النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة والمدينة 116 - (2350) حدّثنا أَبُو مَعْمَر، إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: قُلْتُ لِعُرْوَةَ: كَمْ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا: قَالَ قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ. (...) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: قُلْتُ لِعُرْوَةَ: كَمْ لَبِثَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا. قُلْتُ: فَإِنْ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: بِضْع عَشْرَةَ. قَالَ فَغَفَّرهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ. 117 - (2351) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَتُوفَى وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ. 118 - (...) وحدّثنا ابْن أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ الضُّبَعِىِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنة يُوحَى إِلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله عروة لما سئل: كم لبث - عليه السلام - بمكة؟ فقال: عشرًا، فقيل له: إن ابن عباس قال: بضع عشرة، فصغره وقال: إنما أخذه من قول الشاعر: كذا فى بعض الأصول: " فصغره " وهى رواية ابن ماهان، ورواه الجنودى: " فغفره "، وفى كتاب شيخنا الصدفى: " فغفروه " ومعناه - والله أعلم -: دعا له بالغفران، كأنه وهمه فيما قال وخطأه، كما قالت عائشة: يغفر الله لابى عبد الرحمن، إنه لم يكذب ولكنه وهل، أى وهم. والوجه الأول عندى أظهر، أى استصغر سنه [لذلك] (¬1). عن الضبط لذلك، لكونه مدة كون النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة لم يخلق أولاً، وفى آخرها صغيرًا ليس فى سن من يضبط قيل: إنه ولد فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين. وقوله: " إنما أخذه من قول الشاعر ": يدل عليه أنه لم يدرك ذلك بنفسه ولا علمه بمشاهدته، وإنما سمعه من غيره. والشاعر هنا هو: أبو قيس صرمة بن أنس، حيث يقول: ثوى فى قريش بضع عشرة ... حجة يذكر لو يلقى صديقًا مواتيا ¬

_ (¬1) ساقطة من ح.

119 - (2352) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا سَلاَّمٌ أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، فَذَكَرُوا سِنِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَكْبَرَ مِنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: قُبِضَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ، وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْن ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِّتينَ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ - يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ -: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرُوا سِنِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ معَاوِيَةُ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. 120 - (...) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاق يُحَدِّث عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِىِّ، عَنْ جَرِيرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبَ فَقَالَ: مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وأَنَا ابْنَ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ. 121 - (2353) وحدّثنى ابْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ - مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ - قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسِبُ مِثْلَكَ مِنْ قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَاكَ. قَالَ: قُلْتُ: إِنِّى قَدْ سَأَلْتُ النَّاسَ فَاخْتَلَفُوا عَلَىَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ قَوْلَكَ فِيهِ، قَالَ: أَتَحْسُبُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمْسِك أَرْبَعِينَ، بُعِثَ لَهَا خَمْسَ عَشَرةَ بِمَكَّةَ، يَأمنْ وَيَخَافُ، وعَشْرَ مِنْ مُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةَ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيعٍ. 122 - (...) وَحدّثنى نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضّلٍ - حَدَّثَنَا خَالِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يسمع الصوت ": أى صوت الهاتف به من الملائكة. " ويرى الضوء ": أى نور الملك وأنوار آيات الله حتى رأى الملك بعينه وشافهه بوحى ربه. قوله فى بعض

الْحَذَّاءُ، حَدَّثَنَا عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ - حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّىَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 123 - (...) وحدّثنا إسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِى عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَيَرَى الضَّوْءَ سَبْعِ سِنِينَ، وَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَثَمَانَ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَأقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الروايات: من طريق ابن مثنى وابن يسار فى قول معاوية: مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستين [سنة] (¬1) ومات أبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين، نحو هذا قيل عن معاوية فى الحديث الآخر، وجاء فى رواية معظم شيوخنا عندنا: ومات أبو بكر وعمر وأنا ابن ثلاث وستين. وكذا قيدناه هنا وإن لم يكن وهماً، ولعل معناه على الحذف، أى مات أبو بكر وعمر مثله، ثم أخبر عن نفسه (¬2)، وأنه مستشعر قضاء مدته وأمد وفاته بموافقته وفاته. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) فى ح: سنه.

(34) باب فى أسمائه صلى الله عليه وسلم

(34) باب فى أسمائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 124 - (2354) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخِرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُييَنْةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا مُحمَّدُ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِى الَّذِى يُمْحَى بِى الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِى يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِى، وَأَنَا الْعَاقِبُ ". وَالْعَاقِبُ الَّذِى لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِىُّ. 125 - (...) حدّثَنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لِى أَسْمَاءً؛ أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِى الَّذِى يَمْحُو اللهُ بِى الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِى يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَىَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِى لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ ". وَقدْ سَمَّاهُ اللهُ رَؤُوفًا رَحِيمًا. (...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى "، وفى الرواية الأخرى: " عقبى، وأنا العاقب الذى ليس بعدى "، فسره فى الحديث بما تقدم. قال العلماء فى بيان هذا التفسير: محو الكفر إما من مكة وبلاد العرب وما زوى له من الأرض، ووعد أن يبلغه ملك أمته، أو يكون المحو عامًا بمعنى الظهور والغلبة كما قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (¬1). وقد جاء في حديث آخر يفسره أن معناه: الذى محيت به سيئات من اتبعه، فقد يكون المراد بالكفر هذا لقوله: " الإسلام يجب ما قبله " (¬2). وقوله: " الذى يحشر الناس على عقبى " أو " قدمى " على الرواية الأخرى، قيل: على زمانى وعهدى، أى ليس بعدى نبى. وقيل: " على قدمى ": أى أمامى وقدامى، كأنهم يجتمعون إليه يوم القيامة، ويكونون أمامه وخلفه وحوله. وقيل: " على قدمى ": على ساقى، قال الله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} (¬3) وقيل: " على قدمى ": على سنتى. وقيل: يتبعونى. وقيل: يحشر الناس بمشاهدتى، كما قال تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (¬4). ¬

_ (¬1) التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9. (¬2) أحمد 4/ 199، 204، 205. (¬3) يونس: 2. (¬4) البقرة: 143.

ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادَ. وَفِى حَدِيثِ شُعَيْبٍ وَمَعْمَرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى حَدِيثِ عُقَيْلٍ: قَالَ: قُلْتُ للزُّهْرِىِّ: وَمَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: الَّذِى لَيْس بَعْدَهُ نَبِىٌّ. وَفِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَعقَيْلٍ: الْكَفَرَةَ. وَفِى حَدِيثِ شُعَيْب: الْكُفْرَ. 126 - (2355) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَن أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث الآخر: " أنا محمد، وأحمد، وأنا المقفى ". فمعناه معنى العاقب، قال: شمر: هما بمعنى، يقال: قفى عليه، أى ذهب به، فكان معناه: أنا آخر الأنبياء. وقال ابن الأعرابى: المنتقى: المتبع للنبيين، يقال: قفوته أقفره وقفيته: إذا تبعته، ومثله: قفته أقوفه، قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الآية (¬1)، وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬2)، وقافية كل شىء وقفاه آخره، ومنه: قافية الشعر. قال الإمام: ومعنى العاقب: آخر المرسلين، وأنه أرسل عقبهم. قال القاضى: قال ابن الأعرابى: العاقب والعقوب: الذى يخلف من كان قبله فى الخبر. قال أبو عبيد: ومن هذا سمى عقب الرجل لولده بعده. وقوله: " ونبى التوبة ونبى الرحمةِ " ويروى: " المرحمة "، ومعنىِ هذا متقارب، قال الله تعالى فى صفته: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (¬3)، وقال: {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (¬4)، {ويَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّستَقِيمٍ} (¬5)، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (¬6)، ووصف أمته بأنها مرحومة ورحماء، وبأنهم تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. ووقع فى بعض روايات مسلم مكان " الرحمة ": " الملحمة " (¬7). وهذا - أيضاً - صحيح المعنى، فقد جاء مفسرًا فى حديث حذيفة: " ونبى الملاحم "؛ لأنه - عليه السلام - ¬

_ (¬1) الحديد: 27. (¬2) الأسراء: 36. (¬3) التوبة: 128. (¬4) آل عمران: 164، الجمعة: 2. (¬5) المائدة: 16. (¬6) الأنبياء: 107. (¬7) ليس فى النسخة المطبوعة التى بين أيدينا، ويوجد فى مسند أحمد 5/ 405.

يُسَمِّى لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءَ. فَقَالَ: " أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمدُ، وَالْمُقَفِّى، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِىُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِىُّ الرَّحْمَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعث بالسيف والحرب، وأمر أن يقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. وخص هذه الأسماء ما جاء فى أسمائه فى أحاديث أخر وفى كتاب الله وسائر الكتب مع قوله فى الصحيح: " لى خمسة أسماء " (¬1) وتخصيصه لهذه الأسماء دون غيرها، فقيل: لأنها موجودة فى الكتب المتقدمة، معروفة عند الأمم السالفة - والله أعلم. وقد جمعنا من أسمائه - عليه السلام -[كثرًا] (¬2) مما جاء فى كتاب الله وسماه الله به ونقل عن الكتب المتقدمة وعرفه بأنه للعرب والصحابة، وسماه به المسلمون عددًا وأفرادًا وتكلمنا عليها كلامًا بالغًا فى كتاب: " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (¬3). ذكر مسلم فى الباب فى حديث جبير بن مطعم: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثنا أبى عن جدى، حدثنا عقيل، إلى قوله: وفى حديث: قلت للزهرى. كذا لابن ماهان، وعند غيره: وفى حديث معمر. وفى حديث إسحاق بن إبراهيم بعده: عن أبى عبيدة، عن أبى موسى. كذا لهم. وعند الطبرى: عند أبى عبيد. ¬

_ (¬1) البخارى، ك المناقب، ب ما جاء فى أسماء رسول الله (3532). (¬2) زائدة فى ح. (¬3) انظر: كتاب الشفا 1/ 146، 147.

(35) باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى وشدة خشيته

(35) باب علمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالله تعالى وشدة خشيته 127 - (2356) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا فَتَرَخَّصَ فِيهِ، فَبَلغَ ذَلِكَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَقَام خَطِيبًا فَقَالَ: " مَا بَالُ رِجَالٍ بَلْغَهُمْ عَنِّى أَمْرٌ تَرَخَّصْتُ فِيهِ، فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ، فَوَاللهِ لأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ". (...) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلَىُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: صنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرًا فترخص فيه، فتنزه عنه ناس، فبلغه ذلك، فغضب حتى بان الغضب فى وجهه، وقام خطيبًا فقال: " ما بال أقوام بلغهم عنى أنى [قد] (¬1) ترخصت فى أمر فكرهوه وتنزهوا عنه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية " وفى الرواية الأخرى: " عما رخص لى فيه " هذا من تعريضه - عليه السلام - وأنه كان لا يؤاخذ الناس بالكتاب إنما يقول: " ما بال أقوام " و " ما بال الناس "، وكان هذا من حسن معاشرته - عليه السلام - ورفقه بأمته ومحبته - عليه السلام - أن يؤتى بالرخص ويستن به فى ذلك. وقد جاء: " أن الله يحب أن يؤتى رخصه كما يجب أن يؤتى عزائمه " (¬2). وفيه النهى عن التنطع فى الدين، والأخذ بالشدائد فى جميع الأمور؛ فإن الدين يسر، والشريعة حنيفة سمحة، وذكر الإنسان نفسه بالخير، وثناؤه على نفسه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت فيه منفعة لغيره ولم يقصد به الكبر والفخر. وقولهم فى الحديث الآخر: " لسنا نهتبل " حرص منهم على التزيد فى الخير. وفيه أن على التائب والصالح من التقوى والخيبر والخشية مثل [ما على] (¬3) المذنب، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬4) وقال - عليه السلام -: " أفلا ¬

_ (¬1) زائدة فى ح. (¬2) الطبرانى فى الكبير 11/ 323 (11880)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد، ك الصيام، ب الصيام فى السفر 3/ 165 وقال: " رواه الطبرانى فى الكبير والبزار ورجال البزار ثقات وكذلك رجال الطبرانى ". (¬3) فى ح: ما عمل. (¬4) فاطر: 28.

جَرِيرٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. 128 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَن الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ فِى أَمْرٍ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ، حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ. ثُمَّ قَالَ: " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخَّصَ لِى فِيهِ، فَواللهِ لأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أكون عبدًا شكورًا " (¬1). وفيه حجة [بينة] (¬2) على جواز الاقتداء بجميع أفعال الأنبياء [وأن مواقعة الصغائر لا تصح منهم، وكذلك] (¬3) مواقعة المكروهات. وإذا كان - عليه السلام - لا يقر على منكر باتفاق الجميع كان من قول أو فعل، وأنه متى رأى شيئاً فأقره دل على إباحته. وكانت هذه حالة فى حق غيره، فكيف يصح وقوعه منه من صغيرة أو فعل مكروه، مع علمنا من دين الصحابة قطعًا بالنقل المتواتر والاقتداء بأفعاله وسماته فى جميع أموره، وقال لعائشة: " هلا خبرتيها أنى أقبل وأنا صائم "، وغضبه على الذي قال: يحل الله لرسوله ما شاء (¬4). ويلزم الاقتداء بأفعاله، قال جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والشافعية، ولم يشترطوا مع ذلك قرينة ولا دليلاً، وإن اختلفوا فى حكم ذلك هل هو على الوجوب، وحكى عن مالك، وهو قول أكثر أصحابنا [والعراقيين وبعض الشافعية. أو على الندب، وهو قول أصحابنا وأكثر] (¬5) أصحاب الشافعى. وذهب طائفة إلى أنه على الإباحة، وقيد بعضهم لزوم الاتباع بما يختص بالأمور الدينية وعلم به مقصد القربة وقرينة الطاعة، وإليه أشار حذاق المتكلمين منهم. ¬

_ (¬1) البخارى، ك التهجد، ب قيام النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الليل (1130)، مسلم، ك المنافقين، ب إكثار الأعمال والاجتهاد فى العبادة (2819/ 79)، الترمذى، ك أبواب الصلاة، ب ما جاء فى الاجتهاد فى الصلاة (412)، وقال. حديث حسن صحيح، النسائى، ك قيام الليل، ب الاختلاف على عائشة فى إحياء الليل (1644)، ابن ماجة، ك إقامة الصلاة، ب ما جاء فى طول القيام فى الصلوات (1420). (¬2) ساقطة من ح. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) مالك، ك الصوم، ب ما جاء فى رخصة القبلة للصائم 1/ 291 (13) من حديث عطاء بن يسار. (¬5) سقط من أصل ح، واستدرك فى الهامش.

(36) باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم

(36) باب وجوب اتباعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 129 - (2357) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةً بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَعِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِى يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ. فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ. فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: " اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ "، فَغَضِبَ الأَنْصَارِىُّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ: يَا زُبَيْرُ، اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ، إِنِّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أن رجلاً خاصم الزبير فى شراج الحرة التى يسقون منها النخل ": الشراج مسايل الجدار إلى السيول، قالها الأصمعى. وقال غيره: السراج لما سوقه الرجل من الماء إلى مائه، واحدها سرج. وقوله: " اسق حتى يبلغ الجدر ": الجدر بالدال المهملة، والجدر بفتح الجيم وكسرها: الجدار، وجمع الجدر جدور، وجمع الجدار جدر. واختلف فى المراد به هنا، فقيل: أصل الحائط. وقيل: أصول الشجر، ويحتمل أن يريد به جدر الشرجات، وهي حفر يجعل حول النخل يجمع فيها الماء. وقال الداودى: هى أعلى الجسور تحفر حول الشجر والزرع. قال الإمام: تقدم الكلام على هذا الحديث، وذكرنا الاختلاف فى مراعاة بلوغ الماء إلى الكعبين، هل إذا بلغ الماء إليهما أرسل الجميع أو حبس هذا المقدار منه وأرسل ما زاد. والواجب أن يعين لكل أرض بقدر كفايتها. وتحمل قصة الزبير على أنه كان على قدر كفاية أرضه، وهل يراعى بلوغ الكعبين فى الساقية أو فى أرض الحائط؟ وذكرنا قضاءه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع غضبه، وقد نهى عن ذلك وذكرنا أنه معصوم فى الغضب والرضا، إلى غير ذلك من الأعذار التى ذكرناها، وإنما أذكر تلك بهذه الجملة لتطالعها هناك. قال القاضى: ذكر البخارى عن الزهرى (¬1) قال: فقدر بالأنصار والناس. قوله: " ثم احبس حتى يبلغ الجدر فكان ذلك إلى الكعبين " (¬2) [قال الداودى: ¬

_ (¬1) البخارى، ك الصلح، ب فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم (2708). (¬2) البخارى، ك المساقاة، ب شرب الأعلى إلى الكعبين (2362).

لأحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِى ذَلِكَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فَي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روى فى حديث آخر: أنه قال للزبير أولاً: اسق إلى الكعبين] (¬2)، فلما رد عليه الأنصارى [قال له] (¬3): " اسق حتى يبلغ الجدر ": فيه صبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأذى والاحتمال للجفاء، ويجب التأسى به على ما تقدم، ومثل هذا لو صدر اليوم من أحد فى حق النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تهمته فى الحكم، ورميه فيه بالهواء والميل، لكان كفرًا يجب قتل قائله، لكنه - عليه السلام - كان أول الإسلام يؤلف ويدفع بالتى هى أحسن، وكان يصبر للمنافقين ومن فى قلبه مرض على أكثر من هذا من التصريح والتعريض، وكان يقول: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا " (¬4)، " ولا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه " (¬5)، وقال الله تعالى: {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬6). وقوله: إنى لأحسب هذه الآية فى ذلك نزلت: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية (¬7): اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فقيل: فى شأن الزبير كما تقدم. وقيل: فى رجلين تحاكما إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحكم على أحدهما، فقال له: ادفعنى إلى عمر بن الخطاب. وقيل: فى قصة اليهودى والمنافق اللذين اختصما إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يرض المنافق بحكمه وطلب الحكم عند الكاهن، قالوا: وهو قول مجاهد، وأشبه بسياق الآية وما قبلها. وقال الطبرى: لا ينكر أن تكون نزلت فى الجميع. وحكى الداودى: أن الذى خاصم الزبير كان منافقاً (¬8). وقوله عنه: " من الأنصار ": أى من قبيلهم لا منهم. ¬

_ (¬1) النساء: 65. (¬2) فى هامش ح. (¬3) سقط من الأصل. (¬4) أحمد 3/ 131، 209، البخارى، ك العلم، ب ما كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخولهم بالموعظة والعلم كى لا ينفروا (69)، مسلم، ك الجهاد والسير، ب فى الأمر بالتيسير وترك التنفير (1732/ 6)، أبو داود، ك الأدب، ب فى كراهية المراء (4835). (¬5) البخارى، ك التفسير، ب قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} (4905)، ومسلم، ك البر والصلة، ب نصر الأخ ظالماً أو مظلومًا (2584/ 63)، الترمذى، ك التفسير، ب ومن سورة المنافقين (3315) وقال: حسن صحيح. من حديث جابر بن عبد الله - رضى الله عنه. (¬6) المائدة: 13. (¬7) النساء: 65. (¬8) انظر: تفسير الطبرى. تحقيق أحمد شاكر 8/ 523 وما بعدها، تفسير القرطبى 5/ 267.

(37) باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليف، وما لا يقع، ونحو ذلك

(37) باب توقيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليف، وما لا يقع، ونحو ذلك 130 - (1337) حدّثنى حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، قَالاَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثَرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ". (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ أَحَمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، وَهُوَ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ الْخُزَاعِىُّ، أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً. 131 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحِزَامىَّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَناَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، كُلُّهُمْ قَالَ: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَرُونِى مَا تَركْتُكُمْ ". وَفِى حَدِيثِ هَمَّامٍ: " مَا تُرِكْتمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ "، ثُمَّ ذَكَرُوا نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. 132 - (2358) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِى الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَىءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ، مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " أعظم الناس جرمًا من يسأل عن شىء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته " وفى رواية: " ونقَّر عنه "، وقوله: " إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم عن

133 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُييْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ - أَحْفَظُهُ كَمَا أَحْفَظُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - الزُّهْرِىُّ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِى الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ أمْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ ابْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَاَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمرٌ، كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ مَعْمَرٍ: " رَجُلٌ سَأَلَ عَنْ شَىءٍ ونَقَّرَ عَنْهُ ". وَقَالَ فِى حَدِيثِ يُونُسَ: عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدًا. 134 - (2359) حدّثنا مُحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ ومُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ السُّلَمِىُّ وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ اللُّؤْلُئِىُّ، وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. وقاَلَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ - أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُوَسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِهِ شَىءٌ، فَخَطَبَ فَقَالَ: " عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ". قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، قَالَ: غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ. قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. قَال: فقَامَ ذَاكَ الرَّجُلُ فَقَالَ: مَنْ أَبِى؟ قَالَ. " أَبُوكَ فُلاَنٌ ". فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ مسائلهم. واختلافهم على أنبيائهم ": المراد بالجرم هنا الحدث على المسلمين، لا أنه من الجرائم والآثام المعاقب عليها، إذ كان السؤال أولاً مباحًا، ولولا ذلك لما قال - عليه السلام -: " سلونى ". وقوله فى الحديث الآخر: " فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فيه الأدب مع العالم، وترك الإلحاح عليه فى السؤال، وترك التكلف. قيل: ¬

_ (¬1) المائدة: 101.

135 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِىٍّ الْقَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبِى؟ قَالَ: " أَبُوكَ فُلاَنٌ "، وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} تَمَامَ الآيَةِ. 136 - (...) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى لَهُمْ صَلاَةَ الظُّهْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبِرَ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ قَبْلَهَا أُمُورًا عِظَامًا. ثُمَّ قَالَ: " مَنْ أحَبَّ أَنْ يَسْأَلَنِى عَنْ شَىءٍ فَليَسْأَلْنِى عَنْهُ، فَوَاللهِ لاَ تَسْأَلُونَنِى عَنْ شَىءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، مَا دُمْتُ فِى مَقَامِى هَذَا ". قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذِلكَ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَر رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولُ: " سَلُونِى "، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنَ حذَافةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِى يَا رسُولَ اللهِ؟ قَالَ. " أَبُوكَ حُذَافَةُ "، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يَقُول: " سَلُونِى " بَرَكَ عَمَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نزلت الآية فى سؤالهم إياه عما عفا الله عنه من أمور الجاهلية، فحذرهم الله عقباها، والسؤال عما لا فائدة فيه، ولم ينزل بهم وما سكت عنهم، وقد كره السلف السؤال عما لم ينزل. وقيل: نهى عن السؤال فى الآية مما لم يذكر فى القرآن مما عفا الله عنه. وأما قوله: " فنقر عنه ": أي بحث، وهى رواية الجمهور، ووجه الكلام. وعند السمرقندى: " فبعث عنه " بالباء، وهو متقارب المعنى. يقال: إنه لنقاب، أى عالم باحث عن الأشياء، قال الله تعالى: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلاد} أى: جالوا فيها وبحثوا وتفرقوا {هَلْ مِن مَّحِيص} (¬1)، أى معدل. وفى رواية: " نفر " بالفاء والراء، وهو خطأ. وقوله: " غطوا رؤوسهم ولهم خنين ": رويناه عن العذرى بالحاء المهملة، وعن غيره بالمعجمة وهو الصحيح في هذا الموضع. والخنين: بكاء له صوت. قال الخليل: الخنة: ضرب من الغنة. قال الأصمعى: إذا تردد بكاء الرجل فصار فى صوته غنة قيل: خنَّ. وقال أبو زيد: الخنين مثل الحنين وهو الشديد من البكاء، [وقد جاء فى بعض الروايات: " فأكثر الناس من البكاء "] (¬2). قال ابن دريد: الخنين: تردد البكاء من الأنف، والحنين تردده من الصدر. ¬

_ (¬1) ق: 36. (¬2) فى هامش ح.

فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْلَى، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارُ آنِفًا فِى عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ قَطُّ أَعَقَّ مِنْكَ؟ أَأمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعضَ مَا تُقَارِفُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ حُذَافَةَ: وَاللهِ، لَوْ أَلْحَقَنِى بِعَبدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ. (...) حدّثنا عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، وحَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ، مَعَهُ. غَيْرَ أَن شُعَيْبًا قَالَ عَنِ الزُّهْرِىِّ: قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ أَنَّ أُمَّ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ قَالَتْ؛ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونسَ. 137 - (...) حدّثنا يُوسُفُ بْنُ حَمَّاد الْمَعْنِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَخَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ احتج به من أنكر على الصوفية وأصحاب الرقة ما يصدر منهم من الحركات، والزعق، والغشيان عند سماع الوعظ والتخويف، والأمور المحركات الذى يسمونها الوجد. وقال أبو بكر الآجرى: كان النبي - عليه السلام - أصدق الناس موعظة، وأنصح الأمة لها، وأصحابه إدق الناس قلوبًا، وخير من جاء بعدهم، ما صرخوا ولا زعقوا عند موعظته، ولو كان صحيحًا كانوا أحق الناس به أن يفعلوه بين يديه، ولكنه بدعة وضلالة. وفى سند هذا الحديث: حدثنا محمد بن غيلان، حدثنا محمد بن قدامة السلمى. كذا لكافتهم، ولابن ماهان عند بعض الرواة: " الكلبى "، والصواب الأول. وقوله: فى هذا الحديث: " من أراد أن يسألنى عن شىء فليسأل، فوالله لا تسألوننى عن شىء إلا أضرتكم به [ما دمت] (¬1) فى مقامى ": هذا مما لا يمكنه منه - عليه السلام - ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من الحديث المطبوع رقم (134).

ذَاتَ يَوْمٍ فَصَعِدَ الْمِنْبرَ. فَقَالَ: " سَلُونِى، لاَ تَسْأَلُونِى عَنْ شَىءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُهُ لَكُمْ "، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَومُ أَرَمُّوا، وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَىْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ. قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لاَفٌّ رَأسَهُ فِى ثَوْبِهِ يَبْكِى، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، كَانَ يُلاَحَى فَيُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ. فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللهِ، مَنْ أَبِى؟ قَالَ: " أَبُوكَ حُذَافةُ ". ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضْىَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، عَائِذًا بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، إِنِّى صُوِّرَتْ لِىَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَرَأَيْتُهُمَا دُونَ هَذَا الْحَائِطِ ". (...) حَدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيب الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمىُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ، بِهَذِهِ الْقِصَّةِ. 138 - (2360) حَدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادِ الأَشْعَرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِىُّ قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ؛ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ غَضِبَ. ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: " سَلُونِى عَمَّ شِئْتُم "، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يقوله إلا عن وحى، إذ لا يعلم من أمور المغيبات إلا ما علمه الله. وقول عمر: " رضينا بالله ربًّا " الحديث، فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال ذلك: يبين أن النبى إنما قال ذلك لهم غضبًا، كما قال فى رواية أخرى: " وسكن غضبه "، ومذهبه واختياره لهم خلافه من ترك المساءلة لكن ساعدهم على ذلك لجوازه لهم، ولما رأى من حرصهم فيه، وليبين قدر ما علمه الله به، ويغيظ بذلك الكفار والمنافقين، ويقطع بهم فى منزعهم فى تعنيته فى السؤال، ومعاقبته لهم بكئرة سؤالهم، وبإعلامهم بكل ما سألوا عنه. وفيه ما يسوء بعضهم إن كانوا قد أكثروا عليه وأخفوه فى السؤال كما جاء فى الحديث الآخر بعده، وكما قال فى الرواية الأخرى للذى سأله: أين أنا؟ قال: " فى النار "، ويحتمل أنه من المنافقين المستوجبين لها والعاصين. وقيل: بل قاله - عليه السلام - عقابًا وغضبًا لتعنيته إياه بسؤاله، فاستوجب به النار. ومعنى " سكت " هنا: صمت ويحتمل أنه بمعنى: سكن، كما جاء فى الحديث

أَبِى؟ قَالَ: " أَبُوكَ حُذافَةُ "، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " أَبُوكَ سَالِمٌ موْلَى شَيْبَةَ " فَلَمَّا رَأَى عُمَر مَا فِى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَضبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنّا نَتُوبُ إِلَى اللهِ. وفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ: قَالَ: مَنْ أَبِى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " أَبُوكَ سَالِمٌ - مَوْلَى شَيْبَةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر، وكما قيل فى قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَب} (¬1). قوله: - عليه السلام -: " والذى نفسى بيده، لقد عرضت علىّ الجنة " أدْنى كلمة تهدد وتلهف، وقوله: " لقد عرضت علىّ الجنة والنار عرض هذا الحائط " بضم العين، أى جانبه، وقيل: وسطه يحتمل وجهين: أحدهما: أنه عرضت له حقيقة فى جهة الحائط، وإلا فالجنة والنار لا يتسع فى الحائط ولا يحل فيه، ويدل على هذا التأويل من عرضها له حقيقة قوله فى الحديث الأخر: " فتناولت منها عنقوداً "، أو يكون ضرب لها مثلها وشرح له أمرها بإمراريه فى الحائط وجهته، ويدل - أيضاً - على صحة هذا التأويل قوله فى الرواية الأخرى: ["صورت لى الجنة "، وعليه يدل لفظه فى الحديث الآخر بعده] (¬2) " صورت لى الجنة والنار، فرأيتهما دون هذا الحائط ". وقول أم حذافة: " أأمِنْتَ أن تكون أمك قارفت بعض ما تقارف نساء الجاهلية فتفضحها ": أى عملت ذنبًا، يريد الزنا، واكتسبته، قال الله تعالى: {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} (¬3). وكان سبب سؤال حذافة أن بعض الناس كان يطعن فى نسبه، وقد بين ذلك فى الحديث الآخر، ولم يسمه، فقال: " كان يلاحى ويدعى لغير أبيه " أى يخاصم ويشاتم. والملاحاة: الخصام والسباب. وقوله: " سألوه حتى أحفوه ": أى أكثروا عليه فى المسألة والإلحاح: وأخطأ فى السؤال وألحف بمعنى: ألح وبالغ. وقوله: " فلما سمع ذلك القوم أرموا ". قال الإمام: سكتوا. قال صاحب الأفعال: أرم القوم: سكتوا لشىء هابوه، والعظم صار فيه رم وهو المخ، والأرض صار شجرها رميماً من الجدب. قال القاضى: وأصله من المرمة وهى الشفة، أى ضموا شفاههم بعضها على بعض ولم يتكلموا. وأصل المرمة فى ذوات الأظلاف بمنزلة الشفة من الإنسان، يقال منه: رمت الشاة النبات: إذا تناولته بشفتيها. وفى الحديث فى ذكر سمن البقر: فإنها ترم من كل الشجر. ¬

_ (¬1) الأعراف: 154. (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬3) الأنعام: 113.

(38) باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأى

(38) باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا، دون ما ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من معايش الدنيا على سبيل الرأى 139 - (2361) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ، وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيْبَةَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُؤُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ: " مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ؟ "، فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِى الأَنْثَى فَيَلْقَحُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا أَظُنُّ يُغْنِى ذَلِكَ شَيْئًا ". قَالَ: فَأَخْبَروُا بِذَلِكَ فَتَرَكُوُه. فَأُخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: " إِنْ كَانَ يِنْفَعُهُم ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّى إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلا تُؤَاخِذُونِى بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِى لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ ". 140 - (2362) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِىِّ الْيَمَامِىُّ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعظيمِ العَنْبَرِىُّ وَأَحْمدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - فى إنكار التذكير للنخل: " لو لم تفعلوا لصلح وكان خيرًا، وما أظن يغنى ذلك شيئًا " فتركوه، فنقصت، فقال: " إنما أنا بشر، وإنما ظننت ظنًّا، فلا تؤاخذونى بالظن، فإذا حدثتكم عن الله [شيئًا] (¬1) فخذوا، فإنى لن أكذب على الله، وإذا أمرتكم بشىء من رأيى فإنما أنا بشر "، وفى الرواية الأخرى: فخرجت شيصًا، فقال: " أنتم أعلم بأمر دنياكم ": فمعنى قوله هنا: " من أمرى ": يعنى فى أمر الدنيا، لا فيما رآه أو قاله من قبل نفسه فى اجتهاده فى الشرع والسير على القول بجواز الاجتهاد منه؛ لأن القسم الذى [قد أمر بالأخذ به بقوله: " من دينكم وعن الله "، وهذا اللفظ الذى] (¬2) قال فيه: " من رأى " إنما أدَّى به عكرمة فى الحديث على المعنى لقوله آخر الحديث أو نحو هذا، فلم يأت به بلفظ النبى مخففاً فلا يحيل به من لا تحقيق عنده. وقول النبى هاهنا للأنصار فى النخل ليس على وجه الخبر الذى يدخله الصدق والكذب فينزه النبى عن الحلف فيه، وإنما كان على طريق الرأى منه؛ ولذلك قال لهم: " إنما ظننت ظنًا، وأنتم أعلم بأمر دنياكم "، وحكم الأنبياء وآراؤهم فى حكم أمور الدنيا حكم ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من الحديث المطبوع رقم (139). (¬2) سقط من الأصل.

عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِىِّ، حَدَّثَنِى رَافِعٌ بنُ خَدِيجٍ، قَالَ: قَدِمَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَأبُرُونَ النَّخْلَ، يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ. فَقَالَ: " مَا تَصْنَعُونَ؟ ". قَالُوا: كُنَّا نَصنَعُهُ. قَالَ: " لَعَلكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا "، فَتَرَكُوهُ. فَنَفَضَتْ أو فَنَقَصَتْ. قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: " إِنَّمَا أَنَا بَشرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُم بِشَىْءٍ مِنْ دِينَكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىءٍ مِنْ رِأَىٍ فَإِنَّمَا أَناَ بَشَرٌ ". قَالَ عِكْرِمَةُ: أَوْ نَحْوَ هَذَا. قَالَ الْمَعْقِرِىُّ: فَنَفَضَتْ. وَلَمْ يَشُكَّ. 141 - (2363) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ -، كِلاَهُمَا عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ عامِرٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ وعن ثَابِتٍ، عَن أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بقَوْمٍ يُلَقِّحُوَنَ. فَقَالَ: " لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلح ". قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: " مَا لِنَخْلِكُمْ؟ ". قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكذَا. قَالَ: " أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ غيرهم من اعتقاد بعض الأمور على خلاف ما هى عليه، ولا وصم عليهم فى ذلك؛ إذ هممهم متعلقة بالآخرة والملأ الأعلى وأوامر الشريعة ونواهيها وأمور الدنيا يضادها؛ بخلاف غيرهم من أهل الدنيا الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. وقوله: " يأبرون النخل " فسره فى الحديث بقوله: " يلقحون يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح "، [يقال: أبرت النخل أبرها وأبرها وأبرتها أيضًا، والاسم الأبار والأبر] (¬1). وقوله: " فخرج شيصًا ". قال الإمام: الشيص: البسر الذى لا نوى له. قال القاضى: وهو ردىء البسر الذى إذا يبس صار حشفًا. وقوله فى الرواية الأخرى: " فنفضت " أى سقطت ثمرها. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(39) باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم، وتمنيه

(39) باب فضل النظر إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتمنيه 142 - (2364) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَة عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَيَأتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلاَ يَرَانِى، ثُمَّ لأَنْ يَرَانِى أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعهُمْ ". قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: الْمَعْنَى فِيهِ عِنْدِى: لأَنْ يَرَانِى مَعَهُمْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. وَهُوْ عِنْدِى مُقَدَّمٌ ومُؤَخَّرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " والذى نفس محمد بيده، ليأتين على أحدكم يوم ولا يرانى ثم لأن يرانى أحب إليه من أهله وماله معهم "، وفى بعض الروايات: " معه "، وليس عند شيوخنا. قيل: معناه على التقديم والتأخير: لأن يرانى معهم - أو معه - أحب إليه من أهله وماله ثم لا يرانى. وكذا جاء فى مسند سعيد بن منصور: " ليأتين على أحدكم يوم [لأن يرانى] (¬1) أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله ". وقد جاء نحو هذا فى بعض نسخ مسلم من كلام ابن سفيان، وثبت عند الجيانى ونصه: قال أبو إسحاق: معناه عندى: لأن يرانى معهم أحب إليه من أهله وماله، وهو عندى مقدم ومؤخر، ولم تكن هذه الزيادة عند أكثر شيوخنا. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

(40) باب فضائل عيسى عليه السلام

(40) باب فضائل عيسى عليه السلام 143 - (2365) حدَّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، الأَنْبِيَاءُ أَوْلادُ عَلاَّتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِىٌّ ". 144 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى، الأَنْبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَ عِيسَى نَبِىٌّ ". 145 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنا أولى الناس بابن مريم فى الأولى والآخرة " قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " الأنبياء إخوة [من] (¬1) علات "، وفى الرواية الأخرى: " أولاد علات، وأمهاتهم شتى ودينهم واحد، فليس بيننا نبى (¬2) ": أولاد العلات: هم الذين ليسوا لأم واحدة، والعلات: الضرائر. قال الهروى فى هذا الحديث معناه: أنهم لأمهات مختلفات ودينهم واحد (¬3). قال القاضى: لم يرد على ما ذكر فى الحديث، وهذا غير مراد الحديث بدليل آخره، وإلا فما اختصاص عيسى حينئذ من بينهم، وما خص الأمهات من بين الآباء فى حق الأنبياء وليسوا لأب واحد، كما ليسوا لأم واحدة؟ والظاهر فى معناه: أن الأنبياء يختلفون فى أزمانهم، وبعضهم بعيد الوقت من بعض، وبين بعضهم وبعض أنبياء أخر، وإن شملتهم النبوة وكأنهم أولاد علات، إذ لم يجمعهم زمن واحد كما لم يجمع أولاد العلات بطن واحد. وعيسى لما كان [قريب الزمن] (¬4) منه ولم يكن بينهما نبى، فكأنهما فى زمن واحد وابنى أم واحدة فكان بخلاف غيرهما، فلذلك قال: " أنا أولى به "، وفسر ذلك بقوله: " وليس بينى وبينه نبى " وإنما ذكر فى الحديث عندى: " أمهاتهم شتى ودينهم واحد " لشبههم بأولاد العلات لما ذكرنا. " وأولى " هنا بمعنى: أخص وأقرب وأقعد؛ لقوله: " فلأولى رجل ذكر "، ولقوله: " مزينة وجهينة موالى دون ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من الحديث المطبوع رقم (145). (¬2) فى الأصل: وليس بينى وبينه نبى. (¬3) لم نعثر عليه فى غريب الحديث للهروى ولعله فى الغريبين. (¬4) فى ح: قريبًا.

ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فى الأُولَى وَالآخِرَةِ ". قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الأَنْبِيَاءِ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِىٌّ ". 146 - (2366) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيطَانُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ، إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ". ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬1). (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالاَ: " يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسَّةِ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ ". وَفِى حَدِيثِ شُعَيْبٍ: " مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس " أى المختصون بى. وقوله: " ودينهم واحد ": إنما يرجع إلى التوحيد الذى هم مجمعون عليه، أو على طاعة الله واتباع شرائعه على الجملة، وأما شرائعهم فمختلفة. وهذا مثل قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية (¬2). وقوله: " ما من مولود إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه "، ثم قال اْبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}: ظاهره أنه منع من ذلك إجابة لدعوة زكريا - عليهما السلام - وأيضًا فإن الأنبياء معصومون من الشيطان بكل وجه، وقد جاء فى هذا الحديث فى غير مسلم: " فذهب الشيطان ليطعن فى خاصرته فطعن فى الحجاب " (¬3). وقوله: " صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان ": كذا روايتنا، وفى بعض النسخ: " فزعة " بالفاء والعين المهملة. الفزع: الإغواء والوسوسة والإفساد. قيل فى قوله: {نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} (¬4): أى أفسد، كأنه يريد هنا من فعلة فعلها الشيطان رام بها ضرًا بالمولود. ¬

_ (¬1) آل عمران: 36. (¬2) الشورى: 13. (¬3) مسند أحمد 2/ 523 بلفظ: " جنبه ". (¬4) يوسف: 100.

147 - (...) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ سُلَيْمًا مَوْلَى أَبِى هُرَيْرَةَ - حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " كلُّ بَنِى آدَمَ يَمَسُّهُ الشَّيْطانُ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا ". 148 - (2367) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صِيَاحُ الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ". 149 - (2368) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: سَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلاَّ، وَالَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ. فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللهِ. وَكَذَّبْتُ نَفْسِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رأى عيسى رجلاً يسرق، فقال: سرقت؟ قال: لا، والذى لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت نفسى ": ظاهره: صدقت من حلف بالله، وكذبت ما ظهر لى من ظاهر سرقة الآخر، فلعله أخذ ما له فيه حق أو بإذن صاحبه ولم يقصد [الأخذ] (¬1) إلا التغليب والنظر وصرفه إلى موضعه، وظهر لعيسى أولاً بظاهر مد يده وإدخالها فى متاع غيره أنه أخذ منه شيئًا، فلما حلف له أسقط ظنه، وتوكد - والله أعلم. ¬

_ (¬1) ساقطة من ح.

(41) باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم

(41) باب من فضائل إبراهيم الخليل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 150 - (2369) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُخْتَارُ. ح وَحَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ ". (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُخْتَارَ بْنَ فُلْفُلٍ - مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ - قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله. بِمِثْلِهِ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُخْتَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - للذى قاله: يا خير البرية، فقال: " ذاك إبراهيم "، قال الإمام: قد ثبت أنه - عليه السلام - أفضل من سائر المرسلين (¬1)، فيحتمل أن يكون هذا منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جهة التواضع، واشتغالاً لأن ينادى بهذا، وقد كان إبراهيم - عليه السلام - فى آبائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكره إظهار المطاولة على الآباء. وقد يكون فهم من ثنائه غير هذا المعنى وأخبر فى موضع آخر بكونه سيد ولد آدم، غير قاصد للتعاظم والتطاول على من تقدمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل ليبين ما أمره الله تبارك وتعالى ببيانه، ولهذا عقب كلامه بأن قال: " ولا فخر " ليزيل ما قد أطلق هذا الكلام إذا أطلقه غيره من الناس فى نفسه. وقد يحتمل قوله: " ذاك إبراهيم " قبل أن يوحى إليه بأنه هو خير منه. فإن قيل: هذا خبر ولا يقع إلا صدقاً، والنسخ لا يصح فيه، فلا وجه لعذركم هذا، قلنا: قد يريد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن إبراهيم خير البرية فيما يدل عليه ظاهر حاله عنده، وقد يقال: فلان خير قومه وأصلح أهل بلده، والمراد فيما يقتضيه ظاهر حاله. وقد مال إلى هذه الطريقة بعض العلماء فى تفضيل الفاضل من الصحابة، أنه يفضل على الظاهر لا على القطع على الباطن. وقد يكون لإبراهيم - عليه السلام - فضيلة يميز فيها عن سائر المسلمين (¬2) ولكن نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له من مجموع الفضائل ما يربى عليها حتى يكون أفضل على الإطلاق، ولا يكون المراد بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى إبراهيم - عليه السلام -: " خير البرية " على الإطلاق، ولكن فى معنى اختص به. ¬

_ (¬1) فى ح: المسلمين. (¬2) فى ح: المرسلين.

قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النِّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 151 - (2370) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِىُّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: هذا وإن كان خبر من النوع الذى يدخله النسخ لأن أمر الفضائل والمنازل مما منحه الله عبيده، وتعظيماً لمن شاء، وأخبر - عليه السلام - أولاً بما اعتقده وظهر له من منزلة إبراهيم، ثم إن الله أعلمه بمنزلته هو وأنه خير البرية، فلزمه اعتقاد هذا ويعبد الله بذلك، ونسخ ما كان أمرنا به - عليه السلام - قبل من ترك التفضيل من الأنبياء، واعتقاد ما لزمناه اتباع النبى فى اعتقاده فى تفضيل إبراهيم، فقد تعلق بهذين الخبرين عبادتان، إحداهما ناسخة للأخرى. وقوله: " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " كذا رويناه مخففاً هنا، وفسرها بعضهم بآلة النجار، وهو قول محمد بن المواز وغيره. وقيل: هو موضع يثقل ويخففه آخرون. حكى الباجى فيه الوجهين، وبالتخفيف رواه بعض رواة البخارى، وضبطه المروزى بالتشديد، وأنكر [يعقوب بن أبى شيبة] (¬1) فيه التشديد، وقال الهروى: هو مَقِيل له. وقيل: قرية بالشام. ولم يحك فيه غير التخفيف. وحكى أبو عبيد البكرى " قدوم " مخفف ثنية بالسراة. وقاله ابن دريد، قال: والمحدثون يشددونه. قال البكرى: وأما فى حديث إبراهيم فمشدد، ورواه أبو الزناد بالتخفيف، وهو قول أكثر اللغويين. وحكاه البخارى (¬2) عن سعيد. واختلفت الرواية فيه عن أبى الزناد فى حديث أبى هريرة بالتخفيف والتشديد، وحكى البكرى عن محمد بن جعفر اللغوى، أن " قدوم " المكان مشدد معرفة، لا يدخله الألف واللام. قال: ومن رواه فى حديث إبراهيم مخففاً فإنما عنى الآلة التى ينجر بها. قال القاضى: من هنا شرع الختان فى العرب فى ولد إسماعيل، وفى اليهود ولد إسحاق بن إبراهيم، وتقدم [الكلام فى] (¬3) الاختتان بأول الكتاب. وقد قيل: إن هذا من الكلمات التى ابتلاه الله بها. وقوله: وهو ابن ثمانين سنة: كذا فى كتاب مسلم، وقد جاء هذا الحديث من رواية مالك والأوزاعى، وفيه: " اختتن إبراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة [ثم عاش] (¬4) بعد ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) البخارى، ك الأنبياء، ب: قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (3356). (¬3) و (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

152 - (151) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ثمانين سنة "، إلا أن مالكاً ومن تبعه أوقفوه على أبى هريرة. وكذا ذكره فى الموطأ من رواية القعنبى وبعض رواة الموطأ، ولم يكن الحديث عند غير واحد منهم رواة الموطأ. وذكر غيره عكس هذا أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة، كما قال مسلم. وعاش مائة وعشرين سنة. وقوله - عليه السلام -: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} " الآية، قال الإمام: من الناس من ذهب إلى أن إبراهيم - عليه السلام - إنما أراد بهذا اختبار منزلته واستعلام قبول دعوته، فنسأل البارى - جلت قدرته - فى أن يخرق له العادة ويحيى الموتى؛ ليعلم بذلك قدر منزلته عند الله - سبحانه - ويحمل هؤلاء قوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِن} (¬1) على أن المراد به: بقربك منى ولفضلك لدى، فيكون التقدير - لو ثبت حمل الآية على هذا المعنى -: نحن أولى أن يختبر حالنا عند الله من إبراهيم على جهة الإشفاق منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتواضع لله - سبحانه. وإن قلنا بما يقتضيه أصل المحققين، وأن المراد أن ينتقل من اعتقاد إلى اعتقاد آخر هو أبعد من طريان الشك ونزغات الشيطان؛ لأنا نساوى بين العلوم الضرورية والعلوم النظرية، ونمنع التفاضل بينهما فى نفس التعلق، وإنما يصرف التفاضل إلى أن الشك [لا أن] (¬2) يطرأ على الضرورى، فى العادة، والنظرى قد يطرأ عليه، فيكون إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل زيادة فى الطمأنينة وسكون النفس، حتى ينتفى الشكوك أصلاً. أو يكون المراد من نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما نحن أحق بالسؤال فى هذا منه على جهة الإشفاق، وأيضاً أو يكون المراد بذلك أمته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليحضهم على الابتهال إلى الله - عز وجل - بالتعوذ من نزغات الشيطان فى عقائد الدين. قال القاضى: فى هذا الحديث تأويلات، منها الوجهان اللذان ذكر. وثالث: أنه إنما سأل مشاهدة الإحياء واطمئنان القلب بمشاهدة ذلك، وترك منازعته هذه الأمنية، فيحصل له العلم أولاً بالجواز والوقوع، والثانى بالمشاهدة والكيفية. ووجه رابع: أنه لما احتج على المشركين بأن ربه يحيى ويميت طلب ذلك من ربه ليصحح احتجاجه عياناً. ووجه خامس: أنه سؤال على طريق الأدب، والمراد: أقدرنى على إحياء الموتى ¬

_ (¬1) البقرة: 260. (¬2) فى الأصل: أبى، والمثبت من ح.

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَحْنُ أَحَقُ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (¬1) وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِى السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِىَ ". (...) وحدّثناه - إن شَاءَ اللهُ - عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليطمئن [قلبى] (¬2) بهذه الأمنية. ووجه سادس: وهو أنه أرى من نفسه الشك وما شك، لكن ليجاوب فيزداد قربة. وهذا هو تكلف فى اللفظ والمعنى. وقيل فى قوله: " نحن أحق بالشك من إبراهيم ": هذا نفى لشك إبراهيم لا إثبات له، وإبعادًا للخواطر الضعيفة أن تظن أن بإبراهيم الشك، فكأنه قال: نحن موقنون بالبعث وإحياء الموتى، فلو نشك لكنا أولى منه على طريق الأدب وإكثار حال إبراهيم لا على تجويزه على واحد منهما. قيل: إنما جاوب بذلك من سمعه بترك شك إبراهيم ولم يشك نبينا. وقوله: " لو لبثت فى السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعى ": المراد به قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّك} الآية (¬3). هذا منه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاً غاية فى الأدب والتواضع وإظهار منزلة يوسف] (¬4) - عليه السلام - فى التثبت والصبر وألاّ يخرج إلى الملك حتى يظهر براءته ولا تناله عنده حجلة التهمة، ودعوى المرأة ما ادعته عليه من مراودته لها عن نفسها، وأنه - عليه السلام - لو امتحن هو بهذا أو مثله من طول السجن، لكان التخليص إليه منه لأول داع أحب إليه للنجاة من عذابه وبقائه، ولأخذ بالحزم فى الأمر؛ مخافة حوادث تطوى وإشغال للملك بضرورة، فينساه كما نسيه ويشتغل عنه، فيبقى فى سجنه كما كان حاله معه. قيل: ولا يظن أن مراده بإجابة الداعى هنا دعوة المرأة، وهذا مما لا يجوز على يوسف ولا محمد - عليهما السلام. وقوله: " يغفر الله للوط، إنه أوى إلى ركن شديد ": يعنى الله تعالى، كأنه - ¬

_ (¬1) البقرة: 260. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من الحديث المطبوع رقم (152). (¬3) يوسف: 50. (¬4) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ. 153 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النِّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَغْفِرُ اللهُ لِلُوطٍ إِنَّهُ أَوَى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ". 154 - (2371) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِىُّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَطُّ إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ فِى ذَاتِ اللهِ. قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} (¬1). وَقَولُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (¬2) وَوَاحِدَةً فِى شَأنِ سَاَرَةَ؛ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْجَبارَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام - أخذ عليه فى قوله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيد} (¬3) يريدك لو كان مع عشيرته ليمنعوه من قومه ويحموا أضيافه، فيرحم - عليه السلام - لقوله - عليه السلام - وسهوه عن الاعتصام بالله تعالى عن ضيق صدره بما لقى من قومه حتى قال هذا، وإنه بالحقيقة كان يأوى إلى ركن شديد وهو الله تعالى، أشد الأركان وأقواها. والركن يوضع لما استند إليه ويشد به لأن أركان البناء أقوى ما فيه، وعليها اعتماد، وبها انتظامه. والركن الناحية من الجبل يلجأ إليها. وقد تقدم من هذا أول الكتاب. وقوله: " لم يكذب قط إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين فى ذات الله، قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وواحدة فى شأن سارة، قوله: إن سألك فأخبريه أنك أختى [فإنك أختى] (¬4) فى الإسلام "، قال الإمام: أما الأنبياء معصومون من الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله - سبحانه وتعالى - قل ذلك أو جل؛ لأن المعجزة تدل على صدقهم فى ذلك. وأما ما لا يتعلق بالبلاغ ويعد من الصغائر كالكذبة الواحدة فى شىء من أمور الدنيا فيجزى ذلك على الخلاف فى عصمتهم من الصغائر، وقد تقدم الكلام عليه. وقد وصف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اثنتين من كذبات إبراهيم - عليه السلام - كانتا فى ذات الله سبحانه، والكذب إنما يترك لله، فإذا كان إنما يفعل لله انقلب حكمه فى بعض المواضع على حسب ما ورد فى الشريعة، فالقصد بهذا التقييد منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفى مذمة الكذب عنه لجلال قدره فى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ¬

_ (¬1) الصافات: 89. (¬2) الأنبياء: 63. (¬3) هود: 80. (¬4) سقط من ح.

إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِى يَغْلِبْنِى عَلَيْكِ، فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِى، فَإِنَّكِ أُخْتِى فِى الإِسْلاَمِ، فَإِنِّى لاَ أَعْلَمُ فِى الأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِى وَغَيْرَكِ. فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ. أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لاَ يَنْبَغِى لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلاَّ لَكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِىَ بِهَا، فَقَامَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلَى الصَّلاَةِ. فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقُبِضَتْ يَدْهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً. فَقَالَ لَهَا: ادْعِى اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِى وَلا أَضُرُّكِ. فَفَعَلَتْ، فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الأُولَى. فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ. فَفَعَلتْ، فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ. فَقَالَ: ادْعِى اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِى، فَلَكِ اللهَ أَلا أَضُرَّكِ. فَفَعَلَتْ، وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ، وَدَعَا الَّذِى جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِى بِشَيْطَانٍ، وَلَمْ تَأتِنى بِإِنْسَانٍ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِى، وَأَعْطِهَا هَاجَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تأول بعض الناس كلماته هؤلاء حتى يخرج عن كونها كذباً، ولا معنى لأن يتحاشا العلماء مما لم يتحاش منه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن قد يقال: إن المراد بتسميتها كذباً على ظاهرها عندكم فى مقتضى إطلاقكم عند استعمالكم اللفظ على حقيقته، ألا تراه يحكى عن إبراهيم - عليه السلام - أنه قال لسارة: " أخبريه أنك أختى، فإنك أختى فى الإسلام "، ومن سمى المسلمة أختًا له قاصدًا أخوة الإسلام فليس بكاذب، لكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أطلق عليه لفظة الكذب [لما قلناه] (¬1) من أن الأخت فى الحقيقة المشاركة فى النسب وأما المشاركة فى الدين فأخت على المجاز، فأراد بها كذبة على مقتضى حقيقة اللفظ فى اللغة، وعلى أن قوله: " إنها أختى "، قد يكون فى ذات الله، إذ أراد بها كف الظلم وصيانة الحريم، لكن لما كان له فيها منفعة ميزها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأولتين اللتين لا منفعة له فيهما، وهذا اللفظ يظهر ما فى تأويل هذا الحديث. قال القاضى: الصحيح على القولين من تجويز الصغائر على الأنبياء، ومنها أن الكذب وإن قل فيما طريقه البلاغ لا يجوز عليهم وأن ينصب النبوة، فحاشا معصوم من قليله وكثيره، سهوه وعمده؛ وعمدة النبوة البلاغ والخبر عن الله وشرعه وتجويز كلام منه على خلاف مخبره قادح فى صدقه مناقض لمعجزته، ونحن نعلم قطعاً من مذاهب الصحابة وسيرة السنف الصالح، مبادرتهم إلى تصديق أقواله، والثقة بجميع أخباره فى أى باب كانت وعلى أى وجه جاءت، ولم يحفظ عنهم تردد ولا توقف ولا سؤال ولا استثبات ¬

_ (¬1) سقط من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن حاله عند ذلك، هل وقع منه على سهو أو ضجر أو غيره؟ ولا حفظ عنه أنه استدرك شيئًا قاله، أو اعترف بوهم فيما أخبر به. ولو كان شىء من ذلك لنقل كما نقل رجوعه عن أشياء من أفعاله وآرائه وما ليس طريقه الخبر؛ كرجوعه عن رأيه فى ترك تلقيح النخل (¬1)، وكقوله: " والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً [منها] (¬2) إلا فعلت الذى حلفت عليه [وكفرت] (¬3) عن يمينى "، وكقوله: " إنكم تختصمون إلى " الحديث إلى قوله: " قضيت له من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار " (¬4)، وكقوله " إنى لأنسى، أو أنسى لأسن " (¬5) ولم يأت عنه استدراك لشىء مما قاله أو يتبع لسهو فيه، أو غلط صدر عنه فيه. وقوله: " ثنتان فى ذات الله، وواحدةً فى شأن سارة " إشارة أن تلك فى ذات الله وتبليغ رسالاته ومجادلة الكفرة عداه، فخصهما هنا لذلك. وقصة سارة فقد كانت فى ذات الله أيضاً لكافه مسلمة أذى مشرك وعصيان الله تعالى ومواقعة محارمه، وقد جاء ذلك مبيناً فى غير مسلم فقال: ما فيها كذبة إلا بما حل فيها عن الإسلام، أى يماكر ويجادل ويدافع. وقد قيل: فى قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} (¬6) تأويلات، منها: أنه ورَّى بقوله ذلك سأسقم، فإن ابن آدم عرضة للأسقام، واعتذر بقوله عن الخروج معهم إلى غيرهم بهذا القول المحتمل الظاهر. وقيل: سقيم بما قدر على من الموت. وقيل: سقيم القلب بما أشاهد من كفركم وعنادكم. وقيل: بل كانت الحمى تأخذه عند طلوع نجم معلوم، فلما رآه اعترض بعاديه، وهو معنى قوله عند هذا: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}. وقيل: بل عرض بسقم حجته عليهم [وضعف ما أراد بيانه لهم من جهة النجوم التى كانوا يشتغلون بها، وأنه إما نظره فى ذلك وقبل استقامة حجته عليه] (¬7) فى حال سقم ومرض حال، مع أنه لم يشك ولا ضعف إيمانه، ولكن ضعف فى استدلاله وسقم نظره، كما يقال: حجة سقيمة، ونظر معلول، حتى ألهمه الله صحة حجته عليهم بالكوكب والقمر والشمس مما نصه. وكذلك قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (¬8) فإنه علق خبره بشرط نطقه، كأنه قال: ¬

_ (¬1) ابن ماجه، ك الرهون، ب تلقيح النخل (2471). (¬2) و (¬3) سقطتا من الأصل. (¬4) البخارى، ك الشهادات، ب من أقام البينة بعد اليمين (2680)، مسلم، ك الأقضية، ب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة (1713/ 4)، أبو داود، ك الأقضية، ب فى قضاء القاضى إذا أخطأ (3583)، الترمذى، ك الأحكام، ب ما جاء فى الشديد على من يقضى له بشىء ليس له أن يأخذه (1339) وقال: حديث حسن، وكله من حديث أم سلمة - رضى الله عنها. (¬5) الموطأ، ك السهو، ب العمل فى السهو 1/ 100 (2). (¬6) الصافات: 89. (¬7) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬8) الأنبياء: 63.

قَالَ: فَأَقْبَلَتْ تَمْشِى، فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - انْصَرَفَ. فَقَالَ لَهَا: مَهْيَمْ؟ قَالَتْ: خَيْرًا، كَفَّ اللهُ يَدَ الْفَاجِرِ، وَأَخْدَمَ خَادِمًا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أَمُّكُمْ يَا بَنِى مَاءِ السَّمَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إن كان ينطق وهو فعله على طريق التنكيت لقومه، وهذا كله ليس بكذب وخارج عن حد الكذب فى حق المخبر، داخل فى باب المعاريض التى جعلها الشرع مندوحة عن الكذب عند الضرائر، ولكن سماها النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذبات؛ لأنه أتى بها لمن خاطبه على ظاهرها ومعتقده خلاف ذلك، فلما كان فى حقى المخبر والخبر ظاهرها بخلاف باطنها جاءت فى صورة الكذب، وإن لم يكن كذباً فى الباطن. وهذه على صورة المعاريض. ولما جاءت بهذه الصورة سماها النبى محمد وإبراهيم - عليهما السلام - كذبات، أشفق إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المؤاخذة بها يوم القيامة فى الحديث المعروف فى الشفاعة. قال أهل العلم: وهذا أصل فى جواز المعاريض، قالوا: والمعاريض شىء يتخلص به الرجل من المكروه إلى الجائز، ومن الحرام إلى الحلال، ومن دفع ما يضره. وإنما يكره له التحيل فى حق فيبطله، أو باطل فيموه به. وفى هذا الحديث - فى قصة سارة - إجابة دعوة إبراهيم، وعلامات نبوته، ومنع الكافر ما أراده. وقوله فى هاجر: " فتلك أمكم يا بنى ماء السماء ": قال الخطابى: إن المراد بهذا العرب؛ لانتجاعهم المطر وماء السماء للعير؛ لأن أكثرهم أصحاب مواشى، وصلاحهم بالخصب والرعى، وسيرتهم فى ذلك معلومة. قال القاضى: والأظهر عندى أن المراد بذلك الأنصار، ونسبهم إلى جدهم عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وكان يعرف بماء السماء، وهو مشهور. والأنصار كلهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر المذكور، ويكون ذلك على قول من جعل العرب من ولد إسماعيل، وهذا مثل قوله فى الحديث الآخر لا لمسلم: " ارموا يا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً " (¬1)، وكله حجة لن يجعل اليمن والعرب كليهما من ذرية إسماعيل. وقد ترجم البخارى على هذا الحديث " باب نسبة ¬

_ (¬1) البخارى، ك الجهاد، ب التحريض على الرمى (2899) من حديث سلمة بن الأكوع، ابن ماجه، ك الجهاد، ب الرمى فى سبيل الله (2815) وفى الزوائد: إسناده صحيح، أحمد 1/ 364 من حديث ابن عباس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اليمن (¬1) إلى إسماعيل " (¬2). وقيل: أراد بـ " بنى ماء السماء ". العرب؛ لخلوص نسبهم وصفائه. وفى الحديث قبول هدية المشرك، وقد تقدم الكلام فيها. وقوله: " مهيم " قال الخليل: هى كلمة لأهل اليمن خاصة، معناها: ما هذا؟ قال الطبرى: معناها: ما شأنك وما أمرك. ¬

_ (¬1) فى الأصل: العرب، والمثبت من ح وهو ما وافق تراجم نسخ البخارى. (¬2) البخارى، ك المناقب، ب نسبة اليمن إلى إسماعيل 4/ 219.

(42) باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم

(42) باب من فضائل موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 155 - (339) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّام بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هَرَيْرةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ؛ وَكَانَ مُوسَى - عَلَيْه السَّلامُ - يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِل مَعَنَا إِلاَّ أَنَّه آدَرُ ". قَالَ: فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ ". قَالَ: فَجَمَحَ مُوسَى بِأَثَرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِى حَجَرُ!. ثَوْبِى حَجَرُ! حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سَوْأَةِ مُوسَى. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا بِمُوسَى مِنْ بَأسٍ. فَقَامَ الحَجَرُ بَعْدُ، حَتَّى نُظِرَ إلَيْهِ ". قَالَ: " فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ، إنَهُ بِالْحَجرِ نَدَبٌ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، ضَرْبُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِالْحجَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى رجلاً حيياً يغتسل وحده، فقال بنو إسرائيل: ما يمنعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر. فاغتسل ". قال فى الحديث الآخر: " عند مشربه "، وفى رواية العذرى: " عند مُوَيه "، " فوضع ثوبه على حجر، ففرَّ الحجر بثوبه، فجمح موسى بأثره يقول: ثوبى حجر "، وفى الحديث الآخر: " واتّبعه بعصاه يضربه، حتى نظرت بنو إسرائيل إليه، فقالوا: والله ما بموسى من بأس ". قال أبو هريرة: " والله، إنه الحجر نَدَبُ ": الأنبياء منزهون عن النقائص فى الخلق والخلق سالمون من المعايب، ولا يلتفت إلى ما قاله من لا تحقيق عنده فى هذا الباب من أصحاب التواريخ فى صفات بعضهم، وإضافة بعض العاهات إليهم، فالله تعالى قد نزههم عن ذلك ورفعهم عن كل ما هو عيب ونقص مما يغض العيون وينفر القلوب. وفيه ما ابتلى به الأنبياء والصالحون من أذى السفهاء وصبرهم على الجهال، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} الآية (¬1)، وقال نبينا - عليه السلام -: " إن موسى أوذى بأكبر من هذا فصبر ". ¬

_ (¬1) الأحزاب: 69.

156 - (...) وحدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَثَّنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع، حَدَثَّنَا خَالِدُ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو هَرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَجُلاً حَيِيًّا. قَالَ: فَكَانَ لاَ يُرَى مُتَجَرِّداً. قَالَ: فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ: إِنَّهُ آدرُ. قَالَ: فَاغْتَسَلَ عَنْدَ مُوَيْهٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَانْطَلَقَ الْحَجَرُ يَسْعَى، وَاتَّبَعَهُ بِعَصَاهُ يَضْرِبُهُ: ثَوْبِى، حَجَرُ! ثَوْبِى حَجَرُ! حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَلأ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ، وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} (¬1). 157 - (2372) وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه أن ستر العورة لم يكن وحياً فى شرع موسى؛ إذ ذكر فإنه إنما فعل ذلك حياء، هانه لم ينكر على قومه ما كانوا يفعلونه، هان الله تعالى أظهر ذلك منه لقومه حتى نظروا إليه. وفيه خرق العادة فى الجماد. وآيتان لموسى فى هذا الحجر عظيمتان: إحداهما: مشى الحجر بثوبه، والثانية: حصول الندب فى الحجر من ضربه بعصاه، والندب هنا: الأثر بفتح الدال، وأصله: أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد. قال الإمام: ومعنى: " جمح موِسى بأثره ": أى أسرع فى مشيه إسراعاً، لا يرد وجهه. ومنه قوله تعالى: {وَهُمْ يَجْمَحُون} (¬2)، قال القاضى: أسرع وراء ثوبه. وفرس جموح: أى سريع، وهو مدح. وقد يكون ذماً، وهو الذى يركب رأسه ولا يرده لجام، وكل شىء مضى لوجهه فقد جمح كذا. وعلق وجعل وأقبل وظل معناه كله: ما زال يفعل، ويقال: طفَق وطفِق، بفتح الفاء وكسرها. والمشربة هنا - والله أعلم - بفتح الميم، المراد بها: الشربة، وهى حفرة فى أصل النخلة، يجتمع فيها الماء لسقيها. والمشربة، بكسر الميم: الذى يشرب، فسمى مشربة. والمشربة - أيضاً -: أرض لبنة فيها نبت. والمشربة: الغرفة، هذه بفتح الراء وضمها. ومن رواه: " مُوَيْهٍ " فهو تصغير ماء، وأراه مصحفاً من المشربة - والله أعلم - وهى روايتنا من طريق العذرى. قال الإمام: جعل بعض المحدثين هذا الحديث حجة فى جواز نزول الرجل الماء عرياناً، ¬

_ (¬1) الأحزاب: 69. (¬2) التوبة: 57.

هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُرْسِل ملَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَلَّما جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِى إِلَى عَبْدٍ لاَ يُريدُ الْمَوْتَ. قَالَ: فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ عينَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعْ يَدَهُ عَلى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بَكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَىْ رَبِّ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ. فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّريقِ، تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ ". 158 - (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَر أَحَادِيث مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جَاءَ ملَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى - عَلَيْه السَّلامُ - فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ ". قَالَ: " فَلَطَمْ مُوسَى - عَلَيْه السَّلامُ - عَيْنَ مَلَكِ الْمَوَتِ فَفَقَأها ". قَالَ: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى الله - تَعَالَى، فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِى إلى عَبْدٍ لك لاَ يُريدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِى". قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وجمهور العلماء على إجازته. ونهى عنه ابن أبى ليلى وقال: إن للماء سكاناً واحتج للنهى بحديث ضعفه أهل العلم. وقوله: " جاء ملك الموت إلى موسى فقال: أجب ربك فلطم موسى عين ملك الموت - عليهما السلام - ففقأها. قال: فرجع الملك إلى الله تعالى، فقال: إنك أرسلتنى إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عينى. قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إلى عبدى فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة. قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت. قال: فالآن من قريب "، قال الإمام: هذا الحديث مما يطعن به الملحدة ويتلاعب بنقله الآثار بسببه، ويقول: كيف يجوز على نبى مثل موسى أن يفقأ عين ملك الموت؟ وكيف تنفقئ عين الملك؟ ولعله لما جاء عيسى أذهب عينه الأخرى فعمى؟ ولأصحابنا عن هذا ثلاثة أجوبة: قال بعضهم: إن الملك يتصور فى أى الصور شاء مما يقدره الله عليها، وقد قال الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} (¬1)، قيل: إنه تمثل لها فى صورة رجل يسمى تقياً؛ ولهذا قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} (¬2)، وقد تمثل جبريل - ¬

_ (¬1) مريم: 17. (¬2) مريم: 18.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام - بصورة دحية. وقال أصحاب هذه الطريقة: إن هذه الصور (¬1) قد يكون تخييلاً، فيكون موسى - عليه السلام - فقئ عيناً فخيله لا عيناً حقيقة. وهذا الجواب عندى قد لا يقنعهم، وقد يقولون: إن علم أنه ملك وأن ذلك تخيل فكيف يصكه ويقابله بهذه المقابلة وهذا لا يليق بالنبيين؟ وقال آخرون من أصحابنا: الحديث فيه تجوز، إذا حمل عليه اندفع طعن الملحدة. ومحمله عندنا: أن موسى - عليه السلام - حاجه فأوضح الحجة لديه. وقد يقال فى مثل هذا: فقع فلان عين فلان؛ إذ غلبه بالحجة. ويقال: عورت هذا الأمر إذا أدخلت نقصاً فيه، فإذا صرف ذلك إلى غلبة موسى - عليه السلام - بالحجة سقط الاعتراض. وهذا أيضاً قد يبعد من ظاهر اللفظ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فرد الله إليه عينه "، وإن قالوا معناه: فرد الله إليه حجته، كان بعيداً عن مقتضى سياق اللفظ. وجواب ثالث، مال إليه بعض أئمتنا من المتكلمين وهذا مثل ما قالوا فيه، وهو أنه لا يبعد أن يكون موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن الله له فى هذه اللطمة محنة للملطوم، وهو سبحانه يتعبد خلقه بما شاء، ولا أحد من عباده تمنعه فضيلته بأن يتصرف بحكم التكليف فيما ساء وسر، ونفع وضر، فإذا سلمنا لهم حقيقة الحديث وحملناه على هذه الطريقة لم يبق لهم تعلق. ويظهر لى جواب رابع وهو: أن يكون موسى - عليه السلام - لم يعلم أنه ملك من قبل الله - عز وجل - وظن أنه رجل أتاه يريد نفسه، فدافعه عنها مدافعة أدت إلى فقئ عينه، وهذا سائغ فى شريعتنا؛ أن يدافع الإنسان عن نفسه من أراد قتله، وإن أدى إلى قتل الطالب له، فضلاً عن فقئ عينه. وقد قدمنا فى كتاب مسلم إباحته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقء عين من اطلع على قوم، وأنه حلال لهم فقء عينه إذا اطلع عليهم بغير إذنهم، على ما تقدم بيانه، ومعنى الحديث فيه؛ فكيف بهذا؟! وإنما يبقى على هذا الجواب أن يقال: قد رجع إليه ثانية واستسلم موسى إليه، فدل على معرفته به. قلنا: قد يكون أتاه فى الثانية بآية وعلامة علم بها أنه ملك الموت، وأنه من قبل الله - عز وجل - فاستسلم لأمر الله، ولم يأته أولاً بآية يعرفه بها، وكان منه ما كان، وأحسن ما اعتمد عليه فى المسألة هذا الجواب الذى ظهر لنا، أو كالجواب الثالث الذى ذكرناه عن بعض أئمتنا، وعندى أن جوابنا أرجح منه. قال القاضى: قال بعض الشيوخ: ليس فى لطم موسى لملك الموت ما يعظم ويشنع، وليس ذلك بأعظم من أخذه برأس أخيه ولحيته وجره إياه وهو نبى [مكرم كما ذاك ملك معظم، والنبى عند المحققين أفضل من ملك، وقد نص الله - تعالى - على ذلك فأخبر عنهما به فى كتابه العزيز، ولم يعده على موسى ذنباً، ولا استغفر منه موسى، ولا أظهر ¬

_ (¬1) فى الأصل: الشريعة، والمثبت من ح، ع المخطوطة، والمطبوعة.

" فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ عيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِى فَقُلْ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرِةٍ، فَإِنَكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً. قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ. قَالَ: فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ، رَبِّ أَمِتْنِى مِنْ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، رَمْيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الندم عليه، ولا عتب الله ولا أخبرنا بالعتب من غيره عليه، بل نص اعتذار هارون لموسى - عليهما السلام - لا غير، وموسى فى كل ذلك فاعل فى ذات الله - تعالى - ما رآه، من جر هذا إليه ودفع ذاك عنه. وأما فقؤه عينه، فلم يتعمد ذلك ولا فى الحديث ما دل عليه، ولكن لما لطمه حدث بقدرة الله ومشيئته عند تلك اللطمة فقء عينه، فهو الفعال لما يريد. والوجه الذى ذكر الشيخ الإمام - رحمه الله -: أنه ظهر له وحسنه وهو حسن، وهو تأويل الإمام أبى بكر ابن خزيمة وغيره من المتقدمين، وبنصه احتجاجه، وأرى الشيخ لم يكن رآه لغيره - والله أعلم. قوله: " فرد الله عينه ": ظاهره: أن الحديث من لطمه وفقء عينه على وجهه قد يكون على ذلك التاويل الآخر؛ رد العين: إلهامه الحجة التى جاء بها بعده - والله أعلم. وقول موسى - عليه السلام - لما خيره الله فى الحياة وتطويلها فقال: " ثم مه؟ قال: ثم تموت. قال: فالآن من قريب، رب أمتنى من الأرض المقدسة رمية بحجر ": قال أبو القاسم بن أبى صفرة: إنما سأل ذلك] (¬1) لتقرب عليه المشى إلى المحشر فتسقط عنه المشقة على من بعد عنه، وقيل: لينال فضل مجاورة من دفن فيه من الأنبياء والصالحين وفضل [البقعة] (¬2)، وهذا أظهر، وقيل [فى قوله] (¬3): قدر رمية بحجر: لئلا يكون فيها فيشتهر، بل لئلا يعرف قبره فيعبده جهال ملته. وفيه الترغيب فى الدفن فى المواضع المباركة، والمواطن الفاضلة، والمشاهد الشريفة، والدفن فى مدافن الصالحين. وقوله: " فما توارت يدك من شعرة " معناه: فما وارت أى سترت. وقوله فى الذى لطم وجه اليهودى إذ قال: والذى اصطفى موسى على البشر، وقال له: تقول هذا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا؟! الحديث (¬4). وقوله: فغضب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك ثم قال: " لا تفضلوا بين الأنبياء " وفى الرواية الأخرى: " لا تفضلونى على موسى "، قال الإمام: أما قوله: " لا تفضلوا بين الأنبياء " فيحتمل أن يكون ذلك قبل أن يوحى ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (¬2) ساقطة من ز. (¬3) سقط من ز. (¬4) حديث رقم (159) بالباب.

بِحَجَرٍ ". قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللهِ، لَوْ أَنَّى عِنْدَهُ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ ". (...) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِمثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه بالتفضيل، وكان بعض شيوخى يقول: يحتمل أن يريد: لا تفضلوا بين أنبياء الله تفضيلاً يؤدى إلى نقص بعضهم. وقد خرج الحديث على سبب، وهو لطم الأنصارى وجه اليهودى، فقد يكون - عليه السلام - خاف أن يفهم من هذه الفعلة انتقاص [حق] (¬1) موسى - عليه السلام - فنهى عن التفضيل المؤدى إلى نقص الحقوق. قال القاضى: وقد قيل: إن هذا منه - عليه السلام - على طريق التواضع والبر بغيره من الأنبياء. وقد يحتمل أن يقول هذا وإن علم بفضله عليهم وأعلم به أمته، لكن نهى عن الخوض فيه والمجادلة به؛ إذ قد يكون ذلك ذريعة إلى ذكر ما لا يجب منهم عند الجدال، وما يحدث فى النفس لهم بحكم الضجر والمراء، فكان نهيه عن المماراة فى ذلك، كما نهى عنه فى القرآن وغير ذلك. وقيل: لا يفضل بينهم فى حق النبوة والرسالة؛ فإن الأنبياء فيها على حد واحد، إذ لا تفاضل فى ذاتها وإنما التفاضل فى زيادة الأحوال، والخصوص والكرامات والرتب؛ فلذلك منهم الرسل، وأولى العزم من الرسل، ومن رفع مكاناً علياً، ومن أوتى الحكم صبياً، وأوتى بعضهم الزبر، وبعضهم الكتاب، ومنهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات. [تم الجزء الخامس بحمد الله وعونه، يتلوه فى الجزء السادس قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} (¬2)] (¬3). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) الزمر: 68. (¬3) سقط من ح.

159 - (2373) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِىٌّ يَعْرِضُ سِلْعَةً لَهُ أَعْطِىَ بِهَا شَيْئًا، كَرِهَهُ أَوْ لَمْ يَرْضَهُ - شَكَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ - قَالَ: لا، وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلَى الْبَشَرِ! قَالَ: فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَطَمَ وَجْهَهُ. قَالَ: تَقُولُ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلَى الْبَشَرِ! وَرَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟ قَالَ: فَذَهَبَ الْيَهُودىُّ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّ لِى ذِمَّةً وَعَهْدًا. وَقَالَ: فُلانٌ لَطَمَ وَجْهِى. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ ". قَالَ: قَالَ: يَا رَسُولَ الله، وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلَى الْبَشَرِ! وَأَنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا. قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِى وَجْهِهِ. ثُمَّ قَالَ: " لا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ الله، فَإِنَّهُ يُنْفخُ فِى الصُّورِ، فَيَصْعَقُ مَنْ فِى السَّماوات وَمَنْ فِى الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ الله ". قَالَ: " ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، أَوْ فِى أَوَّلِ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِى أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلِى، وَلا أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلامُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ [بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على من لا نبى بعده] (¬1). [وقوله: " إنه ينفخ فى الصور، فيصعق] (¬2) من فى السماوات ومن فى الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ (¬3) فيه أخرى، فأكون أول من يبعث - أو فى أول من يبعث - فإذا موسى - عليه الصلاة والسلام - آخذ بالعرش، فلا [أدرى] (¬4) أحوسب بصعقة ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) فى الأصل: ونفخ فى الصور فصعق، والمثبت من ح. (¬3) فى الأصل: نفخ، والمثبت من ح. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

160 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَالَمِينَ! وَقَالَ الْيَهُودِىُّ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلَى الْعَالَمِينَ! قَالَ: فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِىِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِىُّ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُخَيِّرُونِى عَلَى مُوسَى، فِإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجانِبِ الْعَرْشِ، فَلا أَدْرِى أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِى، أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى الله؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يوم الطور، أو بعث قبلى؟ "، وفى الرواية (¬1) الأخرى: " فلا أدرى أكان فيمن صعق فأفاق قبلى (¬2) [وممن كان] (¬3) استثنى الله ": الصعق: الهلاك والموت، وهو الصعق والصاعقة والصعقة. وقيل: كل (¬4) عذاب مهلك، ويكون - أيضاً - الغشية تعترى من فزع وخوف لسماع صوت وهول. وأصله: صوت النار وصوت الرعد الشديد، ونحوه. يقال منه: صعق الرجل وصعق، وأنكر بعضهم الضم، وصعقتهم الصاعقة، بالفتح، وأصعقتهم. وتميم تقول: الصاقعة بتقديم القاف. وهذا من أشكل الحديث؛ لأن موسى قد مات قبل، فكيف (¬5) تدركه صيحة الصعق وإنما تصعق الأحياء؟! وقوله: " ممن استثنى الله ": يدل أنه كان حيًّا، فلم يأت أن موسى ممن رجع إلى الحياة؛ ولأنه حى كما جاء فى عيسى. وقد قال - عليه السلام -: " لو شئتم أريتكم قبره إلى جانب الطور (¬6) عند الكثيب الأحمر " (¬7)، على أن بعض أصحاب المعانى قال: يحتمل أن موسى ممن لم يمت (¬8) الأنبياء، وهذه الأحاديث ترد قوله. ¬

_ (¬1) فى الأصل: البعثة، والمثبت من ح. (¬2) فى الأصل: مليحاً، والمثبت من ح. (¬3) بتقديم وتأخير فى نسخة ح. (¬4) فى الأصل: كان، والمثبت من ح. (¬5) فى الأصل: كيف. (¬6) فى ح: الطريق. (¬7) حديث رقم (158) بالباب. (¬8) فى الأصل: يستثن، والمثبت من ح.

161 - (...) وحدّثنا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ. بِمِثْلِ حَديِثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهابٍ. 162 - (2374) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: جَاءَ يَهُودِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ. وَسَاقَ الْحَدَيِثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَلا أَدْرِى أَكَانَ مِمَّنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِى، أَوِ اكْتَفى بِصَعْقَةِ الطُّورِ ". 163 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُخيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ ". وَفِى حَديِثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنِى أَبِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل أن المراد بهذه الصعقة صعقة فزع بعد النشر حين تنشق السماوات والأرضون فتستقل معانى الأحاديث والآيات وتطرد على الوجه المفهوم. وقوله: " أفاق، [فلما أفاق] (¬1) ": يدل غير صعقة موت؛ لأنه إنما يقال: أفاق من الغشى، وبُعث من الموت. وصعقة الطور لم تكن موتاً. وقد ذهب إلى هذا بعض المتأولين، وقال الداودى عن بعضهم نحوه: إن هذه الصعقة فى الموقف وأن المستثنى منها الشهداء، وقال: وهذا بعيد أن تصعق الأنبياء وهم أكرم. وأما قوله: " فلا أدرى أفاق قبلى " فيحتمل أن يكون قبل أن يعلم أنه أول من تنشق [عنه الأرض] (¬2) إن حمل اللفظ على ظاهره وانفراده بذلك وتخصيصه، وإن يحمل على أنه من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض، لا سيما على رواية أكثرهم بزيادة قوله: أو فى أول من [تنشق] (¬3) يبعث، فيكون موسى - أيضاً - من تلك الزمرة، وهى - والله أعلم - زمرة الأنبياء. ¬

_ (¬1) مثبتة من ح. (¬2) فى نسخة ح تقديم وتأخير. (¬3) ساقطة من ح.

164 - (2375) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنانِىِّ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَنَّسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتَيْتُ - وَفِى رِوَايَةِ هَدَّابٍ: مَرَرْتُ - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِى عِنْد الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائمٌ يُصَلِّى فِى قَبْرِهِ ". 165 - (...) وحدّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىَّ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّى فِى قَبْرِهِ ". وَزَادَ فِى حَدِيثِ عِيسَى: " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مررت [على موسى] (¬1) ليلة أسرى بى وهو يصلى فى قبره ": قد تقدم الكلام عليه أول الكتاب، عند ذكره وذكر عيسى وحجتهما، بما يغنى عن إعادته. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.

(43) باب فى ذكر يونس عليه السلام، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغى لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى "

(43) باب فى ذكر يونس عليه السلام، وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ينبغى لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى " 166 - (2376) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدٌ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ - يَعْنِى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: " لا يَنْبَغِى لِعَبْدٍ لِى - وَقَالَ ابنُ الْمُثَنّى: لِعَبْدِى - أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى - عَلَيْهِ السَّلامُ ". قَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ. 167 - (2377) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولَ: حَدَّثَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولا أقول: إن أحداً أفضل من يونس بن متى "، وفى الحديث الآخر - فيما يذكر عن الله تعالى -: " لا ينبغى لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى"، وفى حديث آخر هو من قوله - عليه السلام، قال الإمام: يحتمل قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا أن يكون قبل أن يوحى إليه بأن غير يونس بن متى أفضل منه، فلهذا امتنع أن يقول بالتفضيل ولم يوح إليه به، وهو - عليه السلام - لم يقل هنا: إن يونس أفضل من سائر المرسلين (¬1) حتى يكون ذلك معارضاً فى ظاهره لقوله: " أنا سيد ولد آدم " (¬2) فيفتقر إلى التأويل، ولكنه إذا قال: " لا أقول: إن أحداً أفضل من يونس [بن متى] (¬3) "، وحملناه [على] (¬4) ذلك قبل أن يوحى إليه بالتفضيل، ثم أوحى إليه بالتفضيل. يقال له: لم يكن فى ذلك من التعارض ما يغمض فيفتقر إلى التأويل. قال القاضى: ويدخل فى هذا من التأويلات ما تقدم فى قصة موسى، ويحتمل أن يكون قوله: " أنا " راجعاً إلى تأويل ذلك ويعنى نفسه، أى لا يظن أحد ولم يبلغ من ¬

_ (¬1) فى ح: المسلمين. (¬2) سبق فى هذا الكتاب برقم (3). (¬3) سقط من ح. (¬4) ساقطة من ح.

ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِى ابْنَ عَبَّاسٍ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا يَنْبَغى لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ". وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكاء والفضائل ما بلغ، أن يكون خيراً من يونس لأجل ما حكاه الله عنه، فإن درجة النبوة لا تلحق، وما جرى على يونس من الأقدار لم يحطه عن رتبة النبوة ذرة (¬1). ¬

_ (¬1) فى ح: خردلة.

(44) باب من فضائل يوسف عليه السلام

(44) باب من فضائل يوسف عليه السلام 168 - (2378) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَعُبَيْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: " أَتْقَاهُمْ ". قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: " فَيُوسُفُ نَبِىُّ الله ابْنُ نَبِىِّ الله ابْنِ نَبِىِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ الله ". قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أكرم الناس أتقاهم "، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: " فيوسف نبى الله ابن نبى الله [ابن نبى الله] (¬1) ابن خليل الله "، وفى غير هذا الحديث: " نبى ابن نبى ابن نبى ابن نبى " أربعاً، وفى الرواية الأخرى فى الرابعة: " ابن خليل الله " (¬2) وهذا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فهم أربعة أنبياء على نسق. وأصل الكرم الجمع وكثرة الخير، فيوسف - عليه السلام - قد جمع كل [مكارم] (¬3) الأخلاق التى تفضل بها الأنبياء إلى شرف النبوة، وشرف النسب، وعلم الرؤيا وغيرها، وشرف الرئاسة فى الدنيا، وكونه على خزائن الأرض وحياطته وعمارتها بما أمر به من جمعه الطعام، وادخاره لنفقتهم، وكونه على خزائنهم وأرزاقهم. وقوله: " عن معادن العرب تسألونى، خيارهم (¬4) فى الجاهلية خيارهم (¬5) فى الإسلام إذا فقهوا ": أصل الكرم - كما قدمناه -: كثرة الخير والمنفعة. والكرم: عظم [القدر] (¬6)، ومنه: أرض كريمة: طيبة النبات، ونخلة كريمة: لا تخلف حملها، وناقة كريمة: غزيرة اللبن، ولذلك سموا العنب كرمًا لكثرة حمله وسهولة جباها. ومن كثر خيره ونفعه عظم قدره، فلما سئل - عليه السلام - عن أكرم الناس قدراً، وفهم النبى - عليه الصلاة والسلام - منهم العموم؛ التفت إلى الكرم (¬7) الصحيح الصادق ورفعة القدر العلية بالتقوى المؤدية باتصال الرفعة الأبدية فى الآخرة فى الدرجات العلا، فقال: " أتقاهم "، ثم لما راجعوه فهم التعيين، فقال لهم: " يوسف " لتردد رفعة القدر فيه وفى آبائه فى أربعة قرون بالنبوة، التى هى غاية رفعة البشر وأرفع درجات الرفعة فى الدنيا والآخرة وكثرة الخير وجماع منافع العاجلة والآجلة، ويجمع يوسف خصال الشرف الدنيوية ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) البخارى، ك بدء الخلق، ب أحاديث الأنبياء 4/ 170. (¬3) من ح. (¬4) و (¬5) فى ز: خياركم، والمثبت من ح والمطبوعة. (¬6) من ح. (¬7) فى ح: اللزوم.

لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: " فَعنْ معَادِنِ الْعَرَبِ تَسأَلُونِى؟ خِيَارُهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِى الإِسْلامِ، إِذَا فَقُهُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والأخروية التى قدمناها. فلما بينوا له مرادهم، وفهم منهم السؤال عن قبائل العرب - أجابهم بمراعاة الأصول والأحساب، وأن الخيار فى الجاهلية من حاملى الأخلاق الحميدة، لذلك هم فى الإسلام إذا اتصفوا بكرم الدين والفقه فى الشريعة، ففى تنبيهه - عليه الصلاة والسلام - إلى ذلك إرشاد إلى مراعاة الأصول والأحساب، والجرى على الأعراق، [وأن] (¬1) مراعاة ذلك بالدين وتمامه شريفة بالفقه، فيتضمن [من] (¬2) كلامه فى الأجوبة الثلاث أن الكرم كله - عامًا وخاصًا، مجملاً ومعيناً - إنما هو بالدين من التقوى والنبوة والأعراق فيها والإسلام والفقه، فإذا تم ذلك أو ما حصل منه مع شرف الأب (¬3) المعهود عند الناس، فقد كان شرت الشريف وكرم الكريم. ومعنى " معادن العرب ": أصولها. وأصل المعدن، والعدن: الإقامة، ومنه: جنة عدن. ¬

_ (¬1) (¬2) من ح. (¬3) فى ح: الإباء.

(45) باب من فضائل زكرياء عليه السلام

(45) باب من فضائل زكرياء عليه السلام 169 - (2379) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّارًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان زكرياء رجلاً نجاراً ": فيه جواز اتخاذ الصنع (¬1) وتعليمها، وفضل صناعة النجارة. ¬

_ (¬1) فى الأبى: الصنائع.

(46) باب من فضائل الخضر عليه السلام

(46) باب من فضائل الخضر عليه السلام 170 - (2380) حدّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى عُمَرَ - حَدَّثَنَا سُفيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينارٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - صَاحِبَ بَنِى إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلامُ. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوَّ اللهِ، سَمِعْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَامَ مُوسَى - عَلَيْه السَّلامُ - خَطِيبًا فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ. قَالَ: فَعَتَبَ الله عَلَيْهِ؛ إِذْ لَمْ يَرُدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن نوفاً البكالى ": كذا ضبطناه عن القاضى الشهيد أبى على بكسر الباء وتخفيف الكاف، وكذا رده علينا الحافظ أبو الحسن فى غير هذا الكتاب، وضبطناه على الفقيه أبى بحر الخشينى، والشيخ أبى بحر الأسدى بفتح الباء وتشديد الكاف، وهو ضبط الشيوخ وأصحاب الحديث، والصواب الأول. وبنو بكال من حمير، وقيل: من همدان، وإليه نسب نوف بن فضالة هذا. كذا قال ابن دريد وغيره، وهو فيما قيل: ابن امرأة كعب الأحبار، وقيل: ابن أخته، يكنى بابن يزيد، وكان عالماً قاضيًا، وإمامًا لأهل دمشق. وقوله: " كذب عدو الله ": على طريق الإغلاظ والضجر على من قال: لا يصح، وقد قال قول نوف وغيره، والصحيح قول ابن عباس: " إن صاحب الخضر موسى نبى بنى إسرائيل " لا غير. وقوله: " سئل موسى: أى الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه " الحديث، وفى الرواية الأخرى: " بينما موسى فى قومه يذكرهم أيام الله - وأيام الله: نعماؤه وبلاؤه - إذ قال: ما أعلم فى الأرض رجلاً خيرًا أو أعلم منى، فأوحى الله إليه: إنى أعلم بالخير منه - أو عند من هو - إن فى الأرض رجلاً أعلم منك (¬1) "، قال الإمام: وقع فى بعض الأحاديث: " هل تعلم أحدًا أعلم منك " (¬2)، فعلى هذا لا يكون عليه عتب؛ إذ حكى عما يعلم. وأما على هذه الرواية: " أى الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم " والنبى لا يقع منه الكذب، وقد أوحى الله - عز وجل - إليه أن عبداً من عباده ¬

_ (¬1) فى ح: منه. (¬2) حديث رقم (174) بالباب.

الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِى بِمَجْمَعِ الْبحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ مُوسَى: أَى رَبِّ، كَيْفَ لِىَ بِهِ؟ فَقِيَل لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِى مِكْتَلٍ، فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهَ فَتاهُ - وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ - فَحَمَلَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - حُوتًا فِى مِكْتَل، وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَقَدَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وَفَتَاهُ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِى الْمِكْتَل، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَسَقَطَ فِى الْبَحْرِ ". قَالَ: " وَأَمْسَكَ الله عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَكَاَنَ لِلحُوتِ سَرَبًا، وَكَانَ لمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلتَهمَا، وَنَسِىَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبرَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - قَالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} " (¬1) قَالَ: " وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِى أُمِرَ بِهِ ". قَالَ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} (¬2). قَالَ مُوسَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} (¬3). قَالَ: " يَقُصَّانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم منه، فيكون المحمل أنه أراد: أنا أعلم فيما يظهر لى، ويقتضيه شاهد الحال، ودلالة نبوته - عليه الصلاة والسلام - لأنه كان من النبوة بالمكان الرفيع والعلم من أعظم المراتب، فقد يعتقد أنه أعلم الناس لهذه الجهة، وإذا كان قوله: " أنا أعلم " مراده به فى اعتقادى لم يكن خبره به كذباً. وقد اضطرب العلماء فى الخضر، هل هو نبى أم لا؟ واحتج من قال بنبوته بقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (¬4)، فدل على أن الله - عز وجل - يوحى (¬5) إليه بالأمر وهذه النبوة. وفصل الآخرون عن هذا بانه يحتمل أن يكون نبى غيره أمره بذلك عن الله تعالى، وقصارى ما فى الآية أنه ما فعله عن أمره، ولكن إذا كان المراد عن أمر الله تعالى فمن المبلغ له ليس فى الآية تعيين فيه، وقد يحتج بنبوته بكونه أعلم من موسى، ويبعد أن يكون الولى أعلم من النبى. وقوله: " عتب الله عليه ": يشبه أن يراد به أنه لم يرض قوله شرعاً وديناً. وأما العتب بمعنى المؤاخذة وتغير النفس، فلا يجوز على الله - سبحانه. قال القاضى: وقيل: إن مراد موسى بقوله: " أنا أعلم " بما تقتضيه وظائف النبوة، ¬

_ (¬1) الكهف: 62. (¬2) الكهف: 63. (¬3) الكهف: 64. (¬4) الكهف: 82. (¬5) فى ح: أوحى.

آثارَهُمَا، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرأَى رَجُلاً مُسَجى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى. فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلَّمَكَهُ الله لا أَعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلَّمَنِيهِ لا ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمور الشريعة وسياسة الأمة، والخضر أعلم منه بأمور أخر مما لا يعلمها أحد إلا بإعلام الله، من علوم غيبه بالقصص المذكورة فى خبرها، وكان موسى أعلم على الجملة والعموم بما تقدم مما لا يمكن جهل الأنبياء لشىء منه، والخضر أعلم على الخصوص بما أعلم من محنات الغيب، وحوادث القدر، وقصص الناس مما لا يعلم منه الأنبياء إلا ما أعلموا به، مما استأثر الله به من غيبه، وما قدره وسبق فى علمه مما كان، ويكون فى خلفه؛ ولذلك قال الخضر فى الحديث: " أنت على علم من علم الله علمكه لا تعلمه " (¬1)، ألا تراه كيف لم يعرف أنه موسى نبى بنى إسرائيل [حتى عرفه بنفسه أفلم يعرفه الله به، وهذا مثل قول نبينا - عليه السلام] (¬2): " إنى لا أعلم إلا ما علمنى ربى "، وقد قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَدُنَّا عِلْمًا} (¬3). وقيل فى قوله: " وعتب الله عليه ": أى [إذ] (¬4) لم يرد العلم إليه كما ردته الملائكة لقولهم: {لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} (¬5)، ولئلا يقتدى به غيره فى تزكية نفسه، والعجب بحاله فيهلك. وقيل: كان موسى أعلم من الخضر فيما أخذ عن الله، والخضر أعلم فيما دفع إليه موسى، وقيل: إنما ألجئ موسى إلى الخضر للتأديب لا للتعليم. وفى حديث الخضر وموسى جواز إخبار الرجل عن نفسه بالفضل والعلم، إذا احتاج إلى ذلك لمعنى دينى، أو لمصلحة دنيوية، لا ليقصد به الفخر والكبر، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " (¬6)، وكما قال: " أنا أتقاكم لله، وأعلمكم بما اتقى، وأشدكم له خشية " (¬7). ومعنى " يعتب الله عليه ": أى وأخذه به وعنفه عليه. وأصل العتب: المؤاخذة، يقال منه: عتب عليه إذا واخذه بذلك، وذكره له، قيل: عاتبه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك بدء الخلق، ب أحاديث الأنبباء، حديث الخضر مع موسى 4/ 189. (¬2) فى هامش ح. (¬3) الكهف ب 65. (¬4) من ح. (¬5) البقرة: 32. (¬6) سبق فى أول الكتاب، حديث رقم (3). (¬7) انظر: البخارى، ك الإيمان، حديث رقم (20) بالفتح، وهو فى مسلم فى ك الصيام حديث رقم (74) وك الفضائل حديث رقم (127، 128).

تَعْلَمُهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ -: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رَشْدًا. قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (¬1) قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى اُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} (¬2). قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسؤال موسى ربه لقيا الخضر، استدل به أهل العلم على الرحلة فى طلب العلم، وازدياد العالم لعلمه منه، وفيه فضل طلب العلم والتزيد منه، ومعرفة حق من عنده زيادة علم. وفى تزوده بالحوت، جواز اتخاذ الزاد فى السفر، وكان له فى طى ذلك آية وعلامة للقاء (¬3) الخضر. وفى شرط الخضر عليه ألا يسأله عن شىء حتى يحدث له منه ذكراً، الأدب مع العالم وترك سؤاله؛ إذا نهاه عنه لسبب يقتضيه، وأخذ العفو منه، والوقوف عند حده. وفى اعتذار موسى له بالنسيان فى الأولى والتزامه له فى الثانية إن سأله ثالثة فراق، دليل على لزوم الوقوف عند حد العلماء، وترك الاعتراض على المشايخ، ولزوم الأدب معهم، والتسليم لهم، لاسيما إذا حققوا قصورهم عن معرفة ما عندهم، كما كان حال موسى من عدم علم ما علمه الخضر من ذلك. وفيه حرص موسى على العلم، وأن حرصه على ذلك ومحبته له وتعجيل فائدته أوجب تبيانه لشرط الخضر فى ترك السؤال، ولذلك قال - عليه السلام - فى الحديث: " وددت أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما ". وفى قول الخضر لموسى: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}: احتج به مشايخنا على أن الاستطاعة لا تتقدم (¬4) الفعل، خلافاً للقدرية، وهو مما يحتج به من قال بثبوته، أو من يقول بالكرامات للأولياء وصدق فراستهم، لإخباره عن حاله من قلة الصبر. وكان كذلك حين قال له: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، ومثله قوله فى الحائط وكان مائلاً فأقامه بيده، وأن تحته كنز اليتيمين هذا فأقامه. وفى إعلامه بأن وراء السفينة ملكاً يأخذ كل سفينة غصباً، وما أخبر من حال الغلام ¬

_ (¬1) الكهف: 66 - 69. (¬2) الكهف: 70. (¬3) فى ز: للفتى، والمثبت من ح. (¬4) فى ح: تقدم.

الْبَحْرِ، فَمَرَّتُ بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا؛ فَعَرفُوا الْخَضِرَ فَحَملُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} (¬1). قَالَ: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (¬2) ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ برَأسِهِ، فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نَكْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلَ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (¬3) قَالَ: وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى. قَالَ: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا. فَانطَلَقَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقصة أبويه، وكله مما لا يعلمه إلا نبى أو ولى صفى بوحى من الله، أو إلهام وبحديث ملك. وفى فراقهما بعد ثلاث قصص، حجة على أن ثلاثة مجالس أو ثلاث مقالات أو ثلاثة أيام، أو ثلاثة آجال، فى الاعتذارات، والانتظار، والتلوم، والإحسار، والعهد وغير ذلك منها فى ضرب الأجل، وكذلك فى استتابة المرتدين، وتكرار الخصومات مع الوكيل، واجتناب المضرات وأصل الخيار عند بعض العلماء، وإنذار حيات البيوت، والاستئذان، وتشميت العاطس، وأمد المهاجرة، وإقامة المسافر مما جاء منه فى كتاب الله تعالى، وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - وارتضاه أئمة الفقهاء لمصالح الأمة. وفى خبرهما جواز الاستطعام والسؤال عند الحاجة، والاستئجار على البناء، وأكل مثل ذلك لقوله: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (¬4)، وجواز استئجار السفن لقوله: أدخلونا (¬5) بغير نول، فدل على جواز النول. وفيه إكرام الفاضل، والعالم وخدمته، وجواز محاشاته مما يلزم غيره، وترفيهه عما لا يرق به غيره. وفيه الحكم بالظاهر فى الأمور حتى يتبين خلافها؛ لقوله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّة}. وفيه إنكار المنكر والشدة فيه، والغلظة على فاعله؛ لقوله: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}. وفيه استقباح الإساءة للمحسن؛ لقوله فى أصحاب السفينة إذ خرقها: " حملونا بغير نول ". ¬

_ (¬1) الكهف: 71. (¬2) الكهف: 72، 73. (¬3) الكهف: 74، 75. (¬4) الكهف: 77. (¬5) فى ح: حملونا.

حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} (¬1). يَقُولُ: مَائِلٌ. قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَأَقَامَهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} (¬2). قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرْحَمُ الله مُوسَى، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا ". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَتِ الأُوَلَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا ". قَالَ: " وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، ثُمَّ نَقَرَ فِى الْبَحْرِ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِى وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ الله، إِلا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ ". قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ يَقْرَأُ: وَكَان أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا. وَكَانَ يَقْرَأُ: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ كَافِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنكار مكافأة المسلمين بالإحسان فى بعض الأمور، لاسيما عند الحاجة، وأن المعروف إنما يجب أن يوضع عند العلة لقوله: " قوم أتيناهم فلم يضيفونا لو شئت لاتخذت عليه أجراً ". وفى قول الخضر أولاً: {أَلَمْ أَقُلْ إنَّكَ} (¬3) وفى الثانية: {لَمْ أَقُلْ لك} (¬4) وفى الثالثة: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِك} لين الكلمة، والإغضاء للمتعلم أولاً وإن خالفه واعترض، وكذلك الصفح عن ذى المظلمة ممن لم يعرف منه قبل، فإن عاد زجر وأغلظ له القول، وهو كقوله له فى الثانية: {أَلَمْ أَقُلْ لك} قال فى الحديث: " وهذه أشد من الأولى "، فإن عاد الثالثة عوقب بالهجر والإبعاد أو غيره من العقاب. وأختلف العلماء فى أيهما أشد من قول موسى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا [إِمْرًا] (¬5)} (¬6) وهو نكراً؟ فقيل: " إمرًا " أشد من " نكرا "؛ لأن الشىء الإمر العظيم، فإن فى خرق السفينة هلاك جماعة وإفساد أموالهم، وليس فى قتل الغلام إلا هلاك واحد. وقيل: النكر أشد؛ لأنه قاله عند مباشرة القتل، وتحقق وفاة النفس، والأولى مظنونه، وقد يسلمون كما كان، وليس فيه تحقق إلا إفساد المال من خرق السفينة. ¬

_ (¬1) الكهف: 76، 77. (¬2) الكهف: 77، 78. (¬3) الكهف: 72. (¬4) الكهف: 75. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬6) الكهف: 71.

171 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى الَّذِى ذَهَبَ يَلْتَمِسُ العِلْمَ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ. قَالَ: أَسَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَذَبَ نَوْفٌ. 172 - (...) حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ بَيْنَمَا مُوسَى - عَلَيْه السَّلامُ - فِى قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ الله - وَأَيَّامُ الله نَعْمَاؤُهُ وَبَلاؤُهُ - إِذْ قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِى الأَرْضِ رَجُلاً خَيْرًا أَوْ أَعْلَمَ مِنِّى ". قَالَ: " فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ: إِنِّى أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ مِنْهُ، أَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ، إِنَّ فِى الأَرْضِ رَجُلاً هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، فَدُلَّنِى عَلَيْهِ ". قَالَ: " فَقِيلَ لَهُ: تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا، فَإِنَّهُ حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ ". قَالَ: " فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فحمل حوتاً فى مكتل ": المكتل، بكسر الميم: الزنبيل وهى القفة. وقوله: " فأمسك الله عنه جرية الاء حتى كان مثل الطاق ": الطاق: عقد البناء، وحمعه طيقان وأطواق، وهى الأزاج والأقواس، وما عقد أعلاه من العلو (¬1) وتحته خالياً، كما قال تعالى: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} (¬2)، والسرب: شق تحت الأرض، ومنه سرب الثعلب، وهذا مثل قوله فى الحديث الآخر: " فاضطرب الحوت، فجعل لا يلتئم عليه الماء صار مثل الكوة ". الكوة بفتح الكاف أشهر منها بضمها، وقد حكى الضم، وأخبرنا بعض مشايخنا عن أبى العلاء المعرى أنه كان يقول: إذا كانت نافذة فهى بالفتح، وإذا كانت غير نافذة [فهى] (¬3) بالضم. وقوِله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا}: قيل: المراد بذلك موسى، فأضيف النسيان إليه، كما قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} (¬4)، فإنما يخرج من الملح لابن الجلود، قيل: نسيان موسى هنا أنه لم يتقدم ليوشع فتاه بالتعهد له ومن يوشع حقيقة. وقوله: {نَصَبًا}: أى تعبا. وقوله: " فإذا هو بالخضر مسجى ثوباً " (¬5): أى مغطى به كله، كتغطية الميت [وجهه ¬

_ (¬1) فى ح: البناء. (¬2) الكهف: 61. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) الرحمن: 22. (¬5) حديث رقم (170) بالباب.

حَتَّى انْتَهيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَعُمِّىَ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ وَتَرَكَ فَتَاهُ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِى الْمَاءِ، فَجَعَل لا يَلتَئمُ عَلَيْهِ، صَارَ مِثْلَ الْكُوَّةِ ". قَالَ: " فَقَالَ فَتَاهُ: ألا أَلْحَقُ نَبِىَّ الله فَأَخْبِرَهُ؟ " قَالَ: " فَنُسِّىَ، فَلَمَّاَ تَجَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} (¬1) ". قَالَ: " وَلَمْ يُصِبْهُمْ نَصَبٌ حَتَّى تَجَاوَزَا ". قَالَ: " فَتَذكَّرَ. قَالَ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِية إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا. قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} (¬2). فَأَرَاهُ مَكَانَ الْحُوتِ. قَالَ: هَهُنَا وُصِفَ لِى ". قَالَ: " فَذَهَبَ يَلْتَمِسُ، فَإِذَا هُوَ بِالْخَضِرِ مُسَجى ثَوْبًا، مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْقَفَا - ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجليه وجميعه، ألا تراه كيف قال: " فكشف الثوب عن وجهه ". وأصله، (¬3) من سجا الليل: إذا غطى سواده النهار، وقد جاء فى كتاب البخارى مبيناً، قال: " قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه " (¬4). وقوله: " مستلقياً على القفا - أو [قال] (¬5): على حلاوة القفا " بفتح الحاء. قال صاحب العين: هو وسطه. فيه جواز النوم كذلك وهو الاستلقاء. والاستلقاء [بل هو] (¬6) مستحمب عند بعضهم للتفكير فى ملكوت السماوات والأرض. يقال: حَلاوة القفا وحُلاوة القفا، بالفتح والضم. وقال أبو عبيد: بالضم، قال: ويجوز بالفتح وليس بمعروف، وحلاوة القفا بالفتح ممدود، وحلاوى بالضم مقصور. وحكى أبو على: حلاوا [القفا] (¬7) ممدود أيضاً. وفى بعض روايات البخارى: أنه وجده على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى بثوبه (¬8). وكبد البحر: وسطه، وكبد كل شىء: وسطه. والطنفسة: بساط صغير كالنمرقة، يقال بكسر الطاء والفاء وضمهما، وبكسر الطاء وفتح الفاء، وهو الأصح. وحكى أبو حاتم فتح الطاء وكسرها. وقوله: " فقال - يعنى موسى -: [عليكم السلام] (¬9) ": فيه تسليم الماشى والمجتاز على المقيم، والقاعد والمضطجع. ورد الخضر عليه [ثم] (¬10) قال: " أنّى بأرضك السلام؟! "، أى من أين يأتى، بمعنى حيث وكيف وأين ومتى. وهذا يدل أن السلام لم يكن عندهم معروفاً إلا فى خاصة الأنبياء والأولياء، أو كان موضع لقياهم ببلاد ¬

_ (¬1) الكهف: 62. (¬2) الكهف: 63، 64. (¬3) من هامش ح. (¬4) البخارى، ك التفسير، ب {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} 6/ 113. (¬5) من هامش ح. (¬6) لفظة زائدة ليس لها معنى، والكلام يستقيم بدونها. (¬7) فى هامش ح. (¬8) البخارى، ك التفسير، ب {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} 6/ 113. (¬9) فى ح: السلام عليكم. (¬10) من ح.

أَوْ قَالَ: عَلَى حُلاَوَةِ الْقَفَا - قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، قَالَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ، مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: وَمَنْ مُوسَى؟ قَالَ: مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ. قَالَ: مَجِىءٌ مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتُعَلمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا. قَالَ: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} (¬1). شَىْءٌ أُمِرْتُ بِهِ أَنْ أَفْعَلَهُ إِذَا رَأَيْتَهُ لَمْ تَصْبِرْ. قَالَ: {قَالَ سَتَجِدُنِي إن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا. فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} (¬2). قَالَ: انْتَحَى عَلَيْهَا. قَالَ لَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: {أَخَرَقْتَهَا لِتُفْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (¬3). فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ. قَالَ: " فَانْطَلَقَ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الكفر ومن لا يعرف السلام. وقوله: " يجىء ما جاء بك ": كذا ضبطناه مرفوعاً غير منون عن أبى بحر، ومنوناً عند غيره، وتنوينه أظهر، ومعناه: أى يجىء لأمر عظيم جاء بك، وقد تجىء " ما " للتعظيم والتهويل لقوله: " لأمر ما تدرعت الدروع، ولأمر ما سود من سود " (¬4)، ويكون " جاء بك " خبر هذا المبتدأ. وقوله: " فحملوهما بغير نول "، قال الإمام: يعنى بغير جعل. والنول والنوال: العطاء. وقوله: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}: الإمر: العجب، والإمر من أسماء الدواهى. قال القاضى: وقيل: النوال (¬5): الجعل. والنال والنيل والنوال: العطاء ابتداء. وقوله: " فانتحى عليها ": يريد السفينة، يريد: اعتمد عليها وقصد خرقها. قيل: وفى خرقه السفينة مخافة أخذ الغاصب لها حجة فى النظر فى المصالح للخلق فى [أخف] (¬6) الشرين، والإغضاء على بعض المناكر مخافة أن يتولد من تغييرها ما هو أشد وأكبر، وجواز فساد بعض المال لصلاح بقيته. وفيه خصاء (¬7) بعض الأنعام لسمنها وقطع بعض آذانها لتتميز. وفى قتل الغلام دليل على مراعاة الذرائع وقطع أسباب الشر. ¬

_ (¬1) الكهف: 67، 68. (¬2) الكهف: 69 - 71. (¬3) الكهف: 71 - 73. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) فى ح: النول. (¬6) من ح. (¬7) فى ح: خصى.

أَحَدِهِمْ بَادِىَ الرَّأىِ فَقَتَلَهُ، فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - ذَعْرَةً مُنْكَرَةً. قَالَ: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَّاكية بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} (¬1). فَقَالَ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْدَ هَذَا الْمَكَانِ -: " رَحْمَةُ الله عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى، لَوْلا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ. قَالَ: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا} (¬2) وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ ". قَالَ: وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَدأَ بِنَفْسِهِ: " رَحْمَةُ الله عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِى " كَذَا: رَحْمَةُ الله عَلَيْنَا. " فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتيا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِى الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا {فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِداَرًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} (¬3) وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: {غُلامًا فَقَتَلَهُ}: دليل على أنه كان غير بالغ. قال أهل اللغة: [الغلام: اسم للمولود من حين يولد إلى أن يبلغ، فينقطع عنه] (¬4) اسم الغلام، وهذا يرد على من ذكر أن الغلام صاحب الخضر كان بالغاً واحتج بقوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ}؛ إذ لا يقتص إلا من بالغ. ولا حجة له فى ذلك؛ إذ لا يعلم كيف كان شرعهم فى ذلك، ولعله كان عموماً فى كل نفس، بل الظاهر أن قوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ} تنبيه على إنكار قتله لمن لا يجب قتله عنده إلا للقصاص وحده. واحتج - أيضاً - قائل ذلك بقوله: " وكان كافراً " فى قراءة من قرأ كذلك، وِلا حجة فيه؛ إذ لم يثبت فى المصحف، ولأنه سماه بمآل أمره. وفى قوله: {بِغَيْرِ نفْسٍ} دليل على القصاص، وأنه كان فى شرع من قبلنا مشروعًا. وقوله فى الرواية الأخرى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا} غلماناً يلعبون، فانطلق إلى أحدهم بادى الرأى فقتله. كذا عند شيوخنا، قال الله تعالى: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي} (¬5)، قرئ بالهمز والتسهيل، فمن همز فمعناه: ابتداء الرأى وأوله، ومعناه فى هذا الحديث: أنه انطلق إليه مسارعاً لقتله دون روية، ومن لم يهمز فمعناه فى الآية: ظاهر الرأى، وهنا أيضاً ظهر له رأى فى قتله من البداء، وهو ظهور رأى بعد آخر، ويُمَدُّ البداء ويقصر، يقال: بدا لى أن أفعل كذا: أى ظهر. وقوله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زاكية} وقرئ: {زَكِيَّةً}: أى طاهرة لم تذنب ولم يبلغ الخطايا. وهذا يصحح كونه غير بالغ. ¬

_ (¬1) الكهف: 74. (¬2) الكهف: 76. (¬3) الكهف: 77، 78. (¬4) فى هامش ح. (¬5) هود: 27.

{سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا. أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1). " فَإِذَا جَاءَ الَّذِى يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً فَتَجَاوَزَهَا فَأَصْلحُوهَا بِخَشَبَةٍ. وَأَمَّا الْغُلامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ، فَلَوْ أَنَّهُ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغيَانًا وَكُفْرًا {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬2). (...) وحدّثنا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ. ح وَحدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، كِلاَهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ. بِإِسْنَادِ التَّيْمىِّ عَن أَبِى إِسْحَاقَ، نَحْوَ حَدِيْثِهِ. 173 - (...) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: " لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ". 174 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ تَمَارَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} (¬3): قيل: هو من قول الخضر، والخشية هنا على بابها، وقيل: هو من قول الله - عز وجل، ومعنى " خشينا ": عدمنا، وقيل: كرهنا. ومعنى {يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}: أى يلحق ذلك بهما. وقيل: يحملهما عليه، ومعنى {طُغْيَانًا}: أى زيادة فى الكفر واستكثارًا منه، وأصل اللفظة الزيادة، قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ} (¬4). وقوله: {خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً}: قيل: إسلامًا، وقيل: صلاحًا. {وَأَقْرَبَ رُحْمًا}: قيل: رحمة بوالديه [وبرًا] (¬5)، وقيل: ترحمًا به، وقيل: هو من الرحم والقرابة. قيل: كانت أنثى، وقيل: ذكرًا. وقوله: " وكان الغلام طبع [يوم طبع] (¬6) كافراً ": فيه حجة بينة لأهل السنة ومذهبهم فى الطبع والدين والأكنة والأغشية والحجب والسد، واشتباه هذه الألفاظ الواردة ¬

_ (¬1) الكهف: 78، 79. (¬2) الكهف: 81، 82. (¬3) الكهف: 80. (¬4) الحاقة: 11. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬6) من ح.

هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفِزَارِىُّ فِى صَاحِبِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَضِرُ. فَمَرَّ بِهِمَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِىُّ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، هَلُمَّ إِلَيْنَا، فَإِنِّى قَدْ تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِى هَذَا فِى صَاحِبِ مُوسَى الَّذِى سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَهَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأنَهُ؟ فَقَالَ أُبَىٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بَيْنَمَا مُوسَى فِى مَلأ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لا، فَأَوْحَى الله إلَى مُوسَى: بَلْ عَبْدُنَا الْخَضِرُ ". قَالَ: " فَسَأَلَ مُوسَىَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ الله لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا افْتَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ. فَسَارَ مُوسَى مَا شَاءَ الله أَنْ يَسِيرَ، ثُمَّ قَالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا} (¬1). فَقَالَ فَتَى مُوسَى - حِينَ سَأَلَهُ الْغَدَاءَ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} (¬2). فَقَالَ مُوسَى لِفتَاهُ: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} (¬3). فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأنِهِمَا مَا قَصَّ اللهُ فِى كِتَابِهِ ": إِلا أَنَّ يُونُسَ قَالَ: فَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِى الْبِحْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الشرع من أفعال الله تعالى بقلوب أهل الكفر والضلال. ومعنى ذلك عندهم: خلق الله فيها ضد الإيمان وضد الهدى، وهذا على أصلهم فى أن العبد [لا قدرة] (¬4) له إلا ما أراده الله وقدره عليه وخلقه له، خلافاً للمعتزلة والقدرية القائلين بفعل العبد من قبل نفسه، وقدرته على الهدى والضلال، والخير والشر، والإيمان والكفر. وأن معنى هذه الألفاظ تسمية الله لأصحابها وحكمه عليهم بذلك، أو خلقه تعالى على مذهب آخرين منهم علامة لذلك فى قلوبهم، أو كتبه كتابة بذلك فيها تعلم مها الملائكة الفرق بين المؤمن والكافر، أو تيسير أسباب الكفر والضلال المفضية لما قدر عليه من ذلك عند آخرين، أو خلقه ذلك عند المعتزلة فى الكفار بعد كفرهم؛ عقوبة لهم على ما ارتكبوه من كفرهم، ومنعهم من الرجوع إلى الإيمان بعده، ويخرجون عندهم عن أن يؤمروا بالإيمان أو ينهوا عن الكفر، وهذا الهوس لا ينجيهم، ولا يخلصهم من نقض أصلهم فى التعديل والتجويز ومخالفة مذهبهم فيه الذى بنوا عليه ضلالتهم. والحق الذى لا امتراء فيه أن الله يفعل ما شاء كما فى مبتدأ الذرء: " هؤلاء للجنة ولا أبالى، وهؤلاء للنار ولا أبالى " (¬5) فالذى قضى أنهم للنار طبع وختم على قلوبهم وغشاها وأكنها، وجعل من بين أيديها سدًا ومن خلفها سدًا وحجابًا مستوراً، وجعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقراً، وفى قلوبهم مرضاً؛ ليتم سابقته فيهم وتمضى كلمة ¬

_ (¬1) الكهف: 62. (¬2) الكهف: 63. (¬3) الكهف: 64. (¬4) فى ز: لا يكون، والمثبت من ح. (¬5) أحمد 5/ 239.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قضاء عليهم، لاراد لحكمه ولا معقب لقضائه، [سبحانه] (¬1) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله. وقوله: {جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} (¬2): [أى] (¬3) يسقط بسرعة. قال الكسائى: إرادة الجدار هنا ميله، وقيل: هو على مجاز كلام العرب، واستعارتنا اللفظ [هنا ميله، وقيل: هو] (¬4) لا يطابق معناه، وتشبيه منتهاه، فلما قرب الحائط من الانقضاض كان كمن يريد أن يفعل ذلك. وقوله " ولكن أخذته من صاحبه ذمامة " بفتح الذال المعجمة. قيل: معناه: استحياء، وقيل: هو من الذمام، أى لا كان [شرطه] (¬5) عليه من الفراق، وأنه لا يسأله عن شىء بعدها، قال ذو الرمة: أو تقضى ذمامة صاحب ويقال: أخذته من مذمة بالفتح والكسر معاً، وقيل: فى ذِمَّتِكَ هذا أو يقضى ذمامة، ويكافئه عليه ويطرح عنه الذم لترك مكافأته، وهذا حسن هنا لائق بهذا المكان، وذلك أنه اعتذر له أولاً [بالنسيان] (¬6)، كما قال الله تعالى عنه، وكما جاء فى الحديث: " كانت الأولى من موسى نسياناً "، وقيل: إنه لم ينس، ولكنه من معاريض الكلام، قاله أبى ابن كعب. ولم ينس فى الثانية فلم يعتذر بذلك واستحيى منه، وقال له: {إن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} (¬7). هذه معنى الذمامة، أى الاستحياء من تكرار مخالفته، وقد روى مثل هذا عن النبى - عليه الصلاة والسلام - قال: " استحى نبى الله موسى "، ويكون منِ الذم بمعنى اللوم، قال صاحب العين: وذممته ذماً: لمته، ويعضده قول الخضر هنا: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِك} (¬8). وقوله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا} (¬9): قيل: كان لوحًا من ذهب، فيه مكتوب فى جانب منه: " بسم الله الرحمن الرحيم. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم يغضب (¬10)، عجبت لمن أيقن بالموت ثم يضحك (¬11) "، وفى رواية: " عجبت لمن أيقن بالموت ثم أمِن "، وفى الرواية الأخرى: " عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها " (¬12)، وفى الرواية الأخرى: " أنا الله لا إله إلا أنا، محمد عبدى ورسولى "، وفى الشق الآخر: " أنا ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) الكهف: 77. (¬3) فى هامش ح. (¬4) سقط من ح. (¬5) فى الأبى: شارطة. (¬6) فى ز: باللسان، والمثبت من ح. (¬7) الكهف: 76. (¬8) الكهف: 78. (¬9) الكهف: 82. (¬10) فى ح: غضب. وانظر: ابن عساكر 6/ 357. (¬11) فى ح: ضحك. (¬12) الترغيب 3/ 189، ابن عساكر 6/ 357، الكنز 15/ 937 برقم (43610).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله الذى لا إله إلا أنا وحدى، لا شريك لى، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأخدمته على يديه، والويل لمن خلقته للشر وأخدمته على يديه ". وقيل: كان الكنز مالاً مدفوناً، وقيل: الموضع الذى التقيا فيه وهو مجمع البحرين، الذى نص الله عليه. قال أبى بن كعب: إفريقية. وقال ابن سيرين: القرية هى الأيلة، ورأيت فى الكتاب المظفرى أنها قرية خلف الأندلس، ورواه عن الطبرى. وقوله آخر الحديث: " وجاء عصفور حتى وقف على حرف السفينة، ثم نقر فى البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمى وعلمك من علم الله إلا مثل ما نمص هذا العصفور من البحر " (¬1): هذا على طريق التمثيل، وعلم الله لا يدخله النقص والزيادة. والمراد [ها] (¬2) هنا راجع إلى ما أخذ العصفور لا يظهر أنه نقص من البحر شيئاً لقلته فى كثرة ماء البحر وعظمته، كما لا يظهر هذا ولا يبين، حتى كأنه لم يأخذ شيئاً، كذلك ما أعلمه أنا وتعلمه أنت من معلومات الله، لا تجزئ هذه النقطة التى أخذ العصفور من البحر. ونسبة ذلك إلى معلومات الله فى التمثيل نسبة تلك إلى البحر، وهذا كقوله: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} (¬3). وذكر النقص هاهنا على المجاز، أو يرجع فى حقهما، أى ما نقص علمنا مما جهلنا من معلومات الله إلا مثل هذا فى التقدير والقلة. وقد جاء نحو ما أشرنا إليه من التمثيل مفسراً فى حديث ابن جريج فى البخارى، فقال: " ما علمى وعلمك فى جنب علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر " (¬4). فأوقع العلم هنا موقع المعلوم، وقد يؤتى بالمصدر مكان المفعول كقولهم: درهم ضرب الأمير. [وقال بعض من أشكل عليه هذا اللفظ] (¬5): والمعنى المراد بإلا هنا ولا: أى ما نقص علمى وعلمك من علم الله، ولا ما أخذ هذا العصفور من البحر، أى أن علم الله لا ينقص ولا يجوز ذلك عليه وهذا لا يضطر إليه لما بيناه. وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحمة الله علينا وعلى أخى موسى "، وقوله: وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه: " رحمة الله علينا وعلى أخى فلان ": فيه جواز بداية الإنسان بنفسه فى الأدعية وأشباهها، بخلاف ما يكون من أمور الدنيا، فإن تأخير الإنسان فيه نفسه وتقديم اسم غيره أدب. ¬

_ (¬1) حديث رقم (170) من هذا الباب. (¬2) من ح. (¬3) الكهف: 109. (¬4) البخارى، ك التفسير، ب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} 4/ 89. (¬5) سقط من ز، والمثبت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف السلف فى البداية بعنوان الكتاب، فذهب كثير منهم إلى تقديم الكاتب اسمه على اسم المكتوب إليه [ما كان. وذهب آخرون إلى تقديم اسم المخاطب المكتوب إليه] (¬1)، إلا مثل الأمير إذا كتب لمن دونه، والأب لابنه أو عبده، وما أشبه هذا. قال بعض العلماء: وفى قصة موسى والخضر أصل من أصول الشريعة عظيم، فى أنه لا حجة للعقول عليها، وأن لله أسرار فيها يطلع على بعضها، ويخفى ما شاء منها، وحكماً هو أعلم بمراده بها، فلا يجب الاعتراض بالعقول على ما لا يفهم منها، ولا ردها كما فعل أهل البدع؛ بل يجب التسليم لما صح وثبت من ذلك. وفيه أنه لا تحسن العقول ولا تقبح؛ وإنما ذلك للشرع، ألا ترى إلى ظهور قبع قتل الغلام، وخرق السفينة فى الظاهر؛ ولهذا اشتد نكير موسى لذلك، فلما أطلعه الخضر على سر ذلك ومراد الله فيه، وأن ذلك لم يقضه عن أمره، بان له وجه الحكم فيه، وكل ذلك محنة من الله وابتلاء لعباده؛ ليميز الخبيث من الطيب، وليبلو إسرارهم. وفى إخباره عن حالة السفينة لو لم تخرق من غصب الملك لها، وحالة الغلام لو لم يقتل وكبر، من إرهاق أبويه طغياناً وكفراً، دليل على [أن] (¬2) مذهب أهل الحق فى علم الله بما لا يكون. وفى جملة هذه القصة علامات كثيرة وآيات بينة للأنبياء والأولياء، وخرق العادة لهم، لاسيما على من لا يقول بنبوة الخضر، ويرى أنه ولى من أولياء الله وصفى من أصفيائه. ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) ساقطة من ح.

44 - كتاب فضائل الصحابة رضى الله تعالى عنهم

بسم الله الرحمن الرحيم 44 - كتاب فضائل الصحابة رضى الله تعالى عنهم (1) باب من فضائل أبى بكر الصديق رضى الله عنه 1 - (2381) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَعبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ - قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - حَبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ فِى الْغَارِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ. فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْن الله ثَالِثُهُمَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فضائل الصحابة قال الإمام أبو عبد الله: أما تفضيل الصحابة بعضهم على بعض، فقد ذهب فرقة إلى الإمساك عن هذا، وأنه لا يفضل بعضهم على بعض، وقالت: هم كالأصابع فى الكف، فلا ينبغى أن نتعرض للتفضيل بينهم. وقال من سوى هؤلاء بالتفضيل، واختلفوا فيه اختلافاً كثيراً. فالخطابية تفضل عمر بن الخطاب، والراوندية تفضل العباس، والشيعة تفضل علياً، وأهل السنة تفضل أبا بكر - رضى الله عنهم. واختلف القائلون بالتفضيل، هل الذى يذهبون إليه من مقطوع به أم لا؟ وهل هو فى الظاهر والباطن أم فى الظاهر خاصة؟ فذهبت طائفة إلى أن المسألة مقطوع بها، وحكى عن أبى الحسن الأشعرى ميل إلى هذا، وأن الفضل مرتب فى الأربعة على حسب ترتيبهم فى الإمامة. وأما القاضى أبو بكر بن الطيب (¬1) فإنه يراها مسألة اجتهاد، ولو أهمل أحد العلماء النظر فيها أصلاً حتى لم يعرف فاضلاً من مفضول ما حرج ولا إثم، بخلاف سائر الأصول التى الحق فيها واحد، ويقطع على خطأ المخالف، وهذه لا يقطع فيها على خطأ ¬

_ (¬1) فى ز: الخطيب، والمثبت من ح، وهو الصواب.

2 - (2382) حدّثنا عَبْدُ الله بْنِ جَعْفَرِ بْن يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمَنْبَرِ فَقَالَ: " عَبْدٌ خَيَّرَهُ الله بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَبَكَى. فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. قَال: فَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ اعْلَمَنَا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من خالف من المجتهدين. وفى المدونة: سئل مالك: أى الناس أفضل بعد نبيهم - عليه الصلاة والسلام؟ فقال: أبو بكر. ثم قال: أو فى ذلك شك؟ فقيل له: فعلى وعثمان؟ قال: ما أدركنا أحدًا ممن اقتدى به يفضل أحدهما على صاحبه، ونرى الكف عن ذلك. وقول مالك: " أو فى ذلك شك؟ " كان (¬1) يشير به إلى المذهب الذى حكيناه عن القائلين بالقطع، ولكنه أشار إلى التوفيق بين على وعثمان، وهذا مساهمة لمن حكينا عن الوقف [فى الكل] (¬2) وللمرخصة مالك بهذين. وقد مال إلى قريب من هذا أبو المعالى فقال: أبو بكر ثم عمر، ويتحالج الطيور فى عثمان وعلى - رضى الله عنهم - وهذا اللفظ نحو ما وقع لمالك. وأما الحكم بالتفضيل ظاهرًا خاصة أو باطناً وظاهرًا، فإن فى ذلك قولين للعلماء. والقاضى أبو (¬3) الطيب نصر كل واحد من المذهبين واحتج له، ولكن تعويله فى ظاهر كلامه على أنه حكم بالظاهر لا بالباطن عند الله سبحانه. وقد يكون من يظهر لنا أنه أفضل من غيره ذلك الغير عند الله أفضل منه، ولذلك وقع الاختلاف بين العلماء فى عائشة وفاطمة - رضى الله عنهما - أيتهما أفضل؟ واحتجت [كل] (¬4) طائفة بما وقع من التفضيل لمن فضلته فى بعض الأحاديث، والمسألة لا تبلغ القطع. وقد وقف الشيخ أبو الحسن الأشعرى فى هاتين وتردد فيهما. ولا معنى للتعويل على تعدية عائشة لكونها مع النبى - عليه الصلاة والسلام - فى الجنة فى درجته، وكون فاطمة مع على - رضى الله عنهما - فى درجته، ودرجة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلى من درجة على؛ لأن ذلك إنما حصلت عليه لأجل النبى - عليه الصلاة والسلام - وكون الزوجة تابعة لزوجها لا لأجل نفسها لو انفردت. وكذلك قوله فى عائشة - رضى ¬

_ (¬1) فى ح: يكاد. (¬2) فى هامش ح. (¬3) فى ح: ابن. (¬4) من ح.

وَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِى مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ، لا تُبْقَيَنَّ فِى الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلا خَوْخَةَ أَبِى بَكْرٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عنها -: " إنها فضلت على النساء كالثريد على الطعام " الحديث (¬1) كما وقع؛ لأنه من أخبار الآحاد. وقد يعارض - أيضاً - بما وقع فى فاطمة - رضى الله عنها وأرضاها - من الأحاديث، وقوله - عليه الصلاة والسلام - لها: " أما ترضين أن تكونين سيدة نساء هذه الأمة " (¬2) الحديث كما وقع. وأما عثمان - رضى الله عنه - فخلافته صحيحة وقتلته فسقة ظلمة، بغت عليه أنه [حمال الحما] (¬3)، وفضل أقاربه فى العطاء، وآوى طريد النبى - عليه الصلاة والسلام - وقد ذكر العلماء المخرج من هذا كله ولو كان مما ينقم به، ولا عذر فيه لم يوجب إراقة دمه، [رضى الله عنه] (¬4)، وقد وقف (¬5) المعتزلة فيه وفى قتله، [وهذا] (¬6) من جهلهم بالآثار وقلة رجوعهم إلى الأخبار، وإضرابهم عن تأويلها واتباع العلماء فى مسالكهم فيها. وكذلك على - رضى الله تعالى عنه - العقد له وقع بوجه صحيح، والعقد لغيره فى أيام خلافته وحياته لا ينعقد ولا يصح، ولو اتفق لمعاوية - رحمه الله تعالى - العقد فى زمنه لم يكن ذلك بعقد يعول عليه حتى يجدد له بعد موته - رضى الله عنه - ومعاوية من عدول الصحابة وأفاضلهم، وما وقع من حروب بينه وبين على وما جرى بين الصحابة من الدماء فعلى التأويل والاجتهاد وكل يعتقد أن ما فعله صواب [وسداد] (¬7). وقد يختلف مالك والشافعى وأبو حنيفة فى مسائل من الدماء حتى يوجب بعضهم إراقة دم رجل ويحرمه آخر، ولا يستنكر هذا عند المسلمين ولا يستبشع لما كان أصله الاجتهاد وبه يعبد الله تعالى العلماء، وكذلك ما جرى بين الصحابة - رضى الله عنهم - فى هذه الدماء، ومن حاول بسط طرق اجتهاده فيما وقع لهم طالع ذلك من الكتب المصنفة فيه، فقد أفرد القاضى فيه كتاباً، وذكره فى كتبه وغيره من العلماء المصنفين. ¬

_ (¬1) سيأتى فى ب فضل عائشة برقم (89). (¬2) سيأتى برقم (98) فى ب فضائل فاطمة .. إلخ. (¬3) فى ح: حما الحما. (¬4) من ح. (¬5) فى ح: وقفت، وكلاهما صحيح. (¬6) و (¬7) من ح.

(...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ سَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمًا. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: اعلم أن الفضائل والتفضيل عند العلماء مما لا يدركه القياس، إنما مداره على التوقيف. ومعنى: فلان أفضل من فلان: أى أكثر ثواباً عند الله، وأرفع منزلة لربه، وهذا مما لا يعلم إلا بتوقيف، ولا يستدل عليه بكثرة الطاعات الظاهرة؛ إذ قد يكون الثواب من الله على اليسير الخفى منها، أكثر من الكثير الظاهر وعلى صحة الإيمان وكثرة الذكر والفكر والخشية، وإن كانت الأعمال الظاهرة فيها مجال لغلبات الظنون بالتفضيل، قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض} الآية (¬1). والمشهور عن مالك وسفيان، وكافة أئمة الحديث والفقهاء، وكثير من المتكلمين ترتيب الأربعة فى الفضل حسب ترتيبهم فى الخلافة. واختلفت الرواية فى المدونة، ففى رواية بعضهم: أبو بكر ثم عمر [ثم عثمان] (¬2) وقال: أوفى ذلك شك؟ وسقط: ثم عثمان (¬3) من رواية أكثرهم. واختلف فى تأويل قوله فى الكف عن عثمان وعلى، وما تقدم فى ذلك قبل، فقيل: هو على ظاهره. وقيل (¬4): إنه رجع عنه إلى القول الأول. ويحتمل أن يكون كفه وكف من اقتدى به لما كان شجر فى (¬5) ذلك من الاختلاف والتعصب حتى كان الناس فرقتين؛ علوية وعثمانية لهذا. وقد قيل: إن سبب قوله بالتفضيل بينهما [لما] (¬6) طلبته العلوية حتى امتحن بما امتحن به رحمه الله. وذهبت طائفة من العلماء إلى أن من مات من الصحابة فى حياة النبى - عليه الصلاة والسلام - أفضل ممن بقى بعده، وهو اختيار أبى عمر بن عبد البر. فقوله - عليه الصلاة والسلام - فى بعضهم: " أنا شهيد على هؤلاء "، وتزكيته لبعضهم وصلاته عليهم، وقول النبى - عليه الصلاة والسلام - لأبى بكر: " ما ظنك باثنين الله ثالثها " (¬7) ظاهر فى قوة توكل النبى - عليه الصلاة والسلام - وجلال مكانة أبى بكر، وعظيم منزلته وفضله بالغار، وما له فيها من المزية بهذه اللقطة وغيرها. ¬

_ (¬1) البقرة: 253. (¬2) سقط من ح. (¬3) فى ح: عمر. (¬4) فى ز: وفيه، والمثبت من ح. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬6) ساقطة من ح. (¬7) حديث رقم (1) بالباب.

3 - (2383) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ أَبِى الْهُذَيْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنَّهُ أَخِى وَصَاحِبِى، وَقَدِ اتَّخَذَ الله - عَزَّ وَجَلَّ - صَاحِبَكُمْ خَلِيلاً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن أمن الناس على فى ماله وصحبته أبو بكر ": معناه: أكثرهم جوداً وسماحة لنا بنفسه وذات يده، كما جاء فى الحديث الآخر، وكما قال الله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ [بِغَيْرِ حِسَابٍ] (¬1)} (¬2) وليس يعد هذا من المن الذى هو اعتداد الصنعة، فإن المنة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجميع، وقد سماه الله أذًى وجعله مبطلاً للصدقة ومفسداً للصنعة. وفيه شكر الإحسان من الصاحب وغيره. وقوله: " عبدٌ خيره الله بين أن يؤتيه الله زهرة الدنيا ": ليريد نعيمها وعرضها، شبه بزهر الروض لحسنه. وقول أبى بكر: " فديناك بآبائنا وأمهاتنا " وبكاؤه، فيه جواز قول الرجل لآخر: " فديتك بأبى وأمى ". وقد كره ذلك الحسن وعمر وبعض السلف، وقال بعضهم: لا يفتدى أحد بمسلم، وأجازه غيرهم، وهو الذى اختار الطبرى، وتأويل ما جاء فى كراهة ذلك مرة وضعفه. وجاءت الآثار بخلاف قوله. وقوله: " وكان أبو بكر أعلمنا ": فيه شهادة السلف لأبى بكر بذلك، وفيه التعريض بالعلم للناس [وإلقاء مجملاته عليهم؛ لاختبار أفهامهم] (¬3). وقوله: "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، لكن أخوة الإسلام " وفى الرواية الأخرى: " لكنه أخى وصاحبى، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً ". اختلف المفسرون والعلماء المتكلمون فى تفسير الخلة واشتقاقها، وحقيقة معناها، ولم سمى إبراهيم الخليل خليل الله؟ ومعنى ثباتها هنا فى نبينا عليه السلام؟ وما هى الخلة التى نفى اتخاذها مع الناس وأثبتها لنفسه مع الله تعالى؟ فقيل: أصل الخلة: الافتقار ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) ص: 39. (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح.

4 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِى أَحَدًا خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ". 5 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِى سُفيَانُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الله. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِى قُحَافَةَ خَلِيلاً ". 6 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى الْهُذَيْلِ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ خَلِيلاً، لاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِى قُحَافَةَ خَلِيلاً، وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والانقطاع. والخلة: الحاجة. فخليل الله: المنقطع إليه، وقيل: لقصره حاجته على ربه، وقوله لجبريل وهو فى المنجنيق ليرمى به فى النار، قال له: " ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا "، وقيل: الاختصاص، واختاره غير واحد، وقيل: الاستصفاء. وسمى إبراهيم [خليلاً] (¬1)، لأنه يوالى فى الله ويعادى فيه، إذا جعلناه فعيلاً بمعنى فاعل، وقيل: سمى بذلك لتخلقه بخلاق (¬2) حسنة، وأخلاق كريمة شريفة. وخلة الله له: نصره، وجعله إماماً لمن بعده. وقال ابن فورك: الخلة: صفاء المودة بتخلل الأسرار، كما قال الشاعر: قد تخللت مسلك الروح منى ... وبذا سمى الخليل خليلا وقيل: أصلها: المحبة. ومعناه: الإسعاف والألطاف والتشفيع والترفيع. وقال بعضهم: الخليل من لا يتسع قلبه لسواه. قال: وهو معنى الحديث بأن حب الله تعالى لم يتوق قلبى موضعاً لسواه. وقد جاء فى أحاديث أخر أنه قال - عليه الصلاة والسلام -: " ألا وأنا حبيب الله " (¬3). ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) فى ح: بخلال. (¬3) الترمذى، ك المناقب، ب فى فضل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 5/ 548.

خَلِيلُ الله ". 7 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختلف المتكلمون أيهما أرفع درجة المحبة أو الخلة؟ أو هما سواء ومفترقان؟ فذهبت طائفة إلى أنهما بمعنى واحد، وأن الحبيب لا يكون إلا خليلاً، والخليل لا يكون إلا حبيباً. وقال بعضهم: درجة المحبة أرفع، ويحتج بالحديث المتقدم من قوله: " وأنا حبيب الرحمن "، وانما درجة نبينا - عليه الصلاة والسلام - أرفع من درجة الخليل وسائر الأنبياء. وقيل: درجة الخلة أرفع، وقد ثبت لنبينا - عليه الصلاة والسلام - بالحديث الأول ونفاها عن بقيته (¬1) مع غير الله، وقد أثبت المحبة من خديجة وعائشة وأبيها، ولأسامة وأبيه، وفاطمة وابنيها، وغيرهم. وقال: " اتبعونى يحببكم الله ". وفى حديث: " على يحبه الله " (¬2). ومحبة الله لعبده: تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتسيير ألطافه لهدايته وإضافة (¬3) رحمته عليه، هذه مبادئها، وغايتها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته، فيكون كما قال فى الحديث الآخر: " فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ولسانه الذى ينطق به " (¬4)، ومعنى هذا ما جاء فى حديث عائشة فى صفته - عليه الصلاة والسلام -: " كان خلقه القرآن، يسخط بسخطه ويرضى برضاه " (¬5)، وعبر عنه الشاعر فقال: فإذا ما نطقت كنت حديثى ... وإذا ما سكت كنت الخليلا وقوله: " ولكن أخوة الإسلام ": كذا رواية العذرى، ولغيره: " إخوة "، وكذلك اختلف فيه رواة البخارى (¬6)، ورواه بعضهم: " خلة "، وهذا اللفظ لم نجده فى كلام العرب، ولا من تكلم عليه من الشارحين وخرج له نحوها، والذى عندى - إن صحت الرواية -: ولم يكن مغيره من أخوه، وأن الألف سقطت فى اللفظ لما نقلت حركتها على ¬

_ (¬1) فى ح: نفسه. (¬2) سيأتى فى حديث رقم (32) من هذا الكتاب. (¬3) فى ح: إفاضة. (¬4) البخارى، ك الرقاق، ب التواضع 8/ 131. (¬5) أحمد 6/ 19 عن عائشة. (¬6) البخارى، ك فضائل الصحابة، ب قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سدوا الأبواب إلا باب أبى بكر " 5/ 5.

ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا إِنِّى أَبْرَأُ إِلَىَ كُلِّ خِلٍّ مِنْ خِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا اخَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، إِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الله ". 8 - (2384) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ نون " لكن " الساكنة فنطق بها: " لكن أخوة الإسلام " بضم النون، فلما سقطت فى اللفظ كتبها من لم يحسن بغير ألف وسكن النون، أو سكنها من يعرف قصد التوصل إلى الخروج من كسرة الكاف بضم الخاء بعد، وإلا فلا وجه له [عندى] (¬1) إلا هذا - والله أعلم. لكن بعض شيوخنا من النحاة كان يذهب فيه مذهباً آخر ويقول: إنه نقل حركة الهمزة إلى نون " لكن " تشبيها بالتقاء الساكنين، ثم جاء منه الخروج من الكسرة إلى الضمة فسكن النون، ومثله قوله تعالى: {لَكِنَّاْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي} (¬2) المعنى: لكن أنا، فنقل الهمزة ثم سكن وأدغم لاجتماع المثلين. وقال أبو عبيد فى الآية: لما حذفت الألف التقت نونان، فجاء التشديد لذلك. وقوله: " لا يبقين فى المسجد خَوخَة إلا خَوخَة أبى بكر " بفتح الخاءين، وهو هنا الباب الصغير [يكون] (¬3) بين المسكنين [وشبه] (¬4) ذلك. فيه دليل على أن المساجد لا تتطرق إلى الدور ولا غيرها، واختصاصه لأبى بكر بهذا دليل على فضيلته، وقد استدل به على صحة إمامته واستخلافه للصلاة، وعلى خلافته بعده. وقوله: " ألا إنى أبرأ إلى كل خلّ من خله ". كذا هو مقيد فى كتاب بعض شيوخى: " من خِله " بكسر الخاء، وغالب ظنى أنا سمعناه وقرأناه بكسرها هكذا على جميعهم. والصواب - إن شاء الله - والأوجه هنا فتحها. والخلة والخل والخلال والمخالة والمخاللة والخلالة والخلوة: الإخاء والصداقة، أى من صحبته، ومودته التى تقتضى المخاللة، وقد قال أبو إسحاق الحربى عن الأصمعى: يقال: فلان كريم الخلة، والخل والمخاللة، أى الصحبة. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) الكهف: 38. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬4) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " عَائِشَةُ " قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: " أَبُوهَا " قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " عُمَرُ "، فَعَدَّ رِجَالاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذا الحديث بعد حديث محمد بن مسلم وابن بشار بسندهما عن عبد الله قال: وحدثنا [أبو] (¬1) جعفر بن عون (¬2)، عن ابن أبى مليكة، عن عبد الله، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو كنت مُتخذاً خليلاً " بسند حميد هنا عند الطبرى [وحده] (¬3) فسقط للباقين. وقوله: من أحب إليك؟ قال: " عائشة "، قلت: من الرجال؟ قال: " أبوها "، قلت: ثم من؟ قال: " عمر "، فعد رجالاً، وقوله فى الحديث الآخر: " من كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخلفاً لو استخلف؟ قالت: أبو بكر، فقيل لها: ثم من بعد أبى بكر؟ قالت: عمر؟ ثم قيل لها: [ثم] (¬4) بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة ". قال الإمام: اختلف الناس فيمن يستحق الإمامة بعد النبى - عليه الصلاة والسلام؟ فذهب أهل السنة إلى أنه الصديق، وذهبت الشيعة إلى أنه على، وذهبت الراوندية إلى أنه العباس. فمن خالف أهل السنة رأى الترجيح بالقرابة، فقال بعضهم: علىٌّ؛ لقربه ومصاهرته، وما ظهر من علمه وشجاعته. وقال بعضهم: العباس؛ لأنه المستحق للميراث، وهو أولى به من على، فكان أولى بالخلافة. وأنكر أهل السنة أن يكون مجرد القرابة يوجب الخلافة، وإنما يوجبها الحصول على مرتبة من الدين والعلم، وغير ذلك من الأوصاف التى ذكرها العلماء فى كتب الإمامة. وقد قال - عز وجل -: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ أِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (¬5) ولسنا نقول: إن أحدًا من قرابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظالم، ولكن وجه الاستدلال أن مجرد القرابة لا يوجب الولاية إذا منع منها مانع، وهو الظلم، فكذلك إذا منع منها مانع وهو وجوباً للأفضل. وأما غلو الشيعة بقولهم: فإن علياً - رضى الله عنه - وصىُّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فباطل ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) هو أبو عون جعفر بن عون بن جعفر بن عمر بن حريث المخزومى القرشى، روى عن هشام بن سعد وهشام بن عروة وغيرهما، وعنه عبد بن حميد، وإسحاق بن منصور وابن أبى شيبة وغيرهم، وثقه ابن معين، مات سنة 207 هـ عن 99 سنة. انظر: التهذيب 2/ 101، رجال مسلم 1/ 124. (¬3) فى هامش ح. (¬4) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬5) البقرة: 124.

9 - (2385) وحدّثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدثَّنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِى عُمَيْسٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ، وَسُئِلَتْ: مَنْ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَهُ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ. فَقِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَنْ بَعْدَ أَبِى بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ. ثُمَّ قِيلَ لَهَا: مَنْ بَعْدَ عُمَرَ؟ قَالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا أصل له. وأما الصديق - رضى الله عنه - إذا أثبتنا ولايته باتفاق الصحابة عليه على وجه يوجب إمامته، فإن المحققين من أئمتنا أنكروا أن يكون ذلك بنص قاطع منه - عليه الصلاة والسلام - على إمامته. وقالوا: لو كان النص عند الصحابة لم يقع منها ما وقع عند إمامته والعقد له، ولا كان ما كان من الاختلاف، فدل ذلك على أنه رأى منهم وقع فيه تردد من طائفة ثم أستقر الأمر فانجزم الرأى عليه ويجعل هؤلاء ما وقع فى هذا الحديث: " ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " مع ما وقع من أمثاله من الظواهر التى لا تبلغ النص الجلى القاطع الذى لا يسوغ خلافه ولا الاجتهاد معه. قال القاضى: فى هذا الحديث حجة لأهل السنة أن النبى - عليه الصلاة والسلام - لم يستخلف أبا بكر ولا نص عليه، خلافاً لابن أخت عبد الواحد بن زيد من قوله بالنص على أبى بكر، وخلافاً لمن يقول (¬1) بالنص على غيره. ولو كان نصاً لما خفى عن الأنصار [فى] (¬2) طلبهم الخلافة فيه، ولا [على] (¬3) غيرهم من قريش ممن طلبها أولاً لنفسه إذا كانوا ممن لا يليق بهم خلافه ما عهده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما تخالفوا فيما وكل إلى اجتهادهم. وقول عائشة بعد ذكر عمر: " ثم أبو عبيدة بن الجراح " إنما أخبرت عن ظنها فى ذلك لا عن خبر روته عنه - عليه الصلاة والسلام - فلا حجة فيه فى تقديمه وتفضيله على عثمان وعلى، وأيضاً فإن التقديم للخلافة ليس من شرطه تقديم الأفضل، بل الاعتبار عند المحققين الأصلح للحال والأولى بالوقت إما للحاجة لشجاعته ومنته، أو لكئرة علمه ووفور (¬4) معرفته، أو لأنه أكثر قولاً (¬5) ومحبة عند رعيته، أو حذار شغب يتشغب، لتقديم الأفضل وفتنة (¬6) تحدث. وإن عقدت للمفضول دون الفاضل - لغير عذر - انعقدت عند الجمهور، خلافاً لعباد ابن سليمان والجاحظ: فيه أنه لا ينعقد إلا الأفضل. ¬

_ (¬1) فى ح: تقدم. (¬2) من ح. (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى ح: وتقوب. (¬5) فى ح: قبولاً. (¬6) فى ز: فيه، والمثبت من ح.

10 - (2386) حدّثنى عَبَّادُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ - قَالَ أَبِى: كَأَنَّهَا تَعْنَى الْمَوْتَ - قَالَ: " فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِى فَأتِى أَبَا بَكْرٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استدل بعض العلماء بتفديم الخلفاء الأربعة وترتيبهم فى الخلافة على رتبة درجاتهم ومناصبهم فى التفضيل. وهذا إنما يستقيم على القول بوجوب تقديم الأفضل بكل حال، فأما مع القول بجواز تقديم المفضول مع وجود الفاضل فلا دليل فيه على ذلك، لكنا علمنا تقديمهم وترتيبهم فى الفضائل بغير هذه الطريق وما ورد عنه - عليه الصلاة والسلام - من فضائلهم، وكثرة مناقبهم، وقدمهم فى الإسلام، وتقدمهم على ما تقدم من الاختلاف، هل ذلك على القطع أو غلبة الظن؟ وما روى عن جمهور السلف الصالح فى ذلك. وقد ذهب بعض العلماء [إلى] (¬1) أن تقديمهم للخلافة بحسب ما قدر الله - تعالى - من أنهم الأربعة سيكونون خلفاء وأئمة ومتباينة آجالهم، وأن الخلافة كما قال - عليه الصلاة والسلام - بعده ثلاثون سنة (¬2)، فيقدم أبو بكر إذا كان أولهم موتاً، فلو تقدم أحد الثلاثة لم يل الخلافة، ولا كانت مدتها واحدة وقد سبق له أن يلى، وكذلك عمر مع من بعده، وكذلك عثمان مع على، ولو تقدم على أولاً لم يل واحد منهم لموت جميعهم فى بقية عمره. وقول النبى - عليه الصلاة والسلام - للمرأة: " إن لم تجدينى ائت أبا بكر ": مما استدل به من يقول بالنص على أبى بكر. ولا حجة فيه، بل فيه من الحجة صحة إمامته، وأن النبى - عليه الصلاة والسلام - قد أخبر [أنه] (¬3) سيكون إماماً بعده، ولو لم يكن لها أهلاً لما أمر بالمجىء إليه. وقوله فى هذا الحديث: " قال أبى: كأنها تعنى الموت ". قائل هذا هو جبير بن مطعم راوى الحديث عن النبى - عليه الصلاة والسلام - كذا رواية بعضهم بياء ساكنة باثنين [تحتها] (¬4) وعند الفارسى والسجزى: " قال أبى " بباء بواحدة مكسورة. وقائل (¬5) هذا عن أبيه محمد بن جبير لعائشة فى مرضه: " ادع لى أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإنى أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمسلمين إلا أبا بكر ": فيه حجة بينة لصحة إمامته وعظم فضيلته (¬6) عند الله - تعالى - وعند ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) أبو داود، ك السنة، ب فى الخلافة، رقم (4647). (¬3) فى هامش ح. (¬4) ساقطة من ح. (¬5) فى ز. قال، والمثبت من ح. (¬6) فى ح: فضله.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرِاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرهُ؛ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَتْهُ فِى شَىْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى. 11 - (2387) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَرَضِهِ: " ادْعِى لِى أَبَا بَكْرٍ، وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا. فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأَبَى الله وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين، وتقديمه على الجميع، وعدم النص فى الإشارة لغيره جملة واحدة. ولا حجة فيه للنص عليه؛ لأنه أمرٌ هم به ولم يفعله، ودعوته لأخيها لكتاب الكتاب بذلك - والله أعلم. ومثله فى [كتاب] (¬1) البخارى:: " لقد هممت أن أوجه إلى أبى بكر وابنه وأعهد "، وفى رواية أبى ذر الهروى: " أو ابنه " مكان " أبيه ". وقال بعضهم: هو الصواب، وما فى كتاب مسلم مما لا اختلاف فيه مما قدمناه بين الصواب فى غيره، وإنما صوب ذلك وأنكر ذكر ابنه؛ إذ لم يفهم المراد بإحضاره، وقد بينه فى هذا الكتاب بقوله: " حتى أكتب كتاباً " مع إتيانه - عليه الصلاة والسلام - حينئذ متعذر عليه، أو غير ممكن إذ كان فى مرضه - عليه السلام - وتخلفه عن حضور الجماعة، والصلاة بالناس، والدور على أزواجه فكيف لغيره؟! وقوله: " فإنى أخاف أن يتمنى متمن ": يريد الخلافة. وقوله: " ويقول قائل: أنا أولى " كذا للهوزنِى، وبعضهم عن ابن ماهان، وعند أبى العباس الدلائى: " أنَّى ولاه " بتشديد النون، بمعنى كيف. وعند السمرقندى والسجزى: " أنا ولى " بتخفيف النون. وعند الطبرى: " أنا ولا ". والأول أولى، إنى أنا أولى بالأمر. وأما الدعوى بذلك وتقديم النبى لمن لم يقدم ولا يليق بأحد منهم. وقوله حتى (¬2) سأل: " من أصبح اليوم صائماً؟ "، " ومن اتبع اليوم جنازة؟ "، " ومن أطعم اليوم مسكيناً؟ " وقول أبى بكر فى جميعه: أنا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: " ما اجتمعن فى امرئ إلا دخل الجنة ": معناه - والله أعلم -: دون ¬

_ (¬1) فى ح: رواية. (¬2) فى ح: حين.

12 - (1028) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِىُّ، عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " فَمَنَ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكينًا؟ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا اجْتَمَعْنَ فِى امْرِئٍ إلا دَخَلَ الْجَنَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ محاسبة ولا مجازاة على شىء من عمل، وإلا فمجرد الإيمان يوجب بفضل الله دخول الجنة. واجتماعها فى يوم يدل على دوام السعادة، وحسن الخاتمة، ووجوب الجنة بذلك. وقوله فى كلام البقرة، وكلام الذئب، وتعجب الناس من ذلك: " آمنت به أنا وأبو بكر وعمر " وما هما فى القوم: ثقة منه - عليه السلام - وتحقيقاً لصحة إيمانهما، وقوة (¬1) يقينهما، ومعرفتهما بسلطان الله، وعظيم قدرته على ما يشاء. وفيه خرق العوائد إذا شاءها الله لمن أراد. وقوله عن الذئب: " من لها يوم السبع يوم لا راعى لها غيرى؟ ": كذا الرواية بضم الباء، قال الإمام: بعض أهل اللغة يقولون (¬2): " يوم السبْع " بإسكان [الباء، وتفسيره بأنه أراد يوم القيامة. قال بعضهم: " من لها يوم السبع ": السبع] (¬3): الموضع الذى عنده المحشر يوم القيامة، أراد من لها يوم القيامة. قال الإمام: وقد سألت بعض أئمة اللغة عن هذا، فقال لى: ما أعرف لتسمية يوم القيامة بهذا الاسم وجهاً، لكنى (¬4) أعرف فى اللغة: سبعت الرجل سبعة سبعاً: إذا طعنت عليه، فلعله لا كان يوم القيامة يوم الكشف عن المساوئ سمى بذلك اليوم سبعاً، هذا الذى ذكر لى من سألته. وقد رأيت فى بعض كتب اللغة: يقال: سبعت الأسد: إذا دعوته (¬5). قال الطرماح: فلما عوا ليث السماك سبعته ... كما أنى أحيانا لهن سبوع يصف الذئب، ويكون المعنى على هذا: من لها يوم الفزع، ويوم القيامة أيضاً يوم الفزع، وحكى صاحب الأفعال: سبعت الرجل سبعاً: وقعت فيه، والقوم صرت ¬

_ (¬1) فى ز: وقوله. (¬2) فى ح: يقول. (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى ز: لأنى، والمثبت من ح. (¬5) فى ح: زعرته.

13 - (2388) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ، قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، الْتَفَتَتْ إلَيْهِ الْبَقَرَةُ، فَقَالَتْ: إِنِّى لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّى إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ الله، تَعَجُّبًا وَفَزَعًا. أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنِّى أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا رَاعٍ فِى غَنَمِهِ، عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِى حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذَّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِى؟ " فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ الله: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنِّى أُومِنُ بِذَلِكَ، أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ سابعهم، وأيضاً أخذت سبع أموالهم، والذئاب الغنم أكلتها، وأسبعت الرجل: أهملته، وأيضاً أطعمته السبع، والراعى وقع السبع فى غنمه، والمرأة ولدت لسبعة أشهر، والقوم صاروا سبعة. هذا جملة ما حكاه من تصريف هذه اللفظة فى معان مختلفة. ويحتمل مما ذكره أن يريد يوم السبع: يوم أكلى لها، لقوله: سبع الذئب الغنم؛ أكلها. وإن صح أن يشتمل الثلاثى هاهنا مكان الرباعى كما قال - عز وجل -: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} (¬1) صح أن يريد: من لها يوم الإهمال، كما حكى: أسبعته أهملته، ويكون المراد به نحو ما يراد برواية من روى: " من لها يوم السبع يوم لا راعى لها سواى " إذا كان المعنى فقد الحارس لها، والمانع منها. قال القاضى: قال بعضهم: " يوم السبع ": يريد بالسكون، عيد كان فى الجاهلية يشتغلون فيه بلعبهم، فيأكل الذئب فيه غنمهم. وقال [غيره] (¬2): إنما هو البيع، بياء باثنتين تحتها، أى يوم الضياع أسبعت، وأمنعت بمعناه. وقال الداودى: معنى " يوم السبع ": إذا طردك عنها السبع ولقيت أنا فيها، أتحكم لفرارك منه. قال الحربى: وقد قرأ الحسن: " وما أكل السَّبْع "، وكذا رواه بعضهم فى الحديث: " يوم السبْع ". ¬

_ (¬1) نوح: 17. (¬2) فى هامش ح.

(...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، قِصَّةَ الشَّاةِ وَالذِّئْبِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الْبَقَرَةِ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِىُّ، عَنْ سُفيَانَ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَفِى حَدِيثِهِمَا ذِكْرُ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ مَعًا. وَقَالا فِى حَدِيثِهِمَا: " فَإِنِّى أُومِنُ بِهِ، أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " وَمَا هُمَا ثَمَّ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مسْعَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ سَعْدِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الباب فى حديث محمد بن عباد: رفعه عن الأعرج عن أبى سلمة، عن أبى هريرة. كذا هو عند [جميع شيوخنا وأكثر الرواة، وسقط عند] (¬1) بعض الرواة عن أبى هريرة. وإثباته فى هذا الحديث الصواب. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح.

(2) باب من فضائل عمر رضى الله تعالى عنه

(2) باب من فضائل عمر رضى الله تعالى عنه 14 - (2389) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فِيهِمْ. قَالَ: فَلَمْ يَرُعْنِى إِلا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِى مِنْ وَرَائِى، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِىٌّ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَّى أَنْ أَلْقَى الله بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ. وَايْمُ الله، إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَاكَ أَنِّى كُنَتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ". فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو - أَوْ لأظُنُّ - أَن يَجْعَلَكَ الله مَعَهُمَا. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى عمر: " وضع على سريره فتكنفه الناس يدعون له " أى أحاطوا بأكتافه، أى جهاته، والسرير هنا النعش. وقوله: " فلم يرعنى إلا رجل أخذ بمنكبى فإذا هو على، فترحم على عمر " إلى آخر الحديث، يعنى: فلم يرعنى، أى لم ينبهنى مما كنت فيه ولم يلهمنى لغيره، ومنه فى الحديث " إن منكم محدثين ومروعين " أى ملهمين. وفى هذا الحديث حجة على الشيعة وتكذيب دعواهم على علىّ فى عمر، وسوء اعتقادهم فيه، وشهادته بفضله وفضل أبى بكر، وبفضل النبى - عليه الصلاة والسلام - لهما، وتخصيصه لهما. وفيه صدق ظن على - رضى الله عنه -[وصحة] (¬1) حسبانه فى أن يدفن عمر مع صاحبيه لما ذكر فى الحديث. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

15 - (2390) حدّثنا مَنْصْورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ ابْنِ كَيْسَانَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لَهُمْ - قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلَغُ الثُّدِى، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ. وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ ". قَالُوا: مَاذَا أوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " الدِّينَ ". 16 - (2391) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَن أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ، فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّى لأَرَى الرِّىَّ يَجْرِى فِى أَظْفَارِى، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الْعِلْمَ ". (...) وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كِلاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ. بِإِسْنَادِ يُونُسَ، نَحْوَ حَدِيثهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى رؤياه - عليه الصلاة والسلام -: " ومر عليه عمر وعليه قميص يجره "، وذكر أنه تأوله " الدين ": قال أهل العبارة: تأويل القميص بالدين من قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (¬1)، يريد نفسك وعملك وإصلاح عملك ودينك، على تأويل بعضهم لأن العرب تعبر عن العفة بنقاء الثوب والمئزر؛ لأن الله تعالى يسمى الثياب لباس التقوى، وجَرّهُ لها فى النوم عبارة عما فضل عن صاحبه منها فانتفع الناس به بعده واقتفوا به. من الاقتداء به أثره، وفارق ذم جره فى الدنيا له احتيال المذموم. وقوله فى رؤياه شرب اللبن: " ودفع فضله بعد شربه إلى عمر "، وأنه تأوله العلم؛ لما كان اللبن فيه صلاح الأبدان وغذاء بنى آدم وما شابههم وفطرتهم، عبر فى المنام بالعلم الذى فيه صلاح أمورهم فى دينهم ودنياهم. وقد تدل على الحياة؛ إذ [به] (¬2) كانت أولاً فى الدنيا، ويدل على الثواب لأنه مذكور فى أنهار الجنة. ¬

_ (¬1) المدثر: 4. (¬2) فى هامش ح.

17 - (2392) حَدّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى عَلَى قَلِيبٍ، عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ الله، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِى نَزْعِهِ، وَالله يَغْفِرُ لَهُ، ضَعْف، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رأيتنى على قليب عليها دلو، فنزعت ما شاء الله، [ثم] (¬1) أخذها ابن أبى قحافة - فى رواية: ليروحنى - نزع بها ذنوباً أو ذنوبين وفى نزعه، والله يغفر له، ضعف، ثم استحالت غرباً، فأخذها ابن الخطاب [فلم أر عبقرياً يبرئ قربة] (¬2) "، وفى الرواية الأخرى: " فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر، حتى روى الناس وضربوا العطن "، وفى الرواية الأخرى: " حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر ": القليب: البئر غير مطوى. والغرب: الدلو الكبير، والذنوب: الدلو إذا كانت ملأى ماء، والنزع [الإشقاء وجبذ الدلو باليد، ولا يقال: النزع، إلا لما هو باليد، يقال منه: نَزعَ] (¬3) بالفتح ينزع. هذا ضرب مثل لحاله - عليه الصلاة والسلام - مع أمته وقيامه بامرهم، وقيام أبى بكر وعمر بعده، وصفة حالتهم فى الخلافة واستقرار الأمور واتساع الإسلام، وكثرة الفىء والخير، واستقرار الشريعة والعلم والفقه فى الدين أيام عمر. فعبر القليب والبئر والحوض - على اختلاف [ألفاظ] (¬4) الحديث - بأمر المسلمين لما فيها من الماء الذى به حياتهم وصلاحهم، وجمع الماء فيها كما جمع من [الأموال والكنوز] (¬5)، وشبه وليهم بالمستقى منها، وسقيه للناس بقيامه بمصالحهم وتدبيره أمورهم. وذكر: نزع أبو بكر ذنوباً أو ذنوبين، إشارة إلى سنى خلافته. ولعل هذا شك من الراوى، والصحيح: " ذنوبين "؛ لكون خلافته سنتين؛ ولذا جاء بغير شك فى الرواية الأخرى: " فنزع ذنوبين ". وقوله: " وفى نزعه ضعف (¬6) ": ليس أن ذلك مما حط من فضله [ولا] (¬7) ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬2) سقط من ح. (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى هامش ح. (¬5) فى ز: المال واللون، والمثبت من ح. (¬6) فى ز: ضعيف، والمثبت من ح والمطبوعة. (¬7) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(...) وحدّثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، بِإِسْنَادِ يُونُسَ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. (...) حدّثنا الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ الأَعْرَجُ وَغَيْرُهُ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُ ابْنَ أَبِى قُحَافَةَ يَنْزِعُ " بِنَحْوِ حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. 18 - (...) حدَّثنى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّى عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَن أَبَا يُونُسَ - مَولَى أَبِى هُرَيْرَةَ - حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنِّى أَنْزِعُ عَلَى حَوْضِى أَسْقِى النَّاسَ، فَجَاءَنِى أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِن يَدِى لِيُرَوِّحَنِى فَنَزَعَ دَلْوَيْنِ، وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَالله يَغْفِرُ لَهُ. فَجَاءَ ابْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ مِنْهُ، فَلَمْ أَرَ نَزْعَ رَجُلٍ قَطُّ أَقْوَى مِنْهُ، حَتَّى تَوَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ أثبت (¬1) فضل عمر عليه بقوة نزعه، وإنما هو إخبار عن حالتى ولايتهما وصفة الأمة معهما وقصر ولاية أبى بكر وطول ولاية عمر، وأن مدة أبى بكر كان فيها من تفرق كلمة العرب بعده بالردة، وشغل المسلمين بحربهم أكثر أيامه ما لم يتفرغوا معه لقتال غيرهم، وفتوح بلاد الكفرة، وغنائم أموالهم إلا فى أخريات أيامه؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: " والله يغفر له " عند بعضهم تعريفاً بأن الله قد غفر له، وجازاه على ما عاناه من حرب أهل الردة، والأشبه عندى فى هذا أنه دعم للكلام وصلة له. وقد جاء فى الحديث: كانت كلمته يقولها المسلمون: " افعل كذا والله يغفر لك "، ثم اتسع ذلك أيام عمر وطالت مدته، وكثرت الفتوحات معه وكثرت الجبايات، واتسع نطاق الإسلام، وامتلأت أيديهم من الغنائم (¬2)، ومصرت الأمصار، ودونت الدواوين. وفى قوله هذا كله إشارة (¬3) لخلافتهما، وإعلام بولايتهما واتباعه فى صلاح حال المسلمين وتدبير أمورهم ورضاة حالهم. وفى قوله: " ثم أخذها ابن أبى قحافة ليروحنى ": تنبيه على نيابته عنه وخلافته بعده وأحقه - عليه الصلاة والسلام - بموته من تعب الدنيا، ومعاناة الأمة، ومقاساة تدبيرهم. ¬

_ (¬1) فى ز: فأثبت، والمثبت من ح. (¬2) فى ح: المغانم. (¬3) فى ز: إثبات، والمثبت من ح.

النَّاسُ، وَالْحَوْضُ مَلآنُ يَتَفَجَّرُ ". 19 - (2393) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُرِيتُ كَأَنِّى أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، فَنَزَعَ نَزْعًا ضَعِيفًا، وَالله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَغْفِرُ لَهُ. ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَقَى، فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرْيَهُ، حَتَّى رَوِىَ النَّاسُ وَضَرَبُوا الْعَطَنَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فاستحالت غرباً ": أى صارت وتحولت عن حالها الأول من الصغر إلى الكبر. وقوله: " فلم أر عبقرياً "، قال الإمام: قال أبو عبيد: قال الأصمعى: سألت أبا عمرو بن العلاء عن العبقرى فقال: يقال: هذا عبقرى قومه، كقولهم: سيد قومه وكبيرهم وقويهم. قال القاضى: قال أبو عبيد: وأصله فيما يقال: إنه نسب إلى عبقر، أرض يسكنها الجن، فصارت مثلاً لكل منسوب إلى شىء رفيع، ويقال: بل هى أرض يعمل فيها الوشى والبرود، وينسب إليها الوشى العبقرى، قال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَان} (¬1) [قال ابن دريد: فإذا عجبوا من شدة شىء ومصابه واستحسنوه نسبوه إلى عبقر] (¬2). قال الحربى عن بعضهم: عبقر أرض الحجاز. وفى البارع عن أبى عبيدة: العبقرى من الرجال: الذى ليس فوقه شىء. وقوله: " يفرى فريه ": بكسر الراء وتشديد الياء وسكون الراء أيضاً، وبالوجهين ضبطناه عن شيوخنا أبى الحسين وغيره، وأنكر الخليل التثقيل وغلط قائله. معناه: يعمل عمله، ويقوى قوته. قال الإمام: أى يعمل عمله، ويقطع قطعه، والعرب تقول: تركته يفرى الفرى: إذا عمل العمل فأجاد. ¬

_ (¬1) الرحمن: 76. (¬2) فى هامش ح.

(...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنهما - بِنَحْوِ حَدِيثهِمْ. 20 - (2394) حدّثنا مَحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو وَابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَا جَابِرًا يُخْبِرُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا أَوْ قَصْرًا. فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ " فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَىْ رَسُولَ اللهِ، أَوَ عَلَيْكَ يُغاَرُ؟! (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو وَابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا. ح ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: يقال: فلان يفرى الفرى، أى يعمل العمل البالغ، ومنه قوله: {لَقَدْ جِئْتِ شيْئًا فَرِيًّا} (¬1) أى عظيماً عجباً، يقال: فريت إلى قطعت وشققت على جهة الإصلاح، وأفريت إذا فعلته للإفساد، ومنه قول حسان: لأفريتهم فرى الأديم قال الإمام: وقوله: " حتى ضرب الناس بعطن ": قال ابن الأنبارى: معناه: رووا إبلهم فأبركوها، فضربوا لها عطناً، يقال: عطنت الإبل فهى عاطنة وعواطن: إذا بركت عند الحياض لتعاد إلى الشرب مرة أخرى، وأعطنتها أنا. قال القاضى: ظاهره أنه راجع (¬2) إلى سياسة (¬3) عمر وخلافته، وقيل: هذا عائد (¬4) إلى نظر أبى بكر وعمر، وأن ينظرهما معاً، ثم هذا وضرب الناس بعطن؛ لأن أبا بكر - رضى الله عنه - قمع أهل الردة وألف شمل المسلمين، ونظم أمرهم، وابتدأ الفتوح، ثم تمت إمرة عزة المسلمين، وظهورهم على فارس والروم، واستمرت وامتدت أيام عمر. ¬

_ (¬1) مريم: 27. (¬2) فى ح: عائد. (¬3) فى ز: شهامة، والمثبت من ح. (¬4) فى ح: راجع.

وَحَدَّثَنَاهُ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرِ. 21 - (2395) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَوَضَّأُ إلَى جَانِبِ قَصْرٍ. فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَذَكَرْتُ غَيْرَةَ عُمَرَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا فِى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، أعَلَيْكَ أَغَارُ؟! (...) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 22 - (2396) حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى. وَقَالَ حَسَنٌ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى روى الناس ": بكسر الواو، ويفسر معنى " ضرب الناس بعطن ". يقال: روى من الشراب والماء: إذا أخذ منه حاجته. قوله: " دخلت الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ": كذا رويناه فى جميع الأصول إلا فى غريب ابن قتيبة، فإنه رواه: " [شعرها] (¬1) " من كان يتوضأ. وفسرها بالحسنة، وقد ذكر ثعلب عن ابن الأعرابى أن الشوهاء الحسنة والقبيحة من حروف الأضداد، ولكن المعروف فى هذا الحديث تتوضأ كما ذكرناه. وفى قوله: " فذكرت غيرتك " فضل الغيرة؛ فإنها من خلق الفضلاء المحمودة. وجاء فى الحديث: " إنما كانت رؤياه فى المنام "، وهذه من رؤيا الوحى التى هى على وجهها دون تأويل. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

سَعْدًا قَالَ: اسْتَأَذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ. فَلَمَا اسْتَأَذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ الَّلاِتى كنَّ عِنْدِى، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ " قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَىْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِى وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْنَ: نَعَمْ. أَنْتَ أَغْلَظُ وَأفَظُّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ". (2397) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِى سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وعند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساء يسألنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن ": معنى " يستكثرنه " أى يطلبن كثيرًا من كلامه وجوابه وحوائجهن عنده، أو يكثرن عليه من السؤال والكلام. وقوله: " عالية أصواتهن ": يحتمل أنه قبل النهى عن رفع الصوت [فوق صوته] (¬1) وقيل: قد تكون علو أصواتهن لاجتماع كلامهن وكثرة أصواتهن لكثرة عددهن، لأن (*) كلام كل واحدة أعلى من كلامه - عليه الصلاة والسلام. وقولهن: " أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هما بمعنى، وهو عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب، ولا يكون " أفعل " هنا للمفاضلة، بل بمعنى فظ غليظ، وقد يصح وصفها للمبالغة، وأن القدر الذى منها فى حق النبى - عليه الصلاة والسلام - فى ذات الله على الكفار، كما قال: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (¬2). وفى تعبير انتهاك حرمة الله تعالى معتدل، وعلى قدر ذلك، وعند عمر زيادة فى ذلك، وفى معاملة الناس وعشرتهم. وفيه دليل على أن خفض الجناح ولين الجانب والإغضاء أفضل؛ إذ كان خلقه - عليه الصلاة والسلام - قال الله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم} (¬3)، وقال: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) التوبة: 73، التحريم: 9. (¬3) التوبة: 128. (*) قال معد الكتاب للشاملة: لعل صوابها: "لا أن"، ومما يدل على ذلك ما نقله النووي في شرحه على مسلم (15/ 164) عن القاضي عياض، أنه قال: قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا قَبْل النَّهْي عَنْ رَفْع الصَّوْت فَوْق صَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عُلُوّ أَصْوَاتهنَّ إِنَّمَا كَانَ بِاجْتِمَاعِهَا [[لا أَنَّ]] كَلَام كُلّ وَاحِدَة بِانْفِرَادِهَا أَعْلَى مِنْ صَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

رَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا اسْتَأذَنَ عُمَرُ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. 23 - (2398) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " قَدْ كَانَ يَكُونُ فِى الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُن فِى أُمَّتِى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ ". قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (¬1)، وأن الغلظة والفظاظة فى ذات الله تعالى غير مذمومة. وقوله: " ما لقيك الشيطان سالكاً قط فجًّا إلا سلك [فجًّا] (¬2) غير فجك ": الفج: الطريق الواسع، وهو - أيضاً - المكان المنحرف بين الجبلين .. يحتمل أن يكون الكلام على وجهه، وأن الشيطان يهابه ويرهبه ويهرب متى لقيه أمامه، وسياق الحديث يدل على أن المقصود هيبته. ويحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشيطان وأعوانه منه ومن مذاهبه، وأنه فى جميع أموره سالك طريق الهدى والدين وما يقرب من الله، خلاف ما يامر به الشيطان ويحض عليه. وقد يحتمل أن يكون المراد به عصمته من الشيطان وإغوائه إياه، وأن جميع مسالكه على الهدى بعيدة من زيغ الشيطان. ذكر مسلم حديث أبى الطاهر عن ابن وهب، عن إبراهيم بن سعد (¬3)، عن أبيه عن أبى سلمة، عن عائشة، عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد كان فى الأمم محدثون " الحديث، قال الإمام: ذكر مسلم عن ابن وهب أن تفسيره: ملهمون (¬4). وقال غيره: " محدثون ": قوم مصيبون إذا ظنوا، فكأنهم حدثوا بشىء فقالوه. قال القاضى: وقال ابن القابس وغيره: معناه: تكلمهم الملائكة، كما جاء فى الحديث الآخر: " يكلمون ". وقال البخارى: [معناه] (¬5): يجرى على ألسنتهم الصواب. ¬

_ (¬1) آل عمران: 159. (¬2) من ح. (¬3) فى ح: سعيد. (¬4) فى ز: يلهمون، والمثبت من ح والمطبوعة. (¬5) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عَجْلاَن، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 24 - (2399) حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّىُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: جُوَيْرِيَةُ ابْنُ أَسْمَاءَ أَخْبَرَنَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّى فِى ثَلاثٍ: فِى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِى الْحِجَابِ، وَفِى أُسَارَى بَدْرٍ. 25 - (2400) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّى عَبْدُ الله بْنُ أَبَىِّ بْنِ سَلُولَ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ. ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّىَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّىَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث مما تتبعه الدارقطنى (¬1) على مسلم، وقال: المشهور عن إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن أبى سلمة، بلغنى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأخرجه البخارى من هذا الطريق عن أبى سلمة عن أبى هريرة (¬2). قوله: " وافقت ربى فى ثلاث: فى مقام إبراهيم، وفى الحجاب، وفى أسرى بدر " ثم ذكر فى الحديث الآخر موافقته فى الصلاة على المنافقين؛ هذه الأمور مما كان رآها [عمر] (¬3) برأيه واستحسنها بداية بحسن نظره، ووافق ذلك من وحى الله فيها بعد، وشروعه (¬4) فيها ومذهبه، وكل (¬5) هذا مطابق للحديث [قبله] (¬6)؛ ولهذا جاء به مسلم إثر الحديث الأول. وقوله: " أن عبد الله بن عبد الله بن أبى لما توفى [أبوه] (¬7) سأل النبى - عليه الصلاة والسلام - أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ": قيل: فعل هذا لسؤال ابنه إياه ¬

_ (¬1) انظر: الإلزامات والتتبع ص 340 حديث رقم (183). (¬2) البخارى، ك فضائل الأنصار، ب مناقب عمر بن الخطاب 5/ 15. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬4) فى ح: سرعة. (¬5) فى ز. وكان، والمثبت من ح. (¬6) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬7) فى هامش ح.

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّى عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ الله أَنْ تُصَلِّىَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا خَيَّرَنِى الله فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (¬1) وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ ". قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (¬2). (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، فِى مَعْنَى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ. وَزَادَ: قَالَ: فَتَرَكَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومكانته منه، وصحة إسلامه، ولكنه (¬3) كان - عليه الصلاة والسلام - لا يسأل شيئاً فيمنعه، وقيل: فعل ذلك مكافأة له؛ لأنه كان ألبس العباس حين أسر قميصاً، وقيل: تطييباً لقلب ابنه. والذى هنا أظهر لتفسير سببه فى الحديث وسؤال ابنه ذلك، ولذلك بين سبب صلاته عليه لسؤال ابنه إياه، ولم يكن ورد نهى بالصلاة على المنافقين. قيل: إنما ورد أن الله لا يغفر لهم، فبقى حكم الصلاة والاستغفار، وهو معنى قوله: " نهاك أن تصلى عليه؟ " لأن أصل الصلاة الدعاء، فرد - عليه الصلاة والسلام - على عمر قوله وقال له: " بل خيرنى ربى، وسأزيده على السبعين " ظاهر قوله تعالى: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة} المبالغة فى التكثير ومنع الاستغفار، والعرب تضع التسبيع أبدًا موضع التضعيف، وإن جاوزه، وقد تقدم [من] (¬4) هذا، لكن النبى - عليه الصلاة والسلام - مع علمه بمقاصد الكلام رجاه، لعل الله يرحمه، إذ الاحتمال فيما بعد السبعين محال يخالف الظاهر. ويحتمل أنه طمع أن يكون له عند الموت إنابة فحمله محمل المؤمنين، ولهذا أمر بإخراجه من قبره وأجلسه فى حجرة وَتَفَتَ عليه من ريقه، كل (¬5) ذلك رجاء رحمة الله له بذلك، ومنفعته، وتطييباً لقلب ابنه ومبرة به، حتى جلى الله له الأمر ورفع الاحتمال، وقطع منه الرجاء، بنهيه عن الصلاة عليه وعلى أمثاله، ممن ظهر نفاقه، والقيام على قبورهم، وأعلمه بأنهم كفروا بالله وماتوا على ذلك. ¬

_ (¬1) التوبة: 80. (¬2) التوبة: 84. (¬3) فى ح: وولائه. (¬4) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬5) فى ز: كان، والمثبت من ح.

(3) باب من فضائل عثمان بن عفان رضى الله عنه

(3) باب من فضائل عثمان بن عفان رضى الله عنه 26 - (2401) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى حَرْمَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ وَسُلَيْمَانَ ابْنَىْ يَسَارٍ، وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِى بَيْتِى، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ - أَوْ سَاقَيْهِ - فَاسْتَأذَنَ أَبُو بَكْرِ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتأَذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ. ثُمَّ اسْتَأذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلاَ أَقُولُ ذَلِكَ فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ - فَدَخَل فَتَحَدَّثَ. فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضطجعًا فى بيته كاشفاً عن فخذيه - أو ساقيه - فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال "، وذكر عن عمر نحوه، الحديث إلى قوله: " فاستأذن عثمان فجلس وسوى ثيابه "، وفى الحديث الآخر وقال لعائشة: " اجمعى عليك ثيابك "، وسؤال عائشة له بعد ذلك عن هذا فقال: " إن عثمان رجل حيىّ، فإنى خشيت إن أذنت له على تلك الحال ألا يبلغ إلى فى حاجته "، فقد بيّن العلة التى خالف فعله مع عثمان فعله مع أبى بكر. وقد يحتج بهذا الحديث من لا يرى الفخذ عورة وقد قدمنا الكلام عليه أول الكتاب والاختلاف فيه، وإن لم يكن فى هذا الحديث (¬1) حجة قوية فى ذلك لشكها فى كشف الفخذ أو الساق، لكن يخرج منه مذهبنا فى تسوية ذلك، وأنه لو كان الفخذ عورة لما صح منه انكشافه [عليه السلام - وقد مر من هذا فى الجهاد أيضاً. قول عائشة: " دخل أبو بكر فلم تهتش] (¬2) له - ويروى: تَهَش - ولم تباله " بفتح الهاء، أى تنشط وتتحرك، وتحتفل له وتستبشر، يقال: هش: إذا استبشر، وهش له المعروف: نشط وخفّ، ومثله بش. والهشاشة والبشاشة: المبرة والملاطفة والنشاط. كذلك يقال منه: هش يهش بالفتح، فأما من خبط ورق الشجر فيهش يهش بالضم، قال الله تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (¬3). ¬

_ (¬1) فى ح: الكتاب. (¬2) فى هامش ح. (¬3) طه: 18.

أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَش لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ! فَقَالَ: " أَلا اسْتَحِى مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِى مِنْهُ الْمَلائِكَةُ ". 27 - (2402) حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ - زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُثْمَانَ حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأذَنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ، لابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لأَبِى بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ. ثُمَّ اسْتأذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُو عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ اسْتَأذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ. وَقَالَ لِعَائِشَةَ: " اجْمَعِى عَلَيْكِ ثِيَابَكِ "، فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتى ثُمَّ انْصَرَفْتُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالِى لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِىٌ، وَإنِّى خَشِيتُ - إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ - أَلا يَبْلُغَ إِلَىَّ فِى حَاجَتِهِ ". (...) حدّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ سَعِيْدَ بْنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ اسْتَأذنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنِ لزُّهْرِىِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " ولم تباله ": أى تكترث بدخوله. وفى الرواية الأخرى: " لم أرك فزعت لأبى بكر وعمر كما فزعت لعثمان " كذا رواية الأكثرين أى لسؤله معناه ونبهت بنحيه وبينت له قريب من معنى هش، والفزع يكون بمعنى هذا، ومنه فرع من نومه: إذا هب، ويكون بمعنى الإغاثة، وبمعنى الذعر. وفى كتاب شيخنا [القاضى] (¬1) أبى على بالراء المهملة والغين المعجمة، ومعناه: قصدت وعمدت، أو تفزعت له من كل شىء وأخليت له بالك، والفراغ يكون بالمعنيين جميعًا، وأنهما متقاربان راجعان إلى التهمم بالشىء والاهتبال به. والمرط: كساء من صوف. وقال الخليل: كساء من صوف، أو كتان، أو حرير، ¬

_ (¬1) من ح.

28 - (2403) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ عُثْمَانَ ابْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَائِطٍ مِنْ حَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ يَرْكُزُ بِعُودٍ مَعَهُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، إِذَا اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ. فَقَالَ: " افْتَحْ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". قَالَ: فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ. فَقَالَ: " افْتَحْ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". قَالَ: فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ. قَالَ: فَجَلَسَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُونُ ". قَالَ: فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: فَفَتَحْتُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. قَالَ: وَقُلْتُ الَّذِى قَالَ. فَقَالَ: اللهُمَّ، صَبْرًا، أَوِ الله الْمُسْتَعَانُ. (...) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِى أَنْ أَحْفَظَ الْبَابَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ غَيَّاثٍ. 29 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ - عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَخْبَرَنِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الأعرابى وأبو زيد: هو الإزار، وقد فسرناه. وقوله: " وهو متكئ يركز بعود معه بين الماء والطين " بضم الكاف، ويروى: " يضرب "، وهما متقاربان، من ركزت الرمح: إذا أثبت طرفه فى الأرض. وقوله: " دخل حائطاً فأمرنى أن أحفظ الباب "، وقوله بعد: " لأكون (¬1) بواب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وفى الحديث الآخر: " لم يكن له بواب (¬2) " إنما أمره به أولاَ - عليه السلام - بحفظ الباب لأنه ذكر فى الحديث أنه - عليه السلام - دخلها لقضاء حاجته وتوضأ، وهذا يحتاج إلى استتار، فلما قضى حاجته حينئذٍ دخل وسلم عليه، فيحتمل أن يكون أمره بحفظ [الباب] (¬3) أولاً لذلك لأول ما أحس به، وأنه حفظه هو بعد آخر، ومن قبل نفسه، ويحتمل أنه إنما أمره بذلك ليبشر من يبشره بالجنة، ويدخل عليهم هذه المسرة. ¬

_ (¬1) فى ز: لأكون، والمثبت من ح. (¬2) فى ز: باب، والمثبت من ح. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ؛ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ. فَقَالَ: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِى هَذَا. قَالَ: فَجَاءَ الْمَسجِدَ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: خَرَجَ، وَجَّهَ هَهُنَا. قَالَ: فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ. قَالَ: فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ، حَتَّى قَضَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ، وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، وَدَلاهُمَا فِى الْبِئْرِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ. فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. قَالَ: ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأذِنُ. فَقَالَ: " ائذَنْ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خرج وجه ههنا ": كذا يقوله الرواة، وكذا ضبطناه عن بعضهم، وضبطناه عن الأسدى: " وجه " بسكون الجيم، أى قصد هذه الجهة، وصوبه بعضهم وهو وجه الكلام مع خرج. وقوله: " فتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما فى البئر "، قال الإمام: القف: شجر النخل، والقف - أيضاً - الشجرة اليابسة، والقف - أيضاً -: شبه الدنبل من الحوض. والمراد بهذا الحديث فى الظاهر: القف الذى يسقط فيه الدلو، ثم يمضى فيه إلى الصغيرة، وهى محتبس الماء كالصهريج. قال القاضى: لا يستقيم أن يجعل القف هنا مسقط الدلو، ولا شيئاً لما ذكر ولا ما ذكره غيره أنه أول القف بالحجر الذى وسط البئر، وكيف يصح جلوس النبى - عليه الصلاة والسلام - وتوسطه وتدليته رجليه منها فى البئر، ثم جلوس أبى بكر وعمر [فيه] (¬1) حوله كذلك، وجلوس عثمان أمامهم من الشق الآخر، والأشبه بالقف هنا البناء الذى حول البئر. قال ابن دريد: القف: الغليظ المرتفع من الأرض، ومثل هذا هو الذى يتفق للجماعة الجلوس عليه وتدلى أرجلهم منه فى البئر، ومقابلة أحدهم من الجانب الآخر لا فى مسقط الدلو، وقد فسره بعضهم بأنه شقة البئر، وهو نحو ما ذكرناه. وأما قوله: القف الشجر، والقف يشبه الزنبيل، وإنما عرفنا هذين الحرفين القفة بالهاء فيهما، وكذا ذكرهما الناس، لكن يقال للشجر اليابس: قف بالفتح، جمع قفة. وقوله: " على رسلك " بفتح الراء وكسرها، وهما بمعنى التثبت والسكون. وقيل ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". قَالَ: فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ: ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ. قَالَ: فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِى الْقُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ، كَمَا صَنَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِى يَتَوَضَّأَ وَيَلْحَقُنِى. فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ الله بِفُلانٍ - يُرِيدُ أَخَاهُ - خَيْرًا يَأتِ بِهِ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ يَسْتَأذِنُ. فَقَالَ: " ائذَنْ لَهُ، وَبَشَّرْهُ بِالْجَنَّةِ "، فَجِئْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: أَذِنَ وَيُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ. قَالَ: فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ، ودَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ الله بِفُلاَن خَيْرًا - يَعْنِى أَخَاهُ - يَأتِ بِهِ. فَجَاءَ إِنْسَانٌ فَحَرَّكَ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَقُلْتُ: عَلَى رَسْلِكَ. قَالَ: وَجِئْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: " ائذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، مَعَ بَلْوَى تُصِيبُهُ ". قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ، ويُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ، مَعَ بَلْوَى تُصِيبُكَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ، فَجَلَسَ وِجَاهَهُمْ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالفتح، أى على رفقك ولينك، وأصله من السير اللين، وبالكسر: على تؤدتك وترك العجلة، وهما متقاربان. وقوله: " فجلس وجاهه " بكسر الواو، ويقال بضمها، أى قبالة وجهه. وقوله فى عثمان: " بشره بالجنة على بلوى تصيبه " وقوله هو: " اللهم صبرًا، والله المستعان ": إعلام من النبى - عليه الصلاة والسلام - بأن أبا بكر وعمر وعثمان من أهل الجنة، والقطع لهم بمثل ما أعلمنا بمعنى ذلك، وإعلامه بما يصيب عثمان من البلاء من الناس وهو خلعه وقتله. وقول عثمان: " اللهم صبرًا، والله المستعان ": تسليم لمراد الله، ولعل هذا هو الذى منع عثمان من القتال والمدافعة عن نفسه؛ إذ قد أعلمه النبى - عليه الصلاة والسلام - بحلول ذلك، وأنه قد سبق القدر له بذلك. وفيه من علامات نبوة نبينا - عليه السلام - وفضائل هؤلاء الخلفاء البيان التام.

قَالَ شَرِيكٌ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ. (...) حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، حَدَّثَنِى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيبِ يَقُولُ: حَدَّثَنِى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ هَهُنَا - وَأَشَارَ لِى سُلَيْمَانُ إِلَى مَجْلِسِ سَعِيدٍ، نَاحِيَةَ الْمَقْصُورَةِ - قَالَ أَبُو مُوسَى: خَرَجْتُ أُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَلَكَ فِى الأَمْوَالِ، فَتَبِعْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ دَخَل مَالا، فَجَلَسَ فِى الْقُفِّ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاهُمَا فِى الْبِئْرِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ سَعِيدٍ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ. (...) حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِلَى حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ، فَخَرَجْتُ فِى إِثْرِهِ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. وَذَكَرَ فِى الْحَدِيثِ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ اجْتَمَعَتْ هَهُنَا. وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن المسيب: " فأولتها قبورهم ": يريد أنه تفرس فى تلك الحالة من جلوسهم واجتماع الثلاثة فى جهة وانفراد عثمان عنهم، دفن أولئك الثلاثة بمكان واحد، وليس تلك رؤيا تحمل على التأويل، وإنما هو من باب التفرس ومما يقع فى القلب.

(4) باب من فضائل على بن أبى طالب رضى الله عنه

(4) باب من فضائل على بن أبى طالب رضى الله عنه 30 - (2404) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَعُبَيْدُ اللهِ الْقَوَارِيرِىُّ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، كُلُّهُمْ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجشُون - وَاللَّفْظُ لابْنِ الصَّبَّاحِ - حَدَّثَنَا يُوسُفُ أَبُو سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِىٍّ: " أَنْتَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لا نَبِىَّ بَعْدِى ". قَالَ سَعِيدٌ: فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَافِهَ بِهَا سَعْدًا، فَلَقِيتُ سَعْدًا، فَحَدَّثْتُهُ بِمَا حَدَّثَنِى عَامِرٌ. فَقَالَ: أَنَا سَمِعْتُهُ. فَقُلْتُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ؟ فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ: نَعَمْ. وَإِلا فَاسْتَكَّتَا. 31 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُخَلِّفُنِى فِى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم فى فضائل على: حدثنا يوسف أبو سلمة الماجشون، كذا عند شيوخنا، وفى بعض الروايات: يوسف بن أبى سلمة، وكلاهما صحيح، هو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبى سلمة، واسم أبى سلمة: دينار، والماجشون لقب يعقوب بن عبيد الله وغيره. ومعنى الماجشون: المورد، سمى بذلك لحمرة وجهه. والماجشون: المورد بالفارسية، وقيل غير هذا فى معناه. قوله - عليه الصلاة والسلام - لعلى: " أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى ": مما تعلقت به الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة وبعض المعتزلة؛ فى أن الخلافة كانت [حقا لعلى] (¬1)، واستخلاف النبى - عليه الصلاة والسلام - له لذلك بهذا الحديث وأشباهه مما احتجوا به. ¬

_ (¬1) فى ز: حق على، والمثبت من ح.

فَقَالَ: " أمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ غَيْرَ أَنَّهُ لا نَبِىَّ بَعْدِى ". (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. 32 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلاَثاً قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَسُبَّهُ، لأَنْ تَكُونَ لِى وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ، خَلَّفَهُ فِى بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِىٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَلَّفْتَنِى مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لا نُبُوَّةَ بَعْدِى ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: " لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختلفوا بعد فى تقديم غيره، فكفرت الروافض سائر الصحابة فى تقديمهم غيره، ثم كفر بعضهم عليًّا لأنه لم يقم فى طلب حقه، وهؤلاء استحق مذهبنا من أن يرد عليهم، وقد قالوا بأشنع من هذا فيمن هو أفضل مما ذكرنا، ولا امتراء فى كفر القائلين بهذا؛ لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم الإسلام، وأما من عداهم فإنهم لا يسلكون هذا. فأما الإمامية وبعض المعتزلة فتخطئهم، وأما بعض المعتزلة فلا يقول ذلك لقولها بجواز تقديم المفضول على الفاضل فى الإمامة على ما تقدم من الخلاف فى ذلك. وهذا الحديث بكل حال لا حجة فيه لأحد منهم، بل فيه من فضائل على ومنزلته ما لا يحط من منزلة غيره، وليس فى قوله هذا دليل على استخلافه بعده؛ لأنه إنما قال له حين استخلفه على المدينة فى غزوة تبوك، فقال له ذلك لا [لا] (¬1) ستخلافه بعده، بدليل أن هارون الذى يستشهد به لم يكن خليفة بعد موسى، وإنما مات فى حياته، وقبل موت موسى بنحو أربعين سنة على ما قال أهل الخبر، إنما استخلفه موسى حين ذهب لمناجاة ربه فقال له: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} (¬2) كما نص الله تعالى. وقوله: " غير أنه لا نبى بعدى " معناه - والله أعلم - لما ذكر. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) الأعراف: 142.

قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ: " ادْعُو لِى عَلِيًّا "، فَأُتِىَ بِهِ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ فِى عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ. وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُم} (¬1) دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: " اللهُمَّ، هَؤُلاءِ أَهْلِى ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لِعَلِىٍّ: " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُوَنَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ". 33 - (2405) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: " لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيْهِ ". قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ - قَالَ: فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " أنت منى بمنزلة هارون من موسى ": يريد فى تقديمه على من يخلفه، استثنى من حال هارون بعض صفاته وهى النبوة، لأن هارون كان نبياً، وقد أعلم النبى - عليه الصلاة والسلام - أنه لا نبى بعده، ومعناه منذ بعث، أى بعد مبعثه انقطعت النبوة فلا نبى حتى تقوم الساعة. وفى طى ذلك تنبيهه - عليه الصلاة والسلام - على ما اقترفه غلاة الرافضة على علىّ من النبوة حتى ترقى بعضهم فيه إلى دعوى ألوهيته من زمنه - رضى الله عنه - إلى أيامنا هذه، وقد حرَّق بعضهم - رضى الله عنه - على هذه الدعوة، فزادهم ذلك ضلالاً، وقالوا: الآن تحققنا أنه الله؛ لأنه (¬2) لا يعذب بالنار إلا الله؛ فلهذا خص هذا الكلام فى شأن على دون أبى بكر وعمر وغيرهم إذ لم يدع ذلك أحد لهم ولا اعتقده فيهم. وفيه بيان (¬3) أن عيسى حين نزوله لا يكون رسولاً لهذه الأمة ولا مجدداً شريعة، وإنما يأتى بالحكم بشريعة محمد - عليه الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) آل عمران: 61. (¬2) أثبتناها من الأبى ليستقيم الكلام. (¬3) فى ز: شأن، والمثبت من ح.

فَدَعَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا. وَقَالَ: " امْشِ، وَلا تَلْتَفِتْ، حَتَّى يَفْتَحَ الله عَلَيْكَ ". قَالَ: فَسَارَ عَلِىٌّ شَيْئًا، ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ. فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ الله، عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: " قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله ". 34 - (2406) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى حَازِمٍ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ - وَاللَّفْظُ هَذَا - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، أَخْبَرَنِى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: " لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ ". قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُم يُعْطَاهَا. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا. فَقَالَ: " أَيْنَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ و" خما " (¬1) بضم الخاء وتشديد الميم فسره فى الأم، وهو ما بين مكة والمدينة، على ثلاثة أميال، من الجحفة. و" خم " اسم الغيض التى هناك بها غدير مشهور، أضيف إلى الغيضة فقيل: غدير خم. وقول سعد: " سمعته - ووضع أصبعيه على أذنيه - وإلا فاستكتا ": معناه: صمتا وضاقا عن سماع الكلام، وأصل السكك ضيق الصماخ، والسكك - أيضاً - صغر الأذنين، وكل ضيق من الأشياء سكك، وقد يكون معنى استكتا: اصطمتا، يقال: سكه يسكه: إذا اصطلم أذنيه. قال الإمام: وقول معاوية لسعد: " ما منعك أن تسب أبا تراب " فذكر سعد - رحمه الله - فضائل على - رضى الله عنه - وأنه - عليه الصلاة والسلام - قال له: " أما ترضى أن تكون [منى بمنزلة] (¬2) هارون من موسى - عليهما السلام ". وقوله: " لأعطين الراية غداً رجلاً يحب (¬3) الله ورسوله ويحبه (¬4) الله ورسوله " فأعطاها عليًّا - رضى الله عنه - ولما نزلت: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم} (¬5) ¬

_ (¬1) حديث رقم (36) بالباب. (¬2) فى ز: بمنزلة منى، والمثبت من ح. وهو الصواب. (¬3) فى ح: يحبه. (¬4) فى ح: يحب. (¬5) آل عمران: 61.

فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ يَشْتَكِى عَيْنَيْهِ. قَالَ: " فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ "، فَأُتِىَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ، حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. فَقَالَ عَلِىٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ: " انْفُذْ عَلَى رَسْلِكَ، حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ الله فِيهِ، فَوَالله لأَنْ يَهْدِىَ الله بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُوَنَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ". 35 - (2407) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: كَانَ عَلِىٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا. فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَخَرَجَ عَلِىٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِى فَتَحَهَا الله فِى صَبَاحِهَا، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ - أَوْ لَيَأخُذَنَّ بِالرَّايَةِ - غَدًا، رَجُلٌ يُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ - أَوْ قَالَ: يُحِبُّ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ دعاه - عليه الصلاة والسلام - وفاطمة وابنيهما (¬1) - عليهما السلام - فقال: " اللهم هؤلاء أهلى " الحديث، قال الإمام - وفقه الله -: مذهب أفاضل العلماء أن ما وقع من الأحاديث القادحة فى [حديث] (¬2) عدالة [بعض] (¬3) الصحابة، والمضيفة إليهم ما لا يليق بهم، فإنها ترد ولا تقبل إذا كان رواتها غير ثقات، فإن أحب بعض العلماء تأويلها قطعاً للشغب نزل وراح، وإن رواها الثقات تأولت على الوجه اللائق بهم إذا أمكن التأويل، ولا يقع فى روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله، ولابد أن يتأول قول معاوية هذا، فتقول: ليس فيه تصريح بأنه أمره بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، وقد سئل عن مثل هذا السؤال من يستجيز سب المسؤول عنه [وسئل عنه] (¬4) من لا يستخبره. فقد يكون معاوية رأى سعدًا بين قوم يسبونه، ولا يمكن الإنكار عليهم، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؛ ليستخرج منه مثل ما استخرج مما حكاه عن النبى - عليه الصلاة والسلام - فيكون له حجة على من سبه ممن ينضاف إليه من غوغاء جنده، فيحصل على المراد على لسان غيره من الصحابة، ولو لم يسلك هذا المسلك وحملنا عليه أنه قصد ضد ¬

_ (¬1) فى ز: وأبيهما، والمثبت من ح. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى هامش ح. (¬4) من ح.

وَرَسُولَهُ - يَفْتَحُ الله عَلَيْهِ "، فَإِذَا نَحْنُ بعَلِىٍّ، وَمَا نَرْجُوهُ. فَقَالُوا: هَذَا عَلِىٌّ. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ، فَفَتَحَ الله عَلَيْهِ. 36 - (2408) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِى أَبُو حَيَّانَ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ. قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا. رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْت حَدِيثَهُ، وَغَزَوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ. لَقَدْ لَقِيتَ، يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، حَدَّثَنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: يَا بْنَ أَخِى، وَالله لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّى، وَقَدُمَ عَهْدِى، وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِى كُنْتُ أَعِى مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا، وَمَالا، فَلا تُكَلِّفُونِيهِ. ثُمَّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًا، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا مما يثيره [عنه] (¬1) الموجدة، ويقع فى حين الحنق، لأمكن أن يريد السب الذى هو بمعنى التغيير للمذهب والرأى، وقد سمى ذلك فى العرف سباً، ويقال فى فرقة: إنها تسب أخرى إذا سمع منهم أنهم أخطؤوا فى مذاهبهم، وحادوا عن الصواب، وأكثروا من التشنيع عليهم، فمن الممكن أن يريد معاوية من سعد بقوله: " ما منعك أن تسب أبا تراب " أى يظهر للناس خطأه فى رأيه، وإن رأينا ما نحن عليه أشد وأصوب. هذا مما لا يمكن أحد أن يمنع من احتمال قوله له، وقد ذكرنا ما يمكن أن يحمل قوله عليه ورأيه فيه جميل أو غير جميل فى هذين الجوابين. فمثل هذا المعنى ينبغى أن يسلك فيما وقع فى أمثال هذا. وقوله: " فبات الناس يدوكون ليلتهم ": أى يخوضون، يقال: الناس فى دوكة، أى فى اختلاط وخوض. قال القاضى: فى هذا الخبر علامتان من علامات نبوته - عليه الصلاة والسلام - قولية وفعلية، فالقولية: إعلامه - عليه الصلاة والسلام - أن الله يفتح على يدى على فكان كذلك. والفعلية: بصاق النبى - عليه الصلاة والسلام - فى عينيه، وكان أرمد [فبرأ] (¬2). ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) من هامش ح.

الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَرَ. ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، أَلا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأتِىَ رَسُولُ رَبِّى فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كَتَابُ الله فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ الله، وَاستَمْسِكُوا بِهِ "، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ الله وَرَغَّبَ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: " وَأَهْلُ بَيْتِى، أُذَكِّرُكُمُ الله فِى أَهْلِ بَيْتِى، أُذَكِّرُكُمُ الله فِى أَهْلِ بَيْتِى، أُذَكَرُكُمُ الله فِى أَهْلِ بَيْتِى ". فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِىٍّ، وآلُ عَقِيلٍ، وآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ. قَالَ: كُلُّ هَؤَلاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ - يَعْنِى ابْنَ إِبْرَاهِيمَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ، بِمَعْنَى حَديِثِ زُهَيْرٍ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِى حَيَّانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر فى قوله - عليه الصلاة والسلام -: " لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ": فتساورت لها رجاء أن أدعى لها، بمعنى: تطاولت، وفى الرواية الأخرى: أى حرصت على ذلك حتى أظهرت وجهى وتصديت لذلك؛ ليتذكر مكانى فأعطاها، كما قال: " رجاء أن أدعى لها ". وكما قال: " فما أحببت الإمارة إلا يومئذ "؛ وذلك للوصف الذى وصف به من يعطاها من حبه الله ورسوله وحبهما له، وهذه من أعظم فضائل على وأكرم مناقبه. [السورة] (¬1): البطش، والمشاورة: المواثبة أيضاً، كأنه استعجل الدعاء لها و [أعطاها إياه، وتصدى له وأشرف له بمعنى. وقوله: " امش ولا تلتفت حتى] (¬2) يفتح الله عليك ": حض على التقدم وترك التأنى، ويكون الالتفات هنا من نظر العين يمنة ويسرة، وقد يكون على وجهه مبالغة فى التقدم، ويدل عليه قوله: " فصار على فوقف فلم يلتفت ". فيه التزام أوامره - عليه السلام - والأخذ بظاهرها ما أمكن ولم يصرفها عنه صارف، أو لقصر فحوى كلام علم من المتكلم به. وقد يكون: " لا يلتفت " هنا بمعنى: لا ينصرف. يقال: التفت: إذا ¬

_ (¬1) و (¬2) فى هامش ح.

وَزَادَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ: " كِتَابُ الله فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ، وَأَخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ ". 37 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ - يَعْنِى ابْنَ إِبْرَاهِيمَ - عَنْ سَعِيدٍ - وَهُوَ ابْنُ مَسْرُوقٍ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ: لَقَدْ رَأَيْتَ خَيْرًا، لَقَدْ صَاحَبْتَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِى حَيَّانَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " أَلا وَإِنِّى تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا كِتَابُ الله عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ حَبْلُ الله، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلاَلَةٍ ". وَفِيهِ: فَقُلْنَا: مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ نِسَاؤُهُ؟ قَالَ: لا. وَايْمُ الله، إِنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الْعَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَرْجِعُ إِلَى أَبِيَها وَقَوْمِهَا. أَهْلُ بَيْتِهِ أَصْلُهُ، وَعَصَبَتُهُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ انصرف، ولفته: إذا صرفته. وقوله: " ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله ": فيه وجوب الدعوة قبل القتال، وقد تقدم فى الجهاد الكلام فيها، وفى كتاب الإيمان على قوله: " ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك [فقد منعوا] (¬1) منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " (¬2). وقوله: " انفذ على رسلك ": أى سر على تؤدتك، ولين سيرك، وقد تقدم معنى: " خير لك من حمر النعم " وتمئيل أعراض الدنيا بثواب الآخرة وحمر النعم تقدم أيضاً، وهى الإبل، والحمر [من] (¬3) الألوان أشرفها، والإبل أفضل أموال العرب. وقوله فى على: " وكان رمداً "، " وأرمد " أى أصابه مرض الرمد بعينيه، ويفسره قوله فى الحديث الآخر: " يشتكى عينيه ". وقوله: " وأنا تارك فيكم كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا كتاب الله " الحديث، ثم قال: " وأهل بيتى، الله الله فى أهل بيتى " الحديث، قال الإمام: قال ¬

_ (¬1) فى جميع روايات مسلم: عصموا. (¬2) أحاديث رقم (34 - 36) من ك الإيمان. (¬3) من ح.

38 - (2409) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ أَبِى حَازِمٍ - عَنْ أَبِى حَازِم، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ. قَالَ: فَدَعَا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيًّا. قَالَ: فَأَبِى سَهْلٌ. فَقَالَ لَهُ: أَمَّا إِذْ أَبَيْتَ فَقُلْ: لَعَنَ الله أَبَا التُّرابِ. فَقَالَ سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِىٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِى التُّرَابِ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِىَ بِهَا. فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِهِ. لِمَ سُمِّىَ أَبَا تُرَابٍ؟ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِى الْبَيْتَ. فَقَالَ: " أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ " فَقَالَتْ: كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ شَىْءٌ، فَغَاضَبَنِى فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِنْسَانٍ: " انْظُرْ، أَيْنَ هُوَ؟ " فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رسُولَ اللهِ، هُوَ فِى الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ. فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، فَأَصَابَهُ تُرابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيقُولُ: " قُمْ أَبَا التُّرَابِ، قُمْ أَبَا التُّرَابِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ثعلب: سماهما ثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، والعرب تقول لكل شىء خطير: نفس ثقيل، فجعلهما ثقلين إعظامًا لقدرهما وتفخيمًا لشأنهما. قال القاضى: وقول زيد بن أرقم: " أهل بيته من حرم الصدقة بعده؛ آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، كل هؤلاء حرم الصدقة "، وفى الرواية الأخرى: " أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده ": ظاهره الذين منعهم خلفاء بنى أمية صدقة النبى - عليه الصلاة والسلام - مما كان خصه الله به التى كانت تقسم عليهم أيامه وأيام الخلفاء الأربعة، لقوله: " بعده " - والله أعلم؛ لأن زيداً ممن عاش حتى أدرك ذلك، فتوفى سنة ثمان وستين. ويحتمل أن المراد به الذين حرم الله عليهم صدقة الأموال ونزههم عن أكل أوساخ الناس، وهو مبين عن زيد بن أرقم فى غير هذا الحديث، وقيل له: من آل محمد الذين لا يحل لهم الصدقة؟ فقال: آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. ففيه حجة مالك ومن قال بقوله فى اختصاص (¬1) تحريمها ببنى هاشم؛ إذ لم يذكر سواهم، خلافاً للشافعى فى عده بنى المطلب معهم، لقوله - عليه الصلاة والسلام -: " إنما نحن وبنو المطلب شىء واحد " (¬2). وقد مال إليه بعض متاخرى شيوخنا، وخلافاً لمن قال من ¬

_ (¬1) فى ز: اختصاصه، والمثبت من ح. (¬2) البخارى، ك المناف، ب مناقب قريش 4/ 218.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحابنا وغيرهم: إنهم جماعة قريش كلها، أو بنو قصى، على ما قدمناه فى كتاب الزكاة وشرحناه. وقوله فى كتاب الله: " هو حبل الله ": أى عهده الذى يعتصم به، وقيل فى قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} (¬1) أى بعهده. قال أبو عبيد: هو القرآن، وترك الفرقة. ومنه قول عبد الله: عليك بحبل الله، فإنه كتابه، ويكون - أيضاً - بمعنى عهده هنا، أى أمانته من عذابه. ومنه قوله: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاس} (¬2) أى عهد وأمان، ويكون الحبل هنا بمعنى: السبب الموصِّل إليه، أى إلى طاعته ورضاه ورحمته، استعارة من الحبل المعروف للتوصل إلى استقاء الماء، والصعود تجاه النخل وغير ذلك من المنافع. ويكون - أيضاً - تسمية القرآن حبل الله، أى نوره الذى هدى به، كما قال فى الحديث بعده: " فيه الهدى والنور "، وكما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (¬3). وقد جاء الحديث الآخر: " كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض " (¬4)، والعرب تسمى كل مستطيل حبلاً، وكل نور ممتد حبلاً، قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر} (¬5). وقوله: " ليس يا زيد نساؤه من أهل بيته ": قال فى حديث زهير بن حرب: " نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة "، وفى حديث محمد بن بكار: " [قال] (¬6): لا، وايم الله " ثم قال:! أهل بيته أصله وعصبته "، وهذا هو المعروف فى الأحاديث غيرها، أنه لم يجد نساءه من أهل بيته، وقد يرجع معنى الحديث الأول إلى هذا، أى نساؤه من أهل بيته الذين يساكنونه، ثم قال: " لكن أهل بيته "، المراد بقوله: " أهل بيته ": من حرم الصدقة، ونساؤه ليس منهم. وفيه حجة مثل ما تقدم على تخصيص تحريم الصدقة لبنى هاشم إذ كان فى نسائه جماعة قرشيات، فلم يجعلهم ممن حرم عليهم الصدقة. ¬

_ (¬1) آل عمران: 103. (¬2) آل عمران: 112. (¬3) النساء: 174. (¬4) ذكر فى كنز العمال برقم (923)، وعزاه لابن أبى شيبة، وتفسير الطبرى 4/ 21. (¬5) البقرة: 187. (¬6) فى هامش ح.

(5) باب فى فضل سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه

(5) باب فى فضل سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه 39 - (2410) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَرِقَ رَسُولُ اللِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: " لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِى يَحْرُسُنِى اللَّيْلَةَ ". قَالَتْ: وَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاَح. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ هَذَا؟ ". قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَحْرُسُكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ. 40 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ - لَيْلَةً، فَقَالَ: " لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِى يَحْرُسُنِى اللَّيْلَةَ ". قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلاَحٍ. فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أرق النبى - عليه السلام - ذات ليلة " أى سهر ولم يأته نوم. وقوله: " ليت رجلاً صالحًا يحرسنى ": فيه جواز الاحتراس من العدو والتحفظ، والأخذ بالحزم، وكراهة إلقاء اليد للعدو والمخاطرة بالنفس، وهذا كان قبل أن ينزل عليه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (¬1). فقد روى أنه لما نزلت عليه الآية أمر أصحابه بالافتراق عن حراسته. وقوله: " حتى سمعت غطيطه ": [الغطيط] (¬2): صوت النائم. المرتفع، وهو أعلى من الشخير. وقوله: " فسمعت خشخشة السلاح ": أى صوت حك بعضه لبعض. قال الإمام: خرج مسلم فى فضائل (¬3) سعد - رضى الله عنه - قال: وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا وكيع، قال: وحدثنا أبو بكر بن كريب وإسحاق عن محمد ابن بشر، عن مسعر، قال: وحدثنا ابن أبى عمر، عن سفيان، عن مسعر، كلهم عن ¬

_ (¬1) المائدة: 67. (¬2) فى هامش ح. (¬3) فى ز: فضل، والمثبت من ح.

قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا جَاءَ بِكَ؟ " قَالَ: وَقَعَ فِى نَفْسِى خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَامَ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: فَقُلْنَا: مَنْ هَذَا؟ (...) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَّهَّابِ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائَشَةُ: أَرِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. 41 - (2411) حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ جَعَلَ يَقُولُ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: " ارْمِ، فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَلِىُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفيَانُ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد بن إبراهيم. قال بعضهم: قال أبو مسعود الدمشقى: هكذا رواه مسلم: حدثنا أبو بكر، حدثنا وكيع، وأسقط منه سفيان، وتوهم أنه وكيع عن مسعر، وإنما رواه أبو بكر فى المسند والمغازى وغير موضع عن وكيع، عن سفيان، عن مسعر. قال القاضى: وقول سعد: ما جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبويه لأحد غيرى، فإنه جعل يقول لى: " ارم، فداك أبى وأمى ": تقدم الكلام فى الخلاف فى التفدية، وما روى فى كراهة ذلك عن عمر والحسن، وجوازه لغيرهما. وهذا الحديث يدل على جوازه، ولا حجة فيه من قولهم؛ لأن النبى - عليه الصلاة والسلام - لم يفده بمسلمين، فقد جاء فى الحديث: أن عائشة فدت النبى - عليه الصلاة والسلام - وأبواها مسلمان. وقول سعد: " ما جمعهما لأحد غيرى " ذلك بمبلغ علمه، وقد جاء أنه قال ذلك للزبير بعد هذا ولغيره، وفيه الحض على الرمى (¬1) وفضيلته. ¬

_ (¬1) فى ز: الدين، والمثبت من ح.

مِسْعَرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِىٍّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 42 - (2412) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلاَلٍ - عَنْ يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: لَقَدْ جَمَعَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ. (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ لَهُ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْمِ، فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ". قَالَ: فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ، فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ، فَسَقَطَ، فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ. 43 - (1748) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين ": أى أثخن فيهم، وعمل فيهم ما تفعله النار فيما تحرقه. وقد يكون معناه: أغاظهم، ومن قولهم: فلان يحرق عليك الأزم، أى يصرف بأنيابه تغيظاً، وكأنه صير المسلمين بما فعله بهم بهذه الحالة. وقوله: " فنزعت لهم بسهم ليس فيه نصل ": أى رميته بسهم لا حديدة فيه. وقوله: " فأصبت جنبه ": كذا لأكثر الرواة بالجيم والنون والباء، [بعدهما] (¬1) بواحدة. [وهى] (¬2) عند القاضى الشهيد: " حبته " بحاء مهملة بعدها باءٌ [بواحدة] (¬3) مشددة، بعدها تاءٌ [مثناة] (¬4) باثنتين فوقها. ومعناه، إن لم يكن تغيير: أصاب قلبه. قال صاحب العين: حبة القلب: ثمرته. قال الشاعر: فأصاب حبة قلبها وطحالها وقوله: " سقط فانكشفت عورته، فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": ضحك النبى - عليه ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى هامش ح. (¬4) ساقطة من ح.

ابْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ ألا تُكَلِّمَهُ أَبدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينهِ، وَلا تَأكُلَ وَلا تَشْرَبَ. قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ الله وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلاثًا حَتَّى غُشِىَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ: عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ - فَأَنْزَلَ الله - عَزَّ وَجَلَّ - فِى الْقُرْآنِ هَذِهِ الآيَةَ: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ... (¬1) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي} وَفِيهَا: {وَصَاحَبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}. قَالَ: وَأَصَابَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِيمَةً عَظِيمَةً، فَإِذَا فِيهَا سَيْفٌ فَأَخَذْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: نَفِّلْنِى هَذَا السَّيْفَ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلَمْتَ حَالَهُ. فَقَالَ: " رُدُّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ "، فَانْطَلَقْتُ، حَتَّى إِذَا أرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِى الْقَبَضِ لامَتْنِى نَفْسِى، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ. قَالَ: فَشَدَّ لِى صَوْتَهُ: " رُدُّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ ". قَالَ: فَأَنْزَلَ الله - ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة والسلام - سروراً بقتله، لا لما انكشف منه، فهو المنزه عن ذلك. [وفيه من آياته - عليه السلام - إصابة السهم الذى أمر بالرمى به من غير حديدة] (¬2)، وقتله عدوه. وقوله: " فأردت أن ألقيه فى القَبَض " بفتح الباء، هو ما يجمع من المغانم. والقبض: كل ما قبض من مال وغيره. وأصله من الغطاء، قبضت الرجل، كذا مخففاً: إذا أعطيته إياه، وتقدم الكلام على بقية الحديث [من الأنفال والوصية وتفسير الأربع آيات التى ذكر أنها نزلت فيه، وهى منصوصة فى الحديث] (¬3)، وتقدم الكلام على تحريم الخمر، والميسر: [والقمار] (¬4)، والأزلام: [قداح] (¬5). وقيل: حصياته، كانت الجاهلية تستقسم بها وتمضى الأمور على ما يخرج فيها، وقد فسرت قبل. والأنصاب: جمع نصب، وهو ما ينصب (¬6) من الأصنام ليعبد، وهى - أيضاً - حجارة نصبت ليذبحوا عندها لطواغيتهم. ومعنى " رجس ": أى إثم ومثله: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْس} (¬7)، والرجس يأتى بمعنى الإثم والكفر وبمعنى النجس، ولما يستقذر، ومنه قوله فى لحوم الحمر: " إنها ¬

_ (¬1) فى الصحيحة المطبوعة هكذا: {وَوَصَّيْنا الإِنسَانَ بِوَالدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ ...} والمثبت آية لقمان 14 وما بعدها، ليوافق قوله: " وفيها " أى آية لقمان. (¬2) فى هامش ح. (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬4) و (¬5) من ح. (¬6) فى ح: نصب. (¬7) الأنعام: 145.

عَزَّ وَجَلَّ -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَال} (¬1). قَالَ: وَمَرِضْتُ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَانِى. فَقُلْتُ: دَعْنِى أَقْسِمْ مَالِى حَيْثُ شِئْتُ. قَالَ: فَأَبَى. قُلْتُ: فَالنِّصْفَ. قَالَ: فَأَبَى. قُلْتُ: فَالثُّلُثَ. قَالَ: فَسَكَتَ. فَكَانَ - بَعْدُ - الثُّلُثُ جَائِزًا. قَالَ: وَأَتَيْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقالُوا: تَعَالَ نُطْعِمْكَ وَنَسْقِيكَ خَمْرًا - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرُّمَ الْخَمْرُ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فِى حَشٍّ - وَالْحَشُّ الْبُسْتَانُ - فَإِذَا رَأسُ جَزُورٍ مَشْوِىٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِنْ خَمْرٍ. قَالَ: فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ. قَالَ: فَذُكِرَتِ الأَنْصَارُ وَالْمُهَاجِرُونَ عِنْدَهُمْ. فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَى الرَّأسِ، فَضَرَبنِى بِهِ فَجَرَحَ بِأَنْفِى، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَنْزَلَ الله - عَزَّ وَجَلَّ - فِىَّ - يَعْنِى نَفْسَهُ - شَأنَ الْخَمْرِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} (¬2). 44 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: أُنزِلَتْ فِىَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَنْ سِمَاكٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ: قَالَ: فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطَعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بعَصًا، ثُمَّ أَوْجَرُوهَا. وَفِى حَدِيثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رجس، أو نجس "، وفى الرواية [الأخرى] (¬3): " إنها رجس أو ركس ". والرجس - أيضاً -: بمعنى اللعنة والعذاب، ومنه: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} (¬4). وفى قصة سعد وأمه حين حلفت لا تكلمه، ولا تأكل ولا تشرب حتى يكفر، فأنزل الله تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} (¬5) بيان شاف أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق. وقوله: " فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجوا (¬6) فاها بعصا ثم أوجروها " بالشين المعجمة بعدها جيم، أى فتحوه، وأدخلوا فيه العصا لئلا يعلقه حتى يوجروها الغذاء. والوجور، بفتح الواو: ما صب من وسط الفم فى الحلق. واللذوذ: ما صب من أحد جانبيه. ¬

_ (¬1) الأنفال: 1. (¬2) المائدة: 90. (¬3) فى هامش ح. (¬4) يونس: 100. (¬5) لقمان: 15. (¬6) فى ح: شجروا.

أَيْضًا: فَضَرَبَ بِهِ أنْفَ سَعْدٍ فَفَزَرَهُ - وَكَانَ أَنْفُ سَعْدٍ مَفْزُورًا. 45 - (2413) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَن الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ: فِىَّ نَزَلَتْ: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي} (¬1). قَالَ: نَزَلَتْ فِى سِتَّةٍ: أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَالُوا لَهُ: تُدْنِى هَؤُلاءِ. 46 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِىُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ. فَقَالَ الْمُشْركُونَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤْلاءِ لا يَجْتَرِئونَ عَلَيْنَا. قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَبِلالٌ وَرَجُلانِ لَسْتُ أسمِّيهِمَا. فَوَقَعَ فِى نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ - يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: " شجوا " أى فتحوا، ويقال: وجرته وأوجرته: إذا ألقيت الوجور فى فيه، وهو الدواء (¬2). وقوله: " فأتيتهم فى حش ": الحش: بستان النخل، وفيه لغتان (¬3)، بضم الحاء وفتحها، ويقال فى جمعه: حشان. قال ابن الأنبارى: والحش - أيضاً (¬4) -: موضع الخلاء، وسميت حشاً؛ لقضاء حوائجهم فى البستان (¬5). قال أبو عبيد: الحاش جماعة النخل، وهو البستان أيضاً. قال القاضى: ورواه بعضهم: " شحوا فاها " بحاء مهملة دون راء، ومعناه قريب من الأول، أى أوسعوه وفتحوه، والشحو: التوسع فى المشى، والدابة الشحواء: الواسعة الخطو. قال ثعلب: يقال: شحا فلان فاه، وشحا فوه، يريد معدى ولازماً. وقوله: " ففزره - مخفف الزاى - وكان أنف سعد مفزوراً " مخفف، بتقديم الزاى على الراء فيها، أى مشقوقاً. ¬

_ (¬1) الأنعام: 52. (¬2) فى ح: الثغاء. (¬3) فى ح: لغات. (¬4) فى هامش ح. (¬5) فى ح: البساتين.

(6) باب من فضائل طلحة والزبير رضى الله تعالى عنهما

(6) باب من فضائل طلحة والزبير رضى الله تعالى عنهما 47 - (2414) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ - وَهُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِى قَاتَلَ فِيهِنُّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ، عَنْ حَدِيثِهمَا. 48 - (2415) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: نَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْم الْخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبْيرُ. ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ. ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِىٍّ حَوَارِىٌّ، وَحَوَارِىَّ الزُّبَيْرُ ". (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَمعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ندب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس يوم الخندق فانتدب الزبير " ثلاث مرات، أى دعاهم ورغبهم فى بعض أمورهم، فأجابه الزبير. يقال: ندبته للجهاد فانتدب، دعوته فأجاب والندب التحضيض والرغبة فى الشىء بسكون الدال. قال الإمام: قال صاحب الأفعال (¬1): ندبتهم للحرب والأمر: وجهتهم له، وإلى الشىء: دعوتهم. وقوله: " لكل نبى حوارى، وحوارى الزبير ": أى خاصتى والمفضل عندى وناصرى. قال الأزهرى: [يقال لكل ناصر نبيه: حوارى، تشبيها بحوارى عيسى - عليه السلام. قال ابن الأنبارى: وحوارى عيسى هم المفضلون عنده وخاصته. وقال الأزهرى] (¬2): الحو اريون: خلصان (¬3) الأنبياء - عليهم السلام. وتأويله: الذين ¬

_ (¬1) فى ز: الأمثال، والمثبت من ح. (¬2) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬3) فى ز: صلصال، والمثبت من ح.

49 - (2416) حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ مُسْهِر. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَعَ النِّسْوَةِ، فِى أُطُمِ حَسَّانَ، فَكَانَ يُطَأطِئْ لِى مَرَّةً فَأَنْظُرُ، وأُطَأطِئ لَهُ مَرَّةً فَيَنْظُرُ، فَكُنْتُ أَعْرِفُ أَبِى إِذَا مَرَّ عَلَى فَرَسِهِ فِى السِّلاَحِ إِلَى بَنِى قرَيْظَةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِى. فَقَالَ: وَرَأَيْتَنِى يَا بُنَىَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَاللهِ، لَقَدْ جَمَعَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَبَوَيْهِ، فَقَالَ: " فَدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ". (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ فِى الأُطُمِ الَّذِى فِيهِ النِّسْوَةُ - يَعْنِى نِسْوَةَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُرْوَةَ فِى الْحَدِيثِ وَلَكِنْ أدْرَجَ الْقِصَّةَ فِى حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أخلصوا واتقوا من كل عيب. والدقيق الحوارى: الذى سُبك ونُخل، كأنه رجوع فى اختياره مرة بعد أخرى. قال ابن ولاد: حوارى الرجل: خلصانه وخاصته. ورجل حوارى: أى نظيف. وسمى القصار حواراً؛ لتنظيفه الثياب. قال الهروى: وسمى خبز الحوارى؛ لأنه أشرف الخبز وأنقاه. قال القاضى: قد ذكرنا من هذا أول الكتاب كفاية وجميع ما قيل فيه (¬1). واختلف فى ضبط الشيوخ فى الحرف الآخر، فيروى: " وحوارىَّ الزبير " بالفتح فى آخره وتشديده، وكذا (¬2) قرأته على أبى الحسين ووقفته عليه، فقال لى: هو مثل مصرجى. قال أبو على الجبائى: وكذا ذكره على أبو مروان بن سراج منسوباً إلى حوار مخفف، وأكثرهم يضبطه: " وحوارى الزبير " بالكسر منسوباً إلى حوارى. وأشبه ما يقال فى معناه هنا: الناصر، أو الخاصة، أو المفضل عنده، أو من يصلح للخلافة بعده، أو الصاحب والخليل، مما قيل فى معنى الحوارى. ¬

_ (¬1) فى ح: فى معناه. (¬2) بعدها فى ح: فى.

50 - (2417) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءٍ، هُوَ وَأَبُو بَكرِ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اهْدأ، فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِىٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ". (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزيدَ بْنِ خُنَيْسٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْس، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُهَيْلِ ابْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى جَبَل حِرَاءٍ، فَتَحَرَّكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْكُنْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِىٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ "، وَعَلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُم. 51 - (2418) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَعَبْدَةُ، قَالا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ. قَالَتْ لِى عَائِشَةُ: أَبَواكَ - والله - مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويروى عن ابن عباس أنه اسم خاص للزبير دون غيره، خصه به - عليه الصلاة والسلام - كما خص أبا بكر بالصديق، وعمر بالفاروق. وقوله: " فى أُطُم حسان " بضم الهمزة والطاء، قال الإمام: هو بناء مرتفع، وجمعه آطام، ومنه الحديث: " حتى توارت بإطام المدينة " يعنى أبنيتها المرتفعة. قال القاضى: هو هاهنا الحصن، وجمعه آطام بالمد، وإطام بالكسر مثل آكام وإكام. وقول مسلم فى حديث أبى كريب فى حديث الزبير بمعنى حديث ابن مسهر، ولم يذكر عبد الله بن عروة [فى] (¬1) الحديث ولكن أدرج القصة فى حديث هشام عن أبيه، يعنى أن فى حديث ابن مسهر قبله عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير، الحديث، إلى قوله: وأخبرنى عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير، قال: فذكرت ذلك لأبى، فقال: رأيتنى يا بنى، الحديث. ثم جاء بحديث أبى كريب عن أبى سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير [بمعناه، يريد: ولم يذكر قوله: ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: تَعْنِى أَبَا بَكْرٍ وَالزُّبَيْرَ. 52 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الْبَهِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ لِىَ عَائِشَةُ: كَانَ أَبَوَاكَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخبرنى عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير] (¬1) تمام الحديث، لكنه جاء به كله مدرجاً فى حديث هشام بن عروة ومداخلاً فيه، كأنه من حديث هشام. قوله: " كان على حراء ": وحراء يذكر ويُؤنث، ويصرف ولا يصرف، مكسور الحاء ممدود، ووقع فى رواية السمرقندى مقصوراً وليس بشىء، وكذلك من رواه بفتح الحاء. وهو جبل بمكة معروف. وتحرك الجبل وكلام النبى - عليه الصلاة والسلام - وقوله: " اهدأ، فإنما عليك نبى أو صديق أو شهيد " كله من آيات نبوته وإخباره بالغيوب، وانخراق العادات له. فكل من كان عليه بعد النبى والصديق ماتوا شهداء. وفيه كرامة عظيمة لهؤلاء الذين كانوا عليه معه، وهو أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وطلحة، والزبير. وفيه أن من قُتل ظلماً فى غير معترك شهيد، له اسم الشهيد وأجره، وإن لم يكن حكمه فى الصلاة والغسل حكمه. وكذلك كان جميع هؤلاء عمر وعثمان وعلى، وكذلك الزبير قتل منصرفاً تاركاً للحرب، وطلحة كذلك انعزل عن الناس تاركاً للقتال، فأصابه سهم فقتله، وكان على ذكَّرهُما أشياء بان لهما الخطأ فى قتاله، فانصرفا عن رأيهما فى ذلك. والخبر لذلك معروف فيهما، وشعر طلحة مشهور. وزاد فى الرواية الأخرى معهم: سعد بن أبى وقاص، فيكون تسميته شهيداً؛ لأن النبى - عليه الصلاة والسلام - شهد له بالجنة، وهو أحد المعانى، كتسمية الشهيد شهيداً، وقد ذكرنا ذلك قبل هذا. وأما الصديق فقيل: هو تابع النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: هو فعيل من الصدق. والتصديق المبالغة فى ذلك وقيل: من كثرة الصدقة. وقول عائشة لعروة: " أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ": فسره فى الحديث، يعنى أبا بكر والزبير؛ لأن أمه أسماء بنت أبى بكر. ¬

_ (¬1) من ح.

(7) باب فضائل أبى عبيدة بن الجراح رضى الله تعالى عنه

(7) باب فضائل أبى عبيدة بن الجراح رضى الله تعالى عنه 53 - (2419) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِى قلاَبَةَ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا - أَيَّتُهَا الأُمَّةُ - أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ ". 54 - (...) حدَّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَهْلِ الْيَمَنِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً يُعَلِّمْنَا السُّنَّةَ وَالإِسْلامَ. قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِى عُبَيْدَةَ فَقَالَ: " هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ ". 55 - (2420) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلاً أَمِينًا. فَقَالَ: " لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ، حَقَّ أَمِينٍ ". قَالَ: فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ. قَالَ: فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ. (...) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة " بالرفع على النداء، والأعرف والأفصح أن تكون فى موضع نصب على الاختصاص، حكى سيبوبه: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. وتسميته أميناً وحق الأمانة الثقة بالشىء، ومنه ناقة أمون: أى وثيقة الخلق قد أمنت، وإن كانت الأمانة من صفات (¬1) غيره من الصحابة، والنبى - عليه الصلاة والسلام - خص بعضهم بصفات كانت الغالب عليهم، وكانوا بها أخص من غيرهم. وقوله: " استشرف لها الناس ": أى تطلعوا وتعرضوا لمن يظهر اتصافه بهذه الصفة بتوجيهه معهم، وحرص كل واحد أن يكون هو. والاستشراف للشىء: التعرض له، وأصله من الارتفاع والعلو، وكأنهم رفعوا رؤوسهم لذلك، كما قال عمر فى الحديث المتقدم فى فضائل على: " فتطاولت لها ". ¬

_ (¬1) فى ح: صفة.

(8) باب فضائل الحسن والحسين رضى الله عنهما

(8) باب فضائل الحسن والحسين رضى الله عنهما 56 - (2421) حدّثنى أَحْمَدَ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَة، حَدَّثَنِى عُبَيْد اللهِ بْنُ أَبِى يَزِيد، عَنْ نَافِعِ بْن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ لِحَسَنٍ: " اللهُمَّ، إِنِّى أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ ". 57 - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ، عَنْ ناَفِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى طَائِفَةٍ مِنَ النَّهارِ، لا يُكَلِّمُنِى ولا أُكَلِّمُهُ، حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِى قَيْنُقَاعَ، ثُمَّ انْصَرَفَ. حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: " أَثَمَّ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ؟ " يَعْنِى حَسَنًا. فَظَنَنَّا أَنَّهُ إِنَّما تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لأَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا. فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى، حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ، إِنِّى أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ ". 58 - (2422) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ - حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِب، قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ عَلَى عَاتِقِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، إِنِّى أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أتى خباء فاطمة ": يعنى منزلها وحجرتها. وأصله: بيت من بيوت الأعراب، ثم استعمل فى غيره؛ لأن هذا إنما كان فى المدينة. وقوله: " أثم لكع، أَثم لُكَع ": يعنى حسناً، قال الإمام: قال الهروى: سئل بلال بن جرير عن اللكع فقال: هو فى لغتنا: الصغير. قال الأصمعى: الأصل فى لكع من الملاكيع، وهى التى تخرج مع السلاء على الولد. وفى حديث الحسن أنه قال لإنسان: يا لكع، يريد: يا صغير العلم. قال القاضى: قيل: اللكع هنا الصغير فى لغة تميم، وهى كلمة تستعمل للتحقير والتجهيل. واللكع: العبد والوغد من الرجال والقليل العقل، ويقال للأنثى: لِكاع، مكسور. ويشبه أن يكون أراد النبى فى الحسن بن على ذلك، على طريق الممازحة، وبمعنى ما فى الصبيان من نقص العقل والإدراك، كما يقال له: يا أحمق، ليس على سبيل السب

59 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ ناَفِعٍ. قَالَ ابْنُ ناَفِعِ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثاَبِتٍ - عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، إِنِّى أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ ". 60 - (2423) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِىِّ الْيَمَامِىُّ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِىُّ. قَالاَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن تدليلاً وتعليلاً، وقد يكون على القلب، ويريد: يا سيد يا شريف، كما سميت الجميلة شوهاء، وسموها قبيحة. وقالوا للغراب أعور؛ لحدة بصره. وقال الهروى: ما قاله فى تأويل قول الحسن فليس بشىء؛ لأن الحسن لم يرد بذلك إنساناً معيناً وإنما قاله فى وعظه يخاطب المطرف من الناس، والمقصر المتمنى على الله ونحو هذا، فتشبه بقوله هذا، وصغَّر له نفسه. واللكع: الوغد أو الأحمق، كأنه قال له: [يا وغد، يا أحمق] (¬1)، كأنه يخاطبه. وقوله: " فظننا أنّ أمه (¬2) تحبسه لأن تغسله وتلبسه سخاباً ": السخاب: خيط فيه خرز، ينظم فى أعناق الصبيان والجوارى، وقيل: هو من العود، وقيل: سمى سخاباً لصوت خرزه عند حركتها، واصطكاكها، من الصخب وهو اختلاط الأصوات، يقال بالسين والصاد. قيل: ولهذا يلبسه الصبيان الصغار، تشغلهم صوتها وتلهيهم اللعب بها عن غيره، وقيل: الصخاب: ما اتخذ من القلائد من القرنفل والمسك دون الجواهر. فيه استحباب النظافة والتجمل فى جميع الأمور، لا سيما للقاء من يكبر ويعظم، وتنظيف الصبيان وتربيتهم، وجواز لبسهم القلائد والسخب والعود. وقوله: " فجاء حتى اعتنق كل واحدٍ منهما صاحبه " وفى الحديث الآخر: " رأيته واضعاً الحسن بن علىّ على عاتقه ". فيه ما كان - عليه السلام - من حسن الخلق والعشرة والتواضع، وحبه للحسن وحمله له، ورحمته للصبيان والرجال. وقد اختلف العلماء فى معانقة الرجال للسلام، فلم يره مالك، وقال: هو بدعة، ورآه سفيان وغيره. واحتج بفعل النبى - عليه الصلاة والسلام - ذلك لجعفر. فقال مالك: هو خاص له، وقال سفيان: ما يخصه يعمنا، فسكت مالك، وسكوته دليل على ظهور قول سفيان له وتصويبه وهو الحق، حتى يدل دليل على تخصيص (¬3) جعفر بذلك. ¬

_ (¬1) فى ح: يا أحمق، يا وغد. (¬2) فى ز: منه، والمثبت من ح، وهو الصواب. (¬3) فى ح: اختصاص.

إياسٌ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا قُدَّامَهُ، وَهَذَا خَلْفَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رأيت النبى - عليه الصلاة والسلام - واضعاً الحسن بن علىّ على عاتقه ": العاتق: من المنكب إلى العنق، وقيل: موضع الرداء من المنكب، وهما بمعنى. فيه حمل الأطفال على الطهارة إلا ما شوهد عين النجاسة فيهم، كما حمل أمامة فى الصلاة، وقد يعرف الطفل إذا حمل، ويصيب بعض جسده من بصاقه ورطوبات وجهه مما يبل ثيابه، فلم يأت عن السلف التحفظ من ذلك ولا الوسوسة فيه. واستحب مالك [لأمه] (¬1) أَنْ تصلى فى غير الثوب الذى تربيه فيه؛ لأن ذلك بكثرة ملازمته لها لا يخلو أن يصيبه شىء من أقذار، فإن لم تجد غيره صلت فيه ودرأت عنها النجاسة ما استطاعت، يعنى ما شاهدته وتحققته. وقوله: " اللهم، إنى أحبه فأحبه وأحب من يحبه ": حب آل بيت النبى - عليه الصلاة والسلام - واجب على الجملة، ويختص منهم من حض النبى على حبه، ودعا بحب الله له، وحب من أحبه درجة جعلها الله لمن أحبهم حقيقة حبهم، ولعن من يبغضهم ويعاديهم، وقد ظهرت إجابة هذه الدعوة وبركتها فيه بحقن دماء الأمة بسببه، وتنزهه عن عرض الدنيا وفتنتها، وتسليمه ما يمكن له من الخلافة والملك، حذار الفتنة (¬2) وحيطة على الأمة ونظراً لدينه. وقوله: " لقد قُدْتُ بنبى الله - عليه الصلاة والسلام - والحسن والحسين بغلته، هذا قدّامه، وهذا خلفه ": دليل على جواز ركوب ثلاثة على دابة إذا لم يقدحها، ورد على من كره ذلك جملة، وإنما يكره إذا لم تتحمل ذلك الدابة، كما يكره من حمل أقل من ذلك إذا قدحها. وعلى هذا يحمل الحديث الوارد فى النهى عن ركوب أكثر من اثنين على الدابة، وما روى عن على وغيره فى منع ذلك. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى ز: لنفسه، والمثبت من ح.

(9) باب فضائل أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم

(9) باب فضائل أهل بيت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 61 - (2424) حدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُصْعَبِ بْن شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّة بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَها، ثُمَّ جَاءَ عَلِىٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وعليه مرط مرحل " بالحاء، كذا عند الخشنى والصدفى من شيوخنا، وعند الأسدى بالجيم. قال الإمام: المرط: كساء، وجمعه مروط. والمرحل، بالراء والحاء المهملتين: الموشى بذلك؛ لأن عليه صور الرحال أو صور المراحل، ويقال: " المراجل " بالجيم. قال القاضى: سمى بذلك لأنّ فيه صور الرحال، أو صور المراجل وهى القدور. ويقال: له ثوب مراجل مضاف وثوب ممرجل. وقال صاحب العين: المراجل: ثياب وقد تقدم فى كتاب اللباس. والرجس فى هذا الحديث فى قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قيل: الشك: ويقع - أيضاً - على الكفر وعلى العمل الذى يؤدى إلى العذاب، وعلى اللعنة والعذاب، وعلى المآثم، قال الأزهرى: والرجس: اسم كل ما يستقذر من عمل. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 33.

(10) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضى الله عنهما

(10) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضى الله عنهما 62 - (2425) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ ابْنَ حَارِثَةَ إِلا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ فِى الْقُرآنِ: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} (¬1). قَالَ الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ الدُّوَيْرِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، بِهَذَا الحَدِيثِ. (...) حدّثنى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِى سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. بِمِثْلِهِ. 63 - (2426) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا - وَقَالَ الآخَرُونَ: - حَدَّثَنَا - إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا، وأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِى إمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنْ تَطْعَنُوا فِى إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِى إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ. وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} ": هذا لأن النبى - عليه السلام -[كان] (¬2) تبناه، وكانت العرب تفعل ذلك، تبنى الرجل مولاه أو الرجل من غير قومه، فيكون ابناً له، يواريه ويُنسب إليه، كما تبنى الأسود بن عبد يغوث مقداد بن عمرو، فكان يقال له: المقداد بن الأسود. وقد غلب ذلك عليه إلى الآن عند الناس إلى أن نزلت الآية، فرجع كل أحد إلى نسبه، إلا مَنْ لم يكن له نسب معروف فرجع إلى مواليه كما قال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُم} الآية. وتقدم تفسير قوله: " وايم الله ". وقوله: " إنه لخليق للإمارة ": أى حقيق بها ومستوجب لها. فى هذا كله جواز ¬

_ (¬1) الأحزاب: 5. (¬2) من ح.

للإِمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ، بَعْدَهُ ". 64 - (...) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ - يَعْنِى ابْنَ حَمْزَةَ - عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ -: " إِنْ تَطْعَنُوا فِى إِمَارَتِهِ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - فَقَدْ طَعَنْتُمْ فى إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلَهِ. وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا. وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لأَحَبَّ النَّاسِ إلَىَّ. وَايْمُ اللهِ، إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَىَّ مِنْ بَعْدِهِ، فَأُوصِيكُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إمارة المولى وقضائه، وتقديمه على العرب وغيرهم؛ ولهذا كان يطعن عليها، ولصغر سن أسامة، فإن النبى - عليه الصلاة والسلام - توفى وهو ابن ثمانى عشرة سنة. وقيل: ابن عشرين. وفيه جواز تقديم المفضول على الفاضل فى الإمارة والخلافة، وقد قدمنا ذلك، وإن كان الحال إذا لم يدع إلى ذلك ضرورة، ولا نظر يقتضى تقديم الأفضل والأسن. فقد فعل النبى - عليه الصلاة والسلام - هذا فى هذه القصة وغيرها لمعنى رآه من مصالح الأمة وليبين جواز هذا ويوسع فيه على أمته. وقوله: " إن تطعنوا فى إمرته، فقد طعنتم فى إمرة أبيه من قبل ": كذا ضبطناه هنا بكسر الهمزة، وفى الرواية الأخرى: " إمارته " وهما بمعنى، وقال أبو عبيد: يقال: على القوم أمرة مطاعة، بالفتح، كانها الفعلة الواحدة والمرة المخصوصة من الأمر من ذلك. قال العتبى: لك على أمرة مطاعة، بالفتح، يريد: المرة الواحدة من الأمر، فأما الإمرة، بالكسر، فالولاية.

(11) باب فضائل عبد الله بن جعفر رضى الله عنهما

(11) باب فضائل عبد الله بن جعفر رضى الله عنهما 65 - (2427) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حَبِيبِ ابْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ لابْنِ الزُّبَيْرِ: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَمَلَنا، وَتَرَكَكَ. (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. وِإِسْناَدِهِ. 66 - (2428) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ مُوَرِّقٍ العِجْلِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّىَ بِصبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ. قَالَ: وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِى إِلَيْهِ. فَحَمَلَنِى بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِىءَ بِأَحَدِ ابْنَىْ فَاطِمَةَ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ. قَالَ: فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ، ثَلاثَةً عَلَى دَابَّةٍ. 67 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيم بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، حَدَّثَنِى مُوَرِّقٌ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّىَ بِنَا. قَالَ فَتُلُقِّىَ بِى وَبِالْحَسَنِ أَوْ بِالْحُسَيْنِ. قَالَ: فَحَمَلَ أَحَدَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالآخَرَ خَلْفَهُ، حَتَّى دَخَلْنا الْمَدِينَةَ. 68 - (2429) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُون، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ - مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلىَّ حَدِيثًا، لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث أبى بكر بن أبى شيبة: قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير: " أتذكر إذ تلقانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنا وأنت وابن عباس، فحملنا وتركك ": كذا هنا، وظاهره أن قائل هذا ابنُ الزبير، وأن ابن جعفر المتروك، ونحوه فى مسند ابن أبى شيبة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن البخارى والنسائى ذكرا الخبر على خلاف هذا مما هو الأشبه، وأن القائل أولاً: " أتذكر إذ تلقينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنما هو ابن الزبير، ويكون القائل له: " نعم، فحملنا وتركك " ابن جعفر، ويدل صحته ما ذكر مسلم بعده من الأحاديث عن عبد الله ابن جعفر فانظرها، وإن لم يكن فيها لابن الزبير ذكر.

(12) باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها

(12) باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها 69 - (2430) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ - وَاللَّفْظُ حَدِيثُ أَبِى أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا بِالْكُوفَةِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خَيْرُ نِسَائِها مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ". قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. 70 - (2431) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ - وَاللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة " وأشار وكيع إلى السماء والأرض، كأنه يفسر ضمير الهاء فى " نسائها "، أنه يريد الدنيا والأرض، وذكره لهما بذلك يحتمل أن يريد أن كل واحدة خير نساء أهل الأرض فى وقتها، أو أنها من خير نسائها وأفضلهن، وإن كانت المزايا بعد بينهما وبين غيرهما ممن هو خير النساء متفاضلة. وقوله: " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ": يستدل به من يقول بنبوة النساء ونبوة آسية ومريم، والأكثر على أنهما صدّيقتان ووليتان من أولياء الله تعالى، والكمال المتناهى للشىء وتمامه فى بابه. والمراد هاهنا: التناهى فى جو الفضائل وخصال البر والتقوى. يقال منه كمَل وكمُل، بالفتح والضم، وليس يشعر الحديث بأنه لم يكمل ولا يكمل ممن يكون فى هذه الأمة غيرهما. فإذا قلنا بنبوتهما أو سلمنا ذلك لقائله، فلا شك أنه لا يلحق درجتهما فى النبوة غيرهما،

71 - (2432) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ، مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِىَ أَتَتْكَ فَاقْرَأ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا - عَزَّ وَجَلَّ - وَمِنِّى، وبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ وَلانَصَبَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِى رِوَايَتِهِ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ. وَلَمْ يَقُلْ فِى الْحَدِيثِ: وَمِنِّى. 72 - (2433) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قلنا: إنهما صدِّيقتان، لم يمنع أن يكمل من هذه الأمة غيرهما. وقوله: " وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " (¬1) لسرعة إساغته والاستلذاذ به وإشباعه، وتقديمه على غيره من الأطعمة التى لا تقوم مقامه، وليس فى هذا نص بتفضيلها على من ذكر من مريم وآسية، ويحتمل أن المراد نساء وقتها أو مثلها، وليس فيه ما يشعر بتفضيلها على فاطمة، إذ قد يكون تمثيل تفضل فاطمة لو مثلها بما هو أرفع من هذا، وبالجملة بيّن هذا الحديث أن عائشة مفضلة على النساء تفضيلاً كثيراً، وليس فيه عموم جميع النساء. وقوله فى فاطمة: " سيدة نساء أهل الجنة " (¬2) أعم وأظهر فى التفضيل، والله أعلم. وقوله فى خديجة: " بشرها فى الجنة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب "، قال الإمام: قال الهروى: ببيت من فضة، هو فى الحديث: " لؤلؤ مجوف [واسع] (¬3) كالقصر المنِيف ". والصخب: الصوت المرتفع، وأيضاً اختلاط الأصوات. والنصب: المشقة والعناء والتعب، وفيه لغتان: نصُب ونصَب، مثل حَزُن وحَزَن. قال صاحب الأفعال: نَصِب الرجل، بفتح النون وكسر الصاد، إعياءً من التعب. قال القاضى: قيل: المراد بالبيت [هنا] (¬4): القصر. يقال: هذا بيت فلان، أى قصره، قاله الخطابى. والقصب قصب اللؤلؤ، ما استطال منه فى تجويف. يقال لكل مجوف قصب، وقد جاء فى الحديث مفسراً [فى] (¬5) بيت من لؤلؤ محباة. قال ابن وهب: أى مجوفة. قيل: أراد محوبة، فقدم الباء وأخر الواو وأبدلها ألفاً. ¬

_ (¬1) حديث رقم (89) من الباب التالى. (¬2) حديث رقم (98، 99) من هذا الكتاب. (¬3) فى هامش ح. (¬4) و (¬5) سقطتا من ز، والمثبت من ح.

الْعَبْدِىُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَشَّرَهَا بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاصَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ. (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَجَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى أَوْفَى، عَنِ النَّبَىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 73 - (2434) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: بَشَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَديِجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ بِبَيْتٍ فِى الجَنَّةِ. 74 - (2435) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِى بِثَلاَثِ سِنِينَ؛ لِمَا كُنْتُ اسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُبَشِّرُهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ فِى الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِيهَا إِلَى خَلائِلِهَا. 75 - (...) حدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّى لَمْ أُدْرِكْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعض أصحاب المعانى: معنى قوله: " لا صخب فيه ": أى لا منازعة، وأنه مخصوص بهما لا يشاركها فيه غيرها فينازعها، فيفضى ذلك إلى الصخب. وقيل فى قوله: " ولا نصب ": أى لم تجازيه لنصبها فى العبادة والعمل لله، لكن فضل من الله وزيادة بعد ما أثابها على أعمالها. والمعنى الأول أظهر. وقوله: " وإن كان ليذبح الشاة فيهدى لخلائلها ": أى لصواحبها وأصدقائها، جمع خليلة، كما جاء مفسراً فى الحديث الآخر: " أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة ". والخلة: الصداقة. فالخل والخلة والخليل الصديق.

قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: " أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ ". قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا ". (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ، إِلَى قِصَّةِ الشَّاةِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الزِّيَادَةَ بَعْدَهَا. 76 - (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: مَا غِرْتُ للِنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ إِيَّاهَا، وَمَا رَأَيْتُهَا قَطُّ. 77 - (2436) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمْ يَتَزَوَّج النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ. 78 - (2437) حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اسْتأذنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ - أُخْتُ خَدِيجَةَ - عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فارتاح لها، وقال: " اللهم هالة بنت خويلد ": أى هش لبرها، ونشطت نفسه سروراً بها، وفى هذا كله منه - عليه الصلاة والسلام - حسن عهد، وحفاظ على رعاية حق خديجة، وبرها وودها بعدها، وهو من حسن الإيمان. وقول عائشة: " فغرت وقلت: ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين، إشارة إلى كبر سنها، ومبالغة فى ذلك، أى: إنها قد سقطت أسنانها من الكبر، فلم يبق لشدقيها بياض إلا حمرة لثاتها. قالته لما طبع عليه نساء البشر من الغيرة. قال الطبرى وغيره: الغيرة من النساء مسموح لهن فيها، وغير منكر من أخلاقهن، ولا معاقب لها؛ لما جبلن عليه من ذلك، وأنهن لا يملكن أنفسهن عندها، ولهذا لم يزجر النبى - عليه الصلاة والسلام - عائشة ولا رد عليها. وقد روى عن النبى عليه الصلاة والسلام: أن الغيراء لا تدرى أعلى الوادى من أسفله، وعذرها لما علم من فطرتها على ذلك، وشدة غيرتها.

فَعَرفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ. فَقَالَ: " اللهُمَّ، هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ "، فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقيْنِ، هَلَكَتْ فِى الدَّهْرِ، فَأَبْدلَكَ الله خَيْرًا مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وذلك عندى من عائشة - أيضاً - مع صغر سنها وأول حالها وسورة تشبيهها، ولعلها كانت حينئذ لم تبلغ، والله أعلم.

(13) باب فى فضل عائشة رضى الله تعالى عنها

(13) باب فى فضل عائشة رضى الله تعالى عنها 79 - (2438) حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى الرَّبِيعِ - حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُرِيتُكِ فِى الْمَنَامِ ثَلاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِى بِكِ الْمَلَكُ فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ. فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتْكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِىَ. فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ ". (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 80 - (2439) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: وَجَدْتُ فِى كِتَابِى عَنْ أَبِى أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله لعائشة - رضى الله عنها -: " أرأيتك فى المنام ثلاث ليال - وعند البخارى: مرتين (¬1) - جاءنى بك الملك فى سرقة من حرير، [فقلت] (¬2): إن يك هذا من عند الله يمضه "، قال القاضى: يحتمل قوله: " إن يك هذا من عند الله " أى رؤيا حق وقبل النبوة. وقبل: تخليصه أحلامه من الأضغاث، وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاث معان: إحداها: أن يكون مراده أن تكون الرؤيا على وجهها. وقول الملك: هذه امرأتك غير معبرة، فسيمضيه الله وينفذه، ويكون شكه فى هذا هل هى رؤيا تعبر أو هى على وجهها لا تحتاج إلى عبارة، كما كانت. الثانى: أن يكون هذا فى الدنيا، ويكون شكه من هذا، وأنها من نسائه فى الآخرة، والثالث: لم يشك، ولكنه أخبر على التحقيق، وجاء بصورة الشك. كما قال: أأنت أم أم سالم، وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة، يسميه أهلها: تجاهل العارف، وسماه بعضهم: مزج الشك باليقين، وعليه حمل بعضهم قوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِك} (¬3)، وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (¬4)، وقوله: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةً لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين} (¬5). ¬

_ (¬1) البخارى، ك النكاح، ب النظر إلى المرأة قبل التزويج 7/ 19. بدون ذكر لفظة: " مرتين " (¬2) من ح. (¬3) يونس: 94. (¬4) سبأ: 24. (¬5) الأنبياء: 111.

أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَىَّ غَضْبَى ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لا، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا كُنْت غَضْبَى، قُلْتِ: لا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ". قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلا اسْمَكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فى سرقة من حرير "، قال الإمام: قال أبو عبيد: هى الشقق، إلا أنها هى البيض منها خاصة، الواحدة [منها] (¬1) سرقة وأحسبها فارسية، أصلها: سرة، وهو الجيد، وأنشد غير أبى عبيد للعجاح: ونسجت لوامع الحرير ... سباسبا كسرق الحرير قال القاضى: [الصواب: سبائبا] (¬2)، وهى ما رقّ من الثياب كالخمر ونحوها، وأما السباسب بالقفار والأراضى المستوية، وقيل: السرق الجيّد من الحرير، حكاه الهروى ونحوه عن أبى عبيد، وقال المهلب: السرقة كالكلة والهودج، ولم يقل: سبا. وقوله: " إنى لأعلم إذا كنت عنى راضية وإذا كنت علىّ غضبانة " إلى قولها: " أجل، ما أهجر إلا اسمك ": معنى " أجل " هنا: نعم. مغاضبة عائشة للنبى - عليه الصلاة والسلام - هو مما تقدم للغيرة التى عفا عنها لها من أجلها، وعن النساء فى كثير من الأحكام، حتى قد ذهب مالك وغيره من علماء أهل المدينة إلى إسقاط الحد عنها إذا رمت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة. واحتج لذلك بما روى عن النبى - عليه الصلاة والسلام -: " ما تدرى الغيراء أعلى الوادى من أسفله " (¬3)، ولولا هذا لكان على عائشة فى ذلك من الحرج ما فيه: لأن الغضب على النبى - عليه الصلاة والسلام - وهجره كبيرة لمن فعله واعتقده وعظمه، ألا ترى قولها: " إنما أهجر اسمك " فدل أن قلبها وحبها له كما كان ملىء، الغيرة إنما هى فى (¬4) النساء لفرط المحبة. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الاستدلال بهذا الحديث على أن مثل هذا - من ترك ذكر الاسم، وبسط الوجه، وترك السلام، والإعراض - هو الذى يباح عند المغاضبة بين المسلمين، والوجه عليه فى أمور الدنيا، ولا يحل ذلك بعد ثلاث، وأما ما زاد على ذلك من الاجتناب وقطع الكلام جملة، فهذا لأهل الفسوق والمعاصى تأديباً لهم؛ ولهذا ترجم البخارى على هذا الحديث وحديث المتخلفين: "باب ما يجوز من الهجران لمن عصى" (¬5) وأدخل حديث المتخلفين الثلاثة، ونهى النبى - عليه السلام - عن كلامهم. وذكر خمسين ليلة، ثم ذكر هذا الحديث ليس مما يجوز لغيرهم. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى هامش ح. (¬3) سبق تخريجه. (¬4) فى ح: من. (¬5) البخارى، ك الأدب، ب ما يجوز من الهجرات لمن عصى 8/ 26.

(...) وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ بنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: " لا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 81 - (2440) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامٍ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: وَكَانَتْ تَأتِينِى صَوَاحِبِى، فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِّربُهُنَّ إِلىَّ. (...) حدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِى بَيْتِهِ، وَهُنَّ اللُّعَبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل بعضهم بقولها: " إنما أهجر اسمك " بأن الاسم غير المسمى، قال: إذ لو كان الاسم هو المسمى لكانت الهجرة له، قال: ولكن إنما هذا فى المخلوقين، وأما الخالق فالاسم هو المسمى وحده؛ لأنه - تعالى - فى صفاته وأسمائه وذاته لا يُشبه ذوات المخلوقين، ولا أسماءهم، ولا صفاتهم، فى كلام طويل ذكره بعض من يعزى إلى العلم، وممن كثر كلامه فيه وشرح الحديث، وهذا كله كلام من لا تحقيق عنده من معنى المسألة، وتحقيق الكلام فيها لغة أو نظراً. ولا امتراء عند القائلين بأن الاسم هو المسمى من أهل [السنة] (¬1) وجماهير أئمة أهل اللغة، أو مخالفيهم من المعتزلة أن الاسم يقع أحياناً، والمراد به التسمية حيث كان فى خالق أو مخلوق، ففى حق الخالق تسمية المخلوق له باسمه وفعله ذلك بكلامه وعباراته المخلوقة. وأما أسماؤه تعالى التى سمى بها نفسه فقديمة، كما أن ذاته وصفاته قديمة. وكذلك لا يختلفون أن لفظة الاسم إذا تكلم بها البشر فتلك اللفطة والحروف والأصوات المقطعة المتوهم (¬2) منها الاسم أنها غير الذات وهى التسمية أو إنما الاسم الذى هو الذات، ما يفهم عنه من خالق أو مخلوق، ولهذه المسألة موضع ولها فى أصول الدين موقع. وقولها: " كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه جواز اللعب بهن، وتخصيصهم (¬3) من الصور المنهى عنها لهذا الحديث، ولا فى ذلك من تدريب النساء فى ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) فى ح: المتفهم. (¬3) فى ح: وتخصيصهن.

82 - (2441) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 83 - (2442) حدّثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحَلْوَانِىُّ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ النَّضْرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بِن سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ هِشَامٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِى فِى مِرْطِى، فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِى إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِى ابْنَةِ أَبِى قُحَافَةَ - وَأَنَا سَاكِتَةٌ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَىْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ ". فَقَالَتْ: بَلَى. قَالَ: " فَأَحِبِّى هَذِهِ ". قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتَهُنَّ بِالَّذِى قَالَتْ، وَبِالَّذِى قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْنَ لَهَا: مَا نَرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَىْءٍ، فَارْجِعِى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولِى لَهُ: إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ صغرهن على النظر لأنفسهن وبيوتهن، وأبنائهن. وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن، ولم يعبروا أسواقها. وروى عن مالك كراهة شرائها، وهذا عندى محمول على كراهة الاكتساب بها للبائع، وتنزيه أُولى المروءات عن تولى ذلك من بيع وشراء لا كراهة اللعب بهن، وعلى الجواز بلعب الجوارى بهن جمهور العلماء، وذهبت فرقة إلى أنه منسوخ بالنهى عن الصور. وقوله: " فكن - يعنى صواحبها - ينقمعن من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": أى يدخلن البيت يتغيبن حياءً وهيبة له. وقولها: " فكان يسربهن إلىّ ": أى يرسلهن. وقوله: " كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون ذلك مرضاة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه جواز مخلة الزوج بعض نسائه، ومحبة الخير لها أكثر من غيرها، وإنما أمر بالعدل فى أفعاله، وأما فى القلب فليس من قدرته. وقد مر هذا فى النكاح، ويأتى منه بعد هذا، وذكرنا أن العدل بينهن لم يكن واجباً فى حقه - عليه الصلاة والسلام - ولكنه كان يلتزم ذلك لتستن به أمته. وفى إرسال أزواج النبى - عليه الصلاة والسلام - فاطمة إلى أبيها فى شأن عائشة

أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلِ فِى ابْنَةِ أَبِى قُحَافَةَ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاللهِ، لا أُكَلِّمَهُ فِيهَا أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِىَ الَّتِى كَانَتْ تسَامِينِى مِنْهُنَّ فِى الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِى الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى للهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتذَالاً لِنَفْسِهَا فِى الْعَمَلِ الَّذِى تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حَدٍّ كَانَتْ فِيها، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ. قَالَتْ: فَاسْتَأذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَائِشَةَ فِى مِرْطِهَا، عَلَى الْحَالَةِ الَّتِى دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا. فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِى إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِى ابْنَةِ أَبِى قُحَافَةَ. قَالَتْ: ثُمَّ وَقَعَتْ بِى، فَاسْتَطَالَتْ عَلَىَّ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ، هَلْ يَأذَنُ لِى فِيها. قَالَتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ. قَالَتْ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْها حِينَ أَنْحَيْتُ عَلَيها. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَسَّمَ: " إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِى بَكْرٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يسألنه العدل فيها، على طريق الرغبة فى الحظ لأنفسهن، والحرص على الاستكثار منه، لا على طريق التحويز له والتظلم منه. وقولها: " ينشدنك ": أى يسألنك برفع صوت. ودخول فاطمة ثم زينب على النبى - عليه الصلاة والسلام - وهو مضطجع مع عائشة فى مرطها، دليل على أن مثل هذا مباح؛ إذ ليس فيه كشف عورة من فعل مستتر به عن الناس. وقولها عن زينب: " وهى التى تسامينى فى المنزلة عنده ": أى: تعادلنى وتضاهينى فى الحظوة، وعلو المنزلة، والمكانة منه، مأخوذ من السمو وهو الارتفاع، ورأيت بعضهم فسر هذا الحرف فى هذا الحديث أنه من سوم الخسف (¬1) وتجشم الإنسان ما يشق عليه ويكرهه، وتلازمه ذلك، كأنها تريد: تغيظنى وتؤذينى، ولا يصح هذا من جهة العربية أن يأتى فى باب المفاعلة ولا من سامى، وإنما فعله سامه، وبنى عليه مساومة، وسامنى إنما هو من سما، يقال منه: سما فلان أى ارتفع، وهو سموه إلى المعالى، والمساماة فى هذا من المعاندة صحيحة وأثبت عليها بما أثبت من الخصال المحمودة ¬

_ (¬1) فى الأبى: احسب.

(...) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمانَ: حَدَّثَنِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ فِى المَعْنَى. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخنْتُهَا غَلَبَةً. 84 - (2443) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: وَجَدْتُ فِى كِتَابِى عَنْ أَبِى أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ: " أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ " اسْتبطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ. قَالَتْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِى قَبَضَهُ اللهِ بَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى. 85 - (2444) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئ عَلَيْهِ عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا، وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى، وَألْحِقْنِى بِالرَّفِيق". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ من التقى والصدق والصدقة وصلة الرحم. وفيها جواز اعتمال المرأة بيدها وكسبها فى بيت زوجها كالصدقة بإذنه أو بغير إذنه. وقولها: " ما عدا سورة حَدّ " بفتح الحاء، ويروى: " من حدة " [بكسرها " تسرع منها الفيئة ": تريد: ما خلا هذه الخصلة فيها من حدة الخلق] (¬1) وسورة الشىء، بفتح الشين: ثورانه، والسورة: البطش، وسورة التراب: قوته، وحدته. وسواره، بضم السين: دبيبه فى الرأس، وهو منه، قال الحربى: تريد يعتريها ما يعترى الشارب من الشراب، وقيل: " سورة حد ": سراعة غضب. والفيئة: الرجوع، تريد: أنها سريعة الغضب، سريعة الرجوع. وقولها: " ثم وقعت بى فاستطالت [على، وأنا أرقب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأرقب على طرفه، هل يأذن لى] (¬2) حتى عرفت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكره أن أنْتصر ": ¬

_ (¬1) و (¬2) فى هامش ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس فيه دليل أنه أذن لها ولا غمزها، وإن قالت أنها كانت ترقب طرفه، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: " ما كان لنبى أن تكون له خائنة الأعين " (¬1). لكن لما رأى تطلعها لذلك ولم ينهها فهمت أنه لا ينكر انتصارها كما كان، ألا تراه كيف قال: " إنها بنت أبى بكر "، وهذا يدل على أنه وافقها لأنها ابتدأتها، {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} (¬2). وقيل: بل لينتصف منها فلا يبقى على زينب تباعة، ولا [فى] (¬3) نفس عائشة خيفة بانتصافها، ثم يرجعان إلى حسن الصحبة بعده. ومعنى " وقعت بى " بمعنى ما بعده، أى استطالت على وناولتنى بمؤذ كلامها. والوقعة موضع المعركة، وأوقع القوم بآخرين إذا فعلوا بهم فعلة منكرة، من قتل أو سبى، وكأنه - والله أعلم - من الوقع بفتح القاف، وهو جرح الرجل من الجفاء، ويغير موقع إذا [كان] (¬4) مطهراً إثر الدبر. وقولها: " فلم أنشبها ": أى أدع أمرها لشىء آخر، ولم أتركها. وقولها: " حتى أنْحَيْتَ عليها "، ويروى: " حين أنحيت عليها " وهو أشبه هنا وأوجه، ومعناه: حين قصدتها واعتمدتها بمعارضتها وبجواب كلامها. يقال: أنحيت عليه ضرباً، وفى الرواية الأخرى بعده: " لم أنشبها أن أثخنتها غلبة "، ويحتمل أن هذه الرواية أصح وأن الأولى مغيرة مصحفة عنها، والله أعلم. ومعنى " أثخنتها غلبة ": أى بالغت فى الرد عليها وأثقتها وقهرتها. وقد قيل فى قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُم} (¬5) أى أثقلتموهم بالقتل، وقيل: أكثرتم فيهم بالقتل، وقيل: بالغُنم فيه. وقوله: " أين أنا اليوم أين أنا غدًا " استبطاء ليوم عائشة: هذا لمحبته فيها، وحرصه على أن يكون عندها، حتى استأذن أزواجه فى تمريضه عندها، ليكون عن طيب أنفسهن فيبلغ غرضه مع تطييبه أنفسهن، مع التزامه ما التزمه من العدل بينهن. وقولها: " قبضه الله بين سحرى ونحرى " بفتح السين، السحر: الرئة وما تعلق بها، ويقال: سُحر بالضم، وكلاهما بالسين والحاء المهملتين، هذا المشهور فى الرواية. وحكى أبو على القالى عن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير عن قول عائشة هذا فقال (¬6): إنما هو " شجرى " بالشين المعجمة والجيم، وشبك بين أصابعه، وأومأ أنها ضمته إلى نحرها (¬7) مشبكة يديها عليه، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الحدود، ب الحكم فيمن ارتد (4359)، النسائى، ك تحريم الدم، ب الحكم فى المرتد (4067). (¬2) الشورى: 41. (¬3) و (¬4) فى هامش ح. (¬5) محمد: 4. (¬6) بعدها فى ح: لهما. (¬7) فى الأبى: صدرها.

86 - وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِىٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ، يَقُولُ: {فَأُوْلْئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} (¬1). قَالَتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ حِينَئِذٍ. (...) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. 87 - (...) حدّثنى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَعُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فِى رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: " إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِىٌّ قَطُّ، حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ فِى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأسُهُ عَلَى فَخِذِى، غُشِىَ عَلَيْهِ سَاعَةً ئُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ، الرَّفِيقَ الأَعْلَى ". قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِذًا لا يَخْتَارُنا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " وأخذته بحة " بضم الباء [وتشديد الحاء، هى خشونة الصوت وحدته وصفاؤه، والاسم البحح، بفتح الباء والحاء] (¬2). وقوله: " فأشخص بصره إلى السقف "، قال الإمام: أى رفعه. قال القاضى: كذا قال صاحب العين وغيره، وقال صاحب الأفعال: شخص: خرج من موضع إلى غيره، والسهم جاوز الهدف، والبصر لم يطرف، كله بفتح الحاء، فمعناه على هذا: حدد بصره إلى السقف ولم يطرف، وهى صفة شخوص بصر الميت. وقوله: " اللهم الرفيق الأعلى "، وفى رواية: " فى الرفيق "، وفى رواية: " ألحقنى بالرفيق "، وفى رواية: " مع الرفيق ": قيل: هو اسم من أسماء الله تعالى. وخَطَّأ ¬

_ (¬1) النساء: 69. (¬2) فى هامش ح.

قَالَتْ عَائِشَةَ: وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِى كَانَ يحَدَّثَنا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِى قَوْلِهِ: " إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِىٌّ قَطُّ، حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ من الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: " اللهُمَّ، الرَّفِيقَ الأَعْلَى ". 88 - (2445) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلاهُما عَنْ أَبِى نُعَيْمٍ. قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الأزهرى، وكذلك يبعد لا سيما مع رواية " مع " و " فى ". وقيل: بل هم جماعة الأنبياء، ويدل عليه قوله فى الحديث الآخر: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} إلى قوله: {[وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ] (¬1) رَفِيقًا} (¬2) وهو لفظ يقع للواحد والجميع (¬3). وقيل: أراد رفق الرفيق، وقيل: أراد مرتفق الجنة. وقال الداوودى: هو اسم لكل سماء، وأراد الأعلى؛ لأن الجنة فوق ذلك. ولم يعرف هذا أهل اللغة ووهموا فيه، وإنما اسم السماء الرفيع، بالعين. ويبعد أيضاً مع رواية: " مع الرفيق ". وقوله: " كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة ": بناء منه فى العدل عليه الصلاة والسلام بينهن، وتطييب نفوسهن. وقد أختلف [العلماء] (¬4) فى إيجاب ذلك، فقيل: ليس له أن يخرج لسفر بإحداهن إلا بقرعة، وهو قول أبى حنيفة والشافعى وأحد قولى مالك. وقال مالك أيضاً: له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة. وهذا الحديث حجة للقول الأول. وحجة القول الثانى: أن العدل لم يكن واجباً على النبى - عليه الصلاة والسلام - لكن ذلك من حسن العشرة، وتطييب النفوس، وأن النساء يختلفن، فقد تكون إحداهن أخف محملاً وأقل عناء فى النظر فيما يخلفه، والأخرى أحسن نظراً فى ماله وأقوم بما يخلفه بعده، والواحدة ذات بنين وصنعة والأخرى متفردة. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) النساء: 69. (¬3) فى ح: الجمع. (¬4) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ، سَارَ مَعَ عَائِشَةَ، يَتَحَدَّثُ مَعَهَا. فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: أَلا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِى وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ، فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ؟ قَالَتْ: بَلَى. فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ، وَعَلِيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ ثُمَّ سَارَ مَعَهَا، حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَغَارَتْ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَها بَيْنَ الإِذْخرِ وَتَقُولُ: يَارَبِّ، سَلِّطْ عَلَىَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِى، رَسُولُكَ وَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا. 89 - (2446) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ". (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونُ ابْنَ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا قَتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - كِلاهُما عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. ولَيْسَ فِى حَدِيثِهما: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه جواز العمل بالقرعة، ولم يختلف العلماء أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة بالمضى لها مع زوجها فى سفرها. وقول حفصة لعائشة: " ألا تركبين الليلة بعيرى وأركب بعيرك " الحديث: قال المهلب: فى تحيل حفصة على عائشة دليل على أن القسمة لم تكن واجبة؛ إذ لم تكن تفعل ما لا يحل لها من الاستكثار من النبى - عليه الصلاة والسلام - إلا ما أباحه لها من نفسه. قال القاضى: وليس قوله ببين؛ لأن فى الحديث: أن النبى - عليه الصلاة والسلام - كان يسير من الليل مع عائشة يتحدث معها. فقد استبان أنها قصدت ذلك. وليس هذا حق لعائشة ولا قسم، ولو كان ذلك لكان لحفصة مثله، وليس عليها فى هذا درك؛ لأنها طلبت الخير لنفسها وآثرتها به. ولم يكن ذلك حقاً واجباً لغيرها أوجب لها، فاحتالت عليها. ومسير النبى - عليه الصلاة والسلام - معها وتحدثه معها بعد معرفته بها؛ دليل على جوازه لها وإباحة ذلك من نفسه لها، ولو كان غير جائز لما أقرها عليه، ولا سامحها فيه كما لم يسامح فى تمريضه فى بيت عائشة، مع جواز ذلك له لو شاء إلا بإذنهن.

رَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. 90 - (2447) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَيَعْلَى ابْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: " إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. (...) حدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُلائِىُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا. بِمِثْلِ حَدِيثهِما. (...) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَسْباَطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 91 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لا أَرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ ودعاء عائشة على نفسها من الغيرة وما فعلته كذلك غير مؤاخذة به عند الحرج؛ لأنه بغير نية ولا معاقباً به، ولا يجاب غالباً، قال تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ} (¬1). قوله: " إن جبريل يقرأ عليك السلام ": يقال: أقرأته السلام، وهو يقرئك السلام بضم الياء رباعى، فإذا قلت: يقرأ عليك، بالفتح لا غير، وقيل: هما لغتان. وقولها: " وعليه السلام ورحمة الله ": فيه أن صورة الرد هكذا. وهو اختيار ابن عمر: عليك السلام. وقال بعضهم: أما إذا اقتصر على رد مثلها فيقول كما قيل له: السلام عليك. وقد تقدم الكلام على أحكام السلام وأحاديثه. ¬

_ (¬1) يونس: 11.

(14) باب ذكر حديث أم زرع

(14) باب ذكر حديث أم زرع 92 - (2448) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ، كِلاهُمَا عَنْ عِيسَى - وَاللَّفْظُ لابْنِ حُجْرٍ - حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُس، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عرْوَةَ عَنْ أَخِيهِ، عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّها قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشَرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاَهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَلا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتِ الأُولَى: زَوْجَى لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍ، عَلَى رَأسِ جبَلٍ وَعْرٍ، لا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى، وَلا سَمِينٌ فَيُنْتَقَل. ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أم زرع قال فى أوله: جلس إحدى عشرة امرأة، وعند الطبرى: جلسْن، وهى لغة بعض العرب بإظهار علامة نون الجماعة مع تقدم الفعل، فيقولون: ضربونِى القوم، وأكلونى البراغيث. وعلحِه تأول بعضهم قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِين ظَلَمُوا} (¬1)، فى الحديث الآخر: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل [وملائكة] (¬2) بالنهار " (¬3). والأحسن فى الكلام والأفصح والأشهر حذفه وإفراد الفعل. وبهذا تكرر فى الكتاب العزيز وصحيح الحديث ومشهور أشعار العرب، وقد جاء فى بعضها تقديمه، وهو قليل. وقد يكون أيضاً " إحدى عشرة " بدلاً من الضمير فى " اجتمعن " وهو تأويل سيبويه فى قوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} كأنه قيل: من هم؟ قال (¬4): {الَّذِينَ ظَلَمُوا} وتكون النون هنا ضميراً لا علامة تأنيث جماعة، وما بعدها بدلاً منها، ولها وجوه أخر كلها تخرج على ما ذكره المفسرون فى الآية. قال الإمام: قول الأولى من النسوة اللائى اجتمعن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً: " زوجى لحم جمل غث ": يعنى المهذول على رأس جبل وغث تصف قلة خيره، وبعده مع القلة كالمشى فى قبلة الجبل الصعب لا ينال إلا بالمشقة. قال ¬

_ (¬1) الأنبياء: 3. (¬2) ساقطة من الأصل وح، والمثبت من الحديث المطبوع. (¬3) أخرجه البخارى، ك المواقيت، ب فضل صلاة العصر 1/ 145. (¬4) فى ح: فقال.

قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِى لا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنَّى أَخَافُ أَلا أَذَرَهُ، إِنْ أَذكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَاَلتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِى الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطابى (¬1): معنى البعير فى هذا أن يكون قد وصفته بسوء الخلق، والترفع لنفسه، والذهاب بها زهوًا وكبرًا، يريد أنه مع قلة خيره وبر أدبه قد يتكبر على العيش ويجمع إلى منع الرفد الأذى وسوء الخلق. قال أبو عبيد: وقولها: " لا سمين فينقى ": أى يستخرج نقيه، والنقى: المخ. يقال: نقوت العظم ونقيته وأنقيته: إذا استخرجت نقيه. ومن رواه: " فينتقل " أى ليس سميناً ينقله الناس إلى بيوتهم يأكلونه، ولكنهم يزهدون فيه. قال الخطابى: يريد أنه ليس فى جانبه طرف فيحمل سوء عشرته لذلك. يقال: أنقلت الشىء، أى نقلته. قال أبو عبيد: وقول الثانية: " أذكر عجره وبجره ": العجر: أن يتعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد، والبجر نحوه، إلا أنها فى البطن خاصة وواحدتها بجرة. ومنه قيل: رجل أبجر، إذا كان عظم البطن، وامرأة بجراء، الجمع بجر، [يقال: رجل أبجر، إذا كان - ناتئ السرة عظيمها] (¬2). قال الهروى (¬3): قال ابن الأعرابى: العجرة: نفخة فى الظهر، فإذا كانت فى السرة فهى بجرة. ثم ينقلان إلى الهموم والأحزان. قال الخطابى: أرادت بالعجر والبجر عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة (¬4). وقال الأصمعى فى قول على - رضى الله عنه -: " إلى الله أشكو عجرى وبجرى ": أى همومى وأحزانى. قال القاضى: وقال ابن السكيت: معنى " عجره وبجره ": أى أسراره. وفى قولها: " أخاف ألا أذره " تأويلان: أحدهما ذهب إليه ابن السكيت: أن الهاء عائدة على ذكره وصبره لطوله وكثرته وإن بدأته لم يقدر على تمامه، وقيل: إنها عائدة على الزوج وهو المراد، كأنها خشيت فراقه إذا ذكرته وبلغه، وكأنها كانت تحبه وتكون " لا " هنا زائدة، كما قال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} (¬5). قال الإمام: قال أبو عبيد: وقول الثالثة: " زوجى العشنق ": هو الطويل، تقول: ليس عنده أكثر من طوله بلا نفع، إن ذكرت ما فيه من العيوب إن نطقتُ طلقنى، ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 2/ 849. (¬2) فى هامش ح. (¬3) انظر: غريب الحديث 2/ 290. (¬4) فى ز: الكائنة، والمثبت من ح. (¬5) الأعراف: 12.

قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِى كَلَيلِ تِهَامَةَ، لا حَرٌّ وَلا قُرٌّ، وَلا مَخَافَةَ وَلا سَآمَةَ. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِى إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِى إِنْ أَكَل لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن سكت تركنى معلقة، لا أيم ولا ذات بعل، ومنه قوله تعالى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة} (¬1). وقول الرابعة: " زوجى كليل تهامة ": تقول: ليس عنده أذى ولا مكروه، وإنما هو أمثل؛ لأن الحر والبرد كلاهما فيه أذى إذا اشتد. وقولها: " لا مخافة ولا سآمة ": تقول: ليس عنده غائلة ولا شر أخاف، ولا يسألنى فيمل صحبتى. وقول الخامسة: " زوجى إن دخل فهد ": تصفه بكثرة النوم والغفلة فى منزله، على وجه المدح له، وذلك أن الفهد كثير النوم. يقال: أنوم من فهد والذى أرادت: أنه ليس يتفقد ما ذهب من ماله، ولا يلتفت إلى جانب البيت وما فيه، فهو كأنه ساه عن ذلك، ويبينه قولها: " ولا يسأل عما عهد " يعنى: عما كان عندى مثل ذلك. وقولها: " أسد ": تصفه بالشجاعة. تقول: إذا خرج إلى الناس لمباشرة الحرب ولقاء العدو أسد فيها. يقال: أسد الرجل واستأسد بمعنى. قال القاضى: قولها: " فهد وأسد " كذا الرواية فيه، بكسر الهاء والسين، فإما أن يكونا فعلين مشتقين من أسمائهما، أو يكونا اسمين، ويكون فهْد وفهِد مثل فخْذ وفخِذ ويأتى أسد على الاتباع لفهِد، وقد قال ابن أبى أويس فى معناه: أنه إذا دخل وثب علىَّ وثوب الفهد، فيحتمل أنه يريد بذلك ضرابها والمبادرة لجماعها. قال الإمام: وقول السادسة: " إن أكل لف، وإن شرب اشتف " (¬2): اللف فى الإطعام: الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يتبين منه شيئاً، والإشفاف فى الشرب: أن يستقصى ما فى الأناء ولا يستر شيئاً. وإنما أخذ من الشفافة وهى البقية فى الإناء من الشراب، فإذا شربها صاحبها قيل: أشفها (¬3). قولها: " ولا يولج الكف ليعلم البث ": قال أبو عبيد: أحسبه [أنها] (¬4) كان بجسدها عيب أو داء كنّت به؛ لأن البث، هو الحزن، فكان لا يدخل يده فى ثوبها ليمس ذلك العيب فيشق عليها، تصفه بالكرم. قال الهروى: قال ابن الأعرابى: هذا ¬

_ (¬1) النساء: 129. (¬2) فى ز: شف، والمثبت من المطبوع، ح. (¬3) فى ح: اشتفها. (¬4) من الأبى.

قَالَتِ السَّابِعَة: زَوْجِى غَيَايَاءُ - أَوْ عَيَايَاءُ - طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ، أَوْ جَمَعَ كُلا لَكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذم لزوجها، وإنما أرأدت وإن رقد التف فى ناحية ولم يضاجعنى ليعلم ما عندى من محبتى لقربه. قال: ولا بث هاهنا (¬1) إلا محبتها الدنو من زوجها، فسمت ذلك بثاً؛ لأن البث من جهته يكون. وقال أحمد بن عبيد: أرادت أنه لا يفتقد أمورى (¬2) ومصالح أنسابى، وهو قولهم: ما أدخل يده فى الأمر؛ أى لم يتفقده. قال ابن الأنبارى: رد ابن قتيبة على أبى عبيد تأويله لهذا الحرف. قال: وكيف تمدحه بهذا وقد ذمته فى صدر الكلام. قال ابن الأنبارى: ولا حجة على أبى عبيد فيه؛ لأن النسوة كن تعاهدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، ومنهن من كانت أمور زوجها كلها حسنة فوصفتها. ومنهن من كانت أمور زوجها كلها قبيحة فبينتها، ومنهن من كان بعض أمور زوجها حسنة وبعضها قبيحة فأخبرت به. قال الإمام: وإلى قول ابن الأعرابى وابن قتيبة ذهب الخطابى فى تفسير هذا. قال القاضى: قولها: " إذا اضطجع التف ": تريد نام ناحية عنها. وهذا يؤيد خلاف قول أبى عبيد فى البث، وموافقة من تأوله على قلة الاشتغال بها، وقد تريد وصفه بالفشولة والعجز، فهذه نومة العاجز الوكل الزميل، وبهذه الضجعة سمى، ويؤيد تأويل مخالفى أبى عبيد فى هذا ما جاء عن عروة فى بعض طرق هذا الحديث. وذكر خمسة (¬3) منهن هذه إحداهن، فقال: هؤلاء خمسة يشكرن " أو غياياء طباقاء ". قال الإمام: قال أبو عبيد: وقول السابعة: " زوجى عياياء طباقاء ": العيا، بالعين المهملة: هو الذى لا يضرب ولا يلقح من الإبل، وكذلك هو فى الرجال، العيايا هنا فى كتاب ابن ولاد، العىّ: الأحمق القدم. قال الخطابى: أصل الطباقاء ما قاله الأصمعى، وهو الذى أمره مطبق عليه. قال ابن ولاد: يقال: فلان طباقا، إذا لم يكن صاحب غزو ولا سفر، إنما شرح بهذا ابن ولاد بقية وصف الطباق فى البيت الذى استشهد به لا الطباقا، والبيت: طباقاء لم يشهد خصوما ولم يُنِخْ ... قلاصاً إلى أكوارها حين تعكف قال: يريد أنه ليس صاحب غزو ولا سفر. ¬

_ (¬1) فى ح: هناك. (¬2) فى الأبى: همومى. (¬3) فى ز. خمساً، والمثبت من ح.

قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِى الرِّيحُ ريحُ زَرْنَبٍ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: والعياياء من الإبل الذى لا يحسن الضراب، ولا يقال ذلك للرجل. وأما الطباقا فيقال فى الإبل والرجال؛ وهو الذى لا يحسن الضراب أيضاً. قال أبو عبيد: قولها: " كل داء [له] (¬1) داء ": أى كل شىء [من] (¬2) دواء الناس فهو فيه ومن أدوائه. قال القاضى: ما حكاه عن ابن ولاد فى تفسير الطباقا والعيايا لم نجده كذلك فى كتابه بعضه معبر وبعضه مفسر للفظ آخر فانظره. والطباقا: الذى لا يلقح ولا يضرب النوق. قاله الأصمعى، والخليل؛ وحكاه أبو على عن بعضهم: أنه الثقيل الصدر، الذى [لا] (¬3) يطبق صدره على صدر المرأة عند الحاجة لها وهو من مذام الرجال. وأنكر أبو عبيد رواية غياياء بالمعجمة، وقال: ليس بشىء ويظهر له وجه حسن بين لاسيما وأكثر الرواة أثبتوه، ولم يشكوا فيه، وهو أن يكون مأخوذاً من الغياية، وهو كل ما أظل الإنسان فوق رأسه، فكأنه غطى عليه وسترت أموره، ويكون بمعنى طباقا، وقد تقدم من تفسيره بهذا النحو ما يؤيده. أو يكون غيايا منٍ الغى، وهو الانهماك فى الشر، ومن الغى وهو الخيبة قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (¬4) قيل: خيبة. وقولها: " شجك أو فلك أو جمع كلالك ": شجك: جرحك. والشجاج: مما يختص بالرأس، والجراح فيه وفى سائر الجسد والقلب مثله. وقول الثامنة: " المس مس أرنب، والريح ريح زرنب "، قال الإمام: تصفه بحسن الخلق ولين الجانب، كمس الأرنب إذا وضعت يدك عليها. وقولها: " والريح ريح زرنب " معناه: يمكن أن تريد به طيب ريح جسده، ويمكن أنها تريد [به] (¬5) طيب ثيابه فى الناس فى انتشاره فيهم كريح الزرنب؛ وهو نوع من أنواع الطيب معروف. قال القاضى: ومعنى ثالث: إنما أرادت به لين خلقه، وحسن عشرته، فيكون بمعنى الفقرة الأولى. قال الإمام: وقول التاسعة: " زوجى رفيع العماد ": تصفه بالشرف وسناء الذكر، وأصل العماد: عماد البيت، وجمعه عمد. وهى العيدان التى تعمد بها البيوت، وإنما هذا مثل، تقول: إن بيته فى حسنه رفيع فى قومه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم. (¬2) من ح والمطبوعة (¬3) ساقطة من ح. (¬4) مريم: 59. (¬5) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِى رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قولها: " طويل النجاد ": فإنما تصفه بامتداد القامة. والنجاد: حمائل السيف، فهو يحتاج إلى قدر ذلك من طوله، وهذا مما تمدح به الشعراء. وقولها: " عظيم الرماد ": تصفه بالجود، وكثرة الضيافة من لحم الإبل ومن غيرها من اللحوم، فإذا فعلت ذلك عظمت ناره وكثر وقودها، فيكون الرماد فى الكثرة على قدر ذلك. قال الخطابى: قد يكون إيقاد النار بمعالجة الطعام، واشتواء اللحم ليطعمه الأضياف كرماً. وأمدح له أن يكون ناره لا تطفأ لئلا يهتدى به الضيفان فيكثر عشاؤهم إليه. والأجواد يَطْعِمُون ويُطْعَمُونَ (¬1) النيران فى ظلم الليل، ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض، ويرفعون على الأيدى الأقباس ليهتدى بسنائها الأضياف. قال القاضى: قد قيل فى " رفيع العماد " إيهاماً، وأرادت به ظاهره، وهو عماد بيته، وصفته بالعلو والكبر، وكذلك بيوت الأشراف وأهل السؤدد؛ لسعة أحوالهم، وكثرة من يغشاهم فيها ولترى وتقصد وقد وصف غيرهم بضد ذلك، فقيل: قصار البيوت لا يرى أصواتها (¬2) من اللؤم يجتاحون عند الشدائد؛ وقيل: أرادت برفيع العماد: أنه طويل فى نفسه، كما جاء فى رواية " طويل العماد "، وكما قالت: " طويل النجاد ". وهو مُما كانت تتمادح به العرب وتهجو بضده، قال الشاعر: كأنما عمامته بين الرجال لواء وقولها: " قريب البيت من النادى ": النادى، والندى، والمنتدى: مجلس القوم، قال الله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَر} (¬3)، وبذلك سميت دار الندوة للاجتماع للمشورة فيها. ووصفته بالكرم والسؤدد؛ لأنه [لا يقرب] (¬4) من النادى إلا من هو بهذه الصفة؛ لأن المجتمع عنده يكون فى فناء بيته بثبات، هاليه هو يعتمد فى ذلك ولأن الضيفان إنما يقصدون مجتمع الحى ليقوم بهم كرماؤهم، واللئام يبعدون بيوتهم عن ذلك ويخفونها لئلا ترى وتظهر ناره فيقصد كما قال الشاعر: له نار تشب على بقاع (¬5) ... إذا النيران ألبست القناعا ¬

_ (¬1) فى جميع النسخ: يعظمون. (¬2) فى ز: صورها، والمثبت من ح. (¬3) العنكبوت: 29. (¬4) قيدت بعدها فى ح: بيته، وفى الأبى والنووى: البيت. (¬5) فى الأبى: قناع.

قَالَتْ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِى مَالِكٌ وَمَا مَالِكُ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِك، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارك، قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أى: سترته بوقودها فى الغيطان، وبطون الأرض. قال الإمام: وقول العاشرة: " زوجى مالك " الحديث، تقول: إنه لا يوجه إبله تسرح نهاراً إلا قليلاً ولكنهن يتركن بفنائه فإن نزل به ضيف لم تكن الإبك غائبة عنه، ولكنها بحضرته فيقريهم من ألبانها ولحومها. والمزهر: العود الذى يضرب به، أرادت: أن زوجها عود (¬1) إبله إذا نزل به الضيفان أن ينحر لهم ويسقيهم الشراب، ويأيتهم بالمعازف، فإذا سمعت الإبل ذلك الصوت علمن أنهن منحورات فذلك قولها: " أيقن أنهن هوالك ". قال القاضى: المسارح: المراعى البعيدة، يقال: سرحت الإبل فسرحت اللازم والواقع واحد فعلت فيها، قال الله تعالى: {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (¬2). قال بعضهم فى معنى قولها: " كثيرات المبارك، قليلات المسارح ": أنها كثيرة فى حال بروكها، قليلة إذا سرحت لكثرة ما تسار فتحلب ثم تعزل (¬3)، فلكثرة (¬4) ما يفعل ذلك بها كثرت مباركها، وهى " قليلات المسارح "؛ لقلتها فى ذاتها، وقيل: بل مباركها كثيرة ما ينحر منها للأضياف. قال: ولو كان كما تقدم لماتت هزالاً، وقيل: بل معناها: " كثيرة المبارك ": أى مباركها فى الحقوق والعطايا والحملان والأضياف كثيرة. ومراعيها قليلة، أى أنها تكثر فى مباركها بمن ينتابها من الضيفان [والمعمقين] (¬5). وإلى هذا ذهب يعقوب بن السكيت واحتج عليه بقول عروة بن الورد: بريح على الليل قربان ماجد ... كريم ومالى سارحا مال معسر قال: تقول: إذا راحت بالعشى راح فيها الضيفان، وإذا سرحت كانت قليلة؛ لأنه لا أحد فيها منهم يكثر سوادها، ونحوه لابن الأنبارى. وذهب أبو سعيد النيسابورى فى قولها: " إذا سمعن صوت مزهر " أنه مزهر النار للأضياف، أى موقدها، ويكون بضم الميم، تريد صوت معمعة النار فى وقيدها به للضيفان. قال: ولم تكن العرب تعرف المزهر الذى هو العود، إلا من خالط الحضر ¬

_ (¬1) فى ز، ح: قد عود. (¬2) النحل: 6. (¬3) فى ح تترك. (¬4) فى ز: فكثرت، والمثبت من ح. (¬5) هكذا فى ز وغير مقروءة فى ح، وفى الأبى: والمعتفين. والعتف: النتف. يقال: مضى عِتف من الليل وعدق من الليل، أى قطعة. راجع كلمة " عتف " فى اللسان.

قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِى أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبْو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِىٍّ أُذُنَىَّ، وَمَلأَ مِنْ شَحْمِ عَضُدَىَّ، وَبَجَّحَنِى فَبَجَحَتْ إِلَىَّ نَفْسِى، وَجَدَنِى فِى أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم، ولم يقل: " سامع " أنه لم يروه أحد بضم الميم، وقد جاء ذكر المزهر والعود والكيران (¬1) فى أشعار العرب كثير. ومن يقول: إن هؤلاء النسوة من غير أهل الحضر، فكيف وفى بعض الروايات: أنهن من قرية من قرى اليمن، فهؤلاء أهل حاضرة. وقول " الحادية عشرة " كذا فى رواية بعض شيوخنا، وهو ضبط الجيانى، وعند السجزى: " الحادية عشر " بغيرها، وعند العذرى والسمرقندى: " الحادى عشرة "، ووجه الكلام والمعروف والصحيح الرواية الأولى. وفى الشين وجهان: الإسكان والكسر (¬2). والكلمتان مفتوحتان الآخر؛ لأنهما كالكلمة الواحدة [كحضرمرت] (¬3). واختلف أهل العربية إذا لم تدخل عليها الألف واللام، فأجاز بعضهم أحد الإعراب فى الكلمة الأولى وأباه سيبويه. قال الإمام: قال أبو عبيد: قول الحادية عشر: " أناس من حلى أُذنى ": تريد حلانى قرطة وشنوفا فهى تنوس بأذنى، والنوس: الحركة من كل شىء متدل، يقال منه: ناس ينوس نوساً وأناسه غيره أناس. قال ابن الكلبى: إنما سمى ملك اليمن [دانواس] (¬4) لضفيرتين كانتا له تنوسان على عاتقه. وقولها: " وملأ من شحم عضدى ": لم ترد العضد خاصة، إنما أرادت الجسد كله، تقول: إنه أسمننى بإحسانه إلى، فإذا سمن العضد سمن سائر الجسد. وقولها: " وبجحَنى فبجحت ": أى فرحنى ففرحت. وقال ابن الأنبارى: معناه: عظمنى فعظمت عند نفسى، يقال: فلان يتبجح بكذا، أى يتعظم ويترفع ويفتخر. [قال] (¬5): ومنه قول الشاعر: وما الفقر من أرض العشيرة ساقنا ... إليك ولكنا بقرباك نبجح أى نفخر ونعظم بقرابنا منك. قال أبو عبيد: وقولها: " وجدنى فى أهل غنيمة بشق ": يعنى أن أهلها كانوا أصحاب غنم ليسوا بأصحاب خيل ولا إبل؛ لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات ¬

_ (¬1) فى الأبى: الطيران. (¬2) فى ز: والفتح، والمثبت من الأبى، ح. (¬3) فى ز جاءت الكلمتان مضروباً عليهما. (¬4) هكذا فى ز، وفى الأبى: ذا نواس، كذا فى ح أيضاً. (¬5) هكذا فى الأصل، وفى هامش ح.

فَجَعَلَنِى فِى أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَصط، وَدائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ. أُمُّ أَبِى زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِى زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيَتها فَسَاحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الإبل وحنينها، وقد يكون الأطيط أيضاً غير صوت الإبل، واحتج بحديث عتبة بن غزوان: " ليأتين على باب الجنة وقت له فيه أطيط "؛ أى صوت بالزحام. قال: و" شق " موضع. قال القاضى: بالكسر ضبطناه فى الصحيح، قال أبو عبيد: والمحدثون يقولون: " شق " وبالكسر والفتح، وهو موضع. قال الهروى: وهو الصواب، وقال ابن الأنبارى: هما بالفتح والكسر موضع. قال ابن أبى أويس وابن حبيب: يعنى شق جبل لقلتهم وقلة غنمهم، وشق الجبل بالكسر: ناحيته. وقال القتبى: ويقطونه بشق [بالكسر] (¬1)، أى بشظف من العيش وجهد، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُس} (¬2). وهذا عندى أشبه بمعنى الحديث. قال الإمام: وقولها: " ودائس ومنق ": تريد أنهم أصحاب زرع، فهم يدرسونه إذا حصد [وينقونه] (¬3) من خلط وزوان ونحو ذلك. قال القاضى: قال يعقوب: الدائس: الذى يدوس الطعام. قال الهروى: داس الطعام ودوسه. وقال غيره: الداس: [الأبذر] (¬4). وقال بعضهم: الدياس: الطعام الذى أهله فى دياسه [وعند غيره] (¬5) [فجعل] (¬6) خيرهم متصل. وأما قولها: " منق " فروايتنا فيه بالفتح. قال أبو عبيد: والمحدثون يقولونه بالكسر، ولا أدرى معناه، وأحسبه بالفتح تريد من يبقى الطعام، وحكى الهروى: المنقى بالغربال، وقاله ابن أبى أويس بالكسر، قال: وهو نقيق أصوات المواشى والأنعام، تصف كثرة ماله. وقال النيسابورى: تريد الدجاج يقال: أنقى الرجل، إذا كان له دجاج منقى ونقيق. وقال أبو مروان بن سراج: يجوز أن يكون " منق " بالإسكان إن كان روى، أى أصحاب أنعام سمان ذات نقى. وقولها: " فعنده أقول فلا أقبح "، قال الإمام: تقول: لا يقبح قولى فيرد بل يقبل ¬

_ (¬1) ذكرت فى هامش ح. (¬2) النحل: 7. (¬3) هكذا فى ز، وفى الأبى: يدرسونه. (¬4) كذا فى ز، وفى الأبى: الأندر، وفى ح: الأنذر. (¬5) هكذا فى ز، وفى الأبى وح: وعندهم غيره. (¬6) ساقطة من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منى. وقولها. " وأشرب فأتقمح ": النقح فى الشرب مأخوذ من الناقة المقامح. قال الأصمعى: وهى التى ترد الحوض فلا تشرب. قال أبو عبيد: وأحسب قولها: " ما يقمح ": أى أروى حتى أدع الشراب من شدة الرى. قال: ولا أراها قالت هذا إلا من عزة الماء عندهم. قال: وبعض الناس يروى هذا الحرف " فاتقنح " بالنون، ولا أعرف هذا الحرف ولا أرى المحفوظ إلا بالميم. قال القاضى: لم نروه فى كتاب مسلم والبخارى إلا بالنون، وقال البخارى فى حاشية الكتاب: وقال بعضهم: " فأتقمح " بالميم وهو أصح. قال القاضى: والنون صحيحة. قال أبو على القالى فى كتابيه " البارع والآمال، [وشمر بن حميد ويه] (¬1): [قنحت الإبل قنحاً] (¬2): إذا كرهت الشرب، وأكثر كلامهم: تقنحت نقحاً. قاله أبو زيد. وقال نحوه ابن السكيت وأبو حنيفة. فالميم إذًا والنون بمعنى، وكثيراً ما يتوارد كقولهم: امتقع وانتقع، وقال شمر: التقنح الشرب فوق الرى. قال ابن حبيب: عن ابن أبى أويس: هو الذى بعد الرى. وقال النيسابورى: هو الشرب على رسل لكثرة اللبن فليس يتاميها غيرها. وقال يعقوب: " فاتقنح ": أى فلا يقطع على شربى. وقولها: " وأرقد فأتصبح ": أى أنام الصبحة، وهى يوم أول النهار، تريد أنها مرفهة، عندها من يخدمها ويكفيها مؤونة بيتها، إذ لا ينام الصبحة إلا من هو بهذه الصفة. قال امرؤ القيس: نؤوم الضحى لم تنطق عن تفضل وقولها: " أم أبى زرع فما أم أبى زرع "، وفى رواية العذرى: " أم زرع "، وهو وهم. وقولها: " عكومها رداح "، قال الإمام: قال أبو عبيد: العكوم: الأحمال والأوعية والأعدال، التى فيها طرف الأطعمة والمتاع، واحدها عكم. " ورداح ": عظام كثيرة الحشو، ومنه قيل للمرأة إذا كانت عظيمة الأكفال: رداح. وللكثيبة إذا عظمت: رداح. قال القاضى: قد يحتمل أنه أراد بعكومها هنا كفلها وعظمه. وقولها: " رداح " وهو واحد خبراً عن العكوم، وهى جمع والجمع لا يوصف بالمفرد، ولا يخبر به عنه، والمراد كل عكم منها رداح، أو يكون رداح هنا مصدراً ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، وفى ح: شمر بن حمدويه. (¬2) هكذا فى ز، ح، أما فى الأبى: قمحت الإبل قمحًا.

ابْنُ أَبِى زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِى زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِى زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِى زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا. جَارِيَةُ أَبِى زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِى زَرْعٍ؟ لا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلاَ تُنقِّثُ مِيرَتَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كالذهاب والطلاق، أو يكون على التشبيه، كقوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} (¬1) أى ذات انفطار، على مذهب من قال ذلك، أو تكون أرادت الكفل فوصفته برداح، حملاً على المعنى، كما قال: " ثلاث شخوص كأعبان ومعصر ". وقولها: " وبيتها فساح ": يعنى متسع، يقال: بيت فسح وفساح، وقد يحتمل أن تريد أنها كثيرة الخير والنعمة، فكنّت بالبيت عن ذلك. وقولها فى ابن أبى زرع: " مضجعه (¬2) كمسل المشطبة " بفتح الشين والميم، قال الإمام: المشطبة: أصلها ما شطب من جريد النخل، وهو سعفه، وذلك أنه يشقق منه قضبان رقاق ينسج منه الحصر، فأخبرت المرأة أنه مهفهف ضرب اللحم، شبه بتلك الشطبة، وهو مما يمدح [منه] (¬3) به الرجال (¬4). وقولها: " تشبعه ذراع الجفرة ": هى الأنثى من أولاد الغنم، والذكر جفر، والعرب تمدح بقلة الأكل والشرب. قال القاضى: قال ابن الأعرابى وغيره: أراد تمثيل الشطبة هنا بالسيف يستل من غمده. واختلف أهل اللغة فى الجفر، هل هو من ولد الضان؟ وهو قول [ابن] (¬5) الأنبارى، وابن دريد، أو ولد المعز، وهو قول أبى عبيد وغيره، وهو إذا استجفر وفصل عن أمه، وأخذ فى الرعى وصار له بطن. وقولها: فى ابنة أبى زرع: " ملء كسائها ": أى أنها ممتلئة الجسم. وقولها فى الحديث الآخر: " صفر ردائها " (¬6): أى خالية، والصفر: الشىء الفارغ. قال الهروى: أى ضامرة البطن، والرداء ينتهى إلى البطن، وقال غيره: تريد أنها خفيفة أعلى اليد من البدن، وهو موضع الرداء ممتلئة أسفله، وهو موضع الكساء والإزار، ويؤيد هذا قولها فى بعض روايات الحديث: " ملء إزارها " والأولى أنها أرادت أن امتلاء منكبيها، وقيام نهديها يرفعان الرداء عن أعلى جسدها، فهو لا يمسه، فهو كالفارغ منها، بخلاف أسفلها كما قال الشاعر: أبت الروادف والثدى لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا ¬

_ (¬1) المزمل: 18. (¬2) فى ح: موضعه. (¬3) غير مثبتة فى ح. (¬4) فى ح: الرجل. (¬5) فى هامش ح. (¬6) حديث (92) مكرر بالباب.

تَنْقِيثًا، وَلا تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَت: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمخّضُ، فَلَقِىَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِى وَنَكَحَهَا، فَنَكَحَتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيا، وَأَخَذَ خَطبَّا، وَأَرَاحَ عَلَىَّ نَعَما ثَرِيا، وَأَعْطَانِى مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا. قَالَ: كُلِى أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِى أَهْلَكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " وغيظ جارتها ": تريد ضرتها، يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها، وفى الرواية الأخرى: " وعقر جارتها " كذا ضبطناه عن جميع شيوخنا بفتح العين والقاف، وقيده الجيانى: " عُبْر " بضم العين وسكون الباء، وكذا ذكره ابن الأنبارى، وأرى الجيانى أصلحه من كتابه، وفسره ابن الأنبارى بوجهين: أحدهما: أنه من الاعتبار أى إنما يرى من عفتها وحسنها ما تعتبر به. والثانى: من العبرة والبكاء أى يرى من ذلك ما يبكى عينها حسداً وغيظاً لذلك، كما تقدم فى الرواية الأخرى، وعلى رواية: " عقر " فمن هذا، أى دهش جارتها، يقال: عقر إذا دهش أى أن ذلك يدهشها. أو يكون من القتل أو الجرح، ومنه: صيد عقير، أى قتيل أو مجروح. وعقر فلان إبله: قتلها، وكلب عقور: أى جارح. وقولها فى جارية أبى زرع: " لا تبث حديثنا تبثيثاً ": رويناه هنا بالباء، قال الإمام: معناه: لا تشيعه ولا تظهره، ويروى: " لا تنبث " بالنون، ومعناه قريب من الأول، أى لا تظهر سرنا. وقولها: " ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً ": يعنى الطعام، لا تأخذه فتذهب به. تصفها بالأمانة. والتنقيث: الإسراع بالشىء. قال القاضى: روايتنا فيه هنا فى الحديث الأول بضم التاء وفتح النون وكسر القاف، وفى الحديث بعده [بفتح التاء وضم القاف] (¬1) لكافتهم. قال ابن حبيب: ومعناه: لا تفسده وتفرقه وتسرع فيه، وليس من الإسراع فى السير. والميرة: ما يمتاره البدوى من الحضر من طعام، ولبعض شيوخنا فى هذا الحديث عندنا ضبط غير ما تقدم، وكله تصحيف ووهم. وقولها: " ولا تملأ بيتنا تعشيشاً "، قال الإمام: قال الخطابى: لم يفسره أبو عبيد. والتعشش - بالعين المهملة - مأخوذ من قولهم: عشش الخبز: إذا فسد، يريد ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَىْءٍ أَعْطَانِى مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِى زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْتُ لَكِ كَأَبِى زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هَشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: عَيَايَاءُ طِبَاقَاءُ. وَلَمْ يَشُكَّ. وَقَالَ: قَلِيلاتُ الْمَسَارِحِ. وَقَالَ: وَصِفْرُ رِدَائِهَا، وَخَيْرُ نِسَائِهَا، وَعَقْرُ جَارَتِهَا. وَقَالَ: وَلا تَنْقُثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا. وَقَالَ: وَأَعْطَانِى مِنْ كُلِّ ذَابِحَةٍ زَوْجًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها تحسن مراعاة الطعام والمخبوز. قال القاضى: إنما يصح هذا على رواية من يروى: " ولا تفسد ميرتنا تعششاً "، وأما على ما فى الأم: " ولا تملأ بيتنا تعشيشاً " بالعين المهملة فيهما فمعناه: أنها مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه، وإلقاء كناسته، ولا تتركها فيه مجتمعة هنا وهنا كأعشاش الطير. وقال: إنها تكنسه وتنظفه ولا تتركه مثل عش الطائر فى قذره، وقيل: لا تخوننا فى طعامنا فتخبزه فى زوايا المنزل كأعشاش الطيور. ومن روى " تغشيشاً " بالمعجمة فمن الغش والخيانة، قيل: فى الطعام وقيل: من النميمة. وقولها: " والأوطاب تمخض ": جمع هنا وطباً على أوطاب، وهو نادر، ولم يأت فعل على أفعال إلا فى حروف قليلة فى الصحيح، وهى فى المعتل كثير، وجمع وطب فى المعلوم وطاب فى القلة، وأوطب فى الكثرة. وقد جاء فى رواية ابن السكيت: " وطاب " على الأصل. وفى النسائى: " أطاب بالتمر " كأنه بدل من الواو، وكما قالو ا: وشاح وأشاح، ووكاف وأكاف. قال الإمام: قال أبو عبيد: الأوطاب أسقية اللبن، واحدها وطب. وقولها: " يلعبان من تحت خصرها برمانتين ": يعنى أنها ذات كفل عظيم، فإذا استلقت نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحت خصرها فجوة يجرى فيها الرمان. قال القاضى: ذهب بعضهم أن المراد بالرمانتين هنا الثديين. ورد أبو عبيد هذا وقال: ليس هنا موضعه، وذكر نحو ما تقدم. وما أنكره أبو عبيد عندى أظهر وأشبه، لاسيما وقد روى: " من تحت صدرها ومن تحت درعها "؛ ولأن العادة لم تجر برمى الصبيان الرمان أصلاب أمهاتهم ولا استلقاء النساء لهن لذلك حتى يشاهد ذلك منهم الرجال، والأشبه أنها رمانتا النهدين، شبهها كذلك لنهودها. ودل [ذلك] (¬1) على صغرها وقياسها. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " فنكحت بعده رجلاً سريا ": أى شريفاً، وقيل: سخياً. وسراة كل شىء خياره، فهذه بالسين المهملة، ويقال بالشين المعجمة أيضاً، حكاهما يعقوب. وقولها: " ركب شريا " هنا بالمعجمة لا غير، قال الإمام: الشرى يعنى به الفرس الذى يستشرى فى سيره، أى يلح ويمضى بلا فتور وانكسار. والخطى: الرمح، يقال له ذلك لأنه يأتى من بلاد ناحية البحرين يقال لها الخط. قال القاضى: [قال يعقوب] (¬1): فرس شرى خيار فائق، وقيل: الخط الساحلى، وكل الساحل خط. وفى الجمهرة نحوه. وقال عن بعض اللغويين: الخط سيف البحرين وعمان، وقيل: إن سفينته فى أول الزمان مملؤة رماحاً قذفها البحر مرة إلى ناحية البحرين، فخرجت رماحها فيها، فنسبت إليها. ولا يصح قول من قال: إن الخط منبت الرماح. وقولها: " أراح على نعماء ": أى أتى بها إلى منزلى للمراح، وهو موضع مبيتها، ومنه: وأعطانى من كل رائحة، أى: مما يروح من إبل وبقر وغنم وعبيد زوجاً، والزوج يعنى اثنين، وهذا يرد على من أنكر أنه لا يقع على الاثنين؛ لأنه يعلم أنها لم ترد هنا واحداً، وقد يقع الزوج على الفرد، ولكن إذا ثنى قيل: زوجان. وقد يريد بقولها زوجها صنفا، والزوج الصنف، ومنه قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً} (¬2). وأما قولها: " من كل ذى رائحة " ولا يضاف " ذو " عند أهل العربية إلا إلى الأجناس، يقال: ذو مال، وذو إبل، وذو غنم (¬3). ولا يجيزون: ذو عاقل، ولا ذو عالم؛ لأنهم استغنوا بوصفها بعاقل عن زيادة ذى، وأما ذو عقل فأجروه مجرى عاقل، لكنه قد جاء ذو عين وذو كلاع ونحوه. وهو عندهم شاذ؛ ولذلك قالوا: ذا صباح وذا مساء، وذو رائحة من هذا، كأنه جاء دعماً للكلام وصلة له، والمعنى: من كل رائحة، ولا أعلم فى الشعر ولا فى كلام العرب لهذه اللفظة التى جاءت فى الحديث مثلاً. وقد يكون كل ذى رائحة بمعنى الذى يأتى من كل الذى هو رائحة، كما قالوا: افعل بذى تسلم، أى سلامتك، أى الذى هو سلامتك. والنعم، بفتح النون: الإبل خاصة، هذا قول أكثرهم، وذهب بعضهم إلى أنه يطلق على جماعة المواشى إذا كان فيها إبل، وقال بعضهم: النعم والأنعام بمعنى واحد. وقولها: " ثريا "، قال الإمام: الثرى الكثير من المال وغيره، ومنه: الثروة فى المال، وهو الوفور والكثرة فيه. ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) الواقعة: 7. (¬3) فى ح: علم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " ميرى أهلك ": أى تفضلى عليهم وصليهم من الميرة، وقد تقدم. وقوله - عليه الصلاة والسلام -: " كنت لك كأبى زرع لأم زرع ": تطييباً لنفسها، ومبالغة فى حسن عشرتها، ومعناه: أنا لك، وتكون " كان " زائدة، أو تكون على بابها، ويراد بها الاتصال، أى كنت لك فيما مضى وأنا كذلك، أو على بابها. أو كنت لك فى قضاء الله وسابق علمه كأبى زرع فى إحسانه ومحبته لها. قال الإمام: قال بعضهم: فيه من الفقه (¬1) حسن العشرة مع الأهل، واستحباب محادثتهن، بما لا إثم فيه، وفيه أن [بعضهم] (¬2) بعضهن قد ذكر (¬3) عيوب أزواجهن فلم يكن ذلك غيبة إذا كانوا لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم، وإنما الغيبة أن يقصدن عيان من الناس فيذكروا بما يكرهون من القول ويتأذون به، وإنما يفتفر عندى إلى الاعتذار [عندى فى القول] (¬4) عن هذا لو كان سمع إليه - عليه الصلاة والسلام - امرأة تغتاب زوجها من غير تسمية فأقرها على ذلك. فأما حكاية عائشة - رضى الله عنها - عن نساء مجهولات لا تدرى من هن فى العالم، أو ليس بحاضرات ينكر عليهن، فلا يكون حجة على جواز ذلك وحالها فى ذلك كحال من يقول (¬5): فى العالم من يعصى الله، ومن سرق، فإن ذلك لا يكون غيبة لرجل معين، وهذا يغنى عن الاعتذار الذى حكيناه عن بعضهم. لكن المسألة لو تركت ووصفت امرأة زوجها بما هو غيبة وهو معروف عند السامعين فإن ذلك ممنوع، ولا فرق بين قولها: فلان ابن فلان من صفته كذا وكذا وهو معروف، لكن لو كان مجهولاً وممن لا يعرف بعد البحث عنه، وهذا الذى لا حرج فيه على رأى بعضهم الذى قدمناه، وكأنه ينزل عنده بمنزلة من قال: فى العالم من يعصى ويسرق، وللنظر فيما قال مجال. قال القاضى: قد صدق فيما قال: إن تحقيق مسألة الغيبة تؤذى المغتاب بما قيل عنه وينقص به وإذا كان مجهولاً عند القائل والسامع أو ممن يبلغه الحديث عنه فليس بغيبة؛ إذ لا يتأذى إلا بتعيينه، وقد قال إبراهيم: لا تكون غيبة ما لم يسم صاحبها، يريد أن ينبه بأمر يفهم عينه. وهؤلاء نساء مجهولات الأعيان والأزواج بائدات الزمان لم يثبت لهم إيمان يحكم فيهم بالغيبة. لو تعين جميعهم، فكيف مع الجهالة بهم، ولو كن معروفات مؤمنات لكان ذكرهن لأزواجهن - وإن جهلوا - غيبة؛ إذ قد تعينوا بهن، كما لو قيل: ¬

_ (¬1) فى ح: العلم. (¬2) ساقطة من ح، ومضروب عليها فى ز. (¬3) فى ح: ذكرن. (¬4) سقط من ح. (¬5) فى ح: قال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن ابن فلان ولم يسم لكان غيبة، وإن جهله السامع. قال القاضى: قد ألَّفنا كتاباً فى حديث أم زرع [قديماً] (¬1) كتابا مفرداً كبيراً، وذكرنا فيه [وجميع زياداته، وبسطنا شرح معانيه] (¬2) اختلاف رواياته وتسمية رواته ولغاته، وخرجنا فيه من مسائل الفقه نحو عشرين مسألة، ومن غريب العربية مثلها، وهو كثير بأيدى الناس. وقد ترجم البخارى عليه: " باب حسن المعاشرة مع الأهل " (¬3). وفيه - أيضاً - جواز الحديث عن الأمم الخالية والأجيال الماضية بملح الأخبار وطرف الحكايات؛ لتسلية النفس. وكذا ترجم عليه الترمذى فى شمائله: " باب ما جاء فى كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى السمر". وفيه من الفقه أن الشبه بالشىء لا ينزل منزلته فى كل شىء، وأن اللازم بكنايات الطلاق والعتق ونحوه إنما ذلك مع النيات، أو الألفاظ الصريحة، والكنايات البينة. والنبى - عليه الصلاة والسلام - شبه نفسه النقية مع عائشة فى حسن الصحبة بأبى زرع [مع] (¬4) أم زرع ومن أفعال أبى زرع معها الطلاق يدخل فيه، ولا أراده، ولو أن رجلاً ذكر امرأة له طلقها فوصفها لزوجة أخرى بأوصافها المحمودة والمكروهة، ثم ذكر أنه قد طلقها، وقال لها: أنت كذلك لم يلزمه الطلاق، إلا أن يريد ذلك، ويفهم من مقصوده بقرينة الحال، أو لم يذكر شيئاً سوى طلاقه لها [ثم قال لها] (¬5): وأنت كذلك. ¬

_ (¬1) (¬2) من ح. (¬3) البخارى 7/ 34. (¬4) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬5) سقط من ز، والمثبت من ح.

(15) باب فضائل فاطمة، بنت النبى، عليها الصلاة والسلام

(15) باب فضائل فاطمة، بنت النبىّ، عليها الصلاة والسلام 93 - (2449) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ الْقُرَشِىُّ التَّيْمِىُّ؛ أَنَّ الْمِسْورَ بْنَ مَخْرَمَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوْ يَقُولُ: " إِنَّ بَنِى هِشَامِ بْنِ اْلمُغِيرةِ اسْتَأذَنُونِى أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالَبٍ، فَلا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لاَ آذَنُ لَهُمْ، إِلا أَنْ يُحِبَّ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِى وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا ابْنَتِى بَضْعَةٌ مِنِّى، يَرِيبُنىِ مَا رَابَهَا، وَيُؤْذِينِى مَا آذَاهَا ". 94 - (...) حدّثنى أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا فَاطِمَةُ بضْعَةٌ مِنِّى، يُؤْذِينِى ما آذَاهَا ". 95 - (...) حدّثنى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِىُّ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ الحُسَيْنِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مَقْتَلَ الْحُسَينِ بْنِ عَلِىٍّ رضى الله عنهما، لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ. فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَىَّ منْ حَاجَةٍ تَأمُرُنِى بِهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: لا. قَالَ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِى سَيْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ. وَايْمُ اللهِ، لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لا يُخْلَصُ إِلَيْهِ أَبَدًا، حَتَّى تَبْلُغَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم خطبة النبى - عليه الصلاة والسلام - فى شأن فاطمة، وخطبة على بنت أبى جهل، وقوله: " لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبى طالب أن يطلق ابنتى "، وقوله: " فإنها ابنتى، بضعة منى، يؤذينى ما آذاها "، وقوله فى الحديث الآخر: " إنى لست أحل حراماً ولا أحرم حلالاً، ولكن والله، لا تجتمع بنت عدو الله وابنة رسول الله مكاناً واحداً [أبداً] (¬1) "، وقوله: " وإنما أخاف أن تفتن فى دينها ": قال أهل العلم: فيه تحريم أذى النبى - عليه الصلاة والسلام - بكل وجه وإن كان ما يباح للرجل فى الشرع ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

نَفْسِى. إِنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِى جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِى ذَلِكَ، عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: " إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّى، وَإِنِّى أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِى دِينِهَا ". قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِى مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ. قَالَ: " حَدَّثَنِى فَصَدَقَنِى، وَوَعَدَنِى فَأَوْفَى لِى، وَإنِّى لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلالاً وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللهِ، لا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا ". 96 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ؛ أَنَّ الْمِسْوَرَ بَنْ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَلِىَّ ابْنَ أَبِى طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِى جَهْلٍ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ أَتَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثونَ أَنَّ لا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِىٌّ، نَاكِحًا ابْنَةَ أَبِى جَهْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فعله، وأنه فى ذلك بخلاف غيره؛ لأنه من فعل ما يجوز له فتأذى به غيره فلا حرج عليه، وحق النبى - عليه الصلاة والسلام - بخلاف هذا، لا يحل فعل شىء يتأذى به، ولو كان مباحاً فعله فى حق المؤذى. وفيه غيرة الرجل وجواز غضبه لقريبه وحرمته، وذبه عما يؤذيها بما يقدر عليه. وقد أعلم - عليه الصلاة والسلام - بإباحة هذا لعلى، لكنه مغ جمعهما لعلتين: إحداهما: أن ذلك يؤدى إلى أذى فاطمة فيتأذى النبى - عليه الصلاة والسلام - بأذاها، كما قال. والأخرى: كراهة فتنتها فى دينها؛ لفرط ما تحملها الغيرة عليه، وعداوة بنت عدو أبيها ومشاركتها لها. وفيه فى أن الشىء وإن لم يكن محرماً فى نفسه ولكن يخشى أن يكون ذريعة إلى ما لا يجوز فينبغى اجتنابه وترك الوقوع فيه ومنعه. وفيه أن ولد العدو عدو، وأن أولاد المتعاديين لهم حكم آبائهم، وابنة أبى جهل وإن كانت مسلمة فقد خاف منها النبى - عليه الصلاة والسلام - على ابنته. وقد اختلف المذهب عندنا فى ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: إطلاق حكم العداوة لولد العدو لعداوة أبيه فى حياة أبيه وموته. الآخر: أن ذلك غير مراعٍ فى الولد، إلا أن تظهر فى نفسه عداوة.

قَالَ الْمِسْوَرُ: فَقَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ. ثُمَّ قَالَ: " أمَّا بَعْدُ، فَإِنِّى أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِى فَصَدَقَنِى، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ مُضْغَةٌ مِنّى، وَإِنَّمَا أَكْرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهَا. وَإنَّهَا، وَاللهِ، لا تَجْتمعُ بِنْتُ رَسُولَ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا ". قَالَ: فَتَرَكَ عَلِىٌّ الْخِطْبَةَ. (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو مَعْنٍ الرَّقاَشِىُّ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ - يَعْنِى ابْنَ جَرِيرٍ - عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّعْمَانَ - يَعْنِى ابْنَ رَاشِدٍ - يُحَدِّثُ عَنْ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوهُ. 97 - (2450) حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فَسَارَّهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِفَاطِمَةَ: مَا هَذَا الَّذِى سَارَّكِ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ سَارَّكَ فَضَحِكْتِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: مراعاة [ذلك فى حياة أبيه دون موته. قال: وفيه من الفقه مراعاة] (¬1) الكفاءة فى المناكح؛ إذ لم ير - عليه السلام - جواز اجتماع هاتين لتباين مراتبهما؛ لكون هذه بنت نبى الله، وهذه بنت عدو الله. وإن كانتا حرتين مسلمتين فقس عليهما من تباين منازلهما كالحرة مع الأمة، وفى هذا المأخذ عندى ضعف شديد. وقوله: " إنما فاطمة بضعة منى " [بفتح] (¬2) الباء، وفى الرواية الأخرى: " مضغة " بضم الميم، وهما بمعنى. المضغة: قطعة من اللحم. وقوله: " يريبنى ما رابها ": قال الحربى: الريب: ما رابك من شىء خفت عقباه. وقال الفراء: راب وأراب بمعنى. وقال أبو زيد: رابنى الأمر: تيقنت منه الريبة، وأرابنى: شككنى وأوهمنى، ولم أستيقنه. وحكى عن أبى زيد وغيره مثل قول الفراء. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) سقط من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.

قَالَتْ: سَارَّنِى فَأَخْبَرَنِى بِمَوْتِهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِى فَأَخْبَرَنِى أَنِّى أَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أَهْلِهِ، فَضَحِكْتُ. 98 - (...) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ فَضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ، لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى، مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا. فَقَالَ: " مَرْحَبًا بِابْنَتِى "، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِيَنَ؟ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ أُفْشِى عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا تُوفِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ، بِمَا لِى عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ، لَمَا حَدَّثْتِنِى مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: أَمَّا الآنَ، فَنَعَمْ. أَمَّا حِينَ سَارَّنِى فِى الْمَرَّةِ الأُوَلَى، فَأَخْبَرَنِى أَنَّ جَبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنِّى لا أُرَى الأَجَلَ إِلا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِى اللهَ وَاصْبِرِى، فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ". قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِى الَّذِى رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِى سَارَّنِى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: " يَا فَاطِمَةُ، أَمَا تَرْضِى أَنْ تَكُونِى سَيِّدَةَ نِسَاءِ اْلمُؤْمِنِينَ - أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ "؟ قَالَتْ: فَضَحِكْتُ ضَحِكِى الَّذِى رَأَيْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول فاطمة: " إنه - عليه السلام - أخبرها أنها أول من تتبعه من أهله ": من علامات نبوته - عليه الصلاة والسلام - وإخباره بالغيوب، فكانت كما أخبر: " ونعم السلف أنا لك ". السلف: المتقدم فى الشىء، أى تقدمنى قبلك بالموت، لا مشفع لك وتردين على. ومنه سلف الرجل متقدمو بابه. وضحكها لذلك سروراً بلحاقها به، ودليل على إيثارهم الآخرة على الأولى. وقوله: " أما ترضين أن تكونى سيدة نساء هذه الأمة ": حجة لمن رأى فضلها على عائشة - رضى الله عنها. وقوله: " كان جبريل يعارضه القرآن فى كل سنة مرة - أو مرتين - وأنه عارضنى الآن مرتين ": ذكر " أو مرتين، هذا وهم ليس فى الحديث، والصواب إسقاطه كما جاء

99 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ فِرَاس، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يُغاَدِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى، كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةِ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " مَرْحَبًا بِابْنَتِى "، فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا. فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكَيكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوم فَرَحًا أَقْرَبُ مِنْ حُزْنٍ، فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكْتَ: أَخَصكِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ؟ وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِى " أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَه بِهِ فِى الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلا أَرَنِى إِلا قَدْ حَضَرَ أَجَلِى، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِى لُحُوقًا بِى، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ". فَبَكَيْتُ لذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِى فَقَالَ: " أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِى سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ. أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذَهِ الأُمَّةِ "؟ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الحديث بعده وفى سائر الأحاديث؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - إنما استدل على اقتراب أجله مخالفته عادته، قيل: فى معارضته مرة ومعارضته الآن مرتين.

(16) باب من فضائل أم سلمة، أم المؤمنين، رضى الله عنها

(16) باب من فضائل أم سلمة، أم المؤمنين، رضى الله عنها 100 - (2451) حدّثنى عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِىُّ، كِلاهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ. قَالَ ابْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ سَلْمَانَ. قَالَ: لا تَكُونَنَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ، أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ. قَالَ: وَأُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلامُ - أَتَى نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ. قَالَ: فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ قَامَ. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُمِّ سَلَمَةَ: " مَنْ هَذَا؟ " أَوْ كَمَا قَالَ. قاَلَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى السوق: " معركة الشيطان ": المعركة موضع القتال لتعارك الأبطال فيها، ومصارعة بعضهم بعضاً، يشبه السوق وفعل الشيطان بأهلها، ونيله منهم فيها أكثر مما ينال فى غيرها، من حمله على الخديعة، والخلابة، والعقود الفاسدة، والأيمان الكاذبة، وبلوغه أهله فيهم بمعركة الحرب، ومن يصرع فيها. وقوله: " وبها ينصب رايته ": إعلاماً بثبوته هناك ومجتمع أعوانه إليك، وأن السوق مطية (¬1) إغوائه، ومقام (¬2) نزغه وكيده. ورؤية أم سلمة جبريل فى صورة دحية الكلبى دليل على جواز رؤية بعض البشر للملائكة. ووجود ذلك، ولكن لا يعلمون حينئذ أنهم الملائكة، وأن رؤيتهم لهم إذا كانوا على صورة الآدميين، إذ لا تحتمل القوى البشرية الضعيفة غالباً رؤيتهم على غير ذلك، قال الله تعالى: {وَلَوْ جَعْلَنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} (¬3). وفيه أن الملائكة يجبل الله خلقها متى شاء، فى أى صورة شاء، وأن لهم فى ذاتهم صوراً خلقهم الله عليها، وهذا النبى - عليه الصلاة والسلام - أكثر ما كان [يرى] (¬4) الملائكة فى صورة الإنس ليأنس إليه، وتطمئن نفسه،، ولا يهوله عظيم صورته الحقيقية، وإنما رأى جبريل فى صورته كما قال فى الحديث " مرتين " (¬5). ¬

_ (¬1) فى ز: مظنة، والمثبت من ح. (¬2) فى ح: معلم. (¬3) الأنعام: 9. (¬4) فى هامش ح. (¬5) البخارى، ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم: آمين 4/ 138.

هَذَا دِحْيَةُ. قَالَ: فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللهِ! مَا حَسِبْتُهُ إِلا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ خَبَرَنَا، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِى عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " ايم الله! ما حسبته إلا دحية، حتى سمعت خطبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبر جبريل ": كذا فى رواية الكسائى وابن الحذاء، وعند العذرى والسمرقندى مكان " يخبر جبريل ": " يخبر خبرنا "، والصواب الأول؛ بدليل سياق الكلام والحديث. وعلى الصواب وقع فى كتاب البخارى (¬1)، وتقدم الكلام على " ايم الله " فقهاً ولغة. ¬

_ (¬1) البخارى، ك المناقب، ب علامات النبوة فى الإسلام 4/ 250.

(17) باب من فضائل زينب أم المؤمنين، رضى الله عنها

(17) باب من فضائل زينب أم المؤمنين، رضى الله عنها 101 - (2452) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِىُّ، أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَة بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنينَ، قَالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِى، أَطْوَلُكُنَّ يَدًا ". قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطاَوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَداً. قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَداً زَيْنَبُ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أسرعكن لحاقاً بى أطولكن يداً ": بين أنه أراد بالصدقة، وهذا اللفظ يعبر به عن الكرم والجود. قال الإمام: قال أبو عبيد الهروى: يقال: فلان طويل اليد طويل الباع: إذا كان سمحاً جواداً، وفى ضده: قصير اليد والباع، وجعد الأنامل. قال القاضى: " فكن يتطاولن ": يريد: أن يتقايسن أيتهن أطول يداً، أى جارحة، وكانت سودة أطولهن يداً، وكانت تحسب ذلك حتى انكشف ذلك بموت زينب. وفيه من علامات نبوته أيضاً، وإعلامه بما يكون فكان كذلك.

(18) باب من فضائل أم أيمن رضى الله عنها

(18) باب من فضائل أم أيمن رضى الله عنها 102 - (2453) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَناَوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ. قَالَ: فَلا أَدْرِى أَصَادَفَتْهُ صَائِمًا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ، فَجَعَلَتْ تَصْخَبُ عَلَيْهِ وَتَذَمَّرُ عَلَيْهِ. 103 - (2454) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ رَضِى اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ. فَقَالا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: مَا أَبْكِى أَلا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَكَنْ أَبِكِى أَنَّ الْوَحْىَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أم أيمن حين ناولت النبى - عليه الصلاة والسلام - إناء فيه شراب: " فلا أدرى أصادفته صائماً أو لم يرده، فجعلت تصخب عليه وتذمر عليه ": معنى " تصخب ": تصيح وترفع صوتها، " وتذمر " أى تتكلم بكلام مغضب. قال الأصمعى: تذمر الرجل: إذا تغضب وتكلم أثناء [ذلك] (¬1). وقال غيره: تذمر الرجل: لام نفسه، يريد بالحديث أنها غضبت ولامته إذ ردّ ذلك عليها، ولم يشربه، وكانت منزلتها منه حيث علم، وحيث كان يقول: " أم أيمن أمى بعد أمى "؛ لأنها ربته وحضنته بعد موت أمه. وفى زيارة أبى بكر وعمر لها اقتداء بفعل النبى - عليه الصلاة والسلام - ومراعاة لأنسابه - عليه السلام - وحفظاً لأهل وده. وفيه جواز زيارة النساء جماعة، وزيارة المتخالات منهن، ومحادثتهن. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(19) باب من فضائل أم سليم، أم أنس بن مالك وبلال رضى الله عنهما

(19) باب من فضائل أم سليم، أم أنس بن مالك وبلال رضى الله عنهما 104 - (2455) حدّثنا حَسَن الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إلا عَلَى أَزْوَاجِهِ، إِلا أُمِّ سُلَيْمٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا. فَقِيل لَهُ فِى ذَلِكَ. فَقَالَ: " إِنَّى أَرْحَمُهَا، قُتِلَ أَخُوهَا مَعِى ". 105 - (2456) وحدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ السَّرِىِّ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَخَلْتُ اْلجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ، أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ". 106 - (2457) حدّثنى أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قوله: " كان - عليه الصلاة والسلام - لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا أم سليم ": فعل ذلك - عليه الصلاة والسلام - لتقتدى به أمته فى تجنبه زيارة النساء والخلوة بهن. وأما أم سليم فقد جاء أنها كانت ذات محرم منه من الرضاع. وقد بيّنا هذا فى الجهاد عند ذكر أختها أم حرام. وقوله: " إنى أرحمها، قتل أخوها معى " مما أكد عنده حقها، وأوجب تأسيها ورعايتها. وقوله فيها: " هذه الغميضاء ": كانت أم سليم تعرف بذلك بالرميصاء أيضاً، وكذا ذكره البخارى (¬1). قال الدارقطنى: ويقال بالسين. قال أبو عمر بن عبد البر: أم سليم هى الغميضاء والرميصاء، وقيل: مشهور فيها الغين، وأما بالراء فأختها أم حرام بنت ملحان. وذكر أبو داود فى رواية معمر فى غزو البحر: أن أخت أم سليم الرميصاء (¬2). قال أبو داود: [الرميصا] (¬3) أخت أم سليم من الرضاعة، وهذا وهم، ¬

_ (¬1) البخارى، ك المناقب، ب مناقب عمر 5/ 12. (¬2) أبو داود، ك الجهاد، ب فضل غزو البحر (4460). (¬3) من ح.

رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةَ أَبِى طَلْحَةَ، ثُمَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِى، فَإِذَا بِلالٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والأول الصواب، ولعله وصف لها ومعناهما متقارب. قال صاحب العين: الغمص فى العين غمص أبيض، تلفظه العين. وقال ابن دريد: غمصت العين من البكاء: إذا كثرت منه حتى انكسرت. والرمص: قذا يابس يجف فى هدب العين. قوله: " فسمعت خشفة " بسكون الشين المعجمة، وبالخاء المعجمة، هى: حركة المشى وصوته، ومثله فى حديث بلال الآخر: " سمعت خشف نعليك فى الجنة "، وفى الرواية الأخرى: " ثم سمعت خشخشة أمامى، فإذا بلال "، الخشخشة: صوت الشىء اليابس إذا حك بعضه بعضاً. قال الإمام: قال أبو عبيد: الخشفة: الصوت ليس بالشديد، يقال: خشف يخشف خشفاً: إذا سمعت له صوتاً أو حركة. وقال شمر: يقال: خَشْفة وخَشَفة. وقال الفراء: الخشفة الصوت الواحد، والخشفة: الحركة إذا وقع السيف على اللحم. وقوله: " ثم سمعت خشخشة ": أى حركة، قال الهروى: فى حديث على وفاطمة - رضى الله عنهما -: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتخشخشنا، أى تحركنا.

(20) باب من فضائل أبى طلحة الأنصارى رضى الله تعالى عنه

(20) باب من فضائل أبى طلحة الأنصارىّ رضى الله تعالى عنه 107 - (2144) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ. فَقَالَتْ لأَهْلِهَا: لا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ. قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً، فَأَكَلَ وَشَرِبَ. فَقَالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَقَعَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَاروا عَارِيَتَهُمْ أَهْل بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لا. قَالَتْ فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ. قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: تَرَكْتِنِى حَتَّى تَلَطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبَرَتِنِى بِابْنِى! فاَنْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " باَرَكَ اللهُ لَكُمَا فِى غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا ". قَالَ: فَحَمَلَتْ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ وَهِىَ مَعَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ، لا يَطْرُقُهَا طُروُقًا. فَدَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ، فَاحْتُبِسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وحديث أبى طلحة مع زوجه أم سليم تقدم الكلام عليه فى كتاب الأدب. وضربها له المثل بمن أعار عارية وما فعلته دليل على علمها وفضلها وصحة إيمانها ووفور عقلها. ويقال: إن الغلام الذى مات لها هو أبو عمير صاحب النفير. وقول النبى - عليه الصلاة والسلام -: " بارك الله لكما فى غابر ليلتكما ": أى ماضيها. وفيه إجابة دعاء النبى - عليه الصلاة والسلام - فيما ولد لهما فى ذلك الوقت فى الولد الذكور فى الحديث الذى سماه النبى - عليه الصلاة والسلام - عبد الله، وولد لعبد الله عشرة كلهم حمل عنهم العلم، منهم إسحاق بن عبد الله الفقيه شيخ مالك بن أنس، ونالهم دعاء النبى - عليه الصلاة والسلام - لهما بالبركة فى ليلتهما. وقوله: " كان إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً " هو المجىء بالليل، وقد تقدم الكلام عليه والنهى عنه. وقوله: " فضربها المخاض ": هو طلق الولادة. ومناجاة أبى طلحة ربه فى ذلك وكراهيته تخلفه بعد النبى - عليه الصلاة والسلام - بسبب ذلك، وذهاب ما تجد امرأته حتى دخل مع النبى - عليه الصلاة والسلام - كرامة عظيمة لأبى طلحة. وبقية الحديث مضى الكلام عليه.

عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ، ياَرَبِّ، إِنَّهُ يُعْجِبُنِى أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ، وَأَدْخُلَ مَعَهَ إِذَا دَخَلَ، وَقَدِ احْتُبَسْتُ بِمَا تَرَى. قَالَ: تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، مَا أَجِدُ الَّذِى كُنْتُ أَجِدُ، انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا. قَالَ: وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا. فَقَالَتْ لِى أُمِّى: يَا أَنَسُ، لا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ، فَانطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَصَادْفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ. فَلَمَّا رَآنِى قَالَ: " لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَوَضَعَ الْمِيسَمَ. قَالَ: وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِى حَجْرِهِ، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ، فَلاكَهاَ فِى فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ، ثُمَّ قَذَفَهَا فِى فِى الصَّبِىِّ، فَجَعَلَ الصَّبِىُّ يَتَلَمَّظُهَا. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ ". قَالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ. (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ ابْنُ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثاَبِتٌ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ. وَاقْتصَّ الْحَدِيثَ بِمَثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " ومعه ميسم ": والميسم: ما يوسم به البعير. والسمة: العلامة، ومنه قوله تعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُوم} (¬1) أى سنجعل على أنفه سواداً يوم القيامة يعرف به. وقيل: عبر عن الوجه بالخرطوم؛ لأنه منه. والمعنى: سنسم وجهه. والخرطوم من الإنسان الأنف، ومن السباع موضع الشفة. ¬

_ (¬1) القلم: 16.

(21) باب من فضائل بلال رضى الله عنه

(21) باب من فضائل بلال رضى الله عنه 108 - (2458) حدّثنا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ اْلهَمْدَانِىُّ، قاَلا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِى حَيَّانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُميْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبى، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِىُّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلالٍ، عِنْدَ صَلاةِ الْغَدَاةِ: " يَا بِلالُ، حَدَّثَنِى بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ فِى الإِسْلامِ مَنْفَعَةً، فَإِنِّى سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَىَّ فِى الْجَنَّةِ ". قَالَ بِلَالٌ: مَا عَمِلَتُ عَمَلاً فِى الإِسْلامِ أَرْجى عِنْدِى مَنْفَعَةً، مِنْ أَنِّى لا أَتَطهَّرُ طُهُورًا تَامًّا، فِى سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ، إِلا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهورِ، مَا كَتَبَ اللهُ لِى أَنْ أُصَلِّىَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى فضائل بلال: حدثنا عبيد بن يعيش (¬1) ومحمد بن العلاء، كذا لهم. وعند العذرى: عبيد الله بن يعيش، وهو خطأ، إنما هو عبيد بن يعيش الكوفى أبو محمد. وسؤال النبى - عليه الصلاة والسلام - لبلال عن أرجى عمل عمله فى الإسلام وقوله: " إنى لا أتطهر طهوراً تاماً من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهر كما كتب لى " دليل على فضل الصلاة وعظيم ثوابها. ¬

_ (¬1) هو أبو محمد الكوفى العطار المحاملى، روى عن عبد الله بن نمير، ويونس بن بكير وأبى أسامة والمحاربى وغيرهم، وعنه البخارى ومسلم. وثقه أبو داود وابن سعد، وذكره ابن حبان فى الثقات، توفى سنة 229 هـ. انظر: التهذيب 7/ 78، 79.

(22) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضى الله تعالى عنهما

(22) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضى الله تعالى عنهما 109 - (2459) حدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ وَسَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ الْحَضْرَمِىُّ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ - قَالَ سَهْلٌ وَمِنْجَابٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَوُنَ: حَدَّثَنَا - عَلَىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فَيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} (¬1) إِلَى آخِرِ الآيَة. قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قِيلَ لِى: أَنْتَ مِنْهُمْ ". 110 - (2460) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا - يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِى مِنَ الْيَمَنِ، فَكُنَّا حِينًا وَمَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ. (...) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمَ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، أَنَّهُ سَمِعَ الأَسْوَدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: لَقَدْ قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِى مِنَ الْيَمَنِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوده: " فكنا حيناً وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل البيت من كثرة دخولهم ولزومهم له " قال الإمام: الحين: اسم كالوقت، يصلح لجميع الأزمان كلها، طالت أو قصرت. وقال ابن عرفة: هو القطعة من الدهر، كالساعة فما فوقها. قال القاضى: وقوله: لما نزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قيل لى: أنت منهم " يعنى عبد الله بن مسعود، ¬

_ (¬1) المائدة: 93.

111 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِى مُوسَى. قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرَى أَنَّ عَبْدَ اللهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. أَوْ مَا ذَكَرَ مِنْ نَحْوِ هَذَا. 112 - (2461) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا مُوسَى وأَبَا مَسْعُودٍ حِينَ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَتُرَاهُ تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ؟ فَقَالَ: إِنْ قُلْتَ ذَاكَ، إِنْ كَانَ لَيُؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا، ويَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا. 113 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا قُطبَة - هَوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ قَالَ: كُنَّا فِى دَارِ أَبِى مُوسَى مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ فِى مُصْحَفٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ بَعْدَهُ أَعْلَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ هَذَا الْقَائِمِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ كَانَ يَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا، وَيُؤْذَنَ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا. (...) وحدّثنى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ - هُوَ ابْنُ مُوسَى - عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا مُوسَى فَوَجَدْتُ عَبْدَ اللهِ وَأَبَا مُوسَى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ حُذَيْفَةَ وَأَبِى مُوسَى. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ قُطْبَةَ أَتَمُّ وَأَكْثَرُ ". 114 - (2462) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ قَالَ: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬1) ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءَةَ مَن تَأمُرُونِى أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّى أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّى لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وله قال - عليه الصلاة والسلام -: " أنت منهم " أى من الذين آمنوا وعملوا الصالحات الموصوفين بما فى الآية. ¬

_ (¬1) آل عمران: 161.

قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِى حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلا يَعِيِبُهُ. 115 - (2463) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا قُطْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وَالَّذِى لا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا مِنْ كِتَابِ اللهِ سُورَةٌ إِلا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ، وَمَا مِنْ آيَةٍ إِلا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ مِنِّى، تَبْلُغُهُ الإِبِلُ، لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فى حلق أصحاب محمد " بفتح الحاء واللام جمع حَلْقة بسكون اللام. وقال الخطابى فى جمعها: حِلِق بكسر الحاء، مثل ندرة وندر. وقال الحربى (¬1): حَلق بالفتح والسكون، مثل تمرة وتمر، والواحدة بالسكون وفتح الحاء لا غير، هذا المعروف، وحكى فيها فتح اللام. ذكر مسلم حديث ابن مسعود أنه قال: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬2) قال: على قراءة من تأمرونى، أن أقرأ؟ لقد قرأت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعاً وسبعين سورة، ولقد علم أصحاب محمد أنى أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحدًا أعلم به منى لرحلت إليه ": فيه ذكر الرجل حال نفسه، ومنزلته من العلم وشبهه من الفضائل إذا دعت إلى ذلك ضرورة. وليس من باب ثناء الإنسان على نفسه والإعجاب بها، وفيه الرحلة فى العلم والتزيد منه. قال القاضى: وهذا الحديث ملفق مختصر محذوف مبتور فى الأم. إنما ذكر منه أطرافاً لا تشرح مقصد الحديث وبيانه فى سياق آخر ذكره غيره بها يفهم المراد بقوله: {ومَن يَغْلُلْ} [وبقوله] (¬3): ولقد قرأت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة، وقد كان ممن جمع القرآن، فروى ابن أبى خيثمة بسنده عن أبى وائل، وهو شقيق راوى الحديث فى الأم، لما أمر فى المصاحف بما أمر، يعنى أمر عثمان بتحريقها، ما عدا المصحف المجتمع عليه الذى وجّه منه النسخ إلى الآفاق، ورأى هو والصحابة أن بقاء تلك تُدخل اللبس والاختلاف. ذكر ابن مسعود الغلول وتلا الآية، ثم قال: غلوا المصاحف. وفى طريق: إنِّى غال مصحفى، فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل، فإن الله تعالى يقول: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ} ثم قال: على قراءة من تأمرونى، أقرأ على قراءة زيد بن ثابت؟ لقد ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث لأبى إسحاق الحربى 1/ 263. (¬2) آل عمران: 161. (¬3) فى هامش ح.

116 - (2464) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قاَلا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا نَأَتِى عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو فَنَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ - وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: عِنْدَهُ - فَذَكَرْنَا يَوْمًاً عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: لَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذت من فى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعاً وسبعين سورة، وزيد بن ثابت له ذؤابتان يلعب مع الغلمان (¬1). وفى رواية أخرى: صبى من الصبيان. ودخل بعض الحديث فى الآخر، فبتمام هذا الحديث يفهم كلام عبد الله وما فى الكتاب لا يفهم منه هذا. قال الإمام: قوله: " قرأت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعاً وسبعين سورة ": البضع والبضعة واحد، ومعناهما: القطعة من العدد قال ابن السكيت: البِضع والبَضع لغتان بمعنى واحد فى العدد، بكسر الباء وفتحها. وقال الهروى (¬2): العرب تستعمل البضع فيما بين الثلاث إلى التسع. وقال ابن الأنبارى: قال قتادة: البضع يكون بين الثلاث والتسع والعشرة. وقال أبو عبيد: البضع ما بين ثلاث وخمس. وحكى عنه غير [ابن] (¬3) الأنبارى: البضع من الواحد إلى الأربعة. قال ابن الانبارى: وقال الأخفش: البضع من واحد إلى عشر. وقال الفراء: البضع ما دون العشرة. قال غير بن الأنبارى: قال ابن عباس: البضع من الثلاث إلى العشر. وقال مجاهد: من الثلاث إلى السبع. وحكى ابن الأنبارى: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبى بكر - رضى الله عنه - لما نزلت {سَيَغْلِبُون. فِي بِضْعِ سِنِين} (¬4): " البضع ما بين السبع والتسع " (¬5). وقال ابن سلام فى التفسير: فلما مضت سبع سنين ظفرت الروم على فارس. قال ابن الأنبارى: [ويقال] (¬6) فى عدد المؤنث: بضع، وفى عدد المذكر: بضعة، فمجراه مجرى خمس وخمسة وست وستة. وقال: وأما البضعة من اللحم فمفتوحة الباء، وجمعها بَضعْ وبِضَع. قال الهروى: البضاعة: القطعة من المال يتجر فيها. يقال: بضعت الشىء: أى قطعته. قال الزجاجى: البضائع: قطع الأموال، مشتق من البضع وهو القطع. وقول شقيق: " فجلست فى حلق أصحاب محمد، فما سمعت أحدًا يرد ذلك عليه ولا يعيبه ": يعنى: يعيب. فيه اعتراف الصحابة له بما قال؛ من أنه لا يعلم أحدًا أعلم منه بكتاب الله. وقوله: " ما أعلم ترك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده أعلم بما أنزل إليه من هذا ": يعنى ابن ¬

_ (¬1) أحمد 1/ 411. (¬2) انظر: غريب الحديث 3/ 243. (¬3) فى هامش ح. (¬4) الروم: 3، 4. (¬5) الترمذى عن ابن عباس، ك التفسير، ب من سورة الروم 5/ 3 برقم (3191). (¬6) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

ذَكَرْتُمْ رَجُلاً لا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خُذُوا الْقُرَآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَمُعَاذ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبِىِّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ ". 117 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَكَرْنَا حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ لا أَزالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " اقْرَؤوا الْقُرَآنَ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: مِنِ ابْنِ أُمَّ عَبْدٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَمِنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَمِنْ مُعَاذِ ابْنِ جَبَلٍ ". وَحَرْفٌ لَمْ يَذْكرْهُ زُهَيْرٌ. قَوْلُهُ: يَقُولُهُ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ وَوَكِيعٍ. فِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ عَن أَبِى مُعَاوِيَةَ: قَدَّمَ مُعَاذًا قَبْلَ أُبَىٍّ. وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ: أُبِىّ قَبْلَ مُعَاذٍ. (...) حدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ عَدِىٍّ. ح وَحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِهِمْ. وَاخْتَلَفَا عَنْ شُعْبَةَ فِى تَنْسِيقِ الأَرْبَعَةِ. 118 - (...) حدّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذَكَرُوا ابْنَ مَسْعُودٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود إنما خصه بما أنزله الله، كما قال، ويعلم القرآن. ولا يقال: إنه أعلم من أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، على الجملة وقد يكون أحد الرجلين أعلم من الآخر بالجملة، والأقل علماً أعلم بباب من العلم، ألا تراه كيف قال عن نفسه فى الحديث الآخر: " لقد علم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنى أعلم بكتاب الله، وما من كتاب الله آية إلا أعلم فيمن نزلت، ولا سورة إلا أعلم حيث نزلت ". وقوله: " خذوا القرآن من أربعة " وسماهم، ذلك - والله أعلم - لعلمه - عليه الصلاة والسلام - أن هؤلاء أضبط لألفاظه وأتقن لآدابه، وإن كان غيرهم من المتقنين فيه أيضاً، وأكثر

عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لا أَزَالُ أُحِبُّهُ، بَعْدَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اسْتَقْرِئوُا الْقُرَآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ". (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَالَ شُعْبَةُ: بَدَأَ بِهَذَيْنِ. لا أَدْرِى بِأَيِّهِمَا بَدَأَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فقهاً فيه منهم، أو يكون هؤلاء تفرغوا لأخذه عنه مشافهة - عليه الصلاة والسلام - وبعضهم اقتصر على أخذه بعضهم من بعض، أو يكون هؤلاء انتصبوا لأن يؤخذ عنهم وتفرغوا لذلك، وغيرهم شغل نفسه بغير ذلك، وقد يكون هذا من أعلام نبوته - عليه الصلاة والسلام - وأمره بما أفضت إليه أحوال أصحابه، وإن كانوا فى حياته يأخذون عنه القرآن كلهم، ويأخذ بعضهم عن بعض، فأعلم أن هؤلاء بعده ممن يلجأ الناس إليهم فى أخذ القرآن والقراءة عليهم، ومنتصبون لذلك - رحم الله جميعهم.

(23) باب من فضائل أبى بن كعب وجماعة من الأنصار رضى الله تعالى عنهم

(23) باب من فضائل أبىّ بن كعب وجماعة من الأنصار رضى الله تعالى عنهم 119 - (2465) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: جَمَعَ الْقُرآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة "، وذكر معاذاً وأبيًّا وزيد بن ثابت وأبا زيد، قال الإمام: هذا الحديث مما ذكره بعض الملحدة فى مطاعنها وحاولت بذلك القدح فى الثقة بنقل القرآن، ولا مستروح لها فى ذلك؛ لأنا لو سلمنا أن الأمر كما ظنوه وأنه لم يكمل القرآن سوى أربعة، فإنه قد حفظ جميع أجزائه فيكون لا يحصون وما من شرط كونه متواتراً أن يحفظ الكل الكل، بل الشىء الكثير إذا روى عن جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواتراً، ولو أن " قفا نبك " روى كل بيت مائة رجل مثلاً لم يحفظ كل مائة سوى البيت الذى روته لكانت متواترة، فهذا الجواب عن قدحهم. وأما الجواب عن سؤال من سأل عن وجه الحديث من الاسلاميين، فإنه يقال له: قد علم ضرورة من تدين الصحابة - رضى الله عنهم - ومبادرتهم إلى الطاعات والقرب - التى هى أدنى منزلة من حفظ القرآن - ما يعلم منه أنه محال مع كثرتهم ألا يحفظه منهم إلا أربعة، كيف ونحن نرى أهل عصرنا يحفظه منهم ألوف لا تحصى مع نقص رغبتهم فى الخير عن رغبة الصحابة - رضى الله عنهم - فكيف بالصحابة على جلالة أقدارهم؟ هذا معلوم بالعادة. ووجه ثان وهو: أنا نعلم أن القرآن كان عندهم من البلاغة بحيث هو، وكان الكافرون فى الجاهلية يعجبون من بلاغته ويحارون فيها، حتى ينسبوها تارة إلى السحر، وتارة إلى أساطير الأولين، ونحن نعلم من عادة العرب شدة حرصهم على الكلام البليغ وتحفظها له، ولم يكن لها شغل ولا صناعة (¬1) سوى ذلك، فلو لم يكن للصحابة باعث على حفظ القرآن سوى هذا، لكان من أدل الدلائل على أن الخبر ليس على ظاهره. فإذا ثبت بهذين (¬2) العادتين أن الخبر متأول، وثبت ذلك - أيضاً - بطريقة أخرى، وهى ما نقله أهل السير، وذكره أهل الأخبار؛ من كثرة الحافظين له فى زمان النبى - عليه الصلاة والسلام - وقد عددنا من حفظنا منهم وسمينا نحو خمسة عشر صاحباً، ممن نقل ¬

_ (¬1) فى ح: صنعة. (¬2) فى ح: بهاتين.

الأَنْصَارِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثاَبِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهم [حفظ] (¬1) جميع القرآن فى كتابنا " المترجم بقطع لسان النابح فى المترجم بالواضح "، وهو كتاب نقضنا فيه كلام رجل وصف نفسه بأنه كان من علماء المسلمين، ثم ارتد وأخذ يلفق قوادح فى الإسلام، فنقضنا أقواله فى هذا الكتاب، وأشبعنا القول فى هذه المسألة، وضبطناه فى أوراق، فمن أراد مطالعته فليقف عليه هناك. وقد أشرنا فيه إلى تأويلات لهذا الخبر، وذكرنا اضطراب الرواة فى هذا المعنى، فمنهم من زاد فى هذا العدد، ومنهم من نقص منه ومنهم من أنكر أن يجمعه أحد، وأنه قد يتأول على أن المراد يعلم بجميعه: بجميع قراءاته السبع، وفقهه، وأحكامه والمنسوخ منه سوى أربعة. ويحتمل - أيضاً - أن - يراد به أنه لم يذكر أحد عن نفسه أنه أكمله فى حياة النبى - عليه الصلاة والسلام - سوى هؤلاء الأربعة؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام - عليه الصلاة والسلام - حيًّا، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله واستجازه هؤلاء، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه. ويحتمل - أيضاً - أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوفاً من المراءاة به، وأحتياطاً على النيات، كما يفعل الصالحون فى كثير من العبادات، وأظهر هؤلاء الأربعة ذلك؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم، أو لرأى اقتضى ذلك عندهم، وكيف تعرف النقلة أنه لم يكمله سوى أربعة؟ وكيف يتصور الإحاطة بهذا وأصحاب النبى - عيه الصلاة والسلام - متفرقون فى البلاد؟ وهذا لا يتصور حتى يلقى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه أنه لم يكمل القرآن، وهذا بعيد تصوره فى العادة، كيف وقد نقل الرواة إكمال بعض النساء لقراءته، وقد اشتهر حديث عائشة - رضى الله عنها - وقولها: " كنت جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن " ولم يذكر فى هؤلاء الأربعة أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب - رضى الله عنهما - وكيف يظن بهذين اللذين هما أفضل الصحابة أنهما لم يحفظاه وحفظه من سواهما؟ وهذا كله يؤكد ما قلناه؛ على أن الذى رواه مسلم ليس بنص جلى فيما أراده القادح، وذلك أنه قصارى ما ذكر أن أنساً قال: " جمع القرآن على عهد النبى - عليه الصلاة والسلام - أربعة، كلهم من الأنصار " فقد يكون المراد: أنى لا أعلم سوى هؤلاء الأربعة، ولا يلزمه أن يعلم كل الحافظين لكتاب الله، أو يكون أراد من أكمله من الأنصار، وإن كان قد أكمله من المهاجرين خلق كثير، فإذا كان فى الخبر هذه الطرائق ¬

_ (¬1) من ح.

120 - (...) حدّثنى أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: قَلْتُ لأَنَس بْن مَالِكٍ: مِنْ جَمَعَ الْقُرآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثاَبِتٍ، وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ. 121 - (799) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَىٍّ: " إِنَّ الله - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَنِى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيكَ ". قَالَ: آللهُ سَمَّانِى لَكَ؟ قَالَ: " اللهُ سَمَّاكَ لِى ". قَالَ: فَجَعَلَ أُبِىٌّ يَبْكِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ الكثيرة التى أوضحناها لم يبق للخصم تعلق. قال القاضى: لو لم يكن فى بيان الغرض من هذا الحديث ورفع إشكاله إلا ما تواتر به الخبر أنه قتل يوم اليمامة فى خلافة أبى بكر سبعون ممن جمع القرآن، وهى سنة وفاة النبى - عليه الصلاة والسلام - أول سنين خلافة أبى بكر الصديق، فانظر من بقى ممن جمعه ممن لم يقتل فيها، وممن لم يحضرها وبقى بالمدينة ومكة وغيرها من أرض الإسلام حينئذ. وقوله: " قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتى ": أبو زيد هذا هو سعد ابن عبيد بن النعمان الأوسى من بنى عمرو بن عوف، بدرياً، يعرف بسعد القارى، توفى شهيداً بالقادسية سنة خمس عشرة. قال أبو عمر: هذا قول أهل الكوفة، وخالفهم [غيرهم] (¬1). قال أبو زيد: هذا هو قيس بن سكن (¬2) الخزرجى، من بنى عدى ابن النجار، بدرى قال ابن عقبة: قتل يوم جسر أبى عبيد سنة خمس عشرة. وقوله - عليه الصلاة والسلام - لأبى - رضى الله عنه -: " إن الله قد أمرنى أن أقرأ عليك [القرآن] (¬3) " الحديث، قال الإمام: مجمل هذا الحديث على أن الله - سبحانه - أمره أن يقرأ عليه ليعلمه لا ليعلم (¬4) منه، وقد يعلم العلم القرآن ويروى الحدث الحديث إما بقراءته على المتعلم، وتكرير ذلك عليه حتى يضبطه وهو أصل التعليم، أو بقراءة المتعلم عليه، وهى الحالة الثانية فى التعليم، الذى يكون للضبط وأخبار حال المتعلم أو يكون المراد: أن الله - عز وجل - أمره بالقراءة عليه ليعلمه زينة القراءة، ومواضع المواقف، وصنعة النغم، فإن نغمات القرآن على أسلوب ونظام قد ألفه ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 3/ 1293 رقم (2135). (¬3) من ح. (¬4) فى ح: ليتعلم.

122 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبِىِّ بْنِ كَعْبٍ: " إِنَّ اللهَ أَمَرَنِى أَن أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬1) قَالَ: وَسَمَّانِى؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: فَبَكَى. (...) حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبَىٍّ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الشرع، وقرأه عليه، بخلاف ما سواها من النغم المستعملة فيما سواه، ولكل حزب من النغم تأثير فى النفس يختص به، وإلى هذا أشار بعض أهل العلم فى تأويل هذا الحديث. قال القاضى: يرفع الاحتمال ما رواه ابن مجاهد عن [ابنٍ (¬2) أبى سند رفعه، أنه قال: ليقرأ على. فأخذ ألفاظه، فتفسير أبىّ له بذلك يقطع كل احتمال؛ إذ هو المسمى المأمور به، المقروء عليه، العارف بسبب ذلك ومعناه. وبكى أبى لذلك [بكاء] (¬3) سرور. ¬

_ (¬1) سورة البينة. (¬2) و (¬3) سقطتا من ح.

(24) باب من فضائل سعد بن معاذ رضى الله عنه

(24) باب من فضائل سعد بن معاذ رضى الله عنه 123 - (2466) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَنَازَةُ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ -: " اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَن ". 124 - (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِىُّ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ". 125 - (2467) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاء الْخَفَّافُ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتاَدَةَ، حَدَّثَنَا أنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَجِنَازَتُهُ مَوْضُوعَةٌ - يَعْنِى سَعْدًا -: " اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَن ". 126 - (2468) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اهتز عرش الرحمن "، قال الإمام: ذهب بعض أهل العلم إلى إجراء هذا الحديث عن حقيقته، وزعم أن العرش تحرك لموته، وهذا الذى قال لا ينكر من ناحية العقل؛ لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون، ولكنه لا يحصل المراد به من تفضيل سعد، إلا أن نقول بأن حركة العرش علم على فضله عند الله تعالى، وأن الله - سبحانه - يحركه على عظمته؛ إشعاراً للملائكة بفضل هذا الميت فيصح. وحمله بعض أهل العلم على أن المراد به حملة العرش، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬1)، وقال - عليه الصلاة والسلام - فى أحد: " [جبل] (¬2) يحبنا ونحبه " (¬3) والمراد بهذين الأهل، ويكون الاهتزاز بمعنى الاستشعار والقبول، والعرب تقول: فلان يهتز للمكارم، ولا يعنى اضطرأب جسمه، ¬

_ (¬1) يوسف: 82. (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬3) البخارى، ك الاعتصام، ب ما ذكر النبى عليه السلام 9/ 129، مسلم، ك الحج، حديث رقم (462).

حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلمِسُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِها. فَقَالَ: " أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ ". (...) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنِى أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: أُتِىَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِ حَرِيرٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ هَذَا أَوْ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما يعنى ارتياحه إليها وقبوله عليها، وذلك مشهور [فى الأشعار. وقال بعض أهل العلم: إن المراد بذلك السرير] (¬1) الذى حمل عليه سعد، وسُمى ذلك عرشاً. وما أدرى هؤلاء تأولوا هذا إلا على ما وقع فى بعض الروايات: " اهتز العرش "، فحذف أسم الرحمن جلت قدرته، وأما مع ذكر اسمه - سبحانه وتعالى - كما رواه مسلم فيبعد هذا التأويل. قال القاضى: روى عن ابن عمر هنا: أن العرش هنا هو سرير الميت. وكذلك جاء فى حديث البراء فى الصحيح: " اهتز السرير " (¬2)، وتأوله الهروى فراح يحمله عليه، وقد أنكر جابر بن عبد الله هذه اللفظة قديماً فى الحديث على قائلها، وتأول الحربى (¬3) " أهتز العرش " على تعظيم شأن وفاته، قال: والعرب تنسب الأمر إذا عظمته لأعظم الأشياء فيقولون: قامت لموت فلان القيامة، وأظلمت له الأرض. فحمله على مجاز الكلام. وقوله: " أهديت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلة حرير ": كذا جاء فى حديث محمد بن الثنى وابن بشار بالحاء واللام، وفى غيره: " جبة " بالجيم والباء، وهو أوجه فى كلام العرب، وعلى مذهب من يرى الحلة إنما هو لباس ثوبين يحل أحدهما على الآخر، وأن الثوب الفرد لا يسمى حلة. ومن يذهب إلى أن الحلة هو الثوب الجديد الذى حل من طيه فيصح، لكن جاء فى السير: إنما قباء من ديباج مخوص [بالذهب] (¬4). وقد روى البخارى الوجهين " جبة " (¬5) و " حلة " (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب مناقب سعد بن معاذ 5/ 44. (¬3) انظر: غريب الحديث لأبى إسحاق الحربى 3/ 1135. (¬4) فى هامش ح. (¬5) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب مناقب سعد 5/ 144. (¬6) البخارى، ك بدء الخلق، ب ما جاء فى صفة الجنة 4/ 144.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا. كَرِوَايَةِ أَبِى دَاوُدَ. 127 - (2469) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ أُهْدِىَ لِرسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةٌ مِنْ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا. فَقَالَ. " وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِى الْجَنَّةِ، أَحْسَنُ مِنْ هَذَا ". (...) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أُكُيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ أَهْدَى لِرَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكَرْ فِيهِ: وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لمناديلُ سعد فى الجنة خير منها وألين ": إشارة إلى أن أدنى ثيابه هناك، لأن المناديل هو ما يمسح بها الأيدى وغيرها من الدنس والوسخ. والندل: الوسخ، ومنها اشتق اسمها. وقوله: " وكان ينهى عن الحرير " تقدم الكلام عليه و " أكيدر دومة " بفتح الدال وضمها، وأنكر ابن دريد فى الجمهرة الفتح. وقال أهل اللغة بالضم، والمحدثون بالفتح، وهو خطأ. قيدناهما عن ابن سراج. قال ابن دريد: " ودومة الجندل " مجتمعة ومستدارة. وقد ذكر الواقدى فى هذا الحرف فى حديثه: " دوما الجندل " هكذا. قال القاضى: وهو من بلاد الشام، قرب تبوك، وكان " أكيدر " ملكها، وهو أكيدر بن عبد الملك الكندى، أسره خالد بن الوليد فى غزوة تبوك، وسلبه هذه الحلة وكانت قباء من ديباج مخوص بالذهب، فأمنه النبى - عليه الصلاة والسلام - ورده إلى موضعه، وضرب عليه الجزية. وذكر الواقدى أنه أسلم، وكتب له النبى - عليه الصلاة والسلام - حين أسلم كتاباً ذكره.

(25) باب من فضائل أبى دجانة سماك ابن خرشة رضى الله تعالى عنه

(25) باب من فضائل أبى دجانة سماك ابن خرشة رضى الله تعالى عنه 128 - (2470) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: " مَنْ يَأخُذُ مِنِّى هَذَا؟ "، فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إِنْسانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا. قَالَ: " فَمَنْ يَأخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ ". قَالَ: فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأجحم القوم ": الرواية هنا بتقديم الجيم، وتقول العرب - أيضاً - بتقديم الحاء، وهما بمعنى، قال الإمام: " أحجم القوم ": أى تأخروا، ويقال: أجحمت عن الأمر: إذا تأخرت عنه.

(26) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضى الله تعالى عنهما

(26) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضى الله تعالى عنهما 129 - (2471) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جابرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، جِىءَ بَأَبِى مُسَجى، وَقَدْ مُثِلَ بِهِ. قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ، فَنَهَانِى قَوْمِى. ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ، فَنَهَانِى قَوْمِى. فَرَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ بَاكِيَةٍ أَوْ صَائِحَةٍ، فَقَالَ: " مَنْ هَذِهِ؟ ". فَقَالُوا: بِنْتُ عَمْرٍو، أَوْ أَخْتُ عَمْرٍو. فَقَالَ: " وَلِمَ تَبْكِى؟ فَمَا زَالَتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِها حَتَّى رُفِعَ ". 130 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَريرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أُصِيبَ أَبِى يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِى، وَجَعَلُوا يَنْهَوْنَنِى، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَنْهَانِى. قَالَ: وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو تَبْكيِه. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَبْكيِه، أَوْ لا تَبْكيِه، مَا زَالَتِ اْلمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِها حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " جىء مسجى ": أى مغطى الجسد والرأس. وقوله: " مجدعاً ": أى مقطوع الأنف والأذن. وقوله: " تبكيه، أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه ": ظاهره أنه نص لفظ النبى - عليه الصلاة والسلام - وأنه قال للثالثة عليه: " ابكيه، أو لا تبكيه " فقد حصل له من الفضل ما ذكر، على طريق التسلية لها والتسوية لفعلها، أو يكون المراد بـ " تبكيه " لمصابك بمثله وزرتك به " أو لا تبكيه " لسرورك بما حصل له من الفضل. وقد يحتمل أن النبى - عليه الصلاة والسلام - قال أحد اللفظين على هذا المعنى، وشك الراوى فى أيهما قال. وقوله: " تظله بأجنحتها ": يحتمل أن المراد: تزاحمها عليه؛ لبشارته بفضل الله

(...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَدِ بْنِ اْلمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، بَهَذَا اْلحَدِيثِ. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيجٍ لَيْسَ فِى حَدِيثِهِ ذِكْرُ الْمَلاِئكَةِ وَبُكَاءِ الْبَاكِيَةِ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِياءُ بْنُ عَدِىٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قاَلَ: جِىءَ بِأَبِى يَوْمَ أُحُدٍ مُجَدَّعًا، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ورضاه ومآله عنده ولكثرته، والكرامة له، أو لتظليله من حر الشمس لئلا يتغير جسمه وريحه. قال الإمام: خرج مسلم فى فضائل عبد الله بن حرام قال مسلم: حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا زكرياء، حدثنا عبيد الله، عن عبد الكريم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، هكذا روى عن الجلودى والكسائى، وعند أبى العلاء وابن ماهان: عبد الكريم، عن محمد بن على، عن جابر. جعل بدل " محمد بن المنكدر ": " محمد بن على "، وهو ابن الحسين بن على بن أبى طالب - رضى الله عنه. ومن حديث محمد بن المنكدر عن جابر خرجه أبو مسعود الدمشقى، قال بعضهم: وهو الصواب.

(27) باب من فضائل جليبيب رضى الله عنه

(27) باب من فضائل جليبيب رضى الله عنه 131 - (2472) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَليطٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثاَبِتٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِى بَرْزَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِى مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: " هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، فُلانًا وَفُلانًا وفُلاناً. ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا. ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ ". قَالُوا: لا. قَالَ: " لَكِنِّى أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ "، فَطُلِبَ فِى الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ. فَأَتَى النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: " قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ ". قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ، لَيْسَ لَهُ إِلا سَاعِدَا النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوَضِعَ فِى قَبْرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله: " كان فى مغزى له ": أى فى سفر غزو. وقوله فى حديث جليبيب هذا: " فوضع فى قبره ولم يذكر غسلاً ": حجة أنه لا يغسل الشهيد؛ ولذلك لم يذكر فيه صلاة أيضاً.

(28) باب من فضائل أبى ذر رضى الله عنه

(28) باب من فضائل أبى ذر رضى الله عنه 132 - (2473) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِد الأزْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا منْ قَوْمِنَا غِفَارٍ، وَكَانُوا يُحَلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَناَ وَأَخِى أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ. فَقاَلُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا الَّذِى قِيلَ لَهُ. فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، ولا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ، فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلْناَ عَلَيْهَا، وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِى، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنيْسًا، فَأَتاَنَا أُنيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا. قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَابْن أَخِى، قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثِ سِنِينَ. قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: للهِ. قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِى رَبِّى، أُصَلِّى عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّى خِفَاءٌ، حَتَّى تَعْلُوَنِى الشَّمْسُ. فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِى حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنى، فاَنْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَىَّ، ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ. قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ الناسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ. وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قوله: " فَنَثَا علينا الذى قيل له ": أى أشاعه، يقال: ثبوت الحديث أثبوه: إذا أذعته وأشعته. وقوله: " فقربنا صرمتنا ": الصرمة: القطعة من الإبل، وصاحبك مصرم. وقد تكون الصرمة فى غير هذا القطعة من النخل، قال ابن السكيت: والصرم أبيات مجتمعة. وقوله: " نافر أنيس ": قال أبو عبيد: فى هذا الحديث المنافرة: أن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه، ثم يحكما بينهما رجلان، وقال غيره: المنافرة: المحاكمة، تنافرنا فلان، أى تحاكمنا إليه أينا أعز نفراً وأخير. وقوله: [" كأنى خفاء ": قال أبو عبيد: الخفاء ممدود وهو الغطاء، وكل شىء

قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ. وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ، فَمَا يَلتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِى؛ أَنَّهُ شِعْرٌ. وَاللهِ، إِنَّهُ لَصَادِقٌ. وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. قَالَ: قُلْتُ: فَاكْفِنِى حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ. قَالَ: فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُمْ. فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِى تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَىَّ، فَقَالَ: الصَّابِئَ. فَمَالَ عَلَىَّ أَهْلُ الْوَادِى بِكُلّ مَدَرَة وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَىَّ. قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِيَن ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّى نُصُبٌ أَحْمَرُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّى الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِى ثَلاثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا كَانَ لِى طَعَامٌ إِلا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِى، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِى سَخفَةَ جُوعٍ. قَالَ: فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِى لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِختِهمْ. فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ. وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَناَئلَةَ. قَالَ: فَأَتَتَا عَلَىَّ فِى طَوَافِهِمَا فَقُلْتُ: أنكِحا أَحَدَهُمَا الأُخْرَى. قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا. قَالَ: فَأَتَتَا عَلَىَّ. فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الخَشبَةِ، غَيْرَ أَنِّى لا أَكْنِى. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلانِ، وَتَقُولانِ: لَوْ كَانَ هَهُنَا أحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا! قاَلَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا هَابِطَانِ. قَالَ: " مَا لَكُمَا؟ ". قَالَتا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارَهَا. قَالَ: " مَا قَالَ لَكُمَا؟ ". قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ. وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ - قَالَ أَبُو ذَرٍّ -: فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلُ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ. قَالَ: فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: " وَعَلَيْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ غطيته بشىء من كساء أو ثوب أو غيره فذلك الغطاء، وهو الخفاء، وجمعه أخفية. وقوله] (¬1): " على أقراء الشعر ": أى على طرقه وأنواعه، واحدها قرء، وهذا الشعر على قرء هذا أى على طريقته. وقوله: " ليلة قمراء إضحيان ": أى مضيئة، حكى ابن عاصم فى كتاب الأنوار: يقال: قمر إضحيان وليلة إضحيان، إذا كانت مضيئة بالقمر قال الهروى: وضحيا أيضاً، ويوم ضحيان. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

وَرَحْمَةُ اللهِ ". ثُمَّ قَالَ: " مَنْ أَنْتَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ. قَالَ فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ. فَقُلْتُ فِى نَفْسى: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ. فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَقَدَعَنِى صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّى، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ. ثُمَّ قاَلَ: " مَتَى كُنْتَ هَهُنَا؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فقدعنى صاحبه ": أى كفنى، يقال: قدعته وأقدعته، إذا كففته ومنعته. وقوله: " قد شنفوا له ": أى أبغضوه، يقال: شنف له شنفاً: إذا أبغضه. والشنف: الشانى المبغض. قال صاحب الأفعال: شنفته بكسر النون، أى أبغضه، وأشنفت الجارية جعلت لها شنافاً. وقوله: " فتنافرا إلى رجل من الكهان " (¬1): أى فتحاكما، يقال: نافرته نفاراً، أى حاكمته. قال زهير: فإن الحق مقطعة ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء وقوله: " كما أخذ سخفة الجوع ": يعنى رقته وهزاله. قال أبو عمرو: السخف: رقة العيش، وأيضاً رقة العقل. وقوله: " فثار القوم ": يقال: ثار القوم يثورون. قال القاضى: [معناه] (¬2) هاجوا ونهضوا وتحركوا، وأثرت الأسد هجته، وأما ما ذكر عن أبى عمرو فإنما قيدناه فى كتاب الهروى على شيخنا أبو الحسين، السخف: رقة العيش بالفتح، والسخف رقة العقل بالضم، وبالوجهين ضبطنا الحرف فى الحديث فى كتاب مسلم، وبقى فى حديثه من الغريب والشرح ما يذكره من ذلك فى الكاهن، فخير أنسياً - يعنى عليه - على الآخر الذى تنافر معه وجعله خيراً منه كما تقدم فى شرح المنافرة. وعند العذرى هنا: " فخبر " بباء بواحدة، وقيل: كذا فى أصل الجلودى، وهو تصحيف. وكذلك قوله: " كأنى خفا " ورواه بعضهم عن ابن ماهان: " جفا " بالجيم مضمومة، هو ما ألقاه السيل من غثائه وما احتمله، وله وجه لكن الأول أوجه وقد شرح. وقال ابن الأنبارى: الخفا: كساء يلقى على الوطب. وقوله: " على أقراء الشعر " بالراء، تقدم تفسيره، وكذا رواية السمرقندى والسجزى فيه وهو الصواب، وعند العذرى والهروى: " إقوا " بالواو، قد رواه بعضهم بالواو وكسر الهمزة، ولا وجه له. وقوله: " فما يلتئم على لسان أحد بعدى " كذا الرواية عند جميع شيوخنا وفى أصولهم، وكتبنا عن بعضهم فيه: " تقرى " فى نسخة بفتح التاء، وهو خير، وأحسن منه يقرى بضمها، وهو مما تقدم، يقال: أقرأت فى الشعر وهذا الشعر علىّ قرئ هذًّا، وقرأته أى [على] (¬3) قافيته، وجمعها أقراء، وفى بعض النسخ أيضاً على لسان أحد ¬

_ (¬1) حديث رقم (132) مكرر بالباب. (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

قَالَ: قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَهُنَا مُنْذُ ثَلاثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. قَالَ: " فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: مَا كَانَ لِى طَعَامٌ إِلا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عَكَنُ بَطْنَى، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِى سخفَةَ جُوعٍ. قَالَ: " إِنَهَا مبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يعزى إلى شعر ينسب إليه ويوصف به وله معنى، وللروايات كلها وجه. وقوله: " فأتيت مكة فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذى تدعونه الصابئ؟ ": كذا رواية الجلودى، وعند ابن ماهان: " تضيف " بالياء ولا معنى لها فى هذا الحديث، ورواه البزار فى مسنده: " تصفحت "، والرواية الأولى أوجه، وهى الرواية التى ذكرها الشارحون. قال الهروى: معناه: استضعفته. قال القتبى: قد يدخل " استفعلت " على بعض حروف " تفعلت " نحو تعظم وأستعظم، وتكبر واستكبر؛ ومعناه: أنه لم يقدم على سؤال من يخشى منه ويتوقع أذاه، ألا تراه كيف لم يسلم منه مع هذا لما سأله ونبه الناس عليه، فقال: الصابئ. قال: فمال على أهل الوادى وأصحابه. الصباة: جمع صابٍ، مثل رام ورماة، ومن همز الصابى جمعه صباه، مثل كاتب وكتبة، وكافر وكفرة، وكأنهم سهلوا الهمزة الأخرى ثم حذفوها. وكانت قريش لا تهمز، وقد قرئ بالوجهين: الصابون والصابئون بالهمز وتركه، ومعناه: الخارج من دين إلى دين. وقوله: " خررت مغشياً علىَّ، فارتفعت [حين ارتفعت] (¬1) كأنى نصب أحمر ": يعنى أنه سقط لما ناله من الضرب والرمى، وصار كأنه يصب من كثرة الرمى، وهى الحجارة التى كانت الجاهلية تذبح عليها لآلهتهم، وهى الأنصاب، والواحد نصب، ونصيب مسكن. ونصيب بالفتح أيضاً، ومعنى " ارتفعت " هنا: قمت. وقيل: معناه: ارتفع عنى. فيه ما كان يلقى المؤمنون من أذى المشركين وصبرهم عليه، وفضل أبى ذر واستبصاره فى الإسلام، وهداية الله له إليه من عنده وعنايته به. وقوله: " لقد لبثت ثلاثين ما بين ليلة ويوم مالى طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطنى ": أى انطوت طاقات لحم بطنه، وهذا من بركة زمزم وفضلها. وقول النبى - عليه الصلاة والسلام - فى ذلك: " إنها طعام طعم " هو من أسماء زمزم، ومعناه: يغنى شاربها عن الطعام، أى أنها تصلح للأكل. والطعم بالضم مصدر، وقيل: لعله طعم بالفتح، أى طعم شيئاً. والطعم شهوة الطعام، وقيل: لعله طعم ¬

_ (¬1) أثبتناها من الحديث المطبوع حتى يستقيم المعنى.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِى فِى طَعاَمِهِ اللَّيْلَةَ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَانْطَلَقتُ مَعَهُمَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بضم الطاء والعين، أى طعام طاعمين كثير فى الأكل، ويكون طعم جمع طعوم، أى أنها تشبع من كثر أكله. وقيل: [يكون] (¬1) معناه: طعام مسمن، ومن أسمائها أيضاً: شفاء السقم، ومصونة، وبرة وطيبة، وشراب الأبرار، وهمزة (¬2) جبريل أى غمزته بعقبه. وقوله: " ليلة قمراء إضحيان ": أى مقمرة، وهو إنما سمى قمراً من الليلة الثالثة إلى أن يبدى، فإذا أخذ فى النقص فهو قمير، قاله ابن دريد، وقد تقدم تفسير إضحيان وهو بمعناه، ورواه بعض شيوخنا: " ليلة قمر إضحيان " على الإضافة. وقوله: " إذا ضرب على أصمختهم ": أى آذانهم، يريد [بأصوات] (¬3) ناموا، قال الله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِم} (¬4) أى أنمناهم. وأصله: منعناهم السمع بنومهم؛ لأن من نام لا يسمع، وواحدها صماخ، وهو ثقبها الغائر، ويقال بالسين أيضاً، حكاهما صاحب العين. وقوله: " فما تناهتا عن قولهما ": أى صرفهما وردهما. وقوله: " هن مثل الخشبة غير أنى لا أكنى " المعنى: والهنة يعبر بها عن كل شىء وعن العورة، والمراد هنا الذكر، وإنما أراد بذلك سب أساف [ونائلة] (¬5) وإغاظة الكافرين بذلك. وقوله: " [فانصرفتا] (¬6) تولولان ": الولولة: صوت الدعاء بالويل، قاله صاحب العين. وقوله: " لو كان أحد من أنفارنا ": جمع نفير أو نفر، أى من أنصارنا ورجالنا الذين ينفرون لدعائنا ونصرنا، وكذا جاء فى رواية السمرقندى: " أنصارنا ". وقوله: " فاستقبلهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وهما هابطان، قال: ما لكما؟ "، كذا فى الأصل، وفى غيره مفسر " هابطان من الجبل "، وكذا ذكره البزار فى مسنده. وقوله: " قال له كلمة تملأ الفم ": أى عظيمة لا شىء بعدها، كالشىء الذى يملأ الشىء، ولا يسع معه غيره، أو يكون معناه: لا يمكن ذكرها وحكايتها، كأنها تسد فم ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى ح: هزمة. (¬3) ضرب عليها فى نسخة ز، وساقطة من ح. (¬4) الكهف: 11. (¬5) ساقطة من ح. (¬6) هكذا فى الأصل، ح، وفى أصل الحديث فى المتن: فانطلقتا.

وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ. ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِى أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لا أُرَاهَا إِلا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّى قَوْمَكَ؟ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأجُرَكَ فِيهِمْ ". فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتَ أَنِّى قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ: مَا بِى رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، فَإنِّى قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَأَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ: مَا بِى رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّى قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، فَأسْلَمَ نِصْفُهُمْ، وَكَانَ يَؤُمُهُمْ إِيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الغِفَارِىُّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ. وقاَلَ نِصْفُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ اْلبَاقِى. وَجَاءَتْ أَسْلَمُ. فَقاَلُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِخْوَتُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِى أَسْلَمُوا عَلَيْهِ. فَأَسْلَمُوا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ ". (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلال، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلهِ - قُلْتُ فَاكْفِنِى حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ - قَالَ: نَعَمْ، وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَإِنَّهمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــ حاكيها وتملؤه بالاستعظام لها فلا يقدر على حكايتها. وقوله: " ثم غبرت ما غبرت ": أى بقيت ما بقيت. وقوله: " أنه قد وجهت لى الأرض ": أى أريت جهتها. وقوله: " ما بى رغبة عن دينك ": أى كراهة. رغبت عن كذا: كرهته وتركته، ورغبت فيه: حرصت عليه وأحببته. وقوله: " فاحتملنا حتى أتينا قومنا ": أى سرنا، وأصله من الحمولة والحملان، وهو ما يحمل عليه من الإبل، وإنما أمن رخصة بفتح الهمزة، ويقال: بكسرها أيضاً ممدود، ورحضه بفتح الراء والحاء المهملة والضاد المعجمة. وقوله فى الرواية الأخرى: " فلم يزل أخى أنيس يمدحه ويثنى عليه، قال: فأخفنا صرمته ": كذا للعذرى، وفى رواية السمرقندى والسجزى: " يمدحه حتى غلبه ". قال بعض شيوخنا: هو الصواب، كأنه تصحيف من قوله: " ويثنى عليه " وهو بمعنى قوله

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، قَالَ: أَنْبَانَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ: أَبُو ذَرٍّ: يَا ابْنَ أَخِى، صَلَّيْتُ سَنَتَيْنِ قَبْلَ مَبْعَثَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِىَ اللهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ اْلمُغِيرَةِ. وَقَالَ فِى الْحَدِيث: فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ أَخِى أُنَيْسٌ يَمْدَحُهُ حَتَّى غَلَبَهُ. قَالَ: فَأَخَذْنَا صِرْمَتَهُ فَضَمَمْنَاهَا إِلَى صِرْمَتِنَا. وَقَالَ أَيْضًا فِى حَدِيِثِه: قَالَ: فَجَاءَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَإِنِّى لأَوَّلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ. قَالَ: قُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " وَعَلَيْكَ السَّلامُ، مَنْ أَنْتَ؟ ". وَفِى حَدِيثِهِ أَيْضًا: فَقَالَ: " مُنْذُ كَمْ أَنْتَ هَهُنَا؟ ". قَالَ: قُلْتُ: مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَفِيهِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتْحِفْنِى بِضِيَافَتِهِ اللَّيْلَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الأولى: " فخبر أنيساً "، وهو أحسن من رواية العذرى، إذ ليس فيها ما يؤلف الكلام بعضه ببعض. وقوله: فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: " وعليك ": فيه جواز مثل هذا فى الرد، والمستحب ما استمر من عمله - عليه الصلاة والسلام - وعمل الصحابة، وما جاء فى رد الملائكة على آدم من قولهم: " وعليك السلام "، ويستحب زيادة الرحمة والبركة على ما جاء فى الحديث (¬1)، قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (¬2)، على تأويل الأكثر أنها تنزلت فى السلام، وإن كان مالك قال: إنها فى تشميت العاطس. قيل: يحبر منها قوله: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، {أَوْ رُدُّوهَا} قيل: عليك السلام، كما قيل لك، وقيل غير هذا، وقد تقدم فى حديث [عائشة (¬3): " هذا. جبريل يقرئك السلام فقالت: وعليه السلام ورحمة الله] (¬4) "، واختار (¬5) ابن عمر فى الرد مثل فعل عائشة: عليك السلام. وقد تقدم الكلام على هذا فى أحاديث السلام. وقوله فى الحديث الآخر لأخيه: " اركب إلى هذا الوادى ": يعنى مكة " فاعلم لى ¬

_ (¬1) فى ح: الأحاديث. (¬2) النساء: 86. (¬3) سبق فى فضائل عائشة رقم (91). (¬4) فى هامش ح. (¬5) فى ح: واختيار.

133 - (2474) وحدّثنى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَرْعَرَةَ السَّامِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - وَتَقَارَبَا فِى سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَاَللَّفْظُ لابْنِ حَاتِمٍ - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِى، فَاعْلَمْ لِى عِلْم هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِى. فَانْطَلَقَ الآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِى ذَرٍّ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ. وَكَلامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ. فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِى فِيمَا أَرَدْتُ. فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةَ لَهُ، فِيهَا مَاءٌ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، حَتَّى أَدْرَكَهُ - يَعْنِى اللَّيْلَ - فَاضْطَجَعَ، فَرَآهُ عَلِىٌّ فَعَرِفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ. فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَىْءٍ، حَتَّى أَصْبَحَ. ثُمَّ احْتَمَلَ قُرَيْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلا يَرَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَمْسَى. فَعَادَ إِلَى مَضْجِعِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِىٌّ. فَقَالَ: مَا أَنَى لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ فَأَقَامَهُ، فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ، وَلَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَىْءٍ. حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَامَهُ عَلِىُّ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَلا تُحَدِّثُنِى؟ مَالَّذِى أَقْدَمَكَ هَذَا الْبَلَدَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِى عَهْدًا وَمِيثَاقًا لتُرْشِدَنِّى، فَعَلْتُ. فَفَعَلَ. فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتَّبِعْنِى، فَإِنِّى إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ، قُمْتُ كَأَنِّى أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتَّبِعْنِى حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِى. فَفَعَلَ. فَانْطَلقَ يَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأتِيَكَ أَمْرِى ". فَقَالَ: وَالَّذِى نَفْسَى بِيَدِهِ، لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. وَثَارَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، فَأَتَى الْعَبَّاسُ فَاكَبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الرجل " إلى قوله: " فانطلق الآخر ": كذا عنه لأكثر شيوخنا، وعند الجيانى: " فانطلق الأخ الآخر " وهذا وهم والأشبه أنه الأخ عوضاً من الآخر، واجتماعهما بعيد الوجه؛ لأنه إنما ذكر لأبى ذر فى الخبر أخ واحد، فهذه الرواية تنبى أنهما اثنان غير أبى ذر.

عَلَيْهِ. فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَ طَرِيقَ تُجَّارِكُمْ إِلَى الشَّامِ عَلَيْهَمْ، فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهَا. وَثَارُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْعَبَّاس فَأَنْقَذَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما شفيتنى فيما أردت ": كذا ذكره مسلم، ورواه البخارى: " مما أوردت " (¬1) أى ما بلغتنى غرضى وسكنت نفسى مما أردته من معرفة النبى - عليه الصلاة والسلام - وهى أوجه فى الكلام ولرواية مسلم وجه: أى ما شفيتنى من التقصى فيما وجهتك فيه. [والشنَّة القربة البالية] (¬2). وقوله: " فأدركه الليل ": أى غشيه. وقوله: " فرآه على فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه ": كذا هنا. وفى كتاب البخارى من رواية الأصيلى " اتبعه " (¬3) وهو عندى أليق، وأشبه بمساق الكلام، أى قال له: اتبعنى، ويكون بسكون التاء، قال: " وإذا اتبع أحدكم على ملىء ". وقول على له: " أما آن للرجل "، وعند بعضهم: " أنى للرجل " وهما بمعنى، أى ما حان، قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (¬4) أى ألم يحن، يقال: أنى الشىء وآن حان، ونال أيضاً بمعنى. وقوله: " فانطلق يقفوه ": أى يتبعه. وقوله: " لأصرخن بها بين ظهرانيهم ": أى بينهم، ويقال: " بين ظهريهم " أيضاً. وقولة أبى بكر: " أتحفنى بضيافته الليلة ": أى خصنى بذلك كما يخص الإنسان بالخحفة والطرفة. ¬

_ (¬1) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب إسلام أبى ذر 5/ 59. (¬2) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬3) فى رواية البخارى: تبعه أيضاً، أما رواية الأصيلى فلم أقف عليها. انظر البخارى، ك مناقب الأنصار، ب إسلام أبى ذر 5/ 59. (¬4) الحديد: 16.

(29) باب من فضائل جرير بن عبد الله رضى الله تعالى عنه

(29) باب من فضائل جرير بن عبد الله رضى الله تعالى عنه 134 - (2475) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِى حَازِمٍ يَقُولُ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الله: مَا حَجَبَنِى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلا رَآنِى إِلا ضَحِكَ. 135 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، عُنْ إِسْمَاعِيلَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: مَا حَجَبنِى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلا رَآنِى إلا تَبَسَّمَ فِى وَجْهِى. زَادَ ابْن نُمَيْرٍ فِى حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ: وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّى لا أَثْبُتُ عَلَى الْخيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِى صَدْرِى وَقَالَ: " اللهُمَّ، ثَبتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا ". 136 - (2476) حدّثنى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كَانَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ أَنْتَ مُرِيحِى مِنْ ذِى الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةِ الْيَمَانِيَة وَالشَّامِيَّة؟ "، فَنفَرْتُ إِلَيْهِ فِى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ أَحْمَسَ، فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ. فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرْتُهُ. قَالَ: فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: ذو " الخلصة " بفتح الخاء واللام، ويقال أيضاً: " الخُلصة " بضمها، وبالوجهين ضبطناه على أبى الحسين، وضبطناه على أبى بكر بفتح الخاء وسكون اللام. فسره فى الحديث: " بيت لخثعم، كان يدعى الكعبة اليمانية "، وفى غير مسلم: " فيه صنم لها "، وفى البخارى: " بيت لخثعم، فيه نصب لها ". وقوله فى حديث عبد الحميد بن بيان عن خالد عن البيان: كان فى الجاهلية، بيت يقال له: ذو الخلصة، وكان يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية، ثم قال: " هل أنت مريحى من ذى الخلصة والكعبة اليمانية [والكعبة] (¬1) الشامية؟ ": [فيه حذف أولاً، ¬

_ (¬1) من ح.

137 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْس بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْن عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِىِّ، قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جَرِيرُ، أَلا تُرِيحُنِى مِنْ ذِى الْخَلَصَةِ " بَيْتٍ لِخَثْعمَ كَانَ يُدْعَى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ. قَالَ: فَنفَرْتُ فِى خَمْسِينَ وَمائَةِ فَارِسٍ، وَكُنْتُ لا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ يَدَهُ فِى صَدْرِى فَقَالَ: " اللهمَّ، ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا ". قَالَ: فَانْطَلقَ فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يُبَشِّرُهُ، يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ، مِنَّا. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: مَا جئْتُكَ حَتَّى تَرَكْنَاهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، فَبَرَّكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْل أحْمَسَ وَرِجَالِهَا، خَمْسَ مَرَّاتٍ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى الْفَزَارِىَّ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِى حَدِيثِ مَرْوَانَ: فَجَاءَ بَشِيرُ جَرِيرٍ، أَبُو أَرْطَاةَ حُصَيْنُ بْنُ رَبيعَةَ، يُبَشِّرُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ووهم آخراً، وصوابه: ولا يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية، (¬1) أى وسمى الكعبة التى بمكة الكعبة الشامية وهذه الكعبة الشامية بدليل قوله فى الرواية الأخرى: " وكانت تدعى الكعبة اليمانية " ولم يزد، وأما ذكره آخر الكعبة: اليمانية والشامية فوهم وغلط، وزيادة كلها خطأ، وقد ذكره البخارى بهذا السند (¬2)، وليس فيه هذه الزيادة والوهم. وقوله: " ثم بعث جريرٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يبشره ": فيه توجيه البشر. وقوله: " ما جئتك حتى تركناها [كأنها] (¬3) جمل أجرب ": أى مطلى بالقطران لأجل ما به من الجرب، فصار أسود لذلك، يعنى أنها سوداء من إحراقها بالنار. وفيه إجابة دعاء النبى - عليه الصلاة والسلام - لجرير بأن يثبته الله إذ شكا إليه أنه لا يثبت على الخيل (¬4). وقوله: " ما حجبنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ أسلمت، ولا رآنى إلا تبسم فى وجهى ": ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب ذكر جرير بن عبد الله 5/ 49. (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى ح: الجمل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه بر أشراف الناس وحسن لقائهم، لأن جريرًا كان [كبيرًا فى قومه] (¬1). قال الإمام: وخرج مسلم - أيضاً - فضائل جرير بن عبد الله البجلى [قال] (¬2) فجاء بشير جرير أبو أرطاة حسين بن ربيعة، هكذا وقع فى بعض النسخ بالسين، وكذا وقع عند الجلودى والكسائى، وروايتهما: " حسين " بالسين أيضاً. قال بعضهم: وليس بشىء ووقع عند ابن ماهان وحده: " حصين " بالصاد المهملة وهو الصواب. ¬

_ (¬1) فى ح: كان كبيرَ قومه. (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(30) باب فضائل عبد الله بن عباس رضى الله عنهما

(30) باب فضائل عبد الله بن عباس رضى الله عنهما 138 - (2477) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ، قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ ابْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ الْيَشْكُرِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِى يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْخَلاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: " مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ " فِى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ: قَالُوا. وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: قُلْتُ: ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ: " اللهُمَّ، فَقِّهْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القاضى: وفى فضائل ابن عباس حديث زهير بن حرب وأبو بكر بن النضر، كذا لهم، وعند العذرى بن أبى النضر، وكلاهما صحيح، هو أبو بكر بن النضر بن أبى النضر هاشم بن القاسم، واختلف فى اسمه، فسماه الحاكم أحمد وسماه الكُلاباذى محمداً. وفى فضائل أنس دعوة النبى - عليه الصلاة والسلام - له بأن يكثر الله ماله وولده، وقول أنس: فإن مالى لكثير، وإن ولدى وولد ولدى ليتعادون فى نحو المائة اليوم: فيه جواز الدعاء بهذا، وحجة لفضل الغنى ومن يفضله، وإجابة دعوة النبى - عليه الصلاة والسلام. ومعنى " يتعادون ": يتفاعلون من العدد.

(31) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما

(31) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما 139 - (2478) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ وَخَلَف بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ كَأَنَّ فِى يَدِى قِطْعَةَ إِسْتَبْرقٍ، وَلَيْسَ مَكَان أُرِيدُ مِنَ الْجَنَّةِ إلا طَارَتْ إِلْيَهِ. قَالَ: فَقَصَصْتُهُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهُ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَى عَبْدَ الله رَجُلاً صَالِحًا ". 140 - (2479) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ - قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِى حَيَاةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَأَى رُؤْيَا، قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًا عَزَبًا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِى الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِى النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِى فَذَهَبَا بِى إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِىَ مَطَوَّيةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَىِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُم، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لِى: لَمْ تُرعْ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ ". قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ الله بَعْدَ ذَلِكَ، لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلاً. (...) حدّثنا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ خَالِدٍ - خَتَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " قطعة إستبرق ": وهو ما غلظ من الديباج، وقيل: هو فارسى معرب. قوله: " قرنا البئر ": الخشبتان اللتان عليهما الخطاف، وهو الحديدة التى فى جانب البكرة. قال ابن دريد: قال الخليل: هو ما يبنى حول البئر فيوضع عليه الخشبة التى يدور عليها [المحور، وهى الحديدة التى تدور عليها] (¬1) البكرة، وهو نحو ما تقدم. وقوله: حدثنا موسى بن خالد ختن الفريابى، كذا عند شيوخنا، ورواه بعضهم: ¬

_ (¬1) من الأبى، ح.

الْفِرْيَابِىِّ - عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ الْفَزَارِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ فِى الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَكُنْ لِى أَهْلٌ، فَرَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ كَأَنَّمَا انْطُلِقَ بِى إِلَى بِئْرٍ. فَذَكَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَديِثِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى بن خالد [بن] (¬1) الفريانى، وهو خطأ، يقال: الغريانى والفريابى، منسوب إلى مدينه فرياب. وقوله: " لم يرع ": أى لم يخف، ولا يرى فزعاً. هذا ظاهره، لكن روى بقى بن مخلد عن ابن أبى شيبة، وفيه: " فرأى كأن ملكاً انطلق به إلى النار، فلقيه آخر فقال: لم ترع " ولا أرى هذه الرواية إلا وهمًا. " ورع " بمعنى كف، ولا وجه له هنا. ¬

_ (¬1) فى ح: عن ختن.

(32) باب من فضائل أنس بن مالك رضى الله عنه

(32) باب من فضائل أنس بن مالك رضى الله عنه (¬1) 141 - (2480) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ، عَن أُمِّ سُلَيْمٍ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ الله لَهُ فَقَالَ: " اللهُمَّ، أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيَما أَعْطَيْتَهُ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ الله، خَادِمُكَ أَنَسٌ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ، مِثْلَ ذَلِكَ. 142 - (2481) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَمَا هُوَ إِلا أَنَا وَأُمِّى وَأُمُّ حَرَامٍ، خَالَتِى. فَقَالَتْ أُمِّى: يَا رَسُولَ الله، خُوَيْدِمُكَ، ادْعُ الله لَهُ. قَالَ: فَدَعَا لِى بِكُلِّ خَيْرٍ. وَكَانَ فِى آخِرِ مَا دَعَا لِى بِهِ أَنْ قَالَ: " اللهُمَّ، أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ ". 143 - (...) حدّثنى أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: جَاءتْ بِى أُمِّى أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَزرتْنِى بِنِصْفِ خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِى بِنِصْفِهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِى، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ الله لَهُ. فَقَالَ: " اللهُمَّ، أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ". قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللهِ، إِنَّ مَالِى لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِىَ وَوَلَدَ وَلَدِى لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ. 144 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ - يَعْنِى ابْنَ سُلَيْمَانَ - عَن الْجْعدِ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَتْ أُمِّى أُمِّ سُلَيْمٍ صَوْتَهُ. فَقَالَتْ: بِأَبِى وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللهِ، أُنَيْسٌ. فَدَعَا لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب فضائل ابن عباس.

دَعَوَاتٍ، قَدْ رَأَيْتُ مِنْهَا اثْنَتَيْنِ فِى الدُّنْيَا، وَأَنَا أَرْجُو الثَّالِثَةَ فِى الآخِرَةِ. 145 - (2482) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَتَى عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِى إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأتُ عَلَى أُمِّى. فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا. " قَالَ أَنَسٌ: وَاللهِ، لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ. 146 - (...) حدّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَسَرَّ إِلَىَّ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا، فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدُ، وَلَقَدْ سَأَلتْنِى عَنْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَمَا أَخْبَرْتهَا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(33) باب من فضائل عبد الله بن سلام رضى الله عنه

(33) باب من فضائل عبد الله بن سلام رضى الله عنه 147 - (2483) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَىٍّ يَمْشِى إنَّهُ فِى الجَنَّةِ، إلا لِعَبدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ. 148 - (2484) حَدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى العَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ بِالمَدِينَةِ فِى نَاسٍ، فِيهِمْ، بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَاء رَجُلٌ فِى وَجْهِهِ أثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ. فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. فَصَلَّىَ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُه، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَدَخَلْتُ. فَتَحَدَّثْنَا، فَلمَّا اسْتَأنَسَ قُلْتُ لَهُ: إنَّكَ لَمَّا دَخَلْتَ قَبْلُ، قَالَ رَجُلٌ كَذَا وَكَذَا. قَال: سُبْحَانَ اللهِ، مَا يَنْبَغِى لأَحدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لا يَعْلَمُ، وَسَأحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ؟ رَأيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَصْتُها عَلَيْه، رَأيْتُنِى فِى رَوْضَةٍ - ذَكَرَ سَعَتَهَا وَعُشْبَهَا وَخُضْرَتَها - وَوَسْطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أسْفَلُهُ فِى الأَرْضِ وَأَعْلاهُ فِى السَّمَاء، فِى أَعْلاهُ عُرْوةٌ. فَقِيلَ لِى: ارْقَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لا أَسْتَطِيعُ. فَجَاءَنِى مِنْصَفُ - قَالَ ابْنُ عَوْن: وَالمِنْصَفُ الخَادِمُ - فَقَالَ بِثِيابِى مِنْ خَلْفِى - وَصَفَ أَنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ خَلْفِهِ بِيَدِهِ فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِى أَعْلَى العَمُودِ، فَأَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى فضائل عبد الله بن سلام: " فصلى ركعتين [يتجوز] (¬1) فيهما ثم خرج فاتبعته ": كذا رواه مسلم، وفيه نقص (¬2)، وصوابه وتمامه ما فى كتاب البخارى: " ركعتين تجوز فيهما " (¬3)، وعند ابن ماهان: يعنى تجوز فيهما، ومعناه: خففهما. وقوله: " فجاءنى منصف " بكسر الميم وفتح الصاد، ويقال بفتح الميم أيضاً، فسره فى الحديث بالخادم والوصيف، وهو صحيح. قالوا: هو الوصيف الصغير المدرك للخدمة. ¬

_ (¬1) ساقطة من النسخ، والمثبت من الحديث المطبوع. (¬2) قد تكون النسخة الموجودة لدى القاضى، أما نسخ مسلم التى بين أيدينا فليس فيها نقص كما ذكر القاضى. (¬3) البخارى: عن قيس بن عباد، ك مناقب الأنصار، ب مناقب عبد الله بن سلام 5/ 46.

فَقِيلَ لِىَ: اسْتَمسِكْ. فَلَقَدِ اسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّها لَفِى يَدِى، فَقَصَصتُها عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإسْلامُ، وَذَلِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإسْلامِ، وتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثْقَى، وَأَنْتَ عَلَى الإسْلامِ حَتَّى تَمُوتَ ". قَالَ: وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ. 149 - (...) حَدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّاد، حَدَّثَنَا حَرَمىُّ ابْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: كُنْتُ فِى حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ. فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةَ. فَقُمْتُ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا. قَالَ: سُبْحَانَ الله! مَا كَانَ يَنْبَغِى لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُودًا وُضِعَ فِى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله. " فرقيت " بكسر القاف: أى صعدت، وهى اللغة الفصيحة فى هذا، وقد قيل فيه بفتح القاف، وقد جاء فى الروايتين فى مسلم والموطأ وغيرهما فى غير هذا الموضع، وشهادة هؤلاء لعبد الله بن سلام أنه من أهل الجنة وليس فى الحديث الذى ذكره عن النبى - عليه الصلاة والسلام - إلا أنه أخبر أنه يموت على الإسلام والاعتصام بعروته الوثقى، حجة على اتفاقهم على مذهب أهل السنة، أنه من مات على الإسلام فهو من أهل الجنة على كل حال، وإن كان من العاصين، وأن الله لا يحرم عليه الجنة، وأمره بعد إلى الله تعالى، إن شاء عاقبه قبل دخوله الجنة، وإن شاء عفا عنه. [وفيه أنه لا يقطع بالجنة إلا لمن أعلم النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحاله فى ذلك، من موته على الإسلام، وأنه من أهل الجنة إذ الخاتمة مغيبة عنا] (¬1). لكن قد ذكر مسلم من رواية سعد ابن أبى وقاص: " ما سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لحى يمشى أنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام "، فلعل هؤلاء بلغهم خبر سعد ولم يبلغ ذلك عبد الله بن سلام، أو لم يرد ذكره خبراً وتستراً. وقول عبد الله بن سلام (¬2): " ما كان ينبغى لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم ": على طريق التواضع وكراهة الشهرة، أو لقطعهم على ذلك من جهة الدليل لا من جهة ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) فى ز، ح: عبد الله بن عباس، وهذا ما أثبتناه.

فَنُصِبَ فِيهَا، وَفِى رَأسِهَا عُرْوَةٌ، وَفِى أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ - وَالْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ - فَقِيلَ لِىَ: ارْقَهْ، فَرَقِيتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُوَلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَمُوتُ عَبْدُ اللهِ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوةِ الْوُثْقَى ". 150 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بنِ الْحُرِّ. قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِى حَلْقَةٍ فِى مَسْجدِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَفِيهَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ. قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدِّثهُمْ حَدِيثًا حَسَنًا. قَالَ: فَلَمَّا قَامَ قَالَ الْقَوْمُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ، لأَتْبَعَنَّهُ فَلأَعْلَمَنَّ مَكَانَ بَيْتِهِ. قَالَ: فَتَبِعْتُهُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ. قَالَ: فَاسْتأذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِى. فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِى؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُ الْقَوْمَ يَقُولُونَ لَكَ لَمَّا قُمْتَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، فَأَعْجَبَنِى أَنْ أَكُونَ مَعَكَ. قَالَ: اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ. وَسَأُحَدِّثُكَ مِمَّ قَالُوا ذَاكَ. إِنِّى بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ أَتَانِى رَجُلٌ فَقَالَ لِى: قُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِى فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِجَوَادَّ عَنْ شِمَالِى. قَالَ: فَأَخَذتُ لآخُذَ فِيهَا. فَقَاَلَ لِى: لا تَأخُذْ فِيهَا، فَإِنَّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ. قَالَ: فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجُ عَلَى يَمِينِى. فَقَالَ لِى: خُذْ هَهُنَا. فَأَتَى بِى جَبَلاً، فَقَالَ لِىَ: اصْعَدْ. قَالَ: فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خَرَرْتُ عَلَى اسْتِى. قَالَ: حَتَّى فَعَلْتُ ذَلِكَ مِرَارًا. قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ بِى حَتَّى أَتَى بِى عَمُودًا، رَأسُهُ فِى السَّمَاءِ، وَأَسْفَلُهُ فِى الأَرْضِ، فِى أَعْلاَهُ حَلْقَةٌ. فَقَالَ لِىَ: اصْعَدْ فَوْقَ هَذَا. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْعَدُ هَذَا وَرَأسُهُ فِى السَّمَاءِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِى فَزَجَلَ بِى. قَالَ: فَإِذَا أَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْحَلْقَةِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ النص، كما تقدم. وقوله: " فإذا [أنا] (¬1) بجواد ": جمع جادة، وهى الطرق البينة المسلوكة، مشددة الدال، وقد تخفف، قاله صاحب العين. وقوله: " جواد مَنَهجْ ": أى ظاهرة، وطريق منهج ومنهاج ونهج أى ظاهرة بينة. ¬

_ (¬1) من الحديث المطبوع.

ثُمَّ ضَرَبَ الْعَمُودَ فَخَرَّ. قَالَ: وَبِقِيتُ مُتَعَلِّقًا باِلْحَلْقَةِ حَتَّى أَصْبَحْتُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: " أَمَّا الطُّرُق الَّتِى رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهْىَ طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ ". قَالَ: " وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِى رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهْىَ طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ فَهُوَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَلنْ تَنَالَهُ، وَأَمَّا الْعَمُودُ فَهُوَ عَمُودُ الإِسْلامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِىَ عُرْوَةُ الإِسْلاَمِ، ولَنْ تَزَالَ مُتَمَسِّكًا بِهَا حَتَّى تَمُوتَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فزجل بى " بالزاى والجيم: أى [رمانى] (¬1). وأكثر ما يستعمل فى الشىء الدحور (¬2). " وزحل " بالحاء المهملة قريب منه، رحلت (¬3) الشىء: نحيته وأبعدته. ¬

_ (¬1) فى الأبى، والنووى، والحرم. رمى بى، ولعلها هى الصواب. (¬2) فى ح: الدحو. (¬3) فى ح: زحلت.

(34) باب فضائل حسان بن ثابت رضى الله عنه

(34) باب فضائل حسان بن ثابت رضى الله عنه 151 - (2485) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِى الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ. فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِى هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: انْشُدُكَ اللهَ، أَسمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَجِبْ عَنِّى، اللهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ "؟ قَالَ: اللهُمَّ، نَعَمْ. (...) حدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ حَسَّانَ قَالَ، فِى حَلْقَةٍ فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَة: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 152 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَا حَسَّانَ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اللهُمَّ، أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. 153 - (2486) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ - قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: " اهْجُهُمْ - أَوْ هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله عن حسان وإنشاده الشعر فى المسجد، وقوله لعمر: " كنت أنشد، وفيه خير منك ": يعنى النبى - عليه الصلاة والسلام. فيه جواز مثل هذا إذا كان لوجه من وجوه الدين، فإنشاد حسان فيه إنما كان مما يهجو به عدو الإسلام، ويمدح به النبى - عليه الصلاة والسلام - وينافح به عنه - عليه الصلاة والسلام - بالتأييد فى ذلك، وما كان بعده أيضاً - عليه الصلاة والسلام - فمن هذا ونحوه. لكنه يكره الإكثار منه من غير ما ذكرنا قبل، ومما ليس فيه ذكر الله، ولا هو من باب

(...) حَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. 154 - (2487) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَبَبْتُهُ. فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِى، دَعْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) حدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 155 - (2488) حدّثنى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ شُعْبَة، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا حَسَّان بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا، يُشَبِّب بِأَبْيَاتٍ لَهُ، فَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلم للاستشهاد على تفسير القرآن والحديث؛ ولهذا ما كره عمر ذلك من حسان إذ أراه من لغو الكلام، ولم يكن مما قدمناه، وحسان احتج بقول النبى - عليه الصلاة والسلام - له: " أجب عنى، اللهم أيده بروح القدس " يعنى جبريل، وذلك كان فى حياته - عليه الصلاة والسلام - المرجوة التى ذكرناها، وللإجابة عنه لمن تعرض له بالأذى، ولقوله: " اهجهم - أو هاجهم - وجبريل معك ". وفيه جواز الانتصار من الغرض وغيره، مما يقدر عليه من الكفار وغيرهم. وقد قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} (¬1) وقال: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيل} (¬2). وقوله: " كان ينافح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": أى يخاصم ويناضل، من النفح وهو الرفع. قال الإمام: أى يدافع ويذب، يقال: نفحت الدابة برجلها: إذا رمحت. قال القاضى: وفى قوله: " ينافح " دليل على أنه إنما كان انتصاراً لتقدم هجوهم للنبى - عليه الصلاة والسلام - والمسلمين. ¬

_ (¬1) النحل: 126. (¬2) الشورى: 41.

فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ. قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأذَنِينَ لَهُ يَدْخَلُ عَلَيْكِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم} (¬1) فَقَالَتْ: فَأَىُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ - أَوْ يُهَاجِى - عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) حدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: قَالَتْ: كَانَ يَذُبُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: حَصَانٌ رَزَانٌ. 156 - (2489) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زكَرِيَّاءَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ حَسَّانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِىَ فِى أَبِى سُفْيَانَ. قَالَ: " كَيْفَ بِقَرَابَتِى مِنْهُ؟ " قَالَ: وَالَّذِى أَكْرَمَكَ، لأَسُلَّنَكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ. فَقَالَ حَسَّانُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول [حسان] (¬2): حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل قال الإمام: يقال: امرأةٌ حَصان بفتح الحاء: بينة (¬3) الحصن، إذا كانت عفيفة. وقوله: " حصان " بكسرها بين (¬4) التحصين، إذا كان نحيباً (¬5) وبناء حصين: بين الحصانة، إذا كان محكماً منيعاً، أو يقال: رجل رزين، أى: خصيف العقل، وامرأة رزان. وقوله: " لا تزن بريبة ": أى لا تتهم بريبة، يقال: أزننت الرجل بالشراء: إذا اتهمته به. قال صاحب الأفعال: يقال: زننت الرجل وأزننته: [إذا] (¬6) ظننت به خيراً أو شراً أو بنسبتهما إليه. وقوله: " غرثى ": يعنى جائعة (¬7)، يقال: رجل غرثان وامرأة غرثاء، يريد أنها لا تغتاب الناس فتكون بمنزلة من تأكل لحومهم وتشبع منها، لكنها غرثى جائعة منها. قال القاضى: وقول حسان فى أبى سفيان بن الحارث: ¬

_ (¬1) النور: 11. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) فى الأصل: تثنية. (¬4) فى ز، والأبى: بين، وفى ح: بينة. (¬5) هكذا فى الأصل، وقى الأبى: منيعاً، وفى ح: منجياً. (¬6) ساقطة من ح. (¬7) فى الأصل: خائفة، والمثبت من ح والأبى.

وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ قَصِيدَتَهُ هَذِهِ. (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَتِ: اسْتَأذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا سُفْيَانَ. وَقَالَ بَدَلَ " الْخَمِيرِ ": " الْعَجِينِ ". 157 - (2490) حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِىِ أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اهْجُوا قرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَد عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ "، فَأَرْسَلَ إلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ: " اهْجُهُمْ "، فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْض. فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هذَا الأَسَدِ الضَّاربِ بذَنَبه ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُّهُ. فَقَالَ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِى فَرْى ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن سنام المجد من آل هاشم ... بنو بنت مخزوم ووالدك العبد ولم يذكر منها مسلم إلا هذا البيت، ولا تتم به الفائدة. وبعده قوله: ومن ولدت أبناء زهرة منهموا ... كرام ولم يقرب عجائزك المجد يريد بابنة مخزوم: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله والزبير وأبى طالب. وقوله: " ومن ولدت أبناء زهرة منهم ": يريد: هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة أم حمزة وصفية. وأما قوله: " ووالدك العبد ": يريد: أن أم الحارث بن عبد المطلب والد أبى سفيان هنا سمية بنت موهوب، وكانت سمية من بنى سراة بن عامر بن صعصعة. وموهب غلام لبنى عبد مناف، وقيل: إن سمية أم أبى سفيان نفسه وسمراء أم أبيه (¬1)، وهو مراده بقوله: ¬

_ (¬1) فى ز: ابنه، والمثبت من ح.

الأَدِيمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْر أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِى فِيهِمْ نَسبًا، حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِى "، فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ لَخَّصَ لِى نَسَبَكَ، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِيَنِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانَ: " إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " ولم يقرب عجائزك المجد ". وقوله: " لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير ": يريد: العجين المخمر، وقد قال فى رواية أخرى: " العجين " يريد: لاتلطفن فى تخليص نسبك منهم حتى لا يغمك هجوى لهم، ولا يلحق [بك سبى] (¬1) إياهم، كما يتلطف فى إخراج الشعرة من العجين؛ لئلا ينقطع فيبقى فيه. وخص الخمير لأنه ألين وأهيأ لإخراج الشعرة منه من الفطير لقرحته وشدة عجينه. وقوله: " اهجهم، فهى أشد عليهم من رشق النبل " بفتح الراء، هو رميها، والاسم من ذلك بكسر الراء، وهو رمى السهام على يدٍ واحدة، لا يتقدم منها شىء على الآخر. وفيه جواز هجو المشركين وأذاهم بكل ما يقدر عليه، وجواز سبهم وشتمهم فى وجوههم وظهورهم. وأنه لا غيبة فى كافر، ولا فاسق معلن بفسقه. وأمر النبى - عليه الصلاة والسلام - بذلك وتوجيهه فيهم وأنه لم يرضه قول بعضهم حتى وجه لحسان فكلمه (¬2) فى طلب النكاية فيهم، وكف أذاهم بهجوهم المسلمين إذا علموا أنهم يجازون على قولهم، ويجابون عن أشعارهم، وإلا فلم يكن - عليه الصلاة والسلام - فحاشاً، ولا يأمر بالفحش، لكن لما ذكرناه من كف أذاهم ونكايتهم بذلك، وقد قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬3): ولذلك يجب ألا يبتدأ المشركين بالسب والهجاء مخافة هذا، وتنزيهاً لألسنة المسلمين (¬4) عن الفحش، إلا أن يدعوا إلى ذلك ضرورة لابتدائهم به لكف أذاهم ومجازاتهم. وقوله: " قد آن لكم ": أى حان لكم " أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه " ¬

_ (¬1) فى ز: تلبسك، والمثبت من ح. (¬2) فى ز: فكلمته، والمثبت من ح. (¬3) الأنعام: 108. (¬4) فى ح: المؤمنين.

وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ". قَالَ حَسَّانُ: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْه ... وَعِنْدَ اللهِ فِى ذَاكَ الْجَزَاءُ هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا تَقِيًّا ... رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: لسانه. وشبهه بانتقامه وبطشه بالأسد إذا ضرب واغتاظ، وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه كما مثل حسان ذلك بلسانه بقوله: " ثم أدلع لسانه فجعل يحركه "، وهذا يدل أن مراده بالأسد اللسان، وقد يحتمل أنه أراد بالأسد نفسه، وبذنبه لسانه. ومعنى " أدلع لسانه ": أخرجه، يقال: أدلع لسانه ودلعه، ودلع اللسان نفسه إذا أخرجه عن الشفتين. وقوله: " لأفرينهم بلسانى فرى الأديم ": أى لأمزقن أعراضهم تمزيقاً وتقطيعاً كقطع الجلد. قال الإمام: أى لأقطعنهم قطع الجلد. قال صاحب الأفعال: فريت الأديم: قطعته على جهة الإصلاح، والتقدير: فأفريت الشىء، قطعته على جهة الإفساد. وأفريت أيضاً: شققته. قال القاضى: وقوله - عليه السلام -: " هجاهم حسان، فشفى [واشتفى] (¬1) ": أى شفى المؤمنين من الغم والهم بهجوهم لهم وكف أذاهم، وشفى هو أيضاً نفسه من ذلك. وأصله فى المرض، ويستعمل فى غيره، ورواه أبو عبيد الهروى: " وأشفى "، أى جعل هجوه شفاء للمؤمنين، يقال: أشفيت المريض: إذا جعلت له دواء يشفيه وطلبته له. وقوله فى شعرة المهموز الذى ذكره مسلم: هجوت محمداً براً تقيا ويروى: هجوت مباركاً براً حنيفا والبر: الواسع الخير والنفع، وهو من البر بالكسر، وهو الاتساع فى الإحسان، وهو اسم جامع للخير كله، ويكون البر هنا أيضاً بمعنى التقى المنزه عن المأثم، ومنه بيع مبرور: إذا لم يخالطه كذب ولا غش، وحج مبرور: إذا لم يخالطه مأثم. ومعنى " حنيفاً " فى الرواية الأخرى: أى مستقيماً، والحنف: الاستقامة، وسمى المائل الرجل ¬

_ (¬1) من ح.

فَإِنَّ أَبِى وَوَالِدَهُ وَعِرْضِى ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحنف، على طريق التفاؤل، وقيل: بل أصل الحنف: الميل، والحنيف: المائل إلى الشىء، والمسلم حنف وملة إبراهيم الحنيفية، لميلها إلى الرشد والخير، والحنيف أيضاً: الذى على دين إبراهيم وملته. وقوله: شيمته الوفاء أى خلقه، والشيمة: الخلق. وقوله: فإن أبى ووالده وعرضى ... لعرض محمد منكم وفاء مما احتج به ابن قتيبة على أن عرض الرجل نفسه لا أسلافه لأنه قد ذكر أسلافه مع عرضه وغيره يأبى ذلك، ويذهب إلى أن عرض الرجل أموره كلها التى يحمد بها ويذم من نفسه وأسلافه وكل ما لحقه نقص يعيبه، وحجتهم: قول مسكين الدارمى: رُبَّ مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب فقد أراد هنا بالعرض الحسب، ومنه قول النبى - عليه الصلاة والسلام -: " كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه " (¬1)، فالدم كناية عن النفس، والعرض كناية عن أذاه بالقول. ومعنى " وقاء ": الوقاء ممدود، والوقاية ما وقيت به الشىء وسترته مما يصيبه. وقوله: " ثكلت وفقدت نفسى ": أى عدمت وفقدت. و" تثير النقع ": أى يقيم الغبار ويهيجه. وقوله: " موعدها كداء " (¬2): كذا رواه العذرى ولغيره: " من كنفى كداء "، أى من جانبيها. ورواه بعضهم: " غايتها كداء ". وكداء موضع ذكرناه فى الحج. وقوله: " ينازعن الأعنة "، ويروى: " يبارين "، وهو الذى عند أكثر شيوخنا، والمراد [أنها] (¬3) لصرامتها وقوة نفوسها تضاهى أعنتها بقوة جبذها لها. وهى منازعتها لها أيضاً، كما قال الآخر: وعض على بلس اللجام وعَزنى ... على أمره اذودّ أهل الحقائق. وقد يكون ذلك فى معنى علكها لها ومضغها إياها، وحمل قوتها لقوة الحديد، ¬

_ (¬1) الترمذى عن أبى هريرة، ك البر، ب ما جاء فى شفقة المسلم على المسلم 4/ 286 برقم (1927). (¬2) كداء: ثنية على باب مكة. (¬3) فى هامش ح.

ثَكِلْتُ بُنَيَّتِى إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَىْ كَدَاءِ يُبَاَرِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسَلُ الظِّمَاءُ تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ فَإِنْ أعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومباراة صلابة أضراسها وقوة رؤوسها لصلابته، كما قال: وخيل تهلك اللجماء. وقد تكون مباراتها لها فى انعطافها لينها وصبورها. ووقع فى رواية ابن الحذاء: " مبارين الأسنة " وهى الرماح. فإن صحت هذه الرواية بمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها وعلو هوادجها. وقوله: " مصعدات ": أى مقبلات إليكم متوجهات، يقال: يصعد فى الأرض: إذا ذهب مبتدياً للذهاب، ولا يقال ذلك فى الرجوع. ومنه: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد} (¬1)، أما فى صعود الجبل فيقال: صعد وأصعد، ووقع فى بعض الروايات: " مصغيات "، وله وجه من الإصغاء والاستماع، أى إنها لحدة نفوسها مستمعة، والخيل توصف بذلك، وفى المثل: أسمع من فرس. وقد جاء بهذا اللفظ فى شعر كعب بن مالك: ينازعن الأعنة مصغيات ... إذانادى إلى الفزع المنادى وقوله: على أكتافها الأسل الظماء الأسل: الرماح، ومعنى الظماء هنا: الرقاق. واللدنة. [كما سموها ذو إبل، يقال: عير ظمى، أى رقيقة الخفر، ووجه ظمآن: قليل اللحم والماء، وأصله من الظماء، وهو العطش، فكانت هذه لقلة مائها عاطشة. وقد يكون مراده بالأسل الظماء هاهنا: العاطشة بدماء الأعادى، وهذا مما استعمله العرب فى الرماح والسيوف، كما قال: وقد نهلت منا المنفقة بالشمر] (¬2). ووقع فى بعض الروايات: الأسد الظما: [أى الرجال المشبهون بالأسد الظما] (¬3) إلى دمائكم. وقوله: " متمطرات ": أى سراع يسابق بعضها بعض. وقوله: تلطمهن بالخمر النساء ¬

_ (¬1) آل عمران: 153. (¬2) و (¬3) من ح.

وَإِلا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَقَالَ اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ وَقَالَ اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا ... هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ لَنَا فِى كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدسْ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أى: تضربنها بخمرهن ليذهبن الغبار عنها، ويمسحنها بذلك لعزتها (¬1). والخمر: جمع خمار، كذا رويناه. وذكره الخليل: " تطلمهن " بتقديم الطاء، بمعنى ما تقدم من نفض (¬2) الغبار عنها [قال ابن دريد: الطلم: ضم الخبزة بيدك لتنفض ما عليها من غبار] (¬3). قال لى شيخى أبو الحسين: ويروى: " بالخمر " بفتح الميم جمع خمرة، وهى شبه حصير صغير تخمر وجه المصلى إذا سجد عليها. وقوله: " عرضتها اللقاء " بضم العين: أى قصدها ومذهبها، يقال: اعترضت عرضه، أى قصدت قصده ونحوت نحوه. وقد يكون " عرضها " [بمعنى] (¬4) صولتها وقوتها فى اللقاء، يقال: فلان عرضه لكذا، أى قوى عليه. ¬

_ (¬1) فى ز: لعزبها. (¬2) فى ز: بعض. (¬3) من ح. (¬4) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(35) باب من فضائل أبى هريرة الدوسى رضى الله عنه

(35) باب من فضائل أبى هريرة الدوسىّ رضى الله عنه 158 - (2491) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونسَ الْيَمَامِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِى كَثِيرٍ - يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُوَ أُمِّى إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعتْنِى فِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِى. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى كُنْتُ أَدْعُو أُمىِّ إِلَى الإِسْلاَمِ فَتأبَى عَلَىَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِى فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِىَ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، اهْدِ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ "، فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِىِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّى خَشْفَ قَدَمَىَّ. فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ. قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ الْبَابَ. ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِى مِنَ الْفَرَحِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ. فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث أبى هريرة: " فإذا الباب مجاف ": أى مغلق، و" خشف قدمى ": أى صوت وقعهما بالأرض، وقد فسرناه قبل. و" خضخضة الماء ": صوت تحريكه. وفى خبر أبى هريرة إجابة دعوة النبى - عليه الصلاة والسلام - لأمه. وقول عائشة: " ألا يعجبك أبو هريرة جاء الحديث "، وكذا ضبطناه عن بعض شيوخنا، ومعناه: ألا نريك العجب أو نسمعك العجب من شأن أبى هريرة، وأبو هريرة هنا مبتدأ، وفى بعض الروايات: " يعجبك أبو هريرة "، وهو هنا فاعل أى تريد العجب من شأنه، والأول أصح. وقد رويناه فى البخارى: " ألا أعجبك " (¬1). وقولها: " كنت أسبح فقام قبل أن أقضى سبحتى " (¬2): تعنى سبحة الضحى. قولها: " إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يسرد الحديث كسردكم " (¬3): يعنى يكثره ويتابعه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك التهجد 4/ 74. (¬2) و (¬3) حديث رقم (160) بالباب.

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يحَبِّبنِى أَنَا وأُمِّى إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِى أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ "، فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِى، وَلا يَرَانِى، إِلاَّ أَحَبَّنِى. 159 - (2492) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ. كُنْتُ رَجُلاً مِسِكينًا أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِى، وَكَانَ المُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَبْسُطْ ثوْبَهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّى "، فَبَسَطْتُ ثَوْبِى حَتَّى قَضَى حَدِيثَهُ، ثُمَّ ضَمَمْتُهُ إِلَىَّ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ. (...) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مَعْنٌ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى هريرة: " والله الموعد ": أى لقاء الله ومجازاة الله، ويحتمل أن يريد: وعند الله المجتمع لموعده الحق. وهناك تفتضح السرائر، ويجازى كل أحد بعمله. وقوله: " وينصفه من صاحبه " وذلك لما قيل: إنه أكثر وعياً بذلك. قال الإمام: وقوله: " شغلهم الصفق بالأسواق ": قال الهروى (¬1): يقال: صفق القوم على الأمر، وصفقوا بالسعى والسعة. قال القاضى: أصله من تصفيق الأيدى بعضها على بعض بين المتبايعين، أو عاقدى البيعة عند عقدهم. وقوله - عليه الصلاة والسلام -: " من يبسط ثوبه فيأخذ منى حديثى هذا ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لن ينسى شيئاً سمعه " وفعل أبو هريرة ذلك، زاد فى البخارى: " وجعل يغرف لى بثوبه، ثم قال: فما نسيت شيئاً بعد " (¬2)، من أعلام نبوته - عليه الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 4/ 110. (¬2) البخارى، ك العلم، ب حفظ العلم بلفظ: " فغرف بيده " ثم قال: ضمه 1/ 40، 41.

الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا انْتَهَى حَدِيثُهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ قَوْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَبْسُطْ ثَوْبَهُ " إِلَى آخِرِهِ. 160 - (2493) وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَلا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ! جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ حُجْرَتِى، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسْمِعُنِى ذَلِكَ. وَكُنْتُ أُسَبِّحُ. فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِىَ سُبْحَتِى، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. (2492) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَر، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ. وَيَقُولُونَ: مَا بَالُ المهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار لاَ يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِه؟ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ إخْوَانِى مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَرَضِيهِمْ، وَإِنَّ إِخْوَانِى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءَ بَطْنِى، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: " أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبهُ فَيَأخُذَ مِنْ حَدِيثِى هَذَا، ثُمَّ يَجْمَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ شَيْئًا سَمِعَهُ "، فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَىَّ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَدِيِثِهِ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِى، فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِى بِهِ، وَلَوْلا آيَتَانِ أَنْزَلَهُمَا اللهُ فِى كِتَابِهِ مَا حَدَّثْتُ شَيْئًا أَبدًا: {إِنَّ الًّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ (¬1). (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى هريرة: " فبسطت بردة علىّ "، قال الإمام: قال شمر: البردة هى الشملة المخططة، وجمعها برد، وهى النمرة. قال القاضى: وقوله: " كنت ألزم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ملء بطنى ": أى ألازمه ليطعمنى مما عنده؛ إذ لم يكن له مال، وكان من ضعفاء المسلمين وأهل الصفة. ¬

_ (¬1) البقرة: 159، 160.

(36) باب من فضائل أهل بدر رضى الله عنهم وقصة حاطب بن أبى بلتعة

(36) باب من فضائل أهل بدر رضى الله عنهم وقصة حاطب بن أبى بلتعة 161 - (2494) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ الْحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِى رَافِعٍ - وَهُوَ كَاتِبُ عَلِىٍّ - قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَقُول: بَعَثَنَا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ. فَقَالَ: " ائْتوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خيْلُنَا، فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ. فَقُلْنَا: أَخْرِجِى الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِى كِتَابٌ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثَّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَينَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ المشْرِكِين مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ ". قَالَ: لا تَعْجَلْ عَلَىَّ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى كُنْتُ امْرَأ مُلْصَقًا فِى قُرَيْشٍ - قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا - وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ، فَأَحْبَبْتُ، إِذْ فَاتَنِى ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِى، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِى، وَلا رِضًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى يأتوا روضة خاخ " بخائين معجمتين: موضع قرب حمراء الأسد من المدينة. وحكا بعضهم أنه قرب مكة، ورواه البخارى من رواية أبى عوانة " روضة حاج " (¬1) بالحاء المهملة والجيم، وهو وهم، والصواب ما تقدم أولاً، " فإن بها ظعينة، معها كتاب فخذوه " يريد: امرأة، واسمها سارة، مولاة عمران بن أبى صيفى. قال الإمام: الظعينة الهودج، وسميت المرأة ظعينة لأنها تكون فيه. قال القاضى: فيه علم من أعلام نبوته - عليه الصلاة والسلام. وفيه جواز التجسس على الجواسيس، وممن يبغى ضرر المسلمين، وجواز الاطلاع على كتبهم. وقوله: " فانطلقنا تعادى بنا خيلنا " أى تجرى. والعادية: الخيل تعدو عدواً، أى تجرى، والعداء ممدود بفتح العين وكسرها: الطلق من الجرى. ¬

_ (¬1) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب فضل من شهد بدراً 5/ 99.

بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإسْلاَمِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ "، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِى يَا رَسُولَ اللهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ. فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتِمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكمْ ". فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (¬1) وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَبِى بَكْر وَزُهَيْرٍ ذِكْرُ الآيَةِ. وَجَعَلَهَا إِسْحَاقُ، فِى روَايَتِهِ، مِنْ تِلاَوَةِ سُفْيَانَ. (...) حدّثنا أَبَو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ اللهِ - كُلُّهُمْ عَنْ حُصَيْن، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِىَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ. فَقَالَ: " انْطَلِقُوا حَتَّى تَأتوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ". فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ عبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ عَنْ عَلِىٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " فأخرجته من عقاصها ": أى من ضفير رأسها. وقول عمر: " دعنى أضرب عنقه ": حجة فى جواز قتل الجاسوس المسلم، فإن النبى - عليه الصلاة والسلام - لم ينكر ذلك من قول عمر، وإنما عذره بغفران الله لأهل بدر ذنوبهم؛ ولأنه لم يكن منه قبل مثلها. فيه حجة لمن لا يرى أن حده القتل بكل حال، وأن للإمام اجتهاد فيه ألا يقتله، وهو قول مالك. قال الإمام: اختلف المذهب فى المسلم يطلع عليه أنه جاسوس على المسلمين. فقال مالك: يجتهد فيه الإمام، وقال ابن وهب: يقتل إلا أن يتوب. وقال ابن القاسم: يقتل ولا أعرف له توبة. وفرق عبد الملك بين من عرف بالغفلة وكانت منه مرة، وليس من أهل الطعن على [أهل] (¬2) الإسلام، وبين المعتاد كذلك، فقتل من اعتاد ذلك، ونكل الآخر. وقال سحنون: قال بعض أصحابنا: يجلد جلداً منكلاً، ويطال حبسه، وينفى عن موضع يقرب فيه من المشركين. واختار بعض شيوخنا اعتبار ما كان من فعله، فإن قتل المسلمون بفعله ولولاه لم يقتلوا، قيل: وإن لم يقتلوا عوقب، وإن خشى أن يعود لمثلها خلد فى السجن. ¬

_ (¬1) الممتحنة: 1. (¬2) فى هامش ح.

162 - (2195) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبِ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو ـــــــــــــــــــــــــــــ ومذهب الشافعى: التجافى عن ذى الهيئة الغير متهم، الفاعل ذلك بجهالة، ويحتج فى مثل هذه الصورة بحديث حاطب. ولعل من أمر بقتله من أصحابنا رآه كالمحارب الذى طال أمره، وأراق الدماء لعظيم ضرر هذا بالمسلمين، فيقتل إلا أن يتوب. ومن لم تثبت التوبة له رآه كالزنديق والساحر، لما كانا مصرين لفعلهما لم يقبل توبتهما، وكذلك هذا لما كان مصراً لفعله ومن يره بالمحارب؛ لأنه لم يباشر الفعل، وإنما صار كالمغرى بذلك، أو الاَمر به من لا يلزمه طاعته فلا يستوجب القتل. ومن فرق بين المعتاد وغيره رأى أن باعتياده يعظم جرمه، ويشتد ضرره، فيحسن قياسه على المحارب وإذا كانت منه الغلبة لم يحسن قياسها على المحارب؛ وتجافى الشافعى عن ذى الهيئة الغير متهم أخذاً بظاهر حديث حاطب؛ ولأن الاجتهاد إذا أدى إلى إقالة عثرة مثل هذا لم يكن تضييعاً ولا تفريطاً. ولما رأى مالك تفاوت الجرم بتفاوت أحوال ما يجنى من ثمرته لم يمكنه تعيين حد فيه، وصرفه للاجتهاد على حسب ما حكيناه عنه. هذا وجه اختلاف هذه الأقوال، والذى يظهر لى أن حديث حاطب لا يستقل حجة فيما نحن فيه؛ لأنه اعتذر عن نفسه بالعذر الذى ذكر، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ["صدق "، فقطع على تصديق حاطب لتصديق النبى - عليه الصلاة والسلام - له] (¬1)، وغيره من يتجسس لا يقطع على سلامة باطنه، ولا يتيقن صدقه فيما يعتذر به، فصار ما وقع فى الحديث قصة مقصورة لا تجرى فيما سواها، إذ لم يعلم الصدق فيه كما علم فيها، ويتنزل هذا عندى منزلة ما قاله العلماء من أهل الأصول فى الحكم إذا كان معللاً بعلة معينة؛ فإنه لا يقاس عليه لتعليله - عليه الصلاة والسلام - فى المحرم، فإنه يحشر ملبياً، إلى غير ذلك مما ذكرناه فى موضعه مما تقدم فى هذا الكتاب. ولو كان من اطلع على تجسسه كافرًا، فإن كان ذميًّا علم أنه عين لهم مكاتبهم بأمر المسلمين انتقض عهده. وقال سحنون: يقتل ليكون نكالاً. وإن كان حربيًّا نزل بأمان سقط ما كان له من الأمان، وللإمام قتله أو استرقاقه. قال سحنون: ولا يخير فيه إلا أن يسلم، ولا يقتل ويبقى كأسير أسلم. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

حَاطِبًا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَذَبْتَ، لا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ": لا دليل فيه أن غفران الذنب فى الآخرة لا يسقطه حده فى الدنيا، بدليل حد النبى - عليه الصلاة والسلام - ماعزاً والغامدية، وقد أخبر بتوبتهما، والتوبة مسقطة للعقاب، وبإجماع الأمة على إقامة الحدود على كل مذنب، فأقام عمر الحد على بعضهم، وضرب النبى - عليه الصلاة والسلام -[مسطحاً] (¬1) الحد وكان بدريًّا. قال الطبرى: ومن ظن أن النبى - عليه الصلاة والسلام - إنما ترك [إقامة الحد] (¬2) لأن الله أعلمه بصدقه فقد ظن خطأ؛ لأن أحكامه إنما كانت تجرى على الظاهر، كما حكم بالظاهر فى المنافقين وقد أعلمه الله بنفاقهم، وأطلعه عليه من سرائرهم. وفيه من الفقه، هتك ستر المذنب، إذا كان فى ذلك بعض عقوبته، وفيه أن التجسس لا يخرج عن الإيمان، وأنه لا يتسور أحد على إقامة حد، ولا قتل من وجب قتله إلا بإذن الإمام. وفيه إشارة الوزير على السلطان بالرأى، والاشتداد على أهل المعاصى بالقول والفعل وتأديبهم بالذنب (¬3) وإباحة ذلك. ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) فى ح: إقامته. (¬3) فى ح: بالسب.

(37) باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان، رضى الله عنهم

(37) باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان، رضى الله عنهم 163 - (2496) حدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبْو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَاَبِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِى أُمُّ مُبَشِّرٍ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: " لا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا ". قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. فَانْتَهَرَهَا. فَقَالَتْ حَفْصَة: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} (¬1). فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (¬2) ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول النبى - عليه الصلاة والسلام -: " لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد " على معنى القطع لهم بذلك، بدليل قوله بعد: " لا يدخلها من شهد بدرًا والحديبية " (¬3) يعنى النار، فهو أقطع منه - عليه الصلاة والسلام - بالجنة لها ولا على كل حال. ومعنىِ قوله: " وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون " قد تكلمنا عليه وعلى وجوهه (¬4) ولقوله: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} (¬5). وقول حفصة: بلى، وانتهار النبى - عليه الصلاة والسلام - لها، وقولها: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد قال الله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا} ": كله دليل على المناظرة فى العلم، وجواز الاعتراض والسؤال فيه لاستخراج الفائدة، وهو مقصد حفصة إن شاء الله، لا أنها قصدت رد مقال النبى - عليه الصلاة والسلام - ولكن قولها: " بلى " [جاء طلباً لشأن ما أشكل هذا] (¬6) عليها، واحتاجت إلى تفسيره من هذا الظاهر المخالف، لما سمعته منه - عليه الصلاة والسلام. وقد اختلف العلماء فى معنى قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}، وأحسن الوجوه أن ¬

_ (¬1) مريم: 71. (¬2) مريم: 72. (¬3) حديث رقم (162) بالباب السابق. (¬4) سبق فى ك الطهارة برقم (39)، والجنائز رقم (103، 104). (¬5) الكهف: 23، 24. (¬6) فى ح: جاء بمعنى طلب بيان ما أشكل. والمثبت من ز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معناه: أى مواف، وليس كل مواف داخلاً عند العرب، ويدل عليه ظاهر هذا الحديث، وحجته بقوله: {ثُمَّ نُنَجِّيِ الَّذِينَ اتَّقَوا} (¬1)، وقوله فى حديث عائشة أنه ليس بدخول، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (¬2)، وأن ورودهم وموافاتهم أجمع عليها جوازهم على متنها على الصراط فينجو من سبقت له الحسنى من المؤمنين، ويوقف الكافرون ومن أراد الله - سبحانه - امتحانهم من المذنبين. ¬

_ (¬1) مريم: 72. (¬2) الأنبياء: 101.

(38) باب من فضائل أبى موسى وأبى عامر الأشعريين رضى الله عنهما

(38) باب من فضائل أبى موسى وأبى عامر الأشعريين رضى الله عنهما 164 - (2497) حدّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى أُسَامَةَ. قَالَ أَبُو عَامِر: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ، عَنْ جَدِّهِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدَينَةِ وَمَعَهُ. بِلاَلٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: ألا تُنْجِز لِى يَا مُحَمَّدُ مَا وَعَدْتَنِى؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْشِرْ ". فَقَالَ لَهُ الأَعْرَابِىُّ: أَكْثَرْتَ عَلَىَّ مِنْ " أَبْشِرْ "، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِى مُوسَى وَبِلاَلٍ، كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ، فَقَالَ: " إِنَّ هَذَا قَدْ رَدَّ الْبُشْرَى، فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا "، فَقَالا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْههُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: " اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا، وَأَبْشِرا " فَأَخَذَا الْقَدَحَ، فَفَعَلاَ مَا أَمَرَهُمَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَنَادَتْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: أَفْضِلاَ لأُمِّكمَا مَّمِا فِى إِنَائِكُمَا. فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث قتل أبى عامر: حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبى بردة، عن أبيه. قال: لما فرغ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين. كذا لكافة الرواة، وعند العذرى: عن يزيد بن عبد الله، عن أبى بردة، عن أبيه: لما فرغ النبى من حنين، الحديث. وكلاهما صحيح. وكذا ذكره البخارى عن أبى بردة - وهو جد يزيد. وقوله: عن أبيه، هو أبو موسى، وهذا أبين. وكذا جاءت [أسانيد] (¬1) هذه فى غير هذا الحديث مبينة قبل هذا وبعده: يزيد بن عبد الله بن أبى بردة عن جده أبى بردة، عن أبى موسى. وقد جاء مثل ما هنا أيضاً فى باب الإملاء للظالم، قال: حدثنا يزيد بن أبى بردة، عن أبيه، فنسبه إلى جده، ثم قال: عن أبيه، يعنى جده، كما قلنا هنا. لكنه قد تصح الرواية الأخرى: يزيد عن أبيه، عن جده أبى بردة، ويريد بأبيه جده أبا بردة، ثم ذكر أبو بردة قصة ابن أبى موسى وسماعه منه معلوم، فيتصل السند وتصح الروايتان، وأنه لم يذكر فى هذه سماعه منه ولا حديثه به عنه. ¬

_ (¬1) من ح.

165 - (2498) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِىُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ ابْنُ الْعَلاَءِ - وَاللَّفْظُ لأَبِى عَامِرٍ - قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقى دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِى مَعَ أَبِى عَامِرٍ. قَالَ: فَرُمِىَ أَبُو عَامِرٍ فِى رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى جُشَمٍ بِسَهْمٍ، فَأَثْبَتَهُ فِى رُكْبَتهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَنْ رَمَاَكَ؟ فَأَشَارَ أَبُو عَامِر إِلَى أَبِى مُوسَى. فَقَالَ: إِنَّ ذَاكَ قَاتِلِى، تَرَاهُ ذَلِكَ الَّذِى رَمَانِى. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَقَصَدْتُ لَهُ فَاعْتَمَدْتُهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رآنِى وَلَّى عَنِّى ذَاهِبًا، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقَولُ لَهُ: أَلاَ تَسْتَحْيِى؟ أَلَسْتَ عَرَبِيًّا؟ أَلاَ تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ. فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ، فَاخْتَلَفْنَا أَنَا وَهُوَ ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِى عَامِرٍ فَقُلْتُ: إِنَّ اللهَ قَدْ قَتَلَ صَاحِبَكَ. قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِى، انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّى السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبُو عَامِرٍ: اسْتَغْفِرْ لِى. قَالَ: وَاسْتَعْمَلَنِى أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، وَمَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ. فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِى بَيْتٍ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ، وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ، وَقَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخبَرتَهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِى عَامِرٍ. وَقُلْتُ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فنزا منه الماء ": أى ظهر وارتفع. وقوله: " وهو على [سرير] (¬1) مرمل " بسكون الراء " عليه فرش، وقد أثر رمال السرير بظهره " هو الذى نسج فى وجهه بالسعف وشبهه وشد شراكه أو شريط، يقال منه: أرملت، وقيل رملت فهو مرمول. وقوله: " قد أثر رمال السرير فى ظهره ": أى طرق نسجه من الشريط وشبهه. وهذا يدل أنه لم يكن عليه فراش، وأن فى هذا الحديث يبدأ فى قوله: " وعليه فراش ". وكذا جاء فى البخارى (¬2). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت بسهم فى الهامش. (¬2) البخارى، ك المغازى، ب غزاة أوطاس 5/ 197.

قَالَ: قُلْ لَهُ: يَسْتَغفِرْ لِى. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ، أَبِى عَامِرٍ " حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ، اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ مِنَ النَّاسِ ". فَقُلْتُ: وَلِى يَا رَسُولَ اللهِ فَاسْتَغْفِرْ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيمًا ". قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لأَبِى عَامِرٍ، وَالأُخْرَى لأَبِى مُوسَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: الذى أحفظ فى غير هذا السند: " ما عليه فراش "، وأحسبها سقطت عن أبى زيد. قال القاضى: إن كان قائماً سقطت [على] (¬1) من تقدم على أبى أسامة شيخ شيوخ مسلم والبخارى؛ لاتفاقهما وروايتهما على إسقاطهما وقد ذكر الخبر، وكذا جاء فى حديث عمر فى تخيير النبى - عليه الصلاة والسلام - أزواجه على رمال سرير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه. ¬

_ (¬1) من ح.

(39) باب من فضائل الأشعريين، رضى الله عنهم

(39) باب من فضائل الأشعريين، رضى الله عنهم 166 - (2499) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رِفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ، حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ. وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِىَ الْخَيْلَ - أَوْ قَالَ: الْعَدُوَّ - قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِى يَأمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظرُوهُمْ ". 167 - (2500) حدّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِىُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى أُسَامَةَ. قَالَ أَبُو عَامِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِى بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِى بُرْدةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِى الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِى إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيةِ، فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنى لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن، حين يدخلون بالليل ": من الدخول، كذا لكافة شيوخنا، وعند بعضهم: " يرحلون " من الرحيل، وبالوجهين كانا فى كتاب الجيانى، وصوبوا الرواية الأخرى. وكذا اختلف فيه رواة البخارى أيضاً. قوله: " ومنهم حكيم إذا لقى الخيل - أو قال العدو - قال [له] (¬1): إن أصحابى يأمرونكم أن تنظروهم ": أى تنتظروهم. واختلف شيوخنا فى قوله: " حكيم "، فكان الحافظ أبو على الجيانى يقول: هو اسم رجل. وأما القاضى أبو على الصدفى فقال لنا: هى صفة من الحكمة. وقوله: " إن الأشعريين إذا أرملوا فى الغزو، أو قلّ طعام عيالهم فى المدينة، جمعوا ما كان عندهم فى ثوب [واحد] (¬2) ثم اقتسموه بينهم بالسوية "، قال الإمام: معنى " أرملوا ": أى فنى زادهم، يقال: أرمل الرجل وأقوى وأنقص: إذا فنى زاده. قال القاضى: وفى هذا الحديث فضل المواساة والسماحة، وأنها كانت خلق نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلق صدر هذه الأمة، وأشراف الناس. ¬

_ (¬1) و (¬2) من الحديث المطبوع.

(40) باب من فضائل أبى سفيان بن حرب رضى الله عنه

(40) باب من فضائل أبى سفيان بن حرب رضى الله عنه 168 - (2501) حدّثنى عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيم الْعَنْبَرىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا النَّضْرُ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدَ الْيَمَامِى - حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ عبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لا يَنْظُرونَ إِلَى أَبِى سُفْيَانَ وَلاَ يُقَاعِدُونَهُ. فَقَالَ للنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِىَّ اللهِ، ثَلاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ. قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: عِنْدِى أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ، أُمُّ حَبِيَبةَ بِنْتُ أَبِى سُفْيَانَ، أُزَوِّجُكَهَا. قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ، تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: وَتُؤَمِّرُنِى حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ، كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: وَلَوْلا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا إِلاَّ قَالَ: " نَعَمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ [وقول أبى سفيان حين سأل النبى - عليه السلام - بعد إسلامه - أن يزوجه ابنته أم حبيبة، كذا ذكره مسلم من رواية أبى زميل عن ابن عباس. والمعروف أن تزويج النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها كان قبل الفتح. واختلف أين كان؟ فقيل] (¬1): بالمدينة وهو الأكثر. واختلف فيمن عقد عليها هناك؟ فقيل: عثمان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص بتقديمها، وقيل: بل عقد عليها عنها وعن النبى - عليه الصلاة والسلام - النجاشى لأنه كان أمير الموضع وسلطانه. والذى وقع فى مسلم من هذا غريب جدًا عند أهل الخبر. وخبرهما مع أبى سفيان عند ورود المدينة فى حال شركه وهى بعد زوج النبى - عليه الصلاة والسلام -[معروف] (¬2)، والله أعلم. وقوله: " عندى أحسن العرب وأجمله ": هذا مثل قوله فى صفته - عليه الصلاة والسلام -: " كان أحسن الناس وجهاً، وأحسنه خَلْقاً " (¬3). قال أبو حاتم: هذا كلام العرب، أى وأحسنهم ولا يتكلمون به، يريد: إذا عطفوه. والنحاة يذهبون أن معناه: أحسن من ثمة، وقد تقدم من هذا ومثله، قوله فى الحديث بعد هذا: " أحناه على ولدٍ وأرعاه لزوج " (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من ز. (¬2) من هامش ح. (¬3) انظر حديث رقم (93) فى ك الفضائل، ب فى صفة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صحيح مسلم. (¬4) سيأتى إن شاء الله فى فضائل نساء قريش، حديث رقم (200).

(41) باب من فضائل جعفر بن أبى طالب، وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم، رضى الله عنهم

(41) باب من فضائل جعفر بن أبى طالب، وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم، رضى الله عنهم 169 - (2502) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِىُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِى بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرينَ إِلَيْهِ، أَنَا وَأَخَوَانِ لِى، أَنَا أَصْغَرُهُمَا، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ، وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ - إِمَّا قَالَ: بِضْعًا وَإِمَّا قَالَ: ثَلاثَةً وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِى - قَالَ: فَرَكِبْنَا سَفِيَنةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِىِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِى طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدهُ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا هَهُنَا، وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ، فَأَقِيُموا مَعَنَا. فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا. قَالَ: فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَالَ: أَعْطَانَا مِنْهَا، وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا، إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ، إِلاَّ لأَصْحَابِ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ. قَالَ: فَكَانَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا - يَعْنِى لأَهْلِ السَّفِينَةِ -: نَحْنُ سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ. (2503) قَالَ: فَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِىَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَائرةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِىِّ فِيمَنْ هَاَجَرَ إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ، وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا. فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّة هَذِهِ؟ الْبَحْرَّيةُ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ. فَغَضِبَتْ، وَقَالَتْ كَلِمَةً: كَذَبْتَ يَا عُمَرُ! كَلاَّ وَاللهِ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَعِمُ جَائِعَكَمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِى دَارِ، أَوْ فِى أَرْضِ، الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاَءِ فِى الْحبَشَةِ، وَذَلِكَ فِى اللهِ وَفِى رَسُولِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قول أسماء: " ولنا فى أرض البعداء البغضاء فى الحبشة " إما بعداً فى النسب، وإما بغضًا فى الدين؛ لأنهم كانوا نصارى ولم يكن فيهم مسلم إلا النجاشى أميرهم - مستخفى

وايْمُ اللهِ، لا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ كُنَّا نؤْذَى وَنُخَافُ، وَسأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ. وَوَاللهِ، لا أَكْذبُ وَلاَ أَزِيغُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ بِأَحَقَّ بِى مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكَمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السَّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ ". قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأيْتُ أَبَا مُوسَى وَأصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأتُونِى أَرْسَالاً، يَسْأَلُونِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ. مَا مِنَ الدُّنْيَا شَىْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلا أَعْظَمُ فِى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى، وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّى. ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك عندهم (¬1)، وخبره معهم فى توريته عن الإسلام معروف. وقولها لعمر: " كذبت " معناه: أخطأت، وقد استعملوا الكذب بمعنى الخطأ. وقولها: " ولقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونى أرسالا يسألونى عن هذا الحديث "، قال الإمام: يعنى: أفواجا فرقاً منقطعة، يقال: أورد إبله أرسالاً: إذا أوردها منقطعة، وأوردها عراكاً: إذا أوردها جماعة. قال القاضى: وقوله: " إن هذا رد على البُشرى " للأعرابى الذى قال له: أكثرت على من أبشر (¬2): قول من لم يتمكن الإيمان من قلبه ممن كان يستألفه النبى - عليه الصلاة والسلام - من أشراف العرب، يستألف بهم قومهم وأمثالهم. وقد جاء معنا أنه من بنى تميم وهو - والله أعلم - الذين نادوه من وراء الحجرات وأمثالهم، وقد قال الله تعالى فى أولئك: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (¬3) ولو صدر [مثل] (¬4) هذا الكلام من مسلم لكان قوله هذا كفراً وردّة؛ لأن فيه تهمة للنبى - عليه الصلاة والسلام - واستخفافاً بصدق قوله ووعده. ¬

_ (¬1) فى ح: عنهم. (¬2) سبق فى حديث رقم (164) من هذا الكتاب. (¬3) الحجرات: 4. (¬4) ساقطة من ح.

(42) باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال رضى الله تعالى عنهم

(42) باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال رضى الله تعالى عنهم 170 - (2504) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائذِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبلالٍ فِى نَفَرٍ. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأخَذَهَا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسيِّدِهِم؟ فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرَهُ. فَقَالَ: "يا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُم لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ ". فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ، أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لا، يَغْفِرُ اللهُ لكَ يَا أخَىَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى بكر لسلمان وأصحابه: " يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخى " كذا جاء فى هذا الحديث، وقد روى عن أبى بكر أنه نهى عن مثل هذا، وقال: قل: عافاك الله، رحمك الله، لا. يريد: ألا تقدم " لا " قبل الدعاء، لاقتضائها نفيه فى الظاهر، ولأنه قد يكون مثل هذا ذريعة للمجَّان وغيرهم من قصدهم هذا فى صورة الدعاء. وقد قال بعضهم: قل: لا، ويغفر الله لك، فيزول الإيهام والاحتمال.

(43) باب من فضائل الأنصار رضى الله تعالى عنهم

(43) باب من فضائل الأنصار رضى الله تعالى عنهم 171 - (2505) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ - وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ - قَالاَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ {إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} (¬1) بَنُو سَلِمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ، وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، لِقَوْلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}. 172 - (2506) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ مَهْدِىٍّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ، اغْفِرْ للأَنْصَارِ، وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 173 - (2507) حدّثنى أَبُو مَعْنٍ الرَّقَفاشِىُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَة - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ - أَنَّ أنَسًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ للأَنْصَارِ. قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَاَلَ: " وَلِذَرَارِىِّ الأَنْصَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وبنو سلمة - بكسر اللام - فى الأنصار. وقوله: " رأى صبيانًا مقبلين من عرس فقام ممثلاً ". كذا بفتح الثاء لجمهور الرواة، وصححه بعضهم، وضبطناه عن بعضهم، وفى البخارى بكسر الثاء، ومعناه: قائماً منتصباً. وعند الجيانى وبعض رواة ابن ماهان: " مقبلاً "، وذكره البخارى فى كتاب النكاح: " ممتناً " (¬2) وصوبه بعضهم وقال: هذا الوجه، أى متفضلاً عليهم بفعله من المنة. وضبطه بعض المتقنين: " ممتناً " بكسر التاء وتخفيف النون، وفسره: مطيلاً، أى أطال قيامه لهم. والأشبه عندى " متمثلاً " بدليل قوله فى الرواية الأخرى: فمثل قائماً، يقال: مثل يمثل مثولاً: إذا انتصب. واسم الفاعل منه: ماثل. لكنه يكون ممثلاً أى متمثلاً، أى ¬

_ (¬1) آل عمران: 122. (¬2) البخارى، ك النكاح، ب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس 7/ 32.

ولِمَوَالِى الأَنْصَارِ " لا أَشُكُّ فِيهِ. 174 - (2508) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - عَنْ أَنَس؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى صبيَانًا وَنِسَاءً مُقْبِلينَ مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْثَلاً. فَقَالَ: " اللهُمَّ، أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ. اللهُمَّ، أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ " يَعْنِى الأَنْصَارَ. 175 - (2509) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَخَلاَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ " ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. (...) حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 176 - (2510) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الأَنْصَارَ كَرشِى وَعَيْبَتِى، وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيِقَلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ مكلفًا ذلك نفسه وطالبًا ذلك منها. فعدى فعله، والله أعلم. والعرس عند العرب الابتناء بالزوجات، ومنه العروس، يقال للرجل والمرأة. وقوله: " الأنصار كرشى وعيبتى "، قال الإمام: أى جماعتى وخاصتى، الذين أثق بهم وأعتمدهم فى أمورى. قال الخطابى: ضرب المثل بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذى يكون به بقاؤه. والعيبة: [هى] (¬1) التى يختزن فيها المدخر ثيابه ويصونها، ضرب المثل بها لأنه يريد أنهم موضع سرّه. قال: والكرش أيضاً عيال الرجل وأهله. ¬

_ (¬1) من ح.

(44) باب فى خير دور الأنصار رضى الله عنهم

(44) باب فى خير دور الأنصار رضى الله عنهم 177 - (2511) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ، قال: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَة، وَفِى كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ ". فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ قَدْ فَضلَ عَلَيْنَا. فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ. (...) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنَسًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ. حِ وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ لا يَذْكُرُ فِى الْحَدِيثِ قَوْلَ سَعْدٍ. 178 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَمَحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ - وَاللَّفْظُ لابْنِ عَبَّاد - حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَيْدٍ خَطِيبًا عِنْدَ ابْنِ عُتْبَةَ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه الصلاة والسلام -: " وفى كل دور الأنصار خير ": قال الهروى: الدور هنا قبائل اجتمعت فى محلة، فسميت المحلة داراً، ومنه الحديث الآخر: " فما بقيت دار إلا بُنى فيها. مسجد " أى ما بقيت قبيلة. قال القاضى: وتفضيل النبى - عليه الصلاة والسلام - دور الأنصار على قدر سبقهم إلى الإسلام، فيه جواز التفضيل، وأنه ليس بعينه، ويدل أن مراده قبائلهم. وقوله فى أكثر الروايات: بنو فلان، ثم بنو فلان، وقول سعد: فضل علينا، وخلفنا، أى جعلنا من آخر الناس، يقال: خلف فلان فلاناً: إذا أخره فى آخر الناس ولم يقدمه.

اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِى النَّجَّار، وَدَارُ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَل، وَدَارُ بَنِى الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَدَارُ بَنِى سَاعِدَةَ ". وَاللهِ، لَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا بِهَا أَحَدًا لآثَرْتُ بِهَا عَشِيرَتِى. 179 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، قَالَ: شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ لَسَمِعَ أَبَا أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىَّ يَشْهَدُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَيْرُ دُورِ الأَنْصَار بَنُو النَّجَارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِى كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ ". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أُتَّهَمُ أَنَا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لَوْ كُنْتُ كَاذِبًا لَبَدَأتُ بِقَوْمِى، بَنِى سَاعِدَةَ، وَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَوَجَدَ فِى نَفْسِهِ، وَقَالَ: خُلِّفْنَا فَكُنَّا آخِرَ الَأَرْبَعِ، أَسْرِجُوا لِى حِمَارِى آتِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَلَّمَهُ ابْنُ أَخِيهِ، سَهْلٌ. فَقَالَ: أَتَذْهَبُ لِتَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ؟ أَوَ لَيْسَ حَسْبُكَ أَنْ تَكُونَ رَابِعَ أَرْبَعٍ؟ فَرَجَعَ وَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُه أَعْلَمُ، وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ فَحُلَّ عَنْهُ. (...) حدّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِىِّ بْنِ بَحْرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خَيْرُ الأَنْصَارِ، أَوْ خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ " بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. فِى ذِكْرِ الدُّورِ. وَلَم يَذْكُرْ قِصَّةَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ. 180 - (2512) وحدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْد الله بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِى مَجْلِسٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ -: " أُحَدِّثُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ ". قَالُوا: ثُمَّ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله؟ " سمع أبو (¬1) أسيد خطيباً عند ابن عتبة ": فى أصل القاضى أبى عبد الله التميمى: ابن عتيبة، مصغراً وكتبت عليه. قال الجيانى: صوابه: ابن عتبة، وهو الوليد ¬

_ (¬1) فى ز: أبا، والمثبت من ح.

يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " ثُمَّ بَنُو النَّجَارِ ". قَالُوا: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ". قَالوا: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ ". قَالُوا: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " ثُمَّ فِى كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ "، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مُغْضَبًا، فَقَالَ: أَنَحْنُ آخِرُ الأَرْبَعِ؟ حِينَ سَمَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَهُمْ. فَأَرَادَ كَلاَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ: اجْلِسْ، أَلا تَرْضَى أَنْ سَمَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَكُمْ فِى الأَرْبَعِ الدُّورِ الَّتِى سَمَّى؟ فَمَنْ تَركَ فَلَمْ يُسَمِّ أَكْثَرُ مِمَّنْ سَمَّى. فَانْتهَى سَعْدُ ابْنُ عُبَادةَ عَنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عتبة بن أبى سفيان، عامل عمه معاوية على المدينة. وأبو أسيد هذا بضم الهمزة، وهو أبو أسيد الساعدى، واسمه مالك بن ربيعة، وهو الصواب المعروف فى كنيته. وقد ذكر ابن حنبل فيه عن ابن مهدى الفتح وصوب الضم.

(45) باب فى حسن صحبة الأنصار رضى الله عنهم

(45) باب فى حسن صحبة الأنصار رضى الله عنهم (¬1) 181 - (2513) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلىٍّ الْجَهْضَمِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّار، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عَرْعَرَةَ - وَاللَّفْظُ لِلْجَهْضَمِىُّ - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنُ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِىِّ فِى سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُنِى. فَقُلْتُ لَهُ: لا تَفْعَلْ. فَقَالَ: إِنْى قَدْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، آلَيْتُ ألاَّ أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ خَدَمْتُهُ. زَادَ ابْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ فِى حَدِيثِهِمَا: وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِنْ أَنَسٍ. وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: أَسَنَّ مِنْ أَنَسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى هذا الباب بغير تعليق.

(46) باب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

(46) باب دعاء النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغفار وأسلم 182 - (2514) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِد، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَل، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا الله ". 183 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّار، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِىٍّ. قَالَ: قَالَ اَبْنُ الْمُثَنّى: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " ائْتِ قَوْمَكَ، فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهَ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا ". (...) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. 184 - (2515) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيد وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، قَالا، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِى عَاصِمٍ، كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، كُلُّهُمْ قَالَ: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا ". 185 - (2516) وحدّثنى حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ خُثَيْمِ ابْن عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، أَمَا إِنِّى لَمْ أَقُلْهَا، وَلَكِنْ قَالَهَا اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ ". 186 - (2517) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عِمْرَانَ ابْنِ أَبِى أَنَسٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ خُفَاف بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى صَلاةٍ: " اللَّهُمَّ، الْعَنْ بَنِى لَحْيَانَ وَرِعْلاً وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ ". 187 - (2518) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُوِنَ: حَدَّثَنَا - إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غِفَار غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ ". (...) حدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو ابْنُ سَوَّاد، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَالحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَفِى حَدِيثِ صَالِحٍ وَأُسَامَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَر. (...) وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّاد، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. مِثْلَ حَدِيثِ هَؤُلاءِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " أسلم سالمها الله - الحديث - ما أنا قلته، ولكن قالها الله ": ظاهره أن هذا اللفظ أوحى إليه، ويحتمل معناه دون لفظه.

(47) باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيئ

(47) باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيئ 188 - (2519) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ - أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأَنْصَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَة وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ، وَمَن كَانَ مِنْ بَنِى عَبْدِ اللهِ، مَوَالِىَّ دُونَ النَّاسِ، وَاللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلاَهُمْ ". 189 - (2520) حدّثنا مُحَمَّدُبْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُرَيْشٌ وَالَأَنْصَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِىَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللهِ وَرَسُولِهِ ". (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى الْحَدِيثِ: قَالَ سَعْدٌ فِى بَعْضِ هَذَا فِيمَا أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " الأنصار ومزينة وجهينة وغفار وأشجع، ومن كان من بنى عبد الله موالى دون الناس، والله ورسوله مولاهم ": أى وليهم والتكفل بهم والمولى يكون الولى، والقائم بأمر الرجل، والناصر له، وعصبته ومعتقه، ومن هو أولى به وأخص. قال أحمد بن نصر: معنى قوله: " هم موالى، لا مولى لهم إلا الله ورسوله ": أى لا ولاء على من سبى منهم. خصهم بذلك كما قال فى قريش: الطلقاء، وقال لغيرهم: العتقاء، لما لم يجر عليهم ملك ولا عتق. وقوله: " من بنى عبد الله ": يريد بنى عبد العزى من غطفان، وكذلك جاء ذكره من بعد هذا، سماهم النبى بنى عبد الله، فسمتهم العرب بنى محولة؛ لتحويلهم اسم أبيهم. وقوله فى سند هذا الحديث: وحدثنا عبيد (¬1) الله بن معاذ (¬2)، حدثنا أبى، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، بهذا الإسناد مثله، غير أن فى الحديث: " قال سعد فى ¬

_ (¬1) فى ز: عبد، والمثبت من ح. (¬2) عبد الله بن معاذ بن نشيط الصنعانى، روى عن معمر ويونس بن يزيد، وعنه إبراهيم بن المنذر =

190 - (2521) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَثّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " أَسْلَمُ وَغفَارُ وَمُزَيْنَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ، أَوْ جُهَيْنَة خَيْرٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ وَبَنِى عَامِرٍ، وَالْحَلِيفَيْنِ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ ". 191 - (...) حدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ اَلأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَغِفَارُ وَأَسْلَمُ وَمُزَيْنَةُ، وَمَنْ كَانَ منْ جُهَيْنَة، أَوْ قَالَ جُهَيْنَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ مُزَيْنَةَ، خَيْرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ أَسَدٍ وَطَيِّئ وَغَطَفَانَ ". 192 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِىُّ، قالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِيَانِ ابْنَ عُلَيَّةَ - حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لأَسْلَمُ وَغِفَارُ، وَشَىءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ، أَوْ شَىْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ، خَيْرٌ عِنْدَ اللهِ - قال: أحسبه، قال - يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَهَوَازِنَ وَتَمِيمٍ ". 193 - (2522) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى يَعقُوبَ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ الأَقْرَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض هذا فيما أعلم " كذا لسائر الرواة، وعند العذرى: قال شعبة، وهو وهم عندهم، والصواب الأول، وأن سعداً زاد فى هذه الرواية فى بعض هذه الكلمات: " قريشاً "، وبعض كلمات: " فقال فيما أعلم " كأنه شكّك فيها، أو خالفه غيره فيها، فأخبر بما علمه. ¬

_ = ومحمد بن يحيى وأبو عبيدة بن فضيل بن عياض وغيرهم. وثقه ابن معين وأبو زرعة ومسلم، وذكره ابن حبان فى الثقات، مات سنة إحدى وثمانين ومائة. التهذيب 6/ 37.

ابْنَ حَابِسٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجِيج مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ، وَأَحْسِبُ جُهَيْنَةَ - مُحَمَّدٌ الَّذِى شَكَّ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَة - وَأَحْسِبُ جُهَيْنَة - خَيْرًا مِنْ بَنِى تَمِيمٍ وَبَنِى عَامِرٍ وَأَسَد وَغَطَفَانَ، أَخَابُوا وَخَسِرُوا ". فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَوَاَلَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ لأَخْيَرُ مِنْهُمْ ". وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ: مُحَمَّدٌ الَّذِى شَكَّ. (...) حدّثنى هَارونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى سَيِّدُ بَنِى تَمِيمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى يَعْقُوبَ الضَّبِّىُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: " وَجُهَيْنَةُ " وَلَمْ يَقُلْ: أَحْسِبُ. 194 - (...) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ، خَيْرٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِى عَامِرٍ، وَالْحَليفَيْنِ بَنِى أَسَدٍ وَغَطَفَانَ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا: حَدَّثَنَا عبْدُ الصَّمَدِ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَمَرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 195 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِى تَمِيمٍ وَبَنِى عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفَانَ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ "، وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ فَقَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنه لأخير منهم ": كذا الرواية هنا، وأهل العربية يقولون: لا [يقال] (¬1) أخير ولا أشر، إنما وجه الكلام: خير وشر، وقد جاء أخير وأشر فى غير حديث. وتفضيل هذه القبائل لسبقها إلى الإسلام دون تلك، وقد تقدم هذا كله قبل. وقوله: " والحليفتين أسد وغطفان " بالحاء المهملة من الحلف والتعاهد الذى كان فى ¬

_ (¬1) من ح.

يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا. قَالَ: " فَإِنَّهُمْ خَيْرٌ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ: " أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَاَنَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ ". 196 - (2523) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاق، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لِى: إِنَّ أَوَّلَ صَدَقَةٍ بَيَّضَتْ وَجْهَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهَ أَصْحَابِهِ، صَدَقَة طَيِّئٍ، جِئْتَ بِهَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 197 - (2524) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيلُ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ دَوْسًا قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا. فَقَيل: هَلَكَتْ دَوْسٌ. فَقَالَ: " اللَّهُم، اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ ". 198 - (2525) حدّثنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِى تَمِيمٍ مِنْ ثَلاَثٍ سَمِعْتَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِى عَلَى الدَّجَّالِ ". قَالَ: وَجَاءتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا ". قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْد عَائِشَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْتِقِيهَا فَإِنَّها مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِى تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلاَثٍ سَمِعْتَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُهَا فِيهِمْ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاهلية. وقوله فى الباب: حدثنا سيد بنى تميم محمد بن عبد الله بن أبى يعقوب الضبى، كذا وقع هنا. وضبة لا يجتمع مع بنى تميم، إنما ضبة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، وفى قريش - أيضاً - ضبة بن الحارث بن فهر، نسبه البخارى فى التاريخ على ما قال مسلم فانظره. وقول عدى: " أول صدقة بيضت وجه النبى - عليه الصلاة والسلام - ووجوه أصحابه

(...) وحدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِىُّ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِىُّ - إِمَامُ مَسْجِدِ دَاوُدَ - حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: ثَلاَثُ خِصَالٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَنِى تَمِيمٍ، لا أَزَالُ أُحِبُّهُمْ بَعْدُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِهَذَا الْمَعْنَى. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ قِتَالاً فِى الْمَلاَحِمِ " وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّجَّالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ صدقة طيئ ": أى فرحتهم وسرتهم، وضده سواد الوجه عند الحزن والغم بما يكره. والملاحم: معارك الحرب، وحيث يستلحم الناس، أى يقتتلون.

(48) باب خيار الناس

(48) باب خيار الناس 199 - (2526) حدّثنى حَرَمْلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمَسَّيبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، فَخيَارُهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِى الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِى هَذَا الأَمْرِ، أَكْرَهُهُمْ لَهُ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وتَجِدُونَ مِنْ شِرَارِ الَنَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأتِى هَؤلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤلاءِ بِوَجْهٍ ". (...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامىُّ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَجِدُونَ النَّاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تجدون الناس معادن، فخيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا ": تقدم الكلام عليه، وأصل المعادن الأصول الشريفة، تعقب أمثالها ويسرى كرم أخلاقها إلى نسلها، ولكن لا خيار فى الإسلام إلا بالتُّقى والفقه، ولا فضيلة إلا بخصال الشريعة، لكن من اتفق له ذلك مع أصل فى الجاهلية حميد الأخلاق، شريف الطباع وهو الحسب، كملت فضيلته، وبانت [مرتبته] (¬1). وأما قوله: " إذا فقهوا " بضم القاف، من الفقه، ويقال فيه - أيضاً - بكسرها، وأما من الفهم فبالكسر. وقوله: " وتجدون من خير الناس فى هذا الأمر أكرههم له ": فيحتمل أن يريد به الإسلام كما كان من عمر وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبى جهل وسهيل ابن عمرو، وغيرهم من مسلمة الفتح وقبلهم، من عرفت كراهته للإسلام، ثم لما حصل (¬2) خلص فيه وأحبه، وجاهد فيه حق جهاده. ويحتمل أنه يريد بالأمر ها هنا: الولايات والإمارة، كما جاء: " من جاء به من غير مسألة أعين عليها ". وقوله: " إن إخوتكم ممن طلبه " (¬3). وأما قوله فى ذى الوجهين: أنه " من شرار الناس " فكما قال؛ لأنه نفاق محض ¬

_ (¬1) فى ح: مزيته. (¬2) فى ح: دخل. (¬3) أحمد 4/ 293.

مَعَادِنَ " بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ أَبِى زُرْعَةَ والأَعْرَجِ: " تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِى هَذَا الشَّأنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً حَتَّى يَقَعَ فِيهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذب، ومخادعة. قال بعضهم: هو الذى يأتى كل طائفة بما يرضيها خيرًا كان أو شرًّا ويظهر لكل أحد من أهل باطل وغيره رضاه لفعلهم وحالهم وهذه هى المداهنة المحرمة.

(49) باب من فضائل نساء قريش

(49) باب من فضائل نساء قريش 200 - (2527) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ - قَالَ أَحَدُهُمَا. صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، وَقَالَ الآخَر: نِسَاَءُ قُرَيْشٍ - أَحْنَاهُ عَلَى يَتيمٍ فِى صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْج فِى ذَاتِ يَدِهِ ". (...) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، يَبْلغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " أَرْعَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِى صِغَرِهِ " وَلَمْ يَقُلْ: يَتِيمٍ. 201 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ، أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِى ذَاتِ يَدِهِ ". قَالَ: يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ. (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَاِفِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أُمَّ هَانِئٍ، بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى قَدْ كَبِرْتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على ولد فى صغره، وأرعاه على زوج فى ذات يده ": فيه أن هذه خصال حميدة فى النساء من الحنو على أولادهن، وذلك يقتضى حسن تربيتهم، والرفق بهم، والإحسان والقيام عليهم فى بيتهم، وترك التزويج بعد موت أبيهم، ألا ترى الحديث بعده وقول أم هانئ حين خطبها - عليه الصلاة والسلام - فقالت: " قد كبرت ولى عيال " يشير إلى هذا والله أعلم، ومراعاة [ذات] (¬1) يد زوجها، وذلك يقتضى الحيطة على ماله والأمانة عليه، وحسن تدبيره فى الإنفاق، وصفة ¬

_ (¬1) من ح.

وَلِىَ عِيَالٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ " ثُمَّ ذَكَرُ بِمِثْل حَدِيثِ يُونُسَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِى صِغَرِهِ ". 202 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِى صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِى ذَاتِ يَدِهِ ". (...) حدّثنى أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ مَخْلَد - حَدَّثنِى سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ - حَدَّثَنِى سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثل حَدِيثِ مَعْمَرٍ هَذَا. سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ مواضعه. وتخصيصه بقوله: " ركبن الإبل " لهن أن المراد نساء العرب؛ ولذلك قال أبو هريرة فى الحديث: " لم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط ". ومعنى " ذات يده ": أى ماله، وتقديره على الشىء الذى يملكه. قال الإمام: " وأحناه على ولد " يعنى: أشفقه. قال الهروى: [يقال: حنا عليه يحنو، وحنا يحنى وأحنا يحنى: إذا أشفق عليه وعطف] (¬1). قال الهروى فى الحديث: " أنا وسعفاء الخدين الحانية على ولدها كهاتين يوم القيامة " الحانية: التى تقيم على ولدها لا تتزوج، يقال: حنت عليهم، فإن تزوجت فليست بحانية. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(50) باب مؤاخاة النبى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضى الله تعالى عنهم

(50) باب مؤاخاة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أصحابه رضى الله تعالى عنهم 203 - (2528) حدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ سَلَمَةَ - عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَبَيْنَ أَبِى طَلْحَةَ. 204 - (2529) حدّثنى أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، قَالَ: قِيلَ لأَنَس بْنِ مَالكٍ: بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا حِلْفَ فِى الإِسْلاَمِ؟ ". فَقَالَ أَنَسٌ: قَدْ حَالَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِى دَارِهِ. 205 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَالَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِى دَارِهِ التى بِالْمَدِينَةِ. 206 - (2530) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حدّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا حِلْفَ فِى الإِسْلاَم، وَأَيُّمَاَ حِلْفٍ كَانَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلا شِدَّةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وذكر مسلم مؤاخاة النبى - عليه الصلاة والسلام - بين الأنصار وقريش وحديث لا حلف فى الإسلام، وأيما حلف كان فى الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة وقول أنس: " قد حالف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين قريش والأنصار فى داره بالمدينة ": قال الطبرى: لا يجوز الحلف اليوم فى الإسلام. قال ابن عباس: نسخ حِلف الجاهلية وحلف الإسلام، مؤاخاة البى - عليه الصلاة والسلام - بين المهاجرين والأنصار، وأنهم كانوا يتوارثون بذلك. قوله: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (¬1) فى رد المواريث إلى القرابات. وقال الحسن: كان هذا يعنى الموارثة بالحلف. قيل: إنه الميراث. ومعنى قوله: " فلم يزده الإسلام إلا شدة ": يعمى فى التناصر وِالتعاون على الحق، وهو تأويل ابن عباس فى قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (¬2) يعنى من النصر والنصيحة، وقيل: هذه الآية منسوخة بآية المواريث. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 6. (¬2) النساء: 33.

(51) باب بيان أن بقاء النبى صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة

(51) باب بيان أن بقاء النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة 207 - (2531) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ، كُلُّهُمْ عَنْ حُسَيْنٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ الْجُعْفِىُّ، عَنْ مُجَمَّعِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ. قَالَ: فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا. فَقَالَ: " مَا زِلْتُمْ هَهُنَا؟ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ. قَالَ: " أَحْسَنْتُمْ - أَوْ أَصَبْتُمْ ". قَالَ: فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ: " النُّجُومُ أَمَنَةٌ للِسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاء مَا تُوعَدُ. وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِى، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِى مَا يُوعَدُونَ. وَأَصْحَابِى أمَنَةٌ لأُمَّتِى، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِى أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهب النجوم أتى السماء ما توعدون ": يعنى فى القيامة أنها حينئذ تلحقها الانفطار والتغيير وهلاك ساكنها عند تناثر النجوم منها، وإنما هذا تمثيل لقوله بعده: " وأنا أَمَنة لأصحابى، فإذا ذهبت أتى أصحابى ما يوعدون "، يريد من الفتن، وارتداد من ارتد بعده من الأعراب وجهلة الناس، واختلاف قلوبهم، وهو ما أنذر به - عليه الصلاة والسلام - بقوله: " لا ترجعوا بعدى كفارًا " (¬1)، وقوله: " لم يزالوا مرتدين على اْعقابهم بعدك " (¬2) يعنى أهل الردة. وقوله: " وأصحابى أمنة لأمتى، فإذا ذهب أصحابى أتى أمتى ما يوعدون ": يريد من ظهور البدع، والتخالف، والفتن، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم وغيرهم عليهم، وتخريب المدينة مثله، وغير ذلك مما أنذر به، مما كان أكثره، وما بقى لابد من كونه، فإنه لا يقول إلا حقًّا، ودلائل بقاياه ظاهرة بينة. الأمنة بفتح الهمزة والميم: [الأمن] (¬3) والأمان، [وهو] (¬4) بمعنى ضد الخوف. ¬

_ (¬1) البخارى، ك العلم، ب الإنصات للعلماء1/ 41. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى ك الجنة، ب فناء الدنيا رقم (58). (¬3) و (¬4) من ح.

(52) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

(52) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم 208 - (2532) حدّثنا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ - وَاللَّفْظُ لزُهَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا يُخْبِرُ عَنْ أَبِى سَعِيد الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَأتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رأَى مَنْ صَحِبَ منْ صَحِب رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ". 209 - (...) حدّثنى سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يُبْعَثُ مِنْهُمُ الْبَعْثُ، فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُوَجَدُ الرَّجُلُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ. ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّانِى، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيهِمْ مَنْ رَأَى أَصْحَابَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ. ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّالِثُ، فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ يَكُونُ الْبَعْثُ الرَّابِعُ، فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَحًدًا رَأَى أَصْحَابَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ ". 210 - (2533) حدّثنا قتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يأتى على الناس زمان يغزو فئام من الناس " مهموز ويسهل وفى المهموز ذكره غير واحد، وذكره صاحب العين فى حرف الياء فى غير المهموز، وهو بكسر الفاء، هذا المشهور، وفتحها بعضهم، حكاه الخليل. ولا تشدد الياء عند من سهلها، ومعناه: جماعة. قال [ثابت] (¬1) بن قاسم: هو مأخوذ من القيام كالقطعة من الشىء. ¬

_ (¬1) من ح.

قَالَ: قَاَل رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ أُمَّتِى الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِىءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ " لَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ الْقَرْنَ فِى حَدِيثِهِ. وَقَالَ قتَيْبَةُ: " ثُمَّ يَجِىء أَقْوَامٌ ". 211 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ - قَالَ إِسْحاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: " قَرْنِى، ثُمَّ اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِىءُ قَوْمٌ تَبْدُرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَتَبْدُرُ يَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ". قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَنْهَوْنَنَا، وَنَحْنُ غِلمَانٌ، عَنِ الْعَهْدِ وَالشَّهَادَاتِ. (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِإِسْنَادِ أَبِى الأَحْوَصِ وَجَرِيرٍ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمَا. وَلَيْسَ فِى حَدِيثهِمَا: سُئِلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 212 - (...) وحدّثنى الْحَسَنُ بْنَ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَزْهَر بْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "، فَلا أَدْرِى فِى الثَّالِثِةِ أَوْ فِى الرَّابِعَةِ قَالَ: " ثُمَّ يَتَخَلَّفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، تَسْبقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِيَنُهُ شَهَادَتَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم " الحديث، قد تقدم الكلام على هذا [قبل] (¬1). وعقيدة جمهور العلماء: أن من رآه - عليه الصلاة والسلام - وكان فى عداد أصحابه ففد حصل فضيلةً لا يدركها أفضل كل من يأتى بعده. واختلف الناس فى القرن ما هو؟ وما الراد بقرنى هنا؟ فقال المغيرة: قرنه: أصحابه، والذى يليه: [أبناؤه] (¬2) والثالث: أبناء أبنائهم. وقال شمر: قرنه: ما بقيت نفس رأته ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) فى ح والأبى: أبناؤهم.

213 - (2534) حدّثنى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيق، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ أُمَّتِى الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "، وَاللهُ أَعْلَمُ اذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لا؟ قَالَ: " ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ، يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْثَشْهَدُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والثانى: ما بقيت نفس رأت من رآه، ثم كذلك. وقال غير واحد: القرن: كل طبقتين مقترنتن فى وقت. وقيل ذلك لأهل كل مدة بعث فيها نبى طالت أو قصرت. واشتقاقه من الاقتران. واختلف فى لفظ " القرن "، وذكر فيه الحربى الاختلاف من عشر سنين إلى مائة وعشرين، ثم قال: وليس منه شىء واضح. وأربى القرن: كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد. والحسن وغيره يقول: القرن عشر سنين. وقتادة يقول: سبعون، ونحوه عن على ابن أبى طالب. وغيرهما يقول: ستون. وعن زرارة بن أوفى: فهو مائة وعشرون سنة، وقيل: ثمانون، وقيل: أربعون، وهو قول النخعى، وحكى هذان القولان أيضاً عن الحسن. وقيل: مائة سنة، وذكر عن عبد الملك بن عمير وقال ابن الأعرابى: القرن الوقت من الزمان. قال غيره: لأنه يقرن أمة بأمة. وقوله: " ثم يتخلف بعدهم خلف "، وفى الرواية الأخرى: " يخلف ": أى يأتون بعدهم. والخلف: ما صار عوضاً عن غيره، بفتح اللام فى الخير والشر، وأما بسكون اللام ففى الشر خاصة، قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} (¬1) وقد قيل فيهما بالوجهين أيضاً. وقوله: " تبدر شهادة أحدهم يمينه، وتبدر يمينه شهادته ": أى تسبق [كما] (¬2) جاء فى الحديث الآخر. احتج به من يبطل الشهادة إذا حلف معها، وهو الذى فى كتاب ابن شعبان، ولا يعرف فى غيره. والجمهور على أن ذلك غير قادح فيها، وهو قول مالك وسائر من يروى عنه العلم، وقد قال تعالى: {أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} (¬3)، ومثل هذا كثير فى القرآن والحديث. وأما قوله فى الحديث الآخر: " يحبون الشهادة "، ويروى: " السمانة " وكلاهما صحيح، فقد جاء الوصفان فى الحديث. وقوله: " يفشو فيهم السمن "، وقوله: " يشهدون قبل أن يستشهدوا ": احتج به من ¬

_ (¬1) مريم: 59. (¬2) فى هامش ح. (¬3) يونس: 53.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِى حَجَّاج بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى بِشْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلا أَدْرِى مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بقول ابن شبرمة فى مغ هذه الشهادة على الإقرار حتى يشهده المقر، والجمهور على خلافه وأنه متى استوفى الكلام من إقرار وغيره فى دين أو طلاق [أو حرابة] (¬1) شهد به. وهو معنى ما وقع فى المدونة، وإليه يرجع كلام مالك وابن القاسم، ويفسر بعضه بعضاً، وإن كان بعضهم أراد تخريج خلاف منه على ظاهره، وقوله فى قوله الأول، وله تأويل قد بسطناه فى تعليقنا على المدونة، وأما ظاهره فى ذم شهادة من لا يستشهد ولم يطلب منه الشهادة، فحمله قوم على ظاهره وقالوا: فعل ذلك مذموم، والجمهور على خلافه، وأنه محمود، وأن معناها فى هذا الحديث: أن يشهد شهادة زور كاذبًا [ويحلف كاذبًا] (¬2)، ألا تراه كيف قال: " ويفشو فيهم الكذب " (¬3)؟ وقيل؟ يحتمل أن تكون هذه الشهادة قبل سؤالها المذمومة فى الحدود، ورفع الشاهد ذلك من قبل نفسه إلى الإمام، إذ ليس فيه حق لمسلم، وإنما فيه حق لله تعالى، وقد أمر الله تعالى بستر المسلم عورة أخيه، وألا ينتهك حرمته، وقد جاء فى الصحيح: " خير الشهود الذى يأتى بشهادته قبل أن يسألها " (¬4)، وفسره مالك بالرجل يكون عنده الشهادة فى الحق تكون للرجل لا يعلمها، فيخبره بها ويرفعها إلى السلطان. قال الطحاوى - رحمه الله تعالى -: والأولى بنا أن نحمل الأحاديث على هذا التأويل حتى لا يتضاد ولا يختلف. وقد قيل: معنى " يشهدون ولا يستشهدون ": أنها من شهادة اليمين بمعنى قوله فى الرواية الأخرى: " يحلفون ولا يستحلفون ". وقد جاء فى [تفسير] (¬5) الحديث: [قال إبراهيم] (¬6): " وكانوا ينهونا ونحن غلمان عن العهد والشهادات "، وفى البخارى: " كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ". وفى الرواية الأخرى: " أن يحلف بالشهادة والعهد " قالوا: معناها: الحلف بعهد الله ويشهد بالله. ¬

_ (¬1) فى ح: أو غير ذلك. (¬2) فى هامش ح. (¬3) الترمذى، ك الفتن، ب ما جاء فى لزوم الجماعة 4/ 404. (¬4) الموطأ، ك الأقضية، ب ما جاء فى الشهادات 2/ 720. (¬5) فى ز: نفس، والمثبت من ح. (¬6) فى هامش ح.

214 - (2535) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ، حَدَّثَنِى زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ، سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِى، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ". قَالَ عِمْرَانُ: فَلا أَدْرِى أَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً؟ " ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعضهم: فدل أن الشهادة المذمومة هى المحلوف بها، التى يجعلها الإنسان عادته، كما قال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} (¬1)؛ ولأن اليمين بالعهد والشهادة من مغلظ الأيمان. قالوا: لأن فى " أشهد بالله " مقتضى القطع والعلم بما حلف عليه، والعهد لا يقدر أحد على التزامه، والقيام به. والشهادة تأتى بمعنى اليمين، ومنه قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شهَادَاتٍ بِاللَّهِ} الآية (¬2). وقيل: معناه: أن يحلف إذا شهد وإذا عاهد. و" عهد الله " يمين عند مالك وأبى حنيفة والأوزاعى، نوى بها اليمين أم لا، وليست عند جماعة من السلف من التابعين يمين، إلا أن ينوى بها اليمين وهو قول الشافعى وأبى ثور وأبى عبيد. وأما " أشهد بالله " فهى عند مالك يمين، وقال الشافعى: ليست بيمين إلا أن ينوى بها اليمين، وعنه - أيضاً - إذا قال: " أشهد " فإن لم يقل: " بالله " فهى يمين، وهو قول النخعى والثورى وأبى [حنيفة] (¬3). وكذلك عند جميعهم " أحلف " وإن لم يقل: " بالله "، ومالك لا يرى " أشهد " يميناً حتى يقول: " بالله "، وكذلك " أقسم ". ويقول فى " أحلف وأعزم ": إنه إن أراد بها " بالله " فهى يمين. واختلف [عنه] (¬4) فى " أعزم " فى كتاب ابن جويز منداد، وفى " أقسم وأحلف " فى كتاب ابن شعبان. وفى قوله: " ويفشو فيهم السمن، ويحبون السمانة " (¬5) قالوا: دليل على حرص هؤلاء على الدنيا والتنعم فيها، ومحبة الأكل والشهوات. ¬

_ (¬1) البقرة: 224. (¬2) النور: 6. (¬3) فى ز رمز لها بحرف ح، وأثبتناها من ح هكذا. (¬4) ساقطة من ح. (¬5) الترمذى، ك الفتن، ب ما جاء فى القرن الثالث 4/ 334 رقم (2222).

قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُتَّمَنُونَ، وَيِنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ ". (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِهِمْ: قَالَ: لا أَدْرِى أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً؟ وَفِى حَديِثِ شَبَابَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ، وَجَاءَنِى فِى جَاجَةٍ عَلَى فَرَسٍ فَحَدَّثَنِى أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ. وَفِى حَدِيثِ يَحْيَى وَشَبَابَةَ: " يَنْذُرُونَ وَلا يَفُونَ ". وَفِى حَدِيثِ بهز: " يُوفُونَ " كَمَا قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ. 215 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَهَذَا الْحَدِيثِ: " خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ". زَادَ فِى حَدِيثِ أَبِى عَوَانَةَ قَالَ: وَاللهُ أَعْلَمُ، أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لا؟ بِمِثْلِ حَدِيثِ زَهْدَمٍ عَنْ عِمْرَانَ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ: " وَيَحْلِفُونَ وَلا يُسْتَحْلَفُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وينذرون ولا يوفون ": دليل على وجوب الوفاء بالنذر ولزومه، وذم من لم يفعل ذلك. وقوله فى الرواية الأخرى: " يفون " صحيحان، يقال: وَفَّى وأوفى - وفى هذا الحديث كله دليل وعلم على نبوته - عليه الصلاة والسلام - لوجود ما قاله عياناً. وقوله فى سند هذا من طريق ابن أبى شيبة وابن مثنى وابن يسار: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا جمرة قال: حدثنا زهدم بن مضرب (¬1)، كذا ضبطناه بالجيم والراء، وجاء فى بعض النسخ عن ابن الحذاء بالحاء المهملة، وهو وهم، والصواب الأول. وهو أبو جمرة نصر بن عمران الضبعى. ¬

_ (¬1) هو أبو مسلم زهدم بن مضرب الأزدى الجرمى، البصرى، روى عن أبى موسى وعمران بن حصين وابن عباس، وعنه أبو قلابة والقاسم بن عاصم وأبو السليل وغيرهم، وثقه العجلى، وذكره ابن حبان فى الثقات. التهذيب 3/ 341.

216 - (2536) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ - وَاللَّفَظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ - وَهُوَ ابْنُ عَلِىٍّ الْجُعْفِىُّ - عَنْ زَائدةَ، عَنِ السُّدِّىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الْبَهِىِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: " الْقَرْنُ اَلَّذِى أَنَا فِيهِ، ثُمَّ الثَّانِى، ثُمَّ الثَّالِثُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الباب: عن السدى، عن عبد الله البهى (¬1) عن عائشة. هذا السند مما استدركه الدارقطنى (¬2) على مسلم وغيره فى إدخاله، قال: وإنما روى البهى عن عروة عن عائشة. قال القاضى: قد صححوا روايته عن عائشة وفاطمة بنت قيس، وقد ذكر البخارى (¬3) روايته عن عائشة، واسمه عبد الله مولى مصعب بن الزبير، واسم أبيه يسار يكنى أبا محمد، وقيل: مولى الزبير، ونزل الكوفة. ¬

_ (¬1) فى ز: اليمنى، والمثبت من ح. (¬2) انظر: الإلزامات والتتبع ص 375 رقم (215). (¬3) التاريخ الكبير 5/ 56.

(53) باب قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم "

(53) باب قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم " 217 - (2537) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ صَلاَةَ الْعِشَاءِ، فِى آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: " أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأسِ مَائَةَ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَهَلَ النَّاسُ فِى مَقَالَةِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلكَ، فيَما يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِه الأَحَادِيثِ، عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ، يُرِيدُ بِذَلكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ. (...) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَان، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ. وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ. كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ. بإِسْنَادِ مَعْمَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أرأيتكم هذه، فإن على رأس مائة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد"؟ تفسيره فِى الحديث، أى ممن هو اليوم حى، وهو معنى الحديث الآخر: " ما على الأرض من نفس منفوسة " أى مولودة يأتى عليها مائة سنة، وبينه قوله فى الحديث الآخر: " ما من نفس منفوسة اليوم "، وفسرها بقصر العمر، وكل نفس مخلوقة يومئذ. وقوله فى الباب: ورواه الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، من جملة مقطوعات مسلم الأربعة عشر، وقد نبه عليها الإمام أبو عبد الله فى هذا الموضع. قال القاضى: وأما قوله فى الباب بعد هذا بأثر حديث عمر بن حبيب، ثم قال: وعن عبد الرحمن صاحب السقايا عن جابر بن عبد الله عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل ذلك، وليس بمقطوع، وإنما هو معطوف على قول معتمر بن سليمان التميمى: سمعت أبى قال: حدثناه وأبو نضرة، ثم قال بعد تمام الحديث: وعن عبد الرحمن قائله. سليمان التميمى والد معتمر بسنده قبل. وقوله: " فوهل الناس "، قال الإمام: وَهَل بفتح الهاء يهل وهلاً، مثل ضرب يضرب ضرباً. ومعناه: غلط. وأيضاً: الوَهْل بإسكان الهاء: أن يذهب وهمك إلى الشىء،

كَمِثْلِ حَدِيثِهِ. 218 - (2538) حدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ -: " تَسْأَلُونِى عَنِ السَّاعَةِ؟ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ. وَأُقْسِمُ بِاللهِ، مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأتِى عَلَيْهَا مَائَةُ سَنَةٍ ". (...) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ. (...) حدّثنى يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، كِلاَهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ، تَأتِى عَلَيْهَا مائَةُ سَنَةٍ، وَهْىَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ ". وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ السِّقَايَةِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَفَسَّرَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: نَقْصُ الْعُمُرِ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، مِثْلَهُ. 219 - (2539) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ دَاوُدَ - واللَّفظُ لَهُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ. قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ، سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَأتِى مِائَة سَنَةٍ، وَعَلَى الأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس كذلك. وأما وَهلِت بكسر الهاء أوهل وهلاً، على مثال حذرت أحذر حذرًا فمعناه: فزعت، قال: والوَهَل بفتح الهاء: الفزع. قال القاضى: ويقال فى الغلظ أيضاً: وهِل بالكسر، [وقيدناه فى المصنف على أبى

220 - (2538) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، أَخْبَرنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، تَبْلغْ مِائَةَ سَنَةٍ ". فَقَالَ سَالِمٌ: تَذَاكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَهُ. إِنَّمَا هِىَ كُلُّ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٍ يَوْمَئِذٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسين " وهل " إذا ذهب وهمه إلى الشىء بالكسر] (¬1)، وقيدناه عليه فى غير المصنف بالفتح. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(54) باب تحريم سب الصحابة رضى الله عنهم

(54) باب تحريم سب الصحابة رضى الله عنهم 221 - (2545) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَسُبُّوا أَصْحَابِى، لا تَسُبُّوا أَصْحَابِى. فَوَالَّذِى نفْسى بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْركَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلا نَصِيفَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وخرج مسلم فى الفضائل أيضاً: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبى شيبة ومحمد بن العلاء، كلهم عن أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا أصحابى " الحديث [هكذا] (¬1)، قال مسلم فى إسناده هذا الحديث عن شيوخه عن أبى هريرة، قال أبو مسعود الدمشقى، هذا وهم، والصواب: من حديث أبى معاوية عن أبى صالح عن أبى سعيد الخدرى، لا عن أبى هريرة، وكذلك رواه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبى شيبة وأبو كريب. وسئل الدارقطنى عن إسناد هذا الحديث فقال: يرويه الأعمش، واختلف عنه، فرواه زيد بن أبى أنيس، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة. [قال أبو مسعود عن أبى داود، عن سعيد، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، (¬2) كذلك أيضاً واختلف على أبى عوانة، فرواه [عفان ويحيى بن حمادة عن أبى عوانة] (¬3) عن الأعمش، وأبو كامل وشيبان عن أبى عوانة فقالوا عن أبى هريرة وأبى سعيد، وكذلك قال نصر بن على عن أبى (¬4) داود الحربى عن الأعمش. وقال مسدد عن الحربى عن أبى سعيد وحده بغير شك، وهو الصواب عن الأعمش، ورواه زائدة عن عاصم عن أبى صالح عن أبى هريرة. والصحيح عن [أبى صالح] (¬5) عن أبى سعيد. قال القاضى: كان فى النسخ من المعلم فى بعض ما ذكر تغيير حياته على نصه من موضع نقله من كتاب أبى على الجيانى وأصلحناه. قال الإمام قوله - عليه الصلاة والسلام -: " ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ": ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) و (¬3) من هامش ح. (¬4) فى ح: ابن. (¬5) سقط من ز، والمثبت من ح.

222 - (2541) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَليدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَىءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِى، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب تسمى النصف النصيف، كما قالوا فى العشر عشير، وفى الخمس: خميس، وفى الثمن: ثمين، وفى التسع: تسيع. قال أبو زيد والأصمعى: قال أبو عبيد: واختلفوا فى السبع والسدس والربع، فمنهم من يقول: [سبع وسدس] (¬1) وربيع. ومنهم من لا يقول ذلك، ولا أسمع أحدًا منهم يقول فى الثلث شيئاً. قال القاضى: يقال: نِصْف ونُصْف ونَصف ونصيف، ومعناه: نصيفه، أى نصف مدة المذكور فى الصدقة، أى أجرهم هم مضاعف لمكانهم من الصحبة، حتى لا يوازى إنفاق مثل أحد ذهبا صدقة اْحدهم بنصف مد، وما بين هذا التقدير لا يحصى. وهذا يقتضى ما قدمناه من قول جمهور الأمة من تفضيلهم على من سواهم بتضعيف أجورهم؛ ولأن اتفاقهم كان فى وقت الحاجة والضرورة وإقامة الأمر وبدء الإسلام،، وإيثار النفس، وقلة ذات اليد ونفقة غيرهم بعد الاستغناء عن كثير منها مع سعة الحال، وكثرة ذات اليد؛ ولأن إنفاقهم كان فى نصرة ذات النبى - عليه الصلاة والسلام - وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذلك جهادهم وأعمالهم كلها، وقد قال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ} الآية (¬2). هذا فرق ما فيهم أنفسهم من الفضل وبينهم من البون، فكيف لمن يأتى بعدهم؟ فإن فضيلة الصحبة واللقاء ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا ينال درجتها شىء، والفضائل لا تؤخذ بقياس، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} (¬3). وقد ذهب بعض أصحاب الحديث والنظر إلى هذا كله فى خاصة أصحابه، وجوز هذه الفضيلة لن أنفق معه وقاتل، وهاجر، ونصر، لا لمن زاره مرة ولقيه مرة من القبائل أو صحبه آخر مرة وبعد فتح مكة، واستقرار الإسلام ممن لم يقر بهجرة ولا حض بنصرة ولا اشتهر بمقام محمود فى الدين، ولا عرف باستقلال بأمر من أمور الشريعة ومنفعة المسلمين والقول الأول لظاهر الآثار أظهر، وعليه الأكثر. وسب أصحاب النبى - عليه السلام - وتنقصهم أو أحد منهم من الكبائر المحرمة، وقد لعن النبى - عليه الصلاة والسلام - فاعل ذلك، وذكر أنه من آذاه وآذى الله فإنه لا يقبل منه صرف ولا عدل. واختلف العلماء: ما يجب عليه؟ فعند مالك ومشهور مذهبه إنما فيه ¬

_ (¬1) فى ح: سبيع وسديس. (¬2) الحديد: 10. (¬3) الحديد: 21.

لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ ". (...) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بإِسْنَادِ جَرِيرٍ وَأَبِى مُعَاوِيَةَ. بِمِثْلِ حَدِيثهِمَا. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ شُعْبَةَ وَوَكِيعٍ ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الاجتهاد بقدر قوله والمقول فيه [قال] (¬1): وليس له فى الفىء حق، وأما من قال فيهم: إنهم كانوا على ضلالة وكفر، وحكى عن سحنون مثل هذا فيمن قاله فى الأئمة الأربعة، قال: وينكل فى غيرهم. وحكى عنه: يقتل فى الجميع لقول مالك. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(55) باب من فضائل أويس القرنى رضى الله عنه

(55) باب من فضائل أويس القرنى رضى الله عنه 223 - (2542) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِى سَعِيدٌ الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ؛ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ، وَفِيهمْ رَجُلٌ مَّمِنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأوَيْسٍ. فَقَالَ عُمَرَ: هَلْ هَهُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: " إِنَّ رَجُلاً يَأتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، لا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَان بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلا مَوْضِعَ الدَّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ". 224 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، قَالا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قصة أويس القرنى هى من أعلام نبوته - عليه الصلاة والسلام - وإخباره عنه بما وجد حقيقة. ذكر مسلم فى نسبه فى الحديث: أويس بن عامر. قال الأمير أبو نصر: ويقال: ابن عمرو، قال غيره: ويكنى بأبى عمر، وقتل بصفين. وقول النبى - عليه الصلاة والسلام - للصحابة: " فمن لقيه منكم فليستغفر [لكم] (¬1) ": يحتج به من ذكرناه من أهل (¬2) الحديث والنظر إلى أن فى التابعين والقرن الثانى من يفضل بعض من فى القرن الأول. وقوله: " أكون فى غبراء الناس ": كذا قيدناه عن شيوخنا بفتح الغين المعجمة، وسكون الباء الموحدة ممدودة، ومعناه: ضعفاؤهم وأخلاطهم ومن لا يؤبه به منهم، يقال للفقراء: بنى غبرا، وغثرا بالناس أيضاً مثلثة مثله عامتهم وجهلتهم. والغثرة والغبرة واحد بمعنى الجهالة. ورواه بعض [من] (¬3) رواة مسلم: " غبر للناس " بضم الغين وتشديد الباء الموحدة أى بقاياهم.، والأول أوجه وأصح معنى. وقال أبو على القالى: غبراء الناس: الصعاليك. قال الإمام: و" قرن " بفتح القاف والراء: حى من مراد، وهو قرن بن رومان بن ناجية بن مراد. قال الكلبى: ومراد اسم لجابر بن مالك بن أرد بن محب بن يعرب بن زيد ¬

_ (¬1) كدا فى ح والحديث المطبوع، أما فى ز: له. (¬2) فى ح: أصحاب. (¬3) من ح.

مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهْوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ". 225 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثنَا - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ. فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِر؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرِأتَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نعَمْ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَأتِى عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْل الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ " فَاسْتَغْفِرْ لِى. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن كهلان بن سبأ. قال القاضى: وقوله: " وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس ": أى يستحقره ويستهزئ به. وكذلك قول الآخر: " تركته رث الهيئة قليل المتاع " كله دليل على احتقار أويس نفسه وستره أمره. وقول النبى - عليه الصلاة والسلام - فيه: " له والدة، هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره ": إشارة إلى إجابة دعوته وعظيم مكانته عند ربه، وأنه لا يخيب أمله فيه، ولا يكذب ظنه به، ولا يرد دعوته ورغبته وعزيمته وقسمه فى سؤاله بصدق توكله عليه وتفويضه إليه، وقيل: معنى " أقسم على الله ": وعى، و" أبره " أجابه، وفيه فضل بر الوالدين، وعظيم أجر البر بهما. وقوله فى آخر خبره: " ففطن له الناس، فانطلق على وجهه ": أى أخفى أمر نفسه لئلا يشتهر مخافة الفتنة.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ. قَالَ: ألاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِى غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَىَّ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ. قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يأتِى عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدة هُوَ بِهَا بَرٌ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ " فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِى. قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِى. قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِى. قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالَحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِى. قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَاسْتَغْفَر لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهَهِ. قَالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً. فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنت أحدث عهد بسفر صالح، فاستغفر لى ": فيه رجاء قبول من جاء من جهاد أو حج أو سفر طاعة. وقوله: " رث البيت (¬1) " بمعنى قوله بعده: " قليل المتاع ". ورثاثة الثياب: خلقها ورداءتها. والرثاثة والبذاذة بمعنى. ¬

_ (¬1) فى ز: الهيئة، والمثبت من ح.

(56) باب وصية النبى صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

(56) باب وصية النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأهل مصر 226 - (2543) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَرْمَلَةُ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُون بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ - وَهُوَ ابْنُ عِمَرَانَ التُّجِيبِىُّ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شمَاسَةَ الْمَهْرِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ فِى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا ". قَالَ: فَمَرَّ بِرَبِيَعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَىْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، يَتَنَازَعَانِ فِى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجَ مِنْهَا. 227 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَريِرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ الْمِصْرِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَمَاسَةَ، عَنْ أَبِى بَصْرَةَ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهىَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِها، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا " أَوْ قَالَ: " ذِمَّةً وَصِهْرًا، فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَاخْرُجْ مِنْهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " وستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط ": يريد مصر. والقيراط: وزن من أوزان الأشياء، وهو هنا بعض الدرهم. وقوله: " فإن لهم ذمةً ورحماً " أو قال: " صهراً ": فأما الذمة، فيحتمل أن الذمام للرحم وللصهر الذى ذكر، ويحتمل أنه أراد ذمة العهد التى دخلوا بها فى ذمة الإسلام أيام عمر، فإن مصر فتحت صلحاً إلا الأسكندرية. وقد تكون الذمة من الذمام للصهر والرحم المذكور فى الحديث. فأما الرحم، فيكون هاجر أم إسماعيل - عليه السلام - أبى العرب منهم. وأما الصهر، فيكون مارية أم إبراهيم، ولد النبى - عليه السلام - منهم، قاله الزهرى. وفى هذا الحديث أعلام من نبوته ثلاثة وجدت كلها، منها افتتاحها، ومنها إعطاء أهلها العهد، ودخولهم فى الذمة، ومنها قوله: " فإذا رأيتم رجلين يختصمان فى لبنة

قَالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَأَخَاهُ رَبِيعَةَ، يَخْتَصِمَانِ فِى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجْتُ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ فاخرج منها " فكان ذلك. ومعنى قوله فى الرواية الأخرى: " يقتتلان ": أى يختصمان كما قال فى الأخرى. وقوله فى سند الحديث: عن عبد الرحمن بن شماسة (¬1)، عن أبى بصرة عن أبى ذر، كذا لهم بياء بواحدة وصاد مهملة وهو الصواب. وعند العذرى: عن أبى نضرة، بنون وضاد معجمة، وهو خطأ. ¬

_ (¬1) المصرى المهرى، روى عن عمرو بن العاص وعقبة بن عامر وعائشة وابن عمر وأبى ذر، وعنه بريد بن أبى حبيب وكعب بن علقمة والحارث بن يعقوب وغيرهم، وثقه العجلى ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان فى الثقات. التهذيب 6/ 195، رجال مسلم 1/ 411.

(57) باب فضل أهل عمان

(57) باب فضل أهل عمان 228 - (2544) حدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِى الْوَازِعِ جَابِرِ بْنِ عَمْرٍو الرَّاسِبِىِّ، سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً إِلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ، مَا سَبُّوكَ وَلاَ ضَرَبُوكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لو أن أهل عُمَان أتيت ما سبوك ولا ضربوك " (¬1): بفتح العين وتشديد الميم ضبطنا هنا هذا الحرف على القاضى الشهيد، وقيدناه عن غيره بضم العين وتخفيف الميم، وهما " بلدان " قد ذكرناهما فى حديث الحوض. ¬

_ (¬1) جاء فى ك الفضائل، ب إثبات حوض نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقم (37) و (42) " عَمَّان " بفتح العين وتشديد الميم.

(58) باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها

(58) باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها 229 - (2545) حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِىَّ - أَخْبَرَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِى نَوْفَلٍ، رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ، حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ. أَمَا وَاللهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا. أَمَا وَاللهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا. أَمَا وَاللهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا. أَمَا وَاللهِ، إِنْ كُنْتَ، مَا عَلِمْتُ، صَوَّامًا، قَوَّامًا، وَصُولاً لِلرَّحِمِ. أَمَا وَاللهِ، لأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لأُمَّةٌ خَيْرٌ. ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللهِ وَقَوْلُهُ، فَأَرْسلَ إِلَيْهِ، فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ، فَأُلْقِىَ فِى قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَأتِيَهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ: لَتَأتِيَنِّى أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ. قَالَ: فَأَبَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن عمر فى حديث ابن الزبير: " السلام عليك أبا خبيب ": هى كنية عبد الله ابن الزبير، بخاء معجمة مضمومة، هى إحدى كناه، كنى بابن خبيب، وكان أكبر ولده، ويكن أيضاً بأبى بكر، وقال أبو أحمد الحافظ: أبو بكير. وقد ذكر البخارى فى تاريخه (¬1) كناه الثلاث. فيه جواز السلام على الموتى وشبهه، وقد مضى هذا فى الطهارة، والجنائز، وثناؤه عليه لما علمه منه فى جواز الثناء على الميت بما يعلم منه من خير. وقوله فيه: " وصولاً للرحم ": أصح من قول من بخله ونسبه لذلك من أصحاب الأخبار، لإمساكه مال الله عمن لا يستحق، وقد عده صاحب كتاب الأجواد فيهم، وهو الذى يشبه أفعاله وشيمته، وفيه قول ابن عمر للحق، وقلة خوفه من الحجاج وهو يعلم أنه سيبلغه مقامه كما (¬2) بلغه، كما جاء فى الحديث. وأنه لم يصده بسطوة الحجاج عن شهادته بالحق وقوله؛ ليبين للناس أنه مظلوم، ويكذب وصف الحجاج وأصحابه له بعدو الله وبالكافر والمحل، وغير ذلك مما كانوا يصفونه به. ¬

_ (¬1) انظر: التاريخ الكبير 5/ 96. (¬2) فى ح: على ما.

وَقَالَتْ: وَاللهِ لا آتيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَىَّ مَنْ يَسْحَبُنِى بِقُرُونِى. قَالَ: فَقَالَ: أَرُونِى سِبْتَىَّ. فَأَخَذَ نَعْلَيَهِ، ثَمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا. فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِى صَنَعْتُ بعَدُوِّ اللهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وأَفْسَدَ علَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلغَنِى أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ. أَنَا وَاللهِ، ذَاتُ النِّطَاقَيْن. أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَعَامَ أَبِى بَكْر مِنَ الدَّوَابِّ. وَأَمَّا الآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِى لا تَسْتَغْنِى عَنْهُ. أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا " أَنَّ فِى ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا "، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلا إِخَالُكَ إِلاَّ إِيَّاهُ. قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لأُمَّة أنت شرها لأُمَّة خيار " ويروى: " خير ": يريد ما كانوا يصفونه به. وفى رواية السمرقندى: " لأمة سوء ". وهو خطأ وتصحيف. وقوله: " من يسحبك بقرونك ": أى يجرك بشعر رأسك. وقوله: " أرونى سِبتى ": أى نعلى، بكسر السبن، وهى النعال التى لا شعر عليها، وقد مضى تفسيرها فى الحج بأشبع من هذا والخلاف فيها. قال الإمام: وقوله: " فانطلق يتوذف ": قال أبو عبيد: معناه: يسرع. والتوذف الإسراع. وقال أبو عمرو: هو التبختر. قال القاضى: حكى ابن السكيت عن أبى عمرو أنها مشية فيها تقارب وتبجح وهو قريب مما تقدم، قال: يقال منه: ذاف يذوف، وإنما يصح يذوف منه على القلب. وقول أسماء فى تفسير: " ذات النطاقين " ما قالته فى الحديث من أن أحدهما: الذى أرفع فيه طعام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واْبى بكر، والثانى: نطاق المرأة. وقد وقع مفسراً أبين من هذا فى البخارى (¬1) وغيره (¬2). وأنها لما صنعت سفرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر حين هاجرا شقت نطاقها بنصفين، فربطت السفرة بأحدهما وانتطقت بالآخر. وقولها: " إن فى ثقيف كذابًا ومبيرًا، أما الكذاب فرأيناه ": تعنى المختار بن أبى عبيد، " وأما المبير فإخالك هو ": تريد لكثرة قتله. والمبير: المهلك. والبوار: الهلاك، وفيها تأول الناس الحديث. وبذلك فسره أبو عيسى الترمذى (¬3). ¬

_ (¬1) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب هجرة النبى وأصحابه إلى المدينة 5/ 78. (¬2) مسند أحمد 6/ 198. (¬3) الترمذى، ك الفتن، ب ما جاء فى ثقيف كذاب ومبير 4/ 432 برقم (2220).

(59) باب فضل فارس

(59) باب فضل فارس (¬1) 230 - (2546) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ الجَزَرِىِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ - مِنْ أَبْنَاءِ فَارِس، حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ ". 231 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ، فلمَّا قَرَأَ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} (¬2) قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤَلاءِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتيْنِ أَوْ ثَلاثاً. قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِىُّ. قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثمَّ قَالَ: " لَوْ كَانَ الإِيمَان عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى الباب بغير تعليق. وقوله: " الثريا ": هو النجم المعروف، وهو تصغير ثَرْوَى. انظر: النهاية 1/ 210. قال النووى: فيه فضيلة ظاهرة لهم، وجواز استعمال المجاز والمبالغة فى مواضعها. انظر: مسلم على نووى 16/ 100. (¬2) الجمعة: 3.

(60) باب قوله صلى الله عليه وسلم: " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة "

(60) باب قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة " 232 - (2547) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظ لِمُحَمَّدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ، لا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة "، قال الإمام: قال القتبى: الراحلة: [هى التى] (¬1) يختارها الرجل لمركبه، ورحله على النجابة، وتمام الخلق وحسن المنظر، فإذا كانت فى جماعة الإبل عرفت. يقول: فالناس متساوون ليس لأحد منهم فضل فى النسب؛ ولكنهم أشباه كإبل مائة ليس فيها راحلة. قال الأزهرى: الراحلة عند العرب تكون للجمل النجيب، والناقة النجيبة، والهاء فيها للمبالغة، كما يقال: رجل داهية ونسَّابة، قال: وليس المعنى الذى ذهب إليه ابن قتيبة من التساوى فى النسب [شىء] (¬2)، والمعنى عندى: أنه أراد - عليه الصلاة والسلام - أن الزهد فى النادر القليل من الناس، والكامل منهم فى الزهد فى الدنيا والرغبة فى الآخرة قليل. قال: والراحلة سميت بذلك لأنها ترحل، فهى فاعلة بمعنى مفعولة، كعيشة راضية، أى مرضية، وماء دافق، [أى] (¬3) مدفوق. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) فى هامش ح. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

45 - كتاب البر والصلة والآداب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 45 - كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ (1) بَاب بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّهُمَا أَحَقُّ بِهِ 1 - (2548) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ الثَّقَفِىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِى؟ قَالَ: " أُمُّكَ ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ أُمُّكَ ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ أُمُّكَ ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ أَبُوكَ ". وَفِى حَدِيثِ قُتَيْبَةَ: مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى؟ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّاسَ. 2 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قوله للذى قال له: من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال: " أمك ". قَالَ: ثم من؟ قال: " أمك " قالها ثلاثًا، قال ثم [من] (¬1)؟ قال: " أبوك، ثم أدناك فأدناك " لكنه تأكيد حق الأم وأمانة مبرتها على مبرة الأب؛ لكثرة تكلفها له من الحمل، ومشقة الوضع، ومعاناة الرضاع والتربية، ثم الأب ثم تنزيل ذلك فى القرابة على الأقرب فالأقرب. وفيه تنزيل الناس منازلهم، وأن يوفى كل أحد حقه على قدر قرباه وحرمته ورحمه. وقد اختلف العلماء فيما بين الأب والأم، فقيل: يجب أن يكون برهما سواء، وتأول أن هذا اختيار مالك، ومذهبه، وروى الليث أن حق الأم آكد، وأن لها ثلثى البر. وذكر المحاسبى أن تفضيل الأم على الأب فى البر إجماع العلماء. ولا خلاف أن الآباء والأمهات آكد حرمة فى البر ممن عداهما. وتردد بعضهم بين الأجداد والإخوة لقوله: " ثم أدناك فأدناك ". قال الإمام أبو بكر الطرطوشى: ولم أجد نصًا للعلماء فى الأجداد، والذى عندى أنهم لا يبلغون مبلغ الآباء، واستدل سلف اسم الأبوة عنهم فى الحقيقة، ولقوله تعالى: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} (¬2)، ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) الإسراء: 23.

أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: " أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ". 3 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُمَارَةَ وَابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ: وَزَادَ: فَقَالَ: " نَعَمْ، وَأَبِيكَ، لَتُنَبَّأَنَّ ". 4 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ح وحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. فِى حَدِيثِ وُهَيْبٍ: مَنْ أَبَرُّ؟ وَفِى حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ: أَىُّ النَّاسِ أَحَقُّ مِنِّى بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 5 - (2549) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان حكم الأجداد حكم الآباء لقاله بلفظ الجمع، ولقوله: " أمك، ثم أباك فأدناك "، وفى حديث آخر: " أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك، ثم أدناك فأدناك ". قال: فتقبل - عليه الصلاة والسلام - الجواب ورتب الإخوة بعد الآباء. واحتج أيضًا بقوله: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (¬1)، قال: والتربية لا تكون إلا للوالدين. قال القاضى: والذى عندى خلاف ما ذهب إليه كله، والمعروف من قول مالك - ومن وافقه من أهل العلم من أصحابه وغيرهم - لزوم بر الأجداد، وتقديمهم وقربهم من بر الآباء. وقد رأى مالك وأصحابه أنه لا يقتص من الجد فى ابن ابنه إلا أن يفعل به مالا يشك في قصده قتله كالأب سواء. وكذلك قالوا فى الجهاد بغير إذنهما لا يجوز كالآباء. وكذلك اختلفوا فى تغليظ الدية عليه فى عمد قتله، وفى قطعهم فى السرقة من مال فقرائهم. وأما الحديث الذى احتج به من قوله: " أمك وأباك، وأختك وأخاك ومولاك " فهو ¬

_ (¬1) الإسراء: 24.

الْقَطَّانَ - عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِى الْجِهَادِ. فَقَالَ: " أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ ". (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ، سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. قَالَ مُسْلِم: أَبُو الْعَبَّاسِ اسْمُهُ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ الْمَكِّىُّ. 6 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. ح وحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ. ح وحَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ الْجُعْفِىُّ، عَنْ زَائِدَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، جَمِيعًا عَنْ حَبِيبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (...) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ؛ أَنَّ نَاعِمًا - مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ - حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حجة عليه؛ لأنه لما لم يذكر الأجداد وقد ذكر الموالى، دل أنهم داخلون في عموم الآباء. قوله - عليه السلام - للذى قال له: أبايعك على الهجرة والجهاد، وقوله له: " أبتغى الأجر؟ ارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما "، وفى الحديث الآخر: " وفيهما (¬1) فجاهد ": يحتمل أن هذا كان بعد الفتح وسقوط فرض الهجرة والجهاد، وظهور الدين، أو كان ذلك من الأعراب وغيره كانت تجب عليه الهجرة، فرجح بر والديه (¬2) وعظيم حقهما، وكثرة الأجر على برهما، وأن ذلك أفضل من الجهاد، وحسبك بهذا، ولم ير أهل العلم الجهاد إلا بإذنهما. واختلف إذا كانا مشركين. فقال الثورى: هما كالمسلمين. وقال الشافعى: له الغزو بغير إذنهما. قال أهل العلم: وهذا ما لم يتعين فرضه ويلزم النفير. وهذا لا إذن فيه لهما. ولا خلاف فى وجوب بر الوالدين وأن عقوقهما من الكبائر. وقد مرَّ منه أول الكتاب. وقوله فى الباب حديث أبى كريب: أنبأنا ابن بشر عن مسعر. كذا لهم، وفى كتاب ¬

_ (¬1) فى ح: ففيهما. (¬2) فى ز: الوالدين، والمثبت من ح.

عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِىِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِى الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ. قَالَ: " فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَىٌّ؟ ". قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا. قَالَ: " فَتَبْتَغِى الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بشر بن أبى على عن العذرى: حدثنا ابن يونس، وهو وهم وغلط. وابن بشر هذا هو محمد بن بشر بن الفرافضة أبو عبد الله العبدى، من عبد قيس كوفى، خرج عنه البخارى ومسلم.

(2) باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها

(2) بَاب تَقْدِيمِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا 7 - (2550) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِى صَوْمَعَةٍ. فَجَاءَتْ أُمُّهُ. قَالَ حُمَيْدٌ: فَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ صِفَةَ أَبِى هُرَيْرَةَ لِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهُ حِينَ دَعَتْهُ، كَيْفَ جَعَلَتْ كَفَّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَيْهِ تَدْعُوهُ. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمُّكَ، كَلِّمْنِى. فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّى. فَقَالَ: اللَّهُمَّ، أُمِّى وَصَلَاتِى. فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ. فَرَجَعَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِى الثَّانِيَةِ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمُّكَ، فَكَلِّمْنِي. قَالَ: اللَّهُمَّ، أُمِّى وَصَلَاتِى. فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ. فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ، إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ، وَهُوَ ابْنِى، وَإِنِّى كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِى. اللَّهُمَّ، فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: وذكر مسلم حديث جريج العابد وأن أمه دعته ليكلمها وهو يصلى، فلم يقطع صلاته، وأنها فعلت ذلك ثلاثة أيام، فدعت عليه، قال الإمام: ذكر أنها دعت عليه [أنه] (¬1) لا يموت حتى تريه المومسات. قال: " ولو دعت عليه أن يفتن لفتن ". وهذا مما ينبغى أن يتأصل؛ لأنه إن كان تماديه على الصلاة هو أولى من إجابة أمه، فإنه غير عاصٍ فى فعله، ولا ملوم فكيف تدعو عليه فيستجاب دعوتها فيه، وهو لم يظلمها، وإن كان عنده أنَّ قطع الصلاة هو الواجب فى شرعه، فحينئذ يكون ملومًا. على أن قوله: " اللهم أمى وصلاتى " يؤذن بتردده فى هذا، وإنه لم يكن ذلك عنده شرعًا بينًا، ولعل أمه تأولت أنه عقها؛ فدعت عليه فوافق القدر. وكذلك قوله - عليه الصلاة والسلام -: " لو دعت عليه أن يفتتن لفتن " يكون ذلك بمعنى أنه كان سبق فى معلوم الله تعالى أن يفتن بدعائها، إلا أن يكون عاصيًا بالتمادى فلا يحتاج ذلك إلى اعتذار. وهذا الحديث على صحته يؤكد قول الأشعرية فى إثبات كرامات الأولياء. وانخراق العادة لهم. ¬

_ (¬1) فى ح: أن.

قَالَ: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ. قَالَ: وَكَانَ رَاعِى ضَأْنٍ يَأْوِى إِلَى دَيْرِهِ. قَالَ: فَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَرْيَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا الرَّاعِى، فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا. فَقِيلَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ صَاحِبِ هَذَا الدَّيْرِ. قَالَ: فَجَاؤُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَنَادَوْهُ فَصَادَفُوهُ يُصَلِّى، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ. قَالَ: فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ إِلَيْهِمْ. فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هَذِهِ. قَالَ: فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَ الصَّبِىِّ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَبِى رَاعِى الضَّأْنِ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ قَالُوا: نَبْنِى مَا هَدَمْنَا مِنْ دَيْرِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَابًا كَمَا كَانَ. ثُمَّ عَلَاهُ. 8 - (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِى الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: يَارَبِّ، أُمِّى وَصَلَاتِى. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّى. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: يَارَبِّ، أُمِّى وَصَلَاتِى. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّى. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: أَىْ رَبِّ، أُمِّى وَصَلَاتِى. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ. فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ، لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ليس فى الحديث أنه كان فى فريضة من صلاته، أو لعل شرعهم كان لا يحل فيه قطع النافلة لشىء من الأشياء، ودليله قوله: " أمى وصلاتى "، وظاهره عندى تقابل الفرضين عنده من إيثار الصلاة. وقد كان يقدر على تخفيف ذلك وإجابتها لو لم يكن كلامها، لكنه لعله خشى أن يدعوه إلى النزول عن صومعته وكونه معها. أو خشى أن مفاتحتها بالكلام تسبب الأنس لغير من انقطع له، ويحل عزمه ويضعف عقده فيما التزمه. ولعل شرعه كان حينئذ يوافق ذلك أو يخالفه. ولا شك عندنا أن بر أمه فرض [والعزلة] (¬1) وصلوات النوافل طول نهاره وليله ليست بفرض، والفرض مقدم. ولعله غلط فى إيثار صلاته وعزلته على إجابة أمه، فكذلك ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِىٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا. فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ. قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا. فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِى إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ. فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِىِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِىُّ؟ فَجَاؤُوا بِهِ. فَقَالَ: دَعُونِى حَتَّى أُصَلِّىَ. فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِىَّ فَطَعَنَ فِى بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلَامُ، مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِى. قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ. وَقَالُوا: نَبْنِى لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا. وَبَيْنَا صَبِىٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ، وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ، اجْعَلْ ابْنِى مِثْلَ هَذَا. فَتَرَكَ الثَّدْىَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ. قَالَ: فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِى ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ أجاب الله دعوتها فيه عقاباً له. وقوله: " ديره ": الديرة: كنائس ينقطع فيها عباد النصارى، وهو نحو من قوله: " صومعته "، والصومعة: منارة للرهبان، ينفردون فيها وينقطعون عن الوصول إليهم والدخول عليهم. والمومسات: الفواجر مجاهرة، واحدها مومسة، ويجمع مياميس أيضًا. وقوله: " امرأة يتمثل بحسنها ": أى يضرب به المثل. وقولهم: " نبنى لك صومعتك بالذهب والفضة. قال: لا، ولكن أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا ": احتج به من يرى أن فى المتلفات كلها أمثالها، وأن من هدم حائطًا فعليه بناء مثله، وهو مذهب الكوفيين والشافعى وأبى ثور فى الحائط. وفى العتبية عن مالك مثله. ومذهب أهل الظاهر فى كل متلف. هذا ومشهور مذهب مالك وأصحابه، وجماعة من العلماء إلى أن فيه وفى سائر المتلفات المضمونات القيمة، إلا ما يرجع إلى الوزن والكيل. ولا حجة لأولئك بهذا الحديث؛ لأنه فى شرع غيرنا، وليس فيه أن نبينا أمر بذلك. ولعله بتراضيهما، ألا ترى قولهم: " نبنيها لك بالذهب ": وهذا كان من طيب أنفسهم،

فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا. قَالَ: وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ، سَرَقْتِ. وَهِىَ تَقُولُ: حَسْبِىَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْ ابْنِى مِثْلَهَا. فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، اجْعَلْنِى مِثْلَهَا. فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ. فَقَالَتْ: حَلْقَى، مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ، اجْعَلْ ابْنِى مِثْلَهُ. فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ. وَمَرُّوا بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ، سَرَقْتِ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْ ابْنِى مِثْلَهَا. فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ، اجْعَلْنِى مِثْلَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك بناؤها بالطين. واحتج بعضهم به على المطالبة بالدعوة ولا دليل فيه؛ إذ لم [يطلب] (¬1) بذلك نبى ولا من يقتدى به، ولو كان ذلك لعله فى شرع غيرنا. والظاهر من الحديث ظلم جميعهم له أولاً، وأن من سعى فى ذلك لم يكن ممن يتقى الله، فلا حجة فيه، ألا ترى كيف قالت لهم البغى: " إن شئتم لأفتننه لكم " فلم ينكروا عليها، ومثل هذا لا يرضاه ذو دين فى أحد من الناس، ولا يحل له المساعدة عليه، فكيف فى عابد متبتل، ألا تراهم كيف بادروا إلى تصديقها وضربوه وآذوه ولم يسمعوا قوله حتى أراهم الآية! ولو ادعت امرأة مثل هذا عندنا على أحد من المسلمين حدت له؛ للقذف ولزناها، ولم يقبل منها دعواها، ولم يلحقه تبعة بقولها، إلا أن تأتى به متعلقة تدمى مستغيثة لأول حالها، وكان ممن لم يشهر بخير ولا عرف بزنا. وأما إن جاءت متعلقة بمن لا يليق به ذلك فلا شىء عليه. واختلف عندنا فى حدها لقذفه، فقيل: تحد. وقيل: لا تحد لما بلغت من فضيحة نفسها، ولا حد عليها للزنا. ولبعض أصحابنا فى المشتهرة بذلك - مثل صاحبة جريج - أنها تحد للزنا على كل حال، ولا تصدق بتعلقها وفضيحتها نفسها؛ لأنها لم تزل مفتضحة بحالها وهذا صحيح بيّن فى النظر. [وفى] (¬2) حديث جريج استنقاذ الله عباده الصالحين من أيدى ظلمتهم بآية يظهرها لهم. وفيه أن الكرامات تأتى باختيار الأولياء وطلبهم لها، خلاف مقالة من قال: إنها تكون على غير الاختيار. واختلف شيوخنا، هل يصح أن يأتى التحدى على الولاية؟ فمنعه بعضهم لإختصاص التحدى بالنبوة، وأجازه آخرون. والصحيح جوازه؛ لأن التحدى الذى هو من شرط آية ¬

_ (¬1) فى ح: يطالبه. (¬2) هكذا فى ز، وفى ح بدون واو.

قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ. وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا: زَنَيْتِ، وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ، وَلَمْ تَسْرِقْ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ، اجْعَلْنِى مِثْلَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ النبوة إنما هو تحدٍّ على النبوة، وهذا إنما هو تحدٍّ على الولاية، [فلا يشبهه] (¬1) فى ذلك، وكلّ مختص ببابه. وفيه إن الكرامات تجرى على أيدى الأولياء بخرق العادات وغيرها، فى أمتنا وغيرها خلافًا لمن ذهب من شيوخنا أنها لا تصح فى أمتنا منها ما كان من خرق العادات وقلب الأعيان، وإنما يصح فى مثلها إجابة الدعوة، وأن زمن بنى إسرائيل كان زمن خرق عادة وأيام نبوة ولا نبى بعد محمد و [هذا] (¬2) ولا تحقيق ورائه. وفيه إجابة دعوة الآباء والأمهات، وتشديد الحذر من ذلك، ومن سخطهم. وفى هذا الحديث فى كتاب البخارى: " فتوضأ وصلى " (¬3). ففيه حجة أن الوضوء كان فى غير هذه الأمة. ورد على من ذهب إلى أنه مختص بها، وتصحيح لتأويل اختصاصهم بالغرة والتحجيل به دون غيرهم، وقد بيناه فى كتاب الوضوء. قوله: " مر راكب على دابة فارهة وشارة حسنة "، قال الإمام: الشارة: الهيئة واللباس، يقال: ما أحسن ثوار (¬4) الرجل وشارته، أى لباسه وهيئته. قال ابن الأعرابى: الشورة: الجمال بضم الشين. والشورة بالفتح: الخجل. وقوله: " حلقى " مر تفسيره فى الحج. قال القاضى: الشوار هنا بالفتح كما يفسر، وأما الشورة: الجمال، بالفتح والضم معًا. وشوار البيت: متاعه بالكسر، وشوار الرجل: مذاكيره بالفتح. وفى تمثيل النبى رضاع الصبى ودعاء أم جريج له، جواز حكايات الأحوال؛ إذ لم يكن على طريق السخرية والمجون، وكان لبيان علم وزيادة فائدة. ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، وفى ح: فلا شبهة. (¬2) من ح. (¬3) البخارى، ك الأنبياء، ب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ} 4/ 201. (¬4) فى ز: شار، والمثبت من ح.

(3) باب رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة

(3) بَاب رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عِنْدَ الْكِبَرِ فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ 9 - (2551) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ". قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ ". 10 - (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ". قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، حَدَّثَنِى سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَغِمَ أَنْفُهُ " ثَلَاثًا. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما، فلم يدخل الجنة ": فيه فضل البر وعظيم أجره، وأن برهما يدخله الجنة. فمن فاته ذلك وقصر فيه فقد فاته خير كثير. وظاهره أن برهما مكفر لكبير (¬1) من السيئات وراجح بها، وأنه لا يمنعه دخول الجنة إلا التقصير فى حقهما، أو التكثير من الكبائر التى ترجح برهما فى ميزانه، لاسيما [إذا] (¬2) أدركهما عند الكبر، وضعفا عن الكسب والتصرف، واحتاجا إلى خدمتهما والقيام عليهما. قال الإمام: " رغم أنف ": أى ذل. قال ابن الأنبارى: الرغم: كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه، وقال ابن الأعرابى وأبو عمرو: " رغم أنفه ": أى لصق بالرغام، وهو تراب مختلط برمل. والرغم أيضًا: المساءة والغضب. يقال: فعلت ذلك على رغم فلان، أى [على] (¬3) غضبته ومساءته. قال القاضى: ويقال: رغم معناه: كره، وقيل: ذل وخزى. ويقال: رغم أنفه، بالكسر والفتح، وهو الرَّغم والرُّغم والرِّغم بالفتح والضم والكسر. ¬

_ (¬1) فى ح: لكثير. (¬2) فى ز: أن، والمثبت من ح. (¬3) من ح.

(4) باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما

(4) بَاب فَضْلِ صِلَةِ أَصْدِقَاءِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَنَحْوِهِمَا 11 - (2552) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِى الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ. فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ! إِنَّهُمْ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ، صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ". 12 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ ". 13 - (...) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن أبا هذا كان ودّاً لعمر ": رويناه بالكسر والضم. يقال: هو ود [بالكسر] (¬1) و " ود " بدل، أى ذو مودة، مثل حبة وحبيبة. والوِد، والوَد كله مصدر ووددت الرجل، ومثله مودة مودودة، وودادة، وودادًا ودادٍ. وقوله: " كان له حمار يتروح عليه إذا ملَّ ركوب الراحلة " بالراء والحاء المهملة، قال الإمام: أى يسير عليه، يقال: تروح القوم: إذا ساروا أىّ وقت كان. وفى الحديث: " من راح إلى الجمعة " (¬2)، أى من خف إليها. ولم يرد " رواح النهار ". وهكذا قال الهروى، ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) البخارى، ك الجمعة، ب فضل الجمعة 2/ 3، أبو داود، ك الطهارة، في الغسل يوم الجمعة (315)، النسائى: ك الجمعة، ب وقت الجمعة (1388).

إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ. فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِىٌّ. فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ؟ قَالَ: بَلَى فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا. وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِىَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ! فَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ مِنْ أَبَرَّ الْبِرِّ، صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وِدِّ أَبِيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلِّىَ "، وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قدمنا نحن الكلام على مقتضى قوله: " من راح " واختلاف المذهب فيه فى موضعه من الكتاب. قال القاضى: الأشبه عندى فى هذا الموضع أن يكون من الاستراحة، ألا تراه كيف قال: " إذا مثل ركوب الراحلة "؟ وأنه يستريح بتبديل مركبه، وهذا موجود معلوم. والراحة والروح والرواح بمعنى. قاله صاحب العين والجمهرة. وقوله " إن أبر البر، صلة الرجل أهل ود أبيه ": هو مما تقدم، والصلة واللطف والتحفى أحد معانى البر على ما تقدم. ومن أبر البر الوفاء لمن يلزم بره بصلة من كان يبره. هو كما قال - عليه السلام - في خبر خليلة خديجة: " إن حسن العهد من الإيمان " (¬1)، وفى الرواية الأخرى: " أن يصل ود أبيه "، [بضم الواو] (¬2)، أى وداده. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأدب، ب حسن العهد من الإيمان 8/ 10، وسبق فى مسلم فى فضائل الصحابة، فضل خديجة أم المؤمنين برقم (74)، الترمذى، ك البر والصلة، ب ما جاء فى حسن العهد من الإيمان برقم (2017). (¬2) من ح.

(5) باب تفسير البر والإثم

(5) بَاب تَفْسِيرِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ 14 - (2553) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِىِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟ فَقَالَ: " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِى صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ". 15 - (...) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ صَالِحٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ، قَالَ: أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةً، مَا يَمْنَعُنِى مِنْ الْهِجْرَةِ إِلَّا الْمَسْأَلَةُ. كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَىْءٍ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْبِرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: عن النواس بن سمعان الأنصارى، كذا فى النسخ كلها فى هذا الحديث، وقد جاء فى غير هذا الموضع " الكلائى ". قال الحافظ أبو على الجيانى: هذا وهم، وصوابه الكلابى. قال الإمام: المشهور فى نسب بن سمعان " الكلابى "، إلا أن يكون حليفًا للأنصار، وهو النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قريط بن عبد الله بن أبى بكر بن كلاب، كذا نسب العلائى عن يحيى بن معين. وقوله: " ما حاك فى صدرك ": قال الليث: الحيك: أخذ القول قلبك، يقال: ما يحيك القول فى فلان، ولا يحيك الفأس والقدوم فى هذه [الشجرة] (¬1). قال شمر: الكلام الحائك: الراسخ فى القلب. قال القاضى: قيل: معنى " ما حاك ": رسخ، وقيل: تحرك. وقال الحربى: هو ما يقع (¬2) فى القلب، ولا ينشرح له الصدر، ويخاف فيه الإثم. كذا الرواية: حاك يحيك، ويقال: حك يحك، واحتك يحتك. قال الخليل: والحكاكات المآثم، وما حاك كلامك فى فلان: أى ما يحصل ولا أثر. و " أحاك " لغة، قالها صاحب العين، وأنكرها ابن دريد. وقال أبو عبيد: " الإثم ما حك فى صدرك " يقال: حك الشىء فى صدرى، أى لم ينشرح به، وبقى فى قلبك منه شىء. وقال بعضهم: حاك ورسخ وحك: وقع ولم ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى ح: وقع.

وَالْإِثْمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِى نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يطمئن إليه قلبك. وقد جاء فى حديث آخر: " الإثم ما حاك فى نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس " إشارة إلى ما استقبحته نفسك، ولم ينشرح لك، على ما تقدم. وقوله: " والبر حسن الخلق ": البر بمعنى الصلة كما تقدم، وبمعنى الصدق، بمعنى اللطف والمبرة، والتحفى وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة. وهذه جماع حسن الخلق. وأما قول النواس: " ما منعنى من الهجرة إلا المسألة، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن شىء " فمعناه عندى - والله أعلم -: أن من لم يهاجر من الأعراب كانوا يجهلون (¬1)، ويجعلهم المهاجرون يسألون لحملهم على الجفاء، وكونهم أعراب. وقد جاء نحو هذا مفسرًا فى حديث ضمام (¬2). ¬

_ (¬1) فى ح: يحتملون. (¬2) سبق فى ك الإيمان، ب بيان الصلوات التى هى أحد أركان الإسلام برقم (8).

(6) باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها

(6) بَاب صِلَةِ الرَّحِمِ وَتَحْرِيمِ قَطِيعَتِهَا 16 - (2554) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ مُعَاوِيَةَ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى مُزَرِّدٍ، مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ - حَدَّثَنِى عَمِّى أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ. أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (¬1) ". 17 - (2555) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِأَبِى بَكْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِى وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِى قَطَعَهُ اللَّهُ ". 18 - (2556) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة "، وقوله: " الرحم معلقة بالعرش ": اعلم أن الرحم التى توصل وتقطع ويتوجه فيها البر والإثم إنما هى معنى من المعانى، وليست بجسم، وإنما هى القرابة والنسب، واتصال مخصوص تجمعه رحم والدة، فسمى ذلك الاتصال بها. والمعانى لا توصف بقيام ولا كلام ولا يصح منها. وذكر مقامها وتعلقها هنا ضرب مثل، وحسن استعارة على مجاراة كلام العرب لتعظيم شأن حقها، وصلة المتصفين بها المتواصلين بسببها، وعظم إثم مقاطعتهم وعقوقهم؛ ولذلك سمى عقوقها قطعًا وهو معنى العقوق. والعق: الشق، كأنه قطع ذلك النسب الذى يصلهم ¬

_ (¬1) محمد: 22 - 24.

قَالَ ابْنُ أَبِى عُمَرَ: قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِى قَاطِعَ رَحِمٍ. 19 - (...) حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ الزُّهْرِىِّ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ". (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ به، أو قيام ملك من ملائكة الله تعالى وتشبثه بالعرش وكلامه عنها ذلك الكلام بأمر الله تعالى. وأما قوله: " لا يدخل الجنة قاطع رحم " فمعناه: أمرًا ما أن جازاه الله وعاقبه، كما جاء فى غير حديث فى أصحاب الذنوب حتى يعاقبوا عليها إما بدخول النار أولاً، [وإما] (¬1) بإمساكه مع أصحاب الأعراف، أو بطول حسابه ومناقشته على ذلك، والسابقون وأصحاب الجنة يتنعمون حينئذ، أو يكون فعل ذلك [مستحلاً، كما] (¬2) قيل فى غير ذلك من قاتل النفس، وغيره من المذنبين. وقوله: " من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ": الصلة: العطف والحنان والرحمة. وصلة الله لعباده رحمتُه لهم وعطفه بإحسانه، ونعمه عليهم، أو صلته له بأهل ملكوته، والرفيق الأعلى، وقربه منهم جل اسمه بعظيم منزلته عنده، وشرح صدره لمعرفته. ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة على الجملة، وقطعها (¬3) كبيرة. والأحاديث فى هذا الباب من منعه الجنة يشهد لذلك، ولكن الصلة درجات، بعضها [فوق] (¬4) بعض، وأدناها ترك المهاجرة. وصلتها ولو بالسلام كما قال - عليه الصلاة والسلام. وهذا بحكم القدرة على الصلة وحاجتها إليها، فمنها ما يتعين ويلزم، ومنها ما يستحب ويرغب فيه، وليس من لم يبلغ أقصى الصلة يسمى قاطعًا، ولا من قصر عما ينبغى له ويقدر عليه يسمى واصلاً. واختلف في حد الرحم التى يجب صلتها، فقال بعض أهل العلم: هى كل رحم محرميّة مما لو كان أحدهما ذكراً حرم عليه [نكاح (¬5) الآخر، فعلى هذا لا يجب فى بنى ¬

_ (¬1) فى ح: أو. (¬2) فى هامش ح. (¬3) فى ح: وقطيعتها. (¬4) فى ح: وأرفع. (¬5) فى ز: مكان، والمثبت من ح.

20 - (2557) حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ فِى أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ". 21 - (...) وحَدَّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ". 22 - (2558) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمام وبنى الأخوال وبنى العمات. واستدل على قوله بتحريم الجمع بين الأختين والمرأة وعمتها وخالتها مخافة التقاطع، وجواز ذلك بين بنى العم والخال. وقيل: بل هذا فى كل ذى رحم ممن ينطلق عليه ذلك فى ذوى الأرحام فى المواريث، محرميًّا كان أو غيره. وقد جاء في أثر: أن الله يسأل عن الرحم ولو بأربعين، ويدل على هذا قوله - عليه الصلاة والسلام -: " ومولاك، ثم أدناك فأدناك " (¬1). وقوله: " من سره أن يبسط له فى رزقه، وينسأ فى أثره، فليصل رحمه ": بسط الرزق: سعته، قيل ذلك بتكثيره، وهو الأظهر، وقيل بالبركة فيه. والنسأ: التأخير. والأثر: الأجل. سمى بذلك لأنه تابع الحياة. ومعنى التأخير هنا فى الأجل - مع أن الآجال لا يزاد فيها ولا ينقص، وهى مقدرة فى علم الله - قيل: هو بقاء ذكره الجميل بعده على الألسنة موجودًا، فكأنه لم يمت. وقيل: هذا على ما سبق به العلم والقدر أنه إن وصل رحمه فأجله كذا، وإن لم يصل فكذا. وفى علم الله - تعالى - أنه لابد له من أحد الحالين، على ما سبق له فى أم الكتاب. وهذا مثل ما سبق من السعادة والشقاوة، مع تكليف العمل والطاعة، ونهيه عن المعصية، وقد سبق له في أم الكتاب ما سبق من سعادة أو شقاوة؛ ولذلك قال العامل: فلم العمل؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: " اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له " (¬2). وهذا هو الوجه الصحيح فى الحديث. قوله [فى] (¬3) الذى قطعه أهل رحمه وهو يصلهم: " كأنما تسفهم المل ": أى ¬

_ (¬1) سبق فى حديث رقم (2) من هذا الكتاب. (¬2) البخارى، ك التفسير، ب سورة {وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} 6/ 211، الترمذى، ك القدر، ب ما جاء فى الشقاء والسعادة 4/ 388 برقم (2361)، أحمد 1/ 82، كلهم عن على بن أبى طالب. (¬3) من ح.

يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِى قَرَابَةً، أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِى، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. فَقَالَ: " لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يسقيهم الرماد [أى] (¬1) الحار. سفهم من السفوف. كذا ضبطنا هذا الحرف عن شيوخنا، وفى بعض نسخ مسلم القديمة: " كأنما يسقيهم الماء "، وهو خطأ وتصحيف لا معنى له. والمل: التراب المحمى الذى يدفن فيه الخبز وهو المل أيضًا. وقيل: المل: الجمر. وروى فى غير هذا الحرف: " كأنما يسفيهم " بالفاء، أى يرمى فى وجوههم ذلك، يريد: أنك بإحسانك إليهم تخزيهم وتحقرهم فى أنفسهم، [وتبلى قلوبهم برؤيتهم حسن فعلك معهم، وقبح مكافأتهم، فهم من الخزى عند أنفسهم] (¬2) عند ذلك كمن يرمى فى وجهه التراب والرماد المحمى. ونكاية القلوب كمن سقا الجمر أو الرماد المحمى، أو أن ذلك الذى يأكلونه من رفدك وإحسانك كمن يأكل ذلك ويحرق به أحشاءه. وقوله: " ولا يزال معك ظهير من الله عليهم ": أى معين وكاف لأذاهم. وقوله: " وأحلم عنهم ويجهلون ": أى يسبوننى. والجهل: القبح من القول فى مثل هذا. ¬

_ (¬1) زائدة فى ز. (¬2) فى هامش ح.

(7) باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر

(7) بَاب تَحْرِيمِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّدَابُرِ 23 - (2559) حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ ". (...) حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِىُّ عَنْ الزُّهْرِىُّ، أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. ح وحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: " وَلَا تَقَاطَعُوا ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا " الحديث، قال الإمام: قوله - عليه الصلاة والسلام -: " لا تباغضوا، ولا تدابروا ": التدابر: المعاداة، يقال: دابرت الرجل: عاديته. وقيل: معناه: لا تقاطعوا ولا تهاجروا؛ لأن المتهاجرين إذا ولى أحدهما عن صاحبه فقد ولاه دبره. وقوله: " ولا تجسسوا، ولا تحسسوا " (¬1): التحسس عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال فى الشر. والجاسوس: صاحب سر الشر. قال ثعلب: التحسس بالحاء: أن تطلبه لنفسك، وبالجيم طلبه لغيرك. وقال غيره: التجسس بالجيم: البحث عن العورات، وبالحاء: الاستماع. قال القاضى: قال بعض أصحاب المعانى: " لا تباغضوا " إشارة الى النهى عن الأهواء المضلة الموجبة للتباغض والتخالف. ¬

_ (¬1) حديث رقم (30) من هذا الكتاب.

الْإِسْنَادِ. أَمَّا رِوَايَةُ يَزِيدَ عَنْهُ فَكَرِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِىِّ. يَذْكُرُ الْخِصَالَ الْأَرْبَعَةَ جَمِيعًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: " وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا ". 24 - (...) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى " تنافسوا ": أى ساروا في الحرص على الدنيا وأسبابها والرغبة في ذلك لا فى غيرها من سبل الخير. وقيل: " لا تدابروا ": أى لا تجادلوا ولا يبغى بعضكم لبعض الغوائل، [بل] (¬1) تعاونوا على البر والتقوى، وكونوا عباد الله إخواناً فى التعاون على ذلك، لا يترفع بعضكم على بعض. وقيل: التحسس والتجسس سواء، وفى المنافسة معنى من معانى المحاسدة. وفيه: " لا تناجشوا ". [من النجش] (¬2)، وهو هنا - والله أعلم - فى غير البيع؛ لأنه فى البيع: الزيادة فى ثمن السلعة ولا يريد شراءها، [فإنما هو] (¬3) من ذم بعضهم بعضاً. وقد قيل: النجش: التنفير عن الشىء. والنجش: الإطراء. ومنه: نجش الوحش، وهو تنفيرها من مكان إلى غيره، فكأنه ينفر القلوب عنه، أو يكون بمعنى تتنافر قلوبكم، مثل تقاطعوا وتدابروا سواء. لكن فى بعضها: "ولا يبع بعضكم على بيع بعض" فهذا يوافق [معناه؛ لمناجشته] (¬4)، ويكون من الزيادة أو من التنفير عن سلعة غيره باطراء سلعته. قوله: " لا تهاجروا " (¬5): كذا عند ابن ماهان، ورويناه من طرقنا عن الجلودى: " تهجروا "، وضبطناه عن أبى بحر: " تهجروا " بكسر التاء والهاء والجيم. ومعنى الكلمة: لا تهتجروا، أو يكون تقولوا (¬6) من الهجر بمعنى: تهاجروا، ومن هجر الكلام وهو ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) و (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى ح: معنى المناجشة. (¬5) حديث رقم (29) من هذا الكتاب. (¬6) فى ح: تفتعلوا.

(...) حَدَّثَنِيهِ عَلِىُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِىُّ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: " كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الفحش منه، أى لا تتساببوا (¬1) وتتقابحوا، وكذلك جاء بعد هذا فى رواية قتيبة " إلا المتهاجرين " (¬2) على ما ذكرناه. وعند الهوزنى: " المتهجرين ". ¬

_ (¬1) فى الأبى: تتسابوا. (¬2) فى ح: المهتجرين.

(8) باب تحريم الهجر فوق ثلاث، بلا عذر شرعى

(8) بَاب تَحْرِيمِ الْهَجْرِ فَوْقَ ثَلَاثٍ، بِلَا عُذْرٍ شَرْعِىٍّ 25 - (2560) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الْأَنْصَارِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ". (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وحَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ الزُّبَيْدِىِّ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِىِّ. بِإِسْنَادِ مَالِكٍ، وَمِثْلِ حَدِيثِهِ. إِلَّا قَوْلَهُ: " فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا " فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا قَالُوا فِى حَدِيثِهِمْ، غَيْرَ مَالِكٍ: " فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا ". 26 - (2561) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ - وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ - عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا هجرة بعد ثلاث "، " ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ": مقتضاه من دليل الخطاب أن الهجرة فى الثلاث معفو عنها، وإنما الحرج فيما بعد ثلاث؛ إذ لابد للبشر من مغاضبة، وسوء خلق، ووجد لأمر يقع بينهم، فعفى عن الثلاث. وقد يحتمل السكوت عن حكمها لتتلطف فى الشرع والنهى على ما ورائها، وهذا على من لا يقول بدليل الخطاب من الأصوليين. وقوله: " وخيرهما الذى يبدأ بالسلام ": يحتج به من يرى أن السلام يقطع الهجرة، ويزيل الحرج، وإن لم يكلمه. وهو قول مالك وغيره. وقال أحمد بن حنبل وابن القاسم: إن [كان] (¬1) يؤذيه فلا يقطع السلام هجرته. وعندنا أنه إذا اعتزل كلامه لم تقبل شهادته ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

27 - (2562) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا هِجْرَةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وإن سلم عليه. ومعنى قوله: " وخيرهما الذى يبدأ بالسلام ": أى أفضلهما وأكثرهما ثواباً. وقوله: " يصد هذا ويصد هذا " مثل قوله: " يعرض هذا ويعرض هذا "، وأصله أن يولى كل واحد منهما الآخر عرضه، وهو جانبه. والصد أيضاً: الجانب والناحية.

(9) باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش، ونحوها

(9) بَاب تَحْرِيمِ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسِ وَالتَّنَافُسِ وَالتَّنَاجُشِ، وَنَحْوِهَا 28 - (2563) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ". 29 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَهَجَّرُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ". 30 - (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ". (...) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَلِىُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ: " لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا، كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ ". 31 - (...) وحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ": قيل: يريد الظن السوء بالناس. قال الخطابى: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك لا يملك، وقال سفيان: الظن الذى يأثم به أن يظن ظناً ويتكلم به، فإن لم يتكلم [لم] (¬1) يأثم. وقيل: يحتمل الحكم فى دين الله بالظن المجرد دون بناء على أصل ولا تحقيق نظر واستدلال. قال الإمام: خرج مسلم فى بعض طرق هذا الحديث: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس؛ أن النبى - عليه الصلاة والسلام - قال: " لا ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تحاسدوا " ثم عقب بعد بقوله (¬1): حدثنيه على بن نصر الجهضمى (¬2)، كذا عند أبى أحمد وهو الصواب، وفى نسخة أبى العلاء: حدثنيه نصر بن على، جعل بدل على بن نصر ابن على. وذكر مسلم بعد هذا بأحاديث: حدثنا الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، ثم أردف على هذا حديث على بن نصر: حدثنا وهب بن جرير، ولم يختلف الشيخ فى هذا الموضع فى هذه المتابعة أنها [عن] (¬3) على بن نصر، وهو أبو الحسن على بن نصر بن على بن نصر الجهضمى، ومات على بن نصر هذا مع أبيه نصر بن على في سنة واحدة سنة خمسين ومائتين، مات الأب في ربيع الآخر، ومات ابنه في شعبان من السنة المذكورة. قال القاضى: هذا ما لخصه من كلام الجيانى - رحمه الله - وقد وافق ابن ماهان على الرواية الأولى فيما قيدناه عن شيوخنا العذرى عن الرازى، والطبرى عن الفارسى، كلاهما عن الجلودى. وإنما قيدنا على بن نصر عن السمرقندى عن الفارسى عن السجزى عن الجلودى. وأما الحديث [الآخر] (¬4) الذى لم تختلف عنده (¬5) فيه النسخ (¬6) [فى] (¬7) على بن نصر عن وهب بن جرير، فأكثر الرواة فيها على ما قال. لكن قيدنا وسمعنا هذا الموضع على القاضى أبى على عن العذرى، وعلى الفقيه أبى محمد عن الطبرى: نصر بن على، كما تقدم لابن ماهان والعذرى والطبرى. قيل: وهم يخطئون قول من قال فى هذين الحديثين: نصر بن على، وإن كان مسلم يروى عن نصر بن على والد على بن نصر [كثيراً، ولم يقع له عن أبيه إلا مواضع قليلة، وروى عن والده على بن نصر] (¬8) أيضاً، وروى البخارى عن على الأسفل نظر، وعلى هذا الأسفل هو على بن نصر بن على بن نصر بن على الجهضمى. وله ذكر قبل وفاة على هذا وابنه نصر وأما جده على بن نصر، فتوفى سنة تسع وثمانين ومائة. ومات أبوه نصر بن على جدهم الأعلى فى آخر أيام أبى جعفر المنصور. ذكر ذلك كله البخارى. وقد كتبنا عن شيوخنا توهيم من قال فى هذين الحديثين: نصر بن على، ولا أدرى لم ذلك. ومسلم قد روى عنهما جميعاً إلا ألا يجعلوا لنصر سماعاً لابن وهب، فليس هذا، ¬

_ (¬1) فى ز: بقبوله. (¬2) هو أبو الحسن على بن نصر بن على بن نصر بن على الجهضمى البصرى الصغير الحافظ، روى عن وهب بن جرير بن حازم وأبى داود الطيالسى وعبد الصمد بن عبد الوارث وغيرهم، وعنه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وغيرهم، وثقه صالح بن محمد، وذكره ابن حبان هو وأبوه فى الثقات، مات سنة خمسين ومائتين. التهذيب 7/ 390، 391. (¬3) من ح. (¬4) فى هامش ح. (¬5) فى ز: غيره، والمثبت من ح. (¬6) فى ز: الشيخ، والمثبت من ح. (¬7) ساقطة من ز. (¬8) فى هامش ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مذهب مسلم وهو معاصر لوهب، وقد سمع منه ابنه على ووفاتهما واحدة على ما تقدم، ففى توهيمهم لهذه الرواية نظر. وقد جاء عنه - أيضاً - فى حديث: " عُذبت امرأة في هرة " (¬1): حدثنا نصر بن على، حدثنا عبد الأعلى. كذا فى كتاب أبى عيسى، وعند أبى بحر وغيره: حدثنا على بن نصر، وفى الباب: حدثنا أبو كامل، حدثنا يزيد بن زريع، وحدثنا محمد بن رافع. وعند ابن حميد كلاهما عن عبد الرزاق وعن معمر عن الزهرى بهذا الإسناد. وأما فى رواية يزيد عنه كذا لأكثر شيوخنا: يزيد عن معمر، وعند الهوزنى وهى رواية ابن ماهان. وأما فى رواية يزيد وعبد بن حميد فالأول إن شاء الله الصواب؛ لقوله: وأما حديث عبد الرزاق. وعنه إنما روى عن عبد الرزاق، فدل أنه لم يذكره قبل. ونهيه عن الهجرة وتأكيده فى ذلك؛ لأنها على الجملة بين المؤمنين محرمة، والألفة واجبة، وفى تقاطعهم فساد أمرهم، وانحلال عقدهم، واضطراب أمر دينهم ودنياهم. ¬

_ (¬1) سيأتى برقم (134) من هذا الكتاب.

(10) باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله

(10) بَاب تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ وَخَذْلِهِ وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ 32 - (2564) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ - يَعْنِى ابْنَ قَيْسٍ - عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا " وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ". 33 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ - مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ - يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ دَاوُدَ. وَزَادَ وَنَقَصَ. وَمِمَّا زَادَ فِيهِ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله " أى لا يترك نصره إذا احتاج إليه، ومعونته فى الحق. وقوله: " ولا يحقره ": كذا رواية السجزى والسمرقندى بالحاء المهملة والقاف، أى لا يتكبر عليه ويستصغره ويذله. ورواه العذرى: " يخفره " بالخاء المعجمة والفاء، وضم الياء أوله. ومعناه: يغدره. يقال: خفرت الرجل إذا أجرته وأمنته، وأخفرته إذا لم تف بذمته وأسلمته وغدَرْته. وبحسب ذلك اختلفوا فى قوله آخر الحديث: " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه "، والصواب من ذلك أن يكون بالقاف من الاستحقار، وكذلك وقع فى غير مسلم بغير خلاف. وروى: " يحتقر ". وقوله: " التقوى هاهنا " وأشار إلى صدره، وفى الحديث الآخر بعده: " إن الله لا ينظر إلى صوركم [وأموالكم] (¬1)، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ": نظر الله هنا: هو رؤية الله لذلك ليجازى عليه ويثيبه، ونظر الله ورؤيته محيطة بكل شىء، وإنما المراد من ذلك [هنا] (¬2) بالتخصيص ما يثيب عليه ويجازى من ذلك، فكل هذا إشارة إلى النيات ¬

_ (¬1) و (¬2) فى هامش ح.

قُلُوبِكُمْ " وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ. 34 - (...) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والمقاصد، وأن المجازى عليه ما كان للقلب فيه عمل من قصد ونية وذكر. قال الإمام: جعل بعض الناس هذا الكلام حجة على أن الفعل محله القلب، وقد تقدم الكلام عليه وذكر كلام الناس فيه مبسوطاً.

(11) باب النهى عن الشحناء والتهاجر

(11) بَاب النَّهْى عَنْ الشَّحْنَاءِ وَالتَّهَاجُرِ 35 - (2565) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ". (...) حَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِىِّ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِإِسْنَادِ مَالِكٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ الدَّرَاوَرْدِىِّ: " إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَةَ. وقَالَ قُتَيْبَةُ: " إِلَّا الْمُهْتَجِرَيْنِ ". 36 - (...) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَرَّةً قَالَ: " تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " تفتح أبواب الجنة يوم الخميس، فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبن أخيه شحناء "، قال القاضى: قال الباجى: معنى فتح أبوابها: كثرة الصفح والغفران فى هذين اليومين، ورفعة المنازل، وإعطاء الجزيل من الثواب، ويحتمل أن يكون على ظاهره، وأن فتح أبوابها علامة على ذلك ودليل عليه. وقوله: " اركوا هذين حتى يفيئا "، قال الإمام: أى أخروهما. قال ابن الأعرابى: يقال: ركاه يركوه: إذا أخره.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِى كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتْرُكُوا - أَوْ ارْكُوا - هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: يؤيد هذا [ما] (¬1) فى الرواية الأخرى: " أنظروا " بمعنى: أخروا. وقد رواه السمرقندى هنا: " اتركوا "، وفى الموطأ (¬2): " اركوا واتركوا ". والشحناء: العداوة والشنآن، كأنه شجن قلبه بغضاً له؛ أى ولاه. ¬

_ (¬1) فى ح: قوله. (¬2) ك حسن الخلق، ب ما جاء فى المهاجرة 2/ 909 (18).

(12) باب فى فضل الحب فى الله

(12) بَاب فِى فَضْلِ الْحُبِّ فِى اللَّهِ 37 - (2566) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِى الْحُبَابِ، سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِى، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِى ظِلِّى يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّى ". 38 - (2567) حَدَّثَنِى عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِى قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِى فِى هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّى أَحْبَبْتُهُ فِى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ". (...) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ: أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ زَنْجُويَهَ الْقُشَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " أين المتحابون لجلالى ": أى لعظيم حقى وطاعتى، لا لغرض كساء. وقوله: " اليوم أظلهم فى ظلى، يوم لا ظل إلا ظلى " إضافة ملك وتشريف. والظلال كلها لله. وقد جاء مفسرًا: " ظل عرشى ". وظاهره كونه فى ظله من الحر والشمس، ووهج الموقف، وأنفاس الخلق، وهو تأويل الأكثر. وذهب عيسى [بن كيسان] (¬1) أن معناه: كفه عن المكاره وإكرامه، وجعله في كنفه وستره. ومنه قولهم: السلطان ظل الله فى الأرض. وقيل: خاصته. وقد يصح فى الحديث الأول هذا التأويل أيضاً، يقال: فلان فى ظل فلان، أى فى كنفه وعزته. وقد يكون هذا الظل عبارة عن الراحة والتنعم، يقال: هو [فى] (¬2) عيش ظليل، أى طيب. وقوله: " إن أخاً زار أخاً له، فأرصد الله له ملكاً على مدرجته ": أى جعله يرقبه على طريقه حتى يمر به، ومدرجة الطريق: قارعته. وقوله: " هل لك عليه من نعمة تربها ": أى تقوم عليها وتسعى فى صلاحها، ¬

_ (¬1) فى ح: بن دينار. (¬2) زائدة فى ح.

عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وتنهض له بسبب ذلك. فقال: لا. وقوله: " فإن الله أحبك كما أحببته ": [فيه] (¬1): محبة الله - تعالى - لعبيده رحمتُه لهم، ورضاه عنهم، وإرادته لهم، وفعله بهم فى ذلك [فعل] (¬2) المحب بحبيبه، ومراده له من الخير. وأصل المحبة: الميل، والله تعالى منزه عن ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من هامش ح. (¬3) مذهب أهل السنة وسلف الأمة هو: إثبات صفة المحبة، كما أثبتها الله لنفسه بلا تأويل ولا تكييف.

(13) باب فضل عيادة المريض

(13) بَاب فَضْلِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ 39 - (2568) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِيَانِ ابْنَ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ - قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِى حَدِيثِ سَعِيدٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَائِدُ الْمَرِيضِ فِى مَخْرَفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " عائد المريض فى مخرفة الجنة " بفتح الميم والراء، وفى الرواية الأخرى: " فى خرفة الجنة " بضم الخاء، وجاء فى الأم من تفسيره: قيل: ما خرفة الجنة يا رسول الله؟ قال: " جناها "، قال الإمام: قال أبو عبيد: قال الأصمعي: واحد المخارف مخرف. وهو جناء النخل، سُمى بذلك لأنه يخترف، أى يجنى. قال شمر: المخرفة: سكة بين صفين من نخل يخترف من أيهما شاء. وقال غيره: المخرفة: الطريق، فمعنى الحديث: أنه على طريق تؤديه إلى الجنة، ومنه قول عمر: " تركتكم على [مثل] (¬1) مخرفة النعم "، أى مثل طريقتها. قال القاضى: وقد قيل: المخرف: البستان الذى فيه الفاكهة تخترف. وقيل: القطعة من النخل. وقال الخطابى (¬2): المخرف بالفتح: الفاكهة نفسها. والمخرف بالكسر: وعاء يجمع فيه ذلك. ومنهم من يفتح الميم فيجعله كالمسجد، والمسجد لموضع السجود ومنهم من يكسرها فيجعله كالمربد. وعيادة المريض من الطاعات المرغب فيها، العظيمة الأجر. وقد جاء فيها هذا الحديث وغيره. وقد يكون من فروض الكفاية، لا سيما المرضى من الغرباء ومن لا قائم عليهم ولا كافل لهم، فلو تركت عيادتهم لهلكوا، وماتوا ضرًا وعطشًا وجوعًا، فعيادتهم تطلع على أحوالهم ويتذرع بها إلى معونتهم، وإعانتهم، وهى كإغاثة الملهوف، وإنجاء الهالك، وتخليص الغريق. من حضرها لزمته، فمتى لم يعادوا لم يعلم حالهم فى ذلك. ولفظة " العيادة " تقتضى التكرار والعود والرجوع إليه مرة بعد أخرى لافتقاد حاله. والعودة: الرجوع، ومنه: العود أحمد. وجاء: عودًا بعد بدء، أى رجع. ويقال: عدت المريض عودًا وعيادة، والياء عندهم منقلبة عن واو. ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) انظر: غريب الحديث 1/ 482.

40 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ - مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ عَادَ مَرِيضًا، لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ ". 41 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ الرَّحَبِىِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ ". 42 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ أَبُو قِلَابَةَ - عَنْ أَبِى الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِىِّ، عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ الرَّحَبِىِّ، عَنْ ثَوْبَانَ - مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ عَادَ مَرِيضًا، لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: " جَنَاهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: خرج مسلم حديث: " من عاد مريضاً لم يزل فى خرفة الجنة حتى يرجع "، خرجه عن حماد بن زيد عن أبى قلابة، ومن حديث هاشم ويزيد بن زريع كلاهما عن خالد الحذاء، عن أبى قلابة أيضاً، عن أبى أسماء. [وذكره مسلم أيضاً من حديث يزيد بن هارون عن عاصم الأحول (¬1) عن قلابة عن أبى أسماء. قال الترمذى: سألت البخارى عن إسناد هذا الحديث فقال: رواه] (¬2) عن عاصم الأحول وأبى غفار عن أبى قلابة، عن أبى الأشعث، عن أبى أسماء، قال: وأحاديث أبى قلابة عن أبى أسماء ليس فيها أبو الأشعث إلا هذا الحديث الواحد. قال الإمام: وذكر الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه قال: وقع أبو قلابة إلى الشام وهو يروى عن أبى الأشعث [وأبى أسماء، وأراه قد سمع منهما، وروى أيضاً عن أبى الأشعث] (¬3) عن أبى أسماء. ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الرحمن عاصم بن سليمان الأحول البصرى مولى بنى تميم، روى عن أنس وعبد الله بن سرجس وعمرو بن سلمة الجرمى وغيرهم، وعنه قتادة، ومات قبله، وسليمان التيمى ومعمر بن راشد وغيرهم، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان فى الثقات. مات سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين. التهذيب 5/ 42، 43. (¬2) و (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح.

(...) حَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. 43 - (2569) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِى. قَالَ: يَارَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِى. قَالَ: يَارَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِى. قَالَ: يَارَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه الصلاة والسلام -: " إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدنى. قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدى فلاناً مرض فلم تعده، أما [علمت] (¬1) أنك لو عدته لوجدتنى عنده. يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمنى؟ قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى "، قال الإمام: قد فسر فى هذا الحديث معنى المرض، وأن المراد به مرض العبد المخلوق. وإضافة البارى - سبحانه -[ذلك] (¬2) إلى نفسه تشريفاً للعبد، وتقريباً له. والعرب إذا أرادت تشريف أحد حلته محلها، وعبرت عنه كما تعبر عن نفسها. وأما قوله: " لو عدته لوجدتنى عنده " فإنه يريد ثوابى وكرامتى، وعبر عن ذلك بوجوده على جهة التجوز والاستعارة، وكلاهما [سائغ] (¬3) شائع في لسان العرب. وقد قدمنا ذكر أمثاله. وعلى هذا المعنى يحمل قوله تعالى: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ} (¬4) يعنى مجازاة الله - تعالى - ومثل هذا كثير. قال القاضى: وقد جاء فى آخر الحديث فى الإطعام: " لو أطعمته لوجدت ذلك عندى " وكذلك قال فى السقى أى ثواب ذلك وجزاؤه. وهذا تفسير: " لوجدتنى عنده ". ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) و (¬3) من ح. (¬4) النور: 39.

(14) باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها

(14) بَاب ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا 44 - (2570) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى رِوَايَةِ عُثْمَانَ - مَكَانَ الْوَجَعِ - وَجَعًا. (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، أَخْبَرَنِى أَبِى. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ. ح وحَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ الْأَعْمَشِ. ح وحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ الْأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، مِثْلَ حَدِيثِهِ. 45 - (2571) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": تريد المرض. والعرب تسمى كل مرض وجعاً، وهذا يفسره قوله فى الحديث الآخر: ذلك بأن لك أجرين قال: " أجل "، وقوله فى الحديث الآخر: " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل " إلى قوله: " فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشى على الأرض ما عليه خطيئة " (¬1). وقوله: " إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا [البلاء كما يضاعف] (¬2) الأجر " قالوا: يخص الله أنبياءه وأولياءه بذلك بحسب ما خصهم به من قوة العزم والصبر والاحتساب ليتم ¬

_ (¬1) الحديث فى البخاري، ك الطب، ب " أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأول فالأول " معلقًا 7/ 149، فى الترمذى، ك الزهد، ب ما جاء فى الصبر والبلاء 4/ 520 برقم (2398)، الدارمى 2/ 320. (¬2) فى هامش ح.

أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ ". قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجَلْ "، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا ". وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى. (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى غَنِيَّةَ، كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ: " نَعَمْ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ ". 46 - (2572) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عَائِشَةَ، وَهِىَ بِمِنًى وَهُمْ يَضْحَكُونَ. فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ قَالُوا: فُلَانٌ خَرَّ عَلَى طُنُبِ فُسْطَاطٍ، فَكَادَتْ عُنُقُهُ أَوْ عَيْنُهُ أَنْ تَذْهَبَ. فَقَالَتْ: لَا تَضْحَكُوا، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم الخير، ويعظم لهم به الأجر، ويستخرج منهم حالات الصبر والرضى [والشكر والتسليم، والتوكل والتفويض، والتضرع والدعاء، إعظاماً لأجرهم] (¬1) وتوفية لثوابهم [وتأكيداً] (¬2) لتصابرهم فى رحمة الممتحنين، والشفقة على المبتلين، ويذكره به عن دونهم، وموعظة لمن ليس فى درجتهم ليتأسوا بهم ويقتدوا برضاهم وصبرهم. ومحو السيئات التى سلفت منهم، لاسيما لمن اجترأ الصغائر على الأنبياء. وقول عائشة للذين ضحكوا من الذى سقط: " لا تضحكوا ": الضحك فى (¬3) مثل هذا غير مستحسن ولا مباح، إلا أن يكون من غلبة مما طبع عليه البشر. وأما قصداً ففيه شماتة بالمسلم وسخرية بمصابه، والمؤمنون إنما وصفهم الله بالرحمة والتراحم بينهم ومن خلقهم الشفقة بعضهم لبعض. ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) يلاحظ أن ما بعد هذه الكلمة غير موافق فى ح، ووجد توافقها فى الصفحة التى بعدها بورقتين فوجد خلط فى نسخة الحرم (358 أ) بعدها (362 ب) فى ح. (¬3) فى ح من.

47 - (...) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِىُّ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ". 48 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا قَصَّ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. 49 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ". 50 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " وطنب الفسطاط ": حباله التي يشتد بها. والفسطاط: الخباء ونحوه، ويقال: بضم الفاء وكسرها، ويقال أيضاً: فسياط بضم الفاء وكسرها فيهما أيضاً. وقوله: " ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة، [ومحيت عنه بها خطيئة "، وفى الرواية الأخرى: " رفعه الله بها درجة "] (¬1)، وفى الأخرى: " إلا كتب الله له بها حسنة " أى تصيبه شوكة وهو أدنى الأذى. ومصائب الدنيا ورفعة الدرجات وزيادة الحسنات بذلك خلاف، من ذهب أنها (¬2) تكفر فقط، وقد روى نحوه عن ابن مسعود، قال: الوجع لا يكتب به الأجر ولكن يكفر به الخطايا، واعتمد على الأحاديث التي جاءت فيها تكفير الخطايا فقط، ولعله لم يبلغه قوله فى هذا الحديث: " إلا كتب الله له بها حسنة "، وقوله: " إلا قص الله بها من خطيئته "، وفى رواية السمرقندى: " نقص " وكلاهما متقارب المعنى، أى حوسب بقدرها وحط عنه مثلها، كما جاء فى الرواية الأخرى: " حط وكفر " وأصل القص: الأخذ، ومنه: القصاص أخذ حق المقتص من صاحبه. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى ح: أنه.

قَالَ: " لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ، حَتَّى الشَّوْكَةِ، إِلَّا قُصَّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ". لَا يَدْرِى يَزِيدُ أَيَّتُهُمَا قَالَ عُرْوَةُ. 51 - (...) حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ شَىْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ، حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ". 52 - (2573) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ، حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يصيب المؤمن من وصب ولا نصب "، قال الإمام: الوصب: لزوم الوجع، ومنه قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} (¬1) أى لازم ثابت، والنصب: التعب. قال القاضى: الأشبه هنا أن يكون النصب بمعنى الوصب. قال الخليل: النصب: الداء، يعنى بسكون الصاد، ففتحه على اتباع وصب، والله أعلم، وليس هذا موضع الإعياء. وقوله: " حتى الهم يهمه " بضم الياء وفتح الهاء على ما لم يسم فاعله. وقوله: حدثنا سفيان - يعنى ابن عيينة، عن ابن محيصن شيخ من قريش. كذا هو بتنوين الصاد فى رواية أكثرهم فى سند الحديث. وعند العذرى: ابن محيص بغير نون فى آخره. قال مسلم: عمر بن عبد الرحمن بن محيصة من أهل مكة، كذا رواية السمرقندى والعذرى: " عبد الرحمن بن محيص " كذا لكافة شيوخنا عنه. وعند ابن عيسى: " ابن محيصن " بزيادة نون، وصوابه: عمر بن عبد الرحمن [بن محيص] (¬2) كذا ذكره البخاري (¬3)، وقال: هو أبو حفص (¬4) المكى السهمى القرشى روى عنه سفيان بن عيينة وعبد الله بن مؤمل، وقال عن ابن جريج: أخبرنى عمر بن عبد الرحمن، وكانت أمه بنت المطلب بن أبى وداعة. ¬

_ (¬1) الصافات: 9. (¬2) فى هامش ح. (¬3) انظر: تاريخ البخاري 8/ 53. (¬4) فى الأبى: محيض.

(2574) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبْى شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (¬1). بَلَغَتْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوْ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ". قَالَ مُسْلِم: هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. 53 - (2575) حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ، أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ. فَقَالَ: " مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ - أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ - تُزَفْزِفِينَ؟ " قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا. فَقَالَ: " لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: [لما] (¬2) نزلت: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً، فقال - عليه الصلاة والسلام -: " قاربوا وسددوا، ففى كل ما يصاب به المؤمن كفارة " الحديث، قيل فى معنى الآية: ما جاء فى هذا الحديث، من أن المسلم يجزى عن سيئاته بالمصائب فى الدنيا. وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين. وقال الحسن: نزلت فى الكفار خاصة. وقوله: " قاربوا ": أى اقتصدوا ولا تغلوا ولا تقصروا، ولكن حالاً بين حالين. " وسددوا ": أى اقتصدوا السداد، وهو الصواب. وقوله: " حتى النكبة ينكبها ": وهى مثل العثرة بالرجل، وقد ينجرح منه أصبعه. وأصل النكب: القلب، وهو مثل اللب. وقوله: " مالكِ يا أم السائب تزفزفين (¬3) " بالزاي (¬4) [المعجمة] (¬5) والفاء فيهما والتاء مضمومة ومفتوحة معًا، كذا روينا فى هذا الحرف هنا عن جميع رواة مسلم، وقد رواه بعض الرواة بالقاف والراء. قال أبو مروان بن سراج: بالقاف والفاء معًا بمعنى واحد صحيحان، بمعنى: ترعدين. والزفزفة بالزاي والفاء: صوت خفيف الريح، ومنه زفزفت الريح الحشيش: حركته، وزفزف النعام فى طيرانه: حرك جناحيه. ¬

_ (¬1) النساء: 122. (¬2) فى هامش ح. (¬3) فى ز: ترفرفين. (¬4) فى ز: بالراء. (¬5) ساقطة من ز.

54 - (2576) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ أَبُو بَكَرٍ، حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنِّى أُصْرَعُ، وَإِنِّى أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِى. قَالَ: " إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ ". قَالَتْ: أَصْبِرُ. قَالَتْ: فَإِنِّى أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ أَلَّا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قوله: " ترفرفين " قال أبو عبيد: قوله فى الحديث: " إن الشمس ترفرف " معناه: تدور وتجىء وتذهب، ورفرفت الثريد بالسمن: كثرته. قال القاضى: كأنه فسر بهذا الحديث المتقدم على رواية من رواه بالقاف، ولعله لم يرو الأخرى المشهورة، ومنه: رفراف السحاب، وهو ما اضطرب منه. ورفرف الخمر بالماء مزجها به. وهو من الاضطراب.

(15) باب تحريم الظلم

(15) بَاب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ 55 - (2577) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِىَّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِىِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: " يَا عِبَادِى، إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِى، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِى، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِى، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِى، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله تعالى: " يا عبادى، إنى حرمت الظلم على نفسى " الحديث، قال الإمام: معنى قوله: " حرمت الظلم على نفسى ": أى تقدست عنه وتعاليت، والظلم مستحيل منه سبحانه وتعالى جده؛ لأنه إنما يكون إذا تعديت الحدود وتجوزت المراسم، والبارى - جلت قدرته - ليس فوقه أحد يحد له حداً أو يرسم له رسماً، حتى يكون متجاوزاً لذلك ظالماً، ولا فوقه من يستحق أن يطيعه حتى يحلل له الحلال ويحرم عليه الحرام، ولكن تحريم الشىء يقتضى المنع منه والكف عنه، فسمى البارى تقدسه عن الظلم بهذا اللفظ فقال: " حرمت على نفسى الظلم ". أما قوله: " يا عبادى كلكم ضال إلا من هديته " فكان ظاهره أن الناس على الضلال يُخلقون إلا من هداه الله - سبحانه - وقد ذكر فى الحديث أنهم على الفطرة مولدون، وقد يراد بهذا [هاهنا] (¬1): وصفهم بما كانوا عليه قبل بعثة النبى - عليه الصلاة والسلام - إليهم، أو إنهم إن تركوا وما فى طباعهم من إيثار الراحة وإعمال النظر ضلوا، إلا مَنْ هداه الله - سبحانه. وظاهر هذا يطابق مذهب الأشعرية؛ فى قولهم: إن المهتدى بهدى الله اهتدى، وأنه - سبحانه - إنما أراد هداية مَنْ اهتدى مِنْ خلقه خاصة. والمعتزلة تقول بأنه - سبحانه - أراد من سائر الخليقة أن يهتدوا، ولكن منهم من استحب العمى على الهدى. وقوله - عليه الصلاة والسلام - هاهنا: " كلكم ضالٌ إلا مَنْ هديته " فجعل من هداه ¬

_ (¬1) فى ز: هنا، والمثبت من ح.

جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِى، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى. يَا عِبَادِى، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا. يَا عِبَادِى، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا. يَا عِبَادِى، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِى، إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ". قَالَ سَعِيدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِىُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ. (...) حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ مَرْوَانَ أَتَمُّهُمَا حَدِيثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ مستثنى من الجملة يدل على بطلان قولهم: إنه أراد [هدايته بالجملة. قال القاضى: وقول أبى ذر فى أول الحديث] (¬1): فيما يرويه عن ربه، وقد جاء مثل هذا فى غير حديث عن ابن عباس وغيره، حجة فى جواز إطلاق هذا اللفظ في حق النبي - عليه الصلاة والسلام - فيما أوحى إليه. وقوله: " ما نقص ذلك مما عندى إلا كما نقص المخيط إذا أدخل فى البحر ": معناه: إنه لم ينقص شيئاً، كما قال فى الحديث الآخر له: " لا يغيضها نفقة " (¬2) أى لا ينقصها؛ لأن ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المقدر المحدد الفانى، وما عند الله هو (¬3) رحمته وأفضاله على عباده، وهى صفاته الباقية التي لا تفنى، ولا يأخذها حد ولا حصر. وقوله: " إلا ما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ": غاية فى باب التمثيل فى هذا، ويقرب لك أفهام بما يشاهد؛ فإن ماء البحر من أعظم المرئيات عياناً وأكثرها. ودخول المخيط فيه، وهى الإبرة التي يخاط بها، وخروجها لا ينقص شيئاً؛ إذ لا يعلق بها من ماء البحر ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) أحمد 2/ 313، 500. (¬3) فى ح: هى.

(...) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، ابْنَا بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ. فَذَكَرُوا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: " إِنِّى حَرَّمْتُ عَلَى نَفْسِى الظُّلْمَ وَعَلَى عِبَادِى، فَلَا تَظَالَمُوا ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ وَحَدِيثُ أَبِى إِدْرِيسَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَتَمُّ مِنْ هَذَا. 56 - (2578) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ - يَعْنِى ابْنَ قَيْسٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ". 57 - (2579) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء لصقالتها. قوله: " الظلم ظلمات يوم القيامة ": قيل: ظاهره أنه ظلمات على صاحبه [حتى] (¬1) لا يهتدى يوم القيامة سبيلاً حيث يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم. وقد تكون الظلمات هنا: الشدائد، وبه فسروا قوله تعالى: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (¬2) أي شدائدهما. وقد تكون الظلمات هاهنا عبارة عن الاتكال بالعقوبات عليه، وقابل بهذه اللفظة قوله: " الظلم " لمجانسة الكلام، كما قال تعالى: {مُسْتَهْزِئُونَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (¬3). وقوله: " اتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم ": يحتمل أن هذا هو الهلاك الذى أخبر عنهم فى الدنيا، ويحتمل أنه أراد هلاك الآخرة. وهذا الشح: الحرص على ما ليس عندك والبخل بما عندك، قال الله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} (¬4). قيل: يأتون الحرب معكم لأجل الغنيمة. ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) الأنعام: 63. (¬3) البقرة: 14، 15. (¬4) الأحزاب: 19.

58 - (2580) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 59 - (2581) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مَنْ فرّج عن مسلم كربة [من كرب الدنيا] (¬1) فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ": فى هذا فضل معونة المسلم للمسلم فى كل خير، وفعله المعروف إليه، وستره عليه. وهذا الستر فى غير المستهترين، وأما المنكشفون المستهترون الذين يقدم إليهم فى الستر وستروا غير مرة فلم يرعوا وتمادوا، فكشف أمرهم وقمع شرهم مما يجب؛ لأن كثرة الستر عليهم من المهادنة على معاصى الله - تعالى - ومصانعة أهلها. وهذا - أيضاً - فى ستر معصية [انقضت وفاتت] (¬2)، وأما إذا عرف انفراد رجل بعمل معصية واجتماعهم لذلك فليس الستر هاهنا السكوت على ذلك وتركهم إياها، بل يتعين على من عرف ذلك إذا أمكنه بتغييرهم عن ذلك كل حال وتغييره، وإن لم يتفق ذلك إلا بكشفه لمن يعينه أو للسلطان. وأما إيصاء حال من يضطر إلى كشف حاله من الشهود والأمناء والمحدثين، فبيان حالهم ممن يقبل منه ذلك وينتفع به مما يجب على أهله. فأما فى الشاهد فعند طلب ذلك منه لتجريحه، أو إذا رأى حكماً يقطع بشهادته وقد علم منه ما يسقطها، فيجب رفعها. وأما فى أصحاب الحديث وحملة العلم المقلدين فيه، فيجب كشف أحوالهم السيئة لمن عرفها ممن يقلد فى ذلك، ويلتفت إلى قوله؛ لئلا يغتر بهم ويقلد فى دين الله من لا يجب. على هذا اجتمع رأى الأئمة قديمًا وحديثًا. وليس الستر هنا بمرغب فيه ولا مباح. وفيه أن المجازاة فى الآخرة قد تكون من جنس العمل فى الدنيا من خير أو شر. وليس فى الحديث ما يدل على الإثم فى كشفه ورفعه إلى السلطان، وإنما فيه الترغيب على ستره. ولا خلاف أن رفعه له وكشفه معصية الله مباح له غير مكروه ولا ممنوع، إن كانت له نية من أجل عصيانه لله، ولم يقصد كشف ستره والانتقام منه مجردًا فهذا يكون (¬3) له. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) فى ز: الغضب وعايته؛ والمثبت من ح. (¬3) فى ح: يكره.

" أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ ". قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى، يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى المفلس: " هو الذى يأتى بصلاة وصيام وزكاة، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا " الحديث، يعنى: أن هذا هو حقيقة المفلس خاصة؛ لأنه فى استعمال الناس فيمن قل ماله وعدمه حتى صار فلوسًا، وهذا لمن ينقطع وقد تنقلت به الحال، ويرجو الانجبار لحاله، وإذا بقيت له صحته وسلم له دينه لم يهلك فى الدنيا ولا فى الآخرة. فأعلمهم أن حقيقة المفلس هو الهلاك التام والعدم المتصل المهلك، مثل هذا الذى كانت له حسنات وللناس عليه تباعات، فأخذوا حسناته كما يؤخذ من الغريم ما بيده، ثم لما لم يكن (¬1) له حسنات طرحت عليه سيئاتهم، وطرح فى النار؛ ليتم هلاكه وتأبد فلسه، وأيس من فلاحه وانجبار حاله، إلا ما يكون بعد، مما تفضل الله به من إخراج المذنبين وإدخالهم الجنة، بعد الأمر الذى قدره الله فى هذا البوار، نعوذ بالله من فلس الدنيا والآخرة. وقد ردت المبتدعة هذا الحديث، وقالوا: يعارضه قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬2)، وقد غلطوا فى النظر والتأويل، وهذا إنما عوقب بوزره وظلمه أخاه ولا حبط عمله، كما احتجت به المعتزلة لمذهبها، لكنه سقطت حسناته لما قوبلت سيئاته ومظالمه وزادت عليها فى الوزر (¬3)، واستوجب العقوبة بما زاد وكان ثواب حسناته الساقطة فى الوزن للمظلوم ثوابًا على صبره ومحنته به، [و] (¬4) فضلاً زاده الله من عنده. وإنما عوقب بما اجترح وعلى وزره، ولم يظلم، ولا أخذ شىء من عمله، ولا أحبط إلا بحكم الموازنة والمحاسبة، ورجحان السيئات، قال الله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (¬5). فمعنى أخذ الحسنات وطرح السيئات نوع من العقوبات التى أعدها الله للظالمين، وزيادة فى ثواب المظلومين الصابرين، لا أنه مؤاخذ بذنب لم يعمله من ذنوب غيره، ولا أُحبطت حسناته لسيئاته، ولا دفعت لغيره، بل زيد المظلوم على أجره مثل ثواب حسنات ظالمه، ¬

_ (¬1) فى ح: تكن. (¬2) الإسراء: 15. (¬3) فى ح: الذنوب. (¬4) فى هامش ز. (¬5) المؤمنون: 103.

60 - (2582) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فضلاً من الله تعالى. هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وعليه يتأول ظاهر هذا الحديث، حتى لا يجد ملحد فيه مطعناً ولا له به حجة. وقوله: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء "، قال الإمام: اضطرب العلماء فى إعادة البهائم، ووقف الشيخ أبو الحسن الأشعرى فى ذلك، وجوز أن يُعاد المجانين ومن لم يبلغه الدعوة وجواز أن يعادوا ولم يرد عنده قطع فى ذلك. والمسألة موقوفة على السمع. وأقوى ما يتعلق به من يقطع بإعادة البهائم قوله عز وجل: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} (¬1). ومن لم يقطع على الإعادة يقول: معنى {حُشِرتْ}: أى ماتت، والأحاديث الواردة فى ذلك عنده من أخبار الآحاد إنما توجب الظن، والمراد من المسألة القطع. وقد قال بعض شيوخنا فى قوله: " تقاد الشاة الجلحاء من الشاة القرناء ": أن المراد به ضرب مثل؛ ليشعر البارى - سبحانه - الخليقة أنها دار قصاص ومجازاة، وأنه لا يبقى لأحد عند أحد حق، فضرب المثل بالبهائم التى ليست مكلفة حتى يستحق فيها القصاص، ليفهم منه أن بنى آدم المكلفين أحق وأولى بالقصاص منهم. ويصح عندى أن يخلق البارى - سبحانه - هذه الحركة في البهائم فى الآخرة ليشعر أهل المحشر بما هم صائرون إليه من العدل بينهم. وسمى ذلك قصاصًا لا على معنى قصاص التكليف، ولكن على معنى قصاص المجازاة. والقطع فى هذا لا سبيل إليه، وإجراء الكلام على ظاهره إذا لم يمنع منه عقل ولا سمع أولى وأوجب. والجلحاء: هى الجماء التي لا قرن لها، ويقال: قرية جلحاء لا حصن لها. والأجلح من الناس: الذى انحسر الشعر عن جانبى رأسه، وسطح أجلح: الذى لم يحجب بجدار ولا غيره، ومنه حديث أبى أيوب: " مَنْ بات على سطح أجلح فلا دية له "، وهودج أجلح: الذى لا رأس له. ¬

_ (¬1) التكوير: 5.

61 - (2583) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِى لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ "، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: توقف مَنْ توقف [من الأئمة] (¬2) فى إعادتها، إنما هو على القطع بذلك على الله، كما يقطع بإعادة أهل الثواب والعقاب ومن يجازى، ولم تكن الظواهر الواردة في ذلك نصًا ولا أخبارًا متواترة، ولا هى مما تحتها عمل، فيجب العمل بها (¬3)، كما يجب بالظواهر وأخبار الآحاد، والمسألة علمية مجردة، والأظهر حشر المخلوقات كلها مجموع ظواهر الآيات والأحاديث، وإنه ليس من شرط الإعادة المجازاة والعقاب والثواب، فقد وقع الإجماع على أن أولاد الأنبياء فى الجنة ولا مجازاة على الأطفال. واختلف الناس فيمن بعدهم اختلافاً كثيراً [بإمضاء] (¬4) ذكره، ويأتى منه إن شاء الله. قال الإمام: وقوله: " إن الله يملى للظالم ": أى يمهل ويؤخر ويطيل له المدة. قال ابن الأنبارى: اشتقاقه من الملوة، وهى المدة والزمان قال غيره: يقال: ملوة [بفتح الميم وضمها] (¬5) وكسرها. وقوله: " حتى إذا أخذه لم يفلته "، قال القاضى: قيل: أى لم ينفلت منه، وقيل: يكون معناه: أى لم يخلصه أحد منه. يقال: انفلت الرجل من الآخر وأفلت وأفلته أنا. ¬

_ (¬1) هود: 102. (¬2) سقط من ح. (¬3) فى ح: بذلك. (¬4) فى ح: إنما مضى. (¬5) فى ح: بضم الميم وفتحها.

(16) باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما

(16) باب نَصْرِ الْأَخِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا 62 - (2584) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اقْتَتَلَ غُلَامَانِ؛ غُلَامٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَنَادَى الْمُهَاجِرُ أَوْ الْمُهَاجِرُونَ: يَالَ الْمُهَاجِرِينَ! وَنَادَى الْأَنْصَارِىُّ: يَالَ الْأَنْصَارِ! فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ! ". قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا أَنَّ غُلَامَيْنِ اقْتَتَلَا، فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. قَالَ: " فَلَا بَأْسَ، وَلْيَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ، فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ ". 63 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله عليه الصلاة والسلام - حين سمع: يا للأنصار، يا للمهاجرين، من الرجلين اللذين اقتتلا -: " ما هذا؟ أدعوى الجاهلية ": نهى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الدعوى (¬1) بالقبائل كما كانت الجاهلية تفعل، وأن تناصفها إنما كان بالعصبة. والإسلام جاء بالقضاء والفصل بالحق فى الأمور، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: " دعوها، فإنها منتنة ": أى قبيحة ودنيئة. لكن قوله هاهنا لما قيل له القصة: " لا بأس ". دليل على الرخصة فى ذلك إذا كان لنصرة الحق، كما قال فى حلف الفضول: " لو دعيت فيه لأجبت " (¬2). وقد يكون قوله: " لا بأس ": أى لم يقع تحت هذه الدعوة بأس كان خافه قبل، وهو (¬3) أظهر. وقوله: " فكسع أحدهما الآخر "، قال الإمام: كسعت الرجل: إذا ضربت مؤخره فاكتسع، [أى سقط على قفاه. وفى حديث آخر: " فضرب عرقوب فرسه حتى اكتسعت "] (¬4) أى سقطت من مؤخرها. قال الهروى: " كسع رجل من الأنصار ": أى [أى] (¬5) ضرب دبره. ¬

_ (¬1) فى ز: المدعو، والمثبت من ح. (¬2) البداية والنهاية 2/ 270. (¬3) فى ح: وهذا. (¬4) فى هامش ح. (¬5) من ح.

فِى غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِىُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ: " دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا. وَاللَّهِ، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. قَالَ عُمَرُ: دَعْنِى أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: " دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ". 64 - (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وقَالَ الْآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال الطبرى: والكسع: هو ضرب الرجل عجزة الآخر بظهر الرجل. وقال: هو ضرب الدبر. وقيل: هو ضربه بالسيف على مؤخره. وقال الخليل: هو ضربك دبر الرجل بيدك أو رجلك. وقوله: " ولينصر الرجل أخاه ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلوماً فلينصره ": وفسره فى الحديث كما تراه. قال بعضهم: هذا من فصيح الكلام ووجيزه، وتسمية الشىء بما يؤول إليه؛ لأنه لو لم ينهه ففعل ما لا يجب أدى ذلك إلى القصاص منه، فنهيه له كمنعه أن يقتص منه، ونصره على ذلك، وليس عندى هذا بين. والكلام أبين من أن يحتاج إلى هذا التكلف، وهو على وجهه. فنصره بكفه عن الظلم ونهيه عنه نصره له بالحقيقة على الشيطان، والهوى، وخلق السوء الذى يحمل على الظلم، ومعونة لدينه وعقله، ونصره على الرجوع إلى الحق والوقوف عنده. وقوله: " لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه ": فيه ترك تغيير بعض الأمور التي يجب تغييرها، مخافة أن يؤدى تغييرها إلى أكثر منها. وقد مضى من ذلك أول الكتاب. وكان النبى - عليه الصلاة والسلام - يستألف على الإسلام النافرين عنه، فكان يعفو عن أشياء كثيرة أول الإسلام لذلك؛ لئلا يزدادوا نفارًا، وكانت العرب من حمية الأنف،

الْأَنْصَارِ. فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ الْقَوَدَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ". قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِى رِوَايَتِهِ: عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإباءة الضيم، حيث كانوا، فكان - عليه الصلاة والسلام - يستألفهم بطلاقة وجهه، ولين كلمته، وبسط المال لهم، والإغضاء عن هناتهم، حتى يتمكن الإيمان فى قلوبهم، ويراهم أمثالهم فيدخل فى الإسلام ويتبعهم أتباعهم عليه. ولهذا لم يقتل المنافقين، ووكل أمرهم إلى ظواهرهم، مع علمه ببواطن كثير منهم، وإطلاع الله - تعالى - إياه على ذلك. ولما كانوا معدودين فى الظاهر فى جملة أنصاره وأصحابه ومن تبعه، وقاتلوا معه غيرهم حمية أو طلب دنيا أو عصبية لمن معهم من عشائرهم، وعلمت بذلك العرب، فلو قتلهم لارتاب بذلك من يريد الدخول فى الإسلام ونفره ذلك عنه، وتوقع أن يكون ذلك لأمنه وعرض آخر. وقد اختلف: هل بقى حكم جواز ترك قتلهم والإغضاء عنهم؟ أو نسخ ذلك آخرًا عند ظهور الإسلام عند قوله تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} (¬1) وأنها ناسخة لما كان قبلها؟ وقيل: إنما العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم، فإذا أظهروه قتلوا، قاله غير واحد من أئمتنا وغيرهم، واستدلوا بقوله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} إلى قوله: {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (¬2). ¬

_ (¬1) التوبة: 73، التحريم: 9. (¬2) الأحزاب: 60، 61.

(17) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم

(17) بَاب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ 65 - (2585) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِىُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ". 66 - (2586) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ الشَّعْبِىِّ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ". (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ الشَّعْبِىِّ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِهِ. 67 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ الشَّعْبِىِّ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ ". (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ ". (...) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ الشَّعْبِىِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " فيه الحض على تعاون المسلمين، وتناصرهم، وتآلفهم، وتواددهم، وتراحمهم. وتمثيله - عليه الصلاة والسلام - فى ذلك فى البيان (¬1)، وفى الحديث الآخر: ¬

_ (¬1) فى ح: بالبنيان.

عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِي، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ " بالجسد إذا شكا (¬1) بعضه شكا (¬2) سائره كله " تمثيل صحيح، وتقريب للأفهام فى إظهار المعانى فى الصور المرتبة، فيجب على المسلمين امتثال ما حض - عليه السلام - عليه [من ذلك] (¬3) والتخلق به. ¬

_ (¬1) و (¬2) فى ح: اشتكى. (¬3) سقط من ح.

(18) باب النهي عن السباب

(18) بَاب النَّهْيِ عَنْ السِّبَابِ 68 - (2587) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا، فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " المستبان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم ": أى يجاوز القدر الذى قال الآخر له، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِى السَّبْتِ} (¬1) قيل: جاوزوا المقدار الذى حد لهم. فيه جواز الانتصار من الظالم، وقد قال تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (¬2)، وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (¬3) قيل: هذا على ظاهره، والآية محكمة والانتصار من الظالم محمود حسن وقيل: نسختها آية السيف، فهى منسوخة، وأبعد بعضهم النسخ فى مثل هذا، قال: لأنه خبر ولا يبعد النسخ فيه؛ لأنه وإن كان خبرًا لمدح من هو بهذه الصفة، فقد حض على العمل بها قوله، ثم [نسخ ذلك] (¬4)، وأن الخبر الذى لا يدخله النسخ فهو ما كان خبرًا عن شىء وقع وأمر كان لا مثل هذا. ومع هذا كله فالعفو والصفح أفضل، قال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (¬5)، وقال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (¬6) وقال - عليه الصلاة والسلام - فى الحديث بعد هذا: " ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا " (¬7) وسباب المؤمن فسوق محرم كما قال - عليه السلام -. جعل هذا الإثم على البادئ إذا لم يتعد الثانى، ومعناه: أن الثانى رد عليه مَنْ سبه مثله ما لم يتعدى إلى غيره من سلف، وإنما سبه فى نفسه بمثل ما سبه به ونحوه، مما هو أيضاً غير بهتان ولا كذب. وقد يكون التعدى الذى منع منه هذا من ذكر ما لا يباح له ذكره بحال من سبه بكذب وبهتان، وإن كان الأول قد رماه به، أو من ذكر سلفه وغير نفسه فى سبه، أو بالزيادة فى نوع سبه، وإن كان مما قد يجوز سب المربى عند التأديب كالأحمق والجاهل والظالم؛ لأن أحدًا لا ينفك من بعض هذه الصفات إلا الأنبياء والأولياء فهو إذا كافأه بسبه فلا حرج عليه، وبقى الإثم على الأول بابتدائه وتعرضه (¬8) لذلك. وقد يقال: إنما يرتفع عنه حق صاحبه وتباعته، ويبقى حق الله - تعالى - فى تعديه لعرض أخيه. وقد يقال: إن الإثم يرتفع بانتصاف هذا منه، ويكون قوله: " على البادئ ": أى اللوم والذم لتعرضه لذلك. ¬

_ (¬1) البقرة: 65. (¬2) الشورى: 41. (¬3) الشورى: 39. (¬4) فى هامش ح. (¬5) الشورى: 43. (¬6) النور: 22. (¬7) حديث رقم (69) بالباب التالى. (¬8) فى ح: ولتعرضه.

(19) باب استحباب العفو والتواضع

(19) بَاب اسْتِحْبَابِ الْعَفْوِ وَالتَّوَاضُعِ 69 - (2588) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " ما نقصت صدقة من مال ": فيه وجهان: أحدهما: أنه بقدر ما نقص منه يزيده الله فيه وينميه ويكثره. والثانى: أنه وإن نقص فى نفسه ففى [الثواب والأجر] (¬1) عنها ما يجبر ذلك النقص بإضعافه. وقوله: " ما زاد الله [عبدًا] (¬2) بعفو إلا عزًا ": فيه - أيضًا - وجهان: أحدهما: ظاهره أن من عرف بالصفح والعفو ساد وعظم فى القلوب وزاد عزه. الثانى: أن يكون أجره على ذلك فى الآخرة وعزته هناك (¬3). " وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ": فيه وجهان كذلك: أحدهما: أن الله - تعالى - يمنحه ذلك فى الدنيا جزاء على تواضعه له، وأن تواضعه يثبت له فى القلوب محبة ومكانة وعزة. والثانى: أن يكون ذلك ثوابه فى الآخرة على تواضعه. وهذه الوجوه كلها فى الدنيا ظاهرة موجودة، وقد صدق - عليه السلام - فيما أخبر منها. وقد يكون جمع الوجهين فى جميعها. وكان هذا كله تنبيهًا على رد [قول] (¬4) من يقول (¬5): الصبر والحلم الذل. ومن قاله من الجملة فإنما أراد به [شبهه] (¬6) فى الاحتمال وعدم الانتصار. ¬

_ (¬1) فى ح: الأجر والثواب. (¬2) فى هامش ح. (¬3) فى ح: هنالك. (¬4) فى هامش ح. (¬5) فى ح: قال. (¬6) فى ح: بأنه يشبهه.

(20) باب تحريم الغيبة

(20) بَاب تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ 70 - (2589) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ ". قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ". قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ؟ قَالَ: " إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " أتدرون ما الغيبة؟ " إلى قوله: " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن [فيه] (¬1) فقد بهته ": كذا هو بفتح الهاء مخففة، وأخطأ من شددها. قال الإمام: يقال: بهت فلان فلاناً: إذا كذب عليه فبهته، أى يخبر فى كذبه عليه {[فَبُهِتَ] (¬2) الَّذِي كَفَرَ} (¬3): أى قطع حجته [فتحير] (¬4). والبهتان: الباطل الذى يتحير فى بطلانه. قال القاضى: والأولى فى تفسير هذا الحديث أن يكون من البهتان، أى قلت فيه البهتان، ويفسره الحديث الآخر: " وإن قلت باطلاً فذلك البهتان " (¬5). وقيل (¬6): بهته وأبهته بما لم يفعل، وهو قريب من الأول. قال صاحب الأفعال: بهت الرجل دهش، على ما لم يسم فاعله، وهى لغة القرآن الفصيحة. وبهت بضم الهاء جائز. وبهته بهتاً وبهتاناً: قذفه. الاغتياب محرم، وأصله: ذكر الإنسان بما يسوؤه فى غيبته، والبهت فى وجهه، وكلاهما مذموم كان بحق أو باطل، إلا أن يكون لوجه شرعى، أن يقول له ذلك فى وجهه على طريق الوعظ والنصيحة. ويستحب فيمن كانت منه زلة التعريض دون التصريح؛ لأن التصريح يهتك حجاب الهيبة، وقد كان - عليه الصلاة والسلام - كثيراً ما يقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا " (¬7). ولا يواجه به. وأما فى الظهر والغيبة ففى مثل تجريح الشاهد والعالم المقتدى به إذا دعت إليه ضرورة، أو فى النصيحة عند المشورة، وإن اكتفى فى المشورة بالتعريض وتركه تعيين العيب فحسن. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز. (¬2) فى هامش ح. (¬3) البقرة: 258. (¬4) فى هامش ح. (¬5) الموطأ، ك الكلام، ب ما جاء فى الغيبة، رقم (10). (¬6) فى ز: وفيه، والمثبت من ح. (¬7) حديث رقم (128) فى ك الفضائل، ب علمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالله.

(21) باب بشارة من ستر الله تعالى عيبه فى الدنيا بأن يستر عليه فى الآخرة

(21) بَاب بِشَارَةِ مَنْ سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَيْبَهُ فِى الدُّنْيَا بِأَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ فِى الْآخِرَةِ 71 - (2590) حَدَّثَنِى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ الْعَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِى الدُّنْيَا، إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 72 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِى الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " [لا يستر الله عبدًا] (¬1) فى الدنيا إلا ستره يوم القيامة ": يكون ستره له ستر عيوبه ومعاصيه عن إذاعتها على أهل المحشر، وقد يكون ترك محاسبته عليها وذكرها له. والأول أظهر؛ لما جاء فى الحديث الآخر: " سترك بذنوبه "، يقول: " سترتها عليك فى الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم " (¬2). ¬

_ (¬1) فى ز: لا يستر الله على عبد. (¬2) سيأتى إن شاء الله فى ك التوبة، ب قبول توبة القائل برقم (52).

(22) باب مداراة من يتقى فحشه

(22) بَاب مُدَارَاةِ مَنْ يُتَّقَى فُحْشُهُ 73 - (2591) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ؛ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " ائْذَنُوا لَهُ، فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ "، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ لَهُ الَّذِى قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ: " يَا عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ - أَوْ تَرَكَهُ - النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِه ". (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِى هَذَا الْإِسْنَادِ. مِثْلَ مَعْنَاهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " بِئْسَ أَخُو الْقَوْمِ وَابْنُ الْعَشِيرَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله - عليه الصلاة والسلام - للذى قال له: " بئس ابن العشيرة ": فيه أنه لا غيبة فيمن جاهر بفسقه، ولا كافر، ولا أمير جائر، ولا صاحب بدعة، وهذا الرجل هو عيينة ابن حصن، وكان حينئذ - والله أعلم - لم يسلم، فلم يكن القول فيه غيبة، أو أراد - عليه الصلاة والسلام - إن كان قد أظهر الإسلام أن يبين حاله لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه، وقد كان منه فى حياة النبى - عليه الصلاة والسلام - وبعده من هذه الأمور ما دلت على ضعف إيمانه. وإلانة النبى - عليه الصلاة والسلام - له بالقول بعد هذا القول، تألفاً لمثله على الإسلام، بل فيه من أعلام النبوة قول النبى أنه: " بئس ابن العشيرة " علم من أعلام نبوته، وقد ظهر ذلك منه؛ إذ هو ممن ارتد وجىء به أسيرًا إلى أبى بكر، وله مع عمر بن الخطاب خبر - والله أعلم - بما ختم له به. هذا من المداراة وهو بذل الدنيا [لصلاح الدنيا والدين. وهى مباحة مستحسنة فى بعض الأحوال، خلاف المداهنة المذمومة المحرمة، وهو بذل الدين لصلاح الدنيا] (¬1) والنبى - عليه الصلاة والسلام - هنا بذل له من دنياه حسن عشيرته، ولا سيما كلمته وطلاقة وجهه، ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يمدحه بقول، ولا روى ذلك فى حديث فيكون خلاف قوله فيه لعائشة، فلا يعترض على هذا بالمداهنة ولا بحديث ذى الوجهين، والنبى - عليه الصلاة والسلام - منزه عن هذا كله، وحديثه أصل فى المداراة وغيبة أهل الفسوق والكفار وأهل البدع والمجاهرة. ومعنى قوله: " ابن العشيرة وأخو العشيرة ": أى القبيلة والجماعة، والعرب [تستعمل] (¬1) مثل هذا القول: نعم ابن العشيرة وأخو العشيرة، يريدون قومه. وعشيرة الرجل: جماعته وقومه. وقد مضى تفسيره قبل. وقوله - عليه السلام -: " إن من شر الناس منزلة عند الله، من ودعه الناس أو - تركه - اتقاء فحشه "، قال الإمام: قال شمر: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدر يدع وماضيه، والنبى - عليه الصلاة والسلام - أفصح العرب، وقال: " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعة " (¬2) أى تركهم. قال القاضى: مذهب النحوية فى قولهم: " أماتوه " لم يكثروا استعماله، واستعملوا أمثال من ترك ورفض والرفض والنزل. وقولهم: " أماتوه " يدل عليه، فإن تكلم به متكلم منهم فليس لكثرة كلامهم بعده، ألا ترى أن هذين اللفظين من المصدر والفعل لا يكاد يوجد عن النبى - عليه الصلاة والسلام - فى غير هذين الحديثين، مع شك الراوى فى لفظ النبى كيف كان على ما فى الحديث، ولم يقل النحوية: إنه خطأ؛ إذ لا يجوز قوله فيكن منهم الاعتراض. قوله: " اتقاء فحشة ": أى قبيح كلامه؛ لأنه كان من جفاة الأعراب وحمقائها وسادتها، وكان يسمى الأحمق المطاع. ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) سبق فى ك الجمعة، ب التغليظ فى ترك الجمعة، رقم (40).

(23) باب فضل الرفق

(23) بَاب فَضْلِ الرِّفْقِ 74 - (2592) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ ". 75 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا - جَرِيرٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ الْعَبْسِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ ". 76 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ، أَوْ مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " من يحرم الرفق يحرم الخير": دل أن الرفق خير كله، ودليل على فضله؛ لأنه سبب كل خير، وجالب كل نفع، بضد الخوف والعنف، قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (¬1). وقد ذكر فى الحديث أن الله يعطى على الرفق ما لا يعط على العنف، أى يتأتى به من الأعراض ويسهل من المطالب به ما لا يتأتى بغيره. وقال فى الحديث الآخر: " ما يكون فى شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه "؛ لأن التهور ليس من محاسن الأخلاق، وهو من مذامها. والعنف هو ضد الرفق بضم العين. قال أبو مروان بن سراج: ويقال بفتحها وكسرها. وقوله فى حديث جابر فى هذا الباب: حدثنا يحيى بن يحيى، أنبانا عبد الواحد بن زياد عن محمد بن إسماعيل. كذا عند جماعة شيوخنا وسائر النسخ، وفى كتاب القاضى ¬

_ (¬1) آل عمران: 159.

77 - (2593) حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ، حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ - يَعْنِى بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ عَائِشَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ ". 78 - (2594) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْمِقْدَامِ - وَهُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلَّا شَانَهُ ". 79 - (...) حَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى الْحَدِيثِ: رَكِبَتْ عَائِشَةُ بَعِيرًا. فَكَانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ ". ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عبد الله بن عيسى: عبد الرحمن بن زياد، والأول الصواب. وعبد الواحد ذكره البخارى والحاكم، قد اتفقا عليه، وهو أبو بشر العبدى. وقوله فى هذا الحديث: " إن الله رفيق يحب الرفق "، قال الإمام: البارى - سبحانه وتعالى - لا يوصف إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أجمعت الأمة عليه. قال الشيخ أبو الحسن الأشعرى: أو على معنى وما لم يرد فيه إذن فى إطلاقه، ولا ورد فيه منع ولم يستحل وصف البارى تعالى به، ففيه اختلاف، هل يبقى على حكم العقل لا يوصف بتحليل ولا تحريم، أو يمتنع لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} (¬1) فأثبت كون أسمائه حسنى، ولا حسن إلا ما ورد الشرع به. وبين المتأخرين من الأصوليين اختلاف - أيضاً - فى تسمية البارى - سبحانه - بما ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جهة أخبار الآحاد، فقال بعض المتأخرين من حذاق الأشعرية: يجوز أن يسمى بذلك؛ لأن خبر الواحد عنده يقتضى العمل، وهذا [عنده] (¬2) من باب العمليات، لكن يمنع من استعمال الأقيسة الشرعية، وإن كانت يعمل بها فى المسائل الفقهية. ¬

_ (¬1) الأعراف: 180. (¬2) من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومال بعض المتأخرين منهم إلى المنع من ذلك، ولم ير خبر الواحد عائداً عن الواحد بخبر إطلاق التسمية على الله - سبحانه. والأصل فى قبول خبر الواحد [والعمل به إجماع الصحابة - رضى الله عنهم - وما فهم عنهم فى المسائل منقولة عنهم استعمال خبر الواحد] (¬1) فيها، فكان من أجاز قبول خبر الواحد فى تسمية الله - سبحانه -[فهم من مسالك الصحابة قبولهم ذلك فى مثل هذا، ومن منع منه لم يفهم من مسالكهم قبول مثل هذا] (¬2)، ولا يثبت الإجماع عنده على قبوله ملحق ما لم يقم عليه دليل. فقوله فى هذا الحديث: " إن الله رفيق " أنه لم يرد فى الشريعة بإطلاقه، سواء هذا جرى على ما أصلته لك هاهنا من الاختلاف، ويحتمل أن يكون رفيق بعبد صفة فعل، وهو ما يخلقه الله - تعالى - من الرفق لعباده، كأحد التأويلين فى تسميته لطيف أنه بمعنى ملطف. وإلى هذا مال بعض أصحابنا. وقال بعضهم: يحتمل أن يريد: أنه ليس بعجول. وهذا يقارب معنى الحلم. ¬

_ (¬1) و (¬2) من ح.

(24) باب النهى عن لعن الدواب وغيرها

(24) بَاب النَّهْى عَنْ لَعْنِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا 80 - (2595) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِى الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ". قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّى أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِى فِى النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ. 81 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِىُّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. بِإِسْنَادِ إِسْمَاعِيلَ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. إِلَّا أَنَّ فِى حَدِيثِ حَمَّادٍ: قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهَا نَاقَةً وَرْقَاءَ. وَفِى حَدِيثِ الثَّقَفِىِّ: فَقَالَ: " خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَأَعْرُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ". 82 - (2596) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا التَّيْمِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الْأَسْلَمِىِّ، قَالَ: بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ، عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ، إِذْ بَصُرَتْ بِالنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَضَايَقَ بِهِمْ الْجَبَلُ. فَقَالَتْ: حَلْ. اللَّهُمَّ الْعَنْهَا. قَالَ: فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ ". 83 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. ح وحَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الناقة التى لعنتها المرأة: " دعوها فإنها ملعونة "، " ولا تصاحبنا ناقة عليها لعنة "، " خذوا ما عليها وأعروها فإنها ملعونة "، وقول عمران بن حصين: " فكأنى أنظر إليها ناقة ورقاء، تمشى فى الناس وما يعرض لها أحد "، قال القاضى: الورقاء من النوق التى يخالط بياضها سواد، والذكر أورق. وقوله: فقالت: " حل ": هى كلمة يزجر بها الإبل. يقال: حل يحل بسكون اللام فيهما، ويقال: حل حل بكسر اللام وتنوينها وبغير تنوين أيضاً. وأمر النبى - عليه الصلاة والسلام - فى هذه الناقة بما أمر من أخذ ما عليها وإعرائها من أداتها؛ لأنها لعنتها صاحبتها لأمر أطلعه الله عليه فيها من لزوم اللعنة لها، أو لمعاقبة

ابْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ: " لَا، أَيْمُ اللَّهِ، لَا تُصَاحِبْنَا رَاحِلَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ مِنْ اللَّهِ " أَوْ كَمَا قَالَ. 84 - (2597) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ - عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَنْبَغِى لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا ". (...) حَدَّثَنِيهِ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ. 85 - (2598) حَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحبتها؛ لنهيه قبل عن اللعن. فإن كان هذا وجهه ففيه العقاب فى المال ليزجر غيرها عن ذلك. وأصل اللعن: الترك، وقيل: البعد، كذا قال أهل اللغة. فلما دعت عليها باللعنة وكانت غير مكلفة ممن تدركها لعنة العقاب استعمل فيها معنى اللعنة اللغوية من الترك والإبعاد والخروج عن الملك؛ معاقبة لقائلها - والله أعلم. وقوله: " لا ينبغى لصديق أن يكون لعاناً ولا يكون اللاعنون شفعاء يوم القيامة ولا بشهداء ": كله تعظيم لإثم اللعن وتجنبه، وأنه ليس من أخلاق المؤمنين والصديقين ولا الشهداء والشفعاء يوم القيامة، وأن مَنْ تخلق به فليس من هذه الطبقات العزيزة الرفيعة؛ لأن اللعنة - وإن كان أصلها فى اللغة الترك والإبعاد - فصار استعمالها فى الدعاء الإبعاد من رحمة الله، وليس هذه خلق المؤمنين، الذين وصفهم الله بالرحمة بينهم والتعاون على البر، وأنهم كالجسد الواحد، وكالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأن المسلم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث بعده: " إنى لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة "، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة، وهى البعد (¬1) من رحمة الله، وهى بمثابة المتناطعة والعداوة ومحبة الشر أجمعه له، وهو ضد الشفاعة والشهادة المتنتضية للإشفاق والرحمة وهى (¬2) غاية ما يرده الكافر، وغاية مآله وعاقبة أمره، فكيف يجوز لمسلم وقر الإيمان فى قلبه أن يحبه لأخيه ويدعو عليه به؟! ولذا جاء فى الحديث الآخر: " فكأنه قتله "، قيل: لأن القائل قطع منافعه الدنيوية وحياته فيها عنه، وهذا باللعنة سعى فى قطع منافعه الأخروية وحياته فى النعيم الدائم، بإبعاده من الجنة وإلحاقه بأصحاب النار المبعدين، إذ هى مآل ¬

_ (¬1) فى ح: الإبعاد. (¬2) فى ح: وهو.

أَسْلَمَ؛ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ اللَّيْلِ، فَدَعَا خَادِمَهُ، فَكَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَعَنَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ. فَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَعَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِى هَذَا الْإِسْنَادِ، بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ. 86 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَبِى حَازِمٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 87 - (2599) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِيَانِ الْفَزَارِىَّ - عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: " إِنِّى لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الملعونين ودار المبعدين. وفيه يحتمل أن يكون معنى: " فكأنما قتله، فى الإثم، أى أن له من الإثم على لعنه كالإثم على قتله، وقد يكون هذا فى اللعانين عقاباً لهم ونقصاً من منازلهم؛ لأن الشفاعة فى الآخرة والشهادة إنما هى من الشفقة (¬1)، على المذنبين والرحمة لهم، فحرمها هؤلاء بفعلهم ضدها من اللعنة لهم المتنتضية للقسوة عليه. وما روى عن النبى - عليه الصلاة والسلام - فى لعن من لعنه بذكره بعد هذا ومعناه. وقوله فى أول هذا الحديث: " بعث إلى أم الدرداء بخادم ": كذا لابن ماهان، وللجلودى: بأنجاد، بفتح الهمزة، وهو جمع نجد، وهو متاع البيت الذى ينجد به من فرش وستور ووسائد. والتنجيد: التزيين، وبيت منجد: مزين بمتاعه. ¬

_ (¬1) فى ح: الشفعة.

(25) باب من لعنه النبى صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا ورحمة

(25) بَاب مَنْ لَعَنَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سَبَّهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ أَهْلًا لِذَلِكَ، كَانَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا وَرَحْمَةً 88 - (2600) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ، فَكَلَّمَاهُ بِشَىْءٍ لَا أَدْرِى مَا هُوَ، فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا. فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ. قَالَ: " وَمَا ذَاكِ؟ ". قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا. قَالَ: " أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّى؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَىُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ". (...) حَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَاه عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وقَالَ فِى حَدِيثِ عِيسَى: فَخَلَوَا بِهِ فَسَبَّهُمَا، وَلَعَنَهُمَا، وَأَخْرَجَهُمَا. 89 - (2601) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ، أَوْ لَعَنْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " اللهم إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، وإنى اتخذت عندك ربى عهدًا لن تخلفنيه، فأىّ مسلم لعنته أو سببته أو جلدته - وفى رواية: أو آذيته - فاجعله له زكاة وأجرًا "، وفى رواية: " وكفارة ورحمة وقربة، تقربه إليك يوم القيامة " على اختلاف ألفاًظ الحديث، وزيادة بعضها على بعض، قال الإمام: فإن قيل: قوله - عليه الصلاة والسلام -: " [اللهم] (¬1) إنى أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، وأيما أحد دعوت عليه من أمتى بدعوة ليس لها بأهل ". الحديث، قال الإمام - وفقه الله -: إن قيل: كيف يدعو النبى - عليه الصلاة والسلام - ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(2602) وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ: " زَكَاةً وَأَجْرًا ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، مِثْلَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ عِيسَى جَعَلَ " وَأَجْرًا " فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بدعوة على من ليس لها بأهل، وهذا مما لا يليق به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قيل: المراد بقوله: ليس لها بأهل عندك فى باطن أمره، لا على ما يظهر إليه - عليه الصلاة والسلام - مما يقتضيه حاله حين دعائه عليه، فكأنه - عليه الصلاة والسلام - يقول: من كان باطن أمره عندك أنه ممن يرضى عنه فاجعل دعوتى عليه الذى اقتضاها ما ظهر إلى من مقتضى حاله حينئذ طهوراً وزكاة. وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه وهو - عليه الصلاة والسلام - متعبد بالظواهر، وحساب الناس فى البواطن على الله تعالى. فإن قيل: معنى قوله: " وأغضب كما يغضب البشر " وهذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب، لا على أنها من مقتضى الشرع، فبقى السؤال على حاله؟ قيل: يحتمل أن يكون - عليه الصلاة والسلام - أراد أن دعوته - عليه الصلاة والسلام - أو سبه أو جلده كان مما خير بين فعله له عقوبة به للجانى (¬1)، أو تركه. والزجر له بما سوى ذلك، فيكون الغضب لله تعالى على لعنته أو جلده، ولا يكون ذلك خارجاً عن شرعه ولا موقعاً له فيما لا يجوز. ويحتمل أن يكون خرج هذا مخرج الإشفاق منه - عليه الصلاة والسلام - وتعليم أمته الخوف مِنْ تعدى حدود الله تعالى، فكأنه - عليه الصلاة والسلام - يظهر الإشفاق من أن يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة فى عقوبة الجانى لولا الغضب ما زادها ولا أوقعها، ويكون ذلك من الصغائر على القول بجواز وقوعها من (¬2) الأنبياء - عليهم السلام - وإشفاقاً منه - عليه الصلاة والسلام - وإن لم يقع منه. وقد وقع اللعن والسباب من غير قصد إليه، فلا يكون فى ذلك نازل منزلة اللعنة الواقعة رغبة منه إلى الله سبحانه وطلباً للاستجابة، فمثل هذه الطرائق ينبغى أن تسلك فى [مثل] (¬3) هذا الحديث. قال القاضى: [قد] (¬4) يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا ¬

_ (¬1) فى ح: للحال. (¬2) فى ح: على، والمثبت من ز. (¬3) ساقطة من ز، واستدركت فى الهامش. (¬4) ساقطة من ح.

وَجَعَلَ " وَرَحْمَةً " فِى حَدِيثِ جَابِرٍ. 90 - (2601) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىِّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ، إِنِّى أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَىُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ، شَتَمْتُهُ، لَعَنْتُهُ، جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". (...) حَدَّثَنَاه ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " أَوْ جَلَدُّهُ ". قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: وَهِىَ لُغَةُ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَإِنَّمَا هِىَ " جَلَدْتُهُ ". (...) حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ منوى، لكن بما جرت به عادة العرب فى دغم كلامها وصلة خطابها، وإيراد بعض ألفاًظها عند حرجها وتأكيدها وعينها، ليس على نية إجابة ذلك، كقوله: " تربت يمينك "، و " عقرى حلقى "، ونحوه مما جاء فى الحديث من قوله: " لا كبر سنك "، " ولا أشبع الله بطنك "، وقد يسمون السب لعناً، فأشفق - عليه السلام - من موافقة أمثالها، فعاهد ربه ودعاه ورغب إليه بأن يجعل ذلك القول رحمة وقربة كما قال، ولم يكن صفته - عليه السلام - الفحش ولا التفحش، ولا بعث سباباً ولا لعاناً. ومثل هذا إنما كان يجرى على لسانه فى الليل، وقد تقدم فى الحديث أن يدعو على دوس؛ لأنها كفرت، فقال: " اللهم اهد دوساً "، وقال للذى جرحه وأدمى وجهه يوم أحد: " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ". وقد يكون فعله (¬1) هذا - عليه السلام - ودعاؤه ربه إشفاقاً على المدعو عليه وتأنيساً، لئلا يلحقه من الخوف والحذر من ذلك ومن يقبل دعائه ما يحمله على اليأس والقنوط، وقد يكون سؤالاً منه لربه فيمن جلده أو سبه بوجه حق وعقاب على جرم، أن يكون ذلك عقوبة فى الدنيا وكفارة له لما فعله، [وتمحيصاً] (¬2) له عن عقابه عليه فى الآخرة، كما جاء فى الحديث الآخر، وهو أحد معانى الصلاة فى اللغة. وقوله: " وفدية ": أى اجعل لعنتى وجلدى له فدية من عذابك فى الآخرة. وأما قوله: " أغضب كما يغضب البشر ": فهو - عليه الصلاة والسلام - لا يقول ولا ¬

_ (¬1) فى ح: قوله. (¬2) فى ز: تلخيصاً، والمثبت من ح.

عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. 91 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمٍ - مَوْلَى النَّصْرِيِّينَ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ، إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّى قَدْ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً، وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 92 - (...) حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ، فَأَيُّمَا عَبْدٍ مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 93 - (...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ، إِنِّى اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 94 - (2602) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّى اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ أَىُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يفعل فى حال غضبه ورضاه إلا صدقاً وحقاً، لكن غضبه لله تعالى قد يحمله على الشدة فى أمره، وتعجيل عقوبة مخالفه، وترك ما قد أبىح له من الإغضاء عنه والصفح، فقد جاء فى الحديث: أنه " ما انتقم لنفسه قط إلا أن ينتهك حرمة الله " (¬1). وفى الباب: عن سالم مولى النصريين، بالصاد المهملة، وعند العذرى بالمعجمة، وهو خطأ، والصواب الأول وهو سالم الملقب بسيلان، أبو عبد الله مولى مالك بن أوس ابن الحدثان البصرى، ويقال: مولى شداد البصرى (¬2)، وكذا قاله البخارى وغيره. ¬

_ (¬1) سبق فى ك الفضائل، ب مباعدته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للآثام، برقم (77). (¬2) فى ح: النصرى.

(...) حَدَّثَنِيهِ ابْنُ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وحَدَّثَنَاه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 95 - (2603) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ وَهِىَ أُمُّ أَنَسٍ - فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ. فَقَالَ: " آنْتِ هِيَهْ؟ لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ ". فَرَجَعَتْ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِى. فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ؟ يَا بُنَيَّةُ! قَالَتْ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَىَّ نَبِىُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّى. فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّى أَبَدًا. أَوْ قَالَتْ: قَرْنِى. فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا، حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟! ". فَقَالَتْ يَا نَبِىَّ اللَّهِ، أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِى؟ قَالَ: " وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ ". قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِى عَلَى رَبِّى، أَنِّى اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّى فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ - مِنْ أُمَّتِى - بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وقَالَ أَبُو مَعْنٍ: يُتَيِّمَةٌ، بِالتَّصْغِيرِ فِى الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْحَدِيثِ. 96 - (2604) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ الْقَصَّابِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ. قَالَ: فَجَاءَ فَحَطَأَنِى حَطْأَةً. وَقَالَ: " اذْهَبْ وَادْعُ لِى مُعَاوِيَةَ ". قَالَ: فَجِئْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أو جلده " فى حديث ابن أبى عمر، قال: وهى لغة أبى هريرة على إدغام المثلين فى جلدته. وقولها: " لا يكبر [سنى] (¬1) "، أو قالت: " قرنى ": السن والقرن بفتح القاف سواء، يقال: هو سنه وقرنه، أى مماثله فى المولد، فكأنهما فى قوله: " لا كبر سنك ولا كبر قرنك " تقول: لا طال عمرك؛ لأنه إذا طال عمره طال عمر قرنه وسنه. ¬

_ (¬1) فى هامش ح. وهو حديث (95).

فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِىَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِى مُعَاوِيَةَ ". قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: " لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ ". قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قُلْتُ لِأُمَيَّةَ: مَا حَطَأَنِى؟ قَالَ: قَفَدَنِى قَفْدَةً. 97 - (...) حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ، فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وضحك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خوف أم سليم وهيبتها من إجابة دعوته، قيل: إنه - عليه الصلاة والسلام - لم يقصد الدعاء عليها، إلا كما تقدم من الجارى على لسان العرب. وقوله: " تلوث خمارها ". أى تديره على رأسها. وقوله: " كنت ألعب مع الصبيان ": فيه جواز ترك الصبيان لذلك. وقوله: فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحطأنى حطأة - بحاء وطاء مهملة والطاء ساكنة مهموز - وقال: " اذهب فادع لى معاوية " فجئت، فقلت: هو يأكل إلى قوله: " لا أشبع الله بطنه "، قال الإمام: يحمل على أنه من القول السابق إلى اللسان من غير قصد إلى وقوعه، ولا رغبة إلى الله تعالى فى استجابته. وأما قوله: " فحطأنى حطأة " ذكر مسلم عن أمية - يعنى ابن خالد - فى معناه: " قفدنى قفدة " بتقديم القاف. قال الهروى فى حديث ابن عباس هذا: " فحطانى حطوة " جاء به الراوى غير مهموز، وقال ابن الأعرابى: الحطو: تحريك الشىء مزعزعاً له، ورواه شمر بالهمز، وحكى عن غيره: لا تكون الحطأة إلا ضربة بالكف [على] (¬1) بين الكتفين. قال القاضى: الحطاة، قيل: لا تكون إلا [بالضرب باليد] (¬2) مبسوطة. وتفسير أمية لها بالقفد قريب منه، وهو صفح القفا، وقيل: صفح الرأس، ويحتمل أن فعل النبي به ذلك ليس على طريق الصفع والعقاب؛ إذ لم يتقدم بالخبر ما يوجب ذلك، ولكنه على طريق ما يفعل بالصغار والشباب من الملاعبة والتأنيس لهم، كما قيل: أذَّن ابن عباس فى الصلاة. ويحتمل أنه قصد تأديبه على أمر فرّط فيه لمن أمره واشتغل باللعب عنه. ولذلك يحتمل أن دعاءه على معاوية كان على طريق جد وتحقيق وضجر عليه؛ إذ لم يبادر بإجابة دعوته المرة بعد الثانية، ولعله ظن أنه أمر على تراخ وغير معجل، أو كان محتاجاً إلى الطعام. ¬

_ (¬1) زائدة فى ز. (¬2) فى هامش ح.

(26) باب ذم ذى الوجهين، وتحريم فعله

(26) بَاب ذَمِّ ذِى الْوَجْهَيْنِ، وَتَحْرِيمِ فِعْلِهِ 98 - (2526) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأْتِى هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ". 99 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأْتِى هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ". 100 - (...) حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأْتِى هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من شر الناس ذو الوجهين ": تقدم الكلام فيه وهو بين وهذا فيما ليس طريقه الإصلاح والخير بل فى الباطل والكذب وتزيينه لكل طائفة عملها وتقبيحه عند الأخرى، وذم كل واحدة عند الأخرى [بخلاف المداراة والإصلاح المرغب فيه، وإنما يأتى لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى] (¬1)، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل لها الجميل عنها. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(27) باب تحريم الكذب وبيان المباح منه

(27) بَاب تَحْرِيمِ الْكَذِبِ وَبَيَانِ الْمُبَاحِ مِنْهُ 101 - (2605) حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّ أُمَّهُ - أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ - وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: " لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِى يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِى خَيْرًا ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِى شَىْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِى ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ليس الكذاب الذى يصلح بين الناس ويقول خيرًا وينمى خيرًا " بعد هذا فى الأم يبين ما قلناه. وقول ابن شهاب فى الحديث: " لم أسمع أحدًا يرخص فى شىء مما يقول الناس كذب إلا فى ثلاث: الحرب، والإصلاح [بين الناس] (¬1)، وكذب الرجل امرأته وكذب المرأة زوجها "، قال القاضى: لا خلاف فى جواز الكذب فى هذا. واختلف فى الصورة الجائزة فيه (¬2)، وما هو هذا الكذب المباح فى هذه الأبواب؟ فحمله قوم على الإطلاق، وأجازوا قول ما لم يكن فى ذلك لما فيه من الصلاحِ، وأن الكذب المذموم إِنما هو ما فيه مضرة المسلمين، واحتجوا بقول: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (¬3) وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} (¬4)، وقوله: " فإنها أختى " (¬5)، وقول منادى يوسف: {أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (¬6)، وقالوا: لا خلاف أن من رأى رجلاً يريد أن يقتل مسلمًا، أو يقدر على أن ينجيه منه بالكذب، أنه واجب عليه مثل أن يقول: ليس [هو] (¬7) هاهنا، أو ليس هو فلان، ونحو هذا. فإذا كان واجبًا هنا فهو جائز فيما فيه الصلاح. وقال آخرون - وهو مذهب الطبرى -: لا يجوز الكذب في شىء من الأشياء، ولا ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) فى ح: منه. (¬3) الأنبياء: 63. (¬4) الصافات: 89. (¬5) سبق فى ك الإيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، برقم (193). (¬6) يوسف: 70. (¬7) ساقطة من ز.

(...) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبر عن شىء بخلاف مخبره عن شىء، وما جاء فى هذا من الإباحة فإنما هو مما لا يجوز فى غيره للضرورة هنا، إنما هو على التورية وطريق المعاريض لا تصريح الكذب، مثل أن يعد زوجته بأن يغفر لها ويحسن إليها، ونيته في ذلك إنّ قدر الله أو إلى مدة ذلك وثناؤه وإثابتها فى غير هذا بكلمات مشتركة وألفاًظ متحملة (¬1)، يفهم منها ما يطيب قلبها، وكذلك فى الإصلاح بين الناس ونقل ما ينقل لها ولا عن هؤلاء من كلام جميل، وقول حسن، وعذر محتمل، وكذلك فى الحرب، كما كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، مثل أن يقول: هل لكم فى قتال بنى فلان [غزو بلد] (¬2) كذا، أو تأهبوا لغزو [بلد] (¬3) كذا، وقد وجب غزو بنى فلان، [أو] (¬4) أنا أغزو بلد (¬5) كذا ونيته وقتاً آخر، وكذلك أن يقول لمبارزة الخيل: سرجك، ويريد فيما مضى، ويقول للجيش من عدوه: مات إمامكم الأعظم ليدخل الذعر قلوبهم ويريد النوم، وشبه (¬6) هذا، [أو يقول: غدًا يقدم علينا مدد، وهو قد أعدَّ قومًا من عسكره ليأتوا فى صورة المدد] (¬7). فهذا من الخدع الجائزة والمعاريض المباحة، فمثل هذا كله من المعاريض التى فيها مندوحة عن الكذب. وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف منها أنها معاريض، ووجوه أخر معروفة. وأما قوله: " والمرأة تحدِّث زوجها ": فيحتمل أن هذا فيما يحدث كل واحد منهما الآخر من ودِّه له واغتباطه له، وإن كان أكثر مما يعتقده لما فى ذلك من الصلاح ودوام الألفة بينهما، والله أعلم. وأما إذا كانت المخادعة مع العدو، أو المواعدة مع الزوجة بالأيمان والعهود، أو أخذ عوض من مال الزوجة على ما وعدها به، فلا يحل شىء من ذلك عند الجميع، وهو عاص كاذب، آثم فيما لم يف به من ذلك. وقوله فى هذا الباب: فى كتاب مسلم من حديث عمرو الناقد بسنده عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بهذا الإسناد، [هذا] (¬8) هو الصواب، وكذا سمعناه فى الكتاب، وكان فى بعض نسخ مسلم فيه: محمد بن عبد الله بن [عبيد الله] (¬9) ¬

_ (¬1) فى ح: محتملة. (¬2) فى ز: غزو بكذ، والمثبت من ح. (¬3) فى ز: غزو، والمثبت من ح. (¬4) مثبتة من ح. (¬5) فى ز: كذا، والمثبت من ح. (¬6) فى ز: وسننه. (¬7) فى هامش ح. (¬8) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬9) فى هامش ح.

مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ صَالِحٍ: وَقَالَتْ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِى شَىْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِلَّا فِى ثَلَاثٍ. بِمِثْلِ مَا جَعَلَهُ يُونُسُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ. (...) وحَدَّثَنَاه عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. إِلَى قَوْلِهِ: " وَنَمَى خَيْرًا "، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن شهاب، وهو خطأ، وعلى الصواب قرأناه وسمعناه من شيوخنا، لكن كتبنا فيه عن أبى بحر الرواية: ابن عبد الله بن عبيد الله، وهو خطأ، والصحيح ما فى الكتاب.

(28) باب تحريم النميمة

(28) بَاب تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ 102 - (2606) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِىَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ ". وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ألا أنبئكم ما العضه؟ هى النميمة القالة بين الناس ": كذا روايتنا عن أكثر شيوخنا: " العضدة " مثل العدة. وعند الجيانى: " العضه " مثل الوجه. جاء فى الحديث مفسرًا بالنميمة، ثم فسرها بالقالة بين الناس، أى نقل القول بينهم عن بعضهم البعض. قال الإمام: قيل فى قوله: {جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ} (¬1): هو جمع عضه، من: عضيت الشىء: أى مزقته. قال ابن عباس: آمنوا ببعض وكفروا ببعض، فلعل النميمة سميت عضة؛ لأنها تفرق بين الناس. قال القاضى: قد جاء مفسرًا فى الحديث بما لا يحتاج إلى غيره. وقد قيل فى تفسير العضة: إنها السحر. وقيل: قول البهتان، وقد تقدم تفسيره فى قوله: " لا يعضه بعضاً بعضاً ". وقد قيل فى قوله: {جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ} أى سحرًا؛ لقولهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} (¬2). ¬

_ (¬1) الحجر: 91. (¬2) المدثر: 24.

(29) باب قبح الكذب، وحسن الصدق، وفضله

(29) بَاب قُبْحِ الْكَذِبِ، وَحُسْنِ الصِّدْقِ، وَفَضْلِهِ 103 - (2607) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ". 104 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إن الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ويكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ": فيه تحريض على تحرى الصدق وتجنب الكذب وترك التساهل فيه؛ فإن ذلك يؤدى إلى أمثاله، ويقع فيه ويكثر منه إذا لم يتحفظ من الكذب حتى يعرف به، ويكتب عند الله بالمبالغة فى الصدق إذا اعتاده، أو بالكذب إذا اعتاده، فإن فعيل وفعال من " صديق، وكذاب " من أبنية المبالغة والكثرة. ومعنى كتبنا هنا: أى حكم عليه وله بذلك وحق له منزلة الصديقين وثوابهم، أو صفة الكذابين وعقابهم. وقيل فى قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ} (¬1): أى حكم، ويكون هذا إظهار حكمه فيها وإنفاذ قدرة له بالشقاوة والسعادة بمقتضى الصفتين، أو كتب ذلك فى كتاب ليشهر (¬2) بالصفتين فى الملأ الأعلى، أو يلقى ذلك فى ألسنة الناس، كما يوضع القبول والبغضاء، وإلا فقضاؤه المتقدم وكتابه السابق قد سبق فيه بما كان ويكون فيه هذا. ثم الحديث عندنا فى جميع النسخ الواصلة إلينا والروايات المتصلة بمسلم والبخارى عندنا، إلا أن أبا مسعود الدمشقى زاد عن مسلم فى حديث ابن المثنى وابن بشار فى هذا الباب: وإن شر الروايا روايا بالكذب وإن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا بعد الرجل مبيته ثم يحلفه. وذَكر الدمشقى أن مسلماً أخرج هذه الزيادة وقد ذكرها أيضاً فى الحديث أبو بكر البرقانى، قال أبو عبيد الله الحميدى: وليست عندنا فى كتاب مسلم. ومعنى " الروايا " هنا قيل: جمع روية، وهو ما يرويه المرءُ يعده أمام عمله أو قوله، ¬

_ (¬1) المجادلة: 21. (¬2) فى ح: ليشتهر.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ". قَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فِى رِوَايَتِهِ: عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 105 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ". (...) حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِ عِيسَى: " وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ ". وَفِى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ: " حَتَّى يَكْتُبَهُ اللَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: جمع رواية، أى حامل وناقل له، وقد يكون عندى استعارة من راوية الماء، ومنه سمى راوية الحديث والعلم؛ لحمله إياه كحمله الماء والانتفاع بما عنده كما ينتفع بمائها، وكما قيل لحامل العلم: وعاء عِلم وكنيف علم (¬1). وقوله: " وإن الصدق يهدى إلى البر (¬2)، وإن البر يهدى إلى الجنة. وإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار "، معناه: أن الصدق يهدى إلى البر بالعمل الصالح الخالص من الإثم. والبر اسم جامع للخير كله، وقيل: البر: الجنة، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} (¬3) ويوصل إليه، والبر يوصل إلى الجنة ويرشد إليها، والكذب يوصل إلى الفجور وأصله الميل عن القصد، وقيل: الانبعاث فى المعاصى، ومنه قيل للفاجر: كاذب، وللمكذب بالحق: فاجر. ومعنى: " يتحرى الصدق ويتحرى الكذب ": أى يقصده ويعتمده، والحرى: ناحية الشىء. ¬

_ (¬1) فى ح: وكنفه. (¬2) فى ز: الفجور، وهو خطأ. (¬3) آل عمران: 92.

(30) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأى شىء يذهب الغضب

(30) بَاب فَضْلِ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَبِأَىِّ شَىْءٍ يَذْهَبُ الْغَضَبُ 106 - (2608) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟ " قَالَ: قُلْنَا: الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ. قَالَ: " لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا ". قَالَ: " فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ ". قَالَ: قُلْنَا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ. قَالَ: " لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ. 107 - (2609) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَا كِلَاهُمَا: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ". 108 - (...) حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ الزُّبَيْدِىِّ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قوله: " ما تعدّون الرقوب فيكم؟ " قلنا: الذى لا يولد له قال: " ليس ذلك بالرقوب، [ولكنه الرجل] (¬1) الذى لم يقدم من ولده شيئاً " الحديث. قال أبو عبيد: معناه فى كلامهم: فقدُ الأولاد فى الدنيا، فجعله الله فقدهم فى الآخرة، فكأنه حول الموضع إلى غيره. قال القاضى: لما كان الرقوب عندهم ذا مصيبة لفقد بنيه، كثير الأسف على ذلك، أعلمهم - عليه السلام - أن الذى أصيب بفقدهم فى الآخرة هو المصاب حقيقة؛ لما فاته من ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

يَقُولُ: " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ". قَالُوا: فَالشَّدِيدُ أَيُّمَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: " الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ". (...) وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 109 - (2610) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ - قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا. وقَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى لَأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِى يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ "، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَهَلْ تَرَى بِى مِنْ جُنُونٍ؟ قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ: فَقَالَ: وَهَلْ تَرَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّجُلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر تقديمهم كما وصل به من قوله: " ما تعدون الصرعة؟ " فقالوا: الذى يصرع الرجال، قال: " ليس بذلك، ولكنه الذى يملك نفسه عند الغضب "، فكأنه قال: ليس الرقوب بالحقيقة ولا الصرعة بالحقيقة من ذكرتم، لكنه هذان الآخران، ذلك لما فقده فى أخراه، وهذا لما ملك نفسه وصرعها عند غضبه، ولم ينف اسم اللغة عن المسمين. قيل: وفى هذا فضل كظم الغيظ وأن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبى - عليه السلام - جعل غلبته لنفسه أشد من غلبته لمناوئه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (¬1) قيل فيه: جهاد النفس، وفى الحديث: " رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " (¬2). والصرعة بضم الصاد وفتح الراء الذى يكثر صرع الناس وغلبتهم، وكذلك كل من يكثر منه الشىء، يقال فيه: فعله مثل ضحكه وهزوه وخدعه وصرعه، فإذا سكنت ثانيها فعلى ¬

_ (¬1) العنكبوت: 69. (¬2) كشف الخفاء 1/ 424 (1362) وفيه: قال الحافظ ابن حجر: هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام: إبراهيم بن عيلة، وقال العراقى فى تحقيقه على الإحياء: رواه البيهقى بسند ضعيف عن جابر، ورواه الخطيب فى تاريخه عن جابر بلفظ أطول من ذلك.

110 - (...) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغْضَبُ وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنِّى لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ "، فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَدْرِى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنِفًا؟ قَالَ: " إِنِّى لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ "، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَمَجْنُونًا تَرَانِى؟. (...) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ العكس، أى الذى يفعل به ذلك كثيرًا يضحك به ويستهزأ به ويخدع. قوله فى الذى [رآه] (¬1) غضب: " إنى لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ": فيه أن الغضب فى غير الله من نزغ الشيطان، وما يحمل عليه من موافقته هوى النفس وطبعها المركب فيها، وأن الاستعاذة من الشيطان كفته وسكن غضبه. وقول الآخر: " هل ترى فىّ من جنون " كلام مَن لم يفقه فى دين الله، وظن أنه لا يستعاذ من الشيطان إلا من المس، ولم يعلم أن الغضب من أوائل مسه؛ ولهذا يخرج به عن صورته وخلقه، ويحفه بقبح الحركات والكلام والأفعال، حتى يزين له إفساد ماله، وتمزيق ثيابه، وكسر ما حوله من آنية، وقتل من نازعه أو غضب عليه، أو إفساده أو الحلف والنذر على الانتفاع به، ولعله كان من جفاة الأعراب أو ممن لم يخلص إيمانه من المنافقين. ¬

_ (¬1) من ح.

(31) باب خلق الإنسان خلقا لا يتمالك

(31) بَاب خَلْقِ الْإِنْسَانِ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ 111 - (2611) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِى الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ، يَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لما صور الله آدم فى الجنة جعل إبليس يطيف حوله "، قال الإمام: يقال: طاف بالشىء طوفاً وأطاف: استدار حوله. وقوله: " فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقاً لا يتمالك "، قال القاضى: أى ذا جوف، وقد يكون معناه: خالى الداخل، وبه سمى الجوف وكل مقعر أجوف، وجوف كل شىء قعره وداخله. وقوله: " لا يتمالك ": [يعنى] (¬1) يحبس نفسه ويملكها عن الشهوات. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

(32) باب النهى عن ضرب الوجه

(32) بَاب النَّهْى عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ 112 - (2612) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ". (...) حَدَّثَنَاه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ: " إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ ". 113 - (...) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إذا قاتل أحدكم أخاه "، وفى رواية أخرى: " إذا ضربه فليتجنب الوجه "، وفى رواية: " فلا يلطمن الوجه ": فيه تشريف هذه الصورة عن الشين؛ إذ الضرب فيها واللطم مما يظهر الشين فيها سريعاً؛ ولأن فيها المحاسن وأعضاء نفيسة، وأكثر الإدراكات، فقد يبطلها بفعله والتشويه فيها أشد؛ لأنها شيما الإنسان والبادى منه والمتميز به من أمثاله، والصورة التى خلقه الله عليها وكرّم بها بنى آدم وفضلهم على كثير من خلقه تفضيلاً. قوله آخر الحديث: " فإن الله خلق آدم على صورته "، قال الإمام: هذا حديث ثابت عند أهل النقل، وقد رواه بعضهم: " أن الله خلق آدم على صورة الرحمن " (¬1) ولا يليق هذا عند أهل النقل، ولعله نقل من رواه بالمعنى الذى يوهمه، وظن أن الضمير عائد على الله - سبحانه - فأظهره وقال: " على صورة الرحمن ". واعلم أن هذا الحديث غلط فيه ابن قتيبة وأجراه على ظاهره، وقال: فإن الله سبحانه له صور لا كالصور، وأجرى الحديث على ظاهره، والذى قال لا يخفى فساده؛ لأن الصورة تفيد التركيب، وكل مركب محدث، والبارى - سبحانه وتعالى - ليس بمحدث فليس بمركب، وما ليس بمركب فليس بمصور، وهذا من جنس قول المبتدعة: إن البارى - جلّ وعز - جسم لا كالأجسام، لما رأوا أهل السنة قالوا: شىء لا كالأشياء طرد واحد، فقالوا: جسم لا كالأجسام. وقال ابن قتيبة: صورة لا كالصور. والفرق بين ما قلناه وما قالوه: أن لفظة " شىء " لا تفيد الحدوث ولا تتضمن ما ¬

_ (¬1) الفتح 5/ 183، وقد علق على ناقل هذا الحديث بدون توجيه المعنى.

114 - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلَا يَلْطِمَنَّ الْوَجْهَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضيه، وقولنا: جسم وصورة يتضمن التأليف والتركيب، وذلك دليل الحدوث. وعجباً لابن قتيبة فى قوله: صورة لا كالصور، مع كون هذا الحديث يقتضى ظاهره عنده خلق آدم على صورته، فقد صارت صورة البارى - سبحانه - على صورة آدم - عليه السلام - على ظاهر هذا على أصله، فكيف يكون على صورة آدم، ويقول: إنها لا كالصور. وهذا يناقض. ويقال له أيضاً: إن أردت بقولك: صورة لا كالصور أنه ليس بمؤلف ولا مركب، فليس بصورة على الحقيقة، وأنت [مثبت] (¬1) تسمية تفيد فى اللغة معنى مستحيلاً عليه تعالى، مع نفى ذلك، فلم يعطِ اللفظ حقه ولم يجره على ظاهره. فإذا سلمت أنه ليس على ظاهره فقد وافقت على افتقاره إلى التأويل وهذا الذى نقول به، فإذا ثبت افتقاره إلى التأويل قلنا: أختلف الناس فى تأويله، فمنهم من أعاد الضمير إلى المضروب، وذكر أن فى بعض طرق الحديث أنه سمعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قبح الله وجهك ووجه من أشبهك " أو نحو هذا، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال، أما على هذه الرواية - وهى شتم من أشبهه - فبين وجه هذا التعليل؛ لأنه إذا شتم مَن أشبهه وآدم يشبهه فكأنه شتم آدم وغيره من الأنبياء - عليهم السلام -[وإنما] (¬2) ذكر الأول تنبيهًا عليه وعلى نبيه. وأما على هذا الذى وقع فى كتاب مسلم فيحتمل أن يكون تعبدًا لله - سبحانه - بتخصيص الوجه لهذه الكرامة لشبهه بآدم هنا إجلالاً لآدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولا يبقى على هذا إلا أن يقال: فيجب أن يجتنب ما سواه من الأعضاء المشبهة لآدم، وجواب هذا: أنه لا يبعد أن يكون الله - سبحانه - يتعبد بما شاء الله، ولا تجعل هذه العلة جارية مطردة. وقد اختص الوجه بأمور جليلة ليست فى غيره من الأعضاء؛ لأن منه (¬3) السمع والبصر، وبالبصر يدرك العالم ويرى ما فيه من العجائب الدالة على عظم الله - سبحانه - وبالسمع يدرك الأقوال ويسمع أوامر النبى - عليه السلام - ونواهيه، ويتعلم به سائر العلوم التى منها معرفة الله - عز وجل - ومعرفة رسله - عليهم السلام - وفيه النطق الذى يميز به عن البهائم، وشرف به الإنسان عن سائر الحيوان، ومثل هذا التمييز لا يبعد أن يجعل سبباً ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) فى ح: ولهذا. (¬3) فى ح: فيه.

115 - (...) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىًّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى. ح وحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىًّ، عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى حَدِيثِ ابْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى تمييزه بهذا الحكم. وقال آخرون: إن الضمير عائد على آدم نفسه. وعورض هؤلاء بأن هذا يجعل الكلام عياً لا فائدة تحته، وأى فائدة فى قولك: خلق زيد على صورة نفسه، والشجرة على صورتها نفسها؟ وهذا معلوم بالعقول ولا يقتصر إلى خبر منقول. وأجاب أصحاب هذا التأويل عن هذا الاعتراض بأن الفائدة فيه: التنبيه على من خالف الحق من أصحاب المذاهب كالطبائعيين القائلين بأن تصوير آدم كان عن بعض تأثيرات النجوم أو العناصر أو غير ذلك بما (¬1) يهزؤون به، فأكذبهم النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واحتراز الله - سبحانه - خلق آدم على صورته، أو أكذب الدهرية فى قولهم: ليس ثم إنسان [أول، وإنما إنسان من نطفة ونطفة من إنسان] (¬2) هكذا أبداً إلى غير أول، فأخبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله - سبحانه - اخترع صورة آدم ولم يكن مصوراً عن أب ولا كائناً عن تناسل، أو يكون أكذب القدرية فى قولهم: إن كثيراً من أعراض آدم وصفاته خلق لآدم، وأخبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مخلوق بجملة صورته. وهذا التأويل الذى ذهب إليه هؤلاء - من إعادة الضمير إلى آدم بنفسه - إنما يحسن إذا روى لفظ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجرداً من السبب، مقتصراً منه على قوله: " إن الله خلق آدم على صورته "، وأما ذكر السبب، أو ذكر جميع ما حكاه مسلم عنه - عليه السلام -: " إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته " فإنه لا يحسن صرف الضمير لآدم؛ لأنه ينفى أن يكون بين السبب أو صدر الكلام وآخره ارتباط وتميز الكلام. وما وقع فى كتاب مسلم فى معنى المسافر، وقد ذكر أنه روى مختصراً مقتصراً فيه على ما قلناه. وقال بعض أئمتنا. هو من اختصار بعض الرواة. وقال آخرون: إن الضمير يعود إلى [الله] (¬3) - سبحانه - ويكون له وجهان. أحدهما: أن يراد بالصورة الصفة، كما يقال: صورة فلان عند السلطان كذا، بمعنى صفته كذا. ولما كان آدم - عليه السلام - امتاز بصفات من الكمال تميز بالعقل والنطق عن البهائم، والنبوة على سائر بنيه سوى النبيين منهم، وله فضائل اختص بها، فكأنه شبهه من هذه ¬

_ (¬1) فى ح: مما. (¬2) سقط من ز. (¬3) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش.

عَلَى صُورَتِهِ ". 116 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْمَرَاغِىِّ - وَهُوَ أَبُو أَيُّوبَ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهة باختصاص الله - سبحانه - بالرفعة والجلال، لاسيما وقد أمر الملائكة بالسجود له طاعة لله - عز وجل. هذا المعنى ذكره بعض أصحابنا فى التشبيه بعد. والوجه الثانى: عند أصحاب هذا التأويل: أن تكون إضافة الصورة إضافة تشريف واختصاص، كما قيل فى الكعبة: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها له - عز وجل - وكما قال تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ} (¬1) إلى غير ذلك مما وقع فى الشريعة من أمثال هذا. وقد تميز آدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن خلقه الله - جلت قدرته - بيده، ولم يقلبه فى الأصلاب، ولا درجه من حال إلى حال، فتكون الإضافة إضافة اختصاص لهذا المعنى ولغيره. وأما من صرح بهذا الضمير وخرجه للوجود، فإنه يرد من جهة النيل، وأنه ضعيف عند المحدثين. واختلف أصحابنا فى رده من جهة اللسان، فقال بعضهم: ما يحسن مثل هذا فى الكلام؛ لأن اللفظ الظاهر إذا افتتح به، وأُعيد ذكره فإنما يعاد بالضمير، ولهذا يقال: زيد ضرب عبده، ولا يقال: [ضرب زيد عبد زيد] (¬2)، ومرادهم بزيد الثانى زيد الأول، قالوا: فلو كان ما قالوه صحيحاً لكانت العبارة عنه: " خلق آدم على صورته " كما وقع فى الطرق الثابتة. وقال بعض أصحابنا: لا يستبعد هذا فى اللسان، وقد قال سبحانه وتعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ} (¬3) ولم يقل: [يوم] (¬4) يحشر المتقين إلينا. وقال بعضِ النحاة: من هذا أيضاً قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا} (¬5)، وأنشد فى ذلك قول عدى بن زيد: لا أرى الموت يسبق الموت شىء ... يعض الموت ذا الغنى والفقير وفى هذا كفاية. قال القاضى: قد جاء فى هذا الحديث نفسه ما أغنى عما ذكر فى بعض الأحاديث، ¬

_ (¬1) الشمس: 13. (¬2) فى ز: زيد ضرب عبد زيد. (¬3) مريم: 85. (¬4) ساقطة من ز. (¬5) البقرة: 59.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن مسلماً قد ذكر فى هذا: " إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته "، فالهاء هاهنا عائدة على الأخ المنهى أن يضرب وجهه ويستقيم الكلام، وتظهر فائدة الحديث ويزول الإشكال. وإنما يبقى الإشكال كله فى الحديث الآخر الذى لم يذكر فيه هذا السبب مثل حديث البخارى فى باب السلام: " إن الله لما خلق آدم على صورته قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة " (¬1)، وخرجه مسلم - أيضاً - بعد هذا بنصه فى " باب خلق آدم " [ومثل هذا] (¬2)، لكن قد تقدم فيه من التأويلات ما يكفى بعضها. وإذا نزهنا الله تعالى عن الصورة الجثمانية [فلا يبالى] (¬3) بعد وسلمنا معنى مشكل الحديث للعالم بعينه، على مذهب أكثر السلف من الإيمان بها والتسليم إلى الله فى معناها، وتنزيهه عن ظاهرها، أو تأويله على ما عليه مَنْ رأى التأويل، وعلى مقتضى كلام النبى العربى ولغته العربية، وكلام العرب ومجازاة كلامها ومقاصدها فى استعاراتها (¬4) وتمثيلاًتها التى خوطبنا بها، وجاء الشرع والقرآن بها وعلى تصرف وجوهها. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الاستئذان، ب بدء السلام 8/ 62. (¬2) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬3) فى ح: فلا نبالى. (¬4) فى ز: استعاباتها.

(33) باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق

(33) بَاب الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ لِمَنْ عَذَّبَ النَّاسَ بِغَيْرِ حَقٍّ 117 - (2613) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ، وَقَدْ أُقِيمُوا فِى الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ الزَّيْتُ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: يُعَذَّبُونَ فِى الْخَرَاجِ. فَقَالَ: أَمَا إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِى الدُّنْيَا ". 118 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْبَاطِ بِالشَّامِ، قَدْ أُقِيمُوا فِى الشَّمْسِ. فَقَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِى الْجِزْيَةِ. فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِى الدُّنْيَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى حديث: " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس " قال: وأميرهم يومئذ عمير بن سعد (¬1)، كذا فى النسخ عند شيوخنا [أو أكثر] (¬2) الروايات، وكان فى كتاب شيخنا القاضى أبى على: عمر بن سعيد، وقال لنا: هو وهم، وما عند غيره هو الصواب. وعمير بن سعد هذا أنصارى من بنى عمرو بن عوف من الأوس، ولاه عمر بن الخطاب حمص (¬3) فكان يقال له: نسيج (¬4) وحده، هو عمير بن سعد بن عبيد القارى، أبوه أبو زيد أحد مَنْ (¬5) جمع القرآن. وقد اختلف فى اسم أبى زيد، وقد ذكر مثل هذا أبو عبيدة (¬6)، وشك فيه مرة فقال: استعمل على طائفة من الشام عمير بن سعد أو سعيد، ¬

_ (¬1) هو أبو يحيى عمير بن سعيد النخعى الصهبانى الكوفى، روى عن على وأبى موسى وسعد بن أبى وقاص وغيرهم، وعنه الشعبى والسبيعى والأعمش وأبو حصين وغيرهم. ذكره ابن حبان فى الثقات وقال: مات سنة سبع ومائة فى ولاية ابن هبيرة. وقال ابن سعد: مات سنة خمسة عشر. ثم قال ابن حبان: ويقال له: عمير بن سعد. التهذيب 8/ 146. (¬2) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬3) فى ز: حصن، والمثبت من ح، وهو الصواب. (¬4) فى ز: تسبيح، والمثبت من ح، وهو الصواب. (¬5) قبلها فى ز: مع. (¬6) فى ز: أبو عبيد، والمثبت من ح، وهو الصواب.

(...) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ: قَالَ - وَأَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ -: فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا. 119 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ وَجَدَ رَجُلًا - وَهُوَ عَلَى حِمْصَ - يُشَمِّسُ نَاسًا مِنْ النَّبْطِ فِى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِى الدُّنْيَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ شك أبو عبيد وذكر خبراً. وأما عمر بن سعيد فمعدود فى الصحابة وهو عمير بن سعد أو سعيد [شك أبو عبيد وذكر خبراً، وأما عمر بن سعيد فمعدود فى الصحابة وهو عمير بن سعد أو سعيد] (¬1)، ربيب الجلاس ويتيمه، وصاحب القصة التى أنزل فيها: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} (¬2) قاله الطبرى وغيره، وجعله الطبرى غير الأول، وأما أبو عمر فجعل صاحب هذه عمير بن سعد الأول وأنهما واحد، والله أعلم. ¬

_ (¬1) هكذا مكرر فى ز. (¬2) التوبة: 74.

(34) باب أمر من مر بسلاح فى مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها

(34) بَاب أَمْرِ مَنْ مَرَّ بِسِلَاحٍ فِى مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْجَامِعَةِ لِلنَّاسِ أَنْ يُمْسِكَ بِنِصَالِهَا 120 - (2614) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ فِى الْمَسْجِدِ بِسِهَامٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا ". 121 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ - قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا. وقَالَ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ: أَخْبَرَنَا - حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِأَسْهُمٍ فِى الْمَسْجِدِ، قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا، كَىْ لَا يَخْدِشَ مُسْلِمًا. 122 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا، كَانَ يَتَصَدَّقُ بِالنَّبْلِ فِى الْمَسْجِدِ، أَنْ لَا يَمُرَّ بِهَا إِلَّا وَهُوَ آخِذٌ بِنُصُولِهَا. وقَالَ ابْنُ رُمْحٍ: كَانَ يَصَّدَّقُ بِالنَّبْلِ. 123 - (2615) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِى مَجْلِسٍ أَوْ سُوقٍ، وَبِيَدِهِ نَبْلٌ، فَلْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا، ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا، ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا ". قَالَ: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: وَاللَّهِ، مَا مُتْنَا حَتَّى سَدَّدْنَاهَا، بَعْضُنَا فِى وُجُوهِ بَعْضٍ. 124 - (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمره - عليه السلام - للذى مر بالنبل أن يأخذ بنصالها، وفى الرواية الأخرى: " بنصولها " جمع نصل، وهى حدائد السهام. بين العلة والصفة فى الحديث الآخر فقال: " فليمسك - أو فليقبض - على نصالها بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشىء "، أى مخافة أن يصيب، ولئلا يصيب.

اللَّهِ - قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِى مَسْجِدِنَا، أَوْ فِى سُوقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ، فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ، أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَىْءٍ ". أَوْ قَالَ: " لِيَقْبِضَ عَلَى نِصَالِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أبى موسى: " والله ما متنا حتى سددناها بعضنا فى وجوه بعض ": أى قومنا الرمى بها وقصدنا ذلك. والسداد: القصد فى الشىء. يشير إلى ما كان من الفتن بعده - عليه السلام - وقتالهم على التأويل فى الخلافة، وأن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خشى عليهم برأفته بالمؤمنين، ورحمة لهم (¬1) ما يصيب بعضهم منها من خدش وشىء عند مروره من غير قصد، وألا يتأذى بعضهم من بعض بمثل هذا القدر، فجاء بعده ما أخبر به أبو موسى من القصد إلى ذلك [على بون ما بين الحالين] (¬2). ¬

_ (¬1) فى ح: بهم. (¬2) من ح.

(35) باب النهى عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم

(35) بَاب النَّهْى عَنْ الْإِشَارَةِ بِالسِّلَاحِ إِلَى مُسْلِمٍ 125 - (2616) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 126 - (2617) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِى أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِى يَدِهِ، فَيَقَعُ فِى حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، وإن كان أخاه لأبىه وأمه ": ظاهر الحديث [أنه] (¬1) على غير قصد إلا بجهة اللعب والترويع بالهزل بدليل ذكره، لأخيه لأبىه وأمه الذى لا يبهم عليه، وترويع المسلم حرام، وبدليل قوله فى الحديث الآخر: " فإنه لا يدرى لعل الشيطان ينزع فى يده فيقع فى حفرة من النار "، وكذا رويناه بالعين المهملة، قيل: معناه: يرمى فى يده، أى يدفع يده ويحقق ضربته. ومن رواه بالغين المعجمة فمن الإغواء (¬2) ونزع الشيطان، أى يحمله على تحقيق الضرب به وقصده وتزيين له ذلك، لاسيما عندما يحدث من جهته عند الملاعبة، أو هجر بغير حال، وأن الهزل قد يفضى إلى الجد. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش. (¬2) فى ح: الإغراء.

(36) باب فضل إزالة الأذى عن الطريق

(36) بَاب فَضْلِ إِزَالَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ 127 - (1914) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ - مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ - عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ ". 128 - (...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ، لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ، فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ". 129 - (...) حَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِى الْجَنَّةِ، فِى شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِى النَّاسَ ". 130 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ شَجَرَةً كَانَتْ تُؤْذِى الْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَطَعَهَا فَدَخَلَ الْجَنَّةَ ". 131 - (2618) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَمْعَةَ، حَدَّثَنِى أَبُو الْوَازِعِ، حَدَّثَنِى أَبُو بَرْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، عَلِّمْنِى شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ: " اعْزِلْ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم الأحاديث فى الثواب على إماطة الأذى وإزالته عن الطريق كمن قطع شجرة كانت تؤذى، وإزالة غصن شوك، وقد جاء فى الحديث الآخر: أنه من شعب الإيمان (¬1). فكل ما أدخل نفعًا على المسلمين أو أزال عنهم ضررًا فهو منه، لكنه كله من النصيحة الواجبة على المسلمين بعضهم لبعض، التى بايع عليها النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه من النصح لكل مسلم، [بنصحه] (¬2) فى حضرته وغيبته بكل قول وفعل يعود عليه بمنفعة لدينه ودنياه. ¬

_ (¬1) سبق فى ك الإيمان، ب بيان عدد شعب الإيمان برقم (58). (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

132 - (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَبِى الْوَازِعِ الرَّاسِبِىِّ، عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الْأَسْلَمِىِّ؛ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى لَا أَدْرِى، لَعَسَى أَنْ تَمْضِىَ وَأَبْقَى بَعْدَكَ، فَزَوِّدْنِى شَيْئًا يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " افْعَلْ كَذَا، افْعَلْ كَذَا - أَبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ - وَأَمِرَّ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث يحيى [بن يحيى] (¬1): " وأمر الأذى عن الطريق ". كذا رويناه عن عامة الرواة براء مشددة، أى نحّه وأزله من المرور. وعند الطبرى: " وأمز " بزاى معجمة؛ وكأنه من الميز، ميزت الشىء عن الشىء: إذا أثبته منه وزلته عنه، وهو قريب من الأول. وعند ابن ماهان: " أخر " مبيناً بمعنى ذلك. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح.

(37) باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها، من الحيوان الذي لا يؤذى

(37) بَاب تَحْرِيمِ تَعْذِيبِ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا، مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْذِى 133 - (2242) حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ الضُّبَعِىُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ أَسْمَاءَ - عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ، سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِىَ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِىَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ". (...) حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، جَمِيعًا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ. 134 - (...) وحَدَّثَنِيهِ نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ أَوْثَقَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر حديث المغيرة فى شأن صاحبة الهرة المعذبة التى ربطتها حتى ماتت، وقد تقدم الكلام عليه، وأنه يحتمل أن يكون عذابها حسابها ومناقشتها على فعلها لذلك، كما جاء فى حديث العصفور قوله: " سل يارب هذا لم قتلتنى؟ "، أو تكون المرأة كافرة فزيدت فى عذابها لذلك. وقوله: " خشاش الأرض ": يقال بفتح الخاء وكسرها، وهو هوام الأرض. وحكى فيه أبو على القالى - أيضاً - ضم الخاء، وقال الجوهرى: هو الحية ونحوها مما فى الأرض، وقيل صغار الطير، [لكنه لا يقال فى صغار الطير إلا بفتح الخاء فقط، وفى المعنى: الخشاش شرار الطير] (¬1). وقيل: خشاش الأرض: نباتها، والمعروف فى هذا: حشيشها. وقوله: " من جراء هرة ": أى من أجلها، بمد وبقصر، يقال: من جراك وجراتك وجراريك وأجلك وأجلك. بمعنى. وفى رواية الهوزنى: " من أجل " مفسراً. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(...) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 135 - (2619) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا - أَوْ هِرٍّ - رَبَطَتْهَا، فَلَا هِىَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِىَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا هى أرسلتها ترمم "، كذا للعذرى والسجزى، وضبطناه عن بعض شيوخنا بفتح التاء والميم، وعند بعضهم بضم التاء وكسر الميم، وفى رواية السمرقندى: " ترمرم " بضم التاء وكسر الراء الآخرة، ويصح بفتحها أيضاً، وهما بمعنى (¬1). قال الإمام: قال صاحب الأفعال: رممت الأمر والشىء وما أصلحته، والعظم رمة صار رميماً، والحبل انقطع، والشاة تناولت النبات بشفتيها. ومنه سميت المرمتان. قال القاضى: ورمرم منه، بإظهار التضعيف فى الراء، أو من الرمام وهو الحشيش، [أى] (¬2) أكلته فاشتق لها فعلاً، وكله يرجع إلى معنى الأول. ¬

_ (¬1) م هنا سقط عشر لوحات من نسخة ح إلى حديث ابن مسعود - كتاب القدر -: " يجمع أحدكم ". (¬2) من الأبى.

(38) باب تحريم الكبر

(38) بَاب تَحْرِيمِ الْكِبْرِ 136 - (2620) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى مُسْلِمٍ الْأَغَرِّ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِى عَذَّبْتُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " العز إزارى، والكبرياء ردائى فمن نازعنى عذبته "، قال الإمام: هذا مجاز: واتساع على عادة العرب، وهم يقولون: فلان شعاره الزهد والورع، ودثاره التقوى، ولا يريدون بذلك الثوب الذى هو شعار ودثار، وإنما يريدون أنه صفته ونعته، ووجه الاستعارة فى هذا: أن الرداء والإزار يلصقان بالإنسان ويلزمانه بجملته وفيها ستر له وجمال، فضرب ذلك مثلاً لكون العز والكبرياء بالبارى تعالى أحق، وله ألزم وأوجب، واقتضى جلاله لهما آكد. وكذلك العرب يقولون: فلان غمر الرداء، إذا كان واسع العطية تجوزاً أيضاً بذلك، فعلى هذا يحمل هذا الحديث، لأن الدليل العقلى قام على أن اللباس من صفات الأجسام، وهو - سبحانه - ليس بجسم، ولا يمسه جسم، ولا يستره جسم، وهذا واضح لكل متأمل.

(39) باب النهى عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى

(39) بَاب النَّهْى عَنْ تَقْنِيطِ الْإِنْسَانِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى 137 - (2621) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِىُّ، عَنْ جُنْدَبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ، لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّى قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ " أَوْ كَمَا قَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله فى الذى قال والله لا يغفر الله لفلان: " من ذا الذى يتألى على الله ": أى يحلف عليه. والتأل: الخلف، والآلية اليمين. وقوله: " قد غفرت لفلان وأحبطت عملك ": فيه الحجة لمذهب أهل السنة فى غفران الله ذنوب عباده، وعفوه عنهم وإن ماتوا مصرين عليها، ولا حجة فيه للمعتزلة ومن يقول بأنَّ الذنوب تحبط الأعمال؛ لأن هذا المتألى قانط من رحمة الله ومكذب بها، والقنوط كفر، والكفر يحبط العمل، وإن لم يكن هذا قانطاً وإنما كان هذا مذهبه إنفاذ الوعيد للعاصين، فيكون هنا قوله: " أحبط عمله " مجازاً لرجحان معصيته بما قال، فاعتقده بطاعاته حتى كأنه لا حسنة له.

(40) باب فضل الضعفاء والخاملين

(40) بَاب فَضْلِ الضُّعَفَاءِ وَالْخَامِلِينَ 138 - (2622) حَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رب أشعث مدفوع بالأبواب ": الأشعث: الملبد شعر الرأس، المغبر غير مدهن ولا مصلح الشعر. و " مدفوع بالأبواب ": أى لا قدر له عند الناس فيحجبونه ويردونه عن أبوابهم. وقوله: " لو أقسم على الله لأبره ": أى لفضله، ومنزلته عند الله أنه يجيب رغبته ودعاءه، ولا يخيب أمله وبره لرجائه وعزيمته فى رغبته لربه والقسم هنا عبارة عن قوة العزيمة فى الرغبة والدعاء، أو يكون عن وجهه فيما أقسم عليه من الأمور؛ أن الله قد أجرى قدره وتقدم فى سابق علمه، أنه ممن لا يخالف مجارى القدر قسمه، ويبر خلقه، ويمضى عزيمته. وقيل: معنى القسم هنا: الدعاء، وأبره أجابه.

(41) باب النهى عن قول هلك الناس

(41) بَاب النَّهْى عَنْ قَوْلِ هَلَكَ النَّاسُ 139 - (2623) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ". قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا أَدْرِى أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. (...) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ. ح وحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، جَمِيعًا عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم " وقول الراوى عن مسلم - وهو أبو إسحاق بن سفيان -: لا أدرى أهلكهم، بالنصب أو بالرفع، قال الإمام: يحمل هذا [عند العلماء] (¬1) أن القائل قال ذلك ازدراء بالناس، واحتقارًا لهم، وإعجابًا بنفسه. فأما قوله على جهة [التفجع والإشفاق، وذهاب الصالحين] (¬2)، وتفضيل من مضى من الصالحين، وتفضيل من مضى من الأولين - فإنه خارج عن هذا والقصد (¬3) بغير أحكام اللفظ وتصرفه، فالأول عنوانه الكبر والاستهزاء بالناس، [وهو مذموم] (¬4)، والثانى: عنوان الإشفاق والتقصير بالنفس وتعظيم السلف، وذلك لا يكون مذمومًا. قال القاضى: وقيل هذا فى الغالين والمبتدعين، الذين يقولون: هلك الناس، أى استوجبوا الخلود فى النار بمعاصيهم، والذىن يؤيسون الناس من رحمه الله. وقيل: " أهلكهم ": أى أنساهم الله، وقيل: أفشلهم وأرداهم. ومن رواه بالنصب فمعناه: هو الذى قال فيه ذلك، واعتقده فيه من الضلال واستحقاق النار، لا الله تعالى. ¬

_ (¬1) فى المعلم: عند بعض العلماء. (¬2) فى المعلم: الإشفاق والتفجع ولذهاب الصالحين. (¬3) فى المعلم: والفصل. (¬4) سقط من المعلم.

(42) باب الوصية بالجار، والإحسان إليه

(42) بَاب الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ 140 - (2624) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ - سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرٍ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - أَنَّ عَمْرَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِى بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لَيُوَرِّثَنَّهُ ". (...) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، حَدَّثَنِى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 141 - (2625) حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِى بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ". 142 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِإِسْحَاقَ. قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا. وقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا - عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ ". 143 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: إِنَّ خَلِيلِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِى: " إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر مسلم الأحاديث فى الوصية بالجيران ومواساتهم، وأن لهم حقاً يزيد على حق غيرهم من المسلمين، وقد مرّ منه فى أول الديوان. وقوله: " فأصبهم منه بمعروف ": أى ناولهم منه، واجعلهم يصيبون منه، يقال: أصاب من الطعام: إذا أكل منه، وأصله من الأخذ. أصاب الشىء: إذ أخذه.

(43) باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء

(43) بَاب اسْتِحْبَابِ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ 144 - (2626) حَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - يَعْنِى الْخَزَّازَ - عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أنْ تلقى أخاك بوجه طلق "، ويروى: " طليق " بكسر اللام فيهما، ويقال: " طلق " بسكونها، وهو المنبسط السهل. فيه الحض على فعلِ الخير، قلّ أو كثر، وألا تحقر منه شيئاً، وهذا كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (¬1). وفيه أن طلاقة الوجه للمسلمين والانبساط إليهم محمود مشروع مثاب عليه، وبخلافه التجهم [لهم] (¬2) والازوراء عنهم إلا لغرض كنبى، وكفى بخُلق نبينا - عليه السلام - فى ذلك، وبما وصفه الله به ونزهه عنه من قوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (¬3). ¬

_ (¬1) الزلزلة: 7. (¬2) غير واضحة فى ز. (¬3) آل عمران: 159.

(44) باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام

(44) بَاب اسْتِحْبَابِ الشَّفَاعَةِ فِيمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ 145 - (2627) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: " اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اشفعوا فلتؤجروا، ويقضى الله على لسان نبيه ما أحب ": الشفاعة لأصحاب الحوائج والرغبات عند السلطان وغيره مشروعة محمودة مأجور عليها صاحبها بشهادة هذا الحديث، وشهادة كتاب الله بقوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} (¬1) على أحد التأويلين. وفيه أن معونة المسلم فى كل حال بفعل أو قول فيها أجر، وفى عموم الشفاعة للمذنبين، وهى جائزة فيما لا حد فيه عند السلطان وغيره، وله قبول الشفاعة فيه والعفو عنه إذا رأى ذلك كما له العفو عنه ابتداء، وهذا فيمن كانت منه الذلة والفلتة، وفى أهل الستر والعفاف، ومن طمع بوقوعه عند السلطان والعفو عنه من العقوبة أن يكون له توبة، وأما المُصِرون على فسادهم، المستهزئون فى باطلهم، فلا تجوز الشفاعة لأمثالهم، ولا ترك السلطان عقوبتهم، ليزدجروا عن ذلك، وليرتدع غيرهم بما يفعل بهم وقد جاء الوعيد فى الشفاعة فى الحدود. ¬

_ (¬1) النساء: 85.

(45) باب استحباب مجالسة الصالحين، ومجانبة قرناء السوء

(45) بَاب اسْتِحْبَابِ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَمُجَانَبَةِ قُرَنَاءِ السُّوءِ 146 - (2628) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ. فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى تمثيل الجليس السوء والجليس الصالح بحامل المسك أو نافخ الكير: فيه تجنب خلطاء السوء ومجالسة الأشرار وأهل البدع والمغتابين للناس؛ لأن جميع هؤلاء ينفذ أثرهم إلى جليسهم، والحض على مجالسة أهل الخير وتلقى العلم والأدب، وحسن الهدى والأخلاق الحميدة. وقوله: " فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة "، قال الإمام: جمهور الفقهاء على طهارة المسك وجواز بيعه. وقال قوم بنجاسته والدليل عليهم قوله هاهنا: " وإما أن تبتاع منه "، والنجس لا يباع؛ ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمله، ولو كان نجساً لم يستعمله، والناس فى الأعصار الماضية ما أحد منهم ينكر استعماله، فدلَّ ذلك كله على طهارته. وقوله: " إما أن يحذيك ": يقال: أحذيت فلاناً، بمعنى أعطيته. قال القاضى: قد ذكر بعض أئمتنا الإجماع على طهارة المسك وطهارة فارغه، وهى جلده التي يوجد فيها، وهى قطعة ميتة أو صيدُ غير مسلم له حكم الميتة. وكذلك توضح قطعها من الغزالة حال الحياة، فما أخذ من الحى وقطع منه فهو ميتة، وكيف ولا يصح أخذها منه حال الحياة، ثم الشىء المجتمع فيه دم متعفن نجس أو مواد حكمها حكم ذلك، كما يجتمع فى الجراحات، ولا معقل عند المحققين من الفقهاء على طهارته إلا على الإجماع باستعماله، والثناء عليه وعلى ريحه وبائعه ومبتاعه ومستعمله؛ ولذلك قال بعض أئمتنا: هى نجسة لكن يصلى بها، يعنى أنه مما خص وعفى عنه شرعاً، والقياس يقضى بنجاسته، وصحة الآثار والاقتداء يقضيان باستعماله، وما روى من كراهة العمرين له فليس فيه نص على نجاسته عندهما، ولا يصح الخبر بذلك عنهما، بل صح قسمة عمر بن الخطاب له على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نساء المسلمين. والمعروف عن ابن عمر استعماله، ولا تعويل على قول من قال من شيوخنا في تعليل طهارته: إنه متولد من الحيوان، يؤخذ منها حال الحياة كالبيض، فهذا قياس فاسد وتمثيل لا يصح؛ فإن البيض ينفصل بنفسه حال الحياة غير متصل بجسد الحيوان، وهو كالمولود إذا خرج وانفصل كان طاهراً فى نفسه، وأما فارة المسك فقطعة من جلد الحيوان. ولا يعول أيضاً على قول من قال: هو جاف ولا يضره المحل النجس، فإن المسك فى أصله ليس فى صوابه ولو كان جافاً لكانت جلدة الحيوان تنجسه وإنما أصله رطب وإنما يجففه المكث بعد جلبه وبقائه الزمان في صوابه (¬1)، ولو كان جافاً لكانت جلدة الحيوان تنجسه لأنها رطبة لظاهر جعل في وعاء رطب نجس، ولذلك لا تعويل على قول مَن قال: إنه منقلب عن الدم متحول العين كالخل والخمر، فإنا لو سلمنا هذا لبقى علينا تنجيس طرفه وهو قطعة جلد الميتة الرطبة التى فيها، بخلاف دن الخمر؛ لأن دن الخمر إنما ينجس أولاً بنفس الخمر لا بغير ذلك، فلما انقلبت خلاً انقلبت سائر الأخرى التى داخلته ونجسته. قيل خلاف ذاك الحكم جملة، ولو كان الدن نجسًا بنجاسة أحد لما تطهرت الخمر إذا تخللت (¬2) فيه ولا الدن أبدًا، فلم يبق للقياس فى طهارة المسك وفارته مجال إلا التسليم واتباع السنة، وقبول الرخصة، واستثناء طهارته من هذه الأبواب، والاقتداء فى ذلك بصاحب الشريعة، وإجماع أمته على طهارته. ¬

_ (¬1) فى الأبى: وعائه. (¬2) فى الأبى: تحللت.

(46) باب فضل الإحسان إلى البنات

(46) بَاب فَضْلِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ 147 - (2629) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وحَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا - قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ - زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: جَاءَتْنِى امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِى فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِى شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ ابْتُلِىَ مِنْ الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ ". 148 - (2630) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ - عَنْ ابْنِ الْهَادِ؛ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِى زِيَادٍ - مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ - حَدَّثَهُ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ، الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ ". 149 - (2631) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مَنْ ابتلى مِنْ هذه البنات بشىء فأحسن إليهن، كنَّ له ستراً من النار " و " مَنْ عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين " وضم أصابعه، يعنى يقال: قام عليها ومأنها وأنفق عليها، ولعلها مأخوذة من العول وهو العوب، قال الله تعالى: {أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (¬1) وقال عليه السلام: " وابدأ بمن تعول " (¬2). ¬

_ (¬1) النساء: 3. (¬2) سبق فى ك الزكاة، ب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى برقم (95، 97)، أحمد فى مسنده 2/ 94 من حديث ابن عمر.

عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ " وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قال صاحب الأفعال: عال الحاكم عولاً: جار، والسهم عن الهدف والميزان: مالا، والفريضة: مالت، والرجل قمت بمؤنته عولاً، والشىء عول عليك: ثقل، وعال الرجل عليه (¬1) افتقد، والشىء عيلاً: أعجزك، والضالة عيلاً وعيلاناً: لم أدر أين أطلبها، وعيل الصبر: غلب. والذى يصح أن يراد من هذا الحديث: القيام بالمؤنة. قال القاضى: قد جعل - عليه السلام - فى هذه الأحاديث من الفضل لمن قام على البنات ما جعلن له أو لغيره، وقد جاء فى الحديث الثانى فى غير الأم: " مَنْ عال يتيماً ". وقوله: " جاء يوم القيامة أنا وهو " وضم أصابعه، جاء فى غير الحديث: " كهاتين " يريد: رفاقته معه فى الجنة، أو دخوله معه إياها فى أول من يدخل، وكفى بهذا فضلاً ولذلك فى الحديث الآخر: " كُن له حجاباً من النار ". ¬

_ (¬1) فى المعلم: عيلة.

(47) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه

(47) بَاب فَضْلِ مَنْ يَمُوتُ لَهُ وَلَدٌ فَيَحْتَسِبَهُ 150 - (2632) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ، إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِىِّ، بِإِسْنَادِ مَالِكٍ وَبِمَعْنَى حَدِيثِهِ. إِلَّا أَنَّ فِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: " فَيَلِجَ النَّارَ، إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ". 151 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: " لَا يَمُوتُ لِإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ، إِلَّا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ ". فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَوْ اثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " أَوْ اثْنَيْنِ ". 152 - (2633) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِىِّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يموت لأحد من المسلمين [ثلاثة] (¬1) فتمسه النار، إلا تحلة القسم ": أى ما تحلل به القسم وهو اليمين، وجاء تفسير القسم فى الحديث، قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (¬2) وإلى هذا ذهب أبو عبيد وغيره والقاسم قوله عند بعضهم: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} أول الآية (¬3)، وقيل فى قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ} أى: فو الله إن منكم، وقيل: يدل عليه قوله: {حَتْمًا مَقْضِيًّا} فسره الحسن وابن مسعود قسماً واجباً وقال ابن قتيبة: معناه: التعليل لأمر ورودها. " وتحلة القسم " تستعمل فى هذا فى كلام العرب، واحتج بهذا وقد يحتمل قوله: " إلا تحلة القسم ": أى ولا تحلة القسم، أي لا يمسه قليلاً ولا مثل تحلة القسم، كما قيل فى قوله: " إلا الفرقدان "، أى: ولا الفرقدان. ¬

_ (¬1) مثبتة من الحديث المطبوع. (¬2) مريم: 71. (¬3) مريم: 68.

لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ، تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. قَالَ: " اجْتَمِعْنَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ". فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنْكُنَّ مِنْ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا، مِنْ وَلَدِهَا، ثَلَاثَةً، إِلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ " فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ ". 153 - (2634) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِىِّ، فِى هَذَا الْإِسْنَادِ، بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. وَزَادَا: جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: " ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ ". 154 - (2635) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - قَالَا: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى السَّلِيلِ، عَنْ أَبِى حَسَّانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِى هُرَيْرَةَ: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِىَ ابْنَانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: قَالَ: نَعَمْ " صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ - أَوْ قَالَ: أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا، فَلَا يَتَنَاهَى - أَوْ قَالَ: فَلَا يَنْتَهِى - حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ ". وَفِى رِوَايَةِ سُوَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو السَّلِيلِ، وحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ التَّيْمِىِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: نَعَمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فما يتناهى - أو قال: ينتهى - حتى يدخله الله وأبويه الجنة " هما بمعنى، أى: ما يترك أخذه بيد أبويه. قال الإمام: قال بعض أهل العلم: المراد به قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (¬1) فالمراد هنا الوقوف عليها، وقيل: يمرون عليها وهى خامدة، وقيل: يمرون على الصراط، وهو جسر عليها، وقيل: هو ما يصيبهم فى الدنيا من الحمى، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الحمى من فيح جهنم " (¬2). وجعله أبو عبيد أصلاً فى الرجل ¬

_ (¬1) مريم: 71. (¬2) سبق فى ك السلام، ب لكل داء دواء برقم (80).

155 - (2636) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ - وَاللَّفْظُ لِأَبِى بَكْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنُونَ ابْنَ غِيَاثٍ. ح وحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ جَدِّهِ، طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِىٍّ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلَاثَةً. قَالَ: " دَفَنْتِ ثَلَاثَةً ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: " لَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحلف ليفعلن كذا بأنه يبوء (¬1) بالقليل، وهو خلاف مذهب مالك. وأما قوله: " لم يبلغوا الحنث ": قيل: معناه: قبل أن يبلغوا فيكتب عليهم الإثم. وقوله: قلت لأبى هريرة إنه قد مات لى اثنان، فما أنت محدثى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا. قال: نعم " صغارهم دعاميص الجنة " قال الإمام: أما أطفال المؤمنين الذين لم يبلغوا الحلم فأولاد الأنبياء صلوات الله عليهم منهم، قد تقرر الإجماع على أنهم فى الجنة، وكذلك جمهور العلماء على أن أولاد من سواهم من المؤمنين فى الجنة، وبعضهم ينكر الخلاف فى ذلك ويتعلقون بظاهر القرآن، وما ورد فى بعض الأخبار، وقال عزّ من قائل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (¬2)، وبعض المتكلمين يقف فيهم ولا يرى نصاً قاطعاً مقطوعاً به ورد بكونهم فى الجنة ولم يثبت عنده الإجماع فيقول به. وقوله: " دعاميص الجنة ": قال: الدعاميص دابة الماء. قال القاضى: سيأتى بقية الكلام فى الأطفال بعد هذا ما سيبقى منه، والخلاف فى أولاد المشركين. وهذا الباب ليس من العمليات التى يلزم التعويل فيها على أخبار الآحاد والظواهر وغلبات الظنون والقطع فيها متعذر، ولا يبعد فى دليل العقل على مذهب أهل السنة رحمة الله لجميعهم حتى مؤمنيهم وكافريهم، وتنعيم جميعهم فى الجنة وما شاء من ذلك، وإنما يفسر هذا التجويز والقول على مذاهب أهل البدع فى تحكيم العقول فى هذه الأبواب، وتعويلهم على التحسين والتقبيح والتعديل والتجويز والصلاح والأصلح، وحكمهم على الله بآدابهم فى سلطانه وقدرته ومشيئته وحكمته وطمعهم فى مشاركته فى علم قدره وغيبه. وقوله: " فيأخذ بثوبه كما آخذ بصنفة ثوبك ": وصنفة الثوب: طرفه. وقوله: " فلا يتناهى - أو قال: ينتهى - حتى يدخله الله وأبويه الجنة " أى ما يترك ذلك، يقال: انتهى وتناهى وأنهى بمعنى. ¬

_ (¬1) فى المعلم: يبرأ. (¬2) الطور: 21.

احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنْ النَّارِ ". قَالَ عُمَرُ، مِنْ بَيْنِهِمْ: عَنْ جَدِّهِ. وقَالَ الْبَاقُونَ: عَنْ طَلْقٍ. وَلَمْ يَذْكُرُوا الْجَدَّ. 156 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِىِّ أَبِى غِيَاثٍ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَشْتَكِى، وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْهِ، قَدْ دَفَنْتُ ثَلَاثَةً. قَالَ: " لَقَدْ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنْ النَّارِ ". قَالَ زُهَيْرٌ: عَنْ طَلْقٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْكُنْيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " احتظرت بحظار شديد من النار " أى امتنعت منها والحظار كالحائط حول البساتين وغيرها، من عيدان وقضبان يصغر ويخطر بها عليها. وقوله: ثم قال بعد ذلك لما سئل: " أو اثنين " يحتمل أنه أوحى إليه أولاً بثلاث، ثم بعد ذلك لما سئل باثنين، وقد جاء أثر أنه سُئل في واحد فقال: " أو واحد " وعليه يدل معانى غيرها من الأحاديث، ويُحتمل أنه - عليه السلام - قاله ابتداء، للأتم لأمته؛ لأن ثلاثاً أول الكثرة، فأخبرهم بذلك الثلاثة كل مَنْ مات له ولد على شفاعته ودخره، وسكت عما وراءه، فلما سئل أعلم بما عنده فى ذلك. وفى قولها: أو اثنان بعد ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فى الثلاثة، وهى من أهل اللسان، دليل على أن تعلق الحكم بعدد ما لا ينفيه من جهة دليل الخطاب عمن عداه من العدد كان أقل أو أكثر. قوله: " فتحتسبه ": يدل أن هذا الأجر إنما هو لمن احتسب أجره على الله وصبر. والاحتساب والحسبة والحساب بالكسر: ادخار الأجر عند الله وأن يعتد مصابه ويحسبه من حسناته، وهو مأخوذ من الحساب.

(48) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده

(48) بَاب إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَبَّبَهُ إِلَى عِبَادِهِ 157 - (2637) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا، دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّى أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ". قَالَ: " فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى فِى السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ". قَالَ: " ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّى أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ ". قَالَ: " فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى فِى أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ ". قَالَ: " فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِى الْأَرْضِ ". (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ. ح وحَدَّثَنَاه سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. ح وحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ - وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ - كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبُغْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا أحب الله عبداً دعا جبريل: إنى أحبه فأحبه " إلى قوله: " فوضع له القبول فى الأرض ": وقال مثله فى البغض. محبة الله عبده: إرادة الخير به فى الدنيا والآخرة، من هدايته له وإنعامه عليه ورحمته له، وبغضه له: أراد به شقاء عقابه وشقاوته فى الدنيا والآخرة، وقد تكون محبة جبريل والملائكة على وجهها من معنى المحبة وظاهرها التى تليق بالمخلوقين، ويتنزه عنها الخالق، وهو ميل النفس ونزوع الروح والقلب إليه وحبه لقاءه، وأنه لما كان ممن أطاع وأحبه الله كان ممن يجب أن يكون مع جبريل والملائكة متحابين فى الله. وقد يكون من جبريل والملائكة استغفارهم له، وذكرهم الجميل فى الملأ الأعلى له ودعائهم له. وقوله: " فيوضع له القبول في الأرض " وهو الرضا والحب فى القلوب، أى تقبله وتميل إليه، ولا تنفر عنه ولا ترده، قال الله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} (¬1)، أى: رضى. قال أبو عمر: هو مصدر، ولم أسمع غيره بالفتح فى المصدر. وقد جاء فى رواية القعنبى مفسراً: فتوضع له المحبة. ¬

_ (¬1) آل عمران: 37.

158 - (...) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ، الْمَاجِشُونُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، قَالَ: كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ لِأَبِى: يَا أَبَتِ، إِنِّى أَرَى اللَّهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنْ الْحُبِّ فِى قُلُوبِ النَّاسِ. فَقَالَ: بِأَبِيكَ أَنْتَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وهو على الموسم " يعنى الحج بالناس، سمى بذلك من الوسم وهى العلامة، ومنه: مواسم الأسواق: علاماتها التى يجتمع إليها الناس، أو تكون إشارة إلى الإهلال الذى هو علامة الحج.

(49) باب الأرواح جنود مجندة

(49) بَاب الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ 159 - (2638) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ". 160 - (...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ بِحَدِيثٍ يَرْفَعُهُ. قَالَ: " النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، خِيَارُهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِى الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا. وَالْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الأرواح جنود مجندة " أى أجناس مجنسة " فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ": قيل: معنى " أجناد مجندة ": أى جموع مجمعة، وقيل: أجناس مختلفة. هذا التعارف لأمر جعله الله فيها وجبلها عليه، وأشبه ما فيه أن يكون تعارفها موافقة صفاتها التى خلقت عليها، وتشابهها فى شيمها التى خلقت بها، وقيل: تعارفها أنها خلقت مجتمعة، ثم فصلت فى أجسادها كل قسم فى جسدين، فمن وافق قسمه ألفه، ومن باعده نافره، وقيل: هو ما يعرف الله به إليها من صفاته ودلها به عليه من لطفه وأفعاله، فكل زوج عُرفَ من الإجزاء به تعرف إلى الله بمثل ما تعرف هو به إلفه. وقال الخطابى: تآلفها: هو ما خلقها عليه من السعادة أو الشقاوة في المبدأ الأول. وفيه تقدمها على خلق الأجساد، كما جاء فى الحديث، وأخبر أنه قسمها قسمين: مختلفة ومؤتلفة.

(50) باب المرء مع من أحب

(50) بَاب الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ 161 - (2639) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ ". قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". 162 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " فَلَمْ يَذْكُرْ كَبِيرًا. قَالَ: وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ: " فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". (...) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرٍ أَحْمَدُ عَلَيْهِ نَفْسِى. 163 - (...) حَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ " قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: " فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الذى سأله عن الساعة، فقال: " ما أعددت لها؟ " فقال: ما أعددت لها كثير صيام ولا صلاة ولا صدقة ولكنى أحب الله ورسوله قال: " فأنت مع مَنْ أحببت "، وفى الحديث الآخر: " المرء مع مَنْ أحبّ " فيه أنَّ محبة الله ومحبة نبيه الاستقامة على طاعتهما وترك مخالفتهما، وإذا أحبهما تأدب بأدب شريعتهما، ووقف عند حدودهما وفى حبه لله ولنبيه ولمن أحبه من الصالحين وميله بقلبه إليهم، إنما ذلك كله لله تعالى، وطاعة له وثمرة صحة إيمانه، وشرح قلبه، وهو من أعظم الدرجات وأرفع منازل الطاعات، ومن أعمال القلوب التى الأجر عليها أعظم من أجر أعمال الجوارح، وإثابة الله على ذلك أن رفع إلى منزلة مَنْ أحبه فيه، وإن لم يكن له أعمال مثل أعماله، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء.

قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ. (...) حَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَنَسٍ: فَأَنَا أُحِبُّ. وَمَا بَعْدَهُ. 164 - (...) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجَيْنِ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَقِينَا رَجُلًا عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ ". قَالَ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ: " فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْيَشْكُرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِهِ. (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنَسًا. ح وحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِى ابْنَ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. 165 - (2640) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة " يزيد فيما زاد على الفرائض، والله أعلم. لكن في حبه لله تعالى ولرسوله بما ذكرناه من أعظم العبادة وأفضل

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِى رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ". (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ. ح وحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. (2641) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أعمال الطاعات، وهو عمل من أعمال القلب، ومحبة الله تعالى من أفضل مقامات الأولياء وأعلى درجات الأصفياء.

(51) باب إذا أثنى على الصالح فهى بشرى ولا تضره

(51) بَاب إِذَا أُثْنِىَ عَلَى الصَّالِحِ فَهِىَ بُشْرَى وَلَا تَضُرُّهُ 166 - (2642) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ، وَأَبُو الرَّبِيعِ، وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: " تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وَكِيعٍ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الصَّمَدِ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، بِإِسْنَادِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِهِمْ عَنْ شُعْبَةَ، غَيْرَ عَبْدِ الصَّمَدِ: وَيُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ: وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ. كَمَا قَالَ حَمَّادٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله للرجل يعمل الخير ويحمده الناس: " تلك عاجل بشرى المؤمن ": أى عنوان الخير له، ودليل على رضا الله عنه وحبه له، بدليل الحديث المتقدم: " ثم يوضع له القبول فى الأرض " وهذا كله إذا كان حمد الناس له عليه من غير طلبه ذلك ويعرضه له، فإن هذا أصل الرياء وأعظم الآفات لإفساد الأعمال وهلاك العاملين لها وتزيين الشرك. وقوله: " تلك عاجل بشرى المؤمن " أى: البشرى المعجلة، ونبه على الموحدة فى الآخرة بقوله: {بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ} (¬1). وقوله: " فلقيت رجلاً عند سدة المسجد (¬2) فقال: يا رسول الله "، قال الإمام: قال الهروى فى حديث المغيرة بن شعبة أنه قال: لا يصلى فى سدة المسجد الجامع، يعنى الظلال. ومنه سُمى إسماعيل السدى؛ لأنه كان يتبع فى سدة الجامع. وفى الحديث: أن أم سلمة قالت لعائشة - رضى الله عنها - إنك سدة بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته، أى باب، فمتى أحبت ذلك الباب بشىء فقد دخل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حريمه، ومنه الحديث: فى الذين يردون الحوض الذين لا يفتح لهم السد (¬3) والحديث يقول: " لا يفتح لهم الأبواب ". ¬

_ (¬1) الحديد: 12. (¬2) سبق فى ب المرء مع من أحب برقم (164). (¬3) سبق فى ك الفضائل، ب إثبات حوض نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقم (40).

46 - كتاب القدر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 46 - كِتَاب الْقَدَرِ (1) بَاب كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْآدَمِىِّ، فِى بَطْنِ أُمِّهِ وَكِتَابَةِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقَاوَتِهِ وَسَعَادَتِهِ 1 - (2643) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِى ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِى ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِى لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب القدر قال القاضى: وقوله فى حديث ابن مسعود: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم ذكر أنه علقة مثل ذلك ومضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح بأربع كلمات يكتب (¬1) رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد "، وفى حديث ابن مسعود فى الرواية الأخرى فقال: " إذا مر بالنطفة ثلاث وأربعون - ويروى: ثنتان وأربعون - بعث الله لها ملكاً فيصورها " إلى قوله: " يا رب، أذكر أم أنثى؟ " الحديث، وقال فى حديث حذيفة بن أسيد: " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر فى الرحم بأربعين أو خمس وأربعين، فيقول: يا رب، أشقى أم سعيد؟ "، وفى الرواية الأخرى: " أن النطفة تقع فى الرحم أربعين ليلة، ثم يتسور عليها الملك فيقول: يا رب، أذكر أم أنثى "، وفى روايته الأخرى: " لبضع وأربعين "، وفى حديث أنس: " إن الله قد وكل بالرحم ملكاً فيقول: أى رب نطفة، أى رب علقة، أى رب مضغة، فإذا أراد أن يقضى خلقاً قال: أى رب، ذكراً أو أنثى؟ شقى أو سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ ": اختلفت ألفاظ هذا الحديث فى مواضع، ولم يختلف أننفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يوماً، وذلك تمام ¬

_ (¬1) فى الأبى: بكتب.

(...) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَاه عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. قَالَ فِى حَدِيثِ وَكِيعٍ: " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ". وقَالَ فِى حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ: " أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ". وَأَمَّا فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ وَعِيسَى: " أَرْبَعِينَ يَوْمًا ". 2 - (2644) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ نُمَيْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ - يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِى الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ. فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ. وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ ". 3 - (2645) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ؛ أَنَّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: الشَّقِىُّ مَنْ شَقِىَ فِى بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ. فَأَتَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الْغِفَارِىُّ، فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: وَكَيْفَ يَشْقَى رَجُلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَتَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا. ثُمَّ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أربعة أشهر ودخوله فى الخامس، وهذا قد جرب بالمشاهدة، وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام فى الاستلحاق عند التنازع وفى وجوب النفقات على حمل المطلقات، وذلك لتيقنه بحركة الجنين فى الجوف. وقد قيل: إن الحكمة فى عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وهو الدخول فى الخامس ليتحقق براءة الرحم ببلوغها هذه المدة وزيادة من زاد فى مجىء الملك أنها بعد زيادة على الأربعين مشعرة أنه لا يأتيها الملك لرأس أربعين، إذ بعدها - كما قال - ثلاث أو خمس أو بضع على اختلاف الروايات، ولم يأت فى غيرها من الأحاديث النص على رأس

يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِى رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَجَلُهُ. فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، رِزْقُهُ. فَيَقْضِى رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِى يَدِهِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ ". (...) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. 4 - (...) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ؛ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ حَدَّثَهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِى سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِىِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنَىَّ هَاتَيْنِ، يَقُولُ: " إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِى الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ ". قَالَ زُهَيْرٌ: حَسِبْتُهُ قَالَ: الَّذِى يَخْلُقُهَا " فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَسَوِىٌّ أَوْ غَيْرُ سَوِىٍّ؟ فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِىٍّ. ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ، مَا رِزْقُهُ؟ مَا أَجَلُهُ؟ مَا خُلُقُهُ؟ ثُمَّ يَجْعَلُهُ اللَّهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أربعين. وذكره أن لكل حالة وانتقال مدة أربعين يوماً، وأنه إنما ينتقل إلى العلقة بعد الأربعين، أصل فى أنه لا يعول فى السقط إلا إذا كان علقة، وحينئذ يحكم لأمه بأنها أم ولد، وبه تبرأ العدد، ولا يحكم لذلك بالدم المجتمع، وهو قول ابن القاسم؛ لأنه لا يتميز أنه سقط إلا بتخلقه إلى العلقة، وأشهب يرى أن كل ما شهد النساء أنه سقط من دم أو علقة أو غيره حكم له بأنه سقط، وهذا لا يعلمه النساء إلا بعد تخلقه إلى العلقة. وفيه رد على أهل التشريح والطب والطبائعيين، ومَنْ يقول بقولهم؛ من أن الولد إنما يكون من دم الحيض، فإنه [لا حض] (¬1) للمنى فيه إلا عقده كما تعقد الأنفحة اللبن، وكتاب الله والأحاديث الصحاح ترده. وقوله هنا: " ثم إن النطفة تقع فى الرحم أربعين ليلة، ثم يتسور عليها الملك فيقول: يا رب، أذكر أو أنثى؟ " ومعنى " يتسور عليها ": أى ينزل، مستعارة من تسورت الدار: إذا نزلت فيها من أعلاها، ولا يكون التسور إلا من فوق. ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، وسياق الكلام لا حظ.

(...) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، حَدَّثَنِى أَبِى كُلْثُومٌ، عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِىِّ - صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا بِإِذْنِ اللَّهِ، لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 5 - (2646) حَدَّثَنِى أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - وَرَفَعَ الْحَدِيثَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا. فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ، نُطْفَةٌ. أَىْ رَبِّ، عَلَقَةٌ. أَىْ رَبِّ، مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِىَ خَلْقًا قَالَ: قَالَ الْمَلَكُ: أَىْ رَبِّ، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ شَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الْأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِى بَطْنِ أُمِّهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أى رب، نطفة. أى رب، مضغة. أى رب، علقة "، وجاء فى بعض الحديث عن ابن مسعود تفسير " يجمع فى بطن أمه ": أن النطفة إذا وقعت فى الرحم فأراد الله تعالى أن يخلق منها بشراً طارت فى بشر المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة، ثم تصير دماً فى الرحم، فذلك جمعها، وهذا هو وقت كونها علقة، وكذلك قوله فى الحديث الآخر: " فإذا غلب ماء الرجل ماء المرأة " (¬1)، وكفى بهذا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} (¬2)، وقوله: عالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} (¬3). وإنما يبقى في هذا الحديث من الإشكال أنه ذكر فى حديث ابن مسعود أن سؤال الملك بعد المضغة ونفخ الروح فيه على ما تقدم. وقوله: " ويؤمر حينئذ بأربع كلمات رزقه وأجله "، وذكر فى حديث حذيفة إتيان الملك إليها بعد ما يستقر فى الرحم بأربعين أو خمس وأربعين، فيقول: " يا رب، أشقى أم سعيد؟ أذكر أم أنثى؟ "، وكذلك فى الرواية الأخرى عن ابن مسعود: " إذا مرّ بالنطفة [ثلاث وأربعين] (¬4) بعث الله ملكاً يصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ " ثم ذكر أجله ورزقه، وفى حديث أنس: " إن الله وكل بالرحم ملكاً، فيقول: أى رب، نطفة. أى رب علقة. أى رب، مضغة، فإذا أراد الله أن يقضى خلقاً قال الملك: أى رب، ذكر أو أنثى؟ شقى أو ¬

_ (¬1) سبق فى ك الطهارة برقم (30). (¬2) غافر: 67. (¬3) المؤمنون: 14. (¬4) فى ح: اثنين وأربعين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد ". يظهر من مجموع هذه الأحاديث أن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة، وإعلام الله تعالى بانتقال حالاتها وهو أعلم، وأن لتصرف الملك فى أمرها أوقاتاً؛ أحدها عند تحركها من النطفة إلى العلقة وهو أول انتقال أحوالها إلى حال الحمل، وعلم الملك بأنه ولد؛ إذ ليس كل نطفة تكون ولداً؛ ولهذا رأى أهل العلم أنه ليس لها في الأربعين حكم السقط. ورأى بعضهم أنها ليس لها حرمة ولا لها حكم المراد فى الأربعين. خالفه غيره فى هذا، ولم ير إباحة إفساد المنى ولا سبب إخراجه بعد حصوله فى الرحم بوجه قرب أو بعد، بخلاف العزل قبل حصوله فيه، وهو وقت سؤال الملك ربه حينئذ عن صفة خلقه ورزقه وأجله وشقاوته وسعادته، وذلك قبل تصويره وتخلقه، ألا تراه كيف قال: " أذكر أو أنثى؟ " فيكتبان وتطوى الصحف، وفى الرواية الأخرى: " فيقضى ربك ما شاء ويكتبه "، وليس فى حديث ابن مسعود ما يخالفه لذكر ذلك بعد نفخ الروح فيه؛ لأنه قال: " ويؤمر "، والواو لا تعطى رتبة، فإنما أخبر - والله أعلم - عن حال تقدمت ثم يصرف (¬1) الملك فيه وقت آخر، [وذلك] (¬2) عند التصوير وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه، وكونه ذكراً أو أنثى، وذلك إنما يكون بعد كونه مضغة في الأربعين الثالثة قبل تمام خلقها (¬3) ونفخ الروح فيه، إذ لا ينفخ فى الروح إلا بعد تمام صورته، لكنه فى حديث ابن مسعود من رواية عمرو بن الحارث (¬4) فى قوله: " إذا مر بالنطفة [ثلاث وأربعين] (¬5) بعث الله إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها وعظمها ولحمها ثم قال: يا رب أذكر أو أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب، ثم يقول: يا رب، أجله " وذكر رزقه، فحمل هذا على ظاهره لا يصح؛ لأنه قد ذكر أن ذلك ما يقضى الله فيه ما شاء ويكتب، فدل أنه يوجد بعد، وإنما هو كتاب كما قال: " ثم خرج الملك بالصحيفة فى يده "؛ ولأن التصوير بأثر النطفة وأول العلقة وفى الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود، وإنما التصوير فى الأربعين الثالثة فى مدة المضغة، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا} (¬6). فهذا تفسير ما جاء فى الحديث على اختلاف ألفاًظه، ويكون معنى " نطفة " فى هذا الكتاب: تصورها " وخلق سمعها وبصرها ": أى كتب ذلك وما قضى الله منه، بدليل قوله بعد: " أذكر أم أنثى؟ "، وفى الحديث الآخر: " سوى أو غير سوى؟ ". ¬

_ (¬1) فى ح: تصرف. (¬2) فى هامش ح. (¬3) فى ح: أجلها. (¬4) فى ح: الحرث، وفى الرسالة: الحريث. (¬5) فى ح: اثنتان وأربعين، وهو الصواب. (¬6) المؤمنون: 12 - 14.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " فيقضى ربك ما شاء ": فيرجع الكلام كله إلى هذا؛ ولأن خلقه جميع الأعضاء والذكورية والأنوثة على حد سواء ووقت متفق، وهذا يشاهد فيما يوجد من أجنة الحيوان مشاهدة، وهو الذى يقتضى الخلقة واستواء الصورة، ثم يكون للملك فيه تصرف آخر وهو وقت نفخ الروح فيه، وما ذكره فى الحديث من إرسال الملك له فمراده - والله أعلم بمراده - يوجهه (¬1) للتصرف فى هذه الأحوال وامتثال هذه الأفعال، وإلا فقد ذكر فى حديث أنس أنه موكل بالرحم وأنه يقول: " يا رب نطفة، أى رب علقة، أى رب مضغة " وهو ظاهر حديث ابن مسعود. وقوله فى حديث آخر (¬2): " فإذا أراد الله أن يقضى خلقاً قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ شقى أم سعيد؟ " ليس يخالف ما تقدم، ولا يدل أنه يقول ذلك بعد المضغة، بل هو ابتداء كلام وإخبار عن حالة أخرى، أخبر أولاً. بحال الملك مع النطفة، ثم أخبر أن الله - تعالى - إذا أراد إظهار خلق النطفة علقة وإبقاء أثرها لقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (¬3)، وذلك يرجع عند تخليق النطفة علقة كما تقدم. ومثل هذا جميع ما ورد فى الرزق والأجل من قوله: " فيقضى ربك ما شاء من ذلك ويكتب " أى يظهر ذلك للملك ويأمره بإنفاذه وكتابته وإلا فقضاؤه سابق، وعلمه بما يكون من ذلك وإرادته فيه متقدمة أزلية لا أول لها، وعلى هذا تتفق الأحاديث وتطابق الآية، ولا يكون بينهما تخالف ولا تعارض، ولا يجد الملحد للكلام فى ذلك سبيلاً. وقوله: " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها " الحديث: هذا راجع إلى [أن الأمر بالخواتيم، فإذا كل أحد يتوفى على ما سبق له فى أم الكتاب، وذهب بعضه إلى أن] (¬4) المراد به الحيف فى الوصية وهذا يبعد عن سياق هذا الحديث ولا يدل عليه، وإنما يدل على سوء الخاتمة، بدليل قوله بعده فى حديث أبى هريرة: " إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له بعمل أهل النار "، وفى البخارى: " وإنما الأعمال بالخواتيم " (¬5). وفى هذا أن الثواب والعقاب راجع إلى أمر الخاتمة، وأن التوبة تكفر الذنوب، وأن من مات على شيء حكم عليه به من خير أو شر إلا ما عفا الله عنه من السيئات، وسمح فيه لأهل الإيمان من التبعات. وقوله: " ما بينه وبينها إلا ذراع " على طريق التمثيل للقرب من موته ودخولها بأثره مثل من وصل إلى شىء بينه وبين هذا القدر ثم منع منه. ¬

_ (¬1) فى ح: توجيهه. (¬2) فى ح: أنس. (¬3) طه: 72. (¬4) فى هامش ح. (¬5) البخارى، ك القدر، ب العمل بالخواتيم 8/ 155.

6 - (2647) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: كُنَّا فِى جَنَازَةٍ فِى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ". قَالَ: فَقَالَ رَجَلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: " مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ " فَقَالَ: " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ". ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث على: كنا فى جنازة فى بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه مَخصرة - وفى الرواية الأخرى: وبيده عود - فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: " ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار، وقد كتبت شقية أو سعيدة ". فقال رجل: ألا نمكث على كتابنا وندع العمل " وفى الرواية الأخرى: أفلا نتكل؟ فقال: " من كان من أهل السعادة فيصير إلى عمل أهل السعادة " الحديث، وفيه: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". قال الإمام: قول الرجل للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سمع منه: إن الله سبحانه قد كتب السعادة والشقاوة على ما وقع فى هذا الحديث: " أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ " يلاحظ تشنيع المعتزلة علينا بقولهم: إذا قلتم: إن الله - سبحانه - خلق معصية العاصى فلم يعذبه على ما خلقه فيه وقدره عليه؟ وما فائدة التخليق (¬2)، وكيف يطلب الإنسان بفعل غيره؟ وأى فائدة فى العمل وقد وقع فى نفس هذا الرجل شبهة من فائدة العمل، وأراد أن يؤكد ما عنده بقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الجواب، ودفع اعتراضه ولم يقل له: إنه صحيح، بل أخبره أن الله - جلت قدرته - يسر أهل السعادة بعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة بعمل أهل الشقاوة، وتلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن مُصدقّاً لما قال، وأخبر أن الله - سبحانه وتعالى - إذا أنفذ قدره بشقاوة عبدٍ يسَّر له عمل أهل الشقاوة وهيأه له وسهله عليه، وأتاح له أسبابه التى تعينه وتبعثه على اكتساب المعاصى، والإنسان عندنا مكتسب لفعله لا مجبور عليه. ¬

_ (¬1) الليل: 5 - 10. (¬2) هكذا فى الأصل، وفى ح والرسالة: التكليف.

(...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِى مَعْنَاهُ. وَقَالَ: فَأَخَذَ عُودًا. وَلَمْ يَقُلْ: مِخْصَرَةً. وَقَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فِى حَدِيثِهِ عَنْ أَبِى الْأَحْوَصِ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 7 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: " لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ". ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وتحقيق القول فى الكسب يتسع، وموضعه كتب الأصول (¬1). ولا يبعد فى العقل أن يجعل الله - سبحانه وتعالى - هذه الأعمال أمارة عليه استحقاق الجنة والنار، ويسهل لكل عبد ما قضى له أو عليه من ذلك والغرض هاهنا الإشارة إلى ما قلناه من أن الأسلوب الذى يقدح به المعتزلة قد وقع ما يلاحظه من هذا السائل (¬2) ولم يصححه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [بل أجاب عنه بما ذكر، ولعل السائل له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد] (¬3) أن يعلم حقيقة الانفعال، أو تأكيد (¬4) ما وقع فى نفسه منه على ما قلناه، ولم يقصد الاعتراض على قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرد والتشكك فيه، كما يقصد المعتزلة باعتراضهم (¬5) القدح فى الحق الذى بيناه. ¬

_ (¬1) انظر: العقيدة الطحاوية، والألقاب للبيهقى، والمجلد الثامن من فتاوى ابن تيمية. (¬2) هكذا فى الأصل، وفى ح: الإنسان. (¬3) سقط من ح. (¬4) قبلها فى ح: أن. (¬5) فى ح: باعتراضها.

8 - (2648) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ. ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ، فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ؟ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟ قَالَ: " لَا، بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ ". قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ زُهَيْرٌ: ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِشَىْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ. فَسَأَلْتُ: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ". (...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْمَعْنَى. وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك قول الرجلين من مزينة بعد هذا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه، أشىء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر سابق، أو فيما يستقبلون به مما آتاهم [به] (¬1) نبيهم - عليه السلام - وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: " بل شىء قضى عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك فى كتاب الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (¬2) " هذا مطابق لقول الأشعرية وأهل السنة، فى أن كل شىء بقضاء الله وقدره، وأن المعاصى قضاها الله وقدرها، ألا ترى قول السائل: أرأيت ما يعمله الناس [اليوم] (¬3) ويكدحون فيه ولم يفرق بين خير وشر، ولا طاعة ولا معصية؛ ولذلك جوابه - عليه السلام - لم يفرق فيه، بل قال: كل شىء قُضى عليهم ومضى فيهم، وتلا كتاب الله تعالى مصدقاً لما قال، ومسوياً بين الفجور والتقوى بقوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فأخبر - سبحانه وتعالى - عن النفس وما فعل فيها. وكذلك قوله - عليه السلام -[فى كتاب مسلم بعد هذا: " كل شىء بقدر حتى العجز والكيس " (¬4) مطابق - أيضاً - لقول الأشعرية فى هذا. وكذلك قوله: جاء قوم مشركون يخاصمون النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬5) فى القدر (¬6) فنزل قوله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} إلى قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (¬7). هكذا الأحاديث كلها مطابقة لقول أهل الحق. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) الشمس: 7، 8. (¬3) فى هامش ح. (¬4) سيأتى فى ب كل شىء بقدر برقم (18). (¬5) ف هامش ح. (¬6) سيأتى فى ب كل شىء بقدر برقم (19). (¬7) القمر: 48، 49.

9 - (2649) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ الضُّبَعِىِّ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: فَقَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: قِيلَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: " كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ". (...) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ. ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، فِى هَذَا الْإِسْنَادِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ. وَفِى حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. 10 - (2650) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِى الْأَسْوَدِ الدِّئلِىِّ، قَالَ: قَالَ لِى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ: أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَىْءٌ قُضِىَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرِ مَا سَبَقَ؟ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ شَىْءٌ قُضِىَ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى عَلَيْهِمْ قَالَ: فَقَالَ: أَفَلَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما سميت (¬1) الأشعرية أهل السنة؛ لاتباعهم السنن هكذا، وموافقتهم لها، والمعتزلة تتجاسر على ردها وتصغى إلى شبهة فى عقولها، فيهون عليها معها ركوب العظام من رد السنن الواردة، والازدراء على رواتها، وتكذيب الثقات من المحدثين. وهذا مجانب لفعل أهل التحصيل، [والدين] (¬2) أعاذنا الله ضلالة الملحدين. وأما قوله: " ومعه مخصرة " (¬3) قال الهروى (¬4): قال أبو عبيد: وهو ما خصره الإنسان بيده فأمسكه [من] (¬5) عصا أو غيرها أو عكازه، وفى حديث آخر: " فإذا تخصروا بها سجد لهم ". قال القتبى: التخصر: هو إمساك القضيب باليد وكانت الملوك تتخصر بقضبان لها وتشير بها، وتصل كلامها وهى الخاصر، واحدها مخصر، وقد خاصرت فلاناً: إذا أخذت بيده وتماشيتما. وفى حديث: " المتخصرون يوم القيامة، على وجوههم النور " (¬6) قال أبو العباس: معناه: المصلون بالليل، فإذا تعبوا وضعوا ¬

_ (¬1) فى الأصل: سألت، والمثبت من ح. (¬2) من ح. (¬3) حديث برقم (6) بالباب. (¬4) انظر: غريب الحديث للهروى. (¬5) ساقطة من ح. (¬6) لم نطلع على هذا الحديث فى المراجع المتاحة لدينا.

ظُلْمًا؟ قَالَ: فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: كُلُّ شَىْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ، فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فَقَالَ لِى: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنِّى لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ إِلَّا لِأَحْزِرَ عَقْلَكَ، إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ، وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَىْءٌ قُضِىَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ؟ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أيديهم على خواصرهم من التعب. قال: ويكون معناه: أنهم يأتون يوم القيامة ومعهم أعمال يتكئون عليها. مأخوذ من الخصرة. أخبرنا بذلك الثقة عن أبى عمر وغيره، وفى حديث أبى هريرة: " نهى أن يصلى الرجل مختصراً " (¬1) قيل: هو أن يأخذ الرجل بيده عصا يتكئ عليها، وقيل: معناه: أن يقرأ من [آخر] (¬2) السورة آية أو آيتين ولا يقرأ السورة بكمالها فى فرضه، هكذا رواه ابن سيرين (¬3) عنه. ورواه غيره مختصراً. ومعنى: " لأن يصل الرجل واضعاً يده على خصره "، ومنه حديث: " الاختصار راحة أهل النار " (¬4)، ونهى عن اختصار السجدة (¬5) وتفسيرها على وجهين: أحدهما: أن يختصر الآية التى فيها السجدة، فيسجد فيها. والثانى: أن يقرأ السورة، فإذا انتهى إلى السجدة جاوزها ولم يسجد لها. ومنه أخذ مختصرات الطريق. وقال القاضى: وقوله: " ينكت بها " أى يضرب بها فى الأرض [ويؤثر. والنكت الأثر، نكت فى الأرض] (¬6): إذا أثر فيها بقضيب أو نحوه. وقوله: " أفيما جفت به الأقلام ": عبارة عما مضت به المقادير وتم كتابه، وجف القلم الذى كتب به ذلك، أى لم يكتب بها بعد كما عهدنا نحن مما فرغنا من كتابه، فيبقى القلم جافاً للاستغناء عنه لذلك. وكتاب الله لوحه وقلمه وصحيفته التى ذكر فى الحديث من غيبه، وسر علمه الذى يلزمنا الإيمان والتصديق به، وكيفية صفة ذلك فى علم الله - جل جلاله - لا يحاط بشىء من علمه إلا بما شاء. ¬

_ (¬1) سبق فى ك المساجد، برقم (46). (¬2) من هامش ح. (¬3) انظر: مصنف ابن أبى شيبة، ك الصلوات، ب الرجل يضع يده على خاصرته فى الصلاة 1/ 400 رقم (264). (¬4) ابن خزيمة فى صحيحه برقم (909)، البيهقى فى السنن الكبرى 2/ 287. (¬5) انظر: مصنف ابن أبى شيبة 1/ 366 رقم (4202 - 4209). (¬6) فى هامش ح.

فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: " لَا، بَلْ شَىْءٌ قُضِىَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (¬1) ". 11 - (2651) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". 12 - (112) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمران بن حصين لأبى الأسود: " أرأيت ما يعمل الناس به ويكدحون فيه "، قال الإمام: الكدح: السعى فى العمل لدنيا كان أو آخرة. قال القاضى: وقوله حين سأله: فيما يعمل الناس؟ فقال: شىء قضى عليهم ومضى عليهم، فقال له: أفلا يكون ظلماً؟ قال: ففزعت من ذلك فزعاً شديداً وقلت: كل شىء خلق الله وملك يده {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (¬2) وجواب مثل أبى الأسود فى علمه وفضله عن اعتراضه عليه بالشبهة التى أضلت القدرية من تحكمهم على حكم الله، والدخول عليه بإرادته فى قضائه وملكه، ونزوعه بالآية موضع الجنة لأهل السنة والوزر من شبهة أهل القدر لان المالك يفعل فى ملكه ما يشاء؛ وإنما يعرض عليه فيما لا يملكه، ولأن الله - تعالى - لا علة لأفعاله بل إليه تنتهى العلل، وعنده تنقطع الأسئلة لا إله غيره ولا معقب لحكمه. وقول عمران له: إنى لم أرد بما سألتك عنه (¬3) لأحرز عقلك أى اختبارك ومقدار علمك وثباتك فى ذلك، وقوة بصيرتك فيه. وذلك لما كان تحرك هناك ¬

_ (¬1) الشمس: 7، 8. (¬2) الأنبياء: 23. (¬3) فى متن الحديث: إلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلام قول القدرية وتشنعهم على أهل السنة. وفيه اختبار العلماء طلبة العلم وإلقاء صعاب المسائل عليهم ليعلموا (¬1) مقادير علمهم أو ليبينوا لهم مشكل ما تدعوهم ضرورته إليه مما عساهم لا يهتدون لسؤاله، أو يخافون خطأهم وغلطهم فيه. وفيه جواز كلام أهل العلم فى هذا الباب، وتحاججهم، ومناظرتهم لإظهار الحجج لا للجدل. والمراد المغالبة. وأما ما ورد من نهى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجدال إنما هو فى مثل هذا الوجه المدفوع (¬2)، أو لمن ليس من أهل العلم بهذا الشأن أو الجدال بالباطل ومقالات أهل البدع فيه. وفى قوله: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " (¬3) واحتجاجه بقوله تعالى فى الآية: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (¬4) الحجة القاطعة أيضاً على الجبرية، وشرح لقوله: " إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار ". وقوله فى الحديث الآخر: " بل شىء قُضى عليهم ومضى فيهم " قال أئمتنا المحققون: إن هذه الأحاديث اقتضت أن الله لم يزل عالماً من يطيعه فيدخله الجنة، ومن يعصيه فيدخله النار، وليس استحقاق من استحق منهم الجنة أو النار من أجل سابق علمه (¬5) فيه، ولا ذلك عليه ولا اضطر عليه تعالى أحداً منهم للعمل الموجب لذلك من طاعة أو معصية الله تعالى جل جلاله. تقدم فيهم علمه وإرادته بما هم عاملون وما هم صائرون إليه قبل خلقهم وبعد خلقهم، وقال فى أهل الجنة: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬6)، وفى أهل النار: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (¬7) و {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى} (¬8). فأخبر أن ثوابه وعقابه على أعمالهم، وكل ذلك فى سابق علمه فيهم فرحمة من رحمه منهم: بهدايته وتيسيره، وخذلان من خذله منهم بعصيانه وكفره. فأمر تعالى ونهى ليطيع المطيع فيدخل الجنة أو يعصى العاصى فيدخل النار، ابتلاء منه تعالى عباده لينظر كيف يعملون وليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وليتم حجته على خلقه بأمره ونهيه وتيسيره له سبيل هداه أو ضلالته، وتزيينه ذلك له، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى ¬

_ (¬1) فى ح: ليعرفوا. (¬2) فى ح: المذموم، وكذا فى الرسالة. (¬3) حديث رقم (7) بالباب. (¬4) الليل: 7. (¬5) فى ح: العلم. (¬6) الأحقاف: 14. (¬7) فصلت: 28. (¬8) النجم: 31.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (¬1)، وكما قال فى المؤمنين: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ. فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} (¬2)، وقال فى أهل الشقاء: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} (¬3)، وقال: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (¬4). فلم يضطر أحد منهم إلى عمله ذلك، فهذا [كما] (¬5) يقول الجبرية، فسقط عنهم اللوم والحجة. وهو العدل الذى لا يحيف، ولا فعلوا ما لم يقدره ولم يشأه، ولا سبق فى علمه كما يقول القدرية، فيكون فى ملكه ما لا يريد، ويفعلون ما لم يقدره وهو العليم الخبير، الفعال لما يشاء، الذى خلقهم وما يعملون. ¬

_ (¬1) الليل: 5 - 10. (¬2) الحجرات: 7، 8. (¬3) النمل: 4. (¬4) فاطر: 8. (¬5) فى هامش ح.

(2) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام

(2) بَاب حِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام 13 - (2652) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ الْمَكِّىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ حَاتِمٍ وَابْنِ دِينَارٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى. فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُونَا، خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِى بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ "، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ". وَفِى حَدِيثِ ابْنِ أَبِى عُمَرَ وَابْنِ عَبْدَةَ. قَالَ أَحَدُهُمَا: خَطَّ. وقَالَ الْآخَرُ: كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: احتّج آدم وموسى، فقال موسى: أنت أبونا: قال أبو الحسن القابسى: التقت أرواحهما فى السماء، فوقع الحجاج بينها. قال القاضى: ويحتمل أنه على ظاهره، وأنهما اجتمعا بأشخاصهما، وقد جاء فى حديث الإسراء (¬1): أنّ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتمع بالأنبياء فى السماوات وفى بيت المتندس وصلى بهم، ولا يبعد أن الله أحياهم كما جاء فى الشهداء. وقيل: يحتمل أن ذلك كان فى حياة موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه سأل ربه أن يريه آدم فحاجه بما ذكر. وذكر الطبرى فى القصة أثرًا عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قال موسى: رب، أبونا آدم الذى أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله إياه، فقال له أنت آدم؟ قال: نعم " وذكر الحديث (¬2). وقوله: " أنت الذى خيبتنا وأخرجتنا من الجنة "، وفى الرواية الأخرى: " أغويت الناس " قيل: يحتمل أنك كنت سبب ذلك بإخراجهم من الجنة فعرضهم لإغواء الشياطين، ويحتمل أنه لما غوى هو بمعصيته بقوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (¬3) وهم ذريته. سموا غاوين. والغى: الانهماك فى الشر. وأما فى شأن آدم فقيل: معناه: جهل، وقيل: أخطأ. وقد جاء فى الآية الأخرى: {فَنَسِيَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سبق فى ك الإيمان برقم (259) عن أنس بن مالك. (¬2) انظر: البداية والنهاية 1/ 91. (¬3) طه: 121. (¬4) طه: 115.

14 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَىْءٍ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ ". 15 - (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِىِّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنِى الْحَارِثُ بْنُ أَبِى ذُبَابٍ عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ هُرْمُزَ - وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَام - عِنْدَ رَبِّهِمَا، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى. قَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِى خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ فِى جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ؟ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَىْءٍ، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا. قَالَ آدَمُ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (¬1) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلُومُنِى عَلَى أَنْ عَمِلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه حجة لأهل السنة أن الجنة التى خرج منها آدم هى جنة الفردوس، والتى يدخلها الناس فى الآخرة. خلافًا لقول المبتدعة: إنها جنة أخرى غيرها. وقوله فى الحديث فى الرواية الأخرى: " أنت الذى خلقك الله بيده " وقوله (¬2) أيضاً: " وخط لك بيده ": اختلف أئمتنا فيما ورد من ذكر اليد وشبه ذلك مما لا يليق ظاهره بالله تعالى فكثير من السلف يرى إمرارها بتنزيه (¬3) الله - تعالى - عن ظاهرها، وترك تأويلها. وذهب أبو الحسن الأشعرى - فى طائفة من أصحابه - إلى أنها صفات سمعية لم نعلمها إلا من جهة الشرع نثبتها صفاتاً ولا نعلم حقيقتها وشرحها. وذهب غير واحد إلى تأويلها على مقتضى اللغة، فيحمل اليد بمعنى القدرة أو النعمة وقد مرّ من هذا فى غير هذا الموضع. وقوله: " أعطاك الله [علم] (¬4) كل شىء " عموم، والمراد به الخصوص، أى مما علمك. وقيل: يحتمل مما علمه البشر. ¬

_ (¬1) طه: 121. (¬2) فى ح: وقولهم. (¬3) فى ح: وتنزيهه. (¬4) فى هامش ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " اصطفاك ": أى آثرك بالرسالة واختصك بكلامه [كما] (¬1) قال فى الرواية الأخرى: " وقربك نجياً "، أى تكلمه وحدك. وفى محاجته له حجه على جواز المحاجة للعلماء كما قدمناه. وفى قول آدم له هذا تقرير له على ما علمه، مما لا يوجب له لومه على ذنبه لقوله [له] (¬2): " فأعطاك الألواح فيها علم كل شىء، وقربك نجياً فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين عامًا. قال: فهل وجدت فيها {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (¬3) قال نعم. قال: أفتلومنى على أن عملت عملاً كتبه الله علىّ أن أعمله قبل أن يخلقنى بأربعين سنة؟ ". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فحج آدم موسى ". معناه: غلبه بالحجة، وظفر عليه بها. وقيل: بل إن آدم أب لموسى - عليهما السلام - ولم يشرع للابن لوم أبيه ومعصيته. وهذا يبعد عن (¬4) سياق الحديث، ومفهومه (¬5) تذنيبه على لومه، وعلة ذلك. ويحتمل أن غلبة أباه (¬6) بالحجة لما علمه من التوراة من تقدير الله - تعالى - ذلك وإرادته. وأن يكون له نسل في الأرض، وأنبياء، وسعداء، وأتقياء وأن الله - تعالى - قد شاء ذلك كله وأراده وقدره، فلم يكن منه بد. وهذا إنما كان بتقدير الله إخراجه من الجنة وإرادته ذلك، ولو شاء الله [ألا يخرج من الجنة ولا فعل سبب خروجه] (¬7) لم يكن من ذلك شىء ولا بد من كونه. فلا بد من خروجه من الجنة وسببه الموجب لذلك. فإذا كان موسى - عليه السلام - قد علم هذا من التوراة ففيم اللوم؟ وهذا هو سر القدر الذى أمرنا بالإمساك عنه. فهذا وجه فى غلبة آدم بحجته موسى - عليهما السلام - وأيضاً، فإن اللوم على الذنب شرعى ليس للعقل فيه مجال. وإذا تاب الله - تعالى - على آدم وغفر له، ورفع اللوم عنه فمن لام فيه محجوج. قال الإمام: قال بعض أهل العلم: لما كان الله - سبحانه - قد تاب على آدم من معصيته لم يجب لومه عليها، وإلا فالعاصى منا لا ينجيه من اللوم والعقاب. قوله: " إن الله قدر ذلك علىَّ " لأنه أيضًا قدر عليه العقوبة واللوم إذا وقعا به، ولما كان الله تعالى تاب على آدم - عليه السلام - صار ذكر ذلك له إنما يفيد إذا مباحثته عن السبب الذى دعاه إلى ذلك، فأخبر [آدم] (¬8) - عليه السلام - أن السبب قضاء الله وقدره. [وهذا جواب صحيح إذا كانت المباحثة عن الموقع فى ذلك. ولم يكن عند آدم] (¬9) سبب موقع على [الحقيقة] (¬10) إلا قضاء الله تعالى وقدره؛ ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فحجّ آدم موسى "؛ ولهذا قال آدم لموسى - عليهما السلام -: " أنت موسى الذى اصطفاك الله بكلامه "، ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) من ح. (¬3) طه: 121. (¬4) فى ح: على. (¬5) فى ح: مفهوم. (¬6) فى ح: إياه. (¬7) فى هامش ح. (¬8) و (¬9) فى هامش ح. (¬10) فى الرسالة: فيه.

عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَىَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِى بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ". (...) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ حَاتِمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِى أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ". (...) حَدَّثَنِى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ الْيَمَامِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. (...) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فضائله التى أعطاها الله تعالى، يريد بذلك أن الله - سبحانه - قدر ذلك وقضى به فنفذ ذلك، كما قدر علىَّ ما فعلت، فنفذ فىَّ. وأما قوله: " قدره الله علىّ قبل أن يخلقنى بأربعين عاماً (¬1) " فالأظهر فيه أن المراد به أنه كتبه قبل خلقه بأربعين عامًا، أو أظهره أو فعل فعلاً ما، أضاف هذا التاريخ إليه وإلا فمشيئة الله - سبحانه - أزلية، وما قضاه وقدره بمعنى شاءه وأراده قديماً لم يزل، ولم يزل - سبحانه - مريداً لما أراده من طاعة المطيع ومعصية العاصى. وأربعون سنة قبل خلق آدم - عليه السلام - زمن محدود مبتدأ، فيجب صرف هذا التاريخ إلى ما قلناه، والأشبه أنه أراد بقوله: " قدره الله على قبل أن يخلقنى بأربعين سنة ". أى كتبه فى التوراة، ألا تراه يقول فى بعض طرقه: " فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاماً. قال آدم: فهل وجدت فيها: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (¬2)؟ " فيصح أن يراد به أن فيها معنى هذا اللفظ مكتوب بلسان غير هذا اللسان العربى؛ إذ كان النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

_ (¬1) فى الأصل: سنة. (¬2) طه: 121.

16 - (2653) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِىُّ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ". قَالَ: " وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ". (...) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ. ح وحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ - يَعْنِى ابْنَ يَزِيدَ - كِلَاهُمَا عَنْ أَبِى هَانِئٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا: " وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما قصد إلى العبارة بلسان قومه عن معنى ذكر بلسان غيرهم. قال الهروى: والحج الغلبة بالحجة، ومنه الحديث: " فحج آدم موسى " أى غلبه بالحجة. قال القاضى: وقوله: " وكتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء ": وهذا حد للكتاب لا للمقادير؛ لأن علم الله تعالى وما قدره على عباده وأراده من خليقته أزلى لا أول له، وقد يكون ذكر الخمسين ألفاً حقيقة على ظاهره، وقد يكون تمثيلاً للتكثير كما قال فى قوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (¬1). وقوله: " وكان عرشه على الماء ": يعنى قبل خلق السماوات والأرض. ¬

_ (¬1) الصافات: 147.

(3) باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء

(3) بَاب تَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ 17 - (2654) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ الْمُقْرِئِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِى أَبُو هَانِئٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِىَّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء "، ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك "، قال الإمام: هذا تجوز وتوسع كما يقول القائل: فلان فى قبضتى وبكفى، ولا يريد أنه حال بكفه، وإنما المراد: تحت قدرتى. وكذلك يقال: ما أفعل هذا إلا بإصبعى، أو فلان بين إصبعى أصرفه كيف شئت. ولا يراد: أنه حال بين الإصبعين، وإنما يراد: أنه هين عليه القهر له والغلبة وتصريفه كيف شاء فكذلك المراد بقوله: " إصبعين من أصابع الرحمن " أى أنه متصرف بحسب قدرته ومشيئته سبحانه تعالى، لا يعتاض عليه ولا يفوته ما أراده، كما لا يعتاض على الإنسان ما كان بين إصبعيه ولا يفوته. وخاطب العرب من حيث تفهم ومثل بالمعانى المحسوسة تأكيداً للمعانى فى نفوسها. فإن قيل: فإن قدرة الله - سبحانه - واحدة والإصبعان هاهنا اثنان. قيل: قد أخبرنا أن ذلك مجاز واستعارة وتمثيل، فوقع الكلام على حسب ما اعتادوه فى هذا الخطاب غير مقصود منه إلى تثنية أو جمع. ويحتمل أن يراد بالإصبع هاهنا: النعمة، ويقال: عندى لفلان إصبع حسن، أى يد جميلة، ولكن [لا] (¬1) يقال على هذا فلمَ ثنى النعمة ونعم الله لا تحصى آحادها، والأجناس قد تحصى، فيكون المراد بالنعمتين اللتين عبر عنهما بالإصبعين: نعمة النفع، ونعمة الدفع. فنعمة النفع هى الظاهرة، ونعمة الدفع هى الباطنة. وقد قيل فى قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (¬2): أن الظاهرة نعمة النفع، والباطنة نعمة الدفع. وقلب العبد للبارى - سبحانه - عليه نعمة نفع ونعمة دفع، فلا يبعد أن يُراد بالنعمتين هاتان أو غيرهما من الأجناس التي تليق بهذا. ¬

_ (¬1) من الرسالة. (¬2) لقمان: 20.

(4) باب كل شىء بقدر

(4) بَاب كُلُّ شَىْءٍ بِقَدَرٍ 18 - (2655) حَدَّثَنِى عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: كُلُّ شَىْءٍ بِقَدَرٍ. قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ شَىْءٍ بِقَدَرٍ، حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ ". 19 - (2656) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِىُّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْقَدَرِ، فَنَزَلَتْ: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كل شىء بقدر حتى العجز والكيس ": رويناه بالضم على العطف على " كل "، وبالخفض على العطف على " شىء " ويكون على رواية الخفض بمعنى التى خفض ما بعدها وهو أحد وجوه حتى، والعجز هنا يحتمل أن يكون على ظاهره، وهو عدم القدرة. وقيل: هو ترك ما يجب فعله، والتسويف فيه وتأخيره عن وقته. قيل: ويحتمل أن يريد بذلك عمل الطاعة (¬2)، ويحتمل أن يريد عموم أمور الدنيا والآخرة. والكيس ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور ظاهرة. وإدخال مالك وأهل الصحيح له فى كتاب (¬3) القدر دليل على أن المراد بالقدر هاهنا ما قدره تعالى وأراده من خلقه، ومعناه (¬4) أن العاجز قد قدر عجزه، والكيس قد قدر كيسه. قال الباجى: ولعله أراد بذلك العجز عن الطاعة والكيس فيها، ويحتمل أنه أراد فى أمر الدين والدنيا. وقوله: جاء مشركو قريش يخاصمون فى القدر، فنزلت: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} إلى قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ظاهره أن المراد بالقدر هاهنا: مراد الله ومشيئته وما سبق به قدره من ذلك، وهو دليل مساق القصة التى نزلت بسببها الآية. وقال الباجى: إنه يحتمل من جهة اللغة معانى أخرى: أن يكون القدر هاهنا بمعنى ¬

_ (¬1) القمر: 48، 49. (¬2) فى ح: الطاعات. (¬3) فى ز: باب، والمثبت من ح، وهو الصواب. (¬4) فى ز: معنى، والمثبت من ح، وهو الصواب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التقدير، أى لا يزاد عليه ولا ينقص، كما قال: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (¬1)، والثانى: أن يكون المراد: تقدير بقدره كما قال: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (¬2)، والثالث: بقدر، أى وقت خلقه فيه. ¬

_ (¬1) الطلاق: 3. (¬2) القيامة: 4.

(5) باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره

(5) بَاب قُدِّرَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظُّهُ مِنْ الزِّنَى وَغَيْرِهِ 20 - (2657) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لِإِسْحَاقَ - قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَى، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ". قَالَ عَبْدٌ فِى رِوَايَتِهِ: ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ. 21 - (...) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَى، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبى - عليه السلام -: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر " إلى قوله: " والفرج يصدق ذلك أو (¬1) يكذبه " أى إن الفاحشة العظيمة والزنا التام الموجب للحد فى الدنيا وعقاب الزانى فى الآخرة هو للفرج، وغيره له حظه من الإثم، وهو عنده تفسير اللمم الذى هو من الصغائر، ويغفر الإثم وهو عنده باجتناب الكبائر. وأصل اللمم: الميل إلى الشىء وصلته من غير مداومة. وقد اختلف الناس فى اللمم، فقيل هو الرجل يأتى الذنب ثم لا يعاوده. وقيل: هو ما سلف لهم فى الجاهلية قبل الإسلام. وقيل: الصغائر. وقيل: أن يلم بالشىء ولا يفعله. وقيل: الميل إلى الذنب ولا يصر عليه. وقيل: هو ما دون الشرك. وقيل: هو ما بين الحدين لم يشرع فيه [حد فى الدنيا] (¬2) ولا نص على عقابه فى الآخرة، تكفره الصلوات الخمس. ¬

_ (¬1) فى الأصل: أى، والمثبت من ح. (¬2) من ح.

(6) باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين

(6) بَاب مَعْنَى كُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَحُكْمِ مَوْتِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ 22 - (2658) حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ الزُّبَيْدِىِّ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ " ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} الْآيَةَ (¬1). (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ: " كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً ". وَلَمْ يَذْكُرْ: جَمْعَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل يحس فيها من جدعاء " ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ] (¬2)} وفى بعض طرقه: فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت لو مات قبل ذلك؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين "، وفى بعض طرقه: " ما من مولود [إلا وهو] (¬3) يولد على الملة [حتى يعبر عنه لسانه] (¬4) "، وفى بعض طرقه: " من يولد يولد على هذه الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتجون الإبل، فهل تجدون فيها جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ". قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيراً؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين "، وفى بعض الطرق: [سئل عن أولاد المشركين، فقال: " الله أعلم بما كانوا عاملين "، وفى بعض الطرق] (¬5): " إن الغلام الذى قتله الخضر - عليه السلام - كان طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً "، وعن عائشة - رضى الله عنها -: توفى صبى فقلت (¬6) طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلاً "، وفى بعض طرقه: " لم (¬7) يعمل السوء ولم يدركه "، ¬

_ (¬1) الروم: 30. (¬2) و (¬3) من ح. (¬4) سقط من ح. (¬5) من ح. (¬6) فى ح: فقالت. (¬7) فى ح: ثم.

(...) حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ". ثُمَّ يَقُولُ: اقْرَؤُوا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. 23 - (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ". (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِى، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه: " أنّ الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم فى أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم فى أصلاب آبائهم "، قال الإمام: ذهب بعض الناس إلى أن [المراد] (¬1) بالفطرة المذكورة فى الحديث: ما أخذ عليهم وهم فى أصلاب آبائهم، وأن الولادة تقع عليها حتى يقع التغيير بالأبوين. وذهب بعض الناس إلى أنّ الفطرة هى: ما قضى عليه من سعادة وشقاوة يصير إليها. وهذا التأويل إنما [يليق بما] (¬2) فى بعض الطرق وهو قوله: " على الفطرة " مطلقاً، وأما ما وقع فى بعض الطرق وهو قوله: " على هذه الفطرة "، وقوله فى أخرى: " إلا وهو على هذه الملة " فإن هذه الإشارة إلى فطرة معينة وملة معينة يمنع هذا التأويل: وقد يتعلق هؤلاء بقوله: " إن الغلام الذى قتله الخضر طُبِعَ كافراً " وظاهر هذا يمنع من كون كل مولود يولد على هذه الفطرة، وقد ينفصل الآخرون عنه بأن المراد به حالة ثانية طرأت عليه من التهيؤ للكفر وقبوله عليه، غير الفطرة التى ولد عليها. وقال آخرون: يحتمل أن يريد بالفطرة ما هى (¬3) له وكان مناسباً لما وضع فى العقول، وفطرة الإسلام صوابها كالموضوع فى العقل، وإنما يدفع العقل عن إدراكه آفة وتغيير من قبل الأبوين وغيرهما (¬4). وأما قوله: " الله أعلم بما كانوا عاملين "، وقوله مثل هذا لما سئل عن أولاد المشركين، وقوله لعائشة لما قالت: عصفور من عصافير الجنة: " إن الله خلق للجنة أهلاً " الحديث. فقد قدمنا الكلام فى أولاد المؤمنين، [وذكرنا أن الإجماع على أن الصغار من ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) من ح. (¬3) فى ح: ما هيأ. (¬4) فى الأصل. وغيره، والمثبت من ح.

فِى حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَهُوَ عَلَى الْمِلَّةِ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ: " إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ، حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ: " لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ، حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ ". 24 - (...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يُولَدُ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تَنْتِجُونَ الْإِبِلَ. فَهَلْ تَجِدُونَ فِيهَا جَدْعَاءَ؟ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ". 25 - (...) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَأَبَوَاهُ - بَعْدُ - يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ. كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلْكُزُهُ الشَّيْطَانُ فِى حِضْنَيْهِ، إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا ". 26 - (2659) حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ وَيُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ. فَقَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ". (...) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ. ح وحَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِىِّ، بِإِسْنَادِ يُونُسَ وَابْنِ أَبِى ذِئْبٍ، مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ شُعَيْبٍ وَمَعْقِلٍ: سُئِلَ عَنْ ذَرَارِىِّ الْمُشْرِكِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أولاد النبيين فى الجنة] (¬1)، وذكرنا أن جمهور العلماء على أن أطفال المؤمنين فى الجنة أيضاً، وأن بعض العلماء وقف فيهم، وفى حديث عائشة - رضى الله عنها - هذا. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

27 - (...) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ؛ مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ صَغِيرًا. فَقَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ". 28 - (2660) وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، إِذْ خَلَقَهُمْ ". 29 - (2661) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَسْقَلَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِى قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا، وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ". 30 - (2662) حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: تُوُفِّىَ صَبِىٌّ. فَقُلْتُ: طُوبَى لَهُ، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَ لَا تَدْرِينَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ، فَخَلَقَ لِهَذِهِ أَهْلًا، وَلِهَذِهِ أَهْلًا ". 31 - (...) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمَّتِهِ، عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: دُعِىَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنَازَةِ صَبِىٍّ مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِهَذَا، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، لَمْ يَعْمَلْ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ. قَالَ: " أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِى أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِى أَصْلَابِ آبَائِهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " أو غير ذلك إن الله خلق للجنة أهلاً " الحديث، مما يقدح عنده فى القطع، كما قطع جمهور العلماء إذا كان الصبى المذكور فى الحديث من أولاد المؤمنين. وأما أولاد الكافرين فاضطرب العلماء فيهم، والأحاديث وردت ظواهرها مختلفة،

(...) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى. ح وحَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ. ح وحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، بِإِسْنَادِ وَكِيعٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فمنها: قوله هاهنا: " الله أعلم بما كانوا عاملين " ومنها: " هم من آبائهم " (¬1)، ومنها: " لو شئت أسمعتك تضاغيهم فى النار " (¬2) الحديث كما وقع، ومنها: " أنه تتأجج لهم نار، فيقال لهم: اقتحموها " الحديث أيضاً، واختلاف هذه الظواهر بسبب اضطراب العلماء فى ذلك، والقطع هاهنا يبعد. وقد حاول بعض الناس بناء هذه الأحاديث فجعل الأصل فيها [حديث] (¬3) " تأجج لهم نار "، ويقال لهم: اقتحموها، فيكون من عصى ولم يقتحمها هو المراد بقوله: " أسمعتك تضاغيهم فى النار "، وبقوله: " من آبائهم "، ويكون قوله: " الله أعلم بما كانوا عاملين " يشير به إلى عملهم هذا من الاقتحام والإحجام. وأما قوله: " بهيمة جمعاء " (¬4) فالجمعاء السليمة من العيوب، سميت بذلك لاجتماع سلامة أعضائها، لا جدع فيها ولا كى، وكأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبه السلامة التى يولد عليها المولود من الاعتقادات الفاسدة بالبهيمة الجمع (¬5) التى هى سليمة من العيوب (¬6) ثم يطرأ عليها العيب بفعل يفعل فيها، كما يطرأ إفساد الاعتقاد على المولود بتربية يتربى عليها. قال القاضى: وقوله: " كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس (¬7) فيها من جدعاء ": أى تولد مجتمعة الخلق سالمة من النقص والتغيير، لم يلحقها جدع، وهو قطع الأذن ولا غير ذلك، إلا بعد ولادتها. ومعنى قوله: " تحس (¬8) ": أى تجد (¬9)، كما جاء فى الرواية الأخرى: " تجدون "، يقال: حسست الشىء كذا وأحسسته: وجدته كذلك، يؤيد تأويل من تأول أن المراد بالفطرة هاهنا: ما فطر عليه العبد فى أصل خلقته وابتدائها قبل معرفته بشىء من قبل بنى آدم، من التهيؤ (¬10) لقبول الهداية والسلامة من ضد ذلك، حتى يدخل عليه من أبويه وقريبه ومربيه وقرينه ما يغيره عن ذلك، ويحمله على ما سبق ¬

_ (¬1) أحمد فى مسنده 6/ 84، أبو داود، ك السنة، ب فى ذرارى المشركين رقم (4687). (¬2) أحمد 6/ 208، ومجمع الزوائد 7/ 220، وقال: فيه أبو عقيل، ضعفه الجمهور والإمام أحمد - رحمه الله. (¬3) من هامش ح. (¬4) حديث رقم (22) بالباب. (¬5) فى ح: الجمعاء. (¬6) هكذا فى ح، وفى ز: الصواب، وهو خطأ. (¬7) و (¬8) فى ح: تحسون. (¬9) فى ح: تجدون. (¬10) فى الأصل: النهى، والمثبت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه فى الكتاب، ويجعلانه يعمل بعمل أهل الشقاوة (¬1)، وكل ذلك مما سبق عليه فى الكتاب كما قال (¬2) فى الرواية الأخرى: " حتى تكونوا أنتم تجدعونها ". والفطرة أول الخلقة وابتداؤها، ويعضد هذا التأويل - أيضاً - قوله فى الحديث الآخر: " حتى يعبر عنه لسانه ". وقيل: معنى " أبواه يهودانه أو ينصرانه ": أى يحكمان له بحكمهما من ذلك، كما قال - عليه السلام -: " هم من آبائهم ". وقيل: " على الفطرة " على فطرة أبيه، أى على دينه، أى له [بالحكم] (¬3) حكمه. واحتجاجه آخر الحديث بقوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (¬4) يدل على أن مذهب أبى هريرة فى الحديث والذى فهم منه أن الفطرة هنا ما سبق له فى القدر من شقاء أو سعادة. وقوله فى الرواية الأخرى: " ما من مولود إلا يلد " (¬5) كذا رواية السمرقندى فيه مثل ضرب، ولغيره: " يولد " وقد ذكر الهجرى فى نوادره [يقال] (¬6): ولد ويلد بمعنى، ويكون على إبدال الواو ياء لانضمامها. وقوله: " كما ينتجون الإبل " يقال: نتجت الناقة: إذا توليت نتاجها والناتج لها كالقابلة للمرأة ونتجت هى فهى منتوجة، ولا يقال: أنتجت الناقة. وحكى الأخفش أنتجت ونتجت معاً. وقوله: " كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان فى حضنيه إلا مريم وابنها ": تقدم الكلام فيه (¬7). والحضن: الجنب. وقيل: الخاصرة، ورواه ابن ماهان: " خصييه " أى أنثييه، وأراه وهماً بدليل قوله: " إلا مريم وابنها ". وقوله فى غلام الخضر: " طبع كافراً ": تكلمنا قبل فى حديث الخضر على الطبع (¬8). وقوله: " لو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً " (¬9): أى حملهم عليه. قال الهروى: لألحق ذلك لهما. ذكر مسلم الأحاديث كلها فى أطفال المسلمين والمشركين، وقد تقدم من الكلام عليها مجملاً ما يكفى، وكل هذا راجع إلى ما قدره الله تعالى فى سابق علمه وأزلى مشيئته، وأنّ ظاهر أولاد المشركين موكول إلى علمه. وقوله: " الله أعلم بما كانوا عاملين " دليل على علم الله لما لا يكون أن لو كان كيف ¬

_ (¬1) فى ح: الشقاء. (¬2) فى ح: جاء. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) الروم: 30. (¬5) حديث رقم (23) بالباب. (¬6) من ح. (¬7) انظر: ك الفضائل، ب فضائل عيسى عليه السلام برقم (146). (¬8) انظر: ك الفضائل، ب فضائل الخضر عليه السلام برقم (172). (¬9) حديث رقم (29) بالباب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان يكون، وأنّ أمرَهم إلى الله تعالى، يفعل فيهم ما يشاء. وقوله فى الصبى - وهو من ولد الإسلام (¬1) لما قيل له: عصفور من عصافير الجنة -: " إنّ الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وخلق النار وخلق لها أهلاً " وفى الرواية الأخرى: " وهم في أصلاب آبائهم ": كلام مجمل يحتمل لأنهم مع الآباء والأمهات وإن لم يعملوا عملاً يستوجبون بذلك إذ خلقوا له وكتب عليهم، ويحتمل أنهم وهذه (¬2) الحال وإن خالفوا حال آبائهم، وليس فى قوله: " وهم فى أصلاب آبائهم " معارضة لقوله: " ثم يكتب شقى أو سعيد " فى الأحاديث الآخر، وهو فى بطن أمه، إذ قد قدمنا أن قدر الله بذلك أزلى لا أول له، وإنما الكتاب هو الذى يكون وهو في بطن أمه. وهذا الحديث إشارة إلى أنّ هذه صفاتهم، من أن القدر قد مضى فيهم وسبق وهم بعد لم يوجدوا خلقاً، ولا حصلوا فى بطون الأمهات، ولا حصل لهم اسم الأولاد. ¬

_ (¬1) فى ح: المسلمين. (¬2) فى ح: بهذه.

(7) باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولاتنقص عما سبق به القدر

(7) باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولاتنقص عما سبق به القدر 32 - (2663) حدثنا أَبُو بَكْرِ بن أبِى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ عَبْد الله اليَشْكُرِىِّ، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ - زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهُمَّ، أمْتِعْنِى بِزَوْجِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأبِى أَبِى سُفْيَانَ، وَبِأخِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ سَألْتِ اللهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أوْ يُؤخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَألتِ اللهَ أنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِى النَّار، أو عَذَابٍ فِى القَبْرِ، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ". قَالَ: وَذُكِرَتْ عنْدَهُ القِرَدَةُ. قَالَ مِسْعَرٌ: وَأُرَاهُ قَالَ: وَالخَنَازِيرُ مِنْ مَسْخٍ. فَقَالَ: "إِنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَلْ لِمَسخٍ نَسْلاً وَلا عَقِبًا. وَقَدْ كَانَتِ القِرَدَةُ والخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول أم حبيبة - زوج النبى عليه السلام - اللهم، أمتعنى بزوجى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبأبى [أبى] (¬1) سفيان، وبأخى معاوية، فقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة أن يعجل (¬2) شيئًا منها قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من [عذاب] (¬3) النار أو عذاب القبر كان خيراً وأفضل ": كذا رويناه " حله " بفتح الحاء فى الموضعين، وفى الحديث الآخر بعده بغير خلاف من شيوخنا، ومعناه: وجوبه، يقال: حل الشىء يحل حلاً: وجب. وحكاه الإمام أبو عبد الله: قبل أجله وبعد [أجله] (¬4). قال الإمام إن قال [قائل] (¬5): قد أثبت فى هذا الحديث [أنّ] (¬6) الأجل لا يزاد فيه ولا ينقص، وقد قال فى أحاديث أخر: " إنّ صلة الرحم تزيد فى العمر " (¬7)، فكيف الجمع بين هذين الحديثين؟ قلنا: أول ما يجب أن يعلم: أنَّ الأجل عبارة عن الوقت الذى قدر موت الميت فيه، فإذا كان عبارة عن هذا وعليه يتكلم هاهنا، فلابد أن يقال: إن البارى - سبحانه - يعلم ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) فى ح: يجعل. (¬3) فى هامش ح. (¬4) و (¬5) من ح. (¬6) فى هامش ح. (¬7) سبق فى ك البر والصلة، ب صلة الرحم برقم (20، 21).

(...) حدثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، بِهذَا الإسْنَاد. غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ بِشْرٍ وَوَكِيعٍ جَمِيعًا: " مِنْ عَذَاب فى النَّارِ، وَعَذَابٍ فِى القَبْرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الوقت أو لا يعلمه، فواضح إحالة القول: إنه لا يعلمه، فإذا ثبت أنه يعلمه فليأخذ (¬1) العلم وحقيقته: معرفة المعلوم على ما هو به، فإذا فرضنا أنَّ زيداً علم الله أنه سيموت سنة خمسمائة، ثم قدرنا أنه مات قبلها أو مات [بعدها، أليس] (¬2) يطلب حقيقة ذلك العلم ولم يكن علماً بل كان جهلاً؛ لأنه تعلق بالأمر على خلاف ما هو عليه، وقد فرضنا أن البارى - سبحانه - يستحيل الجهل عليه، فوجب ضرورة من مقتضى هذه المقدمات أنّ ما علمه البارى - عز وجل - من الآجال لا يتبدل ولا يتغير. فإن كان السؤال عن الزيادة فى الأجل الذى علمه البارى - سبحانه - أو النقص منه، فالجواب: أنّ ذلك لا يصح لهذا الذى بيناه. وإن كان السؤال عن الزيادة والنقص فى أجل غير الأجل الذى عند الله - تعالى - وفى غيبه، فذلك مما لا يمنع الزيادة فيه والنقصان؛ لأنّ ما سوى البارى وصفاته من سائر الأشياء مخلوق، والمخلوق يتغير ويتبدل ويزيد وينقص. قال الحذاق من أهل العلم بناء على هذا: ما وقع فى الظواهر من الزيادة فى العمر أو النقصان منه فيحمل ذلك على ما عند ملك الموت أو مَنْ وكله البارى - سبحانه - بقبض الأرواح، وأمره فيها بآجال محدودة، فإنه - سبحانه - بعد أن يأمره (¬3) بذلك أو يثبته فى اللوح المحفوظ، لملك الموت ينقص منه ويزيد فيه، على حسب ما شاء حتى يقعِ الموت على حسب ما علم - تعالى - فى الأزل، وقد قال عز من قائل: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ اُمُّ الْكِتَابِ} (¬4) [فأثبت المحو والإثبات وأخبر أن عنده أم الكتاب] (¬5) وهذا يشير إلى ما قلناه، وإن كَان قد قيل فى الآية: محو الليل بالنهار [ومحو] (¬6) النهار بالليل. وقيل: محو الأحكام المنسوخة بالناسخة لها، ولكن لا يبعد دخول ما قلناه تحت العموم إذا ثبت أصله، وتكون الآية مصداقاً لما قلناه على الجملة دون التفصيل. وكذلك قوله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} (¬7) يحل (¬8) أن يحمل على ما قلناه، وإن كان قد قيل فيه أيضاً تأويل آخر. كما أن بعض أهل العلم أيضاً تأول قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} (¬9) على أنّ المراد ينقص من عمره عن أبناء جنسه وأترابه. وكذلك تأول بعضهم قوله فى صلة الرحم أنها تزيد فى العمر: أنّ المراد به الرزق؛ ولأن الفقر يعبر عنه بالموت. وأنكر بعضهم ذلك وقال: الرزق مفروغ منه كما فرغ من ¬

_ (¬1) فى ح: قلنا: حد. (¬2) هكذا فى ح، وهو الصواب، وفى ز: بغيرها ليس، وهو خطأ. (¬3) فى ح: يأمر. (¬4) الرعد: 39. (¬5) من هامش ح. (¬6) من ح. (¬7) الأنعام: 2. (¬8) فى ح: يصح. (¬9) فاطر: 11.

33 - (...) حَدثنا إسْحاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ - وَاللَّفْظُ لِحَجَّاجٍ - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ، عَنْ عَلقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ اليَشْكُرِىّ، عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالت أُمُّ حَبِيبَةَ: اللهُمَّ، متِّعنِى بِزَوْجِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأبِى أبِى سُفْيانَ، وَبِأخِى مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ لَها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّك سَأَلتِ اللهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وآثَارٍ مَوْطوءَةٍ، وَأرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ، ولا يُؤخِّرُ مِنها شَيْئا بَعْدَ حِلِّهِ، وَلَوْ سَألتِ اللهَ أنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِى النَّارِ، وَعَذَابٍ فِى القَبْرِ، لَكَانَ خَيْرًا لَكِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الأجل، فلا معنى للاعتذار بما يحتاج [إلى] (¬1) الاعتذار. وقال آخرون: [إنّ المعنى] (¬2): أنّ الله - سبحانه - علم أنه يعمره [مائة] (¬3) لأنه علم أنه يصل رحمه، وعلم أنه لو لم يصلها لعمر ثمانين، والبارى - سبحانه - موصوف بأنه يعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون. وأصل ما فيما ذكرناه من التأويلات هذا التأويل، أو ما قلناه أولاً؛ لأنَّ الزيادة والنقص يرجعان إلى الملك وما كلفه، فيكون التغيير فيه. وصرف ذلك إلى الملك إليه يميل بعض المحققين من أئمتنا، وعلى هذا الذى قررناه عندنا أن المقتول مات بأجله، خلافاً للمعتزلة أنه قطع عليه أجله بالقتل. ولو قيل لنا نحن: هل يقال: إن بقاءه وزيادته على ذلك [القدر من] (¬4) الأجل مقدور للبارى - سبحانه؟ لقلنا بذلك مقدور، ولكنه مع كونه مقدوراً لم يمت إلا بأجله. وقولنا - أيضاً - فيه: إنه مقدور جاز على اختلاف أصحابنا فى خلاف المعلوم هل يقال: إنه مقدور أم لا؟ والأصح عندى: أنّ خلافهم قد يرجع إلى عبارة، والأولى إطلاق القول بأنه مقدور، وقد قال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} (¬5)، فأثبت أنه قادر على خلق مثلهم، ومعلوم أنه لا (¬6) يخلق مثلهم. وكذلك اضطرب أصحابنا فى المقتول لو لم يقض البارى - عز وجل -[القتل] (¬7) عليه ما يكون حكمه بعد زمن القتل الذى فرضنا وقوعه فيه؟ والأصح فى هذا: أن يحال على البارى - سبحانه ويقال: نحن لا نعلم كثيراً مما يكون للأبد، فكيف نعلم ما لا ¬

_ (¬1): (¬3) فى هامش ح. (¬4) سقط من ح. (¬5) يس: 81. (¬6) كذا فى نسخ المخطوط بالنفى، ولكن الإمام ابن كثير وغيره قال فى تفسير الآية: {عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم}: أى مثل البشر والأناسى، وقد قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاس} [غافر: 57] وهذا هو الراجح وأن النفى فى هذا الموضع تصحيف من النساخ. (¬7) من ح.

قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَارَسُولَ اللهِ، القِرَدَةُ وَالخَنَازِيرُ، هِىَ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا، أوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا، فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلاً، وَإِنَّ القِرَدَةَ وَالخَنَازيرَ كَانُوا قَبْل ذَلِك ". (...) حَدَّثَنِيهِ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حَفصٍ، حَدَّثَنَا سُفيَان، بِهَذَا الإسْنَادِ. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: " وآثَارٍ مَبْلُوغَةٍ ". قَالَ ابْنُ مَعْبدٍ: وَرَوَى بَعْضُهمْ: " قَبْلَ حِلِّهِ " أىْ نُزُولِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون لو كان كيف كان يكون. والبارى - سبحانه - يعلم لو لم يكن قضى بموت هذا عند ثمانين من عمره كيف كان يقضى فيه ويقدر له. وهذا السؤال لا معنى له ولا وجه للتشاغل به لأنا إذا أثبتنا أن المقتول مات بأجله، وأنّ البارى لا يتغير علمه فلا معنى لقولهم هذا إلا كمعنى من يقول: لو لم يكن أجل فلان ستين ماذا يكون من الستين (¬1)؟ وهذا مما لا جواب لنا عنه إلا إحالته على علم الله - سبحانه. فإن قيل: فما معنى صرفه لها عن الدعاء بالزيادة فى الآجال لأنها فرع منها إلى الدعاء بالعياذة من عذاب النار، وقد فرغ منه كما فرغ من الأجل؟ قلنا: صدقت فى أنّ الله فرغ من الكل، ولكن هذا الاعتراض من جملة (¬2) ما قدمناه من قول مَنْ قال للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفلا ندع العمل؟ لما أخبرهم النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله قضى بالسعادة والشقاوة، فأجابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدمناه. وقد أمر الله بأعمال [بر] (¬3) وطاعات جعلها الله قرباً إليه، ووعد بأنها تنجى من النار، ويسر أهل السعادة لها بالدعاء بالنجاة من النار من جملة العياذات التى ترجى بها النجاة منها، كما يرجى ذلك بالصلاة والصوم، ولا يحسن ترك الصلاة والصوم اتكالاً على القدر السابق، وكذلك هذا. الدعاء ههنا، مع أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال لها: " لو سألت الله أن يعيذك من عذاب [فى] (¬4) النار أو [من] (¬5) عذاب [فى] (¬6) القبر كان خيراً وأفضل "، [ولا شك أن السؤال بالعياذة من النار خير وأفضل] (¬7) من الزيادة فى العمر مع عذاب النار، نسأل الله السلامة والعياذة من ذلك. ¬

_ (¬1) فى ح: السنين. (¬2) فى ح: جنس. (¬3) فى هامش ح. (¬4) من متن الحديث الصحيح. (¬5) ساقطة من ح. (¬6) من متن الحديث الصحيح. (¬7) من ح.

(8) باب فى الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله

(8) باب فى الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله 34 - (2664) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المؤمِنُ الَقَوِىُّ خَيرٌ وَأحَبُّ إلَى اللهِ مَنَ المؤمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَايَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ باللهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإنْ أصَابَكَ شَىْءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ أنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلكِنْ قُلْ قَدرَ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كل خير " القوة هنا المحمودة يحتمل أنها فى الطاعة، من شدة البدن وصلابة الأسر، فيكون أكثر عملاً، وأطول قيامًا، وأكثر صياماً وجهاداً وحجاً. وقد تكون القوة هنا فى المنة (¬1) وعزيمة النفس، فيكون أقدم على العدو فى الجهاد وأشد عزيمة فى تغيير المناكر (¬2) والصبر على إيذاء العدو واحتمال المكروه والمشاق فى ذات الله، أو تكون القوة بالمال والغنى فيكون أكثر نفقة فى سبيل (¬3) الخير، وأقل ميلاً إلى طلب الدنيا، والحرص على جمع شىء فيها. وكل هذه الوجوه ظاهرة فى القوة. ثم قال - عليه السلام -: " وفى كل خير " للإيمان الذى هو صفتهم، لكن الله قد باين بين خلقه فى داره، ورفع بعضهم فوق بعض درجات. وقوله: " إن أصابك شىء فلا تقل: لو أنى فعلت، ولكن قل: قدر الله وما شاء الله فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ": قال بعض أهل العلم: معنى هذا الحديث والنهى عن قول هذا، إنما هو لمن قاله معتقداً ذلك حتماً فإنه لو فعل ذلك لم يصبه [ذلك] (¬4) قطعاً، فأما مَنْ ردّ ذلك إلى مشيئة الله، وأنه لن يصيبه فعل ذلك، أولم يفعله إلا ما شاء الله وقدره فليس من هذا. واستدل بما ورد من قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فى هذا، مثل قول أبى بكر فى الغار: " لو أنّ أحدهم رفع رأسه لرآنا " (¬5)، وهذا لا حجة له فيه ¬

_ (¬1) المُنَّةُ، بالضم: القوة، وخص بعضهم به قوة القلب، والمنين: القوى، والمنين الضعيف، وهى من الأضداد. انظر: مادة " منن ". (¬2) فى ح: مناكير. (¬3) فى ح: سبُل. (¬4) فى هامش ح. (¬5) أحمد 1/ 4 بلفظ: " لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عندى؛ لأنه إنما أخبر عما يستقبل، وليس فيه دعوى لرد قدر بقدر، وكذلك جميع ما أدخل البخارى فى باب ما يجوز من اللو (¬1)، مثل قوله: " لولا حدثان قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم " و " ولو كنت راجماً أحد بغير بينة لرجمت هذه " [و"لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك "] (¬2) وشبه هذا كله مما يستقبل مما لا اعتراض فيه على قدر، ولا كراهة فى قوله جملة؛ لأنه إنما أخبر عما يعتقد أنه كان يفعله لولا المانع له، وما فى قدرته فعله وما انقضى وذهب ليس فى القدرة [ولا فى] (¬3) الإمكان فعله بعد. وقد تكلمنا قبل على مثل هذا بأشبع من هذا الكلام، والذى عندى فى هذا الحديث المتقدم أنّ النهى فيه على وجهه عموماً لكن على طريق الندب والتنزيه، ويدل عليه قوله: " فإنّ لو تفتح عمل الشيطان " أى تلقى فى القلب معارضة القدر وتشوش به تشويش الشيطان. ¬

_ (¬1) البخارى، ك التمنى، ب ما يجوز من اللو 9/ 105، 106. (¬2) فى هامش ح. (¬3) من ح.

47 - كتاب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم 47 - كتاب العلم (1) باب النهى عن اتباع متشابه القرآن، والتحذير من متبعيه والنهى عن الاختلاف فى القرآن 1 - (2665) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ القَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَلا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هُو الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ومَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (¬1). قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا رَأيْتُمَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأولئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب العلم قال الإمام: قول عائشة - رضى الله عنها - تلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} إلى قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ... أُوْلُوا الأَلْبَابِ} قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم ". وفى طريق أخرى قال: هجرت إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعت (¬2) أصوات رجلين اختلفا فى آية، فخرج علينا النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف فى وجهه الغضب، فقال: " [إنما] (¬3) هلك مَنْ كان قبلكم باختلافهم فى الكتاب "، وفى حديث آخر: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا "، قال الإمام: اختلفت الناس فى المتشابه [المذكور] (¬4) فى هذه الآية اختلافاً كثيراً، فمنهم مَنْ قال: هم (¬5) حروف التهجى المفتتح بها بعض السور كحم وطس وشبهها. ومنهم مَن قال: ما تساوى لفظه واختلف معناه وغمض إدراك اختلاف معانيه، مثل قوله عز وجل: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى ¬

_ (¬1) آل عمران: 7. (¬2) فى نص الأحاديث: فسمع. (¬3) من ح، وكذا متن الحديث فى الصحيح. (¬4) فى هامش ح. (¬5) فى ح: هو.

2 - (2666) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِىُّ، قَالَ: كَتَب إلى عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ الأنْصَارِىُّ؛ أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عمْرٍو قَالَ: هَجَّرْتُ إلى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا. قَالَ: فَسَمِعَ أصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَاَ فِى آيَة، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِى وَجْهِهِ الغَضَبُ. فَقَالَ: " إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلافِهِمْ فِى الكِتَابِ ". 3 - (2667) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو قُدَامَةَ الحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} (¬1) {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} (¬2)، فحقيقة اختلاف الإضلالين يعسر دركه من ناحية اللفظ، وإنما يدرك بالعقول افتراق هذه المعانى وما يصح منها وما لا يصح، ويلحق بهذا أى الوعيد والغفران للمعاصى أو تعذيبه، فقد وقع فى القرآن فى ذلك ظواهر تتعارض وتفتقر إلى نظر طويل؛ ولذلك ما ينخرط فى هذا المسلك مما يقع فى القرآن من هذا المعنى، وقيل غير ذلك مما يكثر ناسخه. واختلف الناس فى الراسخين فى العلم، هل يعلمون تأويل هذا التشابه وتكون الواو فى قوله عز وجل: {وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ} عاطفة على اسم الله سبحانه أو لا يعلمون، وتكون الواو لافتتاح جملة ثانية واستئنافها، ويكون قوله: {[يَقُولُون] (¬3) آمَنَّا بِهِ} خبراً لهذا المبتدأ، أو يكون على مذهب الأولين فى موضع نصب على الحال، تقديره: والراسخون فى العلم قائلين آمنا به، والوجهان جميعاً مما يحتملهما الكلام، وإنما يعضد، كل تأويل بترجيح لا يبلغ القطع، ويكاد أن يكون علم الراسخين فى العلم بالمتشابه. وتحذيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الذين يتبعون ما تشابه منه؛ لما نبه الله عز وجل عليه وهو قوله: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِه}، ومعلوم أن هذا كثير ما يوقع فى الفتن، ويوقع فى فساد الاعتقاد، وهذا مما يجب أن يحذر. وقوله: " إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم فى الكتاب "، وقوله: " اقرؤوا القرآن ما ائتلفت [عليه] (¬4) قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا ": فهذا مما تعلق به الحشْوية (¬5) ونفاة النظر، ومحمله عند أهل العلم على أنّ المراد به اختلاف لا يجوز، أو يوقع فيما لا ¬

_ (¬1) الجاثية: 23. (¬2) طه: 79. (¬3) فى هامش ح. (¬4) من الحديث المطبوع. (¬5) الحشوية: الله أعلم من يقصدهم القاضى، فقد قال ابن تيمية: فأما لفظ الحشوية فليس فيه ما يدل على شخص معين فلا يدرى من هم هؤلاء؟ وقد قيل: إن أول من تكلم بهذا اللفظ شيخ المعتزلة عمرو بن عبيد. فقال: كان عبد الله بن عمر حشوياً. وكأن هذا اللفظ فى اصطلاح من قاله يريد به العامة الذين هم حشو، كما تقول الرافضة عن مذهب أهل السنة. انظر: منهاج السنة النبوية 2/ 520.

عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَؤوا القُرآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإذَا اختَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا ". 4 - (...) حَدَّثنى إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِىُّ عَنْ جُنْدَبٍ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ اللهِ - أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اقرَؤُوا الَقُرآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا ". (...) حدّثنى أحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْر الدَّارمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا أبَان، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ، قَالَ: قَالَ لَنَا جُنْدَبٌ - وَنَحْنُ غلمانٌ بالكُوفَةِ -: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَؤُوا القُرآنَ " بِمِثْلِ حَدِيِثِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز، كاختلافهم فى تفسير القرآن، أو اختلافهم فى معان لا يسوغ فيها الاجتهاد، أو اختلاف يوقع فى التشاجر والشحناء. وأما الاختلاف فى فروع الدين، وتمسك صاحب كل مذهب بالظاهر من القرآن وتأويله الظاهر على خلاف ما تأول صاحبه - فأمر لابد منه فى الشرع، وعليه مضى السلف وانقرضت الأعصار. قال القاضى: وقد يكون أمره - عليه السلام - بالقيام عند الاختلاف فى عصره وزمنه؛ إذ لا وجه للخلاف والتنازع حينئذ لا فى حروفه ولا فى معانيه، وهو - عليه السلام - حاضر معهم يرجعون إليه فى مشكله، ويقطع تنازعهم ببيانه. وجاء فى آخر حديث أحمد بن سعيد الدارمى فى هذا الباب: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرؤوا القرآن " بمثل حديث همام [كذا للعذرى، وقد تقدم حديث همام] (¬1) قبله فى رواية غير العذرى بمثل حديثهما، وتقدم فى الباب حديثان، حديث يحيى [بن يحيى] (¬2)، وحديث إسحاق بن منصور، وكلا الروايتين محتملة للصواب. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) سقط من ح.

(2) باب فى الألد الخصم

(2) باب فى الألد الخصم 5 - (2668) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أبْغَضَ الرِّجَالِ إلَى اللهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخَصم ": الألد: الشديد الخصومة، مأخوذة من لديدى الوادى، وهما جانباه؛ لأنه كلما أخذت عليه جانباً من الحجة أخذ فى جانبٍ آخر، وقيل لأعماله: لديدية عند كثرة الكلام وهما جانباه والخصم على مثال سمع الحاذق بالخصومة، وكانت [الجاهلية] (¬1) تتمادح بذلك، فذمه - عليه السلام - لأنه قل ما يكون فى حق، قال الله تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} (¬2). وأما الخصومة فىِ الحق وطلبه على وجهه والجدال بالتى هى أحسن، فغير مذموم، قال الله تعالى: {ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} (¬3). ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) غافر: 5. (¬3) العنكبوت: 46.

(3) باب اتباع ستن اليهود والنصارى

(3) باب اتباع ستن اليهود والنصارى 6 - (2669) حَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بشبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فى جُحْرِ ضَبٍّ لاتَبَعْتُمُوهُم " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، آلْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: " فَمَنْ؟ ". (...) وحدّثنا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ - وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ - عَنْ زَيْدِ بِنْ أَسْلَمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَه. (...) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا زيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لتَتَّبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع " الحديث: السنن: الطريق، وما ذكره من الشبر والذراع ودخول الجُحْرِ تمثيل للاقتداء بهم شيئاً شيئاً. هذا فيما نهى الشرع عنه وذمه من أمرهم وحالهم. وقول مسلم فى الباب: وحدثنا عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبى مريم، حدثنا أبو غسان، وذكر الحديث. قال الإمام: هذا آخر الأحاديث المتنطوعة التى نبهنا عليها، وهى أربعة عشر حديثاً هذا آخرها (¬1). قال القاضى: قد تقدم عنده فى المتنطوع مثل هذا، وإنما قلد فيه الجيّانى، وليس هذا صحيحاً عند أهل الصنعة، إنما يعد هذا فى المجهول وفيما لم يسم رواية وأبهم، وإنما المتنطوع لو قال الإمام مسلم: وقال سعيد بن أبى مريم، أو عن سعيد بن أبى مريم. ¬

_ (¬1) ذكرها الحافظ ابن الصلاح فى " صيانة صحيح مسلم من الغلط والسقط " بالترتيب، وأجاب عنها فى الفصل الثالث ص 75 - 84، وقال عن هذا الحديث: وصله إبراهيم بن محمد بن سفيان عن محمد ابن يحيى عن ابن أبى مريم بصيغة التحديث، ثم قال: وإنما أورده مسلم على وجه المتابعة والاستشهاد.

(4) باب هلك المتنطعون

(4) باب هلك المتنطعون 7 - (2670) حَدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتيقٍ، عَنْ طَلقِ بْن حَبِيبٍ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ " قَالَهَا ثَلاثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " هلك المتنطعون ": هم المتعمقون الغالون، ومعنى هلاكهم: يريد فى الآخرة.

(5) باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن، فى آخر الزمان

(5) باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن، فى آخر الزمان 8 - (2671) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَى ". 9 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يحَدِّثُ عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَلا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يُحَدِّثكمْ أَحَدٌ بَعْدِى سَمِعَهُ مِنْهُ: " إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَى، وَيُشربَ الْخَمرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَيَبْقَى النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَأَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِى حَدِيثِ ابْنُ بِشْرٍ وَعبْدَةَ: لا يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِى. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 10 - (2672) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبِى، قَالا: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ - وَالَلَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِى مُوسَى، فَقَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا، يُرْفَعُ فِيها الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيها الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فيها الْهَرْجُ. وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ ". (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنُ أَبِى النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله الأَشْجَعِىُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَأَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرَيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ الْجَعفِىُّ عَنْ زَائَدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِى مُوسَى، وَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ. فَقَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ وَابْنِ نُمَيْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَلِىُّ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (...) حدّثنا إسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ: إِنِّى لَجَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِى مُوسَى، وَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 11 - (157) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؟ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ " قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " يتقارب الزمان ": بمعنى يقرب فى الحديث الآخر (¬1)، أى يقرب من الساعة "ويكثر الهرج ": وفسره بالقتل، وهو بعض الهرج. وأصل الهرج والتهارج: الاختلاط والقتال. قال ابن دريد: الهرج: الفتنة آخر الزمان. وقوله: " ويثبت الجهل " ويروى: " ويبث ". " وينقص العلم " ويروى: " العمل ". و" تظهر الفتن، ويلقى الشح " وهو البخل بأداء الحقوق، والحرص على أخذ ما ليس للمرء لما فى قلبه من الشح على ما فى يده، ومد عينيه إلى ما فى يد غيره، ومنه قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} (¬2) أى بخلاء بالغنيمة، يأتون الحرب معكم من أجلها لئلا يخصوا بها، يقال منه: شَّح شحًا وشح شيْحاً بالفتح والاسم بالضم. وقيل: الشح عام كالجنس، والبخل خاص فى آحاد الأمور كالنوع، وكل هذا مما أعلم - عليه السلام - أنه يظهر بعده ويكثر، ويقل العلم والعمل معاً وينقصان، ويثبت الجهل ويفشو أو يثبت، كما جاء فى الرواية الأخرى؛ لأنه لا يستبدل بعلم بعد، بله ولا يزال فى ازدياد إلى أن تقوم الساعة وتكثر الفتن والقتل، ويموت الرجال لذلك، وتكثر النساء، ولكثرتهن وقلة الرجال يكثر الفساد والجهل. وقوله: " ويلقى الشح ": ضبطناه بفتح اللام وتشديد القاف على أبى بحر، أى يعطى ويستعمل بين الناس. وقد قال مثل هذا فى قوله: {وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ} (¬3) بسكون، فمعناه: يحصل فى القلوب كما قال: " وينزل الجهل ". ¬

_ (¬1) هو ما أخرجه أحمد عن أبى هريرة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة ... " 2/ 537. (¬2) الأحزاب: 19. (¬3) القصص: 80.

(...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بِنُ عَبْدِ الرَّحَمنِ الزُّهْرِىُّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَتَقَارَب الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ " ثمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. 12 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعِلمُ " ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَعَمْرُو النَّاقِدُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّه، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. ح وحَدَّثَنِى أَبُوالطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى يُونُسَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، كُلُّهُمْ قَالَ: عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. غَيْرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا: " وَيُلْقَى الشُّحُّ ". 13 - (2673) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاس، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبضه العلماء " الحديث: فسّر - عليه السلام - أنّ ما أخبر به فى الأحاديث المتقدمة من نقص العلم وقبضه، أنه ليس بمحوه من الصدور ولكن بموت حملته، واتخاذ الناس رؤساء جهالاً فيتحكمون فى دين الله بآرائهم، ويفتون فيه بجهلهم كما أخبر وكما [قد] (¬1) وجد، نسأل الله السلامة والعافية. وقول أنس فى هذا الحديث: " لا يحدثكم به أحد سمعه منه " يريد أَنّ أَصحاب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ماتوا، وأنّه لم يبق من يحدث به عنه ممن سمعه منه غيره. ¬

_ (¬1) من ح.

(...) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ وَأَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَعَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ. ح وَحَدَّثنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُون، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ عُمرَ بْنِ عَلِىٍّ: ثُمَّ لَقِيَتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمْرٍو، عَلَى رَأَسِ الْحَوْلِ، فَسَأَلتُهُ فَرَدَّ عَلَيْنَا الْحَدِيثَ كَمَا حَدَّثَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى أَبِى جَعْفَرٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. 14 - (...) حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهُبٍ، حَدَّثَنِى أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَتْ لىِ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِى، بَلَغَنِى أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو مَارٌّ بِنَا إِلَى الْحَجِّ، فَالْقَهُ فَسَائِلْهُ، فَإنَّهُ قَدْ حَمَلَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا كَثِيرًا. قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَاءَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ يَذْكُرُهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عُرْوَةُ: فَكَانَ فِيمَا ذَكَرَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ لا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاس انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَقْبِضُ اَلْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ، وَيُبْقِى فِى النَّاسِ رُؤوسًا جُهَّالاً، يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ ". قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا حَدَّثْتُ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، أَعْظَمَتْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَتْهُ. قَالَتْ: أَحَدَّثَكَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ عُرْوَةُ: حَتَّى إذَا كَانَ قَابِلٌ، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَمْرٍو قَدْ قَدِمَ، فَالْقَهُ، ثُمَّ فَاتِحْهُ حَتَّى تَسْأَلَهُ عَنِ الحَدِيثِ الَّذِى ذَكَرَهُ لَكَ فِى الْعِلْمِ. قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَاءَلْتُهُ. فَذَكَرَهُ لِى نَحْوَ مَا حَدَّثَنِى بِهِ، فِى مَرَّتِهِ الأُولَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا أَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ. قَالَتْ: مَا أَحْسِبُهُ إِلاَّ قَدْ صَدَقَ، أَرَاهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا وَلَمْ يَنْقُصْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عائشة عن عبد الله بن عمرو: " ما أراه (¬1) إلا قد صدق، أراه لم يزد فيه ولم ينقص ": ليس أنها اتهمته بالكذب، ولكنها (¬2) لعلها نسبت إليه أنّه ما قرأه من الكتب عن غير النبى - عليه السلام - إذ كان عبد الله بن عمرو قد طالع كثيراً من كتب أهل الكتاب، ألا تراها كيف قالت له: أحدثك أنه سمع النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول هذا، فلما كرره مرة أخرى بحسبه، وأسنده عن النبى - عليه السلام - غلب على ظنها أنه جاء به على ما سمعه، ويبين هذا قوله فى الرواية الأخرى: " فرد علىَّ الحديث كما حدث قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وفيه خص أهل العلم طلبته على الأخذ عن بعضهم بعضاً، وشهادة بعضهم لبعض، والحض على حمل العلم والأخذ عن أهله لقولها: " القه، فإنه قد حمل عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً "، والتثبيت فيما شب فيه من ذلك، لقولها له فى العام الثانى: " القه حتى تسأله عن الحديث ". وفيه التلطف بالتثبت من العالم لئلا ينكر ذلك ويقع فى نفسه منه، بقولها: " ففاتحه حتى تسائله عن الحديث الذى ذكر " لئلا يفجأه به غيره فينكر ذلك ويخشى أنه اتهمه. ¬

_ (¬1) فى متن الحديث: أحسبه. (¬2) فى ح: ولكن.

(6) باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة

(6) باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة 15 - (1017) حدّثنى زُهُيْرُ بْنُ حَربٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِى الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلاَلٍ الْعَبْسِىِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهِمُ الصُّوفُ، فَرَأَى سُوءَ حَاَلِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ، فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَؤُوا عَنْهُ، حَتَّى رُئِىَ ذَلِك فِى وَجْهِهِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُرُورُ فِى وَجْهِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلاَيَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شىء. وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلايَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ". (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيْعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلاَلٍ الْعَبْسِىُّ، قال: قَال جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يسُنُّ عَبْدٌ سُنَّةً صَالِحَةً يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَهُ " ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. (...) حدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَاريرِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْمُنْذِر بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " مَنْ سنَّ فى الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من اْجورهم شيئاً " الحديث، فى هذا الأخذ بالمآل والسبب، لما كان هو سببها واقتدى فاعلها به فى خيره أو شره كتب له مثل أجر العامل بذلك أو وزره، وإن لم

أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، قَالُوا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنِ المُنْذِرِ بْنِ جَرِير، عَنْ أبِىهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِهَذَا الحَدِيثِ. 16 - (2674) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يكن له فى ذلك عمل، كما جاء فى خبر ابن آدم القاتل لأخيه أن عليه كفلاً من كل نفس قتلت، لأنه أول مَنْ سن القتل (¬1). وقد يكون له نية فى أن يعمل بها من بعده فيكون بهذا جزاؤه على نيته أو وزره. ¬

_ (¬1) سبق فى ك القسامة برقم (1677).

48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

بسم الله الرحمن الرحيم 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (1) باب الحث على ذكر الله تعالى 2 - (2675) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنى، إنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى، وِإنْ ذَكَرَنِى فِى مَلأ، ذَكَرْتُهُ فِى مَلأَ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْراً، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أتَانِى يَمْشِى، أًتَيْتُهُ هَرْوَلَة ". (...) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أنا عند ظن عبدى بى ": قيل: معناه: بالغفران له إذا استغفرنى والقبول إذا أناب إلىّ والإجابة إذا دعانى، والكفاية إذا استكفانى، لأن هذه الصفات لا تظهر من العبد إلا إذا أَحسن ظنه بالله وقوى يقينه. قال القابسى: يحتمل أن يكون تحذيراً مما يجرى فى نفس العبد، مثل قوله: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ} (¬1) وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} (¬2) وقال الخطابى فى قوله: " لا يموتن أحدكم إلا وهو حسن الظن بالله " يعنى: فى حسن عمله، فمَنْ حسن عمله حسن ظنه، ومَنْ ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون من الرجاء وتأميل العفو. وقوله: " وأنا معه حين يذكرنى " يجوز أن يكون معناه [معه] (¬3) بالقرب والمشاهدة والذكر بالقلب، لأنه إذا شاهده بذكر قلبه ذكره بلسانه، ويجوز أن يكون معه حائطه (¬4) وكالئه أى موفقه لذكره وهاديه. " فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأٍ ذكرته فى ملأٍ خير منهم، وإن تقرب منى شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلىّ ذراعاً تقربت منه باعًا، وإن أتانى يمشى أتيته هرولة " الحديث، قال الإمام: النفس فى ¬

_ (¬1) البقرة: 284. (¬2) البقرة: 235. (¬3) ساقطة من الأصل، والمثبت من ز. (¬4) فى ح: حافظة.

3 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ قَالَ: إِذَا تَلَقَّانِى عَبْدِى بِشِبْرٍ تَلَقَّيْتُهُ بذرَاعٍ، وَإِذَا تَلَقَّانِى بِذِرَاعٍ تَلَقَّيْتُهُ بِبَاعٍ، وإِذَا تَلقَّانِى بِبَاعٍ جِئْتُهُ أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ ". 4 - (2676) حدّثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللغة [تطلق] (¬1) على معانى شتى، منها: نفس الإنسان الحيوانية، وذلك لايليق بالله سبحانه وتعالى. ومنها: النفس بمعنى الدم، ولا يليق بالله تعالى [أيضاً] (¬2). والنفس بمعنى الذات، والبارى - سبحانه وتعالى - له ذات على الحقيقة، وتكون النفس بمعنى الغيب، وهو أحد الأقوال فى قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ} (¬3) أى تعلم غيبى ولا أعلم غيبك، فيصح أن يراد بالحديث هاهنا: أن العبد إذا ذكر الله - عز وجل - خالياً - بحيث لا يطلع عليه أحد - قضى له بالخير، وقد قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (¬4) فأخبر - سبحانه - أنه منفرد بعلم بعض ما يجزى به المتقين (¬5). وقد اضطرب العلماء فى الأنبياء والملائكة - عليهم السلام - أيهم أفضل، وتعلق من قال بتفضيل الملائكة بظاهر هذا الحديث، وقال: فإنه [قال] (¬6): " ذكرته فى ملأ خير منهم ". وأجاب الآخرون بأن المراد به ذكر (¬7) خير من ذكره وهذا بعيد من ظاهر اللفظ، ولكن الأولين إنما تمسكوا بخبر واحد ورد، وبلفظ يتعلق به بالعموم، وفى التعلق بالعموم خلاف، وخبر الواحد لا يؤدى إلى القطع، وهذا يمنع من القطع بما قالوه. وأما قوله: " وإن تقرب منى شبراً تقربت منه ذراعاً "، وقوله: " وإن أتانى يمشى أتيته هرولة " فمجاز كله، وإنما هو تمثيل بالمحسوسات وتفاوتها فى الإسراع والدنو، وإنما المراد: [أن] (¬8) من دنى [منى] (¬9) بالطاعة دنوت منه بالإنابة، وكنت بالإنابة أسرع منه بالطاعة، أو [أن] (¬10) من أتانى بحسنة جازيته بعشر، فكنى عن التضعيف بالسرعة ودنو ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬2) من ح. (¬3) المائدة: 116. (¬4) السجدة: 17. (¬5) فى ز: النفس، والمثبت من ح. (¬6) فى هامش ح. (¬7) فى ح: بذكر. (¬8) فى هامش ح. (¬9) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم. (¬10) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

فِى طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ. فَقَالَ: " سِيرُوا، هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ " قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَارَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المسافة، فهذا الذى يليق بالله سبحانه. وأما المشى بطيؤه وسريعه - والتقرب بالذراع والباع، فمن صفات الأجسام، والله - سبحانه - ليس بجسم، ولا يجوز عليه تنقل ولا حركة ولا سكون، وهذا واضح بين. قال القاضى: قيل يجوز أن يكون معنى قوله: " من تقرب إلىّ شبرًا ": أى بالقصد والنية، قربته توفيقاً وتيسيراً ذراعًا وإن تقرب إلى بالعزم والاجتهاد ذراعاً قربته بالهداية والرعاية باعًا، وإن أتانى معرضاً عمن سواى مقبلاً إلى أدنيته، وحلت بينه وبين كل قاطع، وسبقت به كل مانع، وهو معنى الهرولة. وجاء فى الرواية الأخرى: " وإذا تلقانى بباع جئته بأسرع " كذا رواية الفارسى (¬1) وابن ماهان، وفى رواية العذرى: " وإذا تلقانى بباع جئته أتيته بأسرع ". قال بعضهم: هو مفسر، ولعله: " بباع حثيث أتيته بأسرع ". وقوله: " سبق المُفرِدون " وفسره: " الذاكرون الله كثيرًا والذكرات "، ضبطناه على متقنى شيوخنا بفتح الفاء وكسر الراء. قال القتبى: هم الذين هلك لداتهم، وذهب قرنهم الذين كانوا فيه فبقوا يذكرون الله، كما يقال: فلان هرم فى طاعة الله، أى لم يزل يفعل ذلك. وقد جاء تفسيره فى حديث آخر (¬2) قال: " هم الذين اهتروا فى ذكر الله " أى: أولعوا. وقيل: استهروا. وقال ابن الأعرابى: فرد الرجل إذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهى. ¬

_ (¬1) هو من رواة الصحيح، الحافظ عبد الغافر بن أحمد بن محمد بن سعيد الفارسى، الفسوى، ثم النيسابورى، أبو الحسين التاجر، سمع الصحيح من الجلودى قراءة عليه فى سنة خمس وستين وثلاثمائة، وكان ثقة صالحاً صائناً محفوظاً فى الرواية على قلة سماعاته، قرأ الحافظ السمرقندى عليه صحيح مسلم نيفاً وثلاثين مرة، وقرأه عليه أبو سعيد البحيرى نيفاً وعشرين مرة، توفى - رحمه الله - يوم الأربعاء لست خلون من شوال سنة 448 هـ. انظر: صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح: ص 105، 106. (¬2) أحمد 2/ 323 عن أبى هريرة، ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد 10/ 78 وقال: " رواه الطبرانى، وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف ".

(2) باب فى أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها

(2) باب فى أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها 5 - (2677) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ - وَاللَّفْظُ لعَمْرٍو - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " لِلهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسمًا، مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الجَنّةَ، وَإنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ ". وَفِى رِوَايَةِ ابنِ أَبِى عُمَرَ: " مَنْ أَحْصَاهَا ". 6 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلا وَاحِداً مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إن لله تسعة وتسعون (¬1) اسمًا، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، وأنه وتر يحب الوتر ": قال أبو القاسم القشيرى: فيه دليل على أن الاسم هو المسمى؛ إذ لو كان غيره لوجب أن تكون الأسماء غيره لقوله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (¬2). قال الخطابى: وفيه دليل على أن أشهر أسمائه: الله؛ لإضافة هذه الأسماء له، وقد جاء فى بعض الروايات: " إن الله هو اسمه الأعظم ". قال أبو القاسم الطبرى (¬3): وإلىه ينسب كل اسم، وقال: الرؤوف والكريم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرؤوف ولا الكريم، وفيه إثبات الأسماء المحصورة بهذا العدد. قال: وليس مقتضاه أنه ليس له أسماء غيرها. وتمام فائدة الكلام والخبر فى قوله: " من أحصاها " وهو خبر إن، لا قوله: " تسعة وتسعين "، ودليله قوله فى الحديث الآخر: " أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك " (¬4). قال القاضى أبو بكر بن الطيب (¬5): ليس فى ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل والصواب تسعين. (¬2) الأعراف: 180. (¬3) هو الحافظ هبة الله بن الحسن بن منصور، أبو القاسم الرازى الطبرى الأصل ويعرف باللالكائى، قدم بغداد فاستوطنها ودرس فقه الشافعى على أبى حامد الإسفرايينى، وسمع عيسى بن على بن عيسى الوزير، وأبا طاهر، المخلص، وطبقتهم ومن بعدهم. قال الخطيب. وكتبنا عنه وكان يفهم ويحفظ، وصنف كتاباً فى السنن وكتاباً فى أسماء من فى الصحيحين، وكتاباً فى شرح السنة، وغير ذلك وعاجلته المنية فلم ينشر عنه كثير شىء من الحديث. توفى سنة ئمان عشرة وأربعمائة. تاريخ بغداد 14/ 70، 71 برقم (4718). وانظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1084 برقم (986). (¬4) أحمد 1/ 391، 452. (¬5) هو المتكلم وشيخ الأشاعرة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد المعروف بالباقلاني من أهل =

وَزَادَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِى هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ وِتْرٌ، يحِبُّ الوِتْرَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث دليل [على] (¬1) أنه ليس فيه سوى هذه الأسماء، لأن ظاهره أنه من أحصاها دخل الجنة. وتعيين هذه الأسماء لم يخرج فى الصحيح وقد خرجها الترمذى (¬2) وغيره من أصحاب المصنفات، وفيها اختلاف يثبت أسماءً فى رواية، وفى أخرى أسماء [أخر] (¬3) تخالفها، وقد اعتنى بعض أهل العلم بتخريج ما منها فى كتاب الله مفردًا غير مضاف ولا مشتق من غيره كقادر وقدير ومقتدر ومالك الناس وملك وعليم وعالم الغيب فلم تبلغ هذا العدد، واعتنى آخرون بذلك، فحذفوا التكرار ولم يحذفوا الإضافات فوجدوها (¬4) على ما قالوه (¬5) تسعة وتسعين فى القرآن كما ذكر فى الحديث لكنه على الجملة لا على تفسيرها فى الحديث. واعتنى آخرون بجمعها مضافة وغير مضافة ومشتقة وغير مشتقة، وما وقع منها فى هذا الحديث على اختلاف (¬6) وفى غيره من الأحاديث [منثوراً] (¬7) أو مجموعاً وما أجمع أهل العلم على إطلاقه فبلغها أضعاف هذا العدد المذكور فى الحديث. وقيل: إنّ هذه التسعة وتسعين مخفية فى جملة أسماء الله تعالى كالاسم الأعظم فيها، وليلة القدر فى السنة. وقوله: " مَنْ أحصاها ": قيل: من حفظها، وقد جاء مفسراً فىِ حديث " من حفظها ". وقيل: من عدها ليدعو بها؛ كقوله: {وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًا} (¬8) وقيل: " من أحصاها " من وحد [الله] (¬9) بها ودعا بها، يريد توحيده وتعظيمه والإخلاص له. وقيل: " أحصاها " بمعنى أطاقها. كقوله: {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ} (¬10) أى تطيقوه، وإطاقتها: حسن المراعاة لها، والمحافظة لحدودها، والتصديق بمعانيها، والعلم بها. ومقتضى كل اسم وصفة يستفاد منها وتحقيقها. وفيل إحصاؤها: العمل بها، والتعبد لله بمعنى كل اسم منها، والإيمان بما لا يقتضى تعبداً ولا عملاً. وقيل: معنى ذلك ختم القرآن وتلاوته كله، لأنه مستوف لهذه الأسماء. ¬

_ = البصرة، سكن بغداد وسمع بها الحديث من أبى بكر بن مالك القطيعى. وأبى أحمد الحصين بن على النيسابورى وغيرهما وعنه القاضى أبو جعفر محمد بن أحمد السمنانى وأبو ذر الهروى وغيرهما وكان ثقة وتوفى رحمه الله سنة ثلاث وأربعمائة. تاريخ بغداد 5/ 379. ورقم الترجمة 2906، وانظر: ترتيب المدارك 4/ 585، ووفيات الأعيان 4/ 269. والديباج المذهب 2/ 228. (¬1) فى هامش ح. (¬2) ك الدعوات، ب 83، 5/ 469 برقم (3506). (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى ح: فوجدوا. (¬5) فى ح: قالوا. (¬6) فى ح: اختلافها. (¬7) فى هامش ح. (¬8) الجن: 28. (¬9) فى هامش ح. (¬10) المزمل: 20.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنه وتر يحب الوتر ". الوتر: الفرد، ومعناه فى حق الله: الواحد الذى لا شريك له ولا نظير، فهو وتر وجميع الخلق شفع. وقوله: " يحب الوتر ": قيل: معناه فضل الوتر فى الفرد (¬1) على الشفع فى أسمائه ليكون أدل على معنى الوحدانية فى صفاته. وقيل: يحتمل أن يكون معناه منصرفاً إلى صفَة مَنْ يعبد الله بالوحدانية والتفرد على سبيل (¬2) الإخلاص {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (¬3) ويحتمل أن يكون معناه: أنه يأمر ويفضل الوتر فى الأعمال وكثير من الطاعات، كما جعل الصلوات خمساً (¬4) وترًا، وشرعت أعداد الطهارات والاستطابة وأكفان الميت ونصب الزكاة (¬5) فى (¬6) الخمس أواق والخمسة أوسق ونصب الإبل، وأكثر نصب الغنم وأول نصب البقر وترًا فى العقود، وخلق كثير من مخلوقاته على عدد الوتر من السماوات والأرض والبحور والذرارى وعدد الأيام فى الجمعة والسنة وعدد عقدها فى الشهر، وكثير من هذا الباب لسر من أسرار غيبه فى ذلك - والله أعلم. ¬

_ (¬1) فى ح: العدد. (¬2) فى ح: سبب. (¬3) الكهف: 110. (¬4) فى ح: الخمس. (¬5) فى ح: الزكوات. (¬6) فى ح: من.

(3) باب العزم بالدعاء، ولا يقل: إن شئت

(3) باب العزم بالدعاء، ولا يقل: إن شئت 7 - (2678) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِى الدُّعَاءِ، ولاَ يَقُلِ: اللَّهُمَّ، إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِى، فَإِنَّ اللهَ لاَ مُسْتَكرِهَ لَهُ ". 8 - (2679) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلا يَقُلْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِى إَنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسألَةَ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَىْءٌ أَعْطَاه ". 9 - (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا أنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى ذبَابٍ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: اللهُمَّ، اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ. اللهُمَّ، ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ فِى الدُّعَاءِ، فَإِنَّ اللهَ صَانِعٌ مَا شَاء، لاَ مُكرِهَ لَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إذا دعا أحدكم فليعزم فى الدعاء، ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطنى، فإن الله لا مستكره له " وفى الرواية الثانية (¬1): " وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شىء أعطاه ": قيل كراهة الاستثناء هنا لوجهين: أحدهما: أن مشيئة الله ثابتة معلومة وأنه لا يفعل من ذلك إلا ما شاء، وإنما يتحقق استعمال المشيئة فى حق من يتوجه عليه الإكراه، والله منزه عن ذلك كما جاء فى (¬2) آخر الحديث. والوجه الآخر: أن فى هذا اللفظ ظهور الاستغناء؛ إذ لا يستعمل هذا اللفظ إلا فيما لا يضطر إليه الإنسان، فأما ما يضطر إليه فإنه يعزم عليه ويلح فيه، ويبين أيضاً هذا التأويل قوله فى الرواية الأخرى: " فإن الله لا يتعاظمه شىء أعطاه ". ومعنى " يعزم ": أى يشد ولا يتراخى. وأولو العزم من الرسل: أولو الشدة والقوة، وقيل: عزم المسألة: حسن الظن بالله فى الإجابة. ¬

_ (¬1) فى ح: الأخرى. (¬2) فى ح: من.

(4) باب كراهة تمنى الموت، لضر نزل به

(4) باب كراهة تمنى الموت، لضر نزل به 10 - (2680) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّة - عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإنْ كَانَ لابُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ، أحْينِى مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِى، وَتَوَفَّنِى إذَا كَانَتِ الَوَفَاةُ خَيْرًا لِى ". (...) حَدَّثنا ابْنُ أبِى خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ سَلَمَةَ - كِلاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمثْلِهِ. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: " مِنْ ضُرٍّ أصَابَهُ ". 11 - (...) حَدَّثَنِى حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ النَّضْرِ ابْنِ أنَس - وَأنَس يَوْمَئذٍ حَىٌ - قَالَ أنَسٌ: لَوْلا أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ " لَتَمَنيتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به " الحديث، وفى الرواية الأخرى: "ولا يدع به قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً ": فى هذا الحديث: [كراهة الدعاء بالموت فى حالة وجوازه فى أخرى، ففيه] (¬1) أولاً: كراهة الدعاء به للعلة التى ذكرت من الضرر، ويحتمل أن يكون من [ضر] (¬2) أو فاقة أو محنة من عدو، وشبه ذلك من المضار الدنيوية؛ لأنه إنما يدعو به هنا بمعنى الضيق والضجر والسخط لما قدر عليه، وأما لو كان لضر دينى يخشاه فمباح، وعليه يدل قوله آخره: "وتوفنى إذا كانت الوفاة خيراً لى "، وقد قال - عليه السلام -: " وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضنى إليك غير مفتون " (¬3)، وفى رواية الطبرى: " انقطع أمله " والوجه: " عمله " كما تقدم. يدل عليه سياق الحديث وإن كان الأمل أيضاً ينقطع بالموت، لكن ليس هو مراد الحديث ولأن عمله هو المتكرر فى الأحاديث والمعروف فى الروايات. ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) الترمذى، ك التفسير، ب من سورة: ص 5/ 334 (3235).

12 - (2681) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أبِى خَالدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِى حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْع كَيَّاتٍ فِى بَطْنِهِ. فَقَالَ: لَوْ مَا أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أنْ نَدْعُوَ بِالمَوْتِ، لَدعَوْتُ بِهِ. (...) حدّثناه إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهيم، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبِى. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، كُلّهُمْ عَنْ إسْمَاعِيلَ، بِهَذا الإسْنَادِ. 13 - (2682) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَتَمَنَّى أحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَهُ، إنَّهُ إذَا مَاتَ أحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإنَّهُ لا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمُرُهُ إلا خَيْرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الباب فى حديث [حامد بن العباس] (¬1): حدثنا عاصم، عن النضر بن أنس - وأنس يومئذ حى: يريد أن عاصماً هو الذى حدثه به النضر بن أنس فى حياة أبيه. ¬

_ (¬1) فى ح: حامد بن عمر.

(5) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه

(5) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه 14 - (2683) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ؛ أنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاَءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بّنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِثْلَهُ. 15 - (2684) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُزِّىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنَ الحَارِثِ الهُجَيْمِىُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ اللهُ لِقاءَهُ ". فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، أكَرَاهيَةُ المَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ المَوْتَ. فَقَالَ. " لَيْسَ كَذَلِكِ، وَلكِنَّ المُؤْمِنَ إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فأحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَإنَّ الكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقاءَهُ ". (...) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذا الإسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه "، قال الإمام: من قضى الله بموته فلابد أن يموت وإن كان كارهاً لقاء الله، ولو كره الله موته ما مات، ولا لقيه، فيحمل الحديث فى مثل هذه الصورة على كراهة الله سبحانه للغفران له وإرادته لإبعاده من رحمته. قال القاضى: قد جاء فى الأم فى الحديث زيادة فى الرواية الأخرى تشعر بالمراد به سؤال أبى هريرة (¬1) عائشة عن هذا الحديث. ¬

_ (¬1) هذا وَهْم لأن أبا هريرة لم يسأل عائشة عن هذا الحديث، بل السائل هو شريح بن هانئ. انظر: حديث (17).

16 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أحَبَّ لِقاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ، وَالمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللهِ ". (...) حدّثناه إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَكَريَّاء، عَنْ عَامِرٍ، حَدَّثَنِى شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ؛ أنَّ عَائِشَةَ أخْبَرَتْهُ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. بِمِثلِهِ. 17 - (2685) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشْعَثِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لقَاءَهُ ". قَالَ: فَأتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أمَّ المؤمِنِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا. فَقَالتْ: إنَّ الهَالِكَ مَنْ هَلَكَ بقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ " وَلَيْسَ مِنَّا أحَدٌ إلا وَهُوَ يَكْرَهُ المَوْتَ. فَقَالَتْ: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيسَ بِالذِى تَذْهَبُ إلَيْهِ، وَلَكِنْ إذَا شَخَصَ البَصَرُ، وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ، وَاقْشَعَرَّ الجِلْدُ وَتَشَنَّجَتِ الأصَابِعُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: ولكننا نكره الموت، فقالت: " ليس الذى يذهب إليه ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومق كره لقاء الله كره الله لقاءه " فمفهومه أنه عند الخاتمة وحضور الموت وكشف الغطاء، فأهل السعادة قد اغتبطوا لقاءهم بما رأوه، والله تعالى قد بشرهم به وأراده لهم، وهو معنى محبته لقاءهم، وأهل الشقاوة قد كشف لهم عن حالهم فكرهوا الورود على ربهم لما تيقنوه من تعذيبه لهم، والله تعالى قد أبعدهم عنه وهو معنى كراهته لقاءهم، أو لم يرد بهم القرب منه والمنزلة عنده، وهو من معنى الكراهة أيضًا، فـ " من " هنا خبرية غير شرطية، وليس المراد بالحديث أن سبب كراهة الله لقاء هؤلاء كراهتهم هم ذلك، ولا أن حبه لقاء هؤلاء حبهم هم لذلك، لكنه صفة حال لهؤلاء [وهؤلاء] (¬1) فى أنفسهم وعند ربهم، كأنه قال: من أحب لقاء الله فهو الذى أحب الله لقاءه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح.

(...) وحدّثناه إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، أخْبَرَنِى جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ بِهَذَا الإسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ عَبْثَرٍ. 18 - (2686) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَأبُو عَامِرٍ الأشْعَرِىُّ وَأبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ بُرَيْد، عَنْ أبِى بُرْدَةَ، عَنْ أبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وحشرجة الصدر هو: تردد النفس فيه. وتشنج الأصابع: تقبضها، واقشعرار الجلد: قيام شعره.

(6) باب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى

(6) باب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى 19 - (2675) حدّثنا أَبُو كَرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ العَلاء، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ اللهَ يَقُولُ: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى، وَأنَا مَعَهُ إذَا دَعَانِى ". 20 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - وَابْنُ أبِى عَدِىٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ - وَهُوَ التَّيْمِىُّ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَاَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: إذَا تَقَرَّبَ عَبْدِى مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإذَا تَقَرَّبَ مِنِّى ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا - أوْ بُوعًا - وَإذَا أتَاَنِى يَمْشِى أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى القَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أبِىهِ. بِهَذَا الإسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: " إذَا أتَانِى يَمْشِى أتَيْتُهُ هَرْوَلَةَ ". 21 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفظُ لأبِى كُرَيْبٍ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى صَالِحٍ، عَنْ أبَى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى، وَأنَا مَعَهُ حِينَ يَذكُرُنِى، فَإنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى، وَإنْ ذَكَرَنِى فى مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِى ملأٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإنِ اقْتَرَبَ إلىَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإنِ اقْتَرَبَ إلىَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إلَيْهِ بَاعًا، وَإنْ أَتَانِى يَمْشى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةَ ". 22 - (2687) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أبِى ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: مَنْ جَاءَ بِالحسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا وَأزيَدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالَسَّيَئَةِ، فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلِهَا أوْ أغْفِرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد " أى [أن] (¬1) العشر مضمونة بقوله تعالى، كما نص عليه فى كتابه وتضعيفها، ثم يتفضل الله على من يشاء بما يشاء. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ح والرسالة.

وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّى ذرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أتَانِى يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِى بِقُرَاب الأرضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بِى شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً". قَالَ إبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. بِهَذا الحَدِيثِ. (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. بِهَذَا الإسْنَادِ. نَحْوَهُ. غَيْرَ أنَّهُ قاَلَ: " فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا أوْ أزيدُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بالزيادة عليها إلى سبعمائة ضعف، كما جاء فى الحديث الآخر (¬1)، وإلى مالا يأخذه حساب كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (¬2)، وقال: " إلا الصوم فإنه لى، وأنا أجزى به " بعدما ذكر نهاية التضعيف إلى سبعمائة. وقوله: " من لقينى بقراب الأرض خطيئة، لقيته بمثلها مغفرة "، يفسر قوله قبل هذا: " ومن جاء بالسيئة فجزاؤه مثلها أو العفو عنه "، فأخبر أن فى سعة عفوه تعالى لمن أراد العفو عنه ما يسع ملء الأرض خطيئة أو ما يقرب من ملئها. وقراب كل شىء: قربه بضم القاف، كذا رويناه هنا، وقال لى أبو الحسن يقال: قراب بالكسر أيضًا. ¬

_ (¬1) لم نطلع على حديث فيه الزيادة إلى سبعمائة ضعف، إنما جاء هذا التضعيف فى الآية (261) من سورة البقرة. (¬2) الزمر: 10.

(7) باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة فى الدنيا

(7) باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة فى الدنيا 23 - (2688) حدثنا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَىْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ " قَالَ: نَعَمْ. كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقَبِى بِهِ فِى الآخِرَةِ، فَعَجلْهُ لِى فِى الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَ اللهِ! لا تُطِيقُهُ - أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ - أَفَلا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟ " قَالَ، فَدعَا اللهَ لَهُ فَشَفَاهُ. (...) حدثناه عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ. بِهَذَا الإِسْنَادِ. إِلَى قَولِهِ: " وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " وَلَمْ يَذْكُرِ اَلزِيَادَةَ. 24 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِه يَعُودُهُ، وَقَدْ صَارَ كَالْفَرْخِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ حُمَيْدٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " لا طَاقَةَ لَكَ بِعَذَابِ اللهِ " وَلَمْ يَذْكُرْ: فَدَعَا الله لَهُ، فَشَفَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الذى قال فيه: إنه [قد] (¬1) خفت حتى صار مثل الفرخ، أى ضعف، وخفت أَيضًا: انقطع كلامه، وخفت أيضًا: مات. وقوله: " هل كنت تدعو بشىء؟ "؛ وقوله: كنت أقول: اللهم، ما كنت معاقبنى به فى الآخرة فعجله لى فى الدنيا، وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [له] (¬2): " سبحان الله! إنك لا تطيقه، أفلا قلت: اللهم {آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَهً} (¬3) " الآية، فدعا الله له فشفاه. فيه جواز التسبيح عند العجب من الأمر، وفيه كراهة تمنى البلاء وإن كان على الوجه الذى فعله هذا، فإنه قد لا يطيقه فيحمله شدة الضرر على السخط والتندم والشكى من ربه، وفيه أن الدعاء بما قصه - عليه السلام - أفضل لعامة الناس وأسلم، وقد ذكر بعد هذا أنه ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح، وهى فى متن الحديث. (¬2) فى هامش ح. (¬3) البقرة: 201.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نوحٍ الْعَطَّارُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كان أكثر دعائه - عليه السلام (¬1). وقد اختلف المفسرون فى تأويل الآية، فقيل: الحسنة فى الدنيا: العلم والعبادة، وفى الآخرة: الجنة. وقيل: فى الدنيا: العافية، وفى الآخرة: العافية. وقيل: فى الدنيا: المال، وفى الآخرة: الجنة. وقيل: الحسنة هنا: النعمة. وقيل: حظوظ حسنة. وفيه إجابة دعوة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له. ¬

_ (¬1) سيأتى فى حديث رقم (26) من هذا الكتاب.

(8) باب فضل مجالس الذكر

(8) باب فضل مجالس الذكر 25 - (2689) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ للِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلائِكَةً سَيَّارَةً، فُضْلا يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَؤُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ". قَالَ: " فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِى الأَرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيُهَلِّلُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيَسْأَلُونَكَ. قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِى؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِى؟ قَالُوا: لا. أىْ رَبِّ. قَالَ: " فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِى؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِى؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ. يَارَبِّ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِى؟ قَالُوا: لا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن لله ملائكة سيارة، فضلا، يتبعون مجالس الذكر ": كذا الرواية عند جمهور شيوخنا فى مسلم والبخارى، بفتح الفاء وسكون الضاد، وبعضهم بضم الضاد، وعند العذرى والهوزنى: " فضل " برفع اللام على خبر المبتدأ وضم الفاء، وكذا رواه بعض الشيوخ، والصواب الأول كما بيناه. ومعنى " سيارة فى الأرض " كما قال فى بعض الروايات " سياحين " (¬1). وقوله: " فإذا وجدوا مجلس ذكر قعدوا معهم، وحظ بعضهم بعضًا بأجنحتهم ": كذا للعذرى [وللطبرى] (¬2) فيما وجدته بخطى: " حظ " بالظاء المعجمة، ولا أعلم له هنا وجهاً. وكذلك رواه بعضهم من طريق [ابن] (¬3) الحذاء: " خص " بالخاء المعجمة والصاد المهملة وهو بعيد، ورواه بعضهم: " حض " بالضاد المعجمة وله وجه. وفى كتاب ابن عيسى: " حط " بحاء وطاء مهملتين، وكذا قيل عن شيخنا القاضى [أبو] (¬4) على، وهو الصواب. قيل: معناه: أشار بعضهم إلى بعض بالنزول أو دعائه إلى النزول ويدل عليه قوله بعده فى البخارى: " هلموا إلى حاجتكم " (¬5). وفى رواية السجزى والسمرقندى: " حف بعضهم بعضًا بأجنحتهم "، ويدل على هذه الرواية قوله فى البخارى: " يحفونهم بأجنحتهم " (¬6) أى يحدقون بهم ويطوفون حولهم، ¬

_ (¬1) انظر: تحفة الأحوذى 4/ 289. (¬2) من ح. (¬3) فى هامش ح. (¬4) هكذا فى الأصل، وفى ح: أبى، وهو الصواب. (¬5) البخارى، ك الدعوات، ب فضل الذكر 8/ 107. (¬6) انظر: التخريج السابق.

قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِى؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ". قَالَ: "فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ". قَالَ: "فَيَقُولُونَ: رَبِّ، فِيهِمْ فُلانٌ، عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ". قَالَ: " فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجتمعون فى جميع جوانبهم، ويحدق بعضها بعضاً. وحفاف الشىء: جانباه، كما قال: " حتى يملؤوا ما بين السماء والأرض ". وقوله: " ويستجيرونك من النار " وقوله: " قد أجرتهم مما استجارونى ": كله من الأمان، والجوار يأتى بمعنى الأمان. وقوله فى الذى مر بينهم فجلس - زاد فى البخارى: لحاجة -: " قد غفرت لهم، هم القوم لا يشقى جليسهم " (¬1) فيه فضل مجالس الذكر وإن لم يكن الجالس فيها من أهلها. [وفيه] (¬2) فضل مجالسة الصالحين وتزكيتهم. والذكر ذكران: ذكر الله بالقلب: وهو الذكر الخفى، وذكر القلب - أيضاً - عند أوامره ونواهيه. وذكر باللسان: كما جاء عن عمر بن الخطاب، فذكره بالقلب، وهو الذكر الخفى وهو أرفع الأذكار، الفكرة فى عظمة الله وجلاله وجبروته وملكوته وآياته فى أرضه وسماواته، وفى الحديث: " خير الذكر الخفى " (¬3)، وبعده ذكره بالقلب عند أوامره ونواهيه، فينتهى عما نهى عنه، ويمتثل ما أمر به، ويتوقف عما أشكل عليه. وذكره باللسان مجرداً هو أضعف هذه الأذكار الثلاث، لكن له فضل عظيم، كما جاء فى الآثار: لكل فضل بقدر مرتبته. وقد ذكر أبو جعفر الطبرى وغيره اختلاف السلف: أيهما أفضل الذكر باللسان أو بالقلب؟ والخلاف عندنا (¬4) إنما يتصور فى تحديد (¬5) الذكر بالقلب من التسبيح والتهليل وشبهه من أذكار اللسان إذا لم ينطق بها اللسان وعليه يدل كلامهم، لأنهم مختلفون فى الذكر الخفى للذى ذكرناه أولاً من الفكر وإحضار دلائل المعارف والعظمة، فتلك لا يتلونها (¬6) ذكر اللسان، فكيف يتفاضل معها، وإنما الخلاف فيما ذكرناه، وكل ذلك مع حضور الثلاث بذكر اللسان، فأما والقلب لاهٍ فلا. فمن رأى ذكر القلب أفضل قال: لأن عمل السر أفضل. ومن قال: ذكر اللسان أفضل قال: لأن فيه زيادة أعمال الجوارح على عمل ذلك بالقلب، ففيه زيادة عمل [منه] (¬7) تقتضى زيادة أجر، ولذلك اختلف فى ذكر القلب، هل تكتبه الملائكة ويعمل؟ فقيل ذلك، وأن الله يجعل لها على ذلك علامة، وقيل: إنه لا يكتب؛ لأنهم لا يطلعون عليه. ¬

_ (¬1) انظر: التخريج السابق. (¬2) من ح. (¬3) أحمد 1/ 172، 180 عن سعد بن مالك. (¬4) فى ح: عندى. (¬5) فى ح: مجرد. (¬6) فى ح: يقارنها. (¬7) ساقطة من ح.

(9) باب فضل الدعاء باللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار

(9) باب فضل الدعاء باللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار 26 - (2690) حدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - قَالَ: سَأَلَ قَتَادَةُ أَنَسًا: أَىُّ دَعْوَةٍ كَانَ يَدْعُو بِهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَر؟ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا يَقُولُ: " الَّلهُمَّ {آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬1) ". قَالَ وَكَانَ أَنَسٌ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ، دَعَا بِهَا. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعُاءٍ، دَعَا بِهَا فِيه. 27 - (...) حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: كان أكثر دعائه: " اللهم {آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً} " الآية (¬2)، هذا لجمعها معانى الدعاء كله؛ من أمر الدنيا والآخرة، والحسنة هنا عندهم: النعمة، فسأله نعم الدنيا والآخرة والوقاية من عذاب النار. ¬

_ (¬1) البقرة: 201. (¬2) سياق الكلام يقتضى أن يقال: الحديث؛ لأن الآية داخلة ضمن الحديث.

(10) باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء

(10) باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء 28 - (2691) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّة، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مَائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِىَ، وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر حديث فضائل (¬1) من قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير فى يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب وكتبت (¬2) له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك. ومن قال: سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، ثم ذكر بعد فى فضل من قال: لا إله إلا الله " المتقدم " كان كمن أعتق أربعة [أنفس] (¬3) من ولد إسماعيل " ثم ذكر حديث: " من سبح مائة تسبيحة كتبت له ألف حسنة، وحطت عنه ألف سيئة " ذكر هذا العدد من المائة، وهذا الحصر لهذه الأذكار لا (¬4) دليل على أنها غاية وحد لهذه الأجور. ثم نبه - عليه السلام - بقوله: " إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك " أنه جائز أن يزاد على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسابه، لئلا يظن أنها من الحدود التى نهى عن اعتدائها، وأنه لا فضل فى الزيادة عليها كالزيادة على ركعات السنن المحدودة أو أعداد الطهارة. وقد قيل: يحتمل أن هذه الزيادة من غير هذا الباب، أى ألا يزيد أحد أعمالاً أخر من البر غيرها، فيزيد له أجرها على هذا. وقوله فى حديث التهليل: " محيت عنه مائة سيئة "، وفى حديث التسبيح: " حطت ¬

_ (¬1) فى ح: فضل. (¬2) هكذا فى ح ومتن الصحيح، أما فى ز: وكانت. (¬3) من متن الصحيح. (¬4) فى ح: أولا.

29 - (2692) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالَحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيامَةِ بِأَفْضَلِ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلاَّ أحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ". 30 - (2693) حدّثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ أَبُو أَيُّوبَ الْغَيْلانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - يَعْنِى الْعَقَدِىَّ - حَدَّثَنَا عُمَرُ - وَهُوَ ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ - عَنْ أَبِى إسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِير، عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِى السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ. بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ للِرَّبِيعِ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ. قَالَ: فَأَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: مِنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِى لَيْلَى فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: مِنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ، يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 31 - (2694) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " ظاهره أن التسبيح أفضل. وقد جاء فى [تهليل التسبيح] (¬1) حديث التهليل: " ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به " فيحتمل الجمع بينهما أن يكون حديث التهليل أفضل، وأنه إنما زيد من الحسنات ومحى من السيئات المحصورة، ثم جعل له من فضل عتق الرقاب ما قد زاد على فضل التسبيح، وتكفيره جميع الخطايا لأنه قد جاء أنه: " من أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار " (¬2) فهنا قد حصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عمومًا بعد حصر ما عد منها خصوصًا مع زيادة مائة درجة، وما زاده عتق الرقاب الزائدة على الواحدة. وقد جاء فى الحديث هنا أيضًا: أفضل الذكر التهليل، وأنه أفضل ما قاله - عليه السلام - والنبيون من قبله (¬3). وقد قيل: إنه اسم الله الأعظم، وهى كلمة الإخلاص. وقد مضى شرح التسبيح، وأنه بمعنى التنزيه عما لا يليق به جل جلاله من الشريك ¬

_ (¬1) مضروب عليها بخط فى الأصل " ز ". (¬2) سبق فى ك العتق، ب فضل العتق برقم (5). (¬3) الموطأ، ب ما جاء فى الدعاء.

وَمُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فَضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ ". 32 - (2695) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، والْحَمْدُ للهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ". 33 - (2696) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِر وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِىِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مُوسَى الْجُهَنِىُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: عَلِّمْنِى كَلامًا أَقُولُهُ. قَالَ: " قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلا اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلّهِ كَثَيرًا، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ " قَالَ: فَهَؤُلاءِ لِرَبِّى. فَمَا لِى؟ قَالَ: " قُلِ: اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى، وَاهْدِنِى وَارْزُقْنِى ". قَالَ مُوسَى: أَمَّا عَافِنِى، فَأَنَا أَتوَهَّمُ وَمَا أَدْرِى. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فِى حَدِيثِهِ قَوْلَ مُوسَى. 34 - (2697) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ، عَنْ أَبِيِه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ مَنْ أَسْلَمَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى، وَاهْدِنِى وَارْزُقْنِى ". 35 - (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ أَزْهَرَ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَن ـــــــــــــــــــــــــــــ والصاحبة والولد والنقائص، وإعرابه واشتقاقه، وذلك فى ضمن قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، المتقدم ذكره، وفضل من يقوله.

يَدْعُوَ بِهَؤْلاءِ الْكَلِمَاتِ: " اللهُمَّ، اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى، وَاهْدِنِى وَعَافِنِى، وَارْزُقْنِى ". 36 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّى؟ قَالَ: " قُل: اللهُمَّ اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى، وَعَافِنِى وَارْزُقْنِى " وَيَجْمَعُ أَصابِعَهُ إِلا الإِبْهَامَ " فَإِنَّ هَؤُلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وآخِرَتَكَ ". 37 - (2698) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ وَعَلِىُّ بْنُ مُسْهَرٍ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِىِّ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا مُوسَى الْجُهَنِىُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ " فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: " يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الله أكبر كبيراً ": انتصب عند النحاة " كبيراً " لفعل مضمر دل عليه ما قبله كأنه قال: كبرت كبيراً، أو ذكرت كبيراً أو نحوه. وقيل: على التمييز. وقيل: على القطع.

(11) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر

(11) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر 38 - (2699) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِىُّ - وَاللَّفْظ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِح، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَة. وَاللهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَاكَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُوَنَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهُمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائكَةُ، وَذَكَرَهمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من نفس عن مسلم كربة ": أى أزالها عنه وفرجها، وقد تقدم الكلام على فصول هذا الحديث. وقوله: " ونزلت عليهم السكينة " أى الرحمة، وهو أحد الوجوه فى تأويل السكينة فى القرآن، وهذا أليق الوجوه هنا. وقيل: السكينة أيضًا فى ذلك، وفى قوله: {ثم أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (¬1) أى الوقار والطمأنينة. قال الإمام: وقوله: " وما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ": ظاهره يبيح الاجتماع لقراءة القرآن فى المساجد، وإن كان مالك قد قال فى المدونة بالكراهة بنحو ما قضى هذا الظاهر جوازه وقال: يُقامون، ولعله لما صادف العمل لم يستمر عليه ورأى السلف لم يفعلوه مع حرصهم على الخير كره إحداثه، ويراه من محدثات الأمور، وكان كثير الاتباع لعمل أهل المدينة وما عليه السلف، وكثيرًا ما يترك بعض الظواهر بالعمل. قال القاضى: قد يكون هذا الاجتماع للتعلم بعضهم من بعض، بدليل قوله: " ويتدارسونه بينهم "، ومثل هذا لم ينه عنه مالك ولا غيره. وقوله: " ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ": يريد آخرة عمله السيئ أو تفريطه فى الحسنات المعلية للدرجات عن اللحاق بمنازل المتقين والأبرار، وعن دخول الجنة فى أول زمرة لم ترفعه رفعة نسبه ومكانته فى الدنيا، ولا جبر هذا النقص الذى ثلم حاله. ¬

_ (¬1) التوبة: 26.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَاه نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالا. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِى أُسَامَةَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّيْسِيرِ عَلَى الْمُعْسِرِ. 39 - (2700) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنِ الأَغَرِّ، أَبِى مُسْلِمٍ؛ أَنَّه قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِى هُرَيْرَةَ وَأَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لا يَقْعُدُ قوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَليْهمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ". (...) وَحَدَّثَنِيه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 40 - (2701) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِى نَعَامَةَ السَّعْدِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلَقَةٍ فِى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ. قَالَ: آللهِ! مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟ قَالُوَا: وَاللهِ، مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إنِّى لَمْ اسْتَحْلِفْكُمْ تُهمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِى مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّى، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ. " مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا للإِسْلامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: " آللهِ! مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟ " قَالُوا: وَاللهِ، مَا أَجْلَسَنَا إلا ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إِنِّى لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهمَةً لَكُم، وَلَكِنَّهُ أَتَانى جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِى أَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يُبَاهِى بِكُمُ الْمَلائِكَةَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى أهل الذكر: " إن الله يباهى بهم الملائكة ": معناه: يظهر فضلهم لهم، ويريهم حسن عملهم، ويثنى عليهم عندهم. وأصل البهاء: الحسن والجمال.

(12) باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه

(12) باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 41 - (2702) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِىُّ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنِ الأَغَرِّ الْمُزْنِىِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى، وِإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنه ليغان على قلبى، وإنى لأستغفر الله فى اليوم مائة مرة "، قال الإمام: قال أبو عبيد: يعنى أنه يغشى (¬1) القلب ما يلبسه، يقال غُينت السماء غينًا وهو إطباق الغيم السماء [والغيم] (¬2) والغين واحد. قال القاضى: قيل: ذلك عبارة عن الفترات والغفلات عن الذكر الذى كان دأبه فيستغفر منه؛ إذ كان أبداً فيمن يدمن ذلك، فرأى الغفلة عنه ذنبًا. وقيل: ذلك الغين همه بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالها بعده، حتى يستغفر لهم. وقيل: إن ذلك لما يشغله عن عظيم مقامه من النظر فى أمور أمته ومصالحهم، ومجابهة (¬3) عدوه، ومداراتهم للاستئلاف، فيرى شغله لذلك - وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال - نزولاً عن علىِّ درجته، ورفيع مقامه، من حضوره بهمه كله مع الله، ومشاهدته عنده، وفراغه عن غيره إليه، وخلوصه له عمن سواه، فيستغفر (¬4) لذلك. وقيل: قد يكون هذا الغين السكينة التى تغشى قلبه، لقوله تعالى: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} (¬5). واستغفاره إظهار للعبودية والافتقار وملازمة الخضوع، شكراً لما أولاه به. قال المحاسبى: خوف الملائكة والأنبياء خوف إعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله. وقيل: يحتمل أن يكون حال خشية وإعظام يغشى القلب، ويكون استغفاره هذا على ما تقدم شكراً وإعظامًا، ولا يعتقد أن استغفاره لأجل الغين، بل ذكر الغين قصة، والاستغفار أخرى غير مرتبطة بها، وعليه يدل حديث مسلم: " إنى ليغان على قلبى، وإنى لأستغفر الله " كما قال (¬6) فى الحديث الآخر: " أيها الناس، توبوا إلى الله، فإنى أتوب إليه فى اليوم مائة مرة "، وكما كان يقول فى سجوده: " أستغفرك وأتوب إليك " بتأول القرآن. ¬

_ (¬1) فى ح: يتغشى. (¬2) فى هامش ح. (¬3) فى ح: محاربة. (¬4) فى ح: فيستغفره. (¬5) التوبة: 40. (¬6) فى ح: جاء.

42 - (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ الأَغَرَّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّها النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِى أَتُوبُ - فِى الْيَوْمِ - إِلْيهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ". (...) حدثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. 43 - (2703) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ - يَعْنِى سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ - ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ. ح وحَدَّثَنِى أَبُو خَيْثَمَةَ، زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيريِنَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى من يجيز الصغائر على الأنبياء، فيجعل استغفاره لما عساه يتوقعه أن يجرى على لسانه أو جوارحه فيها، وإن كان - عليه السلام - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فاستغفاره لذلك شكر لله وإعظام لجلاله كما تقدم. وقيل: هو شىء يعترى القلوب الصافية مما يحدث فى النفس من اللمم وحديثها، أو الغفلة فيشوشها. وقوله: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ": هذا حد للتوبة جعله الله تعالى، ولها باب يسد عند هذه الآية كما جاء فىِ الحديث (¬1)، وقد جاء فى التفسير أنه معنى قوله: {يَوْمَ يأْتِى بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} (¬2)، وعلى ظاهره حمله أهل الفقه والحديث، خلاف ما تأوله عليه بعض الغالين من الباطنية. وقوله: " تاب الله عليه " قيل: معناه: قبل توبته ورضيها. قيل: توبة الله على عباده رجوعه بهم إليها، وقد تكون توبته تثبيتاً لهم وتصحيحاً، ويأتى بعد هذا معنى التوبة. ¬

_ (¬1) انظر: ك الإيمان، ب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان برقم (249، 250). (¬2) الأنعام: 159.

(13) باب استحباب خفض الصوت بالذكر

(13) باب استحباب خفض الصوت بالذكر 44 - (2704) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن فُضَيْلٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَن أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَارُونَ بالتَّكْبِيرِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ ". قَالَ: وَأَنَا خَلْفَهُ، وَأَنَا أَقُولُ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللهِ. فَقَالَ: " يَا عَبْدَ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، أَلاَّ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنةِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " قُلْ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ ". (...) حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ وِإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بِنْ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذا الإِسْنَادِ، نَحْوهُ. 45 - (...) حدثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنُ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى؛ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَصْعَدُونَ فِى ثَنِيَّةٍ. قَالَ: فَجَعَلَ رَجُلٌ كُلَّمَا عَلا ثَنِيَّةً، نَادَى: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ. قَالَ: فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكُمْ لا تُنَادُونَ أصَمَّ وَلا غَائِبًا ". قَالَ: فَقَالَ " يَا أَبَا مُوسَى - أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ - أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كنْزِ الْجَنَّةِ "؟ قُلْتُ: مَا هِى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ ". (...) وحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام - لما سمعهم يجهرون بالتكبير: " اربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصمّ ولا غائبًا ": معناه: الزموا أمركم وشأنكم، وانتظروا ولا تعجلوا، وقيل: معناه: كُفوا وارفقوا وكل قريب بعضه منِ بعض. فيه التأدب فى الدعاء والذكر والتوقر عنده. وقد قيل فى قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} (¬1) أنه منه، وأن الصلاة هنا الدعاء. وقيل: القراءة، وقد مر من هذا أول الكتاب. ¬

_ (¬1) الإسراء: 110.

(...) حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأبُو الرَّبِيعِ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَاصِمٍ. 46 - (...) وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزَاةٍ. فَذَكَرَ الْحدِيثَ. وَقَالَ فِيه: " وَالَّذِى تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ ". وَلَيْسَ فِى حَدِيثِه ذِكْرُ " لا حَوْل وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ ". 47 - (...) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أَدُلَّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ - أَوْ قَالَ - عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: " لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ ". 48 - (2705) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنَ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قل: لا حول ولا قوة إلا بالله [العلى العظيم] (¬1) " هذه كلمة استسلام وتفويض واعتراف بالعجز، وأن العبد لا يملك مع الله شيئاً، [ولا يملك] (¬2) من دونه كما قال أهل اللغة: معناه: لا حول، لا حيلة، يقال: ما للرجل حيلة [ولا حول ولا احتيال ولا محالة ولا محال ولا محتال، وقيل: الحول: الحركة، أى لا حركة] (¬3) ولا استطاعة إلا بالله. قال ابن مسعود: معناه: لا حول عن المعصية إلا بعصمة الله ولا قوة على الطاعة إلا بعون الله. ومعنى " كنز من الجنة ": أى أجر مدخر وثواب مخبأ ظاهره لقائلها، وقيل: بل لمن اتصف [بذلك، وتبرأ من حوله وقوته، وفوض أمره إلى الله تعالى، ولمن قالها] (¬4) عن صدق نيته وتحقيق ضميره. ¬

_ (¬1) هذه الزيادة لم ترد فى الصحيح، وإنما ذكرت فى آخر حديث دعاء الحفظ الذى علمه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بن أبى طالب، أخرجه الإمام الترمذى فى أبواب الدعوات، باب دعاء الحفظ، والإمام عبد الرزاق الصنعانى فى المصنف بسنده عن عبد الله بن الحارث بن نوفل: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سمع المؤذن ... وإذا قال: حى على الصلاة. قال: " لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم " 1/ 478. (¬2) من ح. (¬3) فى هامش ح. (¬4) سقط من ز، والمثبت من ح.

أَبِى بَكْرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِى دُعَاء أدْعُو بِهِ فِى صَلاتِى. قَالَ: " قُل: اللهُمَّ، إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَبِيرًا - وَقَالَ قُتَيْبَةُ: كَثِيرًا - وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فاغْفِرْ لِى مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِى، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى رَجُلٌ سَمَّاهُ، وَعَمْرُو ابْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنِ عَمْرُو بْن الْعَاصِ يَقُولُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِّيقَ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِى يَا رَسُولَ اللهِ دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِى صَلاتِى وَفِى بَيْتِى. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدَيثِ اللَّيْثِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " ظُلْمًا كَثِيرًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " والذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " مثل قوله تعالى: {وَنَحْنُ (¬1) أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد} (¬2) كله استعارة لتحقيق سماع الدعاء، وأن إجابته إياه وتحقيق سماعه له كمن هو منك بهذا القرب. ¬

_ (¬1) فى ز: وهو، والصواب ما أثتناه. (¬2) ق: 16.

(14) باب التعوذ من شر الفتن، وغيرها

(14) باب التعوذ من شر الفتن، وغيرها 49 - (589) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأبِى بَكْر - قَالا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ: "اللَّهُمَّ، فَإنِّى أعُوذ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَفتْنَة الْقَبْرِ، وَعَذَاب الْقَبْرِ، وَمِنْ شَرِّ فتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فتْنَةِ الْفَقْرِ، وأعَوذُ بِكَ مِنْ شرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. اللَّهُمَّ، اغسِلْ خَطَايَاىَ بِمَاء الثَّلْجِ وَالْبرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِىَ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغرِبِ. اللَّهُمَّ، فَإِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأثَمِ وَالْمَغْرَمِ ". (...) وحدثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومضى الكلام فى تعوذه - عليه السلام - من فتنة القبر، وفتنة المسيخ، وغسل الخطايا بالثلج قبل هذا فى مواضع (¬1). واستعاذته من فتنة الغنى وفتنة الفقر لأنهما حالتان يخشى الفتنة معهما بالسخط وقلة الصبر، والوقوع بالضرورة فيما لا يحل عند الحاجة، [وبالعجب] (¬2) والأشر والبطر، والبخل بحق المال عند الغنى، وإنفاقه فى الإسراف وما لا يحل. والكسل: عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه، مع إمكان فعله. والعجز: عدم القدرة على فعله. قال الخطابى: استعاذة النبى من الفقر أى يعنى به فقر النفس، وقد يكون استعاذته من سوء احتماله، وقلة الرضا به. والفقر المستعاذ منه: هو ما يخشى من فتنته وهو المذموم، وأما الاستعاذة منه خوف انحطاط القدر فمذموم، وقد جاءت أحاديث بفضل الفقر [وأخر بذمه، فمحملها على ما ذكرناه، ويدل عليه قوله: " من [شر] (¬3) فتنة الفقر "] (¬4). ¬

_ (¬1) منها ما جاء فى ك المساجد، ب ما يستعاذ منه فى الصلاة برقم (128)، (129). (¬2) فى هامش ح. (¬3) من ح. (¬4) فى هامش ح.

(15) باب التعوذ من العجز والكسل وغيره

(15) باب التعوذ من العجز والكسل وغيره 50 - (2706) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمىُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ". (...) وحدثنا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَّمَدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. كِلاهُمَا عَنِ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّ يَزِيدَ لَيْسَ فِى حَدِيثِهِ قَوْلُهُ: " وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ". 51 - (...) حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَنْسِ بْن مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا، وَالْبُخْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وأعوذ بك من العجز والكسل ": تقدم تفسير العجز، وأنه يحتمل أن يكون على ظاهره من عدم القدرة. وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف به، ويحتمل أن يريد به عمل الطاعات، ويحتمل عموم أعمال الدنيا والآخرة، والكسل يكون بهذا المعنى. وقيل: هو فترة تقع بالنفس تثبط عن العمل. استعاذ منهما، لأنهما يمنعان من أداء الحقوق والمسارعة إلى الخيرات، وترك الاكتساب للعيال وداعيه إلى الحاجة إلى الناس. واستعاذته من الهرم وأن يرد إلى أرذل العمر؛ لما فيه من الخوف، واختلال الحواس والعقل، وعدم العلم، وتشويه النظر، والعجز عن آداء الطاعات، وربما أدى ذلك إلى التساهل فيها، ويعذر نفسه بتركها. فاستعاذته - عليه السلام - من جملة هذه الأشياء ليكمل حاله فى كل حين وشرعه تعليمه لأمته الاستعاذة منها، وسؤالاً لله تعالى ألا يغير ما به من نعمة، ودليل على جواز الدعاء بما يشاء العبد على التفصيل والجملة. واستعاذته من الغرم من هذا الباب، وهو إما من مغرم لزمه لم يقدر على قضائه، أو من مغرم فى غير ما يجب اكتسابه ولا يباح التداين فيه، أو من مغرم [لديه أحبه] (¬1) ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل، وفى ح: لديها حبه، وفى الأبى: لدى بصاحبه.

52 - (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّىُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ الأَعْوَرُ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ: " اللَّهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ وَأَرْذلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالمَمَاتِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومطله به. والنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى كل هذا معلم لأمته هذه الأدعية. وكذلك استعاذته من الجبن والبخل؛ لما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام فى حقوق الله، والغلظة على أهل المعاصى، وتغيير المناكير، وأداء حقوق المال؛ إذ بشجاعة النفس المعتدلة يقيم الحقوق، وينصر المظلوم، وبسخاء النفس يؤدى حقوق المال ويواسى منه، ويلم به عند الضرورات شعث المساكين، ويؤدى واجب المضطرين.

(16) باب فى التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره

(16) باب فى التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره 53 - (2707) حدثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهِيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، حَدَّثَنى سُمَىٌّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، وَمِنْ جُهْدِ الْبَلاءِ. قَالَ عَمْرٌو فِى حَدِيثِهِ: قَالَ سُفْيَانُ: أَشُكُّ أَنّى زِدْتُ وَاحِدَةً مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يتعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء، وجهد البلاء ": جهد البلاء: مشقته، والجهد: ما لا طاقة لحمله ولا يقدر على دفعه؛ فهو المستعاذ به، يقال بالضم والفتح. قال نفطويه (¬1): بالضم: الوسع والطاقة، وبالفتح: المبالغة والغاية. وقال الشعبى (¬2): بالفتح: فى العمل، وبالضم: فى الفتنة، يعنى العيش. وقال غيره: إذا كان من الاجتهاد والمبالغة ففيه الوجهان. قال ابن دريد: هما لغتان صحيحتان لمعنى جهده، وجَهَده. وفى كتاب العين: الجهد بالضم: الطاقة، وبالفتح: المشقة. وروى عن ابن عمر قال: جهد البلاء: قلة المال وكثرة العيال (¬3). ودرك الشقاء، بفتح الراء: اسم للإدراك كما يلحق من اللحاق، وضبطه بعضهم بالإسكان، والوجه بالفتح هنا. وقال بعضهم: درك الشقاء يكون فى أمور الدنيا والآخرة وكذلك سوء القضاء فى النفس وفى المال، ويكون ذلك فى سوء الخاتمة. ودرك الشقاء عند الموت، ويكون ما يدرك من عقوبة الله فى الآخرة. وقد يكون من الشقاء أيضاً: ما يدرك من ذلك فى الجهد وقلة المعيشة فى الدنيا. ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبى صفرة، أبو عبد الله العتكى الأسدى الواسطى النحوى، ولد سنة أربعين ومائتين ولقب " نفطويه " نسبة له بالنفط، سكن بغداد وحدث بها وكان صدوقاً، وله مصنفات كثيرة منها: كتاب كبير فى غريب القرآن، وكتاب التاريخ، وكان فقيهاً عالماً بمذهب داود رأساً فيه، وكان مسنداً فى الحديث، وتوفى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. تاريخ بغداد: 6/ 159 - 162 برقم (3205)، وله ترجمة فى لسان الميزان 1/ 9، وفيات الأعيان 1/ 11. (¬2) هو عامر بن شراحيل الشعبى الحميدى أبو عمرو الكوفى، متفق على توثيقه، سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال العجلى: مرسل الشعبى صحيح، لا يرسل إلا صحيحاً، وقد أخرج له الجماعة، توفى سنة تسع ومائة، وانظر: طبقات ابن سعد الكبرى 6/ 171، تاريخ بغداد 12/ 229 وتهذيب التهذيب 5/ 65، تذكرة الحفاظ 1/ 79. (¬3) ذكره ابن حجر فى الفتح دون تخريج فى ب التعوذ من جهد البلاء 13/ 399. وجاء القول فى إكمال الإكمال منسوباً لأبى عمر بن عبد البر 7/ 133.

54 - (2708) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ؛ أَنَّ يَعْقُوبَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَاصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرُّه شِىءٌ حتى يَرْتَحِلَ منْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ". 55 - (...) وَحَدَّثَنَا هَاروِنُ بْن مَعْرُوفٍ، وَأَبُو الطَّاهِرِ، كِلاهُمَا عَنْ ابنِ وَهْبٍ - وَاللَّفْظُ لهَارونَ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بَنِ وَهَبٍ قَالَ: وَأَخْبَرنا عمرٌو - وهو ابْنُ الحَارِثِ - أَنَّ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبيبٍ، والحارثَ بْنِ يعقوبَ حدَّثاهُ عَنْ يَعْقُوبَ بنِ عبدِ الله بْنِ الأشجِ، عن بُسْرِ بن سعيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ خَوْلَة بنتِ حَكِيمٍ السَّلَميَّةَ؛ أَنهَا سَمِعتْ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَىْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ ". (2709) قَالَ يَعْقُوبُ: وَقَالَ الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ ذَكُوَانَ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسولَ اللهِ، مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَب لَدَغَتْنِى الْبَارِحَةَ. قَالَ: " أَمَا لَوْ قُلْتَ: حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرُّكَ ". (...) وحدثنى عِيسى بْنُ حَمَّاد الْمِصْرِىُّ، أَخْبَرَنِى اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أنَّ أَبَا صَالِحٍ - مَوْلَى غَطفَانَ - أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَدَغَتْنِى عَقْرَبٌ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أعوذ بكلمات الله التامات ". قيل: معناه: الكاملة التى لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل كلام البشر. وقيل: التامة: النافعة الشافية، وقيل: الكلمات هنا: القرآن.

(17) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع

(17) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع 56 - (2710) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأ وُضُوءَكَ للِصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شقِّكَ الأيْمَنِ، ثُمَّ قُل: اللهُمَّ، إِنِّى أَسْلَمْتُ وَجْهِى إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ، وَأَلْجَأتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ، رَغبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلجَأَ وَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن " فيه: " وقل: اللهم إنى اسلمت نفسى إليك " الحديث: فيه ثلاث سنن: إحداها: الوضوء للنوم مخافة أن يتوفاه الله على غير طهارة. وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به فى منامه وترويعه، وليكون إن مات آخر عمله من الدنيا الطهارة وذكر الله، ولما جاء: أنه فى صلاة أو ذكر حتى يستيقظ. وقد اختلف العلماء فى مذهبنا وغيرهم، هل يستباح بهذا الوضوء صلاة أم لا؟ والصحيح أنه متى ما نوى بها ليكون على طهارة - كما قدمنا - فهو كنية رفع الحدث واستباحة ما يمنع منه، ويجوز له استباحة كل ما يمنع الحدث منه. والثانية: النوم على الشق الأيمن، ففيها فى التيامن من البركة، وفى اسمه من الخير، واستعماله فى موارد الشرع، وأيضاً فإن فى نومه على شقه الأيمن حكمة لسرعة انتباهه، ولئلا يستغرقه النوم استغراقاً كلياً؛ وذلك أن النائم إذا نام كذلك كان قلبه - وهو فى جهة اليسار - قلقاً متعلقاً، فكان الانتباه إليه أسرع، والاستغراق منه أبعد. وإذا نام على شقه الأيسر كان مستقراً فى جنبه فيستغرقه النوم كثيراً، ولا ينتبه منه إلا بعد جهد. الثالثة: ذكر الله تعالى عند النوم؛ ليكون خاتمة عمله، إذ هو أحد الموتتين، ومخافة أن يتوفى فى نومته تلك فيكون آخر كلامه كما قال فى الحديث الآخر (¬1): " واجعله من آخر ما تتكلم به ". وقوله: " قل: اللهم، إنى أسلمت نفسى إليك " وفى الرواية الأخرى: " وجهى ": أى استسلمت وصيرتها منقادة لك، طائعة لحكمك. والوجه والنفس هنا بمعنى الذات، يقال: أسلم وسلم واستسلم سواء. " وألجأت ظهرى إليك " بمعنى: توكلت عليك واعتمدت فى أمرى عليك، كما يعتمد الرجل بظهره لما يسنده إليه. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه.

مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ. واجْعَلْهُنَّ مِنْ آخِرِ كَلامِكَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتَكَ، مُتَّ وَأَنْتَ عَلَى الْفِطَرَةِ ". قَالَ: فَرَدَّدْتهُنَّ لأَسْتَذْكِرهُنَّ فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ. قَالَ: " قُلْ: آمَنْتُ بِنَبِيِّكَ الَّذْى أَرْسَلْتَ ". (...) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ إِدْرِيسَ - قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنًا عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنَّ مَنْصُوراً أَتَمُّ حَدِيثًا. وَزَادَ فِى حَدِيثِ حُصَيْنٍ: " وَإِنْ أَصْبَحَ أَصَابَ خَيْرًا ". 57 - (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو دَاوُدَ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلاً - إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ - أَنْ يَقُولَ: " اللهُمَّ، أَسْلَمْتُ نَفْسِى إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ، وَأَلْجَأتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْك، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ، وبِرَسُولِكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ " وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ بَشَّارٍ فِى حَدِيثِهِ: مِنَ اللَّيْلِ. 58 - (...) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: " يَا فُلان، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " رغبة ورهبة ": أى طمعاً فى ثوابك، وخوفاً من عقابك. وقوله: " اللهم لك أسلمت نفسى. فإنك إن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة ": الفطرة: الإسلام، والمراد هنا به وإن كان لم يزل مسلماً فيما قيل، نحو ما روى عن ابن عباس: " لا تنامن إلا على وضوء، فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه "، ويكون معنى " مت على الفطرة ": أى على الإسلام، نحو ما جاء فى الحديث: " من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة " (¬1) بدليل قوله: فى [هذا] (¬2) الحديث: " واجعلهن من آخر كلامك ". ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم فى المستدرك عن معاذ - رضى الله عنه - مرفوعاً 3/ 351، وصححه، وأقره الذهبى فى التلخيص. (¬2) من ح.

بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: " وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، مُتَّ عَلَىَ الْفِطْرَةِ، وَإنْ أصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا ". (...) حدثنا ابْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاق؛ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ بْن عَازِبٍ يَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: " وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا ". 59 - (2711) حدثنا عُبَيْدُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى السَّفَرِ، عَنْ أَبِى بَكُرِ بْنِ أَبِى مُوسَى، عَنِ الْبَرَاءِ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ: "اللهُمَّ، بِاسْمِكَ أَحْيَا، وباسْمِكَ أَمُوتُ ". وَإذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا، وَإلَيْهِ النُّشُورُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وإن أصبحت أصبت خيراً " أى: أخذت من الأجر بنصيب وافر، وحصلت من العمل الصالح والخير ذخراً غير ناقص. وقوله: فرددتهن لأستذكرهن، فقلت: آمنت برسولك الذى أرسلت، فقال: " قل: آمنت بنبيك الذى أرسلت ": فيه العرض على العالم ما علمه ولقنه، واستذكار ما سمعه ورواه. قال الإمام: يحتمل أن يكون أراد - عليه السلام - أن يقول ما علمه من غير تغيير وإن كان المعنى لا يختلف فى المقصود، ولعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوحى إليه بهذا اللفظ فاتبع ما أوحى إليه به، لأنه لا يغير ما أوحى إليه به، لاسيما والموعود به على هذه الدعوات أمر لا يوجبه العقل وإنما يعرف بالسمع، فينبغى أن يتبع السمع به على ما وقع. على أن قوله: " ورسولك الذى أرسلت " لا يفيد من جهة لفظه إلا معنىً واحداً وهو الرسالة، وقوله: " ونبيك الذى أرسلت " يفيد من جهة نطقه النبوة والرسالة. وقد يكون نبى ليس برسول. واعتمد على ما قلناه من اتباع اللفظ المسموع من الشرع، وإنما ذكرنا هذا الفرق ليشير إلى معنى ما يفترق فيه اللفظان. قال القاضى: وقيل: بل خص هذا اللفظ ليشعر أنّ المراد به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ (¬1) قوله: " ورسولك الذى أرسلت " يعم جبريل وغيره؟ إذ ليس بنبى، وليس ما قال بالبين. وفيه حجة لمن لا يجيز الحديث بالمعنى إلا بلفظه، وقد تقدم الكلام فيه. ¬

_ (¬1) فى ز: إن، والمثبت من ح.

60 - (2712) حدثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً - إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ - قَالَ: " اللهُمَّ، خَلَقْتَ نَفْسِى وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا، لَكَ مَمَاتُها وَمَحْيَاهَا، إِنْ أَحْيَيتَها فَاحْفَظْهَا، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا. اللهُمَّ، إِنِّى أَسْألُكَ الْعَافِيَةَ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ عُمَرَ؛ فَقَالَ: مِنْ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ، مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ نَافِع فِى رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: سَمِعْتُ. 61 - (2713) حدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِح يَأمُرُنَا - إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ - أَنْ يَضْطجِعَ عَلَى شِقِّه الأَيْمَنِ، ثُمَّ يَقُولُ: " اللهُمَّ، رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيم، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَىْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَىْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. اللَّهُمَّ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَىْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شىْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَىْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنا مِنَ الْفَقْرِ ". وَكَانَ يَرْوِى ذَلِكَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 62 - (...) وحدثنى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى الطَّحَّانَ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُنَا - إِذَا أَخَذْنَا مَضْجَعَنَا - أَنْ نَقُولَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَقَالَ: " مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أسمعت هذا من عمر؟ قال: سمعته من خير من عمر، رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هنا (¬1) عند السمرقندى: " أسمعت هذا من ابن عمر؟ "، وهو وهم، لأن قائل هذا الكلام بنفسه هو ابن عمر. وقوله: " باسمك أحيا، وباسمك أموت ": ومعناه: يحتمل أنه يريد: بذكر اسمك أحيا ما حييت، وعليه أموت ويحتمل أن يريد: بك أحيا، أى أنت تحيينى، وأنت تميتنى. والاسم هنا هو المسمى، كما قال فى الحديث الآخر. ¬

_ (¬1) فى ح: هذا.

63 - (...) وحدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَتْ فَاطِمَةُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا. فَقَالَ لَهَا: " قُولِى: اللَّهُمَّ، رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ " بِمِثْلِ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ. 64 - (2714) وحدثنا إسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ المتنْبُرِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَوَىَ أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأخُذْ دَاخَلَةَ إِزَارِهِ، فَليَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمِّ الله، فَإِنَّهُ لا يَعْلَمُ مَا خَلفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضطجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، وَلْيَقُلْ: سُبْحَانكَ اللهُمَّ، رَبِّى بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِى، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِى فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بمَا تَحْفَظْ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ". (...) وحدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " ثُمَّ ليَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّى وَضَعْتُ جَنْبِى، فَإِنْ أَحْيَيْتَ نَفْسِى فَارْحَمْهَا ". 64 - (2715) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّاد بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِى لَهُ وَلا مُؤْوِى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أوى إلى فراشه ". أى انضم إليه، يقال بالمد والقصر. وقوله: " آوانا " ممدود، وقد ذكر فيه القصر أيضاً، وقد يكون معنى " وآوانا ": أى رحمنا. وقال فى الحديث الآخر: " حتى نأوى له " أى نرحمه [ونرق] (¬1) له. وقوله: " فكم ممن لا مؤوى له ": أى لا راحم ولا عاطف عليه، أو يكون معناه على الوجه الأول: لا موطن له ولا مسكن يأوى إليه ويسكن إياه، وهو ضائع الأمر. وقوله: " اللهم أنت خلقت نفسى وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها ": أى إنّ الكل منك وبقدرتك. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ": يريد بالموت هنا: النوم. وأصل الموت فى كلام العرب: السكون، فنبه - عليه السلام - بإعادة اليقظة بعد النوم على إثبات البعث بعد الموت. والنشور مصدر، أنشر الله الميت: إذا أحياه. وحكمة الدعاء إذا أراد أن ينام - قدمناه - ليكون ذكر الله آخر كلامه، وفائدته إذا أصبح ليكون أول عمله تجديد الإيمان بالله وذكره، والاعتراف بأنّ الأمور كلها له وبيده، ويفتح يومه بالكلام الطيب. وقوله: " فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه ": [أى] (¬1) طرف إزاره. وقوله: " فإنه لا يدرى ما خلفه بعده على فراشه " أى صار عليه بعد قيامه عنه من الهوام، وما لعله يؤذيه، وكل من صار فى شىء بعد أمر فقد خلفه. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

(18) باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل

(18) باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل 65 - (2716) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالا: أَخْبَرَنَا جَرِيِرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِىِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ. قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتَ، وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ". (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْن، عَنْ هِلالٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ دُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو بِهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ". (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىَّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَن حُصَيْنٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: " وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ". 66 - (...) وحدثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنْ عَبْدَةَ ابْنِ أَبِى لُبَابَةَ عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أعوذ بك من شر ما علمت (¬1) وما لم أعمل ": أى من شر ما اكتسبته أو أتيته من عمل، وأعوذ من شر ما عملت وما لم أعمل يقتضى شراً فى الدنيا، أونسيته (¬2) وإن لم أقصده أو فى الآخرة، ويكون قصده بذلك تعليم أمته ما يدعون به، ويجوز لهم الدعاء به وقد جاء فى بعض الروايات فى الكتاب فى حديث يحيى بن يحيى، وليست فى روايتنا: " من شر ما علمت وشر ما لم أعلم "، وهذا أيضاً له وجه بين. استعاذ من كل شر انتهى إليه علمه واطلع عليه أو لم يعلمه، وهو أعم فى الدعاء. وقد يكون قوله: " من شر ما علمت " أى بما علمت فأتيت وذكرته الآن، كما قال فى الحديث الآخر: " ما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به منى ". ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، وفى ح: عملت. (¬2) فى ح: يسببه.

يَقُولُ فِى دُعَائِهِ: " اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ". 67 - (2717) حدثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنِى ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذ بِعِزَّتِكَ، لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِى، أَنْتَ الْحَىُّ الَّذِى لا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ ". 68 - (2718) حدثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وهْبٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ - إِذَا كَانَ فِى سَفَرٍ وَأَسْحَرَ - يَقُولُ: " سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ وَحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا، عَائِذًا بِاللهِ مِنَ النَّارِ ". 70 - (2719) حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إسْحَاقَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: " اللهُمَّ، اغْفِر لى خَطيِئَتِى وَجَهْلِى، وَإِسْرَافِى فِى أمْرِى، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى. اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِى جِدِّى وَهَزْلِى، وَخَطَئِى وَعَمْدِى، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان إذا كان فى سفر فأسحر ": أى قام فى السحر وركب فى السحر، أو انتهى فى سيره إلى السحر، وهو آخر الليل. وقوله: " يقول: سمع سامع بحمد الله وحُسن بلائه علينا " أى بلغ من سمع قولى وقال مثله، ودعا بمثل ما دعوت به، تنبيهاً لهم على الذكر والدعاء فى ذلك الوقت. وضبطه الخطابى (¬1): " سمع سامع " قال: ومعناه: شهد شاهد، أى استمع سامع وشهد شاهد بحمدنا ربنا على نعمه. وكذا ضبطه بعض رواة مسلم. وقوله: " اغفر لى خطيئتى وجهلى، وإسرافى [فى] (¬2) أمرى، وما أنت أعلم به منى. اللهم، اغفر لى جدى وهزلى وخطئى وعمدى، وكل ذلك عندى " الحديث: اعترافًا منه - عليه السلام - وتواضعًا لربه واستكانة وعبادة بالدعاء، وشكرًا لربه، وقد علم ¬

_ (¬1) انظر: معالم السنن، ك الأدب، ب ما يقول إذا أصبح، برقم (4922). (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

اللهُمَّ، اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِه مِنِّى، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ". (...) وَحَدَّثْنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ. 71 - (2720) حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ الْقُطَعِىُّ، عَنْ عبْدِ الْعَزِيزِ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، أَصْلِحْ لِى دِينِى ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه مغفور له ما تقدم وما تأخر، ومثله قوله: " اغفر لى ما قدمت وما أخرت ". وقيل: يحتمل على ما كان منه على سهو وغفلة، وقد يحتمل: ما تقدم وأخّر مما مضى، ويحتمل أن يريد بقوله: " خطئى وجهلى، وإسرافى " ما كان قبل النبوة، وقد يحتمل أن يقال فيه ما قيل فى قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (¬1)؛ أن المتقدم ذنب أبيه آدم، والمتأخر ذنوب أمته. وقوله: " أنت المقدم وأنت المؤخر ": قيل: معناه: المنزل للأشياء منازلها، يقدم منها ما شاء من مخلوقاته ويؤخر، وقدم من شاء من عباده بتوفيقه، وأخر من شاء بخذلانه. وقوله: " لك أسلمت، وبك آمنت ": أى لك انقدت وأطعت، وبك صدقت. وظاهر هذا التفريق بين الإسلام والإيمان، وقد تقدم الكلام فيه فى أول الكتاب. وقوله: " وإليك أنبت ": أى تبت ورجعت بهمتى وطاعتى، وانصرفت عن الالتفات إلى غيرك وعن مخالفتك. والإنابة: الرجوع. وقوله: " بك خاصمت ": قيل: يحتمل من خاصمه فيه وحاكمه بلسان أو سيف، قال الله تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَق} (¬2) وقال: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} (¬3)، وما جاء فى هذه الأدعية مما هو على سجع يحتج به فى إجازة السجع فى الدعاء والذكر وأن ما كره منه ما جاء بتكلف وشغل بين بطلبه؛ لأن الشغل به يذهب الإخلاص والخشوع، ويلهى عن الضراعة وفراغ القلب، أو على ما يأتى من نوع سجع الكهان الذى ذمه - عليه السلام. وأما ما جاء من نمط كلامه السهل البليغ المستعذب الذى يلقيه الطبع، فهو مستحسن غير مذموم، كقوله: " رب آتِ نفسى تقواها وزكها، وأنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ". ¬

_ (¬1) الفتح: 2. (¬2) غافر: 5. (¬3) العنكبوت: 46.

الَّذِى هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِى، وَأَصْلِحْ لِى دُنْيَاىَ الَّتِى فِيهَا مَعَاشِى، وَأَصْلِحْ لِى آخِرَتى الَّتِى فِيهَا مَعَادِى، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِى فِى كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِى مِنْ كُلِّ شَرٍّ ". 72 - (2721) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " اللهُمَّ، إِنِّى أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالْتُقَى، والْعَفَافَ وَالْغَنَى ". (...) وحدثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنْ ابْنَ الْمُثَنّى قَالَ فِى رِوَايَتِهِ: " وَالْعِفَّةَ ". 73 - (2722) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ وَعَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: لا أَقُولُ لَكُمْ إِلا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ يقُولُ: " اللهُمَّ، إِنِّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع " وقوله: " لا إله إلا الله، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شىء بعده ". ومعنى قوله: " نفس لا تشبع ": استعاذة من الطمع والحرص على الدنيا، وتعليق (¬1) النفس بالآمال منها. وقوله: " أنت الأول فليس قبلك شىء، وأنت الآخر فليس بعدك شىء ": هذا تفسير معنى قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِر} (¬2). وقوله: " [وأنت] (¬3) الظاهر فليس فوقك شىء، و [أنت] (¬4) الباطن فليس دونك شىء ": هذا تفسير أن معنى قوله: " الظاهر " أنه من العلو أو الغلبة والقدرة، قال الله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (¬5). وقيل: معناه: الظاهر بالحجج والدلائل، والباطن: المحتجب عن أبصار الخلقِ. وقيل: الظاهر والباطن: القاهر لما ظهر وبطن، قال الله تعالى: {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِين} (¬6) أى غالبين قاهرين. وقيل: الظاهر إخبار عن قدرته، والباطن إخبار عن علمه وحكمته. وقيل: الظاهر لقوم فوجدوه، والباطن عن آخرين فجحدوه. ¬

_ (¬1) فى ح: وتعلق. (¬2) الحديد: 3. (¬3) و (¬4) فى هامش ح. (¬5) الفتح: 28. (¬6) الصف: 14.

أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللهُمَّ، آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا. اللَّهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا ". 74 - (2723) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمْسى قَالَ. " أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ للهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ". قَالَ الْحَسَنُ: فَحَدَّثَنِى الزُبَيْدُ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِى هَذَا: " لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ. اللهُمَّ، أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الَلَّيْلَةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا. اللَّهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ. اللَّهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِى النَّارِ وَعَذَابٍ فِى الْقَبرِ ". 75 - (...) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِير، عَنِ الْحَسَن بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَمْسَى قَالَ: " أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ للهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ". قَالَ: أَرَاهُ قَالَ فِيهِنَّ: " لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. رَبِّ، أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِى هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِى هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا. رَبِّ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ. رَبِّ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِى النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أعوذ بك من الكسل (¬1)، وسوء الكبر ". رويناه بالوجهين، بسكون الباء بمعنى: التكبر والتعظيم (¬2) عن الناس، وبفتحها بمعنى: الخرف والرد إلى أرذل العمر المذكور فى الحديث الآخر (¬3)، وهو أظهر وأشبه بما قاربه، وبفتح الباء ذكره الهروى (¬4)، وبالوجهين ذكره الخطابى، وصوب الفتح، ويعضده رواية النسائى، " وسوء العمر" (¬5). ¬

_ (¬1) فى ز: الحسد، والمثبت من ح والمتن. (¬2) فى ح: التعاظم. (¬3) البخارى، ك الدعوات، ب التعوذ 8/ 97. (¬4) لم أطلع عليه فى كتابه غريب الحديث. (¬5) النسائى فى المجتبى، عن عمر - رضى الله عنه - ك الاستعاذة، ب الاستعاذة من سوء العمر 8/ 272.

وَعَذَابٍ فِى الْقَبِرِ ". وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا: " أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلهِ ". 76 - (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمْسى قَالَ: " أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ للهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ " .. اللهُمَّ، إِنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا. اللَّهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، وَفتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبرِ ". قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: وَزَادَنِى فِيهِ زُبَيْدٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ، رَفَعَهُ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ". 77 - (2724) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَب الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلا شَىءَ بَعْدَهُ ". 78 - (2725) حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ كلَيْبٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ عَلِىٍّ، قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُلِ: اللهُمَّ، اهْدِنِى وَسَدِّدْنِى، وَاذْكُرْ: بِالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَاد سَدَادَ اَلسَّهْمِ ". (...) وحدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ إِدْريسَ - أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: قَالَ لى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُلِ: اللهُمَّ، إِنِّى أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ ". ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " قل: اللهم، اهدنى وسددنى، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم " وسداد السهم: بالفتح وهو تقويمه فى الرمى للغرض. ومعنى " سددنى ": أى وفقنى، والسداد: الوفق الذى لا يعاب، والقصد يقال فيه السداد أيضاً وقوله: " اذكر بالهدى هدايتك الطريق " ليتذكر بمعناه ما عرف استعماله من (¬1) معانى هذه الألفاظ فيتمثلها ¬

_ (¬1) فى ح: قبل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى حاله، وأن السهم لا يستقيم الرمى به حتى يسدد ويستقيم. " وهادى الطريق " كذلك، لا يزيغ يميناً ولا شمالاً؛ فلذلك يجب أن يكون عمله فى الاستقامة والتحفظ عن ذلك الزيغ عن السنة، وليتذكر بتلك الألفاظ لئلا ينساها. وقوله: " ربنا صاحبنا وأفضل علينا " (¬1): أى احفظنا واكفنا ما يضرنا، وهو معنى حقيقة الصحبة، كما يقال: الله معك. وقوله: " عائذاً بالله من النار " (¬2) انتصب على الحال. ¬

_ (¬1) و (¬2) حديث رقم (68) بالباب.

(19) باب التسبيح أول النهار وعند النوم

(19) باب التسبيح أول النهار وعند النوم 79 - (2726) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى عُمَرَ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الَرَّحْمَنِ - مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ - عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِىَ فِى مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِىَ جَالِسَةٌ. فَقَالَ: " مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِى فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سبحان الله وبحمده " إلى قوله: " ومداد كلماته " بكسر الميم، قيل: مثلها ومقدارها وعددها. وقيل: معناه: مددها والمداد مصدر كالمدد، أى الطول والكثرة، وهو هنا مجاز؛ إذ كلمات الله لا يأخذها قدر يقدر، ولا زمان، وإنما المتنصود بهذا المبالغة فى الكثرة لأنه ذكر أولاً ما يأخذه العدد الكثير من عدد الخلق وزنة العرش، ثم عدل إلى ما هو أكثر من ذلك فعبر عنه بهذا، أى ما لا يحصيه عدد كما لا يحصى كلمات الله، وهذا مثل قوله: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (¬1) قيل: كلماته هنا: علمه. وقيل: كلامه. وقوله: " وزكها أنت خير من زكاها ": أى طهرها. " وخير " هنا ليست للمفاضلة، لكن لإثبات أنّه لا مزكى لها سواه، كما قال بعد: " أنت وليها ومولاها ". وقوله لفاطمة حين أتته تسأله خادمًا، وتشتكى ما تلقى من الرحاء، وتشفعها بعائشة فى ذلك، وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أدلكما على ما هو لكما خير من ذلك، تسبحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين أربعاً وثلاثين، إذا أخذت مضجعك ": ظاهره أن النبى أعلمهم أن عمل الآخرة على كل حال أفضل من أمور الدنيا، وهذا ما لا شك فيه، وإنما قصد النبى [هذا] (¬2) لما لم يمكنه الخادم التى سألت، كما قال فى الحديث الآخر: " ما ألفيته عندنا "، ثم علمهما إذا فاتهما ما طلباه ذكرًا يحصل لهما به أجر أفضل مما سألاه وهذا معنى الحديث. ولا وجه لمن استدل به على أنّ الفقر أفضل لأنّ النبى إنما عدل لهما عن الخادم إلى ¬

_ (¬1) الكهف: 109. (¬2) من ح.

(...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى رِشْدِينَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ: مَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى صَلاةَ الْغَدَاةِ أَوْ بَعْدَ مَا صَلَّى الْغَدَاةَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ". 80 - (2727) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى لَيْلَى، حَدَّثَنَا عَلِىٌّ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِى يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْىٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ، فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمَّا جَاَءَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةَ بِمَجِىءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعنَا، فَذَهبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَى مَكَانِكِمَا "، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِى. ثُمَّ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر، ومنعهما الخادم، فاختار لهما ما هو أفضل، فقد قلنا: العلة لمنعهما أنه لم يجدها عنده. وفيه ما كانوا عليه أول الإسلام من شظف العيش، وقلة ذات اليد وفيه خدمة المرأة زوجها وأمر بيتها. وقد اختلف أئمتنا فيما على الزوجة من ذلك. فقيل: لا يلزمها من ذلك شىء غير التمكين من نفسها، كانت غنية أو دنيئة (¬1) حكاه ابن خويز منداد (¬2) من أصحابنا. وقيل: ليس ذلك على الغنية والشريفة، ويلزم الدنية أو زوجة المعسر من ذلك ما كان فى البيت من كنس، أو فرش وطبخ قدر، وشبهه هو الذى فى كتاب ابن حبيب (¬3) وغيره. ¬

_ (¬1) فى ح: فقيرة. (¬2) هو أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويز منداد الإمام العالم، المتكلم الأصولى تفقه على الأبهرى ويروى عن أبى داسة وأبى الحسن التمار وأبى الحسن المصيصى، وأبى إسحاق التجيبى وأبى العباس الأصم. وألف كتابًا كبيرًا فى الخلاف وكتابًا فى أصول الفقه وآخر فى أحكام القرآن، وكان عنده شواذ عن مالك واختيارات، وكان يجانب الكلام وينافر أهله. انظر: شجرة النور 1/ 103 برقم (256)، ترتيب المدارك 4/ 606، الديباج المذهب 2/ 229. (¬3) هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمى القرطبى البيرى، الفقيه الأديب العالم الثقة، الإمام المتقن فى الحديث والفقه واللغة والنحو، انتهت إليه رئاسة الأندلس بعد يحيى بن يحيى. ألف كتبًا كثيرة فى الفقه والأدب والتاريخ، منها الواضحة فى الفقه والسنن لم يؤلف مثله، ولعله هو المقصود ههنا مات - رحمه الله - فى ذى الحجة 238 هـ. انظر: شجرة النور 1/ 75، الديباج 2/ 8.

" أَلا أُعَلِّمْكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخذْتُمَا مَضَاجِعكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللهَ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتَحْمِدَاهُ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِم ". (...) وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْن أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنَ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِى حَدِيثِ مُعَاذٍ: " أَخَذْتُمَا مَضَجَعَكُمَا مِنَ اللَّيْلِ ". (...) وحدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَعُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ عَلِىٍّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى. وَزَادَ فِى الْحَدِيثِ: قَالَ عَلىٌّ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ لَهُ: وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ. وَفِى حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى لَيْلَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: ولا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ 81 - (2728) حدثنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: ذلك على جميعهم. فعلى الأدنياء ما تقدم، وعلى الأشراف من ذلك الأمر بمصلحة بيتها والنظر له برأيها. وقوله: " ما ألفيتيه عندنا ": أى لم تجديه. وقول علىّ: [ما] (¬1) تركتها ولا ليلة صفين: يعنى لعظيم الشغل تلك الليلة بالحرب التى كانت بينه وبين أهل الشام فى ذلك الموضع (¬2). وفيه أن الأذكار عند النوم قد جاءت ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬2) قال الياقوت: هو موضع بقرب الرقة، على شاطئ الفرات من الجانب الغربى، بين الرقة وبالس وكانت هناك وقعة صفين بين على ومعاوية سنة 37 هـ بدأت بغرة صفر واستمرت مائة يوم وعشرة أيام وصارت فيها تسعون وقعة، وقتل فى الحرب بينهما سبعون ألفًا. منهم من أصحاب على خمسة وعشرون ألفًا، ومن أصحاب معاوية أربعون ألفًا. انظر: معجم البلدان 3/ 414. أقول: ولعل المراد بليلة صفين ههنا هى الليلة العاشرة من هذا الشهر - صفر - وهى ليلة الجمعة، قد استحر فيها القتال، واستمر بين الفريقين حتى صباح الجمعة، فسميت بليلة الهرير يشبهونها بليلة القادسية. انظر: الخلفاء الراشدين للنجار 424.

النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا، وَشَكَتِ الْعَمَلَ. فَقَالَ: " مَا أَلْفَيْتِيهِ عِنْدَنَا ". قَالَ: " أَلا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ خَادِم؟ تُسبِّحِينَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، حِينَ تَأخُذِينَ مَضْجَعَكِ ". (...) وَحَدَّثَنيهِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وَهِيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن النبى - عليه السلام - فيها أحاديث مختلفة، وذلك بحسب أحواله - عليه السلام - واختلاف الأوقات، فيخص كل حالة ووقت بما يطابقه من الدعاء، وكذلك يختلف أحوال الداعين، وأنه ليس فيها شىء معين وفى كل فضل، وقد يدل اختلافها على الإشعار بأنها ندب غير واجبة، وأن العبد موسع فى قول ما شاء من ذلك.

(20) باب استحباب الدعاء عند صياح الديك

(20) باب استحباب الدعاء عند صياح الديك 82 - (2729) حدثنى قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، فَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَها رَأَتْ مَلَكًا. وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْشَّيْطَان، فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا " وذلك - والله أعلم - لتأمين الملائكة على دعاء بنى آدم، واستغفارهم له فرحًا ببركة ذلك، وحسن عون الملك به، إذا دعا بحضرته بالتأمين والاستغفار له، وإشهاده له بالتضرع إلى الله والإخلاص. وقوله: " أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " (¬1) ويروى: " والعفة "، والعفاف: هو التنزه عما لا يباح والكف عنه، والغنى: هو غنى النفس والاستغناء عما فى أيدى الناس. ¬

_ (¬1) حديث رقم (72) من هذا الكتاب.

(21) باب دعاء الكرب

(21) باب دعاء الكرب 83 - (2730) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى وَابْنُ بَشَّارٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ سَعِيدٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيِة، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: " لا إِلَهَ إِلا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لا إِلهَ إِلا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ، لا إِلهَ إِلا اللهُ رَبُّ السَمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ ورَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ ". (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَحَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ أَتَمُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم [لا إله إلا الله] (¬1) رب العرش العظيم، لا إله إلا هو رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ": قال الطبرى: كان السلف يدعون بهذا الدعاء، ويسمونه دعاء الكرب. فإن قيل: فليس فى هذا الدعاء إلا ذكر؛ من تسبيح (¬2) وتهليل. قيل: يحتمل تسميته دعاء المعنيين. أحدهما: أنّ هذا الذكر به يستفتح الدعاء، ثم يدعو من بعده ما شاء، وقد جاء مثل هذا مفسرًا كذلك فى بعض الطرق: " ثم يدعو ". والمعنى الثانى: قول ابن عيينة، وقد سئل عن هذا، فقال: أما علمت أنّ الله يقول: " إذا شغل عبدى بثنائه علىَّ عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين "، وقد قال أمية (¬3) بن أبى الصلت: إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) فى ح: تعظيم. (¬3) هو أمية بن أبى الصلت بن أبى ربيعة بن عوف الثقفى من أهل الطائف وأشهر شعراء الجاهلية، كان مطلعًا على الكتب القديمة فتزهد فى الدنيا وتجرد عن ملذات الحياة وعبادة الأوثان وحيث أنه علم وعرف من الكتب القديمة ببعثة نبى آخر الزمان من العرب جعل يطمع فى النبوة، فلذلك لما بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتنع عن الإيمان به حسدًا واستكبارًا حتى قتل ابنا خال له ببدر فرثى قتلى بدر، ومات بالطائف سنة ثلاث وقيل: خمس من الهجرة. انظر: كتاب الأغانى للأصفهانى 4/ 123 - 136، جمهرة الأنساب لابن حزم 257، معجم الشعراء للأيوبى 67.

(...) وحدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادةَ؛ أَنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِىَّ حَدَّثهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ، وَيَقُولُهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " رَبُّ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ ". (...) وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنِى يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ الْحَارث، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ. وَزَادَ مَعَهُنَّ: " لا إِلَهَ إِلا اللَّه رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان إذا حزبه أمر ": أى غلبه وألم به وشغله. قال بعض المتكلمين على المعانى: هذه الفضائل التى جاءت فى هذه الأذكار إنما هى لأهل الشرف فى الدين والطهارة من الكبائر، دون المصرين وغيرهم. وفيما قاله نظر، والأحاديث عامة. ولو قال: لمن قالها معظمًا لربه مخلصًا من قلبه، نيته صادقة مطابقة لقوله، كان أولى.

(22) باب فضل سبحان الله وبحمده

(22) باب فضل سبحان الله وبحمده (¬1) 84 - (2731) حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَيَّان بْنُ هِلالٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى عَبْدِ اللهِ الْجسْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أىُّ الْكَلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ". 85 - (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى بُكَيْرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى عَبْدِ اللهِ الْجسْرِىِّ - مِنْ عَنَزَةَ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُخْبِركَ بأَحَبِّ الْكَلامِ إِلَى اللهِ؟ ". قُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِى بِأَحَبِّ الْكَلامِ إِلَى اللهِ. فَقَالَ: " إِنَّ أَحَبَّ الْكَلامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يُعلق عليه فى جميع النسخ.

(23) باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب

(23) باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب 86 - (2732) حدثنى أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْوَكِيعىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ ". 87 - (...) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا مُوسى بْنُ سَرْوَانَ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنِى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أُمُّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: حَدَّثَنِى سَيِّدى؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى باب من دعا لأخيه بظهر الغيب: حدثنا موسى بن سروان المعلم. كذا ضبطناه عن عامة شيوخنا بالسين المهملة، ومن طريق الهوزنى عن ابن ماهان: ثروان بالثاء المثلثة. قال البخارى والحاكم أبو عبد الله وغيرهما: إنهما يقالان صحيحان. وقال بعضهم: يقال فيه: قروان أيضًا، ونسبه البخارى (¬1) [بأنه] (¬2) عجلى. وقال الحاكم: موسى بن ثروان الأنصارى، ويقال ابن سروان العجلى. قوله: " لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن " (¬3): أى عدتهن. وقوله: " من دعا لأخيه بظهر الغيب، [قال له [الملك] (¬4) الموكل به: آمين، ولك بمثل " فيه أنّ الداعى لأخيه بظهر الغيب] (¬5) له من الأجر بمثل ما دعا به؛ لأنه وإن دعا لغيره فقد عمل عملين صالحين: أحدهما: ذكر الله تعالى مخلصًا له، وفازعًا إليه بلسانه وقلبه. والثانى: محبته الخير لأخيه المسلم ودعاؤه له، وهو عمل خير لمسلم يؤجر عليه، وقد نص فيه أنها مستجابة كما نص فى الحديث. ¬

_ (¬1) البخارى فى التاريخ الكبير 7/ 281 رقم (1192). (¬2) من ح. (¬3) حديث (79) من هذا الكتاب. (¬4) من ح. (¬5) فى هامش ح.

88 - (2733) حدثنا إسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ - وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ. قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِى مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجدْهُ، وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ. فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ ". (2732) قَالَ: فَخَرَجْتُ إلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لِى مِثْلَ ذَلِكَ. يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) وحدَّثَناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيِدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى سُلَيْمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَان. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ولك بمثل "، وقد رويناه: " بمثل " أيضاً بفتح الميم والثاء أيضاً، أى سواء، يقال: هو مثله ومثله بمعنى. وقوله: " بظهر الغيب ": أى فى سر وبغير حضرته، كأنه من وراء معرفته ومعرفة الناس؛ لأنه دليل إخلاص الدعاء، كمثل ما يجعل الإنسان وراء ظهره ويستره عن أعين الناس. وقول أم الدرداء: " حدثنى سيدى أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يعنى أبا الدرداء. فيه جواز دعوى المرأة زوجها سيدى، وتعظيم المرأة زوجها وتوقيره.

(24) باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب

(24) باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب (¬1) 89 - (2734) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللَّفْظ لابْنِ نُمَيْرٍ). قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يُعلق عليه فى جميع النسخ.

(25) باب بيان أنه يستجاب للداعى ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لى

(25) باب بيان أنه يستجاب للداعى ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لى 90 - (2735) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهاب، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ - مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلا - أَوْ فَلَمْ - يُسْتَجَبْ لِى ". 91 - (...) حدثنى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ لَيْثٍ، حَدَّثَنى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ. حَدَّثَنِى أَبُو عُبَيْدٍ - مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ - وَكَانَ مِنَ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ الْفِقْهِ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَاَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِى فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِى ". 92 - (...) حدثنى أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مُعَاوِيةُ - وَهُوَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " يستجاب للعبد ما لم يعجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لى " فسره فى الحديث الآخر: " يقول: قد دعوت ودعوت فلم أر يستجاب لى، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء "، قال الإمام: يقال: حسر (¬1) واستحسر: إذا أعيا. قال الله تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} (¬2) أى لا ينقطعون عن العبادة. قال القاضى: أولى التفسير لقوله: " فيحسر " هنا أى: يقطع الدعاء، لا بمعنى أنه عيى عنه. وقال الباجى: يحتمل قوله: " يستجاب " الإخبار عن وقوع الإجابة، والثانى: الإخبار عن جواز وقوعها. فإذا كان بمعنى الوجوب فالإجابة تكون بأخذ ثلاثة أشياء: إما تعجيل ما سأل فيه، وإما أن يكفر عنه به، وإما أن يدخر على ما جاء فى الحديث (¬3)، فإذا قال: قد دعوت فلم يستجب لى، بطل وجوب أحد هذه الثلاثة، إذ عُرَى الدعاء من جميعها. وإذا كان بمعنى الجواز لوقوع الإجابة فيمنع ذلك قول الداعى: قد دعوت فلم ¬

_ (¬1) فى ز: حينئذ. (¬2) الأنبياء: 19. (¬3) انظر. المستدرك 1/ 493 بلفظ " ما من مسلم يدعو الله بدعوة ... " عن أبى سعيد.

صَالِحٍ - عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلانِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: " يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِى، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يستجب لى؛ لأن ذلك من باب الفتور وضعف النفس والسخط. قال القاضى: ما تقدم فى الحديث من أن معنى ذلك ترك الدعاء، أبين وأحق بالتعويل. وقيل: معناه: أنه يسأم الدعاء وتركه فيكون كالمانِّ بدعائه، والمبخل لربه الكريم. وقيل: إنما ذلك إذا كان غرضه من الدعاء ما يريد فقط، فإذا لم ينله ثقل عليه الدعاء، بل يجب أن يكون أبدًا فى دعائه باسم إظهار الحاجة والطاعة له وسمة العبودية.

(26) باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء

(26) باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء 93 - (2736) حدثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ ابْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمىِّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنِ حُسَيْنٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا يَزيدُ بْنُ زُرَيْع، حَدَّثَنَا التَّيْمىّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، إِلا أَصْحَابَ النَّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ". 94 - (2737) حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ". (...) وحدثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الثَّقَفِىُّ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (...) وحدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ فِى النَّارِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَيُّوبَ. (...) حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، سَمِعَ أَبَا رَجَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك ": الفجأة: ما فاجأك بغتة بغير مقدمة. وقوله: " وإذا أصحاب الجد محبوسون " بفتح الجيم، قال: أى أصحاب البخت والسعادة فى الدنيا، ويحتمل أن المراد بذلك أصحاب الأمر والسلطنة من قوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} (¬1) أى عظمته وسلطانه ومعنى " محبوسون " للحساب، بدليل قوله: " إلا ¬

_ (¬1) الجن: 3.

95 - (2738) حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى التَّياحِ، قَالَ: كَانَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عبْدِ اللهِ امْرأَتَانِ، فَجَاءَ مِنْ عِنْدِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتِ الأُخْرَى: جِئْتَ مِنْ عِنْدِ فُلانَةُ؟ فَقَالَ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنى الْجَنَّةِ النِّسَاءُ ". (...) وحدثنا مُحَّمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ. قَالَ: سَمِعْتُ مُطرِّفًا يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاذٍ. 96 - (2739) حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتَكَ، وَفُجَاءَةِ نَقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ". 97 - (2740) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ اَلنَّهْدِىِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً هِىَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ". 98 - (2741) حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرىُّ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، جَمِيعًا عنِ المُعْتَمِر. قَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ أَبِى: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ؛ أَنَّهُمَا حَدَّثَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِى النِّاسِ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار " يعنى: مَنْ استحق النار منهم بكفره أو معاصيه وبقى الآخر للمحاسبة، أو حتى يسبقهم الفقراء ويدخلون الجنة قبلهم بأربعين خريفًا، كما جاء فى الحديث الآخر (¬1). ¬

_ (¬1) سيأتى فى ك الزهد برقم (37).

(...) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 99 - (2742) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى مَسْلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِى النِّسَاءِ ". وَفِى حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ: " لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ورأيت أكثر أهل النار النساء " وفى الحديث الآخر: " أقل ساكنى الجنة النساء ": قد بين العلة فى حديث الكسوف (¬1) وقد ذكرناه هناك. ¬

_ (¬1) سبق فى ك الكسوف برقم (17).

(27) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال

(27) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال 100 - (2743) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ المُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنِى أَنَسٌ - يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، أَبَا ضَمْرَةَ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَأوَوْا إِلَى غَارٍ فِى جَبَل، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَة لله، فَادْعُوا الله تَعَالَى بِهَا، لَعَلَّ الله يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ. فَقَالَ أَحَدُهُم: اللَّهُمَّ، إنَّهُ كَانَ لِى وَالِدانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَامْرَأَتِى، وَلِىَ صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ، حَلَبْتُ. فَبَدَأَتُ بِوَالِدَىَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِىَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِى ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجئْتُ بالْحِلابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِىَ اَلصِّبْيَةَ قَبْلهُما، والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَىَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأَبِى وَدَأَبَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث الغار بعضهم لبعض: " انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها ": فيه جواز القرب إلى الله تعالى بما علم العبد أنه أخلصه من عمل صالح ومناجاته تعالى بذلك. وفيه فضل بر الوالدين، والكف عن المعاصى، وترك الشهوات، ومعونة المسلم، والسعى له بالخير فى ماله وجميع حاله. وفيه فضل الأمانة وأدائها. وقوله: " فإذا أرحت عليهم حلبت ": أى إذا صرفت الماشية من مرعاها بالعشى أى موضع مبيتها. والمراح: مكان مبيتها. وقيل: مسيرها إليه. يقال: أرحت الماشية ورحتها معا. وقوله: " فنأى بى ذات يوم الشجر ": أى بعد لى طلب المرعى. والناء أى البعد. وقوله: " فجئت بالحلاب ": هو إناء ملؤه قدر حلبة ناقة. ويقال له: المحلب أيضاً. وقد يريد بالحلاب هنا: اللبن المحلوب كما قيل: الخراف، لما يخرف من النخل من الفاكهة. وقوله: " والصبية يتضاغون عند قدمى ": يريد: يصيحون ويستغيثون من الجوع والضغاء مضموم ممدود: صوت الزلة والاستخذال (¬1). ¬

_ (¬1) فى ز: الاستخذاء.

حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لنَا منْها فُرْجَةً، نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ الله مِنْهَا فُرْجَةً، فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ، إِنَّهُ كَانَتْ لِىَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتَهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمَائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَجِئْتُهَا بها فلما وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ الله، اتَّقِ الله، وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً. فَفَرَجَ لَهُمْ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ، إِنِّى كُنْتُ اسْتَأجَرْتُ أَجِيرًا بفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِى حَقِّى، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا. فَجَاءَنِى فَقَالَ: اتَّقِ الله، وَلاَ تَظْلِمْنِى حَقِّى. قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " فلم يزل ذلك دأبى فى واديهم ": أى حالى اللازمة. والدأب: الملازمة للشىء والعادة له. وقوله: " فبقيت حتى جمعت مائة دينار، فجئتها (¬1)، فلما وقعت بين رجليها " أى جلست منها مجلس الرجل من المرأة، كما جاء في حديث آخر (¬2) " قالت: اتق الله ولا تفض (¬3) الخاتم إلا بحقه "، الحق هنا: الوجه الجائز من نكاح لا بالباطل من الفاحشة، والخاتم كناية عن عذرتها، أى لا يستبيح افتضاضها إلا بما يحل من النكاح. وقوله: " فقمت عنها ": فيه أن من همّ بمعصية فتركها لله تعالى، وإن كان قد عزم عليها ووطن نفسه على فعلها، فإن ذلك يصير من تركه ونزوعه طاعة، وهى توبة حقيقة عنها، بدليل قوله فى الحديث الآخر: " فاكتبوها حسنة، لأنه إنما تركها من أجلى "، وقد مضى الكلام على هذا مفسراً مستوعباً أول الكتاب (¬4). وقوله: " استأجرت أجيراً بفرق من أرز": هو إناء قدر ثلاثة آصع. قال بعضهم: بسكون الراء وفتحها، وكذا قيدناه عن كثير من شيوخنا، والأكثر الفتح. قال الباجى: وهو الصواب. وكذا قيدناه عن أهل اللغة. قال: ولا يقال بالإسكان. قال القاضى: قد ذكر ابن دريد - من أئمة أهل اللغة - أنّه يقال بهما معاً، وقد تقدم فى الطهارة ذكره (¬5). ¬

_ (¬1) فى ح: فجئتها بها. (¬2) أحمد 2/ 116. (¬3) هذا لفظ البخارى، أما صحيح مسلم: " لا تفتح ". (¬4) انظر: ك الإيمان، ب إذا هم العبد بحسنة برقم (205). (¬5) انظر: ك الطهارة، حديث رقم (319).

وَرِعَائهَا. فَخُذْهَا. فَقَالَ: اتَّقِ الله وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِى. فَقُلْتُ: إِنِّى لاَ أَسْتَهَزِئُ بِكَ، خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا. فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِىَ. فَفَرَجَ الله مَا بَقِىَ. (...) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِىُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَرَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنُونَ ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى ضَمْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَزَادُوا فِى حَدِيثِهِمْ: " وَخَرَجُوا يَمْشُونَ ". وَفِى حَدِيثِ صَالِحٍ: " يَتَمَاشَوْنَ " إِلا عُبَيْدَ الله فَإِنَّ فِى حَدِيثِهِ: " وَخَرَجُوا " وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهَا شَيْئًا. (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ وَعَبْد الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ وَأَبُو بَكْرِ ابْنُ إِسْحَاقَ - قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: حدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الله؛ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " انْطَلَقَ ثَلاَثَة رَهْطٍ مِمَّنْ كَان قَبْلَكمْ، حَتَّى آوَاهُمُ المَبِيتُ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فرغب عنه ": أى كرهه، يقال: رغب فيه: إذا حرص عليه، ورغب عنه: إذا كرهه وتركه. وقوله: " وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا ولدًا " الغبق: شراب العشى، يقال غبقت الضيف أغبقه، بالفتح فى الماضى، والضم فى المستقبل: إذا أسقيته عشاء. وقوله: " فثمرت أجره ": أى نميته. وقوله: " حتى كثرت هذه الأموال فارتعجت " كذا لكافة الرواة، وهو الصواب. وعند الطبرى: " فارتجعت "، والأول المعروف الصحيح، أى كثرت حتى ظهرت حركتها واضطرابها لكثرتها، والارتعاج (¬1): الاضطراب والحركة الكثيرة. ¬

_ (¬1) فى الأبى: الاتعاج بدون راء.

غَارٍ" وَاقتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: "اللهُمَّ، كَان لِى أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيَرَانِ، فَكُنْتُ لاَ أَغْبُقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلا مَالاً ". وَقَالَ: فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِى فَأَعْطَيْتَهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ ". وَقَالَ: " فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَارْتعَجَتْ ". وَقَالَ: " فَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ففرجها "، " ولعل الله يفرجها " كله من السعة ثلاثى، وفرج الله منها فرجة، بضم الفاء أيضاً: إذا كان من السعة، فأما من الراحة ففرجة بالفتح وفرجاً أيضاً.

49 - كتاب التوبة

بسم الله الرحمن الرحيم 49 - كتاب التوبة (1) باب فى الحض على التوبة والفرح بها 1 - (2675) حدّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِى. وَالله، للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب التوبة قوله: " واللهِ، لَلّهُ أشد فرحاً بتوبة عبده " الحديث، قال الإمام: الفرح يتصرف على معان، منه أنه يرادَ به (¬1) السرور، ولكن السرور يقارنه الرضى بالمسرور به، فالمراد هنا: أن الله - سبحانه - يرضى بتوبة العبد أشد مما يرضى الواجد لناقته بالفلاة. فعبر بالرضا بالفرح (¬2) تأكيدًا لمعنى الرضا فى نفس السامع، ومبالغة فى معناه. قال القاضى: قال بعضهم: الفرح معظم السرور وغايته، والسرور عبارة عن بسط الوجه، وسعة الصدر، واستناره الوجه. قيل: وإنما سمى سروراً لاستنارة وجهه، وبريق أسارير جبينه. والتوبة من الذنب هو الندم عليه. وأصله: الرجوع، يقال: تاب وثاب وآب وأناب بمعنى رجع. استعمل منه فى الرجوع عن الذنب: تاب وأناب وأتاب. وفرق بعضهم بين هذه الألفاًظ وقال: التوبة أولاً وكأنها الإقلاع، والإنابة بعدها، والأوبة آخرها، وهى درجة الأنبياء، قال تعالى: {إِنَّهُ أَوَّابٌ} (¬3). قال الإمام: التوبة من الذنب هى الندم عليه، رعايةً لحق الله تعالى، ويجب على التائب أن يضيف إلى الندم على الذنب العزم على ألاّ يعود إليه إذا كان متأتياً منه العودة إليه. وتعجيل التوبة عند الذنب هو المأمور به، وتأخيرها عنه منهى عنه. وربما غلط بعض المذنبين ودام على الإصرار خوفاً من أن يتوب فينقض، وهذا اغترار وجهالة، ولا يحسن أن يترك واجباً عليه على الفور، خوفاً أن يقع منه بعده ما ينقضه. وتصح التوبة عندنا عن الذنب مع البقاء على ذنب آخر خلافه، خلافاً لمن منعه من المعتزلة لأنّ بواعث النفس إلى المعاصى تختلف، والشهوات [فى الفسوق] (¬4) ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) مذهب السلف: إثبات صفة الفرح لله - عز وجل - بدون تأويل. (¬3) ص: 17، 30، 44. (¬4) من ح.

ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإذَا أَقْبَلَ إِلَىِّ يمْشِى أَقْبَلْتُ إِلَيهِ أُهَرْوِلُ ". 2 - (...) حدّثنى عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ؛ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ، مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ، إِذَا وَجَدَهَا ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تختلف باختلاف أنواعه، وطباع العصاة وحضور الأسباب العينة على الشر والصادرة عنه، فتصح لذلك التوبة عن الذنب مع البقاء على خلافه. ونحن نرى عياناً العصاة يكفون عن شرب الخمر ليالى رمضان احتراماً له، ويشربون فى ليالى شوال لاعتقادهم أنّ الذنب فى رمضان أعظم، فإذا صح اختلاف الأغراض والأسباب لم يبعد النزوع عن ذنب مع البقاء على غيره على ما قلناه. وإذا وقعت التوبة عن الذنب على شرطها، فإن كانت عن الكفر قطع بقبولها، وإن كانت عما سواه من المعاصى فمن العلماء من يقطع على قبولها، ومنهم من يظن ذلك ظنًا ولا ينتهى إلى القطع؛ لأن الظواهر التى جاءت لقبولها ليست بنصوص عنده، وإنما هى عمومات معرفته بالتأويل والتوبة يقارنها الحزن والغم علي ما تقدم من الإخلال بحق الله تعالى، لأن الفرح المسرور بما فرط من ذلاته لا يندم عليها. قال القاضى: ذهب بعض مشايخنا إلى أن التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما سلف، والعزم على ألا يعاوده. وقال آخرون: إنّ التوبة: الندم، قال وفي ضمن ذلك ترك فعله فى الحال والمستأنف لأنه إذا ندم على ذنبه لم يفعله الآن وتركه، وعزم على ألاّ يفعله، واحتج بقوله - عليه السلام - " الندم توبة " (¬1). وقال آخرون: معناه: معظم شروط التوبة وخصالها، كما قيل: " الحج عرفة " (¬2). وهذه الشروط فى صحة التوبة - من الندم على الذنب السالف، والإقلاع عنه فى [الحال] (¬3) والمستقبل - وهذا إذا لم يتعلق بالذنب تباعة، فأمّا إن تعلّق به مع ارتكابه حق لله أو لآدمى، فلابد من شرطين: أحدهما متفق عليه، والآخر مختلف فيه. فالمتفق عليه، أحدهما: فى حق الآدمى وهو رد مظلمته إليه والخروج له عنها، أو يحلله منها بطيب نفسه ¬

_ (¬1) ابن ماجه، ك الزهد، ب ذكر التوبة، برقم (4252)، أحمد 3/ 376. (¬2) أبو داود، ك المناسك، ب من لم يدرك عرفة برقم (1339)، ابن ماجه، ك المناسك، ب من أتى عرفة قبل الفجر، برقم (315). (¬3) من ح.

3 - (2744) حدّثنا عُثْمَان بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الله أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ: حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِى أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ، مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كان لا يصح الإقلاع عنها إلا بذلك، كالغصب واسترقاق الحر، فإن الإقلاع لا يصح مع بقاء اليد على ذلك جملة. والثانى: المختلف فيه، وهو ما كان من حق الآدمى فيما [لا] (¬1) يصح الإقلاع دونه، كضربه أو قتله أو إفساد ما يلزمه غرمه. وكذلك فى حق الله فيما ضيعه من فرائضه، فإن الإقلاع عن ذلك توبة صحيحة مستقلة بنفسها، وقضاء ما فرّط فيه من ذلك فرض آخر، وكذلك تمكينه [مظلومه] (¬2) من القصاص من نفسه، أو غرمه له، فرض آخر يصح التوبة دونه عندنا، على ما تقدم. وروى عن [ابن] (¬3) المبارك: أنّ من شرط التوبة: قضاء ما فرّط فيه من حقوق الله، والخروج عن مظالم العباد. ولعله يشير إلى كمالها وتمامها؛ لأنها لا تصح فى ذلك الذنب. والتوبة فرض لازم على كل مَنْ علم من نفسه مخالفة [لله تعالى] (¬4) صغرت أو كبرت، وهى من جملة أمهات الفرائض اللازمة. ووجوبها عند أهل السنة شرعاً لا عقلاً، خلافاً للمعتزلة، وليس بواجب قبولها على الله عقلاً، وإنما علمنا ذلك بالشرع والإجماع، خلافاً للمعتزلة فى حتمهم ذلك على الله عقلاً، على أصلهم الفاسد فى التحسين والتقبيح، وإيجاب العقل ما يوجب من ذلك. والتوبة نعمة أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم، قاله سفيان بن عيينة. وكانت توبة بنى إسرائيل قتل أنفسهم، كما نص الله عليه (¬5). وقد اختلف أئمتنا هل من شرطه متى ذكر الذنب تجديد الندم؟ أو لا يلزمه تكرار ذلك؟ وقوله " دويّة ": كذا مشددة الواو والياء، حديث عثمان بن أبى شيبة، وإسحاق، وجاء فى حديث أبى بكر بن أبى شيبة " داوية " بألف وياء أيضاً مشددة، وكلاهما صحيح بمعنى واحد، وهى القفر، والفلاة اسم لا جمع. قال الخليل: الداوية: المغارة. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) و (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬4) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬5) الآية فى سورة البقرة رقم (54).

رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ. ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِىَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فالله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: " مِنْ رَجُلٍ بِدَاوِيَّةٍ مِنَ الأَرْضِ ". 4 - (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الله حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لله أَشَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وأما قوله: " فى أرض دوية " فهى الفلاة، وجمعها داوى. قال الشاعر: قد لفها الليل بعصلبى ... أروع خراج من الداوى قال القاضى: كذا وقع، وإنما [الداوى جمع داوده لا جمع دوية] (¬1) وكما ذكرناه على الصواب ذكره الهروى الذى نقل عنه، ولعله تغيير ممن نقله، والله أعلم. وقوله: " دوية مَهلكَه ": بفتح الميم واللام، أى أنها تهلك سالكها بغير زاد ولاماء ولا راحلة؛ ولهذا سميت مفازة، من قولهم: فوز الرجل: إذ هلك، وقيل: بل على طريق التفاؤل، كما قيل للديغ: سليم. وقيل: لأن من قطعها فاز، أى نجا. وقوله: عن عبد الله، حدثنا بحديثين، حدثنا عن نفسه، وحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذكر عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث فى التوبة ولم يذكر فى كتاب مسلم حديثه عن نفسه، وقد ذكره البخارى والترمذى (¬2) وغيرهما، وهو قوله: " إن المؤمن يرى ذنوبه [كانها] (¬3) قاعد تحت جبل، يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب على أنفه، قال به هكذا " فى الحديث نفسه بسنده ومعناه: أن ابن مسعود قال هذا الكلام، ومثل هذا التمثيل من قبله، [لا] (¬4) أنه رواه عن النبى - عليه السلام - أو غيره. ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، أما فى ح: وإنما الداوى جمع دوية. (¬2) البخارى فى الدعوات 8/ 83 واللفظ له، الترمذى فى ك صفة القيامة برقم 4/ 568 (2497)، أحمد 1/ 383، وعند الترمذى وأحمد مقطوع بأنه من قول ابن مسعود. (¬3) هكذا فى ز، أما فى ح: كأنه. (¬4) من ح.

فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ " بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 5 - (2745) حدّثنا عُبَيْدُ الله بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ سِمَاك قَالَ: خَطَبَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ فَقَالَ: " للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ حَمَلَ زَادَهُ وَمَزَادَهُ عَلَى بَعِيرٍ، ثمَّ سَارَ حَتَّى كَانَ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَأَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ، فَنَزَلَ فَقَالَ: حْتَ شَجَرَةٍ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، وَانْسَلَّ بَعِيرُهُ، فَاسْتَيْقَظَ فَسَعَى شَرَفًا فَلَمْ يَر شَيْئًا، ثَمْ سَعى شَرَفًا ثَانيًا فَلَمْ يَر شَيْئًا، ثُمَّ سَعَى شَرَفًا ثَالِثًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَأَقْبَلَ حَتَّى أَتَى مَكَانَهُ الَّذى قَالَ فِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ إِذْ جَاءَهُ بَعِيرُهُ يَمْشِى، حَتَّى وضَعَ خِطَامَهُ فِى يَدِهِ، فَلَلّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ، مِنْ هَذَا حِينَ وَجَدَ بَعِيرَهُ عَلَى حَالِهِ ". قَالَ سِمَاكٌ: فَزَعَمَ الشَّعْبِىُّ؛ أَنَّ النُّعْمَانَ رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْمَعْهُ. 6 - (2746) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَجَعْفرُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ جَعْفَرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا - عُبَيْدُ الله بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيط عَنْ إِيَادٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ تَقُولُونَ بِفَرَحِ رَجُلٍ انْفَلَتَتْ مِنْهُ رَاحِلَتُهُ. تَجُرُّ زِمَامَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه فى رواية أبى بكر بن أبى شيبة بهذا الإسناد قال: " من رجل بداوية من الأرض " كذا الصواب، وفى بعض النسخ قال: " مر رجل بداوية " وليس بشىء؛ لأن ابتداء الكلام لا يدل عليه، وإنما كرر هذا ليرى اختلاف الروايتين فى هذا الحرف، فقال فى سند عثمان فيه: " لله أفرح بئوبة عبده من رجل فى أرض دوية " وقال فى رواية أخيه: " من رجل بداوية من الأرض "، ومعنى الروايتين واحد، والله أعلم. وقوله: " من رجل حمل زاده ومزاده " بفتح الميم، كأنه اسم لجِنس، والمزادة: هى القربة الكبيرة، سميت بذلك لأنه يزاد فيها من جلد آخر لكبرها. وقوله: " قد أضله بأرض فلاة ": أضل الرجل دابته: إذا لم يجدها بموضعه، وضللت كذا وضللت بالفتح والكسر: نسيته، والفتح أشهر، قال الله تعالى: {أَن تَضِلَّ إحْدَاهُمَا} (¬1). ¬

_ (¬1) البقرة: 282.

بِأَرْضٍ قَفْرٍ لَيْسَ بِهَا طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ، وَعَلَيْهَا لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَطَلَبَهَا حَتَّى شَقَّ عَلَيْه، ثُمَّ مَرَّتْ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ فَتَعَلَّقَ زِمَامُهَا، فَوَجَدَهَا مُتَعَلقَةً بِهِ؟ " قُلْنَا: شَدِيدًا يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا، وَالله، لله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، مِنَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ ". قَالَ جَعْفَرٌ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ إِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ. 7 - (2747) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ يُونُس، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ ابْنُ مَالِكٍ - وَهُوَ عَمهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، حِينَ يَتُوبُ إِليْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا، قَدْ أَيسَ مِنْ رَاحِلتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا. ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اَللَّهُمَّ، أَنْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فانسل بعيره ": أى سار من غير علمه كأنه فى ستر. والسلة: السرقة الخفية، وقد يكون من السير اللين بحيث لم يشعر به، ومنه: سللت الشعرة من العجين. وقوله: " فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدى وأنا ربك ": فيه أن ما قاله الإنسان من مثل هذا - من دهش، وذهول - غير مؤاخذ به إن شاء الله، وكذلك حكايته عنه على طريق علمى وفائدة شرعية، لا على الهز والمحاكاة والعبث لحكاية النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه، ولو كان منكرًا لما حكاه. وقوله: " فسعى شرفاً فلم ير شيئاً، ثم سعى شرفاً فلم ير شيئاً ": يحتمل أن يكون الشرف هنا كالطلق والعلوة، كما قالوا فى قوله: " فاستنت شرفاً ". ويحتمل أن يريد به الشرف من الأرض ليتطلع منه [هل يراها] (¬1) وهو أظهر. وقوله فى حديث أنس من رواية هداب بن خالد: " للَّه أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم إذا استيقظ على بعيره، قد أضله بأرض فلاة " كذا الرواية فى جميع نسخ مسلم. قال بعضهم: هو وهم، وصوابه: " إذا سقط على بعيره " وكذا رواه البخارى (¬2): " سقط " ¬

_ (¬1) هكذا فى ز، أما فى ح. على مراها. (¬2) البخارى ك الدعوات، ب التوبة (6309).

عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ". 8 - (...) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيْقَظَ عَلَى بَعِيرِهِ، قَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فَلاَةٍ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أى [لقاه] (¬1) وصادفه من غير قصد، ومن أمثالهم: سقط العشاء على سرحان (¬2). قال القاضى: وقد جاء فى الحديث الآخر عن ابن مسعود قال: " فأرجع إلى المكان الذى كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته ". وفى كتاب البخارى: " فنام نومة فرفع رأسه فإذا راحلته عنده " (¬3) وهذا يصحح رواية: " استيقظ "، لكن وجه الكلام وحديث أنس وسياقه يدل على " سقط " كما قاله البخارى. وقوله: " قلنا: شديدًا يارسول الله " راجع على قوله: " كيف ترون بفرح رجل - أى سراة - فرحًا شديدًا، أو يفرح فرحًا شديدًا ". وقوله: " بجذل شجرة " أى أصلها القائم، وبالذال المعجمة، يقال بفتح الجيم وكسرها، ومن رواه بالراء فقد أخطأ. قال الإمام: خرّج مسلم فى التوبة: حدثنا يحيى بن يحيى وجعفر بن حميد، كلاهما عن عبيد الله بن إياد، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف يقولون برجل انفلتت منه راحلته، يجر زمامها " هكذا خرج مسلم هذا الحديث عن يحيى بن يحيى وجعفر بن حميد فى رواية ابن ماهان والكسائى، وجعفر هذا شيخ لمسلم لم يرو عنه إلا هذا الحديث، وهو كوفى، يعرف بربيعة، حدث عنه بقى بن مخلد الأندلسى. وخرجه أبو مسعود عن جعفر بن حميد، وهو الصواب. وروى عن أبى أحمد الجلودى: حدثنا يحيى بن يحيى وعبد بن حميد مكان: " جعفر بن حميد " وهو وهم. ¬

_ (¬1) فى ح: ألفاه. (¬2) انظر: مجمع الأمثال للميدانى رقم (1764). (¬3) سبق تخريجه فى ك الدعوات.

(2) باب سقوط الذنوب بالاستغفار، توبة

(2) باب سقوط الذنوب بالاستغفار، توبة 9 - (2748) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ - قَاصِّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - عَنْ أَبِى صِرْمَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ؛ أَنَّهُ قَالَ، حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَوْلاَ أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ الله خَلْقًا يُذْنِبُونَ، يَغْفِرُ لَهُمْ ". 10 - (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عِيَاضٌ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الله الْفِهْرِىُّ - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىِّ، عَنْ أَبِى صِرْمَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ أَنَّكُمْ لَمْ تَكنْ لكم ذُنُوبٌ، يَغْفِرُهَا الله لَكَمْ، لَجَاءَ الله بِقَوْمٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ، يَغْفِرُهَا لَهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: عن محمد بن قيس قاضى عمر بن عبد العزيز، كذا للعذرى، ولغيره: " قاص " بالصاد المهملة من القصص، وكلاهما مذكوران. وقد ذكر البخارى فى التاريخ الروايتين (¬1)، وحكى عن حماد: " قاص أو قاضى عمر " بالشك. وذكر عن ابن إسحاق قال: وكان قاصاً، قال: قصصت على عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة، وهذا يصحح رواية من قال: إنه من القصص، وهو أبو عثمان محمد بن قيس الزيات، مولى يعقوب القبطى، مدنى. وقول أبى أيوب فى هذا الحديث حين حضرته الوفاة: كتمت عنكم علمًا سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون، يغفر لهم " هذا من فضل الله العظيم وكرمه الجسيم. وكتمه مخافة الاتكال، وغلبة الرجاء، والأمانى، وتعطيل العمل. ثم خاف الحرج بكتمانه جملة قبل موته، فأنبأ به ليزول عنه الحرج، مع ما فيه لنفسه من الرجاء عند حضور موته. وهكذا يجب لمذكر الناس وواعظهم ألا يكثر عليهم من أحاديث الرجاء لئلا ينهمكوا فى المعاصى والتعطيل للأعمال والاتكال، ويكون وعظه أغلب عليه التخويف والتحذير، ولكن على حد لا يؤيس ولا يقنط، والإمام فى ذلك كتاب الله تعالى ووعظه. واستحبوا لمن ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 1/ 212، 213 برقم (666).

11 - (2749) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ الْجَزَرِىِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تَذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ الله، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حضر حضور ميت وتلقينه أو من اشتد عليه المرض أن يكون الغالب على ذكر من يكون حينئذ عنده آيات الوعد والغفران وأحاديث الرجاء؛ لتطيب نفس الميت بلقاء ربه وبلقائه على ما مات عليه من حسن ظنه برحمته. وذكر حديث قطن بن نسير، بضم النون وفتح السين مصغراً، ولم يختلف فيه.

(3) باب فضل دوام الذكر والفكر فى أمور الآخرة، والمراقبة، وجواز ترك ذلك فى بعض الأوقات، والاشتغال بالدنيا

(3) باب فضل دوام الذكر والفكر فى أمور الآخرة، والمراقبة، وجواز ترك ذلك فى بعض الأوقات، والاشتغال بالدنيا 12 - (2750) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّيْمِىُّ وَقَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ - وَاللَّفظُ لِيَحْيَى - أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِىِّ قَالَ - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِى أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ الله! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكَونُ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأىَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأَزوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ، إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَاَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا ذَاكَ؟ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، نَكُونَ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأىُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكَونُونَ عِنْدِى، وَفِى الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِى طُرُقِكمْ، وَلِكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً " ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديثه: عن حنظلة الأسيدى، بسكون الياء، فقيل: من بنى تميم. ومن رواه " الأسدى " فقد أخطأ. قال: وكان من أصحاب النبى - عليه السلام - كذا لأكثر شيوخنا. وفى كتاب ابن عيسى أيضاً من كتاب النبى معاً، وكلاهما صحيح، وقد جاء كل هذا بعد فى الحديث الآخر مبيناً عن حنظلة التميمى الأسيدى. قوله: " يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأى العين ": كذا ضبطناه بالضم، أى كائناً بحال من يراها بعينه، ويصح النصب على المصدر، أى يراها رأى عين. وقوله: " عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات " كذا روايتنا فيه عن جميعهم بالفاء والسين المهملة، قال الإمام: قيل: معناه: لاعبته. قال القاضى: أما " عافسنا " كذا، فقال الهروى وغيره: معناه: حاولنا ومارسنا.

13 - (...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، سَمِعْتُ أَبِى يَحَدِّثُ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا فَذَكَّرَ النَّارَ. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلاَعَبْتُ الْمَرْأَةَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما تَذْكُرُ. فَلَقِينَا رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، نَافَقَ حَنْظَلَةُ. فَقَالَ: " مَهْ "، فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ. فَقَالَ: " يَا حَنْظَلَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعافسة: المصارعة ونحوها، أى حاولنا ما نحتاج من أمور الأزواج والأولاد والمعاش واشتغلنا به، وأى ملاعبة للضيعات. والضيعات جمع ضيعة، وهو ما يكون منه معاش الرجل؛ من مال أو حرفة أو صناعة. وروى الخطابى (¬1) هذا الحرف: " عانسنا " بالنون، وفسره: لاعبنا. ورواه القتبى: " عانشنا " بالعين والشين المعجمة، وفسره: عانقنا. والتفسير الذى ذكرناه أولاً؛ لأنه يجمع الملاعبة وغيره. وقد فسره فى الرواية الأخرى فقال: " ضاحكت الصبيان، ولاعبت المرأة "، ولم يذكر هناك: " الضيعة ". وقوله: " نافق حنظلة ": أى بما ظهر منه بحضرة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخوف، خلاف ما كان منه فى منزله وانفراده، خشى النفاق، إذ أصله إظهار شىء وكتم غيره وستره، وقد تقدم تفسيره (¬2)، فأعلمه النبى - عليه السلام - أن الحال منهم لا تقتضى بقاءهم على وتيرة واحدة، وأن مثل هذا ليس بنفاق، فأعلمهم أن هذه الحال التى وجدوها من أنفسهم عنده لو كانوا ملازمين لها لصافحتهم الملائكة فى الطريق. احتج بهذا أصحاب الكلام فى المقامات والأحوال من متكلمى الصوفية، واختلفوا في ذلك بحسب اختلافهم فى أصولهم، فقال بعضهم: هذا يدل أنها لم تكن [لهم] (¬3) [حالاً] (¬4)؛ إذ الحال ما لازم العبد ولم ينتقل عنه، وأما ما يذهب ويجىء فإنما هو مواجيد ولوائح وعوارض ولوامع بحكم مشاهدة سلطان النبوة. وقال آخرون منهم: بل هى أحوال لهم، والحال لا يلزم دوامها؛ ولذا سميت حالاً، وإنما اللازم المقام وكذا اختلافهم فى مراتب المقامات والأحوال الجارية فى ألفاظهم واصطلاحات كلامهم. ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 1/ 246. (¬2) سبق فى ك الإيمان، ب خصال النفاق برقم (106). (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى ح: حا.

سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكمُ الْمَلاَئِكَةُ، حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِى الطُّرُقِ ". (...) حدّثنى زهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ التِميمِىِّ الأُسَيِّدِىِّ الْكَاتِبِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكرنَا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فقال: " مه ": أى ما يقول؟ على الاستفهام، والهاء هاء السكت والوقف. وقد يحتمل هنا الزجر والتعظيم للأمر، مثل: بخ بخ. ويقال بالسكون وبالكسر والتنوين.

(4) باب فى سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه

(4) باب فى سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه 14 - (2751) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمَّا خَلَقَ الله الْخَلْقَ، كَتَبَ فِى كِتَابِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِى تَغْلبُ غَضَبِى ". 15 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: سَبَقَتْ رَحْمَتِى غَضَبِى ". 16 - (...) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " لَمَّا قَضَى الله الْخَلَقَ، كَتَبَ فِى كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ: إِنَّ رَحْمتِى تَغْلِبُ غَضَبِى ". 17 - (2752) حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ أًخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن رحمتى تغلب غضبى "، وفى الرواية الأخرى: " سبقت رحمتى غضبى "، قال الإمام: غضب الله عز وجل ورضاه يرجعان إلى إرادته لإثابة المطيع ومنفعة العبد وعقاب العاصى وضرر العبد (¬1)، فالأول منهما يسمى رحمته، والثانى يسمى غضبه وإرادة الله سبحانه قديمة أزلية، بها يريد سائر المرادات، فيستحيل فيها الغلبة والسبق، وإنما المراد هاهنا متعلق الإرادة من الحفع والضُر، فكان رفقه بالخلق ونعمه عليهم أغلب من نقمه وسابقة لها، فإلى هذا يرجع معنى الحديث. وقد اختلف شيوخنا فى معنى الرحمة، هل ذلك راجع إلى نفس الإرادة للتنعيم أو إلى التنعيم بنفسه؟ وإنما يحتاج إلى هذا الاعتبار على القول بأن ذلك راجع إلى نفس الإرادة. قال القاضى: الغلبة هنا والسبق بمعنى، والمراد بهما الكثرة والشمول، كما يقال: غلب على فلان حب المال أو الكرم أو الشجاعة: إذا كان أكثر خصاله. وقوله: " جعل الله الرحمة مائة جزء " الحديث، كذا رويناه بضم الراء ويقال بفتحها، ومعناه: العطاف والرحمة. وفى الحديث الآخر: " خلق الله مائة رحمة، فوضع ¬

_ (¬1) مذهب السلف: إثبات صفتى الرحمة والغضب من غير تأويل وكيفية.

الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَأَنْزَلَ فِى الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلاَئِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَة أَنْ تُصِيبَهُ ". 18 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَر - عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةً؛ أَنَّ رَسَولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَلَقَ الله مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَوَضَعَ وَاحِدةً بَيْنَ خَلْقِهِ، وَخَبَأَ عِنْدَهُ مِائَةً، إِلاَّ وَاحِدَةً ". 19 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ للِهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالبَهَائمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِها، وَأَخَّرَ الله تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 20 - (2753) حدّثنى الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمان التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِىُّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لله مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَمِنْهَا رَحْمَةٌ بِهَا يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 21 - (...) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الله خَلَقَ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، مائَةَ رَحْمَةٍ. كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ [واحدة] (¬1) بين خلقه، وخبأ عنده مائة إلاّ واحدة " وفى الرواية الأخرى: " يرحم الله بها عباده يوم القيامة ": عبارة عن كثرة رحمة الله فى الدنيا والآخرة، وأنها فى التمثيل على ما عهد من تراحم الناس كالعدة التى ذكر، وقد يحتمل أنها تجزئةً صحيحة فى أنواع الرحمة، والله يختص بقية أنواعها على هذه التجزئة. وقوله: " كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض " أى ملؤها، كأنها تعم ذلك [فيكون طبقاً له] (¬2). ¬

_ (¬1) هكذا بالأصل. (¬2) فى هامش ح.

الأَرْضِ رَحْمَةً، فَبهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ ". 22 - (2754) حدّثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ - وَاللَّفْظُ لِحَسَنٍ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْىٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ، تَبْتَغِى، إِذَا وَجَدَتْ صَبياً فِى السَّبْىِ، أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ؟ " قَلْنَا: لاَ، وَالله، وَهِىْ تَقْدِرُ عَلَى أَلاَّ تَطْرَحَهُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بوَلَدِهَا ". 23 - (2755) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جِعْفَرٍ. قَالَ بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِى الْعَلاَءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَة؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤمِنُ مَا عِنْدَ الله مِنَ الْعُقُوبَةِ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنَطَ. مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ ". 24 - (2756) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوق بْنِ بِنتِ مَهْدِىِّ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ رَجُلُ - لَمْ يَعْمَلْ حَسَنةً قَطُّ - لأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِى الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِى الْبَحْر. فَوَالله، لَئِنْ قَدَرَ الله عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لاَ يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فأَمَرَ اَلله الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَارَبِّ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ الله لَهُ ". 25 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فإذا امرأة من السبى تبتغى، إذا وجدت صبياً أخذته ": كذا فى جميع نسخ مسلم ولرواته، وفيه وهم. وفى كتاب البخارى " تسقى " (¬1) مكان " تبتغى "، وهو وجه الكلام وصوابه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك الأدب، ب رحمة الولد وتقبيله 8/ 9.

رَافِع - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ لِىَ الزُّهْرِىُّ: أَلاَ أُحَدثك بِحَدِيثينِ عَجِيبَيْنِ؟ قَالَ الزُّهْرِىُّ: أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرقُونِى، ثُمَّ اسْحَقُونِى، ثُمَّ اذْرُونِى فِى الرِّيحِ فِى الْبَحْرِ. فَوَالله، لَئِنْ قَدَرَ عَلَىَّ رَبِّى. لَيُعَذِّبُنِى عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا. قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ. فَقَالَ للأَرْضِ: أَدِّى مَا أَخَذْتِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ: مَاَ حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ يَارَبِّ - أَوْ قَالَ - مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ ". (2619) قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَحَدَّثَنِى حُمَيْدٌ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِى هِرَّةٍ رَبَطتْهَا، فَلاَ هِىَ أَطَعَمَتْهَا، وَلاَ هِىَ أَرْسَلَتْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلاً ". قَالَ الزُّهْرِىُّ: ذَلِكَ، لِئَلاَّ يَتَّكِلَ رَجُلٌ، وَلاَ يَيْأَسَ رَجُلٌ. 26 - (2756) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى الزُّبَيْدىُّ قَالَ الزُّهْرىُّ: حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَسْرَفَ عَبْدٌ عَلَى نَفْسِهِ " بِنَحْوِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. إِلَى قَوْلِهِ: " فَغَفَرَ الله لَهُ ". وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الْمَرّأَةِ فِى قِصَّةِ الْهِرَّةِ. وفِى حَدِيثِ الزُّبَيْدىِّ قَالَ: " فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ شَىءٍ أَخَذَ منْه شَيْئًا: أَدِّ مَا أَخَذْتَ مَنْهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أسرف رجل على نفسه ": أى أخطأ وزاد [على خطأ غيره] (¬1)، وغلا فى المعاصى، وجاوز قصد الأمر (¬2) والسرف: الخطأ، وهو أيضاً: مجاوزة القصد فى الأمور. وقوله: " لما حضره الموت أوصى بنيه فقال: إذا مت فأحرقونى " إلى قوله: " فوالله، لئن قدر الله علىَّ ليعذبنى عذاباً ما عذب به أحد " ثم قال آخره: " فقال: لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يارب، وأنت أعلم، فغفر له "، قال الإمام: لا يصح حمل هذا الحديث على ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) فى ح: الأمور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه أراد بقوله: " قدر علىَّ " من القدرة، فإنه من شك فى كون البارى - سبحانه - عارف به، وقد ذكر فى آخر الحديث أن الله تعالى قال له: " ما حملك على ما صنعت؟ قال: من خشيتك يارب - أو مخافتك - فغفر له بذلك "، والكافر لا يخشى الله ولا يغفر الله له. فإذا ثبت ألاّ يصح حمل الحديث على هذا المعنى فيحمل على أحد وجهين: إما أن يكون المراد به: لئن قدر على، بمعنى: قدر على العذاب. ويقال: قدر وقدر بمعنى واحد، أو يكون أراد: قدر على، بمعنى: ضيق على، قال الله تعالى: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} (¬1)، وهكذا القول فى قوله تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَقْدِرَ عَلَيْهِ (¬2)} (¬3). قال القاضى: قد اختلف فى تأويل قوله هذا، فقيل ما تقدم، وقيل: بل قال ما قاله وهو غير ضابط لكلامه ولا معتقد لظاهره، بل لما اعتراه من الخوف أو من الجزع الذى استولى عليه، فلذلك لم يؤاخذه به ولم يضبط قوله، كما لم يضبط الآخر فى الحديث المتقدم من شدة الفرح ودهش بغته السرور، وقوله: " أنت عبدى وأنا ربك " (¬4) وقد قال فى غير مسلم: " فلعلى أضل الله " (¬5) أى: أغيب عنه. وهذا يشعر أن قوله: " لئن قدر الله على " هناك على ظاهره المنكر، لا على ما تأول قبل، لكن العذر عنه ما ذكرناه. وقيل: بل هذا نوع من مجاز كلام العرب وبديع بلاغتها، سمى عند أهل النقد بتجاهل العارف، وسماه ابن المعتز فى " كتاب البديع ": مزج الشك باليقين، كقوله تعالى: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (¬6) وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ} (¬7)، وقول الشاعر: [أأنت أم أمّ سالم] (¬8) فصورته صورة الشك، والمراد التحقيق، وقيل: بل هذا رجل جهل صفة من الصفات. وقد اختلف فى جاهل الصفة، هل هو كافر أم لا؟ فمن كفره بذلك الطبرى، وقاله الأشعرى أولاً. وذهبت طائفة أخرى إلى أن الجهل بالصفة لا يخرجه عن اسم الإيمان بخلاف جحدها، وإليه رجع الأشعرى قال: لأنه لم يعتقد اعتقاداً، فقطع بصوابه، ورآه ديناً وشرعاً، وإنما يكفر من اعتقد أن مقاله حق. قالوا ولو بوحث أكثر الناس عن الصفات وبوحث عنها من ¬

_ (¬1) الفجر: 16. (¬2) زيد بعدها في ز لفظة " أحد ". (¬3) الأنبياء: 87. (¬4) رقم (7) من هذا الكتاب. (¬5) أحمد 5/ 5، ومجمع الزوائد 10/ 195. (¬6) طه: 44. (¬7) سبأ: 24. (¬8) سقط من ز، والمثبت من ح.

27 - (2757) حدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الغَافِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ رَجُلاً فِيَمنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَاشَهُ الله مَالاً وَوَلَدًا. فَقَالَ لِوَلَدِهِ: لَتَفْعَلُنَّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ، أَوْ لأُوَلِّيَنَّ مِيرَاثِى غَيْرَكُمْ، إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِى - وأَكْثَر عَلْمِى أَنَّهُ قَالَ - ثُمَّ اسْحَقُونِى، وَاذْرُونِى فِى الرِّيحِ، فَإِنِّى لَمْ أَبْتَهِرْ عِنْدَ الله خَيْرًا، وَإِنَّ الله يَقْدِرُ عَلَىَّ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يدعى العلم لما وجد العالم بها إلا قليلاً. وقيل: كان هذا فى زمن الفترة وحيث ينفع مجرد التوحيد. وقيل: قد يحتمل أن زمنهم كان حينئذ وشرعهم فيه جواز عفو الله عن الكافر، بخلاف شرعنا؛ إذ ذلك من مجوزات العقول عند أهل الحق، وإنما منعنا ذلك بالشرع، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ} (¬1) الآية، وفعله ما فعله من الخوف بنفسه عند الآخرين، ليس لأنه اعتقد أنه (¬2) يخفى بذلك عن الله ويعجزه، بل إزراء على نفسه ومعاقبته لها بما قدر عليه بعصيانها وإسرافها، ورجاء أن ذلك ينفعه عند الله إن ضيق عليه وعاقبه على أحد التأويلين الأولين، أو قدر عليه بعثه وحشره، أو لعله لم يكن يرد حينئذ بالحشر شرع يقطع به. فيكون بالشك فيه أو التكذيب كافراً؛ إذ هو من مجوزات العقول، وإنما يعلم وجوبه ووجوده بالشرع. وفيه فضيلة الخوف والخشية، وأنها من مقامات الإيمان وأركان الإسلام، وهى التى نفعت آخراً هذا السرف وغفر له بسببها. وأما قوله فى الرواية الأخرى: " راشه الله مالاً " بألف ساكنة وشين معجمة، كذا للرواة، وهو الصواب. وعند الفارسى: " رأسه " بهمزة وسين مهملة، ولا وجه لها هنا. قال الإمام: قال ابن الأعرابى: الرياش: المال المستعار، والريائش أيضًا: الأكل والشرب، وفى حديث عائشة - رضى الله عنها -: " كان يريش مملكها ": أى كان يفضل على المحتاج فيتحسس حالته. قال القتبى: أصله: الريش، كأن المقدم (¬3) لا نهوض به (¬4) مثل المقصوص من الطير، وجعل الريش مثلاً للباس. قوله فى بعض طرقه: " رغسه الله مالاً وولدًا ". قال أبو عبيد: (¬5) قال الأموى: معناه أكثر له منه وبارك له فيه. قال أبو عبيد: يقال منه: رغسه الله يرغسه رغساً: إذا كان ¬

_ (¬1) النساء: 47. (¬2) كذا فى ز، وفى ح: لأنه. (¬3) فى ح: المعدم. (¬4) فى ح: له. (¬5) انظر: غريب الحديث 1/ 170.

يُعَذِّبَنِى. قَالَ: فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ، وَربِّى. فَقَالَ الله: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: مَخَافَتُك. قَالَ: فَمَا تَلاَ فَاهُ غَيْرُهَا ". 28 - (...) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حِبيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا مُعتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ لِى أَبِى: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ. ذَكَرُوا جَمِيعًا بِإِسْنَادِ شُعْبَةَ نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَفِى حَدِيثِ شَيْبَانَ وَأَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ ماله ناميًا كثيرًا، ولذلك هو فى الحسب وغيره. وأما قوله فى بعض طرقه: " فلم يبتئر، عند الله خيراً " قال مسلم: فسرها قتادة: لم يدخر عند الله خيرًا. وفى بعض طرقه: " ما ابتار عند الله خيرًا "، وفى بعض طرقه: " ما امتأر " بالميم، قال الهروى (¬1): " لم يبتهر خيرًا ": أى لم يقدم [حسنة] (¬2) خيرًا لنفسه ولم يدخرها، يقال: بأرت الشىء وابتأرته، إذا ادخرته وخبأته، ومنه قيل للحفرة: البؤرة، ويقال أيضاً: ائتبرت بمعنى. قال القاضى: أكثر روايات شيوخنا فيه فى حديث عبيد الله بن معاذ: " لم أبتهر " بالهاء، وعند ابن ماهان: " ابتأر " بالهمزة كما تقدم، وهو المعروف، لكن قد تبدل الهمز من الهاء والهاء منها، فإن صحت الرواية فتخرج على هذا، كما تأولوا رواية: " امتأر " بالميم أنها مبدلة من الباء. وقوله فى حديث معاذ هذا: " وإن الله يقدر على أن يعذبنى " كذا الرواية عند جميعهم، وفى الكلام تلفيف، فإن أخذ على ظاهره ونصب الاسم العزيز وكان يقدر موضع خبر إن، استقام اللفظ وصح المعنى، لكنه مخالف لما تقدم من قوله قبل فى صورة شك فى ذلك وتردده. قال بعض المشايخ: صواب الكلام بإسقاط " إن " الآخرة وتخفيف "إن " الأولى ورفع الاسم، وكذلك قيدناه عن بعضهم، فيكون: وإن الله يقدر على تعذيبى، وتوافق قوله فى سائر الروايات: " فإن قدر الله على عذبنى ". وقوله بعده: " فأخذ منهم ميثاقاً، ففعلوا ذلك به وربى ". كذا فى كتاب مسلم على القسم من المخبر بذلك عنهم على صحة ما ذكر، وفى البخارى: " فأخذ منهم ميثاقاً وربى، ففعلوا ذلك به " (¬3). قال بعضهم: وهو الصواب. ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 1/ 148. (¬2) فى هامش ح. (¬3) ك التوحيد، ب قول الله: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} 9/ 178.

عَوَانَةَ: " أَنَّ رَجُلاً مِنَ النَّاسِ رَغَسَهُ الله مَالاً وَوَلَدًا ". وَفِى حَدِيثِ التَّيْمِىِّ: " فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئرْ عِنْدَ الله خَيْرًا ". قَالَ: فَسَّرَهَا قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا. وَفِى حَدِيثِ شَيْبَانَ: " فَإِنَّهُ، والله، مَا ابْتَأَرَ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا ". وَفِى حَدِيثِ أَبِى عَوَاَنَةَ: " مَا امْتَأَرَ " بِالْمِيمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وكلاهما عندى متقارب فى المعنى والقسم، ووجدته فى بعض نسخ مسلم، ولم يكن عند أحد من شيوخنا إلا فى أصل القاضى التميمى صت طريق ابن الحذاء: " وفعلوا ذلك وذرى "، فإذا صحت هذه الرواية فهو وجه الكلام، لأنه قد أمرهم فى الحديث أن يذروه فى الريح، وتكون الذال قد سقطت على [الكاتب] (¬1) للحديث فتغير اللفظ، ويكون " وربى " قد غير من لفظ اشتق من الرباب بالكسر وهو العهد، أى أخذ منهم ميثاقًا وعهدًا. والإربة، بكسر الراء وتشديد الباء: المعاهدون. وقد رأيت بعض الشارحين مال إلى تفسير الحرف بهذا، لكنه لم يقدم الحرف على هذا، والله أعلم. وذكر ابن شهاب بإثر حديثه بغير هذا الحديث: " دخلت امرأة النار فى هرة " الحديث (¬2)، قد فسرناه قبل. وقوله: " آخره لئلا يتكل رجل ولا ييأس " لا ذكر الحديث الأول وفيه من رحمة الله لهذا الذى أسرف وجهل صفة ربه، خشى على سامعيه الاتكال والاعتماد على الرجاء، وتعطيل الأعمال، فجاء فى الحديث الآخر [الخوف بعذاب الهرة لأجل هذه ربطتها] (¬3)، فظاهر الأمر أنه من صغائر الذنوب (¬4) ليمزج الرجاء بالخوف ليعتدل حال المطيع. فعبادة الخلق لله بين الرجاء والخوف، وهكذا يجب للواعظ والمذكر مزج أمره ومعاناة ذكره، ويكون الغالب التخويف؛ لأن النفوس إلى الرجاء والدعة أميل، ومن العمل والتكاليف أثقل. ¬

_ (¬1) كذا فى ز، وفى ح: الكتاب. (¬2) سبق فى ك البر والصلة، ب تحريم تعذيب الهرة، برقم (135). (¬3) هكذا فى ز، أما فى ح: ليخوف به بعذاب هذه لأجل هرة ربطتها. (¬4) هكذا فى ز، أما فى ح: الأمور.

(5) باب قبول التوبة من الذنوب، وإن تكررت الذنوب والتوبة

(5) باب قبول التوبة من الذنوب، وإن تكررت الذنوب والتوبة 29 - (2758) حدّثنى عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى عَمْرَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ: " أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللهُمَّ، اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ: بَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأخُذ بالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَىْ رَبِّ، اغْفِرْ لِى ذَنبِى. فَقَالَ: بَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَىْ رَبِّ، اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ: بَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا، فَعَلِمَ أن له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ". قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى: لاَ أَدْرِى أَقَالَ فِى الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: " اعْمَلْ مَا شِئْتَ ". (...) قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ زَنْجُوَيةَ الْقُرَشِىُّ الْقُشَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرسِىُّ، بَهذَا الإِسْنَادِ. 30 - (...) حدّثنى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِى أَبُو الْولِيدِ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، قَالَ: كَان بِالْمَدِينَةِ قَاصٌّ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ. قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا " بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَذَكَرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: " أَذْنَبَ ذَنْبًا ". وَفِى الثَّالِثَةِ: " قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِى فَليَعْمَلْ مَا شَاءَ ". 31 - (2759) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُط يَدهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب

مُسِىءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ منْ مَغْرِبِهَا ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مسىء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها "، قال الإمام: المراد بهذا القبول على التائب؛ لأنه قد جرت العادة أن الإنسان إذا نول ما يقبله بسط يده إليه، وإذا رأى من يحبه بسط يده إليه، وإذا نول ما يكره قبض يده عنه. فخاطب العرب من حيث تفهم، وذكر أمثالاً محسوسة ليوكد معنى ما يريده فى النفس وأما يد الجارجة فمستحيلة على الله - سبحانه. والبسط والقبض من صفات الأجسام، واليد قد تطلق فى اللغة على النعمة، وهذا المعنى الشهور فى اللسان يقارب ما قلناه؛ لأن ما يقبله - سبحانه - من قبول توبة عباده من إحدى نعمه عليهم، وكذلك ما يفعله من النعم بالتائبين. وأما إثبات اليدين لله - سبحانه - من غير أن تكون يدى جارجة، بل صفتين من الصفات قديمة أزلية فأثبتهما القاضى أبو بكر بن الطيب وغيره من أئمتنا؛ لقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬1)، فأثبت اليدين هنا صفتين قديمتين، لأن صرف اليد هاهنا عنده إلى النعمة لا يليق بهذا الموضع؛ لأن النعمة مخلوقة ولا يخلق مخلوق بمخلوق، وصرفها إلى القدرة يمنع منه التثنية، والقدرة واحدة بلا خلاف. وأبو المعالى مال إلى نفى ذلك، وحمل القرآن على التجوز، وأن المراد أن الله - سبحانه - خلق آدم بغير واسطة، بخلاف غيره من بنيه، فكنى عن ذلك بأنه خلقه بيديه؛ لأنا إذا لم يكن بيننا وبين ما يكون من الأفعال وسائط عبر عن ذلك بأن يقال: فعلته بنفسى، وتوليته بيده. والقصد تميز آدم بالاختصاص. وقد يجمع الشىء تفخيماً وإن كان واحدًا، والعرب تفعل ذلك وهذا المعنى سلك الأئمة فى هذه الآية. وإن قلنا بإثبات اليد على طريقة القاضى، فلابد من تأويل الحديث على نحو ما قلناه لذكر البسط فيه، وإنما يبقى النظر فى معنى اليد وإضافة هذا الأمر إليها. قال القاضى: وقيل (¬2) يحتمل أن اختصاصه النهار هنا والليل - وإن كانت التوبة مقبولة أى وقت كانت - فالمراد بذلك أوقات مخصوصة كثلث الليل، وبعد الزوال، والوقتين المشهودين وحضرة النداء؛ لما جاء من أن أبواب السماء تفتح فيها. ¬

_ (¬1) ص 750. (¬2) هكذا فى ز، وفى ح: وقد.

(6) باب غيرة الله تعالى، وتحريم الفواحش

(6) باب غيرة الله تعالى، وتحريم الفواحش 32 - (2760) حدّثنا عُثْمَان بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيْهِ المَدْحُ مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أحَدٌ أغْيَرَ مِنَ الله، مِنْ أجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ ". 33 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ الله، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَا حِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ الله ". 34 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: سَمِعْت عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ - قُلْتُ لَهُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ الله؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرَفَعَهُ - أَنَّهُ قَالَ: " لاَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ الله، وَلذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِن الله، وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ". 35 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليْهِ الْمَدْحُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ الله، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ الله، مِنْ أَجْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم الكلام على قوله: " ليس أحد أغير من الله " (¬1) وقد جاء فى نفس الحديث تفسير غيرة الله بما رفع الإشكال فى رواية عمرو الناقد قال: " وغيرة الله أن يأتى المؤمن ما ¬

_ (¬1) انظر: ك اللعان، برقم (19).

ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ ". 36 - (2761) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّهَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله يَغارُ، وَإنَّ المُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ الله أنْ يَأتِىَ المُؤْمِن مَا حَرَّمَ عَلَيهِ ". (2762) قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، أنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛ أنَّ أسْمَاءَ بِنْتَ أبِى بَكْرٍ حَدَّثَتْهُ، أنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيْسَ شَىْءٌ أغْيَرَ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ ". (2761) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أبَان بْنُ يَزِيدَ وَحَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أبِى كَثِيرٍ، عَنْ أبِى سَلَمَةَ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ رِوَايَةِ حَجَّاج. حَدِيثَ أبِى هُرَيْرَةَ خَاصَّةً. وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ أسْمَاءِ. 37 - (2762) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أبِى بَكْرٍ المُقَدِّمِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أبِى كَثِيرٍ، عَنْ أبِى سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أسْمَاءَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنَّهُ قَالَ: " لا شَىْءَ أغْيَرُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ ". 38 - (2761) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنِ العَلاء، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " المُؤْمِنُ يَغَارُ، وَالله أشَدُّ غَيْرًا". ـــــــــــــــــــــــــــــ حرم عليه " أى: منعه ذلك وتحريمه له. وقوله: " والله أشد غيرة ": الغير والغار والغيرة بمعنى واحد، كله بفتح الغين، وقيل: معنى " لا شىء أغير من الله ": يحتمل ألا ينبغى لشىء ألا يكون أغير منه فيتعدى بأخذه، فى ذلك، ويبطش من يجده فيما يكره لحينه بما لا يجب، دون المجىء بما حده الله من البينة، ويعجل بالعقوبة، والله تعالى يعذر ويمهل، ولذلك ذكر بعده: " ولا أحد أحب إليه العذر من الله " والله أعلم. وقد كان منه عليه السلام - هذا الكلام بإثر قول سعد ما قال: لأضربنه بالسيف غير مصفح.

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ العَلاءَ، بِهَذَا الإسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قوله: " ليس أحد أحب إليه المدح من الله " فيه تنيه على عظم الثواب وكثرة الرغبة فى تسبيح الله وتقديسه، والثناء عليه واجب هنا على ما تقدم من إرادة الثواب [للحامد له] (¬1) والمثنى عليه والمحمد، وإنما يجب ذلك منه ويأمرهم به ويريهم أجرهم عليه. وقوله: " لا أحد أحب إليه العذر من الله ": يحتمل أن يريد للإعذار والحجة، قال الله تعالى: {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} (¬2) وكذلك قال بعده: " من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل " وِيحتمل أن يريد به الاعتذار من خلقه إليهم؛ لعجزهم وتقصيرهم فيغفر لهم، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) المرسلات: 6. (¬3) الشورى: 25.

(7) باب قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}

(7) باب قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} 39 - (2763) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الجَحْدَرِىُّ، كِلاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ - وَاللَّفْظ لأبِى كَامِلٍ - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا التيْمِىُّ، عَنْ أبِى عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ؛ أنَّ رَجُلاً أصَابَ مِنِ امْرَأةٍ قُبْلَةً، فَأتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (¬1) قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: ألِىَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتى ". 40 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد الأَعْلَى، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، عَنْ أبِىهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ، أنَّ رَجُلاً أتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أنَّهُ أصَابَ منِ امْرَأةٍ إِمَّا قُبْلَةً، أوْ مَسًّا بِيَدٍ، أوْ شَيْئًا. كأنَّهُ يَسْألُ عَنْ كَفَّارَتِهَا. قَالَ: فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ. 41 - (...) حدّثنا عُثْمَانَ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التيْمِىِّ، بِهذا الإسْنَادِ. قَالَ أصابَ رَجُلٌ مِنِ امْرَأَة شَيْئًا دُونَ الفَاحِشَةِ، فَأتَى عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أتَى أَبَا بَكْر فَعَظَّمَ عَلَيْهِ، ثمَّ أتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكًرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ وَالمُعْتَمِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى الذى أصاب من امرأة قبلة، فذكر ذلك للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} الآية، وفى الحديث الآخر: " أصاب من امرأة دون الفاحشة "، وفى الحديث الآخر: " عالجت امرأة فى أقصى المدينة، وإنى أصبت منها ما دون أن أمسها ": يريد بالمعالجة التناول منها، ولكن بمدافعة ومشقة والمعالجة: المصارعة. وقوله: " ما دون أن أمسها " يريد به: الجماع، بدليل الحديث الذى قبله. والمس والمساس: الجماع، قال الله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} (¬2). واختلف الناس فى معنى قوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهْبِنَ السَّيِّئَاتِ} فعن جماعة من الصحابة والتابعين: أن المراد بالحسنات: الصلوات، بدليل أول الآية. قالوا: والصلاة كفارة لصغار الذنوب، ودل أن القُبلة وشبهها من الصغائر المكفرة بذلك، وقد جاء فى ¬

_ (¬1) هود: 114. (¬2) البقرة: 237.

42 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو الأحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنِّى عَالَجْتُ امْرَأةً فِى أَقْصَى المَدِينَةِ، وَإنَّى أصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أنْ أمَسَّهَا، فَأنَا هَذا، فَاقْضِ فِىَّ مَا شِئْتَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ، لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدّ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ، فَأتْبَعَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً دَعَاهُ، وَتَلا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (¬1) فَقَالَ رَجُلٌ مِن القَوْمِ: يَا نَبِىَّ اللهِ، هَذا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: " بَلْ للِنَّاسِ كَافَّةً ". 43 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِىُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ خَالِهِ الأسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أبِى الأحْوَصِ. وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لِهَذا خَاصَّةً، أوْ لَنَا عَامَّةً؟ قَالَ: " بَلْ لَكُمْ عَامَّةً ". 44 - (2764) حدّثنا الحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الحُلْوَانِىُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِى طَلْحَةَ، عَنْ أنَسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أصَبْتُ حَدًّا فأقِمْهُ عَلَىَّ. قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنِّى أصَبْتُ حَدًّا فَأقِمْ فِىَّ كِتَابَ اللهِ. قَالَ: " هَلْ حَضَرْتَ الصَّلاةَ مَعَنَا؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " قَدْ غُفِرَ لَكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث الآخر أنها " كفارة لمن اجتنب الكبائر " (¬2) وروى عن مجاهد حسنات هنا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. قال الطبرى: والصواب قول من قال: إنها الصلوات الخمس؛ لثبوت الخبر بذلك عن النبى - عليه السلام. وقد مضى فى كتاب الإيمان (¬3) الفرق بين الصغائر والكبائر، ومعنى تسميتها بذلك، وفى كتاب الصلاة ما تكفره الصلاة من الذنوب. ¬

_ (¬1) هود: 114. (¬2) سبق فى ك الطهارة، ب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة برقم (14). (¬3) ب بيان الكبائر، برقم (38).

45 - (2765) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجَهْضَمِىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لزُهَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَامَةَ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى المسْجِدِ، وَنَحْنُ قُعُودٌ مَعَهُ، إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ، إنِّى أصَبْتُ حدًّا، فَأقِمْهُ عَلَىَّ. فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ أعَادَ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ، إنِّى أصَبْتُ حدًّا، فَأقِمهُ عَلَىَّ. فَسَكَتَ عَنْهُ، وَأقِيمَتِ الصَّلاةُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو أمَامَةَ: فَاتَّبَعَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ، وَاتَبَعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْظُرُ مَا يَرُدُّ عَلَى الرَّجُلِ. فَلَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنِّى أصَبْتُ حدًّا، فَأقِمْهُ عَلَىَّ. قَالَ أَبُو أمَامَةَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرَأيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ، ألَيْسَ قَدْ تَوَضَّأتَ فَأحْسَنْتَ الوُضُوءَ؟ " قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى قوله فى الحديث الآخر: " إنى أصبت حدًّا فأقمه علىّ " فسكت، إلى قوله: " أليس قد توضأت؟ " ثم قال: " وشهدت الصلاة معنا؟ ". قال: نعم. قال: " إن الله قد غفر لك حدك - أو قال - ذنبك " يحتمل أن هذا الحديث بمعنى الأول، وأن ذكر الحد هنا عبارة عن الذنب، لا [على] (¬1) حقيقة ما فيه حد من الكبائر. وقد أجمع العلماء أن التوبة لا تسقط حدًّا من حدود الله إلا الحرابة. فلما لم يحده النبى - عليه السلام - حمله (¬2) على أنه كان مما لا حد فيه، ولأن الصلاة إنما تكفر غير الكبائر. وقيل: هو على وجهه، وإنما لم يحده لأنه لم يفسر الحد فيما لزمه، فسكت عنه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستفسره لئلا يجب عليه الحد. قالوا: وفيه حجة على ترك الاستفسار، وأنه لا يلزم ذلك للإمام إذا كان الكلام محتملاً والإقرار غير بين، طلباً [للتستر] (¬3)، بل نبه عنه - عليه السلام - المتنر فى غير هذا الحديث على الرجوع والنزوع عن قراره بقوله: " لعلك مسست أو قبلت " (¬4) مبالغة فى الستر على المسلمين، وقد كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيمًا، صلوات الله عليه. واختلف فى معنى قوله: {طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} (¬5)، قيل: طرفاً النهار: الغداة والعشى، فالغداة الصبح، والعشى الظهر. وقيل: الظهر والعصر. وقيل: العشى والمغرب. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) هكذا فى ز، وفى ح: حمل، بدون هاء. (¬3) هكذا فى ز، وفى ح. الستر. (¬4) أحمد 1/ 238، 270عن ابن عباس. (¬5) هود: 114.

شَهِدْتَ الصَّلاةَ مَعَنَا؟ " فَقَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ - أوْ قَالَ - ذَنْبَك ". ـــــــــــــــــــــــــــــ و {وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ}: قيل (¬1): هى المغرب والعشاء. وقيل: العشاء. وقد قرأ بعضهم {وَزُلْفَى} بسكون اللام مقصورة. ¬

_ (¬1) فى ح: قرئ.

(8) باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله

(8) باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله 46 - (2766) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفُظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أبِى الصِّدِّيقِ، عَنْ أبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَألَ عَنْ أعْلَمِ أهلِ الأرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ. فَأتَاهُ فَقَالَ: إنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا. فَقَتَلَهُ، فَكمَّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَألَ عَنْ أعْلَمَ أهْلِ الأرْضِ، فَدُلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الذى قتل تسعة وتسعين، وسؤاله: هل له من توبة؟ وقول العالم له: نعم: هذا مذهب أهل السنة والجماعة؛ أنّ التوبة تكفّر القتل كسائر الذنوب، وهو قول كافة السلف. وما روى عن بعضهم من خلاف ذلك فشديد فى الزجر وتورية فى القول، لئلا يجترئ الناس على الدماء. وقد اختلف فى تأويل قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} (¬1) معناه: قتله مستحلاً لأجل إيمانه، وقيل معناه: جزاؤه جهنم إن جازاه. فيكون الخلود طول الإقامة لا التأبىد، وقيل: الآية فى رجل بعينه قتل رجلاً له عليه دم بعد أخذه الدية، ثم ارتد (¬2). وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (¬3) تفسير مجملها، والآية الثانية التى فى الفرقان بقوله: {إلاَّ مَن تَابَ} (¬4). وقول العالم له: " انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإنه فيها [أناس] (¬5) يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فيه الحض على مفارقة الإنسان المواضع التى أصاب فيها الذنوب والأقران الذين ساعدوه عليها، ومعاداتهم لله تعالى، مبالغة فى التوبة وقطع علائقها، والاستبدال [بذلك] (¬6) صحبة أهل الخير والصلاح ومن يقتدى به، ويتأكد بمشاهدته توبته. وقوله: " حتى إذا نصف الطريق ": أى بلغ نصفه، يقال: نصف الماء وغيره الشجرة، أى بلغ نصفها. وقوله: " نأى بصدره ": أى نهض وتقدم ليقرب بذلك القدر من الأرض الصالحة. وأما قياسه إلى إحدى القريتين والحكم بذلك له بعد اختصام ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فيه فذلك - والله أعلم - علامة جعلها الله لهم عند اختلافهم مع ¬

_ (¬1) النساء: 92. (¬2) انظر: جامع البيان للطبرى 4/ 217. (¬3) النساء: 48. (¬4) الفرقان: 70. (¬5) هكذا فى ز، وفى ح: قوماً. (¬6) فى هامش ح.

عَلى رَجُلٍ عَالِمٍ. فَقَالَ: إنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإنَّ بِهَا أنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إلى أَرْضِكَ فَإنَّهَا أرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أتَاهُ المَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ، فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِباً مُقْبِلاً بقَلْبِهِ إِلَى اللَّه. وَقَالَتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ: إنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ. فَأتَاهُمْ مَلكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ. فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأرْضَيْنِ، فإلَى أيَّتِهما كَانَ أدْنَى، فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أدنَى إلى الأرْضِ الَّتِى أرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائكَةُ الرَّحَمَةِ ". قَالَ قَتَادةُ: فَقَالَ الحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا؛ أنَّهُ لَمَّا أتَاهُ المَوْتُ نَأى بِصَدرِهِ. 47 - (...) حدّثنى عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، أنَّهُ سَمِعَ أَبَا الصِّدِّيقِ النَّاجِىَّ، عَنْ أبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنَّ رَجُلاً قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَجَعَلَ يَسْألُ: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَة؟ فَأتَى رَاهِبًا فَسَألَهُ فَقَالَ: لَيْسَتْ لَكَ تَوْبَةٌ، فَقَتَلَ الرَّاهِبَ. ثُمَّ جَعَلَ يَسْألُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ إلى قَرْيَةٍ فِيها قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَلَمَّا كَانَ فِى بَعْضِ الطَّرِيقِ أدْرَكَهُ المَوْتُ، فَنأى بصَدْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ. فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحَمَةِ وَمَلاِئكَةُ العَذَابِ، فَكَانَ إلى القَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ مِنْهَا بِشِبْرٍ، فَجُعِلَ مِنْ أهلِهَا ". 48 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أبِى عَدِىٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذا الإسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ مُعاذٍ. وَزَادَ فِيهِ: " فَأوْحَى اللهُ إلى هَذِهِ: أنْ تَبَاعَدِى، وَإلى هَذِهِ: أَنْ تَقَرَّبِى ". 49 - (2767) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحيَى، عَنْ أبِى بُرْدَةَ، عَنْ أبِى مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، دَفَعَ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم معرفة حقيقة باطنه التى اطلع الله عليها؛ لأنه عليم بذات الصدور، ولو تحققوا توبته هم لم يختلفوا ولا احتاجوا للمقايسة بالأرض، ألا ترى كيف قال: " فأوحى الله إلى هذه الأرض أن تباعدى، وإلى هذه أن تقربى " إذا كان تعالى عَلِمَ ما لم تعلم الملائكة. قوله فى آخر الحديث: " لكل مسلم فداؤه من النار ": حدثنا قتادة بهذا الإسناد نحو حديث عفان، وقال عون بن عقبة (¬1). كذا عند العذرى، وهو خطأ، والصواب ما عند ¬

_ (¬1) لم يرد له ذكر في كتب الرجال المتداولة.

عَزَّ وَجَلَّ إلى كُلِّ مُسْلِمٍ، يَهُودِيًّا أوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ ". 50 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّان بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَن عَوْنًا وَسَعِيدَ بْنَ أبِى بُرْدَةَ حَدَّثَاهُ؛ أنَّهُمَا شَهِدَا أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزيزِ عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، إلا أدْخَلَ اللهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أوْ نَصْرَانِيًّا ". قَالَ: فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ باللهِ الَّذِى لا إلَهَ إلا هُوَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ أنَّ أبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ. فَحَلَفَ لَهُ. قَالَ: فَلَمْ يحَدِّثْنِى سَعِيدٌ إنَّهُ اسْتَحْلَفَهُ. وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى عَوْنٍ قَوْلَهُ. (...) حدّثنا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الوَارِثِ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادةُ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ عَفَّانَ. وَقَالَ: عَوْنُ ابْنُ عُتْبَةَ. 51 - (...) حدّثنا مُحَمدُ بْنْ عَمْرِو بْنِ عُبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ أَبُو طَلْحَةَ الرَّاسِبِىُّ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَجِىء يَوْمَ القِيامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أمْثَالِ الجِبَالِ، فَيَغْفِرُهَا الله لَهُمْ، وَيَضَعُها عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ". فِيمَا أحْسَبُ أنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ سائر الرواة: عون بن عتبة بالتاء، هو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أخو عبد الله ابن عتبة أحد السبعة الفقهاء. وقوله فى هذا الحديث: " يدفع الله إلى كل مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا، فيقال: هذا فكاكك من النار " وفى الحديث الآخر: " ما من مسلم يموت إلا أدخل الله مكانه النار يهوديًّا أو نصرانيًّا " وفى الآخر: " يأتى قوم بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى ": معنى ذلك: أن من استوجب النار لذنوبه من المؤمنين تفضل الله عليه برحمته، وغفر [له] (¬1) ذنوبه، وعافاه من النار، وإن من لم يكن أهلاً للعقوبة فهو معافى منها ابتداء لفضل الله، فإنما يصلاها الأشقى الذى كذّب وتولى، فهم أهلها وعوض هؤلاء الذين هم فى النعيم فتسميتهم فكاك لذلك. وقوله: " أدخل الله مكانه يهوديًّا أو نصرانيًّا " على هذا المعنى، إذ الكافر لابد له منها وهو مستحق للعقاب لنفسه لا بسبب غيره. وقوله: " ويضعها على اليهود والنصارى ": معناه - والله أعلم -: أنه يزيدهم ¬

_ (¬1) من ح.

قَالَ أَبُو رَوْحٍ: لا أدْرِى مِمَّنِ الشَّكُّ. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ فَقَالَ: أبُوكَ حَدَّثَكَ هَذَا عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. 52 - (2768) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيم، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائىِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فى النَّجْوَى؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يُدْنَى المُؤمِنُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ. فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أىْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عذاباً فوق العذاب لما كانوا يفسدون، ويخصهم بالعذاب على سوء أفعالهم دون المؤمنين، وإلا فلا تزر وازرة وزر أخرى، لكن لما أسقط الله هذه التباعات عن هذا المسلم، وأبقى تباعات الكافر وضاعف عذابه بكفره، وزاده فى ذلك بقدر ما كان يستحق المؤمن على ذنوبه - كان كمن عوقب بتلك الذنوب، وإلا فالأصل أنّ الله لا يعذب أحدًا إلا على ما اكتسبه، وقد خلق الله تعالى للنار أهلاً وللجنة أهلاً، وجعل لكل واحدة ملئها، كما جاء فى الحديث، [فالذى هى لكبارهم فكاك الذى غير للجنة، ولو شاء لقلب الأمر ولم يبال، كما جاء فى الحديث] (¬1)، ولكن تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً، يفعل ما يشاء، فقوله على هذا: " هذا فكاكك من النار " وإلا أدخل الله مكانه يهوديًّا أو نصرانيًّا بيّن المعنى على ما قررناه، أى أنك خلقت للجنة وخلق هذا للنار مكانك [للجنة أنت المخلوق] (¬2) وجعله هو ممن يملؤها وفك رقبتك أنت من ذلك [وخاصك] (¬3) وجعلك ممن يملأ الجنة. وفكاك الشىء: خلاصه. وفكاك الرقبة: إخراجها من الرق [وتخليصها] (¬4) للحرية. وكذلك فكاك الرهن: تخليصه من يد مرتهنه. وقوله: " يدنى المؤمن من ربه [يوم القيامة] (¬5) حتى يضع عليه كنفه، فيقرره [بذنوبه] (¬6)، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: رب، أعرف. قال: فإنى قد سترتها عليك فى الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم " الحديث، قال الإمام: الدنو هاهنا: دنو كرامة لا دنو مسافة؛ لأن البارى - سبحانه فى غير مكان، فلا يصح منه دنو مسافة ولا بعدها. والمراد بقوله: " حتى يضع عليه كنفه " أى: ستره وعفوه، وما يتفضل عليه به حينئذ. وقد صحفها بعض الرواة فرواها بالتاء، وهو تصحيف لا ينبغى أن يشغل (¬7) به. وقد قال ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من ح. (¬3) هكذا فى ز، وفى ح: وخلصك. (¬4) و (¬5) فى هامش ح. (¬6) ساقطة من ز. (¬7) فى ح: يشتغل.

رَبِّ، أعْرِفُ. قَالَ: فَإنِّى قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا، وَإنِّى أغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ. وَأمَّا الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ: هَؤلاءِ الَّذِى كَذَبُوا عَلى اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض أهل العلم: لو كان ثابتاً لكان استعارة، وتأولناه كما تأولنا ما وقع فى أمثاله مما ذكر من أسماء الجوارح. قال القاضى: ذكر مسلم بعد هذا سنداً آخر لهذا الحديث فقال: حدثنا محمد بن مثنى، حدثنا ابن عدى، إلى آخر ما ذكر. وصح عند الكسائى والسجزى، وسقط لغيره هنا.

(9) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

(9) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه 53 - (2769) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ - مَوْلَى بَنِى أُمَيَّةَ - أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: ثمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ - وَهُوَ يُرِيدُ الرَّومَ وَنَصَارَى العَرَبِ بِالشَّامِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْب بْنِ مَالِكٍ، أنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ كَعْبٍ كَانَ قَائَدَ كَعْبٍ، مِنْ بَنِيِهِ، حِينَ عَمِىَ. قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةِ تَبُوَكَ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمْ أتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ، إلا فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أنِّى قَدْ تَخَلَّفْتُ فِى غَزَوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهُ، إنَّما خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمُسْلمُونَ يُريدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ، عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلى الإسْلامِ، وَمَا أُحِبُّ أنَّ لِى بِها مَشّهَد بَدْرٍ، وَإِنْ كَانتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِى النَّاسَ مِنْهَا. وَكَانَ مِنْ خَبَرِى، حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ، أنِّى لَمْ أكُنْ قَطُّ أقْوَى وَلا أيْسَرَ مِنِّى حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِى تِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث كعب بن مالك والثلاثة الذين خلفوا، فيه: هجران أهل الذنوب، وقطع مكالمتهم، والإعراض عنهم، وترك رد السلام عليهم؛ إذ كان ثم من يرده غيرك أو رده سراً، تأديباً لهم، كما نهى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كلام هؤلاء الثلاثة، واجتناب الناس لهم، وتركه النظر إلى كعب إذا رآه، وأمره لهم باعتزال نسائهم. وفيه حجة أن السجون يضيق عليه. وفيه حجة لقول مَنْ قال من أئمتنا: إن المسجون فى الذنوب لا تترك معه زوجته تضييقاً عليه، وهو قول سحنون؛ لأمره - عليه السلام - لهم باعتزال نسائهم. وابن عبد الحكم من أئمتنا يرى ألاّ يفرق بينه وبين زوجته إذا كان السجن خالياً، أو فيه موضع تنفرد فيه معه المرأة عن الرجال. وفيه سنة ركعتى المسافر إذا قدم كما كان يفعل - عليه السلام - وقد ذكرنا ذلك. وفيه فضل الصدق وحسن عقباه الذى نجا كعباً وصاحبيه، وكان سبب التوبة [عليهم] (¬1) وكان أمرهم يعد زيادة فى فضلهم [ومتعته] (¬2) لهم، بخلاف غيرهم ممن كذب وخلف من أهل النفاق، وفضيحة الله لهم وذمهم ووعيدهم. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) هكذا فى ز، وفى ح: منقبة.

الغَزْوَةِ. وَاللهِ، مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ، حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِى تِلْكَ الغَزْوَةِ. فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقَبَلَ سَفَرًا بَعيدًا وَمَفَازًا، وَاستَقَبَلَ عَدُوًّا كَثيرًا، فَجَلا لِلمُسلِمِينَ أمْرَهُمْ لِيتَأهَّبُوا أهُبّةَ غَزْوِهِمْ، فأخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمُ الَّذِى يُرِيدُ. وَالمسلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثيرٌ وَلا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ - يُرِيدُ، بِذَلِكَ، الدِّيوَانَ - قَالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَتَغَيَّبَ، يَظُنُّ أنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ، مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْىٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ وَالظِّلالُ، فَأنَا إلَيْهَا أصْعَرُ، فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمُسلِمُونَ مَعَهُ، وَطَفقْتُ أغْدُو لِكَىْ أتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأرْجِعُ وَلَمْ أقْضِ شَيْئًا، وأقُولُ فِى نَفْسِى: أنَا قَادِرٌ عَلَىَ ذَلِكَ، إذَا أرَدْتُ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِى حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ، فَأصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا وَالمُسْلمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أقْضِ مِنْ جَهَازِى شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أقضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِى حَتَّى أسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أنْ أَرْتَحِلَ فأُدْرِكَهُمْ، فَيَالَيْتَنِى فَعَلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِى، فَطَفِقْتُ، إذَا خَرَجْتُ فِى النَّاس، بَعْدَ خُرُوجِ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْزُنُنِى أنِّى لا أرَى لِى أُسْوَةً، إلا رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِى النِّفَاقِ، أوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكًا. فَقَالَ - وَهُوَ جَالسٌ فِى القَوم بِتَبُوكَ -: " مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ ". قَالَ رَجُلٌ منْ بَنِى سَلَمَةَ: يَا رَسُولُ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِى عِطْفيْهِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئسَ مَا قُلْتَ. وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلا خَيْرًا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَيْنَمَا هُوَ عَلى ذَلِكَ رَأى رَجُلاً مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ "، فَإذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الأنْصَارىُّ. وَهُوَ الَّذِى تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ المُنَافِقُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " فأنا إليه أصعر ": أى أميل. وقوله: " وتفارط الغزو ": أى فات وتقدم. وقوله: " إلا رجلاً مغموصاً عليه ": أى متهماً مستحقراً. يقال: غمصت فلاناً واغتمصته: إذا استحقرته واستصغرته. وقوله [وهو] (¬1) ينظر فى عطفيه: قال الهروى: عطفا الإنسان: ناحيتا جسده، ¬

_ (¬1) من ح.

فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِى أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَد تَوَجَّهَ قَافِلاً مِنْ تَبُوكَ، حَضَرَنى بَثِّى، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الكَذِبَ وَأقولُ: بِمَ أخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَأسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِى رَأى مِنْ أهلِى. فَلَمَّا قِيلَ لِى: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّى البَاطِلُ، حَتَّى عَرَفْتُ أنِّى لَنْ أنْجُوَ مِنْهُ بِشَىْء أبَدًا، فَأجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا، وَكَانَ - إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ - بَدَأ بِالمسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكَعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائرَهُمْ إلَى اللهِ، حَتَّى جِئْتُ. فَلَمَّا سَلَّمَّتُ، تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ: " تَعَالَ "، فَجِئْتُ أَمْشِى حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالَ لِى: " مَا خَلَّفَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قَد ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنِّى، وَاللهِ، لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غيرِكَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا لَرَأيْتُ أنِّى سَأخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذرٍ، وَلَقَدْ أعْطَيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّى، وَاللهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ، لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّى، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلىَّ فِيهِ، إنَّى لأرجُو فِيهِ عُقْبَى اللهِ. وَاللهِ، مَا كَانَ لِى عُذْرٌ. وَاللهِ، مَا كُنْتُ قُطُّ أقْوَى وَلا أيْسَرَ مِنِّى حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّا هَذَا، فَقَدْ صَدَقَ. فَقُمْ حَتَّى يَقْضِىَ اللهُ فِيكَ ". فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِى سَلَمَةَ فَاتَّبَعُونِى. فَقَالُوا لِى: وَاللهِ، مَا عَلِمْنَاكَ أذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، لَقَدْ عَجَزْتَ فِى ألا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِما اعْتَذَرَ بِهِ إلَيْهِ المُخَلَّفُونَ، فَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ، استِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال فى موضع آخر: العطفان: ناحيتا العنق، ومنكب الرجل: عطفه. وقال المبرد: العطف: ما انثنى من العنق، قال غيره: العرب تضع الرداء موضع البهجة والحسن والبهاء، ويسمى الرداء عطافاً لوقوعه على عطفى الرجل. قوله: " توجه قافلاً ": راجعاً من سفره، يقال: قفل الرجل قفولاً: إذا رجع من السفر. والقافلة: التى [هى] (¬1) راجعة من سفرها، وما دامت ذاهبة فى السفر فلا تسمى قافلة حتى ترجع. قوله: " حضرنى بثى " البث: أشد الحزن. ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

قَالَ: فَوَاللهِ، مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِى حَتَّى أرَدْتُ أنْ أرْجِعَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأُكَذِّب نَفْسِى. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِىَ هَذَا مَعِى مِنْ أحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلانِ، قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ العَامِرِىُّ، وهلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِىُّ. قَالَ: فَذَكَرُوا لِى رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِما أُسْوَةٌ. قَالَ: فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِى. قَالَ: وَنَهى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا، أيُّهَا الثَّلاثَةُ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ. قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ. وَقَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِى فِى نَفْسِى الأرْضُ، فَمَا هِىَ بِالأرْضِ الَّتِى أعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأمَّاَ صَاحِباىَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِى بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأمَّا أنَا فَكُنْتُ أشَبَّ القَوْمَ وَأجْلَدهُمْ، فَكُنْتُ أخْرُجُ فَأشْهَدُ الصَّلاةَ وَأطُوفُ فِى الأسْوَاقِ، وَلا يُكلِّمُنِى أَحدٌ، وَآتِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِى مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَأقولُ فِى نَفْسِى: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ، أمْ لا؟ ثُمَّ أصَلِّى قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإذَا أقْبَلْتُ عَلى صَلاتِى نَظَرَ إلَىَّ، وَإذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ عَنِّى، حَتَّى إذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَىَّ مِنْ جَفْوَةِ المُسْلِمِينَ، مَشَيْتُ حَتى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطٍ أَبِى قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّى، وَأحَبُّ النَّاسِ إلَىَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ. فَوَاللهِ، مَا رَدَّ عَلَىَّ السَّلامَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أنْشُدكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَنَّ أنِّى أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامرى ": هكذا قال العامرى، إنما هو العمرى، من بنى عمرو بن عوف. قال القاضى: كذا ذكره مسلم: " العامرى " من رواية أكثرهم، ورواه بعضهم " العامرى " والصواب: " العمرى ". وكذا ذكره البخارى (¬1). وكذا نسبه ابن إسحاق وأبو عمرو بن عبد البر وغيرهما، وإن كان القابسى قال: لا أعرفه إلا العامرى، فالذى عرفه غيره أصح. وقوله فى نسبه: " ابن ربيعه " كذا ذكره مسلم، وذكره البخارى (¬2): " ابن الربيع ". وقال أبو عمرو بالوجهين فى نسبه. قال الإمام: وقوله: " حتى تسورت الجدار ": أى علوت سوره وهو أعلاه. وقوله: " فتيممت بها التنور فسجرتها ": أى قصدت التنور، يقال: قصدت الشىء ¬

_ (¬1) و (¬2) ك المغازى، ب حديث كعب بن مالك، غزوة تبوك 6/ 3.

فَسَكَتَ. فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَاىَ، وَتَولَّيْتُ، حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَار. ـــــــــــــــــــــــــــــ وعمدته واعتمدته بمعنى واحد، ومعنى " سجرتها ": أحرقتها. قال مجاهد فى قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (¬1) معناه: الموقد. قال القاضى: بقى فى الحديث من الغريب والمعانى والفقه مما يحتاج إلى تفسيرها ما لم يذكره. قوله: " فجلا للمسلمين أمرهم ": أى كشفه، وبينه. وقوله: " ليتأهبوا أهبة غزوتهم " بضم الهمزة أى ما يحتاجون إليه ويستعدون كذلك. وقوله: " وأخبرهم بوجههم الذى يريد ": أى بمقصدهم، ورواه بعضهم. " بوجهتهم التى يريد " أى: بنحوهم ومقصدهم. وقوله: " تفارط الغزو " قيل معناه: تأخر وقته وفات من أراده. أصل الفرط السبق، كأنه سبق الغزاة فلم يلحقهم غيرهم ممن تأخر عنهم. وقوله: " طفقت أعد ": وقيل معناه: جعلت. وقيل: مثل: ما زلت، ولا يقال فيه: ما طفق، إنما يقال فى الإيجاب. ومعنى " يؤنبوننى ": أى يوبخوننى ويلوموننى. وقوله: " رأى رجلاً مبيضاً يزول به السراب ": أى يتحرك وينهض، ويروى: " يزول فى التراب "، وكل متحرك زائل والسراب: الذى يظهر فى الهواجر فى القفار كأنه ماء. وقوله: " كن أبا خيثمة " أى أنت، أو هو أبو خيثمة، قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} (¬2) أى أنتم [خير أمة] (¬3) قال ثعلب: العرب تقول: كن زيداً، أى أنت زيد، وأبو خيثمة هذا اسمه: عبد الله بن خيثمة. وقيل: مالك بن قيس، والأشبه عندى هنا أن [تكون] (¬4) " كن " بمعنى التحقيق والوجود، أى لتوجد تحقيقاً أبا خيثمة. وقوله: " حتى لمزه المنافقون ": أى عابوه ووقعوا فيه. قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} (¬5). قيل: هما بمعنى، وقيل: اللمز فى الوجه، والهمز فى الظهر. وقيل: كلاهما فى الظهر كالغيبة. وقيل: اللمز بغير التصريح والإشارة كالشفتين والرأس ونحوه. وقوله: " قد أظل قادماً " بظاء معجمة، أى أشرف ودنا وغشى. وأصله من الظل، ¬

_ (¬1) الطور: 6. (¬2) آل عمران: 110. (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬4) ساقطة من ح. (¬5) الهمزة: 1.

فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى فِى سُوقِ الْمَدِينَةِ، إِذَا نَبطِىٌّ مِنْ نَبَط أَهْلِ الشَّامِ - مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ - يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَىَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنه ألبسه ظله لدنوه منه. وقوله: " راح عنى الباطل ": أى ذهب [ذنوبه] (¬1). " فأجمعت صدقه " أى عزمت عليه، يقال: أجمع الرجل مكره وجمع عليه وعزم عليه بمعنى، قاله سيبويه. وقال أبو الهيثم: أجمع أمره: جعله جميعاً بعد أن كان متفرقاً. وقوله: " ولقد أوتيت جدلاً ". قيل: الجدل: مقابلة الحجة بالحجة. وقيل: جدل الفرد فى الخصام. وكانت العرب تتفاخر بذلك أنه من فصاحة اللسان وقوة العارضة، وحضور النفس، وحدة الذهن، قال الله تعالى فى قريش: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (¬2)، قال: {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} (¬3). وقوله: " ليوشكن الله أن يسخطك على " بكسر الشين، ولا يقال بفتحها. قال أبو على: هو كما قالوا حتى أن يفعل. وقال الخليل (¬4): معناه: أسرع. وقوله: " أرجو عقبى الله ": أى ثوابه. والعقبى: ما يكون بعد الشىء وعلى أثره، وما يكون كالعوض منه، ومنه العقاب على الذنب؛ لأنه بدل من فعله ومكافأة عليه. وقوله: " ونهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كلامنا أيها الثلاثة " بالرفع، وموضعه النصب على الاختصاص. قال سيبويه عن العرب: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، وهذا مثله. وقوله: " فأما صاحبى [فاستكانا " أى خضعا. وقوله: " وتسورت جدار حائط أبى] (¬5) قتادة ": فيه جواز مثل هذا والدخول بغير إذن على من يدل عليه، ويعرف أنه لا عورة له هناك. وقوله: " إنه سلم عليه فلم يرد عليه " بعموم نهى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كلامهم. وقوله: " أنشدك بالله " أى أسألك بالله، وأصله من رفع الصوت بذلك. وقول أبى قتادة: " والله ورسوله أعلم " لعله لم يقصد بذلك سماعه فيكون مكلماً له، وإنما قال ذلك لنفسه لما ناشده الله، وقد أمر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك بما أمر. قال ذلك أبو قتادة مظهراً [لما] (¬6) اعتقد لا لسمعه. ولو أن رجلاً حلف لا يكلم رجلاً فسأله عن شىء فقال له: الله أعلم يريد لسمعه ذلك لكان مكلماً له. ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) الزخرف: 58. (¬3) مريم: 97. (¬4) هو عباس بن محمد كاتب المتنتدر، كان كاتباً جليلاً وكان يطمع فى الوزارة، فلما تولى الوزارة على بن عيسى، اعتقل أبا الهيثم إلى حين وفاته، فأوصى أن يصلى عليه أبو عيسى البلخى، سنة اثنين وثلاثمائة 302 هـ. انظر النجوم الزاهرة 3/ 185، الأعلام 3/ 265. (¬5) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬6) ساقطة من ح.

حَتَّى جَاءَنِى فَدَفَعَ إِلَىَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنتُ كَاتِبًا، فَقَرأتُهُ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نَواسِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ - حِينَ قَرَأتهَا -: وَهَذِهِ أَيْضًا مِنَ الْبَلاءِ، فَتَيَامَمْتُ بِهَا التَّنُّوَرَ فَسَجَرْتُهَا بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ، وَاسْتَلبَثَ الْوَحْى، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأَتِينِى. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَك. قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعُل؟ قَالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا. فَلاَ تَقْرَبَنَّهَا. قَالَ فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَىَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لامْرأَتِى: الْحَقِى بِأَهْلِكِ فَكُونِى عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِىَ اللهُ فِى هَذَا الأَمرِ. قَالَ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الصلاة: " وأسارقه النظر ": دليل أنّ خفيف الالتفات والنظر فى الصلاة غير مفسد لها. وقوله: " فأقول: هل رد علىَّ السلام أم لا؟ " يحتمل لرده عليه سراً، وأن هذا [يخرجه] (¬1) من الحرج فى ترك رده، أو يكون ترك الرد على هؤلاء جملة خصوصاً. ونبط أهل الشام ونبيطها وأنباطها: نصاراها الذين عمروها. وقوله: " ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة " بكسر الضاد وسكونها أيضاً، أى حال إيضاع، أى حيث يضاع حقك ولا يهتبل بك. وقوله: " فتيممت بها التنور فسجرتها ": أى قصدته فاحرقتها. وأصله: تأممت، ومنه قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬2). وأنث الكتاب هنا على معنى الصحيفة. وفيه جواز حرق ما فيه اسم الله تعالى لعلة توجب ذلك. وقد أحرق عثمان والصحابة المصاحف بعد أن غسلوا منها ما قدروا عليه. وقوله: " واستلبث الوحى ": أى أبطأ، وبقى لم ينزل لكل المدة. وقوله: " وكنت أشد القوم وأجلدهم ": أى أصغرهم سناً وأقواهم. والجلد: القوة والشدة بالفتح، ورجل جلد - بالسكون - وجليد: بين الجلادة والجلد. وقوله: " الحقى بأهلك وكونى عندهم حتى يقضى الله فى هذا الأمر ": دليل على أنه ليس من ألفاظ الطلاق ولا كناياته الصريحة، وإنما هو من الكنايات التى لا يلزم بها الطلاق إلا مع نية، لا سيما مع بيان قوله: " حتى يقضى الله فى هذا الأمر " ومع قوله: ففلت: أطلقها؟ قال: " لا ". وفى قول امرأة هلال: " هل تكره أن أخدمه " دليل على الترغيب فى خدمة المرأة ¬

_ (¬1) فى ح: يخرج. (¬2) المائدة: 6.

هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَه أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: " لا، وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبَنَّكِ " فَقَالَتْ: إِنَّهُ، وَاللهِ، مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَىءٍ. وَوَاللهِ، مَا زَالَ يَبْكِى مُنْذُ كَانَ مِنّ أَمْرِهِ مَا كَانَ، إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ لِى بَعْضُ أَهْلِى: لَوِ اسْتَأذَنتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى امْرَأَتِكَ؟ فَقَدْ أَذِنَ لاِمْرأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ. قَالَ فَقُلْتُ: لاَ أَسْتأذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُدْرِينِى مَاذَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اسْتأذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌ. قَالَ: فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِىَ عَنْ كَلاَمِنَا. قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبيَنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِى ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَىَّ نَفْسِى وَضَاقَتْ عَلَى الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعتُ صَوْتَ صارخٍ أَوْفَى عَلَى سَلعٍ، يَقُولُ بِأعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِداً وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ. قَالَ: فآذَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسِ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَينَا، حِينَ صَلَّى صَلاةَ الْفَجرِ. فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَىَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَىَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِى، وَأَوْفَى الْجَبَل، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ. فَلَمَا جَاءَنِى الَّذى سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِى، فَنَزَعْتُ لهُ ثَوْبَىَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ. وَاللهِ، مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لزوجها، وأنه من حسن عشرتها [له] (¬1) وحقه عليها، وإن لم يقض به. وقوله: " قد ضاقت [علىّ الأرض بما رحمت " أى بما اتسعت، أى على سعتها والرحب] (¬2): السعة، ومنزل رحب ورحيب ورحاب. وقوله: " سمعت صارخاً أوفى على سلع ": أى أشرف وعلا عليه. و " سلع " جبل بالمدينة معروف، بفتح السين وسكون اللام. وقوله: " أبشر يا كعب. وذهب الناس يبشروننا "، وكسوته ثوبيه للبشير: دليل على جواز البشارة والتهنئة بين الناس فيما يسر من أمر الدنيا والآخرة، وجواز إعطاء البشير جعلاً على بشارته ومكافأته. وقوله: " واستعرت ثوبين فلبستهما ": فيه جواز عارية الثياب عند الضرورة وقد كره ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) سقط من ز، والمثبت من ح.

وَاسْتعرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، فَانْطَلَقتُ أَتَامَّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَتَلَقَّانِى النَّاسُ فَوْجًا فَوجًا، يُهَنِّئُونِى بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ. حَتَّى دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِى المَسْجِدَ، وَحَوْلَهُ النَّاسُ. فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِى وَهَنَّأَنِى. وَاللهِ، مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ. قَالَ: فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبُ: فَلَمْا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَهُوَ يَبْرقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ -: " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ". قَالَ: فَقُلْتُ: أَمِنْ عِندِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: " لاَ، بَلِ مِنْ عِندِ اللهِ ". وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتنَارَ وَجْهُهُ، كَأَنَّ وَجَههُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِى صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنِّىَ أُمْسِكُ سَهْمِىَ الِّذى بِخَيْبَرَ. قَالَ: وَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَنْجَانِى بِالصِّدْق، وَإنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَلاَّ أُحَدَّثَ إِلاَّصِدْقًا مَا بَقِيتُ. قَالَ: فَوَ اللهِ، مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلاهُ اللهُ فِى صِدْقِ الحَدِيثِ، مُنْذَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِى هَذَا، أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِى اللهُ بِهِ. وَاللهِ، مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً مُنْذُ قُلتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى يَوْمِى هَذَا، وَإنِّى لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِى اللهُ فِيمَا بَقِىَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك مالك فى العتبية، يريد: لأنه ليس من مكارم الأخلاق، لا من المعير ولا من المستعير. وأما عند الضرورة فحال آخر منهما. وقوله: " فانطلقت أتأمم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": أى أقصده " وتلقانى الناس فوجاً فوجاً " أى جماعة جماعة، يهنئونه بالتوبة. وقيام طلحة له حتى صافحه دليل على جواز التهنئة والقيام والتلقى للقادم من سفر ولمن عزاه أمر عظيم، مثل هذا، وجواز المصافحة. وقوله: " إن من توبتى أن أنخلع من مالى ": فيه شكر نعم الله تعالى بالعمل الصالح والصدقة، قال الله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (¬1). ¬

_ (¬1) إبراهيم: 7.

قَالَ: فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ علَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} حَتَّى بَلَغَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين} (¬1). قَالَ كَعْبُ: وَاللهِ، مَا أَنْعَمِ اللهُ عَلَىَّ مِنْ نعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ إِذْ هَدَانِى اللهُ للإِسْلاَمِ، أَعْظَمَ فِى نَفْسِى، مِنْ صِدْقِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَلاَّ أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا. إِنَّ اللهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا - حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْىَ - شَرَّ مَا قَالَ لأحَدٍ. وَقَالَ الله: {سَيَحْلِفونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأَوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬2) قَالَ كعْبُ: كُنَّا خُلِّفْنَا - أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ - عَنْ أَمْرَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفَوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمرنَا حَتَّى قَضَى اللهُ فِيهِ. فَبِذَلِكَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وَلَيْسَ الَّذِى ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفنَاَ تَخَلُّفَنَا عَنِ الْغَزْوِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا، عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِليه فَقَبِلَ مِنهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أمسك بعض مالك فهو خير لك ": دليل على كراهة صدقة الرجل جميع ماله ويبقى عالة. وقوله: " فوالله ما علمت أحداً أبلاه الله فى صدق الحديث أحسن مما أبلانى الله به ": أى أنعم الله عليه، ومنه قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} (¬3) أى نعمة. والابتلاء ينطلق على الخير والشر. وأصله: الاختبار، وأكثر ما يأتى مطلقاً فى الشر، فإذا جاء فى الخير جاء مقيداً، كما قال تعالى: {بَلاءً حَسَنًا} (¬4)، وكما قال هنا: أحسن مما أبلانى. قال ابن قتيبة: يقال: أبلاه الله يبليه إبلاء حسنًا، وبلاه الله يبلوه فى السوء. وقال صاحب الأفعال: بلاه الله بالخير والشر بلاء: اختبره به، وصنعه له، وابتلاه (¬5) بلاء حسنًا: فعله به. وقوله: " وأرجى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا ": أى أخره، قال الله تعالى: {تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (¬6) قرئ بالهمز والتسهيل. ¬

_ (¬1) التوبة: 117 - 119. (¬2) التوبة: 95، 96. (¬3) البقرة: 49. (¬4) الأنفال: 17. (¬5) فى ح: وأبلاه. (¬6) الأحزاب: 51.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حجَيْنُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب بإِسْنَادِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ. سَوَاءً. 54 - (...) وحدّثنى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، ابْنُ أخِى الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَمِّهِ، مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الَرَّحْمَن بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِى - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ، حِينَ تَخَلَّف عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَزَادَ فِيهِ، عَلَى يُونُسَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُريدُ غُزْوَةً إلا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلكَ الْغَزْوَةُ. وَلَمْ يَذْكُرْ، فِى حَدِيثِ ابْنِ أَخِى الزُّهْرِىِّ أَبَا خَيْثَمَةَ وَلُحُوقَةُ بِالنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يريد غزوة إلا ورى بغيرها ": أى ستر وراء ظهره. قالوا: وأصله من وراء، كأنه جعل البيان وراء ظهره. وقوله: " وكان أوعاهم لأحاديث أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": أى أحفظهم. وقوله فى حديث مسلمة بن شبيب: " لم يتخلف فى غزوة غزاها قط غير غزوتين " وذكر الحديث، وفى رواية العذرى: " غير غزوة تبوك " [هذا لأنه أحال على الحديث المقدم. قال فيه: " غير غزوة تبوك] (¬1)، غير أنى تخلفت فى غزوة بدر، ولم يعاقب الله أحداً تخلف عنها؛ لأنه خرج يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ". وقد يحتمل صحة الرواية الأخرى لأنهما غزوتان كما تراه. وقوله فى أول الحديث: " فقلّ رجل يريد أن يتغيب، يظن أن ذلك سيخفى له " كذا فى جميع نسخ مسلم، وصوابه: " ألا يظن أن ذلك سيخفى له " وكذا فى البخارى (¬2). وقوله: " ما أنعم الله على من نعمة قط غير أن هدانى للإسلام أعظم فى نفسى من صدقى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا أكون كذبته " بفتح الهمزة وتشديد اللام " فأهلك كما أهلك الذين كانوا " كذا فى نسخ مسلم وكثير من روايات البخارى، ومعناه: أن أكون كذبته فأهلك، كما قال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُك} (¬3) [أى] (¬4) أن تسجد، و" لا " ¬

_ (¬1) سقط من ح، والمثبت من ز. (¬2) ك المغازى، ب حديث كعب بن مالك 6/ 3. (¬3) الأعراف: 12. (¬4) فى هامش ح.

55 - (...) وحدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ الله - عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحَمنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بنِ مَالكِ، عَنْ عَمِّه عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ أُصِيبَ بَصَرُهُ، وَكَانَ أَعلَمَ قَوْمِهِ وَأَوْعَاهُمْ لأَحَاَدِيثِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى - كَعْبَ بْنَ مَالِكِ - وَهُو أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيب عَلَيْهِمْ، يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ، غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنَاسٍ كَثِيرٍ يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةِ آلاَفٍ، وَلاَ يَجْمَعهُم دِيوَانُ حَافِظٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة. وفى رواية الأصيلى عن البخارى: " إلا أن أكون كذبته " والأول الصواب وذكر مسلم فى سند الحديث من رواية يونس عن الزهرى، وفيه: أنّ عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بيته حين عمى، قال: سمعت كعب بن مالك، ثم ذكر مثله من رواية عقيل عن الزهرى، وذكر الحديث من رواية ابن أخى الزهرى، وقال فيه: أنّ عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بيته وكذلك ذكره من رواية معقل بن عبيد الله، قال أبو الحسن الدارقطنى (¬1): وتابع معقلاً على قوله هذا صالح بن أبى الأخضر، وكلاهما لم يحفظا، والأول الصواب، يريد قول من قال: عبد الله غير مصغر، ولم يذكر البخارى فى التاريخ عبد الله بن كعب بن مالك، وإنما ذكر عبيد الله فقط، ولم يذكر فى الصحيح رواية مَنْ روى عبيد الله. ¬

_ (¬1) الإلزمات والتتبع ص 243. ولفظه: وتابع معقلاً صالح بن أبى الأخضر على " عبيد الله " وكلاهما لم يحفظ، والأول الصواب، وقال بعد ذلك مباشرة وبدون فصل: وأخرجا جميعاً، حديث ابن جريج عن الزهرى عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه، وعمه عبيد الله عن كعب، أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قدم من سفر ضحى بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين. من رواية أبى عاصم وعبد الرزاق، وقد خالفهما أبو أسامة، رواه عن ابن جريج عن الزهرى عن عبد الرحمن عن أبيه. وكذلك قال عبد الرزاق عن معمر وقال حجاج عن الليث عن عقيل عن الزهرى عن ابن كعب عن كعب، وحديث ابن جريج الأول عندى أصحهما ولا يضره من خالفه. ص 244، 245.

(10) باب فى حديث الإفك، وقبول توبة القاذف

(10) باب فى حديث الإفك، وقبول توبة القاذف 56 - (2770) حدّثنا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَاركِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ ابْنُ يَزِيدَ الأَيْلىُّ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا معْمَرٌ والسِّيَاقُ حَديِثِ معمرٍ مِنْ رِوايَةِ عِبدٍ وابنِ رافعٍ، قَالَ يُونُسَ ومَعْمَر جَمِيعًا عَنْ الزُّهَريِّ: أخْبَرَنى سَعِيدُ بْنُ المُسَيّبِ وَعُرْوَةٍ بْنُ الزُّبيْر وَعَلْقَمَةُ بْن وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - زَوْجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا. وَكُلُّهُمْ حَدَّبْنِى طَائِفَة مِنْ حَدِيثِها، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأثْبَتَ اقْتِصاصًا، وَقَدْ وَعيتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الحَدِيثَ الَّذِى حَدَّبْنِى. وَبَعْضُ حَدِيثِهمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا. ذَكَرُوا: أنَّ عَائِشَةَ، زَوْجُ النَّبَىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَه. ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث الإفك والإفك: الكذب، وكذلك الإفك مثل النجس والنجس. وقول ابن شهاب فيه حدثنى: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة - إلى قوله - وكلهم حدثنى طائفة من الحديث، وبعضهم أوعى لحديثها من بعض - إلى قوله - وبعض حديثهم ليصدق بعضها، هو مما قد انتقد قديماً على الزهرى لجمعه الحديث عنهم، وإنما عند كل واحد منهم [بعضه، وقيل: كان الأولى أن يذكر حديث كل واحد منهم] (¬1) بجهته، ولأدرك على الزهرى فى شىء منه؛ لأنه قد بين ذلك فى حديثه، والكل ثقات أئمة لا مطعن فيهم، فقد علم صحة الحديث، ووثق كل لفظة منه، إذ هى عن أحدها ولا الأربعة الأقطاب عن عائشة. وقوله: " وبعضهم أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصاً " أى أحفظ وأحسن إيراداً وسرداً وقصصاً لحديثها. وقوله: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه "، وذكر أنه أقرع بينهن فى غزوة، فخرج سهمها فخرجت معه: فيه أولاً جواز القرعة فى القسمة بين الشركاء وما يجرى مجراها من العتق فى الوصايا عند ضيق الثلث، وهى سنة بحالها ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

قَالتْ عَائِشَةُ: فَأقْرَعَ بَيْنَنَا فِى غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِى، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خارجة عن القياس. قال أبو عبيد (¬1): وقد عمل بها ثلاثة من الأنبياء: يونس وزكريا ومحمد - عليهم السلام. قال ابن المنذر: واستعمالها كالإجماع بين أهل العلم فيما يقسم بين الشركاء، ولا معنى لقول من ردها. وحكى عن أبى حنيفة إجازتها، قال: ولا يستقيم فى القياس لكنا تركنا القياس للآثار، وحكى غيره عنه ترك القول بها. وقد اختلف العلماء فى جوازها فى المشكلات جملة لا جاء من السنة فيها، وهو مذهب الشافعى وغيره، ومشهور مذهب مالك وأصحابه منعها جملة، لأنها من باب الخطر والقمار، وهو قول بعض [أهل الكوفة] (¬2)، وقالوا: وهى كالأزلام، وحكى عن أبى حنيفة (¬3) جوازها فى هذه الوجوه المذكورة، التى وردت فيها السنة، وقصرها عليها دون تعديتها، وهو قول مالك والمغيرة وبعض أصحابنا على اختلاف بينهم فيما ثبت فيه السنة من ذلك، والتفريق بين الوصية وعتق البتل (¬4) وتسويتهما فيهما. واختلف فى هذا قول مالك وقد تقدم فى الوصايا (¬5) منه. وفيه القرعة بين النساء فى السفر، وقد اختلف العلماء فى ذلك، فذهب مالك فى أحد قوليه وقاله الشافعى وأبو حنيفة: أنه لا يخرج منهن إلا من خرجت عليها القرعة، وأنه من العدل فى [القسمة] (¬6) بينهن. وقال مالك أيضاً: له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة، وأن القسمة هنا سقطت بحكم الضرورة؛ إذ قد تكون إحداهن أخف محملاً وأقل مؤنة للسفر؛ لخفة جسمها، وانفرادها عن ولدها، ونشاطها وتكون أخرى خلاف ذلك، أو يكون إحداهما أولى بالترك بالقيام على ماله وحشمه والنظر فى ذلك؛ لعقلها وحسن نظرها وغيرها بخلاف ذلك. ولم يختلفوا أنها كيف كان الأمر فيها لا تحاسب بمدة السفر، بل يستأنف القسمة ليلة قدومه بين جميعهن. وقد مر بنا هذا فى النكاح كفاية. وفى حديث عائشة هذا فقه كثير وغريب تفسير، فمن فقهه سوى ما تقدم: جواز ركوب النساء فى الهوادج، وجواز [حرمة] (¬7) الرجل لهن فى ذلك وفى الأسفار، وخروجهن لضروراتهن من حاجة الإنسان بغير إذن أزواجهن، إذ لو استأذنت ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 2/ 234. (¬2) فى ح: الكوفيين، وانظر لهذه الأقوال: المبسوط للسرخسى 15/ 7، 8. (¬3) انظر: المرجع السابق، وبدائع الصنائع 3/ 233. (¬4) البتل: القطع: لغة، ولعل المراد بمعنى المبتول: أى العتق المبتول لكونه ضاراً بالورثة وأصحاب الديون. (¬5) سبق فى الوصايا حديث رقم (56). (¬6) فى ح: القسم. (¬7) فى ح: خدمة.

اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُنزِلَ الحِجَابُ، فَأنَا أُحْمَلُ فِى هَوْدَجِى، وأنْزَلُ فِيهِ، مَسِيرنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك لعلم مغيبها، ومنع خروجهن إلى بيوت آبائهن وقرابتهن إلا بإذن؛ لاستئذان عائشة فى ذلك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفيه حسن الأدب والمعاملة والعشرة مع النساء الأجانب، لا سيما فى الخلوة بهن عند الضرورة، كما فعل صفوان من تركه مكالمة عائشة وسؤالها، وأنه لم يزد على الاسترجاع وتقديم مركبها وإعراضه بعد ذلك حتى ركب، ثم [تقدمه] (¬1) يقود بها. وفيه إغاثة الملهوف، [وعون] (¬2) الضعيف، وإكرام من له قدر، كما فعل صفوان فى ذلك كله. وفيه ستر ما يقال فى المرء عنه إذا لم يكن لذكره فائدة، كما عامل الجميع به عائشة حتى أعلمته بها أم مسطح. وفيه تشكى السلطان وغيره للناس لمن يؤذيه فى نفسه وأهله والاستعذار منه. وقوله: " استعذر "، " ومن يعذرنى "، " فأنا أعذرك منه ": قيل: مَنْ يعذرنى إن كأفاته على ما فعل ولا يلومنى، وقيل: معناه: من [يقصدنى] (¬3)، وهو أليق بهذا المكان، قاله أبو على فى البارع، قال: والعذير الناصر. وقال الداودى: قوله: " أنا أعذرك منه ": أى أنتصف لك وأقوم بما يجب لك. وفيه مشاورة الرجل بطانته فيما فيه مصلحته من فراق أهله أو غير ذلك، كما فعل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع على وأسامة. وفيه الكشف عن الأمور المسموعة والبحث عنها لمن يهمه ذلك ويعنيه. وأمَّا مِنْ غَيره فتحسس وفضول ممنوع، كما سأل - عليه السلام - زينب وبريرة. قالوا: وفيه جواز تعديل النساء والشهود، وتعديل بعضهم بعضاً. وقد ترجم البخارى (¬4) على هذا، وهذا ليس بيّن؛ إذ لم يكن شهادة. والمسألة التى اختلف فيها العلماء إنما هى فى تعديلهن للشهادة، فمنع من ذلك مالك (¬5) والشافعى ومحمد بن الحسن، وأجازه أبو حنيفة فى المرأتين والرجل، كشهادتهما فى المال. واحتج الطحاوى (¬6) ¬

_ (¬1) فى ح: تقدم. (¬2) فى ح: غوث. (¬3) فى ح: ينصرنى. (¬4) انظر: ك الشهادات، ب تعديل النساء بعضهن بعضاً 3/ 227. (¬5) انظر: المدونة الكبرى 5/ 161. (¬6) هو الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الأزدى، ولد سنة 239 هـ، وتلقى العلم على خاله إسماعيل بن يحيى المزنى الشافعى، فانتقل من مذهبه إلى ترجيح مذهب الإمام أبى حنيفة رحمهما الله، إلا أنه لم يكن مقلداً بل كان فقيهاً ثقةً ثبتاً، فألف " العقيدة الطحاوية " و " كتاب شرح مشكل الآثار " وغيرهما، وتوفى 321 هـ، انظر: الأنساب 4/ 53، وفيات الأعيان 1/ 71، 72، تذكرة الحفاظ 3/ 808 - 811، البداية والنهاية 11/ 174.

حَتَّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ، وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلةً بِالرَّحِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لذلك بقول زينب فى عائشة، وقول عائشة فى زينب: " يعصمها الله بالورع ". قال ومن كانت بهذه الصفة جازت شهادتها. وهذا ركيك من الكلام جداً، ولأنه وإمامه أبا حنيفة لا يجيزون شهادة النساء إلا فى مواضع مخصوصة، فكيف يطلقون جواز تزكيتهن، وفى هذا من التناقض ما فيه. وفيه فضلية من شهد بدراً، دانكار ذمهم والدعاء عليهم، وكذلك يجب فى جميع المسلمين لإنكار عائشة ذلك على أم مسطح. وفيه معاداة الولى وليه فى الله، كما فعلت أم مسطح من دعائهن [بها] (¬1) على ابنها، وحلف أبى بكر ألا ينفق عليه. وفيه الحكم بالظاهر، وحسن الظن بالمسلمين، لا سيما بأهل الفضل، وأنه لا يلتفت إلى افتراء مفتر عليهن، كما اعتقده جمهور المسلمين فى شأن عائشة. وفيه تنزيه منصب النبوة عن مثل هذا فى عياله وحريمه، وقد قال ابن عباس: ما زنت امرأة نبى قط. وفيه تقرير من رفع إليه أمر وتوفيقه على ما يقال فيه، وأمره بالتوبة إن كان فعله. وفيه إقامة الحدود على القاذفين. قيل: وفيه ترك ذلك فى جهة من له منعة ويخشى من إقامته عليه تفريق كلمة وظهور فتنة، كما لم يحد عبد الله بن أبى، وهو كان رأس أصحاب الإفك ومتولى كبره. وعندى أنه ترك حد ابن أبى لغير هذا؛ لأنه لم يأت فى الحديث أنه [ممن] (¬2) افترى، إنما ذكر [أنه] (¬3) كان يستوشيه ويتحدث عنده به ويجمعه. وقد قيل فى الذى تولى كبره: إنه غيره ممن حدّ. والحد إنما يجب على من تكلم به. واستعذار النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه لجمعه عنده وإشادته بحضرته وبحثه عنه، كما قال فى البخارى (¬4) أخبرت أنه كان يشاع عنده فيقره (¬5) ويسمعه ويتحدث به عنده ويستوشيه، ومثل هذا لا يلزمه حد عند الجميع حتى يقذف بنفسه. وفيه غضب المسلمين لعرض نبيهم وسلطانهم وحرمته، كما قال فى ذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حضير. وفيه أن من آذى النبى - عليه السلام - فى نفسه أو ذويه كافر يجب قتله؛ لقول سعد وأسيد: قتلناه، فلم ينكر ذلك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو كان باطلاً لم يقر عليه ولأنكره. وقال قوم: إن من سب أزواج النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتل لهذه الحجة وليس ببين، إنما ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) و (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬4) لم نعثر عليها فى البخارى، ووجدناها فى جامع البيان للطبرى 18/ 89. (¬5) فى ح: فيقرره.

فَقُمْتُ حِينَ آذنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ مِنْ شَأنِى أقْبَلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يستوجب قتله لأذى النبى - عليه السلام - فى حياته وتأذيه بقوله، ولم يكن بعد نزول القرآن فيكون مكذباً له، فأما اليوم فمن قال ذلك فى عائشة قتل لتكذيبه القرآن وكفره بذلك، وأما غيرها من أزواجه فالمشهور أنه يحد لما فيه من ذلك حد، ويعاقب لغيره. وحكى ابن شعبان (¬1) قولاً آخر: أنه يقتل على كل [حال] (¬2) وكان هذا التفات إلى أذى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك حياً أو ميتاً - والله أعلم. وفيه أن التعصب فى الباطل يقدح فى العدالة، ويخرج عن اسم الصلاح؛ لقول عائشة: فاجتهلته الحمية وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً. والصلاح: القيام بحقوق الله تعالى وما يلزم من حقوق عباده، وتجنب مخالفته. وفيه جواز سب المتعصب فى الباطل والعاصى، والمتكلم بمنكر القول، والإغلاظ فى سبه يشبه صفته، فإن لم يكن فيه حقيقة كقول أسيد: كذبت، إنك منافقٌ تجادل عن المنافقين، وحاش لسعد من صفة النفاق، لكن لما كان منه من ظاهر التعصب لابن أبى المنافق استحق التعرض له والسب والتأديب كمثل هذا القول الغليظ. وقال الداودى: إنما أنكر سعد بن عبادة من قول سعد بن معاذ بحكمه فى قومه بحكم أنفة العرب، وما كان قديماً بين الحيين من الأنصار، لا أنه رضى فعل ابن أبى. وقوله: " كذبت، لعمر الله، لا تقتله ": أى لا يجعل النبى حكمه إليك، قال الإمام: قول أسيد لسعد: يا منافق، قد تقدم الكلام على أمثال هذا اللفظ الذى يقع بين الصحابة، وأنه يجب أن يحمل على ما يليق بهم، والأشبه أن أسيداً إنما وقع ذلك منه على جهة الغيظ والحنق، وبالغ فى زجر سعد، ولم يرد النفاق الذى هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر. ولعله أراد أن سعداً كان يظهر [إليه] (¬3) وإلى الأوس من المودة ما يقتضى عنده ألا يقول فيهم ما قال، فاستلوح من هذا الكلام أن باطنه فيهم خلاف ما ظهر إليه. والنفاق فى اللغة يطلق على إظهار ما يبطن خلافه ديناً كان أو غيره، ولعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجل هذا لم ينكر عليه أنه كان يسمع قوله هذا. قال القاضى: وفيه حمد عاقبة الصبر، وفيه شكر الله على إحسانه بالعمل الصالح، كما رد أبو بكر النفقة لمسطح. ولقوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (¬4). ¬

_ (¬1) لعله أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان، نسبة لجده؛ لأن ابن فرحون ذكر له كتاباً مشهوراً فى الفقه " كتاب الزاهى الشعبانى " كان فقيه المالكية فى وقته وأحفظهم لمذهب مالك مع التفنن فى سائر العلوم من الخبر والتاريخ والأدب وكان واسع الرواية، شيخ الفتوى حافظ البلد - مصر - وألف أيضاً كتاباً فى أحكام القرآن، وكتاب " مختصر ما ليس فى المختصر "، وتوفى سنة 335. انظر: الديباج المذهب 2/ 194. (¬2) و (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬4) النور: 22.

إلى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِى فَإذَا عِقْدِى مِنْ جَزعِ ظَفَار قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالتَمَسْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه جواز النزوع بالقرآن والاحتجاج به فى النوازل، والتأسى بالأنبياء والصالحين لقول عائشة: " ما أجد لى ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (¬1) ". وفيه جواز التسبيح عند استعظام الأمر والتعجب، كما قالت عائشة: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا. وقالت بريرة مثله، وصفوان مثله، وقد قال الله تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوه} إلى قوله: {سُبْحَانَكَ} (¬2). وفيه جواز الحلف بقوله: " لعمر الله " وقول ذلك، ومعناه: بقاء الله والعُمَر والعَمْر واحد، فإذا استعمل فى القسم فالفتح لا غير، ورفعت الراء على الابتداء المحذوف، أى لعمرك ما أقسم. وقال الأزهرى: كأنهم أظهروا يميناً ثانية، أى وعمرك، فلعمرك عظيم. واختلف هل هى يمين أم لا؟ [وهل يجوز الحلف بها؟ فكره مالك (¬3) مرة الحلف بها وشك: هل هى يمين أم لا] (¬4) وعلى أصله [وأصل] (¬5) الكافة فى الحلف بالصفات أنها يمين، وعلى أصل الشافعى فى الصفات إذا لم ينو بها يميناً لم يلزم (¬6). وفيه من الغريب مما فسره فى المعلم. قال الإمام: قولها: " من جزع ظفار "، قال ابن السكيت: الجزع، بفتح الجيم وإسكان الزاى: الخرز اليمانى. وظفار بفتح الظاء وكسر الراء: قرية باليمن (¬7). وقول عائشة: " لم يهَبَّلْن ": أى لم يكثر شحومهن ولا لحومهن. وقوله: " العلقة من الطعام ": أى الشىء القليل منه، ومثله البلغة. وقولها: " نزلوا موغرين ": أى وقت الوغرة، هو شدة الحر. قولها: " فتأتى الداجن ": يقال لكل ما ألف الثبوت من الطير والشاه وغيرها: دواجن، وقد دجن فى بيته: إذا لزمه، وكلب داجن: ألف البيت. والمداجنة حُسْن المخالطة. قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يعذرنى من رجل ": أى من يقوم بعذرى، [أى] (¬8) كافأته على ¬

_ (¬1) يوسف 18. (¬2) النور: 16. (¬3) انظر: المدونة الكبرى 2/ 103. (¬4) فى هامش ح. (¬5) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬6) ذكر ذلك المزنى عنه فى المختصر " مختصر الأيمان والنذور " ص 29. (¬7) قال الياقوت: مدينة على ساحل بحر الهند، قرب صنعاء، بينها وبين مرباط خمسة فراسخ، وهى التى ينسب إليها الجزع الظفارى، وقيل هى صنعاء نفسها، ولعل هذا كان قديماً، أما اليوم فكما ذكر معجم البلدان 4/ 60، باب الظاء والفاء. (¬8) فى ح: إن.

عِقْدِى فَحَبَسَنِى ابْتِغَاؤُهُ، وَأقْبَلَ الرَّهْط الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِى فَحَمَلُوا هَوْدَجِى، فَرَحَلُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سوء صنيعه فلا يلمنى. وقولها: " يستوشينى ": [أى يستخرجه بالبحث والمسألة كما يستوشى] (¬1) الرجل جرى الفرس، وهو ضربه جنبيه بعقبيه وتحريكه ليجرى، يقال: أوشى فرسه واستوشاه بمعنى واحد. قولها: " من البرحاء " تعنى الشدة. قال [ابن ولاد] (¬2): البرحاء بضم الباء وهو ممدود: من التبريح، وهو بلوغ الجهد من الإنسان. قوله: " أبنوا أهلى ": أى اتهموها. قاله أبو العباس. وقول أم مسطح: " تعس مسطح ": قال أبو الهيثم: معناه: انكب وعثر. قال القاضى: ضبطنا هذا الحرف هنا " يهبلن ولم يغشهن اللحم " بضم الياء وفتح الهاء وتشديد الياء على ما لم يسم فاعله من رواية العذرى [وضبطناه من طريق الطبرى " يهبلن " بفتح الياء والباء وسكون الهاء] (¬3)، وضبطناه فى غير مسلم بضم الياء وفتحها وهو بعيد لأن ماضيه هُبل بالضم. وفى بعض الروايات عن ابن الحذاء: " يهبلهن ولم يمسهن اللحم ". ورواه البخارى " يثقلن " (¬4) وهو بمعنى ما تقدم، أى لم يثقلن باللحم، وهو بمعنى يغشهن أيضاً، أى يلزمهن ويحمل بهن. وكذلك " أبنوا أهلى " ضبطناه هنا بالتحقيق، وقد ضبطه الأصيلى فى البخارى بالتشديد، وأنكره بعضهم، وصححه ثابت (¬5) وغيره، فبالتخفيف ما تقدم: اتهموها، وذكروها بالسوء. وبالتشديد قال ثابت: التأبين: ذكر الشىء وتتبعه، وأنشد (¬6): فرفع أصحابى المطى وأبنو هنيدة ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) هو أبو العباس أحمد بن أبى العباس محمد بن الوليد بن ولاد التميمى النحوى المصرى، أصله من البصرة. قال الزبيدى: كان بصيراً بالنحو أستاذاً، وكان شيخه الزجاج يفضله على أبى جعفر النحاس، صنف المقصور والممدود، مات سنة 332 هـ. انظر: إنباه الرواة 1/ 99. (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬4) فى الأصل: يثقلن، والمثبت فى صحيح البخارى " يثقلهن "، ك التفسير، سورة النور. ب {لولا إذ سمعتموه ...} 6/ 128. (¬5) أبو القاسم العلامة الحافظ ثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن مطرف السرقسطى، سمع محمد بن وضاح ومحمد بن سلام الخشنى، وبمكة من محمد بن على الجوهرى، وبمصر النسائى وأحمد بن عمرو البزار. قال ابن الفرضى: كان ثابت عالماً بصيراً بالحديث والنحو واللغة والغريب والشعر، أكمل كتاب الدلائل فى شرح ما أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث. وتوفى رحمه الله بسرقسطة عن نجو 95 عاماً سنة 313 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 869. (¬6) حكى ابن منظور عن ابن سيده أن قائله: الراعى النميرى، وتمام البيت: فاشتاق العيون اللوامح استشهارا =

عَلَى بَعِيرىَ الَّذِى كُنْتُ أرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنِّى فِيهِ. قَالَتْ: وَكَانَتِ النِّسَاء إذْ ذَاكَ خِفَافًا، لَمْ يُهَبَّلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إنَّما يَأكُلنَ العُلقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ ثِقَلَ الهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِى بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِى الَّذِى كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أنَّ الَقَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن السّكيت: جدوا بها وذكروها. وقولها: " معرسين فى نحر الظهيرة " وعرس من وراء الجيش، التعرس النزول، ونحر الظهرية: أول القائلة، وأصل التعريس [النزول آخر الليل عند الخليل وغيره؛ وقال أبو زيد] (¬1): أى وقت كان. وقد ذكر مسلم اختلاف الرواة [عن] (¬2) " موغرين " بالغين المعجمة والراء، وفسرها فى الأم عبد الرازق نحو ما تقدم. قال: الوغرة: شدة الحر فى الهاجرة. وذكر - أيضاً - مسلم فيه " موعرين " بالعين المهملة، والراوى فى حديث يعقوب وإبراهيم بن سعد، كذا روايتنا فيه وفى بعض النسخ بالعين والراء المهملتين، وقال أبو مروان بن سراج (¬3): لا وجه له هنا. قال القاضى: وكذلك بالراء والوجه ما تقدم. وتفسير قولها: " [العلقة من الطعام " بأنه القليل منه، وأصله من الأكل والعلوقة والعلوق: الأكل والرعى] (¬4). وقولها: " فحبسنى ابتغاؤه ": أى طلبه، يعنى عقدها. وتيممت منزلى: قصدته. ¬

_ = على قول شمر: التأبين: الثناء على الرجل فى الموت والحياة، قال ابن سيده: وقد جاء مدحاً للحى، وهو قول الراعى: فذكر البيت قال: مدحها - هنيده - فاشتاقوا أن ينظروا إليها فأسرعوا السير إليها شوقاً منهم أن ينظروا منها. انظر: لسان العرب 13/ 4 مادة " أبن ". واسم الراعى الشاعر: حصين بن معاوية من بنى نمير ولقب بالراعى؛ لأنه كان يكثر وصف راعى الإبل فى شعره. قاله ابن قتيبة فى الشعر والشعراء وقال ابن حزم فى نسب بنى نمير: ومنهم الراعى الشاعر واسمه عبيد بن حصين بن جندل. جمهرة النسب ص 279. (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) فى ح: فى. (¬3) هو عبد الملك بن سراج بن عبد الله الحافظ، إمام الأندلس فى وقته، سمع من أبيه والصفاقسى وغيرهما، وحدث عنه الجيانى والصدفى والقاضى أبو عبد الله ابن الحاج وغيرهم، وكانت الرحلة إليه من جميع جهات الأندلس وغيرها توفى سنة 489. انظر الديباج المذهب 2/ 17، شجرة النور 1/ 122 الصلة لابن بشكوال 1/ 346، بغية الملتمس ص 367، 368. (¬4) سقط من ح، والمثبت من ز.

سَيَفْقِدُونِى فَيَرْجِعُونَ إلىَّ، فَبَيْنَا أنَا جَالِسَةٌ فِى مَنْزِلِى غَلَبَتْنِى عَيْنِى فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ ابْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِىُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِىُّ، قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاء الجَيْشِ فَدَّلَجَ، فَأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِى، فَرَأى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائمٍ، فَأتَانِى فَعَرفَنى حِينَ رَآنِى، وَقَدْ كَانَ يَرَانِى قَبْلَ أنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ عَلَىَّ، فَاسْتَيْقَظتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِى، فَخَمَّرْتُ وَجْهِى بِجِلْبَابِى. وَوَاللهِ، مَا يُكَلِّمُنِى كَلِمَةً وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْر اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِى الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ، بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِى نَحرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِى شَأنِى، وَكَانَ الَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْن سَلُولَ. فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ، حِينَ قَدِمْنَا المَدِينَةَ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِى قَوْلِ أهلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأدلج ": أى مشى بليل، يقال منه: أدلج وادَّلج. وقيل: لا يشدد إلا فى سير آخر الليل، وقد تقدم مستوفى الكلام فيه. وقوله: " فاستمر الجيش ": أى ذهب، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} (¬1) أى ذاهب وهو استفعل من مر. وقوله: " فرأى سواد إنسان ": أى شخصه، وكل شخص سواد. وقولها: " فاستيقظت باسترجاعه ": أى بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا من صفوان لمعنيين: أحدهما: أنها مصيبة يجب الاسترجاع فيها؛ لنسيان امرأة عورة، وبقائها منفردة فى قفر وليل مظلم. والثانى: ليقيمها استرجاعه من نومها إذ صان حرمة النبى عن أن يناديها ويكلمها، وقد كان كما قالت: نزل الحجاب كما فعل عمر بتكبيره لينتبه النبى - عليه السلام - ولم يناده إكباراً له، وحرجاً من عموم النهى عن ذلك؛ ولأنه - عليه السلام - كان يوحى إليه فى نومه. وقولها: " وظننت أن القوم سيفقدوننى فيرجعون إلى " الظن هنا بمعنى العلم، قال الله تعالى: {أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ} (¬2). وقوله: " فخمرت وجهى بجلبابى " أى سترته والجلباب كالمقنعة، تغطى به المرأة رأسها يكون أعرض من الخمار، قاله النضر وقال غيره: هو ثوب واسع دون الرداء، تغطى به المرأة ظهرها وصدرها وقال ابن الأعرابى: هو الإزار، وقيل: الخمار. وقيل: هو كالملاة والملحفة وبعض هذا قريب من بعض. وقولها: " والناس يفيضون فى حديث أهل الإفك " أى يأخذون فيه. ¬

_ (¬1) القمر: 2. (¬2) المطففين: 4.

الإفْكِ، وَلا أشْعُرُ بِشَىْء مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يُريبُنِى فِى وَجَعِى أنِّى لا أعْرِفُ منْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَلُّطْفَ الَّذِى كُنْتُ أرَى مِنْهُ حِينَ أشْتَكِى، إنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: " كَيْفَ تِيكُمْ؟ " فَذَاكَ يُرِيبُنِى. وَلا أشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ وَخَرَجَتْ مَعِى أَمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ - وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا - وَلا نَخْرُجُ إلا لَيْلاً إلى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أمْرُ العَرَبِ الأوَلِ فِى التَّنَزُّهِ، وَكُنَّا نَتَأذَّى بِالكُنُفِ أنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا. فَانْطَلَقْتُ أنَا وَأُمُّ مسْطَحٍ - وَهِىَ بِنْتُ أبِى رُهْمِ بْن المُطَّلِب بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ ابْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ المُطَّلِبِ - فَأقْبَلْتُ أنَا وَبِنْتُ أبِى رهْمٍ قِبَلَ بَيْتِى حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأنِنا، فَعَثَرَتْ أمُّ مِسْطَحٍ فِى مِرْطِها. فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أتَسبَّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: " يريبنى فى وجع (¬1) " أى أنكرنى مرضى، العرب تسمى كل مرض وجعاً، ومعنى " يريبنى ": يوهمنى ويشككنى حتى أنكر ذلك من اختلاف حاله، يقال: أرابنى (¬2) الأمر يريبنى: إذا توهمته وشككت فيه، فإذا استيقنته قلت: رابنى منه كذا يريبنى، وقال الفراء وأبو زيد: هما بمعنى واحد فى الشك. وقولها: " لا أعرف من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللطف " بفتح اللام والطاء، أى البر والتحفى. زاد بعضهم: إذ كان ذلك برفق، ويقال فيه اللطف بالضم وسكون الطاء أيضاً. وقوله: " كيف تيكم؟ " هى إشارة تنبيه للمؤنث مثل " ذاكم " للمذكر. وقولها: " بعدما نقهت " بفتح القاف، أى أفقت من المرض. وقولها: " وخرجت قبل المناصع وهو متبرزنا ": قال الأزهرى: أراها مواضع خارج المدينة، وعليه يدل قوله فى الحديث نفسه فى غير كتاب مسلم، وهى صعيد أفيح خارج المدينة. وقال غيره: هى مواضع التخلى للحدث، وهو معنى قولها: " متبرزنا " والبراز، بالفتح الحدث، وأصله الفضاء من الأرض، وسمى الحدث به لقصدهم قضاه فيه، كما قالوا فيه: الغائط لذلك. وقولها: " وأمرنا أمر العرب الأول فى التنزه " كذا لجمهور الرواة، أى فى البعد بذلك عن المنازل. وعند ابن ماهان: فى التبرز بمعناه، أى فى الخروج للبراز. وقولها: " تعس مسطح " بكسر العين، معناه: هلك، وقيل: سقط، والتعس ¬

_ (¬1) فى ح: وجعى. (¬2) فى ح: رابنى.

رَجُلاً قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَتْ: أىْ هَنْتَاهُ، أوَلَمْ تَسْمَعِى مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ قَالَتْ: فأخْبَرَتْنِى بِقَوْلِ أهلِ الإفْك، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إلى مَرَضِى، فَلمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتِى، فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: " كَيْفَ تِيكُمْ؟ ". قُلْتُ: أتأذَنُ لِى أنْ آتِىَ أبَوَىَّ؟ قَالَتْ - وَأنَا حِينَئِذٍ أُريدُ أنْ أتَيَقَّنَ الخَبَرَ مِنْ قبَلِهِمَا - فأذِنَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أبَوَىَّ فَقُلْتُ لأمِّى: يَا أمَّتَاهْ، مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنى عَلَيْكِ. فَوَاللهِ، لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائرُ، إلا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ، فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأ لِى دَمْعٌ وَلاَ أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. ثمَّ أصْبَحْتُ أبْكِى، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِىَّ بْنَ أبِى طَالِبٍ وَأسَامَة بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْىُ، يَسْتَشِيرُهُمَا فِى فِرَاقِ أهْلِهِ. قَالَتْ: فأمَّا أسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذى يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءةِ أهْلِهِ، وَبِالَّذِى يَعْلَمُ فِى نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الوُدِّ. فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ، هُمْ أهْلُكَ وَلا نَعْلَمُ إلا خَيْرًا. وَأمَّا عَلِىُّ بْنُ أبِى طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاء سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإنْ تَسْأل الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ فَقَالَ: " أىْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأيْتِ مِنْ شَىْء يَريبُكِ مِنْ عَائِشَةَ؟ ". قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إنْ رَأيْتُ عَلَيْهَا أمْرًا قَطُّ أغْمِصُهُ عَلَيْهَا، أكْثَرَ مِنْ أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أهْلِهَا، فَتَأتِى الدَّاجِنُ فَتَأكُلُهُ. قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبرَ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَىٍّ ابْنَ سَلُولَ: قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى المِنْبَر -: " يَا مَعْشَرَ المُسْلِمينَ، مَنْ يَعْذُرنِى مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السقوط على وجهه خاصة، وقيل: لزمه الشىء، وقيل: بعد. وقولها: " يا هنتاه ": أى يا امرأة أو يا هذه، وهى كلمة يعبر بها عن كل شىء، وقد تقدم شرحها ولا يقال: هنتاه، إلا فى النداء. ومن العرب من يسكن نون " هن " فى كل حال، مثل " منْ " ومنهم من ينونها فى الوصل. وكذلك الأنثى " هنة " فى الوصل " وهنة " فى الوقف، وحكى الهروى عن بعضهم أن: " هن، وهنة " مشددة النون، وأنكره الأزهرى، والمعروف تخفيف النون. وحكى الخليل أنهم إذا أدرجوها فى المؤنث سكنوا التاء فقالوا: هذه هنتْ جاءت. وقولها: " ما كانت قط امرأة (¬1) وضيئة " ممدوداً أى جميلة، والوضاءة: الحسن ¬

_ (¬1) فى ح: امرأة قط.

أذَاهُ فِى أهلِ بَيْتِى. فَوَاللهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِى إلا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أهْلِى إلا مَعِى ". فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأنْصَارِىُّ فَقَالَ: أنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ، إنْ كَانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإنْ كَانَ مِنْ إخْوَانِنَا الخَزْرَجَ أمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أمْرَكَ. قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجَ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحًا، وَلَكِنِ اجْتَهَلَتْهُ الحَمِيَّةُ - فَقَالَ لِسْعدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ. لَعَمْرُ اللهِ، لا تَقْتُلُهُ وَلا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِه. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر - وَهُوَ ابْنُ عمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ. لَعَمْرُ اللهِ، لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عن المُنَافِقِينَ. فَثَارَ الحَيَّانِ الأوْسُ والخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائمٌ عَلى المِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ. قَالَتْ: وَبَكَيْتُ يَوْمِى ذَلِكَ، لا يَرْقَأ لِى دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. ثمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِى المُقْبِلَةَ، لا يَرْقَأ لِى دَمْعٌ وَلا أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأبَوَاىَ يَظُنَّانِ أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِى. فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عَنْدِى، وَأنَا أبْكِى، اسْتأذَنَتْ عَلَىَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ فَأذنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِى قَالَت: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ. قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِى مُنْذُ قِيلَ لِى مَا قِيلَ. وَقَدْ لَبِثَ شَهرًا لاَ يُوحَى إليْهِ فِى شَأنِى بِشَىْءٍ. قَالَت: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: " أمَّا بَعْدُ، يَا عَائِشَةُ، فَإنَّهُ قَدْ بَلَغَنِى عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإنْ كُنْتِ بَريئَةً فَسَيُبَرَئُكِ اللهُ، وَإنْ كُنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ممدود. وفى رواية ابن ماهان: " حظية " من الحظوة ورفعة المكانة وبُعده " عند رجل يحبها ولها ضرائر " أى شرائك وزوجات لزوجها، سُمين بذلك لاستضرار كل واحدة بالأخرى؛ لأجل الغيرة التى بينهن على الزوج، ومقاسمتهن (¬1) أموره. والاسم منه الضر بالكسر، وحكى الضم كغيره. وقولها: " إلا كثرن عليها " يعنى القول بعيبها. وقولها: " من شىء أغمصه " بكسر الميم، أى أعيبه وأنتقصه والغمص العيب، وأصله: الطعن والقول السيئ. وقولها: " ولكن اجتهلته الحمية ": كذا رواية الجلودى بالجيم والهاء فى حديث معمر عن ابن شهاب، وفى حديث فليح عنه وعند ابن ماهان وفى رواية معمر: " احتملته " بالحاء والميم، وهى رواية البخارى (¬2). وكذا ذكره مسلم عن يونس وصالح، وصوب ¬

_ (¬1) فى ح: مقاسمتهما. (¬2) ك التفسير، سورة النور، ب {لولا إذ سمعتموه ..} 6/ 127.

ألْمَمتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرى اللهَ وَتُوبِى إلَيْهِ، فَإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ ". قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِى حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأبِى أجب عَنِّى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ. فَقَالَ: وَاللهِ، مَا أدْرِى مَا أقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ لأمِى أَجِيبى عَنِّى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: والَلَّه ما أَدْرِى مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ - وَأنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ - لا أقْرَأ كَثيرًا مِنَ القُرْآنِ: إنِّى وَاللهِ، لَقَدْ عَرَفْتُ أنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُم بِهَذا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِى نُفُوسِكمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإنْ قُلْتُ لَكُمْ إنِّى بَريئَةٌ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّى بَريئَةٌ لا تُصَدِّقُونِى بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اْعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأمْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ أنِّى بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُونَنِى. وَإنِّى، وَاللهِ، مَا أجِدُ لِى وَلَكُمْ مَثَلاً إلا كَمَا قَاَلَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم الرواية الأولى، ومعناها: استخفته. قال فى الجمهرة: كل شىء استخففته فقد استجهلته، واستجهلت الريح الغصن: إذا حركته فاضطرب، وقيل: أغضبته. قال الهروى: من استجهل مؤمناً فعليه إثمه، أى من حمله على ما يغضبه، وهو من هذا، أى من [حملته] (¬2) الحمية على الجهل والغضب، وهو معنى الرواية الأخرى. قيل: احتملته: أغضبته، أو احتمل، كما قال: " حتى هموا أن يقتتلوا ". وقوله: " فتشهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين جلس ثم قال ": فيه الابتداء بذكر الله وحمده بالشهادتين فى الكلام فى الأمور المهمة. وقوله: " ألممت بذنب ": أى أتيته [به] (¬3) وليس لك بعادة، وهو أصل اللمم، وقد فسرناه قبل (¬4). قال الداودى فى قوله هذا: لا دليل على الفرق بين أزواج النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهن؛ من وجوب اعتراضهن بما يكون منهن من ذلك [ولا يكتمه] (¬5)؛ إذ لا يحل لنبى إمساك من يفعل ذلك، وأمر غيرهن بالستر. وليس كما قال، ولا فى الحديث أمرها بالاعتراف، إنما قال لها: " استغفرى الله وتوبى "، وهذا فيما بينها وبين الله وكذلك قوله: " فإن العبد إذا اعترف " ليس فيه تصريح بأمرها بالاعتراف له، وإنما هو بالاعتراف لله، كما قال. وقوله: " فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه ": قد مضى الكلام على التوبة، وقوله: " تاب الله عليه ": توبة الله على عباده: الرجوع بهم من المعصية ¬

_ (¬1) يوسف: 18. (¬2) فى ح: " حمله ". (¬3) ساقطة من ح، والمثبت من ز. (¬4) انظر: ك القدر، ب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره، برقم (20). (¬5) فى ح: ولا يكتمنه.

قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِى. قَالَتْ وَأنَا، وَاللهِ، حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّى بَرِيْئَةٌ، وَأنَّ اللهَ مُبَرِّئى بِبَرَاءَتِى. وَلَكِنْ، وَاللهِ، مَا كنْتُ أَظُنُّ أنْ يُنّزَلَ فِى شَأنِى وَحْىٌ يُتْلى، وَلَشأنِى كَانَ أحْقَرَ فِى نَفْسِى مِنْ أنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِىَّ بِأمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّى كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِى الله بِهَا. قَالَتْ: فَوَاللهِ، مَارَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَه، وَلا خَرَجَ مِنْ أهلِ البَيْتِ أحَدٌ، حَتَّى أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأخَذَهُ مَا كَانَ يَأخُذُهُ مِن البُرحَاء، عِنْدَ الوَحْىِ، حَتَّى إنَّهُ لَيَتَحَدّر مِنْهُ مِثلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ فِى اليَوْمِ الشَّاتِ، مِن ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِى أُنَزِلَ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَضْحَكُ - فَكَانَ أوَّلَ كَلِمَة تَكَلَّمَ بِهَا أنْ قَالَ: " أبْشِرِى يَا عَائِشَةُ، أمَّا اللهُ فَقَدْ بَرَّأكِ ". فَقَالَتْ لِى أمِّى: قَومِى إلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ، لا أقُومُ إلَيْهِ، وَلا أحْمَدُ إلا اللهَ، هُوَ الَّذِى أنْزَلَ بَرَاءَتِى. قَالَتْ: فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الطاعة، وهو بمعنى قوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} (¬1)، ويكون قبول توبتهم ورضاه بها كما جاء فى الحديث، وبمعنى ثبتها وأخلصها لهم. وقد يأتى بمعنى الرجوع بهم من التشديد إلى التخفيف، ومن الحظر إلى الإباحة لقوله: {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُم} (¬2)، أى خفف. ومعنى " قلص دمعى ": أى ارتفع. وقولها لأبيها وأمها: " أجب عنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه تقديم الكبير للكلام على الصغير فى المهمات، وفى مخاطبة أهل الأمر والموقرين. وقولهما: " ما ندرى " إذا كان الأمر الذى سألتهما ما لا يقفان منه على زائد على ما عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يأتيه الوحى، من حسن الظن بها والسير إلى الله تعالى. وفيه أنه لا يجب [لأحد أن يعترف] (¬3) على نفسه بما لم يفعله، وإن علم أنه فى إنكاره يكذب وفى اعترافه يصدق لقرينة تدل على ذلك، بل لا يجب أن يقول إلا الحق. وقولها: حين تلت: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [قيل: هو خبر عن مبتدأ محذوف دل عليه الكلام، أى فصبرى صبر جميل] (¬4). وقولها: " فما رام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسه ": أى ما برحه وما فارقه، والريم: البراح والنزول، يقال منه رام يريم، فأما من طلب الشىء فرام يروم. ¬

_ (¬1) التوبة: 118. (¬2) المزمل: 20. (¬3) فى ح: أن يعترف أحد. (¬4) فى هامش ح.

مِّنكُمْ} (¬1) عَشْرَ آيَات، فَأنزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَؤلاء الآياتِ بَرَاءَتِى. قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ يُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ، لا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أبَدًا بَعْدَ الَّذِى قَالَ لِعائشَةَ. فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِى الْقُرْبَى} إلَى قَوْلِهِ: {أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم} (¬2). قَالَ حِبَّانُ بْنُ مُوسَى: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ: هَذِهِ أرْجَى آيةٍ فِى كِتَابِ اللهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ، إنِّى لأحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لِى. فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِى كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَقَالَ: لا أنْزِعُها مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَألَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ - زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أمْرِى: " مَاعَلِمْتِ؟ أوْ مَا رَأيْتِ؟ " فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أحْمِى سَمْعِى وَبَصَرِى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها فى زينب: " وهى التى كانت تسامينى ": أى تعاندنى وتضاهينى بجمالها أيضاً ومكانتها عند النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصله من السمو وهو الارتفاع. ورأيت بعض الشارحين فسره من سوم الخسف، وهو تجشيم الإنسان ما (¬3) يكرهه ويشق عليه، كأنه ذهب إلى أن معناه: تغيظنى وتؤذينى، ولا يصح هذا من جهة العربية أن يقال فى فاعل منه سامى، إنما يقال فيه: ساوم. وقولها: " وطفقت أختها حمنة تحازب لها " [بالزاى] (¬4)، أى تتعصب. وقوله: " ما كشفت عن كنف أنثى قط " بفتح النون، أى ثوبها الذى يسترها، كناية عن الجماع. الكنف الستر. وقوله عن بريرة: " حتى أسقطوا لها به " كذا رواية الجلودى، وعن ابن ماهان: لهاتها بتاء باثنتين فوقها، وهو عندْ أكثرهم خطأ وتصحيف، وأن الصواب الأول. قيل: معناه: أى بينوا لها به، أى بالأمر، وصرحوا. وإلى هذا ذهب الوقشى وابن بطال قال: من قولهم: سقط على الخبر؛ إذا علمه، أو من قولهم: فلان يساقط الحديث أى يرويه ولها (¬5) لما صرحوا لها به قالت: سبحان الله. وقال أبو مروان بن سراج: معناه: أتوا بسقط من القول فى كثرة سؤالها وانتهارها، يقال: أسقط الرجل: إذا أتى بسقط من القول. ¬

_ (¬1) النور: 11. (¬2) النور: 22. (¬3) فى ح: بما. (¬4) فى هامش ح. (¬5) فى ح: ولهذا.

وَاللهِ، مَا عَلِمْتُ إلا خَيْرًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِىَ الَّتِى كَانَتْ تُسَامِينِى مِنْ أزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. قَالَ الزُّهْرِىُّ: فَهَذَا مَا انْتَهَى إلَيْنَا مِنْ أمْرِ هَؤلاءِ الرَّهْطِ. وَقَالَ فِى حَدِيثِ يُونُسَ: احْتَمَلتْهُ الحَمِيَّةُ. 57 - (...) وحدّثنى أَبُو الرَّبِيع العَتَكِىُّ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا الحَسَنُ ابْنُ عَلِىٍّ الحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال غيره: ويقال سقط وأسقط فى كلامه، أى أخطأ. قال: وعلى رواية " أسقطوا لهاتها " أى أسكتوها. وقولها: " وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أبى ": قيل " كبره " معظم القصة، وقيل: الكبر: الإثم، وقيل: هو الكبيرة كالخطى والخطيئة. وقوله: " فلما سرى عنى (¬1) " أى كشف وأزيل. وفى هذا الحديث موضع كبير الإشكال لم يتكلم عليه الناس، نبهنا عنه (¬2) بعض شيوخنا المعنيين بهذا الشأن، وباحثنا عنه غيره وهو قولها: فقام سعد بن معاذ وقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله. وغزوة المريسيع التى وقعت فيها هذه القصة - وهى غزوة بنى المصطلق - سنة ست فيما ذكر ابن إسحاق، وسعد بن معاذ توفى بإثر غزوة الخندق من الرمية التى رمى بها فيه، وذلك سنة أربع بإجماع من أصحاب الخبر إلا شيئاً [روى] (¬3)، قاله الواقدى مما نذكره، قال وكيف يصح على هذا ذكر سعد بن معاذ فى الخبر؟ قال: وذكره عندى وهم، والأشبه أنه غيره، ولهذا لم يقله ابن إسحاق فى السير، وإنما قال: إنَّ المتكلم أولاً وآخراً أسيد بن حضير. وباحثت غيره [عن ذلك] (¬4) من شيوخنا عن ذلك فقال لى: لم يصح ذكر سعد بن معاذ للاختلاف فى تاريخ غزاة المريسيع، فإن ابن عتبة يقول: إنها سنة أربع فى سنة غزوة الخندق. وقد ذكر البخارى (¬5) اختلاف ابن إسحاق وابن عتبة فى ذلك، وإن كان هذا فيحمل على غزوة المريسيع وحديث الإفك كان فى سنة أربع قبل قصة الخندق وموت سعد بن معاذ. ¬

_ (¬1) فى ح: عنه. (¬2) فى ح: عليه. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) سقط من ح. (¬5) ك المغازى، ب غزوة بنى المصطلق 5/ 147.

عَنْ صَالِحِ بْنِ كيْسَانَ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ. بإِسْنَادِهِمَا. وَفِى حَدِيثِ فُلَيْحٍ: اجْتَهَلَتْه الحِميَّهُ. كَمَا قَالَ مَعْمَرٌ. وَفِى حَدِيثِ صَالِحٍ: احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ كَقَوْلِ يُونُسَ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ صَالِحٍ: قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ. وَتَقُولُ: فَإنَّهُ قَالَ: فَإنَّ أبِى وَوَالِدَهُ وَعِرْضِى ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ وَزَادَ أيْضًا: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَت عَائِشَةُ: وَاللهِ، إنَّ الرَّجُل الَّذِى قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، مَا كَشَفْتُ عَنْ كَنَفِ أنْثَى قَطُّ. قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيداً فِى سَبِيلِ اللهِ. وَفِى حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: مُوعِرِينَ فِى نَحرِ الظَّهِيرَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: مُوغِرِينَ. قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: مَا قَوْلُهُ مُوغِرِينَ؟ قَالَ: الوَغْرَةُ شِدَّةُ الحَرِّ. 58 - (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأنِى الَّذِى ذُكِرَ، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَىَّ فِى أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهلِى. وَايْمُ اللهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِى مِنْ سُوءٍ قَطُّ. وَأَبنُوهُمْ، بِمَنْ، وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلاَ دَخَلَ بَيْتِى قَطُّ إِلاَ وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلاَ غِبْتُ فِى سَفَرٍ إِلاَ غَابَ مَعِى ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَفيهِ: وَلَقَدْ دَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إنى بحثت عما لأصحاب السير والأخبار فى ذلك، فوجدت الطبرى (¬1) ذكر عن الواقدى أن المريسيع سنة خمس، قال وكانت الخندق وقريظة بعدها. ووجدت القاضى إسماعيل قال: اختلف فى ذلك، قال: والأولى أن تكون المريسيع قبلها - وهذا والله أعلم -[بذكر] (¬2) سعد فى قصة الإفك، وكانت فى المريسيع، فعلى هذا يستقيم قول من ¬

_ (¬1) تاريخ الطبرى 2/ 564. (¬2) من ح، وساقطة فى ز.

رَسُولُ اللهِ قَامَ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتى فَسَأَلَ جَارِيَتِى. فَقَالَتْ: وَاللهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلاَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأكُلَ عَجِينَهَا. أَوْ قَالَتْ خَمِيرَهَا - شَكَّ هِشَامٌ - فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اصْدُقِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ. فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمرِ. وَقَدْ بَلَغَ الأمرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِى قِيلَ لَهُ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالله مَا كَشَفْتُ عَنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقُتِلَ شَهِيداً فِى سَبِيلِ اللهِ. وَفِيهِ أَيْضًا مِنَ الزِّياَدِةِ: وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمَوا بِهِ مِسْطَحٌ وَحِمْنَةٌ وَحَسَّانُ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَىٍّ فَهُوَ الَّذِى كَانَ يسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَحَمِنَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فيه سعد بن معاذ وهو الذى فى الصحيحين إن شاء الله تعالى، ويكون قول غير ابن إسحاق أصح من قول ابن إسحاق لا سيما وقد كرر فى الصحيح ذكر سعد بن معاذ فى مراجعة أسيد بن حضير، فقال: وهو ابن عم سعد لينبه على نصرته لقوله قبل.

(11) باب براءة حرم النبى صلى الله عليه وسلم من الريبة

(11) باب براءة حرم النبىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الريبة 59 - (2771) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِىٍّ: " اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ " فَأَتَاهُ عَلِىٌّ فَإِذَا هُوَ فِى رَكِىٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا. فَقَالَ لَهُ عَلِىٌّ: اخْرُجْ. فَنَاوَلهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ، فَإذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ، فَكَفَّ عَلىُّ عَنْهُ. ثُمَّ أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ. مَا لَهُ ذَكَرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إن رجلاً كان يتهم بأم ولد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لعلى: " اذهب فاضرب عنقه " الحديث، قال الإمام: الظاهر أن هذا الحديث فيه حذف بسط السبب، فلعله ثبت عنده بالبينة ما أوجب قتله، فلما رأى علىّ كونه مجبوباً أبقاه ليراجع النبى - عليه السلام - فيه، ولم يذكر ما قال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى، ولو ذكر السبب الموجب لقتله وجواب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى لعلم منه وجه الفقه، ولعل الرجل - ايضاً - كان منافقاً ممن يحل قتله، فيكون هذا السبب محركاً على قتله. قال القاضى: قد نزه الله حرمة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يثبت شىء من ذلك فى جهتها، والخبر معلوم أنه كان قبطياً، وكان يتحدث إليها بحكم الجنسية (¬1) فتكلم فى ذلك، ولم يأت أنه أسلم، وأن النبى نهاه عن التحدث إليها، فلما خالفه استحق بذلك القتل؛ إما للمخالفة أو لتأذى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسببه، ومن آذى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشىء ملعون كافر استحق (¬2) القتل. ويحتمل أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم براءته، وكونه مجبوباً، وأمر علياً بما أمره به لما ذكر له هو أو غيره خلوه ليتجلى أمره وترتفع تهمته. ويحتمل أنه كان قد أوحى إليه أنه لا يقتله، وينكشف له من حاله ما يبين أمره، وأنه فى الركى (¬3) متجردًا، إلا أنه أمره بقتله حقيقة، بل قال له ذلك وهو يعلم أنه لا يقتله لما تبين له من براءته كما قال فى الحديث الآخر: " احثُ فى أفواههم التراب " (¬4) وقد قالت عائشة له: ما أنت بفاعل، ففهمت أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرد ما قاله، بل على طريق ¬

_ (¬1) فى ز: الجنسه. (¬2) فى ز: يستحق. (¬3) الركى: جنس للركية، وهى البئر. (¬4) سبق فى ك الجنائز، ب التشديد على النياحة برقم (30).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التعجيز له، أى أنك لا تقدر على إسكاتهن ولا بذلك ولا يمكنك فعله. وقد ذكر أصحاب الأخبار أن المتنوقس صاحب مصر أهدى للنبى مع مارية وأختها سيرين، أى خصيًا اسمه [تابوا] (¬1)، وأنه أسلم، كذا سماه محمد بن سعد، وقال غيره: " ماتوا "، والأول أثبت، فهو - والله أعلم - ذلك، وقد تقدم تفسير الركى، وهى البئر. ¬

_ (¬1) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 8/ 170، 171.

50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم

بسم الله الرحمن الرحيم 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم 1 - (2772) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أِبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إسْحَاقَ؛ أنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ أرْقَمَ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى سَفَرٍ، أصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَىٍّ لأصْحَابِهِ: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ. قَالَ زُهَيْرٌ: وَهِىَ قِرَاءَةُ مَنْ خَفَضَ حَوْلَهُ. وَقَالَ: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَل} (¬1). قَالَ: فَأتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ. فَأرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَىٍّ فَسَألَهُ فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ. فَقَالَ: كَذَبَ زَيْدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَوَقَعَ فِى نَفْسِى مِمَّا قَالُوهُ شِدَّةٌ. حَتَّى أنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} (¬2). قَالَ: ثُمَّ دَعَاهُمُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ. قَالَ: فَلَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ. وَقَولُه: {كَأَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله " أى يتفرقوا عنه، قال: وفى قراءة عبد الله بن حفص: " حوله " كذا فى نسخ مسلم [وكذا قيدناه من طريق العذرى عن الصدفى والأسدى بتنوين حفص، وخفض " حوله "] (¬3)، وكذا ذكره ابن أبى شيبة شيخ مسلم فيه فى مصنفه (¬4) بنحوٍ منه. قال: وهى فى قراءة من خفض " من حوله " نبه ابن أبى شيبة على أن روايته فيه وكذا من بالخفض لرفع الإشكال، ويرى مخالفة من رواه بالفتح، وكذا قيده بعض شيوخنا فى الترمذى (¬5): " من كان حوله "، وليست " كان " فى روايتنا، وفى رواية ابن ماهان: " حوله " بالفتح. قال بعض المتكلمين: معنى قوله: " من خفض " أى من انعطاف عليه وتحف به، كذا تقيدت عندى بخطى رواية ابن ماهان عن أبى بحر بالخاء، كما تقدم، وكان هذا التفسير له من قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (¬6) وقيده غيرى عنه بالحاء ¬

_ (¬1) المنافقون: 8. (¬2) المنافقون: 1. (¬3) فى هامش ح. (¬4) ك المغازى 7/ 381. (¬5) ك التفسير، ب تفسير سورة " المنافقون " 5/ 387. (¬6) الإسراء: 24.

خُشُبٌ مسَنَّدَةٌ} (¬1). وَقَالَ: كَانُوا رِجَالاً أجْمَلَ شَىْءٍ. 2 - (2773) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضِّبِّىُّ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أبِى شَيْبَةَ - قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو؛ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: أتَى النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَىٍّ، فَأخْرَجَهُ مِنْ قَبْرِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَألبَسَهُ قَمِيصَهُ، فاَللهُ أعْلَمُ. (...) حدّثنى أحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأزْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عَبْدِ اللهِ ابْنِ أُبَىٍّ، بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ. 3 - (2774) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّىَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَىِّ بْنِ سَلُولَ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسألَهُ أنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أبَاهُ، فَأعْطَاهُ. ثُمَّ سَأَلهُ أنْ يُصَلِّىَ عَلَيْهِ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّىَ عَلَيْهِ. فَقَامَ عُمَرُ فَأخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أتُصَلِّىَ عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أنْ تُصَلِّىَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما خَيَّرنِى اللهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفَرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (¬2) وَسأزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ " قَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (¬3). 4 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ: قَالَ: فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيْهِمْ. 5 - (2775) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أبِى عُمَرَ المَكِّى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة، وعليه جاء بالتفسير المذكور من قولهم: خفضت العود: إذا حنيته وعطفته، وكذا وجدت هذا الحرف فى كتب بعض شيوخنا لم يعجم الخاء، وفى بعض الروايات: " من خفض حوله "، وسقطت لفظة " خفض " من بعض النسخ، وظاهره أن المراد زيادة ¬

_ (¬1) المنافقون: 4. (¬2) التوبة: 80. (¬3) التوبة: 84.

مُجَاهِد، عَنْ أبى مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ البَيْتِ ثَلاثَةُ نَفَر، قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِىٌّ، أوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِىٌّ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ. فَقَالَ أحَدُهُمْ: أَتَرْونَ اللهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ وَقَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إنْ جَهَرْنَا، وَلا يَسْمَعُ إنْ أخْفَيْنَا. وَقَالَ الآخَرُ: إنْ كَانَ يَسْمَعُ - إذَا جَهَرْنَا - فَهُوَ يَسْمَعُ إذَا أخْفَيْنَا. فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} الآيَةَ (¬1). (...) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ البَاهِلِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. ح وَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. بِنَحْوِهِ. 6 - (2776) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ - وَهُوَ ابْنُ ثَابت - قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِت؛ أنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى أحُد، فَرَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَكَانَ أصْحَابُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: نَقْتُلُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا، فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِى الْمُنَافَقِينَ فِئَتَيْنِ} (¬2). (...) وحدَّثنى زهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. 7 - (2777) حدّثنا الحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الحُلْوَانِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التمِيمِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أخْبَرَنِى زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ " من حوله " فى قراءة عبد الله بن مسعود على نص قول المنافقين (¬3)، وأن لفظة: " خفض " هنا معجمة (¬4)، لعله نبه هنا على ضبط " حوله " فى الحاشية، فألحقت وهماً ووجه إعرابها إذا أثبتت فى الحديث: أن يكون " خفض " فعل ماض و " حوله " منصوباته (¬5) وهو مخفوض فى التلاوة أو خفض بالرفع على خبر المبتدأ، أى الكلمة خفض، و " حوله " بعده مخفوض [فصل] (¬6) بين الجار والمجرور بالتفسير بقوله: خفض. ¬

_ (¬1) فصلت: 22. (¬2) النساء: 88. (¬3) فى ح: المنافق. (¬4) فى ح: مقحمة. (¬5) فى ح: منصوباً به. (¬6) فى هامش ح.

يَسَارٍ، عَنْ أبى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أنَّ رَجالاً مِنَ المُنَافِقِينَ - فِى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا إذَا خَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإذَا قَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَذَرُوا إلَيْهِ. وَحَلَفُوا، وَأحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا. فَنَزَلَتْ: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُواَ فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} (¬1). 8 - (2778) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْر - قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّد عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِي ابْنُ أبِى مُلَيْكَةَ؛ أنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أخْبَرَهُ؛ أنَّ مَرْوَانَ قَالَ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ - لبَوَّابِه - إلَى ابْنِ عَبَّاس فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئ مِنَّا فَرِحَ بَمَا أتَى، وَأحَبَّ أنْ يُحْمَدَ بِمَا لَم يَفْعَلْ، مُعَذَّبًا، لَنُعَذّبَنَّ أجْمَعُونَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الآيَةِ؟ إنَّمَا أنْزِلَتْ هَذِه الآيَةُ فِى أهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ تَلا ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الًّذَينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّننَّهُ لَلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} (¬2) هَذِهِ الآيَةَ. وَتَلا ابْنُ عَبَّاسٍ: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَألَهُمُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَىْءٍ فَكَتَمُوهُ إيَّاهُ، وَأخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَخَرَجُوا قَدْ أرَوْهُ أنْ قَدْ أخْبَرُوهُ بِمَا سَألَهُمْ عَنْهُ، وَاسْتَحْمَدُوا بِذلِكَ إلَيْهِ. وَفَرِحُوا بِمَا أتَوْا، مِنْ كِتْمَانِهِمْ إيَّاهُ، مَا سَألَهُمْ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى رفع زيد بن ثابت قوله إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جواز رفع الأمور المنكرة للحكام والأمراء، لا سيما بما يخشى عود مضرته على المسلمين. وصلاة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك عليه وإلباسه قميصه مبرة لابنه لصحة إيمانه. وقد بين مسلم فيما أتى به من الروايات أن ابنه كان سأله إعطاءه قميصه وأن يصلى عليه، وأن ذلك كان قبل نزول النهى عن الصلاة على المنافقين، وقيل: بل كان قد ألبس العباس حين أسر ببدر قميصه (¬3)، فكافأه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما فعل. وما فى الحديث أبين وأرفع (¬4) للإشكال. وتقدم الكلام فى تعرض عمر له. وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما خيرنى الله وسأزيده على السبعين ". وقوله: " قليل فقه قلوبهم، كثير شحم بطونهم ": تنبيه على أن الفطنة قل ما تكون مع كثرة اللحم، والاتصاف بالسمن والشحم. ¬

_ (¬1) آل عمران: 188. (¬2) آل عمران: 187. (¬3) فى ح: قميصاً. (¬4) فى ح أدفع.

9 - (2779) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أسُوَدُ بْنُ عَامِر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أبِى نَضْرَةَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمَّار: أرَأيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا الَّذِى صَنَعْتُمْ فِى أمْرِ عَلِىٍّ أرَأيًا رَأيْتُمُوهُ أوْ شَيْئًا عَهِدَهُ إلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَكِنْ حُذَيْفَةُ أخْبَرَنِى عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِى أصْحَابِى اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِى سَمِّ الخِيَاطِ. ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ، وَأرْبَعَةٌ " لَمْ أحْفَظْ مَا قَالَ شُعْبَةُ فِيهِمْ. 10 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُئَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أبِى نَضْرَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قُلْنَا لِعَمَّارٍ: أرَأيْتَ قتَالَكُمْ، أرَأيًا رَأيْتُمُوهُ؟ فَإنَّ الرَّأىَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، أوْ عَهْدًا عَهِدَهُ إلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنَّ فِى أمَّتِى ". قَالَ شُعْبَةُ: وَأحْسَبُهُ قَالَ: حَدَّثَنِى حُذَيْفَةُ. وَقَالَ غُنْدَرٌ: أرَاهُ قَالَ: " فِى أُمَّتِى اثْنَا عَشَر مُنَافِقًا لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، وَلا يَجِدُونَ رِيحَهَا، حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِى سَمِّ الخِيَاطِ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ، سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِى أكْتَافِهِمْ، حَتَّى يَنْجُم مِنْ صُدُورِهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى المنافقين: " ثمانية منهم يكفيكهم الدّبيلة " ويروى: " تكفيهم "، وفى رواية ابن الحذاء والطبرى: " تكفتهم " بتاء باثنتين فوقها بعد الفاء، وكذا ذكر هذا الحرف فى هذا الحديث قاسم بن ثابت (¬1) ومعناه: تميتهم وتغطيهم فى قبورهم. واْصل الكفت: ¬

_ (¬1) هو أبو محمد قاسم بن ثابت بن حزم، شارك أباه فى رحلته وشيوخه وعنى هو وأبوه بجمع الحديث واللغة، ويقال: إنهما أول من أدخل كتاب العين فى الأندلس، وكان قاسم عالماً بالفقه والحديث مقدماً فى المعرفة بالغرب والنحو والشعر، ورعاً، مجاب الدعوات، سأله الأمير أن يلى القضاء فامتنع، فأراد أبوه أن يكرهه عليه، فسأله أن يمهله ثلاثة أيام يستخير الله، فمات فى هذه الثلاثة وذلك سنة اثنتين وثلاثمائة. انظر: الديباج المذهب 2/ 147، شجرة النور 1/ 86، بغية الملتمس ص 434، جذوة المتنتبس ص 312.

11 - (...) حدّثنا زُهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أحْمَدَ الكُوفِىُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أهْلِ العَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَاَ يَكُونُ بَيْنَ النّاسِ. فَقَالَ: أنْشُدُكَ باللهِ، كَمْ كَانَ أصْحَابُ العَقَبَةِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ القَوْمُ: أخْبِرْهُ إذْ سَألَكَ. قَالَ: كُنَّا نُخْبَرُ أنَّهُمْ أرْبَعَةَ عَشَرَ، فَإنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ القَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأشْهَدُ بِاللهِ أنَّ اثْنَىْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ. وَعَذَرَ ثَلاثَةً، قَالُوا: مَا سَمِعْنَا مُنَادِىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا عَلِمْنَا بِمَا أرَادَ القَوْمُ. وَقَدْ كَانَ فِى حَرَّة فَمَشَى فَقَالَ: " إنَّ المَاءَ قَلِيلٌ، فَلا يَسْبِقُنِى إلَيْهِ أحَدٌ " فَوَجَدَ قَوْمًا قَدْ سَبَقُوهُ. فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ. 12 - (2880) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا قرَّةُ بْنُ خَالِد، عَنْ أبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ - ثَنِيَّةَ المُرَارِ - فَإنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِى إسْرَائِيلَ ". قَالَ: فَكَانَ أوَّلَ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا - خَيْلُ بَنِى الخَزْرجَ - ثُمَّ تَتَامّ النَّاسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَكلُّكُم مَغْفُورٌ لَهُ، إلا صَاحِبَ الجَمَلِ الأحْمَرِ " فَأتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ، يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: وَاللهِ، لأَنْ أجِدَ ضَالتِى أحَبُّ إلَىَّ مِنْ أنْ يَسْتَغْفِرَ لِى صَاحِبُكُمْ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالّةً لَهُ. 13 - (...) وحدثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَصْعَدُ ثَنِيَّةَ المُرَارِ - أو المِرارِ " بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: وَإذَا هُوَ أعْرَابِىٌّ جَاءَ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الستر والضم ومنه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (¬1) وفسر فى الحديث " الدبيلة " بسراج من نار يظهر فى أكتافهم حتى ينجم من صدورهم، أى يظهر ويعلو. وقال ابن دريد: الدبيلة داء تجتمع فى الجوف، ويقال فيه: الدبلة. قوله: " من تسور ثنية المُرار، أو المِرار ": الثنية: الفرجة بين الجبلين، " وتسور ": ¬

_ (¬1) المرسلات: 25، 26.

14 - (2781) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ المُغِيرَةَ - عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِى النَّجَّارِ، قَدْ قَرَأ البَقَرَةَ وآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأهْلِ الكِتَابِ. قَالَ: فَرَفَعُوهُ. قَالُوا: هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، فَأعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأصْبَحَتِ الأرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا. ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ، فَأصْبَحَتِ الأرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا. ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ، فَأصْبَحَتِ الأرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا. 15 - (2782) حدّثنى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاء، حَدَّثَنَا حَفْصُ - يَعْنِى ابْنَ غِيَاثٍ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ. فَلَمْا كَانَ قُرْبَ المَدِينَةِ هَاجَتْ ريحٌ شَدِيدَةٌ تَكَادُ أنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ. فَزَعَمَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بُعِثَتْ هذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ " فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، فَإذَا مُنَافِقٌ عَظِيمٌ مِنَ المُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ علاها، كما قال فى الروايات الأخرى: " صعد " (¬1). والقائل: " لأن أجد ضالتى أحب إلىّ من أن يستغفر لى صاحبكم ": قيل: هو الجد بن قيس المنافق. و " ينشد ضالته " يطلبها ويرفع صوته بذلك. وقوله: " نبذته الأرض على وجهها " أى طرحته. و " تركوه منبوذاً " أى مطروحاً. وقوله: " فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم " أى أهلكه، قال الله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} (¬2) أى أهلكناها. وقوله: " هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب " كذا الرواية فيه فى جميع نسخ مسلم بالنون. قال بعض المتقنين: لعله " تدفق " بالقاف، أى تصبه وتلقيه. والدفق: الصب. وهذا تكلف فى التفسير مع تفسير (¬3) الرواية، والرواية صحيحة المعنى. وكذا ذكرهما ابن أبى شيبة فى كتابه كما قال مسلم، ويكون معناها: تذهب به وتغيبه عن ¬

_ (¬1) جاء فى حديث رقم (12، 13) لفظة " يصعد " ولم يأت فى نسخة الصحيح التى بأيدينا لفظة " تسور ". (¬2) الأنبياء: 11. (¬3) فى ح: تغيير.

16 - (2783) حدّثنى عَبَّاس بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى اليَمَامِىُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنَا إيَاسٌ، حَدَّثَنِى أبِى، قَالَ: عُدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مَوْعُوكًا. قَالَ: فَوَضَعْتُ يدِى عَلَيْهِ فَقُلْتُ: وَاللهِ، مَا رَأيْتُ كَاليَوْمِ رَجُلاً أشَدَّ حَرًّا. فَقَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أخْبِرُكُمْ بِأشَدَّ حَرًّا مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ هَذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ الرَّاكِبَيْنِ المُقَفَّيَيْنِ " لِرَجُلَيْنِ حِينَئِذٍ مِنْ أصْحَابِهِ. 17 - (2784) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبِى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى الثَّقَفِىَّ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ المُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ العَائرَةِ بَيْنَ الغَنَمَيْنِ، تَعِيرُ إلَى هَذِهِ مَرَّةً، وَإلَى هَذِهِ مَرَّةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس لقوتها، ومنه قوله: ناقة دفون: إذا كان (¬1) تغيب عن الأكل (¬2)، وعبد دفون: إذا كان يتغيب عن المصر ويأبق فيه. وقوله: " المتنفيين ": أى المنصرفين المولين [أقفيتهما] (¬3). وقوله ذلك لرجلين من أصحابه، كما ذكر فى الحديث، وقد وصف عذابهما يوم القيامة فسماهما من أصحابه لإظهارهما ذلك، وكونهما فى جملة من يظهر الإيمان ويصحبه، كما قال فى ابن أُبى: " لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه " لا أنه كان من أصحابه بالحقيقة من المهاجرين والأنصار. وقد روى مكان " المتنفيين " هذا " المنافقين ". وقوله: " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين "، قال الإمام: يريد: المترددة بينهما، لا تدرى لأيهما تتبع. قال القاضى: ومعنى: " بين الغنمين ": أى القطيعين من الغنم. وقوله: " تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ": أى تتردد وتذهب، وعارت الدابة تعير: إذا انفلتت وذهبت. وقوله فى الحديث الآخر: " تكر فى هذه مرة " كذا فى بعض الروايات، وعند العذرى: " تكر " بكسر الكاف، [وعند الفارسى: " تكير " بزيادة ياء باثنتين تحتها، وعند ابن ماهان: " تَكْبن " بسكون الكاف] (¬4) وباء بواحدة مرفوعة وآخره ¬

_ (¬1) فى ح: كانت. (¬2) فى ح: الإبل. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬4) فى هامش ح.

(...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِىَّ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: " تَكِرُّ فِى هَذِهِ مَرَّةً، وَفِى هَذِهِ مَرَّةً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ نون، وهذا الوجه هو الصواب فى هذا الحرف إن شاء الله، وهو بمعنى " تعير " فى الحديث الأول. قال صاحب العين: الكبن: عدو ليّن، كبنَ يكبن كبوناً. ولرواية العذرى وجه بمعنى تعير (¬1) أيضًا يقال: كر على الشىء وإليه: عطف عليه، وكر عنه: ذهب، والكسر فى مستقبله أصل المضاعف غير المعدى. ولرواية الفارسى أيضًا وجه بمعناه، يقال: كار الفرس [إذا] (¬2) جرى ورفع ذنبه عند جريه. ¬

_ (¬1) فى ح: تعين. (¬2) ساقطة من ز.

كتاب صفة القيامة والجنة والنار

كتاب صفة القيامة والجنة والنار 18 - (2785) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنِى المُغِيرَةُ - يَعْنِى الحزَامِىَّ - عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنَّهُ لَيأتِى الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمَينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. اقْرَؤُوا: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (¬1). 19 - (2786) حدّثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ - يَعْنِى ابْنَ عِيَاضٍ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبيدَةَ السَّلْمَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أوْ يَا أَبَا القَاسِمِ، إنَّ اللهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى إصْبَعٍ، والأرضِينَ عَلَى إصْبَعٍ وَالَجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى علَى إصْبَع، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أنَا المَلِكُ، أنَا المَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الحَبْرُ، تَصْدِيقًا لَهُ. ثُمَّ قَرَأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} (¬2). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يزن عند الله جناح بعوضة ": أى لا يعدلها فى القدر والمنزلة، أى لا قدر له. وقوله: " جاء حبر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هو العالم، وكان إنما يستعمل حينئذ فى علماء اليهود، يقال فيه بفتح الحاء وكسرها، وفيه: كعب الحبر، وكعب الأحبار. قال أبو عبيد (¬3): ولا أراه سمى إلا من الحبر الذى يكتب به؛ لأنه كان صاحب كتب، وكان أبو الهيثم ينكر فيه الكسر ويقول: هو حبر بفتح الحاء لا غير. ونحوه لابن قتيبة. [قال ابن الأنبارى: العرب تقول: حَبر وحِبر، إذا كان عالماً] (¬4). وقوله: " إن الله يمسك السماوات على إصبعين (¬5) والأرضين على أصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك. وضحك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجباً من قول الحبر، ويروى: " فعجبنا مما قال الحبر ". ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية. زاد فى الرواية الأخرى: " تعجباً لما ¬

_ (¬1) الكهف: 105. (¬2) الزمر: 67. (¬3) انظر: غريب الحديث 1/ 87. (¬4) من ح. (¬5) فى متن الصحيح وح: أصبع.

20 - (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذا الإسْنَادِ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ اليَهُودِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ فضَيْلٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ. وَقَالَ: فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسوُلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ. تَصْدِيقًا لَهُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ " وَتَلا الآيَةَ (¬1). 21 - (...) حدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاث، حَدَّثَنَا أبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ إبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ إلىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ، إنَّ اللهَ يُمْسَكُ السَّماوَاتِ عَلَى إصْبَعٍ، والأرَضِينَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلى إصْبَعٍ، وَالخَلائِقَ عَلَى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا المَلكُ، أنَا المَلِكُ. قَالَ: فَرأيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. ثُمَّ قَرَأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال تصديقًا له ". قال الإمام: تقدم القول فى بيان المراد بالإصبع فى حديث سبق (¬2)، وأنه يراد به معنى الاقتدار، وأنه قد يراد به معنى الغمة (¬3). وهذا الحديث قد يراد به أن الله خلق السماوات على عظمها مقتدرًا عليها من غير أن يمسه تعب ولغوب، وكما أن الإنسان مما لا يشق عليه ولا يتعبه ما يصرفه على أصبعه، والناس يذكرون الإصبع فى مثل هذه المعانى احتقارًا ويقولون: بإصبع واحد قتلتك، أو أفعل كذا وكذا. وقد يراد هاهنا هذا المعنى: أن الله - سبحانه - لم يتعبه (¬4) خلق ما ذكر ولا شق عليه على عظم مخلوقاته هذه. [وقد قال بعض خلق ما ذكر ولا سبق عليه الناس] (¬5) قد يكون بعض المخلوقات اسمه أصبع. وقال بعضهم: يحتمل أن يراد أصبع بعض خلقه، وهذا غير مستنكر فى قدرة الله - سبحانه - والغرض إبطال أن يكون لله - سبحانه - أصبع الجارحة لإحالة العقل له، ثم بعد هذا يتأول على ما يجوز وقد رأينا طرفاً من التأويل (¬6). قال القاضى: ذهب بعض المتكلمين أن ضحك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعجبه وتلاوته الآية ليس ¬

_ (¬1) الزمر: 67. (¬2) سبق فى ك القدر، ب تصريف الله للقلوب كيف يشاء برقم (17). (¬3) فى ح: المعية. (¬4) فى ح: يعييه. (¬5) في ح: " وقد قال بعض الناس " فقط، وسقط الباقى. (¬6) مذهب السلف: إثبات مثل هذه الصفات من غير تكييف ولا تشبيه.

22 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمَ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسْنَادِ. غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، والثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ، وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ: والَخَلائِقَ عَلَى إصْبَعِ. وَلَكِنْ فِى حَدِيثِهِ: وَالجِبَالَ عَلَى إصْبَعٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثٍ جَرِيرٍ: تَصْدِيقًا لَهُ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ. 23 - (2787) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب، أخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ المُسَيَّبِ؛ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقْبِضُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعالىَ الأرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِى السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا المَلِكُ، أيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على معنى تصديق قول الحبر، بل رد عليه إنكار وتعجب من سوء اعتقاده أن مذهب اليهود التجسيم، وأنه فهم منه ذلك، وأن الأرضين والسماوات احتاجت لما يعتمد عليه من هذه الأصابع التى ذكر الحبر، واستقصى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك منه، وأنها كانت قبل بغير عمد، كما قال الله تعالى، وكما قال: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا} (¬1)، ثم جاءت الآية التى ظاهرها خلاف ما قال الحبر من ذكر الأصابع وتفضيل المخلوقات فى الاعتماد عليها بقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (¬2)، وأن مفهوم هذه الآية أعظم فى القدرة وأليق بالتنزيه مما ذكر الحبر. وقوله: " تصديقًا " ليس من كلام النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هو من كلام الراوى، وقد يكون تصديقه الذى فهم الراوى فى عظيم (¬3) قدرة الله على ذلك. وقوله: " أنا الملك، [أنا الجبار] (¬4) أين [المتكبرين] (¬5) " ورد عليه بقية قوله بتلاوة الآية، قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه} وإلى نحو من هذا نحا المهلب، ولعمرى أن ترجمة البخارى على الحديث (¬6): {إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أن تَزُولا} تشير إليه. وقوله: " يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوى السماوات بيمينه "، وفى الحديث الآخر: " يطوى الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيمينه " إلى قوله: " ثم يطوى ¬

_ (¬1) فاطر:41. (¬2) الزمر: 67. (¬3) فى ح: عظم. (¬4) فى ح ومتن الحديث: أين الجبارون. (¬5) هكذا فى ز، والصواب: المتكبرون. (¬6) ك التفسير، ب سورة الزمر 6/ 158.

مُلُوكِ الأرْضِ؟ ". 24 - (2788) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَطوِى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ القِيَامَة، ثُمَّ يَأخُذُهُنَّ بِيَدِهِ اليُمْنَى. ثُمَّ يَقُولُ: أنَا المَلِكُ، أيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطوِى الأرَضِينَ بِشِمَالِهِ. ثُمَّ يَقُولُ: أنَا المَلِكُ، أيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكبِّرُونَ؟ ". 25 - (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ؛ أنَّه نَظَرَ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يأخُذُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأرَضِيهِ بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ: أنَا اللهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك " الحديث. وقوله: " [كأنى] (¬1) أنظر إلى عبد الله بن عمر يحكى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يأخذ الله سمواته وأرضه بيديه، ويقول: أنا الملك - ويقبض أصابعه ويبسطها - أنا الملك، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شىء منه " الحديث. يجب أولاً [أن يُعلم] (¬2) أن المراد بقوله هنا: " ويقبض أصابعه ويبسطها " النبى - عليه السلام - ويرتفع أكثر الإشكال وهو بين. ألا تراه كيف قال: عن ابن عمر يحكى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعنى فى فعله هنا، لكن يبقى فى معنى هذا القبض والبسط والإشارة بذلك إشكال سنذكره. قال الإمام: تقدم القول (¬3) فى ذكر اليد، واختلاف الأصوليين فى إثباتها بمعنى الصفة لا بمعنى الجارحة، وتنازعهم فى مقتضى قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} (¬4)، وذكر تأويل ما وقع فى ذكر اليد فى حديث قبل هذا (¬5)، ولكن لما ذكر هاهنا اليمين والشمال كان آكد فى إبهام الجارحة فإذا أثبت استحالة يد الجارحة عليه ووصفه باليمين والشمال، فلا بد من حمل هذا على ما يجوز. وأمثل ما يتأول عليه عندى أن الله - ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل، وفى متن حديث رقم (25): أنه نظر. (¬2) سقط من ح. (¬3) ك القدر، ب حجاج آدم وموسى - عليهما السلام - حديث رقم (15). (¬4) ص: 75. (¬5) فى ك الإيمان، حديث رقم (189) رراه المغيرة بن شعبة مرفوعًا، وفيه: " قال: رب، فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدى ... " الحديث.

وَيَقْبِض أصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا - أنَا المَلِكُ " حَتَّى نَظَرْتُ إلى المنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أسْفَلِ شَىْءٍ مِنْهُ حَتَّى إنِّى لأقُولُ: أسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحانه - أراد أنه يطوى السماوات والأرض بقدرته وكنى عن ذلك بذكر اليد لأن بها فعلنا نحن وبها تصرفنا، فخاطب بما يفهم وبما خرج إلى الحس والوجود؛ ليكون المعنى أوكد وأرسخ فى نفس السامع وذكر اليمين والشمال حتى يورد المثال على كماله ولما علم أنا نحن نتناول ما يكرم باليمين وما دونه بالشمال، وأنا نقوى بأيماننا على أشياء لا نقوى عليها بشمائلنا، وكانت السماوات أعظم بما لا يتقارب ولا يتدانى من الأرضين، أضاف فعله فيها إلى اليمين، وفعله فى الأرضين إلى الشمال على حسب ما قلناه من أنا نحاول الأصعب باليمين والأخف بالشمال وإن كان - سبحانه - ليس شىء أخف عليه من شىء ولا شىء أصعب من شىء ولكنه تعالى خاطبنا بما نفهم. ولما ذكر اليد تمثيلاً أتم المعنى على التمثيل بعينه، ولا يبعد أن يكون فى السماوات ما هو أفضل من الأرض وكل ما فيها، لا سيما إذا قلنا بتفضيل الملائكة على ما تقدم [و] (¬1) ذكر الخلاف فيه أن يكون البارى - سبحانه - يفضل السماوات لأمور تخفى عنا، فيكون أضافها إلى اليمين لما قلناه من اختصاص اليمين بالأشرف والشمال بما دونها، وجرى فى ذلك على حكم التمثيل الذى به افتتح فختم عليه، وهو الذى ظهر لى من هذا الحديث. قال القاضى: اعلم أنه جاء فى هذا الحديث باختلاف رواياته ثلاثة ألفاظ: " يقبض " و " يطوى " و " يأخذ " والطى والقبض راجعان إلى معنى الجمع، وكلها بمعنى الجمع؟ لأن السماوات مبسوطة والأرض مدحوة ممدودة، وهما راجعان إلى معنى اللفظ الآخر، ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والزوال، وتبديل الأرض غير الأرض والسماوات، فعاد كل ذلك إلى ضمها بعضها إلى البعض ورفعها وإبادتها وتبديلها بغيرها. وقبض النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصابعه بعد وبسطها، تمثيلاً لصفة قبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها، وحكاية للمقبوض والمبسوط التى هى السماوات والأرض لا عن [القبض والبسط] (¬2) الذى هو صفة [القابض الباسط] (¬3) لا إله غيره، ولا تمثيلاً لصفة الله السمعية المسماة باليد، التى ليست بجارحة ولا عضو ولا لها كيفية. قيل: وقد يكون بسط النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصابعه وقبضها إشارة إلى الاستيعاب والكلية لجميع السماوات والأرضين ببسط اليد كلها وجمعها، كما يشير الإنسان بذلك إلى نفسه لجمع الشىء. ¬

_ (¬1) من ز. (¬2) فى ح: البسط والقبض. (¬3) فى ح: الباسط القابض.

26 - (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِى حَازِمٍ، حَدَّثَنِى أبِى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ، " يَأخُذُ الجَبَّارُ، عَزَّ وَجَلَّ، سَماواتِهِ وَأرَضِيهِ بِيَدَيْهِ " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى المنبر: " يتحرك من أسفل شىء منه ": أى من أسفله إلى أعلاه، إذ بحركة الأسفل يتحرك الأعلى. وأما حركة المنبر تحته فيحتمل أن تكون لحركة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوقه بهذه الإشارة، ويحتمل أن يكون تحرك من ذاته لحركته - عليه السلام - مساعداً للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حركته عليه [السلام] (¬1) وهيبته لما يسمع من عظمة الله - تعالى - كما حنَّ له الجذع (¬2)، فيكون من جملة علامات نبوته وآياته، والله أعلم بمراد نبيه فيما ورد من هذه الأحاديث من مشكل. نؤمن بالله وصفاته ولا يشبه شىء به، ولا يشبه هو شىء سواه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬3)، وما قاله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك وثبت عنه حق وصدق، فما أدركنا علمه فبفضل الله، وما عمى علينا من ذلك آمنا به، ووكلنا علمه إليه وإلى رسوله، وحملنا لفظه ما احتمل فى اللسان الذى بعثه الله به ليبين للناس ما أنزل إليهم، ولم نقطع على مغيبه بعد تنزيهه تعالى عما لا يليق به من ظاهره. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) انظر: البخارى، ك المناقب، ب علامات النبوة (3583، 3584)، أحمد 1/ 267، 3/ 293، 300. (¬3) الشورى: 11.

(1) باب ابتداء الخلق، وخلق آدم عليه السلام

(1) باب ابتداء الخلق، وخلق آدم عليه السلام 27 - (2789) حدّثنى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالا. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ ابْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْج: أخْبَرَنِى إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ - مَوْلَى أمِّ سَلَمَةَ - عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: أخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِى فَقَالَ: خَلَقَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - التُرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الجِبَالَ يَوْمَ الأحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الإثْنَيْنِ، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثَّلاثَاءِ، وَخَلَقَ الُنّورَ يَوْمَ الأربِعَاءَ، وَبَثَّ فِيها الدَّوَابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بَعْدَ العَصْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، فِى آخِرِ الخَلْقِ، فِى آخِرِ سَاعَة مِنْ سَاعَاتِ الجُمُعَةِ، فِيمَا بَيْنَ العَصْرِ إلَى اللَّيْلِ ". قَالَ إبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا البِسْطَامِىُّ - وَهُوَ الحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى - وَسَهلُ بْنُ عَمَّارٍ، وَإبْرَاهِيمُ بْنُ بِنْتِ حَفْصٍ، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ حَجَّاجٍ، بِهَذَا الحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خلق الله التربة يوم السبت " الحديث، وفيه: " وخلق النور يوم الأربعاء " كذا رويناه فى كتاب أبى عبد الله الحاكم (¬1)، وعند بعض رواة مسلم فيه فى الكتاب " النون " بالنون مكان الراء، يعنى: الحوت. رويناه أيضاً فى كتاب ثابت عن النسائى (¬2) وفى رواية أخرى: " البحور " مكان النون، وفى هذا الحديث أيضاً فى الأم: " وخلق المكروه يوم الثلاثاء "، والذى فى كتاب ثابت من رواية النسائى: " وخلق التقن يوم الثلاثاء "، قال ثابت: وهو ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير كالحديد وغيره (¬3) من جواهر الأرض، وكل شىء يقوم به صلاح شىء فهو تقنة، ومنه: إتقان الشىء: إحكامه. ¬

_ (¬1) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبى النيسابورى، يعرف بابن البيع، ولد سنة 321 هـ، كتب عن نحو ألفين من الشيوخ، وممن حدث عنه: الدارقطنى والقاضى أبو العلا الواسطى، وصنف فى الحديث وعلومه تصانيف عديدة، وكان يميل إلى التشيع، فأنكر عليه أصحاب الحديث كثيراً من أحاديثه، توفى سنة 405هـ. انظر: تاريخ بغداد 5/ 473 برقم (3024)، تذكرة الحفاظ 3/ 1039 - 1045، ميزان الاعتدال 3/ 608 برقم (7804). (¬2) أخرجه أحمد فى المسند 2/ 327 بلفظه. (¬3) فى ح: وغيرها.

(2) باب فى البعث والنشور، وصفة الأرض يوم القيامة

(2) باب فى البعث والنشور، وصفة الأرض يوم القيامة 28 - (2790) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْن أبِى كَثِير، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَهْل بْنِ سَعْد، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى أرْضِ بَيْضَاءَ، عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِى، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأحَدٍ ". 29 - (2791) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِر، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَتْ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} (¬1) فأيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَال: " عَلَى الصِّرَاطِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء، عفراء " ممدودان: أى بيضاء إلى حمرة. والعفر: بياض يضرب إلى الحمرة قليلاً، ومنه سمى عفر الأرض، وهو وجهها، لأنه بذلك اللون. وقوله: " كقرصة النقى " بكسر القاف، يعنى: الحوارى، وهو الدرمك، ويكون تشبيه لونها بها وهى عفراء، لما غيرت النار من بياض وجهها إلى الحمرة، والله أعلم. وقوله: " ليس فيها علم لأحد ": أى علامة سكنى أو بناء أو أثر. ¬

_ (¬1) إبراهيم: 48.

(3) باب نزل أهل الجنة

(3) باب نزل أهل الجنة 30 - (2792) حدّثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أبِى، عَنْ جَدَّى، حَدَّثَنِى خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلالٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَكُونُ الأرْضُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزةً وَاحِدَةً، يَكْفَؤهَا الجَبَّارُ بِيَدِهِ، كَمَا يَكْفَؤُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِى السَّفَرِ، نُزُلاً لأهْلِ الجَنَّةِ ". قَالَ: فَأتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُوَدِ. فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمنُ عَلَيْكَ، أَبَا القَاسِمِ، ألا أخْبِرُكَ بِنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَة؟ قَالَ: " بَلَى " قَالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً - كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَنَظَرَ إلَيْنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ: ألا أخْبِرُكَ بِإدامِهِمْ؟ قَالَ: " بَلَى " قَالَ: إدَامُهُمْ بالامُ وَنُونٌ. قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ، يَأكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبَدِهِمَا سَبْعُونَ ألْفًا. 31 - (2793) حدّثنا يَحيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ تَابَعنِى عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُودِ، لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِهَا يَهُودِىٌّ إلا أسْلَمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تكون الأرض خبزة واحدة " إلى قوله: " نزلاً لأهل الجنة " النزل (¬1)، بضم النون والزاي: ما يعد للقوم من غداء [حين] (¬2) ينزلون عليه، قال الله تعالى: {فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ} (¬3) أى فغداؤه. وقوله: {نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِ} (¬4) قيل: ثواب، وقيل: رزق، و {نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّين} (¬5) قيل: طعامهم. وقوله: " يتكفؤها (¬6) الجبار بيديه، كما يتكفؤ (¬7) أحدكم خبزته " أى يقلبها بقدرته. وقول اليهودى: " إدامهم بالام ونون، قالوا: وما هما؟ قال: ثور ونون، يأكل من زيادة كبدهما - ويروى: زائدة كبدهما - سبعون ألفاً "، قال الإمام: ذكر الخطابى (¬8) ¬

_ (¬1) فى ز: النزول، والمثبت من ح. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) الواقعة: 93. (¬4) آل عمران: 198. (¬5) الواقعة: 56. (¬6) فى أصل الحديث. يكفؤها. (¬7) فى أصل الحديث: يكفؤ. (¬8) أعلام الحديث 3/ 2266.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن " النون " هو الحوت، على وفاق ما فسر فى الحديث، وأن " بالام " يدل جواب اليهودى على أنه اسم للثور. قال: ولعل اليهودى أراد التعمية، فقطع الهجاء وقدم أحد الحرفين، وإنما الرتبة لام ياء هجاء لأى على وزن لعاى، أى ثور، ويقال للثور الوحشى: اللأى، فصحف الراوى فقال: بالام، وإنما هو بياء لام بحرف العلة. هذا أقرب ما يقع لى فيه، إلا أن يكون إنما عبر عنه بلسانه، ويكون ذلك فى لسانهم يلا، وأكثر العبرانية فيما يقولون مقلوب على لسان العرب بتقديم الحروف وتأخيرها، وقد قيل: إن العبران هو العربان، فقدموا الياء وأخروا الراء. قال القاضى: وجدت أبا عبد الله بن أبى نصر الحافظ (¬1) ذكر هذا الحديث فى اختصاره الصحيح، وقال فيه: باللأى والنون بباء الإلزاق مكسورة ولام مشددة على وزن الرحى، واللأى: الثور الوحشى فى لسان العرب، ولم أر أحدًا رواه كذا، ولعله إصلاح ممن ظنه مصحفاً، وإذا كان هذا فقد بقيت لنا الميم زائدة من بلام، إلا أن يقول أيضاً: إنها تصحيف، صحفت من الياء المقصورة. وهذا إن لم يصح رواية. وما قاله الخطابى مع ما فيه من التحكم والتكلف غير مُسَلَّم، لأن هجاء اللأى لام ألف وياء لا لام باء كما قال، وأولى ما يقال فى ذلك: أن نُقِرّ الكلمة على وجهها، وتكون كلمة عبرانية، ألا ترى كيف سألوا اليهودى عن تفسيرها، ولو كانت كما رواها ذاك باللأى لكان من لغة العرب ولعرفه الصحابة، ولم يحتاجوا إلى تفسير اليهودى. وزيادة الكبد وزائدته: القطعة المنفردة المتعلقة منه، وهى أطيبه، لهذا - والله أعلم - خص السبعين ألفاً بأكلها من بين سائر أهل الجنة، ولعلهم السبعون ألفاً الذين ورد فى الحديث (¬2) أنهم أول من يدخل الجنة، ففضلوا بأطيب النزول، ويحتمل أنه عبر بالسبعين ألفاً عن العدد الكثير ولم يرد حصر العدد، كما قيل فى قوله: {إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ {(¬3)، وكما يقول القائل: جئتك ألف مرة لتكثير مجيئه إليه. ¬

_ (¬1) هو الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبى نصر بن حميد بن يصل الأزدى الحميدى الميورقى الأندلسى، أصله من قرطبة، ولد قبل العشرين وأربعمائة، روى بالأندلس عن ابن عبد البر وأبى العباس العذرى وابن حزم وغيرهم، وكان موصوفاً بالمعرفة والإتقان والدين والورع، من تصانيفه: كتاب الجمع بين الصحيحين، وجذوة المقتبس فى تاريخ علماء الأندلس، وتوفى - رحمه الله - سنة 488 هـ. انظر: مقدمة الجذوة، وبغية الملتمس ص 123، 124 (257)، وفيات الأعيان 4/ 282 (616)، وتذكرة الحفاظ 4/ 1218 (1041). (¬2) سبق فى ك الإيمان، ب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة، برقم (367). (¬3) الصافات: 147.

(4) باب سؤال اليهود النبى صلى الله عليه وسلم عن الروح وقوله: عالى: {ويسألونك عن الروح} الآية

(4) باب سؤال اليهود النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الروح وقوله: عالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الآية 32 - (2794) حدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى إبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنمَا أنَا أمْشِى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَرْثٍ، وَهُوَ مُتَّكِئ عَلَى عَسِيبٍ إذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. فَقَالُوا: مَارَابَكُمْ إلَيهِ؟ لا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَىْءٍ تَكْرَهُونَهُ. فَقَالُوا: سَلُوهُ. فَقَامَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَألَهُ عَنِ الرُّوح قَالَ: فَأسكَتَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَعَلِمْتُ أنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ. قَالَ: فَقُمْتُ مَكَانِى، فَلَمَّا نَزَلَ الوَحْىُ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (¬1). 33 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَأبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمَ، قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم إليه؟ لا يستقبلكم بشىء تكرهونه " كذا الرواية. قال الوقشى: وجه الكلام: ما أربكم إليه، أى ما حاجتكم. قال القاضى: الرواية إن شاء الله صحيحة، أى ما دعاكم إلى [غير] (¬2) ذلك وخوفكم أو شككم فى أمره، حتى تحتاجوا (¬3) إليه وإلى سؤاله، أو ما دعاكم إلى ما تكرهونه. والريب ما رابك وأوهمك من شىء تتخوف عقباه، ومنه قوله فى فاطمة: " يريبنى ما رابها " (¬4). يقال: رابنى الرجل إذا تحققت ريبته، وأرابنى: إذا توهمت ريبته. وقال ثعلب: أراب الرجل: إذا جاء بريبة، ورد ذلك عليه عَلىّ بن حمزة بما تقدم وهو مذهب أبى زيد. وأما الفراء فقال: هما بمعنى لغتان صحيحتان فى التهمة. وقوله: " [وهو] (¬5) متكئ على عسيب ": معتمداً على جريدة نخل كالاعتماد على العصا ونحوه. وقوله: فلما نزل الوحى، قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الآية. رواية السمرقندى ¬

_ (¬1) الإسراء: 85. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى ح: تحتاجون. (¬4) ك فضائل الصحابة، ب فضائل فاطمة برقم (93). (¬5) من المتن والأبى والنووى.

كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ أمْشِى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حَرْثٍ بِالمدِينَةِ. بِنَحْوِ حَدِيثِ حَفْصٍ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ وَكِيعٍ: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيَلاً} وَفِى حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ: وَمَا أوتُوا، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ خَشْرَمٍ. 34 - (...) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ إدْرِيسَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الأعْمَشَ يَرْوِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى نَخْلٍ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيب. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ فِى رِوَايَتِهِ: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيَلاً}. 35 - (2795) حدّثنا أَبُو بُكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجُّ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ اللهِ - قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ {وَمَا أُوتِيتُم} على نص التلاوة. وللعذرى والطبرى والسجزى: " وما أوتوا " كذا فى حديث ابن غياث، وقد ذكر مسلم الاختلاف فى ذلك فى حديث ابن أبى شيبة وإسحاق، ولم يقرأ بهذه القراءة فى السبع. وكذا جاء فى هذا الكتاب: فلما نزل الوحى قال. وكذا فى البخارى (¬1) فى أكثر أبوابه قيل: وهو وهمٌ وصوابه ما تقدم قبل من رواية ابن ماهان فى باب صفة نزول الوحى: " فلما انجلى عنه " وكذا رواه البخارى (¬2) فى موضع، وفى موضع: " فلما صعد الوحى " وهذا كله وجه الكلام لأنه قد ذكر قبل نزول الوحى عليه، وقد ذكرنا الخلاف فى هذا اللفظ ومعانيه هناك. قال الإمام: الكلام فى النفس والروح مما يغمض ويدق، ولكنه مع هذا أكثر الناس الكلام فيه حتى ألف بعضهم فيه التواليف، ولكن مشاهير المقالات فى الروح قول أبى الحسن الأشعرى: إنه النفس الداخل والخارج، والقاضى أبو بكر بن الطيب يراه مما يتردد بين هذا الذى قاله أبو الحسن الأشعرى وبين الحياة، وبعض الناس يرى أنه جسم مشارك للأجسام الظاهرة والأعضاء الظاهرة، وذهب بعض المتحملين (¬3) من أئمتنا إلى أن الأظهر فيه أنه جسم لطيف، خلقه الله - سبحانه - وأجريت العادة بأن الحياة لا تكون مع فقده، وإذا شاء موت إنسان أعدم هذا الجسم منه عند إعدام الحياة، وهذا الجسم إن كان حياً فلا يحيا إلا بحياة يختص به أيضاً وهو مما يصح القبض إليه والبلوغ إلى مكان ما من الجسم. ¬

_ (¬1) ك التفسير، ب {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوح} 6/ 19. (¬2) ك العلم، ب {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} 1/ 43. (¬3) فى ح: المتكلمين.

خَبَّابٍ قَالَ: كَانَ لِى عَلَى العَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأتَيْتُهُ أتَقَاضَاهُ. فَقَالَ لِى: لَنْ أقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُر بِمُحَمَّدٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إنِّى لَنْ اكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ وَإنِّى لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعَدِ المَوْتِ؟ فَسَوْفَ أقَضِيكَ إذَا رَجَعْتُ إلَى مَالٍ وَوَلَدٍ. قَالَ وَكِيعٌ: كَذَا قَالَ الأَعْمَشُ. قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أَفَرَءَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا} إلَى قَوْلِهِ: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} (¬1). 36 - (...) حدّثنا أبْو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبِى. ح وَحدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَان، كلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ وَكِيعٍ. وَفِى حَدِيثِ جَرِير: قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِى الجَاهِلِيَّةِ، فَعَمِلْتُ لِلعاصِ بْنِ وَائِلٍ عَمَلاً، فَأتَيْتُهُ أتَقَاضَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكونه فى مكان فى العالم أو حواصل الطير إلى غير ذلك مما وقع فى الظواهر، ويصح فى العقل صرف ما أشرنا إليه من الظواهر إلى غيره من جواهر القلب أو الجسم الحية، والمسألة تحتمل الاتساع الكثير، وإنما ذكرنا فى هذا الموضع ما يليق به. وأما قوله: " فأسكت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": يقال سكت سكوتاً وأسكت عنه: أعرض عنه. وقد تكلمنا فى النفس والروح قبل هذا. وقد اختلف المفسرون فى معنى الروح المذكور فى الأم، فقيل: إنهم إنما سألوه عن عيسى، فقال لهم: الروح من أمر الله، أى إنما هو شىء أمر الله به وخلقه، لا كما تقول النصارى. وكان ابن عباس يكتم تفسير الروح، وعن ابن عباس وعلى: هو ملك من الملائكة، وقيل هو جبريل، وقيل: الروح: القرآن، وقيل: خلق كخلق بنى آدم، وقال بعض العلماء: علم الله أن الأصلح لهم ألا يخبرهم ما هو؛ لأن اليهود قالوا: إن فسر الروح فليس بنبى. ¬

_ (¬1) مريم: 77 - 80.

(5) باب فى قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} الآية

(5) باب فى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} الآية 37 - (2796) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الزِّيَادِىِّ، أنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللهُمَّ، إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ ألِيمٍ. فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذَّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَاَ كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرونَ. وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) الأنفال: 33، 34. ولم يتعرض الإمام أو القاضى لهذا الباب.

(6) باب قوله: {وإن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى}

(6) باب قوله: {وإِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى. أَن رَآهُ اسْتَغْنَى} 38 - (2797) حدّثنا عُبَيْدُ الله بْنُ مُعَاذ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِىُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِى نُعَيْمُ بْنُ أَبِى هِنْد، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْل: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظَهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَاللاَّت وَالْعُزَّى، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَانَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِى التُّرَابِ. قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّى، زَعَمَ ليَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ. قَالَ: فَمَا فَجئَهُمْ مِنْهُ إلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْه وَيَتَّقِى بِيَدَيْهِ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِى وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ دَنَا مِنَّى لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا ". قَالَ: فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ - لاَ نَدْرِى فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَوْ شَىْءٌ بَلَغَهُ -: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى. أَن رَآهُ اسْتَغْنَى. إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجُعَى. أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى. عَبْدًا إِذَا صَلَّى. أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى. أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى. أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} يَعْنِى أَبَا جَهْلٍ {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى. كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ. نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ. فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ. سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ. كَلاَّ لا تُطِعْهُ} (¬1). زَادَ عُبَيْدُ الله فِى حَدِيثِهِ قَالَ: وَأَمَرَهُ بِمَا أَمَرَهُ بهِ. وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ. يَعْنِى قَوْمَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " هل يعفر محمد وجهه ": أى يسجد ويلصقه بالعفر، وهو التراب. وقوله: " لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن رقبته ولأعفرن وجهه ": أى لألطخنه بالتراب وأمسكنه فيه. وقوله: " فما فجئهم منه " أى بغتهم، يقال: فجأ الأمر وفجئ بفتح الجيم وكسرها، أى أتى بغتة وعلى غير استعداد له. وقوله: " وهو ينكص على عقبيه ": أى يرجع وراءه القهقرى كما ذكر فى الحديث: أنه رآه من الهول والخندق والنار والأجنحة التى ضربت بينهما. وقول النبى: " لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضواً عضواً ": هذا من جملة آياته - عليه السلام - وعلامات نبوته؛ ولهذا الحديث أمثلة كثيرة فى عصمته من أبى جهل وغيره ممن أراد ضره، وحماية الله له بما ذكر، وتلك الأجنحة أجنحة الملائكة - والله أعلم. ¬

_ (¬1) العلق: 6 - 19.

(7) باب الدخان

(7) باب الدخان 39 - (2798) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الله جُلُوسًا، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ يَقُصُّ وَيَزْعُمُ أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِىءُ فَتَأخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ، وَيَأخذُ الْمُؤْمَنِينَ مِنْهُ كهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَقَالَ عَبْدُ الله - وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا الله، مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًّا، فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلْيَقُلِ: الله أَعْلَمُ، فَإنَّهُ أَعْلَمُ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ: الله أَعْلَمُ، فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (¬1) إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا. فَقَالَ: " اللهُمَّ، سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ " قَالَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَىْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجُوعِ، وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ. فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ جِئْتَ تَأمُرُ بِطَاعَةِ الله وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ الله لَهُمْ. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} (¬2). قَالَ: أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَة؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ} (¬3). فَالْبَطشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ، وآيَةُ الرُّومِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فلما رأى من الناس إدباراً قال: " اللهم سبع كسبع يوسف " فأخذتهم سنة: السنة: الشدة والجدب، كما قال في الحديث الآخر: " فأصابهم قحط وجهد "، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} (¬4). وقوله: " حصَّت كل شىء ": أى استأصلته. والحص: الحلق؛ ولذلك تسمى أيضاً الحالقة. ¬

_ (¬1) ص: 86. (¬2) الدخان: 10 - 15. (¬3) الدخان: 16. (¬4) الأعراف: 129.

40 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ رَجُلٌ فَقَالَ: تَرَكْتُ فِى الْمَسْجِدِ رَجُلاً يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأيِهِ. يُفَسِّرُ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} (¬1) قَالَ: يَأتِى النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ فَيَأخُذُ بِأنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكُامِ. فَقَالَ عَبْدُ الله: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُل بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: الله أَعْلَمُ. فَإِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لما لا عِلْمَ لَهُ بِهِ: الله أَعْلَمُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا؛ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتَ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَاَ عَلَيْهِمْ بِسِنينَ كَسِنِى يُوسُفَ، فَأَصَابُهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظَرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، وَحَتَّى أَكَلوا الْعِظَامَ، فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، اسْتَغْفِرِ الله لِمُضَرَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ: " لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِىء " قَالَ: فَدَعَا الله لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} (¬2) قَالَ: فَمُطِرُوا. فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، قَالَ: عَادُوا إِلَى مَا كَانوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ. {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ} (¬3) قَالَ: يَعْنِى يَوْمَ بَدْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فقال له رجل: يا رسول الله، استغفر لمضر ": كذا هنا دى جميع النسخ، ورواه البخارى (¬4): " استسقى الله "، قيل: وهو الصواب والأليق بالحال. وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لمضر؟ إنك لجرىء " على طريق التقرير والتعريف له بكفرها، واستعظام ما سأله لهم من استغفار الله لهم أو استسقائه، وهو عدو الدين وأهله. وقد يصح على هذا عندى قول مسلم: " استغفر الله " وأن إنكاره إنما كان للاستغفار الذى سأله الكفار " بدليل أنه عدل عنه إلى الدعاء لهم بالسقيا، ولو كان استعظامه إنما هو لسؤاله السقيا لما استسقى لهم. ¬

_ (¬1) الدخان: 10. (¬2) الدخان: 15. (¬3) الدخان: 16. (¬4) البخارى، ك التفسير، تفسير سورة الدخان، ب قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ} 6/ 164.

41 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبدِ الله قَالَ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطشَةُ، وَالْقَمَرُ. (...) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 42 - (2799) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِىِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، فِى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} (¬1). قَالَ: مَصَائِبُ الدُّنْيَا، وَالرُّومُ، والْبَطْشَةُ، أَوِ الدُّخَانُ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ فِى الْبَطْشَةُ أَوِ الدُّخَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " مضت آية الدخان، والبطشة، واللزام، وآية الروم " وفسرها فى الأم " إلا اللزام "، واللزام هو قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} (¬2). قال ابن مسعود وغيره من أهل التفسير: هو ما حل بهم يوم بدر. قيل: الموت، وقيل: القتال، وهى البطشة الكبرى أيضاً. ¬

_ (¬1) السجدة: 21. (¬2) الفرقان: 77.

(8) باب انشقاق القمر

(8) باب انشقاق القمر 43 - (2800) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِقَّتَيْنِ. فَقًالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْهَدُوا ". 44 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى، إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلقَتَيْنِ، فَكَانَتْ فِلْقَة وَرَاءَ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْهَدُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى باب انشقاق القمر حديث عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم، وحديثه عن الأعمش عن مجاهد. ثم ذكر حديث غندر وابن أبى عدى قال: كلاهما عن شعبة بإسناد ابن معاذ. كذا لكافة شيوخنا، وعند الطبرى: بإسناد معاذ، وهو أشبه بالصحة لأنه ذكر لمعاذ بن معاذ عن شعبة السندين المتقدمين، والله أعلم. قال القاضى: آية انشقاق القمر من أمهات آيات نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعجزاته، وقد رواها عدة من الصحابة، وظاهر الآية أيضاً وسياقها، وما بعدها من تمادى قريش على التكذيب، يشهد بصحتها لقوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ. وَإن يَرَوْا آيَةَ يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} (¬1). قال أبو إسحاق الزجاج (¬2): وقد أنكرها بعض أهل البدع، وضاهى فى ذلك مخالفى الملة وذلك لما أعمى الله قلبه، ولا إنكار للعقل في جهتها؛ إذ هو خلق من خلق الله، ¬

_ (¬1) القمر: 1، 2. (¬2) هو إبراهيم بن السرى بن سهل النحوى، صاحب كتاب " معانى القرآن " كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، جميل المذهب قال: كنت أخرط الزجاج فاشتهيت النحو فلزمت المبرد لتعلمه على أن أعطيه كل يوم درهماً إلى أن يفرق الموت بيننا، فلزمته وكنت أخدمه فى أموره مع ذلك الدرهم حتى طلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدباً لابنه القاسم حين ولى الوزارة، فصرت نديمه. ومن تصانيفه الاشتقاق، خلق الإنسان، مختصر النحو، ومات سنة 311 هـ، ببغداد، وكان قد جاوز سبعين سنة انظر: تاريخ بغداد 6/ 89 (3126)، وفيات الأعيان 1/ 49 (13)، معجم الأدباء 1/ 130.

45 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ الله بْنُ مُعَاذ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلْقَتَيْنِ، فَسَتَرَ الجَبَلُ فِلْقَةً، وَكَانَتْ فِلْقَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ اشْهَدْ ". (2801) حدَّثنا عُبَيْدُ الله بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِثْلَ ذَلِكَ. (...) وَحَدَّثَنِيه بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مَحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كَلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. بإِسْنَادِ ابْنِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَديِثِ ابْنِ أَبِى عَدِىٍّ: فَقَالَ: " اشْهَدُوا، اشْهَدُوا ". 46 - (2802) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةُ سَأَلُوا رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَراهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ، مَرَّتيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ يفعل به ما يشاء، كما يفنيه ويكوره آخر أمره. وإنما أنكرها مخالفو الملة لوجهين: أما المنجمون وأصحاب التدبير والفضاء فضلالهم: أن الدرارى مدبرة العالم والفاعلة فيه، وأن تغيرها فى هيئتها عندهم لا يصح إلا بفناء العالم، على خلاف بينهم: هل يمكن فى العقل إيجاد هيئة أخرى خلاف هذه الهيئة لتدبير العالم، أو لا يصح وجود سواها، مما طال خطبهم به وضلالهم فيه؛ لنفى أكثرهم الصانع القديم، ومن أثبته منهم بالصنع عندهم لغيره. ولا حاجة بنا إلى بسط مقالاتهم واختلافهم فى ذلك وهذيانهم الذى يحسبونه وأتباعهم الحق والبرهان، وهو الخيالات والهذيان مما هو ضد الحق. وعقيدة أهل الإيمان أن المدبر الخالق هو الله منشئ هذا كله، والمفتى له إذا شاء، الغنى فى جميع ذلك لا عن (¬1) واسطة وتدبير ظهير وتسيب [مسبب] (¬2) سوى إرادته وقدرته (¬3)، لا مرد لحكمه. وأما [من] (¬4) سواهم من أهل الملل ومن أضله الله تعالى، فبقولهم: إن هذا لو كان لم يخف على أهل الدنيا، ولنقل نقلاً من جميع الأقطار واستوى من معرفته أهل الهند ¬

_ (¬1) فى ز: على، والمثبت من ح. (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬3) كررت فى ز خطأ. (¬4) من هامش ح.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. بِمَعْنَى حَدِيثِ شَيْبَانَ. 47 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو دَاوُدَ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قالَ انْشَقَّ الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى دَاوُدَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 48 - (2803) حدّثنا مُوسَى بْنُ قُرَيْشٍ التَّمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا إِسحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبيعَةَ، عَنْ عِرَاكَ بْنِ مَالِكٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاَسٍ قَالَ: إِنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والصين ولم يختص به طائفة من أهل مكة. وهو - أيضاً - لا حجة فيه؛ فإن آيات الله تحدث وأكثر الناس نيام والأبواب موجفة. والناس متغشون ثيابهم، وقل من يبصرها إلا الشاذ والراصد لها. وكثيراً ما تحدث كسوفات القمر الكليات وغيرها، وعجائب من أنوار طوالع وشهب عظام؛ وآيات فى السماء تظهر بالليل، فيتحدث بها الواحد والاثنان ممن رآها، ولا علم عند غيرهم منها لما ذكرناه. وهذه كانت آية بليل لقوم اشترطوها وسألوها، لم يهتبل (¬1) غيرهم بها، وقد يكون القمر حينئذ فى بعض المجارى والمنازل التى تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض، كما يكون ظاهرًا لقوم غائباً عن أخر، أو كما يجد أهل بلد الكسوف فى الشمس والقمر ولا يجده غيرهم، ويكون عند بعضهم كلياً وعند بعضهم بخلافه، كل ذلك بحسب القرب والبعد وارتفاع الدرج وانخفاضها فى الطول عن خط الاستواء والعرض. ¬

_ (¬1) من الاهتبال: وهو تحين الشىء والاعتناء به، ومنه قول القائل: فاهتبلت غفلته، أى تحينتها واغتنمتها. مشارق الأنوار 2/ 264.

(9) باب لا أحد أصبر على أذى، من الله عز وجل

(9) باب لا أحد أصبر على أذى، من الله عز وجل 49 - (2804) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَش، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ أَحدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهمْ وَيَرْزُقُهُمْ ". (...) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. إِلاَّ قَوْلَهُ: " وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ " فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. 50 - (...) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحمَنِ السُّلَمِىِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بْنُ قَيْسٍ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ الله تَعَالَى، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا، وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل، إنه يشرك به، ويجعل له الولد، ثم هو يعافيهم ويرزقهم "، قال الإمام: المراد بهذا: أن الله واسع الحلم (¬1) على الكافر الذى يضيف إليه الولد. والصبر: منع النفس من التشفى والانتقام، أو منعها من غير ذلك. فلما كان الامتناع نتيجة الصبر عبر عن ترك البارى - سبحانه - الانتقام بهذه العبارة، وجرى الأمر فى ذلك على حسب ما بيناه قبل. قال القاضى: والصبور من أسماء الله عز وجل، وهو الذى لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو بمعنى الحليم فى أسمائه أيضاً تعالى، إلا أن الفرق بينهما أن الصبور يخشى عاقبة أخذه، والحليم هو العفو الصفوح مع القدرة على الانتقام. وهذا الفرق بين الصبر والحلم، وقد بين فى [هذا] (¬2) الحديث معنى قوله: " أصبر على أذى " ببقية الحديث. ¬

_ (¬1) فى ز: الكم، والمثبت من ح. (¬2) ساقطة من ح.

(10) باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا

(10) باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهباً 51 - (2805) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَقُولُ الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لأهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا؟ فَيَقُولُ. نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ: ألا تُشْرِكَ - أَحْسِبُهُ قَالَ - وَلاَ أُدْخِلَكَ النَّارَ، فَأَبَيْتَ إِلا الشِّرْكَ ". (...) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. إِلاَّ قَوْلَهُ: " وَلاَ أُدْخَلَكَ النَّارَ " فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. 52 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِك؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُقَالُ لِلكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلءُ الأَرْضِ ذَهَباً، أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ سُئِلتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذاباً: لو كانت لك الدنيا " إلى قوله: " قد أردت منك أهون من ذلك وأنت فى صلب آدم: ألا تشرك، فأبىت إلا الشرك ": هذا تنبيه على ما جاء فى قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشَهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} (¬1)، فهذا الميثاق الذى أخذ عليهم فى صلب آدم، فمن وَفَّى به بعد وجوده فى الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يف به فهو الكافر. ومراد الحديث - والله أعلم ونبيه -: قد أردت منك هذا وأنت فى صلب آدم: أَلا تشرك بى حين أخذت عليك ذلك الميثاق، فأبىت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشريك. قال الإمام: مذهب أهل الحق أن الله - سبحانه - أراد إيمان المؤمن وكفر الكافر، ولم يرد من الكافر الإيمان فامتنع عليه، ولو أراده عندنا لم يكن كافراً. والمعتزلة تخالف فى هذا ¬

_ (¬1) الأعراف: 172.

53 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. ح وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب - يَعْنِى ابْنَ عَطَاء - كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ، قَدْ سُئِلتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الموضع، وترى: أن الله - سبحانه - أراد من الجميع الإيمان، فاستحب الكافر العمى على الهدى وأبى إلا الشرك، اغتراراً منها برد الغائب إلى الشاهد من غير جامع ولا رابط. وقد ثبت فى المشاهد أن من يريد السفه والشر منا سفيه شرير. قالوا: فلما كان الكفر سفهاً وشراً لم يصح أن يريده البارى - سبحانه. وأخطؤوا فى هذا الاستدلال فى مواضع: منها: أن الكفر سفه وشر فى حقنا وفى حق من لم يكلف لا فى حق البارى - سبحانه. ومنها: [أن] (¬1) مريد السفه والشر إنما كان سفيهاً لنهى الله - سبحانه - له ألا يريد السفه والشر، والبارى - سبحانه - لا أحد فوقه [ينهاه] (¬2) ويأمره، فلم يصح أن يقاس علينا فى هذا. ومنها: أن المريد منا يفعل ما إذا لم يحصل له ما أراد فإن ذلك يؤذن بعجزه وضعفه، فهلاّ قالوا: إن البارى - سبحانه - إذا أراد من الكافر الإيمان فلم يؤمن آذن [ذلك] (¬3) بضعفه وعحزه، كما قالوا: إن مريد السفه لسفههِ منا سفيه فلو أراده البارى لكان سفهاً، تعالى الله عن ذلك، وهذا يوضح [لك] (¬4) فساد ما بنوا عليه. وهذا الحديث إن تعلق به بعضهم فى تصحيح المذهب الذى حكيناه عنهم، وقال: قد أخبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاهنا فى الصحيح أن الله تعالى يقول للكافر: " أردت منك ألاّ تشرك، وأبىت إلا الشرك " قلنا: هذا [خبر الواحد، والمسألة مسألة أصل، ومع هذا] (¬5)، فإنه قد يصح أن يراد به ما أخذ من العهد على الخليقة، وهم في صلب آدم؛ ولهذا قال: " أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت فى صلب آدم ". ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى هامش ح. (¬3) و (¬4) ساقطة من ح. (¬5) سقط من ز.

(11) باب يحشر الكافر على وجهه

(11) باب يحشر الكافر على وجهه (¬1) 54 - (2806) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " أَليْسَ الَّذِى أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِى الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى. وَعِزَّةِ رَبِّنَا! ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يُعَلَّق عليه في جميع النسخ.

(12) باب صبغ أنعم أهل الدنيا فى النار وصبغ أشدهم بؤسا فى الجنة

(12) باب صبغ أنعم أهل الدنيا فى النار وصبغ أشدهم بؤساً فى الجنة 55 - (2807) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَاَلِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ النَّارِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً. ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا، وَالله، يَارَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ. فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا، وَالله يَارَبِّ، مَا مَرَّ بِى بُؤْسٌ قَطُّ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا، فيصبغ فى النار صبغة ": أى يغمس ويغرق.

(13) باب جزاء المؤمن بحسناته فى الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر فى الدنيا

(13) باب جزاء المؤمن بحسناته فى الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر فى الدنيا 56 - (2808) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظ لَزُهَيْرٍ - قَالاَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مُؤْمنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بهَا فِى الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِى الآخِرَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لله فِى الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أفْضَى إلَى الآخِرَةِ، لَمْ يَكُنْ لهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا ". 57 - (...) حدّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَالَ: سَمِعْتُ أبِى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِك؛ أنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الكَافِرَ إذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا، وَأمَّا المُؤمِنُ فَإنَّ الله يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِى الآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِى الدُّنْيَا، عَلَى طَاعَتِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وأما الكافر فيعطى بحسنات ما عمل في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " كذا روايتنا فيه من طريق ابن ماهان، وعند كافتهم: " وأما الكافر فيطعن بحسنات ما عمل " وكلتا الروايتين متقاربة. قال الإمام: قد تقدم الكلام على ما يقع من الكافر في حال كفره من حسنات وسيئات. ومذهب المحققين أنه غير عارف بالله - سبحانه - وأن بعض الناس ذهب إلى أنه يخفف عنه من العذاب لأجل ما قدم من حسنات. وقوله: " فإذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها ": يشير إلى أنه لا منفعة له فى الآخرة أصلاً بما عمل من ذلك، ومحمل قوله: " بحسنات ما عمل لله بها " عند من قال: إنه لا يعرف الله أصلاً، على معنى أنه يعتقد أنه يعمل لله، دان كان اعتقاده ليس بعلم ولا معرفة لله - سبحانه. فال القاضى: والأصل أن الكافر لا يجزى فى الآخرة على خير عمله فى الدنيا، ولا يكتب له حسنة؛ لأن شرط الثواب والجزاء عُدِمَ (¬1) وهو الإيمان، لكن أخبر فى هذا الحديث ¬

_ (¬1) فى ح: عدمه.

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه من عدل الله أنه قد جازاه بها في الدنيا بما أعطاه ورزقه وأطعمه بخلاف المؤمن الذى يدخر له حسناته فى الآخرة.

(14) باب مثل المؤمن كالزرع، ومثل الكافر كشجر الأرز

(14) باب مثل المؤمن كالزرع، ومثل الكافر كشجر الأرز 58 - (2809) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ، لا تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ، وَلا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ. وَمَثَلُ الْمُنَافِق كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ، لا تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحَصِدَ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَن عَبْدِ الرَّزَّاقِ،، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - مَكَانَ قَوْلِهِ: تُمِيلُهُ -: " تُفِيئُهُ ". 59 - (2810) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرِ ومُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِى زَائدَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِى ابْنُ كَعْبِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع "، قال الإمام: يعنى الغضة الرطبة. وقوله: " حتى تهيج ": أى تجف، يقال: هاج الزرع هيجًا. إذا يبس. قوله: " مثل المنافق مثل الأرزة المجذية ": قال أبو عبيد: الأرزة؛ بفتح الألف وتسكين الراء: شجر معروف بالشام، وتسمى بالعراق: الصنوبر، وإنما الصنوبر ثمر الأرز، فسمى الشجر صنوبرًا من أجل ثمره، والمجذية: الثابتة فى الأرض، يقال: جذت تجذى [وأجذت تجذى] (¬1). والانجعاف الانقلاع، يقال: جعفت الرجل: إذا صرعته. قال أبو عبيد: شبه المؤمن بالخامة التى تميلها الرياح؛ لأنه مُرزَّأ فى نفسه وأهله وماله، وأما الكافر فمثل الأرزة التى لا تميلها الرياح، والكافر لا يرزأ شيئاً حتى يموت، وإن رزى لم يؤجر عليه، فشبه موته بالانجعاف تلك، حتى يلقى الله بذنوب جمة. قال القاضى: قال بعضهم: الخامة: الزرع أول ما ينبت، ومعنى: " تفيئها الريح " بضم التاء: أى تميلها وتثنيها، كما قال فى الحديث الآخر: " تميله ". وقوله: " تصرعها مرة وتعدلها مرة ": أى بمعنى ما تقدم، أى تثنيها حتى تكاد ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

مَالِكٍ، عَنْ أَبِيه كعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، تُفِيئُهَا اَلرِّيحُ، تَصْرعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى، حَتَّى تَهِيجَ. وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأرْزَةِ الْمُجذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا، لاَ يُفِيئُهَا شَىْءٌ، حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ". 60 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، تُفِيئُهَا الرِّيَاحُ، تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا، حَتَّى يَأتِيَهُ أَجَلُهُ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ، الَّتِى لا يُصِيبُهَا شَىْءٌ، حَتَّى يَكُونَ انْجَعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ". 61 - (...) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قَالا: حَدَّثَنَا بشْرُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْد بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. غَيْرَ أَنَّ مَحْمُودًا قَالَ فِى رِوَايَتِهِ عَنْ بِشْرٍ: " وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَل الأَرْزَةِ ". وَأَمَّا ابْنُ حَاتِمٍ فَقَالَ: " مَثَلُ الْمُنَافِقِ " كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ. 62 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّان - عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ ابْنُ هَاشِمٍ: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ - عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثهِمْ. وَقَالا جَمِيعًا فِى حَدِيثِهِمَا عَنْ يَحْيَى: " وَمَثَلُ الْكَافِرِ مَثَلُ الأَرْزَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ تلصقها بالأرض أو يلصقها كمن صرع بالأرض، ثم تعدلها، أى تقيمها فتعتدل قائمة على سوقه. وقوله فى الحديث الآخر: " حتى تستحصد إلى الزرع " مثل " ينجعف " فى الرواية الأخرى، كذا ضبطناه بفتح التاء وكسر الصاد عن أكثرهم، وضبطه بعض شيوخنا على ما لم يسم فاعله، والأول أوجه.

(15) باب مثل المؤمن مثل النخلة

(15) باب مثل المؤمن مثل النخلة 63 - (2811) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ - وَاللَّفْظَ لِيَحْيَى - قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَاَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثونِى مَا هِى؟ ". فَوَقَعَ النَّاسُ فِى شَجَرِ الْبَوَادِى. قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ. ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِىَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: فَقَالَ: " هِىَ النَّخْلَةُ ". قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ. قَالَ: لأنْ تَكونَ قُلْتَ: هِىَ النَّخْلَةُ، أَحبُّ إِلَى مِنْ كَذَا وكذا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم فحدثونى ما هى؟ ": فيه إلقاءُ العالم المسألة على أصحابه ليختبر قدر أفهامهم وفيه ضرب الأمثال والأشباه. وفيه فضل الشجر (¬1) والثمر الذى لا يسقط ورقه. ويشبهها بالمسلم لكثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها ووجوده على الدوام. وأما فى رؤوسها فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعاً، ثم بعد هو مما يدخر فلا ينقطع نفعها، قال الله تعالى: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (¬2). ثم فى جميعها منافع من استعمال جذوعها فى البناء والآلات، وجرائدها حطباً وعصياً ومخاصر ومشاجب وحصراً. واستعمال [ليفها حبالاً وخطماً وحشو الوسائد والمرافق والبراذع وغير ذلك، واستعمال] (¬3) خوصها مكاتل وحبالاً وحصراً. ثم فى جمال بنائها (¬4) واعتدال قيامها واستدارة جذوعها وثمرها، ثم تؤكل رطبة وجمارة (¬5)، فهى منفعة كلها وخير وجمال، وهذا أولى الوجوه. ¬

_ (¬1) فى ح: النخل. (¬2) إبراهيم: 25. (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى الرسالة: نباتها. (¬5) فى ز: حارة ...

64 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْد الْغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْد، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ الضُّبَعِىِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لأصْحَابِهِ: " أَخْبِرُونِى عَنْ شَجَرَةٍ، مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ ". فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَذْكُرُونَ شَجَرًا مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِى. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأُلْقِى فِى نَفْسِى - أَوْ رُوعِىَ - أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا، فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ، فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا سَكَتُوا، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هِىَ النَخْلَةُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كما أن المؤمن منفعة كله، وخير كله؛ لاتصافه بأفعال الخير؛ من المواظبة على الصلوات كل يوم وليلة. وقيل: بل شبهها بالمؤمن لأنها متى قطع رأسها ماتت، بخلاف سائر الشجر. قيل: بل لأنها لا تحمل حتى تلقح ولذلك سماها فى الحديث عمة، فقالوا: " الزموا (¬1) عمتكم " (¬2). وقيل: لأن أحوالها من حين تطلع إلى تمام ثمرها عشرة، كما أن أحوال المؤمن من التوبة إلى المعرفة عشرة: التوبة، ثم الصلاح، ثم الاجتهاد، ثم الخوف، ثم الرجاء، ثم الإرادة، ثم الاستقامة، ثم المحبة، ثم الرضى، ثم المعرفة. وثمر النخل عشرة: طلع، ثم إغريض، ثم بلح، ثم سياب، ثم جرال، ثم بسر، ثم زهو، ثم ثعد، ثم رطب، ثم تمر. وقد ظن بعض من لم يتفهم له المراد أنما خص النخلة هنا بكونها لا تسقط ورقها، وقال: إنما خصها بذلك من بين شجر البوادى الذى ذكروا؛ لأن ورقها لا يسقط وإن قطعت جذوعها، بخلاف غيرها مما لا يسقط ورقه من الثمار؛ ولأنه متى قطع ويبس تناثر ورقه. والنبى - عليه السلام - لم يخصها من الصفات بترك سقوط الورق التى يشاركها فيه غيرها فقط، بل لصفات أخر فيها، ذلك من الفضائل المذكورة، وفضل عدم سقوط الورق دوام الظل. وقد جاء فى الأحاديث الأخر صفات أخرى لها، من قوله: " تؤتى أكلها " وغير ذلك. وقوله: " لا يتحات ورقها ": أى لا يتناثر ويتساقط. وأصل الحت: القشر. وقوله: " فوقع الناس فى شجر البوادى ": أى ذهبت فِكرهم واختياراتهم إلى ذلك، ¬

_ (¬1) فى ح: أكرموا. (¬2) جاء الحديث بلفظ: " أكرموا عمتكم النخلة " وهو مطول. أورده ابن عدى فى الكامل فى ضعفاء الرجال 6/ 431، 432.

(...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدينَة، فَمَا سَمِعْتُهُ يحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا حَدِيثًا وَاحِدًا. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأُتِى بجُمَّار. فَذَكَرَ بنَحْو حَدِيثهمَا. (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا سَيْفٌ. قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: أُتِىَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُمَّارٍ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِع، عَن ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَخْبِرُونِى بِشَجَرَةٍ شِبْهِ، أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ، لاَ يَتَحَاتُ وَرَقُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واعتمدت عليه، كما يقال: وقع الطائر على (¬1) غصن الشجرة: إذا نزل عليها. وقوله: " فأتى بجمار ": هو رخص طلع النخل وما يؤكل من قلبه. وقوله فى حديث ابن أبى شيبة: " لا يتحات ورقها ": قال إبراهيم: لعل مسلماً قال " وتؤتى "، وكذا وجدت عند غيرى أيضاً: " ولا تؤتى أكلها كل حين ". قال القاضى: يريد إبراهيم وهو ابن سفيان، رواه مسلم أنه وجد في كتابه وعند غيره أيضاً عن مسلم: " لا يتحات ورقها، ولا تؤتى ". فقال هو: لعل مسلماً قال: " وتؤتى ". قال القاضى: تأويل إبراهيم غير صحيح، وما فى أصل مسلم هو الصحيح. وإثبات " ولا " صحيح. وقد رواه البخارى كذلك، بل بائن لذوى الألباب، وأشكل للبُلْه الأغفال. فقال: " لا تتحات ورقها، ولا تؤتى أكلها ". فتؤتى ابتداء كلام ليس منفياً بلا الذى قبله، وإنما نفى فى الحديث أشياء أخر من العيوب عنها، فاختصره الراوى بقوله: " ولا " ولا شاء ذكرها ونسيها الراوى، والله أعلم. أو اختصر من أنه لا يقطع ثمرها ولا ينعدم ظلها وشبه هذا، ثم وصفها بأنها تؤتى أكلها كل حين. وقول ابن عمر: " فألقى فى نفسى أو روعى أنها النخلة ": الروع: بمعنى النفس والخلد والقلب وشبهه. وقيل: الروع، بالضم: محل الرَّوع بالفتح، وهو الفزع. وقوله: " وأرى أسنان القوم فأهابه ": يريد المشيخة ذوى الأسنان، أى الأعمار. ¬

_ (¬1) فى ز: عن.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَعَلَّ مُسْلِمًا قَالَ: وَتُؤْتِى أُكُلَهَا. وَكَذَا وَجَدْت عِنْدَ غَيْرِى أَيْضًا: وَلاَ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرأيْتُ أَبَا بَكْر وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا. فَقَالَ عُمَرُ: لأنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحبُّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ كذا لابن ماهان، وعند الجلودى: " فإذا أسنان القوم " والأول أليق بالكلام. فيه توقير الأكابر وألا يتقدم الصغير بين أيديهم بالكلام، كما قال - عليه السلام -: " كبر كبر " و" الكبر الكبر " (¬1). وقول عمر: " لأن يكون قالها أحب إلىَّ من كذا وكذا ": فيه ما طبع الإنسان عليه محبة الخير لنفسه ولولده، لا سيما هناك وفى العلم، وليظهر للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكانه من الفهم فيزداد منه قربة وحظوة، ولعله يدعو له عند ذلك دعوة ينتفع بها. وقد احتج بهذا الحديث مالك على أن الخواطر وما يقع فى القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها لله تعالى، أو لا ينفك المرء عنه. قال الإمام: خرج مسلم فى باب: " مثل المؤمن مثل النخلة ": حدثنا ابن نمير [قال] (¬2) حدثنا أبى قال: حدثنى سيف، قال: سمعت مجاهداً يقول، الحديث. وفى نسخة ابن الحذاء: حدثنا سفيان، قال: سمعت مجاهدًا. فجعل بدل " سيف ": " سفيان ". قال بعضهم: والصواب سيف، وهو سيف بن أبى سليمان (¬3)، يروى عن مجاهد، ويقال فيه أيضاً: سيف بن سليمان، وسيف أبو سليمان، كل محفوظ. قال البخارى: وكيع يقول: سيف أبو سليمان، وابن المبارك يقول: سيف بن أبى سليمان، ويحيى القطان يقول: سيف بن سليمان. ¬

_ (¬1) سبق فى ك القسامة، ب القسامة رقم (1، 2). (¬2) من ح. (¬3) التاريخ الكبير 4/ 171.

(16) باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا

(16) باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قريناً 65 - (2812) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِى جَزِيَرةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِى التَّحْرِيشِ بَيْنهُمْ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 66 - (2813) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَن جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ". 67 - (...) حدّثنا أَبُو كُريْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَإسْحَاقُ بْنُ إِئراهِيمَ - وَاللَّفْظ لأَبِى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله: " إن عرش إبليس على البحر ": العرش: سرير الملك وشبهه. وقوله: " فيقول له - يعنى إبليس -: نعم أنت ": يريد الذى قاله من الشياطين أنه فرق بين رجل وامرأته. معنى " نعم أنت ": [الذى] (¬1) جئت بالطامة والأمر العظيم. قالوا: وهذا من المحذوف المؤخر الذى يدل عليه مقصد الكلام، وقد يكون معناه: نعم أنت الذى أغنيت وفعلت رغبتى، أو أنت الحظىّ عندى، المقدم من رسلى، كما قال: " فيدنيه ويلتزمه "، أو أنت الشهم والجذل، ونحو هذا. وفيه تعظيم أمر الفراق والطلاق وكثير ضرره وفتنته، وعظيم الإثم فى السعى فيه؛ لما فيه من قطع ما أمر الله به أن يوصل، وشتات ما جعل الله فيه رحمة ومودة، وهدم بيت بُنى فى الإسلام، وتعريض بالمتخاصمين أن [وقعا فى الحرج والآثام] (¬2). ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) فى ح: يقع فى الحرج والإثم.

كُرَيْبٍ - قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً. يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فيَقُولُ: مَا ترَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَاتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ. قَالَ الأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: " فَيَلتَزِمُهُ ". 68 - (...) حدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَبْعَثُ الشَّيْطَانُ سَرَايَاهُ فَيفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ". 69 - (2814) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وِإسْحَاقُ بْنُ إِبَرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِىَ الْجَعْد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ ". قَالُوا: وِإيَّاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " وَإيَّاىَ، إِلاَّ أَنَّ الله أَعَانَنِى عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ، فَلاَ يَأمُرُنِى إِلاَّ بِخَيْرٍ ". (...) حدّثنا ابْنُ الْمُثنى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِيَانِ ابْنَ مَهْدِىٍّ - عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ. مِثْلَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ سُفْيَانَ: "وَقَدْ وكِّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فيلتزمه ": أى يضمه إلى نفسه. التزمت فلاناً مثل عانقته. والتحريش: الإغراء والتضريب بن الناس وغيرهم. قوله: " ما من أحد إلا وكل به قرينه من الجن " قالوا: وإياك؟ قال: " وإياى، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير ": رويناه بالضبطين من الرفع والفتح، فمن رفع تأولها: فأسلم أنا منه، وهى التى صحح الخطابى ورجَّح، ومن فتح جعله صفة للقرين من الإسلام، وهى عندى أظهر بدليل قوله: " فلا يأمرنى إلا بخير ". ورواه بعضهم فى غير الأم: " فاستسلم ". وهذه الرواية تؤيد ما ذكرناه. واعلم أن الأمة

بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَة ". 70 - (2815) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، حَدَّثَه؛ أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ: فَغِرْتُ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: " مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ؟ أَغِرْتِ؟ " فَقُلْتُ: وَمَا لِى لا يَغَارُ مِثْلِى عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟ " قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَمَعىَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ " نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّى أَعَانَنِى عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ مجتمعة (¬1) على عصمة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشيطان، لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بضروب الوساوس، ولا على لسانه بما لم يقل. وقد بسطنا هذا الباب على أتم وجوه البيان فى كتاب الشفا (¬2). ¬

_ (¬1) فى ح: مجمعة. (¬2) الشفا 1/ 346.

(17) لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى

(17) لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى 71 - (2816) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لَنْ يُنْجِىَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ " قَالَ رَجُلٌ: وَلاَ إِيْاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " وَلاَ إِيَّاىَ، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِىَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَلَكِنْ سدِّدُوا ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأشَجِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " بِرَحْمَةِ مِنْهُ وَفَضْلٍ ". وَلَمْ يَذْكُرْ: " وَلَكِنْ سَدِّدُوا ". 72 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْد - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ". فَقِيلَ: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " وَلاَ أَنَا، إلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدنِى رَبِّى بِرَحْمَةٍ ". 73 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مَحَمَّد، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ ". قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى الله مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " لن ينجى أحداً منكم عمله "، وفى الرواية الأخرى: " لن يدخله عمله الجنة ولا يجيره من النار " إلى قوله: " ولا إياى، إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه، ولكن سددوا وقاربوا "، قال الإمام: مذهبنا أنّ إثابة الله - تعالى - لمنْ أطاعه ولم يعصه بفضل، ولا يثبت [منه] (¬1) شىء إلا بالسمع، وكذلك انتقامه ممن عصاه ولم يطعه عدل، ولا يثبت منه شىء إلا بالسمع، والبارى - سبحانه - عندنا لن يعذّب النبيين وينعم (¬2) الكافرين، ولكنه أخبرنا [أنه يفعل خلاف ذلك] (¬3). والمعتزلة تثبت بعقولها أعراض الأعمال، ولها فى ذلك خبط طويل وتفصيل كثير. وظاهر هذا الحديث يشير إلى مذهب أهل الحق أنه لا ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) فى ز: يعذب، والمثبت من ح، وهو الصواب. (¬3) فى ح: أنه خلاف ذلك يفعل.

وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ عَلَى رَأسِهِ: " وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى الله مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ ". 74 - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ أَحَدٌ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ ". قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " وَلا أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَدَارَكَنِىَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ ". 75 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بْنُ عبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ - مَوْلَى عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ". قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى الله مِنْهُ بِفَضْل وَرَحْمَةٍ ". 76 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِه ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَلاَ أَنْتَ؟ قَالَ: " وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَنِىَ الله بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ". (2817) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. (...) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ يستحق أحد بطاعته الثواب. وأمَّا قوله: " إلا أن يتغمدنى ربى برحمته ": أى يلبسنيها ويسترنى بها، وذلك مأخوذ من غمد السيف؛ لأنك إذا أغمدته فقد ألبسته الغمد وغشيته به. يقال: غمدت السيف وأغمدته بمعنى واحد. قال القاضى: لا تعارض بين هذا وبين قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬1) وشبهه من الآيات؛ لأن الحديث يفسر ما أجمل هاهنا، وأن معنى ذلك: مع رحمة الله وبرحمة الله؛ إذ من رحمة الله توفيقه للعمل وهدايته للطاعات (¬2)، وأنه لم يستحقها بعمله؛ إذ الكل بفضل من الله تعالى. ¬

_ (¬1) النحل: 32. (¬2) فى ح: للطاعة.

كَرِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ. (2816) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ وَزَادَ: " وَأَبْشِرُوا ". 77 - (2817) حدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لاَ يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَلاَ يُجِيرُهُ مِنَ النًّارِ، وَلاَ أَنَا، إِلا بِرَحْمَةٍ مِنَ الله ". 78 - (2818) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا بَهْز، حَدَّثَنَا وُهُيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنْةَ أَحَدًا عَمَلُهُ ". قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "وَلاَ أنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِىَ الله مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى الله أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ ". (...) وحدّثناه حَسَنٌ الْحُلوَانِىُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيم بْنِ سَعْد، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطلِبِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ " وَأَبْشِرُوا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى قوله: " سددوا وقاربوا ": أى اقصدوا السداد واطلبوه، واعملوا به [فى الأمور] (¬1). والسداد: القصد فوق التفريط ودون الغلو وهو من نحو معنى: " قاربوا "، أى اقربوا من السداد والصواب ولا تغلوا، فدين الله - سبحانه - حقيقته. وقوله: " واعلموا (¬2) أنّ أحبّ العمل إلى الله أدومه ": إشارةً إلى نحو ما تقدم؛ لأنه مع القصد يمكن الدوام على الطاعة فيتصل الأجر ويكثر الثواب، ومع الغلو يمكن العجز والإعياء والملل فيقطع الجزاء، كما قال فى الحديث الآخر: " فإن الله لا يمل حتى تملوا " (¬3)، وقد مضى الكلام فى هذا المعنى هناك فى الصلاة. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى ز: واعملوا، والمثبت من ح، وهو الصواب. (¬3) سبق فى ك صلاة المسافرين برقم (215).

(18) باب إكثار الأعمال، والاجتهاد فى العبادة

(18) باب إكثار الأعمال، والاجتهاد فى العبادة 79 - (2819) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ. فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا؟ وَقَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ: " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ". 80 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنَ زِيَادِ ابْنِ عِلاَقَةَ، سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: قَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَرِمَتْ قَدَمَاهُ. قَالُوا: قَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ: " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ". 81 - (2820) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلّى، قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ الله، أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كان يصلى حتى انتفخت قدماه "، وفى الرواية الأخرى: " انفطرت "، قال الإمام: أى تشققت، ومنه أُخذ فطر الصائم، وإفطاره شقه صومه بالفطر، والله فاطر السماوات والأرض لأنهما كانتا رتقاً ففتقهما. قال القاضى: وقوله: " أفلا أكون عبداً شكوراً ": الشكر: معرفة إحسان المحسن والتحدث به، وسمى المجازاة على فعل الجميل شكراً؛ لأنها بمعنى الثناء عليه وسطوته (¬1) على ذلك، [والشكر] (¬2) بالفعل أظهر منه بالمقال، وشكر العباد لله: اعترافهم بنعمه وثناؤهم عليه، وتمام ذلك مواظبتهم على طاعته، قال الله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (¬3). وشكر الله - تعالى - أفعال عباده: مجازاتهم على طاعتهم، وتضعيف ثوابهم عليها، وثناؤه بما أنعم به عليهم من ذلك، فهو المعطى والمثنى. ومعنى تسميته شكراً من هذا قيل: معطى الجزيل على العمل، وقيل: المثنى على عباده المطيعين، وقيل: الذى يزكو عنده العمل القليل يتضاعف ثوابه، وقيل: الراضى بيسير الطاعة من عباده، وقيل: مجازيهم من قبل شكرهم، فيكون الاسم على معنى الازدواج والتجنيس. ¬

_ (¬1) فى ح: وتطريه. (¬2) فى هامش ح. (¬3) إبراهيم: 7.

(19) باب الاقتصاد فى الموعظة

(19) باب الاقتصاد فى الموعظة (¬1) 82 - (2821) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ عَبْدِ الله نَنْتَظِرُهُ، فَمَرَّ بنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِىُّ. فَقُلنَا. أَعْلِمْهُ بِمَكَانِنَا. فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أنْ خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ. فَقَالَ: إِنى أُخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ، فَمَا يَمْنَعُنِى أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ إلا كَراهِيَة أنْ أُمِلَّكُمْ. إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَولنَا بِالَمَوْعظَة فِى الأَيَّامِ، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. (...) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التمِيمِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ مِنْجَابٌ فِى رِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ مُسْهِرٍ: قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، مِثْلَهُ. 83 - (...) وحدّثنا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، أبِى وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ، إنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ، ولوَدِدْنَا أنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِى أنْ أُحَدّثَكُمْ إلا كَرَاهيَةُ أنْ أمِلَّكُمْ. إنَّ رَسُوَل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِى الأيَّامِ، كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ستأتى الإشارة إليه فى الكتاب التالى.

51 - كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها

بسم الله الرحمن الرحيم 51 - كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها 1 - (2822) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَة بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُفَّت الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ". (2823) وحدّثنى زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ، عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 2 - (2824) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشْعَثىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا وَقالَ سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا - سُفْيَانُ - عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ أعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأتْ، وَلا أذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ". مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِى كِتَابِ الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1). 3 - (...) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: أعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأتْ، وَلا أذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر، ذُخْرًا، بَلْهَ مَا أطْلَعَكُمُ الله عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات " من بديع الكلام وجوامعه الذى أوتيه - عليه السلام - من التمثيل الحسن، فإن حفاف الشىء جوانبه، فكأنه أخبر - عليه السلام - أنه لا يوصل إلى الجنة إلا بتخطى المكاره وكذلك الشهوات، وما تميل إليه النفوس، وأنّ اتباع الشهوات يلقى فى النار ويدخلها وأنه لا ينجو منها إلا من تجنب الشهوات. فيه تنبيه على اجتنابها. ¬

_ (¬1) السجدة: 17.

4 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أبِى صَالِحٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: أعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا، بَلْهَ مَا أطْلَعَكُمُ الله عَلَيْه ". ثُمَّ قَرَأ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (¬1). 5 - (2825) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوف وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى أَبُو صَخْرٍ؛ أنَّ أَبَا حَازِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الجَنَّةَ، حَتَّى انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى آخِرِ حَدِيثِهِ: " فِيها مَا لا عَيْنٌ رَأتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنّى أخبركم بمكانكم، فلا (¬2) يمنعنى أن أخرج إليكم إلا كراهة أن أملكم إنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتخولنا بالموعظة فى الأيام مخافة السآمة علينا ". قال الإمام: " يتخولنا ": يتعاهدنا. قال القاضى: وقيل: يصلحنا. وقال ابن الأعرابى: معناه: يتخذنا خولاً. وقيل: يفاجئنا بها. وقال أبو عبيد: يذللنا (¬3) يقال: خوله الله، أى سخره لك. وقيل: تحبسهم كما تحبس خولك. قال أبو عبيد: ولم يعرفها الأصمعى، قال: وأظنها: " يتخونهم " بالنون، أى يتعهدهم. وقال أبو نصر: يتخون مثل يتعهد، وقال أبو عمر: والصواب: " يتحولهم " بالحاء المهملة، أى يطلب حالاتهم وأوقات نشاطهم. والسآمة: الملالة. قوله فى حديث ابن أبى شبية: " أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرًا ذخرًا، بله ما أطلعكم الله عليه ": كذا رويناه " ذخرًا " أى معدًا لهم، وكذا " ذخرًا " فى حديث هارون الأيلى ومن طريق العذرى والسجزى وابن ماهان وأكثر الرواة، وجاء فيه من طريق الفارسى: " ذكراً " بالكاف، والأول أبين كما فى غيره، ورواه بعضهم: " ذخر " بغير تنوين، وفسره بمعنى سواء. ومعنى " بله " بفتح الباء وسكون اللام، قيل: دع عنك ما أطلعكم عليه، أى الذى لم يطلع عليه أعظم، فكأنه أضرب عنه استحقارًا له فى جانب ما لم يطلع، وقيل: معناه: كيف. وذكر مسلم فى الباب: حدثنا ابن وهب، أنبأنا أبو صخر؛ أنّ أبا حازم حدثه، وهو ¬

_ (¬1) السجدة: 17. (¬2) فى ز، والحديث المطبوع: فما. (¬3) فى ح: يدللنا.

اقْتَرأ هَذِهِ الآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ مما تتبعه عليه أبو الحسن الدارقطنى، وقال: لم يتابع عليه مسلم، وغيره أمت (¬2) منه. ¬

_ (¬1) السجدة: 16، 17. (¬2) هكذا رسمت كما فى الأصل، وفى ح: أثبت.

(1) باب إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام، لا يقطعها

(1) باب إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام، لا يقطعها 6 - (2826) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلَّهَا مِائَةَ سَنَةٍ. 7 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هَرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثْلهَ. وَزَادَ: " لاَيَقْطَعُهَا ". 8 - (2827) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا وُهُيْبٌ عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا ". (2828) قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاش الزُّرَقِىَّ، فَقَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فِى الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ، مِائَةَ عَام، مَا يَقْطَعُهَا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنّ فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة سنة ": قيل: ظلها ذراها (¬1) وناحيتها وكنفها، ومنه قولهم: هو فى ظل فلان، وقد يكون ظلها نعيمها وراحتها من قولهم ت عيش ظليل. وقوله فى الرواية الأخرى: " الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها " مبالغة فى امتداد ظلها، وأن راكب الجواد من الخيل وهو الذى بمعنى السريع يجود جريه؛ ولذا سمى جوادًا، ثم إذا كان مضمرًا كان أسرع. وقد فسرنا التضمير فى كتاب الجهاد وفى حديث المسابقة، يقال: مضمر مشدد الميم، وبسكون الضاد وفتح الميم، وقد رواه بعضهم بكسر الميم الثانية صفة (¬2) للراكب المضمر لفرسه. ¬

_ (¬1) فى الأصل: دراها، والمثبت من ح. وفى اللسان الذرى كل ما استترت به، يقال: أنا فى ظل فلان وفى ذراه، أى فى كنفه وستره ودفئه. واستذريت بفلان: أى التجأت إليه وصرت في كنفه 3/ 1500 مادة " ذرا ". (¬2) فى ز: صفاة.

(2) باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدا

(2) باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدًا (¬1) 9 - (2829) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيد الأيْلىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْد بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الله يَقُولُ لأهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ؟ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، وَأَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكمْ رِضْوَانِى، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يُعلَّق عليه فى جميع النسخ.

(3) باب ترائى أهل الجنة أهل الغرف، كما يرى الكوكب فى السماء

(3) باب ترائى أهل الجنة أهل الغرف، كما يرى الكوكب فى السماء 10 - (2830) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىَّ - عَنْ أَبِى حَازم، عَنْ سَهْلِ بْن سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةَ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِى السَّمَاءِ ". (2831) قَالَ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ يَقُولُ: كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِىِّ فِى الأفُقِ الشَّرْقِىِّ أَوْ الْغَرْبِىِّ ". (...) وحدثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِىُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ. 11 - (2831) حدثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْن يَحْيَى بْنِ خَالِد، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيد الأَيْلىُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْن أَنَسٍ، عَنْ صَفوَانَ بْن سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَب الدُّرِّىَّ الْغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَو الْمَغْرِبِ؛ لِتَفَاضُل مَا بَيْنَهُمْ " قَالُوا: يَا رسُولَ اللهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِياءِ، لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ: " بَلَى، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِه، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كما تراءون الكوكب الدرى ": درارى النجوم: عظامها، سميت الكواكب درارى لبياضها. وقيل: بإضاءتها. وقيل: لتشبهها بالدرر؛ لأنها أرفع الكواكب كالدر فى الجواهر. وقوله فى الرواية الأخرى: " الكوكب الدرى الغابر من الأفق ": كذا فى أكثر نسخ مسلم " من الأفق ". و " من " لابتداء الغاية. قال بعضهم: والأشبه هنا ما ذكره البخارى فى " الأفق " (¬1). قال القاضى: قد ذكر أصحاب المعانى أن " من " تأتى لانتهاء الغاية، كقولهم: رأيت الهلال من خلال السحاب، وهذا مثله. ولكن قولهم: إنه انتهاء غاية غير مسلم، بل هو على بابه، أى كان ابتداء رؤيته إياه، وبابه إدراكه إنما كان من خلل السحاب ومن الأفق الغربى. ومعناه: الغابر الزاهد الماضى، ومعناه: الذى تدلى للغروب وبَعُد عن العين. وقد روى فى غير مسلم الغارب (¬2) بتقديم الراء بمعنى ما ذكرناه، وروى - أيضاً -: " العازب " بالعين المهملة والزاى، ومعناه: البعيد فى الأفق، وكلها راجعة إلى معنى. ¬

_ (¬1) البخارى، ك بدء الخلق، ب ما جاء فى صفة الجنة 4/ 145. (¬2) البخارى، ك الرقائق، ب صفة الجنة والنار (6556).

(4) باب فيمن يود رؤية النبى صلى الله عليه وسلم، بأهله وماله

(4) باب فيمن يود رؤية النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأهله وماله (¬1) 12 - (2832) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِى لِى حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِى، بِأَهْلِهِ وَمَاَلِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يُعَلَّق عليه فى جميع النسخ.

(5) باب فى سوق الجنة، وما ينالون فيها من النعيم والجمال

(5) باب فى سوق الجنة، وما ينالون فيها من النعيم والجمال 13 - (2833) حدثنا أَبُو عُثْمَانَ، سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِت الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةً، فَتهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِى وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْداَدُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ: وَأنْتُمْ، وَاللهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنّ فى الجنة لسوقاً " الحديث، يريد: مجتمعاً لأهل الجنة، كما تجتمع إلى السوق فى الدنيا، وهذا يوم المزار (¬1) وهو يوم الجمعة، ويوم المزيد، كما قال فى الحديث. وسُمى (¬2) السوق سوقاً؛ لسوق من يأتيها من الناس ببضائعهم إليها. والسوق يذكر ويؤنث. وقوله: " فتهب ريح الشمال ": بفتح الشين والميم، قال صاحب العين: الشمال والشمأل ساكنة الميم [مهموز] (¬3) والشأمل بتقديم الهمزة، والشمل بفتح الميم بغير ألف، والشمول بفتح الشين وضم الميم: الريح، وهى التى تأتى من دبر القبلة. وخص ريح الجنة بالشمال - والله أعلم - بأنها ريح المطر عند العرب، كانت (¬4) تهب من الشام، وبها يأتى سحاب المطر، وكانت ترجى السحاب الشامية؛ ولذلك أيضاً سمى (¬5) هذه الريح فى الحديث الآخر: " المثيرة "، أى المجداة (¬6) كما قال: " فتحثو فى وجوههم " يعنى ما يثيره من مسك أرض الجنة وغير ذلك من نعيمها وهو مقابلة الجنوب. ¬

_ (¬1) فى الأبى: التزاور. (¬2) فى ح: سميت. (¬3) زائدة فى ح. (¬4) فى ح: فكانت. (¬5) فى ح: سميت. (¬6) فى ح: المحركة.

(6) باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم

(6) باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم 14 - (2834) حدثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقىُّ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ - وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ - قَالا: حَدَّثَنَاَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: إِمَّا تَفَاخرُوا وَإمَّا تَذَاكَرُوا: الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّة عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدِرِ، وَالَّتِى تَلِيها عَلِى أَضْوَأِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ، لِكُلِّ امْرِىٍّ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، وَمَا فِى الْجَنَّةِ أَعْزَبُ"؟. (...) حدثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: اخْتَصَمَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ: أَيُّهُمْ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ؟ فَسَأَلُوا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. 15 - (...) وحدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - عَنْ عُمَارةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوَلُ. قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ". حِ وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - قَالا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلوُنَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدرِ، وَالَّذينَ يَلُونَهُمْ عَلى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاء إِضَاءَةً، لا يَبُولُوَنَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتْفُلُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ. أَخْلاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا، فِى السَّمَاءِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: إما تفاخروا وإما تذاكروا: الرجال أكثر فى الجنة أم النساء، وقول أبى هريرة: أو لم يقل - عليه السلام -: " أول زمرة تدخل الجنة " إلى قوله: " لكل واحد منهم زوجتان " إلى قوله: " وما فى الجنة عزب " أى من لا زوجة له، قال الإمام العزب: البعيد عن النساء، والعازب: البعيد [عن] (¬1) المرعى. ¬

_ (¬1) من ح.

16 - (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلَ زُمْرَةٍ تدْخُلُ الْجَنَّة مِنْ أُمَّتِى عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدرِ، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ عَلى أَشَدِّ نَجْم فِى السَّمَاءِ إِضَاءَةً، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ لا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَبُولُونَ ولا يَمْتَخِطُونَ ولا يَبْزقُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، أَخْلاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى طُولِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا ". قَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ. وَقَالَ أَبُوكُرَيْبٍ: عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: كان عند العذرى: " أعزب " وليس بشىء، وظاهر احتجاجه على أنّ النساء أكثر فى الجنة؛ لأنّه إذا كانت هذه الزمرة والنساء مثلاهم ومن عداهم أقلة أن يكون النساء مثلهم، دل على كثرتهم، وأنهم أكثر من الرجال فى الجنة، وجاء فى أهل النار أن أكثرهم النساء (¬1)، فخرج من جملة هذا أن أكثر بنى آدم النساء، إذ هم أكثر أهل الجنة وأهل النار وهذا كله فى الآدميات، وإلا فقد جاء أن للواحد من أهل الجنة من الحوريات العدد الكثير. ¬

_ (¬1) سبق فى ك الإيمان برقم (132) عن ابن عمر، رضى الله عنهما.

(7) باب فى صفات الجنة وأهلها، وتسبيحهم فيها بكرة وعشيا

(7) باب فى صفات الجنة وأهلها، وتسبيحهم فيها بكرة وعشياً 17 - (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَاديثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ، صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لا يَبْصُقُونَ فِيَهَا وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتَغوَّطُونَ فِيهَا، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سَاقِهمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ، لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشيًّا ". 18 - (2835) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لعُثْمَانَ - قَالَ عُثْمَان: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَتْفُلُونَ، ولا يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ ". قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: " جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ": هذا مذهب أهل السنة وكافة المسلمين: أنّ نعيم أهل الجنة وملاذها بالمحسوسات وغيرها من الملاذ العقليات كأجناس نعيم أهل الدنيا، إلا ما بينهما من الفرق الذى لا يكاد يتناسب، وأنّ ذلك على الدوام لا آخر له، خلافاً للفلاسفة وغلا (¬1) الباطنية من أنّ نعيم الجنة (¬2) إنما هو لذات عقلية، وانفصال من هذا العالم إلى الملأ الأعلى، وهو عندهم المعبر به عن الجنة، وهو مذهب كافة النصارى. وخلافاً لبعض المعتزلة فى أنّ نعيم أهل الجنة غير دائم، وإنما هو إلى أمد، ثم يُسْألُون (¬3). وقال مثله جهم، إلا أنهم يفنون عندهم. وهذا كله خلاف ملة الإسلام وسخف العقول والأحلام. والآثار الصحيحة وكتاب الله يدل على خلاف هذا كله. وقد ذكر مسلم فى ذلك، وفى دوام حالهم، وأنه لا يتغير ولا يغنى ما فيه كفاية. ¬

_ (¬1) فى ح: غلاة. (¬2) فى ح: أهل الآخرة. (¬3) فى ح: يسكنون.

(...) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِه: " كَرَشْح الْمِسْكِ ". 19 - (...) وحدثنى الْحَسَنُ بْنُ عَلِىًّ الْحُلوَانِىُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِى عَاصِمٍ. قَالَ حَسَنٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْد اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأكُلُ أَهْل الجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَلا يَبُولُونَ، وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْح الْمِسْكِ، يُلْهَمُوْنَ التَّسْبِيحَ والحَمْد، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ". قَالَ: وَفِى حَدِيْثِ حَجَّاجٍ: " طَعَامُهُمْ ذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى: " تشبُّوا ولا تهرموا " (¬1): أى يدوم شبابكم. وقوله: " ولا تبأسوا " (¬2): أى لا يصيبكم بأس، وفى (¬3) الشدة فى الحال وتغيره وهو البأس والبأساء والبؤس [والبؤساء] (¬4). وقوله: " ولا يمتخطون ولا يتفلون " بكسر الفاء، أى لا يبصقون، كما جاء فى الحديث الآخر مفسرًا. والتفل والتفال: البصاق. والتفل: رميك الشىء من فيك، يقال من هذا: تفل يتفل، فأما تفل بالكسر يَتَفَلُ بالفتح فمن نتن الرائحة، ولو روى هنا بالفتح لصح معناه. وقوله: " ورشحهم المسك ": أى عرقهم. ورواه السمرقندى فى حديث ابن أبى شيبة وأبى كريب: " ريحهم المسك " وهو وهم، والمعروف الأول. وقوله: " ومجامرهم الألوة ": هو العود الهندى، وقد تقدم الكلام فى هذا الحرف. وقوله: " على خلق رجل واحد " (¬5): بيَّن مسلم اختلاف الرواة فيه، وأن ابن أبى شيبة قاله بضم الخاء واللام، وأبو كريب بفتح الخاء وسكون اللام. وقد اختلف فى ضبطه الرواة عن البخارى أيضاً، وكلاهما صحيحان، وقد ترجح رواية الضم بقوله فى الحديث الآخر: " لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب [رجل] (¬6) واحد " وقد يترجح ¬

_ (¬1) و (¬2) حديث رقم (22) بالباب التالى. (¬3) فى ح: وهى. (¬4) من ح. (¬5) حديث رقم (16) بالباب السابق. (¬6) زيادة فى الأصل غير موجودة فى متن الحديث فى مسلم، بل هى عند البخارى بلفظ: " قلوبهم على قلب رجل واحد "، ك بدء الخلق، ب صفة الجنة 4/ 145.

20 - (...) وحدثنى سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجِ، أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَيُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَكْبِيرَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية الفتح لقوله: " على طول أبيهم آدم ستون ذراعاً " (¬1)، وحكى مسلم عن ابن أبى شيبة أنه قال هنا: " على صورة آدم " وكلاهما صحيح، وقد جاء فى الحديث الآخر: " على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً " (¬2). وضبطنا هذا الحرف على أبى بحر: " وطوله " بالرفع، ولا يصح سواه؛ لأن بعده: " فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن ". ¬

_ (¬1) حديث رقم (16) بالباب السابق. (¬2) حديث رقم (15) بالباب السابق.

(8) باب فى دوام نعيم أهل الجنة، وقوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}

(8) باب فى دوام نعيم أهل الجنة، وقوله تعالى: {وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬1) 21 - (2836) حدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ. لا تَبْلَى ثِيَابُهُ ولا يَفْنَى شَبَابُهُ ". 22 - (2837) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ - قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ: قَالَ الثَّوْرِىُّ: فَحَدَّثَنِى أَبُو إِسْحَاقَ؛ أَنَّ الأَغَرَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى سَعِيد الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُنَادِى مُنَادٍ: إنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا. وَأَنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيُوا فَلا تَموتُوا أَبَدًا. وَإنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا. وَإنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا " فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) الأعراف: 43. وقد سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق.

(9) باب فى صفة خيام الجنة، وما للمؤمنين فيها من الأهلين

(9) باب فى صفة خيام الجنة، وما للمؤمنين فيها من الأهلين 23 - (2838) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى قُدَامَةَ - وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِى الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَة مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ، فَلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ". 24 - (...) وحدّثنى أَبو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِىُّ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِى الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَة، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً، فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ، مَا يرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ ". 25 - (...) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ، طُولُهَا فِى السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً، فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ، لا يَرَاهُمُ الآخَرُونَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إنّ للمؤمن فى الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ": كذا لهم بالفاء، وعند السمرقندى: [مجوبة] (¬1) بالباء فى حديث سعيد بن منصور، والمعنى متقارب. ومعنى رواية الباء: مثقوبة مفرغ داخلها، وهو مثل مجوفة، قال الله تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِين جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} (¬2) [أى] (¬3) نقبوه ومزجوه، وجعلوا فيه بيوتًا ومنازل، كما قال: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} (¬4)، والخيمة: بيت مستدير من بيوت الأعراب معروف. وقوله: " فى كل زاوية منها أهل للمؤمن، لا يراهم الآخرون ": أى ناحية، يعنى لسعته (¬5) وبعد أقطاره. وإذا كان طوله فى السماء ستين ميلاً، أى فى الارتفاع [كما ذكر فى الحديث] (¬6)، فما ظنك بطوله فى الأرض وعرضه! وذكر مسلم فى الباب: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا همام عن أبى عمران الجهنى. وسقط من رواية ابن الحذاء " يزيد بن هارون " وإثباته الصواب. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) الفجر: 9. (¬3) من ح. (¬4) الأعراف: 74. (¬5) فى ح: سعتها. (¬6) فى هامش ح.

(10) باب ما فى الدنيا من أنهار الجنة

(10) باب ما فى الدنيا من أنهار الجنة 26 - (2839) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَعَلىُّ بْنُ مُسْهرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سيحان وجيحان والفرات والنيل، [كل] (¬1) من أنهار الجنة ": هذه الأنهار الأربعة أكبر أنهار بلاد الإسلام النيل ببلاد مصر والفرات بالعراق، وسيحان وجيحان - ويقال سيحون وجيحون - ببلاد خراسان. وقيل يحتمل أن المراد بذلك أنّ الإيمان عم بلادها وفاض عليها، وأنّ الأجسام المتغذية بهذه المياه صائرة إلى الجنة، ويحتمل أنه على ظاهره، وأنّ لها مادة من الجنة، إذ الجنة موجودة مخلوقة عند أهل السنة، وأنها التى أُنزل منها آدم. وقد ذكر مسلم أول الكتاب فى حديث الإسراء: أنّ النيل والفرات يخرجان من أصلها، وبينه فى البخارى، فقال: " من أصل سدرة المنتهى " (¬2). ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) البخارى، ك بدء الخلق، ب ذكر الملائكة 4/ 134.

(11) باب يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير

(11) باب يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير 27 - (2840) حدثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعرِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيْثِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَدْخُلُ الْجَنَّة أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْل أَفئِدَةِ الطَّيْرِ ". 28 - (2841) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنْبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير ": يحتمل أنه أراد: فى رقتها وضعفها، كما قال لأهل اليمن: " أرق قلوباً، وأضعف أفئدة "، وقد تقدم الكلام على معناه (¬1). ويحتمل أنه أراد: فى الخوف والهيبة. والطير أكثر الحيوان ذعراً وفزعاً؛ ولهذا قالوا: أحذر من غراب، وكالطائر الحذر، وقال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬2)، فكأنه يريد بذلك قوماً غلب عليهم الخوف، كما قد روى عن جماعة من السلف وغيرهم ممن أماتهم الخوف، وصدع قلوبهم الوعظ، وفاضت أنفسهم عند سماع الوعد والوعيد، وتذهلت عقولهم عند مشاهدة الهول والحادث الشديد. قال الإمام: ذكر مسلم فى الباب: حدثنا حجاج بن الشاعر، حدثنا أبو النضر، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا أبى عن أبى سلمة عن أبى هريرة. هكذا إسناد هذا الحديث عن أبى العلاء، وفى نسخة السجزى عن أبى أحمد مثله، ووقع فى نسخة الرازى والكسائى: حدثنى أبى عن الزهرى عن أبى سلمة بزيادة رجل فى السند وهو الزهرى، قال بعضهم: والصواب رواية أبى العلاء ومن تابعه، ولذلك خرجه أبو مسعود من طريق مسلم من حديث إبراهيم عن أبيه عن أبى سلمة قال: ولا أعلم لسعد بن إبراهيم رواية عن الزهرى، والله أعلم. وقال الدارقطنى (¬3) فى كتاب العلل: لم يتابع أبو النضر على وصله عن أبى هريرة، والمحفوظ عن إبراهيم عن أبيه عن أبى سلمة مرسلاً. كذا رواه يعقوب وسعد ابنا إبراهيم بن سعد، قال: والمرسل الصواب. قال القاضى: وقوله: " خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا " الحديث، تقدم الكلام فى هذا بوجوه مستوعبة. ¬

_ (¬1) سبق فى ك الإيمان، ب تفاضل أهل الإيمان برقم (84). (¬2) فاطر: 28. (¬3) الإلزامات والتتبع ص 128.

خَلَقَه قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ - وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلائِكَة جُلُوسٌ - فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذرِّيَتِكَ ". قَالَ: " فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ ". قَالَ: " فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ ". قَالَ: " فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلق يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الآنَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله هنا: " طوله ستون ذراعًا " يبين الإشكال، ويزيح التشابه، ويوضح أنّ الضمير راجع إلى آدم نفسه، وأنّ المراد على هيئته التى خلقه عليها، لم ينتقل فى النشأة أحوالاً ولا تردد فى الأرحام أطوارًا. وقد مرّ من هذا، ويكون معناه: على الصورة التى كان بها فى الأرض وأنه لم يكن فى الجنة على صورة أخرى، ولا اختلفت صفاته وتصوراته اختلاف تصورات الملائكة فى أصول صورهم. وفى الصور التى يتراءون فيها [غالباً] (¬1) للخلق. وقوله: " اذهب فسلم على أولئك النفر - وهم نفر من الملائكة جلوس ": فيه تسليم الواحد على الجميع، والماشى على الجالس، وقد مرّ منه. وقوله: "واستمع ما يحيونك به من التحية "، ويروى: " يجيبونك " من الجواب. فيه رد السلام، والتعليم بالفعل. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

(12) باب فى شدة حر نار جهنم، وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين

(12) باب فى شدة حرّ نار جهنم، وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين 29 - (2842) حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْص بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ الْعَلاءِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاهِلِىِّ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُّرُونَهَا ". 30 - (2843) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَارُكُمْ هَذِهِ، الَّتِى يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ، جُزْءٌ منْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمْ ". قَالُوا: وَاللهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَاَفِيَةً يَا رسُولَ اللهِ! قَالَ: " فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا ". (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى الزِّنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " كلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا ". 31 - (2844) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا يزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازم، عَنْ أَبِى هُرَيْرةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ سَمِعَ وَجِبَةً. فَقَالَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ ". قَالَ: قُلنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " هَذَا حَجَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وخرج مسلم فى أول باب صفة النار: حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنى أبى عن أبى العلاء بن خالد الكاهلى، عن شقيق. ووقع فى نسخة أبى العلاء بن ماهان بدل " الكاهلى ": " الباهلى "، وهو وهم، وصوابه: الكاهلى. وكاهل من بنى أسد بن خزيمة. قال القاضى: وهذا الحديث مما أستدرك على مسلم، وتبعه عليه الدارقطنى (¬1)، قال: ورفعه وهم، رواه الثورى ومروان وغيرهما عن العلاء مرفوعاً. وقوله: إذ سمع وجبة فقال: " هذا حجر رمى به فى النار ": أى وقعة وهزة، يريد: صوت سقوطه، ومنه: " فسمعتم وجبتها "، قال الإمام: أى سقطتها، يقال: وجب الشىء وجباً: سقط، ومنه قول الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} (¬2). ¬

_ (¬1) الإلزامات والتتبع ص 226. (¬2) الحج: 36.

رُمَى بِهِ فِى النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِى فِى النَّارِ الآنْ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا ". (...) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، بِهَذَا الإسْنَاد. وَقَالَ: " هَذَا وَقَعَ فِى أَسْفَلِهَا، فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا ". 32 - (2845) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَمُرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ منْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُه إِلَى عُنُقِهِ ". 33 - (...) حدثنى عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - يَعْنِى ابْنَ عَطَاء - عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيه، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ، ومِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ ". (...) حدثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَجَعَلَ مَكَانَ " حُجْزَتِهِ ": " حَقْوَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى فى رواية ابن عباد فى هذا الحديث: " وقال هذا وقع فى أسفلها " كذا فى عامة النسخ، قيل: وجهه: هذا حجر وقع. وقد جاء هذا الحديث فى كتاب القاضى التميمى: " الآن وقع فى أسفلها " وهو يبين مدى اختلاف الرواية؛ لأن فى الحديث قبله: " الآن انتهى إلى قعرها ". وقوله: " ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ": هى معقد السراويل والإزار. وقوله: " ومنهم من تأخذه إلى ترقوته " بفتح التاء وضم القاف، هو العظم الذى بين ثغرة النحر والعاتق.

(13) باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء

(13) باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء 34 - (2846) حدثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزنَاد، عَنْ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّت الْنَّارُ وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتْ هَذهِ: يَدْخُلُنِى الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِى الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكينُ. فَقَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِهَذِهِ: أَنْتِ عَذَابِى، أُعَذِّبُ بِكَ مَنْ أَشَاءُ - وَرُبَّمَا قَالَ: أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ - وَقَالَ لِهَذِهِ: أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَنْكُمَا مِلْؤُهَا ". 35 - (...) وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِى الزِّنَاد، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرتُ بِالْمُتَكَبِّرين وَالْمُتَجَبرينَ. وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: فَمَالِى لا يَدْخُلُنِى إلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ؟ فَقَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى. وَقَالَ للنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِى، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاء مِنْ عِبَادِى. وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ منْكُم مِلْؤهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئُ، فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ. فَهنَالِكَ تَمْتَلِئُ. وَيُزْوِى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الجنة: " لا يدخلنى إلا ضعفاء الناس وسقطهم " ويروى: " وسقاطهم وعجزهم ": سقطهم، بفتح السين والقاف، السقط من كل شىء: ما لا يعتد به. وسقط المتاع: رديئه. وكذلك كل شىء سقاطته مثله، والساقط والساقطة من الناس السفلة واللئيم. وقوله: " وعجزهم " بفتح، العين والجيم، جمع عاجز، وهو العيى الضعيف، قيل: العجاز فى طلب الدنيا. كذا فى حديث ابن رافع عن شبابة، ولبعض الرواة فى حديث ابن رافع عن عبد الرزاق مثله، إلا أنه قال: " وعجزتهم "، وعند أكثر شيوخنا: " وغرثهم " بفتح الغين المعجمة وفتح الراء وثاء بعدها مثلثة، ومعناه قريب من قوله: " ضعفاؤهم وسقطهم "، أى مجاويعهم. والغرث: الجوع. ورواه الطبرى: " غرّتهم " بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء وتاء باثنتين فوقها، ومعناه قريب مما تقدم، أى بلههم وغافلوهم، كما قال فى الحديث الآخر: " أكثر أهل الجنة البله " (¬1). سماه بالمصدر، أى ذوو الغرة، والبله منهم، ومعناه: سواد الناس وعامتهم من أهل الإيمان بالله، الذين لا يتفطنون للشبه فيدخل عليهم الاختلافات ويلقيهم فى الأهواء، وهم صحاح العقائد، ثابتو الإيمان، وهم أكثر المؤمنين. ¬

_ (¬1) انظر: الكامل لابن عدى 3/ 1160، ومجمع الزوائد 8/ 19.

(...) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلالِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ - يَعْنِى مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْد - عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " احْتَّجْتِ الْجَنَّةُ وَالْنَّارُ ". وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى الزِّنَادِ. 36 - (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاِفِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّام ابْنِ مُنَّبهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيث مِنْهَا: وَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَحَاجَّت الْجَنَّةُ وَالْنَّارُ. فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرتُ بِالْمُتَكَبِّرين وَالْمُتَجَبِرينَ. وَقَالَت الْجَنَّةُ: فَمَالِى لا يَدْخُلُنِى إلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقطُهمْ وَغِرَّتُهُمْ؟ فَقَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى. وَقَالَ للنَّارِ: إنَّمَا أَنْتِ عَذَابِى، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاء مِنْ عِبَادِى. وَلكُلِّ وَاحِدَةٍ مَنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئ حَتَّى يَضَعَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - رِجْلَهُ. فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ. فَهنَالِكَ تَمْتَلِئُ. وَيُزْوِى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ اللهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا. وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمّا العارفون والعلماء والحكماء فالأقل، وهم أصحاب الدرجات العلى، وقيل: البله فى أمر دنياهم، وقيل: معنى الضعفاء هنا وفى الحديث الآخر: " أهل الجنة كل ضعيف متضعف " (¬1) أنه الخاضع لله، المذل نفسه لله تعالى. ضد المتجبرين المستكبرين. قال أبو بكر بن خزيمة: الضعيف هنا: الذى يبرى نفسه من الحول والقوة فى اليوم عشرين مرة إلى خمسين. ولم يرد الشيخ - والله أعلم - التحذير من حول وقوة، إنما أراد اتصافه بالتبرى من الحول والقوة واللجأ إلى الله متى يذكر. وقوله: " فلا تمتلئ حتى يضع رب العزة فيها قدمه "، وفى رواية " عليها قدمه " وفى رواية: " رجله، فتقول قط قط " بالسكون، و" قط قط " بالكسر غير منون وبالتنوين، قال الإمام: أى حسبى، " وقطنى " بمعنى " حسبى "، ومنه قول الشاعر: امتلأ الحوض وقال قطى أى: حسبى. قال القاضى: ومعنى " تنزوى ": تنقبض ويجتمع على أهلها ومن ألقى فيها، وتشتعل بعذابهم، أى تنقبض عن سؤال: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} (¬2) لملئها. قال الإمام: هذا الحديث من مشاهير الأحاديث التى وقعت موهمة للتشبيه ولما نقله الأثبات، واشتهر عند الرواة، كلف العلماء قديماً وحديثاً الكلام عليه والنظر فى تأويله، فمنهم من حمل القدم على السابق المتقدم، ويقال للمتقدم: قدم، فيكون تقدير الحديث: حتى يضع الجبار فيها من قدم لها من أهل العذاب، وهذا كقوله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ ¬

_ (¬1) حديث رقم (46) بالباب. (¬2) ق: 30.

(2847) وحدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَّجتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ". فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ إِلَى قَوْلِهِ: " وَلِكِلَيْكُمَا عَلَىَّ مِلْؤُهَا " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ. 37 - (2848) حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نبِىَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العِزَّةِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَدَمَهُ. فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، وَعِزَّتِكَ. وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عِندَ رَبِّهِمْ} (¬1)، معناه: التقدم والسبق، لا قدم الرجل. فإذا وقع مثل هذا (¬2) فى القرآن حملنا ما وقع فى السنة عليه، وإلى هذا مال النضر بن شميل. وقد أشار ابن الأعرابى إلى أن القدم يعبر به عن هذا المعنى، ولكن فى الشرف والجلالة. ويحتمل أن يكون المراد ها هنا بالحديث: قدم بعض خلقه، وتكون الإضافة هنا إلى الله - سبحانه - إضافة فعل لا إضافة جارحة. وقد قال بعضهم: يحتمل أن يريد أن الله - سبحانه - يخلق فى الآخرة خلقاً يسمى بهذه التسمية، فلا تمتلئ النار إلا به. ويحتمل وجهاً آخر على رواية من رواه: " حتى يضع الجبار " أنْ يريد به الشيطان؛ لأنه أصل الجبارين، أو يريد به أحد الكفرة من الجبابرة، فيكون المعنى: لا تمتلئ حتى يضع إبليس فيها قدمه، أو هذا المشار إليه. وأمّا ما خرّجه مسلم فى بعض طرقه: " حتى يضع الله رجله " فقد أنكر هذه اللفظة بعض أهل العلم، وزعم ابن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل، ولكن لابد من تأويلها لأجل تخريج مسلم لها وهو كما وصفناه فى كتابنا هذا أولاً، ووصفنا أحاديثه، فيصح أن يكون المراد ها هنا: رجل بعض خليقته، وأضاف ذلك إليه عز وجل إضافة فعل لا إضافة جارحة، كما قدمناه فى القدم. ويصح فيه تأويل آخر أيضاً وهو: أن يكون المراد ها هنا بالرجل: الجماعة من الناس، كما يقال: رجل من جراد، أى جماعة من جراد. وقد وقع ذلك فى أشعار كثيرة. وإذا أمكن حمل الحديث على هذه التأويلات الصحيحة الجائزة على الله - سبحانه - ¬

_ (¬1) يونس: 2. (¬2) فى ح: ذلك.

(...) وحدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أنَسٍ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ شَيْبَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يصح حمله على ما يقوله المجسمة، من إفادته إثبات الجارحة لله - تعالى الله عن قولهم. وقد قام الدليل القاطع العقلى على استحالة ذلك عليه جلّ وعلا، وهذا واضح. قال القاضى: وقد قيل: إنها عبارة عن شدة القدرة والقهر للنار، ومنه قولهم: وطئ الجيش بنى فلان، وقال الشاعر: فوطئن وطئًا على خنق وقيل: القدم هنا مستعار للذلة فى قولهم: وضعت رجلى على قفاه. وأظهر التأويلات فيها عندى ما تقدم؛ من أنهم قوم يقدم علم الله وقضاؤه كونهم من أهلها، أو خلقهم لها، كما قال فى الحديث نفسه فى الجنة: " ولا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة ". وقوله: ولكل واحدة منكما ملؤها ". وقوله فى النار: " فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ " فالحديث يفسر بعضه بعضًا، ويرفع مفسره الإشكال عن مجمله ومتشابهه. وفى هذا الحديث حجة لأهل السنة أن الثواب والعقاب غير مستحق بالأعمال، وقمع للمعتزلة والقدرية فى إثباتهم الثواب والعقاب على جهة العقل، وأنه بحسب الأعمال ولا يصح إلا عليها. وانظر كيف قال هنا للجنة: " فينشئ الله لها خلقًا مما يشاء " يدل أنهم ممن لم يوجد، وكان هذا ظاهره وعلى هذا يحمل أمر أولاد المؤمنين، وإيلام الأطفال والبهائم، وغير ذلك مما يفعل منه ما شاء. ولهم فى هذا اختلاط واختلاف وروغان لم يخلصهم، والكلام فيه تطويل. وقوله فى آخر الحديث: " ولا يظلم الله من خلفه أحدًا ": يحتمل أنه راجع إلى ما قلناه، وأنه - تعالى - يعذب من يشاء ابتداء ويخلقه لذلك، غير ظالم له، كما قال: " أعذب بك مَنْ أشاء مِنْ عبادى "، ويحتمل أنّه راجع إلى ذكر محاجة الجنة والنار، وأنّ الذى جعل لكل واحدٍ منهما عدل منه وحكمة، باستحقاق كل طائفة منهم لذلك، ولم يظلم أحدًا منهم. وفى جملة هذا الحديث، وأنّ النار تحتاج إلى مزيد، وأن الجنة يبقى فيها فضل حتى تمتلئ أى ممن ذكره: دليل على عظمها، وسعة أقطارها، مع ما جاء أنه يعطى للواحد مثل الدنيا وعشرة أمثاله. فسبحان القادر على ما يشاء، الواسع الرحمة والعطاء، العظيم الملك الفعال لما يشاء.

38 - (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَطَاء، فِى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} (¬1). فَأَخْبَرَنَا عَنْ سَعيَدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك، عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: " لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزيدٍ، حَتَّى يَضَعِ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَينْزَوىَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطِ قَطِ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ. ولا يَزَالُ فِى الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسِكنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ ". 39 - (...) حدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْن سَلَمَةَ - أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ - عَنِ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَبْقَى مِنَ الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَبْقَى، ثُمَّ يُنْشِئَ اللهُ تَعَالَى لَهَا خَلْقًا مِمَّا يَشَاءُ ". 40 - (2849) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ - وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ - قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُجَاءُ بالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ - زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ - فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْنَّار - وَاتَّفَقَا فِى بَاقَى الْحَدِيثِ - فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، هَلْ تَعْرَفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ ". قَالَ: " وُيقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ، هَلْ تَعْرفُونَ هَذَا؟ " قَالَ: " فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ ". قَالَ: " فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ ". قَال: " ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ. وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ " قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح " وذكر: " يوقف بين الجنة والنار" إلى قوله: " فيؤتى به فيذبح، ثم قال: خلود فلا موت "، قال الإمام: الموت عرض من الأعراض عندنا يضاد الحياة. وقال بعض المعتزلة: ليس بمعناه، وهو يرجع إلى عدم الحياة. وعلى المذهبين، وإن كان الثانى منهما خطأ لقوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} (¬2)، فأثبت الموت مخلوقًا، ولغير ذلك من الأدلة - لا يصح أن يكون الموت كبشًا ولا جسمًا من الأجسام، وإنما المراد بهذا التشبيه والتمثيل. وقد يخلق البارى - تعالى - هذا الجسم ثم يذبح، ويجعل هذا مثالاً؛ لأن الموت لا يطرأ على أهل الآخرة. وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فيشرئبون ": قال الهروى (¬3): من حديث عائشة - رضى الله عنها. واشرأب النفاق: أى ظهر وعلا، وكل رافع رأسه فهو مشرئب، ومنه. فيشرئبون لصوته. ¬

_ (¬1) ق: 30. (¬2) الملك: 2. (¬3) انظر: غريب الحديث 3/ 223، 224.

ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الأَمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُون} (¬1)، وأشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا. 41 - (...) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أُدْخلَ أَهْلُ الْجَنَّة الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّار النَّارَ، قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ " ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ " وَلَمْ يَقُلْ: ثُمَّ قَرأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أيْضًا: وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا. 42 - (2850) حدثنا زُهَيْرُ بْن حَرْب وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِى وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى. وَقَالَ الآخَرَان: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ: إن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مَؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، لا مَوْتَ. وَيَا أَهْلَ النَّارِ، لا مَوْتَ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هوَ فِيهِ ". 43 - (...) حدثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ بْن مَحَمَّد بْنُ زَيْدِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَصَارَ أَهْلُ النَّارِ إلَى النَّارِ، أُتِىَ باِلْمَوتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْنَّار، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَاَدِى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، لا مَوْتَ. وَيَا أَهْلَ النَّارِ، لا مَوْتَ. فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ اَلنَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ ". 44 - (2851) حدثنى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَن الْحَسَنِ ابْنِ صَالِحٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْد، عَنْ أَبِى حَازِم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضِرْسُ الْكَافِر - أَوْ نَابُ الْكَافِرِ - مِثْلُ أُحُدٍ، وَغَلَظُ جِلْدِهِ مَسَيرَةُ ثَلاثٍ ". 45 - (2852) حدثنا أَبُوكُرَيْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَر الْوَكِيعِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى حَازمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. يَرْفَعُهُ قَالَ: " مَا بَيْنَ مَنْكِبَى الْكَافِرِ فِى النَّارِ، مَسِيرَة ثَلاثَةِ أَيَّام، للرَّاكِبِ الْمُسرِعِ ". وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَكِيعيُّ " فِى النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) مريم: 39.

46 - (2853) حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْن وَهْبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلا أُخْبركمْ بأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ ضَعِيفٍ مُتَضعف، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ". ثُمَّ قَالَ، " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ: " كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ ". (...) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنِ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيْر أَنَّهُ قَالَ: " أَلا أَدُلُّكُمْ ". 47 - (...) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُخْبرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كلُّ ضَعِيفٍ مُتَضعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأبَرَّهُ. أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ جَوَّاظٍ زَنِيمٍ مُتَكبِرٍ ". 48 - (2854) حدثنى سُويْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْعَلاء بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُبَّ أَشْعَث مَدْفُوعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ومعنى: " أملح ": النقى البياض، قاله ابن الأعرابى. وقال الكسائى: هو الذى فيه بياض وسواد، والبياض أكثر. وقد تقدم الكلام فيه فى الضحايا. قال بعض أصحاب المعانى: يحتمل أن اختلاف اللونين على هذا - فى هذا المثال - لاختلاف الحالين. فالبياض لجهة أهل الجنة، الذين ابيضت وجوههم. والسواد لجهة أهل النار، الذين اسودت وجوههم. وقوله: فى أهل الجنة: " كل ضعيف متضعف "، وفى الرواية الأخرى: " أشعث مدفوع بالأبواب ": هو صفة نفى الكبرياء والجبروت التى هى صفة أهل النار، ومدح التواضع والخمول والتذلل لله - عز وجل - وحضّ عليه. وقد يكون الضعف هنا رقة القلوب ولينها، وإجابتها للإيمان، كما قال: " أتاكم أهل اليمن، أضعف قلوباً " ويروى " ألين، وأرق أفئدة " (¬1). وقد يكون المراد: أنّها لأكثر أهل الجنة، أى ضعف الناس عامتهم، والمستضعفون: المحتقرون فى الدنيا عند أهلها منهم، وهو الأظهر بالحديث، كما قالوا: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذلُونَ} (¬2)، وكقولهم: {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنْ بَيْنِنَا} (¬3)، وهم سواد المؤمنين وجمهورهم كما قدمناه؛ ولأن أهل الظهور فى الدنيا والرياسة يحجبهم ذلك عن الإيمان؛ لقساوة قلوبهم، وشموخ نفوسهم، واستكبارهم ورغبتهم فى الاتباع، ولأن أكثر الكفار والعتاة والمترفين بخلاف هذه الصفة التى وصف بها أهل ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) الشعراء: 111. (¬3) الأنعام: 53.

بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ". 49 - (2855) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ النَّاقَةَ وَذَكَرَ الَّذِى عَقَرَهَا. فَقَال: " {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} (¬1): انْبَعَثَ بِهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارمٌ مَنِيعٌ فِى رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِى زَمْعَةَ " ثُمَّ ذَكَرَ النِّسَاءَ فَوَعَظَ فِيهِنَ ثُمَّ قَالَ: " إِلامَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ؟ " فِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: " جَلْدَ الأَمَةِ " وَفِى رِوَايَةِ أَبِى كُرَيْبٍ: " جَلْدَ الْعَبْدِ، وَلَعَلَّهُ يضاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ "، ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِى ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ فَقَالَ: " إِلامَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَل؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنة، وبالصفة التى وصف بها أهل النار. فالحال راجعة فى الوجهين إلى الأكثر والأغلب. ومعنى الأشعث: الملبد الشعر المغبر منه، ذلك الذى لا يهتبل بترجيله ولا غسله ولا دهنه. ومعنى " مدفوع بالأبواب " أى: لا يؤذن له، ويحجب لحقارته عند الناس وخموله. وقوله: " لو أقسم على الله لأبره ": قيل: لو دعاه لأجابه، وقيل: أمضى يمينه على البر وصدقها ونفذ قضاؤه بما خرجت عليه يمينه، وقد سبق ذلك فى علمه. يقال: أبررت القسم: إذا لم تخالفها وأمضيتها على البرّ. ويقال فيه: برزت القسم أيضاً. وقوله فى أهل النار: " كل عتل جواظ متكبر "، وفى الرواية الأخرى: " كل جواظ زنيم متكبر "، قال الإمام: قال الهروى (¬2): قال أحمد بن عبيد: الجواظ: الجموع المنوع. قال غيره: الكثير اللحم، المختال فى مشيته. وقد جاظ يجوظ جوظاناً، ويقال للقصير البطن، كل قد قيل. وأما العتل، فقيل: هو الجافى الشديد الخصوِمة بالباطل. وأما الزنيم، فهوالملصق بالقوم الدعى. ذكر هذا فى تفسير قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (¬3)، وعن ابن عباس (¬4) قول آخر فى الزنيم المذكور فى الآية: أنه رجل من قريش، كان له زنمة كزنمة الشاة. وروى عنه ابن جبير (¬5): أَنه الذى يعرف بالشر، كما تعرف الشاة بزنمتها. قال القاضى: وفى كتاب العين: العتل: الأذل (¬6)، وكذلك الجواظ. وقال ابن دريد: الجواظ: الجافى القلب. وقال غيره: الفاجر، وقيل: التكبر مع عظم الجسم. وقوله فى الذى عقر الناقة: " عزيز عارم (¬7) منيع فى رهطه ": العارم: الجرىء ¬

_ (¬1) الشمس: 12. (¬2) لم نجد هذا اللفظ فى كتابه. (¬3) القلم: 13. (¬4) البخارى، ك التفسير، سورة ن، ب {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} 6/ 197. (¬5) انظر: جامع البيان للطبرى 9/ 25. (¬6) فى ح: الأجهل. (¬7) هكذا فى ح، وفى الأصل: عازم، وهو تصحيف من الناسخ.

50 - (2856) حدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْب، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَىِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ، أَبَا بَنِى كَعْبٍ هؤُلاءِ يَجُرُّ قُصْبهُ فِى النَّارِ ". 51 - (...) حدثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى. وَقَالَ الآخَرانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: إِنَّ الْبَحِيرَةَ الَّتِى يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَأَمَّا السَّائِبَةُ الَّتِى كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ، فَلا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَىْءٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَّيبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاذر، وقد عرم عرمة بالفتح وعُراما بالضم، ورجل عرم بغير ألف أيضاً. وفى هذا الحديث: النهى عن ضرب النساء، وعن الضحك مما يكون من الإنسان، وأن ذلك كله ليس من مكارم الأخلاق، ولا سيما أهل الفضل والدين. وقوله: " رأيت عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف ". كذا ضبطناه بفتح القاف والميم وتخفيفهما، وهى الرواية عن أكثرهم. ومن طريق الباجى عن ابن ماهان: " قمعة " بكسر القاف والميم معاً وتشديد الميم، وقد ضبطناه عن بعض شيوخنا فى غير هذا الكتاب: " قَمعَة " بالفتح وسكون الميم. قال القاضى: وقوله فى الرواية الأخرى: " رأيت عمرو بن عامر " فالمعروف فى نسب أبى خزاعة عمرو بن لحى بن قمعة، كما قال فى الحديث. وهو قمعة بن إلياس بن مضر، وإنما عامر ابن عم أبيه أخى قمعة وهو مدركة بن إلياس. وهذا قول نساب الحجازيين. ومن الناس من يقول: إنهم من اليمن من ولد عمرو بن عامر، وأنه عمرو بن لحى، واسمه: ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. وقد يحتج قائل هذا بهذه الرواية الأخرى. وقوله: " ابن خندف ". هى أمهم من اليمن، وقيل: هى ليلى ابنة عمران بن الحاف [بن قضاعة. ولتسميتهم بهذه الألقاب خبر معروف] (¬1) ذكره أهل الخبر. وقوله: " أخا بنى كعب هؤلاء " كذا رواية العذرى وأكثر رواة الجلودى وعند ابن ماهان: " أبا بنى كعب " وكذلك للطبرى، وهو الصواب. وكذا ذكر الحديث ابن أبى خيثمة ومصعب الزبيرى (¬2) وغيرهما؛ لأنّ كعبًا هو أحد بطون خزاعة وابنه. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) هو ابن عبد الله بن مصعب بن ثابط بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبدالله الزبيرى المدنى، روى عن أبيه ومالك والدراوردى وغيرهم. مات سنة ست وثلاثين ومائتين. التهذيب 10/ 162، 163.

الْخُزَاعىَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِى النَّارِ، وَكَانَ أوَّلَ مِنْ سَيَّبَ السُّيُوبَ ". 52 - (2128) حدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْل، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَاب البَقَرِ، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ. وَنَسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةَ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتوجَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يجر قصبه فى النار "، قال الإمام: قال أبو عبيد (¬1): الأقصاب: الأمعاء، واحدها قصب. قوله: " وكان أول من سيب السوائب " وفى الرواية الأخرى: " السيوب "، قال الإمام: ذكر سعيد بن المسيب فى كتاب مسلم: أن السائبة: التى كانوا يسيبُونها لآلهتهم، فلا يحمل عليها شىء. والبحيرة: التى يمنع درها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس. قال الإمام: والبحيرة - فيما ذكره المفسرون -: الناقة كانت فى الجاهلية إذا أنتجت خمسة أبطن، فكان آخرها ذكراً أبحروا أذنها، أى شقوها ولم يذبحوها، ولم يركبوها، ولم تطرد عن ماء، ولم تمنع مرعى، ولم يركبها أحد. قال الكلبى: كانوا إذا أنتجت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكراً أكله الرجال دون النساء. وإن كانت أنثى اشترك فيها الرجال والنساء. وسميت بحيرة لشقهم أذنها. بحرت: إذا شقت شقاً واسعاً. والناقة بحيرة ومبحورة. وأما السائبة، فقيل: هو ما كان أحدهم يفعله إذا مرض، فينذر إن شفى أن يسيب ناقته، فإذا فعل ذلك لم تمنع من ماء ولا كلأ. وقد يسيبون غير الناقة. كانوا إذا سيبوا العبد لم يكن عليه ولاء. وقيل: كانت الناقة إذا تابعت اثنتى عشرة أنثى ليس فيها ذكر سيبت، ولم تركب، ولم يُجزّ وبرها. وما أنتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها، وخليت مع أمها، فهى البحيرة بنت السائبة. قوله - عليه السلام -: " نساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة "، قال الإمام: فيها ثلاثة أوجه: أحدها: كاسيات من نعم الله - تعالى - عاريات من الشكر. الثانى: كاسيات يكشفن بعض جسدهن، ويسبلن الخُمر من ورائهن، فتنكشف صدورهن، فهن كاسيات بمنزلة العاريات، إذا كان لا يستر لباسهن جميع أجسادهن. والثالث: يلبسن ثياباً رقاقًا يصف ما تحتها، فهن كاسيات فى ظاهر الأمر عاريات (¬2) فى الحقيقة. وقوله: " مائلات مميلات ": أى زائغات عن استعمال طاعة الله - تعالى - وما ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث للهروى 3/ 166. (¬2) فى ح: عارية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يلزمهن من حفظ الفروج. و " مميلات ": يُعَلِّمن غيرهن الدخول فى مثل فعلهن. وقيل: " مائلات ": متبخترات فى مشيهن، " مميلات ": يملن أكتافهن وأعطافهن. وقيل: [مائلات] (¬1) يمتشطن المشطة الميلاء، وهى مشطة البغايا، وجاءت كراهتها فى الحديث. والمميلات: اللواتى يمشطن غيرهن المشطة الميلاء. ويجوز أن تكون المائلات المميلات بمعنى واحد، كما قالوا: جاد مجد. وقوله: " رؤوسهن [كأسنمة البخت ": معناه: أى يعظمن رؤوسهن] (¬2) بالخمر والعمائم حتى يشبه أسنمة البخت، ويجوز أن يكون معناه: أنهن يطمحن إلى الرجال كأسنمة البخت. معناه: أنه يقطمن رؤوسهن ولا ينكشن رؤوسهن. قال القاضى: الرواية فى الحديث كما ذكر: " المايلة " بياء بثنتين من أسفل. وقال [الكسائى] (¬3): صوابه: " الماثلة " بثاء المثلثة، أى قائمة، لما كان الأمر عنده فى التفسير على تعظيم رؤوسهن. والصواب عندى ما جاءت به الرواية، وهو الذى تعضده اللغة والحديث نفسه. وتفسير من فسر المائلات أنهن يمتشطن المشطة الميلاء، وهى مشطة البغايا، وقد استشهد عليها [ابن] (¬4) الأنبارى بقول امرئ القيس: غدائره مستشزرات إلى العلا فدل أن المشطة الميلاء هى ضفر الغذائر (¬5)، وشدها إلى فوق وجمعها أعلا الرأس، فيأتى كأسنمة البخت وهذا يدل أن يشبهه بأسنمة البخت، وإنما ذلك لارتفاع الغدائر فوق رؤوسهن، وجمع الشعر والعقائص إلى أعلاه للتفسيرين المتقدمين وأولهما لابن الأنبارى، والآخر لغيره. ذكرهما الهروى. ثم إنها لجمعها هناك وتكبيرها بما تضفر به قد تميل كما تميل أسنمة البخت إلى بعض الجهات. قال ابن دريد: ناقة ميلاء: إذا كان سنامها يميل إلى أحد شقيها، فهذا يعضد بعضه، بعضاً، ويؤكد أن الرواية مائلة كما جاءت وأن معنى: " مائلات " يمتشطن المشطة الميلاء وهى التى تشبه أسنمة البخت. وقد يكون معنى " مائلات ": منحطات إلى الرجال، ومميلات لهم (¬6) بانكشافهن أو تبخترهن، وما يبدين من زينتهن أو بدعائهن. وقد روى أبو إسحاق الحربى هذا الحديث، وقال فيه: " كاسيات عاريات " [على رؤوسهن كأسنمة البخت من الخمر الرقاق. وفسر " كاسيات عاريات "] (¬7): بالتفسير الثانى التقدم من التفاسير الأول. واحتج عليه بقوله: من الخمر الرقاق، وفسر بقوله: على رؤوسهن كأسنمة البخت مما وصلن به شعورهن. وقد روى البخارى فى تاريخه ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) من ح. (¬3) فى ح: الكنانى. هو أبو الوليد هشام بن أحمد بن هشام الوقشى. (¬4) ساقطة من الأصل، " ز "، والمثبت من هامش ح. (¬5) هكذا فى الأصل، وفى ح: الغدائر، وهى الصواب. (¬6) فى ح والرسالة: لهن. (¬7) من ح.

مِنْ مَسِيْرَةِ كَذَا وَكَذَا ". 53 - (2857) حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا زَيْدٌ - يَعْنِى ابْنَ حُبَابٍ - حَدَّثَنَا أفْلَحُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَافِعٍ - مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَاَ هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ، أَنْ تَرى قَوْمًا فِى أَيْدِيهِمْ مِثْلَ أذْنَابِ البَقَرِ، يَغْدُونَ فِى غَضَبِ اللهِ، وَيَرُوحُونَ فِى سَخَطِ اللهِ ". 54 - (...) حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِع وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْد، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرِ الْعَقَدِىُّ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدِ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الله بْنُ رَافِعٍ - مَوْلى أُمِّ سَلَمَةَ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ، أَوْشَكْتَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِى سَخَطِ اللهِ، وَيَرُوحُونَ فِى لَعْنَتِهِ، فِى أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أذْنَابِ البَقَر ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبى هريرة ما يصحح هذا المعنى أيضاً فى تأويل " كاسيات عاريات "، وهو قوله: ويظهر ثياب فيها كذا، يلبسها نساء كاسيات عاريات من الخير وفعل الحسنات لآخرتهن.

(14) باب فناء الدنيا، وبيان الحشر يوم القيامة

(14) باب فناء الدنيا، وبيان الحشر يوم القيامة 55 - (2858) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّد بْنِ حَاتمٍ وَاللَّفظُ لَهُ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مُسْتَوْرِداً، أَخَا بَنِى فِهْرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللهِ، مَا الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحدُكُمْ إِصْبعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ - فِىَ الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟ " وَفِى حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا، غَيْرَ يَحْيَى: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ. وَفى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ: عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، أَخِى بَنِى فِهْرٍ. وَفِى حَدِيثِهِ أَيْضًا: قَالَ: وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِالإِبْهَامِ. 56 - (2859) وحدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَاتِمٍ بْنِ أَبِى صَغِيرَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أبِى مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما الدنيا فى الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه - وأشار يحيى بالسبابة - فى اليم، فلينظر بما يرجع "، ثم قال فى الرواية الأخرى: وأشار إسماعيل بالإبهام. كذا عند جميعهم، وعند السمرقندى: بالإبهام (¬1). اليم: البحر، وأصله اسم البحر الذى غرق فيه فرعون، وهو المسمى آساف، قاله الهروى (¬2). وقال ابن دريد زعم قوم أن اليم لغة سريانية، وقد قال السدى فى تفسير اليم: إنه النيل. وقوله فى الرواية الواحدة: " السبابة " خلاف قوله فى الأخرى: " الإبهام "، وهو أوجه وأشبه بالتمثيل بما تكون به الإشارة. وأما من قال: البهام، فخطأ، إنما البهام جمع بهمة، وهى صغار الضأن والمعز. ¬

_ (¬1) فى ح: بالبهام. (¬2) لم أعثر على مادة " يمم " فى غريب الحديث.

النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظرَ بَعْضُهمْ إِلَى بَعْضٍ ". (...) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِى صَغِيرَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِهِ: " غُرْلاً ". 57 - (2860) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاس. سَمَعَ النَّبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطبُ وَهْوَ يَقُولُ: " إِنَّكُمْ مُلاقُوا اللهِ مُشَاةً حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً " وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيْرٌ فِى حَدِيثِهِ: يَخْطُبُ. 58 - (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيد بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا بِمَوْعِظَةٍ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّه حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (¬1) أَلا وِإنَّ أَوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسَى، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أَلا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أَصْحَابِى. فَيُقَالُ: إِنَكَ لا تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدكَ. فَأقُولُ. كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى الحديث: ما قدر الدنيا من الآخرة فى المساحة والقدر والقلة فى جنب الآخرة وكثرة خيرها؛ إذ قد يعطى الواحد من أهل الجنة - وهو أدناهم منزلة - مثل الدنيا وعشرة أمثالها إلى ما ورد من غير هذا. وقد يكون ذلك تمثيلاً لزوال الدنيا وفنائها الدائم ولذاتها الباقية. وقوله: " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً "، قال الإمام: الغرل: جمع أغرل، وهو الأقلف. والغرلة: القلفة. وقوله فى هذا الحديث: " وإنه سيجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب، أصحابى. فيقال: إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} " الآية (¬2) - الحديث، قال القاضى: قد تقدم ¬

_ (¬1) الأنبياء: 104. (¬2) المائدة: 117.

شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬1). قَالَ: فَيُقَالُ لِى: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ". وَفِى حَدِيثِ وَكِيعٍ وَمُعَاذٍ: " فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدكَ ". 59 - (2861) حدثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْب، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْحاقَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِير، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشْرَةٌ عَلَى بَعيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقَيَّتَهُمُ النَّارُ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا: وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِى مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام على معناه فى كتاب الطهارة، لكن هنا هذه الآية للزيادة. وفيها حجة على صحة تأويل من ذهب إلى أن الحديث فيمن ارتد بعد النبى - عليه السلام - ممن رآه لتلاوته هذه الآية، ولقوله: " لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم ". وقوله: " يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير. وتحشر بقيتهم النار، تبيت معهم حيث باتوا " الحديث: هذا الحشر هو فى الدنيا قبيل قيام الساعة، وهو آخر أشراطها كما ذكره مسلم بعد هذا فى آيات الساعة، قال فيه: " وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس " (¬2)، وفى رواية: " تطرد الناس إلى محشرهم " وفى حديث آخر: " لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز " (¬3)، ويدل أنها قبل القيامة. قوله: " فتقيل معهم حيث قالوا، وتمسى معهم حيث أمسوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا " على ما ورد فى اختلاف رواية الحديث، وفى بعض الروايات فى غير مسلم: " فإذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام " (¬4) كما أمر بسبقها إليه قبل إزعاجها لهم. وقد قال الأزهرى فى قوله: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} (¬5): أنه الحشر الأول إلى الشام، إجلاء بنى النضير عن بلادهم إليها، والثانى: للقيامة. وقوله: " ثلاث طرائق ": أى ثلاث فرق. قال الله تعالى: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (¬6) أى فرقًا مختلفة الأهواء. ¬

_ (¬1) المائدة: 117، 118. (¬2) سيأتى فى ك الفتن، برقم (40). (¬3) سيأتى فى ك الفتن، برقم (42). (¬4) أحمد فى مسنده 2/ 99، 119 من حديث ابن عمر. (¬5) الحشر: 2. (¬6) الجن: 11.

(15) باب فى صفة يوم القيامة، أعاننا الله على أهوالها

(15) باب فى صفة يوم القيامة، أعاننا الله على أهوالها 60 - (2862) حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يحيَى - يَعْنُونَ ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1) قَالَ: " يَقُومُ أحَدُهُمْ فِى رَشْحِهِ إلى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ المُثَنّى قَالَ: " يَقُومُ النَّاسُ " لَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ. (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسحاقَ الْمُسَيَّبِى، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - يَعْنِي ابْنَ عِياضٍ. ح وَحَدَّثَنِى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، كِلاهُمَا عَنِ مُوسَى ابْنِ عُقْبَةَ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَر وَعِيسَى بْنُ يُونُس، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ. ح وحَدَّثَنِى عبْدُ اللهِ بْن جَعْفَرِ بْن يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مالكٌ. ح وحَدَّثَنِى أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوب. ح وحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبراهِيمَ بْنِ سعدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيث عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ. غَيْرَ أَنَّ فِى حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَصَالِحٍ: " حَتَّى يَغيبَ أَحَدُهُمْ فِى رَشْحِهِ إِلى أنْصَافِ أُذُنَيهِ ". 61 - (2863) حدثنا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْن مُحَمَّدٍ - عَنْ ثَورٍ، عَنْ أَبِى الغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنّ العَرقَ - يَوْمَ القِيَامَةِ - لَيَذْهَبُ فِى الأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعًا، وإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ - أَوْ - إِلى آذَانِهِمْ " يَشُك ثَوْرٌ أَيَّهُمَا قَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يقوم أحدهم فى رشحه إلى أنصاف أذنيه "، وقوله: " يكون الناس على قدر أعمالهم فى العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه " إلى قوله: "ومنهم من يلجمه إلجاماً ": يحتمل أن يريد: عرقه نفسه؛ لحذره وخوفه وما يشاهده من تلك الأهوال أو يؤمله ويرجيه، فيكون عرقه بقدر ذلك. ويحتمل أن يكون عرقه وعرق غيره، فيخفف عن بعض، ويشدد ¬

_ (¬1) المطففين: 6.

62 - (2864) حَدَّثَنَا الحَكْمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنِى المِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تُدْنى الشَّمْسُ - يَوْمَ القِيَامَةِ - مِنْ الخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقدَارِ مِيلٍ ". قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ، ما أَدْرِى مَا يَعْنِى بِالمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَم المِيلَ الَّذى تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ. قَالَ: " فَيَكُونُ النَّاسُ عَلى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِى العَرَقِ، فِمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيه، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتيه، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيه، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلْجَامًا ". قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ على آخرين بحسب أعمالهم كما قال، وهذا كله بتزاحم الناس، وانضمام بعضهم لبعض، حتى صار العرق بينهم سائحًا فى وجه الأرض، كالماء فى الأوانى، بعد أن شربت منه الأرض، وغاص فيها سبعين عامًا أو باعًا أو ذراعًا، كما جاء فى الحديث نفسه. وتقدم تفسير " الحقو " أنه معقد الإزار، وقيل: الحقوان: طرفا الوركين.

(16) باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار

(16) باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار 63 - (2865) حدثنى أَبُو غَسَانَ المِسمَعِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى غَسَّانَ وَابْنِ المُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّير، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - ذَاتَ يَوْمٍ فِى خُطْبَتِهِ -: " أَلا إِنَّ رَبى أَمَرَنِى أَنْ أُعَلِمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَمَنِى، يَوْمِى هَذَا. كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْداً حَلالٌ، وَإِنِّى خَلَقْتُ عِبَادِى حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى خطبته: " إن ربى - عز وجل - أمرنى أن أعلمكم ما جهلتم مما علمنى يومى هذا، كل مالٍ نحلته عبدًا حلال، ديانى خلقت عبادى حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " الحديث، وفيه: " فإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب " وفيه: " وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرأه نائماً ويقظان "، قال الإمام: أما قوله: " كل مال نحلته عبدًا حلال " فالراد به ما لا حق فيه لأحد ولا سبب يحرمه، والقصد: أن ما خلقه الله - سبحانه - فى الأرض وغيرها مما ينتفع الناس به فإنه حلال، ولم يرد أنه لا يرزق الحرام كما قالت المعتزلة، ولا يغتر بظاهر هذا إن كل مال نحله حلال. وهذا يدل على أنه لا يحل الحرام، لأن القصد بالحديث ما قلناه، وقد قام الدليل على أن الله - سبحانه - يرزق الحلال والحرام، لأن الرزق عندنا هو ما ينتفع به، وكل منفعة فالله خالقها. وأما قوله: " فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب " فالأظهر أنه أراد قبل بعثة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن العرب كانت حينئذٍ ضلالاً، والعجم إلا بقايا من أهل الكتاب، كما قال - عليه السلام. قال القاضى: المقت: أشد البغض. وقوله: " خلقت عبادى حنفاء "، بمعنى قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (¬1)، وقد استوعب القول [قبل فيه] (¬2) فى موضعه. وقوله: " فاجتالتهم الشياطين " كذا روايتنا فيه بالجيم عند أكثر شيوخنا: الأسدى والخشنى وغيرهما، وضبطناه عن الحافظ أبى على: " فاختالتهم " بالخاء. ومعنى رواية الجيم - وهى أوضح ¬

_ (¬1) الروم: 30. (¬2) فى ح: فيه قبل.

يُشْرِكُوا بِى مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ الله نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَربَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلا بَقَايا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ. وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ، وَأَنْزَلتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الماءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِى أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا. فَقُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبين -: أى استخفوهم فذهبوا بهم، وجالوا معهم، وساقوهم إلى ما أرادوه بهم أو بمثله، فسره الهروى (¬1) وغيره. وقال شمر: اجتال الرجل الشىء: ذهب به وساقه، واجتال أموالهم واستجالها: أى ساقها وذهب بها. ومن رواه: " اختالتهم " بالخاء فقد يصح عندى أيضًا، ويكون معناه: يحبسونهم عن دينهم ويصدونهم عنه، ويتعاهدونهم ويلازمونهم فى ذلك. وقد قيل فى قوله: " يتخولهم بالموعظة ": أى يحبسهم عليها، كما يحبس خوله ويتعهدهم، قاله ابن الصابونى (¬2). وقال الفراء: الخائل: الراعى للشىء الحافظ له، وقد خال يخول واختال، افتعل من هذا - والله أعلم. وقوله: " إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك ": البلاء: المحنة والاختبار والتجربة. واستعمل فى الخير والشر، يقال: بلوته وابتليته، يقال: اللهم لا تبلنا إلا بالتى هى أحسن، قال الله تعالى: {وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا} (¬3). وأكثر ما يستعمل مطلقًا فى المكروه ومنه فى الدعاء: " نعوذ بك من جهد البلاء " (¬4). ومعناه: أمتحنك بما تلاقيه من الصبر على أذى المشركين، وأمتحنهم بما لقوا منك من القتل والجلاء. وأما قوله: " وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظان "، قال الإمام: فيحتمل أن يشير إلى أنه أودعه قلبه، وسهل عليه حفظه، وما فى القلوب لا يخشى عليه الذهاب بالغسل. ويحتمل أن يريد الإشارة إلى حفظه وبقائه على مر الدهر، فكنى عن هذا بهذا اللفظ. وقوله: " تقرؤه نائمًا ويقظان " يحتمل أن يريد أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوحى إليه فى منامه كما يوحى إليه فى يقظته، وأنّ ما يراه فى منامه من ذلك حق موثوق به كما يوثق باليقظة، ولا يبعد أن البارى - سبحانه - يريد فى المنام آية من القرآن يقرؤها تقدم إنزالها، أو يكون أعلم بصحتها يقظان. ويحتمل أنه يقرؤه مضطجعًا كما يقرؤه قائمًا. وسمى المضطجع ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 2/ 22. (¬2) هو أبو الوليد هشام بن عبد الرحمن بن عبد الله، من أهل قرطبة، رحل إلى المشرق، روى هنالك عن القابسى وأبى القاسم التميمى والداودى وغيرهم، توفى سنة 423 هـ. انظر: الصلة لابن بشكوال 2/ 650. (¬3) الأنفال: 17. (¬4) سبق فى ك الذكر، برقم (53).

رَبِّ، إِذًا يَثْلَغُوا رَأسِى فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً. قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِق عَلَيْكَ، وَابْعَث جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ. قَالَ: وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفيِفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عِيَالٍ. قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِى لا زَبْرَ لَهُ، الَّذينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا، لا يتْبَعُونَ أَهْلاً وَلا مَالاً، والخَائِنُ الَّذِى ـــــــــــــــــــــــــــــ نائماً مجازاً؛ لأن المضطجع يصلى كذلك إذا عجز عن القيام أو لعذر، لكن قوله: " يقظان " لا يكون فيه مقابلة لقوله: " نائماً " إذا تأولناه على المضطجع، فيكون التأويل الأول ترجح بما فى لفظه حين المماثلة. هذا الذى يظهر لى فى تأويل هذه الألفاظ، ولم أقف فيها لأهل العلم على شىء، غير أن الشيخ أبا بكر بن فورك تكلم على قوله - عليه السلام -: " لو جعل القرآن فى إهاب ما احترق " (¬1). وذكر فيه تأويلات [كثيرة] (¬2)، منها: أن المراد به أنّ الإنسان الواعى للقرآن لا يحترق. ومنها: أنّ ذلك مخصوص بعصر النبى - عليه السلام - علامة لنبوته. ومنها: أنّ المراد به أنّ القرآن فى نفسه لا يحترق، وإن احترق الإهاب والمداد، قال: وهذا كقوله: " كتاباً لا يغسله الماء " يعنى أنه لا يفنى ولا يدرس. وتأويله هذا نحو ما تأولناه. وكنت تأولت الحديث على ما قدمته قبل أن أقف للشيخ أبى بكر على هذا الفضل. وقوله: " وإنّ الله أمرنى أنْ أحرق قريشاً "، وقوله: " إذاً يثلغوا رأسى فيدعوه خُبزة "، قال القاضى: كذا هو بالثاء والغين المعجمة، ومعناه: يشدخوا. قال الهروى (¬3): الثلغ: الشدخ. قال شمر: الثلغ: فضخك الشىء الرطب بالشىء اليابس، الثلغ، والفضخ، والشدخ بمعنى. وفى رواية العذرى: " يقلعوا " بالقاف والعين المهملة، ولا يصح مع قوله: " فيدعوه خُبْزةً " أو كما يثلغ الخبزة كما روى فى غير الأم (¬4)، شبه الرأس إذا شدخ بالخبزة إذا شدخت لتثرد (¬5) وتسقى بالدهن والمرق. ووجدته عند بعضهم: " يفلغوا " بالفاء والغين المعجمة. ووقع فى غير كتاب مسلم: " تفلعوا " بالفاء والعين المهملة، ومعناه: يشقوا. وكذا رواه الخطابى (¬6)، وذكره أيضاً الهروى وفسره، وقال لى شيخنا أبو الحسين: أنه بالمعجمة قال: ويقال بالمهملة، وبها حكاه الخليل، قال: ومنه: تفلعت البطيخة. وقوله: " الضعيف الذى لا زبر له "، قال الإمام: معناه: الذى لا عقل له. وقوله هذا قول الهروى. وقال غيره: معناه: الذى ليس عنده ما يعتمد عليه وقد ذكر الإمام ما ¬

_ (¬1) أحمد 4/ 151. (¬2) من ح. (¬3) انظر: غريب الحديث 2/ 25. (¬4) أحمد 4/ 162. (¬5) فى ح: ليتردد. (¬6) انظر: غريب الحديث 1/ 676.

لا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لا يُصْبِحُ وَلا يُمْسِى إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ ". وَذَكَرَ البُخْلَ أَوْ الكَذِبَ " والشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ " وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو غَسَّانَ فِى حَدِيثِهِ: " وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ ". (...) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى العَنَزِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، ولَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِهِ: " كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْداً حَلاَلٌ ". (...) حدثنى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ - صَاحِبِ الدَّسْتَوائِىِّ - حَدَّثَنَا قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فسره به فى الأم مسلم، ولا معنى لذكره فى الشرح؛ إذ هو فى الأم. وقيل: الذى لا مال له. وقوله: [" الشنظير الفحاش "، قال الإمام: الشنظير: السيِّئ الخلق. قال القاضى] (¬1): هذا تفسير الهروى. والشنظير: هو الفحاش. قال فى حديث: قال صاحب العين: شنظر بالقوم شتم أعراضهم، والشنظير: الفحاش من الرجال القَلق، وكذلك من الإبل. وقوله " وذكر البخل والكذب " هكذا روايتنا فيه عن جماعة بواو العطف، ووقع فى بعض النسخ: " أو الكذب " على الشك، وهى روايتنا عن أبى جعفر عن الطبرى. قال بعض الشيوخ: ولعله الصواب، وبه تصح القسمة؛ لأنه ذكر أن أصحاب النار خمسة: الضعيف الذى وصف، والخائن الذى وصف، والرجل المخادع الذى وصف. قال: وذكر البخل أو الكذب، ثم ذكر الشنظير الفحاش، فيحمل هذا القائل أن الرابع هو صاحب أحد الوصفين. وقد يحتمل أن يكون الرابع من جميعهما، على رواية واو العطف كما جمعها فى " الشنظير الفحاش " على تفسير الهروى ومن وافقه - والله أعلم. وكذلك قوله قبل: " أهل الجنة ثلاثة؛ ذو سلطان متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذى قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال " كذا قيدناه بخفض مسلم عطفاً على ما قبله. وفى رواية أخرى: " ومسلم عفيف " بالرفع، وحذف الواو بعده وفى بعضها تخليط يفسد به القسمة والعدد. قال الإمام: خرج مسلم هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، صت شعبة، عن قتادة، سمعت مطرفاً يقول - الحديث. هكذا يروى عن الجلودى والكسائى وفى نسخة ابن ماهان: قال يحيى، قال سعيد عن قتادة: سمعت مطرفاً بهذا الحديث. جعل " سعيداً " بدل " شعبة ". ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَقَالَ فِى آخِرِهِ: قَالَ يَحْيَى: قَالَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا فِى هَذَا الحَدِيثِ. 64 - (...) وحدثنى أَبُو عَمَّارٍ حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنْ مَطَرٍ، حَدَّثَنِى قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرَّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، أخِى بَنِى مُجَاشِعٍ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَطيبًا. فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ أمَرَنِى " وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ. وَزَادَ فيه: " وَأَنَّ الله أَوْحَى إِلىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلا يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أًحَدٍ ". وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: " وَهُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْغُونَ أَهْلاً وَلا مَالاً ". فَقُلْتُ: فَيَكُونُ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَاللهِ، لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِى الجَاهِلِيَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَرْعَى عَلَى الحَىِّ، مَا بِهِ إِلا وَلِيدَتُهُمْ يَطَؤُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: كذا نص ما علق عن الإمام، وفيه تغيير فى الأم من كلام المتكلم عليه بهذا، وهو الحافظ أبو على الجيانى - رحمه الله - فإن مسلماً إنما خرجه أولاً من غير طريق يحيى عن هشام، ثم قال: وقال فى آخره: قال شعبة: قال قتادة: قال: سمعت مطرفًا فى هذا الحديث. وها هنا وقع الخلاف بين الروايات، ولذلك نقله الجيانى فى كتابه. ونقل المعلم يشعر أن الخلاف فيما بين سياق المسند (¬1) وحكاية يحيى، فانظره. وسعيد هذا هو ابن أبى عروبة، وهو الذى رواه عند مسلم، فقيل من طريق ابن [أبى] (¬2) عدى، فيحتمل أن يحيى سمعه من شعبة ومن سعيد، فكلاهما يروى عن قتادة، لكن فى قول يحيى: عمن قال منهما عن قتادة: سمعت مطرفًا، حجة قوية لمسلم، وذلك أن هذا الحديث له علة؛ ولذلك - والله أعلم - لم يخرجه البخارى، فإن ما (¬3) رواه عن قتادة قال: حدثنى أربعة عن مطرف بن عبد الله، منهم يزيد بن عبد الله أخو مطرف، والعلاء بن زياد، ورواه عنهما عن همام بن أبى خيثمة وابن أبى شيبة، عن قتادة، عن العلاء بن زياد، ويزيد أخى مطرف وعقبة بن عبد الغافر عن مطرف، إذ هما أعلا وأحفظ، ولم يبال بمن خالفهم، واستشهد بما حكاه يحيى عن شعبة أو سعيد من قول قتادة: سمعت مطرفًا. فأزال إشكال العنعنة. وقوله فى آخر الحديث: " فقلت: ويكون ذلك يا أبا عبد الله؟ " يعنى قاله قتادة لمطرف " قال: نعم، والله لقد أدركتهم فى الجاهلية " الحديث: دل على صحة صحبة ¬

_ (¬1) فى ح: السند. (¬2) من ح. (¬3) فى ح: همام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مطرف لإدراكه الجاهلية، وإن كان أبو عمر بن عبد البر لم يذكره فى كتابه (¬1)، ومن شرطه أن يذكره؛ لأنه ولد فى زمنه - عليه السلام. وقد ذكر ابن أبى خيثمة عن أخيه يزيد بن عبد الله قال: أنا أكبر من الحسن بعشر سنين، وأخى مطرف أكبر منى بعشر سنين، وولد الحسن - فيما قاله الواقدى - لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب. وقد ذكر أن عمر - رحمه الله - أغزاه مدداً للأحنف إلى نيسابور. وذكر ابن قتيبة: ولد مطرف فى حياة النبى - عليه السلام - ومات عمر وهو ابن عشرين سنة وتوفى بعد سنة سبع وثمانين. ¬

_ (¬1) يقصد: الاستيعاب فى معرفة الأصحاب.

(17) باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه

(17) باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه 65 - (2866) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدهُ بِالغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ، إِن كانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ. يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ". 66 - (...) حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِى، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَالجَنَّة، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَالنَّارُ " قَالَ: " ثُمَّ يُقَالُ:، هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِى تُبْعَثُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ". 67 - (2867) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الجُرَيْرِىُّ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَائطٍ لِبَنِى النَّجَّارِ، عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذَ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ. وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْخَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ - قَالَ: كَذَا كَانَ يَقُولُ الجُرَيْرِىُّ - فَقَالَ: " مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِهِ الأَقْبُرِ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. قَالَ: " فَمَتَى ماتَ هَؤُلاءِ؟ " قَالَ: مَاتُوا فِى الإِشْرَاكِ. فَقَالَ: " إِنَّ هذِهِ الأُمةَ تُبْتَلَى فِى قُبُورِهَا، فَلَوْلا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: {يُثَبِتُ اللَّهُ الَّذِين آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت} (¬1) نزلت فى عذاب القبر "، (¬2) قال الإمام: عذاب القبر ثابت عند أهل السنة، وقد وردت به الآثار، وقال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} (¬3)، وقال: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْن} (¬4) ولا يبعد فى العقل أن يعيد الله - تعالى - الحياة فى بعض أجزاء الجسد ولا يبعد هذا بالاستبعاد لما بيناه، ولا بقوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} (¬5)؛ ¬

_ (¬1) إبراهيم: 27. (¬2) حديث رقم (73) بالباب. (¬3) غافر: 46. (¬4) غافر: 11. (¬5) الدخان: 56.

أَنْ لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ الله أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ الَّذِى أَسْمَعُ مِنْهُ " ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: " تَعَوَّذُوا باللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ". قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ. فَقَالَ: " تَعَوَّذُوا باللهِ مِنْ عَذَاب القَبْرِ ". قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. قَالَ: " تَعَوَذُوا باللهِ مِنْ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ". قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِن الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. قَالَ: " تَعَوَّذُوا بَاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ". قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. 68 - (2868) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ الله أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه يحتمل أن يريد به الموتة التى فيها جزع وغضض، وموتة القبر ليست كذلك. ويحتمل أيضاً أن يريد جنس الموت، ولم يرد موتة واحدة، فإذا احتمل لم يرد به ما قدمناه من الظواهر والأخبار. قال القاضى: ذكر مسلم فى هذا الموضع أحاديث كثيرة فى عذاب القبر، وإسماع صوت من يعذب فيها، وسمع الموتى قرع نعال دافنيهم، وكلامه لأهل القليب، وقوله: " ما أتتم بأسمع منهم "، وسؤال الملكين للميت وإقعادهما إياه، وجوابه لهما، والفسح له فى قبره، وعرض مقعده عليه بالغداة والعشى. وهذا كله قد تقدم فيه لنا كلام فى كتاب الصلاة (¬1) والجنائز (¬2)، وأن مذهب أهل السنة تصحيح هذه الأحاديث وإمرارها على وجهها؛ لصحة طرقها، وقبول السلف لها. خلافًا لجميع الخوارج، ومعظم المعتزلة، وبعض المرجئة؛ إذ لا استحالة فيها ولا رد للعقل، ولكن المعذب الجسد بعينه بعد صرف الروح إليه أو إلى جزء منه، خلافاً لمحمد بن جرير (¬3) وعبد الله بن كرام (¬4) ومن قال بقولهما؛ من أنه لا يشترط الحياة؛ إذ لا يصح الحس والألم واللذة إلا من حى، وإن شاهدنا الجسد نحن على هيئته غير معذب، فذلك لا يرد ما جاء كحال النائم، وشبه ¬

_ (¬1) باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (584). (¬2) باب الصلاة على القبر برقم (956). (¬3) انظر: جامع البيان 13/ 218. (¬4) هو أبو عبد الله محمد بن كرام السجستانى زعيم الكرامية، أصله من زرنج، شاعت بدعته، حبسه طاهر بن عبد الله بن طاهر. ومن بدعه أن الإيمان قول واقرار باللسان. وبالغ فى الصفات إلى حد التجسيم والتشبيه، وأكثر الرواية عن الكذابين. وقال ابن حبان خذل خى التقط من المذاهب أرداها، ومن الأحاديث أرداها. توفى سنة 255 هـ. انظر: لسان الميزان 5/ 400، الملل والنحل 1/ 108.

69 - (2869) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنْى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، كُلُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ. ح وحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وابْنُ بَشَّار، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِى عَوْن بْنُ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنْ أبِيهِ عَنْ البَرَاءِ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ: " يَهُودُ تُعَذَّبُ فِى قُبُورِهَا ". 70 - (2870) حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ". قَالَ: " يَأتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ؟ " قَاَلَ: " فَأَمَّا المُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّه عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ " قَالَ: " فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ ". قَالَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَراهُمَا جَمِيعًا ". قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أنَّهُ يُفْسحُ لَهُ فِى قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُمْلأُ عَلَيْهِ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموات من المرضى، وأصحاب السكتات مع الجلوس بالتذاذه (¬1) وآلامه بمرائيه وأحلامه، ونحن لا نشاهد ذلك منه، إذ واجد اللذة والألم منه مكان الإدراك وكذلك إقعاده الوارد فى الحديث يحتمل أن يختص بالمقبور دون المنبوذ، وصفة إقعاده مغيبة عن العيون، وكذلك ضربه بالأرزبتين الوارد فى الحديث، فلا يبعد التوسع له فى لحده والإقعاد له، والمحاورة ثم تنعيمه [أو تعذيبه] (¬2) فانظر تمام الكلام هناك، وبسطه هناك. وأما قوله: " هذا مقعدك، حتى يبعثك الله إليه " فتنعيم المؤمن وتعذيب الكافر بمعاينة ما أعد الله لكل واحدٍ منهما، وانتظار ذلك إلى اليوم الموعود. وأما قوله: " فينفسح له فى قبره " فيحتمل أن يكون على ظاهره وأنه ترتفع الحجب عن بصره مما يجاوره من الأجسام الكثيفة بمقدار ما أراد الله له من ذلك حتى لا تناله (¬3) ظلمة القبر ولا ضيقه متى رد روحه إليه فيه وحصل له الحس، أو يكون على ضرب المثل والاستعارة للرحمة والنعيم، كما يقال: برد الله مضطجعه، وسقى قبره. وقوله فيه: " ويملأ عليه خضرًا ": أى نعمًا غضة ناعمة. وأصله من خضر (¬4) ¬

_ (¬1) فى ح: فى التذاذه. (¬2) من ح. (¬3) فى ح: يناله. (¬4) فى ح: خضيره.

يُبْعَثُونَ. 71 - (...) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ المَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا انْصَرَفُوا ". 72 - (...) حدثنى عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِى ابْنَ عَطَاءٍ - عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ " فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ. 73 - (2871) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْن عُثْمَانَ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ البَراءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (¬1). قَالَ: " نَزَلَتْ فِى عَذَاب القَبْرِ. فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِى اللهُ وَنَبِيِّى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ} ". 74 - (...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنُونَ ابْنَ مَهْدِىٍّ - عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ البَراءِ ابْنِ عَازِبٍ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ} قَالَ: نَزَلَتْ فِى عَذَابِ القَبْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشجر. والعرب تقول: أخضر خضر، كما تقول أعور عور للتأكيد فى الوصف. والخضر والأخضر بمعنى متقارب، ومنه قول على فى إنذاره بالحجاج: " يأكل خضرتها، ويلبس فروتها ". قال شمر: يعنى غضها وناعمها، ومنه: أخذ الشىء خضرًا [خضرًا] (¬2) أى غضًا طريًا، ومنه الحديث: " من خضر له فى شىء فليلزمه " (¬3) أى مَنْ رزق منه وأعطيه. وقوله فى حديث يحيى بن أيوب: " [فجاءت] (¬4) به ناقته ": أى نفرت ومالت عن الطريق. وقرع النعل وخفقها ضربها بالأرض. ¬

_ (¬1) إبراهيم: 27. (¬2) من ح. (¬3) ابن ماجه، ك التجارات، ب إذا قسم للرجل رزق من وجهه فليلزمه، رقم (2147). (¬4) من المطبوعة فى حديث رقم 67 من هذا الكتاب.

75 - (2872) حدثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا بُدَيْلٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. قَالَ: " إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ المُؤْمِنُ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا " قَالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا، وَذَكَرَ المِسْكَ. قَالَ: " وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ ". قَالَ: " وَإِنَ الكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ - قَالَ حَمَّادٌ: وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا، وَذَكَرَ لعْنًا - وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. قَالَ: فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً، كَانَتْ عَلَيْهِ، عَلَى أَنْفِهِ، هَكَذَا. 76 - (2873) حدثنى إسْحاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الهُذَلِىُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ. قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ مَعَ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَاَ سُلَيْمَانُ بْنُ المُغَيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، فَتَراءَينا الهِلالَ، وكُنْتُ رَجُلاً حَدِيدَ البَصَرِ. فِرَأَيْتُهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِى. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَل لا يَرَاهُ. قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلقٍ عَلَى فِراشِى. ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلَ بَدْرٍ بالأَمْسِ، يَقُولُ: " هَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ غَداً، إنْ شَاءَ اللهُ ". قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِى بَعَثَهُ بِالحقِّ، مَا أَخْطَؤُوا الحُدُودَ التى حَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَجُعِلُوا فِى بِئرٍ بَعضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. فانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهَمْ فَقَالَ: " يَا فُلانَ بْنَ فُلاَنٍ، وَيَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ فَإِنِّى قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِى اللهُ حَقًّا ". قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لا أَرْواحَ فِيها؟ قَالَ: " مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطيعُونَ أَنْ يرُدُّوا عَلَىَّ شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

77 - (2874) حدثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ البنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتْلَى بَدرٍ ثَلاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: " يَا أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، يَا أُميةَ بْنِ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَليْسَ قدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حقًّا؟ فَإنِّى قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِى رَبِّى حَقًّا ". فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جيَّفُوا؟ قَالَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجيِبُوا " ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا فِى قَلِيبِ بَدْرٍ. 78 - (2875) حدثنى يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ المَعْنِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِى طَلْحَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَظَهَرَ عَلَيِهِمْ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً - وَفِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ترك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتلى بدر ثلاثًا، ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم " الحديث، قال الإمام: ذهب بعض الناس إلى أن الميت يسمع؛ أخذًا بظاهر هذا. والذى عليه المحققون أن الله - تعالى - خرق العادة بأن أعاد الحياة إلى هؤلاء الموتى ليفزعهم (¬1) - عليه السلام - وإلى هذا ذهب قتادة، وقد ذكر الحديث لعائشة فقالت لنا: قال النبى - عليه السلام -: " إنهم الآن ليعلمون أن الذى كنت أقول لهم حق " ثم قرأت: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (¬2) الآية (¬3). فأنت ترى عائشة كيف أنكرت ظاهر الحديث، وحولته إلى لفظ آخر. والتشكك فى سماع الموتى وحبسهم يخرم (¬4) الثقة بالعلوم الضرورية. قال القاضى: والذى يحمل عليه سماع هؤلاء هو ما يحمل عليه سماع الموتى فى سائر أحاديث عذاب القبر وفتنته التى لامدفع فيها، وذلك بإحيائهم هاحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون، ويجيبون فى الوقت الذى يريده الله تعالى. وقوله فى هذا الحديث: " قد جيفوا ": كذا ضبطناه بفتح الجيم، أى أنتنوا. يقال: جافت الجيفة واجتافت وأروحت بمعنى. ¬

_ (¬1) فى ح: فيقرعهم. (¬2) الروم: 52. (¬3) مسلم، ك الجنائز، ب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، برقم (932). (¬4) فى ح: يمنع.

حَدِيثِ رَوْحٍ: بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً - مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَأُلْقُوا فِى طَوِىٍّ مِنْ أَطْواءِ بَدْرٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه: " فألقوا فى طوى من أطواء بدرٍ ": الطوى: البئر المطوية بالحجارة، وجمعها أطواء، وهى بمعنى القليب فى الحديث الآخر. وقوله فيه: " فرد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ريطة كانت على أنفه هكذا " قال الإمام: الريطة: كل ملاءة لم تكن لفقين، وجمعها ريط. وقال ابن السكيت: كل ثوب لين رقيق فهو ريطة. قال القاضى: قوله: " انطلقوا به - يعنى روح المؤمن - إلى آخر الأجل ": يعنى - والله أعلم -: منتهى أرواح المؤمنين، كما جاء فى سدرة المنتهى. وذكر مثله فى روح الكافر، والمراد - والله أعلم - سجين، كما جاء فى الحديث الآخر (¬1). وأما قوله فى روح الكافر، وذكر من نتنها، وذكر لعن كذا، هى فى جميع النسخ كان الوقشى يقول فيها: لعله، وذكر الخراء (¬2)، كما قال أولاً فى روح المؤمن، وذكر المسك [قال] (¬3): ويدل عليه رد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الريطة على أنفه. قال القاضى: وإنما ذهب لمقابلة المسك بما ذكر كما قابل الطيب بالنتن، وقد يكون هذا ترجيحًا لو ساعدته الرواية، وإلا فالرواية بما ذكرناه، ويكون هذا اللفظ لعنًا صحيحًا مقابلاً لقوله فى المؤمن: " صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه " وليس من شرط الكلام أن يتقابل كله، وليس بترجيح مقابلة المسك بهذه اللفظة التى ذكر، ولا تكون الصلاة على المؤمن فى الحديث مقابلة بأولى من مقابلة الصلاة [للمؤمن] (¬4) باللعن للكافر، ولا يكون للمسك فيه مقابلة. ولا حجة فى رد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الريطة على أنفه على إثبات تلك اللفظة، فإن فى الحديث ذكر النتن، ومحمل رد الريطة على الأنف بسببه، مع أن [أمثال] (¬5) هذه الألفاظ قلما توجد فى لفظه - عليه السلام - بل كان يكنى عنها كثيراً، ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً. ¬

_ (¬1) انظر: جامع البيان للطبرى 30/ 61، أحمد 4/ 287. (¬2) فى ز: الخبر. (¬3) و (¬4) فى هامش ح. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.

(18) باب إثبات الحساب

(18) باب إثبات الحساب 79 - (2876) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ القِيَامَة عُذِّبَ. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} (¬1)؟ فَقَالَ: " لَيْسَ ذَاكِ الحِسَابُ، إِنَّمَا ذَاكِ العَرْضُ، مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَة عُذِّب ". (...) حدثنى أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِىُّ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 80 - (...) وحدثنى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الحَكَمِ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ القَطَّانَ - حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ القُشَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا ابْن أَبِى مُلَيْكَةَ عَنِ القَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلا هَلَكَ " قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألَيْسَ اللهُ يَقُولُ: {حِسَابًا يَسِيرًا}؟ قَالَ: " ذَاكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الحِسَاب هَلَكَ ". (...) وحدثنى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنِى يَحْيَى - وَهُوَ القَطَّانُ - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من نوقش الحساب عُذِّب " أى مَنْ استقصى عليه، قال الهروى: يقال: انتقشت منه حقى: أى استقصيته منه (¬2)، ومنه: نقش الشوكة، وهو استخراجها. ولقوله: " عذب " معنيان: أحدهما: أن نفس مناقشة الحساب، وعرض الذنوب، والتوقيف على قبيح ما سلف له - تعذيب وتوبيخ. والثانى: أنه مفض إلى استحقاق العذاب. إذ لا حسنة للعبد يعملها إلا من عند الله وتفضله، وإقراره له عليها، وهدايته لها، وأن الخالص لوجهه تعالى من الأعمال قليل. ويؤيد هذا التأويل [قوله] (¬3) فى الرواية الأخرى: " هلك " (¬4) مكان " عذب ". وهذا الحديث مما تتبَّعه الدارقطنى (¬5) على ¬

_ (¬1) الانشقاق: 8. (¬2) انظر: غريب الحديث 1/ 201، 202. (¬3) من ح. (¬4) من الحديث رقم (80) من هذا الكتاب. (¬5) الإلزامات والتتبع حديث رقم (190) ص 348، 349.

الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ نُوقِشَ الحِسَاب هَلَكَ " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى يُونُسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم والبخارى، للاختلاف فيه عن ابن أبى مليكة (¬1)، فروى عنه عن عائشة، وروى ابن القاسم عنها فى أول إسناد حديث قتلى بدر: حدثنا إسحاق بن عمر بن سليط الهذلى، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس. قال الإمام: قال بعضهم فى نسخة ابن الحذاء: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، حدثنا سليمان، وهو خطأ فاحش، وصوابه: شيبان بن فروخ [وهو الأيلى، من شيوخ مسلم] (¬2) وأما شيبان بن عبد الرحمن فهو النحوى، يكنى أبا معاوية، وليس هو فى طبقة من يروى عنه مسلم، هو أعلى من ذلك. قال القاضى: وعلى الصواب رويناه عن جماعة شيوخنا إلا من هذا الطريق. وفى هذا الحديث إعلام من أعلام نبوة نبينا - عليه السلام - بإعلامه ما ذكر فيه من مصارع القوم يوم بدر، وقول عمر: " فما أخطؤوا الحدود التى حدها رسول الله "، وإخباره عنهم بسماع توبيخه وإظهار ما أخبر عن الله أنه وعده به من نصره. ¬

_ (¬1) ذكر القاضى - رحمه الله - هذا الانتقاد من غير أن يرده، والظاهر أنه لم يبال به من شهرة استطلاع عند المحدثين، فعبد الله بن عبيد الله ثبت، له العلو فى هذا الحديث، ثم العجب من الدارقطنى - رحمه الله - ينتقد الشيخين لأجل هذا، وهو الذى يروى عنه عن أم سلمة مباشرة حديث قراءة البسملة قبل الفاتحة، ثم يقول: إسناده صحيح، كلهم ثقات. انظر: سنن الدارقطنى 1/ 313. وإذا أثبت الدارقطنى سماع ابن أبى مليكة عن أم سلمة فلم ينتقد سماعه عن عائشة وهو أكثر روايةً عن أم سلمة، وقد قال البخارى عن ابن أبى مليكة: سمع ابن الزبير وابن عباس وعائشة - رضى الله عنها. انظر: التاريخ الكبير 5/ 137. (¬2) سقط من ح.

(19) باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

(19) باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت 81 - (2877) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَاءَ، عَنِ الأَعْمَش، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ. سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاثٍ يَقُولُ: " لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ باللهِ الظَّنَّ ". (...) وحدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 82 - (...) وحدثنى أَبُو دَاوُدَ، سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، عَارِمٌ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثلاثةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: " لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بالله عَزَّ وَجَلَّ ". 83 - (2878) وحدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يموتن أحدكم إلا وهويحسن الظن بالله ": تحذير من القنوط المهلك، وحض على الرجاء عند الخاتمة؛ لئلا يغلب عليه الخوف حينئذ فيخشى غلبة اليأس والقنوط فيهلك. وعبادة الله إنما هى من أصلين: الخوف والرجاء. فيستحب غلبة الخوف ما دام الإنسان فى خيرية (¬1) العمل، فإذا دنى الأجل وذهب المهل، وانقطع العمل، استحب حينئذ غلبة الرجاء؛ ليلقى الله - تعالى - على حالة هى أحب الأحوال إليه جل اسمه؛ إذ هو الرحمن الرحيم، ويحب الرجاء (¬2) وأثنى على نبيه - عليه السلام - بذلك. ويؤيد ما قلناه قوله فى الحديث بعد هذا: " يبعث كل أحد على ما مات عليه "، فهذا جامع لهذا ولغيره، وأن العبد يبعث على الحالة التى مات عليها (¬3). ونُبْه مسلم - ¬

_ (¬1) فى ح: مهلة. (¬2) فى ح: الرحماء. (¬3) ساقطة من ز.

(...) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: عَن النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ. 84 - (2879) وحدثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ العَذَابُ مِنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالَهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمه الله - بذكره هذا الحديث بعقب الذى قبله يدل على سعة معرفته، وأنه أورده على معنى التفسير له - والله أعلم - ثم جاء بعده بالحديث الآخر بقوله: " ثم بعثوا على أعمالهم " ليرى أن ذلك الحديث [الذى] (¬1) قبله - وإن كان مفسراً لما تقدم - فليس مقصوراً عليه، وإنما هو عام فى ذلك وفى غيره؛ بدليل هذا الآخر، ثم وصل به ابتداء. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز.

52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة

بسم الله الرحمن الرحيم 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة (1) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج 1 - (2880) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ " وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ ". (...) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَزُهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادُوا فِى الإِسْنَادِ عَنْ سُفْيَانَ، فَقَالُوا: عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الفتن أحاديث الفتن: وقدم فيها حديث الجيش الذى يخسف به، ثم قال: " يبعثهم الله على نياتهم " (¬1)، وذكر مسلم حديث: " ويل للعرب من شر قد اقترب " وذكر فى سنده الأول: عن عمرو الناقد، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش. فذكر فيه ثلاث صحابيات وربيبة للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجتان، روى بعضهم عن بعض. وذكر بعد هذا من حديث حرملة بن يحيى مثله، وكذا ذكره البخارى (¬2). ثم ذكره مسلم من حديث ابن أبى شيبة وغيره فقال: عن [زينب بنت أبى سلمة، عن حبيبة، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش. فجاء بأربع: ربيبتان وزوجتان وحبيبة هذه هى] (¬3) بنت عبد الله بن جحش، وهى بنت أم حبيبة ابنة أبى سفيان المذكورة فى هذا الحديث. وكذا ذكره الترمذى وغيره (¬4). وكذا ذكره عبد الغنى الحافظ (¬5) فى " كتاب الرباعيات " له. ¬

_ (¬1) حديث رقم (4) بالباب التالى. (¬2) البخارى، ك الفتن، ب ويل للعرب 9/ 60. (¬3) من ح. (¬4) الترمذى، ك الفتن، ب ما جاء فى خروج يأجوج ومأجوج 4/ 416 برقم (2187)، أحمد 6/ 428، 429. (¬5) هو أبو محمد عبد الغنى بن سعيد بن على بن سعيد بن بشر الأزدى حافظ مصر فى عصره، له مؤلفات كثيرة، منها: المؤتلف والمختلف، وأوهام الحاكم فى المدخل. توفى سنة 409 هـ. انظر: وفيات الأعيان 3/ 223.

2 - (...) حدَّثنى حَرْمَلَةُ بِنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ زَيْنَبَ بَنْتَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتهُ؛ أَنَّ أمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِى سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا؛ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ - زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَزِعًا، مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ: " لا إِله إِلا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرِّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثْلُ هَذهِ " وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الَإِبْهَامِ، وَالَّتِى تَلِيهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ ". (...) وحدَّثنى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ اَلزُّهْرِىِّ بِإِسْنَادِهِ. 3 - (2881) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فيه: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم، إذا كثر الخَبَثُ " ويروى: " الخُبُثُ "، قال الإمام: إذا كثر الفسوق والفجور. قال القاضى: العرب تسمى الزنا خبثاً وخبثة ومنه فى المخرج (¬1): أنه وجد مع أَمةٍ يخبث بها، أى يزنى بها، وهو أحد التأويلين فى قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} الآية (¬2)، وقيل: " إذا كثر الخبث ": أى أولاد الزنا. وقيل: إذا كثر الزنا. وقد جاء فى حديث آخر مفسراً: " ويكثر الزنا " (¬3). وقوله فى تفسير قوله: " فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " وعقد سفيان عشرة، وفى حديث يونس: " وحلق بأصبعه الإبهام والتى يليها "، وفى حديث أبى هريرة: " وعقد وهيب بيده تسعين ". فأما حديث سفيان ويونس عن ابن شهاب فمتقاربا المعنى والتفسير. وأما عند وهيب فى حديث أبى هريرة: " تسعين " فلعله حديث آخر متقدم على حديث زينب، إذ التسعون أضيق من العشرة، فيكون بين الحديثين مقدار ما زاد ¬

_ (¬1) هو ناقص الخلق. انظر: سنن ابن ماجة، ك الحدود، ب الكبير والمريض يجب عليه الحد برقم (2574)، أحمد 5/ 222. (¬2) النور: 26. (¬3) سبق فى ك العلم، ب رفع العلم وظهور الجهل بلفظ: " ويظهر أو يفشو " برقم (8، 9).

رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ " وَعَقَدَ وُهَيْبٌ بِيَدِهِ تِسْعِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فتح العشرة على عقد التسعين، أو يكون هذا كله على التقريب والتمثيل لابتداء الفتح والله أعلم؛ لما روى فى الآثار (¬1) من نقبهم السد حتى يروا الضوء، فيقولون: غداً نفتحه. فيصبح على حالته الأولى، حتى إذا شاء الله بفتحه وبخروجهم قالوا: غداً نفتحه إن شاء الله. فيصبح كما تركوه فيفتحونه. والأظهر فى هذا الخبر أنه على وجهه، وقد قيل: إنه ضرب مثل لابتدائه. ¬

_ (¬1) انظر: جامع البيان للطبرى، تفسير الآية رقم (40) من سورة الكهف.

(2) باب الخسف بالجيش الذى يؤم البيت

(2) باب الخسف بالجيش الذى يؤم البيت 4 - (2882) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظ لِقُتَيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ القِبْطِيَّةِ، قَالَ: دَخَلَ الحَارِثُ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ، وَأَنَا مَعَهُمَا، عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، أُمِّ المُؤْمِنِينَ، فَسَأَلاهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِى يَخْسِفُ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِى أَيَامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَعُوذُ عَاَئِذٌ بِالبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: " يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ ". وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هِىَ بَيْدَاءُ المَدِينَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث قتيبة وابن أبى شيبة وإسحاق فى الجيش الذى يخسف به وفى أوله: دخل الحارث بن ربيعة وعبد الله بن صفوان على أم سلمة، أم المؤمنين، فسألاها، ثم قال: وذلك فى أيام ابن الزبير قال أبو الوليد الكنانى: هذا لا يصح؛ لأن أم سلمة ماتت أيام معاوية قبل موته بسنة، ولم تدرك أيام ابن الزبير. قال القاضى: [قد قيل] (¬1): إنها ماتت أيام يزيد بن معاوية فى أولها، فعلى هذا يستقيم الخبر، فإن عبد الله نازع يزيد لأول ما بلغته البيعة له عند موت معاوية. وداجاه شيئًا، ووجه إليه يزيد أخاه عمرو بن الزبير ليجيئه به أو يقاتله، فظفر به عبد الله بن الزبير، ومات فى سجنه وصلبه. ذكر ذلك الطبرى وغيره، وذكر وفاة أم سلمة أيام يزيد أبو عمر بن عبد البر فى استيعابه (¬2). وقد جاء الحديث بعد هذا من طريق عبد الله بن صفوان عن حفصة مكان " أم سلمة ". وجاء بعده أيضاً: عن عبد الله بن صفوان أيضاً وعن أم المؤمنين، ولم يسمها، وعن (¬3) عائشة، قاله الدارقطنى (¬4)، قال: وقد رواه سالم ابن أبى الجعد، عن عبد الله بن صفوان، عن حفصة أو أم سلمة، قال: والحديث معروف عن أم سلمة، وقال أيضاً: الحديث محفوظ عن حفصة. ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) انظره 4/ 1921. (¬3) فى ح: وهى. (¬4) انظر: الإلزامات والتتبع ص 348 حديث رقم (189).

5 - (...) حدَّثناه أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، وَفِى حَدِيثِهِ: قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ، فَقُلْتُ: إِنَّهَا إِنَّمَا قَالَتْ: بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ. فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَلاَّ. وَاللهِ، إِنَّهَا لَبيْدَاءُ المَدِينَةِ. 6 - (2883) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أُمَّيَةَ بْنِ صَفْوَانَ، سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِى حَفْصَةُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَؤُمَّنَّ هَذَا البَيْتَ جَيْشٌ يَغْزُونَهُ، حَتَّى إِذا كَانوا بِبيداءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوْسَطِهِمْ، وَيُنَادِى أَوَّلُهُمْ آخِرَهُم، ثُمَّ يخْسَفُ بِهِمْ، فَلا يَبْقَى إِلاَّ الشَّرِيدُ الَّذِى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ". فَقَال رَجُلٌ: أَشْهَدُ عَلَيْكَ أَنَّكَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى حَفْصَةَ، وَأَشْهَدُ عَلَى حَفْصَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكْذِبُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 7 - (...) وحدَّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِى أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ العَامِرِىِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَيَعُوذُ بِهَذَا البَيْتِ - يَعْنِى الكَعْبَةَ - قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلا عَدَدٌ وَلا عُدَّةٌ، يُبْعثُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ، حَتَّى إِذا كَانُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره فى هذا الحديث البيداء وبيداء المدينة. البيداء: أرض ملساء لا شىء بها. وبيداء المدينة: الشرف الذى قدام ذى الحليفة فى طريق مكة، وهى أقرب إلى مكة من ذى الحليفة، وهى المختلف فى مهلّ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها. وقوله: " ليس معهم (¬1) منعة " بفتع النون: أى ما يمنعهم ويحميهم. وقوله: " يؤمون هذا البيت ": أى يقصدونه. وقوله: " فمنهم المجبور " وصوابه: [المجبر] (¬2)، وهى اللغة المشهورة. أجبرت الرجل: إذا (¬3) أكرهته، وقيل: جبرت أيضاً، حكاها الفراء. وقوله: " وفيه المستبصر ": أى المستبين لذلك، القاصد له عن عمد. وقوله: " وفيهم ابن السبيل ": أى السالك الطريق معهم ليس منهم. ¬

_ (¬1) فى ح: لهم. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) فى ح: أى.

بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ ". قَالَ يُوسُفُ: وَأَهْلُ الشّأمِ يَوْمَئِذٍ يَسِيرُونَ إِلَى مَكّةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ: أَمَا وَاللهِ، مَا هُوَ بِهَذَا الجَيْشِ. قَالَ زَيْدٌ: وَحَدَّثَنِى عَبْدُ المَلِكِ العَامِرِىُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِط، عَنِ الحَارِثِ ابْنِ أَبِى رَبِيعَةَ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنينَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُوسُف بْنِ مَاهَكٍ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الجَيْشَ الَّذِى ذَكَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ. 8 - (2884) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ ابْنُ الفَضْلِ الحُدَّانِىُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَاد، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: عَبِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَنَامِهِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَنَعْتَ شَيْئًا فِى مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ. فَقَالَ: " العَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِى يَؤُمُّونَ بِالبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ لَجَأَ بِالبَيْتِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ. قَالَ: " نَعَمْ، فِيهِمُ المُسْتَبْصِرُ وَالمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا، وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى، يَبْعَثُهُمُ اللهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يهلكون مهلكاً واحداً، ويصدرون مصادر شتَّى على نياتهم ": أى يبعثون على ذلك يوم القيامة من اختلاف نياتهم، فيجازى كل أحد على نيته. وأصل الصدر: الرجوع عن ورود الماء بعد الرى منه، والبعث بعد الموت رجوع إلى حالة الحياة. وفى هذا الحديث من الفقه: تجنب أهل المعاصى والبعد عنهم، وتجنب مجالس الظلم وجموع البغى؛ لئلا يعم البلاء ويحيق بالجميع المكر. وفيه أن من كثر سواد قوم فهو منهم، وأن المعاصى إذا كثرت ولم تنكر ولم تغير، عمت العقوبة، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} (¬1)، وهو من معنى قوله فى الحديث المتقدم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم، إذا كثر الخبث " (¬2). وقوله فى هذا الحديث: " عبث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى منامه ": قيل: معناه: اضطرب بجسمه، ويحتمل أنه بحركة أطرافه كمن يأخذ شيئًا ويدفعه، ويحتمل أن يكون بحركة جسمه منزعجاً لهول ما رآه. ¬

_ (¬1) الأنفال: 25. (¬2) حديث رقم (1) بالباب السابق.

(3) باب نزول الفتن كمواقع القطر

(3) باب نزول الفتن كمواقع القطر 9 - (2885) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبةَ وَعْمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ؛ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ عَلَى أُطم مِنْ آطَامِ المَدِينَةِ. ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّى لأَرَى مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلالَ بُيُوتِكُمْ، كَمَوَاقِعِ القَطْرِ ". (...) وحدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 10 - (2886) حدَّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالحَسَنُ الحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ المُسَيَّب وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الَقَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِى، وَالمَاشِى فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى، مَنْ تَشَرَّف لَهَا تَسْتَشْرِفُه، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأ فَلْيَعُذْبِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " أشرف على أطم من آطام المدينة ": الأطم بضم الهمزة والطاء المهملة، قال الإمام: هو بناء من حجارة مرفوع كالقصر. وآطام المدينة: حصونها. قال القاضى: وقوله: " أشرف ": أى علا وصعد. وقوله فى الفتن: " من تشرف لها تستشرف " كذا سمعناه من القاضى أبى على: " تشرف " بفتح التاء والشين معاً، وسمعناه من أبى بحر: " من يشرف " بضم الياء المنقوطة من أسفل باثنتين دماسكان الشين وكسر الراء، ومعناه فيما قيل: من الإشراف، وهو الانتصاب والتعرض والتطلع. وتستشرفه: تغلبه وتصرعه (¬1). وقيل: معناه من الشرف، وهو الإشفاء من الهلاك والخطر، من قولهم: أشفا المريض على الموت وأشرف. ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل وعند النووى. وفى الرسالة: تضرعه.

11 - (...) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالحَسَنُ الحُلْوانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوَيةَ، مِثْلِ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ هَذَا، إِلاَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ: " مِنَ الصَّلاةِ صَلاةٌ، مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ". 12 - (...) حدَّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيالِسىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ اليَقْظَانِ، وَاليَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأ أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ ". 13 - (2887) حدَّثنى أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَفَرْقَدٌ السَّبَخِىُّ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ أَبِى بكْرَةَ، وَهُوَ فِى أَرْضِهِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا: هَلْ سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ فِى الفِتَنِ حَدِيثًا؟ قَالَ: نَعَمْ. سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " النائم فيها خيرٌ من اليقظان، والقاعد فيها خير من القائم ": الحديث تنبيه على عظم الخطر فى الدخول فيها، وحض على تحنبها، والإمساك عن التشبث بشىء منها [وأن بلاءها بقدر مبلغ الإنسان منها] (¬1)، وعلى قدر دخوله فيها؛ ولهذا حض - عليه السلام - على الهروب عنها وطلب النفاد منها. وقوله: " ويعمد إلى سيفه فيدقه بحجر ": أمر بترك القتال واتخاذ السلاح حينئذ، ويكون هذا استعارة. وقد يحتمل أن يكون على وجهه، حتى لا يجد إن نازعته نفسه للدخول فيها مُعِينًا عليها. وقد احتج بهذا ومثله من ذهب من السلف إلى ترك الدخول فى الفتنة، وأنه لا يقاتل وإن دخل عليه وطلب قتله، وأنه غير جائز له المدافعة؛ إذ الطالب له غير متعمد لقتله، وإنما هو متأول، وهو مذهب أبى بكرة (¬2) وغيره. وقال: " لو دخلوا على ما ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) هو نُفَيع بن الحارث بن كلدة، مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يدلى إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حصن الطائف ببكرة، فاشتهر بأبى بكرة، ولمروياته مسند فى مسند أحمد، وقد ذكر فيه بعد حديث طويل أنه قال: " لو دخلوا على ما بهشت إليهم، بقصبة ". انظر: أحمد 5/ 39.

القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِى فِيهَا، وَالمَاشِى فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى إِلَيْهَا، أَلا فَإِذا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غُنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ ". قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلا غَنَمٌ وَلا أَرْضٌ؟ قَالَ: " يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لينْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ. اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولُ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِى إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِى رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِىءُ سَهْمٌ فَيقْتُلُنِى؟ قَالَ: " يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ". (...) وحدَّثنا أَبُوبَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، كِلاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بهشت بقصبة، فكيف أقاتلهم؟ ". وكافة [من] (¬1) لم ير الدخول فى الفتنة من الصحابة والتابعين يرى المدافعة، وهو مذهب ابن عمر وعمران بن حصين وغيرهما. فهذان مذهبان لمن رأى القعود فى جميع فتن الإسلام؛ لما ورد من النهى عن الدخول فيها. وذهب معظم الصحابة والتابعين إلى نصر الحق فى فتن المسلمين، والقيام معه كما أمر الله به [فى البغاة] (¬2) بقوله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الآية (¬3). وقال آخرون: إنما القيام على البغاة للإمام، فأما كل فتنة بين المسلمين ولا إمام لجماعتهم، فلا يحل الدخول فيها كيف كانت. وذهب أبو جعفر الطبرى إلى أن الفتنة التى قال النبى - عليه السلام -: " القاعد فيها خير من القائم " أنها [إذا] (¬4) كانت بين حزبين وبطلين [معاً] (¬5) وسائر المسلمين بينهما مغمورون، فهذه التى أمر فيها بالهرب وكسر السيوف، ولزوم البيوت. وأما فتنة من يشكل فيها المحق من المبطل، [فواجب عل كل من لم يتبين له المحق من المبطل] (¬6) منهما الانعزال حتى يتضح الحق، فيقوم مع أهله، ويعين حزبه؛ ولهذا تأولوا على من ¬

_ (¬1) و (¬2) فى هامش ح. (¬3) الحجرات: 9. (¬4) و (¬5) من ح. (¬6) فى هامش ح.

حَدِيثُ ابْنِ أَبِى عَدِىٍّ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادٍ إِلَى آخِرِهِ. وَانْتَهَى حَدِيثُ وَكِيعٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ " ولَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تخلف من جملة الصحابة فى حروب على، ويصح هذا التأويل قوله: " إن جئتنى بسيف له عينان "، قالوا: ولو أبيح الكف فى كل فتنة ولزوم البيوت لم يقم لله حق ولا أبطل باطل، ولوجد أهل البغى والاستطالة السبيل. قال الطبرى: وقد يكون ما ورد من كسر السيوف ولزوم البيوت خاصًا لمن أمره النبى - عليه السلام - بذلك. وقوله: " من الصلاة صلاة من فاتته ... " الحديث تقدم شرحه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: ك المساجد، ب التغليظ فى تفويت صلاة العصر برقم (626).

(4) باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما

(4) باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما 14 - (2888) حدّثنى أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ وَيُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: خَرَجْتُ وَأنَا أرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِى أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أيْنَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ؟ قَالَ: قُلْتُ: أرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِى عَلِيًّا. قَالَ: فَقَالَ لِى: يَا أحْنَفُ، ارْجِعْ، فَإنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إذَا تَوَاجَهَ المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيهِمَا، فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِى النَّارِ " قَالَ: فَقُلْتُ: أو ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم فى حديث: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما ": حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدرى، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب ويونس، قال الإمام: هكذا إسناد هذا الحديث، ووقع فى نسخة أبى العلاء بن ماهان: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد ابن سلمة والمحفوظ حماد بن زيد، [وكذلك خرجه أبو داود (¬1) عن أبى كامل عن حماد ابن زيد، وخرجه] (¬2) البخارى (¬3) عن عبد الرحمن بن المبارك عن حماد بن زيد عن أيوب ويونس. وقوله: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما "، قال القاضى: كذا الرواية المعروفة. والوجه فى الكلام: أى ضرب كل واحد منهما وجه صاحبه. وفى رواية العذرى: " توجه " له، وإن لم يكن تغيير وجهه، أى استقبل كل واحد منهما [وجه] (¬4) صاحبه وجعله وجهه، أى قصده. وقيل فى قوله تعالى: {وَجَّهْتُ وَجْهِى} (¬5) أى جعلت قصدى. " فالقاتل والمقتول فى النار ": قال القاضى: فيه حجة للقاضى أبى بكر بن الطيب ومن قال بقوله: إن العزم على الذنب والعقد على عمله معصية، بخلاف الهم دون عزم. فإنه معفو عنه لقوله: قلت: فما بال المقتول؟ قال: " لأنه أراد قئل صاحبه "، خلافاً لغيره ومن خالفه يقول له: هذا قد فعل أكثر من العزم، وهو المواجهة والقتال. وقد تقدمت المسألة أول الكتاب (¬6). ويتوجه فى هذا الحديث الكلام فى دماء الصحابة وقتالهم. وللناس فى ذلك غلو وإسراف، واضطراب من المقالات واختلاف. والذى عليه جماعة أهل السنة والحق: ¬

_ (¬1) أبو داود، ك الفتن، ب النهى عن القتال فى الفتنة برقم (4248). (¬2) من ح. (¬3) البخارى، ك الديات، ب قول الله {ومَنْ أَحْيَاهَا} 9/ 5. (¬4) من ح. (¬5) الأنعام: 79. (¬6) سبق فى ك الإيمان، الأحاديث من (203 - 208).

قَيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا القَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: " إنَّهُ قَدْ أرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حسن الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم، وطلب أحسن التأويل لفعلهم، وأنهم مجتهدون غير قاصدين للمعصية [والمجاهرة] (¬1) بذلك، وطلب سحق (¬2) للدنيا، بل كل عمل على شاكلته، وبحسب ما أداه إليه اجتهاده، لكن منهم المخطئ فى اجتهاده ومنهم المصيب، وقد رفع الله [الححر] (¬3) الحرج عن المجتهد المخطئ فى فروع الدين، وضعف الأجر للمصيب. وقد وقف الطبرى وغيره عن تعيين المحق منهم. وعند الجمهور أن علياً وأتباعه مصيبون فى ذبهم عن الإمامة، وقتالهم من نازعهم فيها، إذ كان أحق الناس بها وأفضل من على وجه الدنيا حينئذ وغيره تأول وجوب القيام بتغيير المنكر فى طلبه قتلة عثمان الذين فى عسكر على، وأنهم لا يقطعون (¬4) بيعة ولا يعتقدون (¬5) إمامة، نقضوا ذلك ولم يطلبوا سوى ذلك، ولم ير هو دفعهم، إذ الحكم فيهم للإمام وكانت الأمور لم تستقر استقرارها، ولا اجتمعت الكلمة بعد وفيهم عدد، ولهم شوكة ومنعة، ولو أظهروا تسليمهم أولاً والقصاص منهم لاضطرب الأمر، وانبت الحبل، ومنهم جماعة لم يروا الدخول فى شىء من ذلك، محتجين بنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التلبس بالفتن، والنهى عن قتال أهل الدعوة، كما احتج به أبو بكرة فى كتاب مسلم فى هذا الحديث على الأحنف، وعذروا الطائفتين بتأويلهم، ولم يروا إحداهما باغية فيقاتلوها. وأما غير أهل الحق فلهم فى ذلك مقالات بشعة شنيعة يستغنى عن ذكرها. وقوله: أرأيت إن أكرهت - إلى قوله - فيقتلنى قال - عليه السلام -: " يبوء بإثمك وإثمه " (¬6)، أى يلزمه ويرجع بذلك. وأصل البوء: اللزوم أى تبوء بإثمه فيما دخل فيه ومنعه من الدخول فى الفتنة، وبإثمك لقتله إياك، وبإثمك لإكراهه إياك على ما أكرهك. وفيه رفع الحرج عن المكره على مثل هذا فى هذه المسألة، وهو المحمول الذى لا يملك نفسه لقوله: أكرهت حتى ينطلق بى، ولم يختر أنه انطلق من قتل نفسه. ولم يختلفوا أن الإكراه على القتل لا يعذر به أحد ولا على ظلم غيره، وإنما العذر فيما تعلق بالقلب، أو ما لا يملك فيه الإنسان نفسه. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) هكذا فى الأصل " سحق " ولقد جاءت فى اللسان: السحق: الثوب الخَلَقُ البالى، والسحوق: الطويل من الرجال، والواحدة سحيقة، وهو المطر العظيم القطر. انظر: اللسان، مادة " سحق ". (¬3) هكذا حررت فى الأصل، ولعلها سهو قلم من الناسخ، وليست موجودة بالرسالة ولا بالأبى. (¬4) فى ح: يعطون. (¬5) فى ح: يعقدون. (¬6) حديث رقم (13) بالباب السابق.

15 - (...) وحدّثناه أحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيُّوبَ وَيُونُسَ وَالمُعَلَّى بْنِ زِيادٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أبِى بَكْرَة. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِى النَّارِ ". (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أيُّوبَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أبِى كَامِلٍ عَنْ حَمَّادٍ. إلى آخِرِهِ. 16 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أبِى بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إذَا المُسْلِمانِ، حَمَلَ أحَدُهُمَا عَلَى أخِيهِ السِّلاحَ، فَهُمَا عَلَى جُرُفِ جَهَنَّمَ، فَإذَا قَتَلَ أحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، دَخَلاهَا جَمِيعًا ". 17 - (157) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَدَعْوَاهمَا وَاحِدَةٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف فى الإكراه على المعاصى التى بين الله وعبده، هل يعذر المكره فيها فى أحكام الدنيا والآخرة أم لا؟. وقوله فى الحديث: " فالقاتل والمقتول فى النار " ومعناه: إن جازاهما الله وعاقبهما على ماتقدم من مذهب أهل السنة، ويكون هذأ فى غير أهل التأويل. وقوله فى الحديث الآخر: " إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما فى حر جهنم " كذا لابن ماهان، وللطبرى والعذرى: " فهما على حرف جهنم " وللسمرقندى: " على جرف " بالجيم فيهما، وعند بعضهم: " فى (¬1) حرف " بالحاء. وكل هذا متقارب، إلا أن معنى رواية " جرف " كالحديث الأول وعلى الرواية الأخرى: أن حالهما مفضية إلى قتل أحدهما الآخر، فهما كمن هو على جرف أو حرف جهنم، لا يِأمنِ السقوط فيه وانهياره فى النار، كما قال تعالى: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ} (¬2) وهذه الرواية أولى؛ لقوله: " فإذا قتل أحدهما الآخر دخلاها جميعاً ". وهذا الحديث ذكره ¬

_ (¬1) قيدها الأبى: على. (¬2) التوبة: 109.

18 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْل، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الهَرْجُ ". قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " القَتْلُ، القَتْلُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة، عن غندر، وعن محمد بن بشار وابن المثنى عنه، عن شعبة، عن منصور بسنده، رفعه. وقد تعقبه الدارقطنى (¬1)، وقال: خرجه مسلم، وعلقه البخارى (¬2)، ولم يرفعه الثورى عن منصور. ¬

_ (¬1) انظر: الإلزامات والتتبع ص 221 رقم (87). (¬2) البخارى، ك الفتن، ب إذا التقى المسلمان بسيفيهما 9/ 64.

(5) باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض

(5) باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض 19 - (2889) حدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِىُّ وَقَتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ - حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أبِى قِلابَةَ، عَنْ أبِى أسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَاَنَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ اللهَ زَوَى لِى الأرْضَ، فَرَأيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإنَّ أمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا، وَأعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأحْمَرَ وَالأبْيَضَ، وَإنِّى سَألْتُ رَبِّى لأمَّتِى ألا يُهْلِكُهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَألا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوا مِنْ سِوَى أنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإنَّ رَبِّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إنِّى إذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإنَّهُ لا يُرَدُّ، وَإنِّى أعْطَيْتُكَ لأمَّتِكَ ألا أهْلِكَهُمْ بسَنةٍ عَامَّةٍ. وَألا أسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوا مِنْ سِوَى أنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَو اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأقْطَارِهَا - أوْ قَالَ: مَنْ بَيْن أقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " إن الله زوى لى الأرض " الحديث، قال الإمام: " زويت لى الأرض ": أى جمعت، يقال: انزوى القوم وتدانوا وتضاموا. قال القاضى: إنما وقع فى الأم ما تقدم. وهذا الحديث علم من أعلام نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لظهوره كما قال، وأن ملك أمته اتسع فى المشارق والمغارب كما أخبرمن أقصى بحر طنجة (¬1)، ومنتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق مما وراء خراسان والنهر وكثير من بلاد الهند والسند والصغد (¬2)، ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال الذى لم يذكر - عليه السلام - أنه أريه وأن ملك أمته سيبلغه. وقوله: وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض: ظاهره الذهب والفضة، والأشبه أنه أراد كنز كسرى وقيصر، وقصورهما وبلادهما، يدل على ذلك قوله فى الحديث الآخر عنهما فى هلاكهما: " ولتنفق كنوزهما فى سبيل الله " (¬3) وقوله فى حديث جابر بن سمرة ¬

_ (¬1) هى مدينة على ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء من البر الأعظم أو بلاد بربر، بينها وبين " سبتة " مسيرة يوم وهى آخر حدود إفريقيا من جهة المغرب، وقد وصلها الفتح الإسلامى فى العهد الأموى بفتوحات عقبة بن نافع، وطارق بن زياد وموسى بن نصير. أنظر: مراصد الاطلاع 2/ 894. (¬2) هى قرى متصلة خلال الأشجار والبساتين من سمرقند إلى قريب من بخارى. انظر: مراصد الاطلاع 2/ 842. (¬3) حديث رقم (75) من هذا الكتاب.

(...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِى أبِى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أبِى قِلابَةَ، عَنْ أبِى أسْمَاء الرَّحَبِىِّ، عَنْ ثَوْبَانَ؛ أنَّ نَبِىَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ اللهَ تَعالَى زَوَى لِىَ الأرْضَ، حَتَّى رَأيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَأعْطَانِىَ الكَنْزَيْنِ الأحْمَرَ وَالأبْيَضَ ". ثُم ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أيُّوبَ عَنْ أبِى قِلابَةَ. 20 - (2890) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، أخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ العَالِيَةِ، حَتَّى إذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِى مُعَاوِيَةَ، دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَينِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً، ثُمَّ انْصَرفَ إلَيْنَاَ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَألتُ رَبِّى ثَلاثًا، فَأعْطَانِى ثِنْتَينِ وَمَنَعَنِى وَاحِدَةً. سَألتُ رَبِّى ألا يُهْلِكَ أمَّتِى بِالسَّنَةِ فَأعْطَانِيها، وَسَألتُهُ ألا يُهْلِكَ أمَّتِى بِالغَرَقِ فَأعْطَانِيها، وَسَألْتُهُ ألا يَجْعَلَ بَأسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيها ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المخرج بعد -: " لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذى بالأبيض " (¬1)، فقد بان أن الكنز الأبيض هو كنز كسرى، ويكون الأحمر كنز قيصر. ويدل عليه ما جاء فى حديث آخر فى ذكر الشام " إنى لأبصر قصورهما الحمر " (¬2)، وقوله: " إنى لأبصر قصر المدائن الأبيض " (¬3). ويدل على ذلك أيضاً قوله - عليه السلام -: " إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشأم مديها ودينارها " (¬4) فقد أضاف الفضة البيضاء إلى العراق وهى مملكة كسرى، والدينار الأحمر إلى الشام وهى مملكة قيصر. وقد يدل هذا أيضاً إلى ما ذكرناه أولاً من المراد به الذهب والفضة. وقيل. هو المراد بالحديث. وقوله فى تفسير الهرج بالقتل، وأصله: الاختلاط، هرج القوم: إذا اختلطوا. وقد جاء فى البخارى تفسيره القتل بلغة الحبشة (¬5)، وإنما هذا من بعض رواة الحديث، وإلا فهو القتل كما ذكرنا معلوم فى لغة العرب. وقال ابن دريد (¬6): الهرج: الفتن فى آخر ¬

_ (¬1) حديث رقم (78) من هذا الكتاب. (¬2) و (¬3) أحمد 4/ 303. (¬4) حديث رقم (33) من هذا الكتاب. (¬5) انظر: ك الفتن، ب ظهور الفتن 9/ 61. (¬6) انظر: الجمهرة 2/ 88.

21 - (...) وحدّثناه ابْنُ أبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنَ حَكِيمٍ الأنْصَارِىُّ، أخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ، أنَّهُ أقْبَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى طَائِفَةٍ منْ أصْحَابِهِ، فَمَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِى مُعَاوِيَةَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الزمان. والهرج أيضاً: الاختلاط، ومنه قيل: فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة. والهرج أيضاً: كثرة النكاح، هرجها: نكحها، وفى الحديث: " يتهارجون تهارج الحمر " يحتمل للمعنيين معاً. وقوله: " لا يهلكها الله بعامة ": أى بشدة تجتاحهم وتعم جميعهم بالهلاك. وقوله: " تستبيح بيضتهم ": أى جماعتهم وأصلهم، وهو مأخوذ من بيضة الطائر لتحصينها ما فيها، واجتماعها عليه. والبيضة أيضاً: العز. والبيضة أيضاً: الملك.

(6) باب إخبار النبى صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة

(6) باب إخبار النبّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يكون إلى قيام الساعة 22 - (2891) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجبِيبِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا إِدْرِيس الْخولانىَّ كَانَ يَقُولُ: قَالَ حُذَيْفَةُ بنُ الْيَمَانِ: وَاللهِ، إِنِّى لأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِىَ كَائِنَةٌ، فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا بِى إِلاَّ أَنَ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَىَّ فِى ذَلِك شَيْئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِى، وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنِ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَعُدّ الْفِتنَ: " مِنْهُنَّ ثَلاَثٌ لاَ يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ ". قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُوَلئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِى. 23 - (...) وحدّثنا عُثْمَانٌ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ - قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا - جَرِيرُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول حذيفة: " والله، إنى لأعلم الناس بكل فتنة هى كائنة بينى وبين الساعة، وما بى إلا أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسر إلى فى ذلك شيئًا لم يحدثه غيرى " كذا هى الرواية عند جميع شيوخنا. وقال بعضهم: وجه الكلام: " وما بى أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بإسقاط " إلا "، وكأنه رأى أن الكلام يختل بإثباتها لدلالة الكلام بها على إثبات السِّرِّ له (¬1). وقد أخبر متصلاً أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بذلك فى مجلس فيه ناس فتناقض عنده الكلام ويكون مراده: ما بى أنى اختصصت بعلم ما أسر إلى، بل قد شاركنى غيرى فى كثير من علمها من قبلها بدليل آخر الحديث أيضاً، وبقوله فى الحديث الآخر: " نسيه من نسيه وحفظه من حفظه "، لكن لهذا ولقوله فى ذلك المجلس الذى حدث فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما حدث فذهب أولئك القوم غيرى، فانفرد هو بمعرفة ذلك دون غيره، وليس عندى فى ذلك تناقض، ولا فى إثبات إلا ما يختل به الكلام. وإيداع النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحذيفة من سر الفتن ما أودع، مشهور فى الأحاديث الصحاح، وهو كان صاحب سرها، والاهتبال بالسؤال عنها. ويكون معنى كلامه: وما بى من عذر فى الإعلام بجميعها والحديث عنها إلا ما أسر إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لم يحدث به غيرى، ولعله حد له ألا يذيعه، أو رأى من الصلاح ألا يذيعه، إذا لم يكن عند غيره وأما ما لم ¬

_ (¬1) فى ز: الشركة، والمثبت من ح.

اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِى مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلا حَدَّثَ بِهِ. حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِى هَؤُلاَءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُوَنُ مِنْهُ الشَّىْء قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رآهُ عَرَفَهُ. (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَنَسِيهُ مَنْ نَسِيَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 24 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِى بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ كَائنٌ إِلى أَن تَقُومَ السَّاعَةُ، فَمَا مِنْهُ شَىْءٌ إِلا قَدْ سَألْتُهُ، إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَسْأَلهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ المَدِينَةِ مِنَ المَدِينَةِ؟ (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنِى وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوهُ. 25 - (2892) وحدّثنى يَعقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَاصِمٍ. قَالَ حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرنَا عِلْباءُ بْنُ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِى أَبُو زَيْد - يَعْنِى عَمْرُو بْنَ أَخْطَبَ - قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يسره إليه ولا خصه به، فهو الذى يحدث به كما جاء متصلاً بقوله: لكن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو يحدث فى مجلس أنا فيهم عن الفتن. وقوله بعد فى الحديث الآخر: وإنه ليكون منه الشىء قد نسيته فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه. قال بعضهم: فى هذا الكلام اختلال، يعنى من الرواة. وصوابه: كما ينسى، أو كما لا يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه، وبه يصح تمثيله. وفى البخارى (¬1) فيه تلفيق أيضاً. وقوله فى حديث يعقوب الدورقى: أنبأنا علباء بن أحمر، حدثنا أبو زيد قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أبو زيد هذا هو عمرو بن أخطب بالخاء المعجمة، وكذا وقع مبيناً فى رواية السمرقندى، والشنتجالى عن السجزى: حدثنا أبو زيد - يعنى عمرو بن أخطب - قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو عمرو بن أخطب الأنصارى من بنى الحارث بن ¬

_ (¬1) البخارى، ك القدر، ب {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} 8/ 154.

الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى. ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى؛ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوُ كَائِنٌ، فَأعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخزرج، صحب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: غزوت معه ست غزوات أو سبعاً (¬1). انتهى. والكلام على حديث حذيفة مع عمر بن الخطاب فى الفتنة تقدم (¬2) فى كتاب الإيمان. ¬

_ (¬1) انظر: الاستيعاب 4/ 1164، والإصابة 4/ 599 وفيه مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه وقال: " اللهم جمله ". (¬2) سبق فى ك الإيمان برقم (144).

(7) باب فى الفتنة التى تموج كموج البحر

(7) باب فى الفتنة التى تموج كموج البحر 26 - (144) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَء أَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعاً عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ ابْنُ الْعَلاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا. قَالَ: إِنَّكَ لَجَرِىءٌ وَكَيْفَ قَالَ؟ قَالَ: قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنفْسِهِ وَوَلدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ ". فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هَذَا أَرِيدُ، إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَالَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ إِنَّ بيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلقًا. قَالَ: أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: ذَلِكَ أَحْرَى أَلا يُغْلَقَ أبَداً. قَالَ: فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: هَلْ كَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ البَابُ؟ قَالَ: نَعَم، كَمَا يَعْلَمُ أنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ. إنِّى حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأغَالِيطِ. قَالَ فَهِبْنَا أنْ نَسْألَ حُذَيْفَةَ: مَن البَابُ؟ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ. فَسَألَهُ. فَقَالَ: عُمَرُ. 27 - (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَأبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أخْبَرَنَا عِيسَى ابْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عيِسَى، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أبِى مُعَاوِيَةَ. وَفِى حَدِيثِ عِيسَى عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه: " إنك لجرىء ": أى جسور مقدام على ذلك. والجرأة: الجسارة وعدم هيبته. وقول جندب: " جئت يوم الجرعة " كذا هو بفتح الجيم والراء والعين المهملة، وهو موضع بجهة الكوفة. ورويناه عن بعضهم بسكون الراء. وأصل الجرعة: المكان الذى فيه سهولة ورمل، يقال له: جرع وأجرع وجرعا. وهو يوم خروج أهل الكوفة إلى سعيد بن

(...) وحدّثنا ابْنُ أبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أبِى رَاشِدٍ؛ وَالأَعْمَشُ عَنْ أبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ يُحَدِّثَنَا عَنِ الفِتْنَةِ؟ وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. 28 - (2893) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ جُنْدُبٌ: جِئْتُ يَوْمَ الجَرعَةِ. فَإذَا رَجُلٌ جَالِسٌ. فَقُلْتُ: لَيُهَرَاقَنَّ اليَوْمَ هَهُنَا دِمَاءٌ. فَقَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ: كَلا، وَاللهِ. قُلْتُ: بَلَى، وَاللهِ. قَالَ: كَلا، وَاللهِ. قُلْتُ: بَلَى، وَاللهِ. قَالَ: كَلا، وَاللهِ. إنَّهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِيهِ. قُلْتُ: بِئسَ الجَلِيسُ لِى أنْتَ مُنْذُ اليَوْمِ، تَسْمَعُنِى أخَالِفُكَ وَقَدْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَنْهَانِى؟ ثُمَّ قُلْتُ: مَا هَذَا الغَضَبُ؟ فَأقْبَلْتُ عَلَيْهِ وَأسْألُهُ، فَإذَا الرَّجُلُ حُذَيْفَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ العاص، وكان عثمان ولاه عليهم فردوه وولوا أبا موسى الأشعرى، وسألوا عثمان توليته فأقره. وقوله فى هذا الحديث: " تسمعنى منذ اليوم أحالفك " (¬1): كذا رواية شيوخنا بالحاء المهملة من الحلف الذى هو اليمين، وقد رواه بعضهم: " أخالفك " بالخاء المعجمة، وكلاهما يصح. ويدل عليه الحديث، لكن أظهرها بالحاء المهملة لتردد الأيمان بينهما فى الحديث. ¬

_ (¬1) فى النسخة المطبوعة: أخالفك.

(8) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب

(8) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب 29 - (2894) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقَوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مَائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: لَعَلِّى أكُونُ أنَا الَّذِى أنْجُو ". (...) وحدّثنى أمَيَّةُ بْنُ بسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ: فَقَالَ أبِى: إنْ رَأيْتَهُ فَلا تَقْرَبَنَّهُ. 30 - (...) حدّثنا أَبُو مَسْعُودٍ، سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ السَّكُونِىُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الَرَّحْمَنِ، عَنْ حفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُوشِكُ الفُرَاتُ أنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ منْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلا يَأخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ". 31 - (...) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه، عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُوشِكُ الفُراتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرهُ فَلاَ يَأخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى يحسر الفرات ": أى ينصب. وأصله الكشف، أى يكشف عن الأرض وعن قراره، ومنه حسرت العمامة عن رأسى، ومنه الحاسر، الذى لا سلاح عليه. ووقع فى رواية السمرقندى: " ينحسر " وحكى عن بعضهم أنه قال: حسر البحر، ولا يقال: انحسر. قوله: " لا يزال الناس مختلفة أعناقهم فى طلب الدنيا ": الأعناق من هنا - والله أعلم - الرؤساء والكبراء، وهو أحد التفاسير فى قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (¬1)، ويكون الأعناق أيضاً هنا: الجماعات، يقال: جاءنى عنق من الناس، أى جماعة، وقد يكون هنا أيضاً الأعناق نفسها، عبر بها عن أصحابها، لاسيما وهى التى بها التطلع و [التشوف] (¬2) للأمور، ومنه يقال: رفع فلان رأسه لأمر كذا ومد عنقه له. ¬

_ (¬1) الشعراء: 4. (¬2) من ح.

32 - (2895) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَأبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ - وَاللَّفْظُ لأبِى مَعْنٍ - قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، أخْبَرَنِى أبِى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ نَوْفَل، قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ أُبَىِّ بْنِ كَعْب. فَقَالَ: لا يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفَةً أَعْنَاقُهُمْ فِى طَلَبِ الدُّنْيَا. قُلْتُ: أَجَلْ. قَالَ: إنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُوشِكُ الفُرَاتُ أنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَإذَا سَمعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إلَيهِ. فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ: لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاَسَ يَأخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلِّهِ. قَالَ فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ". قَالَ أَبُو كَامِلٍ فِى حَدِيثِهِ: قَالَ: وَقَفْتُ أنَا وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ فِى ظِلِّ أُجمِ حَسَّانَ. 33 - (2896) حدّثنا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ وَإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُبَيْدٍ - قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ - مَوْلَى خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ - حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِى صَالِحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنَعتِ العِرَاقُ دِرْهَمهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّأمُ مُدْيها وَدينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْث بَدَأتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأتُمْ ". شَهِدَ عَلَى ذَلكَ لَحْمُ أبِى هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وقفت فى ظل أجم حسان " بضم الهمزة، هو الحصن، وجمعه آجام مثل أطم وآطام.

(9) باب فى فتح قسطنطينية، وخروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم

(9) باب فى فتح قسطنطينية، وخروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم 34 - (2897) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ بِلالٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأعْمَاقِ، أوْ بِدَابقَ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِمْ جَيشٌ مِنَ المَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أهْلِ الأرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإذَا تَصَافّوا قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلُهُمْ. فَيَقُولُ المُسْلِمُونَ: لا. وَاللهِ، لا نُخَلِّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إخْوَاننا فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لا يُفْتَنُونَ أبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّةَ. فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الغَنَائِمَ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ: إنَّ المَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِى أهْلِيكُمُ، فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. فَإذَا جَاؤُوا الشَّأمَ خَرَجَ. فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلقِتَالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إذْ أقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأمَّهُمْ. فَإذَا رَآهُ عَدُوّ اللهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِى الماءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِى حَرْبَتِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم الكلام فى كتاب الإيمان (¬1) على تفسير اسم [المسيح ابن مريم واسم] (¬2) المسيح الدجال، ومعنى الدجال. ¬

_ (¬1) ب ذكر المسيح ابن مريم والمسيخ الدجال، حديث رقم (273). (¬2) من ح.

(10) باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس

(10) باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس 35 - (2898) حدّثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيثِ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، أخْبَرَنِى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَ المُسْتَوْرَدُ القُرَشِىُّ، عِنْدَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أكْثَرُ النَّاسِ ". فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أبْصِرْ مَا تَقُولُ: قَالَ: أقُوُلُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أرْبَعًا: إنَّهُمْ لأحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأسْرَعُهُمْ إفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأمْنَعُهُمْ مِنْ ظلْمِ المُلُوكِ. 36 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهِبٍ، حَدَّثَنِى أَبُو شُرَيْحٍ؛ أنَّ عَبْدَ الكَرِيمِ بْنَ الحَارِثِ حَدَّثَهُ؛ أنَّ المُسْتَوْرِدَ القُرَشِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أكْثَرُ النَّاسِ ". قَالَ: فَبَلغَ ذَلِكَ عَمْرَو بْنَ العَاصِ. فَقَالَ: مَا هَذِهِ الأحَادِيثُ الَّتِى تُذْكَرُ عَنْكَ أنَّكَ تَقُولهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ لَهُ المُسْتَوْرِدُ: قُلْتُ الَّذِى سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو، لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إنَّهُمْ لأحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأجْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وَخَيْرُ النَّاسِ لِمَسَاكِينهِمْ وَضُعَفَائِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر مسلم حديث حرملة بن يحيى: حدثنا ابن وهب، حدثنا أبو شريح؛ أن عبد الكريم بن الحارث حدثهم؛ أن المستورد بن شداد القرشى قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تقوم الساعة والروم أكثر الناس ": هذا الحديث مما تتبعه أبو الحسن الدارقطنى على مسلم، وقال: عبد الكريم لم يدرك المستورد، والحديث مرسل (¬1). وقوله فى هذا الحديث: " وأجبر الناس عند مصيبة ": هكذا رواية جمهور شيوخنا، وعند بعضهم: " وأصبر الناس " بالصاد، والأول أولى؛ لمطابقته فى الرواية الأخرى: " وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة " وهذا بمعنى أجبر هنا - والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: الإلزامات والتتبع (213).

(11) باب إقبال الروم فى كثرة القتل عند خروج الدجال

(11) باب إقبال الروم فى كثرة القتل عند خروج الدجال 37 - (2899) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ حُجْرٍ - حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أبِى قَتَادَةَ العَدَوِىِّ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إلا: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، جَاءَتِ السَّاعَةُ. قَالَ: فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا. فَقَالَ: إنَّ السَّاعَةَ لا تَقُومُ، حَتَّى لا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ وَلا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ. ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا - وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّأمِ. فَقَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لأهْلِ الإسْلام، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أهْلُ الإسْلامِ. قلْتُ: الرَّومَ تَعْنِى؟ قَالَ: نَعَمْ. وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ القِتَالِ ردَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَيَشْتَرِطُ المُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلمَوْتِ لا تَرْجِعُ إلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُز بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِىء هُؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وتَفْنَى الشُّرْطَةُ. ثُمَّ يَشْتَرِطُ المُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إلا غَالِبَةً. فَيَقْتَتِلُونَ، حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفىءُ هَؤلاءِ وَهَؤلاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ. ثُمَّ يَشْتَرِطُ المُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوتِ، لا تَرْجِعُ إلا غَاَلِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا، فَيَفِىءُ هَؤلاءِ وَهَؤلاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ. فَإذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ، نَهَدَ إلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أهْلِ الإسْلامِ، فَيَجْعَلُ اللهُ الدَّبَرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً - إِمَّا قَالَ: لا يُرَى مِثْلُهَا، وَإمَّا قَالَ: لَمْ يُرَ مِثْلهَا - حَتَّى إنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ، فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فجاء رجل ليس له هجيرى إلا: يا عبد الله جاءت الساعة ": كذا رواه شيوخنا عن العذرى وغيره، وحدثنا به الأسدى عن أبى الفتح الشاشى " هجيرى " وكذلك عند التميمى وهو الصواب، على وزن " فعيلى "، أى دأبه وشأنه. قال ابن دريد: يقال: ما زال ذلك هجيراه واهجيراه، أى دأبه. وقوله: " نهد إليهم بقية أهل الإسلام ": أى تقدموا إليهم ونهضوا. وقوله: " فيشترط المسلمون شرطة ". الشرطة بضم الشين: أول طائفة من الجيش يشهد الواقعة ويتقدم، ومنه سمى الشرطان لتقدمهما أول الربيع، كذا فسره غير واحد. ويحتمل أنهم سموا بذلك لعلامات تميزوا بها. ومنه سمى الشرط، ومنه أشراط الساعة أى علاماتها. وقوله: " فيجعل الله الدائرة عليهم ": كذا للعذرى، ولغيره: " الدبرة " بفتح

يَخِرَّ مَيْتًا، فَيَتَعادُّ بَنُو الأبِ كَانُوا مِائَةً، فَلا يَجِدُونَهُ بَقِىَ مِنْهُمْ إلا الرَّجُلُ الوَاحِدُ، فَبأىِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ؟ أوْ أىُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ سَمِعُوا بِبَأسٍ، هُوَ أكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ: إنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِى ذَرَارِيِّهِمْ فَيَرفُضُونَ مَا فِى أيْدِيهِمْ، وَيُقْبِلُونَ، فَيَبْعثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنِّى لأعْرِفُ أسْمَاءَهُمْ، وَأسْمَاءَ آبائِهِمْ، وَألْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَىَ ظَهْرِ الأرْضِ يَوْمَئذٍ، أوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ يَوْمَئِذٍ ". قَالَ ابْنُ أبِى شَيْبَةَ فِى رِوَايَتِهِ: عَنْ أسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ حُمَيْد بْنِ هِلالٍ، عَنْ أبِى قَتَادَةَ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهَبَّتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُلَيَّةَ أتَمُّ وَأشْبَعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الدال والباء بواحدة ساكنة، ومعناهما متقارب. قال الأزهرى: الدائرة: الدولة تدور على الأعداء، وبه فسر قوله تعالى: {أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (¬1). وقال ابن عرفة: أى حادثة من حوادث الدهر. وقال الهروى (¬2): الدبرة: النصر والظفر، يقال: لمن الدبرة؟ أى الدولة، وعلى من الدبرة؟ أى الهزيمة. وقوله: " حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم ": كذا روايتنا فيه عن جماعة الرواة، ووقع لبعضهم " بجثمانهم "، وكذا فى كتاب القاضى التميمى عن ابن الحذاء. ويروى " فما يلحقهم ". ومعنى " جثمانهم ": أى شخوصهم. وجثمان كل شىء: شخصه. والجنبات: النواحى، وكان رواية " يخلفهم " أقرب للمعنى وإن صحت الأخرى فى معناها. وقوله: " إذا سمعوا بناس هو (¬3) أكثر من ذلك ": كذا عند العذرى " ناس " بالنون، و" أكثر " بالثاء المثلثة، وعند غيره " ببأس هو أكبر " بباء بواحدة فيهما. قال بعض مشايخنا: هو الصواب، وتصححه رواية أبى داود: " سمعوا بامر أكبر من ذلك " (¬4). ¬

_ (¬1) المائدة: 52. (¬2) لم أعثر عليها فى مادة " دبر " فى هذا الحديث. (¬3) فى ح: هم. (¬4) لم نجده فى سنن أبى داود.

(...) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ المُغِيرَةَ - حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ - يَعْنِى ابْنَ هِلالٍ - عَنْ أبِى قَتَادَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِى بَيْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَالبَيْتُ مَلآنُ. قَالَ: فَهَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالكُوفَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل (¬1) فى الحديث: عن بشر بن جابر، وقال فى آخره عن ابن أبى شيبة: أسير ابن جابر، بالألف، وكذلك اختلف الرواة فيه فى حديث شيبان بن فروخ بعده، فعند السمرقندى والعذرى: " بشير " بالباء، وعند غيرهما " أسير " بالألف، وقد تقدم الخلاف فيه وفى اسم أبيه فى كتاب [...] (¬2)، وقول ابن المدينى فى ذلك، وذكر مسلم هنا الوجهين. ¬

_ (¬1) فى ح: وقال. (¬2) فى ز، ح بياض، وعلق عليه صاحب الرسالة بأن المقصود بالكتاب هو كتاب الفضائل، وفى فضائل أويس القرنى، ورقم الحديث (2542) وجاء فيه اسمه أسيد بن جابر. انظر: الرسالة ص 535.

(12) باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال

(12) باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال 38 - (2900) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ. قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةٍ. قَالَ: فَأتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ، فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أكَمَةٍ، فَإنَّهُمْ لَقِيَامٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ. قَالَ: فَقَالَتْ لِىَ نَفْسِى: ائْتِهِمْ فَقُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، لا يَغْتَالُونَهُ. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: لَعَلَّهُ نَجِيُّ مَعَهُمْ، فَأَتَيْتُهُمْ فَقُمْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَحَفِظْتُ مِنْهُ أرْبَعَ كَلِمَاتٍ، أعُدُّهُنَّ فِى يَدِى. قَالَ: " تَغْزُونَ جَزِيرَةَ العَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَالَ فَيَفْتَحُهُ اللهُ ". قَالَ: فَقَالَ نَافِعٌ: يَا جَابِرُ، لا نُرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " لا يغتالونه ": أى يقتلونه غيلة، وهو القتل سراً، واعتقالاً، وختلاً. وقوله: " لعله نجى معهم ": من المناجاة، وهو التحدث فى خلوة عن الناس، ومنه قوله تعالى: {خَلَصُوا نَجِيًّا} (¬1) وقال تعالى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (¬2). قال ابن عرفة: النجى يكون للواحد والجميع. وذكر فى الحديث جزيرة العرب، هى بلاد العرب. قال الخليل: سميت جزيرة العرب؛ لأن بحر فارس وبحر الحبشة والفرات ودجلة أحاطت بها. وقال الحربى: عن محمد بن فضالة: إنما سميت بذلك؛ لإحاطة البحر بها، والأنهار من أقطارها. وقال الأصمعى: جزيرة العرب ما لم تبلغه ملك فارس من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق، وعرضها من جدة وما والاها إلى ساحل البحر إلى أطرار الشام. وقال الشعبى: جزيرة العرب ما بين حفر أبى موسى بالعراق إلى أقصى اليمن فى الطول، وفى العرض ما بين رمل " يبرين " إلى منقطع السماوة. وعن مالك جزيرة العرب: المدينة. وحكى البخارى عن المغيرة: هى مكة والمدينة واليمامة واليمن (¬3). وحكاه إسماعيل القاضى عن مالك قال: وهو كل بلد لم تملكه الروم ولا فارس. وذكر مسلم حديث زهير بن حرب وإسحاق وابن أبى عمر عن ابن عيينة، عن فرات، عن أبى الطفيل، عن حذيفة بن أسيد فى آيات ¬

_ (¬1) يوسف: 80. (¬2) مريم: 52. (¬3) ك الجهاد، ب هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ 4/ 85.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الساعة. هذا الحديث مما تتبعه الدارقطنى على مسلم، وقال: إنه لم يرفعه غير فرات عن أبى الطفيل من وجه صحيح. قال: ورواه عبد العزيز بن رفيع وعبد الملك بن ميسرة موقوفاً (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الإلزامات والتتبع ص 183، عند الأبى عن فرات بن الطفيل، وهو خطأ بين.

(13) باب فى الآيات التى تكون قبل الساعة

(13) باب فى الآيات التى تكون قبل الساعة 39 - (2901) حدّثنا أبْو خَيْثَمَةَ، زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَابْنُ أبِى عُمَرَ المَكِّىُّ - وَاللَّفْظُ لزُهَيْرٍ - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ، عَنْ أبِى الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أسيدٍ الغِفَارِىِّ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: " مَا تَذَاكَرُونَ؟ " قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: " إنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ". فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبَها، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأجُوجَ وَمَأجُوجَ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ. وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إلَى مَحْشَرِهِم. 40 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ، عَنْ أبِى الطُّفَيْلِ، عَنْ أبِى سَريحَةَ، حُذَيْفَةَ بْنِ أسِيدٍ. قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غُرْفةٍ وَنَحْنُ أسْفَلَ مِنْهُ، فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: " مَا تَذْكُرُونَ؟ " قُلْنَا: السَّاعَةَ. قَالَ: " إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقد ذكر مسلم رواية ابن رفيع موقوفة كما ذكر أبو الحسن وضبط اسم والد حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة، وكسر السين، وكنيته أبو سريحة بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالحاء المهملة. وقد ذكره بكنيته فى الأحاديث الأخرى. وقوله: " فيها نار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس ": كذا رويناه مخففاً ثلاثياً، أى تأخذهم بالرحيل وتزعجهم، أو تجعلهم يرحلون أمامها. وضبطه أيضاً فى كتاب أبى عبجد الهروى " يرتحل " مثقل مضعف، وقال: معناه: تنزل معهم إذا نزلوا، وتقيل إذا قالوا. وقيل معناه: فتنزلهم. الراحل والرحل والأرحال بمعنى الإزعاج، " وقعرة عدن ": أقصى أرضها. وكذلك قعر البئر. قال ابن دريد: والقعر أيضاً: جوبة من الأرض، يصعب فيها الصعود والحدور. وقد تقدم شرح رحل هذه النار وحشرها للناس قبل هذا. وقوله فى الحديث الآخر: " تخرج نار من أرض الحجاز " (¬1)، وقد قال فيما تقدم: " من قعر عدن "، وفى الرواية الأخرى " من اليمن " فلعلهما ناران تجتمعان لحشر الناس، أو [أن] (¬2) يكون ابتداء خروجها من اليمن، وظهورها من الحجاز - والله أعلم. ¬

_ (¬1) حديث رقم (42) من هذا الكتاب. (¬2) فى هامش ح.

السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ فِى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَالْدُّخَانُ، وَالْدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ، وَيَأجُوجُ وَمَأجُوجُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ، تَرْحَلُ النَّاسَ ". قَالَ شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، عَنْ أبِى سَرِيحَةَ، مِثْلَ ذَلِكَ. لاَ يَذْكُرُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَحَدُهُمَا فِى الْعَاشِرَةِ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الآخَرُ: وَرِيحٌ تُلْقِى الناسَ فِى البَحْرِ. 41 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَرِيحَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غُرْفَةٍ. وَنَحْنُ تَحْتَهَا نَتَحَدَّثُ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. بِمِثْلِهِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: تَنْزِلُ مَعَهُمْ إِذَا نَزَلُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا. قَالَ شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِى رَجُلٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِى سَرِيحَةَ. وَلَمْ يَرْفَعْهُ. قَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَينِ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيمَ. وَقَالَ الآخَرُ: رِيحٌ تُلْقِيهِمْ فِى البَحْرِ. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، الحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيلِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى سَرِيحَةَ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ، فَأشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوِ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَابْنِ جعْفَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تضىء أعناق الإبل ببصرى " (¬1) يقال أضاءت النار وأضاءت غيرها. وبصرى بضم الباء: هى مدينة حوران. وقيل: قيسارية. ذكر فى هذا الحديث " الدجال " فى أشراط الساعة ولم يأت مفسراً فى الأم هنا، وكذلك " دابة الأرض " وقد تقدم قبل هذا فى كتاب بدء الخلق قول بعضهم فيه: إنه دخان، ويأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام، وبه فسر الآية. وأنكر ابن مسعود هذا وقال: إنما هذا مما نال قريشاً من الجدب بدعائه - عليه السلام - عليهم، حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان وقيل: الدخان: الجدب نفسه. حكاه ابن ¬

_ (¬1) حديث رقم (42) من هذا الكتاب.

وَقَالَ ابْنُ المُثَنى: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، الحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِى الطُّفَيلِ، عَنْ أَبِى سَريحَةَ. بِنَحْوِهِ. قَاَلَ: وَالْعَاشِرَةُ نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. قَالَ شُعْبَةُ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عزيز، وما قاله ابن مسعود قاله غير واحد، والقول الأول روى عن ابن عمر والحسن وحذيفة، وأنه آية من أشراط الساعة يمكث فى الأرض أربعين يوماً، وروى حذيفة ذلك عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن زيد بن على: الدخان: ما ينتظر بالكافر من العذاب يوم القيامة والعرب تضع الدخان موضع الشر. وأما الدابة فهى المراد بقوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} (¬1). ذكر أهل التفسير أنها خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد، وتسم المؤمن فتغير (¬2) وجهه، وتكتب بين عينيه [مؤمن. وتسم الكافر فيسود وجهه، وتكتب بين عينيه] (¬3) كافر. وعن عبد الله بن عمرو: أن هذه الدابة هى الجساسة المذكورة فى حديث الدجال. وعن ابن عباس: أنه الثعبان الذى كان ببئر الكعبة فاختطفته العقاب. ¬

_ (¬1) النمل: 82. (¬2) هكذا فى الأصل، وفى الأبى، ح: فتنير. (¬3) سقط من ز، والمثبت من الأبى، ح.

(14) باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز

(14) باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز (¬1) 42 - (2902) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى ابْنُ المُسَيَّبِ؛ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيثِ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ جَدِّى، حَدَّثَنِى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: أَخْبَرَنِى أَبُوهُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، " لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، تُضِىءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى باب الآيات التى تكون قبل الساعة.

(15) باب فى سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة

(15) باب فى سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة 43 - (2903) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَبْلُغُ الْمَسَاكِنُ إِهَابَ أَوْ يَهَابَ " قَالَ زُهَيْرٌ: قُلْتُ لِسُهَيْلٍ: فَكَمْ ذَلِكَ مِنَ المَدِينَةِ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا مِيلاً. 44 - (2904) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَتِ السَّنَةُ بِألا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلاَ تُنْبِتُ الأَرْضُ شَيْئًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " تبلغ المساكن إهاب أو يهاب " بكسر الهمزة والباء، كذا ضبطناه عنهم. وعند ابن عيسى: " أو نهاب " بالنون معاً. وتقدم الكلام فى صدر هذا الكتاب على قوله: " إلا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن (¬1) الشيطان "، ووقع هاهنا من رواية الطبرى وفى حديث قتيبة من حيث يطلع قرن الشمس (¬2)، وهى تؤكد وتبين أن المراد المشرق نفسه على ما تقدم. وقوله: " ليست السنة بألا تمطروا ": والسنة هنا: الجدب والقحط، قال الله تعالى. {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} (¬3). ¬

_ (¬1) فى ح: قرنا. (¬2) فى ح: الشيطان. (¬3) الأعراف: 129.

(16) باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

(16) باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان (¬1) 45 - (2905) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ المَشْرِقِ يَقُولُ: " أَلا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَهُنَا، أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ". 46 - (...) وحدّثنى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنِى. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ كُلُهُم عَنْ يَحْيَى الْقَطَّان. قَالَ الْقَوَارِيرِىُّ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عِندَ بَابِ حَفْصَةَ، فَقَالَ بِيَدهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ: " الْفِتْنَةُ هَهُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ فِى رِوَايَتِه: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَابِ عَائِشَةَ. 47 - (...) وحدّثنى حَرملَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبِيهِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ المَشْرِق: " هَا إنَّ الفِتْنَةَ هَهُنا، هَا إنَّ الفِتْنَةَ هَهُنَا، هَا إنَّ الفِتْنَةَ هَهُنا، مِنَ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ". 48 - (...) حدّثنا أبْو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ فَقَالَ: " رأسُ الكُفْرِ مِنْ هَهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " يَعْنِى المَشْرِقَ. 49 - (...) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا إسْحَاقُ - يَعْنِى ابْنَ سُلَيْمَانَ - أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُشِيرُ بِيَدِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ وَيَقُولُ: " هَا إنَّ الفِتْنَةَ هَهُنَا، هَا إنَّ الفِتْنَةَ هَهُنَا " ثَلاثًا " حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيطَانِ ". 50 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أبَانَ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَأحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الوَكِيعىُّ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أبَانَ - قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فَضَيْلِ عَنْ أبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: يَا أَهْلَ العِرَاقِ، مَا أسْألُكُمْ عَنِ الصَّغِيرَة، وَأرْكَبكُمْ لِلْكَبِيرَةِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة إليه فى الباب السابق وما قبله.

سَمِعْتُ أبِى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ الفِتْنَةَ تَجِىء مِنْ هَهُنَا " وَأوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ " مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ " وَأنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَإنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذِى قَتَلَ، مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ خَطَأ فَقَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} (¬1). قَالَ أحْمَدُ بْنُ عُمَرَ فِى رِوَايَتِهِ عَنْ سَالِمٍ: لَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) طه:40.

(17) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة

(17) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة 51 - (2906) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَاِفِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أليَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ، حَوْلَ ذِى الخَلَصَةِ ". وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِى الجَاهِلِيَّةِ، بِتَبَالَةَ. 52 - (2907) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ وَأبُو مَعْنٍ، زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِىُّ - وَاللَّفْظُ لأبِى مَعْنٍ - قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الأسْوَدِ بْنِ العَلاءِ، عَنْ أبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاتُ وَالعُزَّى ". فَقَلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ، إنْ كُنْتُ لأظُنُّ حِينَ أنْزَلَ اللهُ: {هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون} (¬1) أنَّ ذَلِكَ تَاما. قَالَ: " إنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً. فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إلى دِينِ آبَائهِمْ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ - وَهُوَ الحَنَفِىُّ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ ابْنُ جَعْفَرٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذى الخلصة " أليات بفتح الهمزة واللام، يعنى أعجازهن، جمع ألية، أى تضطرب من الطواف حولها، و" ذو الخلصة " يقال بفتح الخاء واللام وبضمها، وبالوجهين سمعنا هذه الكلمة من شيخنا أبى الحسين بن سراج، وبسكون اللام وجدته بخط عن أبى بحر فى الأم. وذكر فى الحديث نفسه أنه صنم كانت تعبده " دوس " بتبالة. تبالة بفتح التاء والباء: موضع باليمن، وليس بتبالة التى يضرب بها المثل أهون على الحجاج من " تبالة "، تلك ¬

_ (¬1) التوبة: 33، الصف: 9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالطائف. قال ابن إسحاق ذو الخلصة: بيت فيه منهم صنم يسمى ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة، وكان يسمى الكعبة اليمانية، بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرير بن عبد الله فحرقه. وقد مر فى حديث جرير فى المغازى (¬1) مفسراً بنحو ما قال ابن إسحاق. ¬

_ (¬1) ليست هذه القصة فى المغازى، وإنما أحاديث جرير فى تحريق ذى الخلصة جاءت فى فضائل جرير فى حديث رقم (136، 137).

(18) باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت، من البلاء

(18) باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت، من البلاء 53 - (157) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِى مَكَانَهُ ". 54 - (...) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبَانَ بْنِ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِى - وَاللَّفْظُ لابْنِ أبَانَ - قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فَضَيْلٍ عَنْ أبِى إسْمَاعِيلَ، عَنْ أبِى حَازِم، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى القَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِى كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إلا البَلاءُ ". 55 - (2908) وحدّثنا ابْنُ أبِى عُمَرَ المَكِّىُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ أبِى حَازِمٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَيأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَدْرِى القَاتِلُ فِى أىِّ شَىْءٍ قَتَلَ، وَلا يَدْرِى المَقْتُولُ عَلَى أَىِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى الحديث الآخر: " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتنى مكانه "، وقوله: " لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: ليتنى مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء " أما الحديث الأول فيحتمل أن يكون لما يرى من تغيير الشريعة وتبديل الدين أو لما يرى من البلاء والمحن والفتن كما نصه الحديث الآخر. وكما قال فى الحديث الآخر: " لا يدرى القاتل فى أى شىء قتل، [ولا المقتول على أى شىء قتل] (¬1) " وعلى الوجهين فقد كان ما أخبر به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وظهر، وكذلك فى كثير من الإشراك والأمور والفتن التى أخبر بها فى هذه الأحاديث ورتب عياناً. قال الإمام: خرج مسلم فى باب قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس زمان لا يدرى القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل " الحديث، قال: حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا مروان عن يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة، عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال بعده: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، وواصل بن عبد الأعلى قال: حدثنا ¬

_ (¬1) فى هامش ح.

شَىْءٍ قُتِلَ ". 56 - (...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أبَانَ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أبِى إسْمَاعِيَلَ الأسْلَمِىِّ، عَنْ أبِى حَازِم، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قاَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأتِىَ علَى النَّاسِ يَوْمٌ، لا يَدْرِى القاَتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلا المَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ". فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: الهَرْجُ. القاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِى النَّارِ ". وفى رواية ابن أبان قال: هو يزيد بن كيسان عن أبى إسماعيل. لم يذكر الأسلمى. ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن فضل، عن أبى إسماعيل الأسلمى، عن أبى حازم، عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هكذا وقع فى النسخ، يريد مسلم أن شيخيه اختلفا، فقال: واصل عن أبى فضيل عن أبى إسماعيل [الأسلمى، يعنى به بشير بن سليمان، وقال عبد الله بن عمر بن أبان عن ابن فضيل عن أبى إسماعيل] (¬1) ولم يذكر الأسلمى، يعنى به يزيد بن كيسان اليشكرى. قال بعضهم هذا يحتاج إلى مقدمة يذكرها هاهنا، وهو أن يعلم أن يزيد بن كيسان يكنى أبا إسماعيل، وأن بشير بن سليمان يكنى أبا إسماعيل أيضاً، وكلاهما يروى عن أبى حازم [وقد اشتركا فى غير حديث عن أبى حازم] (¬2) الأشجعى، وقد ذكر منها أبو محمد الجارود أحاديث منها: ما رواه أبو حازم عن أبى هريرة؛ أن رجلاً أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فقال] (¬3): " إنى تزوجت امرأة على ثمان أواق " الحديث. ومنها: حديث آخر يرويه أبو حازم عن أبى هريرة؛ أن عمر خرج من بيته وذكر ذهاب النبى وأبى بكر وعمر إلى بيت رجل من الأنصار، وقوله: " ما أخرجكما؟ " قالا: الجوع - الحديث بطوله (¬4). ومنها: ما رواه أبو حازم عن أبى هريرة فى تعريس النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطريق مكة، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى ركعتى الفجر بعدما طلعت الشمس (¬5). ومنها: حديث أبى حازم عن أبى هريرة عن النبى - عليه السلام - قال: " والذى نفسى بيده، لن تذهب الدنيا حتى يتمرّغ الرجل على القبر فيقول: ليتنى صاحب هذا القبر ". وخرج مسلم من هذه الأحاديث المشترك فيها ما لم يذكره ابن الجارود حديث: " قل هو الله أحد " من حديث يزيد بن كيسان وبشير بن إسماعيل، كلاهما عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: ابن جارود: فقد بان بما ذكرنا أن أبا إسماعيل بشير غير أبى إسماعيل ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) من ح. (¬3) فى هامش ح. (¬4) سبق فى ك الأشربة، برقم (140). (¬5) سبق فى ك المساجد، برقم (309).

57 - (2909) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لأبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: عَنِ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقتَيْنِ مِنَ الحَبَشةِ ". 58 - (...) وحدّثنى حَرمَلَةَ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المسَيَّبِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد وإن اتفقا فى الرواية قول بعضهم. كذلك هذا الحديث الواقع فى كتاب الفتن، أخرجه مسلم من حديث [زيد] (¬1) بن كيسان، ثم أخرجه بعد ذلك من رواية أبى إسماعيل الأسلمى، إلا فى رواية عبد الله بن عمر بن أبان، فإنه جعله عن يزيد بن كيسان أبى إسماعيل، وكذلك لم يذكرا الأسلمى فى نسبه - والله أعلم. قال القاضى: وقع فى كتاب مسلم هنا تلفيف وتقديم وتأخير، وذلك أنه فى آخر الحديث فى رواية ابن أبان قال: هو يزيد بن كيسان عن أبى إسماعيل لم يذكره الأسلمى هذا نصه عند عامة شيوخنا، وهو يوهم أن يزيد بن كيسان رواه عن أبى إسماعيل، وإنما مراده أن ابن أبان قال عن أبى إسماعيل: هو يزيد بن كيسان، فقدم وأخر ولم يقل: الأسلمى، إذ أبى إسماعيل الأسلمى غير أبى إسماعيل يزيد بن كيسان، وقد يكون معناه على مساقه. قال: هو يزيد بن كيسان. وقوله بعد: عن أبى إسماعيل، أى أعنى بهذا الكلام أبا إسماعيل، وعن كنيته فسر الإبهام بهذا الاسم، ويبقى اللفظ على وجهه. ويصححه أن نص هذا الموضع فى رواية القاضى التميمى من شيوخنا فى الكتابة قال: هو يزيد بن كيسان، يعنى أبا إسماعيل. وهذا بيان ورفع إشكال. وأبو حازم هدا الذى يروى عن أبى هريرة هو: سلمان، مولى عزة الأشجعية [ويقال إنه أبو حازم الأشجعى] (¬2)، وليس بأبى حازم سلمة بن دينار المدنى، فإن هذا الأشجعى لم يرو عن أبى هريرة شيئاً. قاله الدارقطنى: قال وقد روى عنه عن أبى هريرة حديثين أو ثلاثة، وعللها أبو الحسن فى كتابه (¬3). وأن الصحيح من رواية أبى حازم سلمة بن دينار فيها عن أبى هريرة. وقوله: " ذو السويقتين ": تصغير الساقين، وصغرهما لحموشتهما ورقتهما، وهى ¬

_ (¬1) فى ح: يزيد. (¬2) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬3) انظر: كتاب العلل، وقوله هذا فى المجلد الثالث ص 221، مخطوط رقم (1002)، المكتبة المركزية، جامعة أم القرى.

59 - (...) حَدِّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ ثَوْرِ ابْنِ زَيْدٍ، عَنْ أبِى الغَيْثِ، عَنْ أبى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ يُخَرِّبُ بَيْتَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ ". 60 - (2910) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أبِى الغَيْثِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاس بِعصَاهُ ". 61 - (2911) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الحَكَمِ يُحَدِّثُ عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَذْهَبُ الأيَّامُ وَاللَّيالِى، حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الجَهْجَاهُ ". قَالَ مُسْلِمٌ: هُمْ أرْبَعَةُ إخْوَةٍ: شَرِيكٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَعُمَيْرٌ، وَعَبْدُ الكَبِيرِ. بَنُو عَبْدِ المَجِيدِ. 62 - (2912) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أبِى عُمَرَ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا ـــــــــــــــــــــــــــــ صفة سوق السودان غالباً، وقد وصفه - عليه السلام - فى الحديث الآخر بقوله: " كأنى به بأسود أفجج " (¬1). والفجج: تباعد ما بين أوساط الساقين. وهذا الحديث وشبهه لا يعارض قوله تعالى: {حرماً آمناً} (¬2)، فمعنى ذلك إلى هذا الحين، وهو قرب الساعة وخراب الدنيا؛ بدليل الحديث [الآخر] (¬3): " ليحجن البيت بعد يأجوج ومأجوج ". وذهب بعضهم: أن معنى {آمناً} [إلا ما قدره] (¬4) الله من قضية هذا الحبشى، ثم يرجع الأمر إليه كما كان، والأول عندى أظهر. ¬

_ (¬1) انظر: البخارى، ك الحج، ب هدم الكعبة 2/ 183. (¬2) القصص: 57. (¬3) ساقطة من ح - والحديث أخرجه أحمد بلفظه 3/ 48 وزاد البخارى " وليعتمرن " ك الحج، ب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس} 2/ 182. (¬4) فى ز: قدر، والمثبت من ح.

تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأنَّ وَجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ ". 63 - (...) وحدّثنى حَرمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخبَرَنِى يُونُسُ عنِ ابْنِ شِهَابٍ. أخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنِ المُسَيَّبِ؛ أنَّ أبا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلِكُمْ أُمَّةٌ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ، وَجُوهُهُمْ مِثْلُ المَجَان المُطْرَقَةِ ". 64 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَومًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا صِغَارَ الأعْيُنِ، ذُلْفَ الآنُفِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وكأن وجوههم المجان المطرقة ": كذا ضبطناه بفتح الميم، جمع مجن، وهو الترس، جمع تكسير، وهو الصواب. قال ابن سراج: وزنه مفاعل، وحكى شيخنا القاضى التميمى عن أبى مروان بن سراج عن الإقليلى أنه كان يجيز كسر الميم. قال أبو مروان: وأخطأ فى ذلك. قال الإمام: يعنى الترسة التى أطرقت بالعقب، أى ألبست به، يقال: طارق النعل: إذا صير خصيفاً على خصيف، وأطرق جناح الطائر: إذا وقعت ريشه على التى تحتها فألبستها، وفى ريشها أطراق: إذا وقع بعضها على بعض. وقوله: " ذلف الأنوف ": الذلف فى الأنف: قصيره وتأخر أرنبته: حكاه ابن قتيبة وغيره. وقال أبو مالك الأعرابى: الأذلف: الذى فى طرف أرنبته همزة، وهى تعترى الملاح. قال أبو النجم (¬1): وأحب بعض ملاحة الذلفاء. قال القاضى: المجان المطرقة التى أُلبست العقب طاقة فوق أخرى (¬2) وليس كل لباس أطراق. ومنه: طارقت بين ثوبين إذا لبست إحداهما على آخر. وطارقت النعل ونعل مطرقة: أطبقت عليها أخرى. وقوله: " أطرق جناح الطائر " بتشديد الطاء، كذا قرأته على أبى الحسين فى كتاب ¬

_ (¬1) قال أبو عمرو الشيبانى اسمه: المفضل، وقال ابن الأعرابى اسمه: الفضل بن قداة بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن إلياس بن عوف بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عجل وإليه نسب فقيل: العجلى، وهو من فحول رجازه، وفى الطبقة الأولى منه ويعتبر هو والعجاج وابنه رؤبة أعظم رجاز عصرهم، وكان رؤبة يقدمه على نفسه ويلقبه: رجاز العرب، توفى سنة ثلاثين ومائة من الهجرة. انظر: الأغانى 10/ 157، معجم الشعراء فى لسان العرب 423، الشعر والشعراء 2/ 604. (¬2) فى ح: طاقة.

65 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمونَ التُّرْكَ، قَوْمًا وُجُوهُهُمْ كَالمَجَانِّ المُطْرَقَةِ، يَلْبَسُونَ الشَّعَرَ، وَيَمْشُونَ فِى الشَّعَرِ ". 66 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأبُو أسَامَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بْنِ أبِى حَازِمٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُقَاتِلُونَ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ قَوْمًا نِعَالُهُم الشَّعَرُ، كَأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانّ المُطْرَقَةُ، حُمْرُ الوُجُوهِ، صَغَارُ الأعْيُنِ ". 67 - (2913) حدّثنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ - قَالا: حدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنِ الجُرَيْرِىِّ، عَنْ أبِى نَضْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغريبين، وصوابه ما بعده: " إذا وقعت كل ريشة على التى تحتها، وفى ريشه طرق " وكذا هو فى الأصل الذى قرأته عليه. وقال بعضهم: طراق الترس: أنه يقدر جلد على مقداره فيلصق بالترس فيطرق به، فكأنه ترس على ترس. وقال ابن دريد وغيره: الذلف: صغر الأنف. وقال صاحب العين: الذلف: غلظ واستواء فى طرف الأنف يعترى من الملاحة. وقال الأصمعى: فيه صغر الأنف وقصره. وقال ثابت عن الكلابيين (¬1): هو صغر الأنف وقصر الأرنبة، ويعضد أنه تطامن فى أرنبته أنه روى " [فطيس] (¬2) الأنوف وخثم "، وهما بمعنى. وقد فسر فى الحديث أنهم الترك، وهى صفتهم كما قال - عليه السلام - وذكر أنهم يلبسون الشعر ويمشون فى الشعر. ويكون معنى قوله: " يمشون " إما بظاهر قوله: " ينتعلون "، أى نعالهم من حبال ضفرت من الشعر، كما أن ثيابهم نسجت من الشعر، وهذه صفة بعض الأتراك، أو يكون " يمشون فيه " إشارة إلى كثرة شعورهم وشهرتها وكثافتها، وقد يتأول " ينتعلون الشعر " على هذا، أى أن شعورهم ونواصيهم وافية على قدودهم حتى بطون (¬3) أطراف ذؤابتها، كما قال الشاعر: [وفاحم وارد يقتل ممشاة ... إذا اختال مسبلا غدره] (¬4) ¬

_ (¬1) الكلابيون: ينتسبون إلى كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهم بطن من عامر بن صعصعة انظر: نهاية الأرب / 407. (¬2) فى ز: فطير، والمثبث من ح. والحديث فى البخارى، ك المناقب، ب علامات النبوة فى الإسلام. (¬3) فى ح: بطاون. (¬4) سقط من ح.

فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ العِرَاقِ ألا يُجْبَى إلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلا دِرْهَمٌ. قُلْنَا: مِنْ أيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ العَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأمِ ألا يُجْبَى إليهِمْ دِينَارٌ وَلا مُدْىٌ. قُلْنَا: مِنْ أيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، ثُمَّ أسْكَتَ هُنَيَّةً. ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ فِى آخِرِ أمَّتِى خَلِيفَةٌ يَحْثى المَالَ حثْيًا، لا يَعُدُّهُ عَدَدًا ". قَالَ: قُلْتُ لأبِى نَضْرَةَ وَأبِى العَلاءِ: أتَرَيَانِ أنَّهُ عُمَرُ بْنْ عَبْدِ العَزِيزِ؟ فَقَالا: لا. (...) وحدّثنا ابْنُ المُثَنى، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ - يَعْنِى الجُرَيْرِىَّ - بِهَذَا الإسْنَادِ نَحوَهُ. 68 - (2914) حدّثنا نَصْرُ بنُ علِىٍّ الجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ المُفَضَّلِ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ عُلَيّةَ - كِلاهُمَا عَنْ سَعِيدِ ابْنِ يَزِيدَ، عَنْ أبِى نَضْرَةَ، عَنْ أبِى سَعِيدٍ، قَاَلَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ خُلفَائِكُمْ خَلِيفَةٌ يَحْثُو المَالَ حَثْيًا، لا يَعُدُّهُ عَدَدًا ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: " يَحْثى المَالَ ". 69 - (2914/ 2913) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْب، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ أبِى نَضْرَةَ، عَنْ أبِى سَعِيدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يوشك أهل الكلأ اق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم " هو مثل قوله: " منعت العراق درهمها " الحديث، وفد فسره فى الحديث أن معناه: منعها الجزية والخراج لغلبة العجم والروم على البلاد. ومعنى: " يوشك " قيل: يسرع، وقيل: بمعنى عسى، وقد تقدم، وهو بكسر السين. وقوله: " ثم سكت هنية ": أى شيئًا. ورواه لنا الصدفى: " هنيئة " بالهمز وليس بشىء. وعند ابن عيسى: " أسكت " ومعناه: أطرق، وقيل: سكت وأسكت بمعنى صمت، وقيل: أسكت: أعرض. وقوله: " خليفة يحثى المال ولا يعده " أى لكثرته واتساع المجىء والفتوحات عليه، فهو يلقيه للناس بيده كما يحثى التراب إذ رمى به بيديه. يقال: حثى يحثى ويحثوا حثوا وحثيا، وقد وقع الفعلان والمصدر فى الأم، لكن ضبطناه عن الأسدى: " حثيا " بكسر الثاء وتشديد الياء.

قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ فِى آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ المَالَ وَلا يَعُدُّهُ ". (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أبِى هِنْدٍ، عَنْ أبِى نَضْرَةَ، عَنْ أبِى سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 70 - (2915) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبِى مَسْلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ قَالَ: أخْبرَنِى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ، حِينَ جَعَل يَحْفِرُ الخَنْدَقَ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ رأسَهُ وَيَقُولُ: " بُؤْسَ ابْنِ سُمَيَّةَ، تَقْتُلَكَ فِئَةٌ بَاغِيَةٌ ". 71 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبَّادٍ العَنْبَرِىُّ وَهُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى، قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أبِى مَسْلَمَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِ النَّضْرِ: أخْبَرَنِى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى، أَبُو قَتَادَةَ. وَفِى حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: أرَاهُ يَعْنِى أَبَا قَتَادَةَ. وَفِى حَدِيثِ خَالِدٍ: وَيَقُولُ: " وَيْسَ " أوْ يَقُولُ: " يَا وَيْسَ ابْنِ سُمَيَّةَ ". 72 - (2916) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمِّىُّ وَأبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ - قَالَ عُقْبَةُ: حَدَّثَنَا. وَقالَ أَبُو بَكْر: أَخْبَرَنَا - غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدًا يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِى الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ: " تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ ". (...) وحدّثنى إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، حّدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِى الحَسَنِ وَالحَسَنِ، عَنْ أمِّهَمَا، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ويس ابن سمية "، قال الإمام: قال الأصمعى: الويل: قبوح، والويح: ترحُّم، [وويس] (¬1) وتصغيرها أى دونهما. قال الهروى: ويح كلمة تقال لمن وقع فى هلكة لا يستحقها فيترحم عليه ويرثى له، وويل للذى يستحقها ولا يترحم عليه. ¬

_ (¬1) من ح.

73 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَوْن، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أمِّهِ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَقْتُلُ عَمَّارًا الفِئَةُ البَاغِيَةُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: كذا روى مسلم هذا الحرف فى حديث ابن معاذ العنبرى: " ويس " أو " ياويس ". ورواه فى حديث ابن المثنى: " بؤس ابن سمية " بباء واحدة مضمومة. ورواه البخارى (¬1): " ويح بن سمية ". قال الفراء: الويح: الرحمة. وعن على - رضى الله عنه -: الويح والويل بابان. فالويح باب الرحمة، والويل باب عذاب. وقال سيبويه: ويح زجر لمن أشرف على الهلكة، وويل لمن وقع فيها. وأما رواية ابن المثنى (¬2) " بؤس ابن سمية " فالبؤس والبؤساء المكروه، ونحوه البأس والبأساء. والبأس: الحرب والشدة، والبائس: الذى أصابته بلية. والبائس: الفقير، والبأساء: الشدة والحرب والضر. قال أبو بكر: رجل بؤس: ظاهر البؤساء، والمعنى: يابؤس بن سمية ما أشده أو أعظمه. وقوله: " تقتله الفئة الباغية ": فيه حجة بينة للقول أنّ الحق مع علىّ وحزبه، وأن عذر الآخر بالاجتهاد. وأصل البغى: الحسد، ثم استعمل فى الظلم؛ ولهذا حمل الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص يوم قتله وغيره، لكن معاوية تأوله على الطلب، قال: نحن الفئة الباغية لدم عثمان، أى الطالبة له. والبغاء بالضم ممدود الطلب. وقد كان قبل ذلك قال: إنما قبله من أخرجه لينفى عن نفسه هذه الصفة، ثم رجع إلى هذا الوجه [الآخر] (¬3). وقال مسلم فى حديث عمار هذا: حدثنا محمد بن معاذ بن عباد العنبرى وهزيم بن عبد الأعلى، قالا حدثنا خالد بن الحارث. هذا هو الصحيح، وكذلك رواه لنا شيوخنا فيه، ورواه بعض الرواة فقال: حدثنا عبد الله بن معاذ العنبرى، وهو وهم، وإن كانا جميعًا من شيوخ مسلم، واشتركا فى النسب واسم الأب، لكن عبيد الله هو ابن معاذ العنبرى، ومحمد هو ابن معاذ بن عباد العنبرى. ثم قال بعد هذا فى حديث محمد بن عمرو بن جبلة، ومن سمى معه عن غندر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت خالد الحذاء يحدث عن سعيد بن أبى الحسن بحذاء للعذرى فيما كتبناه عن أبى بحر عنه، وسقط ¬

_ (¬1) ك الجهاد، ب مسح الغبار عن الرأس فى سبيل الله، حديث رقم (2812) بلفظ: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار " (6/ 37 الفتح). (¬2) فى ز: بن مثنا. (¬3) فى هامش ح: ومن هنا فى ح يوجد تكرار قد سبق وتنتظم من أول: وقال مسلم.

74 - (2917) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبِى التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَهْلِكُ أمَّتِى هَذَا الحَىُّ مِنْ قُرَيْشٍ " قَالُوا: فَما تَأمُرُنَا؟ قَالَ: " لَوْ أنَّ النَّاس اعْتَزَلُوهُمْ ". وحدّثنا أحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ وَأحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. فِى هَذَا الإسْنَادِ. فِى مَعْنَاهُ. 75 - (2918) حدّثنا عَمْرُو النَّاقِدُ وَابْنُ أبِى عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أبِى عُمَرَ - قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الزّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ مَاتَ كِسْرَى فَلا كِسْرى بَعْدَهُ، وإذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفسِى بِيَدِهِ، لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ اللهِ ". وحدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أخْبَرنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِى ابْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَن عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ. بإِسْنَادِ سُفْيَانَ وَمَعْنَى حَدِيثِهِ. 76 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّه، قَالَ: هَذا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلَكَ كِسْرَى ثُمَّ لا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرُ لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فى رواية غيره لفظ " الحذاء "، وفى كتاب التميمى: حدثنا خالد والحارث عن سعيد، وهو تصحيف ابن الحذاء أو مَنْ يحدّث - والله أعلم. وقوله: " يهلك أمتى هذا الحى من قريش " وفى البخارى (¬1): " هلاك أمتى على يدى أغيلمة من قريش ". فيه الحجة على ترك القيام على أمراء الجور؛ إذ أخبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحال هؤلاء ولم يأمر بالقيام عليهم ولا محاربتهم، بل قال: إذ سئل: " لو أنّ الناس اعتزلوهم "، قال أبو هريرة: لو شئت لقلت لكم: بنو فلان وبنو فلان. وهذا الهلاك بين فى الحديث الآخر حيث قال: " أعوذ بالله من إمارة الصبيان " (¬2). ثم قال: " إن أطعتموهم هلكتم، وان عصيتموهم أهلكوكم ". ¬

_ (¬1) ك الفتن، ب قول النبى: " هلاك أمتى على يد أغيلمة سفهاء " 9/ 60. (¬2) أحمد 2/ 355 بألفاظ متقاربة، ابن أبى شيبة فى مصنفه بلفظه 5/ 45 برقم (19082).

قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلَتُقَسَمَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ اللهِ ". 77 - (2919) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْر، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ " فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أبِى هُرَيْرَةَ سَوَاءَ. 78 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ سَمُرَةَ. قَالَ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ المسْلِمِينَ، أوْ مِنَ المؤْمِنِينَ، كَنْزَ آلِ كِسْرَى الَّذى فِى الأبْيَضِ ". قَالَ قُتَيْبَةُ: مِنَ المسْلِمِينَ. وَلَمْ يَشُكَّ. (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سمَاكِ بْنَ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ أبِى عَوَانَةَ. (2920) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ ثَوْرٍ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ الدَّيلِىُّ - عَنْ أبِى الغَيْثِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنهَا فِى البَرِّ، وجَانِبٌ مِنْها فِى البَحْرِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: - عليه السلام -: " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده " الحديث، معناه عند أهل العلم: لا يكون كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام، كما كان زمنه - عليه السلام - فأعلم بانقصام ملكهما وزواله من هذين القطرين. فكان ما قال، وانقطع أمر كسرى بالكلية وتمزق ملكه واضمحل بدعوته - عليه السلام. وتخلى قيصر عن الشام، ورجع القهقرى إلى داخل بلاده وقواعدها من قسطنطينية (¬1) ورومية، وافتتحت بلادهما واحتوى على ملكهما وكنوزهما كما أخبر - عليه السلام. وقوله: " كنز كسرى الذى فى الأبيض ": إشارة - والله أعلم - إلى قصوره ودار ملكه. وفى كسرى الوجهان الفتح فى الكاف وهومذهب الأصمعى، والكسر وهو مذهب غيره. ¬

_ (¬1) ويقال: قسطنطينة بإسقاط ياء النسب. كان اسمها بيزنطية فنزلها قسطنطين الأكبر وبنى عليها سوراً فسماها بامسه، وصارت دار ملك الروم، واسمها الحالى: استانبول عاصمة تركيا، ولها خليج من البحر يطوف بها من وجهين مما يلى الشرق والشمال، وجانبهما الغربى والجنوبى فى البر كما فى الحديث. انظر: مراصد الاطلاع 3/ 192.

" لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ ألفًا مِنْ بَنِى إسْحَاقَ، فَإِذَا جَاؤُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسلاحٍ وَلَمْ يَرْمَوا بِسَهْمٍ. قَالُوا: لا إلَهَ إلا اللهُ واللهُ أكْبَرُ، فَيَسْقُط أحَدُ جَانِبَيْهَا ". قَالَ ثَوْرٌ: لا أعْلَمَهُ إلا قَالَ: " الَّذِى فِى البَحْرِ. ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لا إلَهَ إلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ. ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لا إلَهَ إلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ المَغَانِمَ، إذْ جَاءَهُمُ الصَّريخُ فَقَالَ: إنَّ الدَّجَّالَ قَد خَرَجَ. فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَىْءٍ وَيَرْجِعُونَ ". (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِىُّ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ زَيْد الدِّيلىُّ، فى هَذَا الإسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 79 - (2921) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَتُقَاتِلُنَّ اليَهُودَ، فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِىٌّ، فَتَعَالَ فَاقْتُلُهُ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإسْنَادِ. وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: " هَذَا يَهوَدِىٌّ وَرَائى ". 80 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، أخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عْبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ؛ أنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَقْتَتِلُونَ أنْتُمْ وَيَهُودُ، حَتَّى يَقولَ الحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِىٌّ وَرَائِى، تَعَالَ فَاقْتُلْهُ ". 81 - (...) حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى يُونُسٌ، عَنِ ابْنِ شَهَابٍ، حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أخْبَرَهُ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُقَاتلُكُمُ اليَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِىٌّ وَرَائِى فَاقْتُلْهُ ". 82 - (2922) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُوَلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ المُسْلِمونَ، حَتَّى يَخْتَبِئ اليَهُودِىُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالشَّجَرِ. فَيَقُولُ الحَجَرُ أوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِىٌّ خَلْفِى، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إلا الغَرْقَدَ، فإنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ ". 83 - (2923) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ - قَالَ يَحْيَى: أخْبَرَنا. وَقَالَ أَبُو بَكرٍ: حَدَّثَنَا - أَبُو الأحْوَصِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَاملِ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، كِلاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ أصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ ". وَزَادَ فِى حَدِيثِ أبِى الأحْوَصِ: قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. (...) وحدَّثنى ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. قَالَ سِمَاكٌ: وَسَمِعْتُ أخِى يَقُولُ: قَالَ جَابِرٌ: فَاحْذَرُوهُمْ. 84 - (157) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحاقُ بْنُ مَنْصُورٍ - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهيرٌ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ مَهْدِىٍّ - عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إلا الغرقد، فإنه شجرهم " يعنى: اليهود. الغرقد: هو العوسج. قال أبو حنيفة (¬1) إذا عظمت العوسجة فهى غرقده. ورأيت فى بعض التعاليق أنه الدلفى ولا يصح. وقوله: " لا تقوم الساعة حتى يبعث رجال كذابون قريباً من ثَلاثيِنَ " قد مرّ أول الكتاب تفسير الدجال (¬2)، وأن أحد وجوهه الكذاب. وهذا الحديث قد ظهر، فلو عُدَّ من تنبأ من زمن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الآن، ممن اشتهر بذلك وعرف واتبعته جماعة على ضلالته؛ لوجد هذا العدد فيهم. ومَنْ طالع كتب الخبر والتاريخ عرف صحة هذا، فلولا التطويل لسردنا منهم هذا العدد - والله أعلم. ¬

_ (¬1) هو أحمد بن داود الدينورى، كان نحوياً لغوياً مع الهندسة والحساب، راوياً، ثقة، ورعاً، زاهداً، أخذ عن البصريين والكوفيين. صنف لحن العامة وإصلاح المنطق، وتفسير القرآن وغيره. مات سنة 282 هـ. انظر: إنباه الرواه 1/ 42. (¬2) انظر. ك الإيمان، ب ذكر المسيح ابن مريم والمسيخ الدجال، برقم (273، 274).

قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أنَّهُ رَسُولُ اللهِ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: يَنْبَعِثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى المدينة التى جانب منها فى البحر يغزوها سبعون ألفاً من بنى إسحاق. كذا فى سائر الأصول. قال بعضهم: المعروف المحفوظ من بنى إسماعيل، وهو الذى يدل عليه الحديث وسياقه، لأنه إنما يعنى العرب والمسلمين بدليل الحديث الذى سماها فيه فى الأم، [وأنها القسطنطينية وإن لم يصفها بما وصفها به هنا] (¬1). ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح.

(19) باب ذكر ابن صياد

(19) باب ذكر ابن صياد 85 - (2924) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَرْنَا بِصِبْيَانٍ فِيهِمُ ابْنُ صَيَّادٍ. فَفَرَّ الصِّبْيَانُ وَجَلَسَ ابْنُ صَيَّاد، فَكَانَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرهَ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرِبَتْ يَدَاكَ، أَتَشْهَدُ أَنّى رَسُولُ الله؟ " فَقَالَ: لاَ، بَلْ تَشْهَدُ أَنّى رَسُولُ الله. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطاب: ذَرْنِى يَا رَسولَ الله حَتَّى أَقْتُلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَكُنِ الَّذِى نَرَى، فَلَنْ نَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ ". 86 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيبٍ - وَاللَّفْظُ لأَبِى كُرَيْبٍ - قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَش، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ الله قَالَ - كُنَّا نَمْشِى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِابْنِ صَيَّادٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ خَبَأتُ لَكَ خبيئاً " فَقَالَ: دُخٌ. فَقَالَ رَسُولُ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: يقال: ابن صائد وابن صياد، وكلاهما صحيحان. وقد وقع اسمه بهما فى الأم فى هذه الأحاديث وخبر ابن صياد هذا من الأخبار المشكلة. والذى تدل عليه الأخبار أنه لم يعين عينه للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه الدجال، وإنما أخبر بصفاته، فكذلك كان لا يقطع عليه، وإنما يتوسم أنه هو للصفات التى أخبر بها؛ ولهذا قال لعمر: " إن يكن هو فلن تسلط عليه "، ثم ظهرت من صفاته التى وصفه بها - عليه السلام - بعد هذا ما خالف بعض بقية صفاته، ومنها: ما وافق من أنه ولد له، وقد قال - عليه السلام -: " لا يولد له "، وأن عينه عورة، ومن صفاته أنه أعور. وأما احتجاجه هو بحجة البيت ودخوله المدينة، فليس له فيه دليل، إنما أخبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لا يدخل مكة ولا المدينة وقت فتنته، لكنه على كل حال كان أحد الدجاجلة الكذابين، بدليل حاله زمن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دعواه أنه رسول الله، وأنه يأتيه كاذب وصادقان، أو صادق وكاذبان، وأنه يرى عرشاً فوق الماء، وبحاله بعد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لدعواه معرفة الدجال ومكانه ومقاله لابن عمر وغيره [وأنه] (¬1) لم يكره أن يكون الدجال، وإن كان قد ظهرت ¬

_ (¬1) من ح.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْسَأ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، دَعْنِى فَأَضْرِبَ عُنَقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعْهُ، فَإِنْ يَكنِ الَّذِى تَخَافُ، لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ ". 87 - (2925) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: لَقِيَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِى بَعْضِ طُرَقِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ الله؟ " فَقَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اَلله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمَنْتُ بالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ. مَا تَرَى؟ " قَالَ: أَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاء. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرَى عَرْشَ إبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ. وَمَا تَرَى؟ " قَالَ: أَرَى صَادِقَيْنِ وَكَاذِبًا أَوْ كَاذِبَيْنِ وَصَادِقًا. فَقالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَبِسَ عَلَيْهِ، دَعُوهُ ". 88 - (2926) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَمَحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: لَقِىَ نَبِىُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ صَائِدٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَابْنُ صَائِدٍ مَعَ الْغِلْمَانِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَديِثِ الْجُرَيْرِىِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ منه علامات الخير وصحة الإسلام والإقلاع عن مقاله قبل، وحجه وجهاده مع المسلمين - والله أعلم. وقد ترجم الطبرى وغيره عليه فى تراجم الصحابة. واختلف الناس فى أمره بعد كبره، فقيل: إنه تاب ومات بالمدينة، ووقف على عينه هنا. وقيل: بل فقد فى الحرة ولم يوقف عليه، وكان جابر وابن عمر يحلفان أنه الدجال ولا يشكا فيه فيما روى عنهما. قال الإمام أبو عبد الله: استدل قوم بخبر ابن صياد على أن إسلام غير البالغ قد يصح، ولولا ذلك لما كشفه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان. قال القاضى: أما كشفه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اعتقاده ليتبين ما وقع فى نفسه منه. وهل هو كاهن؟ ولهذا كان يختله ويتسمع عليه ليستبين له أمره، إذ لم يأت فى أمره وحى يحقق له أمره بدليل قوله: " [ما] (¬1) ما يأتيك وما ترى؟ " وليس هذا من الإيمان. قال الإمام: وقال بعض أهل العلم: يمكن [أن يكون] (¬2) إنما أقره النبى - عليه السلام - بالمدينة معه وهو يدعى النبوة؛ لأجل أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالف اليهود على أن يسالمها ¬

_ (¬1) مكررة فى ز. (¬2) فى هامش ح.

89 - (2927) حدّثنى عُبَيْدُ الله بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيد الْخُدرِىِّ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ صَائِد إِلَى مَكَّة. فَقَالَ لِى: أَمَا قَدْ لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ، يَزْعُمُونَ أَنِّى الدَّجَّالُ، أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ لاَ يُولَدُ لَهُ ". قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَقَدْ وُلِدَ لِى. أَوَ لَيْسَ سَمِعْتَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لاَ يَدْخُلُ الْمَديِنَةَ وَلاَ مَكَّةَ ". قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَقَدْ وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ، وَهَذَا أَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِى فِى آخِرِ قَوْلِهِ: أَمَا وَالله، إِنَّى لأِعْلَمُ مَوْلِدَهُ وَمَكَانَهُ وَأَيْنَ هُوَ. قَالَ: فَلَبَسَنِى. 90 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أبِى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدرِىِّ. قَالَ: قَالَ لِىَ ابْنُ صَائِدٍ، وَأَخَذَتْنى مِنْهُ ذَمَامَةٌ: هَذَا عَذَرْتُ النَّاسَ. مَالِى وَلَكُمْ؟ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، أَلَمْ يَقُلْ نَبِىُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ يَهُودِىٌّ " وَقَدْ أَسْلَمْتُ. قَالَ: " وَلاَ يُولَدُ لَهُ " وَقَدْ وُلِدَ لِى. وَقَالَ: " إِنَّ الله قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ " وَقَدْ حَجَجْتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحلفائها؛ ولهذا أبقاه. قال القاضى: بل يقال: إما لم يقتله لأنه كان غلامًا صغيرًا فى ذلك الوقت، صبى يلعب مع الصبيان. كما قارب الحلم، كما جاء فى الحديث. ولم يأت بعد أنه ادعى مثل هذا فى كبره وبعد بلوغه، بل نشأ [بعد على] (¬1) الإسلام، والتزم شرائعه، كما تقدم. وقد تنوزع فى نسبه، فذكر (¬2) الواقدى أن نسبه فى بنى النجار، فنفوهم فانتسبوا إلى حلفهم. وقوله: " فلبسنى " بتخفيف الباء، أى جعلنى ألتبس فى أمره وأتشكك فيه، قال الله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} (¬3). وقوله: " فى قطيفة له فيها زمزمة " بزائين معجمتين، قال الإمام: يقال: زمزم يزمزم زمزمة: إذا صوت. قال الخطابى (¬4): قوله: " له فيها زمزمة " تحريك الشفتين، والمزمة: ¬

_ (¬1) فى ز: بعيدًا عن. (¬2) كذا فى ز، وفى ح: فقال. (¬3) الأنعام: 9. (¬4) انظر: أعلام الحديث، ك الجنائز، ب إذ أسلم الصبى فمات هل يصلى عليه؟ ص 290 حديث رقم (1354).

قَالَ: فَمَا زَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَأخُذَ فِىَّ قَوْلُهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَمَا وَالله، إِنِّى لأَعْلَمُ الآنَ حَيْثُ هُوَ، وَأَعْرَفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَالَ: وَقِيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَوْ عُرِضَ عَلَىَّ مَا كَرِهْتُ. 91 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوح، أَخْبَرَنِى الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى نَضْرةَ، عَنْ أَبِى سعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ. قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً، فتَفرقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ. فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِى. فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ، فَلَوْ وَضَعْتُه تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ. قَالَ: فَفَعَلَ. قَالَ: فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بعُسٍّ فَقَالَ: اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ. فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌ، مَا بِى إِلاَّ أَنِّى أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ - أَوْ قَالَ: آخُذَ عَنْ يَدِهِ - فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلاً فَأُعَلِّقَهُ بشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِىَ النَّاسُ. يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ خَفَىِ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَفىِ عَلَيْكُمْ، مَعْشَرَ الأَنْصَار. أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَديِثِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هُوَ كَافِرٌ " وأنا مسلم؟ أَوَ لَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هُوَ عَقِيمُ لا يُولدُ لَهُ " وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِى بِالْمَديِنَةِ؟ أَوْ لَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلاَ مَكَّةَ " وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِيَنَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشفة، فأما الزمزمة بالزاى فمن داخل الفم إلى داخل الحلق كالصغير ونحوه. قال القاضى: كذا روينا هذا الحرف فى هذا الكتاب هنا " زمزمة " بالمعجمتين ووقع فى بعض الروايات: " رمزة " براء أولى (¬1) والأخرى زاى. واختلفت الروايات فيه فى صحيح البخارى، فروى براءين مهملتين (¬2) وروى بالمعجمتين (¬3)، وروى " رمزة " الأولى راء والآخره زاى، وسقوط الميم الآخرة (¬4) كما رواه بعضهم كذلك أيضاً فى مسلم. ومعنى الكلمات كلها متقاربة، وقد مرّ تفسيرها. وأما الراءين المهملتين فهو من التحرك، والكلام عند الكوائن والشدائد. قال الخليل: ¬

_ (¬1) كذا فى ح، وفى ز: أولأ. (¬2) ك الجهاد، ب ما يجوز من الاحتيال والحذر 4/ 78. (¬3) ك الشهادات، ب شهامة المختبى 3/ 220. (¬4) ك الجهاد، ب كيف يعرض الإسلام على الصبى 4/ 85.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدرِىُّ: حَتَّى كِدْتُ أَنْ أعْذِرَةُ. ثُمَّ قَالَ: أما وَالله، إِنِّى لأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هوَ الآنَ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: تَبًّا لَكَ، سَائرَ الْيَوْمِ. 92 - (2928) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - عَنْ أَبِى مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابْنِ صَائِدٍ: " مَا تُرْبَة الْجَنَّةِ؟ ". قَالَ: دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ: " صَدَقْتَ ". 93 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ؛ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: " دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ خَالِصٌ ". 94 - (2929) حدّثنا عُبَيْدُ الله بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَحْلِفُ بالله؛ أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ الدَّجَّالُ. فَقُلْتُ: أَتَحْلِفُ بَالله؟ قَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 95 - (2930) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِىُّ، أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاَبِ انْطَلَقَ مَعَ رسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ترمرم القوم: إذا حركوا أفواههم بالكلام ولما يتكلموا، قال: والرمز: صوت خفى بتحريك الشفتين بكلام غير مفهوم، ويكون أيضاً الإيماء بالحواجب وغيره دون كلام. وقال غيره: الزمزمة بزاءين معجمتين تراطن العلوج عند الأكل وهم صموت، لا يستعملون اللسان ولا الشفة. وإنما هو صوت يدار فى الخياشيم والحلق، ذكره ابن الصابونى. وقوله: " فرفضه "، قال الإمام: قال بعض أهل اللغة: إنما هو: " فرصه " أى ضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض، ومنه (¬1): بنيان مرصوص، وأقرب منه أن يكون: ¬

_ (¬1) فى ح: وفيه.

يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابْنِ صَيَّادٍ: " أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ الله؟ " فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ الله؟ فَرَفَضَهُ رَسُوَلُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " آمَنْتُ بالله وَبِرُسُلِهِ ". ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَاذَا تَرَى؟ ". قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ ". ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّى قَدْ خَبَأتُ لَكَ خَبِيئًا ". فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْسَأ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ ". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ذَرْنِى يَا رَسُولَ الله أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " فرفسه " بالسين التى تقارب الصاد فى اللفظ مثل وكله. قال القاضى: قال بعضهم: الرفص الضرب بالرجل مثل الرفس، هان صح هذا فهو بمعناه، ولكن لم أجد هذه اللفظة فى أصول اللغة وروايتنا فيها عن الجماعة: " فرفصه " بالصاد المهملة كما تقدم، لكن وقع عند القاضى الصدفى: " فرفضه " بضاد معجمة، وهو وهم. وفى البخارى (¬1) من رواية المروزى: " فرقصه " بالقاف والصاد المهملة، ولا وجه له. وفى كتاب الأدب: " فرضه " بضاد معجمة (¬2). ورواه الخطابى فى غريبه: " فرصه " وفسره بما تقدم. وقوله: " خبأت لك خبيئاً ": كذا رويناه عن جميعهم بكسر الباء بعدها ياء، وعند التميمى: " خبأ " بسكون الباء، وكلاهما صحيح. الخبُ: رسم ما يخبأ. والخبى: اسم ما يعمى. وقوله: " الدُّخ "، قال الإمام: هو الدخان. قال الراجز (¬3): عند رواى البيت يغشى الدّخا وقيل: أراد أن يقول: الدخان، فزجره النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يستطع أن يتم الكلمة. قال الخطابى: لا معنى للدخان؛ لأنه ليس مما يمكن أن يخبئ فى كف أوكُم، وقد قال: " خبأت لك خبيئاً ". " بل الدخ ": نبت موجود بين النخيل والبساتين، إلاّ أن يحمل قوله - ¬

_ (¬1) ك الجنائز، ب إذا أسلم الصبى فمات هل يصلى عليه؟ 2/ 117. (¬2) ك الأدب، ب قول الرجل للرجل اخسأ 8/ 49. (¬3) هو عبد الله بن رؤبة العجاج. انظر: ملحق ديوانه 2/ 280.

(2931) وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الله: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِىُّ إِلَى النَّخْلِ الَّتِى فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ. حَتّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ، طَفِقَ يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا، قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ. فَرَآهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضطَجِعٌ عَلَى فِرَاشٍ فِى قَطِيفَةٍ، لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ. فَرأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ. فَقَالَتْ لابْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ - وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ - هَذَا مُحَمَّدٌ. فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ ". (169) قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى الله بِما هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: " إِنِّى لأُنْذِرُكُمُوهُ، مَا مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِىٌّ لِقَوْمِهِ. تَعَلَّمُوا أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". قَالَ ابْنُ شِهَاب: وَأَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىُّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: " إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ، أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ". وَقَالَ: " تعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - حَتَّى يَمُوتَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه السلام -: " خبأت لك خبيئاً " أى أضمرت لك اسم الدخان فيجوز. فال الإمام: قيل: إنه أضمر له: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} الآية (¬1). قال القاضى: وقال الداودى: كانت فى يده سورة الدخان مكتوبة. وقيل: كتب له الآية فى يده. وأصح الأقوال فى قوله: " الدخ " أنه لم يهتد من الآية التى [أضمرها] (¬2) له - عليه السلام - إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان؛ إذ إنما يلقى الشيطان إليهم بقدر ما يختطف قبل أن يدركه الشهاب، ويدل عليه قوله: " اخسأ فلن تعدو قدرك "، أى أبعد كاهناً منخرصاً فلن تعدو وقدر هذا الصنف من الاهتداء الى بعض الشىء، وما لا يتبين منه ¬

_ (¬1) الدخان: 10. (¬2) من ح.

96 - (2930) حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدَ الله؛ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ رَهْطٌ منْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، حَتَّى وَجَد ابْنَ صَيَّادٍ غُلاَمًا قَدْ نَاهَزَ الْحُلُمَ، يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مُعَاوِيَةَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. إِلَى مُنْتَهَى حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ثَابِت. وَفِى الْحَدِيثِ عَنْ يَعْقُوبَ قَالَ: قَالَ أُبَىٌّ - يَعْنِى قَوْلِهِ: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ - قَالَ: لَوْ تَرَكَتْهُ أُمُّهُ، بَيَّنَ أَمْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ حقيقة، ولا يصل إلى قدر البيان والتحقيق والجلاء لأمور الغيب التى تأتى من قبل الوحى إلا مَنْ أوتى النبوة. قال الإمام: قوله: " اخسأ فلن تعدو قدرك " يحتمل وجهين: أحدهما: أنه لا يبلغ قدرك أن يطالع الغيب من قبل الوحى الذى يوحى إلى الأنبياء، والإلهام الذى يلهم الأولياء، وإنما هو شىء جرى من إلقاء الشيطان إليه حين [يسمع] (¬1) النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراجع أصحابه فى النخيل. والآخر: أنك لست تسبق قدر الله فيك وفى أمرك. قال القاضى: وقد ذكرنا أنه لن [يعد] (¬2) يعدو قدرًا [من] (¬3) الكهان من خطف الكلمات، وقصور بعض المغيبات، لا على جهة الكمال والبيان الذى تختص به النبوة، والولاية، كما ذكرنا أنه لم يهتد من الآية لغير حرفين من كلمة. وقوله: " تباً لك سائر اليوم ": أى خسراناً وهلاكاً. وقوله: " خلط عليك الأمر " يريد: ما يأتيك به شيطانك من غير ضبط وصحة، إلا كما يأتى به مسترق السمع، خلاف ما يأتى به الملك من الوحى. وقوله: " درمكة (¬4) بيضاء، مسك خالص ": أى أنها فى البياض درمكة (¬5)، وفى الطيب مسك. وحديث ابن أبى شيبة هذا من أن ابن صياد هو السائل للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عنها، أظهر عند بعض أهل النظر من حديث نصر بن على قبله؛ أن السائل هو النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذا ذكره (¬6) ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى ز: تعد يعدو، وفى ح: يعدو. (¬3) فى هامش ح: أمر. (¬4) و (¬5) فى ز: دريكة، والمثبت من ح. (¬6) فى ز: ذكر، والمثبت من ح.

97 - (...) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِابْنِ صَيَّادٍ فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ، وَهُوَ غُلاَمٌ. بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ وَصَالِحٍ غَيْرَ أَنَّ عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، فِى انْطِلاَقِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُبَىِّ بن كَعْبٍ، إِلَى النَّخْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أبى شيبة أيضاً فى مسنده (¬1). وأما حلف عمر على ابن صياد أنه الدجال، ففيه حجة لمن رأى الحلف جائزاً على ما غلب [على] (¬2) ظن الإنسان، لقوة الدلائل عند [عمر] (¬3) عليه بالصفات التى ذكرها فيه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ذلك غير غموس، وأن (¬4) الغموس ما جاهر به الحالف أو شك فيه. قال الإمام: وخرج مسلم فى قصة [ابن] (¬5) صياد حديث حرملة بن يحيى عن ابن وهب: حدثنى يونس عن ابن شهاب؛ أن سالم بن عبد الله أخبره؛ أن عمر انطلق - الحديث. ووقع هذا الإسناد فى [روايتنا عن ابن ماهان] (¬6) منقطعاً، فقال: عن الزهرى، عن سالم؛ أن عمر بن الخطاب. لم يذكر فيه عبد الله بن عمر، والصواب [قول] (¬7) من أسنده. قال القاضى: وقوله فى هذا الحديث: " عند أطم بنى مغالة ": تقدم تفسير الأطم وأنه الحصن. وبنو مغالة بغين معجمة، وكذا [جاء] (¬8) فى حديث ابن حميد وفى حديث الحلوانى بعده: " عند أطم بنى معاوية " والأول المعروف. وبنو مغالة: كل ما كان عن يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [ويتوجه مكة] (¬9) ما كان عن يسارك، ومسجد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بنى مغالة، قاله الزبير. وقال بعضهم: بنو مغالة حى من قضاعة، وبنو معاوية هم بنو جديلة هؤلاء. وقول عمر: " دعنى أضرب عنقه " لما ظهر [له] (¬10) من كفره. وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: " إن يكن هو فلن تسلط عليه ": أى إن كان الدجال فلن تنتهى إليه، لم يقدر لك أنت قتله، بل قاتله عيسى ابن مريم و" إن لم يكن فلا خير لك فى قتله " ¬

_ (¬1) انظر: مصنف ابن أبى شيبة، ك الجنة، برقم (33956). (¬2) ساقطة من ز. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) فى ح: وإنما. (¬5) ساقطة من الأصل، واستدركت في الهامش بسهم. (¬6) فى ح: رواية ابن ماهان. (¬7) ساقطة من ح. (¬8) من ح. (¬9) فى ح: وبنو جديلة. (¬10) ساقطة من ح.

98 - (2932) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَقَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَائِدٍ فِى بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لَهُ قَوْلاً أَغْضَبَهُ، فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ. فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا. فَقَالَتْ لَهُ: رَحِمَكَ الله! مَا أَرَدْتَ مِنِ ابْنِ صَائِدٍ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا "؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أى لصغره أو ذمته. وقوله: " هو يختل " يعنى ابن صياد، أى يأخذه على غفلة. ويدل على صحة هذا التفسير قوله فى الحديث: " أن يسمع منه قبل أن يراه ". قال الإمام: " يختله " أى يطلب [أن] (¬1) يأتيه من حيث لا يشعر، ومنه: ختلت الصيد. قال القاضى: قيل: فيه حجة على جواز الاختيال على المستسرين بجحد الحقوق حتى يحقق فيهم ما جحدوه فيقضى عليهم به، وكذلك لمن أعلن الفسق وعزف به واستسر بمنكره أنه يكشف عنه، وليس من التجسس؛ لأن ابن صياد كان أمره عند الناس مشهوراً، وما يقوله بغير حضرة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معلناً، فأراد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحقيق ذلك [منه] (¬2) سماعاً. وفيه كشف الإمام بنفسه الأمور المشكلة وخروجه فيها. وترجم البخارى (¬3) عليه: ما يجوز من الاحتيال والحذر ممن يخشى معرته. وقوله: " فثار ابن صياد ": أى هب من ضجعته ويقال لكل ما ظهر وفشى: ثار، ولكل ما هاج: ثار. وقوله فى ذكر الدجال: " تعلموا أنه أعور، وأن الله ليس بأعوار "، قال القاضى: قاله - عليه السلام - تنبيهاً منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صفاته من النقص الدال على الحدوث المنزه عنه الخالق - جل اسمه. وقوله: " تعلموا " كذا هو بفتح العين وتشديد اللام بمعنى: تحققوا، أو اعلموا، يقال: تعلم كذا مشددة بمعنى: اعلم. وهذه الأحاديث التى أدخلها مسلم فى قصة الدجال حجة أهل الحق فى صحة وجوده، وأنه شخص معين، ابتلى الله عباده، وأقدره على أشياء من قدرته ليتميز الخبيث من ¬

_ (¬1) ساقطة من ح. (¬2) فى هامش ح. (¬3) ك الجهاد 4/ 78.

99 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ - يَعْنِى ابْنَ حَسَنِ بْنِ يَسَارٍ - حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ نَافِعٌ يَقُولُ: ابْنُ صَيَّادٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقِيتُهُ مَرَّتَيْنِ. قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: هَلْ تَحَدَّثُونَ أَنَّهُ هُوَ؟ قَالَ: لا، وَالله. قَالَ: قُلْتُ: كَذَبْتَنِى، وَالله، لَقَدْ أَخْبَرَنِى بَعْضُكُمْ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَكُمْ مَالاً وَوَلَدًا. فَكَذَلِكَ هُوَ زَعَمُوا الْيَوْمَ. قَالَ: فَتَحَدَّثْنَا ثمَّ فَارَقْتُهُ. قَالَ: فَلَقِيتُهُ لَقْيَةً أُخْرَى وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيب؛ من إحياء الميت الذى يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب الذى معه، وجنته وناره، ونهريه، واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر، والأرض أن تنبت، فيكون ذلك كله بقدر الله ومشيئته، ثم يعجزه الله بعد ذلك كما قال: " ولن يسلط على غيره " فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ثانية، ولا على غيره، ويبطل أمره بعد، ويقتله عيسى - عليه السلام - ويثبت الله الذين آمنوا. هذا مذهب أهل السنة وجماعة أهل الفقة والحديث ونظارهم (¬1). خلافاً لمن أنكر أمره وأبطله من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة. وخلافاً للجبائى من المعتزلة ومن وافقه على إثباته من الجهمية وغيرهم، ولكن زعموا [أن ما] (¬2) عنده مخارق، وحيل، لا حقائق، ولدعواهم أن أمره لو كان صحيحاً كان قدحاً فى النبوة. وقد وهم جميعهم، فإنه لم يأت بدعوى النبوة فيكون ما جاء به كالتصديق له، ولأنه لو صح منه لم يفرق بين النبى والمتنبئ فيطعن [ذلك] (¬3) على النبوة، هانما جاء بدعوى الإلهية، وهو (¬4) فى نفس دعواه لها مكذب لدعواه بصورة حاله ونقص خلقه، وظهور سمات الحدث به وشهادة كذبه وكفره المكتتبة بين عينيه، وعجزه عن تحسين صورته، وإزالة العور والشين عن نفسه. فلم يَرْتَبْ مؤمن فى أمره. وإنما اتبعه من اتبعه للضرورة والحاجة، وشدة الزمان عليه أو لكفره. قيل: كيهود أصبهان وغيرهم وكالترك الكفرة، أو تقية منه وخوفاً، أو لأن فتنة ما جاء به عظيمة تدهش العقول وتحير الألباب [لأول وهلة] (¬5)، وأن أمره لا تطول مدته، وسرعة سيره فى الأرض، فإنما هو كما قال فى الحديث: " كالغيث استدبرته الريح " (¬6) فيصدقه من يصدقه، وقد سُلبَ نظره، ودله عقله لفجاءة أمره؛ ولهذا حذرته الأنبياء قومها، وشجعتهم ببيان حاله ونقصه؛ ليتقدم لهم العلم بذلك فيثبتوا [ومن يثبت فيه] (¬7) وأيده الله كذبه، ألا ترى قول ¬

_ (¬1) فى خ: ونظائرهم. (¬2) فى ز: أن. (¬3) فى ح: بذلك. (¬4) فى ح: وهى. (¬5) فى هامش ح. (¬6) حديث رقم (110) بالباب التالى. (¬7) من ح.

نَفَرَتْ عَيْنُهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: لاَ أَدْرِى. قَالَ: قُلْتُ: لاَ تَدْرِى وَهِىَ فِى رَأسِكَ؟ قَالَ: إِنْ شَاءَ الله خَلَقَهَا فِى عَصَاكَ هَذِهِ. قَالَ: فَنَخَرَ كَأَشَدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذى قتله ثم أحياه له: " ما كنت أشد بصيرة فيك منى الآن ". وقوله: " مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من كره عمله، أو يقرؤه كل مؤمن " (¬1) وهذه الرواية يحتج بها من جعل هذا مجازًا، وأنها إشارة إلى سمات الحدث عليه، ويدل عليه قوله: " يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ". والوجه الآخر: أنه على ظاهره، فقد يعمّى الله عنه أبصار مَنْ أراد ضلالته وبصيرته، كما أعماهم عن عوره وتصويره. وقد جاء فى الحديث الآخر: " مكتوب بين عينيه ك، ف، ر " (¬2) هذه صور تحقيق لا تجوز فيها. وقوله: " فى بعض سكك المدينة "، قال الإمام: السكة: الطريق، وجمعه سكك. قال أبو عبيد: السكة: الطريق المصطفة من النخل، وسميت الأزقة سككاً لاصطفاف الدور فيها. قال القاضى: ما قاله حسن صحيح كله، وكأنه فسر به قوله: " فى بعض سكك المدينة " وليس هذا اللفظ عندنا فى كتاب مسلم فى روايتنا، وإنما فيه: " فى بعض طرق المدينة " (¬3). وقوله: " ناهز الاحتلام " (¬4): أى قارب، وكذلك جاء فى الحديث: " الآخر قارب الاحتلام ". وقوله: " فأخذتنى منه ذمامة " (¬5) بفتح الذال المعجمة، قيل: الذمامة الاستحياء. وقال الخليل: ذممته ذمَّا: لُمتُه وقد تكون الذمامة من هذا، [التى] (¬6) منه لوم على ما قلته واعتقدته فيه. وقوله: " جاء بعس (¬7) " وهو القدح الكبير. وقوله: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا حسين بن حسن بن يسار، حدثنا ابن عون، كذا هو فى كتاب مسلم. وأبو حاتم الرازى يرى أن حسين بن حسن صاحب ابن عون ابن يسار. وشك فيهما البخارى (¬8) بعد أن جعلهما ترجمتين، فقال آخراً: حسين بن حسن ابن يسار أبو عبد الله البصرى من آل مالك بن يسار، أراه هو الأول، وفى أصل القاضى ¬

_ (¬1) حديث رقم (105) بالباب التالى. (¬2) حديث رقم (102) بالباب التالى. (¬3) حديث رقم (87) بالباب. (¬4) حديث رقم (89) بالباب. (¬5) حديث رقم (90) بالباب. (¬6) فى ح: التنى. (¬7) فى ز: بعين، والمثبت من ح. (¬8) التاريخ الكبير، برقم (2863).

نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُ. قَالَ: فَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِى أَنِّى ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِىَ حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَأَمَّا أَنَا، فَوَالله، مَا شَعَرْتُ. قَالَ: وَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنينَ. فَحَدَّثَهَا. فَقَالَتْ: مَا تُرِيدُ إِليْهِ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبى عبد الله بن عيسى: حدثنا حسين - يعنى ابن يسار. قوله: " وقد نفرت عينه "، كذا رويناه من جماعة شيوخنا: بفتح النون والفاء أخت القاف معاً، أى ورمت، وكان فى أصل كتاب القاضى التميمى " فقرت وفقئت " معاً، فقلت: متى فقئت فى الموضعين، وكتب على الأول بخطه: " نقرت " بالنون والقاف وكذلك عند بعضهم، ورواه الإمام أبو عبد الله فى المعلم: " بقرت "، وكذا عند بعضهم: " بُقرت " بالباء والقاف، وفسره: شقت، فإن صحت هذه الروايات فهى من معنى الروايات الأخر إن صحت؛ لأن ما شق من العين أو بقر فقد فقئ، وكذلك ما فقر من الأعين - أى استخرج - فقد فقئ، وكذلك ما نقر بالنون. والنقر مثل الحفر، والنقرة والنقير منه. والحفرة فى الحجر أو أصله النخلة، أو النواة، وكله عبارة عن العور. وقوله: " ثم لقيته لقية ": كذا وجدته فى كتاب بضم اللام، وتعلمت بقول: " لقية " بالفتح، وكذا كان فى أصل عيسى. قوله: " تعلموا أنه ليس يرى أحد منكم ربه حتى يموت " (¬1)، قال الإمام: هذا يشير إلى مذهب أهل الحق: أن الله يرى فى الآخرة ولو يستحيل - كما قالت المعتزلة - لم يكن للتقييد بالموت معنى والأحاديث فى هذا كثيرة، وقد عول عليها بعض أئمتنا فى إثبات الرؤية فى الآخرة على طرق بسطوها فى كتب الأصول. قال القاضى: ومذهب أهل الحق ومثبتى الرؤية فى الآخرة: أنها غير مستحيلة فى الدنيا. ثم اختلفوا فى وجودها أو منعها بحكم ظاهر الحديث. وظاهر قوله: {لا تدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} (¬2) على من تأوله فى الدنيا، وهل رآه نبينا ليلة الإسراء أم لا. للسلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الفقهاء والمحدثين والنظار فى ذلك اختلاف معروف. وأكثر المانعين لها فى الدنيا ذهبوا إلى أن علة ذلك ضعف قواهم فيها [فتكا] (¬3) عن احتمالها، كما لم يحتملها موسى - عليه السلام - فى الدنيا. ¬

_ (¬1) حديث رقم (95) بالباب. (¬2) الأنعام: 103. (¬3) كذا فى ز، وهى ساقطة من ح.

(20) باب ذكر الدجال وصفته وما معه

(20) باب ذكر الدجال وصفته وما معه 100 - (169) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبيْدُ الله عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْر، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهْرَانَىِ النَّاسِ فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلاَ وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئةٌ ". (...) حدّثنى أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَاتمٌ - يَعْنِى ابْنَ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 101 - (2933) حدّثنا مُحَمَّدَ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ أنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقوله: " جفال الشعر ": أى كثيره. قال القاضى: وقوله: " كأن عينه عنبة طافئة ": وقد تقدم الكلام عليه أول الكتاب مع قوله: " ممسوح العين " والجمع بينهما وبين الروايتين فى " طافئة " بالهمز وغيره مما فيه كفاية، لكن فى بعض الأحاديث أعور العين اليمنى وفى بعضها: " اليسرى ". ذكر مسلم هنا الروايتين وجمع الروايتين عندى على تخريج صحيح الروايتين فى " طافئة " بالهمز وبغير همز، وهو أن يكون كل واحدة منها عوراء من وجه ما؛ إذ العور من كل شىء العيب، والكلمة العوراء: المعيبة. قالوا: فالواحدة عوراء بالحقيقة، وهى التى وصفت فى الحديث بأنها ليست حجرًا ولاناتئة وممسوحة ومطموسة وطافئة على رواية الهمز، والأخرى عورى لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة، أو كأنها كوكب، أو كأنها عنبة طافية بغير همز. فكل واحدة منها يصح فيها الوصف بالعور لحقيقة العرف والاستعمال. أو معنى العور الأصلى الذى هو العيب، فلهما تعلق بالعين. وقوله: " معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار "، وفى الحديث الآخر: " نهران "، وفى الآخر: " ماء ونار " وذكر معناه، وذكر الحديث، فهذا كله مما امتحن الله به عباده؛

بِأَعْوَرَ، وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر ". 102 - (...) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حدّثنى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِىَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الدَّجَّالُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْه ك ف ر. أَىْ كَافِرٌ ". 103 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْن، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ " ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر. " يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ ". 104 - (2934) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيق، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ليعلم الذين آمنوا منهم ويعلم الصابرين، ثم يفضحه عند الحقيقة ويتبين كذبه وعجزه عن أن يجمع من ظاهر جنته وناره أو نهريه وباطنهما، حتى لا يختلف صفائهما (¬1) ويغتر بهما أتباعه. وقوله: " فأما أدركن ذلك أحدكم " كذا هو عند جماعه شيوخنا، وفى كتاب القاضى أبى عبد الله: " أدركه " وهو وجه العربية فإن هذه النون لا تدخل على الفعل الماضى، ولعله: " فأما يدركن ". وقوله: " ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة " بفتح الظاء والفاء، قال الإمام: قال الأصمعى: الظفرة: لحمة نبتت عند المآقى وأنشد: بعينهامن البكاء ظفرة ... حل ابنها فى السجن وسط الكفرة قال القاضى: قال صاحب العين: الظفرة: جليدة تغشى البصر، يقال: عين ظفرة. قال ثابت: وهى إن لم تقطع غشيت بصر العين، فيكون هذا من معنى مطموس العين. قال غيره: هى علقة تخرج من العين، هى بالظاء المعجمة المشالة. ذكر مسلم حديث محمد بن عبيد الله بن نمير ومحمد بن العلاء وإسحاق حديث: " جفال الشعر " كذا لجميعهم، ¬

_ (¬1) فى ح: صفاتهما.

105 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِى مَالِك الأَشْجَعِىِّ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا، رَأىَ الْعَيْنِ، مَاءٌ أَبْيَضُ. وَالآخَرُ، رَأىَ الْعَيْنِ، نَارٌ تَأَجَّجُ. فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأتِ النَّهْرَ الَّذِى يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأطِئْ رَأسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ، فَإنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ. وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ". 106 - (...) حدّثنا عُبَيْدُ الله بْنُ مُعَاذ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ فِى الدَّجَّاَلِ: " إِنَّ مَعَه مَاءً وَنَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ، فَلاَ تهْلِكُوا ". (2935) قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 107 - (2934/ 2935) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو، أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَان. فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: حَدِّثْنِى مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الدَّجَّالِ. قَالَ: " إِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ، وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا. فَأَمَّا الَّذِى يَراهُ النَّاسُ مَاءً، فَنَارٌ تُحْرِقُ. وَأَمَّا الَّذِى يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا، فَمَاءُ بَارِدٌ عَذْبٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِى الَّذِى يَرَاهُ نَارًا، فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ ". فَقَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ. تَصْدِيقًا لِحُذَيْفَةَ. 108 - (...) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسقط محمد بن عبيد الله بن نمير عن الشنتجالى عن السجزى، وإثباته الصواب لقوله: قال إسحاق: أنبأنا، وقال الآخران: حدثنا، وذكر حديث على بن حُجر: حدثنا شعيب حديث: " معه ماء ونار " قال فيه: عن ربعى بن حراش، عن عقبة بن عمرو أبى مسعود الأنصارى. كذا هو، وكذا أصلحه شيوخنا فى كتاب مسلم من رواية الجلودى، فكان فى بعض الكتب: عن ابن ماهان عن عقبة بن عامر وأبى مسعود الأنصارى، وهو خطأ. وقد قال

حُجْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ نُعَيْمِ ابْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: " لأَنَا بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ، إِنَّ مَعَهُ نَهْرًا مِنْ مَاءٍ وَنَهْرًا مِنْ نَارٍ. فَأَمَّا الَّذِى تَرَوْنَ أَنَّهُ نَارٌ، مَاءٌ، وَأَمَّا الَّذِى تَرَوْنَ أَنَّهُ مَاءٌ، نَارٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِك مِنْكُمْ فَأَرَادَ الْمَاءَ فَلْيَشْرَبْ مِنَ الَّذِى يَرَاهُ أَنَّهُ نَارٌ، فَإِنَّهُ سَيَجِدُهُ مَاءً ". قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. 109 - (2936) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَان، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلاَ أُخْبرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِىٌّ قَوْمَهُ؟ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِىءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِى يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ، هِىَ النَّارُ، وَإِنِّى أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ ". 110 - (2137) حدّثنا أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَائىُّ - قَاضِى حِمْصَ - حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْر الْحَضْرَمِىِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلاَبِىَّ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِىُّ - وَاللَّفَظُ لَهُ - حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِر، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: ذَكَرِ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا. فَقَالَ: " مَا شَأنُكُمْ؟ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ: " غَيْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد: " انطلقت معه " ولم يقل: " معهما " وكذا جاء الحديث بعد لأبى مسعود وحده من رواية على بن حجر وإسحاق وعقبة بن عامر، وهو أبو أسد الجهنى والى مصر، له صحبة أيضاً. قال مسلم: حدثنا محمد بن مهران الرازى، حدثنا الوليد بن مسلم وروه (¬1) عن ابن ماهان: حدثنا محمد بن صفوان، والصواب ابن مهران كما لغيره. ¬

_ (¬1) فى ز: وروى.

الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِى عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نفْسِهِ، وَالله خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كأَنِّى أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرأ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ. إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً. يَا عِبَادَ الله، فَاثْبُتُوا " قُلْنَا: يَارَسُولَ الله، وَمَا لَبْثُهُ فِى الأَرْضِ؟ قَالَ: " أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: " لاَ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِى الأَرْضِ؟ قَالَ: " كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ. فَيَأتِى عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ذكر الدجال فخفض فيه ورفع " يعنى - والله أعلم - صوته من كثرة ما تكلم فى أمره فخفض مرة لطول الكلام وراحة تعبه، ورفع مرة لتبليغ مَنْ يأبى عنه وإسماع من بعد. وقد يكون خفض فى (¬1) أمره وشأنه، وهو أنه على الله كما قال: " هو أهون على الله من ذلك " (¬2) ليتبين حاله وعقبى دعواه وفضيحته، واضمحلال أمره [وما رفع] (¬3) من فتنتة وعظيم المحنة به، والتخويف من أمره، كما قال: " ما من نبى إلا وقد أنذر قومه ". وقوله: " غير الدجال أخوفنى عليكم ": كذا روايتنا فيه عن القاضى الشهير بنون آخره، وكذا هو فى كتاب القاضى التميمى والجيانى وغيره من شيوخنا، وسمعنا على أبى بحر: " أخوفى " بغير نون، وكذا فى غير مسلم، فقد رويناه: " أخوف لى " (¬4) وقرأته على الحافظ أبى الحسين بن سراج بن عبد الملك فى كتاب قاسم بن ثابت فى حديث عبد الله بن حوالة: " أخوفنى " بالنون. قال ثابت: فيه لغه أخرى: " وأخوفى " بغير نون، ومعناهما: أخوف منى، لغة مسموعة فى ذلك، وأنشد ثابت عليها. نحن بغرس الوادى أعلمنا ... منا بركض الجياد فى السلف وأنشد فى اللغة الأخرى: لنافعى أحوجى منكم لتعليمى ¬

_ (¬1) فى ح: من. (¬2) حديث رقم (114) من هذا الكتاب. (¬3) فى ح: وما وقع. (¬4) الترمذى، ك الفتن، ب ما جاء فى فتنة الدجال 4/ 242 (2240).

وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحتهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ. ثُمَّ يَأتِى الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بأَيْديِهِمْ شىْء مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَيَمُرُّ بِالْخرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِى كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْل، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد (¬1) يعقوب: بخرس أفقر (¬2) منكم لتعليمى (¬3) قال أبو مروان بن سراج: أفعل المستودع معنى المفاضلة الذى لابد أن يذكر معه من لفظ: " اختصر " ووضع موضع لفظ " استكبر " (¬4)، صنعته العرب لحبها الاختصار ووضعت " أعلمنى " موضع " علمى " بكذا، يزيد على علمى بكذا، فلما تضمن معنى المصدر ووضع موضعه أظهر معه الضمير الذى يظهر مع المصدر. وتقدم تفسير " قطط " و" طافئة ". وقوله: " إنه خارج حُلّة [بين] (¬5) الشام والعراق ": كذا رويناه: " حَلّة " بفتح الحاء واللام مشددة والتاء المفتوحة من طريق السمرقندى والشنتجالى عن السجزى قيل: معنى ذلك: أى قبالة وسمت، وفى كتاب العين: والحلة موضع حزن وصخور، وسقطت هذه الكلمة من رواية العذرى، ورواه بعضهم عن ابن الحذاء " حُله " بضم الحاء، وهاء الضمير أى نزوله وحلوله وكذا قيده فى كتاب التميمى، وعلى هذا اللفظ ذكره ابن أبى نصر الحميدى فى كتابه، وروى الهروى فى غريبه هذا الحرف خلة بالحاء معجمة مفتوحة، وتشديد اللام - وفسره بأنه ما بين البلدين. وقوله: " فعاث يميناً وعاث شمالاً " بعين مهملة وثاء مثلثة فعل ماض. العيث: الفساد والإسراع فيه. يقال: عاث يعيث، ووقع فى كتاب التميمى أيضاً عن الجيانى: " فعاث يميناً، وعاث شمالاً " بكسر الثاء منونة اسم فاعل، وهو بمعناه يقال فيه أيضاً: عثى يعثى عثياناً. وقوله: " يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم جمعة (¬6) ": ما جاء بعد يفسر أنّه على ظاهره غير متأول. وقولهم: أتكفينا فيه صلاة يوم قال: " لا، أقدر له قدره ": هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع، ولولا ذلك ووكلنا فيه إلى اجتهادنا لكانت الصلاة فيه ¬

_ (¬1) فى الرسالة وح. وأنشده. (¬2) فى ز: أفقرى. (¬3) فى ح: لتعليم. (¬4) فى ح: استكثر. (¬5) من ح. (¬6) فى ح: كجمعة.

مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ الله الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّر مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤ. فَلاَ يَحِلُّ لِكافِر يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ، فَيَطْلَبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتلُهُ. ثُمَّ يَأتِى عِيسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الأوقات المعروفة فى غيره من الأيام. وقوله: " فتروح عليهم سارحتهم "، قال الإمام: السارحة هى الماشية، التى تسرح بالغداة إلى مراعيها. قال خالد بن جنبة: السارحة: الإبل والغنم، والسرح والسارحة واحد. قال القاضى: قال صاحب العين: السرح: ما يغدى به ويراح من السائمة. وقوله: " أطول ما كانت ذرى ": أى أعالى أسنمه. وقوله: " وأسبغه ضروعاً ". أى أطوله لكثرة اللبن. وقوله: " وأمده خواصر ": أى لكثرة امتلائها من الشبع. وقوله: " فيصبحون ممحلين ": أى أصابهم المحل. وقوله: " فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل "، قال الإمام: هى فحول النحل. وفى الحديث: " ضرب يعسوب الدين بذنبه " [كذا] (¬1) رئيس الدين، وسيد الدين [هاهنا الجماعات. ولم يرد أمير النحل] (¬2) ومعناه: فارق أهل الفتنة. وفى حديث آخر: " هذا يعسوب قريش " أى سيدها. قال القاضى: الذى ذكره، هو قول لابن قتيبة، وبعض أهل اللغة أن اليعسوب أمير النحل [خاصة] (¬3) ولا ذكورها، لكنه كنى بذلك عن الجماعة؛ لأن أميرها متى طار تبعته جماعة. وتقدم الكلام على قوله: " أسبغه ضروعاً، وأمده خواصر "، ومعنى " أسبغه ": أى أكمل [وأعظم] (¬4) لكثرة لبنها، وكذلك: " أمده خواصر " لكثرة شبعها. وقوله: " فقطعه جزلتين " بفتح الجيم، أى قطعتين. وحكاه ابن دريد بكسر الجيم. وقوله: " رمية الغرض ": قيل: يجعل بين الجزلتين بمقدار رمية الغرض (¬5). وعندى أن رمية الغرض هنا بمعنى التقديم على قوله: " يقطعه جزلتين " وبعد قوله: " فيضربه بالسيف " أى كأنه قال: فيضربه بالسيف ليقسمه فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين، فاختصر ¬

_ (¬1) فى ح: أراد. (¬2) سقط من ح. (¬3) فى ح: المراد. (¬4) من ح. (¬5) فى ح: غرض.

ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ الله مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وجُوهِهِمْ، وَيْحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِى الْجَنَّةِ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أَوْحَى الله إِلَى عِيسَى: إِنِّى قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِى، لاَيَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِى إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ الله يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام واكتفى بقوله: " رمية الغرض " لدلالتها على ذلك. وقوله: " بين مهرودتين "، قال الإمام: أى فى شقتين أو فى حلتين. وقال شمر: قال بعض العرب: إن الثوب يصنع بالورس ثم بالزعفران فيجىء لونه مثل لون الحوذانة (¬1)، فذلك الثوب المهرود. قال القتبى: هو عندى خطأ من النقلة، وأراه: " مهروّتين "، يقال: هريت العمامة: إذا لبستها صفراء وكأنّ فعلتُ منه: هروت. وقد روى هذا الحرف: " مهرودتين " بالدال وبالذال. " مهرودتين " بالدال يعنى المهملة مأخوذ من الهرد. والهرد الشق، وكأن المعنى بين شقتين، والشقة نصف الملاءة. قال أبو بكر: قول من قال: إن صوابه مهروتين فيه خطأ، لأن العرب لا تقول: هروت الثوب، لكن هريت. ولا يقال: أيضاً: هربت إلا فى العمامة [وحدها] (¬2)، فليس له أن يقيس الشقة على العمامة؛ لأن اللغة رواية. وقوله: الهرد: هو الشق، خطأ؛ لأن العرب لا تسمى الشق للإصلاح (¬3) هرداً بل يسمون الإحراق والفساد هردًا. قال ابن السكيت: هرد القصّار الثوب وهرته: إذا (¬4) أحرقه، وهرد فلان عرض أخيه وهرته. وهذا يدل على الإفساد والقول فى الحديث عندنا: " بين مهرودتين " الدال والذال، أى بين ممصرتين، كما (¬5) جاء فى الحديث (¬6): كما لم يسمع الصير [الصحناة] (¬7)، وكذلك التقاء الحرف إلى غير ذلك مما لم يسمع إلا فى الحديث. والممصرة من الثياب: هى التى فيها صفرة خفيفة. قال القاضى: ذكر أبو عمرو المطرز فى يواقيته: ئوب مهرد: إذا كان مصبوغاً بالصبب، وهو ماء ورق السمسم، وثوب مهرد: إذا كان كلون المشمش، ويقال: الهردى. قال بعضهم: ولا أحقه الثوب المهرود الذى يصبغ بالمعروف، والعروق يقال لها: الهرد. قال القاضى: الذى قاله صاحب الجمهرة وقد رأيت مثله لأبى العلاء المقرى قال: هرد ثوبه، وقاله ابن دريد إذا صبغه بالهرد، وهو صبغ يسمى العروق. وقال الجيانى: هى الكركم، ولم يذكر هذا أبو حنيفة فى كتاب النبات. وقوله: " إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ " مثل الحديث الذى ¬

_ (¬1) فى ز: الجودانة. (¬2) فى ح: خاصة. (¬3) فى ح: الإصلاح. (¬4) فى ز: أو. (¬5) فى ح: على. (¬6) انظر: أبو داود، ك الملاحم، ب خروج الدجال عن أبى هريرة (4324). (¬7) انظر. غريب الحديث للهروى 2/ 42، ابن الأثير فى النهاية 4/ 66.

حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ، مَرَّةً، مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِىُّ الله عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رأسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةٍ دِينَارٍ لأَحَدكُمُ الْيَوْمَ. فَيَرْغَبُ نَبِىُّ الله عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ الله عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِى رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ فى أول الكتاب (¬1): " يقطر رأسه ماء كأنما خرج من ديماس ". وقوله: " جمان كاللؤلؤ ": الجمان: حبوب فضة صبغت على مثال اللؤلؤ. قال ابن دريد: وقد تسمى اللؤلؤ جماناً، فسمى هاهنا ما يقطر من الماء جماناً لشبهه بها، وشبهه باللؤلؤ. وقوله: " فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه " بكسر الحاء وبفتح فاء " نفسه ". معنى قوله: " لا يحل " قيل: لا يمكن، ومعناه عندى: واجب وحق، كما قال تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} الآية (¬2) [أى] (¬3) حق واجب. ووقع فى بعض الروايات عن ابن الحذاء: " فلا يحل لكافر يجد نفس ريحه وله وجه "، ولعله أبين. وأما من رواه: " يحل " بالضم فليس بشىء، إلا أن يكون بعده: " بكافر " فيكون له وجه. [وقوله: " فمسح (¬4) عن وجوههم " معناه - والله أعلم - إما على ظاهره على طريق التنزل والتبرك، أو إشارة عن كشف ما نزل بهم من الخوف. وقوله: " مثلكم حتى يدركه بباب لدّ (¬5) فيقتله " بضم اللام، قال ابن دريد: له موضع، وذكر هذا الحرف. وقال غيره: هذا جبل وفى كتب بنى إسرائيل أنه يقتله بجبل الزيتون كما قدمناه، (¬6). وقوله: أو " [لا يريدان] (¬7) لأحد بقتالهم " أى لا قدرة. وقوله: " فحرز عبادى إلى الطور ": كذا روايتنا فيه عن عامتهم بالراء أولاً، وعند بعضهم: " فحوز "، وصوبه بعضهم ورآه (¬8) وجه الكلام، ومعناهما عندى متقارب، وإن جوز فالواو بمعنى: نج عبادى إلى [الطور] (¬9)؛ ليمتنعوا فيه من يأحوج [ومأجوج] (¬10) ¬

_ (¬1) أى أول كتاب الصحيح، فى كتاب الإيمان، وقد جمع - رحمه الله - بين حديثين منفصلين؛ لأن قوله: " يقطر رأسه ماء فى حديث رقم (274) برواية محمد بن إسحاق المسيّبى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، وهذأ فى باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، وقوله: " كأنما خرج من ديماس " فى حديث رقم (272) برواية محمد بن رافع وعبد بن حميد عن أبى هريرة - رضى الله عنه - وهو آخر أحاديث الإسراء، وليس فيه: " يقطر رأسه ماء "، بل فيه: " ولقيت عيسى، فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس ". (¬2) الأنبياء: 95. (¬3) فى هامش ح. (¬4) فى ح: فيمسح، وكذا فى الحديث. (¬5) بلدة قريبة من بيت المقدس. (¬6) سقط من ح. (¬7) فى ح: يدان، وكذلك فى الحديث. (¬8) فى ح: ورواه. (¬9) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬10) ساقطة من ح، واستدركت بهامشها.

ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِىُّ الله عِيسَى وَأَصْحَاُبهُ إلَى الأَرْضِ، فَلاَ يجدُونَ فِى الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِىُّ الله عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الله. فَيُرْسِلُ الله طَيْرًا كأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ الله. ثُمَّ يُرْسِلُ الله مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَر وَلاَ وَبَرِ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ للأَرْضِ: أَنْبِتى ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّى بَرَكَتَكِ. فَيَوْمَئِذٍ تَأكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظَلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِى الرِّسْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأزلهم عن طريقهم. وجرد بالراء بمعنى: اجعل الطور موضع حذرهم منهم وجهة امتناعهم. ورواه بعضهم: " حدّر " بالدال، ومعناه: أنزلهم إلى جهته أو ردّهم واصرفهم إليه. قال ابن عرفة أصعد فى الأرض: ذهب مبتدئًا، ولا يقال فى الرجوع: انحدر. وقوله: " حتى يكون رأس الثور لاحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم ": لعله لما ينالهم من المسبغة والحاجة إلى ما يأكلون أو ما يحرثون به، لشدة حرصهم - والله أعلم. وقوله: " فيرسل الله عليهم النغف (¬1) " هو بفتح النون والغين المعجمة، قال الإمام: هى دود فى أنوف الإبل والغنم، واحدتها نغفة (¬2)، ومنه يقال للرجل المحتقر: إنما أنت نغفة. وقوله: " فيصبحون فرسى " هو مقصور، أى قبلى، واحدهم فريس، من فريس (¬3) الذئب الشاة: إذا قبلها. وقوله: " فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ": هى الأرض التى لا نبات فيها، والصعيد الزلق: الذى تزل عنه الأقدام. قال القاضى: روينا هذا الحرف عن الأسدى بالفاء والقاف معاً، وفتح اللام وسكونها معاً، ولم يضبطه عن الصدفى إلا بالقاف وحده، والوجوه التى رويناها عن الأسدى كلها صحيحة، ذكرها أبو زيد الأنصارى قال: يقال للمرآة: زلفة، وزلفة. وحكى ابن الأعرابى عن ابن عباس فى تفسير قوله: " كأنها زلفة " أى مرآة. وحكى ثعلب مثله عن أبى زيد، وقال غيره: الزلف: المصانع. قال أبو عبيد: والزلف: الأجاجيز الخضر. قال ابن دريد وربما سميت المصانع إذا امتلأت زلفاً، ورأيت فى بعض حواشى شيوخى: الزلفة: المحارة. وقوله: " فيومئذ تأكل العصابة " كذا رواية الجميع وعند ابن سعيد: " فيوشك " بدل: " فيومئذ ". وقوله: " ويستظلون بقحفها ": أى بمعقد قشرها يعنى الرمانة، والقحف أعلى ¬

_ (¬1) فى ز. النغب. (¬2) فى ز: نغبة. (¬3) فى ح: فرس.

حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتكْفِى الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَر لَتكْفِى الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنمِ لَتَكْفِى الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ. فَبَيْنمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِم، وَيبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ". 111 - (...) حدّثنا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِى حَدِيثِ الآخَرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِر، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ، مَرَّةً، مَاءٌ ": " ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ، وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَيَقُولُونَ: لَقدْ قَتَلْنَا مَنْ فِى الأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِى السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوَبةً دَمًا ". وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: " فَإِنِّى قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِى، لاَ يَدَىْ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمجمة، شبههم به. والرِّسل، بكسر الراء: اللبن، وقد تقدم، واللقحة، بكسر اللام: التى تحبلت من الإبل، وجاءت هاهنا فى البقر أيضاً والغنم، وقد جاءت فى القرآن فى الرياح. قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} (1)، أى تحمل الندى ثم تمجه فى السحاب، وكله بمعنى الأول. وقوله: " يكفى الفيام من الناس " بكسر الفاء بعدها ياء باثنتين تحتها، أى الجماعة. وبعضهم لا يجيز إلا الهمز، وبعضهم ينكر فيه الهمز. وقوله: " يكفى الفخذ من الناس ": هى جماعة القوم من نسب، وهى دون البطن. قال ابن فارس: لا يقال فى هذا إلا بسكون الخاء خلاف الجارحة، فتلك يقال فيها: " فخذ " بكسر الخاء وسكونها وبكسر الفاء أيضاً، قاله الخليل. و" جبل الخمر " بفتح الجيم، وهو جبل بيت المقدس. والخمر: الشجر الملتف الذى يستتر به من فيه.

(21) باب فى صفة الدجال، وتحريم المدينة عليه وقتله المؤمن وإحيائه

(21) باب فى صفة الدجال، وتحريم المدينة عليه وقتله المؤمن وإحيائه 112 - (2938) حدّثنى عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالحَسَنُ الْحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْد، وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، وَالسِّيَاقُ لِعَبْدٍ - قَالَ: حَدَّثَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْد - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ الله ابْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيد الْخُدْرِىَّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَدِيثًا طَويلاً عَنِ الدَّجَّالِ. فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ: " يَأتِى، وَهُو مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، فَيَنْتَهِى إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِى تَلِى الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ. فَيَقُولُ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِى حَدَّثَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، أَتَشُكُّونَ فِى الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " علم على أنقاب المدينة ": طرفها وفجاجها. قال الإمام: قال القنازعى: قال الأخفش: أنقاب المدينة: طرقها وفجاجها. قال القاضى: قال صاحب العين: النَّقْب والنَّقَب: الطريق فى رأس الجبل. والنقب فى الحائط وغيره نقب يخلص منه إلى ما وراءه، وهذا أشبه من الأول بأن الظاهر من أبوابها وفوهات طرقها التى يدخل إليها منها، ويعضده قوله فى البخارى: " لها سبعة أبواب، على كل باب ملكان " (¬1). وروايتنا فيه فى حديث عمرو الناقد والحلوانى: " نقاب " بغير ألف، جمع نقب أيضاً. وقوله: " أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكّون فى الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه ". قال الإمام: إظهار المعجزة على يدى الكذاب لا تصح، فيقال: لم ظهرت على يدى الدجال وهو كذاب؟ فيقال: لأنه يدعى الربوبية، وأدلة الحدوث تحيل ما ادعاه وتكذبه، والنبى يدّعى النبوة وهى غير مستحيلة فى البشر، وأتى بالدليل الذى لم يعارضه شىء فصدق. وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة فى كتابنا المترجم بقطع لسان النابح. قال القاضى: قد تقدم قبل بيان فى هذا. وقول مَنْ قال للدجال حين قال له: ¬

_ (¬1) البخارى، ك الحج، ب لا يدخل الدجال المدينة 3/ 28.

لا. قَالَ: فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ. فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَالله، مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّى الآنَ. قَالَ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ". قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ. (...) وحدّثنى عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَان، شُعِيَبْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، فِى هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 113 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ قُهْزَاذَ - مِنْ أَهْلِ مَرْوَ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِى الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ - مَسَالِحُ الدَّجَّالِ. فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِى خَرَجَ. قَالَ: فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بِربِّنَا؟ فَيَقُولُ: مَا بِربِّنَا خَفَاءُ فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ. فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِى ذَكَرَ رَسُوَلُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَيَأمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ. فَيَقُولُ: خُذُوهُ وَشُجُّوهُ. فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا. قَالَ: فَيَقُولُ: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بِى؟ قَالَ: فَيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أتشكون فقالوا: لا، مع أن إظهار ما أظهر لا تقوم له به حجة عند عاقل فى كونه إلهًا؛ لظهور النقص ودلائل الحدث، وتشويه الصورة، وشهادة التكذيب عليه، ولكن لعلهم قالوا ذلك تقية - كما قدمنا - وخوفًا منه، أو دافعوا الأمر وظنوا أن الله لا يقدره على هذا ولا يفعله له ولا (¬1) يقدره [بأمر حين أراد قتله بعد، كما لم يقدره] (¬2) عليه ثانية حين أراد قتله بعد، كما جاء فى الحديث، ويكون قولهم: لا. أى لا شك فيك، بل نوقن بكذبك، فإن المؤمنين ما يشكو فيه، ومن شك فيه كفر كمن أقرّ بربوبيته. وغالطوه بقولهم: لا، مدافعة، ولاحتمالها، أو يكون مجاوبة بـ " لا " من فى قلبه مرض ومن اتبعك (¬3) من اليهود والكفار. وجاء فى آخر هذا الحديث من رواية السمرقندى: قال أبو إسحاق يعنى ابن سفيان. يقال: إنّ الرجل هو الخضر - عليه السلام. وكذا قال معمر فى جامعه بإثر هذا الحديث. والمسالح: القوم يستعد بهم فى المراصد ويرتبون لذلك، وسموا بذلك لحمل السلاح. ¬

_ (¬1) فى ح: كما لم. (¬2) سقط من ح. (¬3) فى ح: اتبعه.

قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُؤْشَرُ بِالمِئْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ يَمْشِى الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ. ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ. فيَسْتَوِى قَائمًا. قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِى؟ فَيَقُولُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلاَّ بَصِيرَةً. قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لاَ يَفْعَلُ بَعْدِى بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: فَيَأخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَلَ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا، فَلاَ يَسْتَطِيعُ إِليْهِ سَبِيلاً. قَالَ: فَيَأخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَمَا أُلْقِىَ فِى الْجَنَّةِ ". فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه وأشجوه " (¬1): كذا رويناه من طريق العذرى والشنتجالى، وغيرهم بالشين المعجمة بعدها باء بواحدة وحاء مهملة، ومعناه: مدوه. زاد بعضهم: على بطنه. والشبح: مد الشىء بين أوتاد ليجف، وشبحت الرجل: إذا مددته كالمصلوب، وشبح المضروب: مده. رويناه عن السمرقندى وابن ماهان: " فيشجوه فيشج " بحذف الباء وبالجيم من الشج، وهو الجرح فى الرأس. والأول أصح، ويدل عليه ما جاء بعده من ضربه. وقوله: " فيؤمر به فيؤشر بالمنشار ": كذا هو هنا " يؤشر " بالواو " بالمئشار " بالهمز وهو صحيح، ويقال بالنون منها أيضاً. وقد جاء بعد هذا فى الحديث الآخر بالنون من رواية السمرقندى. والترقوة، بفتح التاء وضم القاف وتخفيف الواو وفتحها: العظم الذى بين ثغرة النجر والعاتق. ¬

_ (¬1) فى الحديث رقم (113) من هذا الكتاب: وشجوه.

(22) باب فى الدجال وهو أهون على الله عز وجل

(22) باب فى الدجال وهو أهون على الله عز وجل 114 - (2939) حدّثنا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِىُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِد، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ. قَالَ: " وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لاَ يَضُرُّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالأَنْهَارَ. قَالَ: " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ ذَلِكَ ". 115 - (...) حدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَن قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ. قَالَ: " وَمَا سُؤَالُكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ ولَحْمٍ، وَنَهَرٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ: " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ ذَلِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وما ينصبك منه ": أى ما يتعبك من أمره فيشغلك من خوفه. قال ابن دريد: يقال: أنصبه المرض ونصبه وأنصبه أعلى. قال: وهو تغير الحال من مرض أو تعب. وقوله: فى هذا الحديث قلت: إنهم يقولون: إن معه الطعام والأنهار، قال: هو أهون على الله من ذلك، أى من أن يجعل ما يخلقه على يده مضلاً للمؤمنين ومشككاً لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيماناً وليرتاب الذين فى قلوبهم مرض والكافرون، كما قال له الذى قتله ثم أحياه: " ما كنت قط فيك أشد بصيرة منى الآن " لا أن قوله: " هو أهون على الله من ذلك " أى أنه ليس شىء من ذلك معه، بل أن يجعل ذلك آية على صدقه، فكيف وقد جعل الآية على كذبه وكفره ظاهرة بقراءة (¬1) من لا يقرأ زيادة على شواهد كذبه من صدقه ونقصه. قال القاضى: ونزول عيسى المسيح وقتله الدجال حق صحيح عند أهل السنة؛ لصحيح الآثار الواردة فى ذلك؛ ولأنه لم يرد ما يبطله ويضعفه، خلافاً لبعض المعتزلة والجهمية، ومن رأى رأيهم من إنكار ذلك، وزعمهم أن قول الله تعالى عن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (¬2)، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نبى بعدى " (¬3) وإجماع المسلمين على ذلك وعلى أن شريعة ¬

_ (¬1) فى ح: يقرؤها. (¬2) الأحزاب: 40. (¬3) سبق فى ك الفضائل، ب فضائل على، حديث رقم (30).

(...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْر، قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدَ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بَنْ حُمَيْدٍ. وَزَادَ فِى حَدِيثِ يَزِيدَ: فَقَالَ لِى: " أَىْ بُنَىَّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسلام باقية غير منسوخة إلى يوم القيامة - يرد هذه الأحاديث. وليس كما زعموه؛ فإنه لم يرد فى هذه الأحاديث أنه يأتى بنسخ شريعة ولا تجديد أمر نبوة ورسالة، بل جاءت بأنه حكم مقسط، يجىء بما يجدد ما تغير من الإسلام، وبصلاح الأمور والعدل، وكسر الصليب، وقتل الخنزير، أن إمام المسلمين منهم كما قال - عليه السلام. وأما قوله: " ويضع الجزية ": فليس معناه: أنه يسقطها عمن تجب عليه بخلاف شريعتنا، بل قيل: يسلم الكافر فلا يبقى مَنْ يعطى جزية، وقد يقال: إنه يقهر جميع الكفرة حتى لا يبقى له معاند ولا مقاتل، إلا مَنْ أسلم أو ألقى بيده، أو أعطى الجزية صاغرًا، ويكون وضع الجزية: أى يوظفها على كل من كفر، لا أنّه يسقطها.

(23) باب فى خروج الدجال، ومكثه فى الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه، وذهاب أهل الخير والإيمان، وبقاء شرار الناس وعبادتهم الأوثان، والنفخ فى الصور وبعث من فى القبور

(23) باب فى خروج الدجال، ومكثه فى الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه، وذهاب أهل الخير والإيمان، وبقاء شرار الناس وعبادتهم الأوثان، والنفخ فى الصور وبعث من فى القبور 116 - (2940) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو، وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِ ى تُحَدِّثُ بِهِ؟ تَقُولُ: إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَوْ لاَ إِلَهَ إِلاًّ الله، أَوْ كَلَمَةً نَحْوَهُما، لَقَدْ هَمَمْتُ ألا أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا، إِنَّمَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أمْرًا عَظِيمًا، يُحَرَّقُ الْبَيْتُ، وَيَكُون، وَيَكُونُ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِى أُمَّتِى فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لاَ أَدْرِى: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا - فَيَبْعَثُ الله عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ. ثمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ. ثُمَّ يُرْسِلُ الله رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأمِ، فَلاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخلَ فِى كَبَد جَبَلٍ لَدَخَلتْهُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَقْبِضَهُ ". قَالَ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " فَيبْقى شِرَارُ النَّاسِ فِى خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلاَمِ السِّبَاعِ، لاَ يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلاَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى حديث عبد الله بن عمرو: " يخرج الدجال فيمكث أربعين، لا أدرى أربعين يومًا أو شهرًا أو عاماً " قد تقدم فى الحديث قبله (¬1) بيانه " أربعين يومًا "، ورفع شك عبد الله بن عمرو كذلك فى حديث الجساسة: " أربعين ليلة ". وقوله: " فى كبد جبل ": فى وسطه وداخله. وكبد كل شىء: وسطه. وقوله: " ويبقى شرار الخلق فى خفة الطير وأحلام السباع ": أى فى مسارعتهم وخفتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات كطيران الطير، وفى الإفساد والعدوان وظلم بعض لبعض فى خلق السباع العادية. ¬

_ (¬1) حديث رقم (110) من هذا الكتاب.

يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: أَلاَ تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأمُرُنَا؟ فَيأمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الأوْثَانِ. وَهُمْ فِى ذَلِكَ دَارٌ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشَهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ، فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى لِيتًا وَرفَع لِيتًا. قَالَ: وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ. قَالَ: فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ، ثُمَّ يُرْسِلُ الله - أَوْ قَالَ: يُنْزِلُ الله - مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ - نُعْمَانُ الشَّاكُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظرُونَ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} (¬1). قَال: ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ. فَيُقَالُ: مِنْ كَمْ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وتِسْعِينَ. قَالَ: فَذَاكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شيبًا. وَذَلِكَ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} (¬2). 117 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَعْقُوَب بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: إنَّكَ تَقُولُ: إنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إلى كَذَا وَكَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا "، قال الإمام: يصغى ليتًا: يميل، يقال: صغا يَصْغَى، وصَغِى يَصْغَى، ويقال: صغاك معك (¬3) وصَغْوك معه أى ميلك. قال القاضى: فى هذا الحديث: " أصغى " وهو صحيح فى المعدى رباعى. قال صاحب العين: أصغيت إليه سمعى: أى أملته وصغا يصغو، أو يصغى صغوًا: إذا مال. وحكى غيره: صغيت أيضاً، وكذلك صغى إليه سمعى، وصغى بالفتح والكسر. وحكى الحربى (¬4): أصغيت إليه، لغة فى غير المعدى أيضاً. قال الإمام: والليت: صفحة العنق، وهو جانبه. وقوله: " يلوط حوض إبله ": أى يطيبه (¬5) ويصلحه. أصل اللوط: اللصوق. "والملتاط لا يورث " (¬6) أى اللاصق بالقوم فى النسب. قال صاحب الأفعال: لاط الحوض لَوْطًا ولَيْطًا: إذا أصلحه، والشىء بالشىء: ألصقه، وألاط الولد بأبيه نسبه إليه. وقوله: " كأنه الطل أو الظل "، قال القاضى: الأشبه أن يكون الأصح من هذين اللفظين اللذين شكّ فيهما الراوى " الطل " بالطاء المهملة، وقد وصفه فى الحديث الآخر " أنه كمنى الرجال ". ¬

_ (¬1) الصافات: 24. (¬2) القلم: 42. (¬3) فى ح: معه. (¬4) انظر: غريب الحديث 2/ 851. (¬5) فى ح. ليطينه. (¬6) أخرجه الخطابى فى مسنده عن على بن حسين. انظر: غريب الحديث 3/ 13.

فَقَالَ: لَقَدْ هُمَمْتُ ألا أحَدِّثَكُمْ بِشَىْءٍ. إنَّمَا قُلْتُ: إنَّكُمْ تَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أمْرًا عَظِيمًا. فَكَانَ حَرِيقَ البَيْتِ - قَالَ شُعْبَةُ: هَذَا أوْ نَحْوَهُ - قَالَ عَبْد الله بْنُ عَمْرٍو. قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِى أمَّتِى " وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ. وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: " فَلا يَبْقَى أحَدٌ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةِ مِنْ إيمَانٍ إَلا قَبَضَتْهُ ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِى شُعْبَةُ بِهَذَا الحَدِيثِ مَرَّاتٍ. وَعَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. 118 - (2941) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أبِى حَيَّانَ، عَنْ أبِى زُرْعَةَ، عَنْ عَبْد الله بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أنْسَهُ بَعْدُ. سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ أوَّلَ الآياتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأيُّهُمَا مَاَ كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِها، فَالأخْرَى عَلَى إثْرِهَا قَرِيبًا ". (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أبِى زُرْعَةَ، قَالَ: جَلَسَ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ بِالمَدِينَةِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنِ الآياتِ: أنَّ أوَّلَها خُرُوجًا الدَّجَّالُ. فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو: لَمْ يَقُلْ مَرْوَانُ شَيْئًا، قَدْ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أنْسَهُ بَعْدُ. سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. فَذَكَر بَمِثْلِهِ. (...) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الجهَضَمِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أبِى حَيَّانَ، عَنْ أبِى زُرْعَةَ، قَالَ: تَذَاكَرُوا السَّاعَةَ عِنْد مَرْوَانَ. فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِما. وَلَمْ يَذْكُرْ ضُحًى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فذلك {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} " (¬1) معناه: ومعنى ما فى كتاب الله عز وجل من ذلك - والله أعلم مراد نبيه [من] (¬2) هذا الحديث - وأن المراد به: شدة الأمر وصعوبة الحال، كما يقال: كشفت الحرب عن ساقها. قال الشاعر: قد جددت بكم الحرب فجدوا ... وشمرت عن ساقها فشدوا وأصله أن المجد فى الأمر شمر إزاره، ويرفعه عن ساقه. وهو هنا بين لأنه ذكر قبله أن " يخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون " (¬3). قال: فذلك يوم يجعل الولدان شيباً، وذلك {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}. ¬

_ (¬1) القلم: 42. (¬2) ساقطة من ز، والمثبت من ح. (¬3) فى ح: تسعين.

(24) باب قصة الجساسة

(24) باب قصة الجساسة 119 - (2942) حدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ - حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ جَدِّى، عَنِ الْحُسَيْنَ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُريْدَةَ، حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِىُّ، شَعْبُ هَمْدَانَ؛ أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ - فَقَالَ: حَدِّثِينِى حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاَ تُسْنِدِيهِ إِلَى أحَدٍ غَيْرِهِ. فَقَالَتْ: لَئِنْ شِئْتَ لأَفْعَلَنَّ. فَقَالَ لَهَا: أَجَلْ، حَدِّثِينِى. فَقَالَتْ: نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ - وَهْوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئذٍ - فَأُصِيبَ فِى أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فِى نَفَر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَطَبَنِى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْلاهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَحَبَّنِى فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ " فَلَمَّا كلمَنِى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث الجساسة وفى حديث فاطمة بنت قيس: " نكحت ابن المغيرة - وهو من خيار شباب قريش يومئذ - وأصيب فى أول الجهاد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما تأيمت " وذكرت حديثها، قال القاضى أبو الوليد الكنانى: المشهور فى أمر فاطمة مع زوجها هذا أن تأيمها منه بطلاق باتٍّ لا بموت. قال القاضى: ما قاله صحيح، وكذلك جاء بإثر هذا الحديث من الطريق الآخر، وكذلك جاء فى كتاب الطلاق (¬1) وفى الموطأ (¬2) وسائر المصنفات (¬3). ففهم أبو الوليد أن هذا مخالف له، ولعل قولها: " أصيب فى أول الجهاد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنما أرادت به عد فضائله وذكر مناقبه كما ابتدئت بالثناء عليه وهو قولها: " [وهو] (¬4) من خيار شباب قريش "، ثم ذكرت خبر تأيمها منه. وإذا كان هذا لم يكن فيه معارضة مع الأخبار الأخر. ¬

_ (¬1) ب المطلقة ثلاثاً، الأحاديث (36 - 54). (¬2) ك الطلاق، ب ما جاء فى نفقة المطلقة برقم (67). (¬3) انظر. البخارى، ك الطلاق، ب قصة فاطمة بنت قيس 7/ 74. (¬4) ساقطة من ح.

قُلْتُ: أَمْرِى بِيَدِكَ، فَأَنْكِحْنِى مَنْ شِئْتَ. فَقَالَ: " انْتَقِلِى إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ " وأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، عَظِيَمةُ النَّفَقَةِ فِى سَبِيلِ الله، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ. فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ. فَقَالَ: " لاَ تَفْعلِى، إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ، فَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشَفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ، فَيَرَىَ الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ، وَلَكِنِ انْتَقِلِى إِلَى ابْنِ عَمَّكِ، عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ " وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى فِهْرٍ، فِهْر قُرَيْشٍ، وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِى هِىَ مِنْهُ. فَانْتَقَلْتُ إِلَيْه. فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِى سَمِعْتُ نِدَاء الْمُنَادِى - مُنَادِى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَادِى: الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاء الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ. فَلَمَّا قضَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَتَهُ، جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَالَ: " لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ ". ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرُونَ لِمَ جمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " إِنِّى، وَالله، مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَة وَلاَ لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ، لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِىَّ، كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلف فى وقت وفاته، فقيل: مع على بن أبى طالب باليمن إثر طلاقها، ذكر ذلك أبو عمر (¬1)، وقيل: بل عاش إلى أيام عمر، وذكرت له معه قصة فى شأن خالد بن الوليد، ذكر ذلك البخارى فى التاريخ (¬2). ولعل قولها: " أصيب مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول الجهاد " بعين القتل إما بجرح أو بشىء الله أعلم بمراده به. وقد مرّ فى الطلاق الاختلاف فى وقت طلاقه لها وصفته والكلام على ما اشتمل عليه حديثها مما اختص به هناك بحمد الله، ومما فى حديثها أيضاً مما لم يتقدم الكلام عليه ويستدرك. قوله عن أم شريك: " أنها من الأنصار " قال أبو الوليد: إنما هى قرشية من بنى عامر بن لؤى اسمها غزيَّة، وكُنِيت بابنها شريك. قال أبو عمر: يقال: اسمها غزيلة. قال: وقد قيل: أم شريك الأنصارية، وأنّ النبى تزوجها، ولا يصح لكثرة الاضطراب فى ذلك. وقال غيرهما: الأشبه أنهما اثنتان. وقد ذكر أبو عمر فى التمهيد فى هذا الحديث: اعتدى عند أم شريك الأنصارية ابنة العكر فانظره. ومما استدرك فيه قوله: " انتقلى إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم " وهو رجل من بنى فهر، فهر قريش، وهو من البطن الذى هى منه. والمعروف خلاف هذا، ¬

_ (¬1) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 4/ 1719 بترجمة رقم (3104). (¬2) انظر: التاريخ الصغير 2/ 57.

(...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ فِى رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىُّ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ، حَدَّثَنَا عَمَّار - وَهُوَ ابْنُ رُزَيْقٍ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِى سَلَمَةُ ابْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْينَ، حَدَّثَنَا زهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيبة وألوان الطعام الحسنة وأكلها، واستعمال ما أخرج الله لعباده وأحله لهم والطيبات من الرزق. وفيه وفى حديث أبى طلحة، وجابر، وأبى الهيثم بن التيهان: ما كان - عليه السلام - فيه من شظف العيش، وما اختار لنفسه من ذلك فى الدنيا، وما ابتلى به. وأما استئذانه الفارسى حين دعاه أن يأذن لعائشة فقال: لا، فيحتمل أنه إنما كان صنعه للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة لما رأى فى وجهه من الجوع، وقدر ما يكفيه، فرأى أن مواساة النبى فيه مما يضر به فى نفسه، وأراد إفراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به ليقع منه بموقع ويسد خلته، فأبى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مشاركة من حضره فى الكرامة، على ما كان عليه من الخلق الجميلة، وكانت عائشة مع خصوصيتها به حيث كانت. ولعله رأى من حاجتها مثل حاجته، فلما لم يأذن لها وقال: لا، قال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نفسه أيضاً: " لا " ممتنعاً من إجابة دعوته، وكراهة للاستئثار على من حضر بكرامته. ومثل هذا قول مالك فى الرجل يدعو الرجل يكرمه، قال: إذا أراد: فليبعث بذلك إليه بأكله مع أهله، فإنه قبيح بالرجل أن يذهب بكل الطيبات ويترك أهله.

فَإِنَّهُ إلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاق. قَالَ: لَما سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَة. قَالَ فَانْطَلقْنَا سِرَاعًا، حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بالْحَدِيدِ. قُلْنَا: وَيْلَكَ، مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِى، فَأَخْبرُونِى مَا أَنْتُمْ؟ قَاَلُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحَرَ حِينَ اغْتَلَمَ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفأنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجلَسْنا فِى أَقْرُبِهَا. فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقَيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ. فَقُلْنَا: وَيْلَكِ، مَاَ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتِ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا مِنْهَا، وَلَمْ نَأمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ مصنفه (¬1): " فقعدوا فى قوارب السفينة ". ثم الجلوس فى أدانى السفينة وأخرياتها لا تخرج إلى البر، وليس النزول من هناك فى البحر يسمى جلوسًا ولا قعودًا، فيبعد تأويل أبى الوليد فيه. وقد جاء بعد هذا فى الحديث الآخر: " أن السفينة انكسرت بهم، فخرج بعضهم على لوح من ألواح السفينة "، وقد يجمع بين الحديثين، ويجعل هذه الألواح التى خرجوا عليها هى الأقرب جمع قرب وهى الخاصرة، فتكون هذه الألواح ما وجد من جوانب السفينة وأواخرها التى هى لها كالخواصر، وربما سميت بها. وقوله: الجَسّاسة، بفتح الجيم وتشديد السين الأولى قيل: سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال. وقد روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن هذه الدابة هى دابة الأرض التى تخرج آخر الزمان تكلم الناس. وقوله: " أهلب كثير الشعر " وكذا جاء فى الحديث، وهو تفسير الأهلب. قال الخليل: الهلب: ما غلظ من الشعر. ورجل أهلب: إذا كان شعر ذراعيه غليظًا. وقوله: " فإنه إلى خبركم بالأشواق ": أى بحال شدة شوق. وقوله: " فرقنا ": أى فرغنا. وقوله: " فصادفنا البحر حين اغتلم "، قال الإمام: قال الكسائى: الاغتلام: أن يتجاوز الإنسان حد ما أمر به من الخير والمباح، ومنه قول عمر: " إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاكسروها بالماء " (¬2) معناه: إذا تجاوزت حدها الذى لا يسكر إلى حدها الذى يسكر. ¬

_ (¬1) ك الفتن، حديث رقم (19482) المجلد الأخير. (¬2) انظر: ابن أبى شيبة فى مصنفه، ك الأشربة، ب فى الرخصة للنبيذ وشربه حديث (3941).

أَخْبِرُونِى عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلنَا: عَنْ أَىِّ شَأنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: أَما إِنَّهُ يُوشِكُ ألاَّ تُثْمِرَ. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرةِ الطَّبَرِيَّةِ. قُلْنَا: عَنْ أَىِّ شَأنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ. قَالُوا: عَنْ أَىِّ شَأَنِهَا تَسْتَخْبرُ؟ قَالَ: هَلْ فَى الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائهَا. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَل؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ. قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّى. إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ، وَإنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ، فَأخْرُجُ فَأَسِيرُ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَع قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَاَنِ عَلَىَّ كلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، اسْتَقْبَلَنِى مَلكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِى عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ -: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: ليس يستقيم هذا التأويل على مذهب الحجازيين والكافة ممن لا يجيز شرب مسكر النبيذ. ولا يختلفون أنها إذا صار إلى أن يسكر أنّه حرام نجس، لا يحل شربه ولا معاناته. وهل يعانى ليجعل خلاً؟ تقدم الخلاف والكلام فيه فى كتاب الأشربة (¬1)، وإنما يتناول هذا أهل العراق ممن يرخص فيه ويتساهل فى مسكره. ومعنى تأويل الحديث: إذا ابتدأت فيه الشدة وخشى تراميها إلى حد السكران ترك كذلك حيناً، ومعلوم من مذهب عمر خلاف ما فسر. وقوله: " بيسان " (¬2) بباء واحدة مفتوحة بعدها ياء باثنتين أسفلها ساكنة. و" عين زُغر" بضم الزاى وفتح الغين. و" طيبة " بفتح الطاء، يقال أيضاً: طابة، سمى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك المدينة من الطيب وهو الزكاء والطهارة. وفى المصنف: الطيب والطاب أولاً فيها، أو لحسن العيش بها وطيبه، وقيل: لطهارة أرضها. وقوله: " بيده السيف صلتًا "، قال الإمام: أى مجردًا. قال ابن السكيت: فيه لغتان " صلتًا " بفتح الصاد، و" صلتًا " بضمها. ¬

_ (¬1) ب النهى عن الانتباذ فى المزفت والحنتم والنقير، برقم (65). (¬2) قال البغدادى: هى موضع معروف بأرض اليمامة. انظر: مراصد الاطلاع 1/ 241.

" هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ " يَعْنِى الْمَدِينَةَ " أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟ " فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. " فَإِنَّهُ أَعْجَبنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلا إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ. لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَا هُوَ. مِنْ قِبَلِ الْمَشرِقِ، مَا هُوَ. مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَا هُوَ " وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الْمَشْرِقِ. قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 120 - (...) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيْمىُّ أَبُو عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِىُّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبٍ يُقَالُ لَهُ رُطَبُ ابْنِ طَابٍ، وَأَسْقَتْنَا سَوِيقَ سُلْتٍ فَسَألتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ؟ قَالَتْ: طَلَّقَنِى بَعْلِى ثَلاَثًا، فَأذِنَ لِىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَعْتَدَّ فِى أَهْلِى. قَالَتْ: فَنُودِىَ فِى النَّاسِ: إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةً. قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ فِيمَنِ انْطَلَقَ مِنَ النَّاسِ. قَالَتْ: فَكُنْتُ فِى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ مِنَ النِّسَاءِ، وَهُوَ يَلِى الْمُؤَخَّرَ مِنَ الرِّجَالِ. قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فَقَالَ: " إِنَّ بَنى عَمّ لِتَمِيمٍ الدَّارِىِّ رَكِبُوا فِى الْبَحْرِ ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَزَادَ فِيهِ: قَالَتْ: فَكأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْوَى بِمِخْصَرَتِهِ إِلَى الأَرْضِ، وَقَالَ: " هَذِهِ طَيْبَةُ " يَعْنِى الْمَديِنَة. 121 - (...) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. قَالَ: سَمِعْتُ غَيْلاَنَ بْنَ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمِيمٌ الدَّارِىُّ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أً نَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَتَاهَتْ بِهِ سَفِينَتُهُ، فَسَقَطَ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَخَرَجَ إلَيْهَا يَلْتَمِسُ الْمَاءَ، فَلَقى إِنْسَانًا يَجُرُّ شَعرَهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ أُذِنَ لِى فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا، بل من قبل المشرق ما هو. من قبل المشرق ما هو " وأومأ بيده نحو المشرق، قال القاضى: ليس " ما " هنا للنفى لأنه إنما يريد إثبات كونه من جهة المشرق، و" ما " هنا زائدة لصلة الكلام. وقوله: " فتاهت به سفينته ": أى سارت على غير اهتداء ولا طريق. قال مسلم آخر حديث الجساسة: حدثنا أبو بكر بن إسحاق، حدثنا يحيى بن بكير. كذا لجميعهم. ووقع عند العذرى: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، وهو وهم. والصواب: ابن إسحاق، وهو أبو بكر محمد بن إسحاق الصنعانى.

الْخُرُوجِ، قَدْ وَطِئْتُ الْبلاَدَ كُلَّهَا، غَيْرَ طَيْبَةَ. فَأَخْرَجهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ فَحَدَّثَهُمْ قَالَ: " هَذِهِ طَيْبَةُ، وَذَاكَ الدَّجَّالُ ". 122 - (...) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحِزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاس، حَدَّثَنِى تَمِيمٌ الدَّارِىُّ: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ قَوْمِهِ كَانُوا فِى الْبَحْرِ، فِى سَفينَةٍ لَهُمْ، فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ، فَرَكِبَ بَعْضُهُمْ عَلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ، فَخَرَجُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ " وَسَاقَ الْحَدِيثَ. 123 - (2943) حدّثنى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِى أَبُو عَمْرٍو - يَعْنِى الأَوْزَاعِىَّ - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلاَّ سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلاَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ. وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلاَّ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا، فَيَنْزِلُ بِالسَّبَخَةِ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ". (...) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِى طَلحَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَيَأتِى سَبَخةَ الْجُرْفِ فَيَضْرِبُ روَاقَهُ. وَقَالَ: فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فيضرب رواقه " قال الحربى فى تفسيره: روق الإنسان: همه ونَفْسَه إذا ألقاه على الشىء حرصاً عليه. قيل: ألقى عليه أرواقه: أى ثقله. وقال ابن الأنبارى: يقال ألقى عليه أرواقه أى ثقله. وقال الهروى فى قوله: ضرب السلطان روقه: الروق والرواق هو ما بين يدى البيت. قال الأصمعى: رواق البيت سماوته، وهى الشقة التى دون العليا. وقال غيره: هو بيت كالفسطاط. وقوله: " ترجف المدينة ": أى يتحرك من فيها من الكفار والمنافقين بقدومه. يقال: رجف الشىء: إذا تحرك، وأرجف القوم: خاضوا فى الفتنة كأنهم يحركون غيرهم لها، وهذا كما قال آخر الحديث: " فيخرج إليه كل كافر ومنافق " إذ حرّم الله عليه دخولها، وأهلها المؤمنون معصومون من ذلك لقوله: " لا يدخلها رعب الدجال "، وقيل: إن هذه الرجفات إنما هى من أهل المدينة على مَنْ بها من المنافقين والكفار حتى يخرجوا، فرقا من المؤمنين بها إلى الدجال.

(25) باب فى بقية من أحاديث الدجال

(25) باب فى بقية من أحاديث الدجال 124 - (2944) حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أبِى مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنِ الأوْزَاعِىِّ، عَنْ إسْحَاقُ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ عَمِّهِ أنَسِ بْنِ مَالِك؛ أنَّ رَسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَتْبَعُ الدَّجَّالَ، مِنْ يَهُودِ أصْبَهَانَ سَبْعُونَ ألفًا، عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ ". 125 - (2945) حدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مَحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جَرَيْجٍ: حَدَّثَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِى أُمُّ شَرِيكٍ؛ أَنَّهَا سَمِعْتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ فِى الْجِبَالِ ". قَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ: يَا رَسُولَ الله، فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " هُمْ قَلِيلٌ ". (...) وحدّثناه مُحمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بَهَذَا الإِسْنَادِ. 126 - (2946) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزيزِ - يَعْنِى ابْنَ الْمُخْتَارِ - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ رَهْطٍ - مِنْهُمْ أَبُو الدَّهْمَاءِ وَأَبُو قَتَادَةَ - قَالُوا: كُنَّا نَمُرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، نَأَتِى عِمْرَانَ ابْنَ حُصَيْنٍ. فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنّكُمْ لَتُجَاوِزُونِى إِلَى رِجَالٍ، مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ لِرَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّى، وَلاَ أَعْلَمَ بِحَدِيثهِ مِنِّى. سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ ". 127 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّىُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ ثَلاَثَةِ رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِ، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالُوا: " كُنَّا نَمُرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَامَرٍ إِلَىَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " سبعون ألفاً من يهود أصبهان ": كذا لأكثرهم. وعند ابن ماهان: " تسعون ألفاً ". وأما " أصبهان " فكذا سمعناه بفتح الهمزة، وحكاه البكرى بكسرها لا غير. وقوله: " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال ": تفسيره الحديث الذى بعده وفيه: " أمر أكبر من الدجال " فهو كبر الشأن وعظم الفتنة، لا كبر الجسم، هذا الأظهر. وقد يحتمل أنه يشير إلى عظم الجسم.

الْعَزِيزِ بْنِ مُخْتَارٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ ". 128 - (2947) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ ". 129 - (...) حدّثنا أُميَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِىُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَة، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زيَادِ بْنِ رِيَاحِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَادِرُوا بِالأَعْمَال سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالَدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَاَمَّةِ، وَخُوَيْصةَ أَحَدِكُمْ ". (...) وحدّثناه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس " الحديث، وفى آخره: " أو خاصة أحدكم أو أمر العامة " كذا هى عندنا الستة كلها بـ " أو ". وعلى التقسيم فى حديث يحيى ابن أيوب، وفى حديث ابن بسطام بواو العطف. وقال: " خويصة أحدكم " تصغير خاصة، ومعنى ذلك: الموت، كذا فسره هشام الدستوائى. و" أمر العامة ": القيامة، كذا فسره قتادة، ذكره عنهما عبد بن حميد. وفى السند: أمية بن بسطام العيشى، بالعين مهملة وياء باثنتين تحتها والشين المعجمة، كذا وقع فى جمجع نسخ مسلم. قيل: صوابه: العايشى منسوب إلى بنى عايش من تيم الله بن عكاة، ولكن أبا نصر الحافظ وعبد الغنى وحفاظ المحدثين لم يقولوا فيه إلا العيشى، كما فى الأم، كما يقوله المحدثون. وقد يحتمل أنه على مذهب من قال من العرب فى عائشة: عيشة. قال [ابن حمزة] (¬1): وهى لغة قد جاءت فى الكلام الفصيح. وفيه: زياد بن رياح، كذا رويناه بكسر الراء وياء باثنتين، وكذا قاله غير واحد. وهو الذى ذكر عبد الغنى وحده. وقال ابن الجارود: يقال فيه: " رباح " بواحدة، وحكى البخارى (¬2) وغيره فيه الوجهين. وذكر بعد هذا فى كتاب الزهد: يزيد بن رباح أبو فراس، مولى عبد الله بن عمرو بن العاص، هو بواحدة لم يختلف فيه. ¬

_ (¬1) هكذا فى الأصل، وفى النووى، الأبى، ح: على بن حمزة. (¬2) التاريخ الكبير 3/ 353.

(26) باب فضل العبادة فى الهرج

(26) باب فضل العبادة فى الهرج (¬1) 130 - (2948) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِل بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، رَدَّهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّة، رَدَّهُ إِلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، رَدَّهُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْعِبَادَةُ فِى الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سيأتى التعليق عليه فى الباب التالى.

(27) باب قرب الساعة

(27) باب قرب الساعة 131 - (2949) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لاَ تَقْومُ السَّاعَةُ إِلاَّ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ ". 132 - (2950) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعْبدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللَّفْظ لَهُ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِى حَازِم؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلاً يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بإِصْبَعِهِ الَّتِى تَلِى الإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى، وَهُوَ يَقُولُ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ هَكَذَا ". 133 - (2951) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْن ". قَالَ شُعْبَةُ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِى قَصَصِهِ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى. فَلاَ أَدْرِى أَذَكَرَهُ عَنْ أَنَسٍ، أَوْ قَالَهُ قَتَادَةُ. 134 - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحارِثِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: " بعثت أنا والساعة كهاتين " وذكر أنّه أشار بالسبابة والوسطى، وفى الرواية الأخرى: " وقرن "، وفى الأخرى: " وضم " يعنى لتقارب إحداهما من الأخرى، إما فى المجاورة، وإمّا فى قدر ما بينهما من قرب لحاق السبابة بالوسطى. ويعضد هذا التأويل الآخر قوله فى الرواية الأخرى: " كفضل إحداهما على الأخرى ". وقد حاول بعض الناس أن نسبة ما بينهما كنسبة ما يذكر مما بقى من مدة الدنيا مما مضى فى أخبار لا تصح، لكن أبا داود خرّج تأخير هذه الأمة بنصف يوم وفسَّره بخمسمائة سنة (¬1) فيأتى من حساب أيام الجمعة نصف سبع، وهو قريب مما بين الأصبعين المذكورين. ¬

_ (¬1) انظر: سنن أبى داود، ك الملاحم، الحديث الأخير.

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ وَأَبا التَّيَّاحِ يُحَدِّثَانِ: أَنَّهُما سَمِعَا أَنَسًا يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بُعثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا " وَقَرَنَ شُعْبَةُ بَيْنَ إِصْبَعَيْه. الْمُسبِّحَةِ وَالْوُسْطَى، يَحْكِيهِ. (...) وحدّثنا عُبَيْدُ الله بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِهَذَا. (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَمْزَةَ - يَعْنِى الضَّبِّىَّ - وَأَبِى التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. 135 - (...) وحدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِىُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْبَدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ". قَالَ وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى. 136 - (2952) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: كَانَ الأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَقَالَ: " إِنْ يَعِشْ هَذَا، لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ، قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ ". 137 - (2953) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَس؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ وَعنْدَهُ غُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلاَمُ، فَعَسَى ألاّ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". 138 - (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ - حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلاَلٍ العَنَزِىُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث: " إن يعش هذا الغلام فعسى ألاّ يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " يفسره الحديث الذى قبله: كانت الأعراب إذا قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألونه عن الساعة، متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: " إن يعش هذا لم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم "، وهذا يدل أن المراد بساعتكم: موتكم، ويكون هذا مثل الحديث الآخر:

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَتَى تَقُومُ السَّاعُة؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَيْهَةً. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى غُلاَمٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ. فَقَالَ: " إِنْ عُمِّرَ هَذَا، لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: ذَاكَ الْغُلاَمُ مِنْ أَتْرَابِى يَوْمَئِذ. 139 - (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَرَّ غُلاَمٌ للْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِى. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يُؤَخَّرْ هَذَا، فَلَن يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّىَ تَقُومَ السَّاعَةُ ". 140 - (2954) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَحْلُبُ اللِّقْحَةَ، فَمَا يَصِلُ الإِنَاءُ إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُومَ. وَالرَّجُلاَنِ يَتَبايَعَانِ الثَّوْبَ، فَمَا يَتَبَايَعَانِهِ حَتَّى تَقُومَ. وَالرَّجُلُ يَلِطُ فِى حَوْضِهِ فَمَا يَصْدُرُ حَتَّى تَقُومَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ " أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة عام، لا يبقى ممن هو على وجه الأرض أحد " (¬1). وقوله: " العبادة فى الهرج كهجرة إلىّ " (¬2): أى فى احتدام الفتنة، واختلاط أمر الناس، فيحمل أنه فى آخر الزمان الذى أنذر به فى الحديث بقوله: " ويكثر الهرج " (¬3)، ويحتمل أنه عموماً فى كل وقت، وفضل الانعزال حينئذ لعبادة الله. قوله: " يحلب لقحته ": أى ناقته التى يحلب. وقوله: " يلط حوضه ": كذا عند الرواة، وكذا فى الموطأ (¬4) فى غير هذا الحديث. وعند القاضى الشهيد: " يليط "، وللهوزنى: " يلوط "، أى يصلحه ويرمه ويبنيه، ويلصق به الطين لإصلاحه؛ ولئلا ينشف ماؤه. قال الخليل: اللط الإلزاق. ويلوط: يصلحه ويطينه، وقد تقدم. ويليط: يلزق به الطين. لاط الشىء بالشىء: لصق. وألطه أنا: ألزقته، والمعانى متقاربة. وبهذا فسر شارحو الموطأ قوله: " إنْ كنتَ تلط حوضها " (¬5)، أى ترمه وتصلحه. وقيل: تبنيه وترفع جوانبه. ¬

_ (¬1) سبق فى ك فضائل الصحابة، ب لا تأتى مائة سنة، برقم (217). (¬2) حديث رقم (130) بالباب السابق. (¬3) حديث رقم (18) من هذا الكتاب. (¬4) و (¬5) ك صفة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقم (33).

(28) باب ما بين النفختين

(28) باب ما بين النفختين 141 - (2955) حدّثنا أَبُو كُريْب مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَيْنَ النَّفْخَتْينِ أَرْبَعُونَ " قَالُو ا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. " ثُمَّ يُنْزِلُ الله مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ ". قَالَ: " وَلَيْسَ مِنَ الإِنْسانِ شَىْءٌ إلاَّ يَبْلَى إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 142 - (...) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِى الْحزَامِىَّ - عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَن الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأَكُلُهُ التُّرَابُ إِلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ ". 143 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنْبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْها: وَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِى الإِنْسَانِ عَظْمًا لاَ تَأكُلُهُ الأَرْضُ أبَدًا، فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالُوا: أَىُّ عَظْمٍ هُوَ يَا رَسولَ الله؟ قَالَ: " عَجْبُ الذَّنَبِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إلا عجب الذنب " قال الإمام: هو العظم الذى فى أسفل الصلب، وهو العسيب. قال أبو مالك الأعرابى: هو رأس العصعص. قال القاضى: يقال: عجب وعجم. ومعنى قوله: " منه خلق ": قال الباجى: هو ما خلق من ابن آدم، وهو الذى يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه. قال: وقوله: " كل ابن آدم تأكله الأرض " [يريد: أنّ جميع الإنسان مما تأكله الأرض] (¬1)، وإنْ جاز ألاّ تأكل أجساماً كثيرة كالأنبياء وكثير من الشهداء، على ما روى فى الحديث (¬2). وعجب الذنب لا تأكله من أحد من الناس، وإن أكلت سائر جسدهم. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدرك فى هامش ح. (¬2) انظر: ابن ماجه، ك الجنائز، برقم (1636)، أحمد 4/ 8.

53 - كتاب الزهد والرقائق

بسم الله الرحمن الرحيم 53 - كتاب الزهد والرقائق 1 - (2956) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِى الدَّراوَرْدِىَّ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤَمِنِ وَجَنَّةُ الكَافِرِ ". 2 - (2957) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - عَنْ جَعْفَرٍ، عنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ العَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْىٍ أسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأخَذَ بِأُذُنِهِ. ثُمَّ قَالَ: " أيُّكُمْ يُحِبُّ أنَّ هَذاَ لَهُ بِدِرْهَم؟ " فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَىءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: " أتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكَمْ؟ " قَالُوا وَاللهِ، لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لأَنَّهُ أسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: " فَوَاللهِ، لَلدُّنْيَا أهوَنُ عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ". (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى العَنْزِىُّ وَإبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِىُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنيَانِ الثَّقَفِىَّ - عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِ الثَّقَفِىِّ: فَلَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ هَذَا السَّكَكُ بِهِ عَيْبًا. 3 - (2958) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ": معناه: أنّ المؤمن مدة بقائه فيها، وعلمه بما أُعد له فى الآخرة من النعيم الدائم والبشر، أنه عند موته وعرضه عليه، فحبسه عنه فى الحياة الدنيا، وتكليفه ما ألزمه، ومنعه مما حرّم عليه من شهواته كالمسجون المحبوس عن لذاته ومحابه، حتى إذا فاء فارقها واستراح من نصبها وأنكادها، خرج إلى ما أُعدّ له واتسعت آماله، وقضى ما شاء من شهواته. والكافر إنما له من ذلك ما فى الدنيا على قلته وتكديره بالشوائب، وتنكيده بالعوائق، حتى إذا فارق ذلك صار إلى سجن الجحيم، وعذاب النار، وشقاء الأبد. قوله: " والناس كنفيه ": أى ناحيته، ورواية الفارسى: " كنفتيه " بزيادة تاء. وقوله: " بجدى أسك "، قال الإمام: يعنى صغير الأذنين.

أبِيهِ، قَالَ: أتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (¬1). قَالَ: " يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِى. مَالِى " قَالَ: " وَهَلْ لَكَ يا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إلا مَا أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ، أوْ لَبِسْتَ فَأبْلَيْتَ، أوْ تَصَدَّقْتَ فَأمَضَيْتَ؟ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. وَقَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ ابْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أبِى، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إلى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هَمَّامٍ. 4 - (2959) حدّثنى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَقُولُ العَبْدُ: مَالِى، مَالِى. إنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاثٌ: مَا أكَلَ فأفْنَى، أوْ لَبِسَ فَأبْلَى، أوْ أعْطَى فاقتْنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ، وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَّ، أخْبَرَنا ابْنُ أبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أخْبَرَنِى العَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: أصل السكك: ضيق الصماخ. قال الهروى (¬2): والاستكاك: الصم. استكت أسماعهم: صموا. وقال ثابت: السك: صغر الأذن مع لصوقها وقلة إشرافها. وقوله: " أو أعطى فاقتنى ": كذا هو عند جماعتهم، وعند ابن ماهان: " فأقنى " وهو المعروف فى الحديث، ومعناه: أرضى. ويقال: أعطاه قنية من المال يقتنى، لقوله تعالى: {أَغْنَى وَأَقْنَى} (¬3) وأما، اقتنى " فيكون بمعنى ادخر لآخرته. قوله: " ما الفقر أخشى عليكم ": وجه الكلام فيه النصب مفعول بأخشى. قوله: " تنافسوها ": أى تحاسدوا لها. وقوله: " إذا فتحت عليكم فارس والروم، أى قوم أنتم؟ " (¬4) قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال بعضهم: لعله: " نكون كما أمرنا الله ". ¬

_ (¬1) التكاثر: 1. (¬2) انظر: غريب الحديث 4/ 160. (¬3) النجم: 48. (¬4) حديث رقم (7) بالباب.

5 - (2960) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِىُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبِى بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ. يَتْبَعُهُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ. فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ ". 6 - (2961) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ - يَعْنِى ابْنَ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِىَّ - أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنى يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ - وَهُوَ حَلِيفُ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ - أخْبَرَهُ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ إلى البحرين، يَأتِى بِجِزْيَتِهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ، وَأمَّرَ عَلَيْهِمُ العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمِىِّ. فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالَ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتْ الأنْصَارُ بِقُدُومِ أبِى عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلاةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رآهُمْ. ثُمَّ قَالَ: أظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَىْءٍ منَ البَحْرَيْنِ؟ " فَقَالُوا: أجَلْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فأَبْشِرُوا وَأمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ. فَوَاللهِ، مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّى أخْشَى عَلَيْكُمْ أنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُم كَمَا أهْلَكَتْهُمْ ". (...) حدَّثنا الحَسَنُ بْنُ عَلِى الحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أبِى عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارمِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ. بِإسْنَادِ يُونُسَ وَمِثْلِ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِ صَالِحٍ: " وَتُلهِيكُمْ كَمَا ألهَتْهُمْ ". 7 - (2962) حدّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّاد العَامِرىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ؛ أنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ، أنَّ يَزيدَ بْنَ رَبَاحٍ - هُوَ أَبُو فِرَاسٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ - حَدَّثَهُ عَنْ عبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، عَنْ رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فيه: " يتنافسون، ثم يتحاسدون ": أصل التنافس: التسابق إلى الشىء أيهم يأخذه أولاً وكأنه كثرت الرغبة فى الشىء، وهو أول أبواب التحاسد.

اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنَّهُ قَالَ: " إذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أىُّ قَوْمٍ أنْتُمْ؟ " قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَن ابْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أمَرَنَا اللهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوْ غَيْرُ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَباغَضُونَ، أوْ نَحْوَ ذَلِكَ. ثُم تَنْطَلِقُونَ فِى مَسَاكِينِ المُهَاجِريِنَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ ". 8 - (2963) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَى: أخْبَرَنَا - المُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزَامِىُّ عَنْ أبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إذَا نَظَرَ أحَدُكُمْ إلى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِى المَالِ وَالخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ ". (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّه، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أبِى الزِّنَادِ. سَوَاءً. 9 - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَريرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أبِى صَالِحٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْظُرُوا إلى مَنْ أسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أجْدَرُ ألا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يتدابرون ": أى يتقاطعون. ثم قال: " يتباغضون " فكأن المدابرة أدنى من المباغضة. وقد تكون المدابرة والإعراض مع بقاء مودة وتكون المباغضة بعد هذا. وقوله: " ثم تنطلقون فى مساكين المهاجرين، [فتجعلون بعضهم على رقاب بعض "، وعند السمرقندى: " فتحملون بعضهم "، قال بعضهم: لعل صواب هذا الكلام: ثم تنطلقون ولا أدرى ما الذى حمل] (¬1). هذا على تغيير الرواية بغير ضرورة، مع عدم توجيه الكلام مع ما قاله واستقلاله بالمراد، لا سيما مع قوله بعد هذا فيحملون، أو يجعلون بعضهم على رقاب بعض. وأشبه أن يكون الكلام على وجهه، وأراد أن مساكين المهاجرين وضعفتهم ستفتح عليهم آنذاك من الدنيا حتى يكونوا أمراء بعضهم على رقاب بعض. وقوله.: " ألا تزدروا نعمة الله ": أى تحتقرونها. قول مسلم: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا جرير، وأنبأنا أبو كريب، حدثنا أبو ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح.

قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: " عَلَيْكمْ ". 10 - (2964) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِى طَلْحَةَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبِى عَمْرَةَ؛ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ؛ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ ثَلاثَةً فِى بَنِى إسْرَائِيلَ: أبْرَصَ، وَأقْرَعَ، وأعْمَى. فأرَادَ اللهُ أن يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ مَلَكًا. فَأتَى الأبْرَصَ فَقَالَ: أىُّ شَىْءٍ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهبُ عَنّى الَّذِى قَدْ قَذَرَنِى النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ. وأعْطِىَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلدًا حَسَنًا. قَالَ: فَأىُّ المَالِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: الإبِلُ - أوْ قَالَ البَقَرُ. شَكَّ إسْحَاقُ - إلا أَنَّ الأبْرَصَ أوِ الأقْرَعَ قَالَ أحَدُهُمَا: الإبِلُ. وَقَالَ الآخَرُ: البَقَرُ - قَالَ: فأعْطِىَ نَاقَةً عُشَرَاءَ. فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية، وحدثنا ابن أبى شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش حديث: " انظروا إلى من هو أسفل منكم " روى هذا الحديث عن الأعمش أبو معاوية ووكيع وجرير، فالأسانيد [المتقدمة] (¬1) كلها راجعة إلى الأعمش، كأنه قال: كلهم عن الأعمش. ومثله الحديث الآخر: " إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه فى الال والخلق، فلينظر إلى مَنْ هو أسفل منه "، قال الطبرى: هذا حديث جامع للخير؛ لأن العبد إذا رأى من فوقه فى الخير طالت (¬2) نفسه باللحاق به، واستقصر حاله التى هو عليها، واجتهد فى الزيادة. وإذا نظر فى دنياه إلى من [هو] (¬3) دونه تبين نعم الله عليه، فألزم نفسه الشكر. هذا معنى كلامه وإذا لم يفعل ما حض عليه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان الأمر بالعكس فأعجب بعمله، وكسل عن الزيادة من الخير، ومد عينيه إلى الدنيا، وحرص على الازدياد منها وازدراء نعم الله عليه ولم يؤد حقها. وقوله فى حديث أقرع وأبرص: " فأراد الله أن يبتليهم ": أى يختبرهم. وفى رواية السمرقندى: " يبليهم " أى: يصيبهم ببلاء. وأصل البلاء والابتلاء: الاختبار. وقوله: " ناقة عشراء ": أى مضى لها (¬4) عشرة أشهر. ونوق عشار، وكانت أنفس أموال العرب لقرب ولادتها، ورجاء لبنها. وقوله: " شاة والداً ": أى وضعت ولدها، وقيل: العشار هى التى وضعت بعضها وبعضها بعد لم يضع. وقال الداودى: هى التى معها أولادها، والأول المعروف. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) فى ح: طلب. (¬3) ساقطة من ح. (¬4) فى ح: لحملها.

قَالَ: فَأتَى الأقْرَعَ فَقَالَ: أىُّ شَىْءٍ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى هَذَا الَّذِى قَذِرَنِى النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، وَأعْطِىَ شَعَرًا حَسَنًا. قَالَ: فأىُّ المَالِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ. فَأعْطِىَ بَقَرَةً حَامِلاً. فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا. قَالَ: فَأتَى الأعْمَى فَقَالَ: أىُّ شَىْءٍ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: أنْ يَرُد اللهُ إلَىَّ بَصَرِى فَأبْصِرَ بِهِ النَّاسَ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ: فَأىُّ المَالِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: الغَنَمُ. فأَعْطِىَ شَاةً وَالِدًا. فَأنْتجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا. قَالَ: فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الغَنَمِ. قَالَ: ثُمَّ إنَّهُ أتَى الأبْرَصَ فِى صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ. قَدْ انْقَطَعَتْ بِىَ الحِبال فِى سَفَرِى، فَلا بَلاغَ لِىَ اليَوْمَ إلا باللهِ ثُمَّ بِكَ. أسْألُكَ، بِالَّذِى أعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ وَالجِلْدَ الحَسَنَ وَالمَالَ، بَعِيرًا أتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِى سَفَرِى. فَقَالَ: الَحُقُوقُ كَثِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ: كأنِّى أعْرِفُكَ، ألَمْ تَكُنْ أبْرَصَ يَقْذِرُكَ النَّاسُ؟ فَقِيرًا فأعْطَاكَ اللهُ؟ فَقَالَ: إنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا المَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ إنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللهُ إلَى مَا كُنْتَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فأنتج هذان وولد هذا ": كذا الرواية، رباعى بفتح التاء، والمعروف: " ننتج "، يقال: نتجت أنا الناقة وأنا ناتج: إذا توليت نتاجها وولادتها، ونتج القوم: وضعت مواشيهم، وأنتج القوم: إذا كان عندهم إبل حوامل، وأنتجت الفرس: إذا حملت، وأنتجت أيضاً: ولدت، ونتجت فهى منتوجة. وحكى الأخفش نتجتها وأنتجتها بمعنى. وقوله: " ولد " بمعنى نتج، وكله [بمعنى] (¬1) من تولى الولادة. والناتج للإبل والمولد لغيرها كالقابلة للنساء. وقوله: " انقطعت بى الحبال فى سفرى ": الحبال يكون هنا الطرق، والحبل: المستطيل من الرمل، وقد روى فى غير هذا الكتاب " الجبال " بالجيم، وهى رواية بعض رواة البخارى (¬2) وعند بعضهم الحبال كما هنا وقد تكون الحبال هنا: الأسباب التى (¬3) يتوصل بها إلى البلاغ والمرفق، والحبل: التواصل. وقد رواه ابن الحذاء " الجبل " جمع جبلة، ورواه أيضاً بعضهم فى كتاب مسلم " الجبال " بالباء وهو من هذا. ¬

_ (¬1) ساقطة من ز، والمثبت من ح والرسالة. (¬2) انظر: فتح البارى. قال الحافظ. ولبعض رواة البخارى الجبال، وهو تصحيف 6/ 580. (¬3) فى ح: الذى.

قَالَ: وَأتَى الأقْرَعَ فِى صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا. وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْل مَا رَدَّ علَى هَذَا. فَقَالَ: إنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللهُ إلَى مَا كُنْتَ. قَالَ: وأَتَى الأعْمَى فِى صُوْرَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ، انْقَطَعَتْ بِىَ الحِبالُ فِى سَفَرِى، فَلا بَلاغَ لِىَ اليَوْمَ إلا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ. أسْأَلُكَ، بِالَّذِى رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ، شَاةً أتَبَلَّغُ بِهَا فِى سَفَرِى. فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعمَى فَرَدَّ اللهُ إلَىَّ بَصَرِى. فَخُذْ مَا شِئتَ، وَدَعْ مَاشئتَ. فَوَاللهِ، لا أجْهَدُكَ اليَوْمَ شَيْئًا أخَذْتَهُ للهِ. فَقَالَ: أمسِكْ مَالَكَ، فإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رُضِىَ عَنْكَ، وَسُخِطَ عَلى صَاحِبَيْكَ. 11 - (2965) حدّثنا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظيمِ - واللَّفْظ لإسْحَاقَ - قَالَ عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا - أَبُو بَكْرٍ الحَنَفَىُّ، حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أبِى وَقَّاصٍ فِى إبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عمَرُ. فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَنَزَلَ. فَقَالَ لَهُ: أنزَلْتَ فِى إبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاس يَتَنَازَعُونَ المُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِى صَدْرِهِ فَقَالَ: اسْكُتْ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ الله يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِىَّ، الغَنِىَّ، الخَفِىَّ ". 12 - (2966) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِىُّ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا أجهدك اليوم شيئاً أخذته لله " كذا لأكثرهم، وعند ابن ماهان: " أحمدك " بالحاء المهملة والميم، وكذا رواه البخارى (¬1). وقال بعضهم: صوابه: " لا أجدك " بالدال، أى أمنعك، وهذا تغيير للرواية الصحيحة النقل والمعنى. فأما " أحمدك " فمعناه - فيما قيل -: لا أحمدك فى نزول شىء أو لبقائه؛ لطيب نفسى بما تأخذه كما قال المرقشى: ليس على طول الحياة ندم. أى ليس على فوت طول الحياة ندم، وأما على رواية: " أجهدك "، أى لا أبلغ منك جهداً أو مشقة فى منعك شيئاً أخذته لله. قال صاحب الأفعال: جهدته وأجهدته: بلغت مشقته. وقد يكون هنا " أجهدك " أى أقلل لكم (¬2) فيما تأخذه. والجهد ما يعيش به المقل، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُم} (¬3). وقوله عليه السلام: " إن الله يحب العبد التقى الغنى الخفى " بالحاء المهملة، ولغيره ¬

_ (¬1) ك أحاديث الأنبياء، ب حديث الأبرص والأعمى والأقرع 4/ 208. (¬2) فى ح: لك. (¬3) التوبة: 79.

إسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبِى وَابْنُ بِشْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أبِى وَقَّاصٍ يَقُولُ: وَاللهِ، إنِّى لأوَّلُ رَجُلٍ مِنَ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَغزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَالَنا طَعَامٌ نَأكُلُهُ إلا وَرَقُ اَلحُبْلَةِ، وَهَذا السَّمُرُ، حَتَّى إنَّ أحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أصْبَحَتْ بَنُو أسَدٍ تُعَزِّرُنِى عَلَى الدِّينِ. لَقَدْ خَبْتُ، إذًا، وَضَلَّ عَمَلِى. وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ نُمَيْرٍ: إذًا. 13 - (...) وَحَدَّثنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا وَكِيع، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبِى خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ العَنْزُ، مَا يَخْلِطُهُ بِشَىْءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالخاء المعجمة، وهو دليل الحديث لاغترابه بالتبدى وانقطاعه عن الناس، وقد يكون " الحفى " بالحاء المهملة: أى الوصول، لا سيما لقرانه بالغنى. ولا فضيلة للغنى إلا مع بذل المال وصلة الأرحام، وأحد معانى الخفى: الوصول. قال الصدفى: صوابه بالخاء المعجمة. وقال بعده فى حديث يحيى بن حبيب الحارثى: حدثنا المعتمر، قال: سمعت إسماعيل، عن قيس عن سعد. هذا هو الصحيح وكان عند بعض شيوخنا فيه: عن قيس ابن سعد وهو خطأ، وإنما هو قيس بن أبى حازم. وكذا جاء بعد فى السند الآخر عن قيس، عن سعد وكذا أخرجه البخارى (¬1) وقال بعده: حدثنا يحيى بن حبيب أخبرنا وكيع. كذا لابن الحذاء، وعند سائر شيوخنا: حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا وكيع. قوله: " ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة، وهو السمر " كذا وقع عند عامة الرواة، وعند الطبرى وشيخنا التميمى: " وهذا السمر " ووقع فى البخارى (¬2): " إلا الحبلة وورق السمر "، وكذلك ذكره أبو عبيد (¬3). والحُبْلة بضم الحاء وسكون الباء. قال الإمام: قال أبو عبيد: هما ضربان من الشجر. وقال ابن الأعرابى: الحبلة: ثمر السمر، شبيه اللوبيا. وقال غيره: ثمر العضاة. وأما قوله: " تعزّرنى عن الدين "، قال القاضى: قال الهروى (¬4): معناه: توقفنى والتعزير: التوقيف على الأحكام والفرائض. وقال الطبرى: تعزرنى: أى تقومنى وتعلمنى، ومنه: تعزير السلطان، أى تقويمه بالتأديب وقال الحربى (¬5): التعزير بمعنى: العتب واللوم. ¬

_ (¬1) و (¬2) ك الرقاق، ب كيف كان عيش النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه 8/ 121. (¬3) و (¬4) انظر: غريب الحديث 4/ 22. (¬5) انظر: غريب الحديث 4/ 167.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ 14 - (2967) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَوِىِّ، قَالَ: خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بصُرْمٍ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُها. وَإِنَّكُم مُنْتَقلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخْيَرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِى فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لاَ يُدْرِكُ لَها قَعْراً. وَوَاللهِ، لَتُمْلأَنَّ. أَفَعَجبْتُم؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَينَ مصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيع الجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِى سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشَدَاقُنَا. فَالتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقَتُهَاَ بَيْنِى وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَاتَّزرْتُ بِنِصْفِهَا، وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا. فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ، وَإِنِّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الدنيا آذنت بصرم ": أى أشعرت وأعملت بانقطاع. وقوله: " وولت حذاء مدبرة ". قال الإمام: قال أبو عبجد: هى السريعة الخفيفة التى انقطع آخرها، ومنه قيل للقطاة: حذاء لقصر ذنبها مع خفتها وحمارٌ حذاء أى: قصير الذنب. وقوله هذا مثل؟ لأن القصير الذنب أو ما قطع ذنبه لم يبق وراءه شىء، فكأنه قال: إن الدنيا أدبرت منقطعة عنكم سريعة الانقطاع. وقوله: " لم يبق منها إلا صبابة "، قال الإمام: قال أبو عبيد (¬1): الصبابة: البقية تبقى فى الإناء من الشراب، وقد تصاببتها: إذا شربتها. وقوله: " وهو كظيظ من الزحام ": أى ممتلى، يقال: كظه الشراب كظيظاً: وفى حديث الحسن (¬2) حين ذكر الموت فقال: " كظ ليس كالكظ ": أى همّ يملأ الجوف ليس كسائر الهموم، لكنه أشد، يقال كظنى الأمر: إذا ملأنى وشغل قلبى. وقوله: " حتى قرحت أشداقنا "، قال القاضى: أى أصابتها جراح من خشونة ورق السمر. والبردة ثوب، وهو كساء مخطط. وقيل: هى الشملة، والنمرة أيضاً، وجمعها برد، وقيل: كساء مربع أسود فيه صفر. والعرب تسمى الكساء الذى يلتحف به بردة. والبرد، بغير تاء: نوع من ثياب اليمن الموشية. ¬

أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ فى نَفْسِى عَظِيماً وَعِنْدَ اللهِ صَغِيراً، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلا تَنَاسَخَتْ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَاقِبَتهَا مُلْكاً، فَسَتخْبُرُونَ وَتُجَربونَ الأمَرَاءَ بَعْدَنا. (...) وحدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيدُ ابْنُ هِلالٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ - وَقَدْ أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ - قَالَ: خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَكَانَ أَمِيراً عَلَى الْبَصْرَةِ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ شَيْبَانَ. 15 - (...) وحدّثنا أَبُوكُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِى سَابعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا طَعَامُنَا إِلا وَرَقُ الحُبْلَةِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْداقُنَا. 16 - (2968) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَاَلَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامة؟ قَالَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِى الظَّهِيرَةِ، لَيْسَتْ فِى سَحَابَةٍ؟ " قَالُوا: لا. قَالَ: " فَهَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَيْسَ فِى سَحَابَةٍ؟ " قَالُوا " لا. قَالَ: " فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلا كَمَا تُضارُّونَ فِى رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا. قَالَ: فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَىْ فُلْ، أَلَمْ أكْرِمْكَ، وَأسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وأُسَخِّرْ لَكَ الخَيْلَ وَالإبِلَ، وَأذَركَ تَرْأَسُ وَتَرْبعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. قَالَ: فَيَقُولُ: أفَظَنَنْتَ أنَّكَ مُلاقِىَّ؟ فَيَقُولُ: لا. فَيَقُولُ: فَإنِّى أنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِى، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِى فَيَقُولُ: أىْ فُلْ، ألَمْ أكْرِمْكَ، وَأسَوِّدْكَ، وَأَزَوّجْكَ، وَأُسَخِّر لَكَ الخَيْلَ وَالإبِلَ، وَأذَركَ تَرْأسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. أىْ رَبِّ. فَيَقُولُ: أفَظَنَنْتَ أنَّكَ مُلاقِىَّ؟ فَيَقُولُ: لا. فَبَقُولُ: فَإنِّى أنْسَاكَ كَمَا نَسيتَنِى. ثُمَّ يَلْقَى ـــــــــــــــــــــــــــــ والكلام على حديث الرؤية تقدم فى كتاب الإيمان. وقوله: " وأذرك ترأس وتربع ": كذا رواية الجماعة (¬1) بالباء بواحدة، وعند ابن ماهان: " ترتع " بالتاء باثنتين فوقها. قيل: معنى " تربع ": كما تأخذ المرباع الذى كانت تأخذه الملوك. ويظهر لى أن أوجه معانيه أن يكون معناه: يتودع، ولا يحتاج إلى نجعة وطلب، من قولهم: أربع على نفسك، أى أرفق بها واثبت، وبه فسر قوله - عليه ¬

_ (¬1) انظر: الترمذى، ك صفة القيامة، ب ما جاء فى العرض (2428). وقال: هذا حديث صحيح غريب.

الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَيَقُولُ: يَارَبِّ، آمَنْتُ بِكَ وَبِكتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ، وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ، ويُثْنِى بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ. فَيَقُولُ: هَهُنَا إذًا. قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ. وَيَتَفَكَّرُ فِى نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِى يَشْهَدُ عَلَىَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ. وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انطِقِى. فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وعظامه بِعَمَلِهِ. وَذَلِكَ لِيُعْذِر مِنْ نَفْسِهِ. وَذَلِكَ المُنَافِقُ. وَذَلِكَ الَّذِى يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ ". 17 - (2969) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أبِى النَّضْرِ، حَدَّثَنِى أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الأشْجَعِىُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أضْحَكُ؟ " قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: " مِنْ مُخَاطَبَةِ العَبْدِ رَبَّهُ. يَقُولُ: يَارَبِّ، ألَمْ تُجِرْنِى مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى. قَالَ: فَيَقُولُ: فَإنِّى لا أُجِيرُ عَلَى نَفْسِى إلا شَاهِدًا مِنِّى. قَالَ: فَيَقُولُ: كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالكِرَامِ الكَاتِبِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام -: " غيثاً مربعاً " (¬1). وأمَّا على الرواية الأخرى فمعنى " ترتع " تتنعم. وقد اختلف المفسرون فى معنى قوله تعالى: {يَرْتَعْ} (¬2) فقيل: يأكل، وقيل: يلهو، وقيل: يسعى ويبسط، وقيل: يكون فى خصب وسعة. قال الهروى (¬3): الرتع: الاتساع فى الخصب. وهذه المعانى كلها ممكنة هنا فى الحديث. وقوله: " أى فل ": منادى مرخم، أى فلان. وقيل: " فل " لغة مثل: فلان. وقوله: " أنساك كما نسيتنى " مثل قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (¬4) من مجانسة اللفظ، مجازاة على فعلهم، أى جازاهم على نسيانهم. والنسيان هو: امتناع من فعل ما نُسى. وهو من الله يمنعهم الرحمة والفضل الكبير. وقوله فى الثالث المدعى فعل الخير: " هاهنا " معناه: فاثبت مكانك. وقوله بعد هذا: " إذا " كذا عند الأسدى، وعند بعضهم عن ابن الحذاء: " إذن " ¬

_ (¬1) انظر: أبو داود، ك الصلاة، ب رفع اليدين فى الاستسقاء، برقم (1169). (¬2) يوسف: 12. (¬3) لم نجد هذه المادة عند الهروى، ولكن وجدناها عند الحربى فى غريبه فى باب: " رتع " 1/ 212. (¬4) التوبة: 67.

شُهُودًا. قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ. فَيُقَالُ لأرْكَانِهِ. انطِقِى. قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأعْمَالِهِ. قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَلامِ. قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا. فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أنَاضِلُ ". 18 - (1055) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن فَضَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أبِى زُرْعَةَ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ، اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ". 19 - (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأبُو كُرَيْبٍ، قَالُواْ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أبِى زُرْعَةَ، عَنْ أبِى هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ، اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ". وَفِى رِوَايَةِ عَمْرٍو: " اللَّهُمَّ، ارْزُقْ ". (...) وحدّثناه أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الأعْمَشَ، ذَكَرَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، بِهَذَا الإسْنَادِ. وَقَالَ: " كَفَافًا ". 20 - (2970) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ، مِنْ طَعَام بُرٍّ، ثَلاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا، حَتَّى قُبِضَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ والأول أصح وأشبه بالمعنى، أى إذا جئت بهذه الدعوة فقف مكانك، واثبت إذًا حتى تفتضح فى دعواك. وسقطت هذه اللفظة جملة عند الصدفى. وقوله: " [فيقال] (¬1) لأركانه: " انطقى "، قال الإمام: أى نواحيه. وركن الجبل وغيره: ناحيته، ويوضح الركن أيضًا موضع العشيرة والقوة، ومنه قوله تعالى: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} (¬2) أى إلى عز العشيرة. قال القاضى: المراد هنا بالأركان: الجوارح. وقوله: " عنكن كنت أناضل ": أى أدافع وأجادل، يقال: فلان يناضل عن فلان: إذا تكلم عنه بعذر ودفع عنه. وأصله من المناضلة، وهو الرمى بالسهام. ¬

_ (¬1) من ح. (¬2) هود: 80.

21 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - قَالَ إسْحَاقُ أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أيام تِبَاعًا، مِنْ خُبْزِ بُرٍّ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. 22 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبِى إسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أنَّهَا قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ، يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 23 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ، فَوْقَ ثَلاثٍ. 24 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْز البُرِّ، ثَلاثًا، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. 25 - (2971) حدّثنا أبوكُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمِيْنِ مِنْ خُبْز بُرٍّ، إلا وَأحَدُهُمَا تَمْرٌ. 26 - (2972) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: وَيَحْيَى بْنُ يَمَانٍ حَدَّثَنَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كُنَّا، آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَنَمْكُثُ شَهْرًا مَا نَسْتَوقِدُ بِنَار. إنْ هَوَ إلا التَّمْرُ وَالمَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: خرَّج مسلم فى حديث عائشة: " إنا كنا آل محمد لنمكث شهرًا ما نستوقد النار ": حدثنا عمرو الناقد، حدثنا عبدة بن سليمان، وحدثنا يحيى بن يمان، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. هكذا إسناده عن الجلودى. قال: وحدثنا يحيى بن يمان، حدثنا هشام، ومعناه: أنّ عبدة وابن يمان يرويان الحديث عن هشام بن

(...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْن أبِى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ: إنْ كُنَّا لَنَمْكُثُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: آلَ مُحَمَّدٍ. وَزَادَ أَبُو كُرَيْبٍ فِى حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ: إلا أنْ يأتِينَا اللُّحَيْمُ. 27 - (2973) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِى رَفِّى منْ شَىْءٍ يَأكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إلا شَطْر شَعِيرٍ فى رَفٍّ لِى، فأكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَىَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِىَ. 28 - (2972) حدّثنا يحيى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِى حَازِمٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِى، إنْ كُنَّا لنَنْظُرُ إلى الهِلالِ ثُمَّ الهِلالِ ثُمَّ الهِلالِ، ثَلاْثَةَ أهِلَّةٍ فِى شَهْرَيْنِ، وَمَا أَوقِدَ فِى أبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ. قَالَ: قُلْتُ. يَا خَالَةُ، فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالَتِ: الأسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إلا أنَّهُ قَدْ كَان لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأنْصَارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ألبَانِهَا، فَيَسْقِينَاهُ. 29 - (2974) حدّثنى أَبُو الطَّاهِر أحْمَدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى أَبُو صَخْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ. ح وَحَدَّثَنِى هارونَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عروة. والقائل يحيى بن يمان: حدثنا عمرو الناقد، وفى نسخة ابن الحذاء: حدثنا عمرو الناقد، قال: حدثنا عبدة قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن هشام، وهو وهم، وليس يروى عبدة عن يحيى بن يمان، والصواب رواية الجلودى. قال القاضى: وعند الأسدى (¬1) من شيوخنا: حدثنا عمرو الناقد، حدثنا عبدة بن سليمان ويحيى بن يمان، حدثنا هشام. وهو صحيح. وعند التميمى عن الجيانى: ويحيى بن يمان، حدثنا هشام. وهو صحيح أيضاً، راجع إلى معنى رواية الجلودى. وقولها: " شطر شعير فى رف لى "، قال القاضى: الرف: خشب يرفع عن الأرض فى البيت، يوفى عليه ما يرفع، قاله الحربى. وقال غيره: هو القرية (¬2). والشطر: نصف الوسق، قاله ابن أبى حازم. ونصف كل شىء شطره. وفى هذا أنّ البركة أكثر ما توجد فى المجهولات والمبهمات، وأما ما حصر بالعدد أو بالكيل فمعرّف (¬3) قدره. ¬

_ (¬1) فى ح: التميمى. (¬2) فى ح، والرسالة: الغرفة. (¬3) هكذا فى الأصل، وفى ح: فيعرف.

أخْبَرَنِى أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ - زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ، فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ، مَرَّتَيْنِ. 30 - (2975) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَكِّىُّ العَطَّارُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العطار، حدثنى منصور بن عبد الرحمن الحَجبِىُّ، عَنْ أمِّهِ صَفِيَّة، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَبِعَ النَّاسُ مِنَ الأسْوَدَيْنِ: التَّمْر وَالمَاءِ. 31 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الأسْوَدَيْنِ: المَاءِ وَالتَّمْرِ. (...) وحدّثنا أبُوكُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا الأشْجَعِىُّ. ح وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو أحْمَدَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفيَانَ، بِهذَا الإسْنَادِ، غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِهِمَا عَنْ سُفْيَانَ: وَمَا شَبِعْنَا مِنَ الأسْوَدَيْنِ. 32 - (2976) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أبِى عمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ يَعْنيَانِ الفَزَارِىَّ - عَنْ يَزيدَ - وَهُوَ ابْنُ كَيْسانَ - عَنْ أبِى حَازِمٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسى بِيَدِهِ - وَقَالَ ابْنُ عَبَّادٍ: وَالَّذِى نَفْسُ أبِى هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ - مَا أشْبَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يعارض هذا الكيل فى إخراج النفقة لما جاء: " كيلوا طعامكم يبارك لكم " (¬1) إذا بقى الأصل مجهولاً، بل فى كيل ما يخرج البركة فى الباقى وحسن النظر، والإخراج عن الحزر والجزاف بسبب التبذير، وإخراج أكثر من الحاجة، وليس ذلك من تدبير المعيشة التى هى أحد اليسارين. وهذا معنى الحديث الآخر (¬2)، ولا تعارض بينهما. قال الإمام: وخرج مسلم بعد هذا: حدثنا محمد بن عباد وابن أبى عمر قال: حدثنا مروان عن يزيد بن كيسان الحديث. وقع فى نسخة ابن الحذاء عن ابن ماهان: حدثنا محمد بن غسان وابن أبى عمر، جعل " غسان " موضع " عباد "، وهو وهم، والصواب: محمد بن عباد، وهو المكى. ¬

_ (¬1) البخارى، ك البيوع، ب ما يستحب من الكيل 3/ 88. (¬2) الذى ذكره البخارى: قال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكتالوا حتى تستوفوا " وقوله: " فما زال يكيل لهم حتى أداه "، ك البيوع، ب الكيل على البائع والمعطى 3/ 88.

ثَلاثَةَ أيَّامٍ تِبَاعًا، مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ، حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. 33 - (...) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنْ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ قَالَ: رَأيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُشيرُ بِإصْبَعِهِ مِرَارًا يَقُولُ: وَالَّذِى نَفْسُ أبِى هُرَيْرَة بِيَدِهِ، مَا شَبِعَ نَبِىُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأهْلُهُ ثَلاثَةَ أيَّامٍ تِبَاعًا، مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ، حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. 34 - (2977) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: ألَسْتُمْ فِى طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ؟ لَقَدْ رَأيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ. وَقُتَيْبَةُ لَمْ يَذْكُرْ: بِهِ. 35 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أخْبَرَنَا الملائى، حَدَّثَنَا إسْرَائيلُ، كِلاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ فى حَدِيثِ زُهَيْرٍ: وَمَا تَرْضَوْنَ دُونَ ألوَانِ التَّمْرِ وَالزُّبْدِ. 36 - (2978) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقد جاء بعد فى الحديث نفسه: وقال ابن عباد: " والذى نفس أبى هريرة بيده ". كذا لجميعهم. ولابن ماهان: وقال ابن أبى عمر. وقوله: " ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه ": الدقل: ثمر الدوم، وهو شبه النخل، وهو حب كبير لها نواة ممدودة بمقدار الخرزة يشبه نواء الثمر، فإذا يبس صار ما عليه شبه الليف. واختلاف ألفاظ هذه الأحاديث باختلاف معانيها، فجاء أنه " ما شبع من خبز بر ثلاثاً تباعاً "، فهو اْصل فى اختصاص هذا التوالى بالبر. وجاء فى حديث آخر: " من خبز وزيت فى يوم واحد مرتين فهو توالى ذلك بإدام، وعليه يحمل ما لم يذكر به الإدام. قوله فى الحديث الآخر: " ما شبع آل محمد يومين من خبز إلا وأحدهما تمر " (¬1) وفى رواية: " من خبز بر " (¬2) وهذا فى عموم الآل كله، لم يتفق لهم ذلك فى يومين. وقد يخصه هو فيتفق له [ذلك] (¬3) فى يومين ولا يتفق فى ثلاثة. ¬

_ (¬1) حديث رقم (25) بالباب. (¬2) حديث رقم (23) بالباب. (¬3) ساقطة من ز، والمثبت من ح.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ يَخْطُبُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ مَا أصَابَ النَّاسُ منَ الدُّنْيَا. فَقَالَ: لَقَدْ رأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ اليَوْمَ يَلْتَوى، مَا يَجِدُ دَقلاً يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ما توفى حتى شبع الناس من الأسودين التمر والماء " وذلك لمّا فُتحت خيبر. وذكر الماء هنا على طريق التيع للتمر لانطلاق اسم الأسودين عليهما، وإلا فقد كانوا يشبعون من الماء ولا يتعذر عليهم جملة وعلى ما تقدم بتآلف الروايات ولا يتعارض. وفى هذه الأحاديث التى جاءت فى عيش النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعلله، ودعائه أن يجعل الله رزقه قوتاً، دليل على فضل الزهد فى الدنيا والتقلل منها. وهذا مما لا خلاف فى فضيلته لخفة حسابه. وإنما اختلف العلماء أيهما أفضل: الغنى أم الفقر؟ واحتجت كل طائفة بحجج، منها: الحديث الذى جاء فى هذا الموضع من دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء، وغير ذلك، تقدم الكلام عليها مبيناً فى كتاب الزكاة. وقد رأيت لبعض من نصر الغنى من الشارحين - وهو أبو القاسم بن أبى صفرة - أنه لا فضيلة فى السبق إلى الجنة، المذكورة فى هذا الحديث، وإنما الفضيلة فى درجاتها، واحتج بدخول هؤلاء وغيرهم ممن جاء فى الحديث الجنة والنبى بعد فى الشفاعة، قال: ولا بشر أفضل من محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سبقه هؤلاء بدخول - الجنة - قال: وكذلك من ذكر من المؤمنين والشهداء وغيرهم ممن يشفع. قال القاضى: وهذا مما لا أساعده عليه؛ لأنه لم يرد نص بسبقهم للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لدخول الجنة، بل فى نص الحديث: أن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) أول من يفتح له باب الجنة؛ وأنّ الخازن يقول له: " بذلك أمرت ألا أفتح لأحدٍ قبلك " (¬2)، فأين هذا مما قاله. وقد يجمع بين هذا وبين ما جاء فيمن ينطلق به إلى الجنة فى الموقف، والنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الشفاعة وغير ذلك، مما جاء فى الحديث أن يكون النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عليهم] (¬3) يدخلهم ويستفتح لهم ويدخل معهم، ثم يرجع إلى شفاعته، وهو فى ذلك فى الجنة، كما جاء فى الحديث: " أدخل الجنة من أمتك من الباب الأيمن من لا حساب عليه " (¬4) فانظر كيف جاء أدخلهم مع أن ما فيه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لذة الحظوة وبلوغ الأمل فى الشفاعة، والقرب من الله تعالى، والنظر إليه ألذ من كل نعيم. ويحتمل أن هؤلاء السابقين إلى الجنة ينعمون فى أفنيتها وظلالها، ويتلذذون بما هم ¬

_ (¬1) سقط من ز، واستدرك فى ح. (¬2) سبق فى ك الإيمان، برقم (197). (¬3) ساقطة من ح، والمثبت من ز. (¬4) سبق فى ك الإيمان، برقم (194).

37 - (2979) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى أَبُو هَانِئٍ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحمَنِ الحُبُلِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنَ العَاصِ، وَسألَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: ألسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: ألَكَ امْرَأةٌ تَأوِى إلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ألَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فأنْتَ مِنَ الأغْنِيَاءِ. قَالَ: فَإنَّ لِى خَادِمًا. قَالَ: فَأنْتَ مِنَ المُلُوكِ. (...) قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَجَاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، وَأنَا عِنْدَهُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إنَّا، وَاللهِ، مَا نَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ. لا نَفَقَة، وَلا دَابَّة، وَلا مَتَاع. فَقَالَ لَهُمْ: مَا شِئتُمْ إنْ شِئْتُمْ رَجَعْتُمْ إلَيْنَا فَأعْطَيْنَاكُمْ مَا يَسَّرَ اللهُ لَكُمْ، وَإنْ شِئْتُمْ ذَكَرْنَا أمْرَكُمْ لِلسُّلْطَانِ، وَإنْ شِئتُمْ صَبَرْتُمْ فَإنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: " إنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرينَ يَسْبِقُونَ الأغْنِيَاءَ، يَوْمَ القِيَامَةِ، إلَى الجَنَّةِ، بِأرْبَعِينَ خَرِيفًا ". قَالُوا: فَإنَّا نَصْبِرُ، لا نَسْألُ شَيْئًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه إلى أن يدخل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجنة بعد تمام شفاعته، ثم يدخلونها معه على قدر منازلهم وسبقهم - والله أعلم. وقوله: " أربعون خريفًا ": أى أربعون سنة، والخريف السنة، والخريف أيضاً: أحد فصولها.

(1) باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين

(1) باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين 38 - (2980) حدّثنا يَحْيى بْنُ أيُّوبَ وَقَتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إسْمَاعِيلَ. قَالَ: ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَر، أخْبَرَنِى عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ؛ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصْحَابِ الحِجْرِ: " لا تَدْخُلُوا عَلى هَؤُلاءِ القَوْمِ المُعَذَّبِينَ، إلا أنْ تَكُونوا بَاكِينَ، فَإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أصَابَهُمْ ". 39 - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ - وَهُوَ يَذْكُرُ الحِجْرَ، مَسَاكِنَ ثَمُودَ - قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدَ اللهِ: إنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: مَرَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحِجْرِ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ، إلا أنْ تَكُونوا بَاكِينَ، حَذَرًا أنْ يُصِيْبَكُمْ مِثْلُ مَا أصَابَهُمْ " ثُمَّ زَجَرَ فَأسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَها. 40 - (2981) حدّثنى الحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ؛ أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أخْبَرَهُ؛ أنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحِجْرِ، أرْضِ ثَمُودَ، فَاسْتَقوْا مِنْ آبَارِهَا، وَعَجَنُوا بِهِ العَجِينَ، فَأمَرَهُم رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فى النهى عن الدخول على أصحاب الحجر: " لا تدخلوا عليهم إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم ": كذا هو فى حديث يحيى وقتيبة وابن حجر ومعناه: خشية أن يصيبكم، " وحذراً أن يصيبكم " [لما جاء فى الحديث بعده عن حرملة: " لا تدخلوا عليهم إلا أن تكونا باكين] (¬1)، حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم "، وقد يكون " حذرًا " فى هذا الحديث متعلقًا بالبكاء، وأن يكون البكاء للحذر مما أصابهم. ومن عرف نفسه وتقصيرها فى حق مولاها، وعرف ربه وعظيم سلطانه وشدة بطشه لم يغتر، ولا أمن مكره واشتد خوفه، واعتبر بِمَنْ قبله أنه {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1) سقط من ح، واستدرك فى الهامش. (¬2) الأعراف: 99.

اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الإبِلَ العَجِينَ. وَأمَرَهُمْ أنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئرِ التِى كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ. (...) وحدّثنا إسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا أنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللهِ، بِهَذاَ الإسْنَادِ، مِثْلهُ. غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: فَاسْتَقَوْا مِنْ بئارِهَا وَاعْتجَنُوا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " ثم زجر فأسرع ": يريد ناقته، فحذف اختصارًا.

(2) باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم

(2) باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم 41 - (2982) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أبِى الغَيْثِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " السَّاعِى عَلَى الأرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللهِ - وَأحْسَبُهُ قَالَ - وَكَالقَائِمِ لا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لا يُفْطِرُ ". 42 - (2983) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِىِّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الغَيْثِ يُحَدِّثُ عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَافِلُ اليَتِيمِ، لَهُ أوْ لِغَيْرِهِ، أنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِى الجَنَّةِ " وَأشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " الساعى على الأرملة ": أى الكاسب لها والعامل لقوتهم. والسعى: العمل. قال الإمام: قال ابن السكيت: الأرامل: المساكين من جماعة رجال ونساء. قال ابن الأنبارى: الغالب على الأرامل أنهن من النساء دون الرجال. قال ابن قتيبة: سميت المرأة التى مات عنها زوجها أرملة لما يقع عليها من الفقر وذهاب الزاد بعد موته، يقال: أرمل الرجل: فنى زاده. قال ابن الأنبارى: ويقال للرجل إذا ماتت امرأته: [أيم، ولا يقال: أرمل؛ لأنه ليس سبيل الرجل أن يفتقر ويذهب زاده لموت امرأته] (¬1)، فدل ذلك على أنه اسم واقع للنساء إذا كان الرجال هم المنفقون عليهن. وقول جرير: فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر، أراد الفقير الذى نفذ (¬2) زاده، ثم بين المعنى بقوله: الذكر يقال هذا رجل أرمل والرجل الأرمل، كما يقال: الأنبل والأفضل. قال القاضى: فى هذا الحديث فضل ما للساعى لقوام عيشه وعيش مَنْ يقوم به وابتغاء فضل الله الذى به قوام بدنه لعبادة ربه، وقوام مَنْ يمونه ويستر عوراتهم وأجر نفقاتهم أنه كالمجاهد، وكالصائم القائم، وذلك أنه فى كل تصرف له فى ذلك فى طاعة ربه وامتثال أمره، وكذلك الحديث الذى بعده فى كافل اليتيم وهو القائم عليه، [وأنه مع النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الجنة كهاتين، إما فى تمثيل قرب المنازل كمجاورة السبابة والوسطى، أو لتمثيل التفضيل] (¬3). [بين المنزلتين، وأنّ] (¬4) درجة الكافل لليتيم تالية لدرجة النبى وثانية لها، ¬

_ (¬1) سقط من ح. (¬2) فى ح: فقد. (¬3) سقط من ح. (¬4) سقط من ح، واستدرك بالهامش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كتدريج السبابة والوسطى. وذكر مسلم أنّ فى الحديث: المشير بالسبابة والوسطى هو مالك وجاء فى الموطأ (¬1) الحديث مدرجاً غير منسوب لقائل إلا فى موطأ ابن بكير قال: وأشار النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسبابة والوسطى. ¬

_ (¬1) ك الشعر، باب السنة فى الشعر، رقم (1).

(3) باب فضل بناء المساجد

(3) باب فضل بناء المساجد (¬1) 43 - (533) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِىُّ وَأحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى عَمْرٌو - وَهُوَ ابْنُ الحَارِثِ - أنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ؛ أنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ الخَوْلانِىَّ يَذْكُرُ؛ أنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّكُمْ قَدْ أكْثَرْتُمْ، وَإنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا - قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ - يَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلهُ فِى الجَنَّةِ ". وَفِى رِوَايةِ هَارُونَ: " بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الجَنَّة ". 44 - (...) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، كِلاهُمَا عَنِ الضَّحَّاكِ. قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعفَرٍ، حَدَّثَنِى أبِى عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ؛ أنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أرَادَ بنَاءَ المسْجِدِ، فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَأحَبُّوا أنْ يَدَعَهُ علَى هَيْئَتِهِ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ، بَنَى اللهُ لَهُ فِى الجَنَّةِ مِثْله ". (...) وحدّثناه إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَفِىُّ وَعَبْدُ المَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِهِمَا، " بَنى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِى الجَنَّةِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يُعَلَّق عليه فى جميع النسخ.

(4) باب الصدقة فى المساكين

(4) باب الصدقة فى المساكين 45 - (2984) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظ لأبِى بَكْرٍ - قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِى سَلَمَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثىِّ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِى سَحَابَة: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلان. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِى حَرَّةٍ، فَإذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ المَاءَ كُلَّهُ. فَتَتَبَّعَ المَاءَ، فَإذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِى حَدِيقَتِهِ يُحَوَّلُ المَاءَ بِمِسْحَاتِهِ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلانٌ - لِلاسْمِ الَّذِى سَمِعَ فِى السَّحَابَةِ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، لِمَ تَسْألُنِى عَنِ اسْمِى؟ فَقَالَ: إنِّى سَمِعْتُ صَوْتًا فِى السَّحَاب الَّذى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أمَّا إذْ قُلْتَ هَذَا، فَإنِّى أنْظُرُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وآكُلُ أنَا وَعِيَالِى ثُلُثًا، وَأرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ". (...) وحدّثناه أحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِى سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: " وَأجْعَلُ ثُلُثَهُ فِى المَسَاكِينِ وَالسَّائِلِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث السحابة: " اسق حديقة فلان ": الحديقة: أرض ذات شجر. والحديقة: كل روضة أحدق بها حاجز، قالوا: وأصله: كل ما أحاط به البناء فسميت به البساتين. والحديقة: أيضاً: القطعة من النخل، وهو مراد الحديث - والله أعلم. وقوله فيه: " فتنحى ذلك السحاب ": أى اعتمد وقصد، يقال: تنحيت وانتحيت ونحوت الشىء: إذا قصدته، ومنه سمى علم النحو، أى قصد كلام العرب. وقوله: " فأفرغ ماءه فى حرة ": الحرة أرض فيها حجارة سود كأنها أحرقت بالنار. وقوله: " فإذا شرجة من تلك الشراج " بفتح الشين فى المفرد وسكون الراء، هى: مسايل المياه فى الحرار.

(5) باب من أشرك فى عمله غير الله (وفى نسخة: باب تحريم الرياء)

(5) باب من أشرك فى عمله غير الله (وفى نسخة: باب تحريم الرياء) 46 - (2985) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ ابنُ القَاسِم، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشَّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أشْرَكَ فِيهِ معى غَيْرِى، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ". 47 - (2986) حدّثنا عُمرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنِى أبِى، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ ". 48 - (2987) حدّثنا أبو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ ابْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبًا العَلَقِى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللهُ بِهِ ". (...) وحدّثنا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا المُلائِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإسْنَادِ. وَزَادَ: وَلَمْ أسْمَعُ أحَدًا غَيْرَهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (...) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشْعَثىُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ حَرْبٍ - قَالَ سَعِيدٌ: أظُنُّهُ قَالَ: ابنُ الحَارِثِ بْنِ أبِى مُوسَى - قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " من سمع سمع الله به "، قال الإمام: يريد: من راءى بعمله وسمَّع به الناس ليكرموه ويعظموه، شهره الله يوم القيامة، حتى يرى الناس ويسمعوا ما حلَّ به من الفضيحة، وقد وقع فى بعض الأحاديث: " ومن يشاقق يشقق الله عليه " (¬1) وهذا يحتمل أن يريد به المشاقة بمعنى الخلاف، أو يحمل على الناس ما يشق عليهم. قال القاضى: وقيل: معنى " من سمع سمع الله به ": أى من أذاع على مسلم عيبًا وشنعه عليه أظهر الله عيوبه. وقيل: " سمع به " أسمعه المكروه. وقوله فى هذا الحديث: وحدثنا سعيد بن عمرو الأشعثى، أنبأنا سفيان، عن الوليد ¬

_ (¬1) البخاري، ك الأحكام، ب من شاق شقق الله عليه 9/ 80.

سَمِعْتُ جُنْدُبًا - وَلمْ أسْمَعُ أحَدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهُ - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ الثَّوْرِىِّ. (...) وحدّثناه ابْنُ أبِى عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الصَّدُوقُ الأمِينُ، الوَلِيدُ بْنُ حَرْب، بِهَذا الإسْنَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حرب [قال سعيد: أظنه قال: ابن الحارث بن أبى موسى قال: سمعت سلمة بن كهيل. يحتمل أنه قال فى موضع: " ابن حرب " وهو الصحيح] (¬1) لا ابن الحارث؛ ولهذا قال بعضهم: لا يصح فيه الثاء، ويحتمل أنه وقع فى نسبه بعد حرب: ابن الحارث ابن أبى موسى - والله أعلم. وقد ذكر البخارى (¬2) فيه: عن شعبة، عن رجل من آل أبى بردة يقال له: ولاد، بعد أن ترجم عليه الوليد بن حرب عن سلمة. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) انظر: التاريخ الكبير 8/ 143.

(6) باب التكلم بالكلمة يهوى بها فى النار (وفى نسخة: باب حفظ اللسان)

(6) باب التكلم بالكلمة يهوى بها فى النار (وفى نسخة: باب حفظ اللسان) 49 - (2988) حدّثنا قَتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ - عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، يَنْزِلُ بِهَا فِى النَّارِ، أبْعَدَ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ". 50 - (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ أبِى عُمَرَ المَكِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ الدَّرَاوَرْدىُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عيِسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِى بِهَا فِى النَّارِ، أبْعَدَ مَا بَيْنَ المشْرِقِ وَالمغْرِبِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوى بها فى النار " الحديث: هذا مثل قوله فى الحديث الآخر: " ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت " (¬1) وقوله أيضًا: " لا يلقى لها بالاً " (¬2) قيل: هى الكلمة يتكلم بها عند سلطان جائر يرضيه بها فيما يسخط الله. وقيل: بل هى من الرفث والخنا، ويحتمل أن يكون فى التعريض بمسلم بكبيرة، أو بمجون، أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وإن لم يعتقد ذلك. وقوله: " ما يتبين ما فيها " كقوله: " ما يلقى لها بالاً " فيستغفر منها ويتوب؛ لأنه استخفها ولم يعلم مقدار ما قاله. ¬

_ (¬1) الترمذى، ك الزهد، ب قلة الكلام، رقم (2319)، أحمد 2/ 355. (¬2) البخارى، ك الرقاق، ب حفظ اللسان 8/ 125.

(7) باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله

(7) باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله 51 - (2989) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأبوُ بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَأبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأبِى كُرَيْبٍ - قَالَ يَحْيَى وَإسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: ألا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَالَ أتَرُوْنَ أنِّى لا أكُلِّمُهُ إلا أسْمِعُكُمْ؟ وَاللهِ، لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ، ما دُونَ أنْ أفْتَتِح أمْرًا لا أحِبُّ أنْ أكُونَ أوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلا أقُولُ لأحَدٍ، يَكُونُ عَلَىَّ أمِيرًا: إنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِى النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقتَابُ بَطْنِهِ، فَيُدورُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى حديث أسامة بن زيد: " أترون أنى لا أكلمه إلا بسمعكم " ويروى: " سمعكم "، [ويروى: " أسمعكم "] (¬1) وكله بمعنى. وقوله بعد: " دون أن أفتح باباً لا [أحب أن] (¬2) أكون أول مَنْ فتحه ": يعنى فى المجاهرة (¬3) بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده. وفيه التلطف مع الأمراء، وعرض ما ينكر عليهم سراً، وكذلك يلزم مع غيرهم من المسلمين ما أمكن ذلك، فإنه أولى بالقبول وأجدر بالنفع، وأبعد لهتك الستر وتحريك الأنفة. وقوله: " لا أقول لأحد يكون علىّ أميرًا: إنه خير الناس " إلى آخره: الحديث حجة كله على ذم المداهنة فى الحق والمواجهة بما يبطن خلافه، والملق بالباطل، وهذا هو المذموم. والحال الأولى هى المداراة المحمودة؛ لأنه ليس فيها قدح فى الدين ولا حظ منه، إنما هى ملاطفة فى الكلام، أو هى مجاملة بأسباب الدنيا ومعاطاة بها لصلاح دين أو دنيا. والمداهنة: إنما هى إعطاء بالدين ومصانعة بالكذب، والتزيين للقبيح، وتصويب الباطل للوصول إلى أسباب الدنيا وصلاحها. وقوله: " فتندلق أقتاب بطنه "، قال الإمام: قال أبو عبيد (¬4): الأقتاب: الأمعاء، قال الكسائى: واحدها قتب، وقال الأصمعى: واحدها قتبة، قال: وبها سمى الرجل قتيبة، وهو تصغيرها، فقال أبو عبيد: القتب: ما تحوى من البطن، يعنى استدار، ¬

_ (¬1) من ز. (¬2) من متن الحديث، وح. (¬3) فى ز: المهاجرة. (¬4) انظر: غريب الحديث 2/ 30، 31.

بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ. فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، مَالَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ تَأمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وآتِيهِ ". (...) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى وَائِلٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فِيمَا يَصْنَعُ؟ وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو (¬1) الحوايا. وأمّا الأمعاء فهى الأقصاب، واحدها قصب. قال أبو عبيد: وأمّا قوله: " فتندلق " قال: الاندلاق: خروج الشىء من مكانه، وكل شىء ندر (¬2) خارجاً فقد اندلق، ومنه قيل للسيف: قد اندلق من جفنه: إذا شقه حتى يخرج منه. ويقال للخيل: قد اندلقت: إذا خرجت فأسرعت السير. ¬

_ (¬1) فى ز: وهى. (¬2) فى ح: يبرز.

(8) باب النهى عن هتك الإنسان ستر نفسه

(8) باب النهى عن هتك الإنسان ستر نفسه 52 - (2990) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أخِى ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُل أمَّتِى مُعَافَاةٌ إلا المُجَاهِرِينَ، وَإنَّ مِنْ الإجْهَارِ أنْ يَعْمَلَ العَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرهُ رَبُّهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلانُ، قَدْ عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ ". قَالَ زُهَيْرٌ: " وَإنَّ مِنَ الهِجَارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " كل أمتى معافى إلا المجاهرين. فإن من الإجهار " [عند الفارسى: الإهجار، وكذلك فى آخر الحديث قال زهير: " وأنّ من الهجار "] (¬1) وعند ابن ماهان: من الهجار، والصواب - والله أعلم - تقديم الجيم على الهاء فيهما؛ لأنه من معنى قوله: " المجاهرين " فى أول الحديث، وقد فسره فى الحديث، وهو المشتهر بالذنوب الذى لا يتستر بها، ويكشف من ستر الله عنه، ويجهر بالتحدث بمعاصيه. فقد استثناه الله فيمن يعاقبه، إلا أنّ فضله ورحمته وسعت كل شىء. والجهار والإجهار والمجاهرة: الظهور والإعلان، جهر وأجهر بقوله وقراءته: إذا أعلنها، لكن قد يخرج قول من قال: " الإهجار " على الفحش والخنا وكثرة الكلام. يقال منه: أهجر فى كلامه وفعل هذا. وأما الهجار فلا معنى له هنا، وهو تصحيف، إنما هو الحبل أو الوتد الذى يشد به البعير، أو الحلقة التى يتعلم فيها الطعن. ¬

_ (¬1) سقط من ح، واستدرك فى الهامش.

(9) باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب

(9) باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب 53 - (2991) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حفْصٌ - وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ سُلَيْمَانَ التَيْمِىِّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: عَطَسَ عِنْدَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ، فَشَمَّتَ أحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ. فَقَالَ الَّذِى لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ أنَا فَلَمْ تُشَمِّتْنِى. قَالَ: " إنَّ هَذَا حَمِدَ اللهَ، وَإنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر تشميت العاطس، قال أبو عبيد (¬1): يقال: شمت العاطس سمته بالسين والشين: أى دعوت له بالخير، والشين أعلى اللغتين. قال ثعلب: معنى التشميت بالشين: أبعد الله عنك الشماته. قال: وأصله السين من السمت، وهو القصد والهوى (¬2). وقال ابن الأنبارى: كل داعٍ بالخير مسمت (¬3). قال القاضى: اختلف العلماء فى تشميت العاطس، بعد اجتماعهم على أن تشميته إذا حمد الله مشروع. فمنهم من أوجبه على كل من يسمع حمده، وإلى هذا ذهب أهل الظاهر لقوله - عليه السلام -: " إذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته " وهو الذى ذكره ابن مزين (¬4) عن مالك، وهو مشهور مذهب مالك ومَنْ اتبعه فى جماعة من العلماء، إلى أنه فرض لكن على الكفاية يجزئ فيه دعاء بعض عن بعض كرد السلام. وحكى الشيخ أبو محمد بن أبى زيد (¬5) هذين القولين. وذهبت فرقة إلى أنه على الندب والاستحباب، وإليه ذهب القاضى أبو محمد بن نصر وأنّ قوله: " حق " أى فى حكم الأدب وكرم الأخلاق، كقوله: " حق الإبل أن يحلب على الماء " (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 2/ 183. (¬2) فى ز: والهدى، والمثبت من ح. (¬3) فى ح: مشمت. (¬4) هو أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن مزين، مولى رملة بنت عثمان بن عفان، أصله من طليطلة، فانتقل إلى قرطبة، روى عن عيسى بن دينار ومحمد بن عيسى الأعشى وغيرهما ثم رحل إلى المشرق فلقى مطرف بن عبد الله، وروى عنه الموطأ. قال ابن لبابة: هو أفقه من رأيت فى علم مالك وأصحابه، ولى قضاء طليطلة، ومن تصانيفه تفسير الموطأ، وتسمية رجال الموطأ، توفى سنة 259 هـ. انظر: الديباج المذهب: 2/ 361، الأعلام 8/ 134. (¬5) هو عبد الله بن عبد الرحمن القيروانى، وكان إمام وقته، وجامع مذهب مالك وشارح أقواله، وذاباً عن مذهبه حتى أنه عرف بمالك الصغير، تفقه بأبى بكر بن اللباد وأبى الفضل القيسى، ومن تصانحفه مختصر المدونة، وعليها المعول، وكتاب الذب عن مذهب مالك وغيرهما، وتوفى - رحمه الله - سنة 386 هـ. انظر؟ الديباج المذهب 1/ 427، شجرة النور 1/ 96. (¬6) سبق فى ك الزكاة، حديث رقم (24).

(...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ - يَعْنِى الأحْمَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيمِىِّ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 54 - (2992) حدّثنى زهُيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - واللفظ لزهير - قَالا: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أبِى بُرْدَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلى أبِى مُوسَى، وَهُوَ فِى بَيْتِ بِنْتِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ. فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِى، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا، فَرَجَعْتُ إلَى أُمِّى فَأخْبَرْتُها. فَلَمَّا جَاءَهَا قَالَتْ: عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِى فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ فَشَمَتَّهَا، فَقَالَ: إنَّ ابْنَكِ عَطَسَ، فَلَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلَمْ أشَمِّتْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختلف العلماء فى كيفية الحمد والرد، واختلفت فى ذلك الآثار، فقيل: يقول: الحمد لله، وقيل: الحمد لله رب العالمين (¬1)، وقيل: الحمد لله على كل حال. وخيّره الطبرى فيما شاء من ذلك. ولا خلاف أنه مأمور بالحمد، وأما المشمت (¬2) فيقول: يرحمك الله. وقيل: يقول: الحمد لله، يرحمك الله. وقيل: يرحمنا الله وإياكم. واختلفوا أيضاً فى رد العاطس على المشمت، فقيل: يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. وقيل: يقول: [يرحمنا الله وإياكم] (¬3)، يغفر الله لنا ولكم. وقال مالك والشافعى: إن شاء قال: يغفر الله لنا ولكم، أو يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. ومَنْ تكرر منه العطاس فالذى ياخذ به مالك أن يشمته ثلاثاً ثم يمسك، للحديث الذى رواه فى الموطأ. لكنه فى الموطأ على الشك: " لا أدرى فى الثانية أو الثالثة " (¬4) وجاء فى كتاب أبى داود وغيره مبيناً: " شمت أخاك ثلاثاً، فما زاد فهو زكام " (¬5) ووقع فى كتاب مسلم: ثم عطس أخرى، فقال له النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرجل مزكوم " وهذا لم يذكر أنه تكرر منه، وظاهره أنه مَنْ عرف أن عطاسه من زكام فلا يرد عليه، أو يكون قد تكرر العطاس من هذا الرجل. وقيل: وكانت هذه بعد الثالثة، فتتفق الأحاديث. ولعل الراوى لم يحضر إلا بعد الثالثة، أو لم يجعل باله إلا حينئذٍ - والله أعلم. ¬

_ (¬1) رواه ابن أبى شيبة عن النخعى مقطوعًا به، برقم (6046). (¬2) فى ح: التشميت. (¬3) من خ. (¬4) انظر: الموطأ، ك الاستئذان، ب التشميت فى العطاس 2/ 965. (¬5) أبو داود، ك الأدب، ب كم مرة يشمت العاطس. رقم (5034).

وَعَطَسَتْ، فَحَمِدت الله، فَشَمَّتُهَا. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللهَ، فَشَمِّتُوهُ، فَإنْ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلا تُشَمِّتُوهُ ". 55 - (2993) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إياسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، عَنْ أبِيهِ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا عكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارِ، حَدَّثنى إيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ؛ أنَّ أبَاهُ حَدَّثَهُ، أنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: " يَرْحَمُكَ اللهُ "، ثُمَّ عَطَسَ أخْرَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّجُلُ مَزْكُومٌ ". 56 - (2994) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ وَقَتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاء، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ. فَإذَا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَكظمْ مَا اسْتَطَاعَ ". 57 - (2995) حدّثنى أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِىُّ، مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أبِى صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنًا لأبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ يُحَدِّثُ أبِى عَنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا تَثَاوَبَ أحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَدخُلُ ". 58 - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وإن لم يحمد فلا تشمتوه ": دليل أن هذا الحق إنما هو إذا حمد. قال مالك: لا يشمته حتى يُسمع حمده وإن بعد عنك، فإن رأيت مَنْ يَلِيَهُ [فشمته. واستحب له العلماء أن يسمع بالحمد من يليه] (¬1) قال بعض شيوخنا: وأمر العاطس بالحمد لما فيه من المنفعة؛ لخروج ما اختنق من الأبخرة بدماغه. وقوله: " دخلت على أبى موسى وهو فى بيت ابنة الفضل بن عباس " كذا لكافة الرواة، وفى نسخ شيوخنا وسمعناه من القاضى أبى على: وهو فى بيت ابنة ابن الفضل ابن عباس، وهو وهم، والصواب ما للكافة. وهى أم كلثوم بنت الفضل زوج أبى موسى المذكور، خلف عليها بعد فراق الحسن بن على لها، وعنها مات أبو موسى وولدت له ابنه ¬

_ (¬1) سقط من ز.

ابْنِ أبِى سَعِيدٍ، عَنْ أبِيهِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إذَا تَثاوَب أحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَدخُلُ ". 59 - (...) حدّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِى صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا تَثَاوَبَ أحَدُكُمْ فِى الصَّلاةِ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ ". (...) حدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عن أِبِيهِ، وَعَنِ ابْنِ أبِى سَعِيدٍ، عَنْ أبِى سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ وعَبدِ العَزِيزِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى، وتزوجها بعده عمران بن طلحة ففارقها وماتت بالكوفة، وقبرها بظاهرها. وقوله: " التثاؤب من الشيطان ": أى من تكسيله وسببه. وقيل: أضيف إليه لأنه يرضيه، كذا جاء للرواة " التثاؤب " من تثاءب، ممدودة. قال ثابت: لا يقال: تثاءب، وإنما يقال: تثائب بشد الهمزة، وهى الثوباء بالمد. وقال ابن دريد: أصله من ثاب الرجل فهو مثوب: إذا استرخى وكسل. وقوله: " فليكظم ما استطاع "، قال الإمام: قال ابن عرفة: فى قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} (¬1): الكاظم: الممسك على ما فى قلبه. وأصله فى الكظم للبعير، وهو أن يردد (¬2) فى حلقة. وكظم فلان غيظه: إذا تجرعه، وكظم خصمه: إذا أجابه بالمسكت فأفحمه، وكظه كذلك أيضاً. قال القاضى: أمر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكظم التثاؤب ورده، ووضع اليد على الفم؛ لئلا يبلغ الشيطان العدو أمله فى المسلم بكل ما يسوءه ويكره منه، من تشويه صورته، ودخوله فى فمه، وضحكه منه، وتفله فيه. ولهذا - والله أعلم - أمر المتثائب بالتفل لطرح ما عسى أن يكون ألقاه الشيطان فى فيه، أو لما مسه من ريقه إن كان دخل. ¬

_ (¬1) آل عمران: 134. (¬2) فى ز: يدركها.

(10) باب فى أحاديث متفرقة

(10) باب فى أحاديث متفرقة 60 - (2996) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا - عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِقَتِ الملائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ ممَّا وُصِفَ لَكُمْ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وخلق الجان من مارج من نار "، قال الإمام: المارج: اللهيب المختلط بسواد النار. وقال الفراء: المارج: نار دون الحجاب، ومنها هذه الصواعق، وترى جلد السماء منها.

(11) باب فى الفأر وأنه مسخ

(11) باب فى الفأر وأنه مسخ 61 - (2997) حدّثنا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى العَنَزِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّىُّ، جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِىِّ - وَاللَّفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالَدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فُقِدَتْ أمَّةٌ مِنْ بَنِى إسْرَائيلَ، لا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَلا أرَاهَا إلا الفَأرَ، ألا تَرَوْنَهَا إذَا وَضِعَ لَهَا ألْبَانُ الإبِلِ لَمْ تَشْرَبْهُ، وَإذَا وُضِعَ لَهَا ألبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْهُ؟ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَحَدَّثْتُ هَذَا الحَدِيثَ كَعْبًا فَقَالَ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا. قُلْتُ: أأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ إسْحَاقُ فِى رِوَايَتِهِ: " لا نَدْرِى مَا فَعَلَتْ ". 62 - (...) وحدّثنى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: " الفَأرَةُ مَسْخٌ، وآيَةُ ذَلِكَ أنَّهُ يُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهَا لَبَنُ الغَنَمِ فَتَشْرَبُهُ، وَيُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهَا لَبَنُ الإبِل فَلا تَذُوقُهُ " فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: أسَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أفأنْزِلَتْ عَلَىَّ التَّوْرَاةُ؟. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فقدت أمة من بنى إسرائيل " وذكر الفأر، وذكر أنها لا تشرب ألبان الإبل، وتشرب ألبان الشاة، قال القاضى: استدل - عليه السلام - بهذا على أنها من بنى إسرائيل؛ لتحريم الإبل عليهم وألبانها. وقول أبى هريرة لما قال له كعب فى هذا الحديث: أسمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " أأنزلت علىّ التوراة؟ " يريد أبو هريرة: أنه لا علم عنده إلا من جهة ما سمع من النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لا يحدث عن غيره من الكتب، كما يحدّث كعب الذى سأله ويخبر عن التوراة والكتب المتقدمة. وفى الحديث الآخر قبله قلت: " أأقرأ التوراة؟ " كذا هو بمد همزة التقرير، مثل: آقرأت التوراة؟ بمعنى ما تقدم، وهو صحيح - والله أعلم.

(12) باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

(12) باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين 63 - (2998) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " لا يُلْدَغُ المؤمِنُ، مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ، مَرَّتَيْنِ ". (...) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أخِى ابْن شِهِابٍ عَنْ عَمِّهِ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ": هذا يروى على وجهين: أحدهما: بضم الغين على الخبر، ومعناه: المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذى لا يستغفل فيخدع مرة بعد أخرى، وهو لا يفطن بذلك. وقيل: إنه إنما أراد الخداع فى آمر الآخرة دون الدنيا. والوجه الآخر: كون الرواية بكسر الغين لالتقاء الساكنين على جهة النهى، على أن يؤتى من ناحية الغفلة، وهذا يصح إذ يتوجه أيضاً؛ لأنه من كلامه المخترع البديع الجامع الذى لم يسبق إليه، وسببه معروف حين أسر أبا عزة (¬1) بن عمير الشاعر أخا مصعب بن عمير يوم أحد، فساله أن يمن عليه وقد كان أسره يوم بدر، فسأله ذلك، فمنّ عليه وعاهده ألا يحرض عليه ولا يهجوه. فلما لحق بقومه رجع إلى ما كان عليه، فلما أسر هذه الثانية وسأله المن، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الكلام. ومعرفة هذا السبب مخرجة عن معنى من ذهب فيه إلى النهى، وإنما هو على الخبر منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفيه تنبيه عظيم للغافل وتأديب العاقل، وأن المراد إذا جرب الأذى من موضع أو وجه ما تنبه حتى لا يعود إليه ثانية منه. ¬

_ (¬1) فى ز: أبا عزيز، والمثبت أولى. وهو: عمرو بن عبد الله بن عمير بن أهيب (وهب) ابن حذافة بن جمح الجمحى، نسب إلى جده، قتله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبراً بحمراء الأسد، وكان ذا بنات فلم يبق إلا النساء. نسب قريش ص 397 (بنو جمح)، وجمهرة أنساب العرب ص 162. الموريطانى 2/ 179. وقد تبين من نسب أبى عزة، أنه الجمحى - من بنى جمح - ولكن مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، من بنى عبد الدار، فزيادة " أخا مصعب بن عمير " فى تعريف أبى عزة الجمحى وهم، ولعل سبب ذلك أنه كان لصعب بن عمير أخاً اسمه: زرارة بن عمير، يكنى: أبا عزيز، وكان أيضاً ممن أسر يوم بدر، فلذا جاء الضبط فى " ز " أبا عزيز لما جاء بعده؛ " أخا مصعب بن عمير " فهو وهم على وهم. وانظر نسب " مصعب " و " زرارة " ابنى عمير بن هاشم، من بنى عبد الدار فى جمهرة ابن حزم ص 126.

(13) باب المؤمن أمره كله خير

(13) باب المؤمن أمره كله خير (¬1) 64 - (2999) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِىُّ وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ المُغِيرَةِ - وَاللَّفْظُ لِشَيْبَانَ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجبًا لِأَمْرِ الْمؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا للِمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. وَإِنْ أَصَابتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يُعلَّق عليه فى جميع النسخ.

(14) باب النهى عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح

(14) باب النهى عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح 65 - (3000) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع، عَنْ خَالِد الْحذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنَ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلاً عِنْدَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فَقَالَ: " وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ " مِرَارًا " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا، وَالله حَسِيبُهُ، وَلا أُزَكِّى عَلَى اللهِ أحَدًا. أَحْسِبُهُ، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ، كَذَا وَكَذَا ". 66 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِى رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ، بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنْهُ فِى كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ النَّبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ " مِرَارًا يَقُولُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ كَانَ أَحدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ، لاَ مَحَالَةَ، فلَيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا - إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلكَ - وَلا أُزَكِّى عَلَى الله أَحَدًا ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر أحاديث المدح وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قطعت عنق أخيك ": قال أهل العلم: هذا كله فى التفاوت فى المدح ووصف الإنسان مما ليس فيه، أو لمن يخشى عليه العجب والفساد بسماع المدح وإلا فقد مدح - عليه السلام - ومدح بحضرته غيره بالنظم والنثر فلم ينكر، بل قد حض كعب بن زهير. قال بعض: هذا المتقدم من المقتصد فى المدح، فى الحديث أنه كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقبل الثناء إلا من مكافئ، أى من مقتصد فى المدح على أحد التأويلات. احتج أيضاً لهذا بقوله: " لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح " (¬1). وأما قوله: " احثوا التراب فى وجوه المدّاحين " فقد حمله المقداد وغيره - ممن جاء بعد - على ظاهره، وقال: خيبوهم ولا تعطوهم شيئاً لأجل مدحهم من قولهم. تربت يداه. وقيل: إذا مدحتم فتذكروا أنكم من تراب وتواضعوا، ولا تعجبوا بالمدح. وكان ¬

_ (¬1) البخارى، ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله: {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16] 4/ 201، أحمد 2/ 23، 24.

(...) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. وَلَيْسَ فِى حَدِيثِهِمَا: فَقَالَ رَجُلٌ: مَا مِنْ رَجُلٍ، بَعْدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أفْضَلُ مِنْهُ. 67 - (3001) حدّثنى أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: سَمِعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يُثْنِى عَلَى رَجُلٍ، وَيُطرِيهِ فِى المِدْحَةِ فَقَالَ: " لَقَدْ أَهْلَكْتمْ - أَوْ قَطَعْتُمْ - ظَهْرَ الرَّجُلِ ". 68 - (3002) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنى، جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَهْدِىٍّ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ المُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ يُثْنِى عَلَى أَمِيرٍ مِنَ الأُمَرَاءِ. فَجَعَل المِقْدادُ يَحْثِى عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ نَحْثِىَ فِى وُجُوهِ المَدَّاحِينَ التُّرَابَ. 69 - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لاِبنِ المُثَنى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ. فَعَمِدَ المِقْدَادُ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ - وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا - ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض من لقيناه يحكى أنّ معناه: قوموا عنهم وأثيروا بقيامكم النقع عليهم والتراب، وهو أبعد التأويلات. وقوله: " أحسب، ولا أزكى على الله أحداً " فى هذا أنه لا يقطع على عاقبة أحد ولا على ضميره؛ وإذ ذلك مغيب عنا، وإنما يقول بحسب الظاهر. ومعنى قطع العنق هنا وقطع الظهر: الهلاك، وأصله القتل، وهذا استعارة له من ذلك بهلاكه من جهة الدين، وربما كان من جهة الدنيا أيضاً، وما يسببه عليه عجبه. قال الإمام: خرج مسلم فى حديث: قام رجل يثنى على أمير، فجعل المقداد يحثى عليه التراب: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وابن المثنى، جميعًا عن ابن مهدى عن سفيان، عن حبيب، عن مجاهد عن أبى معمر، الحديث. هكذا إسناده عن حببب، عن مجاهد، عن أبى معمر. وفى نسخة ابن ماهان؛ عن حميد، عن مجاهد. جعل " حميداً " مكان " حبيب " وهو تصحيف، والصواب: حبيب، وهو ابن أبى ثابت. قال القاضى: وذكر بعده: حدثنا ابن مثنى وابن بشار قالا: حدثنا عبد الرحمن،

فَجَعَل يَحْثُو فِى وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ المَدَّاحِينَ، فاحْثُوا فِى وُجُوهِهِمُ التُّرابَ ". (...) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْياَن الثَّوْرِىِّ، عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَن هَمَّام، عن المِقْدَاد عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن سفيان، عن منصور. وحدثنا عثمان بن أبى شيبة. حدثنا الأشجعى عبيد الله بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن سفيان. كذا لجميعهم، وعند السمرقندى وبعضهم: عبيد الله بن عبيد الرحمن مصغراً. وكذا [ذكره البخارى (¬1). وكذا وجدته فى حاشية صحيح مسلم بخط شيخنا التميمى] (¬2). وكذا قيدناه عن أصحاب العذرى. ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 5/ 390. (¬2) سقط من ز.

(15) باب مناولة الأكبر

(15) باب مناولة الأكبر (¬1) 70 - (3003) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا صَخْرٌ - يَعْنِى ابْنَ جُوَيْرِيَةَ - عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرَانِى فِى الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِى رَجُلاَنِ؛ أحدهما أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا. فَقِيلَ لِى: كَبِّرْ. فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) لم يُعلَّق عليه فى جميع النسخ.

(16) باب التثبت فى الحديث، وحكم كتابة العلم

(16) باب التثبت فى الحديث، وحكم كتابة العلم 71 - (2493) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: اسْمَعِىَ يَارَبَّةَ الحُجْرَةِ، اسْمَعِى يَارَبَّةَ الحُجْرَةِ، وَعَائِشَةُ تُصَلِّى. فَلَمَّا قَضَتْ صَلاَتَهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: أَلا تَسْمَعُ إِلَى هَذَا وَمَقَالَتِهِ آنِفًا؟ إِنَّمَا كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا، لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ. 72 - (3004) حدّثنا هَدَابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِىُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لاَ تَكْتُبُوا عَنِّى، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّى غَيْرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحدِّثُوا عَنِّى وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ - قَالَ هَمَّام: أَحْسِبُهُ قَالَ - مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأُ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله - عليه السلام -: " لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه "، قال الإمام: روى عن زيد بن ثابت أنه دخل على معاوية فسأله عن حديث، فأمر إنساناً فكتبه. فقال له زيد: إن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر ألا نكتب [شيئاً] (¬1) من حديثه فمحاه (¬2). وهذا النهى قال فيه بعض العلماء: إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن فى صحيفة واحدة لئلا يختلط به، فيشتبه على القارئ. ويحتمل أن يكون النهى منسوخاً، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى خطبته: " اكتبوا لأبى شاه " (¬3) لما استكتبه، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل شكا إليه سوء الحفظ: " استعن بيمينك " (¬4)، وكتب - عليه السلام - كتاباً فى الصدقات والديات (¬5)، أو كتب عنه فعمل به الأمة ولم ينكرها أحد، وقد أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته بالتبليغ، فإذا لم يكتب ذهب العلم. قال القاضى: بين السلف اختلاف كبير فى كتابة العلم من الصحابة والتابعين، فكرهه كثير منهم، وأجازه الأكثر. فمنعه لما جاء من النهى عنه، ومخافة الاتكال على الكتاب وترك الحفظ، ولئلا يكتب شئ مع القرآن. ومنهم من كان يكتب، فإذا حفظ محا. ثم ¬

_ (¬1) فى هامش ح. (¬2) أبو داود، ك العلم، ب كتابة العلم، رقم (3647). (¬3) سبق فى ك الحج، ب تحريم مكة وصيدها، برقم (447). (¬4) الترمذى، ك العلم، ب ما جاء فى الرخصة فى كتابة العلم (2667). (¬5) سبق فى ك الحج، ب فضل المدينة، برقم (467).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع بعد الإتفاق على جوازه لما جاء عنه - عليه السلام - من إذنه لعبد الله بن عمرو فى الكتاب (¬1). قوله: " حدثوا عنى ولا حرج "، قال القاضى: فيه إباحة الحديث عنه، وتبليغ ما سمع منه، بل قد جاءت الآثار (¬2) بالحض على التبليغ والأمر به. لكنه قرن هذا بقوله بعد: " ومن كذب على " الحديث. قال: أحسبه قال: " متعمداً " تحذيراً من التساهل بالحديث عنه مما لم يتحقق، وتنبيهاً على التحرز فى ذلك لئلا يقع فى الكذب، لا سيما على الرواية التى ليست بقول " متعمداً "، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث أول الكتاب. وقول أبى هريرة حين حدث: " اسمعى ياربة الحجرة " يريد عائشة، ذلك - والله أعلم - ليكون قوة فى حديثه لإقرارها له ما يحدث به، ولم تنكر شيئاً منه سوى إكثاره كما قالت فى الحديث: " كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث حديثاً لوعدّه العاد لأحصاه ". وفيه إكرام الحرم، وأنه لم ينادها باسمها ولا بلقبها المعلوم من أم المؤمنين، بل بالكتابة، بلفظ تشترك فيه مع سواها من النساء. ¬

_ (¬1) أبو داود، ك العلم، ب كتابة العلم، برقم (3629). (¬2) منها: فى البخارى: ك العلم، ب قول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رب مبلغ أوعى من سامع " 1/ 26.

(17) باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام

(17) باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام 73 - (3005) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِد، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِثٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ للِمَلِكِ: إِنِّى قَدْ كَبِرتُ، فَابْعَثْ إِلَىَّ غُلاَمًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ. فَبْعَثَ إِلَيْهِ غُلاَمًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِى طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ، رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلاَمَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِر ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِك إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ: حَبَسَنى أَهْلِى، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِى السَّاحِرُ. فَبَيْنمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّة عَظِيمةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ. فَقَالَ: الْيَومَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأخَذَ حَجَراً فَقَالَ: اللهُمّ، إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِىَ النَّاسُ. فَرَماهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ. فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبرَهُ. فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَىْ بُنَى، أَنْتَ اليَوْمَ أَفْضَلُ مِنَى، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَىَّ. وَكَانَ الغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ، وَيُدَاوِى النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْواءِ. فَسَمِعَ جَلِيسٌ للمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِىَ، فَأَتاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ. فَقَال: مَا هَهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِى. فَقَالَ: إِنِّى لا أَشْفِى أَحَداً، إِنَّمَا يَشْفِى اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوَتُ اللهَ فَشَفَاكَ. فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاه الله. فَأتَى المَلِكَ فَجَلسَ إِلَيْهِ كَمَا كَان يَجلِسُ. فَقَالَ لَهُ الملكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّى. قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِى؟ قَالَ: رَبِّى وَرَبُّكَ اللهُ. فَأَخَذهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلامِ، فَجِىءَ بِالغُلامِ. فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: أَىْ بُنَىَّ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. فَقَالَ: إِنِّى لاَ أَشْفِى أَحَداً، إِنَّمَا يَشْفِى اللهُ. فَأخَذَهُ فَلمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِىءَ بِالرَّاهِبِ. فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث صاحب الأخدود: " إذا خشيت أهلك فقل: حبسنى الساحر ": جواز الكذب للضرورة لا سيما فى الله، وفى المدافعة عن الإيمان، ومن يصدع عنه. قوله: " دعا بالمئشار ": كذا هو مهموز، وعند السمرقندى: " المنشار " بالنون، وهما لغتان صحيحتان؛ بالنون والهمز. ويسهّل فيقال بالياء ولا يهمز.

دِينِكَ. فَأَبَى. فَدَعَا بِالمِئْشَارِ، فَوَضَعَ المِئشَارَ فِى مَفْرِقِ رَأسِهِ، فَشَقّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ. ثُمَّ جِىءَ بِجَلِيسِ المَلِكِ فَقِيلَ له: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى. فَوَضَعَ المِئْشَارَ فِى مَفْرِقِ رَأسِهِ، فَشَقّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ. ثُمَّ جِىءَ بِالغُلاَمِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى. فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعدُوا بِهِ الجَبَلَ، فإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلا فَاطْرَحُوُه. فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ. فَقَالَ. اللهُمَّ، اكْفِنِيهِم بِمَا شِئتَ. فَرَجَفَ بِهِمُ الجَبَلُ فَسَقَطُوا. وَجَاءَ يَمْشِى إِلَى المَلِكِ. فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ الله. فَدَفَعَهُ إِلى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِى قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاقْذِفُوهُ. فَذَهَبُوا بِهِ. فَقَاَل: اللهُمَّ، اكفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرقُوا، وَجَاءَ يَمْشِى إِلَى المَلِكِ. فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ. فَقالَ لِلْمَلِك: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلَى حَتَّى تَفعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِى عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِى، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ القَوْسِ ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلامِ، ثُمَّ ارْمِنِى. فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِى. فَجَمَعَ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: [" فرجف بهم الجبل "، قال الإمام: " أى تحرك حركة شديدة، ومنه قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} (¬1)] (¬2) أى: تتزلزل. قال القاضى: روى هذا الحرف لنا الخشنى عن الطبرى: " فزحف " بالحاء والزاى. والرواية الأولى عليها جماعة شيوخنا، وهى أصح، وإن كان قد يكون الزحف بمعنى الحركة والتقدم، يقال: زحف القوم إلى عدوهم: إذا نهضوا. وقوله: " فإذا بلغتم ذروته ": قال الإمام: أى أعلاه. وذروة كل شىء: أعلاه. وقوله: " اذهبوا به فاحملوه فى قُرقُور " بَضم القافين، القرقور: أعظم السفن، وجمعه قراقير. قال القاضى: الذى عرفناه فى هذا أن القرقور صغير السفن [وفى العين: هو ضرب من السفن، وفى الهروى: القرقور: صغير السفن] (¬3)، كذا رويناه عن شيخنا الحافظ أبى الحسين بن سراج اللغوى، وقرأناه عليه فيه ووقع فى بعض الروايات عن الهروى فيه: أعظم السفن، كما ذكره الإمام. وكذا كان عند شيخنا القاضى الشهيد فيه. وكذا فى ¬

_ (¬1) المزمل: 14. (¬2) و (¬3) سقط من ز.

عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِى كَبِدِ القَوْسِ ثُمَّ قَالَ: باسمِ اللهِ رَبِّ الغُلاَمِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِى صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِى صُدْغِهِ فِى مَوْضِعِ السَّهْمِ، فَمَاتَ. فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ. فَأُتِى المَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ، وَاللهِ، نَزَل بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِى أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ، وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ. فَفَعَلُوا. حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِىٌ، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا. فَقَالَ لَهَا الغُلامُ: يَا أُمَّه، اصْبِرِى، فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الحربى. وأرى هذه الرواية رأى الإمام، وأنكرها لنا أبو الحسين وقال: إنما هو الصغير على ما وقع فى أكثر نسخ الهروى، وهو الذى يدل عليه معنى الحديث؛ لأن السفن الكبار لا تستعمل فى مثل هذا، وإنما يستعمل فيه ما صغر منها، وكذلك فى حديث موسى - عليه السلام -: " فلما رأوا التابوت " يريد فى اليم "ركبوا القراقير حتى أتوا به ". وقال ابن دريد فى الجمهرة: القرقور ضرب من السفن، عربى معروف. والمعروف عند الناس فيه استعماله فيما صغر منها وخف للتصرف فيه. وعظام السفن إنما يستعمل لعظيم الأشغال وحمل الأثقال لا للتصرف فى الحوائج. ووقع فى رواية العذرى: " قرقورة " على معنى السفينة، والكل بضم القاف. وقوله: " فى صعيد واحد "، قال الإمام: الصعيد: الطريق الذى لا نبات فيه، وكذلك الزلق الصعيد أيضاً: وجه الأرض كالتراب. قال القاضى: المراد فى هذا الحديث بالصعيد الأرض نفسها، لا الطريق. وقول الغلام هذا، وفعله ما فعل بنفسه، ودل عليه الملك من قتله ليشتهر فى الناس أمر الإيمان ويروا برهانه كما كان. وقوله: " فأمر بالأخدود "، قال الإمام: هو الشق العظيم فى الأرض، وجمعه أخاديد، وقد تقدم ذكر السكك. وقوله: " فمن لم يرجع عن دينه فاحمه فيه أو قيل له: اقتحم "، قال القاضى: كذا هو فى جميع النسخ، وقال بعضهم: لعل صوابه: " فأحموه فيها، أو قولوا له: اقتحم " ولا يبعد عندى صحة معنى " أحموه " على ما روى من أحميت الحديدة والشىء فى النار. وفى هذا الحديث صبر الصالحين على الابتلاء فى ذات الله، وما يلزمهم من إظهار دينه والدعاء لتوحيده، واستقتالهم أنفسهم فى ذلك، وهو مراد الغلام بقوله للملك: " لست

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقاتلى حتى تصلبنى وتجمع الناس وتضع السهم فى كبد القوس وتقول: بسم الله رب الغلام ليرى الناس ذلك فيؤمنوا بالله كما كان. وفيه إثبات كرامات الأولياء وإجابة دعواتهم باختبارهم كما أظهر الله فى قصة هذا الغلام، وكفاية الله له من تلك المهالك. وكبد القوس: مقبضها عند الرمى.

(18) باب حديث جابر الطويل، وقصة أبى اليسر

(18) باب حديث جابر الطويل، وقصة أبى اليسر 74 - (3006) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوف وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِى لفْظِ الحَدِيثِ - وَالسِّيَاق لِهَارُونَ - قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوب بْنِ مُجَاهِدٍ أبِى حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجْتُ أنَا وَأبِى نَطْلُبُ العِلْم فِى هَذَا الحَىِّ مِنَ الأنْصَارِ، قَبْلَ أنْ يَهلِكُوا فَكَانَ أوَّلُ مَنْ لَقَينَا أَبَا اليَسَرِ - صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ غُلامٌ لَهُ، مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ، وَعَلَى أبِى اليَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعافِرِىٌّ، وَعَلَى غلامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعافِرىٌّ. فَقَالَ لَهُ أبِى: يَا عَمِّ، إنِّى أرَى فِى وجْهِكَ سَفُعةً مِنْ غَضَبٍ قَالَ: أجَلْ، كَانَ لِى عَلَى فُلانِ بْنِ فُلانٍ الحَرَامِىِّ مَالٌ، فأَتَيْتُ أهْلَهُ فَسَلَّمْتُ. فَقَلْتُ: ثَمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " خرجنا نطلب العلم ": فيه الرحلة فى طلبه. وقوله: " معه ضمامة من صحف "، قال الإمام: أى رزمة ضم بعضها إلى بعض. قال القاضى: كذا رويناه " ضِمامة " كما قال بكسر الضاد، وكذا هو فى جميع النسخ. وكتبنا فيه عن بعض شيوخنا: " ضمامة ". قال الهروى (¬1) فى حديث الرجم: الأضاميم: الحجارة، واحدتها أضمامة؛ لأن بعضها ضم إلى بعض. وكذلك فى جماعات الكتب والناس ولا يبعد عندى صحة ما جاءت به الرواية من ذلك، كما قالوا: ضبارة وإضبارة لجماعة الكتب، ولفافة لما يلف من الشىء - والله أعلم. وقوله: " وعلى أبى اليسر بردة ومعافرى "، قال الإمام: البردة تقدم ذكرها، والمعافرى، بفتح الميم، منسوب إلى معافر (¬2)، اسم قرية. وقوله: هى قرية تعمل فيها الثياب تسمى المعافرية باسمها. وأصل هذا قبيل من العرب من اليمن، سموا به باسم جبل ببلادهم يقال له: معافر. وحكى لنا أبو الحسين فى القبيل: معافر أيضاً بالضم، وأنكر يعقوب الضم. " وأبو اليسر " بفتح الياء باثنتين تحتها وفتح السين المهملة. وقوله: " فى وجهك سفعة من غضب "، قال الإمام: أى علامة. قال أبو بكر: يقال: سفعت الشىء إذا أعلمته، ومنه قول الشاعر: ¬

_ (¬1) لم نجدها فى غريب الحديث للهروى، وإنما وجدناها فى غريب الحديث للخطابى 1/ 283. (¬2) هى قبيلة من اليمن، رهو معافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن عمرو بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، لهم مخلاف باليمن ينسب إليه الثياب المعافرية. انظر: معجم البلدان 5/ 153.

هُوَ؟ قَالُوا: لا. فَخَرَجَ عَلىَّ ابنٌ لَهُ جَفْرٌ. فَقُلْتُ لَهُ: أيْنَ أبُوكَ؟ قَالَ: سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أرِيكَةَ أمِّى. فَقُلْتُ: اخْرُجْ إلَىَّ، فَقَدْ عَلِمْتُ أيْنَ أنْتَ. فَخَرَجَ. فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أن اخْتَبأتَ مِنِّى؟ قَالَ: أنَا، وَاللهِ، أحدِّثُكَ، ثُمَّ لا أكْذِبُكَ. خَشِيتُ، وَاللهِ، أنْ أحَدِّثَكَ فَأكْذِبَكَ، وَأنْ أعِدَكَ فَأخْلِفَكَ، وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُوَلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ، وَاللهِ، مُعْسِرًا. قَالَ: قُلتُ: آللهِ! قَالَ: اللهِ. قُلْتُ آللهِ! قَال: اللهِ. قُلْتُ: آللهِ! قَالَ: اللهِ. قَالَ: فأتى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ. فَقَالَ: إنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِى، وَإلا أنْتَ فِى حِلٍّ. فَأشْهَدُ بَصَرُ عَينىَّ هَاتَيْنِ - وَوَضَعَ إصْبَعَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ - وَسَمْعُ أُذُنَىَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِى هَذَا - وَأشَارَ إلى مَنَاطِ قَلْبِهِ - رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: " مَنْ أنْظَرَ مُعْسِرًا، أوْ وَضَعَ عَنْهُ، أظَلَّهُ اللهُ فِى ظِلِّهِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكنت إذا نفس الجبان نزت له ... سفعت على العرنين منه بميسم قال القاضى: يقال سفعة وسُفعة بفتح السين وضمها، وكذا رويناهما معاً. وأصل ذلك من السواد، وهو الارتداد الذى يظهر على وجه الغضبان. وقوله: " على فلان بن فلان الجذامى " كذا لابن ماهان بضم الجيم وذال معجمة، وعند أكثر الرواة: " الحرامى " بحاء مهلمة مفتوحة وراء، وعند الطبرى: " الحزامى " بكسرها وبالزاى، وهى أحد روايات ابن عيسى. وقوله: " فخرج ابن له جفر "، قال الإمام: قال الهروى (¬1): فى حديث حليمة التى أرضعت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فبلغ ستاً وهو جفر. يقال: استجفر الصبى: إذا قوى على الأكل فهو جفر. وأصله فى أولاد الغنم، فإذا أتى على أولادها المعز أربعة أشهر، وفُصل عن أمه، وأُخذ فى الرعى قيل له: جفر، والأنثى: جفرة. ومنه حديث أم زرع: " يكفيه ذراع الجفرة " (¬2). قال القاضى: قال غيره: الجفر: الذى قارب البلوغ ابن أربعة عشرة سنة ونحوها. وقوله: " دخل أريكة أمى "، قال الإمام: قال أحمد بن يحيى: الأريكة: السرير فى الحجلة، ولا يسمى مفردًا أريكة. وقال الأزهرى: كل ما اتكئ عليه فهو أريكة. قال القاضى: وقوله: " قلت: آلله. قال: الله ": كذا ضبطناه بالكسر هنا ممدود وعلى القسم والتقرير عليه، ورويناه فى غيره عن بعض شيوخنا بالفتح والكسر معاً، ¬

_ (¬1) غريب الحديث 2/ 307. (¬2) سبق فى ك الفضائل، برقم (92).

(3007) قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ أنَا: يَا عَمِّ، لَوْ أنَّكَ أخَذْتَ بُرْدَةَ غُلامِكَ وَأعْطَيتَهُ مَعَافِريَّكَ، وأخَذْتَ مَعَافِريَّهُ وَأعْطَيْتُه بُرْدَتَكَ، فَكَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ. فَمَسَحَ رَأسِى وَقَالَ: اللَّهُمَّ، بَارِكْ فِيهِ. يَا ابْنَ أخِى، بَصَرُ عَينىَّ هَاتَيْنِ، وَسَمْعُ أذُنىَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِى هَذَا - وَأشَارَ إلى مَنَاطِ قَلْبِهِ - رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُو يَقُولُ: " أطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأكُلُونَ، وَألبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ". وَكانَ أنْ أعْطَيْتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أهْوَنَ عَلَىَّ مِنْ أنْ يَأخُذَ مِنْ حَسَنَاتِى يَوْمَ القِيَامَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأكثر أهل العربية لا يجيزون فيه غير الكسر. وحكى أبو عبيد عن الكسائى: كل يمين ليس فيها واو قسم - يعنى أو أخواتها - فهى نصب، إلا فى قولهم: الله لا آتيك، فإنه خفض. وذلك أن القسم فيه عندهم معنى الفعل، أى أقسم وأحلف والله أو بالله، فإذا حذفوا حرفه عمل الفعل عمله. وقوله: " فأشهد بصر عينى "، قال القاضى: كذا رواه الرواة بفتح الصاد وضم الراء، وكذا [" سمع أذنى " بسكون الميم. قال سيبويه: العرب تقول] (¬1): سمع أذنى زَيدًا، ورأى عينى يقول ذلك ويفعل ذلك، وأنشدوا: ورأى عينى الفتى أخاك ... يعطى الجزيل فعليك ذاك وعند العذرى: " بصَر عينى " بفتح الصاد وفتح الراء و " عيناى " بالرفع. وكذا " سمع أذناى " بكسر الميم على الفعل، لكن قوله: " ووعاه قلبى " تحول بين الفعل ومفعوله، وهو قوله بعد: " رسول الله ". وقوله: " وأشار إلى نياط قلبه " هذه رواية العذرى، ولغيره " مياط " بالميم. ونياط القلب: عرق معلق منه، قاله صاحب العين. وقوله: " ولو أخذت بردة غلامك وأعطيته معافيرك، وأخذت معافرته وأعطيته برديك فكانت عليك حلة وعليه حلة ": كذا رويناه عن الجميع، وكذا هو فى سائر النسخ والأصول التى رأيت، والروايات الواقعة لنا، وقد نبهنا على اختلال (¬2) الرواية فيه بعض شيوخنا وقال: لعله: " لو أخذت معافرته وأعطيته برديك لأن مفهوم الكلام إنما أراد أن يكون على كل واحد بردتان أو معافرتان وهذا إنما يستقيم بأو كما قال. وأما بواو العطف فيقتضى أن بيدك كل واحد ما عليه من برد ومعافرى بما على الآخر ولا ثمرة لهذا ولا فائدة. ¬

_ (¬1) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬2) فى الرسالة: اختلاف.

(3008) ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى أتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِى مَسْجِدِهِ، وَهُوَ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُشْتَمِلاً بِهِ فَتَخَطَّيْتُ القَوْمَ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ. فَقلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، أتُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَردَاؤُكَ إلى جَنْبِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ بِيَدِهِ فِى صَدْرِى هَكَذَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ أصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا: أردْتُ أنْ يَدْخُلَ عَلَىّ الأحْمَقُ مِثْلُكَ، فَيَرَانِى كَيْفَ أصْنَعُ، فَيَصْنَعُ مِثْلهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فكانت عليك حلة وعليه حلة ": قال أبو عبيد (¬1): الحلة: إزار ورداء، ولا يسمى حلة حتى يكونا ثوبين، ومنه فى الحديث أنه " رأى رجلاً عليه حلة قد ائتزر بإحداهما وارتدى بالأخر " قيل: سميت حلة لحلولها أحدهما على الآخر. وقيل: لا يقال الحلة إلا للثوب الجديد الذى يحل من طيه. وقوله: " فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القبلة ": كل ذلك حرصاً على القرب منه والسماع والمزاحمة فى طلب العلم. وقوله: " يصلى مشتملاً فى ثوب واحد " لعله غير اشتمال الصماء، والمنهى عنه إنما هى الشملة الصماء، وقد مضى تفسيرها (¬2)، وما عداها من أنواع الاشتمال من الاعتطاف والاصطناع (¬3) وغيره فليس بمنهى عنه. وفى هذا الحديث دليل على صلاة الرجل فى ثوب واحد ليس عليه غيره. وقول جابر: " ليرانى الأحمق مثلك فيصنع مثله ": لئلا يلتزم الناس الرداء أبدًا فى الصلاة، فيظنه من لا علم عنده أنه لباس الرداء أبدًا فيها من حدودها اللازمة. ولا خلاف أنه من مستحبات الصلاة وفضائلها، لا سيما للأئمة وفى المساجد. وقد قيل ذلك فى قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬4). وقيل: المراد بالآية: لبس الثياب وستر العورة. وقيل: لبس الثياب فى الطواف بالبيت. وفيه أن قول هذا اللفظ ومثله لمغير المنكر فالمؤدب والحاكم والزاجر لا حرج فيه، إذا قاله لمن يستوجبه؛ لأنه ليس بهتك عرض ولا كشف سريرة، إذ كل أحد فيه نوع من الحمق والغفلة عن مصالحه، والنظر، فيما ينجيه، ومنه قول ابن عباس: الناس كلهم حمقى، ولولا ذلك [ما عاشوا. ومثل ذلك: الشتم بظالم إذ كل] (¬5) أحد ظالم لنفسه، فيمثل هذه الألفاظ زجرًا ولو التقى من استحق الزجر والتغيير فى الأغلاط لا بغيرها من الألفاظ السفهة والقزع. ولعله سماه أحمق لما لم يوافقه من فعله، وترك توقيره، لما فى تخطيه إليه الناس وجلوسه بينه وبين القبلة. ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 1/ 228. (¬2) فى ك اللباس، ب النهى عن اشتمال الصماء، برقم (70). (¬3) فى ح والرسالة: والاضطباع. (¬4) الأعراف: 31. (¬5) سقط من ز، واستدرك فى ح.

أتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَسْجِدِنَا هَذَا، وَفِى يَدِهِ عُرْجُونُ ابْنِ طَاب، فَرَأى فِى قبْلَةِ المَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِالعُرْجُونِ. ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " أيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ " قَالَ: فَخَشَعْنَا. ثمَّ قَالَ: " أيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ " قال: فخشعنا. ثم قال: " أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ " قُلْنَا: لاَ أيُّنَا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فإنَّ أحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّى، فَإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وفى يده عرجون ابن طاب "، قال الإمام: العرجون: عود الكباسة. والكباسة والعذق بكسر العين والعثكال والعثكول كله واحد. وكل غصن من أغصان الكباسة فيه شمراخ، والشمراخ هو الذى عليه البسر، من خمس تمرات إلى ثمان. و" ابن طاب ": نوع من التمر. قال ابن حمزة: " ابن طاب ": عذق بالمدينة. والعذق، بفتح العين، هو النخل نفسه. وقوله: " فخشعنا ": الخشوع: السكون والتذلل، وأيضاً الخضوع، وأيضاً الخوف، وأيضاً غض البصر فى الصلاة، قال الله تعالى: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} (¬1) أى انخفضت وسكنت وقوله: {فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬2) أى خاضعون. وقيل: خائفون. قال ابن سيرين: كان المسلمون يلتفتون فى صلاتهم فنزلت هذه الآية، فغضوا أبصارهم، فكان أحدهم ينظر إلى موضع سجوده. ويقال: خشع له ويخشع: إذا تذلل. قال ابن سلام: الخشوع: الخوف الثابت فى القلب. قال الليث: الخشوع قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع [فى البدن، والخشوع] (¬3) يكون فى البدن والبصر والصوت. قال القاضى: كذا رويناه: " فخشعنا " بالخاء المعجمة عن الأسدى والخشنى وغيرهما من شيوخنا، كما رواه الإمام أبو عبد الله. ورويناه عن القاضى الشهيد: " فجشعنا " بالجيم وكسر الشين، وكذا هو فى كتاب القاضى التميمى بخطه بالجيم، ومعناها صحيح. فبالخاء من الخشوع، على ما فسره وبالجيم بمعنى القرع، ومنه الحديث الآخر: " فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬4). قال الهروى: أى جزعاً لفراقه. والجشع الحرص على الأكل وغيره. وقوله: " فإن الله قبل وجهه ": [أى قبلة الله المعظمة. وقوله: " فلا يبصقن قبل وجهه] (¬5) ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى ": تعظيم أيضاً لجهة اليمين، ولأنها منزهة أبدًا عن الأقذار وعن استعمالها فى الأقذار فاستعمل فيها جهة اليسار وتحت الرجل؛ لئلا يؤذى من على يساره، إلا إذا دعته الضرورة فيباح له أن يبصق حيث أمكنه ويدفن. ¬

_ (¬1) طه:108. (¬2) المؤمنون: 2. (¬3) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬4) أحمد 5/ 235. (¬5) من ح.

عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، تَحْتَ رِجْلِهِ اليُسْرَى. فَإنْ عَجِلتْ بِهِ بَادِرَةٌ فَلْيَقُلْ بِثَوْبِه هَكَذَا " ثُمَّ طَوَى ثَوْبهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: " أرُونِى عَبِيرًا " فَقَامَ فَتًى مِنَ الحَىِّ يَشْتَدُّ إلَى أهْلِهِ، فَجَاءَ بِخَلُوقٍ فِى رَاحَتِهِ. فَأخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَهُ عَلَى رَأسِ العُرْجُونِ، ثُمَّ لَطَخَ بِهِ على أثَرِ النُّخَامَةِ. فَقَالَ جَابِرٌ: فَمِنْ هُنَاكَ جَعَلْتُمُ الخَلُوقَ فِى مَسَاجِدِكُمْ. (3009) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ، وَهُوَ يَطْلُبُ المَجْدِىَّ بْنَ عمرٍو الجُهَنِىَّ، وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ منَّا الخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ. فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فإن عجلت به بادرة ": أى غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه فلم يقدر على حبسها. وقوله: أرونى عبيرًا، قال الإمام: قال أبو عبيد: العبير عند العرب الزعفران وحده. وقال الأصمعى: هو أخلاط تجمع بالزعفران. قال ابن قتيبة: ولا أدرى القول إلا ما قاله الأصمعى لقوله - عليه السلام -: " أتعجز إحداكن أن تتخذ تومتين ثم تخلطهما بعبير وزعفران ". والتومة حبة تعمل من فضة كالدرة. قال القاضى: وقوله: " فأتى بخلوق ": هو طيب يخلط بزعفران وهو العنبر (¬1) على ما تقدم تصحيحه قبل، ويدل عليه قوله: " أرونى عنبرًا " ثم قال: " فجاء بخلوق ". وإمساك النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العرجون فى يده على عادة العرب من إمساك المخاصر فى أيديها، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل هذا. وفى حديث قبله: " وفى يده عسيب نخلة ". وفى الحديث تعظيم المساجد وتنزيهها عن الأقذار، وقد تقدم هذا فى الصلاة، وجواز تطييبها وتجميرها، إلا أنّ مالكاً رأى أنّ الصدقة أفضل، لا أنه كره التجمير، وكفى فى ذلك بإجزائه عمل المسلمين على مر الأعصار فى المسجد الحرام، ومسجد النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك. وقوله: " فثار فتى من الحى يجهد ": أى قام يجرى، كما جاء فى الرواية الأخرى. وقوله: " بطن بُواط ": هكذا ضبطه أهل اللغة بضم الباء وتخفيف الواو، هى أكثر روايات المحدثين، كذا قيده البكرى. وهو جبل من جبال جهينة. وهو عند العذرى بفتح الباء، وصحح لنا هذا الوجه ابن سراج. وقوله: " وهو يطلب المجدى بن عمرو " بالميم، كذا لعامة الرواة والنسخ، وفى بعضها: " النجدى بن عمرو " بالنون، وكذا فى كتاب القاضى التميمى. والمعروف ¬

_ (¬1) فى ح: العبير.

الأنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ، فَأنَاخَهُ فَرَكِبَهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَلَدُّنِ. فَقَالَ لَهُ: شَأ. لَعَنَكَ اللهُ. فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ هَذا اللاعِنُ بَعِيرَهُ؟ " قَالَ: أنَا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " انْزِلْ عَنْهُ، فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ. لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْألُ فِيها عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ". (3010) سِرْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كَانَتْ عُشَيْشيَةٌ، وَدَنَوْنَا مَاءً مِنْ مِياهِ العَرَبِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ رَجُلٌ يَتَقَدَّمُنَا فَيَمْدُرُ الحَوْضَ فَيَشْرَبُ وَيَسْقينَا؟ " قَالَ جَابِر: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أىُّ رَجُلٍ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالميم، وهو الذى ذكره الخطابى (¬1) فى هذا الحديث، وهو المجدى بن عمرو الجهنى. وقوله: " كان الناضح يعتقبه منا الخمسة "، قال الإمام: الناضح: جمل السقى، " ويعتقبه " أى يتدارك ركوبه. وقال صاحب الأفعال: اعتقبت الرجل: ركبت عقبه وركب أخرى، وعقبت بعده: أى جئت بعده. قال القاضى: قال صاحب العين فى العقبة: مقدار فرسخين. وقد جاء هذا الحرف فى رواية الفارسى: " يعقبه منا الخمسة " وهو بمعنى، يقال فى هذا وغيره عقبه يعقبه. وكذلك فى كل ما ذهب وخلفه آخر مكانه، ويقال فيه: اعتقبا وتعاقبا. قال الإمام: وقوله: " فركبه " يقال: ركبته بكسر الكاف أركبه ركوباً، أى علقته، وركبته بفتح الكاف أركبه ركباً، ضربته بركبتك وضربت ركبته. وقوله " فتلدن عليه بعض التلدّن ": أى تلكأ ولم ينبعث. وقوله: " شأ. لعنك الله "، قال القاضى: كذا رواه بعضهم بالشين المعجمة، وعند العذرى " سر " بالسين المهملة والراء، وعند بعضهم، وكذا فى أصل ابن عيسى: " سأ " بسين مهملة مهموز، وخرجه عليه " سر " وكتب عليه بخطه " جأ وشأ " زجر للبعير. وفى كتاب العين " سأ " بالسين المهملة زجر الحمار ليحتبس وشأشأت بالحمار: إذا قلت له تشؤتشؤ؛ لزجره للسير. وقوله: " عشيشية ": كذا الرواية لأكثرهم على التصغير. قال سيبويه: صغروها على غير مكبرها. وقوله: " فيمدر الحوض "، قال الإمام: يقال: مدرت الحوض مدرًا: إذا طينته لئلا يتسرب منه الماء. ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 1/ 125.

جَابِرٍ؟ " فَقَام جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ. فَانْطَلَقْنَا إلى البِئرِ، فَنَزَعْنَا فِى الحَوْضِ سَجْلاً أوْ سَجْلَيْنِ. ثُمَّ مَدَرْنَاهُ. ثُمَّ نَزَعْنَا فِيهِ حَتَّى أفْهَقْنَاهُ. فَكَانَ أوَّلَ طَالِعٍ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أتَأذَنَانِ؟ " قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَأشْرَعَ نَاقَتَهُ فَشَرِبَتْ. شَنَقَ لَهَا فَشَجَتْ فَبَالَتْ، ثُمَّ عَدَلَ بِهَا فَأنَاخَهَا. ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحَوْضِ فَتَوَضَّأ مِنْهُ ثُمَّ قُمْتُ فَتَوَضأتُ مِنْ مُتَوَضَّأ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَهَبَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ يَقْضِى حَاجَتَهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فنزعنا فى الحوض سجلاً أو سجلين ": قال صاحب الأفعال: نزعت الدلو: جريتها، ونزعت بالسهم: رميت به، ونزعت بآية من القرآن: أى تلوتها محتجاً بها. قال الهروى (¬1): والسجل: الدلو ملأى. وقوله: " أفهقناه ": أى ملأناه. والفهق: الامتلاء، يقال: أفهقت الإناء ففهق، وبئر مفهاق: أى كبيرة. قال القاضى: وقع فى رواية السمرقندى: " حتى أضففناه " وهو صحيح المعنى. قيل: معناه: ملأناه، كأنه - والله أعلم - بلغنا بالماء ضفتيه وهما جانباه، أو جمعنا فيه الماء. وضفة الناس: جماعتهم بفتح الضاد. وقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما: " أتاذنان " قلنا: نعم، هو - والله أعلم - لأنهما كانا أحق بالماء أولاً لأنفسهما وظهرهما لسبقهما إلى الماء، واستقائهما إياه، وعملهما الحوض لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يتقدمنا فيمدر الحوض فيشرب ويسقينا " فلما كان هو أول طالع عليهما احتاج إلى إذنهما فى تقديمه، وإن كان - عليه السلام - تقديمه واجباً فى كل شىء، ولكن هذه الحقوق المالية حائزها بالملك أو بالسبق أحق بها، مع علمه - عليه السلام - بتقديمها له وإيثاره على أنفسهما، لكنه أخذ بأفضل الأخلاق واستعمل من الآداب الشرعية والنفيسة ما يقتدى به فيها. وقوله: " فأشرع ناقته "، قال الإمام: يقال: شرعت الدواب فى الماء: إذا شربت منه وأشرعتها أنا [منه] (¬2). وقوله: " فشنق لها ": يقال: شنقت الناقة وأشنفتها: كففتها بزمامها. قال القاضى: شرع الرجل الماء: ورده، ويختص الشروع بالشرب بالفم من الماء بغير آنية ولا آلة. وشنقت البعير: إذا جذبت خطامه إليك وأنت راكبه. وقال فى الجمهرة (¬3): شنقت الناقة: إذا جذبت رأسها بذمامها حتى تقارب قفاها قادمة الرحل. ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 1/ 354. (¬2) ساقطة من ز. (¬3) انظر: 3/ 67 مادة " شنق ".

ليُصَلِّىَ، وَكَانَتْ عَلَىَّ بُرْدَةٌ ذَهَبْتُ أنْ أخَالِفَ بَيْنَ طَرَفَيْهَا فَلَمْ تَبْلُغْ لِى، وَكَانَتْ لَهَا ذَبَاذِبُ فَنَكّسْتُها ثُمَّ خَالَفْتُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيْها، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأخَذَ بِيدِى فَأدَارَنِى حَتَّى أقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ. ثُمَّ جَاء جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أقَامَنَا خَلْفَهُ. فَجَعلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمُقُنِى وَأنَا لا أشْعُرُ، ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فثجت وبالت ": كذا بالثاء والجيم عند العذرى، وعند غيره: " فشجت " بالشين المعجمة. وصوبه بعض الشيوخ وضبطناه هنا بتخفيف الجيم والفاء فيه أصلية، ومعناه على هذا: باعدت بين رجليها وتفاجت لتبول. وإلى هذا نحى الجيانى فى تصويب الحرف، وروايته عن العذرى ما تقدم، وقال: صوابه: " وفشجت "، وإن كان بعضهم روى هذه الرواية " فشجت " بتشديد الجيم، ولا معنى لها ولا لرواية العذرى هنا. وأنكر بعضهم الجيم مع الشين وقال: إنما هو " فشحت " بالحاء المهملة، كأنه من قولهم: شحى فاه: إذا فتحه، من معنى " تفاجت " المتقدم. ووجدت معلقاً عن بعضهم: صوابه: " فشجت ". قيل: لعل معناه: أمسكت عن الشىء (¬1) من قولهم: الحديث ذو شجون، أى يمسك بعضه بعضاً. وقد ذكر الخطابى (¬2) هذا الحديث ورواه: " ففسحت " كما اختاره الجيانى وفسره: تفاحت وفرجت ما بين رجليها لتبول، وكذا ذكره الهروى (¬3). وقوله: " لها ذباذب " قال الإمام: الذباذب: أسافل الثوب. قال الهروى: قال ابن عرفة: المذبذب: المضطرب الذى لا يبقى على حالة مستقيمة، يقال: تذبذب الشىء إذا اضطرب، ومنه قيل لأسافل الثوب: ذباذب. قال القاضى: الذباذب هنا: الأطراف والأهداب، والذلاذل مثله. وقوله: " ثم تواقصت عليها "، فال الإمام: يقول: أمسكت عليها بعنقى، وهو أن يحنى عليها عنقه. والأوقص (¬4): الذى قصرت عنقه. والوقص، بفتح القاف: قصر العنق، وبإسكانها: دق العنق، قاله ابن السكيت وغيره. وقوله: " فجعل يرمقنى وأنا لا أشعر ": يقال: رمقت الشىء رمقاً: أتبعت النظر إليه. وقوله: " فقال هكذا بيده ": يعنى شد وسطك. قال القاضى: فيه جواز الإشارة فى الصلاة، لا سيما بما يعود على مَنْ معه فيها، ¬

_ (¬1) في الرسالة والأبى: المشي. (¬2) انظر: غريب الحديث 2/ 127. (¬3) انظر: غريب الحديث 2/ 110. (¬4) فى ز: الأقوص، والمثبت من ح.

فَقَالَ هَكَذَا، بِيَدِهِ. يَعْنِى شُدَّ وَسَطَكَ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا جَابِرُ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " إذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْه. وإذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ ". (3011) سرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَوتُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا، فِى كُلِّ يَوْمٍ، تَمْرةً. فَكَانَ يَمَصُّها ثُمَّ يَصُرُّهَا فِى ثَوْبِهِ، وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا وَنَأكُلُ، حَتَّى قَرِحَتْ أشْدَاقُنَا. فأقْسِمُ أخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا. فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُهُ، فَشَهِدْنَا أنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا، فَأعْطِيهَا فَقَامَ فَأخَذَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك العمل الخفيف فيها، كرده عليه [لجابر من على] (¬1) شماله إلى يمينه، كما فعل بابن عباس فى الحديث الآخر (¬2)، ورده له ولجبار خلفه، وأنّ هذا حكم المصلين خلف الإمام؛ إذا كان واحداً فعن يمينه، وإن كانا اثنين خلفه. وقد يفسر هذا ويقدر فى الصلاة، وتقدم هناك (¬3) ذكر العمل فى الصلاة وما فيه من خلاف. وقوله: " اشدده على حقوك ": هو شد الإزار من الجسد وهو الخصر، وقد يسمى به الإزار لكونه هناك، ومنه الحديث: " فأعطانا حقوه " (¬4). وفيه أن الصلاة بما يشغل الإنسان من لباس أو غيره ممنوعة وإن لم يكن عليه سواه عند الضرورة وأنه أولى من تغطية الجسد به، ومنه النهى عن صلاة الحازق وهو الضيق الخف، وفيه جواز الصلاة فى المئزر [وإن لم يكن عليه سواه عند الضرورة، وأنه أولى من تغطية الجسد به] (¬5) وحبسه (¬6). وقوله: " نختبط بقسينا "، قال الإمام: أى نضرب بها الشجر ليتحات ورقه، واسم الورق المخبوط: خبط بفتح الباء، وهو من علف الإبل. والخبط: العصا التى يخبط بها أوراق الشجر. وقوله: " ينعشه ": قال صاحب الأفعال: نعش الله فلانًا نعشاً: أى جبره، والرجل غيره كذلك، وأنعشه لغة. وقال غيره: النعش: الارتفاع، ومنه سمى نعش الجنازة لارتفاعه. ونعشت الرجل: أى رفعت منزلته. قال الهروى: وقالت عائشة فى أبيها: " فانتاش الدين ينعشه إياه " أي: استدركه بإقامته إياه من مصرعه. وانتعش العليل: إذا أفاق. ¬

_ (¬1) فى ز: جابر بن على. (¬2) سبق فى ك صلاة المسافرين، ب الدعاء فى صلاة الليل، برقم (363). (¬3) سبق فى ك المساجد، ب جواز لعن الشيطان أئناء الصلاة، برقم (40). (¬4) سبق فى ك الجنائز، ب غسل الميت برقم (939). (¬5) سقط من ز، والمثبت من ح. (¬6) فى ز: وجنسه.

(3012) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزلْنَا وَادِيًا أفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِى حَاجَتَهُ، فَاتَّبَعْتُهُ بِإدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، فَإذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئ الوَادِى. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى إحْدَاهُمَا فَأخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أغْصَانِهَا. فَقَالَ: " انْقَادَى عَلَىَّ بإذْنِ اللهِ " فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالبَعِيرِ المَخْشُوشِ، الَّذِى يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أتَى الشَّجَرَةَ الأخْرَى، فَأخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أغْصَانِهَا، فَقَالَ: " انْقَادِىَ عَلَىَّ بإذْنِ اللهِ " فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إذا كَانَ بالمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا، لأمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِى جَمَعَهُما - فَقَالَ: " التَئِمَا عَلَىَّ بإذْنِ اللهِ " فَالتأمَتَا. قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أحْضِرُ مَخَافَةَ أنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِى فَيَبْتَعِدَ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: فَيَتَبعَّدَ - فَجَلَسْتُ أحَدِّثُ نَفْسِى، فَحَانَتْ مِنِّى لَفْتَةٌ، فَإذَا أنا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلاً، وَإذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا. فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ. فَرَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً. فَقَالَ بِرَأِسهِ هَكَذَا - وَأشَارَ أبُو إسْمَاعِيلَ بِرأسِهِ يَمِينًا وَشِمالاً - ثُمَّ أقْبَلَ. فَلَمَّا انْتَهَى إلىَّ قَالَ: " يَا جَابِرُ، هَلْ رَأيْتَ مَقَامِى؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فَانْطلَقْ إلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، فَأقْبِلْ بِهِمَا، حَتَّى إذَا قُمْتَ مَقَامِى فَأرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: قال بعضهم: معناه هنا: يرفعه ويقيمه - والله أعلم - من شدة الضعف والجهد، وهو من نحو ما تقدم من التفسير. والأشبه عندى هنا أن يكون معنى "ننعشه ": أى يشد منه ويشهد له، كما قال فى الحديث: " فشهدنا له أنه لم يعطها " يعنى الثمرة " فأعطيها ". وقوله: " وادياً أفيح ": أى واسعاً. وقوله فى الشجرة: " فانقادت عليه كالبعير المخشوش ": هو الذى يجعل فى أنفه خشاش، وهو عود يعرض فى أنفه إذا كان صعباً، ويشد فيه حبل لينقاد ويذل، وهو مع ذلك يتمانع لصعوبته، فإذا شُدَّ عليه وألمه نزع العود انقاد شيئاً؛ ولذا قال: " الذى يصانع قائده ". وقوله: " بالمنصف ": أى نصف المسافة. وقوله: " فلأم بينهما ": كذا لابن عيسى مهموز مقصور بغير مد، ولغيره: "لاءم " بالمد - والهمز، وكلاهما صحيح، أى جمع بينهما، كما قال: " التئما علىّ بإذن الله "

قَالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ، فَانْذَلَقَ لِى. فَأتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أقْبَلتُ أجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِى وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِى، ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: " إنِّى مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَأحْبَبْتُ، بِشَفَاعَتِى، أنْ يَرفَّهَ عَنْهُمَا، مَا دَامَ الغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فالتأمتا. وعند العذرى: " فالام " بغير همز رباعى، وليس بشىء وهو تغيير. وقوله: " فخرجت أحضر "، قال الإمام: أى أجرى. قال فى الأفعال: أحضر: جرى جرياً شديدًا. والحضر: المطلق. قال الهروى: أحضر إذا عدى، واستحضر دابته: إذا حملها على الحضر وهو العدو. قال القاضى: وقوله: " فحانت منى لفتة " بفتح اللام، أى نظرة والتفاتة. وعند الصدفى: " حالت " باللام، وهما بمعنى الحين، والحال: الوقت، أى اتفقت وكانت. وقوله: " فأخذت حجراً فكسرته فحسرته "، قال الإمام: يعنى غصنًا من أغصان الشجرة، يريد قشرتها، ومنه يقال: حصرت الدابة: إذا أتعبتها فى السير حتى تتجرد من بدانتها. قال القاضى: هذا تفسير الهروى لهذا الحرف فى هذا الحديث، [(¬1) ولا يعطى مساق الكلام ولا صحته أن يريد بحسرته قشرة الغصن كما قال، فإنه بعد لم يصل إليه وبعد ذلك قال: " ثم أتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنًا " فكيف وقد قال: " فحسرته فانزلق "؟ وهذا يدل أنه إنما أراد الحجر نفسه وأنه كسره، كما قال: ثم أزال عنه كل ما تشظى وتكسر منه، حتى اندلق وبقى حاداً يمكن به القطع. وإلى هذا نحا الخطابى، وكذا رويناه عنه فى كتابه (¬2) بالسين المهملة. وأما روايتنا عن جميع شيوخنا فى هذا الحرف فى الأم فإنما هى بالشين المعجمة، وهو أصح، ومعناه: حشر: أى خفيف. وقوله: " فاندلق " بذال معجمة، أى انحد. وذلق كل شىء حده. وسنان مزلق: أى محدد. وقوله - عليه السلام -: " فأحببت بشفاعتى أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين " يفسر مشكل قوله فى الحديث الآخر: " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا (¬3) "، وأن ذلك بدعوته لهما بذلك، لا كما قال بعضهم مما ذكرناه أول الكتاب فى الطهارة. ¬

_ (¬1) بداية سقط من ز. (¬2) انظر: غريب الحديث 1/ 127. (¬3) الحديث أخرجه مسلم، ك الطهارة، ب الدليل على نجاسة البول، برقم (111).

(3013) قَالَ: فَأتَيْنَا العَسْكَرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جَابِرُ، نَادِ بِوَضُوءٍ " فَقُلْتُ: ألا وَضُوءَ؟ ألا وَضُوءَ؟ ألا وَضُوءَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا وَجَدْتُ فِى الرَّكْبِ مِنْ قَطْرَةٍ. وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَاءَ، فِى أشْجَابٍ لَهُ، عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ. قَالَ: فَقَالَ لِىَ: " انْطَلِقْ إلَى فُلانِ بْنِ فُلانٍ الأنْصَارىِّ، فَانْظُرْ هَلْ فِى أشْجَابِهِ مِنْ شَىْءٍ؟ " قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إلَيْهِ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَلَمْ أجِدْ فِيها إلا قَطْرَةً فِى عَزْلاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أنِّى أفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. فَأتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " يبرد الماء فى أشجاب له ": فيل: أعواد تعلق عليها قرب الماء وأوانيه، مأخوذة من مشجب الثياب. قوله: " على حمارة من جريد ": كذا الرواية الصحيحة عند شيوخنا، وعند ابن عيسى: " حمار " كلاهما بالحاء، وهى مثل الأشجاب. ومنه سميت الأعواد التى يوضع عليها السرج حماراً. ووقع عند السمرقندى: " على جمارة " بجيم مضمومة وميم مشدودة، وليس بشىء لقوله بعد ذلك: " من جريد ". قال القاضى: بهذا فسر فى الحديث الأشجاب شيوخنا، وهو صحيح فى العربية. قال ابن دريد: الشجاب والمشجب واحد، ويقال لها: الشجب أيضاً، ويسمون الثلاث الخشبات التى يعلق عليها الراعى سقاءه ودلوه: الشجب، وقد يسمى الحمارة. قال القاضى: ولكنه مع قوله: " على حمارة له " لا يستقيم أن يقال: " فى أشجاب على حمار " وإنما الأشجاب هنا الأسقية الخليقة، ويدل عليه الحديث بقوله: " يبرد الماء فى أشجاب له على حمارة من جريد ". وقوله: " فانظر هل فى أشجابه من شىء "، وقوله: " إلا قطرة فى عزلاء شجب " فهذا كله يدل أنها السقاء. ومنه فى حديث ابن عباس: " فقام إلى شجب فاصطب منه الماء " (¬1). فهذا هو تفسير الشجب فى هذا الحديث وما قالوه. قال الهروى: الشجب من الأسقية ما استشن وأخلق. وقال بعضهم: سقاء شاجب، أى يابس. وقوله: " عزلاء شجب ": أى فمه ومخرج الماء منه. وقوله: " لو أنى أفرغه لشربه يابسه ": أى لقلة ما كان فيه من الماء وفرط يبس الشجب، لو فرغ هذا الماء منه لاشتفه الشجب. وهذا كله يدل على أن الأشجاب هنا الأسقية. وقوله: " يغمزه بيده " أى يحركه ويعصره. ¬

_ (¬1) سبق فى ك صلاة المسافرين، ب الدعاء فى صلاة الليل. حديث برقم (183).

اللهِ، إنِّى لَمْ أجَدْ فِيهَا إلا قَطْرَةً فِى عَزْلاء شَجْبٍ مِنْهَا. لَوْ أنِّى أفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. قَالَ: " اذْهَبْ فَأتِنى بِهِ " فَأتَيْتُهُ بِهِ فَأخَذَهُ بِيَدِهِ فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِشَىْءٍ لا أدْرِى مَا هُو، ويَغْمِزُهُ بِيَدَيْهِ. ثُمَّ أعْطَانِيهِ فَقَاَلَ: " يَا جَابِرُ، نَادِ بِجَفْنَةٍ " فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ، فَأتَيتُ بِهَا تُحْمَلُ، فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِى الجَفْنَةِ هَكَذَا. فَبَسَطَهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ أصَابِعِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِى قَعْرِ الجفْنَةِ. وَقَالَ: " خُذْ يَا جَابِرُ، فَصُبَّ عَلَىَّ وَقُلْ: بِاسمِ اللهِ " فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ وقلت: باسم الله. فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم فارت الجفنة ودارت حَتَّى امْتَلأتْ. فَقَالَ: " يَا جَابِرُ، نَادِ مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِماءٍ " قَالَ: فأتَى النَّاسُ فَاسْتَقَوْا حَتَّى رَوُوا. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ بَقِىَ أحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ؟ فَرَفَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الجَفْنَةِ وَهِىَ مَلأى. (3014) وَشَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجُوعَ. فَقَالَ: " عَسَى اللهُ أنْ يُطْعِمَكُمْ " فَأتَيْنَا سِيفَ البَحْرِ، فَزخَرَ البَحْرُ زَخْرَةً، فَألْقَى دَابَّةً. فأوْرَيْنَا عَلَى شِقِّهَا النَّارَ. فَاطَّبَخْنَا واشْتَوَيْنَا وَأكَلْنَا حتَّى شَبِعْنَا. قَالَ جَابِرٌ: فَدَخَلْتُ أنَا وَفُلانٌ وَفُلانٌ، حَتّى عَدَّ خَمْسَةً، فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فاتينا سيف البحر ": هو ساحله بكسر السين. وقوله: " فزخر البحر زخرة ": كذا رواية أكثرهم بالخاء المعجمة، ووقع للعذرى وابن ماهان " زجز " والأول الصواب. وقالوا: زخر البحر يزخر زخوراً: إذا طما موجه. وحجاج العين بفتح الحاء وكسرها: عظمها المستدير بها. وقوله: " أعظم كفل فى الركب ": الكفل، بكسر الكاف وإسكان الفاء: الكساء الذى يحويه راكب البعير على سنامه إذا ارتدفه لئلا يسقط، فيحفظ الكفل الراكب. قال الهروى (¬1): قال أبو منصور: ومنه اشتق {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} (¬2)، أى نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصى، كما يحفظ الكفل الراكب. قال القاضى: الكفل هنا: النصيب، وزيادة أبو منصور تحكم منه، ويرد عليه قوله تعالى: {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} (¬3)، أترى هذه تحفظه؟ ووقعت فى رواية التميمى والصدفى فى هذا الحرف] (¬4): " كفل " بفتح الكاف والفاء، والصحيح ما تقدم. وكذا روى الجيانى وغيره عن العذرى فى الحرف الآخر قبيل هذا: " أعظم رحل " ¬

_ (¬1) انظر: غريب الحديث 4/ 428، 429. (¬2) الحديد: 28. (¬3) النساء: 85. (¬4) نهاية السقط من ز، والمثبت من ح.

حِجَاجِ عَيْنهَا، مَا يَرَانَا أحَدٌ، حتَّى خَرَجْنَا فَأخَذْنَا ضِلَعًا مِنْ أضْلاعِهِ فَقَوَّسْنَاهُ، ثُمَّ دَعَوْنَا بِأعْظَمِ رَجُلٍ فِى الرَّكْبِ، وَأعْظَم جَمَلٍ فِى الرَّكْبِ، وَأعْظَم كِفْلٍ فِى الرَّكْبِ، فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأطِئُ رَأسَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولغيره: " رجل " وهو أصوب وأشبه بمساق الكلام. وكذلك اختلف فيه رواة البخارى (¬1) أيضاً. وفى هذا الحديث غرائب من معجزاته الباهرة وعجائب من علامات نبوته الظاهرة؛ من طاعة الشجرتين له وانقيادهما والتئامهما ثم افتراقهما، وتكثير الماء ونبعه من بين أصابعه، وهذه فى ذاتها قد رويت عنه فى مواطن بروايات متفقة المعنى (¬2). ومن بركته فى بيوتهم بالثمرة، ومن الكلام فى خبر هذه الدابة التى ألقاها البحر فى غزوة أبى عبيدة فى الجهاد، ويظهر أنها قصة أخرى لسياق الحديث. وظاهره أن ذلك لمحضر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفى هذه الغزوة. وقد يحتمل أنها تلك وأوردها جابر هنا بعد ذكره ما شاهده مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما ذكر، وعطف هذه القصة عليه. ¬

_ (¬1) البخارى، ك المغازى، ب غزوة سيف البحر 5/ 210. (¬2) أشار إلى بعضها الإمام مسلم فى صحيحه، ك الفضائل، ب معجزات النبى - عليه السلام - فى أحاديث رقم (4 - 7، 10).

(19) باب فى حديث الهجرة. ويقال له: حديث الرحل

(19) باب فى حديث الهجرة. ويقال له: حديث الرَّحْل 75 - (2009) حدّثنى سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أعْيَنَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إلَى أبِى فِى مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثْ مَعِىَ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِىَ إلَى مَنْزِلىِ. فَقَالَ لِى أبِى: احْمِلْهُ. فَحَمَلْتُهُ، وَخَرَجَ أبِى مَعَهُ يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ. فَقَالَ لَهُ أبِى: يَا أَبَا بَكْر، حَدِّثْنِى كَيْفَ صَنَعْتُمَا لَيْلَةَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ. أسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا، حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلا الطَّرِيقُ فَلا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، حَتَّى رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَها ظِلٌ، لَمْ تَأتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا، فَأتَيْتُ الصَّخْرَةَ فَسَوَّيْتُ بِيَدِى مَكَانًا، يَنَامُ فِيهِ النَّبِىُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى حديث الهجرة: " حتى قام قائم الظهيرة ": الظهيرة: هى الهاجرة، وهى ساعة الزوال وانتصاف النهار، ومنه سميت صلاة الظهر. قال يعقوب: الظهيرة: نصف النهار فى القيظ حتى تكون الشمس بحيال رأسك وتركد، وركودها أن تدوم حيال رأسك، كأنها لا تبرح. وهذا معنى قوله: " قام قائم الظهيرة "، كأنه وقف ولم يبرح، إما كناية عن الشمس أو الظل لوقوفه عن الزيادة حينئذ، حتى يستبين زوال الشمس. وقوله: " فرفعت لنا صخرة طويلة ": أى ظهرت وارتفعت لأبصارنا. وقوله: " لها ظل لم تأت عليه الشمس بعد ": يريد ظل أول النهار، أى لم يف عليه. والظل: ما كان من غدوة إلى الزوال ما لم يصبه شمس، وهو أبرد وأطيب. والفىء: ما كان بعد الزوال ورجوعه من المشرق إلى الغرب، مما كانت عليه الشمس وأصابت أرضه. وقوله: " فبسطت عليه فروة، ثم قلت: نم " قيل: أراد بالفروة هنا حشيشة من النبات، لكنه ورد فى صحيح البخارى: " فروة معى " (¬1)، وهذا يبعد هذا التأويل - والله أعلم. وفى حديث الخضر: أنه جلس على فروة بيضاء وحصير تحته خضراً. وقال عبد الرزاق: أراد بالفروة الأرض اليابسة. وقال الهروى: قال غيره: يعنى الهشيم اليابس، شبه بالفروة. وقال الخطابى (¬2): هى الأرض البيضاء. ¬

_ (¬1) البخارى، ك مناقب الأنصار، ب هجرة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إلى المدينة 5/ 82. (¬2) انظر: غريب الحديث 1/ 222.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى ظِلِّهَا، ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً. ثُمَّ قُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأنَا أنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ. فَنَامَ، وخَرَجْتُ أنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإذَا أنَا بِرَاعِى غَنَمٍ مُقْبِلٍ بِغنمِهِ إلى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذى أرَدْنَا. فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: لِمَنْ أنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ. قُلْتُ: أفِى غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أفَتَحْلُبُ لِى؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأخَذَ شَاةً فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرَعَ مِنَ الشَّعَرِ وَالتُّرَابِ والقَذَى - قَالَ: فَرَأيْتُ البَرَاءَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأخْرَى يَنفُضُ - فَحَلَبَ لِى، فِى قَعْبٍ مَعَهُ، كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ. قَالَ: وَمَعِى إدَاوَةٌ أرْتَوى فِيهَا لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأ. قَالَ: فأتَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِهْتُ أنْ أوْقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ، فوَافَقْتُهُ اسْتَيْقَظَ. فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ المَاء حَتَّى بَرَدَ أسْفَلُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَن. قَالَ: فَشَرِبَ حَتى رضِيتُ. ثمَّ قَالَ: " ألَمْ يأنِ لِلرَحِيلِ؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فاَرْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتّبَعَنا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ: وَنَحْنُ فِى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " وأنا أنفض لك ما حولك ": أى أفتش وأبحث لئلا يفجأك من يغتالك. والنفيضة: الجماعة تتقدم العسكر فتنفض ما أمامه، قال ابن دريد: كالطليعة. وقوله فى الراعى: " رجل من أهل المدينة ": قيل: هو وهم، وصوابه: من أهل مكة. وكذا وقع فى البخارى (¬1) من رواية إسرائيل: " لرجل من قريش " وفى رواية غيره: " لرجل من المدينة أو مكة " (¬2). وقوله: " أفى غنمك لبن ": ضبطناه كذا بفتح اللام والباء، و " لُبْن " بضم اللام وسكون الباء على وصف جماعة الشياه، أى ذوات ألبان، ويقال: شاة لبنة، وشاة لبن، وقد تسكن مثل هذا. والقعب: إناء من خشب مقعر معروف. " وكثبة من لبن " بضم الكاف، وهى قدر الحلبة، قاله يعقوب. وقيل: القليل منه، قاله ابن الأعرابى. وفيه جواز الشرب من الغنم التى عند الرعاة إذا كانت بالبوادى، وحيث يعرف أنّ أربابها لا يطلبون لبنها، وأنه مباح للرعاة أو حيث العادة أنّ ذلك لا يمنع ويباح لشاربه. وقد سئل مالك عن المسألة على الجملة فقال: لا يعجبنى، وقد تقدم الكلام على هذا. ¬

_ (¬1) البخارى، ك اللقطة 3/ 166. (¬2) البخارى، ك المناقب، ب علامات النبوة 4/ 241.

جَلَدٍ مِنَ الأرْضِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُتِينَا. فَقَالَ: " لا تَحْزَنْ إنَّ اللهَ مَعَنَا "، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إلى بَطْنِها. أُرَى فَقَالَ: إنِّى قَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَى، فَادْعُوا لِى، فَاللهُ لَكُمَا أنْ أرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ. فَدَعَا اللهَ، فَنَجَى، فَرَجَعَ لا يَلقَى أحَدًا إلا قَالَ: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هَهُنا. فَلا يَلْقَى أحدًا إلا رَدَّهُ. قَالَ: وَوَفَى لَنَا. (...) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَاه إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، كِلاهُمَا عَنْ إسْرَائيلَ، عَنْ أبِى إسحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ. قَالَ: اشْتَرى أَبُو بَكْرٍ مِنْ أبِى رَحْلاً بِثلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَسَاقَ الحَدِيثَ، بِمَعْنى حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَنْ أبِى إسْحَاقَ. وَقَالَ فِى حَدِيثِهِ، مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ: فَلَمَّا دَنَا دَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَاخَ فَرَسُهُ فِى الأَرْضِ إلَى بَطْنِهِ، وَوَثَبَ عَنْهُ. وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللهَ أنْ يُخَلَّصَنِى مِمَّا أنَا فِيهِ، وَلَكَ عَلَىَّ لأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِى. وَهَذِهِ كِنَانَتِى، فَخُذَ سَهْمًا مِنْهَا فَإنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إبِلِى وَغِلْمَانِى بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ. قَالَ: " لا حَاجَةَ لِى فِى إبِلِكَ ". فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ لَيْلاً، فَتَنَازَعُوا أيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أنْزِلُ عَلَى بَنِى النَّجَّارِ، أخْوَالِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ " وجدد الأرض " بفتح الجيم: الخشن منها، قاله لنا ابن سراج. وفى الجمهرة والغريبين: هو المستوى، كذا رواه العذرى. ولغيره: " جلد " باللام بمعنى الأول، أى صلب خشن غليظ. واحتاج لذكر " جدد الأرض " هاهنا ارتطام فرس سراقة فيها، وتسوخها (¬1) لتبين المعجزة وتظهر الآية، إذ لو كانت الأرض سبخة ورخواً دهنية لم يستغرب مثل ذلك فيها. وقوله: " لأعمين على من ورائى ": أى أخفى أمركم وألبسه عليهم، حتى لا يتبعوكم. وقوله: " ارتطمت فرسه إلى بطنها "، قال الإمام: أى ذهبت وساخت. قال القاضى: وقوله - عليه السلام -: " أنزل على بنى النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم [بذلك] (¬2): فيه صلة القرابة وبرهم وإيثارهم. ¬

_ (¬1) فى ح: وسؤوخها. (¬2) من ح.

أكْرِمُهُم بِذَلِكَ " فَصَعَدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ البُيُوتِ، وَتَفَرَّقَ الغِلْمَانُ وَالخَدَمُ فِى الطُّرُقِ. يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتنرق الخدم والغلمان فى الطريق ينادون يا محمد، يا رسول الله ": فيه ما كان أتى الله نبيه - عليه السلام - من المحبة فى القلوب ما خص الله به هذا الحى من الأنصار؛ لما أراده الله بهم من الخير، وما قضاه من إظهار دينه على أيديهم.

54 - كتاب التفسير

بسم الله الرحمن الرحيم 54 - كتاب التفسير 1 - (3015) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قِيلَ لِبَنِى إسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ يُغْفَرْ لَكُم خَطَايَاكُمْ. فَبَدَّلُوا. فَدَخَلُوا البَابَ يَزْحَفُونَ عَلَى أسْتَاهِهِم. وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِى شَعَرَةٍ ". 2 - (3016) حدّثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِى. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ - يَعْنُونَ ابْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعدٍ - حَدَّثَنَا أبِى، عَنْ صَالِحٍ - وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أخْبَرَنِى أنَسُ بْنِ مَالِكٍ؛ أنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - تَابَعَ الوَحْىَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تُوُفِّىَ، وَأكْثَرُ مَا كَانَ الوَحْىُ يَوْمَ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 3 - (3017) حدّثنى أَبُو خَيْثَمَةَ، زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى - وَاللَّفْظُ لابْنِ المُثَنَّى - قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ مَهْدِىٍّ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ؛ أنَّ اليَهُودَ قَالوا لِعُمَرَ: إنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ آيَةً، لَوْ أنْزِلَتْ فِينَا لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: إنِّى لأعْلَمُ حيْثُ أنْزِلَتْ، وَأىَّ يَوْم أنْزِلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أُنْزِلَتْ. أنْزِلَتْ بِعَرَفَةَ، وَرَسُوَلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَة. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: وقول عائشة: " فيعضلها " (¬1): العضل: التضييق أو المنع، يقال: عضلنى عن الأمر: أى منعنى عنه، وأعضل فى الأمر: إذا ضاقت عليك الحيل فيه. وأصله من عضلت الناقة: إذا تشب ولدها فلم يسهل مخرجه، والدجاجة نشب بيضها، والمسألة المعضلة: الصعبة المخرج، وداء عضال: شديد. وقول علىّ - رضى الله عنه -: معضلة ولا أبا حسن. قال الفراء: هذه معرفة وضعت موضع النكرة، كأنه قال: ولا رجل كأبى حسن؛ لأن التنزيه (¬2) لا يقع على المعارف. وقال غيره من البصريين: فى الكلام حذف مضاف نكرة لا يتعرف بما أضيف إليه، والتقدير: معضلة ولا مثل معضلة أبى حسن. قال: والمعنى يقتضى ذلك. ¬

_ (¬1) حديث رقم (8) بالباب. (¬2) فى ح: التبرئة.

قَالَ سُفْيَانُ: أشُكُّ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ أمْ لا. يَعْنِى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى} (¬1). 4 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ - وَاللَّفْظُ لأبِى بَكْرٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِم، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالتِ اليَهُودُ لِعُمَرَ: لَوْ عَلَيْنَا، مَعْشَرَ يَهُود، نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكَمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}، نَعْلَمُ اليَوْمَ الَّذِى أنْزِلَتْ فِيهِ، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: فقال عمر: فَقد علمت اليَوْمَ الذِى أُنْزِلَتْ فِيهِ، وَالسَّاعَةَ، وَأيْنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ. نَزَلَتْ لَيْلةَ جَمْعٍ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ. 5 - (...) وَحَدَّثَنِى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْس عن قيس بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ اليهُودِ إلَى عُمَرَ. فَقَالَ: يَا أميرَ المؤمِنِينَ، آيَةٌ فِى كِتَابِكُمْ تَقْرَؤونَها، لَوْ عَلَينَا نَزَلَتْ، مَعْشَر اليَهُودِ، لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: وَأَىُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}. فَقَالَ عُمَرُ: إنِّى لأعْلَمُ اليَوْمَ الَّذِى نَزَلَتْ فِيهِ، وَالمَكَانَ الَّذِى نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ، فِى يَوْمِ جُمُعَةٍ. 6 - (3018) حدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ أحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُجِيبِىُّ - قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: أخْبَرَنَا - ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر؛ أنَّهُ سَألَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضى: وقوله فى حديث ابن أبى شيبة فى قوله: {الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}: نزلت ليلة جمعة ونحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفات. كذا لابن ماهان، ولغيره: " ليلة جمع "، والوجه الأول صحيح كما قال فى سائر الأحاديث، وكما جاء فى الحديث بعده: " يوم جمعة ". وقوله: " يريد أن يتزوجها بغير أن يقسط فى صداقها " أى يعدل، قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى} (¬2): أى تعدلوا. ¬

_ (¬1) المائدة: 3. (¬2) النساء: 3.

تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (¬1) قَالَتْ: يَا ابْنَ أخْتِى، هِىَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِى حِجْرِ وَلِيِّهَا، تُشَارِكُهُ فِى مَالِهِ، فَيُعْجبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أنْ يُقْسِط فِى صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ. فَنُهُوا أنْ يَنْكِحُوهُنَّ إلا أنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأمِرُوا أنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إنَّ النَّاسَ اسْتَفْتُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ فِيهِنَّ، فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِى لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُن} (¬2). قَالَتْ: وَالَّذِى ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى؛ أنَّهُ يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الكِتَابِ، الآيَةُ الأولَى التِى قَالَ اللهُ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ}. قَالَتْ عائِشَةُ: وَقَولُ اللهِ فِى الآيَةِ الأخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُن} رَغْبَةَ أحَدِكُمْ عَنِ اليَتِيمَةِ الَّتِى تَكُونُ فِى حجْرِهِ، حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ المَالِ وَالجَمَالِ. فَنُهُوا أنْ يَنْكِحُوَا مَا رَغِبُوا فِى مَالِها وَجَمَالِهَا مِنْ يتَامَى النِّسَاءِ إلا بِالقِسْطِ، مِنْ أجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ. (...) وحدّثنا الحَسَنُ الحُلْوَانِىُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقِوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أبى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أخْبَرَنِى عُرْوَةُ؛ أنَّهُ سَألَ عَائِشَةَ عَنْ قَولِ الله. {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى} وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ عِنِ الزُّهْرِىِّ. وَزَادَ فِى آخِرهِ: مِنْ أجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ، إذا كُنَّ قَلِيلاتِ المَالِ وَالجَمَالِ. 7 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ، قَا لا: حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِى قَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقسِطُوا فِى الْيَتَامَى} قَالَتْ: أنْزِلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " فنهوا أن ينكحوا ما رغب فى جمالها ومالها إلا بالقسط ": أى طلبوا. وقوله: " من أجل رغبتهم عنهن ": يعنى تركهم وكراهتهم لهن إذا كن قليلات المال والجمال، قال الله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُن} رغبت فيه، إذا أردته، ورغبت عنه؛ إذا كرهته. ¬

_ (¬1) النساء: 3. (¬2) النساء: 127.

فِى الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ اليَتِيمَةُ وَهُوَ وَليُّهَا وَوَارِثُهَا، وَلَهَا مَالٌ، وَلَيْسَ لَهَا أحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا، فَلا يُنْكِحُهَا لِمَالِهَا، فَيضُرُّ بِهَا وَيُسِىءُ صُحْبَتَهَا. فَقَالَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ}. يَقُولُ: مَا أحْللتُ لَكُمْ. وَدَعْ هَذِهِ الَّتِى تَضُرُّ بِهَا. 8 - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِى قَوْلِهِ: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ اللأَتِى لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُن} قَالَتْ: أنْزِلَتْ فِى اليَتِيمَةِ، تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَشْرَكُهُ فِى مَالِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أنْ يُزَوِّجَهَا غَيْره، فَيَشْرَكُهُ فِى مَالِهِ فَيَعْضِلُهَا فَلا يَتَزَوَّجُهَا وَلا يُزَوِّجُها غَيرُهُ. 9 - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِى قَولِهِ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِن} الآيَةَ (¬1). قَالَتْ: هِىَ اليَتِيمَةُ الَّتِى تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لَعَلَّهَا أنْ تَكُونَ قَدْ شَرِكَتْهُ فِى مَالِهِ، حَتَّى فِى العَذْقِ، فَيَرْغَبُ - يَعْنِى - أنْ يَنْكِحَهَا. وَيَكْرَهُ أنْ يُنْكِحَهَا رَجُلاً فَيَشْرِكُهُ فِى مَالِهِ، فَيَعْضِلُهَا. 10 - (3019) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِى قَوْلِهِ: {وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف} (¬2) قَالَتْ: أَنْزِلَتْ فِى وَالِىَ مَالِ اليَتِيمِ الَّذِى يَقُومُ عَلَيْهِ وُيصْلِحُهُ، إذَا كَانَ مُحْتَاجًا أنْ يأكُلَ مِنْهُ. 11 - (...) وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْروف} ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: " حتى فى العذق ": قال القاضى: هو هنا بفتح العين، ومعناه: النخلة بنفسها وقد مرّ (¬3). وذكر فى الحديث: قوله تعالى: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} الآية (¬4)، قالت عائشة: " أنزلت فى والى مال اليتيم الذى يقوم عليه ويصلحه، إذا كان محتاجاً أن يأكل منه " الحديث: اختلف السلف فى معنى هذه الآية، وهل هى محكمة أو منسوخة؟ فقيل: هى محكمة، ومعناها ما ذكر عن عائشة، وهو قول جماعة غيرها (¬5). وقيل: ¬

_ (¬1) النساء: 127. (¬2) النساء: 6. (¬3) سبق فى ك الجنائز، ب ركوب المصلى على الجنازة، رقم (89). (¬4) النساء: 6. (¬5) منهم ابن عباس، كما أخرج ذلك مالك فى الموطأ، ك صفة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب جامع فى الطعام والشراب 49/ 10.

72 - (2002) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَردِىَّ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابَرٍ؛ أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ منْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَو مُسْكِرٌ هُوَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَهْدًا، لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: " عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بذهاب الثلثين وليس فى كل شراب ولا كل عصير، وأما الوضع المعروف فلا بأس بذلك. وجواب النبى - عليه السلام - عن هذا بقوله: " كل ما أسكر " يعضد هذا كله. وأجاز أبو حنيفة وأصحابه شرب ما ذهب منه ثلثاه وإن أسكر، وجعلوا ذهاب الثلثين حدًا للحل، وروى عن جماعة من السلف أن ذهاب النصف بالطبخ حد يبيح شربها، وروى - أيضاً - عن أبى حنيفة وأبى يوسف. والمراعاة فى ذلك ما ذهب إليه أصحابنا، وهى حقيقة قول مالك: مراعاة عدم الإسكار، وأن حديث عمر: أن عصير عنبهم كان إذا ذهب ثلثاه بالطبخ أمن منه ذلك (¬1). قال ابن حبيب: ومن تحفظ التزم الشرطين: عدم الإسكار، وذهاب الثلثين، كأنه احتاط لرفعه واختزانه، وحديث [أبى] (¬2) موسى ومعاذ هذا له علة، فذكره مسلم عن شعبة، عن أبى بردة، عن أبيه، [عن جده] (¬3) [عن أبى موسى. وذكره - أيضًا - عن محمد بن عباد، عن سفيان بن عمر - وهو ابن كيثار - عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن جده، (¬4) وذكره - أيضًا - عن زيد بن أبى أنَيْسَة، عن سعيد بن أبى بردة، حدثنا أبو بردة، عن أبيه. قال الدارقطنى: اختلف فيه على شعبة، فأخرجه البخارى عنه، عن سعيد بن أبى بردة، عن أبيه: " بعث النبى - عليه السلام - جده (¬5) أبا موسى ومعاذ " الحديث. كذا قاله البخارى (¬6) من رواية مسلم عن شعبة، وتابعه العبدى ووهيب عنه، وقال وكيع والنضر وأبو داود: عن أبيه، عن جده. كما ذكر مسلم هنا. وأما رواية ابن عباد، فقال الدارقطنى: لم يتابع ابن عباد عليه، ولا يصح هذا عن عمرو بن دينار، وقد روى عن ابن عيينة عن ابن مسعود، ولا يثبت، ولم يخرجه البخارى من حديث عيينة، وهذا مما استدركه الدارقطنى على مسلم (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ، ك الأشربة، ب جامع تحريم الخمر 2/ 847 رقم (14). (¬2) ساقطة من ح (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) سقط من ح. (¬5) فى الأصل: أبو، وهو تصحيف. (¬6) البخارى، ك الأدب، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يسروا ولا تعسروا " رقم (6124). (¬7) الإلزامات والتتبع ص 198.

15 - (3022) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ لِى عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أخْتِى، أمِرُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لأصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسَبُّوهُمْ. (...) وحدّثناه أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله عائشة: " أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسبوهم " قالته - والله أعلم - عندما سمعت أهل مصر يقولون فى عثمان ما قالوا، وأهل الشام وبنى أمية يقولون فى علىّ ما قالوا، وقالت الحرورية فى الجميع ما قالوا - والله أعلم. والأمر بالاستغفار الذى أشار إليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا} (¬1) [الآية] (¬2). وبهذا احتج مالك (¬3) أن لا حق فى الفىء لِمَنْ سَبّ أصحاب النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الله إنما جعله لِمَنْ جاء بعدهم ممن يستغفر لهم لا لمن سبّهم. وقول ابن عباس فى قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} (¬4): " ما نسخها شىء "، وقوله: " لا توبة له "، وقوله فى آية الفرقان: {إلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ} (¬5): " نزلت فى أهل الشرك "، وقوله: " نسختها آية المدينة ": يعنى آية النساء. هذا عن ابن عباس فى توبة القاتل، وأنها غير مقبولة. وروى عنه أن آية النساء ناسخة لآية الفرقان، وأنه لا توبة للقاتل المسلم، وهو الذى ذكر عنه مسلم، والمشهور عنه. وقد روى عنه (¬6) قبول توبته، وجواز مغفرة الله له وعفوه عنه بقوله: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (¬7). وهذا هو الذى عليه جماعة السلف [وأهل السنة أجمع، وكل ما روى عن بعض السلف] (¬8) مما ظاهره خلاف هذا على التغليظ والتشديد، والآية خبر محض، والأخبار لا يدخلها النسخ كما قال ابن عباس، لكن يدخلها التخصيص والاستثناء والشرط. وقد اختلف فى معناها، فذهب أكثرهم إلى أن معناها: جزاؤه إن جازاه وأنفذ عليه وعيده، وفيه حديث مروى بهذا عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: معناه: مَنْ قتل مستحلاً لقتله لأجل إيمانه وهذا كفر (¬9). وقيل: الآية نزلت فى رجل معين قتل مسلماً ثم ¬

_ (¬1) الحشر: 10. (¬2) ساقطة من ح. (¬3) انظر: أحكام القرآن للقرطبى 18/ 32، معالم التنزيل للبغوى 4/ 321. (¬4) النساء: 93. (¬5) الفرقان: 70. (¬6) ذكر ذلك عنه القرطبى فى تفسيره 5/ 333. (¬7) النساء: 110. (¬8) سقط من ز. (¬9) قال ابن كثير: رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعاً، ولكن لا يصح. تفسير ابن كثير 1/ 537.

16 - (3023) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: اخْتَلَفَ أهْلُ الكُوفَةِ فِى هَذِهِ الآيَةِ: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (¬1) فَرَحَلْتُ إلَى ابْن عَبَّاسٍ فَسَألْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: لَقَدْ أنْزِلَتْ آخِرَ مَا أنْزِلَ. ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَىْءٌ. 17 - (...) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةٌ. بِهَذَا الإسْنَادِ. فِى حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ: نَزَلَتْ فِى آخِر مَا أنْزِلَ. وَفِى حَدِيثِ النَّضْرِ: إنَّهَا لَمِنْ آخِرِ مَا أنْزِلَتْ. 18 - (...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَمْ يَنْسَخْها شَىْءٌ. وَعَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ارتد (¬2). وقيل: المعنى: خلود دون خلود إن لم يعف الله عنه من دخولها، وهو مثل قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيتَعَدَّ حُدُودَهُ} الآية (¬3). والآية العامة تقضى على هذه وتفسرها وهى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ (¬4)، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (¬5). وقوله فى الحديث: " فرحلت إلى ابن عباس ". هذا هو الصواب بالراء والحاء المهملة، وعن ابن ماهان: " فدخلت " بالدال والخاء المعجمة. وذكر مسلم فى هذا الحديث: حدثنا محمد بن مثنى ومحمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن منصور، عن ابن جبير، قال: أمرنى عبد الرحمن بن أبزى (¬6) أن أسأل ابن عباس. كذا وقع عندنا فى سائر النسخ، وكذا ذكره البخارى (¬7) عن شعبة أيضاً، وذكره أبو عبيد عن سعيد بن ¬

_ (¬1) النساء: 93. (¬2) انظر: جامع البيان للطبرى 5/ 217. (¬3) النساء: 14. (¬4) النساء: 48. (¬5) الزمر: 53. (¬6) قال البخارى: هو مولى خزاعة الكوفى، له صحبة، وهو من قدماء موالى مكة. التاريخ الكبير 5/ 245، انظر: الإصابة 4/ 149. (¬7) البخارى، ك التفسير، سورة الفرقان 6/ 139.

آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} (¬1). قَالَ: نَزَلَتْ فِى أَهْلِ الشِّرْكِ. 19 - (...) حدَّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيْثِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - يَعْنِى شَيْبَانَ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِمَكَّةَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُهَانًا} (¬2). فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَمَا يُغْنِى عَنَّا الإِسْلاَمُ وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللهِ وَقَدْ قَتَلْنَا النفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا} (¬3) إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِى الإِسْلاَمِ وَعَقَلَهُ، ثُمَّ قَتَلَ، فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ. 20 - (...) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ أَبِى بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جَبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَتَلَوْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِى فِى الْفُرْقَانَ: {وَالَّدِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ، نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا}. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ هَاشِمٍ: فَتَلَوْتُ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِى فِى الْفُرْقَانِ: {إِلاَّ مَن تَابَ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ جبير: قال لى سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، ورواه عن جماعة، أمرنى ابن أبزى. قال بعضهم: فلعله فى رواية شعبة: أمرنى ابن عبد الرحمن فسقط [ابن] (¬4)، ولعله: أمر ابن عبد الرحمن فسقط الألف وتصحف بهذه. وعبد الرحمن بن أبزى له صحبة. قال القاضى: وأما الذى يبعد عن أن يجعل سعيدًا سأل له ابن عباس مما لا يعلم فقال: حدثنا أبو النصر هاشم بن القاسم الليثى: كذا هو، وفى بعض النسخ: التميمى، ولم يروه. وفى أصل ابن عيسى: التميمى، وروايته: " الليثى ". وقال البخارى (¬5) فيه: " الليثى " قال: ويقال: " التميمى ". ¬

_ (¬1) الفرقان: 68. (¬2) الفرقان: 68، 69. (¬3) الفرقان: 70. (¬4) من ح. (¬5) التاريخ الكبير: 8/ 235.

21 - (3024) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ لِىَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ - وَقَالَ هَارُونَ: تَدْرِى - آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. قَالَ: صَدَقْتَ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ: تَعْلَمُ أَىُّ سُورَةٍ. وَلَمْ يَقُلْ: آخِرَ. (...) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثله. وَقَالَ: آخِرَ سُورَةٍ. وَقَالَ: عَبْدِ الْمَجِيدِ، وَلَمْ يَقُلِ: ابْنِ سُهَيْلٍ. 22 - (3025) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِى شَيْبَةَ - قَالَ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا - سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَقَىِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمينَ رَجُلاً فِى غُنَيْمَةٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام: خرج مسلم حديث ابن عباس: " تعلم آخر سورة نزلت من القرآن جميعاً؟ قلت: نعم " الحديث، قال: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وهارون بن عبد الله، وعبد بن حميد، عن جعفر بن عون، أنبأنا أبو عميس، عن المجيد بن سهيل. قال بعضهم: هكذا هو الصواب: عبد المجيد، بتقديم الميم على الجيم. ووقع فى نسخة ابن ماهان فى إسناد هذا الحديث: " عبد الحميد " مكان " عبد المجيد " والأول الصواب. قال القاضى: ما قاله الإمام هو ما نقله من كلام الجيانى أبى علىّ شيخنا - رحمه الله. وقد اختلف فى اسمه، فذكره مالك فى موطئه من رواية يحيى بن يحيى الأندلسى، وسماه عبد الحميد بتقديم الحاء، ونسبه: ابن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف. ووافق هذا القول سفيان بن عيينة فقال فيه أيضًا: عبد الحميد. وأما البخارى (¬1) فسماه: عبد المجيد، وكذا أيضاً رواه ابن القاسم فى الموطأ والقعنبى وجماعة من الرواة عن مالك. فاستبان أن الخلاف فى هذا الاسم مشهور، وإان كان هذا فالحكم بالخطأ على أحدهما والتصويب للآخر متعذر. قال أبو عمر بن عبد البر فيه: عبد الحميد، ويقال: عبد المجيد، وهو الأكثر. ¬

_ (¬1) انظر: التاريخ الكبير 6/ 110، برقم (1870).

فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنْيمَةَ. فَنَزَلَتْ: " وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ". وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: السَّلاَمَ. 23 - (3026) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى - قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَرَجَعُوا، لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلا مِنْ ظُهُورِهَا. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ منَ الأَنْصَارِ فَدخَلَ مِنْ بَابِهِ. فَقِيلَ لَهُ فِى ذَلِكَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا} (¬1). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: فى سبب نزول الآية: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} (¬2): هذه قراءة ابن عباس، وجماعة من القراء. وقرأ جماعة " السَّلم " (¬3). والقراءتان فى السبع. وقرأ بعضهم: " السِّلم " بكسر السين. فمن قرأ: " السلام " فقد تبين فى الحديث سببه؛ أن الرجل سلم عليهم ليأمن بذلك، وليظهر أنه مسلم، فعاتبهم الله على ذلك. ومن قرأ القراءة الأخرى، فمعناه: التى بيده واستسلم وأظهر الإيمان، فـ {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ} أى مختفين بإيمانكم. وقيل: كفارًا. وقيل: مثله قبل أن يظهر ما أظهر. وقرأ أبو جعفر: " مؤمنًا " بفتح [الميم] (¬4)، أى لسنا نأمن منك. ¬

_ (¬1) البقرة: 189. (¬2) النساء: 194 (¬3) المدنيان، وابن عامر، وحمزة. (¬4) بياض فى الأصل، والمثبت من ح.

(1) باب فى قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}

(1) باب فى قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه} (¬1) 24 - (3027) حدّثنى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِى هِلال، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْد اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؟ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا كَانَ بَيْنَ إسْلامِنَا وَبَيْنَ أنْ عَاتَبَنَاًا للهُ بِهَذِهِ الآيَةِ: {أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قلوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه}. إلا أرْبَع سِنِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) الحديد: 16. وترك الإمام والقاضى الباب بجر تعليق.

(2) باب فى قوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}

(2) باب فى قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬1) 25 - (3028) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهْىَ عُرْيَانَةٌ. فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِى تِطْوَافًا؟ تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا. وَتَقُولُ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلاَ أُحِلُّهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الحديث: " من يعيرنى تطوافًا " بكسر التاء: هو بون (¬2) تلبسه المرأة تطوف به. قال الخطابى: كان أهل الجاهلية يطوفون عراة ويرمون بثيابهم، [ثم لا] (¬3) يأخذونها، ويتركونها تداس حتى تبلى. وهى التى تسمى " اللفا ". وقال ابن إسحاق: كان غير أهل الحرم من العرب لا يطوفون أول قدومهم مكة إلا فى ثياب الحمس، [وهم قريش ومن ولدت] (¬4). ¬

_ (¬1) الأعراف: 31. (¬2) كذا فى ز، وفى ح: ثوب. (¬3) و (¬4) سقط من ز، والمثبت من ح.

(3) باب فى قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء)

(3) باب فى قوله تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) (¬1) 26 - (3029) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبى شَيْبَةَ وَأبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أبِى مُعَاوِيَةَ - وَاللَّفْظُ لأبِى كُرَيْبٍ - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبِىِّ بْن سَلُولَ يَقُولُ لِجَارِيَةٍ لَهُ اذْهَبِى فَابْغِينَا شَيْئًا. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} لَهُنَّ {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. 27 - (...) وحدّثنى أَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِى سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ أنَّ جَارِيَةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أبَىِّ بْنِ سَلُولَ يُقَالُ لَهَا: مُسَيْكَةُ. وَأخْرَى يُقَالُ لَهَا: أمَيْمَةُ. فَكَانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَى. فَشَكَتَا ذَلِكَ إلى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله فى الآية: {وَمَن يكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وعند السمرقندى. وبعضهم: " فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم "، وهذا لم يقرأ به فيما علمت، ولعله ورد فى هذه الآية مورد التفسير (¬2)، كأنه قال: يعنى لهن، ولذلك قال [أهل التفسير: معناه: فإن الله للمكرهات] (¬3) من بعد إكراههن غفور رحيم. [وسمى فى الحديث الجاريتين] (¬4): نسيكة وأميمة، وقيل: مسكة. وقيل: معاذة وزينب. ¬

_ (¬1) النور: 33. (¬2) قال الإمام البغوى فى تفسير الآية: وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: لهن، والله لهن. معالم التزيل 3/ 344. (¬3) و (¬4) بياض فى الأصل، والمثبت من ح.

(4) باب فى قوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة}

(4) باب فى قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (¬1) 28 - (3030) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيس، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فِى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أيهم أقرب}. قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ أسْلَمُوا، وَكَانُوا يُعْبَدونَ، فَبَقِىَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ عَلَى عِبَادَتِهِمْ، وَقَدْ أسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الجِنِّ. 29 - (...) حدَّثنى أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ العَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سفيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَيْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الإنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ، فَأسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الجِنِّ، وَاسْتَمْسَكَ الإنْسُ بِعِبَادَتِهِمْ. فَنَزَلَتْ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِم الْوَسِيلَةَ}. (...) وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، بِهَذَا الإسْنَادِ. 30 - (...) وحدّثنى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنِى أبِى، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزَّمَّانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِم الْوَسِيلَةَ} قَالَ: نَزَلَتْ فِى نَفَرٍ مِنَ العَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ، فَأسْلَمَ الجِنِّيُّونَ. وَالإنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَنَزَلَتْ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغونَ إِلَى رَبِّهِم الْوَسِيلَةَ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) الإسراء: 57، وترك الإمام والقاضى الباب بغير تعليق.

(5) باب فى سورة براءة والأنفال والحشر

(5) باب فى سورة براءة والأنفال والحشر (¬1) 31 - (3031) حدّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيد ابْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: التَّوْبَة؟ قَالَ: بَلْ هِىَ الفَاضحَةُ. مَا زَالَتْ تَنْزِلُ: وَمِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا ألا يَبْقَى مِنَّا أحَدٌ إلا ذُكِرَ فِيها. قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الأنْفَالِ؟ قَالَ: تِلْكَ سُورَةُ بَدْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: فَالحَشْرُ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِى بَنِى النَّضِير. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ترك الإمام والقاضى الباب بغير تعليق.

(6) باب فى نزول تحريم الخمر

(6) باب فى نزول تحريم الخمر 32 - (3032) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أبى حَيَّانَ، عَنِ الشّعْبِىِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَر رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ، ألا وَإنَّ الخَمْرَ نَزَلَ تَحْرِيمُها، يَوْمَ نَزَلَ، وَهِىَ مِنْ خَمْسَةِ أشْيَاءَ: مِنَ الحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالعَسَلِ. وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ. وَثَلاثَةُ أشْيَاءَ وَدِدْتُ، أيُّهَا النَّاسُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيها: الجَدُّ، وَالكَلالَةُ، وَأبْوَابٌ مِنْ أبْوَابِ الرِّبَا. 33 - (...) وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ إدْرِيسَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أمَّا بَعْدُ، أيُّهَا النَّاسُ، فإنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهِىَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْل. وَثَلاتٌ، أيُّها النَّاسُ، وَدِدْتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهنَّ عَهْدًا نَنْتَهِى إلَيْهِ: الجَدُّ، وَالكَلالَةُ، وَأبْوَابٌ مِنْ أبْوَابِ الرِّبَا. (...) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنْ أبِى حَيَّانَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، بِمثْلِ حَدِيثِهِما. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ فِى حَدِيثِهِ: العِنَبِ، كَمَا قَالَ ابْنُ إدْرِيسَ. وَفِى حَدِيث عِيسَى: الزَّبِيبِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مُسْهِر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم تفسير الكلالة (¬1) والكلام فى تحريم الخمر (¬2) وغير ذلك، ما تكرر ههنا. ¬

_ (¬1) انظر: ك الفرائض، ب ميراث الكلالة. (¬2) انظر: ك الأشربة، ب تحريم الخمر ... ، وما بعده.

(7) باب فى قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا فى ربهم}

(7) باب فى قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ} (¬1) 34 - (3033) حدّثنا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أبِى هَاشِمٍ، عَنْ أبِى مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا إنَّ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ} إنَّهَا نزَلَتْ فِى الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةُ، وَعَلِىٌّ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الحَارِثِ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أبِى هَاشِمٍ، عَنْ أبِى مِجْلِزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ، لَنَزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ} بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرج مسلم حديث: {هَذَانِ خَصْمَانِ} فقال فيه: عن أبى مجلز، عن قيس بن عباد - وهو بضم [العين - قال: سمعت] (¬2) أبا ذر يقسم. قال الدارقطنى: أخرج البخارى (¬3) عن أبى مجلز، عن قيس، عن على قال: أنا أول من يجثو بين [يدى الرحمن للخصومة. قال قيس: وفيهم نزلت الآية، ولم يجاوز به قيساً، ثم] (¬4) قال البخارى: وقال عثمان عن جرير، [عن منصور، عن أبى هاشم، عن أبى مجلز قوله: قال الدارقطنى. فاضطرب] (¬5) الحديث. قال القاضى - رضى الله عنه -: [هذا آخر ما جمعناه فى شرح مسلم] (¬6) وتقصيناه [وطالعناه من قول] (¬7) الشارحين وأحصيناه، وأضفنا إليه [من نظرنا وتخريجنا] (¬8) وتوجيهنا ما هدانا الله تعالى إليه [وأوجزنا اللفظ] (¬9) فى ذلك وحررناه. وإلى الله أضرع [أن يجعل ما كتبنا من] (¬10) ذلك لوجهه ورضاه وينفعنا به، [وينفع من اكتتبه] (¬11) أو اكتسبه، أو طالعه، أو اقتناه، وأن [نصلى] (¬12) على سيدنا محمد نبيه وصفيه ويسلم عليه تسليماً، وعلى آله ومن تبعه واقتفاه. ¬

_ (¬1) الحج: 19. (¬2) بياض فى الاصل، والمثبت من ح. (¬3) ك التفسير، سورة الحج، ب {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ} 6/ 123. (¬4): (¬12) بياض فى الأصل، والمثبت من ح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى الجزء الثامن من كتاب إكمال المعلم وبانتهائه كمل جميع الديوان والحمد لله حق حمده، وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والله أعلم (¬1). ¬

_ (¬1) جاء فى نهاية نسخة ز: تم الكتاب بحمد الله ذى الجود ... رب العباد ومجرى الماء فى العود يا ناظراً فى الخط كن بالله مجتهداً ... اغفر لكاتبه يا خير معبود آخر النسخة. تم التصوير بقسم الجغرافيا بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول فى يوم الأحد 23 من رمضان 1366هـ الموافق 10 من أغسطس 1947م.

§1/1